الترغيب والترهيب للمنذري ت عمارة

عبد العظيم المنذري

مقدمة الطبعة الأولى

مقدمة الطبعة الأولى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله ناداه مولاه فزاده إجلالا وإكراما (ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا، ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) فأدّى صلى الله عليه وسلم الأمانة، وبلغ الرسالة، وجاهد في الله حق جهاده، ونطق بالحكمة وفصل الخطاب، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والعاملين بسنته الأبرار الصالحين المتقين. أما بعد: فيقول الله تعالى (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) 78 من سورة النحل. ياابن آدم خلقك الله جاهلا لاتعرف شيئا من الحياة، وهيأ لك ثلاثة أمور للفهم والإدراك لعلك تصغى إلى ما ينفعك، وترى ما يقدِّمك، فتحمد الله تعالى على ما وهب لك من كمال العقل. قال البيضاوي: جهالا مستصحبين جهل الجمادية، سبحانه جعل أداة تتعلمون بها فتحسون بمشاعركم جزيئات الأشياء فتدركونها، ثم تنتبهون بقلوبكم لمشاركاتها ومباينات بينها بتكرّر الإِحساس حتى تتحصل لكم العلوم البديهية، وتتمكنوا من تحصيل المعالم الكسبية بالنظر فيها (لعلكم تشكرون) كي تعرفوا ما أنعم عليكم طورا بعد طور فتشكروه أهـ. ذكرت هذه الآية استدلالا على أن الإنسان في حاجة إلى البحث وكثرة الاطلاع ليغذي نفسه بلبان العلوم والمعارف ويذكرها بالموعظة الحسنة، ولن أجد نبراسا مضيئا، وسراجا وهاجا ومصباحا منيرا ادعي إلى الهداية والإرشاد، مثل كتاب الله جلّ وعلا، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يهديان الناس إلى المحجة الواضحة، ويبصرانهم مواطن الحجة الناصعة، وجماع الخير كله (الترغيب والترهيب) عكفت على قراءته من سنة 1349 من هجرة سيدنا رسول الله

صلى الله عليه وسلم وأخرجت مختارات تزيد عن ألفين ولما تطبع. ثم راجعت الكتاب كله وضبطت ألفاظ أحاديثه ضبطا وافيا وأسماء الرواة رضي الله عنهم، ثم عقبت كل باب من أبوابه بذكر طائفة من الآيات القرآنية التي تناسب أن يذكره الواعظ المرشد، والناصح الأمين، والمهدى المخلص، والشارح الوافى كما ذيلتها بشرح (فتح جديد) كما ألهم الله سبحانه وتعالى يفسر غريب ألفاظها، ويحلّ مستغلق كلماتها، وأوردت كل ما تمس إليه الحاجة في فهمها، والاستدلال بعرضها، فجاء والحمد لله كتابا جميلا حوى آيات بينات، وحكما خالدات، وقرآنا عربيا مبينا، شنف آذان المسلمين بآيه الناطقة، وأثلج صدورهم بحكمه البالغة، وأفاض على القلوب من عظاته المؤثرة، فكان مصدر خير، ومبعث نور، وشمس هداية أضاءت للعالم سبل المصالح، وهدتهم خطط العمل الناجح. ثم حوى جملة من كلام خير البشر عليه الصلاة والسلام الذي أرسله الله على حين فترة من الرسل، وحاجة من البشر، فأهاب بالعقول من سباتها، وأخذ بالنفوس عن غيها، وعرض على الأنظار خيالة تمثلت فيها آى الكون الصامتة صلى الله عليه وسلم، أدّبه ربه فوصفه سبحانه بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم) فكان تكوينه خير تكوين وتثقيفه أوّل تثقيف صلى الله عليه وسلم، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وإنها لأحاديث منتقاه متخيرة آية في الإبداع والإرشاد، تفصل شؤون الحياة، وتوضح مجمل المحامد، وتجلب كل المحاسن، وتضرب في صميم المنكرات والقبائح، فتزيل كل معوجّ، وتجارى العصر الحاضر ونهضته المباركة في الاستقامة والكدّ والجدّ والاشتغال بالأعمال الصالحة، وشرحتها بعبارة سهلة يلمحها الأديب فيروقه وصفها، ويقرؤها المربي فيسايره نهجها، وينظرها القارئ الساذج فيسهل عليه فهمها، وتروى منا نفسه. تراه يا أخى لكل واعظ غنية، ولكل تقّى بغية، ولكل راغب في الدين منية، ولكل خلق ثمرة غضة (وجنى الجنتين دان) مالئا نفس الراغب، سادّا جوعه الناهم، وأعدّ هذا إلهاما، راجيا من العليم سبحانه أن يهب لى توفيقا، ويرزقني الهداية والصحة والعافية، ويمدّني بروح منه، ويظلني في ظلال السعادة، ويمدني بعنايته لأبعد من الزلل، فهو الهادى المستعان (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب). وحسبك قول الحافظ المنذري في فائدة هذا الكتاب المستطاب سألني بعض الطلبة الحذاق أولو الهمم العالية ممن اتصف بالزهد في الدنيا على الله عز وجل بالعلم والعمل، زاده الله قربا منه وعزوفا عن دار الغرور، أن أملى كتابا جامعا في الترغيب والترهيب مجردا عن التطويل بذكر إسناد أو كثرة تعليل؛ فاستخرت الله وأسعفته بطلبته؛ لما وقر عندي من صدق

نيته؛ وإخلاص طويته، وأمليت عليه هذا الكتاب صغير الحجم، غزير العلم؛ حاويا لما تفرّق في غيره من الكتب) أهـ. أعجبني هذا القول العذب فأكثرت الإمعان فيه، والنظر إلى مراميه، وعقلت معانيه، وأشعر بانشراح صدر، والحمد لله لجنى ثماره، وقطف أزهاره، ونحن الآن في حاجة إليه لأنا في زمن كثر الانصراف فيه عن الدين، وحبب إلى الناس الدنيا وزخارفها، وغرّتهم المدنية الحديثة بسرابها الخادع وبعدوا من السنة وآدابها، ولنا رجاء في المولى جلّ وعلا أن يشمل المسلمين برحمته فيعملوا بالكتاب والسنة ليسعدوا، ولعل هذا السفر ينال حظا وإقبالا على قراءته وينظر إليه المؤمنون، فينقع غلة الصادى، ويشفى علة المرتاب. وإني أمدّ أكف الضراعة إلى من يجيب دعوة المضطرّين أن ينفع به كأصله ويرزقنى فيه الإخلاص، ليكون لى كفيلا في الآخرة بالخلاص، وإني أشكر لله مدده ورعايته إذ أشرقت شموس الوعظ والإرشاد في ربوع العالم وتصدّى للعلم وتعليمه العلماء الأكفاء، والسادة الفضلاء، وقاموا بقسط وافر، وعمل زاخر، جزاهم الله خيرا. والفأل الحسن اليوم 27/ 5/ 1373 هـ إقبال قادة المسلمين على الاطلاع عليه والاستضاءة بأنوار أحاديث صلى الله عليه وسلم. وإن أشكر لرجال دار الكتب الملكية عنايتهم المضاعفة، وهمتهم العالية، فقد يسروا لنا الطرق المعبدة في البحث والتنقيب والمراجعة والتصحيح على عدة نسخ مخطوطة من كتاب (الترغيب والترهيب) وقد اعتمدت على كتاب محضر من جامع شيخون في 5 يونيه نمرة 120 حديث، وقفه المرحوم محمد صالح أفندى شرمى زادة لطلبة العلم سنة 1262 هـ، وفي آخر هذه العبارة (ووافق الفراغ من كتابه نهار الثلاثاء تاسع عشر المحرّم سنة 825 هـ بصالحية دمشق المحروسة على يد المرحوم على بن يوسف البانياسى الشافعي غفر الله له). ثم راجعت على نسخة ثانية في آخرها هذه العبارة (كتبها الشيخ محمد ابن الشيخ محمد ابن أحمد زهران الأجهورى في عشرة من صفر سنة 1202 هـ). ثم قام حضرة أخى العزيز المحترم الفاضل (مصطفى أفندى محمدعبد القادر) المدرس بالمدارس الأميرية بالمراجعة وضبط ألفاظ الأحاديث على النسخ المخطوطة بدار الكتب. وقد ساعدنى حضرة الأستاذ المحدث التقى الشيخ أحمد بن الصديق المغربى نزيل مصر الآن على شراء نسخة مخطوطة من سنة 849 هـ. أراجع عليها الآن مرة ثانية في أثناء الطبع انظر (ص 376 جـ أول من الترغيب).

نبذة في مصطلح الحديث وفن أصوله

نبذة في مصطلح الحديث وفن أصوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أقسام الحديث النوع الأوّل: الصحيح: ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة: أي لا أنه غير مقطوع به؛ ومعنى غير الصحيح لم يصح إسناده، وقيل المختار أنه لايجزم في إسناد أنه أصح الأسانيد مطلقا، وقيل أصحها الزهرى عن سالم عن أبيه، وقيل عن ابن سيرين عن عبيدة عن علىّ، وقيل الأعمش عن ابراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، وقيل الزهرى عن عليّ عن الحسن عن أبيه عن على، وقيل مالك عن نافع عن ابن عمر، فعلى هذا قيل الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم. الكتب الصحيحة أوّل مصنف في الصحيح المجرد صحيح البخاري. ثم مسلم، وهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم، والبخاري أصحهما وأكثرهما فوائد، واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان. وسنن أبى داود والترمذي والنسائي، تلك أصول خمسة لم يفتها إلا اليسير، وجملة ما في البخاري 7275 حديثا بالمكرر، وبحذف المكرر (4000). ومسلم بإسقاط المكرّر نحو (4000). ثم إن الزيادة في الصحيح تعرف من السنن المعتمدة كسنن أبى داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة والدراقطنى والحاكم والبيهقى وغيرهما منصوصا على صحته. والكتب المخرّجة على الصحيحين لم يلتزم فيها موافقتهما في الألفاظ فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعنى وكذا ما رواه البيهقى والبغوى وشبههما قائلين: رواه البخاري ومسلم وقع في بعضه تفاوت في المعنى. أقسام الصحيح. أعلاه ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم مسلم اثم ما على شرطهما، ثم ما على شرط البخاري، ثم مسلم، ثم صحيح عند غيرهما، وإذا قالوا صحيح متفق عليه أو على صحته فمرادهم اتفاق الشيخين.

النوع الثاني: قال الخطابي رحمه الله: هو ما عرف مخرّجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث ويقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء، وإذا قيل حسن صحيح: أي روى بإسنادين: أحدهما يقتضى الصحة، والآخر الحسن. النوع الثالث: الضعيف: وهو ما لم يجمع صفة الصحيح أو الحسن، وربما لقب بالموضوع أو الشاذ. النوع الرابع: المسند: قال الخطيب البغدادي: هو عند أهل الحديث ما اتصل سنده إلى منتهاه، وأكثر ما يستعمل فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره. النوع الخامس: المتصل: ويسمى الموصول: وهو ما اتصل إسناده مرفوعا كان أو موقوفا على من كان. النوع السادس: المرفوع: وهو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لا يقع مطلقه على غيره متصلا كان أو منقطعا. النوع السابع: الموقوف: وهو المروى عن الصحابة قولا لهم أو فعلا أو نحوه متصلا كان أو منقطعا، ويستعمل في غيرهم مقيدا فيقال وقفه فلان. النوع الثامن: المقطوع: وهو الموقوف على التابعى قولا له أو فعلا واستعمله الشافعي، ثم الطبراني في المنقطع. النوع التاسع: المرسل: ما رواه التابعى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا. ثم المرسل حديث ضعيف عند جماهير المحدّثين والشافعي وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول، وقال مالك وأبو حنيفة في طائفة صحيح، وقيل مرسل الصحابي محكوم بصحته. النوع العاشر: المنقطع: هو الذي لم يتصل إسناده على أىّ وجه كان انقطاعه، وأكثر ما يستعمل في رواية من دون التابعى عن الصحابى كمالك عن ابن عمر. وقيل هو الذي اختلّ فيه رجل قيل التابعى محذوفاً كان أو مبهما. النوع الحادى عشر: المعضل: ما سقط من إِسناده اثنان فأكثر، ويسمى منقطعا، ويسمى مرسلا عند الفقهاء، وقيل ما قال فيه الراوى: بلغنى، كقول مالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (للمملوك طعامه وكسوته) يقال أعضل فهو معضل. الإِسناد المعنعن: هو فلان عن فلان، قيل إِنه مرسل، وقيل متصل بشرط أن لا يكون المعنعن مدلسا، وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا. وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه خلاف: منهم من لم يشترط شيئا من ذلك وهو مذهب مسلم بن الحجاج ادعى الاجماع فيه، ومنهم من شرط اللقاء وحده

وهو قول البخاري وابن المدينى والمحققين، ومنهم من شرط طول الصحبة، ومنهم من شرط معرفته بالرواية عنه. النوع الثاني عشر: التدليس (1) تدليس الإسناد: بأن يروى عمن عاصرهم مالم يسمعه منه موهما سماعه قائلا: قال فلان أو عن فلان، وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره ضعيفا أو صغيرا تحسينا للحديث. (2) تدليس الشيوخ: بأن يسمى شيخه أو يكنه أو ينسبه أو يصفه بما لم يعرف. أما الأول فمكروه جدّا. قال عنه العلماء: من عرف به صار مجروحا مردود الرواية، وأما الثاني فكراهته أخف، وسببها توعير طريق معرفته. النوع الثالث عشر الشاذ: ما روى الثقة مخالفا رواية الناس، لا أن يروى ما لا يروى غيره، هذا عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز. قال الخليلى: والذى عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره، فما كان عن غير ثقة فمتروك، وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به. النوع الرابع عشر: معرفة المنكر، قال الحافظ البرديجى: هو الفرد الذى لا يعرف متنه عن غير رواية (برديج) بلد بأذربيجان. النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد، فالاعتبار أن يروى حماد مثلا حديثا لا يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن ابى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم. والمتابعة أن يرويه عن أيوب غير حماد وهى المتابعة التامة، أو عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبى صلى الله عليه وسلم صحابيّ آخر: والشاهد أن يروى حديثا آخر بمعناه. النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات وحكمها: مذهب الجمهور قبولها مطلقا. وقيل تقبل إن زادها من رواه ناقصا، ولا تقبل ممن رواه مرة ناقصا. النوع السابع عشر: معرفة الأفراد (1) فرد عن جميع الرواة (2) بالنسبة إلى جهة كقولهم: تفرّد به أهل مكة أو فلان. النوع الثامن عشر: المعلل: أي وجود سبب غامض قادح فيه مع أن الظاهر السلامة منه يفهمه أهل الحفظ والخبرة والفهم السابق. النوع التاسع عشر: المضطرب هو الذي يروى على أوجه مختلفة منفردا به، والحكم للراجح. النوع العشرون: المدرج (1) ما يذكر الراوى عقيب كلامه صلى الله عليه وسلم كلاما لنفسه أو لغيره فيرويه من بعده متصلا فيتوهم أنه من الحديث (2) أن يكون عنده متنان

بيان أقسام طرق تحمل الحديث ومجامعها

بإسنادين فيرويه بأحدهما. (3) أن يسمع حديثا من جماعة مختلفين في إسناده أو متنه فيرويه عنهم باتفاق، وكله حرام. النوح الحادى والعشرون: الموضوع هو المختلَق المصنوع، وشرّه الضعيف، ويحرم روايته مع العلم به في أي معنى إلا مبينا، ويعرف الوضع بإقرار واضعه، أو معنى إقراره، أوركاكة في لفظه ومعناه. النوع الثاني والعشرون: المقلوب هو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليرغب فيه. النوع الثالث والعشرون: صفة من تقبل روايته أن يكون عدلا ضابطا مسلما بالغا عاقلا سليما من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظا حافظا إن حدّث من حفظه، ضابطا لكتابه إن حدّث منه، عالما بما يحيل المعنى إن روى به. من كفر ببدعته لم يحتج به، ومن أخذ على التحديث أجراً إلا تقبل روايته عند أحمد وإسحق وأبي حاتم، ولا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماعه أو إسماعه. وألفاظ التعديل: ثقة أو متقن، أو ثبت، أو حجة، أو عدل حافظ، أو ضابط، أو صدوق، أو محله الصدق. النوع الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه: بيان أقسام طرق تحمل الحديث ومجامعها (أ) الإجازة: أن يجيز معينا لمعين كأجزتك البخاري، أو مااشتملت عليه فهرستي. (ب) أن يجيز معينا غيره كأجزتك مسموعاتى، جوّز الجمهور الرواية وأوجبوا العمل بها. (جـ) يجيز غير معين بوصف العموم كأجزت المسلمين، أو كل أحد، أو أهل زماني. (د) إجازة مجهول أوّله كأجزتك كتاب السنن، وهو يروى كتبا في السنن. المناولة (1) مقرونة بالإجازة، هي أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه ويقول هذا سماعي أو روايتى عن فلان فاروه، أو أجزت لك روايته عنى ثم يبقيه معه تمليكا، أو لينسخه أو نحوه، أو يعرض سماع ليرويه عنه. (2) المجرّدة أن يناوله مقتصرا على (هذا سماعى) فلا تجوز الرواية بها. المكاتبة: هي أن يكتب مسموعه لغائب أو حاضر بخطه أو بأمره، وهي ضربان: مجردة عن الإجازة، ومقرونة بأجرتك ما كتبت لك، وهي في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة. إعلام الشيخ الطالب أن هذا الحديث أو الكتاب سماعه مقتصرا عليه، جوّز أهل الحديث الراوية به.

الوصية: أن يوصى عند موته أو سفره بكتاب يرويه الصواب لا يجوز للموصى له روايته عنه. الوجادة: أن يقف على أحاديث بخط راويها لا يرويها الواجد فله أن يقول وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه بخط حدثنا فلان ويسوق الإسناد والمتن. النوع الخامس والعشرون: كتابة الحديث وضبطه. النوع السادس والعشرون: صفة رواية الحديث. النوع السابع والعشرون: معرفة آداب المحدث: علم الحديث شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وهو من علوم الآخرة، ومن حرمه حرم خيرا عظيما، ومن رزقه نال فضلا جزيلا، فعلى صاحبه تصحيح النية وتطهير قلبه من أغراض الدنيا. واختلف في السن الذي يتصدى فيه لإسماعه، والصحيح أنه متى احتيج إلى ما عنده جلس له في أيّ سن كان. وينبغى أن يمسك عن التحديث إذا خشى التخليط بهرم أو خرف أو عمى، ويختلف ذلك باختلاف الناس. (فصل) الأولى أن لا يحدّث بحضرة من هو أولى منه لسنه أو علمه أو غيره، وقيل يكره أن يحدّث في بلد فيه أولى منه. وينبغى له إذا طلب منه مايعلمه عند أرجح منه ان يرشد إليه فالدين النصيحة، ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فإنه يرجى صحتها، وليحرص على نشره مبتغيا جزيل أجره. (فصل) ويستحب له إذا أراد حضور مجلس التحديث أن يتطهر ويتطيب، ويسرح لحيته ويجلس متمكنا بوقار، فان رفع أحد صوته زبره، ويقبل على الحاضرين كلهم، ويفتتح مجلسه ويختتمه بتحميد الله تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء يليق بالحال بعد قراءة قارئ حسن الصوت شيئا من القرآن العظيم، ولا يسرد الحديث سردا يمنع فهم بعضه، والله أعلم. ويستحب للمحدِّث العارف عقد مجلس لإملاء الحديث، ويستملى مرتفعا، ويتخذ متيقظا يبلغ عنه إذا كثر الجمع، ويستنصت المستملى الناس بعد قراءة قارئ حسن الصوت شيئا من القرآن، ثم يبسمل ويحمد الله تعالى ويصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم ويتحرّى الأبلغ فيه، وإذا ذكر صاحبيا قال: رضي الله عنه، أو ابنه قال: رضي الله عنهما، ويثني على شيخه حال الرواية بما هو أهله كما فعله جماعات من السلف. النوع الثامن والعشرون: معرفة آداب طالب الحديث: تصحيح النية والإخلاص لله تعالى في طلبه والحذر من التوصل به إلى أغراض الدنيا، ويسأل الله تعالى التوفيق والتسديد والتيسير، وليستعمل الأخلاق الجميلة والآداب. ثم ليفرغ جهده في تحصيله بالسماع من أرجح شيوخ بلده إسنادا وعلما وشهرة ودينا وغيره، فإذا فرغ من مهماتهم فليرحل على عادة الحافظ المبرزين، ويستعمل ما يسمعه من أحاديث العبادات والآداب، فذلك زكاة الحديث وسبب حفظه والله أعلم.

وينبغى أن يعظم شيخه ومن يسمع منه، فذلك إجلال العلم وسبب الانتفاع به، ويتحرى رضاه ولا يضجره، وليستشره في أموره وما يشتغل فيه، وإذا ظفر بسماع أن يرشد إليه غيره فان كتمانه لؤم يقع فيه جهلة الطلبة، فإن من بركة الحديث إفادته، وبنشره ينمى، ولا يمنعه الحياء والكبر من السعي التام في التحصيل وأخذ العلم ممن دونه في نسب أو سن أو غيره، وليصبر على جفاء شيخه، وليعتنِ بالمهمّ، ولا يضيع وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرّد اسم الكثرة. وليتعرف صحة ما يفهم وضعفه وفقهه ومعانيه ولغته وإعرابه وأسماء رجاله محققا كل ذلك معتنيا بإتقان مشكلها حفظا وكتابة، مقدما الكتب الصحيحة. النوع التاسع والعشرون: معرفة الإسناد العالي والنازل: (1) أجلها القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم باسناد صحيح نظيف. (2) القرب من إمام من أئمة الحديث وإن كثر بعد العدد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. (3) العلوّ بالنسبة إلى رواية أحد الكتب الخمسة أو غيرها من الكتب المعتمدة. النوع الثلاثون: المشهور من الحديث، وهو ما نقله من يحصل العلم بصدقهم ضرورة عن مثلهم، وهو قسمان: صحيح، وغيره، ومشهور بين أهل الحديث خاصة وبين غيرهم، ومنه المتواتر المعروف في الفقه وأصوله، ولا يذكره المحدِّثون. النوع الحادي والثلاثون: الغريب والعزيز: فالغريب ما انفردوا بروايته، أو بزيادة في متنه إو إسناده وانفرد عن الزهرى وشبهه ممن يجمع حديثه رجل، فإن انفرد اثنان أو ثلاثة سمى عزيزا، فان رواه الجماعة سمى مشهورا، وغريب الحديث ما وقع في متن الحديث من لفظة غامضة بعيدة من الفهم لقلة استعمالها. النوع الثاني والثلاثون: المسلسل. وهو ما تتابع رجال إسناده على صفة أو حالة، للرواة تارة وللراوية تارة، وصفات الرواة أقوال وأفعال وأنواع كثيرة غيرها كمسلسل التشبيك باليد والعدّ فيها، وكاتفاق أسماء الرواة أو صفاتهم أو نسبتهم كأحاديث رويناها كل رجالها دمشقيون وكمسلسل الفقهاء، وصفا كالمسلسل بسمعت أو بأخبرنا. النوع الثالث والثلاثون: ناسخ الحديث ومنسوخه، النسخ رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر، فمنه ما عرف بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) ومنه ما عرف بقول الصاحبي كـ (كان آخر الأمرين من سول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار). ومنه ما عرف بالتاريخ، ومنه ما عرف بدلالة الإجماع كحديث قتل شارب الخمر في الرابعة، والإِجماع لا ينسخ ولا ينسخ، لكن يدل على ناسخ، والله أعلم.

النوع الرابع والثلاثون: معرفة مختلف الحديث وحكمه. وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهرا فيوفق بينهما أو يرجح أحدهما، وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه والأصوليون الغوّاصون على المعانى. النوع الخامس والثلاثون: معرفة الصحابة رضي الله عنهم. قيل هو كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل عن أصحاب الأصول: من طالت مجالسته عن طريق التبع، وكلهم عدول رضي الله عنهم. قال أبو زرعة الرازى: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه. وأفضلهم سيدنا أبو بكر، ثم عمر وعثمان وعلىّ، ثم تمام العشرة، ثم أهل بدر، ثم أحد، ثم بيعة الرضوان، وممن لهم مزية أهل العقبتين من الأنصار، والسابقون الأولون. النوع السادس والثلاثون: معرفة التابعين رضي الله عنهم. هو من صحب الصحابىّ. وقيل من لقيه، ويليهم الذين ولدوا في حياة النبى صلى الله عليه وسلم من أولاد الصحابة، ومن التابعين المخضرمون الذين أدركوا الجاهلية وأسلموا في زمن النبى صلى الله عليه وسلم. ومن أكاببر التابعين الفقهاء السبعة: ابن المسيب، والقاسم بن محمد، وعروة، وخارجة بن زيد، وأبو سلمة ابن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار. وعن أحمد بن حنبل قال: أفضل التابعين ابن المسيب، قيل فعلقمة والأسود. وقال ابن أبى داود: وسيدتا التابعيات حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن، وتليهما أم الدرداء. وقال أبو عبد الله بن الخفيف: أهل المدينة يقولون أفضل التابعين ابن المسيب. وأهل الكوفة أو يس، والبصرة الحسن. وقال أحمد بن حنبل: أفضل التابعين قيس وأبو عثمان وعلقمة. النوع السابع والثلاثون: التاريخ والوفايات. الصحيح في سن سيدنا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنه ثلاث وستون، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11 هـ، وأبو بكر في جمادى الأولى سنة 13 هـ. وعمر في ذى الحجة سنة 23 هـ. وعثمان سنة 35 هـ. وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وقيل ابن تسعين. وعلىّ في رمضان سنة 40 هـ. وهو ابن ثلاث وستين، وقيل أربع، وقيل خمس، وطلحة والزبير في جمادى الأولى سنة 36 هـ. قال الحاكم: كانا ابنى 64، وسعد بن ابى وقاص سنة 55 ابن ثلاث وسبعين، وأبو عبيدة سنة 18 ابن ثمان وخمسين، وصحابيان عاشا ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام وماتا بالمدينة سنة 54: حكيم بن حزام، وحسان بن ثابت ابن المنذر بن حرام رضي الله عنه تعالى عنهم أجمعين، وسيدنا سفيان الثورى سنة 160 ومولده 97

الكلام على الأئمة الأربعة

وهو صاحب مذهب مشهور متبوع غير الأربعة أهـ بعبارة مختصر من التقريب للنووى رحمه الله. وبمناسبة تعرضى في شرحى للأحكام الفقهية، وذكر صاحب الترغيب الأئمة ورواة الحديث أتفضل بذكر كلمة تعريفا لحقهم، وقياما ببعض واجبهم، تكون نبراسا للقارئين، وذكرى حسنة للعاملين. الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه (80 - 150 هـ) مولده ونشأته: هو الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطا بن ماه، فقيه العراق وقدوة أهل الرأى، وصاحب المذهب المقضىّ به الآن في أكثر الممالك الإسلامية، وأول من فتق الفقه وفصل فصوله وأقسامه وميز مسائله ورتب قياسه. والأشهر أن أصل جده زوطا من فرس كابل، ولد سنة 80 ونشأ بالكوفة، وعاصر بعض الصحابة، واشتغل بالفقة وأخذ كل علمه عمن شافه من الصحابة ونقل عنهم، وقد كان كثير من الزنادقة في عصره يضعون الأحاديث ويقبلها منهم أهل الغفلة، فحمل أبا حنيفة شدة تورعه واحتياطه على ألا يأخذ في دينه وفقهه إلا بما لا شك عنده في صحته وتصعب في ذلك فلم يصح عنده إلا أحاديث قلائل عمل بها. مذهبه: استنبط فقهه من القرآن واستعمال القياس والرأى، وتابعه في ذلك أكثر أئمة العراق لقلة رواة الحديث بينهم وكثرتهم في الحجاز، ولذلك امتاز فقهاء الحجاز بمتابعة السنة في أكثر فقههم وأنكروا الرأى على أهل العراق، ولكل حجة كما ترى. زهده وورعه: وكان من أعبد الناس وأكثرهم تهجدا وقراءة للقرآن وأكثرهم ورعا وتقية وتوخيا للكسب من وجه حلّ، رغب عن وظائف الملوك والخلفاء، ورضى أن يعيش تاجر خز، وعرض عليه القضاء من قِبَل أمراء بنى أمية ثم المنصور، فأبى حتى سجنه المنصور على ذلك وآذاه، فكان يعتذر بأنه لا يأمن نفسه. قيل إن المنصور حلف ليلينّ له عملا فكفّر عن يمينه بأن ولاه تعداد الآجر في بناء مدينة السلام، وكان الناس قبله يعدون بالآحاد فعده بالقصب المكعب بعد رصفه. وقرأ عليه الفقه علماء الكوفة وبغداد، وتخرج عليه منهما الأئمة من أصحابه كمحمد بن الحسن وأبي يوسف وزفر وربيعة الرأى ووكيع بن الجراح وغيرهم. وفاته: مات أبو حنيفة رحمه الله ببغداد سنة 150 هـ. مؤلفاته: وله من الكتب التى رواها عند أصحابه وتابعو أصحابه كتاب الفقه الأكبر، وكتاب العالم والمتعلم، وكتاب الرد على القدرية.

الإمام مالك رضي الله عنه

الإمام مالك رضي الله عنه (95 - 179 هـ) مولده ونشأته: هو سيدنا أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحى. ولد بالمدينة سنة 95 هـ ونشأ بها وتفقه وتعلم عن ربيعة الرأى سنة 136 هـ وتعمق في علوم الدين حتى صار حجة في الحديث وإماما في الفقه، نوّر الله قلبه وفتح عليه فتحا مبينا ورقاه وملأ قلبه إيمانا وورعا وتقوى وإخلاصا، وأدّبه فأحسن تأديبه، وقال الحق، وخشى ربه، وحارب البدع، ونازع الملحد وحاربه. فتاويه وتأليفه: قيل إنه أفتى بخلع المنصور ومبايعة محمد بن عبد الله من آل على. فأحفظ ذلك جعفر بن سليمان عم الخليفة وأمير المدينة فجرّده وضربه سبعين سوطا، فما ازداد إلا علاء وشرفا، ولما علم المنصور بذلك اعتذر إليه وترضاه، وقال له: لم يبق في الناس أفقه منى ومنك، وقد شغلتنى الخلافة، فضع للناس كتابا ينتفعون به. وتجنب رخص ابن عباس، وشدائد ابن عمر، وشواذّ ابن مسعود، ووطئه للناس توطئة. فصنف (الموطأ) وسمعه عليه المهدى. ثم الرشيد سنة 174، وتظهر عليه حلل النعمة وثياب العزة وأبهة العلم ووقاره، وبقى مشرقا لنور العلم، وقبلة لرواة الحديث، وعمدة للفتوى حتى أتاه اليقين بالمدينة سنة 179 هـ. أخى: تأمل في حادثة الإمام مالك مع أبى جعفر المنصور يحكم بعزله، ولكن يقدمه عنه التبريز في التأليف وبلوغ قمة المجد والشرف والعز، ويصبح الإمام مالك صاحب مذهب ومجتهدا علامة يعمل بآرائه ملايين المسلمين من لدن ظهوره إلى الآن، بل ما دامت الدنيا لن يفنى العاملون بمذهبه، ولن يضل متبعوه، ولن يذل أو يضل المهتدون بهديه. علمه وفضله: كان مالك من حجج الله على خلقه، لا يحدث إلا عن صحة، ولا يروى إلا عن ثقة؛ قد توفر حظه من السنة، فبنى مذهبه عليها، وانفسح ذرعه في الفقه، فانتهت إليه الفتوى وهو القائل عن نفسه (قلّ رجل كنت أتعلم منه ما مات حتى يجيئنى ويستفتينى) وله كتاب الموطأ في الحديث وهو أساس المذهب. ولما جاء ولى عهد المنصور (المهدى) حاجا سمعه منه، وأمر له بخمسة آلاف دينار وبألف لتلاميذه. ثم رحل إليه الرشيد وأولاده ليسمع موطأه فسمعه وأغدق عليه. صفته وأخلاقه: كان مالك أشقر شديد البياض، أصلع، كبير الرأس، حسن البزة، وقورا مهيبا عفيفا سخيا كريما، يشرك أهل العلم في ماله، متصفا بالنبل والتواضع والحب لرسول الله

صلى الله عليه وسلم، لا يحدّث إلا عن وضوء، ولا يركب دابة في دار الهجرة إجلالا لأرض ضمت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه ضعيف، وكان أمينا على العلم، فلا يترفع أن يقول في الشئ (لا أدرى). اتفق أن امرأة توفيت بالمدينة، فغسلتها غاسلة فلصقت يدها على فرجها فاحتاروا في أمرها هل يقطعون يدها؟ أو يقطعون جزءا من لحمها؟ فاستفتوا الإمام مالكا رضى الله عنه، فقال: أرى عليها حداً فجلدوها وأقاموا عليها حدّ القذف والسبّ، وبعد ذلك خلصت يد الغاسلة، فهذا سبب قولهم: لايفتى ومالك بالمدينة. ومن كلامه رضي الله عنه. إذا رفع الزمان مكان شخص ... وكنت أحق منه ولو تصاعد أنله حق رتبته تجده ... ينيلك إن دنوت وإن تباعد ولا تقل الذي تدريه فيه ... تكن رجلا عن الحسنى تقاعد فكم في العرس أبهى من عروس ... ولكن للعروس الدهر ساعد ولما قدم الرشيد المدينة استقبله الناس إلا مالكا، فأرسل له يعتب عليه؛ فأرسل إليه: إنى شيخ كبير، ولى عذر من الأعذار لا يذكر. فأرسل إليه يا أبا عبد الله نريد أن تأتينا لتحدّثنا بكتابك، فأرسل إليه، إن هذا العلم عنكم أُخذ، وأنتم أولى بصيانته، العلم يؤتى له ولا يأتي، فقال صدقت ثم ركب الرشيد إلى مالك فحبسه ببابه، فقال يا أبا عبد الله لم تأتنا وإذا أتيناك حسبتنا بالباب؟ فقال: علمت أن أمير المؤمنين قصدنى إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأردت أن أتأهب لذلك، فطلب أن يقرأ عليه في مجلس خاصّ به، فقال الإمام: اعلم أن الخاصّ لا ينتفع به فنصب له كرسى فقعد عليه فقال الإمام: حدثنا فلان عن فلان عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تواضع لله رفعه ومن تكبر وضعه الله) فنزل الرشيد عن كرسيه وقعد على الأرض بين الناس. انتهى من كتاب حاشية الشيخ يوسف الصفتى المالكى رحمه الله تعالى ص 12. فانظر رعاك فقهه وورعه، أرشده الله إلى الحق وألهمه الرشد. اللهم وفقنا أن ننهج منهجه، ونسير على ضوئه. ونسأل الله جلّ وعلا أن يزيدنا إيمانا به وفقها في دينه إنه الرب العليم الحكيم، وصلى الله على سيدنا محمد النبى الأمى وعلى آله وصحبه وسلم.

الإمام الشافعى رضي الله عنه

الإمام الشافعي رضي الله عنه (150 - 204 هـ) هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب القرشى المطلبى عالم قريش وفخرها، وإمام الشريعة وحبرها. وهو من ولد المطلب بن عبد مناف، ويجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف. مولده ونشأته: ولد الشافعي بمدينة غزّة من أرض فلسطين سنة 150، وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين، فنشأ بها، وما ميز حتى صار نادرة الدنيا ذكاء وحفظا. حفظ القرآن وهو ابن تسع سنين، وأولع بالعربية من النحو والشعر واللغة، وتتبعها من رواتها، ورحل إلى البادية في تطلبها، ولم يناهز سن البلوغ حتى حفظ منها شيئا كثيرا. وبينما هو يترنم بشعر للبيد زجره بعض الحَجَبة عن أن يكون مثلُه في شرفه ونسبه راوية للشعر وقال له تفقه يعلمك الله، فانتفع بهذا الكلام وحفظ موطأ مالك، وأفتى وهو ابن خمس عشرة سنة. ثم رحل في هذه السن إلى مالك بالمدينة وقرأ عليه الموطأ من حفظه، فقال مالك: إن يكن أحد يفلح فهذا الغلام، وضافه مالك على رقة حاله وقتئذ وخدمه بنفسه، فبقى عنده مدة. ثم رجع إلى مكة وعلم بها العربية والفقه وصحح عليه الأصمعى فيها شعر الهذليين، وكان الشافعي في حداثته فقيرا تربيه أمه وهى أرملة، فكان يتقبل معونات الأغنياء من ذوى قرابته من قريش. هجرته: ولى الرشيد أحد أصدقائه عملا باليمن، فخرج معه وولي بعض الأعمال بها، فأحسن التصرف، وبقى مدة حتى وشي به إلى الرشيد، وأنه يؤامر الطالبيين للخروج عليه، فحمل مع الطالبيين إلى الرشيد وهو بالرقة فلم يتبين شيئا في أمره فأطلقه، فقيل كان ذلك بشفاعة الفضل بن الربيع، وقيل بشفاعة محمد بن الحسن، وقيل غير ذلك. ثم دخل بغداد سنة 195 فاجتمع عليه علماؤها وأخذوا عنه. ومنهم أحمد بن حنبل فأقام بها حولين أملى فيهما مذهبه القديم، واجتمع أثناء إقامته بالعراق بمحمد بن الحسن فأكرمه وأغدق عليه، وكتب عنه الشافعي علما كثيرا؛ ثم رجع إلى مكة، ثم عاد إلى بغداد سنة 198 فأقام بها شهرا، ثم خرج إلى مصر فوصل إليها سنة 199 أو سنة 200 فألقى عصاه بها وسكن الفسطاط فكانت دار هجرته وبها أملى مذهبه الجديد بجامع عمرو. مذهبه: واستنبط الشافعي مذهبه بعد القرآن من الحديث والقياس والرأى، فكان

الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه

مذهبه وسطا بين أهل الرأى مثل أصحاب أبى حنيفة وبين أهل السنة من مثل أصحاب مالك وأحمد. وفاته: توفى سنة 204، ودفن بالقرافة، وقبره بها مشهور حتى صارت تنسب إليه، وكان الشافعي أفضل من رأى الناس ذكاء وعقلا وحفظا وفصاحة لسان وقوة حجة، ولم يناظر أحد إلا ظهر عليه، وكان يقول: ما ناظرت أحد إلا وددت أن يظهر الحق على يديه. وجملة القول: أنه كان إماما في كل شئ حتى الرمى فكان يصيب تسعة من عشرة. مؤلفاته: ومن كتبه التى أملاها على أصحابه (المبسوط) الذى سمى في مصر باسم الأمّ، وأكثر الناس على أنه أول من صنف في أصول الفقه، وله كتب أخرى كثيرة. الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه (164 - 241 هـ) مولده ونشأته: هو إمام أهل السنة، وأفقه أهل زمانه. الحافظ الحجة (أبو عبد الله أحمد ابن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيبانى) ولد ببغداد سنة 164 ونشأ بها يتيما، وطلب الحديث لست عشرة سنة. وقد كثرت رواته، وعرفت ثقاته، وتميز صحيحه، فجاب الأقطار الإسلامية في تلقيه وجمعه حتى حفظ ألف ألف حديث، تنحل منها أربعين ألفا ونيفا، قدوّنها في كتابه المسند، وهو من أصحاب الشافعي وصفوة تلاميذه. وقد قيل فيه وهو راحل إلى مصر خرجت من بغداد وما خلفت بها أتقى ولا أفقه ولا أزهد ولا أروع ولا أعلم من ابن حنبل. ورعه وزهده: استنبط مذهبه من الكتاب والسنة وشابه بشئ من القياس فقلّ أتباعه لبعده عن الاجتهاد وتمسكه بالرواية. وتصدى هو وشيعته لمجادلة المتكلمين، ومناضلة الفلاسفة في عصر الرشيد والمأمون، ودعى إلى الخَلق: أي القول بخلق القرآن زمن المتعصم، فأبى، فضرب تسعة وعشرين سوطا حتى تقطر دمه، وغاب رشده، واعتل جسمه، ولم ينعم باله، إلا في عهد المتوكل، وعاش في التوقى والجدّ والعمل، وخشى الله حتى انتقل إلى دار كرامته ومثوبته سنة 241 هجرية فشيعه ثمانمائة ألف رجل وستون ألف امرأة مما يدل على مكانته العالية في نفوس المسلمين، ورفعة شأنه وعلوّ قدره. قال قتيبة: أحمد إمام الدنيا. وقال إبراهيم الحربي: كأن الله قد جمع له علم الأولين والآخرين. أيها المسلمون: هذه ترجمة سيدنا أحمد الذي كان يعبد الله ليل نهار، ويخشى بأسه، ويرجو رحمته ويرحل إلى تمحيص حديث سيد الخلق، وقد عمل له مذهبا يعبد الله على منهجه خلق

الكلام على أئمة الحديث

تحلوا بآدابه، وأخلصوا لله في الطاعة، وانقادوا لأوامره، واجتنبوا مناهيه، وقد روى عنه صاحب (الترغيب والترهيب) أريد أن نقرأه ونعمل به، أرجو ذلك، والله غفور رحيم. الإمام البخاري رضي الله عنه (194 - 256 هـ) مولده ونشأته: هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري الجعفى رضي الله عنه. وهو المحدّث الذى ملأ ذكره الآفاق، وعم صيته، وانتشر اسمه، وذاع فضله، وشملته بركة النبى صلى الله عليه وسلم. وقد ولد ببخارى يوم الجمعة أو ليلتها ثالث عشر شوال سنة 194 هـ وتوفى ليلة السبت ليلة عيد الفطر سنة 256 هـ. وقد نشأ بها يتيما، وحفظ القرآن وثقف العربية وأجادها وفقه معنى ألفاظها، وطلب الحديث في التاسعة من عمره، أراد الله له أن يستضئ بالأنوار المحمدية، ويستظل بالرحمات الإِلهية، ويتغذى بالحكم المصطفوية، فلم يكد يبلغ الحلم حتى حفظ عشرات الألوف منها. هجرته لطلب العلم، ولأداء فريضة الحج: خرج إلى مكة في سنة 210 مع أمه وأخيه فعاد هذان، وتخلف هو للتوسع في الحديث، فرحل إلى معظم الممالك الشرقية، وقد روى عن علمائها وأخذ عن فقهائها. ورعه وزهده: هو رجل عظيم قوىّ العزيمة، رصين القول وصادقه، كثير الخوف من الله جل وعلا. وقيل كان يصلى فلسعته ستة عشر زنبورا فما قطع صلاته، وبعد أن أتمها مدّ ظهره لجاره، فإذا بعده عدة لسعات مميتات. قيل كان قبل أن يضع الحديث يتوضأ ويغتسل ويصلى ركعتين لله، ويطلب الإرشاد، ويستلهم الصواب، ويستجدى المغفرة، ويتطلب الحق، ويستغيث بمولاه أن يلهمه الرشد، ويرزقه الإقبال والقبول. تأليفه: وقد جمع كتابه (الجامع الصحيح) في ست عشرة سنة، وضمنه تسعة آلاف حديث تنحلها في ستمائة ألف، وفيها ستة آلاف مكررة بتكرر وجوها، وقد أجمع العلماء على أنه أصحّ كتاب في الحديث. وفاته: ومن حوادثه أنه ابتلى بفتنة القول بخلق القرآن، فثبت على إيمانه ولم يخش صولة الحاكم وإلحاده وزيغه وأفتى بأنه قديم غير مخلوق، لأن القرآن صفة من صفات الله جلا وعلا القديم، فأُخرج من بخارى مطرودا، فلاقته المنية سنة 256 هـ بقرية على ثلاثة فراسخ من سمرقند، ولما دفن رحمه الله تعالى فاح من قبره رائحة الغالية أطيب من المسك واستمرت إياما

الإمام مسلم رضي الله عنه

كثيرة حتى تواتر ذلك على جميع أهل البلاد، وكان يأكل في كل يوم لوزتين، وكانت أمه مجابة الدعوة، وكان رضي الله عنه قد ذهب بصره في صغره فرأت أمه الخليل إبراهيم عليه السلام في المنام فقال لها: ياهذه قد ردّ الله على ابنك بصره لكثرة دعائك فأصبح بصيرا، وهذا صحيح، لأنه أخلص لتمحيص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. شهادة الأئمة فيه وقد قال ابن خزيمة الحافظ: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري. وقد قال أحمد بن حنبل: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل. وقد قال الأحزم: رأيت مسلم بن الحجاج بين يدي البخاري وهو يسأله سؤال الصبى المتعلم. وقد قال أبو مصعب: محمد بن إسماعيل آفقه عندنا وأبصر من ابن حنبل. وقد قال أبو عمرالخفاف: حدثنا التقيّ العالم الذي لم أر مثله محمد بن إسماعيل البخاري وهو أعلم بالحديث من إِسحق وأحمد وغيرهما بعشرين درجة. أيها المسلمون: إن القلوب تضاء بأنوار الله بالاطلاع على حديث رسول الله، فأرجو أن تستزيدوا منها كل يوم، وتزوّدوا بالعمل بها، واهتدوا بهديها رجاء النجاح والفلاح (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم). الإمام مسلم رضي الله عنه (206 - 261 هـ) مولده ونشأته: هو الإمام المحدث والبحاثة العلامة، والمقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، والراوية الأوحد، والعلم المفرد: أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم النيسابوري ولد سنة 206 هجرية، ورحل إلى العراق والحجاز والشام، وسمع من أئمتها، وقدم بغداد مرارا، وكان رحمه الله تعالى يستفيد من الإمام البخاري رضي الله عنه وناضل عنه، وشهد بسبقه وأنه وحيد دهره، وفريد عصره في الحديث، وأخذ عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وإسحق بن راهوية ومحمد بن مسلمة القعنبى، وقد جمع رحمه الله أربعة آلاف حديث أصولا دون المكررات، وتوفى رحمه الله سنة إحدى وستين ومائتين.

الإمام أبو داود

مميزاته: سلك رحمه الله تعالى في كتابه الصحيح طرقا بالغة في الاحتياط والإتقان والمعرفة والورع، جزاه الله خيرا على هذه الخدمة الجليلة. قال عنه العلماء: سيرته حسنة، وكلامه عذب تامّ المعرفة، غزير العلم، حاز قصب السبق والتبريز في استخراج الحديث وتمييز صحيحه من ضعيفه، وعلوّ محله في التمييز بين دقائق علومه. هذا هو الإمام أحد الرواة الذين نقل عنهم الحافظ المنذري بعض أحاديث كتابه ونفع الله به وينفع، وإنى أعتقد أنه محفوظ إلى يوم القيامة، لا يعتريه تغيير ولا تبديل، تحوطه عناية الله ويرعاه رب السموات والأرضين، ونعمة وبركة من صاحب الأحاديث السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم، والحمد لله تكرم جل وعلا وأعاننى على نقل ألفى حديث من صحيحه (مختار الإمام مسلم) في جزءين، ضبطت لفظه وشرحت غامضة، فأشرقت شمس معارفه، تضئ للمسلمين سبل الهداية والحكم المحمدية. قال عنه إسحق بن منصور الكوسج: لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين (يخاطب الإمام مسلما صاحب الترجمة) وقال عنه النيساورى: ماتحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: حصل لمسلم في كتاب به حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله بحيث إن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل البخاري، وذلك لمااختص به من جمع الطرق وجودة السياق، والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية بمعنى. الإمام أبو داود (202 - 275 هـ) هو سلميان بن الأشعث بن إسحق الأزدى السجستاني الحافظ الإمام الثبت. قال محمد بن إسحق الصاغانى: ألين لأبى دواود الحديث كما ألين لداود الحديد. وقال الحافظ موسى بن إبراهيم: خلق أبو داود في الدنيا وللحديث وفي الآخرة للجنة، وما رأيت أفضل منه. وقال الحاكم: أبو داود إمام أهل الحديث في زمانه بلا مدافعة، ولد سنة 202 هـ ومات بالبصرة في 16 شوال سنة 275 هجرية. الإمام الترمذي (209 - 279 هـ) هو الحافظ الكبير الحجة أبو عيسى بن سورة الترمذي تلميذ البخاري وابن المدينى، وكان يضرب به المثل في الحفظ قال الترمذي: صنفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز

الإمام النسائي

والعراق وخراسان ورضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب: يعنى الجامع الشهير بالسنن فكأنما في بيته نبىّ يتكلم. ولد سنة 209 ومات بترمذ في 13 رجب سنة 279 هـ. الإمام النسائي (215 - 303 هـ) هو الإمام شيخ الإسلام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن على الخراساني النسائي القاضي. قال الدراقطنى: كان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال. ولد سنة 215 هـ. خرج من مصر في ذي القعدة سنة 302 هـ، وتوفى بفلسطين يوم الاثنين 13 صفر سنة 303 هـ. الإمام ابن ماجه (209 - 273 هـ) باسكان الهاء، وكتابته كما يكتبه الكثيرون خطأ، لأنه اسم أعجمى، وهو الحافظ الكبير المفسر أبو عبد الله محمدبن يزيد القزوينى، وابن ماجه هو لقب أبيه يزيد. ولد سنة 209 ومات في رمضان سنة 273 هـ. الإمام الطبراني (260 - 360 هـ) هو أبو القاسم بن أحمد بن أيوب الشامى اللخمى، الإمام الحافظ الحجة الذى نفع الله به وأكثر من الاطلاع على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ينسب إلى طبرية قرية على بحيرة طبرية بالأردن. ولد سنة 260 وسمع الحديث سنة 273 هـ، وحدّث عن ألف شيخ أو أكثر ومات في ذي القعدة سنة 360 هـ. الإمام أبو يعلى (210 - 307 هـ) هو الحافظ الثقة أحمد بن على بن المثنى التيميى صاحب المسند الكبير. ولد في شوّال سنة 210 ومات سنة 307 هـ

الإمام البزار

الإمام البزار هو الحافظ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصرى، بزار نسبة إلى بيع البزور أو إخراج دهنها، قال الدارقطنى: كان ثقة يخطيء كثيرا، ويتكل على حفظه. مات بالرملة سنة 292 هـ. الإمام ابن حبان هو الإمام الحافظ العلامة القاضي الطبيب أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمى السبتى. قال أبو سعد الإدريسى (كان على قضاء سمرقند زمانا، وكان من فقهاء الدين وحافظ الآثار عالما بالطب والنجوم وفنون العلم) وقال تلميذه الحاكم: كان ابن حبان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ ومن عقلاء الرجال، مات في شوّال سنة 354 هجرية. الإمام النيسابوري (321 - 405 هـ) هو الأستاذ العلامة والبحر الفهامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الضبى النيسابوري المعروف في زمنه بابن البيع: إمام المحدثين، والحافظ المتقن الكبير. قال عبد الغافر إسماعيل (هو إمام أهل الحديث في عصره، العارف به حق معرفة، ولد في ربيع الأول سنة 321 هـ، ومات في صفر سنة 405 هجرية). الإمام ابن خزيمة (223 - 311 هـ) إمام الأئمة، الذي شهد له أهل الفضل بالسبق، وإتقان الرواية، وحسن الدارية، وجليل العمل. قال عنه الذهبى (هذا الإمام كان فريد عصره). وقال الدراقطنى (كان إماما ثبتا معدوم النظير. هو أبو بكر محمد بن إسحق بن خزيمة السلمي النيسابوري، ولد سنة 223 هـ، وتوفي يوم 12 من ذي القعدة سنة 311 هـ).

الإمام ابن أبي الدنيا

الإمام ابن أبي الدنيا (208 - 282 هـ) هو الإمام المحدث، العالم العامل أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبى الدنيا القرشى الأموى كثر اطلاعه وحسن بحثه. الإمام البيهقي (384 - 458 هـ) هو الإمام الحافظ العلامة صاحب الكتاب الضخم (السنن) في عشر مجلدات في الأحاديث النبوية، المؤلف في مذهب الإمام الشافعي حتى قال عنه إمام الحرمين أبو المعالمى (مامن شافعى إلا وللشافعى عليه منّة إلا أبا بكر البيهقى فإنه له المنة على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه). هو شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقى، تلميذ الحاكم أبى عبد الله صاحب التآليف العديدة التي تقارب ألف جزء. ولد سنة 384 ومات يوم 10 جمادى الأولى سنة 458 هجرية. الإمام الأصبهاني (457 - 535 هـ) هو الإمام المجتهد، الحافظ الكبير، شيخ الإسلام أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيميى القرشي الطلحي الأصبهاني، الملقب بقوام السنة، صاحب الترغيب والترهيب، شيخ أبى سعد السمعاني والسلفي وابن عساكر. رحمه الله - قنع وزهد في حطام الدنيا، وملأ قلبه إيمانا بالله وأبعد نفسه عن المطامع واعتكف ليهرع إليه السائلون ويلتجئ إليه المتعلمون، ومن أخلاقه ألا يدخل على السلاطين ولا على من هو أفضل منهم، قليل الكلام، حسن الصمت، وقور، مؤدب، ليس في وقته مثله. قال عبد الجليل بن محمد: سمعت أئمة بغداد يقولون: مارحل إلى بغداد بعد الإمام أحمد أحفظ وأفضل من الإمام إسماعيل، ولد سنة 457، ومات يوم عيد الأضحى سنة 535 هـ. هؤلاء هم السادة الذين ذكرهم الحافظ المنذري في مقدمه كتابه، ونقل عنهم أحاديث الترغيب والترهيب.

الحافظ المنذري

أرجو الله جلَّ وعلا أن يتفضل علىّ بقبول عملى هذا، ويجعله خالصا لوجهه الكريم، ويهب لنا صحة وتوفيقا ورضا النبىّ صلى الله عليه وسلم، مصدر الخير وشمس السعادة، وكوكب السيادة، ويتفضل علىّ، وأنا الحقير الذليل بالهداية لعلى أسلك سبيل هؤلاء الأعلام. ولى كلمة عن أثر صاحب هذا المؤلف (الترغيب والترهيب). الحافظ المنذري (581 - 565 هـ) هو الإمام المحدّث والشيخ الحافظ المتقن (عبد العظيم بن عبد القوى بن عبد الله بن سلامة بن سعد) الحافظ الكبير الورع الزاهد شيخ الإسلام زكىّ الدين أبو محمد المنذري الشامي المصري وليّ الله والمحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثَّبْت الحجة الذي أنفق حياته في طلب العلم وتعليمه، وشرح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخريجه، والذي بيّن صحيحه وحسنه ومرسله وضعيفه، وأفاد العالَم بذكر رواة الحديث، واتقى ربه فأثمر علمه وأخلص في عمله فأينعت تعاليمه، وجاهد في الله حق جهاده، فبارك الله في تلاميذه، وكان لنا مَثَلا أعلا وقدوة حسنة. كان رحمه الله مجاب الدعوة يتبرك به في زمانه ويهرع إليه في استفتائه، ونقل العلم عنه وهو صاحب الأيادى البيضاء، والمآثر الغراء، والدرر البهية في التوضيح للغامص وتفهيم الخفىّ. قال عنه تاج الدين السبكى في طبقاته (نزجى الرحمة بذكره ويستنزل رضا الرحمن بعلمه). كان رحمه الله تعالى قد أوتى بالمكيال الأوفى من الورع والتقوى والنصيب الوافر من الفقة؛ وأما الحديث فلا مراء في أنه أحفظ أهل زمانه، وفارس أقرانه، له القدم الراسخ في معرفة صحيح الحديث من سقيمه، وحفظ أسماء الرجال، مفرط الذكاء، عظيم الخبرة بأحكامه والدراية بغريبه وإعرابه واختلاف كلامه. مولده وأستاتذته ولد في غرة شبعان سنة 581 هجرية، وتفقه على الإمام أبى القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشى الورّاق، وسمع من أبى عبد الله الأرياحى وعبد المجيب بن زهير ومحمد بن سعيد المأمونى وسمع من المطهر بن أبى بكر البيهقى وربيع اليمن الحافظ، والحافظ الكبير على بن الفضل المقدسى وبه تخرج، وتوفى في الرابع من ذي القعدة سنة 656 هـ.

رحلاته رحل إلى مكة وسمع الحديث من أبى عبد الله بن البناء وطبقته، ثم ذهب إلى دمشق وسمع من عمر بن طبرزد ومحمد بن وهب بن الشريف والخضر بن كامل وأبى اليمن الكندى وخَلق، ثم سمع - بحران - والرها والاسكندرية وغيرها. مؤلفاته وتفقه رحمه الله فصنف شرحا على التنبيه، وألف مختصر سنن أبو داود وحواشيه، وهو كتاب مفيد يسطع ضوؤه للقارئين، وله مختصر صحيح مسلم، وخرّج لنفسه معجما كبيرا يفيد المطلعين، وأفتى في مسائل جمة، وخرج كثيرا، وأفاد العالم بعلمه، وبه تخرّج الحافظ أبو محمد الدمياطي، وإمام المتأحرين تقىّ الدين بن دقيق العيد: والشريف عز الدين وطائفة من العلماء فاضت عليهم بركته، وشملتهم فضائله، وعمتهم مباحثه، وقد سمعنا الكثير ببلبيس على أبى الطاهر إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن على بن سيف بإجازته منه. قال الذهبى: وماكان في زمانه أحفظ منه، ومن شعره: اعمل لنفسك صالحا لا تحتفل ... بظهور قيل في الأنام وقال فالخلق لايرجى اجتماع قلوبهم ... لا بدّ من مثن عليك وقال وإنى أبشر من يقرأ في هذا الكتاب بالمغفرة والرضوان: وقد قال في مقدمته (وأنا أستمد العون على ما ذكرت من القوى المتين، وأمدّ أكف الضراعة إلى من يجيب دعوة المضطرين أن ينفع به كاتبه وقارئه ومستمعه وجميع المسلمين). وهأنذا أضبط كلمات الأحاديث ليقرأها القارئ صحيحة، والله يغفر لنا، واعذرني أيها القارئ فالقلم يعجز أن يحدّث عن محامد ذلك العلامة الذي سهل للمسلمين سبل الاطلاع على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تشرح صدرك، وتبهج نفسك، وتقر عينك، وتزيل ألمك، وتبعد همك وتغذيك بلبان معارفها، وصريح عباراتها، وبلسم طبها، وحكيم قولها، وبديع لفظها، وجميل أسلوبها، ومحاسن وعظها، وبدائع إِرشادها. فتجد أبوابا اجتماعية وخلقية جمعت الخير كله وحثت على جنى ثمار الدين، وقطف أزهاره للعاملين، ونهت عن الشر العاصين وحذرت وأنذرت. فأرجو أن تقتنى هذه النفائس، وتكنز هذه الجوائز؛ وتعمل منها وردا كل صباح

ومساء بابا بابا، بقدر فراغك من عملك، فهنا تتجلى الموعظة الحسنة، وتشرق الحكمة من جوانبه، ويزيدك الله نورا على نور. ولا غرو فيحكى عنه تاج الدين السبكى أنه درس بالقاهرة في دار الحديث الكاملية وكان لا يخرج منها إلا لصلاة الجمعة حتى إنه كان له ولد نجيب محدث فاضل. توفاه الله في حياته ليضاعف له حسانته، فصلى عليه الشيخ داخل المدرسة وشيعه إلى بابها، ثم دمعت عيناه. وقال أودعتك يا ولدى الله، وفارقه أهـ. ما شاء الله، يعتكف في داره للعباده والعلم حتى لا يخرج لتشييع جنازة ابنه. أيها المسلمون أنشدكم الله أن تجعلوا كتاب (الترغيب والترهيب) سميركم ومرشدكم، لأن صاحبه كان يخشى الله ويتقى الله ويعمل لله، قال تعالى (واتقوا الله ويعلمكم الله) وأعتقد أن الإخلاص رائده ومحبة الله ورسوله وجهته وغاية مطلبه، إذا لا بدّ أن ينفع العلم منه ويصل إلى القلوب الظمآنة فيزيل ظمأها ويبعد أوارها. يحدّثنا عن شدة خوفه من الله والعمل بعلمه سيدنا تاج الدين السبكى إذ يقول: (سمعت من أبى رضي الله عنه يحكى عن الحافظ الدمياطي أن الشيخ المنذري مرة خرج من الحمام وقد أخذ منه حرها فما أمكنه المشى فاستلقى على الطريق إلى جانب حانوت، فقال له الدمياطي يا سيدى - أنا أقعدك على مصطبة الحانوت - وكان الحانوت مغلقا، فقال (وهو في تلك الشدة: بغير إذن صاحبه كيف يكون)؟ ومارضى. فكّر في هذا الحادث أيها القارئ، شيخ يمتنع أن يجلس أمام الحانوت ليستريح من تعبه لأن صاحبه لم يرض. مع أن الحانوت مغلق ولم يعطل أي حركة تجارية أو مصلحية، لا تعجب فإن في هذه نصوص العلم وتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يتهاون العالم في الصغيرة خشية أن تجرّ إلى الكبيرة، ولا فتوى يحلها ولا تدليل أو تأويل أو تسهيل يتمشدق به. فلست أرى السعادة جمع مال ... ولكن التقى هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخرا ... وعند الله للأتقى مزيد روى الإمام الغزالي عن عالم في الدولة الأموية جاء إليه محمد بن سليمان فلم يجد في داره غير حصير وراوية وخريطة: حصير يجلس عليه وراوية يتوضأ منها وخريطة يضع فيها كتبه، فقال للعالم ما لى أراك أزداد هيبة؟ فقال له ذلك العالم: معنى حديث (من خاف اللهَ خوّف اللهُ منه كل شئ، ومن خاف غير الله أخافه الله من أىّ شئ) بمعنى أن الله يحفظ من يخشاه ويملأ قلبه إيمانا به، فلا سلطان لغير الله عليه، ومن لم يخف الله يزداد فزعا من أقل شئ،

وتزول عنه الطمأنينة، وقد عرض عليه أربعين ألف درهم فلم يقبلها، وقال ردها إلى أربابها، وردّ المظالم إلى أهلها، واتق الله. أكتب ذلك وفي نفسي حسرة على إهمالها وتقصيرها في الله، أقرأ كثيرا وأطلع على الأحاديث كثيرا، ومع ذلك لم أذق طعم الخوف من الله جل وعلا، وأنسى الجملة المأثورة (رأس الحكمة مخافة الله) بي إيمان ضعيف. ورغبة في الدنيا شديدة. وعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر فاللهمَّ الطف. أما آن لى ولأمثالي أن نرتدع وننزجر، ونخشى الله ونعمل بكتابه وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون). أيها المسلمون إن باب التوبة مفتوح على مصراعيه، والله تعالى غفور رحيم؛ فهل أدلكم (ونفسي) على تجارة تنجيكم من عذاب أليم: تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في العمل بالدين ونصر الدين، والتحلى بآداب الدين، والعمل بشريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. وهذا كتاب (الترغيب والترهيب) البحر الزاخر في المواعظ والزواجر، وقد علمتم أن صاحبه كان قدوة حسنة في عصره، فليكن لنا قدوة حسنة في عصرنا، وليكن إمامَنا وهادينا ونورنا إلى أقوال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) ولن يصيب الأمة الإسلامية ضير مااتبعت كتاب الله عز وشأنه وسنه حبيبه صلى الله عليه وسلم والتوسل بالصالحين وحضور مجالسهم والاقتداء بأقوالهم والتبرك بزيارة الأولياء لقوله صلى الله عليه وسلم (المرء مع من أحب) يذكرني ذلك قوله تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) أرجو أن ننتفع، وأود أن نعمل، وآمل أن نخاف. رحماك يا ألله رحماك، يئنّ العالمَ من أزمة وهموم، وذلك من عدم تقوى الله. نسى المسلمون آداب دينهم، ومشوا وراء المدنية الكاذبة، وقلدوها في الشرور والفسوق وقصر العالم في إرشاده، والجاهل غفل عن تعليمه، وفشا الكذب، وساد النفاق، وعمّ الشقاق ورغب المسلمون عن سماع القرآن والسنة. واشتغل الشباب بالروايات الأفرنجية وانتشرت البدع فإنا لله وإنا إليه راجعون. فهل لك أيها القارئ أن تتوب معى إلى الله، وتنتفع بتأليف ذلك العالم الذي أخذ منه التعب كل مأخذ، وأبى أن يستريح فجلس على أرض لم يأذن صاحبها. الله. الله. الله.

أخلص ذلك العالم لربه فرضى عنه ونفع بعلمه، وجعل الله له لسان صدق وفقه، فأفاد واستفاد وجزاه ربه خيرا. قال الإمام شمس الدين أبو عبد الله الذهبي في طبقات الحفاظ في ترجمة المؤلف: درّس بالجامع الظافرى بالقاهرة، ثم ولى مشيخة الدار بالكاملية وانقطع بها ينشر العلم عشرين سنة. وقال الشريف عز الدين الحافظ: كان شيخنا زكىّ الدين عديم النظير في علم الحديث في اختلاف فنونه عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه، متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله قيما بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، وإِماما حجة ثبتا ورعا متجردا فيما يقوله، متثبتا فيما يرويه، قرأت عليه قطعة حسنه من حديثه، وانتفعت به انتفاعا كثيرا. تلك كلمة موجزة أثبتها لقراء (الترغيب والترهيب) ليقبلوا عليه قراءة ودرسا، ويقتدوا بصاحبه علما وعملا، ويتحلوا بمكارم السيد المجتبى صلى الله عليه وسلم والله ولىّ التوفيق ومنه الهداية وبشائر النصر والفتح تتجلى في قادة العهد الجديد أمدهم الله بعونه ومنحهم مساعدته. إجازتان برواية السند (الأولى بقلم صاحب الفضيلة. الأستاذ الكبير الشيخ محمد حبيب الله بن مايابى الشنقيطى) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي جعل اتصال الأسانيد من خصوصيات هذه الأمة. والصلاة والسلام على رسولنا الذي أرسله الله للعالمين رحمة وعلى آله وأصحابه المجاهدين لإعلاء كلمة التوقى - وأعظم بها من كلمة! - وتابعيهم من علماء الحديث المشتغلين بتحرير أسانيده حتى كشف الله بتحريرهم عن القلوب كل ظلمة. أما بعد: فقد أجزت الأستاذ الذائق، المحقق الدرّاكة الفائق، المشتغل بخدمة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أتم الصلاة والسلام، اختصاراً لكتبها وانتقاء لصحيحها وتلخيصا لزبدة شروحها الشيخ (مصطفى بن محمد عمارة) في سائر مروياتى ومصنفاتى، وخاصة في جمع مصنفات الحافظ المنذري صاحب (الترغيب والترهيب) فانى أرويها كلها كالترغيب والترهيب، واختصار صحيح مسلم، واختصار سنن أبى داود وغيرها عن العلامة المحقق الرباني السيد المحدّث الكبير طائر الصيت الشهير، سيدى محمد ابن سيدى جعفر الكتانى دفين فاس، وهو يرويه أي (الترغيب والترهيب) عن أحمد بن أحمد البنانى عن الوليد بن العربى العراقى عن الشيخ الطيب بن كيران عن محمد بن الحسن البنانى ومحمد التاودى ابن سودة، كلاهما عن محمد

ابن عبد السلام البناني عن أبي الفضل بن الحاج السلمى عن مؤلف المنح البادية، وأرويه أيضا عن الأستاذ الذائق السيد محمد كامل الهبراوى الحلبى دفين حلب الشهباء عن الشيخ إبراهيم السقا عن الشيخ محمد الأمير الصغير عن والده، خاتمة المحققين الأمير الكبير عن الشيخ على بن محمد السقاط عن العلامة أحمد بن الحاج عن صاحب المنح البادية، سيدى محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسى، وهو يرويه مسلسلا بالحفاظ. قال: أنبأنا به أبو المكارم الحافظ عن الشهاب ابن القاضي الحافظ، عن الحافظ الرملى عن الحافظ السخاوى، عن الحافظ بن الفرات وابن ظهيرة عن الحافظ ابن جماعة عن الحافظ الدمياطي، عن مؤلفه الحافظ الشيخ عبد العظيم زكىّ الدين ابن عبد القوى المنذري الشامي ثم المصري، المتوفي سنة 656 هـ، وهي سنة فتنة التتار كما في ثبت العلامة الأمير، وبهذا الإسناد أجزتك بسائر مصنفات المنذري كما قدمته سابقا، وأوصيك ونفسى بتقوى الله سراً وعلنا، وأن تدعولى لى بالدّوام في خلواتك وجلواتك وفي أوقات الإجابة كما هو دأب أهل الوفاء مع مشايخهم في الأسانيد لأنهم صاروا وصلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وسلم. قال بلسانه، وقيده ببنانه في وقت استعجال في 7 المحرم الحرام سنة 1351 هـ. الإمضاء خادم نشر العلم بالحرمين الشريفين ثم بالتخصص للأزهر المعمور محمد حبيب الله بن مايَأْبَى الجَكَنى ثم اليوسفى نسبا الشنقيطى إقليما المدنى مهاجرا، أماته الله بها على الإيمان آمين. (الثانية) كلمة حضرة السيد الفاضل الشيخ الكتانى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وآله، والحمد لله وكفى، وصلام على عباده الذين اصطفى أما بعد: فقد أجزت العالم الفاضل، الشيخ مصطفى محمد عمارة بجميع مروياته ومؤلفاته وبالخصوص كتاب (الترغيب والترهيب) للحافظ أبى محمد عبد العظيم المنذري حسبما أرويه عن والدنا الشيخ عبد الكبير الكتانى عن محدّث المدينة الشيخ عبد الغنى الدهلوى عن والده الشيخ أبى سعيد الدهلوى عن الشيخ عبد العزيز بن الشاه ولى الله الدهلوى عن أبيه عن المنلا أبي طاهر الكوراني عن أبيه عن نجم الدين الغزى عن أبيه عن القاضى زكريا عن الحافظ ابن حجر

عن البرهان التنوخى عن إسحق بن الوزير عن الحافظ المنذري، ياله من مؤلف ومروى موجب للمجاز المذكور بالدأب على الطاعات، ونشر الحسنات، والدعاء لى بخاتمة الخير. قاله وكتبه محمد عبد الحى الكتانى الحسنى الفاسى في 5 صفر الخير عام 1352 هـ بمصر القاهرة. الإمضاء الاعتراف بالجميل (1) أشكر لفضيلة المرحوم والدى طيب الله ثراه، وأثابه وأجزل أجره، وأشكر حضرة عمى المرحوم الفاضل الشيخ أبو هاشم مصطفى عمارة رأس أسرة (أبي عمارة) مدّ الله في نعيمه، ومتعنا برضاه وأدام علاه ورضوانه. عنوانه أو كبير عرب أبي نصار (فراشة) شرقية، فإنهما شجعانى على عملى هذا ورغبانى في علم الدين، وأحسنا إلىّ في تربيتي وشذبا أغصانى، وتعهدا دوحتى، أثابهما الله ونفعنى برضاهما. (2) أشكر لفضيلة أستاذي الشيخ الشنقيطى على نصائحه الثمينة؟ وإلزامه أن أكثر من قراءة الحديث النبوى والتحلى بمكارم الأخلاق، والتزود بالتقوى والعمل بالسنة وأخص الترغيب وأتحفنى بهذه الكلمة التي أثبتها تبركا بفضيلته، وإقرارا بفضله. (3) أشكر للأستاذ الحسيب النسيب المحدث المشهور الشيخ الكتانى الذي أتحفنى بإجازة رواية الحديث وضبطه، التي أثبتها اعترافا بإحسانه، وشمولى بمحبته. (4) الثناء المستطاب والاقرار بالفضل لحضرات السادة أساتذتي الأجلاء الذين جادوا علىّ بالتفهيم والإرشاد. (5) أشهد أن تربية الروح معنى وأدبا لأستاذي الجليلين؛ الشيخ أحمد السيد أبو هاشم والشيخ عبد الخالق عمر الشبراوى خليفتى الرسول صلى الله عليه وسلم في الهداية، نفعنا الله تعالى بحبهما وأرضاهما عنا لننهج منهجهما إنه قدير. هذا إلى الاعتقاد الجازم أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وهو الموفق سبحانه والناصر الملهم، ونعم المولى ونعم النصير. مصطفى محمد عمارة مدرس اللغة العربية بالمدارس الأميرية حرر بالقاهرة في ذي القعدة سنة 1352 هـ في مارس سنة 1934 م

مقدمة الطبعة الثانية

مقدمة الطبعة الثانية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله تبارك وتعالى، والصلاة والسلام على السيد المصطفى محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الأبرار الأخيار. وبعد: فنظرا لنفاد الطبعة الأولى من شرحى على كتاب (الترغيب والترهيب) للحافظ المنذري طلب منيِّ حضرات السادة الذين نشروا الكتاب أصحاب شركة مكتبة ومطبعة (مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر) أن أراجعه بدقة وعناية. وهأنذا أقدمه للقراء في طبعته الثانية الجديدة بعد تمحيص ونظر، لذلك أعترف يارب بمساعدتك لى وأتضرع إليك بذلّ وخشوع أن تمنحنى رضا وتوفيقا وتغمرنى بمكرمك وتقبل عملى هذا خالصا لوجهك إنك رءوف رحيم غفور حليم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الأبرار الأخيار. الفقير إلى الله تعالى مصطفى محمد عمارة خادمة السنة النبوية حرر في 13 من جمادى الأولى 1373 18 من يناير 1954

تقاريظ الطبعة الثانية

تقاريظ الطبعة الثانية كلمة شيخ الإسلام والمسلمين الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر قال حفظه الله ونفعنا الله بعلمه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن من أعظم القربات وأزكاها خدمة السنة النبوية المطهرة، وقد وفق الله فضيلة الأستاذ الشيخ مصطفى محمد عمارة للتوفر على هذا العمل الجليل، فعُنى بالتعليق على كتاب (الترغيب والترهيب) للحافظ المنذري، تعليقا نافعا وضح المعنى وكشف الغامض: جزاه الله من السنة وصاحبها خير الجزاء. محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر 17 من ذي القعدة سنة 1372 18 من يوليو سنة 1953 كلمة صديقى الأستاذ الشيخ مصطفى محمود عمر الديابى هذا ما جاد به ذهنى السقيم، لما ألم بجسمى من المرض الأليم: سفْرٌ أضاء لنا في حالك الظلم ... من هدى خير عباد الله كلهم ورحمة العالمين حصن أمته ... ومن غدت بسناه أكرم الأمم يرغِّب المرء في التقوى يرهبه ... من المعاصى التي تفضى إلى الندم إن كنت تبغي صلاحا في المعاش أو ... المعاد أو فيهما فالزمه واستقم فإن فيه هدى للمتقين بما ... حواه من فضل تبيان ومن حكم وحسن ضبط وآيات مناسبة ... من القران بشرح واضح الكلم بذاك قام أخونا مصطفى فجزا ... هـ ربه بجزيل الأجر والنعم إذ نفسه بحديث المصطفى شغفت ... فصار يهدى بما يشفى من السقم فنسأل الله توفيقا لنا وله ... وأن ننال الرضا من خير معتصم صلى وسلم ربى دائما أبدا ... عليه عدّ الحصى والرمل والنسم مصطفى محمود عمر الديابى من خريجي دار العلوم ومدرس اللغة العربية بالمدارس الأميرية سابقا 28/ 5/ 1373

مصادر الفتح الجديد في الترغيب والترهيب

مصادر الفتح الجديد في الترغيب والترهيب 1 - تفسير القاضى ناصر الدين البيضاوى، وهو أغلب اختيارى واعتمادى على شرح الآيات. 2 - تفسير العارف بالله الشيخ الصاوى على الجلالين. 3 - تفسير أبى البركات النسفى. 4 - تفسير الشيخ الجمل. 5 - تفسير الفخر الرازى. 6 - النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير. 7 - المفردات في غريب القرآن للشيخ الراغب الأصفهاني. 8 - شرح الزبيدى للشيخ الشرقاوى. 9 - شرح الإمام النووي على صحيح مسلم. 10 - عمدة القارى شرح البخاري للإمام العيني. 11 - جواهر البخاري، وعليه مقتطف شرح القسطلاني للفقير إلى الله سبحانه صاحب الفتح الجديد. 12 - مختار الإمام مسلم وعليه موجز من شرح الإمام النووي للفقير إلى الله تعالى صاحب الفتح. 13 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للأمام الشوكاني. 14 - إحياء علوم الدين لحجة الإسلام الإمام الغزالي. 15 - دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين للعلامة ابن علان. 16 - فتح البارى شرح البخاري لقاضى القضاة ابن حجر. 17 - سنن النسائي شرح الحافظ جلال الدين السيوطي. 18 - شرح صحيح البخاري للعلامة الكرماني. 19 - شرح صحيح البخاري للعلامة للزركشي. 20 - شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير للعلامة العزيزى. 21 - المدخل لابن الحاج التلمساني. 22 - الزواجر لابن حجر المكى الهيتمي.

23 - زاد المعاد في هدى خير العباد للحافظ ابن القيم الجوزى. 24 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للحافظ أبى نعيم الأصبهاني. 25 - حاشية العلامة الشيخ إبراهيم الباجورى على شرح ابن قاسم الغزى الشافعي. 26 - تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب للشيخ الكردى الأربلى الشافعي. 27 - القاموس المحيط للعلامة الفيروزاباذى. 28 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعى. 29 - مختار الصحاح للامام عبد القادر الرازى. 30 - النهج السعيد في علم التوحيد للفقير إلى ربه صاحب الفتح الجديد. 31 - الأمالى لأبى على القالى. 32 - أسرار الشريعة الإسلامية وآدابها الباطنية للمرحوم أستاذى إبراهيم أفندى على المدرّس بدار العلوم سابقا (من فراشه مركز أبو كبير شرقية). 33 - (محمد) صلى الله عليه وسلم المثل الكامل لصاحب العزة المرحوم محمد أحمد جاد المولى بك. 34 - الأدب النبوى للشيخ المرحوم محمد عبد العزيز الخولى.

خطبة الكتاب

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (قرآن كريم) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (*) قال إلإمام الحافظ زكى الدين عبد العظيم بن عبد القوى المنذري رحمه الله تعالى: الحمد لله المبدئ المعيد (¬1)، الغنىّ الحميد، ذو العفو الواسع والعقاب الشديد، من هداه فهو السعيد السديد (¬2) ومن أضله فهو الطريد البعيد (¬3)، ومن أرشده إلى سبيل النجاة ووفقه فهو الرشيد كلّ الرشيد، يعلم ما ظهر وما بطن، وما خفى وما علن (¬4)، وما هجن (¬5) وما كمل، وهو أقرب إلى كل مريد من حبل الوريد (¬6)، قسم الخلق قسمين، وجعل لهم منزلتين، فريق في الجنة وفريق في السعير، إن ربك فعّال لما يريد، ورغب في ثوابه، ورهب (¬7) من عقابه، ولله الحجة البالغة، ومن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد. أحمده وهو أهل الحمد والتحميد، وأشكره والشكر لديه من أسباب المزيد (¬8)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العرش المجيد، والبطش (¬9) الشديد، شهادة كافلة لى عنده بأعلى درجات أولى التوحيد، في دار القرار (¬10) والتأييد. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير (¬11) النذير، أشرف من أظلت السماء وأقلّت البيد (¬12) صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا وعلى آله وأصحابه أولى (¬13) المعونة على الطاعة والتأييد، صلاة دائمة في كل حين تنمو وتزيد، ولاتنفد (¬14) مادامت الدنيا والآخرة ولا تبيد. خطبة المؤلف أما بعد: فلما وفقنى الله سبحانه وتعالى لإملاء كتاب مختصر أبى داود، وإملاء كتاب الخلافيات، ومذاهب السلف، وذلك من فضل الله علينا وسعة منه. سألنى بعض الطلبة أولى ¬

(*) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد: فهذا شرحى على الترغيب والترهيب المسمى (فتح جديد) أسأل الله أن ينفع به كما نفع بأصله إنه هو الحميد المجيد. (¬1) المحيى الخلائق يوم الحشر. (¬2) الموفق للصواب. (¬3) المحروم من رحمة الله عز وجل. (¬4) ظهر. (¬5) هجن، الهجنة في الكلام: العيب والقبح. (¬6) المريد: من له إرادة، يعنيى به الإنسان، والوريد: عرق في العنق: أي أن الله تعالىقرب من مجرى الدم في العروق وأولي بالنصر وطلب الاعانة. (¬7) خوف من عقابه. (¬8) تكثير النعم. (¬9) الانتقام. (¬10) الدار: اثنتان الجنة والنار، والمراد هنا الجنة. والقرار: الاستقرار في المكان؛ والمعنى: أنه يشهد لله شهادة تكون كافلة له بالاستقرار في الجنة. (¬11) يبشر الصالحين بالجنة، ويخوف العاصين من النار. (¬12) أقلت: حملت، والبيد جميع بيداء كصحراء وزناً ومعنى، والمراد جميع الأرض. (¬13) الذين نصروه وعزروه. (¬14) تفنى.

الهمم العالية ممن اتصف بالزهد في الدنيا والإقبال على الله عزّ وجلّ بالعلم والعمل، زاده الله قربا منه وعزوفا (¬1) عن دار الغرور (¬2) أن أملى كتابا جامعا في: الترغيب والترهيب، مجرّدا عن التطويل بذكر إسناد أو كثرة تعليل، فاستخرت الله تعالى وأسعفته بطلبته؛ لما وقر عندى من صدق نيته، وإخلاص طويته، وأمليت عليه هذا الكتاب: صغير الحجم غزير العلم، حاويا لما تفرّق في غيره من الكتب مقتصراً فيه على ما ورد، صريحا في الترغيب والترهيب، ولم أذكر ما كان أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجرّدة عن زيادة نوع من صريحهما إلا نادراً في ضمن باب أو نحوه لأنى لو فعلت ذلك لخرج هذا الاملاء إلى حدّ الإِسهاب المملّ، مع أن الهمم قد داخلها القصور (¬3)، والبواعث قد غلب عليها الفتور (¬4). وقصر العمر مانع من استيفاء المقصود، فأذكر الحديث ثم أعزوه، (¬5) إلى من وراء من الأئمة أصحاب الكتب المشهورة التي يأتى ذكرها، وقد أعزوه إلى بعضها دون بعض طلبا للاختصار لا سيمان إن كان في الصحيحين أو في أحدهما، ثم أشير إلى صحة إسناده كما تقدّم، لأن المقصود الأعظم من ذكره إنما هو معرفة حاله من الصحة والحسن والضعف ونحو ذلك، وهذا لا يدركه إلا الأئمة الحفاظ أولو المعرفة التامة والإتقان فإذا أشير إلى حاله أغنى عن التطويل بإيراده، واشترك في معرفة حاله من له يد في هذه الصناعة وغيره. وأما دقائق العلل فلا مطمع في شيء منها لغير الجهابذة (¬6) من النقاد أئمة هذا الشأن، وقد أضربت عن ذكر من تقدّم من العلماء رضي الله عنهم أساغوا (¬7) التساهل في أنواع من الترغيب والترهيب، حتى إن كثيراً ذكروا الموضوع ولم يبينوا (¬8) حاله، وقد أشبعنا الكلام على حال كثير من الأحاديث الواردة في هذا الكتاب وفي غيره من كتبنا، فإذا كان إسناد الحديث صحيحا أو حسنا أو ما قاربهما صدّرته بلفظة: عن، وكذلك إن كان مرسلا أو منقطعا أو معضلا ¬

(¬1) أي زهداً وانصرافا. (¬2) الدنيا الفانية. (¬3) العجز. (¬4) الملل. (¬5) أنسبه. (¬6) العلماء الأفاضل الراسخون في العلم. (¬7) أجازوا .. (¬8) يريد أن يعتذر عن ترك بيان كثير من دقائق العلل، فاعتذر بأن كثيرا من العلماء أجازوا التساهل في أنواع من الترغيب والترهيب، حتى أدى التساهل لبعضهم إلى ذكر أحاديث موضوعة مع عدم بيان وضعها، فإذا كانوا قد تساهلوا إلى هذا الحد، فليس يعيب على المؤلف أن لا يبين دقائق العلل، وهذا عذر مقبول، وليس مراد المؤلف أن يجوز رواية الحديث الموضوع من غير بيان حاله، فقد قال صلى الله عليه وسلم (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم. فعلى رواوى الحديث أن يثبت من صحته ولا يروى ضعيفه وإن أجازه بعض العلماء في ذكر الترغيب في الخير وبيان فضائل الأعمال ..

أو في إسناده راوٍ مبهم أو ضعيف وثق أوثقه ضعف وبقية رواة الإسناد ثقات أوفيهم كلام لا يضرّ، أو حسّنه بعض من خرّجه، أصدّره أيضا بلفظه: عن، ثم أشير إلى إرساله وانقطاعه أو عضله أو ذلك الراوى المختلف فيه، فأقول رواه فلان في رواية فلان أو من طريق فلان أو في إِسناده فلان أو نحو هذه العبارة ولا أذكر ما قيل فيه من جرح وتعديل خوفا من تكرار ما قيل فيه كلما ذكر وأفردت لهؤلاء، المختلف فيهم بابا في آخر الكتاب، أذكرهم فيه مرتبا على حروف المعجم، وأذكر ما قيل في كل منهم من جرح وتعديل على سبيل الاختصار، وقد لا أذكر ذلك الراوىَ المختلف فيه، فأقول إذا كان رواة إسناد الحديث ثقات وفيهم من اختلف فيه: إسناده حسن أو مستقيم أو لا بأس به ونحو ذلك حسبما يقتضيه حال الإسناد والمتن وكثرة الشواهد، وإذا كان في الإسناد من قيل فيه كذاب أو وضاع أو متهم أو مجمع على تركه أو ضعفه أو ذاهب الحديث أو هالك أو ساقط أو ليس بشئ أو ضعيف جدّا أو ضعيف فقط أو لم أر فيه توثيقا بحيث لا يتطرق إليه احتمال التحسين صدّرته بلفظة: روى، ولا أذكر ذلك الراوى ولا ما قيل فيه ألبتة فيكون للإسناد الضعيف دلالتان: تصديره بلفظة: روى، وإهمال الكلام عليه في آخره، وقد استوعبت جميع ما كان من هذا النوع في كتاب. بيان رواة الحديث الذى نقل المؤلف عنهم موطأ مالك (1). وكتاب مسند الامام أحمد (2). وكتاب صحيح البخاري (3). وكتاب صحيح مسلم (4). وكتاب سنن أبى داود. وكتاب المراسيل له (5). وكتاب جامع أبى عيسى الترمذي (6). وكتاب سنن النسائي الكبرى وكتاب اليوم والليلة له (7). وكتاب سنن ابن ماجه (8). وكتاب المعجم الكبير، وكتاب المعجم الأوسط، وكتاب المعجم الصغير، الثلاثة للطبراني (9). وكتاب مسند أبى يعلى الموصلى (10). وكتاب مسند أبى بكر البزار (11). وكتاب صحيح ابن حبان (12). وكتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم أبى عبد الله النيسابوري (13) رضي الله عنهم أجمعين ولم أترك شيئا من هذا النوع في الأصول السبعة، وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم إلا ما غلب علىّ فيه ذهول حال الإملاء أو نسيان أو أكون قد ذكرت فيه ما يغنى عنه، وقد يكون للحديث دلالتان فأكثر فأذكره في باب ثم لا أعيده فيتوهم الناظر أنى تركته، وقد يرد الحديث عن جماعة من الصحابة بلفظ واحد وبألفاظ متقاربة فأكتفى بواحد منها عن سائرها، وكذلك لا أترك شيئا من هذا النوع من المسانيد والمعاجيم إلا ما غلب علىّ فيه ذهول أو نسيان أو يكون ما ذكرت أصلح إسنادا مما تركت أو يكون ظاهر النكارة جدّا. وقد أجمع على وضعه أو بطلانه. وأضفت إلى ذلك

المواضع التي اشتمل عليها الكتاب

جملا من الأحاديث معزوّة إلى أصولها كصحيح ابن خزيمة (14). وكتب ابن أبى الدنيا (15). وشعب الإيمان للبيهقى. وكتاب الزهد الكبير له (16). وكتاب الترغيب والترهيب لأبى القاسم الأصبهاني (17). وغير ذلك كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى، واستوعبت جميع ما في كتاب أبى القاسم الأصبهاني مما لم يكن في الكتب المذكورة وهو قليل، وأضربت عن ذكر ما قيل فيه من الأحاديث المتحققة الوضع، وإذا كان الحديث في الأصول السبعة لم أعزه إلى غيرها من المسانيد والمعاجيم إلا نادرًا بفائدة طلبا للاختصار، وقد أعزوه إلى صحيح ابن حبان ومسند الحاكم إن لم يكن متنه في الصحيحين، وأنبه على كثير مما حضرني حال الإملاء مما تساهل أبو داود رحمه الله تعالى في السكوت عن تضعيفه أو الترمذي في تحسينه أو ابن حبان والحاكم في تصحيحه، لاانتقاداً عليهم رضى الله عنهم بل مقياسا لمتبصر في نظائرها من هذا الكتاب، وكل حديث عزوته إلى أبى داود وسكت عنه فهو كما ذكر أبو داود (¬1) ولا ينزل عن درجة الحسن، وقد يكون على شرط الصحيحين أو أحدهما. وأنا أستمدّ العون على ما ذكرت من القوىّ المتين، وأمدّ أكف الضراعة إلى من يجيب دعوة المضطرّين، أن ينفع به كاتبه وقارئه ومستمعه وجميع المسلمين وأن يرزقنى فيه من الإخلاص، ما يكون كفيلا لى في الآخرة بالخلاص. ومن التوفيق ما يدلنى على أرشد طريق، وأرجو منه الإعانة على حزن الامر وسهله، وأتوكل عليه، وأعتصم بحبله، وهو حسبى ونعم الوكيل. ثم بعد تمامه رأيت أن أقدم فهرست ما فيه من الأبواب والكتب ليسهل الكشف على من أراد شيئاً من ذلك، والله المستعان. الترغيب: في الإخلاص والصدق والنية الصالحة. الترهيب: من الرياء وما يقوله من خاف شيئا منه. الترغيب: في اتباع الكتاب والسنة. الترهيب: من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء. الترغيب: في البداءة بالخير ليستنّ به. الترهيب: من البداء بالشرّ خوفا أن يستنّ به. دليل موضوعات: العلم كتاب العلم الترغيب: في طلب العلم وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين الترغيب: في الرحلة في طلب العلم. ¬

(¬1) نقل ابن داسة عن أبي داود أنه قال: (ذكرت في كتابي: الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، وما كان فيه وهن شديد بينته) فأنت ترى أيها القارئ دقة رواية المؤلف وحسن الأدب مع النبى صلى الله عليه وسلم وبذل الجهد في تمييز درجة الحديث فما عليك إلا أن تتبع الأبواب لتتغذى بلبان الحكمة وتروى ظمأك بالماء القراح قال تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب) وأنا أقدم على شرح الحديث راجيا من الله المعونة والمثوبة والهداية، فأشرح الألفاظ وأبين معناها، ثم أردف معنى الحديث، والله الموفق.

الترغيب: في سماع الحديث وتبليغه ونسخه. الترهيب: من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. الترغيب: في مجالسة العلماء. الترغيب: في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهم الترهيب: من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم. الترهيب: من تعلُّم العلم لغير وجه الله عزّ وجلّ. الترغيب: في نشر العلم والدلالة على الخير. والترهيب: من كتب العلم. الترهيب: من أن يعلم ولا يعمل به ويقول ما لا يفعل. الترهيب: من الجدال في العلم والقرآن. الترهيب: من المراء والجدال. الترغيب: في تركه للمحق والمبطل. كتاب الطهارة الترغيب: في الانحراف عن استقبال واستدبارها. والترهيب: منهما. الترهيب: من التخلى على طرق الناس أو ظلهم أو مواردهم. الترهيب: من البول في المغتسل والحجر والماء الترهيب: من الكلام على الخلاء. الترهيب: من إصابة بول الثوب وغيره وعدم الاستنزاه منه. الترهيب: من دخول الحمام بغير أُزر، ومن دخول النساء بالأزر وغيرها إلا نفساء أو مريضة وماجاء في النهى عن ذلك. الترهيب: من تأخير الغسل لغير عذر. الترغيب: في الوضوء وإسباغه. الترغيب: في المحافظة على الوضوء وتجديده. الترهيب: من ترك التسمية على الوضوء. الترغيب: في السواك وما جاء في فضله. الترغيب: في تخليل الأصابع. الترهيب: من تركه وترك الإسباغ إذا أخلّ بشئ من القدر الواجب. الترغيب: في كلمات يقولهن بعد الوضوء. الترغيب: في ركعتين بعد الوضوء. كتاب الصلاة الترغيب في الأذان وما جاء في فضله. الترغيب في إجابة المؤذن وبماذا يجيبه وما يقول بعد الأذان. الترغيب: في الإقامة. الترهيب: من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر. الترغيب: في الدّعاء بين الأذان والاقامة. الترغيب: في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة اليها. الترغيب: في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تجميرها. الترهيب: من البصاق في المسجد وإنشاد الضالة وغير ذلك مما يذكر فيه. الترغيب: في المشئ إلى المساجد لا سيما في الظلم وما جاء في فضلها. الترغيب: في لزوم المساجد والجلوس فيها. الترهيب: من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة. ترغيب: النساء في الصلاة في بيوتهنّ ولزومها. وترهيبهنّ من الخروج منها. الترغيب: في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان

بوجوبها. الترغيب: في الصلاة مطلقا، وفضل الركوع والسجود والخشوع. الترغيب في الصلاة على أوّل وقتها. الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعة فوجد الناس قد صلوا. الترغيب في كثرة الجماعة. الترغيب: في الصلاة في الفلاة. والترغيب: في صلاة العشاء والصبح خاصة في الجماعة. والترهيب: في التأخر عنهما. الترهيب: من ترك حضور الجماعة بغير عذر. الترغيب: في صلاة النافلة في البيوت. الترغيب: في انتظار الصلاة بعد الصلاة. الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر. الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر. الترغيب: في أذكار يقولها بعد صلاة الصبح والعصر والمغرب. الترهيب من فوات العصر بغير عذر. الترغيب: في الإمامة مع الإِتمام والإحسان. والترهيب: منها عند عدمها. والترهيب: من إمامة الرجل القومَ وهم له كارهون. الترغيب: في الصف الأوّل وماجاء في تسوية الصفوف والتراصّ فيها وفضل ميامنها، ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدّم. الترغيب: في وصل الصفوف وسدّ الفُرَج. الترهيب: في تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم، وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهن، ومن اعوجاج الصفوف. الترغيب: في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء، وما يقوله في الاستفتاح والاعتدال. الترهيب: من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود. الترهيب: من عدم إتمام الركوع والسجود وإقامة الصلب بينهما، وما جاءَ في الخشوع. الترهيب: من رفع البصر إلى السماء في الصلاة. الترهيب: من الالتفات في الصلاة وغيرها مما يذكر. الترهيب: من مسح الحصا على موضع السجود والنفخ فيه لغير ضرورة. الترهيب: من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة. الترهيب: من المرور بين يدي المصلى. الترهيب: من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا. دليل موضوعات: النوافل كتاب النوافل الترغيب: في المحافظة على اثنتى عشرة ركعة من السُّنة في اليوم والليلة. الترغيب: في المحافظة على ركعتين قبل الصبح. والترغيب: في الصلاة قبل الظهر وبعدها، الترغيب: في الصلاة قبل العصر. والترغيب: في الصلاة بين المغرب والعشاء. الترغيب: في الصلاة بعد العشاء. الترغيب: في صلاة الوتر وما جاء فيمن لم يوتر. الترغيب: في أن ينام الانسان طاهرا ناويا للقيام. الترغيب: في كلمات يقولهنّ حين يأوى إلى فراشه وما جاء فيمن نام ولم يذكر الله عز وجل. الترغيب: في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل. الترغيب: في قيام الليل. الترهيب: من صلاة الانسان

وقراءته حال النعاس. الترهيب: من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شئ من الليل. الترغيب: في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى. الترغيب: في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل الترغيب: في صلاة الضحى. الترغيب: في صلاة التسبيح. الترغيب: في صلاة التوبة. الترغيب: في صلاة الحاجة ودعائها. الترغيب: في صلاة الاستخارة. دليل موضوعات الجمعة؛ والصدقات كتاب الجمعة الترغيب: في صلاة الجمعة والسعى إليها وما جاء في فضل يومها وليلتها وساعتها. الترغيب: في الغسل يوم الجمعة. الترغيب: في التبكير إلى الجمعة وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير من غير عذر. الترهيب: من تخطى الرقاب يوم الجمعة. الترهيب: من الكلام والإمام يخطب. والترغيب في الإنصات. الترهيب: من ترك الجمعة. الترغيب: في قراءة سورة الكهف وما يذكر معها ليلة الجمعة ويوم الجمعة. كتاب الصدقات الترغيب: في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها. الترهيب: من منع الزكاة وماجاءَ في زكاة الحلى. الترغيب: في العمل على الصدقة بالتقوى. والترهيب من الخيانة والتعدّى فيها، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسه، وما جاء في المكاسين والعشارين والعُرفاء. الترهيب: من المسئلة وتحريمها مع الغنى، وما جاء في ذمّ الطمع. والترغيب: في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده. ترغيب: من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله عزّ وجلّ. الترهيب: من أخذ ما دفع إليه من غير طيب نفس المعِطى. ترغيب: من جاءه شيء من غير مسئلة ولا إشراف نفس في قبوله سيما إن كان محتاجا والنهى عن رده وإن كان غنيا عنه. ترهيب السائل: أن يسأل بوجه الله غير الجنة ترهيب: المسئول بوجه الله أن يمنع. الترغيب: في الصدقة والحث عليها وما جاء في جهد المقلّ ومن تصدق بما لا يجب. الترغيب: في صدقة السرّ. الترغيب: في الصدقة على الزوج والأقارب تقديمهم على غيرهم. الترهيب: من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل ما له فيبخل عليه أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون. الترغيب: في القرض وما جاء في فضله. الترغيب: في التفريج عن المعسر وإنظاره والوضع عنه. الترغيب: في الانفاق في وجوه الخير كرما. والترهيب: من الإمساك والادّخار شحا. ترغيب المرأة: في الصدقة من مال زوجها إذا أذن، وترهيبها:

ما لم يأذن. الترغيب في إطعام الطعام وسقى الماء، والترهيب من منعهما. الترغيب: في شكر المعروف ومكافأة فاعله، وما جاء فيمن لم يشكر ما أولى إليه. دليل موضوعات: الصوم، العيدين، الحج كتاب الصوم الترغيب: في الصوم مطلقا وما جاء في فضله وفضل دعاء الصائم. الترغيب: في صوم رمضان احتسابا وقيام ليله لا سيما ليلة القدر وما جاء في فضله. الترهيب: من إفطار شئ من رمضان من غير عذر. الترغيب: في صوم ست من شوّال. الترغيب: في صوم يوم عرفة لمن لم يكن بعرفة وما جاء في النهى عنه لمن كان بها. الترغيب: في صوم شهر المحرّم. الترغيب: في صوم يوم عاشوراء والتوسيع فيه على العيال. الترغيب: في صوم شعبان وماجاء في صيام النبى صلى الله عليه وسلم وفضل ليلة نصفه. الترغيب: في صوم ثلاثة أيام من كل شهر سيما الأيام البيض. الترغيب: في صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد، وماجاء في النهى عن صوم يوم الجمعة وحده ويوم السبت وحده. الترغيب: في صوم يوم إفطار يوم وهو صوم داود عليه السلام. ترهيب المرأة أن تصوم تطوّعا وزوجها حاضر بغير إذنه. ترهيب: المسافر من الصوم إذا كان يشق عليه. وترغيبه: في الإفطار. الترغيب: في السحور سيما بالتمر. الترغيب: في تعجيل الفطر وتأخير السحور. الترغيب: في الفطر على التمر، لم يجده فعلى الماء. الترغيب: في إطعام الصائم، وترغيب: الصائم في أكل المفطرين عنده. ترهيب: الصائم من الغيبة والفحش والكذب ونحو ذلك. الترغيب: في الاعتكاف. الترهيب: في صدقة الفطر وبيان تأكيدها. كتاب العيدين والأضحية الترغيب: في إحياء ليلتى العيدين. الترغيب: في التبكير في العيد وذكر فضله، الترغيب: في الأضحية وفضلها، وما جاء فيمن لم يضحّ مع القدرة، ومن باع جلد أضحيته، الترهيب: من المثلة بالحيوان، وما جاء في الأمر بتحسين القِتلة والذِّبحة. كتاب الحج الترغيب: في الحج والعمرة، وما جاء فيمن خرج يقصدهما فمات، الترغيب في الاحرام من المسجد الاقصى، الترغيب: في النفقة في الحج والعمرة، وماجاء فيمن أنفق من مال حرام،

الترغيب: في العمرة في رمضان. الترغيب: في التواضع في الحج والتبذّل ولبس الدّون من الثياب اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام. الترغيب: في الإحرام والتلبية ورفع الصوت بها. الترغيب: في الطواف وتقبيل الحجر الأسود، وماجاء في فضله وفضل الركن اليمانى والمقام. الترغيب: في العمل الصالح في عشر ذى الحجة وفضله، الترغيب: في الوقوف بعرفة وفضله والمزدلفة وفضل يوم عرفة. الترغيب: في رمى الجمار وما جاء في رفعها الترغيب: في حلق الرأس بمنى. الترغيب: في شرب ماء زمزم، وما جاء في فضله. ترهيب: مَن قدر على الحج فلم يحج، وما جاء في لزوم المرأة بيتها بعد أداء فرض الحج، الترغيب: في الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة وقبا وبيت المقدس والدعاء في مسجد الفتح. الترغيب: في سكنى المدينة إلى الممات، وما جاء في فضلها وفضل أُحد ووادى العقيق. الترهيب: من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء. دليل موضوعات: الجهاد كتاب الجهاد الترغيب: في الرباط في سبيل الله عزّ وجلّ الترغيب: في الحراسة في سبيل الله. الترغيب: في النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة وخلفهم في أهلهم. الترغيب: في احتباس الخيل في سبيل الله وما جاء فضلها، وفيمن اتخذها رياء وسمعة. الترغيب: فيما يذكر منها، والنهى عن قص نواصيها. ترغيب: الغازى والمرابط في الاكثار من العمل الصالح من الصوم والصلاة والذكر ونحو ذلك، الترغيب: في الخروج في سبيل الله عزّ وجلّ والغدوة والروحة وما جاء في فضل المشى والغبار في سبيل الله والخوف فيه، الترغيب: في سؤال الشهادة في سبيل الله. الترغيب: في الرمى في سبيل الله وتعلُّمه. الترهيب من تركه بعد تعلمه رغبة عنه. الترغيب: في الجهاد والقتال في سبيل الله، وماجاء في فضل الكلام فيه والدعاء عند الصف والقتال. الترهيب: من الفرار من الزحف. الترهيب: في الغزاة في البحر، وأنها أفضل من عشر غزوات البرّ. الترهيب: من الغلول والتشديد فيه، وما جاء فيمن ستر على غالّ. الترغيب: في الشهادة وما جاء في فضل الشهداء. الترهيب: من أن يموت الإنسان ولم يغز ولم ينو الغزو وذكر أنواع من الموات يلتحق أربابها بالشهداء. والترهيب: من الفرار من الطاعون

دليل موضوعات: قراءة القرآن، الذكر والدعاء كتاب قراءة القرآن الترغيب: في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، وفضل تعلمه وتعليمه. الترغيب: في سجود التلاوة. الترهيب: من نسيان القرآن بعد تعلمه، وما جاء فيمن ليس في جوفه منه شئ. الترغيب: في دعاء يدعى به لحفظ القرآن. الترغيب: في تعاهد القرآن وتحسين الصوت به. الترغيب: في قراءة الفاتحة وماجاء في فضها. الترغيب: في قراءة البقرة وخواتيمها وآل عمران، وما جاء فيمن قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها. الترغيب: في قراءة آية الكرسى وما جاء في فضها. الترغيب في قراءة سورة الكهف أو عشر من أولها أو عشر من آخرها. الترغيب: في قراءة سورة يسّ وما جاء في فضلها. الترغيب: في قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك. الترغيب: في قراءة سورة إذا الشمس كورت وما يذكر معها، الترغيب: في قراءة إذا زلزلت وما يذكر معها. الترغيب: في قراءة ألهاكم التكاثر، والترغيب: في قراءة قل هو الله أحد. الترغيب: في قراءَة المعوّذتين. كتاب الذكر والدعاء الترغيب: في الاكثار من ذكر الله عز وجل سرا وجهرا والمداومة عليه، وماجاءَ فيمن لم يكثر من ذكر الله: الترغيب: في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله. الترهيب: من أن يجلس الانسان مجلسا لا يذكر الله فيه ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. الترغيب: في كلمات يكفّرن لغط المجلس. الترغيب في قول: لا إله إلا الله وما جاء في فضلها. الترغيب: في قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. الترغيب: في التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل واختلاف أنواعه. الترغيب: في جوامع من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل بأنواعه. الترغيب: في قول لا حول ولا قوة إلا بالله. الترغيب: في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء. الترغيب: في كلمات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات. الترغيب: فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكرهه. الترغيب في كلمات يقولهن من يأرق بالليل أو يفزع. الترغيب: فيما يقول إذا خرج من بيته إلى المسجد وغيره وإذا دخلهما. الترغيب: فيما يقوله من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها. الترغيب: في الاستغفار. الترغيب: في كثرة الدعاء وما جاء في فضله. الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء وبعض ما جاء في فضل اسم الله الأعظم. الترغيب: في الدعاء في السجود ودبر الصلوات وجوف الليل الآخر. الترهيب من استبطاء الإجابة وقوله: دعوت

فلم يستجب لى. الترهيب من رفع المصلى رأسه في الدعاء إلى السماء وأن يدعو وهو غافل. الترهيب: من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله. الترغيب: في الإكثار من الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم. والترهيب: من تركها عند ذكره صلى الله عليه وسلم. دليل موضوعات: البيوع وغيرها، النكاح كتاب البيوع وغيرها الترغيب: في الاكتساب بالبيع وغيره، الترغيب: في البكور في طلب الرزق وغيره، وما جاء في نوم الصبحة. الترغيب: في ذكر الله تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة. الترغيب: في الاقتصاد في طلب الرزق والإجمال فيه، وما جاء في ذم الحرص وحب المال. الترغيب: في طلب الحلال والأكل منه. الترهيب: من اكتساب الحرام وأكله ولبسه. الترغيب: في الورع وترك الشبهات وما يجول في الصدور ونحو ذلك. الترغيب: في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضى والقضاء. الترغيب: في إقالة النادم. الترهيب: من بخس الكيل والوزن. الترهيب: من الغش. والترغيب: في النصيحة في البيع وغيره. الترهيب: من الاحتكار. ترغيب التجار في الصدق. وترهيبهم: من الكذب والحلف وإن كانوا صادقين. الترهيب: في خيانة أحد الشريكين الآخر. الترهيب: من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه. الترهيب: من الدَّين. وترغيب: المستدين والمتزوج أن ينويا الوفاء والمبادرة إلى وفاء دين الميت. الترهيب: من مطل الغنى، والترغيب في إرضاء صاحب الدين. الترغيب: في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور. الترهيب: من اليمين الكاذبة. والترهيب: من الربا. والترهيب: من غصب الأرض وغيرها. الترهيب: من البناء فوق الحاجة تفاخرا وتكاثرا. الترهيب: من منع الأجير أجره، والأمر بتعجيل إعطائه. ترغيب المملوك: في أداء حق الله وحق مواليه. ترهيب: العبد من الإباق من سيده. الترغيب: في العتق. والترهيب: من استعباد الحر أو بيعه. كتاب النكاح وما يتعلق به الترغيب: في غض البصر. الترهيب: من إطلاقه ومن الخلو بالأجنبية ولمسها. الترغيب: في النكاح سيما بذات الدين الولود. ترغيب الزوج: في الوفاء بحق زوجته، والمرأة بحق زوجها وطاعته. وترهيبها: من مخالفته وإسخاطه. الترهيب: من ترجيح إحدى الزوجات وترك العدل بينهن. الترغيب: في النفقة على الزوجة والعيال. والترهيب: من إضاعتهم، وما جاء في النفقة على البنات وتأديبهنّ. الترغيب: في التسمية بالأسماء الحسنة وماجاء في النهى عن الأسماء القبيحة وتغيّرها. الترغيب: في تأديب الأولاد. الترهيب: من أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه. ترغيب: من مات له ثلاثة من الأولاد أو اثنان. أو واحد وتسليته بما يذكر من جزيل

الثواب. الترهيب: من إفساد المرأة على زوجها والعبد على سيده. ترهيب: المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس. ترهيب: المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة. الترهيب: من إفشاء السر سيما ما كان بين الزوجين. دليل موضوعات: اللباس والزينة، الطعام وغيره، القضاء وغيره كتاب اللباس والزينة الترغيب: في لبس الأبيض من الثياب. الترغيب: في القميص. والترهيب: من طوله وطول غيره مما يلبس وإسباله في الصلاة وغيرها وجرّه خيلاء. الترغيب: في كلمات يقولهن من لبس ثوبا جديدا. الترهيب: من لبس الرقيق من الثياب الذي يصف البشرة. ترهيب: الرجال من لبس الحرير وجلوسهم عليه والتحلى بالذهب. وترغيب النساء في تركها. الترهيب: من أن يتشبه الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك. الترغيب: في ترك الترفع في اللباس تواضعا واقتداء بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وبأصحابه رضى الله عنهم. والترهيب: من لباس الشهرة والفخر والمباهاة. الترغيب: في الصدقة على الفقير بما يلبسه كالثوب ونحوه. الترغيب: في إبقاء الشيب وكراهة نتفه. الترهيب: من خضب اللحية بالسواد. ترهيب: الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنصمة والمفلجة. الترغيب: في الكحل بالأثمد للرجال والنساء. كتاب الطعام وغيره الترغيب: في التسمية على الطعام. والترهيب: من تركها. الترهيب: من استعمال أوانى الذهب والفضة وتحريمه على الرجال والنساء. الترهيب: من الأكل والشرب بالشمال، وما جاء في النهى عن النفخ في الإناء والشرب من السقاء ومن ثلمة القدح. الترغيب: في الأكل من جوانب القصعة دون وسطها. الترغيب: في أكل الخل والزيت ونهش اللحم دون تقطيعها بالسكين. الترغيب: في الاجتماع على الطعام. الترهيب: من الإمعان في الشبع والتوسع في المأكل والمشرب الترهيب: من أن يُدعى الانسان فيمتنع من غير عذر، والأمر بإجابة الداعى وما جاء في طعام المتماريين الترغيب: في لعق الأصابع قبل مسحها. الترغيب: في حمد الله بعد الأكل. الترغيب: في غسل اليد قبل الطعام وبعده. الترهيب: من أن ينام الإنسان وفي يده ريح الطعام لا يغسلها. كتاب القضاء وغيره الترهيب: من تولى السلطنة والقضاء والإمارة سيما لمن لا يثق بنفسه، وترهيب: من وثق بنفسه أن يسأل شيئا من ذلك. ترغيب: من ولى شيئا من أمور المسلمين في العدل إماماً كان

أو غيره. وترهيبه: أن يشق على رعيته أو يجور عليهم أو يغشهم أو يحتجب عنهم أو يغلق بابه دون حوائجهم. ترهيب: من ولى شيئا من أمور المسلمين أن يولى عليهم رجلا وفي رعيته خير منه. ترهيب: الراشى والمرتشى والساعى بينهما. الترهيب: من الظلم ودعاء المظلوم وخذله. والترغيب: في نصرته. الترغيب في كلمات يقولهن من خاف ظالما. الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة. الترهيب: من الدخول عليهم وتصديقهم وإعانتهم. الترهيب: من إعانة المبطل ومساعدته والشفاعة المانعة من حد من حدود الله تعالى. الترهيب: من أن يُرِضِىَ الحاكم أو غيره الناسَ بما يسخط به الله عز وجل. الترغيب: في الشفقة على خلق الله من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم ورحمتهم والرفق بهم. والترهيب: من ضد ذلك ومن تعذيب العبد والدابة وغيرهما بغير سبب شرعىّ، وما جاء في النهى عن وسم الدواب في جوهها. ترغيب: الإمام وغيره من ولاة الأمور في اتخاذ وزير صالح وبطانة حسنة. الترهيب: من شهادة الزور. كتاب الحدود وغيرها الترغيب: في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. والترهيب: من تركهما والمداهنة فيهما. الترهيب: من أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر ويخالف قوله فعله. الترغيب: في ستر المسلم والترهيب: من هتكه وتتبع عورته. الترهيب من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم. الترغيب: في إقامة الحدود. والترهيب: من المداهنة فيها. الترهيب: من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها والتشديد فيه. والترغيب: في تركه والتوبة منه. الترهيب: من الزنا سيما بحليلة الجار والمغنِّية. والترغيب: في حفظ الفرج. الترهيب: من اللواط وإتيان البهيمة والمرأة في دبرها سواء كانت زوجته أو أجنبية. الترهيب: من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. الترهيب: من قتل الانسان نفسه. الترهيب: من أن يحضر الانسان قتل إنسان ظلما أو ضَرْبه، وما جاء فيمن جرد ظهر مسلم بغير حق. الترغيب في العفو عن القاتل والجاني والظالم. والترهيب: من إظهار الشماتة بالمسلم. الترهيب: من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب والإصرار على شيء منها. كتاب البر والصلة وغيرهما الترغيب: في برّ الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما، الترهيب: من عقوق الوالدين. الترغيب: في صلة الرحم وإن قطعت. الترهيب: من قطعها. الترغيب: في كفالة اليتيم والنفقة عليه وعلى الأرملة والمسكين. الترهيب: من أذى الجار وما جاء في تأكيد حقه. الترغيب: في زيارة الإخوان والصالحين، وما جاء في إكرام الزائر، وما

جاء في الضيافة وإكرام الضيف وتأكيد حقه. وترهيب الضيف: أن يقيم حتى يؤثِّم أهل المنزل. الترهيب: من أن يحتقر المرء ما يقدم إليه أو يحتقر ما عنده أن يقدمه للضيف. الترغيب: في الزرع وغرس الأشجار المثمرة، الترهيب: من البخل والشح. والترغيب: في الجود والسخاء. الترهيب: من عود الإنسان في هبته. الترغيب: في قضاء حوائج المسلمين وإدخال السرور عليهم، وما جاء فيمن شفع فأهدى له. دليل موضوعات الأدب وغيره كتاب الأدب وغيره الترغيب: في الحياء وفضله. والترهيب: من الفحش والبذاء. الترغيب: في الخلق الحسن وفضله. والترهيب: من الخلق السيء وذمه. الترغيب: في الرفق والأناءة والحلم. الترغيب: في طلاقة الوجه وطيب الكلام وغير ذلك مما يذكر. الترغيب: في إفشاء السلام وما جاء في فضله. الترغيب: في المصافحة. وترهيب المرء: من حب القيام له. والترهيب: من الإشارة في السلام، وماجاء في السلام على الكفار. الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن. الترهيب من أن يتسَمَّع حديث قوم يكرهون أن يسمعه. الترغيب: في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط. الترهيب: من الغضب، والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب. الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر. الترهيب من قوله لمسلم: يا كافر. الترهيب: من اللعن والسباب سيما لمعيَّن سواء كان آدميا أو دابة أو غيرهما. وبعض ماجاء في النهى عن سبّ الديك والبرغوث والريح. والترهيب: من قذف المحصنة والمملوك. الترهيب: من سب الدهر. الترهيب: من ترويع المسلم ومن الاشارة إليه بسلاح ونحو جادّا أو مازحا. الترغيب: في الاصلاح بين الناس. الترهيب: من أن يعتذر والبهت وبيانهما. والترغيب: من الحسد. وفضل سلامة الصدر. الترغيب فى التواضع. والترهيب: من الكبر والعجب والافتخار. الترهيب: من قوله لفاسق أو مبتدع: يا سيِّدى أو نحوها من الكلمات الدالة على التعظيم. الترغيب: في الصدق. والترهيب: من الكذب. ترهيب: ذى الوجهين وذى اللسانين. الترهيب: من الحلف بغير الله سيمان بالأمانة، ومن قوله أنا برئ من الاسلام أو كافر أو نحو ذلك. الترهيب: من احتقار المسلمِ المسلمَ وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. الترغيب: في إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك مما يذكر. الترغيب: في قتل الوزغ وما جاء في الحيات وغيرها مما يذكر. الترغيب فى إنجاز الوعد والأمانة. والترهيب: من إخلاف الوعد والخيانة والغدر وظلم المعاهَد أو قتله.

الترغيب: في الحب في الله تعالى. والترهيب: من حب الأشرار وأهل البدع ونحوهم لأن المرء مع من أحب. الترهيب: من السحر وإتيان الكهان والعرّافين والمنجمين بالرمل والحصى ونحو ذلك وتصديقهم. الترهيب: من تصوير الحيوانات في البيوت وغيرها. الترهيب: من اللعب بالنرد. الترغيب: في الجليس الصالح والترهيب: من الجليس السوء، وما جاء فيمن جلس وسط الحلقة وغير ذلك. الترهيب: من أن ينام الإنسان على سطح لا تحجير له أو يركب البحر عند ارتجاجه. الترهيب: من أن ينام الإنسان على وجهه من غير عذر. الترهيب: من الجلوس بين الظلّ والشمس. والترغيب: في الجلوس مستقبل القبلة. الترغيب: في سكنى الشام وفضلها. الترهيب: من الطَيرة. الترهيب: من اقتناء الكلب إلا لصيد أو ماشية. الترهيب: من سفر الرجل وحده أو مع آخر فقط، وماجاء في خير الأصحاب. ترهيب: المرأة أن تسافر وحدها. الترغيب: في ذكر الله تعالى لمن ركب دابته. الترهيب: من استصحاب الكلب والجرس في سفر وغيره. الترغيب: في الدلجة، وهو السير بالليل. والترهيب: من السفر أوّله، ومن التعريس في الطرق، والافتراق في المنزل. الترغيب: في ذكر الله لمن عثرت دابته. الترغيب: في كلمات يقولهنّ من نزل منزلا. الترغيب: في دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر. الترغيب: في الموت في الغرب. دليل موضوعات: التوبة والزهد كتاب التوبة والزهد الترغيب: في التوبة والمبادرة بها وإتباع السيئةِ الحسنةَ. الترغيب: في الفراغ للعبادة والإقبال على الله عزّ وجلّ. الترهيب: في المداومة على العمل وإن قلّ. الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد، وماجاء في فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين وحبهم ومجالستهم. والترغيب: في الزهد في الدنيا والاكفتاء منها بالقليل. والترهيب: من حبها والتكاثر فيها والتنافس، وصفة عيش النبىّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه. الترغيب: في البكاء من خشية الله تعالى. الترغيب: في ذكر الموت وقصر الأمل، والمبادرة بالعمل وفضل طول العمر لمن حسن عمله، والنهى عن تمنى الموت. الترغيب: في الخوف وفضله. الترغيب: في الرجاء وحسن الظن بالله عزّ وجلّ سيما عند الموت.

دليل موضوعات: الجنائز وما يتقدمها كتاب الجنائز وما يتقدمها الترغيب: في سؤال العفو والعافية. الترغيب: في كلمات يقولهنّ من رأى مبتلى. الترغيب: في الصبر سيما لمن ابتلى في نفسه أو ماله وفضل البلاد والمرض والحمى، وما جاء فيمن فقد بصره. الترغيب: في كلمات يقولهنّ من آلمه شئ من جسده. الترهيب: من تعليق التمائم والحروز. الترغيب: في الحجامة ومتى يحتجم. الترغيب: في عيادة المرضى وتأكيدها. والترغيب: في دعاء المريض. الترغيب: في كلمات يدعى بهنّ للمريض وكلمات يقولهنّ المريض. الترغيب: في الوصية والعدل فيها. والترهيب من تركها أو المضارّة فيها وما جاء فيمن يعتق ويتصدق عند الموت. الترهيب: من كراهة الإنسان الموت. والترغيب: في تلقّيه بالرضا والسرور إذا نزل حبًّا للقاء الله. الترهيب: في كلمات يقولهن من مات له ميت. الترغيب: في حفر القبور وغسل الموتى وتكفينهم. الترغيب: في تشييع الميت وحضور دفنه. الترغيب: في كثرة المصلين على الجنازة وفي التعزية. الترغيب: في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن. الترغيب: في الدعاء للميت وإحسان الثناء عليه. والترهيب: من سوى ذلك الترهيب: من النياحة على الميت في النعى ولطم الخدّ وخمس الوجه وشق الجيب. الترهيب: من إحداد المرأة على غير زوجها فوق ثلاث. الترهيب: من أكل مال اليتيم بغير حق. الترغيب: في زيارة الرجال القبورَ. والترهيب: من زيارةالنساء لها واتباعهنّ الجنائز. الترهيب: من المرور بقبور الظالمين وديارهم ومصارعهم من الغفلة عما أصابهم، وما جاء في عذاب القبر ونعيمه، وسؤال منكر ونكير عليهما السلام. الترهيب: من الجلوس على البر وكسر عظم الميت. كتاب البعث وأهوال يوم القيامة ويشتمل على فصول كتاب صفة الجنة والنار الترغيب: في سؤال الجنة والاستعاذة من النار. الترهيب: من النار، أعاذنا الله منها بمنه وكرمه، ويشتمل على فصول. الترغيب في الجنة ونعيمها في الجنة ويشتمل على فصول. باب ذكر الرواة المختلف فيهم المشار إليه في هذا الكتاب (¬1) ¬

(¬1) انتهت المقدمة والحمد لله أولا وآخراً، وصلى الله على سيدنا محمد النبى الأمّى، وعلى آله وصحبه وسلم.

[كتاب الإخلاص]

الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة 1 - عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله ? يقول: انطلق ثلاثة نفر (¬1) ممن كان قبلكم حتى أَوَاهُمُ (¬2) المبيتُ إلى غار (¬3) قدخلوا فانحدرت (¬4) صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرة، إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لى أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أَغْبُقُ قبلهما أهلا ولا مالا (¬5)، فنأى (¬6) بى طلبُ شجر يوماً فلم أرُحْ (¬7) عليهما حتى ناما، فحلبتُ لهما غَبُوقَهُمَا، فوجدتُهما نائمين، فكرهت أن أَغْبُقَ قبلهما أهلاً أو مالا، فلبثت والقدحُ على يدى، أنتظر استيقاظهما حتى بَرِق (¬8) الفجر. زاد بعض الرواه (والصبية يتضاغون عند قدمى) فاستيقظا فشربا غَبُوقَهُما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، ففرج عنا ما نحن فيه من هذ الصخرة فانفرجت (¬9) شيئا لا يستطيعون الخروج منها، قال النبى ? قال الآخر: اللهم كانت لى ابنة عم كانت أحب الناس إلىَّ فأردتُها (¬10) عن نفسها فامتنعت منى حتى أَلمَّتْ (¬11) بها سنة من السنين فجاءتنى فأعطيتها عشرين ومائة دينار، على أن تخلى بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت: لا يحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه (¬12) فتحرجت (¬13) من الوقوع عليها، فانصرفت عنها، وهي أحب الناس إلى، وتركت الذهب الذى ¬

(¬1) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله ونصلى ونسلم على سيدنا محمد القدوة الحسنة. وعلى آله وأصحابه. وبعد فهذا فتح جديد: فى شرح جواهر أحاديث (الترغيب والترهييب) ابتدئ فيه بعون الله وبه أستعين. فأفسر ألفاظها العذبة وأبين مغزاها بعبارة سهلة؛ مقتبسا من القرآن الكريم ما يشرح الصدر، ويقر العين: - النفر: من ثلاثة إلى عشرة، وكذا النفير والنفر، ويقال يوم النفر وليلة النفر لليوم الذى ينفر فيه الناس من منى، وهو بعد يوم القبر: أي الثبوت والإقامة. (¬2) ألجأهم. (¬3) بيت منقور في الجبل. (¬4) مالت: أي هبطت وسقطت. (¬5) في نسخة: ومالا. (¬6) بعد. (¬7) أذهب إليهما، أو أرح بضم الهمزة وكسر الراء، وهو مأخوذ من أرحت الإبل أي رددتها إلى مأواها بالليل، وليس مأخوذا من راح إذا ذهب. (¬8) تلألأ وأضاء. (¬9) اتسعت. (¬10) طلبتها: أي راودتها كما في نسخة. (¬11) نزلت بها سنة: أي عام قحط. (¬12) هو النكاح الحلال بعقد شرعى. (¬13) فامتنعت من الوقوع في الحرج أي الإثم.

أعطيتها: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرةُ غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. قال النبى?: وقال الثالث: اللهم إنى استأجرت أجراءَ وأعطيتهم غير رجلٍ واحدٍ ترك الذى له وذهب، فَثَمَّرْتُ (¬1) أجره حتى كثُرت منه الأموالُ فجاءنى بعد حين، فقال لى: يا عبد الله أد إلى أجرى؟ فقلت: كلُّ ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ (¬2) بى؟ فقلت إنى لا أستهزئُ بك، فأخذه كُلهُ فساقه فلم يترك منه شيئا: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون. الترغيب في الاخلاص والصدق والنية الصالحة (وفي رواية) أن رسول الله ? قال: بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينُجيكم إلا الصدق فليدع (¬3) كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه، فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم كان لى أجير عمل لى على فرق (¬4) من أُزْرٍ فذهب وتركهُ، وإنى عمدت (¬5) على ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره إلى أن اشتريت منه بقرا، وإنه أتاني يطلب أجرهُ، فقلت له اعمد إلى تلك البقر، فإنها من ذلك الفرق فساقها، فإن كنت تعلم أنى فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساحت عنهم الصخرة (فذكر الحديث قريباً من الأول) رواه البخاري ومسلم والنسائي، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه باختصار، ويأتى لفظه في برّ الوالدين إن شاء الله تعالى. (قوله): وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً. الغبوق بفتح الغين المعجمة: هو الذي يشرب بالعشى؛ ومعناه كنت لا أقدِّم عليهما في شرب اللبن أهلاً ولا غيرهم، يتضاغون: بالضاد والغين المعجمتين، أي يصيحون من الجوع. السنة: العام المقحط الذي لم تنبت الأرض ¬

(¬1) نميت. (¬2) في نسخة: لا تستهتر. (¬3) فليتضرع إلى الله كل واحد ويلجأ إليه في طلب كشف الضر ويتوسل إليه بأرجى عمل عمله في الرخاء. (¬4) نحو ثلاثة آصع في الحجاز (مكيال يسع ستة عشر رطلا). (¬5) عمد للشيء: قصد له، وعمد الشيء أقامه بعماد يعتمد عليه فانعمه وبابهما ضرب.

فيه شيئاً سواء نزل غيث أم لم ينزل. تفضّ الخاتم: هو بتشديد الضاد المعجمة، وهو كناية عن الوطء. الفَرَق: بفتح الفاء والراء: مكيال معروف. فانساحت: هو بالسين والحاء المهملتين أي تنحت الصخرة وزالت عن فم الغار (¬1). فضل الاخلاص عند مفارقة الدنيا 2 - وعن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من فارق (¬2) الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة فارقها والله عنه راض. رواه ابن ماجه والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين. 3 - وعن أبي فراس (رجل من أسلم) قال: نادى رجل فقال يا رسول الله ما الإيمان؟ قال الإخلاص، وفى لفظ آخر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، سَلُونِى عمَّا شئتم، فنادى رجل يا رسول الله: ما الإسلام؟ قال إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، قال فما الإيمان؟ قال الإخلاص (¬3)، قال فما اليقين؟ قال التصديق (¬4). رواه البيهقي وهو مرسل ¬

(¬1) المعنى: ان النبى صلى الله عليه وسلم يضرب مثلا لثلاثة عملوا صالحاً لله وأخلصوا إليه جل وعلا، في الطاعة ولما وقعوا في شدة توسلوا إلى الله بأرجى عمل عملوه رجاء أن الله يفرج كربهم؛ ويزيل ألمهم، ويبعد همهم قد رأوا الصخرة ثقيلة عليهم فلا يمكن رفعها، فتقرب الأول: بمحبة والديه وبرهما وإكرامهما وطاعتهما وإيثارهما على أهله وأبنائه ورعاية الأدب معهما، ولعل في هذا العمل الخالص ابتغاء وجهه الكريم سبب إجابة دعائه وتفريج غمه فكان. وتضرع الثاني: إلى ربه بامتناعه عن الفحشاء خوفاً منه جل وعلا وخشيته في السر والعلانية، بعد أن تمكن من حبيبته وإعطائها ما يملك من الدنانير، فأجاب الله دعاءه وأزال عسيره، ودعا الثالث: السرى ربه وطلب منه النجارة إذ حفظ أمانة الأجير لله ونماها حتى ملأ وادياً إبلا ويقرأ وغنما وراعيهما. وهكذا يبارك الله في القليل الحلال فينمو ويكثر، ولما احتاج الأجير لأجرته سلمه ذلك المال الوفير لله ومحبة في ثواب الله ورجاء أن يفرج الله عنهم فكان ما رجوه وجاءهم الفرج تدريجا على ثلاث دفعات ليرى كل منهم أثر دعائه، وتوسله بصالح عمله. يؤخذ ايضاً من هذا الحديث: 1 - أن الإنسان يلزمه أن يعمل صالحا بإخلاص وصدق نية في حالة السعة والفرج ليكون ذلك سبباً لنجاته في يوم الضيق والشدة، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ (تعرف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة) فما ظنك إذا انضم إلى ذلك توسل ودعاء باضطرار؟ لا شك أن ذلك يكون أقرب للإجابة وأسرع لتفريج الكرب وكشف البلاء، كما أخبر بذلك حيث قال: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإ مع الله قليلا ما تذكرون) أية 62 سورة النمل. 2 - وأن المال الحلا يقيض الله له من يحفظه ولو غير مالكة حتى إذا احتاج صاحبه يوما وجده كما وقع لذلك الأجير. وهذا الحديث ساقه النبى صلى الله عليه وسلم مثلا لأمته، ليحذوا حذو هؤلاء، ويسيروا على نهجهم في العمل الصالح بإخلاص وصدق نية، ليكون لهم ما كان لهؤلاء. (¬2) ترك، والمعنى: الذي عمل صالحاً لله وحده وأدى الصلاة في أوقاتها وأخرج الزكاة للمستحقين وتصدق على الفقراء رحمه الله وأغدق عليه الخير والنعيم في الجنة. (¬3) شيء في القلب يدعو إلى حسن النية وصفاء الطوية وإتقان العمل لله. (¬4) الاعتقاد الجازم بوجود الخالق جل وعلا فلا يخشى سواه.

4 - وعن معاذ بن جبل أنه قال: حين بُعث إلى اليمن: يا رسول الله أوصنى، قال أخلص دينك يكفك العمل القليل. رواه الحاكم من طريق عبيد الله بن زجر عن ابن أبى عمران، وقال صحيح الإسناد كذا قال. 5 - وَرُوِىَ عن ثوبان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طُوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلى عنهم كلُّ فتنة ظلماء. رواه البيهقى. 6 - وعن أبي سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: نَضَّرَ (¬1) الله أُمْرَأً سمع مقالتى فوعاها (¬2) فرُب حامل فقه (¬3) ليس بفقيه ثلاث لا يغلُّ (¬4) عليهن قلب امرئ مؤمن: إخلاصُ العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين (¬5) ولُزُومُ جماعتهم (¬6) فإن دعاءهم محيط من ورائهم (¬7). رواه البزار بإسناد حسن، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث زيد بن ثابت، ويأتى في سماع الحديث إن شاء الله تعالى. قال الحافظ عبد العظيم، وقد روى هذا الحديث أيضا عن ابن مسعود، ومعاذ بن جبل، والنعمان بن بشير، وجبير بن مطعم، وأبى الدرداء، وأبى قرصافة (¬8) جندرة بن خيشنة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. وبعض أسانيدهم صحيح. 7 - وعن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه ظن أن له فضلا على من دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها (¬9) بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم. رواه النسائي وغيره، وهو في البخاري وغيره دون ذكر الإخلاص. ¬

(¬1) زاده نضارة ونعيما، وبهجة وسروراً. أي جعل وجهه نضراً وحسناً. (¬2) حفظها وأداها على صحتها لينتفع المسلمون. (¬3) مسائل من مهام أمور الدين؛ إذ الفقه: علم أدلة الدين بدقائق العلوم المستنبطة من الأقيسة، والغرض أن يحفظ ما يسمعه ويؤديه كما سمعه من غير تغيير. (¬4) غل يغل بضم الغين في المغنم غلولا: خان، وبضم الياء وكسر الغين من الاغلال وهو الخيانة، وغل صدره يغل: بفتح الياء وكسر الغين: إذا كان ذا ضغن، أو حقد: أي لا يدخله حقد أو خيانة تبعده عن الحق: أي هذه الخلال الثلاث يستصلح بها القلوب فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر كما في النهاية. (¬5) الأمراء، والعلماء، والولاة. (¬6) في مجالس العلم، والعمل الصالح، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر. (¬7) قد يستجيب الله دعاءهم إذ صحبتهم قربانا إلى الله تعالى، ومحبتهم لله في الله، والله من ورائهم محيط. (¬8) في نسخة: قرفاصة. (¬9) المعنى: أن الله تعالى يتجلى بكرمه ورضوانه ونصره لمن أكرم الضعفاء ابتغاء وجهه، لان خلالهم محمودة مقبولة عنده، وينصر الأمة بسبب دعاء الضعفاء وصلاتهم وإخلاصهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم الحديث (رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره).

8 - وعن الضحاك بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى يقول: أنا خير شريكٍ، فمن أشرك معى شريكاً فهو لشريكى، ياأيُها الناس أخلصوا أعمالكم، فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص (¬1) له ولا تقولوا: هذه لله وللرَّحم (¬2) فإنها للرَّحم وليس لله منها شيء، ولا تقولوا: هذه لله ولوجُوهِكُم (¬3) فإنها لوجوهكم، وليس لله منها شيء. رواه البزار بإسناد لا بأس به والبيهقى. (قال الحافظ) لكن الضحاك بن قيس مختلف في صحبته. 9 - وعن أبي أُمامه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجُلاً غَزَا (¬4) يلتمس الأجر والذكر، ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شئ له، فأعادها ثلاث مِرارٍ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شئ له (¬5)، ثم قال: إن الله عز وجل: لا يقبلُ من العمل إلاَّ ما كان خالصا، وابْتُغِىَ وجهه. رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد، وسيأتى أحاديث من هذا النوع في الجهاد إن شاء الله تعالى. 10 - وعن أبي الدرداء عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الدُّنيا ملعُونة (¬6) ملعون ما فيها إلا ما ابتغُىَ به وجه الله تعالى. رواه الطبراني بإسناد لا بأس به. 11 - وعن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال: يُجَاءُ بالدنيا يوم القيامة فَيُقال مِيزُوا ما كان (¬7) منها لله عز وجل فَيُمازُ، ويُرْمَى سَائِرُهُ في النار. رواه البيهقى عن شهر ابن حوشب عنه موقوفاً. 12 - ورواه أَيضا عن شهر عن عمرو بن عَبْسَةَ (¬8) رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة جئ بالدنيا فَيُمَيَّزُ منها ماكان لله، وما كان لغير الله رُمِىَ به في نار جهنم. موقوف أيضاً. (قال الحافظ) وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال من قِبَل الرأى والاجتهاد فسبيله سبيل المرفوع. ¬

(¬1) في نسخة: أخلص. (¬2) تعطى لله ونيتك إكرام القرابة. (¬3) تعطى لله، وإكراما لأشخاص. (¬4) حارب الأعداء طالباً الثواب من الله عز وجل، والسيرة الطيبة، وحسن الأحدوثه. (¬5) حرمه الله من الأجر الجزيل لأنه أشرك في جهاده، ولم يطلب يعمله هذا حب الله، ونصر دينه، وإعلاء كلمته فقط، فرد الله عمله لأنه أغنى الشركاء. (¬6) بعيدة عن رحمة الله إذا اشتغل فيها العامل لغير الله. (¬7) في نسخة: ما فيها. ميزوا: افصلوا. (¬8) نسخة: عنبسة.

فصل: إنما الأعمال بالنيات

13 - وَرُوِىَ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ أخلص لله (¬1) أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه. ذكره رُزَين العبدرى في كتابه، ولم أره فى شئ من الأصول التى جمعها، ولم أقف له على إسناد صحيح ولا حسن، إنما ذكر في كتاب الضعفاء كالكامل وغيره، لكن رواه الحسين بن الحسين المروزى في زوائده في كتاب الزهد لعبد الله ابن المبارك، فقال: حدثنا أبو معاوية أنبأنا حجاج عن مكحول عن النبى صلى الله عليه وسلم فذكره مرسَلاً؛ وكذا رواه أبو الشيخ ابن حبان وغيره عن مكحول مرسلاً، والله أعلم. 14 - وروى عن أبي ذَرٍّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد أفلح (¬2) من أخلص قلبه للإيمان وجعل قلبه سليماً (¬3)، ولسانه صادقا (¬4)، ونفسه مطمئنة (¬5)، وخليقته مستقيمة (¬6)، وجعل أذنه مستمعه (¬7)، وعينه ناظرةً (¬8)، فأما الأُذُنُ فقمعٌ (¬9) والعين مقرَّةٌ (¬10) بما يُوعِى القلب، وقد أفلح من جعل قلبه واعياً. رواه أحمد والبيهقى، وفي إسناد أحمد احتمال للتحسين. فصل 15 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنية (¬11) وفي رواية بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ¬

(¬1) أي عمل صالحاً، واتقى الله، وراعى أوامر القرآن ومناهيه، وأكل حلالا، وامتنع عن الشبهات، (¬2) فاز من نفى قلبه، وملأه تصديقاً بوجود الله، وآمن به وبملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وعمل صالحاً. (¬3) بعيدا عن الإلحاد والزيغ، مجتنباً الشبهات، قابل الله وهو عامل بكتاب وسنة نبيه. (¬4) يخبر بالواقع، ويقول الحق، ويشهد بالعدل. (¬5) يركن إلى الله عند حدوث المصائب فلا يجزع ولا يقول ما يغضب الرب، ولا يسخط، ولا ييأس. (¬6) يتحلى بمكارم الأخلاق. (¬7) للخير. (¬8) إلى آيات الله ليعتبر. (¬9) سامعة منصته. قمع كسمع: الاناء الذي يترك في رءوس الظروف لتملأ بالمائعات من الأشربة والأدهان، شبه آذان الذين يستمعون القول ويعونه ويحفظونه ويعملون به بالأقماع التي تحفظ ما يفرغ فيها لتوصله إلى الإناء. (¬10) خاضعة معترفة بالذى يحفظه القلب المدبر المتعظ المفكر، أو مكان سرور للذى يستعملها في الخير. (¬11) بتفكير القلب: أي قصده فعل الشيء.

فمن كانت هجرته (¬1) إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها (¬2) فهجرته إلى ما هاجر إليه. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. (قال الحافظ) وزعم بعض المتأخرين أن هذا الحديث بلغ مبلغ التواتر، وليس كذلك فإنه انفرد به يحيى بن سعيد الأنصارى عن محمد إبراهيم التيمى، ثم رواه عن الأنصارى خلق كثير نحو مائتى راوٍ، وقيل سبعمائه راوٍ، وقيل أكثر من ذلك، وقد روى من طرق كثير غير طريق الأنصارى، ولا يصح منها شيء: كذا قاله الحافظ على بن المدينى وغيره من الأئمة. وقال الخطابي: لا أعلم في ذلك خلافا بين أهل الحديث، والله أعلم. 16 - وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا (¬3) ببيداء من الأرض يُخسفُ بأوَّلِهِمْ وآخرهم. قالت قُلتُ يا رسول الله كيف يُخسَفُ بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم (¬4)، ومن ليس منهم (¬5)؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم (¬6) رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 17 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يُبْعَثُ الناس على نياتهم (¬7)، رواه ابن ماجه باسناد حسن، ورواه أيضاً من حديث جابر إلا أنه قال: يحشر الناس. 18 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رجعنا من غزوة تبوك (¬8) مع النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شِعْباً (¬9) ولا وادياً (¬10) ¬

(¬1) عمله وانتقاله من مكة إلى المدينة حينما كانت مكة دار كفر. والمعنى أن الأعمال لا يعول عليها عند الله تعالى، ولا يثاب عليها فاعلها إلا إذا صحبتها نية خالصه لله، ويتفرع على ذلك أن من هاجر من مكة إلى المدينة؛ وكان قصده بهجرته وجه الله ورسوله فهذه الهجرة مقبولة منه مثاب عليها، وأن من هاجر وكان قصده عرض الدنيا أو امرأة يتزوجها فليست هجرته مقبولة ولا مأجوراً عليها. (¬2) يتزوجها. والمعنى: العاقل يسعى جهده في درك الأعمال الصالحة لله، ويكد في دنياه وقلبه مملوء إيماناً بربه طالبا ثوابه ورضاه (ومن أوى إلى الله آواه). (¬3) المراد في آخر الزمان يسطو الأعداء على فتح مكة فيزلزل الله بهم الأرض فتخسف، ويجعل باطنها ظاهرها. (¬4) مجتمعات الناس للبيع والشراء. (¬5) أي فيهم قوم أخلصوا لله في عملهم ونياتهم. (¬6) يحاسبون على أعمالهم إن خيرا، وإن شرا. (¬7) الله سبحانه وتعالى يجمع الخلائق؛ ويحاسب كل إنسان على نيته وضميره وأفعاله. (¬8) كان صلى الله عليه وسلم يحارب في هذه البلدة (تبوك) وبعد ان انتصر انتصاراً باهراً. ورجع سالما أرشد عن رجال أخلصوا لله في نياتهم وقلوبهم ترعى المحاربين؛ وتشملهم بعطفهم ودعائهم، والله تعالى يثيبهم، ويعطيهم أجورهم مضاعفة. (¬9) طريقاً في الجبل. (¬10) طريقاً سهلة بعيدة عن عورة المسلك.

إلا وهم معنا، حبسهم العذر (¬1). رواه البخاري وأبو داود، ولفظه: إن النبى ? قال لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيراً، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من وادٍ إلا وهم معكم (¬2) قالوا يا رسول الله: وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال حبسهم المرض. 19 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلى أجسامكم (¬3) ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم. رواه مسلم. ما نقص مال عبد من صدقة 20 - وعن أبي كبشة الأنمارىَّ رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاثٌ أُقسم عليهن (¬4) وأحدِّثُكُمْ حديثا فاحفظه. قال: ما نقص (¬5) مال عبدٍ من صدقة، ولا ظلم (¬6) عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزا، ولا فتح عبد باب مسأله (¬7) إلا فتح الله عليه باب فقر (أو كلمة نحوها) وأُحدثكم حديثا فاحفظوه، قال: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقى (¬8) فيه ربه، ويصل (¬9) فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا (¬10)، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لى مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا، ولم يرزقه علما يخبط (¬11) في ماله بغير علم، ولا يتقى فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث (¬12) المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أن لى مالا لعملت فيه بعمل فلان (¬13) فهو بنيته فوزرهما (¬14) سواء (رواه أحمد والترمذي، واللفظ له، وقال حديث ¬

(¬1) المرض. (¬2) قلوبهم متهجة لأجل نصر دين الله. (¬3) نضارة الجسم، وبهجة الصور لا تقدم الإنسان ولا تؤخره في دينه وسعادته، ولكن الذي يوصلك إلى الله جل وعلا حسن النية وخشية الله، والتفكير في خلق الله، وإضمار الخير للمسلمين وترك الشر، فالقلب بيت الرب، وهو الآمر الناهى لحركات الجسم، وهو العقل المدبر للافعال. (¬4) أوكد بصحتهن. (¬5) ما قل، والمعنى الزكاة: تنمي المال، والإنفاق لله يبارك ويجلب السعادة. (¬6) أوذى، وكظم عيظه، وفوض أمره إلى الله. (¬7) حاجة، وأظهر الذل والفقر، مع أنه في سعة ومغمور بالنعم. (¬8) يخشى الله ويخاف عذابه. (¬9) يزور أقاربه ويعطيهم من أمواله. (¬10) زكاة. (¬11) يجرى في ماله من غير هدي، وينفقه في الباطل، ولا يصرف في وجوه الحلال، ولا يخلد ذكراه بالصالحات، وأقاربه محرومون من خيره. (¬12) بأسوأ، لأن عمله سيء، وحالته رديئة، وأطلق عنان الهوى، واسترسل في الشهوات، واستعمل المال في وجوه الحرام. (¬13) يتمنى ذلك المعدم مالا لينفقه في شهواته وملذاته فيحاسبه الله على نياته الخبيثة؛ ويعاقب على ما نوى، إذ الذى أقعده عن الموبقات فقره وعدمه، فهذا مثل الخبيث. (¬14) عقابهما واحد؛ وذنبهما واحد ..

حسن صحيح ورواه ابن ماجه، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا وهو (¬1) يقول: لو كان لى مثل هذا عملت فيه بمثل الذي يعمل. قال رسول الله ? فهمافي الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله علما ولا مالاً وهو يقول: لو كان لى مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الوزر سواء. امتنان الله سبحانه وتعالى بمضاعفة الحسنات 21 - وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يروى عن ربه عز وجل: إن الله كتب (¬2) الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائه ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هو هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة، زاد في رواية: أو محاها - ولا يهلكُ على الله إلا هالك. رواه البخاري ومسلم. 22 - وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل: إذا أراد عبدى أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلى فاكتبوها له حسنة (¬3)، وإن أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها اكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائه. رواه البخاري واللفظ له، ومسلم. 23 - وفي رواية لُمسلمٍ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هم بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائه ضعف، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، وإن عملها تكتب. 24 - وفي أُخرى له: قال عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز ¬

(¬1) في نسخة: فهو. (¬2) قدر أفعال العباد، وأحصى حسناتهم وذنوبهم، ولكن تفضل فحاسب على النية؛ فمن فكر فى عمل حسنة وامتنع اعطاه الله على العزيمة حسنة، وإذا نفذ الخير ضاعف الله له ثوابه بقدر إخلاصه لله: والله يضاعف لمن يشاء؛ وأما من أراد أن يعمل سيئة فأبى خوفا من الله تعالى أجزل له أجره، وضاعف ثوابه لامتناعه خوفاً من ربه عز وجل. ومن حلم الله أن ينتظر علي عبده، فإذا نفذ المحرم أمر الله الملائكة أن تقيدها سيئة واحد. (¬3) في نسخة: فان تركها فاكتبوا له بعشر أمثالها إلى سبعمائة.

وجل: إذا تحدث عبدى بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، وإنما تركها من جَرَّايَ. (قوله): من جراى بفتح الجيم وتشديد الراء: أي من أجلى. يؤجر المتصدق على صدقته وإن كانت لغير مستحقها 25 - وعن معن بن زيد رضي الله عنهما قال: كان أبى يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته (¬1) بها، فقال والله ما إياك أردت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لك ما نويت يايزيد، ولك ما أخذت يا معن. رواه البخاري. 26 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تُصُدِّقَ الليلة على سارق، فقال: اللهم لك الحمد على سارق، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيّ فأصبحوا يتحدثون تُصُدِّق الليلة على غنيٍّ فقال: اللهم لك الحمد على سارقٍ وزانيةٍ وغنيٍّ، فأُتِيَ فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغنى فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله. رواه البخاري واللفظ له، ومسلم والنسائي، وقالا فيه: فقيل له: أما صدقتك فقد تقُبِّلتْ، ثم ذكر الحديث. 27 - وعن أبي الدرداء يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى فراشه وهو ينوى أن يقوم يُصلى من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه: رواه النسائي وابن ماجه بإسناد جيد، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبى ذَرٍّ أو أبى الدرداء على الشك. (قال الحافظ عبد العظيم) رحمه الله وستأتى أحاديث من هذا النوع متفرقة في أبواب متعددة من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى (¬2). ¬

(¬1) في نسخة: وأتيته. (¬2) معنى الباب: يسوق النبى صلى الله عليه وسلم الحكم للمسلمين ليقدموا على أعمالهم والإخلاص =

الترهيب من الرياء، وما يقوله من خاف شيئا منه

الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه 1 - عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول الناس يُقْضي (¬1) يوم القيامة عليه رجل استشهد (¬2) فأُتِيَ به فعرَّفَهُ (¬3) نعمته فعرفها قال فما عملت فيها (¬4)؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت. قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال: هو جرئ فقد قيل (¬5) ثم أُمر به فَسُحب على وجهه حتى أُلقى في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأُتى به فعرفه نعمه (¬6) فعرفها. قال فما عملت فيها؟ ¬

= رائدهم، وخشيته تعالى مقصدهم ولا يشركون به أحداً في أي عمل قل أو كثر، ولا تتجه النية لمراعاة أي مخلوق مطلقاً، فالثواب لا يوجد إلا إذا كانت النية في العمل لله، وكتاب الله مملوء بهذا الإرشاد. قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة). وقد خاطب الله عز وجل السيد الرسول صلى الله عليه وسلم في محكم كتابه: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخاص) فأنت تجد أمراً صريحاً باخلاص العبادة له جل وعلا، وقد صرح بذلك في آية أخرى (قل الله أعبد مخلصاً له ديني). فاجتهد أيها المسلم في نظافة الظاهر والباطن وإخلاص النية لمولاك الذي غمرك بالإحسان ومدك بنعمة الوافرة ليسدد الله خطاك في دنياك وتؤجر علي كل أعمالك، وتكون من الذين يعنيهم الله جل وعلا في قوله: (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو مسحن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً). أي لا أحد أكثر حسنا عند الله ممن فوض أمره لربه وأحسن في أعماله، واتبع سنن الأنبياء والمرسلين. وقد رأيت في حديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم يبشر المخلصين لله بالجنة، وأنهم مصابيح الهدى، نور الحق، ونبراس الصواب: وبهم تزول الفتن، وينقشع الضلال، ويظهر العدل. وفي حديث (8) ينهى النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتصدقوا لله، ويعملوا صالحاً لله، يقولوا: هذا لله وللقرابة أو لفلان، فإنما ما كان لغير الله لأثواب له، ويجر إلى جهنم، والعياذ بالله تعالى، وفي حديث 13 أن العمل بالشرع يدعو إلى الصلة بربه والاستضاءة بنورالحكمة، وأن الله يلهمه الرشد فينطق بالحكمة، وفي حديث (26) ذلك المحسن الذي نوى أن يجود بشيء فقابله الزانى وهو لا يعلم بحاله، ولكن قبل الله صدقته وأثابه، وكذلك السارق والغنى، وقد حاسبه ربه على نيته، وهى كانت لله، وفي حديث (27) يبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنك إذ نويت التهجد وغلبك النوم فلم تقم أعطاك الله ثواب قيام الليل وأكرمك بالراحة والهناءة. (¬1) أي يسأله الله عز وجل ويحاسبه ويحكم عليه بالنار بعد السؤال والحساب. (¬2) قتل شهيداً أي طلب الشهادة بالسير في القتال مع المحاربين المجاهدين في سبيل الله، وهذا ظاهره للناس؛ وبطانه حب الرياء والعظمة، ومدح الناس لشجاعته وهممه العالية، وما كان يريد نصر دين الله في جهاده. (¬3) أي أظهر الله عليه فضله وإحسانه إليه في حياته. (¬4) أي أي شئ عملته لوجه الله جزاء هذه النعم الجليلة. (¬5) أثنى الناس علي بسالته، وهذا ما ينتظره، وهكذا الرجل تغذي بلبان المعارف وفقه في دينه، ولكن كان يحب مدح الناس، وما كان يقصد وجه الله في تعليمه وطلب علمه، وكذا ذلك السري الذي أغناه مولاه وغمره بالمال الوفير، فأنفق للصيت الحسن في الدنيا، ولم يتوحب الله في إنفاقه، ولم يطلب ثوابه، وغره ثناء الناس عليه، ونسى الله أثناء جوده، (¬6) في نسخة: نعمته.

قال تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن. قال كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو (¬1) قارئ فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقِىَ في النار، ورجلٌ وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأُتى به فَعَرَّفَهُ نعمهُ فعرفها. قال فما عملت فيها؟ قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار. رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في صحيحه كلاهما بلفظ واحد. لا ثواب للأعمال الصالحة وإن جلت مع الرّياء 2 - وعن الوليد بن أبي الوليد أبى عثمان المدينيِّ أن عُقْبَةَ بن مسلم حدثه أن شَفِيًّا الأصبحى حدثه أنه دخل المدينة، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال من هذا؟ قالوا: أبو هريرة. قال فدنوت (¬2) منه حتى قعدت بين يديه وهو يُحدث الناس، فلما سكت وخلا، قلت له أسألك بحق وبحق لما (¬3) حَدَّثْتَنىِ حديثا سمعته من رسول الله ? وعقلته (¬4) وعلمته، فقال أبو هريرة أفعلُ لأُحدِّثَنَّك حديثا حدَّثَنيِهِ رسول الله ? عقلته وعلمته، ثم نَشَغَ (¬5) أبو هريرة نشغَةً فمكثنا قليلاً ثم أفاق فقال: لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله ? أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيرى وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغةً أخرى، ثم أفاق ومسح عن وجهه فقال: أفعل لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله ? انا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيرى وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة، ثم مال خارًّا (¬6) على وجهه فأسندته طويلاً، ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله ?: أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضى بينهم، وكل أمةٍ جاثية (¬7)، فأول من يُدعى (¬8) به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله عز وجل للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلتُ على رسولى؟ قال بلى (¬9) يارب. قال فما عملت فيما علمت؟ قال كنت أقوم به ¬

(¬1) في نسخة: قارئ فقط. (¬2) قربت. (¬3) لما: بمعنى إلا قال في النهاية أنشدك الله لما فعلت كذا أي إلا فعلته. (¬4) فهمته وثبت في ذهنك. (¬5) أغمى عليه. (¬6) ساقطاً مغشياً عليه (من خر لله ساجداً): أي سقط. (¬7) جالسة على ركبها. (¬8) في نسخة: يدعو. (¬9) حرف جواب للاستفهام مع النقي بمعنى نعم علمتنى للاثبات.

آناء الليل وأناء النهار فيقول الله عز وجل له كذبت، وتقول له الملائكة كذبت، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقال فلان قارئ، وقد قيل ذلك، لا ثواب في صلة الرحم والجهاد مع الرياء ويُؤْتَى بصاحب المال فيقول الله عز وجل ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحدٍ؟ قال بلى يارب. قال فماذا عملت فيما أتيتُك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له كذبت، وتقول الملائكة كذبت، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقال فلان جواد، وقد قيل ذلك، ويؤتى بالذي قُتِلَ في سبيل الله، فيقول الله لَهُ: فيماذا قتلت؟ فيقول أي رب أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له كذبت، وتقول الملائكة كذبت، ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جرئ، فقد قيل ذلك، وتقول الملائكة كذبت، ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جرئ فقد قيل ذلك، ثم ضرب رسول الله ? على رُكْبَتَيَّ فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أوَّلُ خلق الله تُسْعَرُ بهم (¬1) النارُ يوم القيامة. قال الوليد أبو عثمان المدينى: وأخبرني عقبة أن شفيًّا هو الذى دخل على معاوية فأخبره بهذا قال أبو عثمان: وحدثنى العلاء بن أبى حكيم أنه ¬

(¬1) تتقد وتهيج وتلهب، من سعر النار والحرب: هيجها وألهبها، وبابه قطع، ومنه (وإذا الجحيم سعرت) معنى الحديث: دخل شفى الأصبحى المدينة فيرى محدثاً عظيما يهرع الناس لسماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرب منه وطلب حديثاً فهمه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن أغمى عليه ثلاث مرات من شدة الوجل من الله عز وجل، ومن أسفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وشوقه إليه أدي أمانة العلم، ويخاف أبو هريرة مع شدة ورعه أن يتسرب إلى علمه هذا شئ من الرياء ثم أدى أمانة العلم، فحدث عن خير الخلق صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة: عالم يطلب حب الظهور والثناء، ولم يخلص في علمه مع كثرة تهجده وعبادته، ولكن فيها قليل من الرياء، والثاني: وسع الله عليه في دنياه فأكثر من مشروعات الخير ومن الصدقات، ولكن في نيته انتظار ثناء الناس وحب الفخفخة والشهرة وانطلاق الألسنة بالثناء عليه، فرد الله عليه أعماله الخيرية، وجزاه عليها في حياته ثناء طيباً فقط (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وكذلك الذي حارب ليفتخر الناس بشجاعته، ويتحدثوا بقوته وعزيمته وحسن بلائه، حين سمع سيدنا معاوية بن أبى سفيان هذا الحديث بكى، وتلا الآية الشريفة التي تطلب من المسلمين أن يريدوا بعملهم الصالح حب الله فقط وجزاءه ويتركوا زخارف الدنيا وبهجتها الحقيرة خشية ضياع ثواب الله في الآخرة، ويرد ما كان لغيره سبحانه. يذكرني هذا رؤيا والدى (رحمه الله تعالى وطيب ثراه وأكرم مثواه) في ضحوة يوم من سنة 1350 هـ جاء إلى فقلت له ياوالدى ألم افعل كذا وكذا وكذا. فقال بلى، ولكن (بنقول) يريد والدي (أغدق الله عليه رضوانه) أن ينصحنى إن فعلت خيراً لا أتحدث به مطلقاً خشية أن يمدحنى الناس به فيضيع ثواب الله جل وعلا في فعله، وخشية غرور النفس وإدخالها الرياء في عملها لله ويكون مقصدها زينة الدنيا من ثقة الناس بي مثلا أو مدحهم فيحبط هذا الصنيع ويبطل هذا العمل، وهذا درس أخذته من والدي رحمه الله في الرؤيا، وأعلم أنه كان على جانب من الله وطاعته عظيم. نسأل الله الإخلاص ونبذ الرياء.

كان سيّافَا لمعاوية. قال: فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبي هريرة، فقال: معاوية قد فُعِلَ بهؤلاء هذا، فكيف بمن بَقِىَ من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاءً شديداً حتى ظننا أنه هالكٌ، وقلنا: قد جاء هذا الرجل بشر، ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه وقال صدق الله ورسوله ?، من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نُوَفِّ إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحَبِطَ ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون. ورواه ابن خزيمة في صحيحه نحو هذا لم يختلف إلا في حرف أو حرفين. (قوله): جرئ هو بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد: أي شجاع، نشغ بفتح النون والشين المعجمة وبعدها غين معجمة: أي شهق حتى كاد يغشى عليه أسفاً أو شوقاً. من قتل صابرا محتسبا بعث كذلك 3 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قُلْتُ: يا رسول الله أخبرنى عن الجهاد والغزو؟ فقال: يا عبد الله بن عمرو، وإن قاتلت صابراً (¬1) مُحتسباً (¬2) بعثك الله صابراً محتسباً، وإن قاتلت مُرائياً (¬3) مُكاثراً بعثك الله (¬4) مرائيا مكاثرا، ياعبد الله بن عمرو، على أي حال قاتلت، أو قُتلت بعثك الله على تلك الحال. رواه أبو داود. (قال الحافظ) وستأتى أحاديث من هذا النوع في باب مفرد في الجهاد إن شاء الله تعالى. 4 - وعن أُبَيِّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم بَشِّرْ هذه الأمة بالسناء (¬5) والرفعة (¬6) والدِّين والتِّمْكِينِ في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخر من نصيب. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والحاكم والبيهقى وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وفي رواية للبيهقي قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: بَشِّرْ هذه ¬

(¬1) الصبر: حبس النفس عن الجزع والركون إلى الله. (¬2) طالباً ثواب الله عز وجل. (¬3) مرائيا: أي مظهراً عملك للناس ليثنوا عليك خيراً، أي تطلب الرياء والظهور والفخر يحييك الله يوم القيامة على هذه النية ولا ثواب لك. (¬4) في نسخة: بعثك مرائياً بدون لفظ الجلالة. (¬5) العز والعلو. (¬6) ان الله ينصر دين محمد صلى الله عليه وسلم ويثبت المسلمين ويعطيهم الملك والمال والقوة وتدين لهم الملوك الطاغية، ويبسط حكمهم وينفذ أمرهم، ثم يحاسب كل إنسان على نيته؛ فمن تظاهر بالإصلاح وغش وخدع، واستعمل أعمال الآخرة لجلب الدنيا وكسب خيراتها بمسوح الصلاح يحشر يوم القيامة عارياً ولا حظ له في الآخرة. إن الذى يحبط الحسنات: التظاهر الكاذب؛ وخلو العمل من الإخلاص لله.

الأمة بالتيسير والسناء، والرفعة بالدين والتمكن في البلاد، والنصر، فمن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب. من كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحاً 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل يا رسول الله إنى اقف الموقف أريد وجه الله، وأُريد أن يُرى موطني (¬1). فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسم حتى نزلت: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يُشرك بعبادة ربه أحدا (¬2). رواه الحاكم، وقال صحيح على شريطهما، والبيهقى من طريقه، ثم قال رواه عبدان عن ابن المبارك فأرسله لم يذكر فيه ابن عباس. 6 - وعن أبي هند الداريّ أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: من قام مقام رياء وسُمعة رايا الله به يوم القيامة وسمَّع، رواه أحمد بإسناد جيد والبيهقى والطبراني ولفظه: أنه سميع رسول الله ? يقول: من رايا بالله لغير الله فقد برئ من الله. 7 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سمع (¬3) الناس بعمله (¬4) سمع الله به سامع خلقه وصغره وحقره (¬5). رواه الطبراني في الكبير بأسانيد أحدها صحيح، والبيهقي. 8 - وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: من سَمَّعَ (¬6) سَمَّعَ الله به، ومن يُرَاء يُرَاء الله به. رواه البخاري ومسلم. سمع بتشديد الميم، ومعناه: من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة وفضحهُ على رءوس الأشهاد. 9 - وعن عوف بن مالك الأشجعى رضىَ الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى لله عليه وسلم يقول: من قام مقام رياء رَايَا الله به، ومن قام مقام سُمعةٍ سَمَّعَ اللهُ به. رواه الطبراني بإسناد حسن ¬

(¬1) أي ينظر الناس إلى بسالتى وهمتى العالية، وتشخص إلى شجاعته الأبصار، وتلهج بذكره الألسنة. (¬2) أي الذي يطلب نعيم الله ورضوانه؛ ويتجلى عليه ربه بإحسانه فليتحر العمل الذى أمر به ولا يجعل له شريكا في ذاته أو في صفاته، أو في أفعاله بأن يقصد الله فقط، ولا يقول هذا لله ولأخى، أو لعمى، أو لرحمى؛ وتكون أنواع طاعة ربه قاصرة عليه فقط، ويستعين بالله فقط، ويرجو الله فقط. (¬3) أظهر عمله للناس رياء. (¬4) أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة وفضحه على رءوس الأشهاد. (¬5) في نسخة: بعمله. (¬6) في نسخه: يسمع يسمع.

من تزين بعمل الآخرة وهو لا يريدها ولا يطلبها لعن في السموات والأرض 10 - وعن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبدٍ يقوم في الدنيا مقام سُمعةٍ ورياء إلا سَمَّعَ به على رءوس الخلائق يوم القيامة. رواه الطبراني بإسناد حسن. 11 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من رايا بشئ في الدنيا من عمله وكله (¬1) الله إليه يوم القيامة، وقال انظر هل يُغْنِي عنك شيئا. رواه البيهقي موقوفاً. 12 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تزين بعمل الآخرة وهو لا يُريدها ولا يطلبها لُعن (¬2) في السموات والأرض. رواه الطبراني في الأوسط. 13 - وروى عن الجارود قال: قال رسول الله ? من طلب الدنيا بعمل الآخرة طُمس (¬3) وجهه ومُحق (¬4) ذكره، وأُثبت اسمه في النار. رواه الطبراني في الكبير. 14 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج في آخر الزمان رجالٌ يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله عز وجل: أبى يغترون، أم عليَّ يجترئون؟ فَبِى حلفتُ لأبعثن على أُولئك منهم فتنة تدع الحليم حيران. رواه الترمذي من رواية يحيى بن عبيد، سمعت أبى يقول: سمعت أبا هريرة فذكره، ورواه مختصراً من حديث ابن عمر، وقال حديث حسن. 15 - وروى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تحبب إلى الناس بما يحبون، وبارز الله بما يكرهون لَقِىَ الله وهو عليه غضبان. رواه الطبراني في الأوسط. 16 - وروى عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعوَّذُوا بالله من جُبِّ الحُزْنِ. قالوا يا رسول الله وماجُب الحزن (¬5)؟ قال: وادٍ في جهنم تتعوذ منه جهنم ¬

(¬1) وكله: سلمه وتركه: أي إذا طلب العبد المعونة من غير ربه وأقدم على أي عمل تفاخراً ورياء واعتماداً على غير الله لم يساعده الله، ولم يعاونه. وتركه يوم القيامة أعمى ذليلا ولا ثواب له ولا يقيه هموم الحساب، ولا يبعد عنه عقاب الله، ولا يمنع عنه الشدائد والأهوال. (¬2) طرد من رحمة الله. (¬3) تغير وامحى. (¬4) زالت سيرته ولم يبارك فيه، وكان مذموماً وسجل عقابه في النار. (¬5) بئر الأتراح.

كل يوم مائة (¬1) مرة. قيل يا رسول الله ومن يدخله؟ قال القُراء (¬2) المُراءُون بأعمالهم. رواه الترمذي وقال حديث غريب وابن ماجه، ولفظه: تعوذوا بالله من جُبِّ الحُزْنِ (¬3). قالوا يا رسول الله، وما جب الحزن؟ قال: وادٍ في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم أربعمائة مرة. قيل يا رسول الله من يدخله؟ قال أُعِدَ للقرَّاء المرائين بأعمالهم، وإن من أبغض القُرَّاء إلى الله عز وجل الذين يزورون الأُمراء، وفيه الغرَّارُونَ. قيل يا رسول الله: وما الغرَّارُونَ؟ قال المُراَءَون بأعمالهم في الدنيا. في جهنم واد يسمى جب الحزن أعده الله للمرائين بأعمالهم 17 - ورواه أيضا عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن في جهنم لواديا تستعيذُ جهنمُ من ذلك الوادى في كل يوم أربعمائه مرة أُعِدَّ ذلك الوادى للمرائين من أُمة محمد صلى الله عليه وسلم: لحامل كتاب الله، والمتصدق في غير ذات الله، والحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله، قال الحافظ: رفع حديث ابن عباس غريب ولعله موقوف، والله أعلم. 18 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحسن الصلاة حيث (¬4) يراه الناس وأساءها حيث يخلو فتلك استهانة استهان بها ربه تبارك وتعالى. رواه عبد الرزاق في كتابه وأبو يعلى، كلاهما من رواية إبراهيم بن مسلم الهجرى عن أبي الأحوص عنه. ورواه من هذه الطريق ابن جرير الطبرى مرفوعاً أيضاً وموقوفاً على ابن مسعود وهو أشبه. 19 - وعن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: من صام يُرائى فقد أشرك، ومن صلى يُرائى فقد أشرك، ومن تصدَّق يُرائى فقد أشرك. رواه البيهقى من طريق عبد المجيد ابن بهرام عن شهر بن بو حوشب، وسيأتى أتم من هذا إن الله تعالى ¬

(¬1) في نسخة أربعمائة. (¬2) حفاظ القرآن والعلماء الذين يظهرون للناس أنهم صالحون ومتقون، ولكن قلوبهم ملأى بالنفاق والشقاق والخداع ويرتكبون الغيبة والنميمة، ويسعون في الأرض فساداً، ويظلمون، ويجالسون الفساق، ولم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر، ولم يعملوا بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. (¬3) بئر الهم (¬4) وفي نسخة: حين.

اليسير من الرياء شرك 20 - وعن ربيح بن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدرى عن أبيه عن جده قال: خرج علينا رسول الله ? ونحن نتذاكر المسيح الدجال فقال: ألا أُخبركم بما هو أخوف عليكم عندى من المسيح الدجال؟ فقلنا بلى يا رسول الله، فقال: الشرك الخفِيُّ، أن يقوم الرجل فيصلى فَيُزَيِّن صلاته لما يرى من نظر رجل. رواه ابن ماجه والبيهقى. ربيح: بضم الراء وفتح الباء الموحد بعدها ياء آخر الحروف وحاء مهملة، ويأتى الكلام عليه إن شاء الله تعالى. 21 - وعن محمود بن لبيدٍ قال: خرج النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس: إياكم وشرك السَّرائر. قالوا يا رسول الله وما شرك السرائر؟ قال يقوم الرجل فيصلى فَيُزَيَّنُ صلاته جاهداً لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شركُ السرائر. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 22 - وعن زيد بن أسلم عن أبيه ان عمر رضي الله عنه، خرج إلى المسجد فوجد معاذا عند قبر رسول الله ? يبكى، فقال مايُبكيك؟ قال حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليسير من الرياء شرك، ومن عادى (¬1) أولياء الله فقد بارز (¬2) الله بالمحاربة: إن الله يحبُ الأبرار الأتقياء الأخفياء (¬3) الذين غابُوا لم يُفْتَقَدُوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى (¬4) يخرجون من كل غبراء مُظلمة (¬5). رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقى في كتاب الزهد له وغيره، وقال الحاكم صحيح ولا عله له. 23 - وعن محمود بن لبيدٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أخوف ما أخاف ¬

(¬1) أي حارب الذين يطيعون الله ويتبعون أوامره وآذاهم وعذبهم، ولم يحترمهم، واتخذهم سخرية، ضيق عليهم في أعمالهم. (¬2) فقد أعلن حربه مع الله جل وعلا، وأظهر عصيانه وخرج من طاعته. لماذا؟ لأن الولى في رعاية الله، ومن اعتدى عليه استهان بحقوق الله. قال تعالى: - إن أولياؤه إلا المتقون - ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون - إذا، لا يعتدى عليهم إلا شرار الذين هجروا تعاليم الله، وامتلأت قلوبهم بغضاً للصالحين. (¬3) الذين يعكفون على عبادة الله سرا ويتركون الرياء وحب التظاهر، وحسبك قول النبى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل تصدق فأخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمنه). (¬4) لكثرة إيمانهم بالله أضاء الله بصائرهم. (¬5) جهالات مفسدة وأرض قاتمة أي يهديهم الله إلى الحق فيبعدون عن كل الفتن. قال تعالى: - واتقوا الله ويعلمكم الله.

عليكم الشرك الأصغر. قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال الرياء (¬1) يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تُراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء. رواه أحمد باسناد جيد، وابن أبى الدنيا والبيهقى في الزهد وغيره. (قال الحافظ) رحمه الله: ومحمود بن لبيد رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم، ولم يصح له منه سماع فيما رأى، وقد خرّج أبو بكر بن خزيمة حديث محمود المتقدم في صحيحه مع أنه لا يخرّج فيه شيئا من المراسيل، وذكر ابن أبى حاتم أن البخاري قال له صحبه. قال وقال أبى لا يعرف له صحبه، ورجح ابن عبد البر أن له صحبه، وقد رواه الطبراني بإسناد جيد عن محمود بن لبيد عن رافعبن خديج، وقيل إن حديث محمود هو الصواب دون ذكر رافع بن خديج فيه، والله أعلم. من كان أشرك في عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عنده 24 - وعن أبي سعيد بن أبى فضاله، وكان من الصحابة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة - ليوم لا ريب فيه - نادى مناد: من كان أشرك في عمله (¬2) لله أحدا فليطلب ثوابه من عنده، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك (¬3). رواه الترمذي في التفسير من جامعة، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقى. 25 - وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل لى عملاً أشرك فيه غيرى فأنا منه برئ وهو للذى أشرك. رواه ابن ماجه، واللفظ له وابن خزيمة في صحيحه والبيهقى، ورواه ابن ماجه ثقات. 26 - وعن شهر بن حَوْشَبٍ عن عبد الرحمن بن غنم قال: لما دخلت مسجد الجابية (¬4) ألفينا (¬5) عُبادَةَ ابن الصامت، فأخذ يميني بشماله وشمال أبى الدرداء بيمينه ¬

(¬1) أي طلب التفاخر في الدنيا والميل إلى الشهوة، وإذاعة الصيت، وتحدث الناس بأعماله؛ وسير الركبان بسيرته؛ وكسب الثقة بجميل أفعاله، وعلو مكارمه، وجذب قلوب الناس بمحبته، ولم يقصد في كل أعمال الخير وجه الله: ثوب الرياء يشف عما تحته ... فإذا اكتسيت به فإنك عار أما إذا عمل خيرا لله وتحدث الناس بلا قصد منه فلا يضره هذا، وثوابه على الله. (¬2) في نسخة: عمله أحداً (¬3) أي الله سبحانه رحمته واسعة وفضله عميم وهو غني غنى مطلقا، فلا يحتاج لأي مساعد ولا يقبل عملا كان معه غيره - كيف وهذا الشريك هو الذي خلقه وأمده بنعمه - فما هذه الغفلة يامن تتصدق لله ولفلان، أو تطلب قضاء حاجة من الله وفلان - إن فلاناً ضعيف وحادث، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله -. (¬4) مدينة بالشام - جَبَي الخراج يجبى؛ والإجباء: بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه، وفي الحديث: (من أجبى فقد أربى) (¬5) ألفنيا: وجدنا.

فخرج يمشى بيننا ونحن نَنْتَجِي (¬1) والله أعلم بما نتناجى، فقال عبادة بن الصامت: لئن طال بكما عمر أحدكما: أو كلاكما لتوشكان (¬2) أن تريا الرجل من ثبج المسلمين (يعنى من وسط) قُرَّاء القُرآن على لسان محمد صلى الله عليه وسلم قد أعاده وأبداه فأحل حلاله وحرم حرامه، ونزل عند منازله لا يحور (¬3) منه إلا كما يحور رأس الحمار الميت. قال فبينمانحن كذلك إذا طلع علينا شداد بن أوس، وعوف بن مالك رضي الله عنهما فجلسا إليه، فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس لما (¬4) سمعت من سول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من الشهوة الخفية والشرك) فقال عبادة ابن الصامت وأبو الدرداء: اللهم (¬5) غفراً، أو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يُعبد في جزيرة العرب، فأما الشهوة الخفية فقد عرفناها هي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها - فما هذا الشرك الذى تخوفنا به يا شداد؟ فقال شداد: أرأيتم لو رأيتم رجلا يُصلى لرجل، أو يصوم لرجل، أو يتصدق له لقد أشرك. قال (¬6) عوف بن مالك عند ذلك: أفلا يعمد الله إلى ما ابتغى به وجهه من ذلك العمل كله فيقبل ما خلص له، ويدع ما أشرك به؟ قال شداد عند ذلك: فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عز وجل قال: أنا خير قسم لمن أشرك بى - من أشرك بى شيئا فإن جسده وعمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به أنا عنه غنى. رواه أحمد، وشهر يأتى ذكره، الترهيب من الشرك الخفى - حب التظاهر بصالحات الأعمال ورواه البيهقى، ولفظه عبد الرحمن بن غنم: أنه كان في مسجد دمشق مع نفر من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فيهم معاذ بن جبل، فقال عبد الرحمن: يا أيها الناس إن أخوف ما أخاف عليكم: الشرك الخفى، فقال معاذ بن جبل: اللهم غفراً ¬

(¬1) نتحادث ونتسامر في خلوة. في نسخة: نتناجى. (¬2) لتقربان بتشديد النون لأنه وقع في جواب القسم الموطأ باللام، والواقع في جواب القسم يؤكد. (¬3) لا يحور: لا يرجع، ومنه قول الشاعر؛ وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رماداً بعد إذ هو ساطع والمعنى والله أعلم: أن ذلك الرجل الذى حفظ القرآن وأعاده وأبداه في حياته، ولكن كان مرائيا ومنافقا ويبتغى به عرض الدنيا فمات ولم ينتفع بقراءته ولا ثواب له في آخرته وترجع له الحياة ورأسه خال من آيات الله كما ترجع رأس الحمار الميت: قال الله تعالى لمن يحمل الكتب ولا ينتفع بعملها ولا يعمل بها (كمثل الحمار يحمل أسفاراً) فهذا كان يقرأ للرياء والشهرة وماكان يقصد وجه الله تعالى فحشره الله محروما من نعيم أهل القرآن. يجوز في نسختين: أي يحور (¬4) لما: من غير تشديد لأنها مركبة من لام الابتداء الداخلة على الخبر ومن ما الموصولة التي هي خبر إن. (¬5) نطلب منك يا الله ستر ذنوبنا وتوفيقنا لرضاك فقط. (¬6) في نسخة: فقال.

أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، حيث ودعنا: إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في جزيرتكم هذه، ولكن يُطاع فيما تحتقرون من أعمالكم فقد رضى بذلك فقال عبد الرحمن أنشدك الله يا معاذ أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صام (¬1) رياءً فقد أشرك، ومن تصدق رياء فقد أشرك. فذكر الحديث وإسناده ليس بالقائم، ورواه أحمد أيضاً والحاكم من رواية عبد الواحد بن زيد عن عباة بن نسى قال: دخلت على شداد بن أوس في مُصَلاَّهُ وهو يبكى، فقلت يا أبا عبد الرحمن: ما الذى أبكاك؟ قال حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وما هو؟ قال بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رأيت بوجهه أمرا ساءنى، فقلت: بأبى وأُمى يا رسول الله ما الذى أرى بوجهك (¬2). قال أمراً أتخوفه على أُمتى: الشرك، وشهوة خفية. قلت وتُشْرِكُ أُمَّتُكَ من بعدك؟ قال يا شداد: إنهم لا يعبدون شمساً، ولا وثناً، ولا حجراً، ولكن يُراءُون الناس (¬3) بأعمالهم. قلت يا رسول الله: الرياء شرك هو (¬4)؟ قال نعم. قلت: فما الشهوة الخفية؟ قال: يصبح أحدهم صائما (¬5) فتعرض له شهوة من شهوات الدنيا فيفطر. قال الحاكم: واللفظ له صحيح الإسناد. من صام رياء الخ فقد أشرك (قال الحافظ عبد العظيم) كيف وعبد الواحد بن زيد الزاهد متروك، ورواه ابن ماجة مختصرا من رواية روّاد بن الجرّاح عن عامر بن عبد الله بن ذكوان عن عبادة بن نسى عن شداد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخوف على أُمتى الإشراك بالله، أما إنى لست أقول يعبدون شمساً ولا قمراً، ولا وثناء، ولكن أعمالاً لغير الله وشهوة خفية. وعامر بن عبد الله لا يعرف، وروّد يأتى الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وروى البيهقى عن يعلى بن شداد عن أبيه قال: كنا نَعُدّ الرِّيَاء في زمن النبى صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر (¬6). ¬

(¬1) أي يقصد بصومه مدح الناس له أنه تقى ورع صالح. (¬2) ليست في نسختين. (¬3) يحب المرء أن يتباهى الناس بعمله الخيري ولا ينوي ثواب الله. (¬4) في نسخة: بلا هو. (¬5) ينوي أن يصوم ليلا، فإذا أقبل النهار وعرضت له ملذة ارتكبها، وربما يصوم يوم رمضان، فيغتاب أو يسرق، أو يؤذى أحداً، ولا يمنعه صومه من ارتكاب المعاصى - وما صومه هذا إلا امتناع عن الطعام والشراب فقط .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع) قال تعالى: يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء). (¬6) لأن فيه تعظيما لغير الله ورعاية حق غير الله، وقد عد الله المرائين منافقين. من باب التشبيه والتغليظ: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً) والمعنى في الآية لمن ضموا إلى الكفر استهزاء بالإسلام وخداعا للمسلمين.

لا يقبل الله عملا فيه مثقال حبة من خردل من رياء 27 - وعن القاسم بن مُخيمرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يقبل الله عملا فيه مثال حبة من خردل من رياء. رواه جرير الطبرى مرسلاً. 28 - وروى عن عدىِّ بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤْمَرُ يوم القيامة بناس من الناس إلى الجنة حتى إذا دنوا (¬1) منها، واستنشقوا ريحها، ونظروا إلى قصورها، وما أعد الله لأهلها فيها نُودُوا أن اُصْرِفُوهُم (¬2) عنها لا نصيب (¬3) لهم فيها، فيرجعون بحسرة (¬4) ما رجع الأولون بمثلها فيقولون: ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن تُرِيَنَا ما أرَيْتَنَا (¬5) من ثوابك، وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون علينا، قال: ذاك أردت بكم، كنت إذا خلوتم بارزتمُونى بالعظائم (¬6)، وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين (¬7)، تُرَاءُونَ الناس بخلاف ما تعطونى من قلوبكم هِبْتمُ (¬8) الناس ولم تهابونى، وأجللتم (¬9) الناس ولم تُجِلُّونِي، وتركتم للناس ولم تتركولى - اليوم أُذيقُكُمْ أليم العذاب مع ما حُرِمتم من الثواب. رواه الطبراني في الكبير والبيهقى. 29 - وروى عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الاتقاء (¬10) على العمل أشدُّ من العمل، وإن الرجلُ ليعمل العمل فيكتبُ له عمل صالح معمول به في السر علانية ويُمْحى تضيف أجره كله، ثم لا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس الثانية، ويُحِبُّ أن يُذْكَرَ به، ويُحْمَدَ عليه فَيُمْحى من العلانية، ويُكْتَبَ رياء، فاتقى الله امرؤ صان دينه، وإن الرياء شرك. رواه البيهقى، وقال: هذا من أفراد بقية عن شيوخه المجهولين. ¬

(¬1) قربوا منها وشموا نسيمها. (¬2) أبعدوهم عن الجنة. (¬3) حظ. (¬4) ندامة وألم. (¬5) في نسخة: رأيتنا. (¬6) فعلتم الكبائر سرا إذ لم يركم أحد، وأعلنتم عصيانى وأنا أراكم. (¬7) مظهرين خوف الله جل وعلا، وتأخذكم الرهبة عند ذكر الله أمام الناس لتغشوا أو تخدعوا وتشتروا بالإخلاص لله الظاهر قلوب العامة لتستولوا على أموالهم، وتأكلوا طعامهم، وتأخذوا صدقاتهم - فويل لمن تظاهر بطاعة الله وقلبه مملوء فسقاً وعصيانا وحسداً ونفاقاً، ولا يفعل أوامر الله جل وعلا. (¬8) خفتم. (¬9) عظمتم الناس وغفلتم عن واجب من غمركم باحسانه، ولم تخشوا الله: والله أحق أن تخشوه. (¬10) الاتقاء التقوى والإخلاص والحفظ والكتمان لله وعدم إذاعة فضله: أي الخوف من الإقدام على العمل أهو مقبول عند الله؛ وشدة الحذر والوجل من فعله خشية أن يحبط ثوابه - أكثر ثواباً عند الله من العمل نفسه بمعنى أنك تعزم فتعمل وتملأ قلبك خشية منه جلا وعلا، ورغبة في ثوابه ورهبة من عقابه حتى لا يجد الشيطان عليه سبيلا، وإلا فينقل عمله من السر إلى الجهر، ومازال يتفاخر به حتى يحرم ثوابه ويعد رياء.

(قال الحافظ عبد العظيم) أظنه موقوفاً، والله أعلم. اختلاف عمل الأمة وحديث معاذ رضى الله عنه 30 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان آخر الزمان صارت أُمتى ثلاث فرق: فرقة يعبدون الله خالصا، وفرقة يعبدون الله رياء، وفرقة يعبدون الله ليستأكلوا به (¬1) الناس، فإذا جمعهم الله يوم القيامة قال للذى يستأكلُ الناس: بعزتي وجلالى ما أردت بعبادتى؟ فيقول وعزتك وجلالك: أستأكل به الناس، قال: لم ينفعك ما جمعت، انطلقوا به إلى النار، ثم يقول للذى كان يعبده رياء بعزتى وجلال ما أردت بعبادتى؟ قال بعزتك وجلالك رياء الناس، قال لم يصعد إلى منه شيء، انطلقوا به إلى النار، ثم يقول: للذى كان يعبده خالصا بعزتى وجلالى ما أردت بعبادتى؟ قال بعزتك وجلالك أنت أعلم بذلك من أردت به أردت به ذكرك ووجهك؟ قال صدق عبدى انطلقوا به إلى الجنة (¬2). رواه الطبراني في الأوسط من رواية عبيد بن إسحق العطار، وبقية رواته ثقات، والبيهقى عن مولى أنس ولم يسمه قال: قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره باختصار. 31 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُؤْتَى يوم القيامة بصحف مُخَتَّمةٍ (¬3) فَتُنْصَبُ (¬4) بين يدى الله تعالى، فيقول تبارك وتعالى: ألقُوا هذه واقبلوا هذه، فتقول الملائكة وعزتك وجلالك ما رأينا إلا خيراً، فيقول الله عز وجل: إن هذا كان لغير وجهى (¬5) وإنى لا أقبل ما ابتغى به وجهى. رواه البزار والطبراني بإسنادين، رواة أحدهما رواة الصحيح، والبيهقى. 32 - وَرُوِىَ عن معاذ رضي الله عنه أن رجلاً قال: حدثنى حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبكى معاذ حتى ظننت أنه لا يسكت، ثم سكت ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لى يا معاذ: قلت له لبيك بأبى أنت وأمى. قال: إنى مُحدثك حديثا إن انت حفظته نفعك،، وإن أنت ضيعته ولم تحفظه انقطعت ¬

(¬1) من طريق زي الصلاح والدين ليجمع الأموال من الناس. (¬2) فقه الحديث: أن يحذر العامل المطيع العابد أن يطلب من عمله حطام الدنيا أو الصيت الحسن؛ بل يجتهد أن يخلص لربه فقط ويرعى أوامره ويجتنب نواهيه حبا فيه جل وعلا؛ وفى دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحظى بالجنة. (¬3) ختم الشئ فهو مختوم ومختم: أي صحف مقفلة تشهد لصاحبها بالعمل. (¬4) تقام. (¬5) مرضاتى أي يريد به غير الله.

حجتك عند الله يوم القيامة، يا معاذ: إن الله خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السموات والأرض، ثم خلق السموات فجعل لكل سماء من السبعة ملكا بواباً عليها قد جللها عظما فتصعد الحفظة بعمل العبد من حين أصبح إلى أن أمسى، له نور كنور الشمس حتى إذا صعدت به إلى السماء الدنيا ذكرته فكثرته، فيقول الملك للحفظة: اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا صاحب الغيبة أمرنى ربى أن لا أدع عمل من اغتاب الناس يُجاوزنى إلى غيرى. قال ثم تأتي الحفظة بعمل صالح من أعمال العبد فتمر فتزكيه وتكثره حتى تبلغ به إلى السماء الثانية، فيقول لهم الملك الموكل بالسماء الثانية: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه إنه أراد بعمله هذا عرض الدنيا، أمرنى ربى أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيرى، إنه كان يفتخر على الناس في مجالسهم. قال وتصعد الحفظة بعمل العبد يبتهج نورا من صدقة وصيام وصلاة قد أعجب الحفظة فتجاوز به إلى السماء الثالثة، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الكبر، أمرنى ربى أن لا أدع عمله يجاوزنى إلى غيرى إنه كان يتكبر على الناس في مجالسهم. قال وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كما يزهر الكوكب الدريُّ، له دوى من تسبيح وصلاة وحج وعمرة حتى يجاوزوا به إلى السماء الرابعة، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، اضربوا ظهرَهُ وبطنه، أنا صاحب العُجب أمرنى ربى أن لا أدع عمله يجاوزنى إلى غيرى إنه كان إذا عمل عملا أدخل العُجب في عمله. قال وتصعد الحفظة بعمل العبد حتى يجاوزوا به إلى السماء الخامسة كأنه العروس المزفوفة إلى بعلها، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه واحملوه على عاتقه، أنا ملك الحسد إنه كان يحسد الناس ممن يتعلم، ويعمل بمثل عمله، وكل من كان يأخذ فضلا من العباد يحسدهم ويقع فيهم، أمرنى ربى أن لا أدع عمله يجاوزنى إلى غيرى. قال وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة، وزكاة؛ وحج وعمرة، وصيام فيجاوزون به إلى السماء السادسة، فيقول لهم الملك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه إنه كان لا يرحم إنسانا قط من عباد الله أصابه بلاءٌ أو ضرٌ بل كان يشمت (¬1) به، أنا ملك الرحمة أمرنى ربى أن لا أدع عمله ¬

(¬1) الشماتة: الفرح ببلية العدو، وبايه سلم.

يجاوزنى إلى غيري. قال وتصعد الحفظة بعمل العبد إلى السماء السابعة من صوم وصلاة ونفقة، واجتهاد، وورع له دوىٌّ كدوى الرعد، وضوء كضوء الشمس معه ثلاثة آلاف ملك فيجاوزون (¬1) به الى السماء السابعة، فيقول لهم الموكل بها، قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، واضربوا جوارحه، اقفلوا على قلبه إنى أحجب عن ربى كل عمل لم يرد به وجه ربى إنه أراد بعمله غير الله. إنه أراد به رفعةً عند الفقهاء، وذكراً عند العلماء، وصوتا في المدائن، أمرنى ربى أن لا أدع عمله يجاوزنى إلى غيرى، وكل عمل لم يكن لله خالصا فهو رياء، ولا يقبل الله عمل المُرائى. قال وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة، وزكاة وصيام، وحج وعمرةٍ، وخلق حسن، وصمت، وذكر لله تعالى وتُشَيِّعُهُ ملائكة السموات حتى يقطعوا به الحجب كلها إلى الله عز وجل فيقفون بين يديه ويشهدون له بالعمل الصالح المخلص لله. قال فيقول الله لهم أنتم الحفظة على عمل عبدى وأنا الرقيب على نفسه إنه لم يُردنى بهذا العمل، وأراد به غيري فعليه لعنتى، فتقول الملائكة كلها: عليه لعنتك ولعنتنا، وتقول السموات كلها: عليه لعنة الله ولعنتنا وتلعنه السموات السبع ومن فيهن. قال معاذ قلت يا رسول الله أنت رسول الله وأنا معاذ. قال اقتد بى (¬2) وإن كان في عملك تقصير، يا معاذ: حافظ على لسانك من الوقيعة في إخوانك من حملة القرآن، واحمل ذنوبك عليك ولا تحملها عليهم، ولا تزك نفسك بذمهم، ولا ترفع نفسك عليهم، ولا تدخل عمل الدنيا في عمل الآخرة، ولا تتكبر في مجلسك لكى يحذر الناس من سوء خلقك، ولا تُنَاج رجلا وعندك آخر. ولا تتعظم على الناس فينقطع عنك خير الدنيا والآخرة؛ ولا تُمزق الناس فتمزقك كلاب النار يوم القيامة في النار. قال الله تعالى: (والناشِطات (¬3) نشطا) أتدرى ماهنَّ يا معاذ. قلت ما هن بأبى انت وأمى؟ قال كلاب في النار تنشط اللحم والعظم. قلت بأبى أنت وأمى فمن يطيق هذه الخصال. ومن ينجو منها؟ قال يا معاذ إنه ليسير على من يسره الله عليه. قال فما رأيتُ أكثر تلاوة للقرآن من معاذ للحذر مما في هذا الحديث رواه ابن المبارك في كتاب ¬

(¬1) في نسخة: فيتجاوزون. (¬2) في نسخة: اقتد أي اعمل صالحا. (¬3) الناشطات: يعنى النجوم تنشط من برج إلى برج، وفسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلاب جهنم تنهش لحمه وتعرق عظمه.

فصل: في بيان أن الشرك أخفى من دبيب النمل

الزهد عن رجل لم يسمه عن معاذ، ورواه ابن حبان في غير الصحيح والحاكم وغيرهما، وروى عن علىّ وغيره، وبالجملة فآثار الوضع ظاهرة عليه في جميع طرقه وبجميع ألفاظه. فصل 33 - وعن أبي علىٍّ رجل من بنى كاهل قال: خطبنا أبو موسى الأشعرى فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل. فقام عليه عبد الله بن حزن وقيس بن المضارب. فقالا: والله لتخرجن مما قلت أو لنأتينَّ عمر مأْذُوناً لنا أوغير مأْذُونٍ. فقال بل أخرج مما قلت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال ياأيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل. فقال له من شاء الله أن يقول وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أنشرك به شيئاً نعلمه، ونستعفرك لما لا نعلمه. رواه أحمد والطبراني؛ ورواته إلى أبى علىّ محتج بهم في الصحيح. أبو علىّ وثقه ابن حبان؛ ولم أر أحداً جرحه. ورواه أبى يعلى بنحوه من حديث حذيفة إلا أنه قال فيه يقول كل يوم ثلاث مرات (¬1) ¬

(¬1) خلاصة فقه باب الترهيب من الرِّياء وطلب العمل لوجه الله أ - أن المؤمن يجتهد أن تكون أعماله كلها لله، ولا يشرك أحداً في نيته خشية أن يرد الله عليه أعماله ويحرمه من الثواب كما عذب من قاتل ليتحدث الناس بشجاعته فاستشهد، ولم يجد له ثوابا في آخرته وكذا العالم القارئ والغنى الجواد فأخذ كل واحد نصيبه في حياته من المدح والثناء. ب - فيه بشارة لعلو الأمة المحمدية، وسعة ملكها، وقوة أهلها، وبزوغ كواكب نجاحها، وشروق شموس سعودها ولكن ينصحهم السيد الرسول أن يعملوا لله بإخلاص ليبارك لهم في دنياهم ويثيبهم في أخراهم. جـ - وأخبر صلى الله عليه وسلم: أن الذى ينافق في عمله ويرائى يرد عليه ما عمل ويفضحه يوم القيامة على رءوس الأشهاد، ويظهر خطاياه، ويبعده عن رحمته، وقد وصف المرائين بالخداع والمكر واللؤم، ولين الملمس، وحلاوة اللسان، وخبث الطوية، وسوء النية، وأنذرهم بالعذاب الأليم، ونار الجحيم، وبين علامة الصالحين: الإخلاص في السر والعلانية، وملازمة التقوى، وخشية الله، وإتقان العمل لله، والأمانة، وصدق الحديث، والتوكل على الله، والعمل لله خفية، وبغض الجهر، وعدم التظاهر، يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر (قلوبهم مصابيح الهدى). د - بين صلى الله عليه وسلم معجزة في القرن العشرين لقراء القرآن والعلماء غير العاملين أنهم يقرءون، ويعلمون ولكن عقلهم غائب ومخهم خاو إذ لا يتعظون ولا يهتدون، وضرب صلى الله عليه وسلم لهم أسوأ مثل برأس الحمار الميت فكما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه كذلك القارئ أو العالم لا ينتفع بما يعيه ويعيده، وفاتقوا الله أيها القراء والعلماء، واعملوا بأوامر الله ونواهيه، واما حكم الكتاب والسنة. وهنا حصلت مناقشة: أينال صاحب الراديو ذنبا من قراء القرآن؟ وكذا الحاكى، وهل قارئ القرآن في الردايو يأثم؟. =

الترغيب في اتباع الكتاب والسنة

الترغيب في اتباع الكتاب والسنة 1 - عن العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضى الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله ¬

_ = قلت إن صاحب (الراديو) الذي فتح باب الابرة لقراءة القرآن في المقاهى والنوادى ومحلات الفجور والفسوق آثم وآثم وآثم، وكذا القارئ الذى أباح أن يقرأ فتلتقط الإبرة ألفاظه بتموجات الهواء فيعاد لفظه، ويحكي صوته في أي مكان فيه آلة الواحى (الراديو) فلا يكون هناك استماع، ولا إنصات، ولا قصد، وأما إذا كان الواحى في مكان نظيف خال من المحارم والمكروهات، ووجد قوما يسمعون ترتيلا كاملا وقراءة تامة فحكى ألفاظ القارئ فأرى والله أعلم أنه لا إثم، وأظن أن أولئك هم الذين يعينهم النبى صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث: (فرقة يعبدون الله ليستأكلوا به الناس) نسأل الله السلامة والعافية، قال تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) والقرآن إنما جعل للعظة والتأمل وللتنيه والرجاء، فعلينا أيها المسلمون أن نطيع الله ونعمل صالحا لله؛ فالموظف يتقن عمله لله لا خوفاً من رئيسه، والصانع يتقن عمله لله ليؤجر في دنياه، وكذا التاجر يصدق ويقدم أجود البضائع ليربح ويثاب، وهكذا الناس يعملون بالقرآن والسنة، وهما يضيئان سبل الهدى فمن سار على منهجهما وصل وسلم قلبه من الرياء ورزقه الله السعادة والسيادة، وأحاط عمله بسياج الوقاية من الشيطان، وضاعف ثوابه، وأحاطه بالتوفيق، والله أعلم. والواحى ما هو إلا آله مثل الحاكى، والذنب على الانسان. وأقدم لك أيها القارئ دليل قبول الأعمال من الكتاب قال تعالى: 1 - (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بروة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير) آية 265 من سورة البقرة. أخبر الله تعالى عن حال المؤمنين الذين يجودون لله وطلب رضوان الله (وتثبيتاً من أنفسهم) أي تحقيقاً للثواب عليه بخلاف المنافقين الذين لا يرجونه لانكارهم له، والمنافق قسمان: (1) عملي يقصد بصدقاته وصلاته وصومه غير وجه الله لكنه مسلم. (2) وديني يظهر الإسلام ويخفى الكفر. قال تعالى عنه (ينفق ماله رئاء الناس) ومثله كحجر أملس عليه تراب فأصابه مطر شديد فتركه صلباً أملس (فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً) والمؤمن كمثل جنة بمكان مرتفع أصابها وابل فضاعف الله ثمراتها، وأكثر خيراتها وبارك في أهلها، والمعنى تثمر وتزكو، كثر المطر أم قل فكذلك نفقات المؤمنين تزكو عند الله كثرت أم قلت. 2 - والمثل الثاني للعمل المقبول ماطلبه سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام من ربه (رب هب لى حكماً وألحقنى بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين، واجعلنى من ورثة جنة النعيم، واغفر لأبى إنه كانه من الضالين ولا تخزنى يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) 82 - 89 من سورة الشعراء أي قلب المؤمن السليم من الشرك والنفاق. يقول الشيخ الصاوى في تفسيره. فحيث حسن باطنه بالإخلاص فقليل عمله ككثيره في رضا الله عنه. قال العارف بالله: وبعد الفنا فى الله كن كيف مانشا ... فعلمك لا جهل، وفعلك لا وزر أهـ. 3 - لتسمح أيها القارئ أن تمعن في معنى عمل اسرة ابتغت وجه الله في فعلها باخلاص فقبل الله صنيعها ونجاها من الهول الأكبر، وأغدق عليها نعيمها - وهى اسرة الإمام علي بن أبى طالب - حكي المفسرون عنه أنه أجر نفسه ليلة ليسقى نخلا بشئ من شعير حتى أصبح وقبض الشعير، وطحنوا ثلثه، فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه يقال له الحريرة، فلما تم نضجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ثم صنع الثلث الثانى، فلما تم نضجه أتى يتيم فأطعموه، ثم الثالث فلما تم نضجه أتى أسير من المشركين فأطعموه وطووا يومهم ذلك. قال الله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً. إنا نخاف من ربنا يوما عبوساً قمطريراً، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً) 8 - 12 من سورة الإنسان. =

عليه وسلم موعظة، وجلت (¬1) منها القلوب، وذرفت (¬2) منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مُودِّعٍ فأوْصِنا. قال أُوصيكم بتقوى (¬3) الله والسمع (¬4) والطاعة (¬5). وإن تأمر عليكم عبد (¬6). وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً. فعليكم بِسُنَّتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين (¬7) عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات (¬8) ¬

= 4 - ... أنبئك عن أمر الله للمصدقين والمحسنين وشرطه تعالى للجزاء قال تعالى: (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) 38، 39 من سورة الروم. يقول المفسرون هذه الآية في صدقة التطوع، لافى الزكاة الواجبة لأن السورة مكية، والزكاة فرضت في السنة الثانية من الهجرة بالمدينة أهـ. فتجد الأمر للنبى صلى الله عليه وسلم ولأفراد أمته من بعده من كل مكلف أو مكلفة، ثم قيد جل شأنه ثواب الاتفاق، والإعطاء لمن يريد وجه الله، وأشار إلى صاحب النية هذه: أنه مفلح، وأنه فائز، وأنه ناجح، وأنه سباق، ثم بين أن ما أعطيتم من ربا أي هبة أو هدية ليطلب أكثر منه فسمى باسم المطلوب من الزيادة في المعاملة ليزيد في تحصيل أموال الآخذين للهبة والهدية فلا يزكو عند الله ولاثوب فيه للمعطين، وأما الذين ينفقون ابتغاء وجه الله فهم الذين تضاعف لهم الحسنات، ومعنى (زكاة) هنا أي صدقة تطوع، وعبر عنها جل شأنه بالزكاة إشارة إلى أنها مطهرة للأموال والأبدان والأخلاق. (¬1) خافت. (¬2) سال ماؤها. (¬3) تقوى العبد لله أن يجعل بينه وبين ما يخشاه وقاية تقيه منه، وهي امتثال أوامره تعالى، واجتناب نواهيه بفعل كل مأمور به حسب الطاقة، وقد ذكر ابن علان فمن فعل ذلك فهو من المتقين الذين شرفهم الله تعالى في كتابه بالمدح والثناء (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) وبالحفظ من الأعداء (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً) وبالتأكيد والنصرة (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون). وبالنجاة من الشدائد، والرزق من الحلال. (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) قال أبو ذر: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، ثم قال: (ياأبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم)، وبإصلاح العمل وغفران الذنب (اتقوا الله وقولوا قولا سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم). وبكفلين من الرحمة والنور (اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به) وبالقبول (إنما يتقبل الله من المتقين) وبالإكرام والإعزاز (إن أكرمكم عن الله أتقاكم)، وبالنجارة من النار (ثم ننجى الذين اتقوا) وبالخلود في الجنة (أعدت للمتقين) وبمحبة الله تعالى وانتفاء الخوف منه وحصول البشارة له (إن الله يحب المتقين - ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ص 308 الجزء الثانى. (¬4) أن يسمع كلام الأمير وينفذه ويخضع له، ولا يفتح باب الجدل عليه ولا باب الفتن. (¬5) وطاعة الأمير المصلح العادل واتباع منهجه. (¬6) وإن كان الذي يحكم ويدير دفة السياسة عبد - فالله الذي أمره، وأسند إليه رياسة العمل، فعلى المؤمنين الخضوع لأوامره حتى يدوم الاتحاد، ويحصل الائتلاف والتعاون، ويزول الشقاق، ويبعد الخلاف على شرط أن تكون الطاعة ترضى الله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. (¬7) الذين هداهم الله فدونت أحكامهم؛ وضبط اقوالهم. (¬8) كل شيء ظهر بدون نص، أو قياس، أو إجماع.

الأمور، فإن كل بدعة ضلالة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. الحث على التمسك بكتاب الله تعالى - وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قوله): عضوا عليها بالنواجذ: أي اجتهدوا على السنة، والزموها واحرصوا عليها كما يلزم العاضّ على الشئ بنواجذه خوفاً من ذهابه وتفّلته، والنواجذ: بالنون والجيم والذال المعجمة: هي الأنياب، وقيل الأضراس. 2 - وعن أبي شُريح الخزاعى قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأنى رسول الله؟ قالوا بلى. قال إن هذا القرآن طرفه بيد (¬1) الله، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبداً. رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد. 3 - وروى عن جبير بن مطعم قال: كنا مع (¬2) النبى صلى الله عليه وسلم بالجحفة فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنى رسول الله، وأن القرآن جاء من عند الله؟ قلنا بلى: قال: فأبشروا، فإن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به، فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبداً. رواه البزار والطبراني في الكبير والصغير. 4 - وعن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل طيبا (¬3) وعمل في سنة (¬4) وأمن الناس بوائقه (¬5) دخل الجنة. قالوا يا رسول الله ¬

(¬1) أي هو بين الله وعباده، معناه: الله تعالى الذى أنزل القرآن الآمر يحيط بحركات عبده المأمور، ويشمله بحرمته؛ ويتطلب العمل بكتابه ليثيب قارئه، فمن قرأ القرآن باخلاص تظله السكينة ويرعاه الله، فعلى المسلمين أن يتدبروا معناه، ويفقهوا أوامره، ويستضيئوا بنوره ليبعد عنهم الزلل والضلال، وفيه الحكم والمرشد إلى الصواب، والداعى إلى الحق، ومكارم الأخلاق. قال أمير المؤمنين عبد الله بن المعتز: فضل القرآن على سائر الكلام معروف غير مجهول، وظاهر غي خفي، يشهد بذلك عجز المتعاطين، ووهن المتكلفين، وهو المبلغ الذي لا يمل، والجديد الذي لا يخلق، والحق الصادع، والنور الساطع، والماحى لظلم الضلال، ولسان الصدق النافى للكذب ومفتاح الخير، ودليل الجنة. إن أوجز كان كافياً، وإن أكثر كان مذكراً، وإن أمر فناصحاً، وإن حكم فعادلا، وإن أخبر فصادقاً. سراج تستضئ به القلوب، وبحر العلوم وديوان الحكم، وجوهر الكلم ص 166 أزهار الأدب. (¬2) في نسخة مطبوعة: عند. (¬3) حلالا. (¬4) اجتهد أن يتبع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله، وقد تجلى ذلك في كتب الفقه، وما على الإنسان إلا أن يتعلم ويتفقه ويقرأ، أو يسمع من العلماء العاملين، وفي نسخة: بسنة في سنة. (¬5) أذاه؛ وفي الحديث: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه) قال قتادة: أي ظلمه وغشمه.

إن هذا في أمتك اليوم كثيرا. قال: وسيكون في قوم بعدى (¬1). رواه ابن أبى الدنيا في كتاب الصمت وغيره، والحاكم واللفظ له، وقال صحيح الإسناد. الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة 5 - وعن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من تمسك بِسُنَّتِى عند فساد أُمتى فله أجر مائة شهيد. رواه البيهقى من رواية الحسن بن قتيبه، ورواه الطبراني من حديث أبى هريرة بإسناد لا بأس به إلا إنه قال: فله أجر شهيد. 6 - وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال: إن الشيطان قد يئس أن يُبعد بأرضكم (¬2) ولكن رضى أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا، إنى قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا: كتاب الله وسنة نبيه - الحديث. رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد. احتج البخاري بعكرمة، واحتج مسلم بأبى أويس، وله اصل في الصحيح. 7 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة. رواه الحاكم موقوفاً وقال إسناده صحيح على شرطهما. 8 - وعن أبي أيوب الأنصارى قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرغوب فقال: أطيعونى ما كنت بين أظهركم (¬3) وعليكم بكتاب الله. أَحِلُّوا حلاله، وحرموا حرامه. رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات. 9 - وعن عبد الله بن مسعود قال: إن هذا القرآن شافع مشفع من اتبعه قاده إلى الجنة، ومن تركه أو أعرض عنه (أو كلمة نحوها) زج (¬4) في قفاه إلى النار. رواه البزار هكذا موقوفا على ابن مسعود، ورواه مرفوعا من حديث جابر، وإسناد المرفوع جيد. 10 - وروى عن ابن عباس قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ¬

(¬1) الذين جاءوا بعد عصره، ويعملون بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. (¬2) اطمأن الشيطان ألا يعبد المسلمون صنما أو حجراً، أو إنساناً، فأوقد الأهواء، وأضعف الإيمان ليحل المتفيقهون البدع والمنكرات والقبائح ويعدون ارتكابها حقيراً، ولكن الآن في الأمة المحمدية من يعمل لله ويشرك معه إنسانا آخر، ويحلل الفتوى لأجل خاطره، أوإكراماً لفلان، أو يلجأ إلى طبيب ويعتقد أنه هو الذى أغاثه وشفاه وهكذا، ولكن يريد النبى صلى الله عليه وسلم أن يوقن المسلم بربه، وأنه فاعل كل شئ، ويحترس من المجاز في التعبيرات، ويقول كما قال سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام (الذي خلقني فهو يهدين، والذي هو يطعمنى ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتنى ثم يحين ...). (¬3) مدة حياتى ووجودي بينكم أشرح لكم أوامر الله، وأمامكم كتاب الله تمسكوا به. (¬4) رمى بمؤخر جسمه.

إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه إلا أن الله قد فرض فرائض، وسن سننا، وحد حدوداً، وأحل حلالاً، وحرمَ حراماً، وشرع الدين فجعله سهلا سمحاً واسعاً ولم يجعله ضيقاً؛ ألا إنه لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، ومن نكث (¬1) ذمة الله طلبه، ومن نكث ذمتى خاصمته (¬2)، ومن خاصمته فلجت عليه، ومن نكث ذمتى لم ينل شفاعتى ولم يرد على الحوض. الحديث، رواه الطبراني في الكبير. (قوله): فلجت عليه بالجيم: أي ظهرت عليه بالحجة والبرهان وظفرت به (¬3). لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، تقبيل الحجر الأسود 11 - وعن عابس بن ربيعة قال: رأيتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبل الحجر (يعنى الأسود) ويقول إنى لأعلم أنك حجرٌ لا تنفع ولا تضر ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قبلتك (¬4). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 12 - وعن عروة بن عبد الله بن قشير قال: حدثنى معاوية بن قُرّة عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهطٍ من مُزَيْنَةَ (¬5) فبايعناه وإنه لمطلق الأزرار (¬6) فأدخلت يدى في جنب قميصه فمسست الخاتم. قال عروة فما رأيت معاوية ¬

(¬1) نقض عهد الله بأن عصى أوامره تعالى، وقد أقرت الذراري بالوحدانية، واعترفت بالربوبية، فالكافر والفاسق: خان الأمانة ولم يرع حق خالقه جل وعلا ولم يطعه. (¬2) أكن ضده يوم القيامة ولم أشفع له وأتخذه عدوى، وفيه: الأمانة من خوف الله، ومراعاة العهد من آداب الدين، والطاعة تجلب محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. (¬3) وفي المثل: من يأت الحكم وحده يفلج. (¬4) في كتابى (إرشاد الحاج ص 23) الحجر الأسود ياقوتة من يواقيت الجنة. نزل منها مع آجم، أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بنى آدم (كما في الحديث) هذا الحجر الذى كان يقف عليه سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام عند بناء البيت، فيرتفع به حتى يضع الحجر والطين، ويهبط به حتى يتناول ذلك من إسماعيل عليه السلام، وفيه أثر قدميه. ومن واجبات الطواف البداءة به محاذياً له أو لجزئه بجميع بدنه من جهة شقه الأيسر، ويسن تقبيله ويخفف القبلة أو يشير إليه إشارة تعظيم عند المرور عليه، فأنت ترى سيدنا عمر رضى الله عنه اقتدى به صلى الله عليه وسلم في تقبيله. (¬5) قبيله. (¬6) ما أحلي هذه الحكمة يطلق النبى صلى الله عليه وسلم قيمصه ليتمتع صدره بالهواء، وليبعد عنه ضيق القميص وخنق العنق بالأزرار، وقد اتخذها أهل المدينة اليوم زياً حسناً في التمتع بالهواء، وطلاقة الملبس. فقه الباب: أن يتعاهد المسلمون علي تقوى الله وطاعته، والسمع لكلام الوالي في أمور لا تغضب الله ولا تضر بآداب الدين وطاعة أوامره، وعدم خلق شقاق أو بث فتنة، إو إيغار نفوس المسلمين وشق عصا الطاعة مهما كانت صنعة الحاكم الذي يحكم بين الناس، أو كانت منزلته في نفوس مواطنيه لينتظم أمر المسلمين، ويسود الاتحاد، ويعمم الأمن، ويعلوا الحق، وفيه الاستضاءة بآداب القرآن، وسنة خير المرسلين =

ولا ابنه قط، ولا صيفٍ إلا مطلقى الأزرار. رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه واللفظ له، وقال ابن ماجه: إلا مُطْلَقَةً أزرارهما. الحرص على التمسك بالسنة وبفعله صلى الله عليه وسلم محاكاة 13 - وعن زيد بن أسلم قال: رأيت ابن عمر يصلى محلولا أزراره فسألته عن ذلك، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه ابن خزيمة في صحيحه عن الوليد بن مسلم عن زيد، ورواه البيهقى وغيره عن زهير بن محمد عن زيد. 14 - وعن مجاهد قال: كنا مع ابن عمر رحمه الله في سفر فمر بمكان فحاد عنه فسئل لم فعلت ذلك؟ قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا ففعلت. رواه أحمد والبزار بإسناد جيد. (قوله) حاد بالحاء والدال المهملتين: أي تنحى عنه وأخذ يميناً أو شمالا. 15 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يأتى شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها، ويخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. رواه البزار بإسناد لابأس به. 16 - وعن ابن سيرين قال كنت مع ابن عمر رحمه الله بعرفاتٍ. فلما كان حين راح رحتُ معه حتى أتى الإمام فصلى معه الأولى والعصر، ثم وقف وأنا وأصحاب لى ¬

_ = وقد أوضحها، وعمل به من بعده الصحابة والتابعون، والعلماء العاملون إلى وقتنا هذا، وفيه إرشاد من الله جل شأنه أن القرآن بيده ومطلع على قارئه ومثيب عليه، وفيه نصيحة من يريد الجنة أن يأكل حلالا ويعمل بالسنة ولا يظلم الناس، وفيه إخبار وتهاون المسلمين بأعمالهم ويعدونها حقيرة فيشركون بالله ولا يشعون، ويحبط ثواب أعمالهم ولا يعلمون، وهذا من جراء عدم الإخلاص لله سبحانه وتعالى في العمل وترك المراء والنفاق، ومدانة الأغنياء أصحاب الجاه، وفيه الوعيد والتهديد بجهنم لمن يترك ويعمل بالبدعة، وفيه خيانة المبتدع وفسقه ولؤمه ودناءته، وانتفت عنه المروءة، وزال منه الوفاء، فالذى لا يرعى عهد الله لا يرعى عهد الناس - وحسابه عسير على نقض عهده. وفيه طلب اقتفاء أثره صلى الله عليه وسلم في كل شيء كما فعل سيدنا عمر وسيدنا معاوية بن قرة وإطلاق أزرار القميص، وابن عمر كذلك، وهل تجد إيماناً أكثر من إيمان عمر الذي مر على مكان كذا فبعد عنه وغير اتجاهه كما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. هذ إلى أنه رضى الله عنه ذهب إلى شجرة فاستظل تحتها واستنشق نسيمها، وأخذ راحته فيها تيمناً بما كان يفعله صلى الله عليه وسلم عندها - بل إنه رضى الله عنه خطا خطوات إلى مكان معين مشى فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضى حاجته فيه كما فعل صلى الله عليه وسلم. أيها المسلمون: اليوم تبين الرشد من الغى، واتضحت أحكام الدين، فما علينا إلا نتبع الكتاب والسنة قولا وفعلا لنسلك سبيل الجنة فيرضى الله عنا، ويبارك لنا في اموالنا وأولادنا إنه بعباده رءوف رحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء

حتى أفاض الإمام فأفضنا معه حتى انتهى إلى المضيق دون المأزمين (¬1)، فأناخ، وأنخنا، ونحن نحسب أنه يريد أن يصلى، فقال غلامه الذي يُمسك راحلته إنه ليس يريد الصلاة ولكنه ذكر أن النبى (¬2) صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته فهو يُحبُّ أن يقضى حاجته. رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح. (قال الحافظ) رحمه الله: والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في اتباعهم له واقتفائهم سنته كثيرة جدا، والله الموفق لاربّ غيره. الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحدث (¬3) في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ (¬4). رواه البخاري ومسلم وأبو داود ولفظه: من صنع أمراً على أمرنا فهو ردٌّ. وابن ماجه. وفي رواية لمسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. 2 - وعن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب أحمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه (¬5) كأنه منذر جيش (¬6)، يقول صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ، ويقول بُعثتُ أنا والساعة (¬7) كهاتين، ويقرن (¬8) بين أُصْبُعَيه السبابة والوسطى ويقول: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور ¬

(¬1) مكان في نسخة المازم. (¬2) في نسخة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬3) ابتدع في أمر دين الإسلام. (¬4) مرفوض أي الأحكام تقررت، فكل شئ يظهر جديدا عما دون وثبت فمردود على صاحبه، ولا يقبله الله جل وعلا بدليل قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً). (¬5) كتب ابن علان على هذا، أي لما يتجلى عليه من بوارق الجلال ولوامع أضواء الإنذار، وشهود أحوال أمته وتقصير أكثرهم في امتثال ما يصدر عنه ومن ثم مثل جابر حاله صلى الله عليه وسلم في إنذاره بمجئ القيامة وقرب وقوعها، وتهالك الناس فيما يؤذيهم بحال من ينذر قومه عند غفلتهم بجيش قريب منه يقصد الإحاطة بغتة في كل جانب بحيث لا يقرب منهم أحد أهـ. (¬6) أي مخبر بجيش العدو الذي يخاف، والنبى صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على أمته وعظيم الرأفة بهم ويخاف عليهم من الساعة وأهوالها، أي دخل جيش الأعداء صباحاً ومساء. (¬7) أي وجود النبى صلى الله عليه وسلم قريب من قيام الساعة يعقبه يوم القيامة، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن كلام الله جل وعلا خير ما قيل، وخير الإرشاد إرشاد محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك الشرور والضلال في المخالفة لأحكامهما، وليست على قواعد الشرع ولا فيها مايؤيدها - وفي أحكام القرآن للسيوطى: سئل مالك عن شهادة اللاعب بالشطرنج والنرد أتجوز؟ قال أما من أدمنها فلا. لقوله تعالى: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) فهذا كله من الضلال أهـ ص 230 دليل الفالحين (¬8) قرن الشيء بالشئ: وصله به، وبابه ضرب ونصر.

محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ثم يقول: أنا أولى (¬1) بكل مؤمن من نفسه من ترك مالاً فلأهله (¬2)، ومن ترك ديناً أو ضياعاً (¬3) فإلىَّ وعلىَّ (¬4). رواه مسلم وابن ماجه وغيرهما. الفرقة الناجية، ستة لعنهم الله ورسوله 3 - وعن معاوية رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفرق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهى الجماعة (¬5) رواه أحمد وأبو داود، وزاد في رواية: وإنه سيخرج في أمتى أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق، ولا مفصل إلا دخله. (قوله) الكلب بفتح الكاف واللام. (قال الخطابي) هو داء يعرض للإنسان من عضة الكلب. قال وعلامة ذلك في الكلب أن تحمرّ عيناه، ولا يزال يدخل ذنبه بين رجليه، فإذا رأى إنسانا ساوره. 4 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ستة لعنتهم ولعنهم الله، وكل نبىٍّ مجاب: الزائد في كتاب الله عز وجل، والمكذب بقدر الله (¬6) والمُتسلط على أمتى بالجبروت (¬7) ليذلَّ من أعز الله، ويعز من أذل الله، والمستحل حرمه الله (¬8)، والمستحل من عترتي (¬9) ما حرم الله، والتارك السنة. رواه الطبراني. ¬

(¬1) أولى: أحق. قال ابن علان. قال أصحابنا: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا احتاج إلى طعام أو غيره وجب على صاحبه بذله له صلى الله عليه وسلم، وجاز له أخذه من مالكه المضطر له؛ وهذا وإن جاز له إلا أنه لم يقع .. قال الله تعالى: (النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أهـ، وأرى أن المعنى أن المؤمنين يفدون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنفسهم وأموالهم وهو جدير بكل إجلال ويدافعون عنه ويبذلون النفس والنفيس في نصره وإعزاز دينه، ويجاهدون في طاعته، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده والناس أجمعين) حتى قال عمر رضي الله عنه: أنت أعز علي يا رسول الله من نفسي التي بين جنبي. (¬2) الوارثين له إن استغرقوا فما بقى منهم من فرضهم إليه صلى الله عليه وسلم. (¬3) قال الحافظ هذا تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) قال أهل اللغة: والضياع. بفتح الضاد مصدر ضاع العيال، أي المراد من ترك أطفالا وعيالا ذوي ضياع، فأوقع المصدر موقع الاسم كما تقول: من مات وترك فقراءأهـ، أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على الأسرة الفقيرة. وقيل إن كسرت ضاد ضياع كان جمع ضائع كجائع وجياع. أي ينشئ صلى الله عليه وسلم ملاجئ للعجزة الجائعين. (¬4) أي يقضيه تكرما ويعد ذلك واجبا عليه صلى الله عليه وسلم. (¬5) الملازمة للكتاب والسنة والمتبعة أعمال المهتدين. (¬6) في نسخة. بقدر. (¬7) الإرهاب. (¬8) محارمه. (¬9) أهل بيتى ومن اتبع سنتى وعمل بشريعتى إلى يوم الدين. قال الله تعالى في بيان إكرامهم: =

في الكبير وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال صحيح الإسناد، ولا أعرف له عقلة. خوف النبى صلى الله عليه وسلم على أمته من تغلب الشهوات عليها 5 - وعن أبي برزة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنما أخشى عليكم شهوات الغى (¬1) في بطونكم، وفروجكم، ومُضلات الهوى. رواه أحمد والبزار الطبراني في معاجيمه الثلاثة، وبعض أسانيدهم رواته ثقات. 6 - وعن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه ¬

= (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) أي يبعد الله عنكم الذنب المدنس لعرضكم ويطهركم عن المعاصى، واستعارة الرجس للمعصية، والترشيح بالتطهير للتنفير عنها، وقد استدل النووي رحمه الله في باب إكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى (ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب).وفسر البيضاوى رحمه الله (شعائر الله) بدين الله أو فرائض الحج ومواضع نسكها أو الهدايا لأنها من معالم الحج، وهوأوفق لظاهر ما بعده، وتعظيمها أن يختارها حسانا سمانا غالبة الأثمان. روى أنه صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبى جهل في أنفه برة من ذهب، وأن عمر رضى الله عنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلثمائة دينار أهـ ص 472، ولكن دليل النووي رضي الله عنه في تعظيم آل البيت ومحبتهم وزيارتهم والاقتداء بأعمالهم فان تعظيمها منه من أفعال ذوى تقوى القلوب. المحبة عقيدة وذوق، قال الشاعر: لا يعرف الشوق إلا من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يدانها ... أهـ إن بعض المسلمين قد ضلوا فهجروا زيارة قبور الصالحين بالسفسطة والتمشدق، وعكفوا على شهواتهم الدنيئة وتركوا حقوق الله اغترارا بزهرة الدنيا فبعدوا عن الله وهم لا يعلمون، والله تعالى وعد بالخير لمن والي الصاحلين وأوعد بالشر لمن والي العاصين والفاسقين. قال الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا أباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون. 24 قل إن كان أباءكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين). 25 من سورة التوبة. قال البيضاوى نزلت في المهاجرين الذين قالوا إن هاجرنا فأطعنا آباءنا وأبناءنا وعشائرنا ذهبت تجارتنا وبقينا ضائعين، وقيل نزلت نهياً عن موالاة التسعة الذين ارتدوا ولحقوا بمكة، والمعنى لا تتخذوهم أولياء يمنعونكم عن الإيمان ويصدونكم عن الطاعة، وقوله تعالى (فتربصوا) جواب ووعيد والأمر عقوبة عاجلة أو آجلة، وفي الآية تشديد عظيم وقل من يتخلص منه أهـ بيضاوى ص 278. لعل قائلا يقول هذا للكفار، نعم ونكن أريد أن استدل على محبة الصالحين أنها غنم وخير وعاقبة محمودة: وأطلب ترك محبة الملحدين والزنادقة الفاسقين ونتضافر على محبة الله ورسله وأوليائه الصالحين رجاء أن نحشر معهم ونتبع منهجهم، وفي حديث مسلم قوله صلى الله عليه وسلم (وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتى أذكركم الله في أهل بيتى) فقال له حصين: ومن أهل بيته هم؟ قال هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس) ص 76 رياض الصالحين للنووي. الله تعالى يقول: فتربصوا. ماذا ينتظر المسلمون بعد هذه المحن: أزمة ضاقت حلقاتها. محن اشتدت ريحها وهكذا من المصائب الآتية: من ضياع آداب الدين، وإهمال العاملين، وعدم محبة سيد المرسلين، وهجر مجالس المهتدين. (¬1) الأهواء، واتباع النفس فيما يغضب الله من أكل الحرام والزنا وارتكاب الموبقات.

وسلم يقول: إنى أخاف على أمتى من ثلاث: من زلة (¬1) عالم، ومن هوى (¬2) متبع، ومن حكم جائر (¬3). رواه البزار والطبراني من طريق كثير بن عبد الله، وهو واه، وقد حسنها الترمذي في مواضع، وصححها في موضع فأنكر عليه واحتج بها ابن خزيمة في صحيحه. يخاف من ثلاثة. ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة المهلكات 7 - وروى عن غُضيف بن الحارث الثُّمالي قال: بعث إلىَّ عبد الملك بن مروا فقال: يا أبا سليمان إنا قد جمعنا الناس على أمرين، فقال: وما هُما؟ قال رفع الأيدى على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، فقال أما إنهما أمثل بدعتكم عندى ولست بمجيبكم إلى شيء منهما، قال لم؟ قال لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعةٍ. رواه أحمد والبزارُ. 8 - وروى عنه الطبراني أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من أمة ابتدعت بعد نبيها في دينها إلا أضاعت مثلها من السنة. 9 - وروى عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تحت ظل السماء من إله يعبد أعظم عند الله من هوى مُتَّبَعٍ. رواه الطبراني في الكبير. وابن أبى عاصم في كتاب السنة. 10 - وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأما المهلكات: فشحٌ (¬4) مطاع، وهوى مُتبعٌ، وإعجاب (¬5) المرء بنفسه. رواه البزار والبيهقى وغيرهما ويأتى بتمامه في انتظار الصلاة إن شاء الله تعالى. 11 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حجب (¬6) التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته. رواه الطبراني وإسناده حسن، ورواه ابن ماجه وابن أبى عاصم في كتاب السنة من حديث ابن عباس. ولفظهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع (¬7) بدعته ورواه ابن ماجه أيضا من حديث حذيفة، ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل ¬

(¬1) سقطة. (¬2) شهوات المعاصى والاسترسال فيها. (¬3) ظالم. (¬4) تقتير، ومنع، وبخل. (¬5) يظن كما لها بخيلاء. (¬6) منع. (¬7) يترك.

الله لصاحب بدعة صوما، ولا صلاة، ولا حجا، ولا عمرةً، ولا جهاداً، ولا صرفاً، ولا عدلاً (¬1) يخرج من الإسلام (¬2) كما يخرج الشَّعَرُ من العجين. كل محدثة ضلالة: تارك السنة 12 - وعن العِرْبَاضِ بن سارية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم (¬3) والمحدثات، فان كل محدثة ضلالة. رواه أبو داود والترمذي، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي حديث حسن صحيح، وتقدم بتمامه بنحوه. 13 - وروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن إبليس قال: أهلكتهم بالذنوب فأهلكوني بالاستغفار، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء (¬4) فهم يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون. رواه ابن أبى عاصم وغيره. 14 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل عمل شِرَّةٌ (¬5)، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتى فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك. رواه ابن أبى عاصم وابن حبان في صحيحه ايضا من حديث أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل عملٍ شرةٌ، ولكل شرةٌ فترةٌ، فإن كان صاحبها ساد أو قارب فارجوه، وإن أُشير إليه بالأصابع فلا تُعدُّوهُ (الشرّة) بكسر الشين المعجمة وتشديد الراء وبعدها تاء تأنيث هي النشاط والهمة، وشرّة الشباب أوّله وحدّته. 15 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رغِب (¬6) عن سُنتى فليس منى. رواه مسلم. 16 - وعن عمرو بن عوفٍ رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لبلال بن الحارث يوماً: اعلم يا بلال. قال ما أعلمُ يا رسول الله؛ قال اعلم أن من أحيا سُنَّةً من سُنَّتى أُمِيتَتْ بعدى كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام (¬7) من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً. رواه الترمذي وابن ماجه ¬

(¬1) فرضاً أو نفلاء (¬2) يبعد بسهولة. (¬3) احذروا. (¬4) البدع وشهوات النفس. (¬5) شرة الشباب: حرصه ونشاطه. (¬6) أعرض. (¬7) ذنوب.

كلاهما من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، وقال الترمذي؛ حديث حسن. (قال الحافظ) بل كثير بن عبد الله متروك، رواه كما تقدم، ولكن للحديث شواهد. لا يزيغ عن السنة إلا هالك 17 - وعن العرباض بن سارية رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لقد تركتم على مثل البيضاء (¬1) ليلها كنهارها لا يزيع (¬2) عنها إلا هالك. رواه أبى عاصم في كتاب بإسناد حسن. ¬

(¬1) الملة السمحاء الحنيفة النقية من الضلال. (¬2) لا يميل عن الدين إلا كل من وقع في هاوية الضلال، ومأواه جهنم. فقه الباب بين صلى الله عليه وسلم أن أصول الدين أشرقت كالشمس فلا تخفى إلا على كل جاحد ظالم نفسه لا عمل له مقبول عند الله جل وعلا، وأن بعثته صلى الله عليه وسلم رحمة وكمال، وأنه بشير المؤمنين رءوف رحيم يحبونه ويعزرونه، ويخلصون في معاونته ونصر دينه، وهو قائدهم صلى الله عليه وسلم وولي أمرهم وملاذهم، وأشار صلى الله عليه وسلم أنَّ وجود خلاف بين الطوائف الضالة، وزيغ الملحدين في كل عصر، ولا ينجو إلا المتبع سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح. وقد ازداد غضب الله ولعنته على ستة: المتفيقه الضال الجاهل، وغير المؤمن بالقضاء والقدر، والظالم الطاغية، والعاصى الفاجر، والمستهتر بحقون آل البيت والأولياء، والملحد الزائغ ويخاف صلى الله عليه وسلم على أمته من ارتكاب الشهوات، وإرخاء العنان إلى وساوس الشيطان والوقوع في شررك غوايته كما أنه يخاف على أمته من العلماء غير العالمين المتصدرين للعلم وتعليمه ولا يفقهون حديثاً. ويحذر من البخل وعدم فعل الخير، ويحث على الجود وترك البدع رجاء قبول الله التوبة والإنابة إليه. وبين صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال الموافقة للسنة وإن قلت، وأن من حاد عن سنته فهو كافر وفاسق وليس على دين محمد صلى الله عليه وسلم، والقائد إلى السنة ومحييها يعطيه الله ثوابه وثواب من عمل بها، كذا يعاقب المبتدع وعليه إثم من عمل ببدعته. وأنه صلى الله عليه وسلم ترك لنا هذا الدين القيوم الأبيض الناصع المصفى وذلك دين القيمة. ثم بين خطأ المبتدعين وظنهم الفاسد وكفرهم بالله كما قال الإمام مالك رضى الله من أتى بدعة ظن أن محمداً أخطا الرسالة، من أن الله تعالى مدحه، وأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده ولأذكر الآيات. قال الله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)، وقال تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما آراك الله (1) قال تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتى هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعلمون الصالحات أن لهم أجرا كبيراً. وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليما (2) وقال تعالى لحبيبه: (وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم (3)) وقال =

الترغيب في البداءة بالخير ليستن به، والترهيب من البداءة بالشر خوف أن يستن به

18 - وعن عمرو بن زرارة قال: وقف على عبد الله، يعنى ابن مسعود وأنا أقُصُّ، فقال يا عمرو: لقد ابتدعت بدعة ضلالة أو إنك لأهدى من محمد وأصحابه به فلقد رأيتهم تفرقوا عنى حتى رأيت مكانى ما فيه أحدٌ. رواه الطبراني في الكبير باسنادين أحدهما صحيح. (قال الحافظ عبد العظيم) وتأتى أحاديث متفرقة من هذا النوع في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. الترغيب في البداءة بالخير ليستن به والترهيب من البداءة بالشرّ خوف أن يستن به 1 - عن جرير رضي الله عنه قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم غزاةٌ مُجتابى النَّمار والعباء متقلدى السيوف عامتهم من مُضَرَ، بل كلهم من مُضَر فتمعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما بهم من الفاقة فدخل؛ ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى، ثم خطب فقال: يا أيها الناس اتقوا ¬

_ = تعالى يخاطب المؤمنين (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب (1)) (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً (2)). وقال تعالى يخاطبه صلى الله عليه وسلم: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (3)) (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون (4)) الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف ويناهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصراهم والأغلال التى كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه اولئك هم المفلحون (5)) (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) - (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك علهيم حفيظاً) وقال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما (6)) وقال تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون (7) وقال تعالى: (قل إن كنت تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (8)) وقال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم (9))

ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة. إلى آخر الآية: إن الله كان عليكم رقيبا (¬1) والآية التي في الحشر: اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ (¬2) تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّهِ، من صاع تمره حتى قال: ولو بشق تمرةٍ. قال فجاء رجل من الأنصار بصرةٍ كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مُذَهَّبَةٌ (¬3)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فله أجرها وأجرُ من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجُورهم شئٌ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شئ. رواه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي باختصار القصة. (قوله: مجتابى) هو بالجيم الساكنة ثم تاء مثناه وبعد الألف باء موحدة (والنمار) جمع نمرة، وهى كساء من صفوف مخطط: أي لا بسى النمار قد خرقوها فى رؤوسهم، والجواب القطع (وقوله: تمعر) هو بالعين المهملة المشددة أي تغير (وقوله: كأنه مذهبه) ضبطه بعض الحفاظ بدال مهملة، وهاء مضمومة ونون، وضبطه بعضهم بذال معجمة، وبفتح الهاء وبعدها باء موحدة، وهو الصحيح المشهور، ومعناه على كلا التقديرين: ظهرَ البشر في وجهه صلى الله عليه وسلم حتى استنار وأشرق من السرور، والمذهبة: صحيفة منقشة بالذهب، أو ورقة من القرطاس مطلية بالذهب، يصف حسنه وتلألؤه صلى الله عليه وسلم. من سن في الاسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الخ 2 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سأل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك القوم، ثم إن رجلاً أعطاهُ فأعطى القوم، فقال رسول الله صلى الله ¬

(¬1) مطلعاً محيطاً بأعمالكم. (¬2) ليوم القيامة؛ حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى أولئك الفقراء، فأقبل المسلمون زرافات ووحداناً على الصدقة، كل يجوز بما عنده وما تيسر حتى رأي سيدنا جرير تكدس الأشياء من طعام وملابس، فتهلل وجه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحاً وبشراً، وهنا دعا إلى الخير، وافاد أن ثواب فاعله متصل إلى يوم القيامة ولو عمله غيره، ورحمة الله لا حد لها، كذا فاعل الشر يحاسب على خطيئته وذنب مع تبع فعلته إلى يوم القيامة. (¬3) شئ مذهب: بفتح الذال؛ ومذهب بسكونها: أي مموه بالذهب.

عليه وسلم: من سن خيراً فاسْتُنَّ به كان له أجره من تبعه غير منتقص من أُجورهم شيئاً، ومن سن شَرًّا به كان عليه وزره ومثل أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئاً، رواه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد، ورواه ابن ماجه من حديث أبى هريرة. ليس من نفس تقتل إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها 3 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ليس من نفسٍ تُقْتَلُ ظُلْماً إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ (¬1) من دمها لأنه أول من سن القتل رواه البخاري وسلم والترمذي. 4 - وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من سن سنة حسنة فله أَجْرُها ما عُمِلَ بها في حياته وبعد مماته حتى تُتْركَ، ومن سن سنة سيئة فعليه إثْمُها حتى تُتْرَكَ، ومن مات مُرَابِطاً (¬2) جَرَى عليه عمل المُرَابط حتى يُبْعَثَ يوم القيامة. رواه الطبراني في الكبير باسناد لا بأس به. (قال الحافظ) وتقدم في الباب قبله حديثُ كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده النبى صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث: اعلم يا بلال. قال ما أعلم يا رسول الله؟ قال: إنه من أحيا سنة من سُنتي قد أُمِيتَتْ بعدى كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أُجُورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعةً ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام (¬3) من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً. رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه. 5 - وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن هذا الخير خزائن (¬4) ولتلك الخزائن مفاتيح. فطوبى (¬5) لعبدٍ جعله الله عز وجل مفتاحاً ¬

(¬1) نصيب - قال الله تعالى (فطوعت له نفس قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين. فبعث الله غراباً الآية (¬2) المرابطة: ملازمة ثغر العدو: أي مات مجاهداً فثوابه لا ينقطع. (¬3) ذنوب. (¬4) كنوز تعطى لأصحابها عند الحاجة وأن الله تعالى يجري على أيدي الصالحين فتح أبواب فضله وخيره كالعلم، والإصلاح بين الناس، والزكاة، والزيارة لله، وهكذا من أعمال الحسنات تسبب إرسال الخير للناس من الله. (¬5) فعلى من الطيب شجرة في الجنة يتمتع بظلها ورائحتها الذكية مسكن الفتن وجالب الألفة، وقائد الخير، ورسول البر. وويل واد في جهنم لموقد العداوة، وباعث الشرور. وفيه الحث على نية الخير، والمسابقة في مشروعات الخير، وقد وصف الله عباده المحسنين الأبرار فقال (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وزرياتنا قرة =

كتاب العلم

للخير مغلاقاً للشر، وويل لعبدٍ جعله الله مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير. رواه ابن ماجه، واللفظ له، وابن ابى عاصم، وفي سنده وهو في الترمذي بقصة. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما من داعٍ يدعو إلى شيء إلا وقف يوم القيامة لازماً لدعوته ما دعا إليه، وإن دعا رجلٌ رجلاً. رواه ابن ماجه، ورواته ثقات. كتاب العلم الترغيب في العلم وطلبه وتعلمه وتعليمه وما جاء في فضل العلماء والمتعلمين 1 - عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يُرد الله به خيراً يفقِّهه (¬1) في الدين. رواه البخاري ومسلم وابن ماجه، ورواه أبى يعلى وزاد فيه ومن لم يُفَقَّهه لم يُبال به (¬2) رواه الطبراني في الكبير، ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ياأيُّها الناس إنما العلم بالتعلم، والفقة بالتفقه، ومن يُرد الله به خيراً يفقههُ في الدين، وإنما يخشى الله من عباده العلماء (¬3). وفي إسناده راوٍ لم يُسُمَّ. 2 - وعن عبد الله، يعنى ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقهه في الدين وألهمه رشده (¬4). رواه البزار والطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به. ¬

= أعين واجعلنا للمتقين إماما. (¬1) أي يتضرعون إلى المولى جل وعلا أن يصلح أزواجهم وذراريهم ليكونوا قادة في الخير، ومصدر السرور، ومنبع الحبور، وقال تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) قيل قرت عينه بردت فضحكت، فدمعة السرور باردة، والحزن حارة، وقيل قرة أعين من القرار: أي أعطاه ما يسكن به عينه فلا يطمح إلى غيره. (¬2) لم يقبل عبادته إذا عمل على جهل، ولم يكترث بدعواته إذا أمكنه التعلم ولم يتعلم وفى أي واد هلك. (¬3) العلماء العاملون أكثر الناس خوفاً من عقابه جل وعلا. (¬4) وفقه إلى الرشد صالحا.

فصل: في فضل من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا .. إلخ

3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضلُ العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع (¬1) رواه الطبراني في معاجيمه الثلاثة، وفي إسناده محمد ابن أبى ليلى. 4 - وعن حُذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل العلم خيرٌ من فضل العبادة وخير دينكم الورع. رواه الطبراني في الأوسط، والبزار باسناد حسن. 5 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قليل العلم خير من كثير العبادة، وكفى بالمرء فقها إذا عبد الله، وكفى بالمرء جهلاً إذا أعجب برأيه. رواه الطبراني في الأوسط، وفي إسناده إسحاق بن أسيد وفيه توثيق لين، ورفع هذا الحديث غريب. قال البيهقى: ورويناه صحيحاً من قول مطرف بن عبد الله ابن الشخير ثم ذكره؛ والله أعلم. فصل 6 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس (¬2) عن مؤمن كربة (¬3) من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر (¬4) مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه (¬5) علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت (¬6) الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه (¬7) بينهم إلا حفتهم (¬8) الملائكة، ونزلت عليهم ¬

(¬1) الزهد، وتحري الحقائق، واجتناب الشبهات. (¬2) فرج. (¬3) ضيقا وشدة وعسراً. (¬4) غطى على عيوبه ولم يفضحه ونصحه بينه وبينه، إلا رفع أمره إلى من يردعه يزجره - ولا ستر على مثل سرقة أو مؤامرة قتل، وهكذا، فلا بد من القبض على يديه في مثل هذه الأمور. (¬5) أنفق على طالب علم أو أنشأ معهداً أو ساعد على فهم مسألة عويصة. (¬6) تشمل المساجد ومعاهد الدرس وكل أمكنة طاهرة نظيفة. (¬7) يشرحون معناه ويفسرون كلامه ويفقهون مراميه. (¬8) أحاطت بهم ملائكة الرحمة.

السكينة (¬1) وغشيتهم (¬2) الرحمةُ، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبهُ (¬3). رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما. من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة 7 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة؛ وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يُوَرِّثُوا (¬4) ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقى، وقال الترمذي: لا يعرف إلا من حديث بن رجاء بن حيوة، وليس إسنادُه عندى بمتصل، وإنما يروى عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء عن النبى صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح. (قال المملى) رحمه الله: ومن هذه الطريق رواه أبو داود، وابن ماجه، وبن حبان في صحيحه، والبيهقى في الشعب وغيرهما، وقد روى عن الأوزاعى عن كثير بن قيس بن يزيد ابن سمرة عنه، وعن الأوزاعى عن عبد السلام بن سليم عن يزيد بن سمرة عن كثير بن قيس عنه، قال البخاري: وهذا أصح، وروى غير ذلك، وقد اختلف في هذا الحديث اختلافاً كثيراً ذكرت بعضه في مختصر السنن، وبسطته في غيره، والله أعلم. 8 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية (¬5) وطلبه عباده، ومُذاكرته تسبيح، ¬

(¬1) ظلة البهاء والوقار، ونور الله جل جلاله. (¬2) عمتهم. (¬3) معناه والله أعلم: أن المقصر في حقوق الله، والتارك العمل الصالح يحاسب حساباً عسيراً ويتأخر عن دخول الجنة حتى ينال عقابه، ولم ينفعه شرفه الذي ينتسب إليه وإن عظم، والله يعذب العاصى وإن كان شريفاً قرشياً، ويقرب المطيع وإن كان عبدا حبشياً، وقد ضرب لذلك دستوراً لرضوانه: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). قال تعالى: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون). (¬4) لم يتركوا مالا، ولا ضيعة؛ ولا قصوراً لأولادهم وورثتهم، وإنما تركوا العلم والفقه ليعمل به المهتدون فينالوا السعادة والنعيم. (¬5) رهبة أي يدعو إلى الخوف منه جل وعلا، ويحث على العمل الصالح.

والبحث (¬1) عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قُربةُ (¬2) لأنه معالم (¬3) الحلال والحرام ومنار (¬4) سبل أهل الجنة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة (¬5)، والمحدث في الخلوة، والدليل على السَّرَّاء والضَّرَّاء، والسلاح على الأعداء (¬6) والزين عند الأخِلاّء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة قائمة تقتصُّ آثارهم، ويقتدى بفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم (¬7) وبأجنحتها تمسحهم، ويستغفر لهم كُلُّ رطبٍ ويابسِ، وحيتان البحر وهوامُّهُ، وسِبَاعُ البرِّ وأنعامه لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظُّلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العُلى في الدنيا والآخرة، التفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته (¬8) تعدل القيام، به توصل الأرحام (¬9)، وبه يعرف الحلال من الحرام، وهو إمام العمل، والعمل تابعه يلهمه السعداء (¬10)، ويُحْرَمُهُ الأشقياء. رواه ابن عبد البر النمرى في كتاب العلم من رواية موسى بن محمد بن عطاء القرشى. حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن الحسن عنه وقال: هو حديث حسن ولكن ليس له إسناد قوى، وقد روينا من طرق شتى موقوفاً: كذا قال رحمه الله. ورفعه غريب جدا، والله أعلم. 9 - وعن صفوان بن عَسَّال المُرَادِيَّ رضي الله عنه قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد متكئُ على بُردٍ (¬11) له أحمر، فقلت له يا رسول الله إنى جئت أطلب العلم، فقال: مرحبا بطالب العلم إن طالب العلم تَحُفُّه (¬12) الملائكة بأجنحتها، ثم يركبُ بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب (¬13). رواه أحمد ¬

(¬1) تفهم مسائله وتحصيله. (¬2) طاعة. (¬3) جمع معلم: الأثر يستدل به على الطريق، أي إن العلم يوضح لك طرق الحلال ويزيل الشبهات ويكشف عن الضلال والجهالة. (¬4) المنار على الطريق: أي يرفع العلم لا يجد العدو له منفذاً ليؤذيه، فالعلم حصن حصين يرد كيد المعندين لأنه يرشد التوكيل على الله والاستقامة والاستعداد. (¬5) البعد عن الأوطان. (¬6) من تفقه واهتدى بهدى العلم لا يجد العدو له منفذاً ليؤذيه، فالعلم حصن حصين يرد كيد المعندين لأنه يرشد إلى التوكل على الله والاستقامة والاستعداد. (¬7) صحبتهم، أي ترافقهم ملائكة الرحمة وتدعو لهم. (¬8) تدريس العلم يساوي في الثواب قيام الصائم يتهجد. (¬9) بالزيارة والمودة والهدايا .. (¬10) يختص به السعداء، ويمن الله عليهم بتعلمه ويطرد من حظيرته الأشقياء والعصاة. (¬11) كساء أسود مربع فيه صفر تلبسه الأعراب. (¬12) تحيط به. (¬13) الذي يطلبه طالب العلم.

والطبراني بإسناد جيد واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم قال صحيح الإسناد، وروى ابن ماجه نحوه باختصار ويأتي لفظه إن شاء الله تعالى. فضل طلب العلم 10 - وروى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم (¬1) وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللولؤ والذهب. رواه ابن ماجه وغيره. 11 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جاءه أجله وهو يطلب العلم لقى الله ولم يكن بينه وبين النبيين إلا درجة النبوة. رواه الطبراني في الأوسط. 12 - وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طلب علماً فأدركه كتب الله له كفلين (¬2) من الأجر، ومن طلب علما فلم يدركه كتب الله له كفلا من الأجر. رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات وفيهم كلام. 13 - وروى عن سَخْبَرَةَ رضى الله عنه قال: مر رجلان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يُذَكر (¬3)، فقال اجلسا فإنكما على خير، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق عنه أصحابه قاما فقالا يا رسول الله: إنك قلت لنا اجلسا فإنكما على خير: ألنا خاصة أم للناس عامة. قال: ما من عبد يطلب العلم إلا كان كفارة ما تقدم (¬4). رواه الترمذي مختصراً، والطبراني في الكبير واللفظ له (سخبرة) بالسين المهملة المفتوحة والخاء المعجمة الساكنة وباء موحدة وراء بعدها تاء تأنيث، في صحبته اختلاف، والله أعلم. 14 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبعٌ يجرى للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علم أو كرى (¬5) نهرا، أوحفر ¬

(¬1) أي ومسلمة. الآن وضح العلم فيجب البحث عن مسائله وتعليم ما يلزم، فالسيدة تسأل عن أركان دينها، وتتفقه في صلاتها وصومها وغلسها ووضوئها، وأباح لها الشارع أن تخرج فتتعلم الضرورى من العلم إن لم يعلمها زوجها. (¬2) نصيبين: نصيب الكد والتعب: ونصيب النفقة وجنى الثمرة لتعليمه. (¬3) يعظ الناس ويرشدهم إلى طاعة الله وتسبيحه وتحميده وينثر عليهم درره وحكمه صلى الله عليه وسلم. (¬4) أي طلب العلم بإخلاص بسبب غفران الذنوب الماضية بتجديد التوبة والركون إلى الله تعالى. (¬5) استحدث الحفر.

بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً (¬1)، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته. رواه البزار وأبو نعيم في الحلية، وقال هذا حديث غريب من حديث قتادة، تفرّد به أبو نعيم عن العزرمى، ورواه البيهقى ثم قال محمد بن عبد الله: العزرمى ضعيف غير أنه قد تقدمه ما يشهد لبعضه، وهما يعنى هذا الحديث والحديث الذى ذكره قبله لا يخالفان الحديث الصحيح فقد قال فيه: إلا من صدقة جارية، وهو يجمع ما وردا به من الزيادة والنقصان، انتهى. (قال الحافظ عبد العظيم) وقد رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه بنحوه من حديث أبى هريرة، ويأتى إن شاء الله تعالى. فضل طلب العلم 15 - وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اكتسب (¬2) مُكتسبٌ مثل فضل علم يهدى صاحبه إلى هُدىً، أو يرُدُّهُ عن رَدى، وما استقام دينه حتى يستقيم عمله (¬3). رواه الطبراني في الكبير واللفظ له، والصغير إلا أنه قال فيه: حتى يستقيم عقله. وإسنادهما متقارب. 16 - وروى عن أبي ذَرٍّ رضى الله عنهما أنهما قالا: لباب (¬4) يتعلمه الرجل أحبُّ إلىَّ من ألف ركعةٍ تطوعاً، وقالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاء الموت لطالب العلم وهو على هذه الحالة مات وهو شهيد (¬5). رواه البزار والطبراني في الأوسط، إلا أنه قال: خير له من ألف ركعةٍ. 17 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر لأن تغدُو (¬6) فَتَعلَّمَ (¬7) آية من كتاب الله خير لك من أن تصلى مائة ركعةٍ، ولأن ¬

(¬1) ترك مصحفا أو كتبا ينتفع المسلمون بقراءتها. (¬2) ما نال أحد ثوابا أكثر من طلب علم يرشد إلى الحق ويبعد عن الضلال. (¬3) أي لن يثبت الإيمان بالله جل وعلا حتى تتحقق الاستقامة في العمل، فالعمل عنوان دين المرء، وميزان خوفه من ربه، ودليل يقينه بآخرته، فالأشرار والفساق دينهم ضعيف إذ لم يزجرهم عن الغواية، وكلما أقبل الإنسان على العمل الصالح رِبَا إيمانه واستقام دينه ووصل إلى ربه فخشيه. (¬4) لمسألة من مسائل العلم المتفرعة في العبادة أو المعاملات. (¬5) ينال أجر المجاهد في سبيل الله تعالى لنصر دينه وتعليمه. (¬6) تذهب -والغدو: ضد الرواح. (¬7) أي فتتعلم - وفيه أن تعليم العلم أفضل من صلاة النافلة، وحث المسلمين على أن يتغذوا بلبان معارفه ليعبدوا الله على علم.

تغدو فتعلم بَاباً من العلم به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلى ألف ركعة رواه ابن ماجه باسناد حسن. 18 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الدنيا ملعونة (¬1) ملعون ما فيها إلا ذكر الله، وما والاه (¬2)، وعالماً ومتعلماً. رواه الترمذي، وابن ماجه، والبيهقى وقال الترمذي حديث حسن. 19 - وروى عن عبد الله بن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من تعلم بابا من العلم ليعلم الناس أُعطى ثواب سبعين صِدِّيقاً. رواه أبو منصور الدَّيْلَمِى في مسند الفردوس، وفيه نكارة. 20 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل تعلم كلمة، أو كلمتين، أو ثلاثاً، أو أربعا، أو خمساً مما فرض الله عز وجل فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة. قال أبو هريرة: فما نسيت حديثاً بعد إذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو نعيم، وإسنادُه حسن لو صح سماعُ الحسن من أبى هريرة. 21 - وعنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علما ثم يعلمه أخاه المسلم. رواه ابن ماجه باسناد حسن من طريق الحسن أيضاً عن أببى هريرة. 22 - وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته (¬3) في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة (¬4) فهو يقضي بها ويُعلمها. رواه البخاري ومسلم (الحسد) يطلق، ويراد به تمنى ¬

(¬1) اللعن: الطرد والإبعاد من الخير والمعنى والله أعلم: أن هذه الدار الفانية تبعد من اشتغل بملذاتها من الخبر وتقصيه من رحمه الله - وما فيها فتنة، فالعاقل المؤمن لا تغفره زخارفها، ولا تلهيه عن طاعة مولاه تعالى. (¬2) من تسبيح، وتحميد، وتكبير، وجميع ما يرشد إلي عمله كتاب الله وسنة نبيه. (¬3) إنفاق في مشروعات الخير وفي مرضاة الله جل وعلا، وتشييد المكرمات، وفعل الصدقات، وغرس الإحسان في نفوس الأقارب والأباعد. (¬4) فقه تفسير آيات الله جل وعلا، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم.

زوال النعمة من المحسود، وهذا حرام ويطلق ويراد به الغبطة، وهو تمنى مثل ماله، وهذا لا بأس به وهو المراد هنا. مثل من علم وعمل، ومن علم ولم يعلم 23 - وعن أبي موسى رضي الله: عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل ما بعثنى الله به من الهُدَى (¬1) والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبةٌ قبلت الماء، وأنبتت الكلأ والعشب الكثير فكان منها أجادب (¬2) أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى منها إنما هى قيعان (¬3) لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه مابعثنى الله به فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، ومثلُ من لم يرفع بذلكَ رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أُرسلت به. رواه البخاري ومسلم. 24 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما عَلَّمه ونشره وولداً صالحا تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتاً لابن سبيل (¬4) بناه، أو نهراً أجراهُ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته. رواه ابن ماجه باسناد حسن والبيهقى، ورواه ابن خزيمة في صحيحه مثله إلا أنه قال. أو نهراً كراه (¬5)، وقال يعنى حفره ولم يذكر المصحف. 25 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له. رواه مسلم وغيره ¬

(¬1) الإيمان، والرشاد، والدلالة. (¬2) جمع جدوبة، والجدب ضد الخصب، أي كان منها أرض لم تنبت ولكن حفظت الماء للشرب والسقى والري فأفادت فائدة جليلة مثلي الأرض الخصبة التي أثمرت. (¬3) القاع المستوى من الأرض والجمع أقواع وقيعان وأقوع: هذا مثلان: الأول للذى تحلى بآداب دين الله وعمل بها وفهم أسرارها، ولبى نداء النبى صلى الله عليه وسلم، واستظل بدوحته، وجنى ثمرة تعاليم ربه فأفاد واستفاد وأينع زهره وترعرع روضه، وأما الذى هوى وغوى، وضل وأصم أذنيه عن تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يذق حلاوة الإيمان بالله، ولم يقبل هدى الله، ولم ينتفع بتعاليم حبيب الله فلا فائدة فيه ومثله مثل القيعان لا تحفظ الماء فيها كالبئر ليشرب منه الحيوان والإنسان ولا تنبت أي نبات للماشية أو غيرها فلم يبارك الله فيها: كذلك هذا الكافر، أو الفاسق انتزعت منه الفائدة وله عذاب أليم. (¬4) المسافر سفر طاعة. (¬5) حفره.

خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث الخ 26 - وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير ما يخلف (¬1) الرجل من بعده ثلاثٌ: ولد صالح يدعو له، وصدقة تجرى (¬2) يبلغه أجرها، وعلم يعمل به (¬3) من بعده. رواه ابن ماجه باسناد صحيح. 27 - وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علماء هذه الأمة رجلان: رجل آتاه الله علما فبذله (¬4) للناس، ولم يأخذ عليه طمعاً، ولم يشتر به ثمنا فذلك تستغفر له حيتان البحر، ودواب البر، والطير في جو السماء (¬5)، ورجل آتاه الله علما فبخل به عن عباد الله، وأخذ عليه طمعا (¬6)، وشرى (¬7) به ثمناً فذلك يُلْجَمْ يوم القيامة بلجام من نار، وينادى منادٍ: هذا الذى آتاه الله علما فبخل به عن عباد الله، وأخذ عليه طمعا، واشترى به ثمنا، وكذلك حتى يفرغ الحساب. رواه الطبراني في الأوسط، وفي إسناده عبد الله بن خداش، وثقه ابن حبان وحده فيما أعلم. 28 - وعن أبي أُمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بهذا العلم (¬8) قبل أن يُقْبض، وقبضه أن يرفع، وجمع بين إصبعيه: الوسطى، والتى تلى الإبهام هكذا، ثم قال: العالم والمتعلم شريكان في الخير، ولا خير في سائر الناس رواه ابن ماجه من طريق على بن يزيد عن القاسم عنه. (قوله: ولا خير في سائر الناس) أي في بقية الناس بعد العالم والمتعلم، وهو قريب المعنى من قوله: الدنيا ملعونة معلون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً. وتقدم. 29 - وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم (¬9) يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم ¬

(¬1) يترك. (¬2) يصل ثوابها إليه ويدخر عند الله. (¬3) ينشر مسائل العلم ويوضحها للقارئين ليعملوا بمقتضاها عملا صالحا يقرب إلى الله جل وعلا. (¬4) نشره. (¬5) يطلبون للعالم العامل المغفرة والرضوان. (¬6) اتصف بالشره والجشع واتخاذ العلم وسيلة لجمع المال. (¬7) من أعطاه أجرا على علمه وحرم الفقراء من تعليمه، إن جزاءه يوم القيامة أن يعذب أمام الناس بوضع لجام من نار في فمه ليكوى به ثم يمر به على الخلائق لفضيحته بكتمانه العلم في الدنيا وجمع المال من شدة شرهه وكده وتعبه للدنيا لا لله ويستمر على هذه الحالة مغضوبا عليه حتى ينتهى حساب الخلائق وبعد ذلك أمره لربه. (¬8) العلم الصحيح الذي يزيدك عملا صالحاً وفقها في الدين. (¬9) شبه صلى الله عليه وسلم العلماء بالنجوم التى تزيل غياهب الظلمات فيهتدى بضوئها كذلك العلماء ينشرون ضياء العلم على قلوب العاملين ليعملوا، ويبينوا للناس الحق من الباطل: والصحيح من الفاسد فيهتدى من أتبعهم، ويخمر من حاد عنهم، فالعلماء شموس الله المشرقة في أرضه يزيلون الجهالة والضلال، وظلمات الغواية.

أوشك أن تضل الهدَاةُ. رواه أحمد عن أبي حفص صاحب أنس عنه، ولم أعرفه، وفيه رشدين أيضاً. فضل من تعلم العلم وعلمه 30 - وعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضى الله عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من علم علماً فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل شيء (¬1). رواه ابن ماجه، وسهلٌ يأتى الكلام عليه. 31 - وعن أبي أُمامة قال: ذُكِرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان: أحدهما عابدٌ، والآخر عالم، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض حتى النملة في حجرها، وحتى الحوت ليصلون (¬2) على معلم (¬3) الناس الخير. رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، ورواه البزار من حديث عائشة مختصرا قال: معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر. 32 - وعن ثعلبة بن الحكم الصحابى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة إذ قعد على كرسيه لفصل عباده: إنى لم اجعل علمى وحلمى فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أُبالى (¬4). رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات. (قال الحافظ) رحمه الله: وانظر إلى قوله سبحانه وتعالى علمى وحلمى، وأمعن النظر فيه يتضح لك باضافته إليه عز وجل أنه ليس المراد به علم أهل الزمان المجرّد عن العمل به والإخلاص. 33 - وروى عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يبعث الله العباد يوم القيامة، ثم يُميزُ العلماء فيقول: يا معشر العلماء إنى لم أضع علمى فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم. رواه الطبراني في الكثير. 24 - وروى عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُجاء بالعالم ¬

(¬1) في نسخة: شيئاً. (¬2) الصلاة من الله جل جلاله: الرحمة، ومن غيره: الدعاء بطلب المغفرة والرضوان للعالم العامل. (¬3) في نسخة: معلمين. (¬4) لااكترث ولا يهمنى أمرهم. وفيه أن يطلب ويجتهد أن يعمل به حتى تشمله رحمة الله.

والعابِدِ، فيقال للعابدِ ادخُلِ الجنة، ويقال للعالم قف حتى تشفع للناس (¬1). رواه الأصبهاني. وغيره. 35 - وروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُبْعَثُ العالم والعابدُ، فيقالُ للعابد ادخل الجنة، ويقال للعالم اثبت حتى تشفع للناس بما أحسنت أدبهم. رواه البيهقى وغيره. 36 - وروى عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل العالم على العابد سبعون درجة ما بين كل درجتين خضر (¬2) الفرس سبعين عاماً، وذلك لأن الشيطان يبدع (¬3) البدعة للناس فَيُبصرُها العالم فينهى عنها، والعابد مقبل على عبادة ربه لا يتوجه لها ولا يعرفها: رواه الأصبهاني، وعجز الحديث يشبه المدرج. (خضر الفرس) يعنى: عَدْوَه. 37 - وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد. رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقى من رواية روح بن جناح، تفرّد به عن مجاهد عنه. 38 - وروى عن أبي هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما عبد الله بشئ أفضل من فقه في دين، ولفقيه واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد، ولكل شئٍ عمادٌ وعمادُ الدين الفقه. وقال أبو هريرة: لأن أجلس ساعة فأفقه (¬4) أحبُ إلىَّ من أن أُحْيِىَ ليلة القدر. رواه الدارقطنى والبيهقى إلا أنه قال: أحبُّ إلىَّ من أن أُحِيىَ ليلةً إلى الصباح، وقال: المحفوظ هذا اللفظ من قول الزهري. 39 - وعن أبي هريرة رضيى الله عنه أنه مَرَّ بسوق المدينة فوقف عليها، فقال يا أهل السوق ما أعجزكم! (¬5). قالوا: وماذاك يا أبا هريرة؟ قال ذاك ميراث رسول الله ¬

(¬1) تطلب من الله أن يعفو عنهم، وفيه أن محبة العلماء والسير على منهجهم سبب الفوز في الآخرة ويأذن الله للعلماء أن يشفعوا لمن يحبون. (¬2) ارتفاع الفرس في عدوه. وفي نسخة: من حضر. (¬3) يستحدث البدعة ويأتى بالشئ الجديد البعيد عن نصوص الدين فيفطن العالم إلى دس إبليس ودنسه ويطلب اجتناب ما أحدث، والعالم هو الذى يحطم وساوس الشيطان، ويحذر الناس من اتباعه، ويدعوهم إلى العمل بكتاب الله وسنة نبيه ونبذ الخناس. (¬4) فافهم. ترى في هذا الحديث أن ثواب تفهم مسألة أجل عند الله من إحياء ليلة مفضلة العبادة فيها على جهل. (¬5) أي شيء منعكم من كسب الخبرات.

فصل: العلم علمان

صلى الله عليه وسلم، يقسم وأنتم هاهنا، ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه. قالوا وأين هو؟ قال في المسجد فخرجوا سراعاً (¬1)، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا فقال لهم: مالكم (¬2)؟ فقالوا يا أبا هريرة قد أتينا المسجد فدخلنا فيه فلم نر فيه شيئاً يقسم، فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحداً؟ قالوا بلى رأينا قوما يصلون، وقوما يقرءُون القرآن، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: ويحكم فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. فصل 40 - وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العلم علمان: علم في القلب فذاك العلم النافع، وعلم على اللسان (¬3) فذاك حجة الله على ابن آدم. رواه الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه بإسناد حسن، ورواه ابن عبد البر النمري في كتاب العلم عن الحسن مرسلاً بإسناد صحيح. 41 - وروى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العلم علمان فعلم ثابت في القلب فذاك (¬4) العلم النافع، وعلم في اللسان فذلك حجة الله على عباده. رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس، والأصبهاني في كتابه، ورواه البيهقي عن الفضيل بن عباض من قوله غير مرفوع. 42 - وروى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من العلم كهيئة المكنون (¬5) لا يعلمه إلا العلماء بالله تعالى، فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرَّة (¬6) بالله عز وجل. رواه أبو منصور الديلميُّ في المسند، وأبو عبد الرحمن السلمى في الأربعين التى له في التصوّف. ¬

(¬1) مسرعين. (¬2) أي شئ تريدون؟. (¬3) الذى يدعو إلى السفسطة، ويعنى الله، والله أعلم: اولئك الذين تعلموا ونطقوا بمسائل العلم في الدنيا ويقولون ما لا يفعلون. (¬4) في نسخة: فذلك. (¬5) الدر المستور: بكثرة تقواهم أجرى الله الحق على لسانهم وفقههم في دينهم. (¬6) أهل الغفلة الذين ركنوا إلى الدنيا فغرتهم بزخارفها، وعصوا الله واتبعوا شهواتهم: وتركوا أوامر الله ورسوله وهجروا الدين. ويؤثر للامام الشافعي رضى الله عنه: شكوت إلى وكيع سوء حفظى ... فأرشدنى إلى ترك المعاص وأخبرني بأن العلم نور ... ونور الله لا يهدي لعاصي

الترغيب في الرحلة في طلب العلم

الترغيب في الرحلة في طلب العلم 1 - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله به طريقا إلى الجنة. رواه مسلم وغيره، وتقدم بتمامه في الباب قبله. 2 - وعن ذر بن حُبَيْشٍ قال أتيت صفوان بن عسال المرادىَّ رضى الله عنه قال: ما جاء بك؟ قلت أنبط العلم. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع. رواه الترمذي وصححه، وابن ماجه واللفظ له، وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد (قوله: أنبط العلم) أي أطلبه واستخرجه. 3 - وعن قبيصة بن المارق رضى الله عنه قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا قبيصةٌ ماجاء بك (¬1)؟ قلت كبرت سنى ورق عظمى، فأتيتك لتُعَلِّمَني ما ينفعنى الله تعالى به، فقال: يا قبيصة ما مررت بحجر، ولا شجر، ولا مدرٍ إلا استغفر لك، يا قبيصة: إذا صليت الصبح فقل ثلاثا: سبحان الله العظيم وبحمده تعاف (¬2) من العمى (¬3)، والجذام (¬4) والفلج (¬5) ياقبيصة: قل اللهم إنى أسألك مما عندك وأفض (¬6) عليَّ من فضلك، وأنشر على من رحمتك، وأنزل علىَّ من بركاتك (¬7). رواه أحمد، وفي إسناده راوٍ لم يسمَّ. 4 - وعن أبي أمامةَ عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من غدا (¬8) إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه (¬9) كان له كأجر حاجٍّ تامًّا حَجَّتُهُ (¬10). رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به. ¬

(¬1) ما الذى أحضرك. (¬2) تشف وتبرأ. (¬3) فقد البصر. (¬4) مرض معد تذهب الأعضاء من تأثير تقطيعه فيها ويغير صفة الوجه ويهشم الأنف ويلوي الأصابع. أعاذنا الله منه، ووفقنا لنعمل بورد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬5) لعله يريد صلى الله علي وسلم مرض الفالج، قال في النهاية - داء معروف يرخى البدن. أما كلمة الفلج فهى فرجة ما بين الثنايا والرباعيات، وفي صفته عليه الصلاة والسلام أنه كان مفلج الأسنان، وفي رواية أفلج الأسنان، وفلج: فاز، ومن الفالج أي الغالب في قماره، وقد فلج أصحابه وعلي أصحابه: أي غلب وقهر، وفي حديث أنه صلى الله عليه وسلم لعن المتفلجات للحسن: أي النساء اللاتي يفعلن ذلك بأسنانهن رغبة في التحسين. (¬6) واغمرني. (¬7) خيراتك. (¬8) ذهب. (¬9) يرشد الناس إلى طريق الخير. (¬10) أي تمت حجته.

من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع 5 - وروى عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من جاء مسجدى هذا لم يأْته إلا لخيرٍ يتعلمه، أو يُعَلَّمُهُ، فهو بمنزلة المجاهدين (¬1) فى سبيل الله، ومن جاء بغير ذلك فهو بمنزل الرجل ينظر إلى متاع غيره (¬2) رواه ابن ماجه والبيهقى، وليس في إسناده من ترك ولا أجمع على ضعفه. 6 - وروى عن عليٍّ رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما انتعل (¬3) عبد قط، ولا تخفف، ولا لبس ثوبا في طلب علم إلا غفر الله له ذنوبه حيث يخطو عتبة دارهِ. رواه الطبراني في الأوسط. (قوله تخفف) أي لبس خفه. 7 - وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع. رواه الترمذي وقال حديث حسن. 8 - وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من غدا يريد العلم يتعلمه لله، فتح الله بابا إلى الجنة، وفرشت له الملائكة (¬4) أكنافها، وصلت عليه (¬5) ملائكة السموات، وحيتان البحر، وللعالم من الفضل على العابد كالقمر ليلة البدر على أصغر كوكب في السماء، والعلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا ديناراً ولا درهما، ولكنهم ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظه، وموت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة (¬6) لا تُسَدُّ، وهو نجم طُمسَ، موت قبيلةٍ أيسر من موت عالم ¬

(¬1) العاملين المضاعف ثوابهم. (¬2) شئ لا يملكه فيتحسر، ولا ثواب له. (¬3) لبس النعل. (¬4) أي أحاطت به، أكنافها: أجنحتها. (¬5) دعت له. (¬6) الخلل في الحائط والشق وغيره. خلاصة معنى باب العلم وطلبه والاستدلال بفضله بالآيات القرآنية قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث المسلمين على التفقه في الدين، وهذا الخير نفسه - والفقه تفهم مسائل الدين، من صلاة وصوم ومعاملة ونكاح، وعلوم الشريعة، وثمرته الزهد في الدنيا، والورع، واجتناب الشبه والإكثار من العمل الصالح والعبادة، والفقيه قدوة حسنة، ومثل كامل، وعنوان المكارم، وفى ذلك يقول الله تعالى في سورة الأنبياء: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وفي سورة فاطر: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) لأن العلم أرشدهم إلى كمال قدرته وبديع صفاته فزادوه هيبة وإجلالا، وقد شبه الله جل وعلا العالم بالبصير والسميع والجاهل بالأعمى والأصم، ونفى المساواة بينهما، فقال جل شأنه في سورة هود: (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) وفي سورة فاطر: (وما يستوي =

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وليس عندهم: موت العالم إلى آخره. ¬

_ = الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوى الأحياء ولا الأموات) فهناك فرق شاسع، وقد شبه الله تعالى العلم بالنور والجهل بالظلمات ونفى الفرق بينهما كل لا يستوي الظل الذي ينتفع به بالحرور الذي يتضرر به، وكذلك لا يستوى الأحياء بنور العلم ولا الأموات الذين غفلت قلوبهم عن الله ونسوا الله فنسيهم وعصوا الله فأمات قلوبهم فلا يتأثرون بالمواعظ ولا يعملون بتعاليم الله ورسوله. وانظر رعاك الله إلى بيان درجة العلماء وزيادة شرفهم عند الله جل وعلا، إذ ذكرهم بعد ملائكته الأبرار قال تعالى في سورة آل عمران (شهد الله إنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) اعترف العلماء مع الملائكة أن الله واحد فعبدوه بحق ودعوا الناس إلى طاعته. والإخلاص إليه في العمل، والالتجاء إليه في الأمور، ونبذ ما سواه، والتوكل عليه وحده فهو الفعال. على أن العلماء شهداء مع الله على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى في سورة الرعد (قل كفى بالله شهيداً بينى وبينكم ومن عنده علم الكتاب) أقروا بالرسالة وتركوا الجهالة، وسفهوا العاصين: ووبخوا الكافرين. والعلماء في كل زمان ومكان قادة وسادة يردون الناس إلى الله ويدعون إليه ويبعدونهم عن الفسوق ويقولون الحق وقد حكي الله عن قارون وماله وكبريائه، وافتتان الناس به، ومنع العلماء التمنى مثله - فقال جل شأنه في صورة القصص (وقال الذين أتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً) هذه وظيفة العلماء يرشدون الجاهل ويردون الضال، قال تعالى في سورة النساء (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) إشارة إلى أن العلماء ورثة الأنبياء في توضيح المبهم، وإضاءة الحكم في كشف حكم الله جل وعلا، ودعوة الناس إلى الاسظلال بظلهم الوارف رجاء الفوز دنيا وأخري كما قال جل شأنه (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) من سورة العنكبوت، قال الله تعالى يعنى بكلمة العلماء الذين كمل دينهم، وتم عقلهم فتحلوا بالمكارم جمعاء، واتصفوا بالمحامد عامتها، وفيهم يقول جل شأنه في سورة الرعد (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساء، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم، وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار. جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار). يأ أخى المسلم: تفكر قليلا في آيات العلماء العاملين الذي أنار الله بصائرهم فأرشدوا إلى ما فيه منفعتهم والعالم بالشيء كالبصير، والجاهل به كالأعمى الذي ختم الله على قلبه فلم يستضئ بنور العلم ولم يتذكر ما يضره وما ينفعه، ولا يتذكر إلا أصحاب العقول الراجحة والبصائر المستنيرة، وقد وصف الله العلماء أصحاب العقول الكاملة التى استخدموها في مرضاة ربهم بصفات هي عنوان الإخلاص وشمس القبول ودليل التوفيق. ولن تجد أحسن منها: 1 - الوفاء بالعهد وعدم نقض الميثاق بإطاعة أوامر الله واجتناب نواهيه وإرشاد الخلق إلى ذلك لأنهم قدوة حسنة. 2 - صلة جميع الأقارب وموالاة المؤمنين ومودة الصالحين ومحبة العاملين وعدم هجرانهم. 3 - خوف الله تعالى وخشيته فلا شر يقع منهم، ولا أذى لمخلوق، ولا ترك واجب، ولا فعل معصية ولذا قيل: (رأس الحكمة مخافة الله). =

ورواه البيهقي واللفظ له من رواية الوليد بن مسلم حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن عثمان ابن أيمن عنه، وسيأتى في الباب بعده حديث أبى الردين إن شاء الله تعالى. ¬

_ = 4 - ... الخوف من الحساب يوم القيامة فيجتهد العالم في العمل الصالح وتطهير صحائفه لينقى وينجو من الشدائد. 5 - الصبر وهو حبس النفس على المكروه وإيجاد العزيمة على احتمال المشاق في أعمال الخير. 6 - إقامة الصلاة في أوقاتها تامة الأركان والشروط ويأمر أهله بها ويصطبر عليها. 7 - التصدق بالمال في السر والجهر ليدل على سماحة النفس وطهارتها من البخل وثقتها بالله المعطى. 8 - مقابلة السيئة بالحسنة لوقف الشرور وخجل المسيء والبرهان على سعة الصبر وطهارة القلب لله في الله. هؤلاء العلماء والمؤمنون الذي آمنوا بالله وعملوا بكتابه وسنة حبيبه سيدخلهم ربهم جنته ويتكرم عليهم برضوانه ويجمعهم هناك بالصالحين من آبائهم وأزواجهم وأمهاتهم وأولادهم ليتم أنسهم ويزيد سرورهم. ياأخى اعرض هذه الصفحات على نفسك أولا، وعلى غيرك ثانيا فمن اتصف بها، فصاحبه وجالسه وزره وتودد إليه، ومن لم يفعل فاقطع صحبته وتجنبه - وهذا لعمري مصداق قوله تعالى: والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون، لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون - أليس الله بكاف عبده) يقول البيضاوي هنا اللام للجنس ليتناول الرسل والمؤمنين (والعلماء ورثة الأنبياء) وقيل هو النبى صلى الله عليه وسلم، والمراد هو ومن تبعه أهـ أي من الذين أقبلوا على العلم فهذبوا نفوسهم فوصلوا إلى ربهم بالتقوى والعمل الصالح، ويرشد إلى ذلك قول الله تبارك وتعالى (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد) من سورة سبأ. خلاصة باب فضل العلم فأنت ترى أن تعليم العلم هو الخير كله، وذلك بالذهاب إلى العلماء والبحث عن دقائقه وهو سبب الخشية والقرب منه جل وعلا وتمام الثقة به، وفيه الهداية والإلهام إلى الرشد وتنوير القلب ويدعو إلى الورع ويبعد عن الفتن والكبرياء والخيلاء والاعجاب وطالبه يسلك طريق الجنة وكذا من ساعده وأمده وأعانه، واجتماع قوم لدراسة القرآن سبب رحمة الله وفيضه، وغوثه، هذا إلى أن كل شيء يطلب المغفرة للعالم العامل بعلمه. والعلم عنوان العز ومعين البر، وباب العلا، ونور الحق، والخل الوفي، والصاحب الصديق الموصل في الجنة إلى جوار الأنبياء والشهداء الجاري ثوابه مدى الحياة وبعد الممات، وهو خير مكتسب، وأعظم مطلب، يهدى إلى الحق، ويزيل الأذى، وطلبه أفض من صلاة النافلة وطالبه كأرض مخصبة وشجرة مثمرة، والجاهل كالصحراء لا فائدة منه. والعالم يشفع فيمن يحب له الخير يوم القيامة، والله وعد ألا يعذبه، وهو عدو ألد للشيطان يهدم بنيانه ويسفه رأيه ويحارب أنصاره ويحذر الناس من غوايته ويطلب من الناس أن ينتفعوا بميراث محمد صلى الله عليه وسلم وهو اتباع الكتاب والسنة، وخير العلم ما قربك إلى ربك، وشره السفسطة والجدل والالحاد والزندقة، وإن موت العالم خسارة على الأمة، وخلل في بنيانها، وكوكب غاب في سمائها. أسأل الله أن يعلمنا فنعمل ويوفقنا فنسعد إنه قدير.

الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخه والترهيب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الترغيب في سماع الحديث وتبليغه ونسخه والترهيب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم 1 - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نَضَّرَ الله أمراً سمع مِنَّا شيئاً فبلَّغه كما سمعه فَرُبَّ مُبلَّغٍ (¬1) أوعى من سامع (¬2) رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: رحم الله امرأً. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (قوله نضر) هو بتشديد الضاد المعجمة وتخفيفها حكاه الخطابي، ومعناه الدعاء له بالنضارة، وهى النعمة والبهجة والحسن، فيكون تقديره: جملة الله وزينه، وقيل غير ذلك. 2 - وعن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نضَّر الله أمرأً سمع منَّا حديثاً (¬3) فبلغه غيره فَرُبَّ حامل فقهٍ (¬4) إلى من هو أفقه منه، ورُبَّ حامل فقهٍ ليس بفقيه (¬5) ثلاثٌ: لا يغلُّ (¬6) عليهن قلب مسلم: إخلاص (¬7) العمل لله، ومُناصحة وُلاَةِ الأمر (¬8) ولُزُومُ الجماعة (¬9)، فإن دعوتهم تُحيط من وراءهم (¬10)، ¬

(¬1) وقع عليه التبليغ أي بلغه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أحفظ، وأيقظ، وأفقه ممن سمعه. (¬2) فاعل السمع أي قد يكون الذي بلغه الحديث ووصلته الحكمة ممن سمعها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوعى وأحفظ وأيقظ - وفيه أن المرء إذا سمع مسألة على علم بنشرها ولم يكتمها ويبلغها إلى غيره ليعمل بها ويستنتج منها مسائل الفقه - ورب تفيد التقليل والتكثير - فالسامع لا يتأخر في العلم إلى من هو أعلم منه في نظره رجاء أن يكون المبلغ معتنيا، ومتفقها أكثر من السامع والله أعلم. (¬3) قولا أوصله إلى الناس. (¬4) يمكن أن يكون حامل علم يحتاج إلى فهم فيبلغه إلى من هو أكثر منه فهما، وذكاء ودقة، وأكثر علما منه، فالفقة التبحر في مسائل الدين، ولعل من سمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقله إلى غيره زائد العلم، كثير البحث، فهامة، علامة، بحاثة، فلا بد من تبليغ العلم مهما كانت حال ناقله. (¬5) قد يكون سامع الحكمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعلم ولم يفهم ما سمعه فينقله كما هو لينال الأجر بنشر العلم. (¬6) أغل الرجل: خان رباعى مضارعه يغل من الأغلال، ويروي يغل بفتح الياء وهو الحقد والشحناء: أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق، ويروي يغل بالتخفيف من الوغول: الدخول في الشر، والمعنى أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة، والدغل، والشر، وعليهن في موضع الحال تقديره لا يغل كائنا عليهن قلب مؤمن: أهـ نهاية ص 168 جـ 3. (¬7) فعل العمل الصالح رجاء ثواب الله. (¬8) أن تمنع أصحاب الأمر والنفوذ من المعاصى وترشدهم إلى ما يرضي الله، وتزجرهم إن أساءوا وظلموا. (¬9) أن تتمسك بالسنة، وتقتدي بالسلف الصالح، وتتبع إجماع الأمة، وتحافظ على اتباع الجماعة ووحدتها وتصلي جماعة. (¬10) مستجابة وتشمل بركتها من اتبعهم، وتحفظ المقتدين. وفي نسخة من ورائهم.

ومن كانت الدنيا نيته (¬1) فرق الله عليه أمره (¬2) وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الأخرة نيته (¬3) جمع الله أمره وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهى راغمة (¬4). رواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقى بتقديم وتأخير، وروى صدره إلى قوله: ليس بفقيه أبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه بزيادة عليها. رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه 3 - وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسجد الخيف من منى فقال: نضر الله امرأً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها، ثم ذهب بها إلى من لم يسمعها ألا فَرُبَّ حامل فقهٍ لا فقه له (¬5)، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، الحديث. رواه الطبراني في الأوسط. 4 - وعن جبير بن معطم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف (خيف منى) يقول: نضر الله عبداً سمع مقالتى فحفظها ووعاها وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغلُّ عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، ولُزومُ جماعتهم، فإن دعوتهم تحفظ (¬6) من وراءهم. رواه أحمد وابن ماجه والطبراني في الكبير مختصرا ومطوّلا إلا أنه قال تحيط بياء بعد الحاء، رووه كلهم عن محمد بن إسحق عبد السلام عن الزهرى عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، وله عند أحمد طريق عن صالح بن كيسان عن الزهرى وإسناد هذه حسن. ¬

(¬1) غاية قصده في كده وكبحه ويبخل في تشييد الصالحات من ثمرة علمه .. (¬2) شتت عمله، وأقلق مضاجعه، وزاده هما في طلبها، وغما في جمعها، وأخذ منه القناعة وسلط عليه الشره والجشع، مهما نال منها لم يشبع. (¬3) طلبه فعل الصالحات لله يزيل الله عسره ويقضي حاجته بسهولة ويهب له الرضا والسعادة والقناعة، ويبارك فيما أعطى، وتزلل له أموره. (¬4) غضبى متسخطة لكثرة خيرات الله فيها وكارهة مجيئها إليه، ومن أطاع الله كفاه وأغناه. فيه أن الإنسان يتقى الله ما استطاع، ويجتهد في إخلاص العمل ابتغاء ثوابه، ويرد الظالمين، وينصح الباغين، ويهجر الفاسقين، ويود الصالحين، ويقول الحق، ويتبع منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدعو إلى الاتحاد والائتلاف، ويلازم الجماعة والشورى رجاء أن يضاعف الله له ثوابه، ويطهر قلبه من الأحقاد، ويبرأ من الخيانة والمأثم، وينطوي على حب الخير؛ وفعل البر؛ ويجتهد في حياته في إرضاء مولاه ولا تغره زخارف الدنيا، فيكبح لجمعها، وينسى الله وحقوقه، ويغرس للآخرة ليحيطه الله برعايته ويشمله برضوانه. (¬5) في نسخة: ليس بفقيه. (¬6) في نسخة تحيط من ورائهم.

خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأضياف الله - إذا مات ابن آدم الخ 5 - وروى عن ابن عباس قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم. اللهم ارحم خلفائي. قلنا يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال الذين يأتون من بعدى يروون أحاديثي ويعلمونها الناس. رواه الطبراني في الأوسط. 6 - وعن أبي الرُّدين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من قوم يجتمعون على كتاب الله يتعاطونه بينهم إلا كانوا أضيافا لله (¬1) وإلا حفتهم (¬2) الملائكة حتى يقوموا، أو يخوضوا (¬3) في حديث غيره، وما من عالم يخرج في طلب علم (¬4) مخافة أن يموت، أو انتساخه مخافة أن يُدرس (¬5) إلا كان كالغازى الرائح في سبيل الله، ومن يُبطئ به (¬6) عمله لم يُسرع به نسبه. رواه الطبراني في الكبير من رواية إسماعيل بن عياش. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له. رواه مسلم وغيره، وتقدم هو وما ينتظم في سلكه، ويأتى له نظائر في نشر العلم وغيره إن شاء الله تعالى. (قال الحافظ) وناسخ العلم النافع له أجره وأجر من قرأه أو نسخه أو عمل به من بعده ما بقي خطه والعمل به، لهذا الحديث وأمثاله، وناسخ غير النافع مما يوجب الاثم عليه وزره ووزر من قرأه، أو نسخه، أو عمل به من بعده ما بقي خطه، والعمل به لما تقدم من الأحاديث: من سنّ سنة حسنة أو سيئة، والله أعلم. 8 - وروى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى (¬7) ¬

(¬1) طالبين رحمته، منتظرين إكرامه، وهو تعالى كريم (من أوى إلى الله أواه). (¬2) أحاطت بهم ملائكة الرحمة يدعون لهم ويستغفرون لهم. (¬3) يتحدثوا. (¬4) يبحث عن فقه مسألة خشية أن يفنى أثرها. (¬5) ينقل مسائل العلم ليحفظها خشية أن تمحى، ويعطى الله أجر هذا الطالب كالمجاهد لنصر دين الله الغازي. (¬6) يقال من بطأ به وأبطأ به بمعنى: أي من أخره عمله السئ، وتفريطه في العمل الصالح في الدنيا لم ينفعه في الآخرة شرف النسب. يريد النبى صلى الله عليه وسلم أن يجعل ميزان القبول، والإكرام في الآخرة العمل الصالح الذي دعا إليه الدين، وأمر به الشرع، ويقلل من غرور الذين اعتمدوا على جاههم، وزهوا بنسبهم، وقصروا في حقوق، فباءوا بالخزي والخسران. (¬7) أثناء كتابة اسمه، أو صفة من صفاته كتب صلى الله عليه وسلم أو عليه الصلاة والسلام، أو أي صيغة تعظيم كافأه الله بزيادة الأجر وتستمر ملائكة الرحمة تطلب من الله المغفرة مد وجود هذه الصلاة - وفيه إكثار المسلمين من تعظيم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا مر عليهم اسمه صلى الله عليه وسلم =

عَلىَّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له مادام اسمى في ذلك الكتاب. رواه الطبراني وغيره، وروى من كلام جعفر بن محمد موقوفاً عليه، وهو أشبه. 9 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا الحديث قد روى عن غير واحد من الصحابة في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها حتى بلغ مبلغ التواتر، والله أعلم. 10 - وعن سمرة بن جُندُبٍ عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب (¬1) فهو أحد الكاذبين (¬2). رواه مسلم وغيره. 11 - وعن المغيرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحدٍ فمن كذب علىَّ متعمدا (¬3) فليتبوأ مقعده (¬4) من النار. رواه مسلم وغيره ¬

= أو ذكرت صفة من صفاته عليه الصلاة والسلام صلوا عليه وقرنوا سيرته بالإجلال والاحترام - وأرى من نقص الثواب كتابة (ص) عنه ذكر شيء سيرته العطرة أو شذى عرفه، فليتبه مؤلفوا هذا العصر لهذا الحديث وليكثروا من ذكر الصلاة عليه، فذكره صلى الله عليه وسلم عباده لله، وطاعة للرب، ودعاء مستجاب، وقول عذب، بذكره تشفى القلوب، وتفرج الكروب، ويزول العسير، وتنزل الرحمة، ويسعد العباد، وتعم البركة، ويكثر الخير، ويزداد الرزق. (¬1) يعلم أنه مختلف، ويتحقق أنه غير الواقع، ونسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم زوراً وبهتاناً - هذا واحد من اولئك الكذابين المجرمين الفاسقين الذي يغيرون معالم الحق وينشرون الباطل. (¬2) في نسخة: الكذابين. (¬3) قاصداً الكذب والافتراء. (¬4) فليأخذ مكانه: يحذر النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يقولوا كلاماً على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقله، ويطلب منهم البحث عن صحيحه، والتحري عن أقواله المنسوبة إليه، والاستضاءة بما محصه العلماء السابقون رضى الله عنهم، والحمد لله كتبهم مضبوطة معلومة كالشمس في رابعة النهار: أمثال الإمام البخاري، والإمام مسلم، وأبى داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه؛ والإمام مالك، وغيرهم ممن ضربوا بجرانه وأشاروا إلى قويه وضعيفه - رضى الله عنهم ونفعنا بهم وليضرب النبى صلى الله عليه وسلم بأيدٍ من حديد على أولئك الطغاة المتفقهين الجهلة الذين لا يتورعون متى ذكر كلام ينسبونه إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منها براء، ولينذرهم بدخول جهنم وبئس القرار، وليلجم أفواهم رجاء ألا يقولوا على النبى صلى الله عليه وسلم إلا الحق، ويؤكد صلى الله عليه وسلم أن الكذب عليه مضر، وعاقبته وخيمة، وعقابه مضاعف، وليس ككذب على غيره صلى الله عليه وسلم لأنه معصوم من الأخطاء، ولا ينطق عن الهوى، ومشرع وناشر حكمة الله تعالى.

الترغيب في مجالسة العلماء

الترغيب في مجالسة العلماء 1 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا (¬1). قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال مجالس العلم. رواه الطبراني في الكبير، وفيه راوٍ لم يسمّ. 2 - وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لقمان (¬2) قال لابنه يا بنى: عليك بمجالسة العلماء، واسمع كلام الحكماء (¬3) فإن الله لَيُحي القلب الميت بنور الحكمة كما يحيى الأرض الميتة بوابل المطر. رواه الطبراني في الكبير من طريق عبيد الله بن زحر عن علىّ بن يزيد عن القاسم، وقد حسنها الترمذي لغير هذا المتن، ولعله موقوف، والله أعلم. 3 - وعن ابن عباس قال: قيل يا رسول الله أيُّ جُلسائنا خير؟ قال: من ذكركم الله رُؤْيته (¬4)، وزاد في علمكم منطقه (¬5) وذكركم بالآخرة عمله (¬6) رواه أبو يعلى، ورواته، رواة الصحيح إلا مبارك بن حسان. ¬

(¬1) فاجلسوا. (¬2) لقمان حكيم، وليس بنبي باتفاق الجمهور، وهو من أسرة إبراهيم الخليل عليه السلام وكان يوازر سيدنا داود، وسئل فيم بلغت الحكمة؟ قال بصدق الحديث: وأداء الأمانة، وترك مالا يعنينى، وفي تفسير الجلالين. وكان يفتى قبل بعثة داود، وأدرك بعثته، وأخذ عنه العلم، وترك الفتيا، وقال في ذلك. ألا أكتفى إذا كفيت، وقيل له. أي الناس شر؟ قال الذي لا يبالى إن رآه الناس مسيئاً، أهـ. فأنت ترى لقمان يوصى ابنه أن يحادث العلماء، ويصاحبهم، ويلتقط دررهم، ويتفقه في دينه ليأمن الزلل، ويشرق قلبه بنور العلم والعمل، وينطق لسانه بإصابة القول، ويستكمل النفس الإنسانية بالمحامد، واقتباس العلوم النظرية، واكتساب الملكة التامة لإيجاد الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها ويحيا حياة طيبة كما يحيى الغيث الأرض المجدية فتثمر، والله أعلم. (¬3) الحكيم الذي يحكم الأشياء ويتقنها - وقيل ذو الحكمة، والحكمة: عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها حكيم، والحكم: العلم والفقه والقضاء بالعدل. (¬4) أي من إذا رأيتموه نطق لسانكم بذكر الله، وتسبيحه، وتحميده، وتمجيده، وذلك لصلاحه، وورعه وتقواه، قد وضع الله الهيبة في قلب من أبصره، وإن لطاعة الله روعة وأنوارا يراها العارفون بالله. وقد قال تعالى في وصف الصالحين: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجداً يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم (1) في وجوههم من أثر السجود). (¬5) أي قوله فقكم إلى أمور الدين، وبدائع الشريعة. (¬6) أعمال ذلك الجليس ترشدكم إلى يوم القيامة الذي يحتاج إلى زاد، فلا بد من استغفار وصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وذكره سبحانه وتعالى، والمحافظة على الأوامر، واجتناب المناهى، واستماع القرآن، والعمل به، وهكذا يكون الجليس قدوة صالحة، وأسوة حسنة رجاء الفوز بجنات النعيم، والفلاح، والرباح.

الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهم، والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم 1 - عن جابر رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد (¬1) (يعنى في القبر) ثم يقول: أُيهما أكثر أخذاً للقرآن، فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد. رواه البخاري. 2 - وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن (¬2) من إجلال الله إكرام ذى الشيبة (¬3) المسلم، وحامل القرآن غير الغالى (¬4) فيه، ولا الجافى عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود. 3 - وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البركة (¬5) مع أكابركم. رواه الطبراني في الأوسط والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم. 4 - وعنه عن النبى صلى الله عليه وسلم: قال: ليس منا (¬6) من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر. رواه أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه. 5 - وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق (¬7) كبيرنا. رواه الحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم. ¬

(¬1) حارب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في غزوة أحد سنة ثلاث هـ: 625 م، وإذا أن يدفن اثنين يقدم الذي تفقه وأخذ جزءا أكثر من القرآن - فهذا يدل على واجب إكرام أهل الفضل واحترامهم. (¬2) في نسخة: حذف إن. (¬3) تعظيم صاحب الشيبة الهرم الوقور من طاعة الله، وكذا حامل القرآن المخلص لله غير المتشدد فيه أو المعرض عنه، وكذا صاحب الكلمة النافذة العادل الوالي (¬4) المغالي والمجافى، وغلا في الأمر: تشدد فيه، وجاوز الحد كما قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو في الدين) وإن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق) قال في النهاية. قيل البحث عن بواطن الأشياء، والكشف عن عللها، وغوامض متعبداتها، ومنه الحديث (وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافى عنه) إنما قال ذلك لأن من أخلاقه وآدابه التي أمر بها القصد في الأمور، وخير الأمور أوساطها - كلا طرفى قصد الأمور ذميم - أهـ. (¬5) الخير والفضل مع من طال عمرهم وحسن عملهم وكانوا قدوة حسنة. (¬6) على طريقتنا الكاملة، وعلى ملتنا السمحاء، وديننا القويم. (¬7) واجبه.

6 - وعن عُبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس من أُمتى (¬1) من لم يُجلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا (¬2). رواه أحمد باسناد حسن، والطبراني والحاكم إلا أنه قال: ليس منا. 7 - وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويُجلَّ (¬3) كبيرنا. رواه الطبراني من رواية ابن شهاب عن واثلة، ولم يسمع منه. 8 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا، رواه الترمذي وأبو داود إلا أنه قال: ويعرف حق كبيرنا. 9 - وروى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة (¬4) والوقار (¬5)، وتواضعوا (¬6) لمن تعلمون منه. رواه الطبراني في الأوسط. 10 - وعن سهل بن سعدٍ الساعدىِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم لا يدُركنى زمان، أو قال: لا تُدركوا زماناً لا يُتبعُ فيه العليم (¬7)، ولا يُستحيا (¬8) فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم (¬9) وألسنتهم ألسنة العرب (¬10). رواه أحمد، وفى إسناده ابن لهيعة. ¬

(¬1) أمة الإسلام المتخلقة بآداب الرسول صلى الله عليه وسلم. (¬2) واجب إكرامه. (¬3) ويحترم ويكرم. (¬4) الهدوء، والتواضع، واطمئنان النفس. (¬5) الهيبة، والكمال، والاستقامة. (¬6) تذللوا لمن تتعلمون منه، وأطيعوه، وعظموه، ولا تتكبروا عليه. (¬7) أعوذ من زمن فيه يعرض الناس عن العالم الفقيه. (¬8) لا يخجل الناس من معاكسة الحليم، وتسفيه رايه وهو صبور على كيدهم محتمل أذاهم حياء من الله جلا وعلا. (¬9) قلوب أولئك الجهلة الفسقة مظلمة خالية من خوف الله بعيدة عن العلم الصحيح الذى يدعو إلى التحلي بالآداب. (¬10) ألسنة أولئك الزنادقة فصيحة ذرية تزين الكلام، وتخدع القلوب، وتجعل الباطل حقا، والظلام نورا وأن النبى صلى الله عليه وسلم طلب من ربه سبحانه وتعالى ألا يلحقه زمن هؤلاء المجرمين الذين لا ينتفعون بالعلم والعلماء ولا يسمعون نصائحهم، ولا يهتدون بهديهم، ولا يخشون الحليم لحلمه - أو طلب أن أصحابه لا يعاصرون أولئك الأشرار المجادلين بلا حق.

الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى

11 - وعن أبي أُمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث لا يستخفُّ (¬1) بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم، وإمام مقسط (¬2). رواه الطبراني في الكبير من طريق عبيد الله بن زحر بن يزيد عن القاسم، وقد حسنها الترمذي لغير هذا المتن. 12 - وعن عبد الله بن بُسْرٍ رضى الله عنه قال: لقد سمعت حديثا منذ زمان: إذا كنت في قوم عشرين رجلا أو أقل أو أكثر فتصفحت وجوهم فلم تر فيهم رجلا يُهَابُ (¬3) في الله عز وجل فاعلم أن الأمر قد رق (¬4). رواه أحمد والطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 13 - وروى عن أبي مالك الأشعرى أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: لا أخاف على أُمتى إلا ثلاث خلال أن يُكثر لهم (¬5) من الدنيا فيتحاسدوا (¬6)، وأن يفتح لهم الكتاب (¬7) يأخذه المؤمن من يبتغى تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولوا الألباب (¬8). وأن يروْ ذا علمٍ (¬9) فَيُضَيِعُوهُ ولا يُبَالُوا. رواه الطبراني في الكبير. الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى 1 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلم علما مما يُبتغى (¬10) به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب (¬11) به عرضاً من الدنيا لم يجد (¬12) عرف الجنة يوم القيامة، يعنى ريحها. رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم، وتقدم حديث أبى هريرة في أول باب الرّياء: وفيه رجلٌ (¬13) تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأُتى به فعرَّفه نعمه فعرفها. قال فما عملت فيها؟ ¬

(¬1) لا يستهزئ. (¬2) عادل. (¬3) يحترمه الناس لعلمه وصلاحه حبا في ثواب الله عز وجل. (¬4) أي العمل بالدين قد ضعف، وقل الصلاح، وساد الفساد فاجتنب مجلسهم. (¬5) تكثر خيرات الدنيا لهم. (¬6) فيتمنوا زوال نعم بعضهم ويتباغضوا. (¬7) أي يتناول الجهلة تفسير القرآن ويتصدوا لشرحه. (¬8) أصحاب العقول الكاملة الذين ثبتت عقائدهم في الله لله. (¬9) صاحب علم برع في فهم القرآن والسنة فلا يتقربوا إليه ليتعلموا، ويتغذوا بلبان معارفه وفقهه، ولا يحافظون على مودته. هنا حذف النون والفاء عاطفة ولكن في نسختين مخطوطتين. فيتحاسدوا، فيضيعونه ولا يبالون. (¬10) يطلب ثواب الله تعالى. (¬11) لينال شيئا من حطام الدنيا الفاني. (¬12) لم يشم. (¬13) في نسخة: ورجل.

قال تعلمت العلم وعلمته، وقرأتُ فيك القرآن. قال كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن (¬1) ليقال هو قارئٌ، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النَّار، الحديث. رواه مسلم وغيره. الترهيب من طلب العلم لغير الله تعالى رياء 2 - ورُوِى عن كعب بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من طلب العلم ليُجارى (¬2) به العلماء أو لِيُمارِىَ (¬3) به السفهاء، ويصرف (¬4) به وجوه الناس إليه أدخله الله النار (¬5). رواه الترمذي، واللفظ له، وابن أبى الدنيا في كتاب الصمت وغيره، والحاكم شاهداً والبيهقى، وقال الترمذي: حديث غريب. 3 - وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعلَّموا العلم لتباهُوا به العلماء، ولا تماروا به السفهاء، ولا تخيرُوا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار. رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي كلهم من رواية يحي بن أيوب الغافقي عن ابن جريح عن أبي الزبير عنه، ويحي هذا ثقة احتج به الشيخان وغيرهما، ولا يلتفت إلى من شذ فيه، ورواه ابن ماجه أيضاً بنحو من حديث حذيفة. 4 - وروى عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم: من طلب العلم ليباهى به العلماء، ويمارى به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار. رواه ابن ماجه. 5 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعلم العلم لُيباهي به العلماء، ويُمارى به السفهاء ويصرف به وجوه الناس أدخله الله جهنم. رواه ابن ماجه أيضاً. 6 - وعن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من تعلم علماً لغير الله، ¬

(¬1) في نسختين: حذفها. (¬2) ليجري مع العلماء، ويتظاهر، ويحب إذاعة الصيت بعلمه، وهو لا يعمل. (¬3) يجادل ويخاصم مع السفسطة، ومنه قول الشاعر: (ولا تمار سفيها في محاورة). (¬4) يحول ويوجه ألسنة الناس إليه ليلهجوا بذكره، ويتحدثوا بشقشقة لسانه، وقوة بيانه. (¬5) لأنه يقول ولا يفعل. إن النبى صلى الله عليه وسلم يتوعد بالنار ذلك العالم الذى اتخذ العلم آله نصب واحتيال، وجمع المال واستعمله في الرياء، والنفاق، والخداع، والمباهاة، وجدال الحمقى بلا إقناع للحق، ولا كشف غامض وإزالة مبهم في أمور الدين: وويل لمن يتخير المجالس فيختار الأغنياء ويهجر الفقراء.

أو أراد به غير الله فليتبوَّأ (¬1) مقعده من النار. رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما عن خالد ابن دريك عن ابن عمر ولم يسمع منه، ورجال إسنادهما ثقات. 7 - وعن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن ناساً من أُمتى سيتفقهون في الدين يقرءون القرآن يقولون نأتي الأُمراء فنصيب من دنياهم ونعتزُّ لهم بديننا، ولا يكون ذلك كما لا يُجتنى من القتاد إلا الشوك كذلك لا يُجتنى من قربهم إلا (قال ابن الصباح كأنه يعنى) الخطايا (¬2). رواه ابن ماجه، ورواته ثقات. 8 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعلم صرف (¬3) الكلام ليَسْبِيَ (¬4) به قلوب الرجال، أو الناس لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً (¬5) ولا عدلا (¬6) رواه أبو داود. (قال الحافظ) ويشبه أن يكون فيه انقطاع فان الضحاك بن شرحبيل ذكره البخاري وابن ابى حاتم ولم يذكروا له رواية عن الصحابة، والله أعلم. 9 - وعن أبن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كيف بكم إذا لبستكم فتنة (¬7) يربو (¬8) فيها الصغير، ويهرم (¬9) فيها الكبير، وتتخذ سنة (¬10)، فإن غيرت يوما، قيل هذا منكر (¬11). قال ومتى ذلك؟ قال إذا قلت أُمناؤُكُمْ، وكثرت أمراؤُكم، وقَلَّت فقهاءُكم، وكثرت قُرَّاؤُكُمْ، وتفقه (¬12) لغير الدين، والتمست ¬

(¬1) فليأخذ: أي علمه جلب عليه العذاب لأنه لم يخش الله في تعليمه واشتري به عرض الدنيا. (¬2) يشير صلى الله عليه وسلم إلى من تعلم لينال مركزا عند الحكام، ويكسب منهم مالا، أو جاها، ثم قال صلى الله عليه وسلم لا يكون ذلك لأن هذا الحطام (مهما كثر) فإن، بل لا يجتنى خير من قربهم كما لا يجتنى من شجر القتاد إلا الشوك ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن قربهم سبب كثرة الذنوب. (¬3) تزيينه بالزيادة فيه. (¬4) ليأسر. (¬5) توبة وحيلة أو نافلة. (¬6) فدية أو فرضاً، أي لا يقبل الله منه فرضا أو نفلا. (¬7) أمور تخالف الدين. (¬8) ينمو. (¬9) تكبر سنه. (¬10) طريقا ينهج عليها الجمهور ويتبعها المسلمون، وهي تخالف الشرع. (¬11) إن وضح الحق فيها وقيض الله لها من يزيلها أجاب الناس أن هذا منكر - مع أنهم في ضلال وباطل، والعدل تغييرها ليرضى الله ورسوله، ثم أرشد صلى الله عليه وسلم إلى زمن وجود هذه الفتن والمحن، إذا قل أمناء العلم العاملون، وعمت الخيانة والجهالة، وقل الفقهاء الذين يفهمون أسرار دين الله وينطقون بالحق ولا يخشون غير الله، ويزيلون المنكر ويغضبون للحق، وكثر حاملو القرآن غير العاملين بأوامره الذين لا ينتفعون به ويقرءونه في مواطن الشبه، وأماكن الفسق، ومجالس اللهو واللعب. (¬12) أصبح تعليم الفقه لغير الدين، ولغير العمل به، بل يتخذ سخرية وجدالا، ويطلب للوظائف، ويكون المتصفون بالعلم أسبق الناس إلى هدم مبادئه، وأسرع الناس إلى المعاصى، وهناك تزول الثقة بين العالم، ومن يريد أن يتعلم وتتصف القيادة بالضعف والخمول والشك.

الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

الدنيا بعمل الآخرة (¬1). رواه عبد الرزاق في كتابه موقوفاً. 10 - وعن عليٍ رضى الله عنه أنه ذكر فتناً تكون في آخر الزمان، فقال له عمر متى ذلك يا علىُّ؟ قال إذا تُفُقِّهَ لغير الدين، وتُعُلِّمَ لغير العمل، والتمست الدنيا بعمل الآخرة. رواه عبد الرزاق أيضاً في كتابه موقوفاً، وتقدم حديث ابن عباس المرفوع وفيه: ورجلٌ آتاه الله علماً فبخل به عن عباد الله، وأخذ عليه طمعاً، وشرى به ثمناً فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من نارٍ، وينادى منادٍ هذا الذي آتاه الله علما فبخل به عن عباد الله، وأخذ عليه طمعاً، واشترى به ثمنا وكذلك حتى يفرغ الحساب. الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير. خير ما يخلف الرجل الخ 1 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مما يلحق المؤمنين من عمله وحسناته بعد موته علماً علمهُ ونشره وولدا صالحا (¬2) تركه، أو مصحفاً ورثه أو مسجداً بناهُ، أو بيتاً لابن سبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته. رواه ابن ماجه باسناد حسن والبيهقى، ورواه ابن خزيمة في صحيحه بنحوه. 2 - وعن قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير ما يخلف الرجل من بعد ثلاث: ولدٌ صالح يدعو له، وصدقة تجرى يبلغه أجرها، وعلم يُعمل به من بعده. رواه ابن ماجه باسناد صحيح، وتقدم حديث أبى هريرة: إذا مات ¬

(¬1) يتزيا طالبوا الدنيا بالصلاح والتقوى، وينادون بالارشاد إلى العمل الصالح، رجاء كسب المال من وجوه الخداع والمكر والغش. يريد النبى صلى الله عليه وسلم أن يرهب العلماء حتى تتجه سفينة التعليم لوجه الله، فلا جدال يضيع حقا، ولا شره، ولا جشع في الكد في الدنيا، فالمال زائل ولا رياء في تعليمه، رجاء حسن الثواب، ولأجل أن يسلم العالم من العذاب، يتقى الله في إرشاده ويعمل بقوله وينصح الأمراء والحكام ويدعوهم إلى العمل الصالح، ولا يميل إلى هداياهم؛ ولا يتقرب إليهم إلا بمقدار العظة والاعتبار. فالعلم لا يقف على أبواب السلاطين، بل الملوك تلجأ إلى أبواب العلماء، ويرشد النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى اتباع الكتاب والسنة، خشية أن يسود الجهل وتعمم الفوضى، فيأتى زمان يعد الناس القبيح حسنا والباطل حقا، ولا يجد أهل الحق نصيرا، والله أعلم. (¬2) أرى من هذا الوصف (صالحا) أن بر الوالدين وإكرامهما والدعاء لهما سبب الهداية وعنوان الصلاح والفلاح ومعين التقوى.

ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم. 3 - وروى عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصدَّق الناس بصدقة مثل علم ينشر (¬1). رواه الطبراني في الكبير وغيره. 4 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم العطية كلمة حق (¬2) تسمعها، ثم تحملها إلى أخ لك مسلم فَتُعَلِّمُهَا إياهُ. رواه الطبراني في الكبير، ويشبه أن يكون موقوفاً. ما تصدق الناس بصدقة مثل علم ينشر، والأجود، وأربعة باقية الأجر 5 - وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أُخبركم عن الأجود الأجود (¬3)، الله الأجود الأجود، وأنا أجودُ ولد آدم، وأجودكم من بعدى رجلٌ عَلَّمَ عِلماً فنشر علمه يبعث يوم القيامة أمة وحده، ورجل جاد (¬4) بنفسه لله عز وجل حتى يقتل. رواه أبو يعلى والبيهقى. 6 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل ينعش لسانه حقا يُعملُ به بعده إلا جرى له أجره إلى يوم القيامة، ثم وفاهُ الله ثوابه يوم القيامة. رواه أحمد باسناد فيه نظر، لكن الأصول تعضده. (قوله ينعش) أي يقول ويذكر. 7 - وروى عن أبي أُمامه رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعة تجرى عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مرابطاً (¬5) في سبيل الله، ورجل علم علماً فأجره يجرى عليه ما عُمِلَ به، ورجل أجرى صدقة فأَجْرُهَا له ما جرت، ورجل ترك ولداً صالحا يدعوا له. رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، وهو صحيح مفرقاً من حديث غير ما واحد من الصحابة رضي الله عنهم. ¬

(¬1) سواء أكان العلم بطريق الإرشاد والوعظ أو بطريق التأليف والنشر. (¬2) مسألة علم، أو حكمة، أو كلمة خير وبر يستفيد منها أخوك المسلم. (¬3) الأخير الأفضل الذي بذل قصاري جهده في تعليم العلم النافع الموصل إلى رضوان الله، وأمة أي فردا محترما مبجلا مضاعف الثواب، والله الأكرم. (¬4) يحارب في سبيل نصر دين الله، لأنه نصر الحق، ورفع لواء العدل، وهدي إلى الصواب، وأزال الشبه والإبهام. (¬5) مقيما في مكان الغزو ليحارب في سبيل رفعة الدين.

فصل: في بيان أن الدال على الخير كفاعله

فصل 8 - وعن أبي مسعود البدرى أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم ليستحمله (¬1) فقال: إنه قد أُبدع بى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائت فُلاناً فأتاهُ فحمله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دلَّ على خير فله مثل أجرِ فاعله، أو قال: عامله. رواه مسلم وأبو داود والترمذي. (قوله) أبدع بي: هو بضم الهمزة وكسر الدال: يعنى ظلعت ركابى، يقال أبداع به إذا كلت ركابه أو عطبت وبقى منقطعاً به. 9 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتى رجُلٌ النبى صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: ما عندى ما أُعطيكهُ، ولكن أئتِ فلانا فأَتى الرجل (¬2) فأعطاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل اجر فاعله، أو عامله. رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه البزار مختصراً: الدالُ على الخير كفاعله، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث سهل بن سعد. 10 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الدالُ على الخير كفاعله، والله يُحب إغاثة اللهفان (¬3). رواه البزار من رواية زياد بن عبد الله النميرى وقد وثق، وله شواهد. 11 - وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هُدىً كان له من الأجر مثلُ أُجُور من تبعهُ لا ينقص ذلك من أُجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً. رواه مسلم وغيره، وتقدم وهو وغيره في باب البداءة بالخير. ¬

(¬1) ليطلب حمله بأن يركب دابة. (¬2) قصد الرجل فلانا فأركبه. (¬3) المستغيث: الذى وقع في مصيبة. يريد النبى صلى الله عليه وسلم أن يحث على إذاعة العلم، والإرشاد إلى عمل الخير ليجد الإنسان بعد موته كنزا باقيا من الثواب الخالد، والنعيم المقيم، ويدعو العلماء إلى تدوين بحوثهم، ونشر علومهم بالكتب ليعم نفعها، ويعظم أثرها مدى الحياة وبعدها، ويرغب في بذل النصيحة، والاستشارة، والأمر بالمعروف، والدلالة على الخير.

الترهيب من كتم العلم

12 - وعن علىٍ رضي الله عنه في قول تعالى: (قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً) قال عَلَّمُوا أهليكم الخيرَ. رواه الحاكم موقوفاً وقال صحيح على شرطهما. الترهيب من كتم العلم 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علمٍ فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نارٍ. رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي، ورواه الحاكم بنحوه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجَاه. وفي رواية لابن ماجه قال: ما من رجلٍ يحفظ علماً فيكتُمهُ إلا أتى يوم القيامة ملجوما بلجامٍ من نارٍ. 2 - وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كتم علماً (¬1) ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نارٍ. رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم، وقاف صحيح لا غبار عليه. 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سُئل عن علمٍ فكتمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نارٍ، ومن قال في القرآن بغير (¬2) ما يعلم جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نارٍ رواه أبو يعلى، ورواته ثقات محتج بهم في الصحيح، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط بسند جيد بالشطر الأول فقط. 4 - وروى عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كتم علماً مما ينفع الله به (¬3) الناس في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار رواه ابن ماجه. (قال الحافظ) وقد روى هذا الحديث دون قوله مما ينفع الله به عن جماعة من الصحابة غير من ذكر: منهم جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن مسعود، وعمرو بن عبسة، وعلى بن طلق وغيرهم. ¬

(¬1) لم ينشره للناس عذب بوضع لجام من نار فى فمه. (¬2) أوله بغير علم، وتجرأ على تفسيره، وهو جاهل لا يفقه. (¬3) من كل علم ينفع الناس في دينهم ودنياهم. كمسائل الفقه، وأمور الشرع والمعاملة.

ذم كاتم العلم وتشديد العقوبة على من لم يتعلم 5 - وروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا لعن (¬1) آخرُ هذه الأمة أوَّلها فمن كتم حديثاً فقد كتم ما أنزل الله (¬2). رواه ابن ماجه وفيه انقطاع، والله أعلم. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثل الذى يتعلم العلم ثم لا يُحدثُ به كمثل الذي يكنز الكنز ثم لا ينفق منه (¬3)، رواه الطبراني في الأوسط، وفي إسناده ابن لهيعة. 7 - وعن علقمة بن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن جدِّهِ قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأثنى على طوائف من المسلمين خيراً، ثمَّ قال: ما بال (¬4) أقوامٍ لا يفقهون جيرانهم، ولا يُعلمونهم، ولا يعظونهم، ولا يأمرونهم ولا ينهونهم، وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم، ولا يتفقهون، ولا يتعظون. والله ليُعلِّمَنَّ قوم جيرانهم، ويفقهونهم، ويعظونهم، ويأمرونهم، وينهونهم وليتعلمن قومٌ من جيرانهم، ويتفقهون، ويتعظون أو لأُعاجلنهم العقوبة، ثم نزل فقال: قوم من ترونه عني (¬5) بهؤلاء؟ قال: الأشعريين هم قوم فقهاء، ولهم جيران جفاةٌ من أهل المياه (¬6) والأعراب (¬7) فبلغ ذلك الأشعريين، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله: ذكرت قوماً بخيرٍ، وذكرتنا بشرٍّ فما بالُنا؟ فقال لَيُعَلَّمَنَّ قومٌ جيرانهم، وليعظنهم، وليأمرونهم، ولينهونهم، وليتعلمن قومٌ من جيرانهم ويتعظون ويتفقهون أوْ لأُعاجِلَّنُهمُ العقوبة في الدنيا، فقالوا يا رسول الله: أَنُفَطِّنُ (¬8) غيرنا فأعاد قوله عليهم فأعادوا قولهم: أَنُفَطِّنُ غيرنا. فقال ذلك أيضاً، فقالوا أَمهِلنا (¬9) سنة فأمهلهم ¬

(¬1) إذا أساء وذم آخر هذه الأمة بأن عصوا الله، وزاد فسقهم وطغيانهم. وبلغت الجرأة بذم السلف الصالح. (¬2) من الحق، وهنا يجب إرشاد العلماء ورد السفهاء؛ وبذلك العلم الصحيح لترجع الغواة المنافقون، والكتمان هنا كبيرة. (¬3) يشبه النبى صلى الله عليه وسلم العالم الذى لا يعلم الناس كالكنز الذي لا يتمتع بالإنفاق منه. وفيه الدعوة إلى التعليم. (¬4) ماشأن. (¬5) قصد وأراد. (¬6) رواد الأرض الخصبة. (¬7) سكان البادية. (¬8) أنفهم ونوقظ. (¬9) أعطنا مهلة: سبب الإمهال أن يفقهوهم: أي والله إن أمهلوا سنة لقاموا بالإفهام، وأجابوا داعى الرسول صلى الله عليه وسلم - فالام هنا للقسم. ينذر صلى الله عليه وسلم الأشعريين، ويوعدهم بالعذاب إن لم يفقهوا جيرانهم كما أنه أوعد هؤلاء الجيران أن يذهبوا إلى العلماء ليتعلموا، وإلا وقع عليهم العذاب الأليم. =

سنة لِيُفَقِّهُوهُم، ويعَلِّمُوهُمْ، وَيعظُوهمْ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: لَعِنَ الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) الآية. رواه الطبراني في الكبير عن بكير بن معروف عن علقمة. ما جاء في ذم كاتم العلم وعدم النصيحة خيانة 8 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: تناصحُوا (¬1) في العلم فإن خيانة أحدكم في علمه أشد من خيانته في ماله، وإن الله مُسائلُكُم. رواه الطبراني في الكبير أيضاً، ورواته ثقات إلا أن أبا سعيد البقال، واسمه سعيد بن المرزبان فيه خلاف يأتى. ¬

= ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى (لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) أي لعنهم الله في الزبور والإنجيل على لسانهما؛ وقيل إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت لعنهم الله تعالى على لسان داود، فمسخهم الله تعالى قردة. وأصحاب المائدة لما كفروا دعا عيسى عليه السلام عليهم ولعنهم فأصبحوا خنازير، وكانوا خمسة آلاف رجل، قال تعالى يبين سبب هذا العقاب: (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون). أي لا ينهى بعضهم بعضا عن معادوة منكر فعلوه - فالله الله أيها العلماء إن عليكم حقوق الجار أن تعلموا جيرانكم، وتعهدوا عملهم رجاء أن يوافق الشرع عسى الله أن يرحمنا، ويزيل وعنا الأذى، وقال تعالى في سورة البقرة في الترهيب من كتمان العلم. (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم ولعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) وإن الله يرشد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين، وكذا من اتبعه في سورة يوسف: (قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين) ويهدد سبحانه العلماء المقصرين في الوعظ في سورة البقرة بقوله تبارك وتعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفى شقاق بعيد) وقال تعالى في سورة آل عمران (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون) وقال تعالى في سورة النحل: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين الناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون). فهذا تصريح بمعاقبة العلماء إن لم يقوموا بواجب النصح والإرشاد، بل أمر جل شأنه السيدات المهذبات العالمات أن يقمن بالتذكير. (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة وإن الحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) من سورة الأحزاب. إن أكثر المصائب التى أحاطت بالمسلمين من جراء المعاصى، وضياع حقوق الله، من زكاة من صلاة، من صيام، من حج، من أوامر أهملت، وبدع نشرت - فمتى يرجع المسلمون إلى ربهم ويعلمون عملا صالحا - إن أمامهم القرآن والسنة، وقد تبين الرشد من الغى، فلا عذر لجاهل، أو مقصر - كل شاة برجلها معلقة. (¬1) بذلوا النصيحة فيرشد العالم الجاهل ويهديه إلى الحق، وإن إنكار الإرشاد خيانة أشد من العقاب من سرقة المال. نسأل الله السلامة، وفيه حث الزراع، والصانع، والتاجر، والسيدة على بذلك النصيحة، وذكر ما يعلم من طرق الخير لأخيه المسلم والمسلمة. قال تعالى. (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).

الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه، ويقول ولا يفعله

الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله 1 - عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إنى أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعوةٍ لايستجاب لها. رواه مسلم والترمذي والنسائي، وهو قطعة من حديث. 2 - وعن أُسامة بن زيدٍ رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يُجاء (¬1) بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلقُ أقتَابُهُ (¬2) فيدورها كما يدور الحمارُ برحاهُ، فتجتمع أهل النار عليه فيقولون: يا فلان ما شأنُكَ، ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه. وأنهاكم عن الشر وآتيه. قال وإنى سمعته يقول: يعنى النبى صلى الله عليه وسلم مررت ليلة أسرى بى بأقوام تقرض شفاهُهُم بمقاريض (¬3) من نار، قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قالك خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون. رواه البخاري ومسلم واللفظ له، ورواه ابن أبى الدنيا وابن حبان والبيهقى من حديث أنس، وزاد أبى الدنيا والبيهقى في رواية لهما. ويقرءُون كتاب الله ولا يعملون به. (قال الحافظ) وسيأتى أحاديث نحوه في باب من أمر بمعروف أو نهى عن منكر وخالف قوله فعله. 3 - وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الزبانية أسرع إلى فسقة القُرَّاء (¬4) منهم إلى عبدة الأوثان، فيقولون يُبدأُ بنا قبل عبدة الأوثان؟ فيقال لهم ليس من يعلم كمن لا يعلم. رواه الطبراني وأبو نعيم، وقال غريب من حديث أبى طوالة، تفرّد به العمرى عنه، يعنى: عبد الله بن عمر بن عبد العزيز الزاهد. (قال الحافظ) رحمه الله: ولهذا الحديث من غرابته شواهد، وهو حديث أبى هريرة: الصحيح: إن أوَّل من يدعو الله يوم القيامة رجلا جمع القرآن ليقال قارئٌ. وفي آخره ¬

(¬1) يحضر زبانية جهنم العالم غير العامل. (¬2) أمعاؤه تخرج من بطنه؛ ويمر عليها كما يدور الحمار برحاه، ويراه أهل المحشر لفضيحته والاستهزاء به. (¬3) آلات القرض والقطع. (¬4) قراء القرآن غير العاملين به وكذا العلماء.

أُولئك الثلاثة: أولُ خلق الله تُسعَرُ (¬1) بهم النارُ يوم القيامة. وتقدم لفظ الحديث تمامه في الرياء. 4 - وروى عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما آمن (¬2) بالقرآن من استحل محارمه. رواه الترمذي، وقال هذا حديث غريب ليس إسناده بالقوى. سؤال العبد في المحشر عن أربعة 5 - وعن أبي بَرْزَةَ الأسلمى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزُولُ قدما عبدٍ (¬3) حتى يُسأل عن عُمره فيم أفناه (¬4)، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه (¬5) وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه؟ (¬6). رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، ورواه البيهقى وغيره من حديث معاذ بن جبل عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما تزال قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عُمره فيما أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه؟. 6 - وعن ابن مسعود رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يزولُ قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس: عن عُمره فيم أفناهُ، وعن شبابه فيم أبلاهُ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وما عمل فيما علم؟. رواه الترمذي أيضاً والبيهقي، وقال الترمذي حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا من حديث حسين بن قيس. (قال الحافظ) حسين هذا: هو حنش، وقد وثقه حصين بن نمير، وضعفه غيره، وهذا الحديث حسن في المتابعات إذا أضيف إلى ما قبله، والله أعلم. 7 - وروى عن الوليد بن عقبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أُناساً من أهل الجنة ينطلقون إلى أُناس من أهل الناس، فيقولون بم دخلتم النار؟ فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم، فيقولون: إنا كنا نقول ولا نفعل. رواه الطبراني في الكبير. 8 - وعن مالك بن دينارٍ عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) توقد وتشعل. (¬2) صدق، نفى صلى الله عليه وسلم الإيمان عن ذلك الفاسق الذى أباح ما حرم الله في القرآن. (¬3) يقف في المحشر. (¬4) في أي شيء أذهبه (¬5) من أي مكان جمعه. (¬6) أذهب قوته.

ما من عبدٍ يخطب خطبة إلاَّ الله عز وجل سائله عنها (¬1) أظُنُّهُ قال: ما أراد بها. قال جعفر كان مالك بن دينار إذا حدّث بهذا الحديث بكى حتى ينقطع، ثم يقول: تحسبون أن عينى تقرُّ بكلامي عليكم، وأنا أعلم أن الله عز وجل سائلى عنه يوم القيامة ما أردت به؟ (¬2) رواه ابن أبى الدنيا والبيهقي مرسلاً باسناد جيد. من لم ينفعه علمه ضره جهله - شرار العلماء 9 - وعن لقمان يعنى ابن عامر قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعونى على رُءوس الخلائق فيقول لى يا عُويمر، فأقول لبيك (¬3) رب، فيقول ما عملت (¬4) فيما علمت؟. رواه البيهقي. 10 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: تعرضتُ أو تصديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت، فقلت يا رسول الله: أىُّ الناس شرٌّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم (¬5) غفراً، سل عن الخير، ولا تسأل عن الشر (¬6) شرار الناس، شرار العلماء في الناس. رواه البزار، وفيه الجليل بن مرة، وهو حديث غريب. 11 - وروى عن أبي برزة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الذي يُعَلِّمُ الناس الخير وينسى نفسه. مثل الفتيلة (¬7) تضيء على الناس وتحرق نفسها. رواه البزار. 12 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رُب حامل فقه غير فقيه، ومن لم ينفعه علمه ضره جهله، اقرإ القرآن مانهاك (¬8)، فإن لم ينهك فلست تقرؤهُ. رواه الطبراني في الكبير وفيه شهر بن حوشب. 13 - وعن جندب بن عبد الله الأزدى رضي الله عنه صاحب النبى صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثلُ الذى يُعَلِّمُ الناس الخير وينسى ¬

(¬1) هل عمل بجميع ما نصح به عباد الله في خطبته. (¬2) أي شيء قصدت بكلامك يا هذا. (¬3) إجابة بعد إجابة. (¬4) أي شيء عملته بعلمك. (¬5) يا رب استر ذنوبنا، اسأل عن الخير. (¬6) الأذى والضر، أي المجرمون الأشرار، أولئك العلماء الذين اتخذوا آلة نفاق، وشقاق، وإجرام وهم قوالون لا فعالون وعاصون فاسقون. (¬7) الذبالة: التي تغمس في الزيت لتضيء. (¬8) مدة نهيه إياك وأن تستفيد من وعظه.

نفسه كمثل السِّرَاجِ (¬1) يُضِيءُ للناس ويحرق نفسه، الحديث. رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن إن شاء الله تعالى. 14 - وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كُلُّ بُنيانٍ وبال (¬2) على صاحبه إلا ما كان هكذا، وأشار بكفه، وكل علمٍ وبال (¬3) على صاحبه إلا من عمل به. رواه الطبراني في الكبير أيضاً، وفيه هانئ بن المتوكل تكلم فيه ابن حبان. 15 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشدُّ الناس عذاباً يوم القيامة عالمٌ لم ينفعه علمه. رواه الطبراني في الصغير والبيهقي. 16 - وروى عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حَيٍّ من قيسٍ أُعلِّمُهُمْ شرائع الإسلام، فإذا قوم كأنهم الإبل الوحشية طامحةً أبصارهم ليس لهم هم إلا شاةٌ أو بعير، فانصرفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمار ما عملت؟ فقصصت عليه قصة القوم وأخبرته بما فيهم من السَّهْوَةِ (¬4)، فقال يا عمار ألا أُخبرك بأعجب منهم قومٌ علموا ما جهل أُولئك، ثم سهوا (¬5) كسهوهم رواه البزار والطبراني في الكبير. 17 - وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى لا أتخوف على أُمتى مؤمنا ولا مشركا: فأما المؤمن فيحجزه (¬6) إيمانه، وأما المشرك فيقمعه (¬7) كفره، ولكن أتخوف عليكم مُنافقا عالم اللسان، يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون. رواه الطبراني في الصغير والأوسط من راوية الحارث وهو الأعور وقد وثقه ابن حبان وغيره. 18 - وعن عمران بن حُصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخوف ما أخاف عليكم بعدى كل منافق (¬8) عليم اللسان. رواه الطبراني ¬

(¬1) المصباح. (¬2) شر: يريد النبي صلى الله عليه وسلم أنك تعمل على قدر الحاجة، فالزائد تسأل عن شكر هذه النعمة، فالقصور، وكثرة المال فتنة إن لم يقم صاحبها بواجب الإنفاق، والصدقات؛ ومساعدة مشروعات الخير. (¬3) ضر: يسأل الله عنه. (¬4) التقصير والغفلة. (¬5) نسوا وبعدوا عن الصالحات. (¬6) يمنعه الإيمان بالله عن الوقوع في المعاصى خشية من الله. (¬7) يزجره بضم الجيم وفتحها. (¬8) مذبذب: ومراء، وخداع، وكذاب استعمل العلم في النفاق، وكسب الحرام.

في الكبير والبزار، ورواته محتج بهم في الصحيح، ورواه أحمد من حديث عمر بن الخطاب. 19 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل لا يكون مؤمنا حتى يكون قلبه مع لسانه سواءً، ويكون لسانه مع قلبه سواءً ولايخالف قوله عمله، ويأمن جاره بوائقه (¬1) رواه الأصبهاني باسناد فيه نظر. ذم من علم ولم يعمل، والمؤمن وناسى العلم ونتن ريحه 20 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إنى لأحسب الرجل ينسى العلم كما تعلمه للخطيئة يعملها (¬2). رواه الطبراني موقوفاً من رواية القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله عن جده عبد الله ولم يسمع منه، ورواته ثقات. 21 - وعن منصور بن زادان قال: نُبئتُ (¬3) أن بعض من يُلقى في النار تتأذى أهل النار بريحه، فيقال له ويلك (¬4) ما كنت تعمل (¬5) ما يكفينا ما نحن فيه (¬6) من الشر حتى ابتُلينا بك، وبِنَتْن (¬7) ريحك؟ فيقول كنت عالما فلم أنتفع بعلمى. رواه أحمد والبيهقي. ¬

(¬1) ظلمه، وغشمه، ومصائبه ومكره. (¬2) أثناء فعل الخطيئة سحب الله منه نور العلم كما قال صلى الله عليه وسلم (لايزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن). (¬3) أخبرت. (¬4) عذاب لك وواد في جهنم للغر. (¬5) أي شئ تعمل. (¬6) أي الا يكفينا الذي نحن فيه أيها المغفل الذى لم يعمل بعمله. (¬7) شدة الرائحة الكريهة القذرة. فالحذر أيها المسلمون من القول بلا عمل، فالله رقيب، وعذابه مهين لمن ينصح الناس، وهو في حاجة إلى ناصح، قال الشاعر: يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا ... كيما يصح به وأنت سقيم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى ... بالعلم منك وينفع التعليم وهل يوجد عذاب أفضح، وأشنع يوم القيام على ملأ من الناس من خروج الأمعاء الدقاق والغلاظ ككومة يدور حولها ذلك العالم الثرثار القوال لا الفعال، ويدور بها دوران الحمار بالطاحون ويبكته أصحابه في الدنيا، فينطقه الله بذنبه توبيخاً له، ولا ينفع الندم، قال تعالى في سورة الصف: (يأيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) وقال تعالى تقريرا مع توبيخ غير العاملين (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) من سورة البقرة. والبر: التوسع في الخير، ولذا قيل: البر ثلاثة: بر في عبادة الله تعالى، وبر في مراعاة الأقارب، وبر في معاملة الأجانب. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في أحبار المدينة كانوا يأمرون سرا من نصحوه باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يتبعونه، وقيل كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدقون: وحكى الله تعالى عن سيدنا شعيب عليه السلام في سورة هو (وما أريد أن أخالقكم إلا ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت).

الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن 1 - عن أُبى بن كعب رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: قام موسى صلى الله عليه وسلم خطيباً في بنى إسرائيل فسُئل أيُّ الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه أن عبداً (¬1) من عبادى بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال يارب كيف به؟ فقيل له أحمل حُوتاً في مكتلٍ (¬2) فإذا فقدته فهو ثمَّ (¬3). فذكر الحديث في اجتماعه بالخضر على أن قال: فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ليس لهما سفينة، فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهما فعرف الخضر فحملوهما بغير نولٍ (¬4) فجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر (¬5) نقرةً أو نقرتين في البحر، فقال الخضر يا موسى: ما نقص علمى وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في هذا البحر. فذكر الحديث بطوله. وفي روايةٍ: بينما موسى يمشى في ملإِ من بنى إسرائيل إذ جاءه رجلٌ، فقال له: هل تعلم أحداً أعلم منكَ؟ قال موسى: لا، فأوحى الله إلى موسى بل عبدنا الخضر، فسأل موسى السبيل (¬6) إليه، الحديث. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 2 - وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يظهر الإسلام حتى تختلف التُّجَّارُ (¬7) في البحر، وحتى تخوض الخيل في سبيل الله (¬8)، ثم يظهر قوم يقرءُون القرآن يقولون من أقرأُ منا؟ (¬9). من أعلمُ منَّا. من أفقهُ منا؟ ثم قال لأصحابه: هل في أُولئك من خير؟ وقالوا: الله ورسوله أعلم. قال أولئك منكم من ¬

(¬1) الخضر عليه السلام. (¬2) شبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعا. (¬3) أي هناك. (¬4) أجر من نال له بالعطية من باب قال: وناله العطية، والنوال: العطاء. (¬5) نقر الطائر الحبة: التقطها، والمعنى أخذ جزاء يسيرا من ماء البحر. (¬6) طريق الوصول إليه ليتعلم من فيض علمه. (¬7) يسود الأمن، وينتشر السلام في ربوع المعمورة، فيذهب المسلمون مطمئنين أنى شاءوا في ظل الإسلام. (¬8) يعم الجهاد في سبيل نصر دين الله. (¬9) لا أحد أكثر منا قراءة، وفهما وعلماً، وفقهاً، في غرور الشيطان، وخداعه، وعدم خوف الله. إن هؤلاء المتفيهقين الذين أصابهم العجب حطب جهنم لأن المؤمن كلما كثر علمه زاد تقربا من الله، وخشية منه ونظر إلى مكمن تقصيره، فكمل نفسه، وأبصر خفايا عيوبه، فأزالها.

الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبة، والترغيب في تركه للمحق والمبطل

هذه الأمة وأُولئك هم وقود النار. رواه الطبراني في الأوسط والبزار باسناد لا بأس به، ورواه أبى يعلى والبزار والطبراني أيضاً من حديث العباس بن عبد المطلب. ظهور الاسلام - الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة الخ 3 - وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام ليلة بمكة من الليل فقال: اللهم هل بلغت (ثلاث مرات) فقام عمر بن الخطاب، وكان أوَّاهاً (¬1)، فقال: اللهم نعم (¬2)، وحرَّضْتَ وجهدت ونصحت، فقال: ليظهرنَّ الله الإيمان حتى يُرَدَّ الكفر إلى مواطنه، ولتخاضُّنَّ البحار بالإسلام (¬3)، وليأتين على الناس زمان يتعلمون فيه القرآن يتعلمونه ويقرءونه، ثم يقولون قد قرأنا وعلمنا، فمن ذا الذي هو خير منا، فهل في أُولئك من خيرٍ؟ قالوا يا رسول الله: من أُولئك؟ قال: أُولئك منكم، وأُولئك هم وقود النار. رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن إن شاء الله تعالى. 4 - وعن مجاهد عن ابن عمر رضى الله عنهما، لا أعلمه إلا عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قال إنى عالمُ، فهو جاهل. رواه الطبراني عن ليت، وهو ابن أبى سليم عنه وقال: لا يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. (قال الحافظ) وستأتى أحاديث تنتظم في سلك هذا الباب في الباب بعده إن شاء الله تعالى. الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبة والترغيب في تركه للمحق والمبطل 1 - عن أبي أمامه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ¬

(¬1) تواباً: كثير التأوه وهو الرجوع إلى الله والندم. (¬2) إنك قد بلغت يا رسول الله، وبذلت قصارى جهدك في الحث والتحريض، والجهاد: بالغ في الأمر وتكبد. (¬3) والله ليركبن المسلمون متن البحار، يخبر صلى الله عليه وسلم بتيسير الأمور للمسلمين، وتسهيل سبل الخير لهم، وتذليل الصعاب لهم برا وبحراً، ويحذر أن يأخذهم الطيش، والحمق، وتزيين الشيطان، فيغترون بما علموا، ويدعو العلماء إلى زيادة التكمل والتجمل، فما من كمال إلا وعند الله أكمل منه: (وفوق كل ذي علم عليم). وقد أمر سبحانه وتعالى نبيه: (وقل رب زدنى علما): فهل تعاهدني يا أخى على التواضع، وتذليل النفس، واستراضتها على طلب العلم، وقراءة القرآن، ونترك الزهور والعجب، ونتقى الله جل جلاله، قال تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله) وسيدنا موسى عالم شرعي رأى بعضا من أسرار علم الحقيقة من سيدنا الخضر، وهو أعلم منه، وبعد ذلك أخبر أنها كنقرة طائر من بحر علم الله تعالى قال تعالى: (وعلمناه من لدنا علما).

ترك المِرَاء (¬1) وهو مُبطلٌ بُنِىَ له بيت في ربض الجنة، ومن تركه وهو محقٌ بني له في وسطها، ومن حسن خُلُقَهُ بنى له في أعلاها. رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له وابن ماجه والبيهقي، وقال الترمذي حديث حسن، رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر ولفطه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيتٍ في ربضِ الجنة لمن ترك المِرَاءَ وهو مُحِقٌّ، وببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب وهو مازخٌ، وببيتٍ في أعلى الجنة لمن حَسُنَتْ سَريرتُهُ. (ربض الجنة) هو بفتح الراء والباء الموحدة وبالضاد المعجمة: وهو ما حولها. 2 - وروى عن أبي الدرداء، وأبى أُمامة وواثلة بن الأسقع، وأنس بن مالكٍ رضي الله عنهم قالوا: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ونحن نمارى (¬2) في شئ من أمر الدين فغضب غضباً شديداً لم يغضب مثله، ثم انتهرنا، فقال مهلا يا أُمة مُحمدٍ إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ذرُوا (¬3) المراءَ لقلة خيره، ذرُوا المراءَ فإن المؤمن لا يُمارِى (¬4) ذروا المِرَاء فإن المماري لا أشفَعُ له يوم القيامة، ذرو المراء فأنا زعيمٌ بثلاثة أبياتٍ في الجنة في رباضها ووسطها وأعلاها لمن ترك المراء وهو صادق (¬5)، ذرُوا المراءَ فإن أول ما نهانى عنه ربي بعد عبادة الأوثان المراءُ، الحديث. رواه الطبراني في الكبير. 3 - وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنة، وببيتٍ في وسطٍ الجنة، وببيتٍ في أعلى الجنة لمن ترك المراءَ وإن كان مُحِقاً، وترك الكذب وإن كان مازحا (¬6) وحسَّن خُلُقَهُ. رواه البزار والطبراني في معاجيمه الثلاثة، وفيه سويد بن إبراهيم أبو حاتم. ¬

(¬1) الجدال الذي يؤدى إلى المخاصمة والمناقشة التي تضيع الحق، والثرثرة، الجالبة الشقاق، فالمؤمن يقبل المناقشة بهودء وتؤدة، فإن أثمر نصحها قبل ورضي، وإلا تركها ولم يجادل حتى لا يحصل مالا تحمد عقباه. (¬2) نتحادث ونتجادل. (¬3) اتركوا الجدال. (¬4) لا يجادل، والمراد الجدل على الباطل، وطلب المغالبة فيه، فأما الجدل لاظهار الحق فذلك محمود لقوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن). (¬5) أظهر حجته، وبين قوله، واعتقد صواب قوله، وترك النزاع لله. (¬6) قاصدا الدعابة؛ وهزل القول، وانشراح الصدر.

حسن تفاهم العلم: إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم 4 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كُنا جُلوساً عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر يَهْزِعُ (¬1) هذا بآيةٍ، وينزع هذا بآيةٍ، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يُفْقَأُ في وجهه حَبُّ الرُّمان (¬2) فقال يا هؤُلاء: بهذا بُعِثتم (¬3) أم بهذا أُمرتم؟ لا ترجعوا بعدى كُفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض (¬4). رواه الطبراني في الكبير، وفيه سويد أيضاً. 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ضلَّ قومٌ بعد هُدىً كانوا عليه إلا أُوتُوا الجدل (¬5) ثم قرأ: ما ضربوه لك إلا جدلاً. رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبى الدنيا في كتاب الصمت وغيره، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 6 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. (الألد) بتشديد الدال المهملة: هو الشديد الخصومة (الخصم) بكسر الصاد المهملة: هو الذي يحج من يخاصمه. 7 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفى بك إثماً أن لا تزال مُخاصماً (¬6) رواه الترمذي، وقال حديث غريب. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المِراء في القرآن كُفرٌ. رواهأبو داود وابن حبان في صحيحه، ورواه الطبراني وغيره من حديث زيد بن ثابت. ¬

(¬1) يجادل من نازعه منازعة: جاذبة في الخصومة، وبينهم نزاعة، أي خصومة في حق. (¬2) فقأ ضغط على الشئ حتى سال - أقبل علينا ووجه محمر كأنما طلي بعصارة حب الرمان نضارة. (¬3) أي هل أرسلتم لكثرة المناقشة فيما لا طائل تحته. (¬4) ينهاهم صلى الله علي وسلم: عن التراشق. والتنابذ، والتقاطع، والتطاحن، والتحلي بصفة الكفار العصاة - والمسلمون إخوة يتوادون ويتحابون، ويتعلمون بأدب العلم قصد الإفادة، والاستفادة فقط. (¬5) المجادلة فيما لا يعنى. (¬6) أن تستمر على العناد والقطيعة، ولا تلجأ إلى عالم يزيل الابهام، فلا تخضع إلى الحق، وهذا نهاية كبر الذنب.

كتاب الطهارة

وعن بن عباس رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام قال: إنما الأُمورُ ثلاثة: أمرٌ تبيَّنَ لكَ رُشْدُهُ فاتَّبعه (¬1)، وأمرٌ تبين لك غيُّه (¬2) فاجتنبه، وأمرٌ اختلف فيه فردهُ إلى عالم (¬3). رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به. كتاب الطهارة الترهيب من التخلي على طرق الناس أو ظلهم أو مواردهم والترغيب في الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها 1 - عن أبي هرير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا (¬4) اللاعنين: قالوا وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال الذي يتخلى (¬5) في طُرُقِ الناس، أو في ظِلَّهِمْ. رواه مسلم وأبو داود وغيرهما. (قوله) اللاعنين: يريد الأمرين الجالبين اللعن، وذلك أن من فعلهما لعن وشتم، فلما كانا سبباً لذلك أضيف الفعل إليهما فكأنهما اللاَّعنان. 2 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقُوا الملاعن الثلاث: البراز (¬6) في الموارد (¬7) وقارعة (¬8) الطريق، والظِّلِّ. رواه ¬

(¬1) ظهر الحق فيه. (¬2) ظهر ضلاله. (¬3) يقنعك بدليل من الكتاب، أو السنة، وهنا قطعت جهيزة قول كل خطيب، ولنذكر الأدلة من الكتب قال تعالى: (فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا) من سورة الكهف. أي فلا تجادل فى شأن عدد فتية أي فلا تجادل في شأن عدد فتية أهل الكهف إلا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه، وهو أن نقص عليهم ما في القرآن من غير تجهيل لهم، والرد عليهم، وقال تعالى في سورة الزخرف: (وقالوا أآلهتنا خير أم هو؟ ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون) قال النصارى آلهتنا عندك خير أم عيسى عليه السلام فان يكن في النار فلتكن آلهتنا معه - أو آلهتنا خير أم محمد عليه السلام فنعبده وندع آلهتنا، ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدل والخصومة لا لتمييز الحق من الباطل، إنهم شداد الخصومة حراص على اللجاج، والطعن في الكلام الغير، وإظهار خلل فيه، وتحقير آرائه، وإظهار مزية الكياسة، واللباقة. (¬4) اجتنبوا. (¬5) يقضى حاجته. يأمر النبى صلى الله عليه وسلم ألا يتبول، أو يتغوط في الطريق، أو في أمكنة الراحة. (¬6) اسم للفضاء الواسع وكناية عن ثقل الغذاء وهو الغائط تبرز. (¬7) أمكنة ورود الناس إليها. (¬8) وسطه، وقيل أعلاه، والمراد نفس الطريق.

أبو داود وابن ماجه كلاهما عن أبي سعيد الحميرى عن معاذ، وقال أبو داود هو مرسل؛ يعنى أن أبا سعيد لم يدرك معاذا. (الملاعن) مواضع اللعن. قال الخطابي: والمراد هنا بالظل هو الظل الذى اتخذه الناس مقيلا ومنزلا ينزلونه، وليس كل ظل يحرم قضاء الحاجة تحته، فقد قضى النبى صلى الله عليه وسلم حاجته تحت حايش من النخل، وهو لا محالة له ظل انتهى. الترهيب من التغوط في طرق الناس 3 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اتقوا الملاعن الثلاث: قيل: ما الملاعن الثلاث يا رسول الله؟ قال أن يقعد أحدكم في ظلٍ يستظلُّ به، أو في طريقٍ، أو نقع ماءٍ (¬1) رواه أحمد. 4 - وعن حذيفة بن أُسيدٍ رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من آذى المسلمين في طُرقهم وجبت عليه لعنتهم (¬2). رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. 5 - وعن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال: قال رجل لأبى هريرة أفتيتنا في كل شيءٍ يُوشِكُ أن تُفتينا في الخراءِ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه سولم يقول: من غسل سخيمته على طريقٍ من طرق المسلمين، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. رواه الطبراني في الأوسط والبيهقى وغيرهما، ورواته ثقات إلا محمد بن عمرو الأنصارى. (قوله) يوشك: بكسر الشين المعجمة وفتحها لغية. معناه يكاد ويسرع، والخراء والسخيمة: الغائط. 6 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والتعريس (¬3) على جواد الطريق، والصلاة عليها، فإنها مأوى الحيات ¬

(¬1) ما اجتمع في البئر من الماء، وفي الحديث: نهى ان يمنع نقع البئر، ربما يشرب منه. (¬2) استحق أن يبعد من رحمة الله بدعاء عليه، فاللعن: الطرد والإبعاد من الخير، والاسم اللعنة. (¬3) احذروا النزول في السفر من آخر قصد الليل قصد الاستراحة على الطريق الأعظم التي تجمع الطرق، ولا بد من المرور عليه - قال في النهاية: الجواد، الطرق: واحدها جادة، وهى سواء الطريق ووسطه، وقيل هي الطريق الأعظم التى تجمع الطرق، ولا بد من المرور عليه أهـ. وكذا ينهاهم صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها أي في أطراف الطريق المجاورة للخراب، والبعيدة عن العمران والنظافة لأنها ملأي بالحشرات أن يتضرر المارون. وما شاء الله، قائد ماهر يحسن القيادة ويحكمها، ينصح أن يستريح أصحابها في مكان بعيد عن مرور الناس، وفي أرض مذللة معبدة نظيفة حتى لا يزعج النائم شئ، فيستيقظ =

والسِّباع، وقضاء الحاجة عليها، فإنها الملاعن. رواه ابن ماجه، ورواته ثقات.

_ = وهو في غاية الصحة والنشاط، ويطلب من المصلي أيضاً أن يتجنب الأماكن القذرة فلا يصلي فيها، وكذا لا بول، ولا غائط في وسطها حتى يحمد القوى السرى، ويرحلوا في سرور وحبور. وفي الآيات الواردة الحاثة على الطهارة من الحدث والنقاء من الأوساخ، قوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) أي يرضى عن الذين رجعوا إلى ربهم، فخلصوا من الذنوب، وبعدوا عن الفحشاء، وتنزهوا عن الفواحش والأقذار، ويأمر نبيه صلى الله عليه وسلم: (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر) ينادي صلى الله عليه وسلم لابس الدثار كما قال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (كنت بحراء فنوديت، فنظرت عن يميني وشمالي فلم أر شيئا، فنظرت فوق، فإذا هو على عرش بينّ السماء والأرض، يعنى الملك الذى ناداه فرعبت، فرجعت إلى خديجة، فقلت دثروني، فنزل جبريل وقال: (يا أيها المدثر قم) من مضجعك قيام عزم وجد، وعد بالخير المطيعين، وأوعد العاصين بالعذاب، وخص ربك بالتكبير، وهو وصفه بالكبرياء عقدا وقولا. روى أنه لما نزل كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيقن أنه الوحى، وذلك لأن الشيطان لا يأمر بذلك (وثيابك فطهر) من النجاسات فان التطهير واجب في الصلوات محبوب في غيرها، وذلك بغسلها، أو بحفظها عن النجاسة بتقصيرها مخافة جر الذيول فيها، وهو أول ما أمر به من رفض العادات المذمومة - أو طهر نفسك من الأخلاق الذميمة، والأفعال الدنيئة، فيكون أمراً باستكمال القوة العملية بعد أمره باستكمال القوة النظرية والدعاء إليه - أو فطهر دثار النبوة عما يدنسه من الحقد والضجر وقلة الصبر - أهـ بيضاوى ص 798. فحافظوا على الطهارة أيها المسلمون، فقد مدح الله عز وجل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمحافظة على تطهير ثيابهم وأجسامهم، والعناية بالنقاء من البول، والغسل من الجنابة - قال تعالى: (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) 109 من سورة التوبة - يعنى مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى فيه أيام مقامه بقباء من الاثنين إلى الجمعة، أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أبى سعيد رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فقال: هو مسجدكم هذا مسجد المدينة فطهر رجاله من المعاصى والخصال المذمومة طلباً لمرضاة الله سبحانه وتعالى، وقيل من الجنابة فلا ينامون عليها، والله يرضى عنهم، ويدنيهم من جنابه تعالى إدناء المحب حبيبه - قيل لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء، فإذا الأنصار جلوس - فقال عليه الصلاة والسلام: أمؤمنون أنتم؟ فسكتوا، فأعادها، فقال (عمر): إنهم مؤمنون وأنا معهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ترضون بالقضاء؟ قالوا: نعم قال عليه الصلاة والسلام: أتصبرون على البلاء؟ قالوا: نعم، قال: أتشكرون في الرخاء؟ قالوا: نعم فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مؤمنون ورب الكعبة، فجلس فقال: يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم، فما الذى تصنعون عند الوضوء وعند الغائط؟ فقالوا يا رسول الله: نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء، فتلا: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا): ولا تنس أيها المسلم فضل الوضوء، ونظافة الأعضاء، وغسل الجسم، وحكمة ذلك في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم (¬1) إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا (¬2) وإن كنت مرضى، أو على سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجهكم وأيديكم منه، ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج (¬3) ولكن يريد ليطهركم (¬4) وليتم نعمته (¬5) عليكم لعلكم تشكرون) من سورة المائدة. ¬

الترهيب من البول في الماء والمغتسل والجحر

7 - وعن مكحول رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبال بأبواب المساجد. رواه أبو داود في مراسيله. 8 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يستقبل القبلة (¬1) ولم يستدبرها في الغائط كتب له حسنةٌ، ومُحِىَ عنه سيئةٌ. رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح. (قال الحافظ) وقد جاء النهى عن استقبال القبلة واستدبارها في الخلاء في غير ما حديث صحيح مشهور تغنى شهرته عن ذكره لكونه نهياً مجرداً، والله سبحانه وتعالى أعلم. الترهيب من البول في الماء والمغتسل والجحر 1 - عن جابر رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن يُبَال في الماء الراكد (¬2) رواه مسلم وابن ماجه والنسائي. 2 - وعنه قال: قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبال في الماء الجارى. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد. 3 - وعن بكر بن ماعز قال: سمعت عبد الله بن يزيد يُحَدِّثُ عن النبى صلىلله عليه وسلم قال: لا يُنْقَعْ (¬3) بول في طَسْتٍ في البيت، فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه بول منتقع (¬4) ولا تبُولنَّ في مغتسلك. (¬5) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن، والحاكم، وقال صحيح الإسناد. 4 - وعن حميد بن عبد الرحمن قال: لقيتُ رجلاً صحب النبى صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط (¬6) أحدُنا كلَّ يومٍ ¬

(¬1) لم يجعلها قبلته، ولم يجعل القبلة دبره أثناء قضاء الحاجة كما قال صلى الله عليه وسلم (ولكن شرقوا أو غربوا) جزاء ذلك يثيبه الله حسنة ويزيل عنه سيئة. (¬2) الساكن الواقف. (¬3) يقال نقع الماء في الموضع استنقع. ينهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يجمع البول في إناء، رجاء دخول ملائكة الرحمة. (¬4) مجتمع. (¬5) مكان غسلك. (¬6) امتشطت المرأة مشطتها الماشطة من باب نصر. يحث النبى صلى الله عليه وسلم على النظافة والطهارة والكمال والتجمل، ولكن يحذر أن يستعمل المشط في الشعر كل يوم خشية كثرة المشاطة (ما سقط من الشعر) وخشية أن يتغالى المسلمون في الأمتشاط، فينصرف الناس عن عملهم أو يتأخرون عن مواعيدهم.

الترهيب من الكلام على الخلاء

أو يبول في مغتسله. رواه أبو داود والنسائي في أول حديث. 5 - وعن عبد الله بن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم: نهى أن يبول الرجل في مستحمه، وقال إن عامّة الوسواس منه (¬1). رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي واللفظ له، وقال حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أشعث بن عبد الله، ويقال له أشعث الأعمى. (قال الحافظ) إسناده صحيح متصل، وأشعث بن عبد الله ثقة صدوق، وكذلك بقية رواته، والله أعلم. 6 - وعن قتادة عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبال في الجحر (¬2). قالوا لقتادة: ما يُكره من البول في الجُحر؟ قال يقال إنها مساكن الجن. رواه أحمد وأبو داود والنسائي. الترهيب من الكلام على الخلاء 1 - عن أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يتناجى (¬3) اثنان على غائطهما (¬4) ينظر كُلُّ واحدٍ منهما على عورة صاحبه، فإن الله يمقت (¬5) على ذلك. رووه كلهم من رواية هلال بن عياض، أو عياض بن هلال عن أبي سعيد، وعياض هذا روى له أصحاب السنن، ولا أعرفهُ بجرح ولا عدالة، وهو في عداد المجهولين. (قوله) يضربان الغائط: قال أبو عمرو صاحب ثعلب: يقال ضربت الأرض إذا أتيت الخلاء، وضربت في الأرض: إذا سافرت. ¬

(¬1) تحدث الشيطان وسلطانه على العقل منه، من وسوست إليه نفسه. (¬2) الحفرة في الأرض، وأفاد سيدنا قتادة أنها مواطن خلق الله الجن الذى هو يتاذى مثلنا ويتطهر ويتنظف. (¬3) لا يتحادث. (¬4) أصل الغائط: المطمئن من الأرض الواسع، وكان الرجل منهم إذا أراد أن يقضى الحاجة أتى الغائط، وقضى حاجته، فقيل لكل من قضى حاجته قد أتى الغائط، يكنى به عن العذرة. (¬5) مقته من باب نصر: أبغضه، والمقت: أشد البغض: أي يكره الله فاعلها على فعلته.

الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره وعدم الاستبراء منه

2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج اثنان من الغائط فيجلسان يتحدثان كاشفين عن عوراتهما، فإن الله عز وجل يمقت على ذلك، رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لِّين. الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره، وعدم الاستبراء منه 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرين، فقال: إنهما لَيُعَذَّبان، وما يُعَذَّبانِ في كبير، بلى إنه كبير. أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة (¬1)، وأما الآخر فكان لايستتر (¬2) من بوله. رواه البخاري، وهذا أحد ألفاظه ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 2 - وفي رواية للبخارى وابن خُزيمة في صحيحه: أن النبى صلى الله عليه وسلم مَرَّ بحائطٍ من حيطان مكة أو المدينة، فسمع إنسانين يُعذبان في قبورهما، فقال النبى صلى الله عليه وسلم، إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشى بالنميمة، الحديث. وبَّوب البخاري عليه: باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله. (قال الخطابي) قوله: وما يعذبان في كبير: معناه أنهما لم يعذبا في أمر كان يكبر عليهما ¬

(¬1) السعى بالإفساد بين الناس، ولإيقاع التدابر بين المسلمين، وإيجاد التخاصم والشقاق. بنقل الحديث عليهما وجه السعاية، والدس، والكيد، وقد نهى الله تعالى النبى صلى الله عليه وسلم أن يصاحب من اتصف بخلال السوء، قال الله تعالى: (ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم) وقد قال المفسرون: يريد الله به الوليد بن المغيرة، ادعاه أبوه بعد ثمانى عشرة سنة من مولده، وقبل الأخنس بن شريق أصله من ثقيف وعداده في زهرة. والمهين: حقير الرأي القوال، والهماز: العياب المفسد، والمعتدي: الظالم. (¬2) أي يقضى حاجته على قارعة الطريق، وتظهر عورته للناس، ولا يتورع من إخفائها، فيضطر إلى الإسراع ولا يتحرز من النجاسة - وهاتان كبيرتان سببتا عذاب القبر من تهاون مرتكبهما مع أنهما شيء يسير كان يمكن تداركه في حياته. أيها الناس: إن من الكبائر أن يتبول في الطريق فيتأذى المارون من القذارة أولا ومن الرائحة الكريهة، هذا إلى إظهار العورة وجلب غضب الله على ما يفعل ذلك، ويدخل في الطريق المباول العامة التي لا ماء فيها للاستنجاء وفيها تظهر العورة. نعوذ بالله من زمن يتهاون فيه المسلمون في هذا العمل، وهو سبب اللعنة وعذاب القبر، والوقاية من العذاب والاستنجاء الكامل؛ والتحرز من النجاسة.

أو يشق فعله لو أرادَا أن يفعلا، وهو التنزه من البول، وترك النميمة، ولم يرد أن المعصية في هاتين الخصلتين ليست بكبيرة في حق الدين، وأن الذنب فيهما هين سهل. (قال الحافظ عبد العظيم) ولخوف توهم مثل هذا استدرك، فقال صلى الله عليه وسلم بلى إنه كبيرٌ، والله أعلم. الترهيب من ترك الاستبراء من البول، وإتيان النميمة 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة عذاب القبر في البول فاستنزهوا (¬1) من البول. رواه البزار والطبراني في الكبير والحاكم والدارقطنى كلهم من رواية أبى يحيى القتات عن مجاهد عنه، وقال الدراقطنى إسناده لا بأس به، والقتات مختلف في توثيقه. 4 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزهوا من البول، فإنه عامة عذاب القبر من البول. رواه الدارقطنى وقال: المحفوظ مرسل. 5 - وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: بينما النبى صلى الله عليه وسلم يمشى بيني وبين رجل آخر إذ أتى على قبرين فقال: إن صاحبى هذين القبرين يُعذبان (فائتيانى بجريدةٍ) قال أبو بكر: فاستقبت أنا وصاحبى فأتيته بجريدةٍ فشقها نصفين، فوضع في هذا القبر واحدة، وفي ذا القبر واحدةً. قال لعله يخفف عنهما مادامتا رطبتين، إنهما يُعذبان بغير كبير: الغيبة (¬2) والبول. رواه أحمد والطبراني في الأوسط واللفظ له، وابن ماجه مختصرا من رواية بحر بن مرار عن جده أبى بكرة ولم يدركه. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر عذاب القبر من البول (¬3) رواه أحمد وابن ماجه واللفظ له، والحاكم قال: صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة. (قال الحافظ) وهو كما قال. ¬

(¬1) تطهروا وتحروا إزالته وتأنوا عند البراءة منه، وتحفوا نزول قطراته، وذلك بعد انقطاع البول يتأنى الإنسان، ثم يضغط ضغطا خفيفاً على المثانة بتؤدة ولا أذى، ثم ينثرها نثراً هيناً، ثم يستنجى. (¬2) بالكسر: هي أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه أو سمعه، فإن كان صدقاً سمى غيبة، وإن كان كذبا سمى بهتانا. فحذار أن تذكر أخاك بما يكره، وأن تطلق لسانك في ذكر عيوبه فهذا ضرر الدنيا يجلب العداوة ويشن غارة الخصام، وعذاب القبر، وفي الآخرة الجحيم. (¬3) ترك الطهر منه.

الترهيب من ترك الاستبراء من البول، وإتيان النميمة 7 - وعن أُمامة رضي الله عنه قال: مر النبى صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر نحو بقيع (¬1) الغرقد، قال وكان الناس يمشون خلفه، قال فلما سمع صوت النعال وقر ذلك في نفسه فجلس حتى قدمهم أمامه، فلما مر ببقيع الغرقد إذا بقبرين قد دفنوا فيهما رجلين. قال فوقف النبى صلى الله عليه وسلم فقال: من دفنتم هاهنا اليوم؟ قالوا فلان وفلانٌ. قالوا يا نبىَّ الله وما ذاك؟ قال أما أحدهما فكان لا يتنزَّهُ من البول، وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة، وأخذ جريدةً رطبةً (¬2) فشقها، ثم جعلها على القبرين. قالوا يا نبى الله: لم فعلت هذا؟ قال لُيخفِّفَنَّ عنهما. قالوا: يا رسول الله: حتى متى (¬3) هما يعذبان؟ قال غيب لا يعلمه إلا الله، ولولا تمرُّغُ (¬4) قلوبكم وتزيُّدُكُم (¬5) في الحديث لسمعتم ما أسمع. رواه أحمد واللفظ له وابن ماجه، كلاهما من طريق على بن يزيد الالهانى عن القاسم عنه. 8 - وعن عبد الرحمن بن حسنة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده الدرقة (¬6) فوضعها (¬7)، ثم جلس فبال إليها، فقال بعضهم انظروا إليه يبول كما تبول المرأة فسمعه النبى صلى الله عليه وسلم فقال: ويحك (¬8) ما علمت ما أصاب صاحب بنى اسرائيل كانوا إذا أصابهم البول قرضُوهُ (¬9) بالمقاريض ¬

(¬1) موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها، وكان به شجر الغرقد فذهب وبقي اسمه - والبقيع المتسع ذو الأشجار. (¬2) خضراء. (¬3) إلى أي زمان ينتهى حسابهما. (¬4) تقلب. (¬5) خشية زيادتكم في القول: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة وقدرة على سماع صوتهما؛ وإدراك نوع عذابهما، وهذه ميزة له صلى الله عليه وسلم وخصوصية، ولولا خوف الفتنة. وهلاك الإنس والجن لأسمعهم الله جل وعلا، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري: (يسمع بها كل شيء إلا الإنسان رأفة به ورحمة من الله جل وعلا. (¬6) الترس إذا كان من جلد وليس فيه خشب ولا عصب. (¬7) جعلها مائة بينه وبين الناس، وبال مستقبلا إليها: فأنت ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب بعيدا في الفضاء ويبعد عن طريق الناس ونواديهم ثم يضع سترا وحائلا يمنع كشف العورة، وظن الجهال المغفلون أن هذه الوقاية للسيدات فقط، فأفهم النبى صلى الله عليه وسلم أن يتجنبوا إطهار العورة، ولا بد من التستر. (¬8) كلمة ترحم أي رحمك الله. (¬9) قطعوه بآلة حادة، والمعنى أن بنى إسرائيل كانوا يتحرزون من البول حتى يقطعوا ما نجسه من الثوب، فنهاهم عن هذا القطع صاحب بنى اسرائيل فعذبه الله في قبره لأنه يوصى ببقاء النجاسة، والله أعلم. وكانت الطهارة عندهم إزالتها بالقطع، وجاء الدين الإسلامى، فخفف بغسلها. صلى الله عليه وسلم على صاحبه نبى الرحمة.

فنهاهم فعذب في قبره. رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه. الترهيب من عدم قضاء الدين والاستبراء من البول 9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا نمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا على قبرين فقام فقمنا معه فجعل لونه يتغير حتى رعد (¬1) كُمُّ قميصه، فقلنا مالك يا رسول الله؟ فقال أما تسمعون ما أسمعُ؟ فقلنا وما ذاك يا نبى الله؟ قال هذان رجلان يعذبان في قبورهما عذابا شديدا في ذنب هين، قلنا فيم ذلك؟ قال كان أحدهما لا يستنزه (¬2) من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه (¬3) ويمشى بينهم بالنميمة، فدعا بجريدتين من جرائد النخل فجعل في كل قبرٍ واحدةً، قلنا: وهل ينفعهم ذلك؟ قال نعم: يخفف عنهما ما دامتا رطبتين (¬4).رواه ابن حبان في صحيحه. (قوله: في ذنب هين) يعنى هِّين عندهما وفى ظنهما، أو هّين عليهما اجتنابه، لا أنه هين في نفس الأمر لأن النميمة محرمة اتفاقاً. 10 - وعن شفى بن ماتع الأصبحى رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أربعة يُؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى يسعون بين الحميم (¬5) والجحيم (¬6) يدعون (¬7) بالويل والثبور يقول أهل النار بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء قد آذونا على ما بنا من الأذى؟ قال فرجل مُغلقٌ (¬8) عليه تابوت من جمر، ورجل يجُرُّ أَمعاءَهُ (¬9)، ¬

(¬1) رجف واضطرب - رأى الصحابة شدة تأثر وتغير لون وجهه صلى الله عليه وسلم، وخوفهم شدة اضطراب قميصه، ولذا سألوا عن حاله. ماذا جرى يا رسول الله؟ (¬2) لا يتحرز من النجاسة، ولا يستنجى استنجاء كاملا. (¬3) بهتك العرض؛ والذم؛ والقدح، والغيبة، وتعداد العيوب. (¬4) خضراوين. (¬5) الماء الحار المغلي. (¬6) جهنم، أي أن عذابه يستمر بين الحياة في الماء المغلى شديد الحرارة وبين النار التي تلتهم جسمه. (¬7) يطلبون الهلاك والدمار والعذاب أي يصحبون. (¬8) عذب في ضريح محكم الإغلاق من جمر لأنه أكل أموال الناس بلا حق. (¬9) يعذب بخروج معدته، ويفضح على ملأ من أهل المحشر لقذارته في حياته، وبوله على نفسه، وعدم عنايته بنظافة جسمه وثوبه، يفضحه الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة بخروج (الكرشة) ليتقذذ منه الناظرون ويشمئز من حاله الراءون: لماذا؟ لأنه كان في دنياه يبول في طريقه، ولا يحترس من النجاسة، ويذهب على المباول فيقضى هذه الحاجة؛ ويلوث ملابسه وشعاره، ويعتذر، وعذره حقير من ضيق الحالة، ويتجارأ على ترك الصلاة لأن ملابسه نجسة، وبعد أن يغتسل ويتطهر ويصلي، ولكن الشيطان قائدة فيذهب إلى مواطن اللهو ومحال الفسوق والمقاهى وهناك يضيق وقته فيبول في المباول بلا ماء فينجس ملابسه، وحينئذ يخلف وعده. اعتنوا أيها المسلمون بتطهير ملابسكم، وعمروا مساجد الله تعمر قلوبكم بالإيمان وتأمنوا عذاب القبر؛ وتنالوا من الله الرحمة والرضوان.

الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أزر ومن دخول النساء بأزر وغيرها إلا نفساء أو مريضة، وما جاء في النهي عن ذلك

ورجل يسيل فُوهُ قيحاً ودماً، ورجلٌ يأكل لحمهُ، قال فيقال لصاحب التابوت ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول إن الأبعد مات وفي عنقه أموال الناس ما يجد لها قضاء أو وفاء، ثم يقال للذى يجُرُّ أمعاءَهُ ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إن الأبعد كان لا يبالى أن أصاب البول منه لا يغسله. وذكر بقية الحديث. رواه ابن أبى الدنيا في كتاب الصمت، وكتاب ذمّ الغيبة، والطبراني في الكبير باسناد لِّين وأبو نعيم وقال: شفىّ بن ماتع مختلف فيه، فقيل له صحبة: ويأتى الحديث بتمامه في الغيبة إن شاء الله تعالى. 11 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا (¬1) البول فإنه أول ما يُحاسب به العبد في القبر. رواه الطبراني في الكبير أيضاً بإسناد لا بأس به. الترهيب من دخول الرجال الحمام بغير أزر ومن دخول النساء بأزر وغيرها إلا نفساء أو مريضة، وما جاء في النهى عن ذلك 1 - عن جابر رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر (¬2) ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته (¬3) الحمِّامَ. رواه النسائي وحسنه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 2 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله قال: ستفتح عليكم أرض العجم (¬4)، وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فلا يدخلنَّها الرجالُ ¬

(¬1) الأبعد: كناية عن حقارته وذلته. - احذروا نجاسة البول. خلاصة معنى الباب إن كشف العورة معصية كبيرة تسبب عذاب القبر، فلا بد من التستر عند قضاء الحاجة مع التحرز من النجاسة والانقاء والاستبراء، وفيه زيارة القبور سنة، ووضع شئ أخضر عليها، وفي هذا الباب لفت نظر أهل المدنية الحديثة أن يعتنوا بالنظافة من البول، وإلا تمرض العيون، وينسخ اللباس في الدنيا، وبعد موته يعذب في القبر عذابا أليما، وهذا خبر الصادق المصدق صلى الله عليه وسلم، وفيه أن الطهارة مرضاة للرب مجلبة للبر مكسبة للخير سبب النعيم؛ نسأله الله التوفيق. (¬2) إزار يستر عورته وركبتيه إلى سرته. (¬3) زوجته. (¬4) غير المسلمين، وفيه إشارة إلى كثرة فتوح المسلمين، وإقداق الخير عليهم واتساع رقعة الاسلام.

إلا بالأُزُرِ، وامنعوها النساء إلا مريضةً أو نُفساء (¬1). رواه ابن ماجه وأبو داود، وفي إسناده. عبد الرحمن بن زياد بن أنعم. 3 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن دخول الحمامات، ثم رخص للرجال أن يدخلوها في المآزر (¬2). رواه أبو داود ولم يضعّفه واللفظ له والترمذي وابن ماجه، وزاد: نهى الرجال والنساء، وزاد ابن ماجه: ولم يرخّص للنساء. (قال الحافظ) رحمه الله: رووه كلهم من حديث أبى عذرة عن عائشة. وقد سئل أبو زرعة الرازى عن أبي عذرة هل يسمى؟ فقال لا أعلم أحداً سماه، وقال أبو بكر بن حازم لا يعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، وأبو عذرة غير مشهور، وقال الترمذي: إسناده ليس بذاك القائم. الترهيب من عدم إكرام الجار والضيف الخ 4 - وعنها رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحمام حرامٌ على نساء أُمتى. رواه الحاكم، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. 5 - وعن أبي أيوب الأنصارى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره (¬3) ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت (¬4) ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم فلا يدخل الحمام. قال فنهيت بذلك إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في خلافته، فكتب إلى أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزام أن سل محمد بن ثابت عن حديثه فإنه رضى فسأله، ثم كتب إلى عمر: فمنع النساء عن الحمام. رواه ابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال صحيح الإسناد ورواه الطبراني في الكبير والأوسط من رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث، وليس عنده ذكر عمر ابن عبد العزيز. ¬

(¬1) استثنى النبى صلى الله عليه وسلم المريضة التي أثر فيها البرد فأجاز أن تدخل على شريطة عدم كشف العورة، وأخذ الحيطة بالعمل بالشرع، والنفساء: الوالدة. (¬2) جمع مئزر: الوقاية التي تستر العورة. (¬3) يحسن معاملته، ويقدم له صنوف الخير، ويحفظ حرمته ويدافع عنه ويحمى حماه ويزيل عنه الأذى. (¬4) ليسكت لأن اللسان سبب المصائب، فلا بد من ضبط قوله، يقول ما يرضى الله جل وعلا حتى يؤجر، ويسكت.

ترهيب المرأة أن تضع ثيابها في غير بيتها 6 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احذروا بيتاً يقال له الحمام. قالوا يا رسول الله إنه يُنقى (¬1) الوسخ؟ قال فاستتروا (¬2) رواه البزار، وقال رواه الناس عن طاوس مرسَلاً. (قال الحافظ) ورواته كلهم محتج بهم في الصحيح، ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ولفظه: اتقوُا (¬3) بيتاً يقال له الحمَّام. قالوا يا رسول الله يُذْهِب الدَّرَنَ، وينفعُ المريض قال فمن دخله فليستتر. ورواه الطبراني في الكبير بنحو الحاكم، وقال في أوله: شرُّ البيوت الحَمَّام تُرْفَعُ فيه الأصوات وتكشف فيه العورات (الدرن) بفتح الدال والراء هو الوسخ. 7 - وعن قاص الأجناد بالقسطنطينية أنَّهُ حدَّث أن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا أيها الناس إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدةٍ (¬4) يُدارُ عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام. رواه أحمد. وقاص الأجناد لا أعرفه، وروى آخره أيضا عن أبي هريرة، وفيه أبو خيرة لا أعرفه أيضاً. (الحليلة) بفتح الحاء المهملة هي الزوجة. 8 - وعن أبي المليح الهُذلي رضي الله عنه أن نساء من أهل حمص، أو من أهل الشام دخلن على عائشة رضي الله عنها فقالت: أنتُنَّ اللاتى تُدخلن نساءكُن الحمَّامات سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرأة تضع ثيابها (¬5) في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر (¬6) بينها وبين ربها. رواه الترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن، وأبو داود وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرطهما. ¬

(¬1) من نقى نقاوة: من باب تعب، وأنقى ينقى يطهر ويزيل. (¬2) أمر صلى الله عليه وسلم بستر العورة. (¬3) اجتنبوا. (¬4) خوان عليه طعام فان لم يكن عليه طعام فهو خوان لا مائدة قال أبو عبيدة هي فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية بمعنى مرضية: والفعل مادة لغة في ماد بمعنى قدم له الغذاء. (¬5) تخلع أو ترى أي جزء من جسمها. (¬6) أزالت الستر والوقاية والعطف: فيه أن المرأة يصح أن تغير شيئا من ثيابها في غير بيت زوجها، ولاتخلع شيئا منها؛ ولا تهتك أو تظهر الخلاعة والمجون والدعارة مثل ما يفعلن المتبرجات الآن نسأل الله السلامة.

وروى أحمد وأبو يعلى والطبراني والحاكم أيضاً من طريق درّاج أبى السمح عن السائب: أن نساءَ دخلن على أُم سلمة رضي الله عنها فسألتهن من أنتُنَّ؟ قُلن من أهل حمص. قالت من أصحاب الحمَّامات؟ قُلن وبها بأسٌ؟ (¬1). قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أُيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق (¬2) الله عنها ستره. 9 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُدخل حليلته الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليسع (¬3) إلى الجُمعة، ومن استغنى (¬4) عنها بلهوٍ أو تجارةٍ استغنى الله عنه (¬5)، والله غنيٌ حميدٌ. الترهيب من ترك الجمعة والجلوس على مائدة عليها الخمر الخ 10 - وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمَّام؟ فقال: إنه سيكون بعدى حمامات، ولا خير في الحمامات للنساء، فقالت يا رسول الله: إنها تدخُلُهُ بإزار؟ فقال لا، وإن دخلته بإزار ودرعٍ (¬6) وخمارٍ (¬7)، ومامن امرأةٍ تنزع خمارها (¬8) في غير بيت زوجها إلا كشفت الستر فيها بينها وبين ربها. رواه الطبراني في الأوسط من رواية عبد الله بن لهيعة. 11 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمَّام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُدخل حليلته الحمَّام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يُشربُ عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله ¬

(¬1) عذاب. وهو أيضا الشدة في الحرب والإثم. (¬2) شق وبان. من الخرق، ما تخرق من الشئ - خرق الثوب فانخرق. (¬3) فلينهض لأداء فريضة الجمعة. (¬4) شغله اللهو واللعب عن تأديتها. (¬5) لم يرحمه ولم يكرمه، وهو تعالى الغنى عن جميع خلقه المتصف بالمحامد والثناء. (¬6) درع المرأة قميصها - والدرع: الحديد مؤنثة. (¬7) اختمرت المرأة. لبست الخمار: أي الذي يوضع على رأسها. (¬8) غطاء الرأس والوجه.

واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة بينه وبينها محرم (¬1). رواه الطبراني في الكبير وفيه يحيى بن أبى سليمان المدنى. الترهيب من دخول الحمامات 12 - وروى عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون أُفقاً فيها بيوت يقال لها الحمامات حرامٌ على أُمتى دخولها ¬

(¬1) المحرم: الحرام؛ ويقال: هو ذو محرم منها إذا لم يحل له نكاحها: أي الذي ثبت إيمانه بالله واليوم الآخر، وصدق بثواب الله وعقابه يجتنب أن يخلو بامرأة يصح أن يخطبها له زوجة - قال الإمام النووي: الحمو أقارب الزوج (غير آبائه وأبنائه لأنهم محارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها، مثل الأخ وابن الأخر، والعم وابن العم ونحوهم). خلاصة معنى الباب ينهى النبى صلى الله عليه وسلم الرجال أن يدخلوا هذا الحمام الذى فيه تظهر العورات، وتقل الآداب، وتنتهك المحارم، ويحصل الاختلاط، وعدم التحرز من إظهار العورة، وفيها لعن الله وغضبه وسخطه - وإن كان ولا بد فليتحر الستر. أما النساء: فحرام وإثم كبير دخولهن عرضة لإظهار العورة وجسمهن كله عورة ودعا صلى الله عليه وسلم إلى إكرام الجار وإلى النطق في الخير أو السكوت: الصمت زين والسكوت سلامة ... فإذا نطقت فلا تكن مكثاراً ما إن ندمت على سكوتى مرة ... ولقد ندمت على الكلام مراراً وفى حديث - 7 - ينهى صلى الله عليه وسلم المؤمن أن يجلس في مجلس الخمر، أو يتحادث، او يتسامر، أو يأكل؛ خشية أن يعمه العذاب، ويحيق به الأذى ويصيبه السوء، وينال إثماً، وطلب من الرجال أن يمنعوا زوجاتهم من بؤرة الفساد، ومظنة الأخطاء، وميدان كشف العورة، ولا يخفى عدم حذر النساء وتهاونهن في كشف أجسامهن، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن السيدة التي تترك أي شيء كان على رأسها أو جسمها في غير بيت زوجها فضحها الله، وأزال عطفه عليها، ولحقها الشك وهتك سترها تعالى، وكثرت ذنوبها، وباء بالخيبة ورجعت آثمة. وفي حديث - 10 - حذر المسلمين أن يتركوا الجمعة، وإلا لم يرحم ربهم، وغضب عليهم، وأحبط أعمالهم، وأصابهم الخسران والضلال. وفي حديث - 12 - نهى النبى صلى الله عليه وسلم السيدة أن تدخل الحمام مطلقا ولو متقنعة متسترة درءاً للفساد ومنعا للأذى، وسداً لباب الشبه والقيل والقال. ثم حذر المؤمن أن يختلط بامرأة أجنبية، ليست أخته، أو عمته، أو خالته، أو أمه، أو جدته، وهكذا. من المحرمة عليه أن يتزوجها إلى الأبد. أدلة الباب من القرآن الكريم قال الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. 31 - وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت إيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من =

الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر

فقالوا يا رسول الله إنها تُذهب الوصب، وتنقى الدرن؟ قال فإنها حلالٌ لذكور أُمتى في الأُزُر. حرامٌ على إناث أُمتى. رواه الطبراني. (الأفق) بضم الألف وسكون الفاء وبضمها أيضاً: هي الناحية (والوصب) المرض. الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر 1 - عن عمَّار بن ياسرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثةٌ لا تقربهم الملائكة: جيفة (¬1) الكافر، والمتضمِّخُ (¬2) بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضَّأَ (¬3). رواه أبو داود عن الحسن ابن أبى الحسن عن عمار ولم يسمع منه، ورواه هو وغيره عن عطاء الخرسانىّ عن يحيى بن يعمر عن عمار قال: ¬

= الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون) 32 من سورة النور. إن الله تعالى لا يخفى عليه إحالة أبصارهم، واستعمال سائر حواسهم، وتحريك جوارحهم وما يقصدون بها فليكونوا على حذر منه في كل حركة أو سكون - والسيدات لا ينظرن إلى ما لا يخل لهن النظر إليه من الرجال ويحفظن فروجهن بالتستر، وكذا جميع جسمهن - قال البيضاوى: أو التحفظ على الزنا، وتقديم الغض، لأن النظر بريد الزنا، ولا يظهرن حليهن وثيابهن وأصباغهن - فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شئ منها إلا لضرورة كالمعالجة، وتحمل الشهادة، وليسترن أعناقهن إلى آخره أهـ. فهذا تحرم عام، فما بالك بالحمامات! وهى مواطن الاختلاط، ومجلبة الفساد، وكشف العورات. (¬1) جثة الكافر التي فارقتها الحياة تبعد منها ملائكة الرحمة، والكافر الحى تضحبه الملائكة الحفظة ورقيب وعتيد، ويرجى إسلامه. (¬2) التضمخ: التلطخ به والخلوق. قال في النهاية: طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقد ورد تارة بإباحته وتارة بالنهى عنه، والنهى أكثر وأثبت، وإنما نهى عنه لأنه من طيب النساء، وكن أكثر استعمالا له منهم، والظاهر أن أحاديث النهى ناسخة أهـ. (¬3) في البخاري (كان صلى الله عليه وسلم يغسل فرجه ويتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم ينام (في الجنابة). فالمؤمن الذي يريد رحمة الله تشمله وملائكة الرحمة تحيط به وتستغفر له قبل أن ينام يتوضأ إذا لم يرد الغسل من الجنابة. وهنا أندد على أولئك المجرمين الذي يصبحون جنباً ويغسلون وجوههم كما تغسل الأعاجم، ثم يذهبون إلى محال أعمالهم أو مدارسهم. يا عجباً! رجل قرأ القرآن في حياته وأعلم أنه يؤدى أعمال درسه وهوجنب ويتبجح ويذكر جنابته!!! إن هذا ملعون والله غضابن عليه وهو آثم وملائكة الرحمة تهجره - هذا إلى ضياع وقت الصلاة وترك صلاة الصبح؟ وربما مرت عليه آية قرآنية فيتلوها كالببغاء. أيها المسلمون: تطهروا من الجنابة في وقتها أو توضئوا وناموا، ثم بكروا للغسل وصلوا الصبح في وقته رجاء أن الله يكلؤكم ويقيكم شر الأذى، ويغدق عليكم بنعمه، ويكثر خيراته. عن جندب بن عبد الله رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشئ فيدركه فيكبه في نار جهنم) صفحة 98 مختار الإمام مسلم الجزء الثانى.

قدمتُ على أهلى ليلاً وقد تشققت يداى فخلَّقُونىِ بزعفرانٍ فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عليه فلم يَرُدَّ على السلام ولم يُرحب بي، وقال اذهب فاغسل عنك هذا فغسلته، ثم جئت فسلمت عليه فرد على ورحب بى وقال: إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخيرٍ، ولا المتضمخ بزعفرانٍ، ولا الجنب. قال ورُخصَ للجنب إذا نام، أو أكل، أو شرب أن يتوضأَ. (قال الحافظ) رحمه الله: المراد بالملائكة هنا هم الذين ينزلون بالرحمة والبركة دون الحفظة فإنهم لايفارقونه على حال من الأحوال، ثم قيل في حق كل من أخر الغسل لغير عذر ولعذر إذا أمكنه الوضوء فلم يتوضأ، وقيل هو الذي يؤخره تهاوناً وكسلاً، ويتخذ ذلك عادة، والله أعلم. الترهيب من اتخاذ الصور والكلاب والبقاء بالجنابة 2 - وعن علي بن أبى طالب كرم الله وجهه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورةٌ (¬1)، ولا كلبٌ (¬2) ولا جنبٌ. رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه. 3 - وعن البزار بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: ثلاثة لا تقربهم الملائكة: الجنب، والسكران (¬3)، والمتضمخ بالخلوق ¬

(¬1) أي صورة مجسمة لها عينان وأذنان ورأس وبطن؛ ويمكن أن تعيش لو مد الله فيها الحياة، إن هذا العمل من الكبائر وصاحبه معذب حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ سبحانه وتعالى فعذابه يستمر ويشتد حتى يشفع صلى الله عليه وسلم في المسلم المذنب بعمله هذا، أما الصورة التى على الورقة الشمسية، فإن وضعت في مكان محترم تمنع ملائكة الرحمة. أما إذا حفظت في كتاب التاريخ، أو للعظة، أو لدرس مسألة، أو لضبط سارق، أو لتذكار صديق، أو لبيان المشبوهين، أو لإخراج صورة حاج، أو إجازة سلاح، أو غير أولئك من التى لها فوائد وعليها نظام العمران، وترشد رجال الحكومة، وتوضح مسائل العلوم والمعارف، فأرى أنها حلال بقدر منفعتها، وأنها لا توضع للنظارة. وأما التى توضع للامتهان فلا حرمة فيها كصورة البساط أو ما شبابهه وتكون موطئ النعال. (¬2) الكلب لغيرالحرث: أو الماشية الذي يقتنى للكبرياء، والغطرسة والزينة، ولا فائدة منه. (¬3) الذى يتعدى بإزالة عقله ويشرب كل مسكر من خمر، أو بوظة، أو حشيش، أو الأفيون، وهكذا من كل مغيب شأن السكرة الفجرة الفسقة فتبعد عنه ملائكة الرحمة، وهم في سخط الله وغضبه حتى يتوبوا، والله أعلم.

الترغيب في الوضوء وإسباغه

الترغيب في الوضوء وإسباغه 1 - عن ابن عُمرَ رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم في سؤال جبرائيل إياه عن الإسلام فقال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن تُقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج، وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأن تُتمَّ الوضوء (¬1)، وتصوم رمضان. قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلمٌ؟ قال: نعم، قال: صدقت. رواه ابن خزيمة في صحيحه هكذا، وهو في الصحيحين وغيرهما بنحوه، بغير هذا السياق. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أُمتى يُدَعونَ يوم القيامة غُرًّا (¬2) مُحَجَّلين (¬3) من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غُرَّته فليفعل. رواه البخاريّ ومسلم، وقد قيل إن قوله: من استطاع إلى آخره، إنما هو مدرج من كلام أبى هريرة موقوف عليه، ذكره غير واحد من الحفاظ، والله أعلم. 3 - وَلِمُسلمٍ عن أبي حازم قال: كنت خلف أبى هريرة وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه، فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني الله فروخ أنتم هاهنا! لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تبلغ الحلية (¬4) من المؤمن حيث الوضوء. ورواه ابن خزيمة ¬

(¬1) أي أن تتقن الأعمال الظاهرة التى تنبئ عن اتباع الدين الحنيفى المحمدى وأن تؤدى سننه وأن تفعل أركانه. (¬2) الغر جمع الأغر من الغرة: بياض الوجه، يريد صلىلله عليه وسلم بياض وجوههم بنور الوضوء يوم القيامة، وأصل الغرة البياض في وجه الفرس. (¬3) أي بيض المواضع الوضوء من الأيدى والوجه والأقدام استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذى يكون في وجهه الفرس ويديه ورجليه. (¬4) أي المبالغة في الوضوء أعظم حلية يتحلى بها المؤمن وأغلى كنز يدخر ثوابه عند الله وأبهى نور يكون له يوم القيامة بمعنى التحقيق في مرور الماء على العضو، وزيادة ما فوق السنة من نهاية العضو المقرر للوضوء. فأنت تجد سيدنا أبا هريرة بالغ حتى وصل الماء إلى إبطه فوق المرفقين بمسافة بعيدة كما قال سيدنا عبد الله ابن عمر (نور على نور) فليحذر المسلمون من السرعة في الوضوء وعدم إتمام مرور الماء على العضو، وأرجو ألا يتكلموا أثناء الوضوء خشية أن يزول بها النور الذى يظلهم أثناءه، وأن يخللوا الأصابع ويتحرزوا إزالة الأوساخ التى تعلق بالأطراف، وليجتهدوا أن يكونوا دائماً على وضوء: (الوضوء سلاح المؤمن)، وقد سمع رسول الله صلى الله وسلم دف نعلى بلال في الجنة، وسأل بالا عن سبب ذلك، فأجاب: أنه كلما أحدث توضأ وصلى ركعتين لله.

في صحيحه بنحو هذا إلا أنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الحليةَ تبلغُ مواضع الطهور. (الحلية) ما يحلي به أهل الجنة من الأساور ونحوها. 4 - وعنهُ رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار (¬1) قوم مؤمنين، وإنا إن شاء (¬2) لله بكم عن قريب لاحقون، وددتُ (¬3) أنا قد رأينا إخواننا. قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابى، وإخوانُنَا الذين لم يأتوا بعد. قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أُمتك يا رسول الله؟ قال: أرأيت لو أن رجلاُ له خيل غُرٌّ مُحجَّلَةٌ بين ظهرى (¬4) خيل دهمٍ (¬5) بهُم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فإنهم يأتون غُرًّا مُحجلين من الوضوء، وأنا فرطُهُمْ على الحوض (¬6). رواه مسلم وغيره. ¬

(¬1) منصوب على الاختصاص، والمراد بالدار الجماعة أو ياأهل الدار. (¬2) وفي قوله صلى الله عليه وسلم (وإنا إن شاء الله عن قريب لاحقون) استثناء للتبرك وامتثال أمر الله تعالى في قوله (ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله). وحكى الخطابي وغيره أنه عادة للمتكلم يحسن به كلامه أهـ نووى. وإن الموت لا شك فيه. * الموت باب وكل الناس داخله *. (¬3) قال النووي ص 138 - قال العلماء في الحديث جواز التمنى لا سيما في الخير ولقاء الفضلاء وأهل الصلاح، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (وددت أنا قد رأينا إخواننا) أي رأيناهم في الحياة الدنيا. قال القاضى عياض: بقوله صلى الله عليه وسلم: (وددت أنا قد رأينا إخواننا) أي رأيناهم في الحياة الدنيا. قال القاضى عياض: وقيل المراد تمنى لقائهم بعد الموت، وقال الإمام الباجى قوله صلى الله عليه وسلم: بل أنتم أصحابى ليس نفياً لأخوتهم، ولكن ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة، فهؤلاء إخوة صاحبة، والذين لم يأتوا إخوة ليسوا بصحابة، كما قال الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) أهـ. ولا تنس ياأخى فضل صحبة رسول الله صلىلله عليه وسلم حتى إن من رآه من عمره، وحصلت له مزية الصحبة أفضل من كل من يأتى بعد، كما قال العلماء، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه). (¬4) معنى بينظهرى: بينهما. (¬5) جمع أدهم، وهو الأسود، والدهمة: السواد، وأما البهم فقيل السود أيضا، وقيل إليهم الذى لا يخالط لونه لوناً سواء، سواء أكان أسود، أو أبيض، أو أحمر، بل يكون لونه خالصا، وهذا قول ابن السكيت وأبى حاتم السختيانى وغيرهما أهـ نووى ص 139. (¬6) قال الهروى وغيره: أي أنا أتقدمهم على الحوض. قال النووي: يقال فرط القوم: إذا تقدمهم ليرتدى لهم الماء، ويهيئ لهم الدلاء والرشاء، وفي هذا الحديث بشارة لهذه الأمة زادها الله تعالى شرفاً، فهنيئاً لمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرطه أهـ، وزاد مسلم في هذه الرواية: (ألا ليذادن رجال عن حوضى كما يزاد البعير الضال. أناديهم: ألا هلم، فيقال إنهم بدلوا بعدك. فأقول: سحقاً سحقاً).

5 - وعن زرً عن عبد الله رضى الله عنه أنهم قالوا يا رسول الله: كيف تعرف من لم تر من أُمتك؟ قال: غُرٌّ محجلون بُلْقٌ (¬1) من آثار الوضوء. رواهابن ماجه وابن حبان في صحيحه، ورواه أحمد والطبراني بإسناد جيد نحوه من حديث أبى أمامة. الترغيب في إسباغ الوضوء 6 - وعن أبي الدرداء رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أولُ من يُؤذَنُ له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يرفع رأسه فأنظر بين يدىَّ فأعرف أُمتى من بين الأُمم، ومن خلفى مثل ذلك، وعن يمينى مثل ذلك، وعن شمالى مثل ذلك فقال رجلٌ: كيف تعرف أُمتك يا رسول الله من بين الأمم فيما بين نُوحٍ إلى أُمتك؟ قال: هم غُرُّ مُحَجَّلُون من أثر الوضوء ليس لأحدٍ كذلك غيرهم وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم تسعى بين أيديهم ذُريتهم. رواه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعة، وهو حديث حسن في المتابعات. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأَ العبد المسلم، أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كُلُّ خطيئةٍ نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع (¬2) آخر قطرة الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئةٍ كان بطشتها (¬3) يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئةٍ مشتها رجلاهُ مع الماء، أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب. رواه مالك ومسلم والترمذي، وليس عند مالك والترمذي غسل الرجلين. 8 - وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره. وفي روايةٍ: أن عُثمان توضأ ثم قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وُضُوئي هذا، ثم قال: من توضأ هكذا غُفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ¬

(¬1) جمع أبلق، تتألف جباههم ويظهر فيها النور والبهاء: إذ البلق سواد وبياض، وكذا البلقة، ويقال: فرس أبلق وبلقاء. (¬2) شك من الراوى، والمراد بالخطايا الصغائر. قال القاضى: والمراد بخروجها مع الماء المجاز والاستعارة في غفرانها لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة، والله أعلم. (¬3) اكتسبتها.

ومشيه إلى المسجد نافلةً (¬1). رواه مسلم، والنسائي مختصراً، ولفظه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرئٍ يتوضأُ فيحسن وُضُوءَهُ إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يُصليها. وإسناده على شرط الشيخين، ورواه ابن خزيمة في صحيحه مختصراً بنحو رواية النسائي، ورواه ابن ماجه أيضاً باختصار، وزاد في آخره: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغترُّ أحدٌ. وفي لفظ النسائي قال: من أتمَّ الوضوء كما أمره الله فالصلوات الخمس وكفَّارات لما بينهن. الترغيب في إسباغ الوضوء 9 - وعنه رضي الله عنه أنه توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: من توضأ مثل وُضُوئى هذا، ثم أتى المسجد فركع ثم جلس، غفر له ما تقدم من ذنبه (¬2)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاتغتروا (¬3). رواه البخاري وغيره. 10 - وعنه رضى الله عنه أيضا أنه دعا بماءٍ فتوضأ، ثم ضحك فقال لأصحابه: ألا تسألونى ما أضحكنى؟ فقالوا: ما أضحكك يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ كما توضأت ثم ضحك (¬4) فقال: ألا تسألونى ما أضحكك؟ فقالوا: ¬

(¬1) أي زيادة حسنات، بمعنى أن الوضوء يزيل الذنوب الصغائر. قال النووي: صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات، ورفعت به درجات، وإن صادف كبيرة أو كبائر، ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر، والله أعلم أهـ ص 113. (¬2) قال النووي: المراد بالغفران غفران الصغائر دون الكبائر، وفيه استحباب صلاة ركعتين فأكثر عقب كل وضوء، وهو سنة مؤكدة - قال جماعة من أصحابنا: ويفعل هذه الصلوات في أوقات النهى وغيرها لأن لها سببا واستدلوا بحديث بلال رضي الله عنه أنه كان متى توضأ صلى، وقال: إنه أرجى عمل عمله، ولو صلى فريضة أو نافلة مقصودة حصلت له هذه الفضيلة كما تحصل تحية المسجد بذلك، والله أعلم أهـ 108. (¬3) أي لا تركنوا إلى هذا الغفران بلا عمل صالح تقدمونه. أنعم بك يا رسول الله ونعم المؤدب أنت، تحث المسلمين على إتمام الوضوء واستكمال الفروض والسنن رجاء أن يعفو من الصغائر، ثم تدعوهم إلى تشييد قصور الصالحات، وغرس المكارم الطيبات، وعدم الغرور، والزهو، والتقصير، والاكتفاء بثواب الوضوء: إن المؤمن من استكثر من الخير وعده قليلا في كتابه، ولن يرسخ الإيمان في القلب، وتثمر دوحته إلا إذا شعر الإنسان أنه في حاجة إلى تكميل، وسعى إلى تحميل نفسه، وتخلى عن الرذائل، وتحلى بالفضائل، ويطلب المزيد ما عاش، ويتقصى نقائصه فيتكمل، وينظر بمنظار المستفيد، ويتجنب العجب والافتخار بعمله. يقولون في الحكم: من اغتر بعمله هلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدًا عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: ولا أنا إلا إن يتغمدنى الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا). (¬4) ضحك صلى الله عليه وسلم فرحاً بفضل الله وتكرمه بإزاحة الذنوب الصغيرة جزاء أفعال الوضوء، وزاد سروره مضاعفة حسناته.

ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال: إن العبد إذا دعا بوضوء فغسل وجهه حط الله عنه كل خطيئة أصابها بوجهه، فإذا غسل ذراعيه كان كذلك، وإذا طهر قدميه كان كذلك. رواه أحمد بإسناد جيد، وأبى يعلى، ورواه البزار بإسناد صحيح، وزاد فيه: فإذا مسح رأسهُ كان كذلك. ما جاء في إسباغ الوضوء 11 - وعن حُمران رضي الله تعالى عنه قال: دعا عثمان رضي الله عنه بوضوء وهو يريدُ الخروج إلى الصلاة في ليلة باردةٍ فجئته بماءٍ فغسل وجهه ويديه، فقلت: حسبك (¬1) الله والليلة شديدة البرد، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يُسبغُ (¬2) عبدٌ الوضوء إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. رواه البزار بإسناد حسن. 12 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الخصلة الصالحة تكون في الرجل فيُصلحُ الله بها عمله كُلَّهُ، وطهور الرجل لصلاته يُكفرُ الله بطهوره ذنوبه (¬3)، وتبقى صلاته له نافلة. رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط من رواية بشار بن الحكم. 13 - وعن عبد الله الصنابحىِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ العبد فمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظافر يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظافر رجليه، ثم كان مشيهُ إلى المسجد (¬4) ¬

(¬1) كافيك الله. (¬2) يكمل ويتمم الأركان والسنن ويجتهد في مرور الماء على جميع الأعضاء. (¬3) أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط صحة الصلاة. والطهور المراد به الفعل بضم الطاء ويجوز فتحها، منه قوله صلى الله عليه وسلم (الطهور شطر الإيمان) أي الأجر فيه ينتهى تضيعفه إلى نصف أجر الإيمان من 100 نووى. وتحرم الصلاة بغير طهارة منماء أو تراب. (¬4) أي بأفعال الوضوء أزال الله سيئاته الصغيرة وضاعف حسنات خطواته إلى المسجد، وثواب صلاته، وكان ذلك كنزا، وذخيرة له.

وصلاته نافلة. رواه مالك والنسائي، وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرطهما، ولا علة له، والصنابحىّ. صاحبى مشهور. ماجاء في إسباغ الوضوء 14 - وعن عمرو بن عنبسة السُّلَمِىَّ رضي الله عنه قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالةٍ، وأنهم ليسوا على شيءٍ وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل في مكة يُخبرُ أخباراً فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث إلى أن قال: فقلت: يا نبىَّ الله فالوضوء حدثنى عنه، فقال: ما منكم رجلٌ يُقَرِّبُ وضوءَه (¬1) فيمضمض (¬2)، ويستنشق (¬3) فيستنثر (¬4) إلا خرجت خطايا وجهه من فيه وخياشيمه (¬5)، ثم إذا غسل وجهه كما أمر الله إلا خرت (¬6) خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرَّت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام، وصلى فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ومجده (¬7) بالذى هو له أهل، وفرَّغَ (¬8) قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه (¬9). رواه مسلم. 15 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيُّما رجلٍ قام إلى وضوئه يريد الصلاة، ثم غسل كفيه نزلت كل خطيئةٍ من كفيه مع أول قطرةٍ، فإذا مضمض، واستنشق واستنثر، نزلت خطيئته من لسانه وشفتيه مع أول قطرة، فإذا غسل وجهه نزلت كل خطيئة من سمعه وبصره مع أول قطرة، فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورجليه إلى الكعبين سلم من كل ذنب كهيئته يوم ولدته أمه. قال: فإذا قام إلى الصلاة رفع الله درجته، وإن قعد قعد سالماً. رواه أحمد وغيره ¬

(¬1) بالفتح: الماء الذى يتوضأ منه، وهو أيضا مصدر كالولوع، والقبول، وقيل المصدر بالضم. (¬2) يضع الماء في فمه. (¬3) يضع الماء في طرف أنفه. (¬4) يخرج الماء من أنفسه مع مخاط، أو شبهه. (¬5) فمه وأطراف أنفه. (¬6) سقطت. (¬7) عظمه وعبده. (¬8) انقطع عن مشاغل الدنيا ووساوسها، وصرف ذهنه وقلبه لله ولعبادته. (¬9) بمعنى أن صحيفته نقية طاهرة بيضاء سالمة من الصغائر.

من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب، وقد حسنها الترمذي لغير هذا المتن، وهو إسناد حسن في المتابعات لا بأس به. 16 - وفي راويةٍ له أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأسبغ (¬1) الوضوء: غسل يديه ووجهه، ومسح على رأسه وأُذنيه، وغسل رجليه، ثم قام إلى صلاة مفروضة، غفر له في ذلك اليوم ما مشت (¬2) إليه رجله، وقبضت عليه يداه، وسمعت إليه أُذناه، ونظرت إليه عيناه، وحدث به نفسه من سوءٍ (¬3). قال: والله لقد سمعته من نبى الله صلى الله عليه وسلم مالا أُحصيه. 17 - ورواه أيضا بنحوه من طريق صحيح، وزاد فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوضوء يكفر ما قبله ثم تصير الصلاة نافلة. 18 - وفي أُخرَى له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ الرجل المسلم خرجت ذنوبه من سمعه وبصره، ويديه، ورجليه، فإن قعد قعد مغفورا له. وإسناد هذه حسن. 19 - وفي أُخرى له أيضاً: إذا توضأ المسلم فغسل يديه كفر عنه ما عملت يداه، فإذا غسل وجهه كفر عنه ما نظرت إليه عيناه، وإذا مسح برأسه كفر به ما سمعت أُذناه، فإذا غسل رجليه كفر عنه ما مشت إليه قدماه، ثم يقوم إلى الصلاة فهى فضيلة، وإسناد هذه احسن أيضا. ¬

(¬1) فأتم وأفاض. (¬2) يعنى أن الله تعالى يغضى عن هفوات خطواته إذا مشت في صغائر، ويعفو عما اقترفت يداه، ويسامح سمعه وبصره إذا سمع أو نظر على الذنوب الصغائر. (¬3) الله يتكرم بغفران ما مر بخاطره أو فكر فيه، وحسبك قول الله تبارك وتعالى (وأقم الصلاة طرفى النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) وفسر هذه الآية حديث البخاري في قوله صلى الله عليه وسلم (إن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأنزلت عليه (وأقم الصلاة) الآية. قال الرجل ألي هذه؟ قال عليه الصلاة والسلام: لك ولمن عمل بها من أمتى) والطرف الأول الصبح، والثانى الظهر والعصر، وزلف الليل المغرب والعشاء، أو ساعات بعد ساعات. قال القسطلاني: أي هذه الآية بأن صلاتى مذهبة لمعصيتى مختصة بى أو عامة للناس كلهم؟ وفيه عدم الحد فى القبلة ونحوها وسقوط التعزير عمن أتى شيئا منها وجاء تائباً نادماً، وقال ابن المنذر: يؤخذ منه أنه لا حد على من وجد مع أجنبية في لحاف واحد، والله أعلم. أهـ ص 170 جواهر البخاري شرح القسطلاني. وقال النسفى في تفسير قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) إن الصلوات الخمس يذهبن الذنوب، وفى الحديث (إن الصلوات الخمس تكفر ما بينها من الذنوب أو الطاعات) قال عليه الصلاة والسلام: (أتبع السيئة الحسنة تمحها). أو سبحان الله. والحمد لله. ولا إله إلا الله. والله أكبر أهـ ص 159.

وفى رواية للطبرانى في الكبير. قال أبو أُمامة: لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سبع مراتٍ ما حدثت به. قال: إذا توضأ الرجل كما أُمر ذهب الإثم (¬1) من سمعه، وبصره، ويديه ورجليه وإسناده حسن أيضاً. الطهور شطر الإيمان الخ 21 - وعن ثعلبة بن عبادٍ عن أبيه رضي الله عنه قال: ما أدرى كم حدّثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجاً أو أفراداً، قال: ما من عبدٍ يتوضأُ فيحسن الوضوء فيغسل وجهه حتى يسيل الماء على ذقنه، ثم يغسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه ثم غسل رجليه حتى يسيل الماء من كعبيه، ثم يقوم فيصلى إلا غفر له ما سلف من ذنبه رواه الطبراني في الكبير بإسناد لِّين. (الذقن) بفتح الذال المعجمة والقاف أيضاً: وهو مجتمع اللَّحيين من أسفلهما. 22 - وعن أبي مالك الأشعرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور (¬2) شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان (¬3)، وسبحان الله، والحمد لله تملآن، أو تملأ ما بين السماء والأرض (¬4)، والصلاةُ نورٌ (¬5)، والصدقة برهان (¬6) ¬

(¬1) الذنب الصغير يعفو الله عنه تفضلا جزاء إقدامه على الطهارة. (¬2) بضم الطاء الفعل على المختار، ويجوز فتحها، والمعنى: النظافة، والنقاء، والإقدام على الطهارة نصف التصديق بالله، والإيمان به، وسبب الإقبال على الطاعات، والإكثار من العبادات، وشطر بمعنى نصف. وقيل المراد بالإيمان الصلاة، والطهارة شرط في صحتها كما قال الله تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) وقيل معناه الإيمان تصديق بالقلب، وانقياد بالظاهر، وهما شطران للإيمان، والطهارة متضمنة الصلاة فهى انقياد في الظاهر. (¬3) عظم أجرها عند الله حتىن ثوابها تملأ حسناته الميزان فيرجح لقائلها والمحافظ على ذكر الله وحمده، وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال، وثقل الموازين وخفتها. (¬4) لو قدر ثوابهما جسما لملأ ما بين السموات والأرض، وبسبب عظم فضلهما ما اشتملت عليه من التنزيه لله تعالى بقوله: سبحان الله والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله والحمد لله - والله أعلم أهـ نورى ص 101. (¬5) قال النووي: معناه أنها تمنع من المعاصى وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدى إلى الصواب كما أن النور يستضاء به، وقيل معناه أن يكون أجرها نورا لصاحبه يوم القيامة، وقيل لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها، وإقباله على الله تعالى بظاهره وباطنه، وقد قال الله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة) وقيل معناه أنها تكون به نورا ظاهرا على وجهه يوم القيامة، ويكون في الدنيا أيضا على وجهه البهاء، بخلاف من لم يصل، والله أعلم. أهـ. (¬6) قال صاحب التحرير: معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين، كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول تصدقت به - قال ويجوز أن يوسم المتصدق بسيماء يعرف =

والصبر (¬1) ضياء، والقُرآن حجةٌ لك أوعليك (¬2) كل الناس يغدو (¬3) فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها. رواه مسلم والترمذي وابن ماجه إلا أنه قال: إسباغ الوضوء شطر الإيمان، ورواه النسائي دون قوله: كُلُّ الناس يغدُوا إلى آخره. (قال الحافظ عبد العظيم) وقد أفردت لهذا الحديث وطرقه وحكمه وفوائده جزءاً مفرداً. 33 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلمٍ يتوضأ فيسبغ (¬4) الوضوء، ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول إلا انفتل (¬5) وهو كيوم ولدته أُمه. الحديث. رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد. ¬

= بها فيكون برهانا له على حاله ولا يسأل عن مصرف ماله - وقال غير صاحب التحرير: معناه الصدقة حجة على إيمان فاعها، فان المنافق يمتنع منها لكون لا يعتقدها فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه، والله أعلم. (¬1) حبس النفس على طاعة الله تعالى، والامتناع عن المعاصى، وتحمل النائبات، وأنواع المكاره في الدنيا: قال النوى: والمراد أن الصبر محمود، ولا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا مستمرا على الصواب، قال إبراهيم الخواص: الصبر: هو الثبات على الكتاب والسنة. وقال ابن عطاء الله: الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب. وقال الأستاذ أبو على الدقاق رحمه الله تعالى: حقيقة الصبر ألا يعترض على المقدور، فأما إظهار البلاء لا على وجه الشكوى فلا ينافى الصبر قال الله تعالى في أيوب عليه السلام: (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) مع أنه قال: (إنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين) أهـ. والله أعلم. وقال تعالى في سورة هود: (واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين). (¬2) قال النووي رحمه الله تعالى معناه ظاهر: أي تنتفعبه إن تلوته وعملت به، وإلا فهو حجة عليك أهـ ص 102. يا أخى القرآن يتلى الآن أمامك، وتسمعه بأذنك، فعليك أن تعمل به، وتصغى لإرشاداته، وتتحلى بآدابه لتصل إلى الله وتفوز، ولا تفرط في درره، ولاتضيع لآلئه، وحذار أن تهمل نصائحه، وخشية أن يكون لك يوم القيامة العدو الألد، والخصم القوى الحجة عليك. قال الله تعالى: (إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعلمون الصالحات أن لهم أجر كبيرا. وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة، أعتدنا لهم عذابا أليما) 11 من سورة الإسراء. قال البيضاوى: يبشر المؤمنين ببشارتين: ثوابهم، وعقاب أعدائهم أهـ. إن فيه فئة الآن تترك تعاليم القرآن، وتنتسب إلى الإسلام، وهى على شفا جرف هار في النار، والدليل على ذلك أنها تجلس في مجالسة فتلغوا، وتتحدث أثناء القراءة، وتشرب الدخان، وتضحك، وتقهقه، وتهوش، وتلعب الشطرنج أو النارد - والقارئ يقرأ، وهكذا من صنوف قلة الأدب، وترك التأديب مع الله الذى أنزل القرآن للناس رحمة ونعمة - قال الله تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون). (¬3) قال النووي رحمه الله: معناه كل إنسان يسعى بنفسه، فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتبعها فيوبقها أي يهلكها. والله أعلم: أهـ. (¬4) يتم. (¬5) خرج نقيا، ومن فتل لحبل إذا جمع دقائقه، وأوجد منها ما يصلح.

إسباغ الوضوء في المكاره الخ يغسل الخطايا غسلا 24 - وعن علي بن أبى طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إسباغ الوضوء في المكاره (¬1)، وإعمال الأقدام (¬2) إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة (¬3) يغسل الخطايا غسلاً. رواه أو يعلى والبزار بإسناد صحيح، والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم. 25 - وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: ألا أدُلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا (¬4) إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه، ورواه ابن ماجه أيضاً، وابن حبان في صحيحه من حديث أبى سعيد الخدرى إلا أنها قالا فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدُلُّكم على ما يُكفرُ الله به الخطايا، ويزيدُ به في الحسنات، ويكفرُ به الذنوب؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكروهات، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط (¬5). رواه ابن حبان في صحيحه عن شرحبيل بن سعد عنه. 26 - وروى عن على بن أبى طالب رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أسبغ (¬6) الوضوء في البرد الشديد كان له من الأجر كفلان (¬7). رواه الطبراني في الأوسط. ¬

(¬1) عند البرد، أو المصائب، فيتمم المتوضئ الفروض والسنن، ويعمد إلى الصلاة، ويرجو عفو الله. (¬2) الذهاب إلى المساجد للصلاة جماعة. (¬3) يصلى الفرض ويجلس حتى يأتى وقت الفريضة الأخرى. (¬4) كثرة المشى كل خطوة عشر حسنات وتمحو عشر سيئات، فالصالح من حافظ على صلاة الجماعة في المسجد وأكثر الخطوات رجاء الثواب، وعمرها بذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬5) قال ابن الأثير في النهاية: في الأصل: الإقامة على جهاد العدو بالحرب، وارتباط الخيل وإعدادها، فشبه ما ذكر من الأفعال الصالحة والعبادة بالرباط، وقال القتيبى أصل المرابطة أن يربط الفريقان خيولهم في ثفر كل منهما معد لصاحبه فسمى المقام في الثغور رباطا، ومنه قولهم فذلكم الرباط، أي إن المواظبة على الطهارة، والصلاة والعبادة كالجهاد في سبيل الله تعالى فيكون الرباط مصدر رابط: أي لازمت، وقيل الرباط هاهنا اسم لما يربط به الشئ أي يشد، يعنى أن هذه الخلال تربط صاحبها عن المعاصى وتكفه عن المحارم ص 60 جـ 2. (¬6) أتم. (¬7) نصيبان من الأجر.

متى أتم الوضوء كما أمر الله فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن 27 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتانى الليلة آتٍ من ربى، قال يا محمد: أتدرى (¬1) فيم يختصم الملا الأعلى؟ قلت: نعم في الكفارات (¬2)، والدرجات (¬3)، ونقل الأقدام للجماعات (¬4)، وإسباغ (¬5) الوضوء في السَّبرات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخيرٍ، ومات بخيرٍ، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أُمه، رواه الترمذي في حديث يأتى بتمامه إن شاء الله تعالى في صلاة الجماعة، وقال حديث حسن. (السبرات جمع سبرة، وهى شدة البرد. 28 - وعن أُبى بن كعب رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ واحدة (¬6) فتلك وظيفة الوضوء التى لا بُدَّ منها، ومن توضأ اثنين فله كفلان من الأجر، ومن توضأ ثلاثا (¬7) فذلك وُضُوئى ووضوء الأنبياء قبلى، رواه الإمام أحمد وابن ماجه، وفي إسنادهما زيد العمىّ، وقد وُثق، وبقية رواة أحمد رواة الصحيح، ورواة ابن ماجه أطول منه من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف. 29 - وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات المكتوبات كفاراتٌ لما بينهن، رواه النسائي وابن ماجه بإسناد صحيح. 20 - وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ كما أُمر (¬8) وصلى كما أُمر غُفر له ما تقدم من ¬

(¬1) أتعلم في أي شئ يتنازع ويتخاصم الملائكة سكان السماء، عباد الرحمن. (¬2) أسباب إزالة الخطايا، وحوز رضا الله، وقيل فضله، وكسب إحسانه. (¬3) الرقى والمحامد والفوز. (¬4) وثواب الخطا إلى المساجد: وحسبك قوله صلى الله عليه وسلم: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح). (¬5) إتمام. (¬6) اقتصر على واحدة، وهى أداء الفرض. (¬7) السنة أن يعمل ثلاثا، وهى الموافقة شرائعهم. (¬8) أي توضأ وضوءا حائزا تمام الفروض والسنن، وصلى بتؤدة، وتأن وكانت صلاته تامة الأركان والشروط والسنن. قال القاضى عياض: محو الخطايا كناية عن غفرانها، قال: ويحتمل محوها من كتاب الحفظة، ويكون دليلا علىغفرانها، ورفع الدرجات إعلاء المنازل في الجنة. وإسباغ الوضوء تمامه، والمكاره تكون بشدة البرد، وألم الجسم، ونحو ذلك، وكثرة الخطأ تكون ببعد الدار، وكثرة التكرار: أهـ ص 141 نووى. =

عملٍ، رواه النسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: ¬

_ = والدليل من الكتاب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) إلى آخر الآية. قال البيضاوى: أي إذا أردتم القيام، كقوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) عبر عن إرادة الفعل بالفعل المسبب عنها للإنجاز، والتنبيه على أن من أرد العبادة ينبغى أن يبادر إليها بحيث لا ينفك الفعل عن الإرادة - أو إذا قصدتم الصلاة لأن التوجه إلى الشئ إليه قصد له، وظاهر الآية وجوب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة، وإن لم يكن محدثا، والإجماع على خلافة لما روى أنه عليه الصلاة والسلام صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد يوم الفتح فقال عمر رضي الله عنه: صنعت شيئا لم تكن تصنعه، فقال: عمدا فعلته، فقيل مطلق أراد به التقييد - والمعنى إذا قمتم إلى الصلاة محدثين. وقيل الأمر فيه للندب أهـ ص 169. قال النووي: اختلف أصحابنا في الموجب للوضوء على ثلاثة أوجه: أحدها أنه يجب بالحدث وجوبا موسعا. ثانيهما: ألا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة. ثالثها: يجب بالأمرين وهو الراجح أهـ. الآية الثانية: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) 222 من سورة البقرة: أي يحب من طهر من الذنوب والأقذار، وبعد من الفواحش، وتنزه عن الكبائر، وأقدم إلى ربه نادما راجياً. الآية الثالثة قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار يوم لا يخزى الله النبى والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير)، 9 سورة التحريم: أي ارجعوا عن ذنوبكم واعزموا عزمة بالغة في النصح أو توبوا نصيحا لأنفسكم، وسئل على رضى الله عنه تعالى عن التوبة فقال: يجمعها ستة أشياء: على الماضى من الذنوب الندامة، وللفرائض الإعادة، ورد المظالم، واستحلال الخصوم. وأن تعزم على أن لا تعود، وكما قال صلى الله عليه وسلم (هم غر محجلون من أثر الوضوء). اقرأ باب الوضوء أيها المسلم، وتمعن في تفهمه، وترو في درسه، تجد حلاوة الوضوء بها، وجمالا، ونظافة، وكمالا، وصحة ونورا - طهارة الفم من الأقذار الجراثيم الباقية من الطعام والشراب، والمحافظة على كنز الأسنان وحفظها من السوس الألد في الضرر. هذا إلى نظافة الفم مما علق به من الغبار والتراب ثم نظافة العينين والخدين (تعرف في وجوهم نضرة النعيم) والمعجزة الخالدة مسح الرأس حتى يتمرن الجسم على مصادمة الهواء، وحتى يزول العرق السام وحتى يتنعم الجسم نضارة، فلا يمرض من شدة الهواء، ولا تصيبه كحة، ولا ترمد عيناه، وعنه صلى الله عليه وسلم أخذت المدينة الحديثة اليوم: غسل الرأس، وكشفها وتمشيطها، وتعريضها للهواء، ثم تنظف القدمان من الأوساخ وتخلل الأصابع، وقد غبط الفرنجة المسلمين في هذه الفعلة المحمودة وعملوا صباحا وظهرا ومساء، وآسف من قوم يفعلونها نظافة وطهارة ولكن لا يصلون لعمى الوضوء مطهرة غفل الله عنها اللاهون عن الله، الناسون حقوق الله، والله تعالى ما فرضه إلا سياجا للحكمة وثمرة للصحة، وبابا للنظافة، وعنوانا للخير والبر والإحسان والكمال. وهل تجد أبدع فائدة للوضوء من ميزة خاصة ونور يتلألأ يوم الشدائد والأهوال، فيميز الله الخبيث من الطيب فيردون على حوض رسول الله صلى الله عليه، وتحاط بهم ملائكة الرحمة، ويمدهم الله بظله، ويقيهم المكاره، ويمنع عنهم العذاب، ومصداق ذلك قوله تعالى: (الدليل الرابع) (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم) 12 يوم يقول المنافقون للذين آمنوا =

غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه. ¬

_ = انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، 13 ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغفرور، 14 فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) 15 من سورة الحديد: أي الشئ الذى يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة يتلألأ في جباههم تلألؤ الشمس في واضحة النهار، أو البدر في كبد السماء، تستقبلهم ملائكة الرحمة بحفاوة، وجليل استقبال وتحمل البشرى الحسنة بالنعيم المقيم، وينادي المنافقون والفاسقون انتظرونا أيها الصحاب. لماذا تسرعون إلى الجنة كالبرق الخاطف، أو انظروا إلينا. قال البيضاوى: فانهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم أهـ، وقرأ حمزة: انظرونا. على أن اتئادهم ليلحقوا بهم إمهال لهم. وإن جواب الصالحين لأولئك الكفرة اذهبوا إلى الدنيا دار العمل، ودار التحصيل، ودار الثواب والعقاب، هناك تكتسب المعارف الإلهية، والأخلاق الفاضلة، وتشيد الصالحات، وتطاع أوامر الرحمن الديان الحنان المنان. الباعث الوارث. ذي الجلال والإكرام، ابحثوا عن غير هذا تهكما بهم وتجديد الحسرة لهم، اليوم تجنون ثمرة أعمالكم وغوايتكم وضلالكم وغفلتكم من ربكم، ويقام جسر، أو حائط، أوحائل بين المؤمنين والمنافقين. الجهة الأولى: تلى الجنة، والصفحة الثانية: تلي النار، يقول المؤمنون: ذوقوا نتيجة الغواية والنفاق. فانكم تربصتم بالمؤمنين الدوائر، وشككتم في الدين، وغرتكم الآمال والأموال، وامتداد العمر، وحلم الله وصبره على معاصيكم، وكان قائدكم الشيطان الخناس، وزهزهت لكم الدنيا وزخارفها. وشاهدنا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث 5 (وودت أنا قد رأينا إخواننا، وإخواننا لم يأتوا بعد، يأتون غرا محجلين من الوضوء) وإن كان البيضاوى رحمه الله علق قوله تعالى: (يوم ترى) الظرف على قوله تعالى فيضاعفه، أو قدر باذكر (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له، وله أجر كريم) 12 من سورة الحديد والله فضله واسع يجازي المحسن المتصدق؛ ويجازى المتوضئ أيضا إذ رحمته لا حد لها. وفي الحديث بيان الوضوء الكامل، وقد عبر عنه الفقهاء بفرائض: (1) النية: وهي قصد الشئ مقترنا بفعله، فينوي الشخص رفع الحدث الأصغر وتكون النية مقرونة بغسل أول جزء من الوجه، ومحلها القلب، وحكمها الوجوب. (2) غسل الوجه، وطوله من منابت شعر الرأس المعتاد إلى مجمع اللحيين، وعرضه من الأذان إلى الأذن، ويجب إزالة ما على الوجه من وسخ أو رمص يمنع من وصول الماء، وغسل الهدب، والشارب، والحاجب، والعنفقة، والعذار. (3) غسلى اليدين مع المرفقين. (4) مسح بعض الرأس. (5) غسل الرجلين مع الكعبين، ويجب غسل ما بين الأصابع والثقوب، وإزالة ما عليهما، وما تحت الأظفار من وسخ ونحوه. (6) الترتيب في أفعال الوضوء بأن يبدأ بغسل الوجه، ثم اليدين، ثم مسح الرأس، ثم غسل الرجلين، ويسقط الترتيب بانغماسه في ماء بنية الوضوء بعد تمام الانغماس، وفي غسله من الجنابة. وسننه التوجه للقبلة. وتوقي الرشاش والاستعاذة والتسمية وقول: الحمد لله على الإسلام ونعمته. الحمد لله الذي جعل الماء طهورا والاسلام نورا. رب أعوذ بك من همزات الشياطين؛ وأعوذ بك أن يحضرون: اللهم احفظ يدي من معاصيك كلها، وغسل الكفين إلى الكوعين والسواك، والمضمضة، والاستنشاق مع المج، والاستنثار بثلاث غرف ويتمضمض من كل منها، ثم يستنشق أفضل من الفصل، ومسح جميع الرأس، ومسح جميع الأذنين ظاهرهما وباطنهما بماء جديد، وتخليل اللحية الكثة (الكثيفة)، وتخليل أصابع اليدين والرجلين إن وصل الماء إليها من غير تخليل، وإلا وجب، وتقديم اليمنى على اليسرى، وتكرار المغسول، أو الممسوح ثلاثا، والموالاة أي التتابع، وترك التنشيف بلا عذر. تنبيه: يسن الوضوء لقراءة القرآن وسماعه والحديث وسماعه ورورايته، وحمل كتب الحديث أو التفسير، والفقه وكتابتها، وقراءة العلم الشرعى، والأذان، والجلوس في المسجد، ودخوله، والوقوف بعرفة، والسعى، وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم، ومن حمل الميت، وعند الغضب.

الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده

الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده 1 - عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقيموا ولن تحْصُوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يُحافظ على الوضوء إلا مُؤمن. رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ولا علة له سوى وهم أبي بلال الأشعرى، ورواه ابن حبان في صحيحه من غير طريق أبى بلال، وقال في أوّله: سَدِّدُوا وقارِبُوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، والحديث. رواه بن ماجه أيضاً من حديث ليث هو ابن سليم عن مجاهد عن عبد الله بن عمر من حديث أبى حفص الدمشقي، وهو مجهول عن أبي أمامة يرفعه. 2 - وعن ربيعة الجُرَشِيِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استقيموا (¬1)، ونِعِمَّا إن استقمتم، وحافظوا على الوضوء، فإن خير أعمالكم الصلاة، وتحفظوا (¬2) من الأرض فإنها أُمُّكم، وإنه ليس أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهى مُخبرةٌ به. رواه الطبراني في الكبير من رواية ابن لهيعة. (قال المْملى الحافظ عبد العظيم): وربيعة الجرشى مختلف في صحبته، وروى عن عائشة وسعد وغيرهما، قتل يوم مرج راهط. ¬

(¬1) امشوا على سنن الحق والشرع، فالاستقامة مثال التقوى الكامل وهى أحصن المعاقل، وأعذب المناهل وأنفع الذخائر: يوم تبلى السرائر. ولذا مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (ونعما) لأن الاستقامة أفضل الأعمال، وأوضح المسالك إلى الفوز برضا المتعال، وأجلب الأشياء للسعادة الباقية، وأجناها لقطوف الجنان الدانية، وتتفتح عن نور الصلاح. (¬2) يبين النبى صلى الله عليه وسلم أن الأرض، وأمكنتها على ما عمل فوقها، ويأمر المسلمين أن يحترسوا أن يفعلوا على وجهها شرا، ويعملوا الخير رجاء أن تشهد الأرض بحسن الأعمال. قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم. (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير 113، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) 114 من سورة هود. قال البيضاوى: لما بين أمر المختلفين في التوحيد والنبوة، وأطنب في شرح الوعد والوعيد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستقامة مثل ما أمر بها، وهي شاملة للاستقامة في العقائد كالتوسط بين التشبيه والتعطيل بحيث يبقى العقل مصونا من الطرفين , والأعمال من تبليغ الوحى، وبيان الشرائع كما أنزل، والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط وإفراط مفوت للحقوق ونحوها، وهى في غاية العسر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (شيبتنى هود).

الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عامدا

3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشقَّ (¬1) على أُمتى لأمرتهم عند كل صلاةٍ بوضوء، ومع كل وضوء بسواكٍ. رواه أحمد بإسناد حسن. 4 - وعن عبد الله بن بُرَيْدَة عن أبيه رضي الله عنهما قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فدعا بلالاً، فقال يا بلالُ: بم سبقتنى إلى الجنة؟ إنى دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامى، فقال بلالٌ: يا رسول الله: ما أذنتُ قط إلا صليت ركعتين، ولا (¬2) أصابنى حدث قط إلا توضأت عنده (¬3)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهذا (¬4). رواه ابن خزيمة في صحيحه. 5 - وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ على طُهرٍ (¬5) كُتِبَ له عشر حسناتٍ، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه. (قال الحافظ): وأما الحديث الذى يُروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: الوضوء على الوضوء نورٌ على نورٍ. فلا يحضرنى له أصل من حديث النبى صلى الله عليه وسلم ولعله من كلام بعض السلف، والله أعلم. الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عامدا 1 - قال الإمام أبو بكرٍ بن أبى شيبة رحمه الله: ثبت لنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا وُضُوءَ لمن لم يسم الله (¬6) كذا قال: 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) لولا أن أسن عملا عسيرا. (¬2) في نسخة: وما. (¬3) في نسخة: عندها. (¬4) في نسخة: بهذا، أي أن النبى صلى الله عليه وسلم طلب بلالا يحدث عن هذا الفضل العظيم فسأله أي شئ عملته فسبقتنى إلى الجنة؟ وقد سمعت صوت مشيك في الجنة؟ فأجاب بلال: بالمحافظة على الطهارة والوضوء فإذا حصل ناقض جدد وضوءه، بهذا رفع الله درجته في الجنة. (¬5) وضوء: بمعنى أن يجدد الإنسان وضوءه مرة ثانية كلابس ثوب جديد، يقبل على عبادة ربه بطهارة حديثة، وقد فسرت فيما بعد (بنور على نور). (¬6) أي أن الذى يتوضأ ولا يقول: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وضوءه ناقص.

الترغيب في السواك وما جاء في فضله

لا صلاة لمن لا وضوء له (¬1): ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد. (قال الحافظ عبد العظيم): وليس كما قال، فإنهم رووه عن يعقوب بن سلمة الليثى عن أبيه عن أبي هريرة، وقد قال البخاري وغيره: لا يعرف لسلمة سماع من أبى هريرة، ولا ليعقوب سماع من أبيه انتهى، وأبوه سلمة أيضا لا يعرف ما روى عنه غير ابنه يعقوب، فأين شرط الصحة؟ 3 - وعن رباح بن عبد الرحمن بن أبى سُفيان بن حُويطبٍ عن جدته عن أبيها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه رواه الترمذي واللفظ له وابن ماجه والبيهقى، وقال الترمذي: قال محمد بن إسماعيل يعنى البخاري: أحسن شئ في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن عن جدته عن أبيها، قال الترمذي: وأبوها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. (قال الحافظ): وفي الباب أحاديث كثيرة لا يسلم منها عن مقال. وقد ذهب الحسن وإسحاق بن راهويه، وأهل الظاهر إلى وجوب التسمية في الوضوء، حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء، وهو رواية عن الإمام أحمد، ولا شك أن الأحاديث التى وردت فيها، وإن كان لا يسلم شئ منها عن مقال، فإنها تتعاضد بكثرة طرقها، وتكتسب قوة، والله أعلم. الترغيب في السواك وما جاء في فضله 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن أَشُقَّ (¬2) على أُمتى لأمرتهم بالسواك مع كل صلاةٍ. رواه البخاري واللفظ له، ومسلم إلا أنه قال: عند كل صلاة. والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، إلا أنه قال: مع ¬

(¬1) تبطل الصلاة بدون وضوء كما أن الوضوء الكامل بذكر اسم الله عليه، والتسمية سنة. (¬2) لولا أن أصعب وأشدد، والسواك يطلق على العمل، وعلى العود الذى يتسوك به، وفي اصطلاح العلماء: استعمال عود أو نحوه في الأسنان لتذهب الصفرة وغيرها عنها، والسواك مستحب في جميع الأوقات، ويزيد استحبابه في خمس أوقات: عند الوضوء، والقيام إلى الصلاة، وقراءة القرآن، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند تغير الفم. وعند الشافعي يكره للصائم بعد زوال الشمس، ويستحب أن يمر السواك على طرف أسنانه، وكراسى أضراسه، وسقف حلقه إمرارا لطيفا، ويبدأ بالجانب الأيمن.

الوضوء عند كل صلاة ورواه أحمد وابن خزيمة في صحيحه، وعندهما: لأمرتهم بالسواك كل وضوء. 2 - وعن علي بن أبي طالب: رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أُمتى لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. 3 - وعن زينب بنت جحشٍ رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لولا أن أشق على أُمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاةٍ كما يتوضئون. رواه أحمد بإسناد جيد، ورواه البزار والطبراني في الكبير من حديث العباس بن عبد المطلب ولفظه: لولا أن أشق (¬1) على أُمتى لفرضت عليهم السواك عند كل صلاةٍ كما فرضت عليهم الوضوء. ورواه أبى يعلى بنحوه وزاد فيه: وقال عائشة رضي الله عنها: وما زال النبى صلى الله عليه وسلم يذكر السواك حتى خشيت أن يُنزل فيه قُرآن. 4 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: السواك مطهرةٌ (¬2) للفم، مرضاةٌ (¬3) للرب. رواه النسائي وابن خزيمة وابن خزيمة في صحيحهما، ورواه البخاري معلقا مجزوما، وتعليقاته المجزومة صحيحة، ورواه الطبراني في الأوسط والكبير من حديث ابن عباس، وزاد فيه: ومجلاةٌ للبصر. 5 - وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربع ¬

(¬1) قال الشافعي رحمه الله تعالى: لو كان واجباً لأمرهم، شق أو لم يشق. قال النووي رحمه الله: إنه مسنون، وفيه دليل على جواز الاجتهاد للنبى صلى الله عليه وسلم فيما لم يرد فيه نص من الله سبحانه وتعالى. (¬2) آله نظافة وطهارة. (¬3) يجلب رضا الرب سبحانه ويستحب عند قراءة الحديث، ودرس العلم والذكر وعند العطس والجوع، وعند الاحتضار، ويقال إنه يسهل خروج الروح، وفي السحر، وإرادة الأكل، وبعد الوتر، وإرادة السفر، وعند القدوم منه، على أنه مسخطة للشيطان. مطيب للنكهة. مصف للخلقة. مزك للفطنة والفصاحة. قاطع للرطوبة. محد للنصر. مبطئ للشيب مسو للظهر. مضاعف للأجر. مرهب للعدو هاشم للطعام، مذكر للشهادة عند الموت:

من سنن المرسلين: الختان (¬1)، والتعطر (¬2)، والسواك، والنكاح (¬3). رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب. ما جاء في السواك وفضائله 6 - وعن أبي عمر رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالسواك، فإنه طيبة للفم، مرضاة للرب تبارك وتعالى. رواه أحمد من رواية ابن لهيعه. 7 - وعن شُريح بن هانئٍ قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: بأى شيء كان يبدأُ النبى صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قلت: بالسواك (¬4). رواه مسلم وغيره. 8 - وعن زيدِ بن خالدٍ الجهنى رضي الله عنه قال: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشئٍ من الصلاة (¬5) حتى يستاك. رواه الطبراني بإسناد لا بأس به. 9 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي بالليل ركعتين ركعتين، ثم ينصرف فيستاك، رواه ابن ماجه والنسائي، ورواته ثقات. 10 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تسوَّكوا (¬6)، فإن السواك مطهرة للفم، مرضاةٌ للرب، ما جاءنى جبريل إلا أوصانى بالسواك حتى لقد خشيت أن يُفرض علىَّ وعلى أُمتى، ولولا أني أخاف أن أشُقَّ على أثمتى لفرضته عليهم، وإنى لأستاك حتى خشيت أن أُحفى مقادم فمى. رواه ابن ماجه من طريق علىّ بن يزيد عن القاسم عنه. 11 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لقد أُمرت بالسواك حتى ظننت أنه ينزل (¬7) عليَّ فيه قُرآن، أو وحىٌ. رواه أبو يعلى وأحمد، ولفظه: قال: لقد أُمِرتُ بالسواك حتى خشيت أن يُوحَى إلىَّ فيه شئٌ. ورواته ثقات. 12 - وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) في نسخة: الحناء، والختان للرجل أن يقطع جميع الجلدة: التى تغطى الحشفة حتى ينكشف جميعها، وفي المرأة يجب قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج، والختان واجب عند الشافعي، وكثير من العلماء وسنة عند مالك - قال النووي: والصحيح من مذهبنا أنه جائز في حال الصغر. (¬2) استعمال الرائحة الذكية والطيب. (¬3) الزواج. (¬4) كتب النووي رحمه الله على هذا: فيه بيان فضيلة السواك في جميع الأوقات، وشدة الاهتمام به وتكراره. والله أعلم. (¬5) في نسخة: من الصلوات. (¬6) استعملوا السواك. (¬7) أن الله تعالى يرسل إلى آية في بيان اتخاذه.

أُمِرتُ بالسواك حتى خشيت أن يُكتَبَ علىَّ (¬1). رواه أحمد والطبراني، وفيه ليث ابن أبى سليم. ما جاء في السواك وفضائله 13 - وعن أُم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مازال جبريل يُوصيني بالسواك حتى خفت على أضراسى. رواه الطبراني بإسناد لِّين. 14 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لزمت السواك حتى خشيتُ أن يدُردِ فيَّ (¬2). رواه الطبراني في الأوسط، ورواته رواة الصحيح، ورواه البزار من حديث أنس، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أمرت بالسواك حتى خشيت أن أُدرد (¬3) (الدَّرَد): سقوط الاسنان. 15 - وعن علي رضي الله عنه أنه أُمر بالسواك، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا تسوك (¬4)، ثم قام يُصلى قام الملك خلفه فيستمع لقراءته فيدنوا منه - أو كلمةً نحوها - حتى يضع فاه على فيه، فما يخرج من فيه شئ من القرآن إلا صار في جوف (¬5) الملك، فطهروا (¬6) أفواهكم للقرآن. رواه البزار بإسناد جيد لا بأس به. وروى ابن ماجه بعضه موقوفا، ولعله أشبه. 16 - وعن عائشة رضي الله عنه زوج النبى صلى الله عليه وسلم النبى صلى الله عليه وسلم قال: فضل الصلاة (¬7) بالسواك على الصلاة بغير سواكٍ سبعون ضعفاً. ¬

(¬1) يفرض على. (¬2) يؤثر على فمى، والدرد: سقوط الأسنان، وفي النهاية حديث (لزمت السواك) حتى خشيت أن يدردنى) أي يذهب بأسنانى أهـ. ورجل أدرد: ليس في فمه سن، والأنثى درداء، وبابه طرب، ودريد: تصغير أدرد. (¬3) في نسخة: يدردنى. (¬4) يخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن يحافظوا على السواك، رجاء أن الحفظة، وملائكة الرحمة يتقربون منه، ويتلذدون بسماع قراءته، ويدعون له بالغفران والرضوان، ويشمون فاه، فإذا شموا رائحة كريهة نفروا منه، وبعدوا عنه، وحرم نفسه من جوار الملائكة البررة. (¬5) بطنه ليبقى أثرها، ويدوم نفعها، ويتجلى فضلها إلى يوم القيامة. (¬6) أمر النبى صلى الله عليه وسلم بتطهير الفم، استعدادا للعبادة، واحتراماً لذكر الله وقرآنه. (¬7) أي إن الصلاة مع استعمال سنة السواك يضاعف ثواب حسناتها بسبعين ضعفا عن صلاة بلا سواك. فعليك أيها المسلم به لفائدته الجليلة العصرية، وقد استعمله الأجانب في نظافة الأسنان، وأوصى الأطباء الأفرنج بعمل مسحوق منه يباع في الصيليات، قال عنه الحافظ بن حجر: =

الترغيب في تخليل الأصابع، والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا أخل بشيء من القدر الواجب

رواه أحمد والبزار، وأبى يعلى، وابن خزيمة في صحيحه، وقال: في القلب من هذا الخبر شئ، فإنى أخاف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمعه من ابن شهاب، ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وكذا قال، ومحمد بن إسحاق إنما أخرج له مسلم في المتابعات. 17 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن أُصلى ركعتين بسواكٍ أحبُّ إلىَّ من أن أصلى سبعين ركعة بغير سواكٍ رواه أبو نعيم في كتاب السواك بإسناد جيد. 18 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ولم: ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواكٍ. رواه أبو نعيم أيضا بإسناد حسن. الترغيب في تخليل الأصابع، والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا أخل بشيء من القدر الواجب 1 - عن أبي أيوب، يعنى الأنصارى رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حبذا (¬1) المُتخلِّلُون من أُمتى. قال: (¬2) وما المتخللون يا رسول الله؟ قال: المتخللون في الوضوء، والمتخللون من الطعام. أما تخليل الوضوء: فالمضمضة، ¬

= ومرغم الشيطان والعدو ... والعقل والجسم كذا يقوى ومورث لسعة مع الغنى ... ومذهب الآلام حتى للعنا وللصداع وعروق الرأس ... مسكن وجع الأضراس يزيد في مال وينمى الولدا ... مطهر للقلب جال للصدا وقد حكى أن جيش المسلمين كان يغزو في سبيل الله، ويحارب الأعداء، وكاد ينهزم، وقرب منه العدو، فبحثوا عن أسباب الهزيمة والتقهقر، فأجاب صالحوهم: من عدم السواك؛ وما كان عندهم، فلجأ الجند إلى جريدة النخل فقطعوه ليأخذوا منه السواك، فرآهم؛ العدو فدخل في قلبه الرعب والفزع، ودب في صفوفه الخوف والوجل ونادى بالثبور والهلاك، وقالوا: يا ويلنا! يأكلون الأشجار؟ وفروا هاربين، وإذا نظرت إلى تفسير قوله تعالى: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر) وجدت سيدنا موسى كان يستعمل السواك وأزال خلوفه به فبعدت عنه الملائكة في صومه. (¬1) حبذا: كلمة مدح وثناء. (¬2) في نسخة قالوا.

والاستنشاق (¬1)، وبين الأصابع (¬2)، وأما تخليل (¬3) الطعام فمن الطعام، إنه ليس شيئ أشدّ على الملكين من أن يريا بين أسنان صاحبهما طعاما وهو قائم يصلى. رواه الطبراني في الكبير، ورواه أيضاً هو والإمام أحمد كلاهما مختصراً عن أبي أيُّوب وعطاء، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حبَّذا المتخللون من أُمتى في الوضوء والطعام. رواه في الأوسط من حديث أنس. ومدارُ طرقه كلها على وصل بن عبد الرحمن الرقاشى، ووقد وثقه شعبة وغيره. 2 - وعن عبد الله، يعنى ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخللوا، فإنه نظافة، والنظافة تدعو إلى الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة. رواه الطبراني في الأوسط هكذا مرفوعا، ووقفه في الكبير على ابن مسعود بإسناد حسن، وهو الأشبه. 3 - ورُوى عن واثلة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من لم يخلل أصابعه بالماء خللها الله بالنار يوم القيامة. رواه الطبراني في الكبير. 4 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتنتهنكُنَّ (¬4) الأصابع بالطهور، أو لتنتهكَنَّهَا النارُ. رواه الطبراني في الأوسط. مرفوعاً ووقفه في الكبير على ابن مسعود بإسناد، والله أعلم. 5 - وفي رواية له في الكبير موقوفه قال: ¬

(¬1) مع المج والاستنثار ثلاث ثلاثا، وجمعهما بثلاث غرف: يتمضمض، ثم يستنشق من كل منها أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد يتمضمض، ثم يستنشق إلا خرت خطايا وجهه وخياشيمه) والمبالغة فيهما لمفطر، ويقول عند المضمضة: اللهم أعنى على ذلك وشكرك، وحسن عبادتك. وعند الاستنشاق: اللهم أرحنى رائحة الجنة. (¬2) أي تخليل أصابع اليدين بالتشبيك، والرجلين بخنصر يده اليسرى مبتدئا بخنصر الرجل اليمنى خاتماً بخنصر الرجل لليسرى. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (خللوا بين أصابعكم لا يخلل الله بينها بالنار). (¬3) أن تخرج بعود الخلال فضلات الطعام، وأن تزيل ما بقى على أسنانك. يا عجبا! دين نظافة وطهارة وصحة. يشكر سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم اولئك المحافظين على طهارة الفم، ويكيل لهم المدح والثناء، ليشم الإنسان رائحتهم الذكية، وتتقرب منهم ملائكة الرحمة في العبادة، ولتبقى نظارة الأسنان وبهجتها وقوتها، فيجود هضم الطعام، ويكثر اللعاب، وتقوى الصحة. ويذم صلى الله عليه وسلم أولئك الأشرار المتساهلين في نظافة فمهم، ويتوعدهم بالسخط، ونفور الملكين المرافقين لكل إنسان، ويخص حالة القرب من الله، والصلاة له جل وعلا. (¬4) يقال نهكت الناقة حلبا أنهكها: إذا لم تبق في ضرعها لبنا: أي ليبالغ المتوضئ في غسل اما بين أصابعه في الوضوء أو لتبالغن النار في إحراقه، ومنه الحديث في النهاية (لينهك الرجل ما بين أصعابه أو لتهتكه النار).

خللوا الأصابع الخمس لا يحشوها الله ناراً. (قوله لتنتهكنّ): أي لتبالغن في غلسها، أو لتبالغنّ النار في إحراقها، والنهك: المبالغة في كل شيء. ويل للأعقاب من النار 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لم يغسل عقبيه فقال: ويل (¬1) للأعقاب من النار. 7 - وفي رواية: أن أبا هريرة رأى قوماً يتوضئون من الطهرة (¬2) فقال: أسبغوا الوضوء، فإنى سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: ويلٌ للأعقاب من النار، أو ويلٌ للعراقيب (¬3) من النار. رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه مختصراً. 8 - وروى الترمذي منه: ويلٌ للأعقاب من النار، ثم قال: وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار. (قال الحافظ): وهذا الحديث الذى أشار إليه الترمذي، رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى مرفوعاً، ورواه أحمد موقوفا عليه. 9 - وعن أبي الهيثم قال: رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوضأُ فقال: بَطْنَ (¬4) القدم يا أبا الهيثم. رواه الطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة. 10 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوماً وأعقابهم تلوح (¬5) فقال: ويلٌ للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء رواه مسلم. ¬

(¬1) وادٍ في جهنم، وهلكة وخيبة لمن يغسل قدميه مع الكعبين، ولا يجزئ مسحهما، وتواعدها صلى الله عليه وسلم بالنار لعدم طهارتها؛ ولو كان المسح كافيا لما تواعده من ترك غسل عقبيه، وقد صح من حديث أن قال، ثم غسل رجليه ثلاثا، ثم قال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم) هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وغيره بأسنيدهم الصحيحة، والله أعلم أهـ نووى ص 129 جزء 3 تواعد ووعد في الخير وأوعد واتعد في الشر. (¬2) هى المطهرة: أي كل إناة يتطهر به. (¬3) جمع عرقوب: العصبة التى فوق العقب. (¬4) أي اغسل بطن القدم واعتن بمرور الماء عليه وتعميمه. (¬5) قال عبد الله بن عمر في رواية مسلم: (رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حتى كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضئوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يسمها الماء الخ ص 128.

الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء

وأبو داود واللفظ له، والنسائي وابن ماجه، ورواه البخاري بنحوه. 11 - وعن أبي روح الكلاعى قال: صلى بنا نبىُّ صلى الله عليه وسلم صلاةً فقرأ فيها بسورة الروم فلبس عليه بعضها، فقال: إنما لبس علينا الشيطان القراءة (¬1) من أجل أقوامٍ يأتون الصلاة بغير وضوء، فإذا أتيتم الصلاة فأحسنوا الوضوء (¬2). 12 - وفي رواية: فتردد في آيةٍ، فلما انصرف قال: إنه لُبِسَ علينا القرآن إلى أقواماً منكم يُصلُّونَ معنا لا يُحسنون الوضوء، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء رواه أحمد هكذا، ورجال الروايتين محتجّ بهم في الصحيح، ورواه النسائي عن أبي روح عن رجل. 13 - وعن رفاعة بن رافعٍ أنه كان جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنها لا تتم صلاة لأحدٍ حتى يُسبغ (¬3) الوضوء كما أمر الله: يغسل (¬4) وجهه ويديه إلى المرفقين، ويسمح برأسه ورجليه إلى الكعبين رواه ابن ماجه بإسناد جيد. الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء 1 - رُوي عن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما منكم من أحدٍ يتوضأُ فيبلغُ (¬5)، أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء. رواه مسلم، وأبو داود وابن ماجه، وقالا فيحسن الوضوء. وزاد أبو داود: ثم يرفع طرفه إلى السماء ثم يقول، فذكره، ورواه الترمذي كأبى داود وزاد: اللهم اجعلنى من التوابين، واجعلنى من المتطهرين. الحديث، وتكلم فيه. ¬

(¬1) في نسخة: القرآن. (¬2) أتموا فروضه وسننه، ولا بد أن يعمم الماء أجزاء العضو. (¬3) يتم. (¬4) في نسخة: بغسل بالباء. (¬5) قال النووي: هما بمعنى واحد أي يتمه ويكمله، فيوصله مواضعه على الوجه المسنون، والله أعلم. وفيه يستحب للمتوضئ أن يقول عقب وضوئه (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) ويضم إليه من راوية الترمذي: (اللهم اجعلنى من التوابين واجعلنى من المتطهرين) ورواية النسائي: (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك استغفرك وأتوب إليك) - قال أصحابنا: وتستحب هذه الأذكار للمغتسل أيضا، والله أعلم. أهـ ص 121.

الترغيب في ركعتين بعد الوضوء

2 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ سورة الكهف كانت له نوراً يوم القيامة من مُقامه إلى مكَّةَ، ومن قرأ عشر (¬1) آياتٍ من آخرها، ثم خرج الدجال لم يضره، ومن توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك، كتب في رقٍّ. ثم جُعِلَ في طابعٍ فلم يُكسر إلى يوم القيامة رواه الطبراني في الأوسط، ورواته رواة الصحيح واللفظ له، ورواه النسائي، وقال في آخره: خُتِمَ عليها بخاتم فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة. وصوّب وقفه على أبى سعيد. 3 - وروى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فغسل يديه، ثم مضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ومسح رأسه، ثم غسل رجليه، ثم لم يتكلم حتى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد (¬2) أن محمداً عبده ورسوله، غفر له ما بين الوضوءين. رواه أبى يعلى والدارقطنى. الترغيب في ركعتين بعد الوضوء 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلالٍ: يا بلالُ حدِّثنى بأرجى (¬3) عمل عملته في الإسلام، إني (¬4) سمعت دف نعليك بين يديَّ في الجنة؟ قال: ما عملت عملاً أرجى عندى من أنى لم أَتَطَهَّرْ طُهُوراً (¬5) في ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ إلا صليت بذلك الطهور ماكُتِبَ لى أن أُصَلِّىَ. رواه البخاري ومسلم ¬

(¬1) في نسخة: العشر الآيات، وفي رواية: العشريات. (¬2) في رواية: وأن محمدا عبده ورسوله. (¬3) أكثر أمل، وانتظار ثواب. (¬4) في نسخة: فإنى. (¬5) الطهور بالضم: التطهر، وبالفتح: الماء الذى يتطهر به كالوضوء، والوضوء بضم وفتح، ويجوز أن يكون في الحديث بفتح الطاء وضمها، والمراد بهما التطهر، والمال الطهور بالفتح يرفع الحديث، ويزيل النجس كالمستعمل في الوضوء والغسل. سيدنا بلال صحابى جليل سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت مشيه في الجنة، وبين لحبيبه صلى الله عليه وسلم أنه يحدث، فيتوضأ ويصلى ما قدره الله له، ويبقى على وضوئه، ويحافظ على طهارته، شأن المؤمنين المتطهرين.

(الدف) بالضم: صوت النعل حال المشى. الترغيب في صلاة ركعتين بعد الوضوء 2 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أحدٍ يتوضأُ فيحسن الوضوء، ويصلى ركعتين (¬1) يُقبلُ (¬2) بقلبه ووجهه (¬3) عليهما، إلا وجبت له الجنة. رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه في حديث. 3 - وعن زيد بن خالد الجُهنىِّ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فأحسن الوضوء (¬4)، ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما، غفر له ما تقدم (¬5). رواه أبو داود. 4 - وعن حُمران مولى عثمان بن عفان رضى الله عنه أنه رأى عثمان بن عفان رضى الله عنه دَعَا بوضوءٍ (¬6) فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مراتٍ، ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأُ نحو وُضُوئى هذا، ثم قال: من توضأ نحو وُضُوئي هذا، ثمَّ صلى ركعتين لا يُحدث (¬7) فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 5 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى ركعتين أو أربعاً - يشك سهلٌ - يُحسنُ الركوع والخشوع، ثم استغفر الله، غفر له (¬8). رواه أحمد بإسناد حسن. ¬

(¬1) نافلة. (¬2) أي يخلص لله جل وعلا ولا يحدث نفسه في أمور الدنيا ويتفرغ فيها للتفكير فيما يقرأ. (¬3) لا يكثر من الحركات والإشارات. (¬4) في نسخة: فأحسن وضوءه. (¬5) في نسخة: من ذنبه. (¬6) بماء. (¬7) في رواية: لا يسهو فيهما. (¬8) في نسخة: إلا غفر له. والغرض من هذا الباب أن يحافظ المسلم على ركعتين بعد وضوئه تحدثاً بنعمة الله، وتجديدا لعهد الله والوفاء لله على شريطة إحسان الوضوء، والإقبال على الله بقلبه ووجهه، يفسر ذلك قوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون). هذا إلى عدم السهو في الصلاة، والشعور بالذلة، والوقوف بين يدى أحكم الحاكمين، وحصر الفكر في معنى قراءته، ولا يحدث نفسه عن الدنيا وزهرتها ووساوسها وأشغالها، مع إجادة الألفاظ وترتيلها، والطمأنينة في أركانها، وأخص الركوع والسجود، وحسبك جوابه صلى الله عليه وسلم =

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الترغيب في الأذان وما جاء في فضله 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم الناس ما في النداء (¬1)، والصف الأول (¬2)، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستقبوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة (¬3) والصبح لأتوهما ولو حبواً (¬4). رواه البخاري ومسلم. (قوله) لاستهموا: أي لاقترعوا، والتهجير: هو التبكير إلى الصلاة. 2 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو يعلم الناس ما في التأذين (¬5) لتضاربوا (¬6) عليه بالسيوف، رواه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعة. 3 - وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة عن أبيه أن أبا سعيدٍ الخدريَّ ¬

= لسيدنا جبريل عليه السلام حين سألك ما الإحسان؟ قال عليه الصلاة والسلام: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والفلاح في الآية: الظفر بالمطلوب، والنجاة من المرهوب. وقال ابن عباس: قد سعد المصدقون بالتوحيد، وبقوا في الجنة أهـ، ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (وجبت له الجنة) ومعنى خاشعين خائفين بالقلب ساكنون الجوارح، وروى الحاكم أنه موضع سجوده. (¬1) فضل الأذان. (¬2) ثواب المبادرة إلى إدراك مكان في الصف الأول في الجماعة. قال النووي: النداء الأذان والاستهام الاقتراع، ومعناه أنهم لوعلموا فضيلة الأذان وقدرها وعظيم جزائه ثم لم يجدوا طريقا يحصلونه به لضيق الوقت عن أذان بعد أذان،، أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد لاقترعوا في تحصيله! ولو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة نحو ما سبق وجاءوا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم ثم لم يسمح بعضهم لبعض به لاقترعوا عليه. وفيه إثبات القرعة في الحقوق التي يزدحم عليها ويتنازع فيها أهـ 158 جـ 4. (¬3) العشاء. (¬4) ماشين على الركب، أي إذا علموا فضل المحافظة على صلاة العشاء وصلاة الفجر لأدوهما في المسجد، ولو على ضعف الخطأ؛ وتثاقل المشى: وعدم القدرة على السعى. قال النووي: وفيه الحث العظيم على حضور جماعة هاتين الصلاتين والفضل الكثير في ذلك بما فيهما من المشقة على النفس من تنقيص أول نومه وآخره، ولهذا كانتا أثقل الصلاتين على المنافقين أهـ. (¬5) حب رفع الصوت بألفاظ الأذان لتحصيل ثواب الله، وشهادة كل شئ له بالتوحيد. (¬6) أي لحصل نزاع شريف، وتقاتل بسيط على النصر والفوز في المنافسة الخيرية، والفضل لمن سبق ونال وهذا من باب الترغيب في الخير. وإن حصل شقاق ونفور، فمنعه أولى.

رضى الله عنه قال له: إنى أراك تُحبُّ الغنم والبادية (¬1)، فإذا كنت في غنمك. أو باديتك فأذنت للصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جِنٌ ولا إنسٌ إلا شهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه مالك والبخاري والنسائي وابن ماجه، وزاد: ولا حجرٌ ولاشجرٌ إلا شهد له، وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يسمع صوته شجرٌ، ولا مدرٌ (¬2)، ولا حجرٌ، ولاجنٌ ولا إنسٌ إلا شهد له. 4 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُغفرُ (¬3) للمؤذن مُنتهى أذانهِ، ويستغفر له كل رطبٍ (¬4) ويابس سمعه. رواه أحمد باسناد صحيح، والطبراني في الكبير، والبزار، إلا أنه قال: ويُجيبهُ كلُّ رطبٍ ويابسٍ. 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: المؤذنُ يُغفرُ له مدى صوته، ويصدقُهُ كل رطبٍ ويابس. رواه أحمد واللفظ له، وأبو داود، وابن خزيمة في صحيحه، وعندهما: ويشهد له كل رطبٍ ويابسٍ. والنسائي، وزاد فيه: وله مثل أجرِ من صلى معه. وابن ماجه، وعنده: يغفر له مدَّ صوتهِ، ويستغفر له كل رطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ (¬5) الصلاة تكتب له خمسٌ وعشرون حسنةً، ويُكفَّرُ (¬6) عنه ما بينهما. (قال الخطابي) رحمه الله: مدى الشى غايته، والمعنى أنه يستكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت. (قال الحافظ) رحمه الله: ويشهد لهذا القول رواية من قال: يُغفرُ له مدَّ صوته. بتشديد الدال: أي بقدر مدّه صوته. ¬

(¬1) الصحراء، وهذه نصيحة لمن لم يحضر أذان المسجد أن يرفع صوته بالأذان لينال شهادة ما خلق الله وحده. (¬2) المدر: الطين المتماسك لئلا يخرج منه الماء، من حديث (ثم مداره) أي طيناه وأصلحاه بالمدر. والمدر: البلد، من حديث (أما إن العمرة من بلدكم). (¬3) أي إتمام غفران الله للمؤذن، ودرك رحمته تعالى له بقدر الفراغ الذى يملؤه صوته. (¬4) اللين الذى لا شدة فيه، وهو ما لا يدخر، ولا يبقى كالفواكه والبقول والأطبخة. واليابس: الجامد. (¬5) حاضرها ومؤديها. (¬6) بمعنى أن الله تعالى يتفضل على من أجاب النداء بكتابة حسنات مضاعفة الثواب له، وحط عنه الخطايا، وأزال الأوزار تكفيرا له على ما اقترف بين الوقتين.

(قال الخطابي) رحمه الله: وفيه: وجه آخر وهو أنه كلام تمثيل وتشبيه، يريدأن الكلام الذى ينتهى إليه الصوت لو يقدِّر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذى هو فيه ذنوب تملا المسافة غفرها الله، انتهى. 6 - وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه أن نبى الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وملائكته يصلُّون (¬1) على الصف المُقدَّم، والمؤذَّنُ يُغفرُ له مدى صوته، وصدَّقهُ (¬2) من سمعه من رطبٍ ويابسٍ، وله أجرُ من صلى معه (¬3). رواه أحمد والنسائي باسناد حسن جيد، ورواه الطبراني عن أبي أمامة، ولفظه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤذن يُغفرُ له مدَّ (¬4) صوته، وأجرهُ مثلُ اجر من صلى معه. 7 - وروى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يد (¬5) الرحمن فوق رأس المؤذن، وإنه ليغفر له مدى صوته أين (¬6) بلغ. رواه الطبراني في الأوسط. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإمام ضامنٌ (¬7)، والمؤذن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين. رواه أبو داود والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، إلا أنهما قالا: فأرشد الله الأئمة، وغفر للمؤذنين. ولابن خزيمة رواية كرواية أبى داود. 9 - وفي أُخرى له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤذنون أمناءُ (¬8) والأئمةُ ¬

(¬1) يدعون لم أدرك الصف الأول. والدعاء من الله الرحمة والرضوان. (¬2) لبى نداءه أوردد معه وذكر الله. (¬3) يتكرم الله كثير العطايا الذى لا تنفد خزائنه أن يعطى ثوابا للمؤذن مثل ثواب من أدرك الصلاة معه. (¬4) مثل إمتداد ونهاية. (¬5) رحمته وعونه ومساعدته وإحسانه. (¬6) في أي مكان سار ووصل تحيط به رحمته تعالى. (¬7) في أي مكان سار ووصل تحيط به رحمته تعالى، وقيل إن صلاة المقتدين به في عهدته وصحتها مقرونة بصحة صلاته فهو كالمتكفل لهم بصحة صلاتهم. أهـ ص 26 أي متصف بالأمانة وصدق القول وممتع بثقة الناس، فمن سمعه تلزمه الإجابة. وانظر رعاك الله إلى بداعة أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ودماثتها، يطلب من مولاه جل وعلا أن يفقه الأئمة، ويعلم الرؤساء ليعلموا، ويستر عورات المؤذنين ويقيهم شر السوء خشية ظن الناس بهم شرا، والله أعلم. (¬8) تضع الناس الثقة بهم فيصدقون أن الوقت حان فيفطرون إن صاموا أو يقبلون على الصلاة المكتوبة.

ضُمناء، اللهم اغفر للمؤذنين، وسدد الأئمة (¬1) ثلاث مراتٍ. ورواه أحمد من حديث أبى أمامة بإسناد حسن. الترغيب في الأذان 10 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، فأرشد الله الأئمة، وعفا (¬2) عن المؤذنين. رواه ابن حبان في صحيحه. 11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نُودى بالصلاة أدبر (¬3) الشيطان وله ضراطٌ حتى لا يسمع التأذين، فإذا قُضِىَ الأذان أقبل، فإذا ثُوِّب (¬4) أدبر، فإذا قُضِىَ التثويبُ أقبل حتى يخطر (¬5) بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا، اذكر كذا لما لم (¬6) يكن يذكر من قبل، حتى يظل الرجل ما يدرى (¬7) كم صلى. رواه مالك والبخاري ومسلم، وأبو داود والنسائي. (قال الخطابي) رحمه الله: التثويب هنا الإقامة، والعامة لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في صلاة الفجر: الصلاة خيرٌ من النوم، ولمعنى التثويب الإعلام بالشئ والإنذار بوقوعه، وإنما سميت الإقامة تثويباً لأنه إعلام بإقامة الصلاة، والأذان إعلام بوقت الصلاة. 12 - وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء. قال الراوى: والروحاءُ من المدينة على ستةٍ وثلاثين ميلاً. رواه مسلم. 13 - وعن مُعاوية رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) القادة. دعاء من النبى صلى الله عليه وسلم بطلب المغفرة للمؤذنين وإرشاد الأئمة إلى الحكمة والصواب. (¬2) سامح - ولعل هذا سر، وأرى أن المؤذن مقصر في حقوق الله، ومضيع واجباته، فيطلب المصطفى (وهو بالمؤمنين رءوف رحيم) العفو والغفران له - اللهم اغفر لنا وسامحنا. (¬3) فر وجرى. (¬4) أقام المؤذن الصلاة. (¬5) يدخل ويوسوس، ويترك عنان غوايته. يخطر بالضم: يدنو منه، فيمر بينه وبين قلبه، فيشغله عما هو فيه؛ وبالكسر: يوسوس. (¬6) في نسخة لما لم يذكر. (¬7) يقع عليه الخيال، وتزول خشية الصلاة، وينسى عدد الركعات - وفي هذا ضياع الثواب وعدم قبول الفرض - وقد قال تعالى: (إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) وقال تعالى على لسانه (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين). قال النووي: إنما يدبر الشيطان لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد، وإظهار شعائر الإسلام وإعلانه، وقيل ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد أهـ ص 92 جـ 4.

يقول: المُؤَذِّنُونَ أطول الناس أعناقاً (¬1) يوم القيامة. رواه مسلم، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبى هريرة رضي الله عنه. 14 - وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أقسمت لبررتُ، إن أحبَّ عبادِ الله لَرُعاةُ الشمسِ والقمرِ (¬2) يعنى المؤذنين، وإنهم ليعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم. رواه الطبراني في الأوسط. 15 - وعن أبن أبى أوفَى رضي الله عنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن خيار عباد الله الذين يُراعون الشمس والقمر (¬3) والنجوم لذكر الله. رواه الطبراني واللفظ له والبزّار والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ثم رواه موقوفا، وقال: هذا لا يفسد الأول لأن ابن عيينه حافظ، وكذلك ابن المبارك انتهى، ورواه أبو حفص بن شاهين، وقال: تفرّد به ابنعيينة عن مسعر، وحدّث بن غيره، وهو حديث غريب صحيح. 16 - وروى عن جابرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) قامة: أي أكثر الناس تشوفا إلى رحمة الله تعالى لأن المتشوف يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه، فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب. وقال النضر بن شميل: إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق، وقيل معناه أنهم سادة ورؤساء، والعرب تصف السادة بطول العنق، وقيل أكثر اتباعا وقال ابن الأعرابى: معناه أكثر الناس أعمالا، قال القاضى عياض وغيره ورواه بعضهم إعناقا بكسر الهمزة أي إسراعا إلى الجنة من سير العنق، وقال العلماء: وإنما أدبر الشيطان عند الأذان لئلا يسمعه فيضطر إلى أن يشهد له يوم القيامة بذلك. وفيه فضيلة الأذان والمؤذن. واختلف هل الأذان أفضل أم الإمامة؟ كل له رأى، والله أعلم، إنما المدار على إخلاص العمل لله. وأرى إن الإمامة أفضل على شريطة القيام بحقوقها، وجميع خصالها كما قال العلماء، وإلا فالأذان أفضل. إن الإمام أينما وجد قدوة حسنة فيجب أن يكون عنوان الأدب ومثال الكمال، وقد واظب على الإمامة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، والأئمة بعدهم رضي الله عنهم. قال بعض السلف: ليس بعد الأنبياء أفضل من العلماء، ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين. قال الغزالي: أمانة الإمام الطهارة باطنا عن الفسق والكبائر والإصرار على الصغائر، فالمترشح للإمامة ينبغىن يحترز عن ذلك بجهده فإنه كالوفد، والشفيع للقوم، فينبغى أن يكون خير القوم، وكذا الطهارة ظاهرا عن الحدث والبث، فإنه لا يطلع عليه سواه؛ فإن تذكر في أثناء صلاته حدثا، أو أخرج منه ريح فلا ينبغى أن يستحى بل يأخذ بيد من يقرب منه ويستخلفه، فقد تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنابة في أثناء الصلاة، فاستخلف واغتسل، ثم رجع، ودخل في الصلاة. أهـ ص 157 جـ 1. وقال سفيان: صل خلف كل بر وفاجر إلا مدمن خمر، أو معلناً بالفسوق؛ أو عاقا لوالديه، أو صاحب بدعة، أو عبداً آبقا. (¬2) أي الذين يترقبون حركات الكواكب لترشدهم إلى أوقات عبادة الله م صبح وظهر وعصر ومغرب وعشاء وصلاة السنة كالضحى والسحر (¬3) في نسخة: يراعون الشمس والنجوم.

إن المؤذنين والملبين يخرجون من قبورهم يُؤَذِّنُ المؤَذِّنُ (¬1) ويلبى المُلبىِّ. رواه الطبراني في الأوسط. 17 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة على كثبان (¬2) المسك. وأراه قال: يوم القيامة. زاد في روايةٍ: يغبطُهُمْ (¬3) الأوَّلُونَ والآخرون: عبدٌ (¬4) أدَّى حق الله وحقَّ مواليه، ورجل أمَّ (¬5) قوماً وهم به راضون، ورجلٌ (¬6) ينادى بالصلوات الخمس في كل يومٍ وليلةٍ. رواه أحمد والترمذي من رواية سفيان عن أبي اليقظان عن زاذان عنه، وقال: حديث حسن غريب. (قال الحافظ): وأبو اليقظان واهٍ، وقد روى عنه الثقات، واسمه عثمان بن قيس، قاله ¬

(¬1) أي إن الذين يحافظون على أداء وظيفة الأذان في الدنيا يحييهم الله مؤذنين فيذهبون إلى المحشر يهللون ويكبرون ويترنمون بذكر الله، وكذا الملبون الذين يجيبون داعى الله لفريضة الحج، ويكثرون من التلبية (لبيك اللهم لبيك) أي إجابتى لك يارب، وقيل معناه أتجاهى وقصدي يارب إليك؛ من قولهم: دارى تلب دارك أي تواجهها، وقيل معناه أخلاص لك، من قولهم: حسب لباب إذا كان خالصا محضا: ومنه لب الطعام ولبابه. أهـ نهاية ص 44 - 3، فالأذان من خصائص هذه الأمة، وشرع في السنة الثانية من الهجرة وشروطه الإسلام، والتمييز، والترهيب، والولاء بين كلماته، وعدم بناء غيره. ولجماعة: جهر، ودخول الوقت، والذكورة يقينا، ويسن الترجيع فيه (يأتى بالشهادتين سرا قبل الجهر) والترتيل فيه، والتوجه للقبلة، والتثويب في أذان الصبح (بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم) مرتين، ويسن للمؤذن والسامع أن يصلى ويسلم على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من أذانه، ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محموداً الذى وعدته إنك لا تخلف الميعاد. (¬2) جمع كثيب، وكثب الرمل المستطيل المحدودب. (¬3) يتمنون أن يكونوا مثلهم، وينالوا حظهم. (¬4) خادم ملكه سيده، فأدى فروض الله وواجباته، ثم أتقن أعمال سيده وأخلص في واجبه، وأطاعه وحافظ على حقوقه، فالله وسيده راضيان عنه، وفي هذا الزمن الأجير أو الخادم تلزمه طاعة الله وطاعة مخدومه ليرضى الله عنه. (¬5) صلى إماما، وفي هذا المعنى كتب الغزالي: وظائف الإمام قبل الصلاة. واحدها: أن لا يتقدم للإمامة على قوم يكرهونه، فإن اختلفوا كان النظر إلى الأكثرين، فإن كان الأقلون هم أهل الخير والدين، فالنظر إليهم، وينهى عن التقدمة إن كان وراءه من هو أفقه منه إلا إذا امتنع من هو أولى منه، فله التقدم، ويكره عند ذلك المدافعة، فقد قيل: إن قوما تدافعوا الإمامة بعد إقامة الصلاة فخسف بهم، وكان الصحابة رضي الله عنهم يؤثرون من رأوه أنه أولى بذلك، أو يخافون على أنفسهم السهو وخطر ضمان صلاتهم، فإن الأئمة ضمناء. ثانيهما: إذا خير بين الأذان والإمامة يختار الإمامة. ثالثها: يصلى الامام في أول الوقت ليدرك رضوان الله سبحانه وتعالى. رابعها: يؤم مخلصاً لله عز وجل مؤديا أمانة الله تعالى في طهارته. خامسها: أن لا يكبر حتى تستوى الصفوف فليلتفت يمينا وشمالا فإن رأى خللا أمر بالتسوية. سادسها: أن يرفع صوته بتكبير الإحرام، وسائر التكبيرات، ولا يرفع المأموم صوته إلا بقدر ما يسمع نفسه أهـ ص 157 جـ 1. (¬6) المؤذن.

الترمذي، وقيل عثمان بن عمير، وقيل عثمان بن أبى حميد، وقيل غير ذلك، ورواه الطبراني في الأوسط، والصغير بإسناد لا بأس به. 18 - ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر، ولاينالهم الحساب، هم على كُثُبٍ (¬1) من مسكٍ حتى يفرغ من حساب الخلائق: رجلٌ قرأ القرآن ابتغاءَ (¬2) وجه الله، وأمَّ به قوماً وهم به راضون، وداعٍ (¬3) يدعو إلى الصلاة ابتغاء وجه الله، وعبدٌ أحسن فيما بينه وبين ربه، وفيما بينه وبين مواليه. ورواه في الكبير. 19 - ولفظه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرَّةً ومَرَّةً ومرَّةً، حتى عدَّ سبع مراتٍ لما حدثتُ به: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة لا يهولهم (¬4) الفزع، ولا يفزعون حين يفزع الناس: رجل علم القُرآن فقام به يطلب به وجه الله وما عنده، ورجلٌ نادى في كل يومٍ وليلةٍ خمس صلواتٍ يطلب وجه الله وما عنده، ومملوك لم يمنعه رقُّ من طاعة ربه. 20 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: سمع النبى صلى الله عليه وسلم رجلاً وهو في مسيرٍ (¬5) له يقول: الله أكبر الله أكبر فقال نبىُّ الله صلى الله عليه وسلم على الفطرة. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: خرج من النار، فاستبق القومُ إلى الرَّجُلِ. فإذا راعى غنمٍ حضرته الصلاة فقام يُؤذنُ. رواه ابن خزيمة في صحيحه وهو في مسلم بنحوه. 21 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ذرات دقيقة كالرمل. (¬2) طالباً ثواب الله عز وجل، يفيد نفسه، ويعظ قومه. (¬3) مؤذن. (¬4) هاله الشئ: أفزعه، وبابه قال: وهاله فاهتال، أي أفزعه ففزع. (¬5) في عمل له. انظر يا أخى راعى غنم يتقى الله ويواظب على طاعة الله ويتقن، ولما حضرت الصلاة أذن، فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراءة من النار: هل لنا أن نعمل مثله؟ فمن كان في حقله، أو في مصنعه، أو متجره، ولم يتمكنه بعد المسجد من الذهاب إليه يتوضأ ويؤذن ويصلى، ولا تنس ثواب الخطا إلى المساجد.

فقام بلالٌ ينادى. فلما سكت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال مثل (¬1) هذا يقيناً دخل الجنة. رواه النسائي وابن حبان في صحيحه. ماجاء في فضل الأذان 22 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: علمنى أو دُلنى على عملٍ يُدخلني الجنة؟ قال: كُنْ مُؤَذِّناً قال لا أستطيع قال: كن إماماً، قال لا أستطيع، فقال: فقم بإزاء الإمام (¬2): رواه البخاري. في تاريخه والطبراني في الأوسط. 23 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المُؤذنُ المحتسب (¬3) كالشهيد المُتشحطِ (¬4) في دمه يتمنى على الله ما يشتهى بين الأذان والإقامة (¬5). رواه الطبراني في الأوسط، ورواه في الكبير. 24 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤذنُ المحتسب كالشهيد المتشحط في دمه، إذا مات لم يُدَوَّدْ (¬6) في قبره وفيهما إبراهيم بن رستم، وقد وُثِّقَ. 25 - وروى عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله ¬

(¬1) نطلق مع المؤذن، واعتقد صدق قوله مع اتباع أوامرالله المأخذوة من الكتاب والسنة. (¬2) علق الغزالي على هذا الحديث، فلعله ظن أنه لا يرضى بإمامته، إذ الأذن إليه، والإمامة للجماعة وتقديمهم له ثم بعد ذلك توهم أنه ربما يقدر عليها ص 156 - 1، ولكن عنده الإمامة أفضل بدليل تقديم أبى بكر للخلافة، وقال الصحابة، نظرنا فإذا الصلاة عماد الدين، فاخترنا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، وقد قدم الصحابة بلالا احتجاجا على أنه رضية للأذان أهـ. (¬3) الذى يطلب أجره من الله تعالى أكثر ثوابا من المؤجر، وأصبح الأذان الآن مهنة يحترف بها الملايين من الفقراء، فالله يثيبهم ويهب لهم الأجر الجزيل، والأذان خير عمل ينفع دنيا وأخرى، ويريد النبى صلى الله عليه وسلم أن يحث المؤذنين على الزهد والصبر، وحسن العمل، وأدائه بإخلاص، وتحمل المشاق، والرضا بالقليل مع القناعة. (¬4) المتخبط فيه: المضطرب المتمرغ. (¬5) أفضل وقت الرحمات والإحسان ما بين الأذان والإقامة فالدعاء مستجاب، وباب فضل الله مفتوح حينئذ على مصراعيه. (¬6) من داد الطعام يدود: أي جسمه يحفظ ولا يبلى، يكافئ الله المؤذن الذي يحافظ على إيقاظ الناس أن يحيا في قبره، ويشعر بنعيم ربه، وينقى، ويتطهر جسمه: ولا ينتن، ولا يقذر، ويسلم من الدود الذى ينشأ من عفونة الجسم: لكن الشرط (المحتسب) أما إذا كان مؤذنا وفاسقا وطماعا ومخاتلا، فيطلق الله عليه الحشرات في قبره تنهشه نهشا، ويبلى جسمه ويعذب عذابا أليما. فاتق الله أيها المؤذن وتوضأ وصل بإخلاص وعامل ربك وأحسن معاملتك.

عليه وسلم: إذا أُذنَ في قريةٍ أمَّنها الله عز وجل من عذابه ذلك اليوم. رواه الطبراني في معاجيمه الثلاثة. 26 - ورواه في الكبير من حديث مَعقِل بن يسار، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّما قَوْمٍ نُودِىَ فيهم بالأذانِ مساءً إلا كانوا في أمانِ الله حتى يُصبحوا (¬1). 27 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يعجبُ (¬2) ربُّكَ من راعى غنمٍ على رأس شظيةٍ للجبلِ (¬3) يُؤذنُ بالصلاة ويُصلى. فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدى هذا، يؤذن ويقيم الصلاة، يخاف منى، قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة. رواه أبو داود والنسائي. (الشظية) بفتح الشين وكسر الظاء معجمتين وبعدهما ياء مثناة تحت مشددة، وتاء تأنيث، هي: القطعة تنقطع من الجبل ولم تنفصل منه. 28 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أذن ثنتى عشرة سنةً (¬4) وجبت له الجنة، وكُتِبَ له بتأذينه في كل يومٍ ستون حسنةً وبكلِّ إقامةٍ ثلاثون حسنةً. رواه ابن ماجه والدارقطنى والحاكم، وقال صحيح على شرط البخاريّ. (قال الحافظ) وهو كما قال، فإن عبد الله صالح كاتب الليث، وإن كان فيه كلام فقد روى عنه البخاريّ في الصحيح. ¬

(¬1) يطلب النبى صلى الله عليه وسلم من الراعى صاحب الكلمة النافذة على القرية أو المدينة أن يتعهد بإقامة الشعائر رجاء أن الله تعالى يشمله برحمته وحفظه صباح مساء. (¬2) معنى يعجب ربك: أي يعظم ذلك عنده هذا العمل الصادر من الراعى، فيتجلى عليه بغفران ذنبه، ويمتعه بنعيم جنته، ويكبر لديه. قال في النهاية: أعلم الله أنما يتعجب الآدمى من الشئ إذا عظم موقعه عنده، وخفى عليه سببه، فأخبرهم بما يعرفون ليعلموا موقع هذه الأشياء عنده، وقال معنى عجب ربك: أي رضى وأثاب، فسماه عجباً مجازاً، وليس بعجب في الحقيقة، والأول الوجه أهـ ص 69. (¬3) في نسخة. في رأس شظية الجبل. (¬4) أي دام على ذلك، وكان في خلال هذه المدة رجلا صالحا. وأرى أن الأجر على هذا العمل الآن مباح لأن المؤذن رب أسرة ينفق عليها، ويطعم أهله، ويرى أولاده، وليس له عمل آخر، فأجرة المؤذن مكروهة إذا كان لديه عمل آخر يقتات منه، والله فضله عميم يسامح ويصفح، ويثيب من يشاء تفضلا وتكرما ولا يمنع ثواب الله اتخاذ الأجر بل الذى يمنع الغش والكذب والتقصير في حقوق الله، والله أعلم.

الترغيب في إجابة المؤذن وبماذا يجيبه، وما يقول بعد الأذان؟

29 - وروى عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أذن محتسباً سبع سنين كُتِبَ له براءة (¬1) من النار. ورواه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث غريب. 30 - وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان الرجل بأرضٍ قىً فحانتِ (¬2) الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد ماءً فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه (¬3)، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود (¬4) الله ما لا يُرَى طرفاه. رواه عبد الرزّاق في كتابه عن ابن التميمى عن أبيه عن أبي عثمان النهدى عنه. (القىّ) بكسر القاف وتشديد الياء: هى الأرض القفر. الترغيب في إجابة المؤذن، وبماذا يجيبه؟ وما يقول بعد الأذان؟ 1 - عن أبي سعيدٍ الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول المؤذن. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. ¬

(¬1) فوز ونجاة. يا أخى: المداومة على العمل لله سبب الفلاح، وليس هذا قاصراً على المؤذن الراتب، بل المؤمن يداوم على الأذان مهما حل وأين سار، ولعلك فهمت سر (محتسب) وأرى أنها للغنى غير محتاج إلى أجر ولكن الفقير الصالح، ويتناول أجرا فله هذا الثواب، والله أعلم. (¬2) جاء وقتها. (¬3) في نسخة: ملكان، وفي رواية: فإن أقام الصلاة صلى معه ملكان. (¬4) ملائكته. الآيات المناسبة لهذا الباب قال الله تعالى: أ - (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إننى من المسلمين). أي دعا إلى عبادة ربه، وذكر الناس بواجباتهم نحو خالقهم، ومغدق نعمه عليهم، وهلل، وكبر، وعظم وجاهر بالحق، وأعلن الطاعة، وأظهر الإخلاص، وكان قدوة حسنة، ومثلا كاملا للإسلام، ونور الإيمان وشمس الهداية، وكواكب يستنير بها العاملون، وعمل صالحاً فيما بينه وبين ربه، قال المفسرون: نزلت في المؤذنين، أو، نزلت في النبى صلى الله عليه وسلم، وانظر إلى هذا العطف شرط نيل ثواب الله (وعمل صالحاً) وافهم الباب. ب - (يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون 10 فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) 11. من سورة الجمعة. أي إذا أذن للصلاة، فامضوا إلى عبادة الله مسرعين، واتركوا المعاملة، ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة نزل قباء فأقام بها إلى الجمعة ثم دخل المدينة وصلى الجمعة في واد لبنى سالم بن عوف.

2 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول ثم صلُّوا علىَّ، فإنه من صلى علىَّ صلاةً صلى الله (¬1) بها عشراً، ثم سلوا الله لى الوسيلة (¬2) فإنها منزلة في الجنة لا تنبغى إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هُو، فمن سأل (¬3) لى الوسيلة حلت (¬4) له الشفاعة (¬5)، رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 3 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قال المؤذن: الله أكبر (¬6)، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبرُ، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قال: حيَّ على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حيَّ على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله (¬7) ثم قال: الله أكبر الله أكبر، ¬

(¬1) في نسخة: صلى الله عليه بها أي زاده بها درجات. (¬2) فسرها صلى الله عليه وسلم بأنها منزلة في الجنة - قال أهل اللغة: الوسيلة: المنزلة عند الملك. (¬3) في نسخة: من سأل الله لي الوسيلة. (¬4) في رواية: حلت عليه الشفاعة. (¬5) وجبت، وقيل نالته. أخى: هل نأخذ من هذا الحديث درس أخلاق، المصطفى صلى الله عليه وسلم: فتح الله له فتحاً مبينا، وغفر له ما تقدم من ذنبه ومع هذا يطلب من أمته أن تدعو له، ويتواضع إلى درجة العزة بالله، (وأرجو أن أكون أنا هو). ماذا عملت أيها المسلم؟ وما هذه الغطرسة والغفلة؟ تب إلى الله، وحافظ على إجابة نداء المؤذن، وداوم على صلاة الجماعة في المسجد، وأكثر من ذكر الله، والصلاة على حبيب الله، فإن صليت على رسول الله مرة أعطاك ربك عشر حسنات، وأحاطت بك الرحمات. (¬6) قال النووي: معناه قال كل نوع من هذا مثنى كما هو المشروع فاختصر صلى الله عليه وسلم من كان نوع شطرة تنبيها على باقية، ومعنى حى على كذا: أي تعالوا إليه. والفلاح: الفوز والنجاة وإصابة الخير، قالوا: وليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من لفظة الفلاح، فمعنى حى على الفلاح: تعالوا إلى سبب الفوز والبقاء في الجنة، والخلود في النعيم أهـ ص 87 - (جـ 4). (¬7) قال أبو الهيثم: الحول الحركة، أي لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله تعالى أهـ. وقيل: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصية إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته. أحكام الباب كما قال النووي رحمه الله أ - فيه استحباب قول سامع المؤذن مثل ما يقول إلا في الحيعلتين، فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. ب - استحباب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من متابعة المؤذن. =

قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله. قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة. رواه مسلم وأبو داود والنسائي. 4 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذى وعدته، حلت له شفاعتى يوم القيامة. رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ورواه البيهقى في سننه الكبرى، وزاد آخره: إنكَ لا تخلف الميعاد. 5 - وعن سعد بن أبى وقاصٍ رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين سمع المؤذن: وأنا أشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً غفر (¬1) الله له ذنوبه. رواه مسلم والترمذي واللفظ له، والنسائي وابن ماجه وأبو داود ولم يقل: ذنوبه، وقال مسلم: غُفِرَ له ذنبه. 6 - وعن هلال بن يسافٍ رضى الله عنه أنه سمع معاوية يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سمع المؤذن فقال: مثل ما يقول (¬2) فله مثل ¬

= جـ - واستحباب سؤال الوسيلة له صلى الله عليه وسلم. د - ويستحب أن يقول بعد قوله: (وأنا أشهد أن محمداً رسول الله: رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام ديناً). هـ يستحب الترغيب في الخير، وذكر دلائل النشاط لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلى الله عليه بها عشرا). و- يستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من متطهر، ومحدث، وجنب، وحائض، وغيرهم إلا إذا في الخلاء، أو يجامع أهله، أو في صلاة. ح - يقطع قراءته أو تسبيحه، وتابع المؤذن أو المقيم ص 88 جـ 4. (¬1) في نسخة: غفر له ذنوبه. (¬2) أي يقول مثل قوله. وعلق القاضى عياض على قوله صلى الله عليه وسلم: إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر الخ، لأن ذلك توحيد وثناء على الله تعالى، وانقياد لطاعته، وتفويض إليه لقوله: لا حول ولا قوة إلا بالله، فمن حصل هذا فقد حاز حقيقة الإيمان، وكمال الإسلام، واستحق الجنة بفضل الله تعالى. هذا إلى إثبات النبوة والشهادة بالرسالة لنبينا صلى الله عليه وسلم، ثم دعا إلى الصلاة والنعيم المقيم، وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء أهـ بتصرف ص 88 جـ 4.

أجْرِهِ. رواه الطبراني في الكبير من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، لكن متنُه حسن، وشواهده كثيرة. 7 - وروى عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بين صف الرجال والنساء فقال: يا معشر النساء إذا سمعتم أذان هذا الحبشي وإقامته، فقلن كما يقول، فإن لَكُنَّ بكل حرفٍ ألف ألف درجةٍ. قال عمر رضي الله عنه: هذا للنساء (¬1)، فما للرجال؟ قال: ضعفان يا عمر. رواه الطبراني في الكبير، وفيه نكارة. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بلال ينادى، فلما سكت قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال مثل ما قال هذا يقيناً (¬2) دخل الجنة. رواه النسائي وابن ماجه في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد ¬

(¬1) الآن وجب على النساء ملازمة بيوتهن، ولا يصلح ذهابهن إلى المسجد لخوف الفتنة، فكن يذهبن فى مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند أمن الفتنة، بل في غلس الليل وشدة ظلامه حتى لا يراهن أحد، فما بالك الآن، وقد بلغ السيل الزبى، واختلط الحابل بالنابل، وأصبحت الفتيات تزاحمن الشبان في مواطن الفسوق، فلا حول ولا قوة إلا بالله، على أن النساء يقلن في بيوتهن وخدرهن لينلن ألف ألف درجة، كما قال صلى الله عليه وسلم: ويصلين في بيوتهن والله عنهن راض. (¬2) بنية صادقة وإخلاص، وترى يا أخى هذا يسبق القول والفعل، فيحافظن على أوامر الله، ويجتنبن نواهيه. أما قول اللسان بلا عمل فباطل ويكون حجة على صاحبه يشهد أنه سمع الأذان، ولها ولعب، وغفل عن الله، وقصر في حق الله. إن الله أرشدنا في كتابه أن مهر الجنة العمل لها، قال تعالى: (وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون). ملك الملوك يقص علينا ثمن هذا النعيم، ويقول علماء النحو في طرق الإعراف: وتلك مبتدأ، والجنة بدل مطابق والتى صفة، والخبر بما كنتم تعملون، وعليه يتعلق الباء بمحذوف، لا بأورثتموها أهـ بيضاوى ص 683. يا أخى: فكر في (يقيناً). واعلم أن اليقين الثابت يتدفق منه معين العمل الصالح، ويشرق منه نور الحكمة، وتطلع في سماء العاملين شموس السعادة، وهناك التوفيق والهداية، وجنة الله للمحسنين. وذلك ما قصه الله علينا قبل هذه الآية لتقرن عملك بقولك دائماً: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون، يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون، وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون. لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون) 68 - 74 من سورة الزخرف. ما مناسبة هذه الآيات؟ أريد أن أبين للمسلمين أن يقولوا فيفعلوا، وبذا (وجبت لهم الجنة) كما في الحديث فنجد مودة المتقين باقية ونافعة أبدا الآباد، ووصف الله المنادى (ياعباد) بصفتين المؤمنين المسلمين ليحسن الاعتقاد في الله، وتوجد الأعمال، وقال تعالى: (تلك الجنة التى نُورِثُ من عبادنا من كان تقيا) 63 من سورة مريم. أي نبقيها عليهم من ثمرة تقواهم كما يبقى على الوارث مال مورثه، وقيل: يورث المتقون من الجنة المساكن التى كانت لأهل النار لو أطاعوا زيادة في كرامتهم.

ورواه أبى يعلَى عن يزيدَ الرقاشى عن أنس بن مالك. ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأذَّن بلالٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال مثل مقالته، وشهد مثل شهادته فله الجنةُ. (عرّس المسافر) بتشديد الراء: إذا نزل آخر الليل ليستريح. ما يقال بعد الأذان 9 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين ينادى المنادى: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة النافعة، صلِّ على محمدٍ، وارض عنى رضاً لا سخط بعده استجاب الله له دعوته، رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة، وسيأتى في باب الدعاء بين الأذان والإقامة حديث أبى أمامة إن شاء الله تعالى. 10 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول إن المؤذنين يفضلوننا (¬1). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قُل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تُعطه (¬2). رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه. 11 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا سمع المؤذن: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة صل على محمدٍ وأعطهِ سُؤلَهُ يوم القيامة، وكان يسمعها من حوله، ويجب أن يقولوا مثل ذلك إذا سَمِعُوا المُؤَذِّنَ، قال: ومن قال مثل ذلك إذا سمع المؤذن وجبت له شفاعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم يوم القيامة (¬3). رواه الطبراني في الكبير والأوسط ¬

(¬1) أفضل عليه وتفضل: تطاول وافتخر، أي يزيدون علينا في الثواب. (¬2) اسأل الله يجب طلبك. (¬3) فسر الشفاعة صلى الله عليه وسلم في حديث (يجمع الله الناس يوم القيامة، فيهتمون لذلك، فيقولون لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا قال: فيأتون آدم صلى الله عليه وسلم ... إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: فيأتونى، فأستأذن على ربى فيؤذن لى، فإذا أنا رأيته وقعت ساجداً، فيدعنى ما شاء الله، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، قل تسمع: سل تعطه، اشفع تشفع) الحديث ص 58 - 3. يمر الناس على سادتنا: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم الصلاة والسلام؛ فيقولون: ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيقول صلى الله عليه وسلم: أمتى أمتى. وأيضا تحل الشفاعة للأنبياء والملائكة وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم. فالشفاعة: الإراحة من الموقف والفصل بين العباد. =

ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع النداءَ قال: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صلى على عبدك ورسولكَ، واجعلنا في شفاعته يوم القيامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال هذا عند النداء جعله الله في شفاعتى يوم القيامة. وفي إسنادهما صدقة بن عبد الله السمين. 12 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله لى الوسيلة، فإنه لم يسألها لى عبد في الدنيا إلا كُنتُ له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة. رواه الطبراني في الأوسط من رواية الوليد بن عبد الملك الحرانى عن موسى بن أعين، والوليد مستقيم الحديث فيما رواه عن الثقات، وابن أعين ثقة مشهور. 13 - ورواه في الكبير أيضاً، ولفظه قال: من سمع النداءَ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله: اللهم صلى على محمدٍ وبلغه درجة الوسيلة عندك، واجعلنا في شفاعته يوم القيامة، وجبت له الشفاعة، وفيه إسحاق بن عبد الله بن كيسا، وهو لين الحديث ¬

_ = عن جابر بن عبد الله قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: (لكل نبى دعوة قد دعا بها في امته، وخبأت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص (أن النبى صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: (رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعنى فإنه منى) الآية. وقال عيسى عليه الصلاة والسلام (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم). فرفع يديه وقال: اللهم أمتى أمتى، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله، وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في امتك ولا نسوءك). قال النووي: في الحديث كمال شفقة النبى صلى الله عليه وسلم على أمته، واعتنائه بمصالحهم، واهتمامه بأمرهم، واستحباب رفع اليدين في الدعاء، والبشارة العظيمة لهذه الأمة، زادها الله تعالى شرفا بما وعدها الله تعالى بقوله: سنرضيك في أمتك ولا نسوءك، وعظيم منزلة النبى صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى، وعظيم لطفه سبحانه به صلى الله عليه وسلم، والحكمة من إرسال جبريل لسؤاله صلى الله عليه وسلم إظهار شرف النبى صلى الله عليه وسلم وأنه بالمحل الأعلى، فيسترضى ويكرم بما يرضيه، والله أعلم. وموافق لقوله الله عز وجل: ولسوف يعطيك ربك فترضى)، ومعنى لا نسوؤك لا نحزنك: أي نرضيك، ولا ندخل عليك حزنا، بل ننجى الجميع، والله أعلم ص 79 - 1. ولى كلمة رجاء لأئمة هذا الزمن ومؤذنيه، وأعد قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين) معجزة خالدة تجلت في عصرنا هذا، وأن دين الإسلام براء ممن لم يتحل بآدابه، ويعمل بأوامره. إن منصب الإمام جليل يلزمه الاطلاع على الكتاب والسنة، والتفقه في الدين، والسير المستقيم ليكون الإمام قدوة حسنة للمسلمين، وإلا ساء العمل، وساد الإلحاد وكثرت البغضاء، وضل الناس.

الترغيب في الإقامة

14 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا. رواه أبو داود واللفظ له، وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد. الترغيب في الإقامة 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نودى بالصلاة أدبر (¬1) الشيطان، وله ضُرَاطٌ حَتَّى لا يسمع التأذين، فإذا قُضِىَ (¬2) الأذانُ أقبل، فإذا ثُوِّبَ (¬3) أدبرَ، الحديث تقدم، والمراد بالتثويب هنا: الإقامة. 2 - وعن جابرٍ رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا ثُوِّبَ بالصلاة فتحت أبواب السماء واستُجيب الدعاء. رواه أحمد من رواية ابن لهيعة. 3 - وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ساعتان لا تُردُّ على داعٍ دعوته: حين تقام الصلاة (¬4)، وفي الصَّفِّ في سبيل الله. رواه ابن حبان في صحيحه. الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رجلٌ بعد ما أذنَ المؤذن: فقال أمَّا هذا (¬5) فقد عصى (¬6) أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كنتم في المسجد فنُودى (¬7) بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يُصلى. رواه أحمد واللفظ له، وإسناده صحيح، ورواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه دون قوله: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ. 2 - وعنه رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يسمع النداء في مسجدى (¬8) هذا، ثم يخرج منه إلا لحاجةٍ، ثم لا يرجع إليه ¬

(¬1) ولى. (¬2) تم. (¬3) أقيم للصلاة. (¬4) أي بعد ذكر ألفاظ الإقامة يحسن الدعاء. (¬5) الذى خرج، ولم ينتظر الجماعة مع الإمام. (¬6) ضحك عليك الشيطان، وحرمه من ثواب الجماعة، وخالف نبيه صلى الله عليه وسلم. (¬7) أذن لها. (¬8) ويقاس عليه جميع المساجد التى يؤذن فيها، فلا يصح ضياع جماعة الإمام الراتب الآن هذا عده رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاقا، ونقص إيمان، وقلة أكتراث بثواب الله عز وجل، وغفلة عنه سبحانه، وإهمالا في أداء حقوق الله تبارك وتعالى، واشتغالا بعرض الدنيا الفانى عن الأجر الباقى.

الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة

إلا منافق (¬1). رواه الطبراني في الأوسط، ورواته محتجّ بهم في الصحيح. 3 - وروى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدركه الأذان في المسجد، ثم خرج لم يخرج لحاجةٍ، وهو لا يُريد الرجعة فهو منافق (¬2). رواه ابن ماجه. 4 - وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يخرج من المسجد أحدٌ بعد النداء إلا منافق إلا لعذرٍ أخرجته حاجة، وهو يريد الرُّجوعَ. رواه أبو داود في مراسيله. الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة 1 - عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُردُّ (¬3). رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له، والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، وزاد: فادعوا، وزاد الترمذي في رواية: قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال: سَلُوا الله العافية (¬4) في الدنيا والآخرة. 2 - وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء، وقلما تُرَدُّ على داعٍ دعوته: عند حضور النداء (¬5)، والصَّفِّ في سبيل الله ¬

(¬1) منافق يخفى كفره، ويظهر إيمانه، وفي حديث: نافق حنظلة، أراد أنه إذا كان عند النبى صلى الله عليه وسلم أخلص وزهد في الدنيا، وإذا خرج عنه ترك ما كان عليه، ورغب فيها فكأنه نوع من الظاهر والباطن ما كان يرضى أن يسامح به نفسه أهـ نهاية ص 166. (¬2) قد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنافق الذى وجد في المسجد وقت الأذان، ويريد أن يخرج بلا عذر. (¬3) الله يتفضل بإجابته. (¬4) اطلبوا من الله جل وعلا السلامة من الأسقام والبلايا وكسب الصحة، والنجاة من الشدائد والمصائب في الحياة وبعد الممات، ومنه حديث أبى بكر (سلوا الله العفو والعافية والمعافاة) العفو: محو الذنوب، والمعافاة: أن يعافيك الله من الناس، ويقيك شرهم، ويعافيهم منك. (¬5) الأذان، ووقت نشوب المعركة، وازدحام الصفوف: المجاهدة في سبيل نصر دين الله، وقمع أعداء الباطل، والآن لا حرب ولا جهاد إلا لإخراج المستعمر، فوقت الإجابة الدفاع عن الباطل، ونصر المظلوم، وقول الحق، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، ورد الظالم عن ظلمه، وإغاثة الضعيف، وجهاد النفس أن تحضر مجالس الصاحلين، وتقتدى بفعالهم، وتتجنب الأشرار، وهكذا من الأمور المدركة الآنز لعل وقتها تتفتح أبواب رحمة القادر فيلطف بعباده.

وفى بلفظ قال: ثنتان لاترُدان، أو قال ما يردان: الدعاء عند النداء، وعند البأس (¬1) حين يلحم بعضٌ بعضاً. رواه أبو داود، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما إلا أنه قال: في هذه: عند حضور الصلاة. 3 - وفي رواية له: ساعتان لا تُردُّ على داعٍ دعوته: حين تقام الصلاة، وفي الصف في سبيل الله، ورواه الحاكم وصححه، رواه مالك موقوفا. (قوله يلحم) هو بالحاء المهملة: أىحين ينشب بعضهم ببعض في الحرب. 4 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا نادى المنادى (¬2) فتحت أبواب السماء، واستجيب الدعاء، فمن نزل به كربٌ، أو شدَّةٌ فليتحين المنادى، فإذا كَبَّرَ كَبَّرَ، وإذا تشهد تشهد، وإذا قال: حىَّ على الصلاة قال: حىَّ على الصلاة، وإذا قال: حى على الفلاح، قال: حى على الفلاح، ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة الصادقة المستجابة، والمستجاب لها دعوة الحق (¬3)، ¬

(¬1) القتال. (¬2) المؤذن يسمع نداءه فيجيب، فيذهب إلى المسجد ويتطهر ويتوضأ، ثم يتوجه للقبلة بذلة وخشوع ويتضرع إلى مولاه بعد التوبة الصادقة، ورد المظالم. وفى كتابى (النهج السعيد في علم التوحيد) ص 108: الدعاء: الطلب على سبيل التضرع، وقيل: رفع الحاجات إلى رفيع الدرجات. وشروطه أكل الحلال، وأن يدعو الله وهو موقن بالإجابة، وألا يكون قلبه غافلا، وألا يدعو بما فيه إثم، أو قطيعة رحم، أو إضاعة حقوق المسلمين، وألا يدعو بمحال ولو عادة لأن الدعاء يشبه التحكم على القدرة القاضية بداومها، وذلك إساءة أدب على الله تعالى. وله آداب: منها أن يتحرى الأوقات الفاضلة كأن يدعو في السجود، أو عند الآذان والإقامة، هذا إلى افتتاحه بالحمد، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختمه بهما. أهـ. (¬3) العزيز القادر القاهر، المرجو بتثبيت العزائم على العمل الصالح تلبية لها، قال تعالى فى وصف جلال الحق ورهبوته: أ - ... (يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشئ إن الله هو السميع البصير). 21 سورة المؤمن، أي يعلم النظرة الخائنة كالنظرة الثانية إلى غير المحرم؛ واستراق النظر إليه أو خيانة الأعين. إذا يستحق إجابة أوامره المسيطر على القلوب، وهو المالك الحاكم على الإطلاق، فلا يقضى بشئ إلا وهو حقه، فما لك يابن آدم تسمع دعوة الحق، ولا تسعى إلى أداء طلبها، وهى الصلاة في أوقاتها والعمل بتوحيدها، ويل للغافل، الجاهل، المقصر في حقوق الله، المحروم من خيرات مولاه. ب - ... (وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون) 186 من سورة البقرة. قل لهم يا محمد إنى قريب، وهذا تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم، واطلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم - لى دعوة الحق فليستجيبوا لى إذا دعوتهم للإيمان والطاعة =

وكلمة التقوى (¬1) أحينا عليها (¬2) وأمتنا عليها، وابعثنا عليها، واجعلنا من خيار أهلها ¬

= كما أجيبهم إذا دعونى لمهامتهم، وليحافظوا على الثبات؛ والمداومة على الإيمان والتقوى رجاء إصابة الرشد واتباع الحق. جـ - ... (وقال ربكم ادعونى أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين) 61 من سورة المؤمن. ادعونى أي اعبدونى أثبكم. معنى لداخرين، وإن فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلا منزلته للمبالغة، أو المراد بالعبادة الدعاء، فإنه من أبوابها أهـ بيضاوى، فالدعوة إلى الحق الإرشاد إلى عبادة الله وطلب قضاء الحاجات منه وطاعته. (¬1) كلمة الشهادة سبب التقوى، أو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ محمد رسول الله، وكلمة أهل الإسلام التى يعينها الله تعالى بقوله: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية، فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها، وكان الله بكل شئ عليما) 27 من سورة الفتح فأنت ترى جلال الله يذكر حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم بوجود أنفة الكفار؛ وعدم إذعانهم للحق. أما المسلمون فأنزل عليهم الثبات والوقار، وذلك ما روى أنه عليه الصلاة والسلام لما هم بقتال الكفار بعثوا سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى؛ ومكرز بن حفص ليسألوه أن يرجع من عامة على أن يخلى له قريش مكة من القابل ثلاثة أيام، فأجابهم وكتبوا بينهم كتابا، فقال عليه الصلاة والسلام لعلى رضي الله عنه: اكتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقالوا: ما نعرف هذا، اكتب باسمك اللهم، ثم قال: اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة، فقالوا، لوكنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، وما قاتلناك، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة، فقال عليه الصلاة والسلام: اكتب ما يريدون، فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا عليهم، فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وتحلموا، وهو تعالى يعلم أهل كل شئ، وييسره له أهـ بيضاوى من 710. (¬2) أي على العمل بما جاء بكتاب الله الداعية إليه. أو على كلمة التوحيد لنحظى بالسعادة التي يعنيها الله تعالى بقوله: (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) 109 من سورة هود. أي الذين أسعدهم الله بحسن الخاتمة ثمرة عملهم الصالح أعطاهم ربهم ثواباً غير منقطع، والله أعلم. (اللهم أحينا، وأمتنا على دعوة الحق، وكلمة التقوى). مثال دعوة الحق إن الكافرين يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يصفه به من كمال العلم والقدرة. والتفرد بالألوهية وإعادة الناس ومجازاتهم. روى أن عامر بن الطفيل وأربدبن ربيعة وفدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدين لقتله. فأخذه عامر بالمجادلة، والتشدد في الخصومة، وإساءة الأدب في المناظرة، ورداءة القول، ودار أربد من خلفه ليضربه بالسيف، فتنبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم اكفنيهما بما شئت، فأرسل الله =

الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها

أحياء وأمواتاً، ثم يسألُ الله حاجاته. رواه الحاكم من رواية عقير بن معدان وهو واه، وقال صحيح الإسناد. (قوله فليتحين المنادى): أي ينتظر بدعوته حين يؤذن المؤذن فيجيبه، ثم يسأل الله تعالى حاجته. 5 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا (¬1)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قُل كما يقولون: فإذا انتهيت فسل تُعطَهْ. رواه أبو داود والنسائي، وابن حبان في صحيحه، وقالا: تعط بغير هاء. الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها 1 - عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: عند قول الناس فيه حين بنى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم أكثرتم علىَّ، وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بنى مسجداً يبتغى (¬2) به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة، وفي رواية: بنى الله مثله في الجنة. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 2 - وعن أبي ذَرً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بنى لله مسجداً قدرَمفحصِ قطاةٍ بنى الله له بيتاً في الجنة. رواه البزار واللفظ له، والطبراني في الصغير، وابن حبان في صحيحه. ¬

= على أربد صاعقة فقتلته، ورمى عامر بغدة فمات في بيت سلوليه، وكان يقول: غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية، قال تعالى: (وهُمْ يجادلون في الله وهو شديد المحال. له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كابسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) 15 من سورة الرعد: أي هو شديد المماحلة والمكايدة لأعدائه، وله الدعاء الحق فإنه الذى يحق أن يعبد ويدعى إلى عبادته دون غيره، أو له الدعوة المجابة، فإن من دعاه أجابه، والحق ما يناقض الباطل، وقيل: الحق هو الله تعالى، وكل دعاء إليه دعوة الحق. وشبه الكفار في قلة دعائهم للأصنام بمن أراد بمن أن يغترف الماء ليشربه، فبسط كفيه ليشربه، وما هو ببالغه لأنه جماد لا يشعر بدعائه، ولا يقدر على إجابته، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال، أي في ضياع وخسارة وباطل. نسأل الله السلامة. (¬1) يحصل لهم فضل ومزية علينا في الثواب بسبب الأذان. (¬2) يرجو من إقامته ثواب الله، ولا يريد الرياء والظهور، وثناء الناس.

3 - وعن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بنى لله مسجداً يُذكر فيه (¬1) بنى الله له بيتاً في الجنة. رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه. 4 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر بئر ماءٍ لم يشرب منه كبدٌ حَرِّى (¬2) من جِنً، ولا إنس، ولا طائرٍ إلا آجرهُ الله يوم القيامة، ومن بنى لله مسجداً كمفحص قطاةٍ أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة. رواه ابن خزيمة في صحيحه، وروى ابن ماجه منه ذكر المسجد فقط بإسناد صحيح، ورواه أحمد والبزار عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا أنهما قالا: كمفحص (¬3) قطاةٍ لبيضها ¬

(¬1) تقام فيه الصلوات. وتفتح أبوابه للفقراء لذكرالله، وتلاوة كلامه، وتدريس العلم. (¬2) سقى كل ذى روح شديد العطش في حاجة إلى الظمأ. (¬3) قدر عشها ومأواها. دلائل كتاب الله، قال الله تعالى: أ - (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين. لهم في الدنيا خزى ولهم في الآخرة عذاب عظيم) 115 من سورة البقرة. قال البيضاوى: عام لكل من خرب مسجداً، أو سعى في تعطيل مكانه مرشح للصلاة وإن نزل في الروم لما غزوا بيت المقدس وخربوه وقتلوا أهله، وفي المشركين لما منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية. إن هؤلاء المانعين المخربين ما كان لهم أن يدخلوها إلا بخشية وخشوع فضلا عن أن يجترئوا على تخريبها، أو ما كان الحق أن يدخلوها إلا خائفين من المؤمنين أن يبطشوا بهم، فضلا عن أن يمنعوهم منها، أو ما كان لهم في علم الله وقضائه، فيكون وعدا للمؤمنين بالنصرة، واستخلاص المساجد منهم، وقد أنجز وعده سبحانه، وأصاب الكفار خزى الدنيا بالقتل، والسبى، والذلة بضرب الجزية إلى عذاب الآخرة بكفرهم وظلمهم. ب - ... (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا). 19 من سورة الجن. أي إنها مختصة بالله عزّ شأنه، فلا تعبدوا فيها غيره: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون. إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) 17، 18 من سورة التوبة. أي شيئاً من المساجد فضلا عن المسجد الحرام. قال البيضاوى: إنما تستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية، ومن عمارتها تزيينها بالفرش وتنويرها بالسرج وإدامة العبادة والذكر ودرس العلم فيها، وصيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا، وعن النبى صلى الله عليه وسلم (قال الله تعالى: إن بيوتى في أرضى المساجد، وإن زوارى فيها عمارةا، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارنى في بيتي، فحق على المزور أن يكرم زائره، وإنما لم يذكر الإيمان بالرسول لما علم أن الإيمان بالله قرينه، وتمامه الإيمان به، ولدلالة قوله: وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله في أبواب الدين، وقوله (فعسى أولئك) ذكره بصيغة التوقع قطعا لأطماع المشركين في اهتداء والانتفاع بأعمالهم، وتوبيخاً لهم بالقطع بأنهم مهتدون أهـ ص 277.

(مفحص القطاة) بفتح الميم والحاء المهملة: هو مُجَثّمُهَا. 5 - وروى عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بنى لله مسجدا صغيراً كان أو كبيراً، بنى الله له بيتاً في الجنةِ. رواه الترمذي. 6 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً أوسع منه. رواه أحمد بإسناد لين. 7 - وروى عن بشر بن حيان قال: جاء واثلة بن الأسقع، ونحن نبنى مسجداً قال: فوقف علينا فسلم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بنى مسجداً يُصَلى فيه بنى الله عز وجل له في الجنة أفضل منه. رواه أحمد والطبراني. 8 - وروى عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بنى بيتاً يعبد الله فيه من مالٍ (¬1) حلال بنى الله له بيتاً في الجنة من دُرٍّ وياقوتٍ. رواه الطبراني في الأوسط، والبزار دون قوله: من دُرٍّ وياقوتٍ. 9 - وروى عن عائشة رضي الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من بنى مسجداً لا يُريدُ به رياءً (¬2) ولاسمعة (¬3) بنى الله (¬4) له بيتاً في الجنة. رواه ¬

(¬1) اكتسب من بنى مسجداً مالا طيبا جمعه من طرق الحل التى ترضى الله جل وعلا بأن نمى ماله في التجارة أو الزراعة أو الصناعة، أو سلك عملا من عرق جبينه، أو ورثه من أبيه بلا ظلم ولا جور، واجتنب الغش والربا، وتجنب موارد الكسب الخسيسة الخبيثة. (¬2) قصد الظهور والخيلاء. (¬3) تحدث الناس بحسن أعماله وإقدامه على مشروعات الخير، وقال العلامة ابن الجوزى: من كتب اسمه على المسجد الذى بناه كان بعيداً عن الإخلاص أهـ. وفي البلاد يبنى للتفاخر والتنافس لا لله. (¬4) أي أمر ملائكته ببنائه، والله تعالى أسند البناء إليه مجازاً، هذا إلى نضارة مثله في الجنة. وبهجة روائه وحسن منظره، وزيادة توقيره. شروط نيل الثواب في تشييد مسجد جامع ذكر صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشياء عند إقامة المسجد سبب وجود قصر مثله في الجنة. أولا: الإنفاق من مال حلال. ثانيا: إخلاص العمل لله تعالى فقط، ثالثاً: عدم انتظار المدح، وإلا فمال ضائع، وعذاب أليم، وضرب لذلك صلى الله عليه وسلم مثلا في هدم مسجد بنى في زمنه صلى الله عليه وسلم، وفي أصحابه يقول الله تعالى: (والذين اتخذوا مسجداً ضررا وكفراً وتفريقا بين المؤمنين وإرصاد لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون). 108 من سورة التوبة: لا تقم فيه أبدا ... الآية ضرارا أي مضارة للمؤمنين، روى أن بنى عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء سألوا =

الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها، وما جاء في تجميرها

الطبراني في الأوسط. 10 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مِمَّا يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً علمه ونشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناهُ، أو بيتاً لابن السبيل بناهُ، أو نهراً أجراهُ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه (¬1) من بعد موته. رواه ابن ماجه واللفظ له، وابن خزيمة في صحيحه، والبيهقى، وإسناد ابن ماجه حسن، والله أعلم. الترغيب في تنظيف المساجد وتطهيرها وما جاء في تجميرها 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأةً سوداء كانت تَقُمُّ المسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له إنها ماتت، فقال: فهلا (¬2) آذنتمونى، فأتى قبرها فصلى عليها. رواه البخاري ومسلم وابن ماجه بإسناد صحيح، واللفظ له وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: إن امرأةً كانت تلقط الخِرَقَ، والعيدان من المسجد: 2 - ورواه ابن ماجه أيضا وابن خزيمة عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: كانت سوداء تَقُمُّ المسجد، فتوفيت ليلاً، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخبرَ بها ¬

= رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فأتاهم، فصلى فيه فحسدتهم إخوانهم بنو غنم بن عوف، فبنوا مسجداً على قصد أن يؤمهم فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام، فلما أتموه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنا قد بنينا مسجداً لذى الحاجة، والعلة، والليلة المطيرة، والشاتية، فصل فيه حتى نتخذه مصلى، فأخذ ثوبه ليقوم معهم فنزلت. فدعا بمالك بن الدخشم، ومعن بن عدى، وعامر بن السكن، والوحشى، فقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه ففعلوا، واتخذ مكانه كناسة. مسجد يبنى لتقوية الكفر الذى يضمره أولئك المنافقون المفرقون الجماعة، ويترقبون حضور ذلك الراهب الذى قال لرسول الله صلىلله عليه وسلم يوم أحد: لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك، فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين حتى انهزم مع هوازن، وهرب إلى الشام ليأتى من قيصر بجنود يحارب بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بقنسرين وحيدا. يحلف الملحدون ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الخصلة الحسنى، أو الإرادة الحسنى، وهى: الصلاة، والذكر، والتوسعة على المصلين، ويشهد الله أنهم كاذبون في حلفهم. إن كل عمر لغير الله يضرب به عرض الحائط. فأرجو من مؤسسى المساجد أن يقصدوا ثواب الله فقط، وإياهم وحب الإطراء والثناء. (¬1) ينال ثواب نعيمها. (¬2) في نسخة: هلا بالتخفيف.

فقال: ألا آذنتمونى فخرج بأصحابه فوقف على قبرها فكبر عليها والناس خلفه ودعا لها، ثم انصرف. 3 - وروى الطبراني في الكبير عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن امرأةً كانت تلقط القذى من المسجد فتوفيت فلم يُؤذن النبىُّ صلى الله عليه وسلم بدفنها. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: إذا مات لكم ميت فآذنُونى، وصلى عليها، وقال: إنى رأيتها في الجنة تلقط القذى من المسجد. 4 - وروى أبو الشيخ الأصبهاني عن عبيد الله بن مرزوق قال: كانت امرأة بالمدينة تَقُمُّ المسجد فماتت فلم يعلم بها النبى صلى الله عليه وسلم، فمرَّ على قبرها فقال: ما هذا القبر؟ فقالوا قبر (¬1) أُمِّ محجنٍ. قال: التى كانت تَقُمُّ المسجد؟ قالوا: نعم. فصفَّ الناس فصلى عليها، ثم قال: أىُّ العمل وجدت أفضل (¬2)؟ قالوا: يا رسول الله أتسمع؟ قال: ما أنتم بأسمع منها، فذكر أنها أجابته: قَمُّ المسجد، وهذا مُرسلٌ. (قمّ المسجد) بالقاف وتشديد الميم: هو كنسه. 5 - وروى عن أبي قرصافة أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: ابنوا المساجد، وأخرجُوا القمامة منها، فمن بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنةِ، فقال رجلٌ: يا رسول الله وهذه المساجد التى تُبنى في الطريق (¬3)؟ قال: نعم، وإخراج القمامة منها مُهُورُ الحُورِ العين (¬4). رواه الطبراني في الكبير. (القمامة) بالضم: الكناسة، واسم أبى قرصافة بكسر القاف: جندرة بن خيشنة. 6 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عُرِضَتْ علىَّ أُجُورُ أُمَّتى حتى القذاةُ (¬5) يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت على ذنوب أمتى ¬

(¬1) في نسخة ص 105: بلا قبر، يذكر أم محجن. (¬2) سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعطاه قوة سمع، وإدراك، وميزات، فسمع جوابها: المحافظة على تنظيف المساجد وتويرها وعمرانها. (¬3) الأمكنة التى تقام في الطرق العامة للمسلمين، ومنها مصليات الأنهار للفلاحين. (¬4) نساء أهل الجنة، واحدتهن حوراء، وهى: الشديدة بياض العين، والشديدة سوادها، كناية عن نهاية الجمال، ورشاقة القد، وبداعة الصورة، يتمتع بها خدام المساجد المحافظون على إضاءته وإزالة الكناسة. (¬5) جمع ما يقع في العين، والماء، والشراب: من تراب، أو تبن، أو وسخ: أو غير ذلك، والمعنى يخرج الرجل كل قذر، ولو قل.

فلم أر ذنباً أعظم (¬1) من سورةٍ من القرآن، أو آيةٍ أُتيها رجلٌ ثم نسيها. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال: وذاكرت به محمد بن إسماعيل، يعنى البخاري فلم يعرفه واستغربه، وقال محمد: لا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعا من أحد من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم إلا قوله: حدثنى شهد خطبة النبى صلى الله عليه وسلم، وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: لا نعرف للمطلب سماعا من أحد من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله: وأنكر علىّ بن المدينى أن يكون المطلب سمع مع أنس. (قال الحافظ عبد العظيم) قال أبو زرعة: المطلب ثقة أرجو أن يكون سمع من عائشة، ومع هذا ففى إسناده عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى رواد، وفى توثيقه خلاف يأتى في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى. من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة 7 - وعن أبي سعيدٍ الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أخرج أذىً (¬2) من المسجد بنى الله له بيتاً في الجنةِ. رواه ابن ماجه، وفي إسناده احتمال للتحسين. 8 - وعن سَمرةَ بن جندب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن نتخذ المساجد في ديارنا (¬3)، وأمرنا أن ننظفها. رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث صحيح. ¬

(¬1) أكبر من ذنب رجل حفظ آية أو سورة ثم ترك القراءة فيها حتى أنساه الله، وهذا ترهيب من ترك القراءة كل يوم أعاذنا الله وأعاننا على ورد دائم منه. فاستيقظوا يامن قرأتم ما تيسر من كلامه، وحافظوا على دوام القراءة فيه خشية أن الله يعذبكم بهذه الجريرة ويحاسبكم على هذه الكبيرة. وآسف لأن كثيراً ممن حفظوا القرآن في صغرهم الآن أهملوا، فضلوا وأضلوا. قال أبو سليمان الدارانى: الزبانية أسرع إلى حملة القرآن الذين يعصون الله عز وجل منهم إلى عبدة الأوثان حين عصوا الله سبحانه بعد القرآن. وقال ميسرة: الغريب: هو القرآن في جوف الفاجر. (¬2) ما يؤذى فيها المصلى كالشوك، والحجر، والنجاسة، ونحوها، ومنه حديث (إماطة الأذى عن الطريق صدقة). (¬3) منازلنا - ينشئ الصالح مصلى يؤدى فيها الصلاة مع أهله وزوجه وأبنائه، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يحضر صلاة الجماعة في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤدى النافلة في بيته وتقتدى به زوجته رضي الله عنهما - والسنة صلاة النافلة في البيت، وقد قص الله علينا فعل بنى إسرائيل: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين). أي اتخذوا =

الترهيب من البصاق في المسجد وإلى القبلة ومن إنشاد الضالة فيه وغير ذلك

9 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تُنظَّف وتُطيبَ. رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث صحيح إلىّ وأبو داود، وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه، ورواه الترمذي مسندا ومرسلا، وقال في المرسل: هذا أصح. 10 - وروى عن واثلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: جنبوا مساجدكم (¬1) صبيانكم، ومجانينكم، وشراءكم (¬2)، وبيعكم، وخصوماتكم (¬3)، وَرفع أَصْوَاتكُم وَإِقَامَة حُدُودكُمْ وسل سُيُوفكُمْ وَاتَّخذُوا على أَبْوَابهَا الْمَطَاهِر (¬4) وَجَمِّرُوهَا في الجمع، رواه ابن ماجه، ورواه الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء وأبى أمامة وواثلة، ورواه في الكبير أيضا بتقديم وتأخير من رواية مكحول عن معاذ، ولم يسمع منه. (جمروها): أي بخروها وزنا ومعنى الترهيب من البصاق في المسجد، وإلى القبلة، ومن إنشاد الضالة فيه، وغير ذلك مما يذكر هنا 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوماً إذا رأى نُخامةً (¬5) في قبلة المسجد فتغيظ (¬6) على الناس، ثم حَكَّهَا (¬7) ¬

= مباءة تسكنون فيها؟ أو ترجعون إليها للعبادة - وخذوا من تلك البيوت مصلى، وقيل: مساجد متوجهة نحو القبلة: يعنى الكعبة، وكان موسى صلى الله عليه وسلم يصلى إليها، وأمروا بالصلاة أول أمرهم لئلا يظهر عليهم الكفرة، فيؤذوهم عن دينهم، والبشارة: وظيفة صاحب الشريعة بالنصرة في الدنيا والجنة في العقبى. (¬1) في نسخة: تقديم وتأخير: أي أبعد المجانين، والصبيان، والسكارى، ولا بأس بدخول الصبى المسجد إذا لم يلعب، ويجب منع من اتخذ المسجد ملعبا. (¬2) التجارة والصناعة. (¬3) العداوة، والشقاق، والتنابذ، وارتفاع الصوت، والتقاضى، وتنظيف السيوف. (¬4) جمع مطهرة. الإداوة: أي اجعلوا دورة الماء للوضوء بعيدة عن مكان العبادة، وكذا المراحيض، وقد عد الغزالي من منكرات المساجد إساءة الصلاة بترك الطمأنينة في الركوع والسجود، أو ما يقدح في صحتها من نجاسة، وانحراف عن القبلة، وقراءة القرآن باللحن، وكلام القصاص، والوعاظ الذين يمزجون كلامهم البدع، والفسوق، والمزاح الخارج عن الأدب، والحلق يوم الجمعة، وكذا المكث فيها لبيع الأدوية، والأطعمة، والتعويذات، وكقيام السؤال، وإنشاد الأشعار، فان في ذلك تضييقا على المصلين، وتشويشا عليهم في صلاتهم، ولا يجب إخراج المجنون الهادئ، ونهى صلى الله عليه وسلم (من أكل ثوماً أو بصلا) من دخول المساجد. أهـ ص 266 - 02 (¬5) النخامة: البزقة التي تخرج من أقصى الحلق، ومن مخرج الخاء المعجمة، وتسمى النخاعة (¬6) أظهر الغضب. (¬7) ضغط عليها صلى الله عليه وسلم ليذهب أثرها. حك الشئ، واحتك به: حك نفسه عليه.

قال (¬1): وأحسبه. قال: فدعا بزعفرانٍ فلطخه به وقال (¬2) إن الله عز وجل قبل (¬3) وجه أحدكم إذا صلى فلا يبصق (¬4) بين يديه. رواه البخاري ومسلم وأبو داود واللفظ له. الترهيب من البصاق في المسجد الخ 2 - وروى ابن ماجه عن القاسم بن مهران، وهو مجهول عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نُخَامةً في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال: ما بالُ أحدكم يقوم مُستقبل ربه فيخنعُ أمامه، أَيُحبُّ أحدكم أن يُستقبل فيُتَنخعَ في وجهه؟ إذا بصق (¬5) أحدكم فليبصق عن شماله، أو ليتفل هكذا في ثوبه ثم أرانى إسماعيل، يعني ابن علية يبصق في ثوبه، ثم يدلكهُ. 3 - وعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه العراجين (¬6) أن يسمكها بيده، فدخل المسجد ذات يومٍ، وفي يده واحدٌ منها، فرأى نخاماتٍ في قبلة المسجد فحتهنَّ (¬7) حتى أنقاهنَّ، ثم أقبل على الناس مغضباً فقال: أيحب أحدكم أن يستقبله رجل فيبصق في وجهه، إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة، فإنما يستقبل ربه، والملك (¬8) عن يمنيه، فلا يبصق بين يديه، ولا عن يمينه الحديث. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 4 - وفى رواية له بنحوه إلا أنه قال فيه: فإن الله عز وجل بين أيديكم (¬9) في صلاتكم، فلا توجهُوا شيئاً من الأذى بين أيديكم. الحديث، وبوّب عليه ابن خزيمة: باب الزجر عن توجيه جميع ما يقع عليه اسم أذى تلقاء القبلة في الصلاة. ¬

(¬1) في نسخة: حذف قال. (¬2) في نسخة: ثم قال. (¬3) أي عيانا ومقابلة يفسر ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الجواب على سؤال جبريل عليه السلام: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وفي حديث آدم عليه السلام: (إن الله خلقه بيده ثم سواه قليلا) وفي رواية (إن الله كلمه قبلا) أي عيانا ومقابلة، لا من وراء حجاب، ومن غير أن يولى أمره أو كلامه أحداً من ملائكته. (¬4) يخرج مادة اللعاب من فمه أمام وجهه لأنه واقف بين أحكم الحاكمين جل جلاله، فينبغى أن يتأدب، ويترقى، ويذوق رهبة العظيم القادر. (¬5) في نسخة: بزق أحدكم فليبرق. (¬6) القنو، والجمع القنوان، والأقناء: العزق الذى يثمر عليه البلح، يستعمل للكناسة والنظافة. (¬7) حكهن، والحك، والحت، والقشر سواء. بمعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم أزال هذه الفضلة القذرة. (¬8) في نسخة: والملائكة. (¬9) الله تعالى مطلع على حركاتكم وسكناتكم، تشملكم رحمته ومراقبته، والله تعالى ليس له زمان أو مكان بل هو محيط بعباده رقيب ورحيم.

5 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا، وفي يده عُرجون، فرأى في قبلة المسجد نخامةً، فأقبل عليها فحتَّها بالعرجون، ثم قال: أيُّكم يحب أن يُعرض (¬1) الله عنه؟ إن أحدكم إذا قام يُصلى، فإن الله تعالى قبل وجهه، فلا يبصقن قبل (¬2) وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرةٌ (¬3) فليتفل (¬4) بثوبه هكذا، ووضعه على فيه، ثم دلكه. الحديث رواه أبو داود وغيره. 6 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تفل (¬5) تجاه القبلة جاء يوم القيامة، وتفلته بين عينيه (¬6). رواه أبو داود وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، ورواه الطبراني في الكبير من حديث أبى أمامة، ولفظه قال: من بصق في قبلةٍ ولم يُوارِها (¬7) جاءت يوم القيامة أحمى (¬8) ما تكون حتى تقع بين عينيه. (تفل) بالتاء المثناة فوق: أي بصق بوزنه ومعناه. 7 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُبعثُ صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهى في وجهه (¬9). رواه البزار وابن خزيمة في صحيحه، وهذا لفظه، وابن حبان في صحيحه. 8 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم: قال: البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها (¬10). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. ¬

(¬1) يغضب عليه جل وعلا، ويصب عليه جام سخطه، ويرد عليه صلاته. (¬2) أمام. (¬3) سالمة اضطراراً من كثرة لعابه، وفيه حديث اعتزال النبى صلى الله عليه وسلم نساءه، قال عمر: (فابتدرت عيناى) أي سالتا بالدموع. أهـ نهاية. (¬4) أي فلينفخ لإخراج أدنى البزاق. (¬5) أخرج اللعاب والمخاط. (¬6) الله تعالى يحشره ومخاطه بين عينيه والقذارة بادية على وجهه، لأن صلاته خالية من الخشوع وخوف الله جل وعلا. وإن التافل لا يستحى من الله، ولا يضبط نفسه في هذه الساعة الرهيبة، ويكون طوع إرادة الشيطان ببصق كما شاء. (¬7) لم يخفها في ثوبه عن يساره، ولم يدفنها في تراب المسجد، أو لم يخرجها. (¬8) في درجة عالية من النار المتقدة الحامية فتلسعه وتؤلمه. (¬9) علامة دناءته، وحقارته، وتهاونه أمام ربه في صلاته في بيت مولاه. (¬10) في التراب أو إزالة أثرها، أو إخراجها من المسجد.

9 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التفلُ في المسجد سيئةٌ، ودفنهُ حسنةٌ. رواه أحمد بإسناد لا بأس به. 10 - وعن أبي سهلة السائب بن خلاد من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً أمَّ قوماً فبصق في القبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ: لا يصلى لكم هذا (¬1)، فأراد بعد ذلك أن يُصلى لهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، وحسبتُ أنه قال: إنك آذيت (¬2) الله ورسوله. رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه. 11 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلى بالناس الظهر فتفل في القبلة، وهو يصلى للناس، فلما كانت صلاة العصر أرسل إلى آخر، فأشفق (¬3) الرجل الأول، فجاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أأُنزل في شيءٌ؟ قال: لا، ولكنك تفلت بين يديك وأنت قائمٌ (¬4) تؤُّمُّ الناس، فآذيت الله والملائكة. رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد. 12 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا قام في الصلاة فتحت له الجنان، وكُشفت له الحجب بينه وبين ربه، واستقبله الحور العين مالم يمتخط (¬5)، أو يتنخع. رواه الطبراني في الكبير، وفي إسناده نظر. 13 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سمع رجلاً ينشدُ ضالَّةً (¬6) في المسجد فليقل: لا ردَّها الله عليك، فإن المساجد لم تُبنَ لهذا. رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وغيرهم. 14 - وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: إذا رأيتم من ¬

(¬1) في نسخة: بلا ذكر هذا، يعنى بالإشارة إلى الإمام غير الخاشع في صلاته، وغير المكترث بأداء هذا الفرض. (¬2) فعلت خطأ يشعر بقلة أدبك أمام الله، وأنك غير عامل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬3) خاف. (¬4) في نسخة: بلا قائم. (¬5) في نسخة: يتمخط. ص 108 ع. (¬6) تائها هائما: أي ضاعت له حاجة ويطلبها بصوت مرتفع أمام المصلين في المسجد.

يبيعُ أو يبتاع (¬1) في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة، فقولوا: لا ردها الله عليك. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي وابن خزيمة والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه بالشطر الأول. الترهيب من البيع أو الشراء وإنشاد الضالة في المسجد 15 - وعن بُرَيدة رضي الله عنه أن رجلا نشد في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وجدت (¬2) إنما بُنيت المساجد لما بنيت له. رواه مسلم والنسائي وابن ماجه. 16 - وعن ابن سيرين رضي الله عنه أو غيره قال: سمع ابن مسعودٍ رجلا ينشد (¬3) ضالةً في المسجد فأسكته وانتهره (¬4)، وقال: قد نُهِينا عن هذا. رواه الطبراني في الكبير، وابن سيرين لم يسمع من ابن مسعود، وتقدم حديث واثلة في الباب قبله: جَنِّبُوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم، وشراءكم، وبيعكم. الحديث. 17 - وعن مولىً لأبى سعيدٍ الخدرى رضي الله عنه قال: بينا أنا مع أبى سعيدٍ وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلنا المسجد، فإذا رجل جالسٌ في وسط المسجد مُحتبياً (¬5) ¬

(¬1) يشترى: ادعوا عليه بعدم الربح لأنه شوش على المصلين وتجارأ على العصيان: وهوش، وضيق وأوجد شغبا، وجلبة ضد العبادة، أي امنعوه من النداء بصوت مزعج مقلق معطل مؤلم، وصدوه عن غوايته، واطلبوا منه أن يقف على الباب، وينادى بما فقد منه. إن الله تعالى يتجلى برحماته وإحسانه على المصلين في المسجد، ويريد منهم الخشوع، وحصر الفكر في العبادة ونهى المسلمين عن وجود الشغب، والشقاق ورفع الصوت حتى في العبادة، فما بالك بحركة كالبيع والشراء؟ إذن يكون سوقا لا مسجداً، ونهى أيضاً عن تعريف الضالة في المسجد. فاحذر أخى أن تكثر من اللغو، أو تعطل مصلياً، أو تزعج عابدا رجاء الفوز إن شاء الله تعالى. (¬2) دعا صلى الله عليه وسلم على ذلك الذى رفع صوته في المسجد، وطلب منهم التعريف به ألا يجده، وأخبره أن المساجد لغير هذا، إنما هى للعبادة، وللذكر، وللقراءة، وهكذا. (¬3) نشد الضالة: طلبها، وأنشدها: عرفها. (¬4) زجره. (¬5) الاحتباء: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما مع ظهره ويشده عليها، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب، وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن الاحتباء لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو زال الثوب فتبدوا عورته، ومنه الحديث: أنه نهى عن الحبوة يوم الجمعة، والإمامة يخطب لأن الاحتباء يجلب النوم، فلايسمع الخطبة ويعرض طهارته للانتقاض أهـ نهاية ص 199. هذا الرجل جالس ورافع ركبتيه ومشبك أصابعه، وتلك جلسة الكسالى الغافلين عن الله الذين يلهيهم الشيطان عن ذكره سبحانه وتعالى.

مُشبكاً أصابعه بعضها وبعض، فأشار إليه رسول الله صلى الله عيه وسلم، فلم يفطن (¬1) الرجل لإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفت إلى أبى سعيدٍ، فقال: إذا كان أحدكم في المسجد فلا يُشبِّكنَّ فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاةٍ (¬2) ما كان في المسجد حتى يخرج منه. رواه أحمد بإسناد حسن. الترهيب من التشبيك في المسجد 18 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد كان في الصلاة (¬3) حتى يرجع، فلا يقل هكذا، وشبك بين أصابعه. رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم، وقال صحيح على شرطهما، وفيما قاله نظر. 19 - وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامداً إلى الصلاة فلا يُشبكن بين يديه فإنه في صلاةٍ (¬4). رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد والترمذي، واللفظ له من رواية سعيد المقبرى عن رجل عن كعب بن عجرة، وابن ماجه من رواية سعيد المقبرى أيضاً عن كعب، وأسقط الرجل المبهم. 20 - وفي روايةٍ لأحمد رضي الله عنه: قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، وقد شبكت بين أصابع (¬5)، فقال لى: ياكعب: إذا كنت في المسجد فلا تشبكن بين أصعابك، فأنت في صلاة ما (¬6) انتظرت الصلاة. ورواه ابن حبان في صحيحه بنحو هذه. 21 - وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) لم يفهم لأنه في سبات عميق، وجهالة عمياء. (¬2) إذا بقى وضوؤه وفي مصلاه استمر ثواب الله ما لم يحدث. (¬3) في نسخة: في صلاة. (¬4) أراد صلى الله عليه وسلم أن يجلس بهيبة ووقار ونشاط للعبادة. (¬5) في نسخة بين أصابعى. ص 109 ع. (¬6) ما مصدريه ظريفة: أي مدة جلوسك على مكان طاهر وعلى وضوء تام، فكأنك في تسبيح، وتحميد، وتكبير ودعاء وصلاة، تصب عليك الرحمات، وتشملك البركات، ويحوطك الرضوان، والإجلال، وترفرف عليك شارة القبول، ويتصل ثواب الله، وتملأ به صحائفك النقية، وتلك خلوة الصالحين مع الله تعالى.

خصالٌ لا ينبغين (¬1) في المسجد: لا يُتخذُ طريقاً (¬2)، ولا يشهر فيه سلاح (¬3)، ولا ينبض فيه بقوسٍ (¬4)، ولا يُنثر (¬5) فيه نبلٌ، ولا يُمرُّ فيه بلحمٍ نيءٍ، ولا يُضربُ فيه (¬6) حدُّ، ولا يُقتصُّ فيه من أحدٍ، ولا يُتخذُ سوقاً (¬7). رواه ابن ماجه وروى منه الطبراني في الكبير: ولا تتخذوا المساجد طُرُقاً إلا لذكرٍ، أو صلاةٍ. وإسناد الطبراني لا بأس به. (قوله ولا ينبض فيه بقوس) يقال: أنبض القوس بالضاد المعجمة إذا حرّك وترها لترنّ (نيء): بكسر النون، وهمزة بعد الياء ممدودا: هو الذى لم يطبخ، وقيل لم ينضج. النهى عن فعل أشياء في المسجد 22 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أبو بدرٍ أراه رفعهُ إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الحصاة تناشدُ (¬8) الذى يُخرجها من المسجد. رواه أبو داود بإسناد جيد، وقد سئل الدارقطنى عن هذا الحديث فذكر أنه روى موقوفا على أبى هريرة، وقال: رفعه وهم من أبى بدر، والله أعلم. 23 - وعن عبد الله، يعنى ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيكون في آخر الزمان قومٌ يكون حديثهم (¬9) في مساجدهم، ليس لله فيهم حاجة. رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) لا يصح أن توجد. (¬2) لا يكون المسجد ممراً أو ممشى. (¬3) لا يخرج السيف من مده للمبارزة والقتال. (¬4) في نسخة: ولا ينبض فيه قوس. (¬5) في نسخة: ولا ينشر. النبل: السهام العربية: بمعنى أن المساجد لا يتراشق فيها بالسهام، ولا يرمى فيها بالحجارة. (¬6) بمعنى أن المساجد ليست أمكنة للإمام يجلد فيها، أو يعاقب، أو يتخذها محكمة للقضاء، ولا يكون فيها اقتصاص، أوانتقام، أو نزاع، او يسود فيها جدل وشقاق. (¬7) لا تكون أمكنة للتجارة، والصناعة، والمبادلة، والبيع والشراء، واعلم أن المسجد المفروش بالحصر أو الرخام أو البلاط إذا أراد المصلى أن يبزق فليبزق في طرف ردائه، ويحكها إن أكره على البزق خشية استقذار المسجد إن بزق فيه، وكثرة الذباب الذى يجتمع على البزاق فيشوش على من في المسجد، ويتغذى بها الخشاش، وتمتنع ملائكة الرحمة من رائحة القذارة، هذا إلى خشية أن يخرج مع البصاق شئ من الدم، وهو نجس أو غيره من قيح، وصديد ممن به مرض، والمسجد من رعية الإمام يحتاج أن يتفقده، فما كان فيه على منهاج السلف الصالح الماضين أبقاه، وما كان من غير ذلك أزاله برفق وتلطف إن قدر على ذلك، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم. (¬8) تطالب، يقال ناشدتك الله وبالله أي سألتك وأقسمت عليك. وكل شئ مضر مؤذ يدعو المصلى أن يخرجه. (¬9) في مشاغل الدنيا، ومتاعبها، وكدها، ويتسلط عليهم الشيطان بالغيبة، والنميمة، والقيل والقال، وإنهم هجروا العبادة، ونسوا الله فنسيهم: ولم يعطهم الله ثواب الانتظار في المسجد.

الترغيب في المشي إلى المساجد سيما في الظلم، وما جاء في فضلها

الترغيب في المشى إلى المساجد سيما في الظلم وما جاء في فضلها 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في الجماعة تُضَعَّفُ (¬1) على صلاته في بيته، وفي سوقه خمساً وعشرين درجة وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى الصلاة (¬2) لا يخرجه إلا الصلاة لم يخطُ خطوةً إلا رُفعت له بها درجة، وحطَّ (¬3) عنه بهاخطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تُصَلِّي (¬4) عليه ما دام في مُصلاه: اللهم صل عليه اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاةٍ ما انتظر (¬5) الصلاة، وفي روايةٍ: اللهم اغفر له، اللهم تُب عليه ما لم يؤذ (¬6) فيه، ما لم يُحدِث فيه (¬7). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه باختصار. ومالك في الموطأ، ولفظه: من توضأ فأحسن الوضوء (¬8)، ثم خرج عامداً إلى الصلاة، فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة، وإنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنةٌ، ويمحى عنه بالأُخرى سيئةٌ، فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسع (¬9)، فإن أعظمكم أجراً أبعدكم داراً. قالوا لم يا أبا هريرة؟ قال: من أجل كثرة الخُطا. 2 - ورواه ابن حبان في صحيحه، ولفظه: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من حين يخرج أحدكم من منزله إلى مسجدى فرجلٌ تكتب له حسنة، ورجلٌ تحطُّ عنه سيئة حتى يرجع (¬10)، ورواه النسائي والحاكم بنحو ابن حبان، وليس عندهما حتى يرجع، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وتقدم في الباب قبله حديث أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع الحديث. 3 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا تطهر (¬11) ¬

(¬1) تزيد، وتنمو. (¬2) في نسخة: إلى المسجد. (¬3) محى. (¬4) تدعو له. (¬5) مدة انتظاره الصلاة: أي ذهب للعبادة. (¬6) مدة عدم ارتكاب المحارم، وإضرار الناس. (¬7) مدة عدم انتقاض وضوئه. (¬8) في نسخة: وضوءه، أي أنمه. (¬9) فلا يمد رجليه، ويسرع ويخطف الأرض نهبا. بل يتأنى في خطاه لتكثر حسناته، ولا ناهية ينهى عن عجلة السير. (¬10) أي عند عزم الإنسان إلى الذهاب إلى المسجد يحسب الله له خطواته، فحركة الرجل اليمنى حسنة، واليسرى حتى يئووب إلى منزله. (¬11) حاز شروط الطهارة للصلاة من استنجاء ووضوء.

الرجلُ، ثم أتى المسجد يرعى الصلاة كتب له كاتباه أو كاتبهُ بكل خطوةٍ يخطوها إلى المسجد عشر حسناتٍ، والقاعد يرعى الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه. رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط وبعض طرقه صحيح، وابن خزيمة في صحيحه، ورواه ابن حبان في صحيحه مفرقا في موضعين. (القنوت) يطلق بإزاء معان منها: السكوت، والدعاء، والطاعة، والتواضع، وإدامة الحج، وإدامة الغزو، والقيام في الصلاة، وهو المراد في هذا الحديث، والله أعلم. 4 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من راح إلى مسجد الجماعة فخطوةٌ تمحو سيئة، وخطوة تكتب له حسنةً ذاهباً وراجعاً. رواه أحمد بإسناد حسن والطبراني وابن حبان في صحيحه. 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على كل ميسمٍ (¬1) من الإنسان صلاةٌ كل يومٍ. فقال رجلٌ من القومِ: هذا من أشدِّ ما أُوتينا (¬2) به. قال: أمرُكَ بالمعروف، ونهيك عن المنكر صلاةٌ، وحلمك على (¬3) الضعيف صلاةٌ، وإنحاؤُك القذر عن الطريق صلاةٌ، وكلُّ خطوةٍ تخطوها إلى الصلاة صلاةٌ (¬4). رواه ابن خزيمة في صحيحه. 6 - وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأسبغ (¬5) الوضوء، ثم مشى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ (¬6) فصلاَّها مع الإمام غُفرَ له ذنبه. رواه ابن خزيمة أيضاً. 7 - وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: حضر رجلاً من الأنصار الموت ¬

(¬1) جمال عضو. ووسيم حسن الوجه، وفي صفته صلى الله عليه وسلم: وسيم قسيم: الحسن الوضئ الثابت. المعنى أن كل عضو موسوم بصنع الله عز وجل يصلى صاحبه صلاة نافلة زكاة له، وشكراً للخالق جل وعلا، وتحدثا بنعمه كما قال صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى من الناس صدقة). (¬2) في نسخة: ابتلينا. (¬3) في نسخة: عن ص 110 ع. (¬4) تلك خصال ستة عددها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال الخير، الجالبة الأجر، المضاعفة الثواب. فنضارة أعضائك، وحسن خلقك، ورواء منظرك يحتاج إلى طاعة الله، ودعاء، وصلاة، وعبادة وذكر، وسلوك منهج النصيحة عبادة، وإنذار الفساق، ونهيهم طاعة. كما أن استعمال الرأفة، والتخلق بالأخلاق الكاملة، وإزالة أذى عن الطريق من شوك، أو حجر، كذا خطوات الصلاة مجلبة الثواب. (¬5) أتم وأكمل. (¬6) فريضة الصبح، أو الظهر، أو العصر، أو المغرب، أو العشاء.

فقال: إنى مُحدِّثكم حديثاً ما أُحَدِّثُكُمُوهُ إلاَّ احتساباً: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثُمَّ خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليُمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنةً، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه سيئةً، فليقرب أحدكم أو ليبعد، فإن أتى المسجد فصلى في جماعةٍ غُفِرَ له، فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضاً وبقى بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقى كان كذلك (¬1) فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتمَّ الصلاة كان كذلك. رواه أبو داود. 8 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني الليلة آتٍ من ربى، فذكر الحديث إلى أن قال: قال لى (¬2) يا محمدُ أتدرى (¬3) فيم يختصم الملأُ الأعلى؟ قلت: نعم في الدرجاتِ والكفارات، ونقل الأقدام إلى الجماعة (¬4)، وإسباغ الوضوء في السبرات (¬5)، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخيرٍ، ومات بخيرٍ، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه. الحديث رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب، ويأتى بتمامه إن شاء الله تعالى. 9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءَهُ فيسبغه (¬6)، ثم يأتى المسجد لا يريدُ إلا الصلاة (¬7) إلا تبشش الله إليه كما يتبشش أهل الغائب بطلعته رواه ابن خزيمة في صحيحه. 10 - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: خلت البقاع (¬8) حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قُرب المسجد فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال لهم: بلغنى أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟ قالوا: نعم يا رسول الله: قد أردنا ذلك، ¬

(¬1) في نسخة: كان ذلك. (¬2) في نسخة: بحذف قال لى. (¬3) أتعلم في أي شئ يتنافس الملائكة المقربون؟ في كتابة ثواب الله، ومن يسبق؟. (¬4) في نسخة: الجماعات. (¬5) جمع سبرة: شدة البرد. (¬6) يتمه. (¬7) في نسخة فيه إلا تبشبش. البش فرح الصديق بالصديق، واللطف في المسألة، والإقبال عليه. وقد بششت به - أبش. والمعنى أن الله سبحانه وتعالى يتلقى قاصد المسجد للصلاة ببره، وتقريبه وإكرامه، ويتجلى عليه بالقبول والرضوان، لأنه أوى إلى بيته، وأراد عبادته، وهو جَلَّ وعلا الكريم الوهاب. وهذا مثل ضربه النبى صلى الله عليه وسلم ليبين الفرح العظيم المحسوس الظاهر من أهل الغائب عند تشريفه، ورؤية طلعته. فإكرام الله أجل وأبهى للمصلى. (¬8) جمع بقعة: الأرض الفضاء، والبقيع: موضع فيه أروم الشجر من ضروب شتى، وبه سمى بقيع الغرقد، وهى مقبرة بالمدينة.

فقال يا بنى سلم (¬1) دياركم تكتب آثاركم (¬2) دياركم تكتب آثاركم، فقالوا: ما يسرنا أنّا كُنَّا تحولنا. رواه مسلم وغيره. وفي روايةٍ: له بمعناه، وفي آخرهِ: إن لكم بكل خطوةٍ (¬3) درجة. ما جاء في فضل المشى إلى المسجد 11 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: كانت الأنصار بعيدةً منازلهم من المسجد فأرادوا أن يتقربوا (¬4) فنزلت: ونكتب ما قدموا وآثارهم، فثبتوا. رواه ابن ماجه بإسناد جيد. 12 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الأبعد (¬5) فالأبعد من المسجد أعظم أجراً. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم، وقال: حديث صحيح مدنىّ الإسناد. 13 - وعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: كنت أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نريد الصلاة، فكان يُقارب (¬6) الخطا، فقال: أتدرون لم أُقارب الخطا؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: لا يزال العبد في صلاةٍ مادام في طلب الصلاةِ. وفى رواية: إنما فعلت (¬7) لتكثر خُطاى في طلب الصلاة. رواه الطبراني في الكبير مرفوعا وموقوفا على زيد، وهو الصحيح. 14 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى (¬8) فأبعدهم، والذى ينتظر الصلاة حتى يُصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذى يُصليها (¬9) ثم ينام. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 15 - وعن أُبى بن كعبٍ رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار لا أعلمُ ¬

(¬1) في نسخة: يابنى سلمة 112 ع. (¬2) المعنى الزموا دياركم البعيدة، واسكنوا فيها فإن المشى الكثير يزيد في الحسنات، ويخلد الآثار الصالحة. (¬3) الخطوة بالضم: بعد ما ين القدمين في المشى، وبالفتح المرة، وجمع الكثرة خطا، والقلة خطوات، ومنه الحديث (وكثرة الخطا إلى المساجد) و (خطوات الشيطان). (¬4) في نسخة، يقتربوا. (¬5) الأبعد ممشى. (¬6) يمشى بتؤدة، ويتأنى، ولا يفتح رجليه لتطول الخطوة. (¬7) في نسخة: فعلت هذا. (¬8) يأتى إلى الصلاة؛ ومشى كثيرا لبعد داره من المسجد. (¬9) وحده ويترك الجماعة ويصلى بسرعة وتشغله الدنيا في صلاته ولا ينتظر الإمام.

أحداً أبعدَ من المسجد منه كانت لا تخطئه (¬1) صلاةٌ، فقيل له: لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، فقال، ما يَسُرُّنىِ أن منزلى إلى جنب المسجد، إنى أُريدُ أن يُكتب لى ممشاى إلى المسجد، ورجوعى إذا رجعت إلى أهلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله. وفي روايةٍ: فتوجعت له، فقلت يا فلان: لو أنك اشتريت حماراً يقيك (¬2) الرمضاء وهوامَّ (¬3) الأرض؟ قال: أما والله ما أُحبُّ أن بيتى مُطنبٌ (¬4) ببيت محمدٍ صلى الله عليه وسلم قال: فحملت به حملاً حتى أتيت (¬5) نبىَّ الله صلى الله عليه وسلم: فأخبرته فدعاه، فقال له مثل ذلك، وذكر أنه يرجو الأثر، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لك ما احتسبت. رواه مسلم وغيره، ورواه ابن ماجه بنحو الثانية. (الرمضاء) ممدوداً: هى الأرض الشديدة الحرارة من وقع الشمس. 16 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين ¬

(¬1) في نسخة: لا تخطيه، لا تفوته. (¬2) يدفع أذى الحر. (¬3) حشراتها. (¬4) يعنى: ما أحب أن يكون بينى إلى جانب بيته، لأنى احتسب عند الله كثرة خطاى من بيتى إلى المسجد. ومعنى مطنب: أي مشدود بالأطناب: والطنب بضمتين: حبل الخباء. يعنى ما أحب أن يكون بيتى إلى جانب بيته لأنى أحتسب عند الله كثرة خطاى من بيتى إلى المسجد. (¬5) في نسخة: أتيت به. أنظر إلى حديث الأنصار الذين نصروا النبى صلى الله عليه وسلم، وفدوه بأرواحهم وأموالهم. إن منازلهم بعيدة من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فأرادوا أن يقتربوا منه، فنزلت: (ونكتب ما قدموا وآثارهم) قال الله تعالى: (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشى الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم. إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين). 13 من سورة يس. إنك تخوف يا محمد من تأمل في القرآن وعمل به، وخاف عقاب ربه قبل حلوله، ومعاينة أهواله، وامتلأ قلبه إيمانا به في سريرته، ولم يغتر برحمة العزيز الرحمن، المنتقم القهار، والغفور الجبار، والمحي الأموات بالبعث، والجهال بالهداية (ونكتب ما قدموا) أي ما أسلفوا من الأعمال الصالحة، والطالحة (وآثارهم) الحسنة كعلم علموه، وحبيس وقفوه، والسيئة كإشاعة باطل، وتأسيس ظلم، وهكذا نحصى الأفعال جليلها، وحقيرها في اللوح المحفوظ. وقد رأيت في حديث 10 رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى رويدا تحفه السكينة، والوقار ليعلم الناس الأدب في المشى، والتؤدة في السير، وعدم الإجهاد، والعدو، شفقة على النفس، ورأفة بها، وجلب الخير لها بكثرة الخطوات فالحسنات. وفي حديث 15: رجل هرم: اشتعل رأسه شيبا، وبلغ به الضعف مبلغه، فقيل له اتخذ حمارا يخفف عنك مشقة الحر وتعب المشى وظلمة الليل فأبى رجاء ثواب الله في غدواته وروحاته، فبشره صلى الله عليه وسلم (قد جمع الله لك ذلك الخير كله).

صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقةٌ، والكلمةُ الطبيةُ صدقةٌ، وبكل خطوةٍ يمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتُميطُ الأذى عن الطريق صدقة. رواه البخاري ومسلم. (السلامى): بضم السين، وتخفيف اللام، والميم مقصور: هو واحد السلاميات وهى: مفاصل الأصابع. قال أبو عبيد: هو في الأصل عظم يكون في فرسن البعير، فكان المعنى: على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة (تعدل بين الاثنين): أي تصلح بينهما بالعدل. (تميط الأذى عن الطريق): أي تنحيه وتبعده عنها. 17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أدُلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاةِ بعد الصلاةِ، فذكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط (¬1) رواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كفارات الخطايا: إسباغ الوضوء على المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. 18 - ورواه ابن ماجه أيضاً من حديث أبى سعيدٍ الخدرى رضي الله عنه إلا أنه قال: ألا أدُلكم على ما يكفر الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فذكره. 19 - ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث جابر، وعنده: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويكفر به الذنوب؟. 20 - وعن على بن أبى طالبٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إسباغ الوضوء في المكاره، وإعمال (¬2) الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة تغسل (¬3) الخطايا غسلاً. رواه أبى يعلى والبزار بإسناد صحيح. ¬

(¬1) في الأصل الإقامة على جهاد العدو في الحرب، وارتباط الخيل وإعدادها، فشبه به ما ذكر من الأفعال الصالحة، والعبادة: أي المواظبة على الطهارة، والصلاة، والعبادة كالجهاد في سبيل الله، فعليك أخى بالعكوف في المسجد في أوقات فراغك، واترك المقاهى، وسمر اللهو. (¬2) نقل الأقدام وخطاها. (¬3) تزيل الذنوب.

21 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من غدا إلى المسجد، أو راح أعد الله له في الجنة نُزُلاً كُلما غدا أو راح (¬1). رواه البخاري. ومسلم وغيرهما. 22 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغدوُّ (¬2) والرواح إلى المسجد من الجهاد في سبيل الله. رواه الطبراني في الكبير من طريق القاسم عن أبي أمامة. 23 - وعن بُريدة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة. رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث غريب. (قال الحافظ عبد العظيم) رحمه الله: ورجال إسناده ثقات، ورواه ابن ماجه بلفظ من حديث أنس. 24 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليضئ للذين يتخللون إلى المساجد في الظُّلَمِ بنورٍ ساطعٍ يوم القيامة. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. 25 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من مشى في ظلمة الليل إلى المسجد لقى الله عز وجل بنورٍ يوم القيامة. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن، وابن حبان في صحيحه. ولفظه قال: من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد آتاه الله نوراً يوم القيامة. 26 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) غدا: أو راح: رجع. (¬2) الذهاب مبكرا، والمجئ فى غلس الليل للعشاء، وللفجر: أي إن الذين يحافظون على صلاة العشاء، والفجر جماعة يضئ الله بصائرهم، ويتمم نورهم، ويزيد إيمانهم فتنجلى عنهم غياهب الأهوال، وتبعد عنهم الشدائد، ويأمنون العذاب، ويهتدون إلى نعيم الجنة. يقال: إن جباههم تضئ كالقمر ليلة البدر يوم القيامة والله أعلم، وسمعت أبى رحمه الله يحدث: أن الرجل الصالح هو الذى يحافظ على صلاتى العشاء والفجر جماعة في المسجد ويقول: إذا رأيته زاد عن أربعين يوما محافظا فصاحبه، واتخذه لك أنيسا وجليسا، ووالله لا أعرف الرجل صالحاً إلا من ملازمته لهذين الوقتين أهـ.

بشر المُدلجين (¬1) إلى المساجد في الظلم بمنابر من النور (¬2) يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزعون (¬3). رواه الطبراني في الكبير، وفي إسناده نظر. 27 - وعن سهل بن سعدٍ الساعدى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليبشر المشاءون (¬4) في الظُّلَمِ إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة. رواه ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين كذا قال. (قال الحافظ) وقد روى هذا الحديث، عن ابن عباس، وابن عمر، وأبى سعيد الخدرىّ وزيد ابن حارثة، وعائشة وغيرهم. 28 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المشاءون إلى المساجد في الظلم أولئك الخوَّاضُون (¬5) في رحمة الله تعالى. رواه ابن ماجه، وفي إسناده إسماعيل بن رافع تكلم فيه الناس، وقال الترمذي ضعفه بعض أهل العلم، وسمعت محمداً، يعنى البخاري يقول: هو ثقة مقارب الحديث. 29 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من خرج من بيته مُتطَهِّراً إلى صلاةٍ مكتوبةٍ (¬6)، فأجرهُ كأجر الحَجِّ المُحْرِمِ (¬7)، ومن خرج إلى تسبيح الضحى (¬8) لا ينصبه إلا إياهُ فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاةٍ ¬

(¬1) الذين يسيرون إلى المساجد في ظلمة العشاء والفجر والسحر للتهجد، من أدلج: إذا سار بالليل، وأنشدوا لعلى رضى الله عنه: اصبر على السير والإدلاج في السحر ... وفي الرواح على الحاجات والبكر فجعل الإدلاج في السحر. (¬2) في نسخة: من نور. (¬3) يخاف الناس يوم القيامة من شدة الحساب، وهوله، وشدائده. ولكن الصالحين يظلهم الله بظل رحمته ونوره، كما قال تعالى: (لايحزنهم الفزع الأكبر). يقال: هذا اليوم يطول على الكفار، ويتوسط على الفساق، ويخفف على الطائعين. نسأل الله السلامة. (¬4) في نسخة: الماشون، واللام في (ليبشر) للقسم، فليفرح أي والله لتحصل بشارة لمن يمشى في الليل الحالك لصلاة الجماعة في المسجد، والبشرى من الله رحمة ورضوان، وسعادة، ونعيم، وثواب، واطمئنان من العذاب. في ع بكسر اللام ليبشر. (¬5) الخوض: المشى في الماء، واستعمل في التلبس، ونيل رحمة الله، وإغداق نعمه بمعنى أن الله سبحانه وتعالى يوم القيامة يشمله برضاه، فيخطو في جناته، ويمشى في نعيمه. (¬6) أي فريضة. (¬7) كناية عن ثواب كامل. (¬8) صلاة ركعتين للضحى يعطيه الله ثواب من فعل عمرة بمعنى أنه يكفر ذنوب سنة. أما ثواب الحج التام فكما قال صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).

لا لغو بينهما كتابٌ في عليين (¬1) رواه أبو داود من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أُمامة. تسبيح الضحى يريد صلاة الضحى، وكل صلاة يتطوع بها فهى تسبيح وسبحة. (قوله لا ينصبه): أي لايتبعه، ولابن عجة: إلا ذلك. (والنصب) بفتح النون والصاد المهملة جميعاً: هو التعب. من خرج إلى المسجد فهو ضامن على الله 30 - وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثةٌ كلهم ضامنٌ (¬2) على الله، إن عاش رُزق وكُفِىَ، وإن مات أدخله الله الجنة: من دخل بيته فسلم فهو ضامنٌ على الله، ومن خرج إلى المسجد فهو ضامنٌ على الله، ومن خرج في سبيل الله فهو ضامنٌ على الله. رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه، ويأتى أحاديث من هذا النوع في الجهاد وغيره إن شاء الله تعالى. 31 - وعن سلمان رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد فهو زائر (¬3) الله، وحقٌّ على المزور (¬4) أن يكرم الزائر، رواه الطبراني في الكبير بإسنادين: أحدهما جيد، وروى البيهقى نحوه موقوفا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح. ¬

(¬1) بمعنى أن ثواب انتظار الصلاة الجديدة بعد تأدية السابقة يحفظ في كتاب جامع لأعمال الأبرار تشهد الملائكة على ما فيه يوم القيامة، وفي ذلك يقول الله تعالى: (إن كتاب الأبرار لفى عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون) أي يحضرونه فيحفظونه. (إن الأبرار لفى نعيم على الآرائك ينظرون تعرف في وجوهم نضرة النعيم. يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. ومزاجه من تسنيم. عيناً يشرب بها المقربون) 29 سورة المطففين. أي على الأسرة في الحجال يرون ما يسرهم من نعم المحسن جل وعلا، وفي وجوههم علامة التنعيم وبريقه، ويروون من شراب خالص مختوم أوانيه بالمسك، فليرتقب المرتقبون هذا النعيم وهذا جزاء من لم يشتغلوا بغير الله. (¬2) الله كفيل بحفظهم، وقادر على زيادة أجرهم، ويبسط لهم الرزق، ويسلمهم من غوائل الشر؛ ويقيهم السوء. أولا: القادم إذا سلم على أهله. ثانياً: قاصد المسجد للصلاة. ثالثاً: المجاهد المحارب لنصر دين الله تعالى. أولئك ثلاثة يلحظهم الله بعنايته، فعليك يا أخى أن تؤانس أهل بيتك وتبدأهم بتحية المسلمين (السلام عليكم ورحمة الله) وتعلمهم آداب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تحافظ على جماعةالمسجد أول الوقت؛ وأن تجاهد فى إعلاء كلمة الله العليا، والآن جهادك أن تتقى الله ومحارمه، وتترك الأشرار وتصحهم أن يعملوا صالحا، وتلازم السنة. (¬3) ضيفه، وطالب ثوابه. إن من أسماء الله تعالى الكريم: أي الجواد المعطى الذى لا ينفد عطاؤه، وهو الكريم المطلق. والكريم الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل. (¬4) الذى قصد ثوابه، بالتقرب إليه.

دعاء: أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها 32 - وروى عن أبي سعيدٍ الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج من بيته إلى الصلاةِ، فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاى هذا، فإنى لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا رياءً، ولا سُمعةً، وخرجت اتقاء (¬1) سخطك وابتغاء (¬2) مرضاتك، فأسألك أن تُعيذنى (¬3) من النار، وأن تغفر لى ذنوبى إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل (¬4) الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملكٍ. رواه ابن ماجه. (قال المملى) رضي الله عنه: ويأتى فيما يقوله إذا خرج المسجد إن شاء الله تعالى. (قال الهروى): إذا قيل فعل فلان ذلك أشراً وبطراً فالمعنى: أنه لجّ في البطر. (وقال الجوهرى): الأشر والبطر بمعنى واحد. 33 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها (¬5)، وأبغض البلاد إلى الله أسواقُها (¬6). رواه مسلم. 34 - وعن جُبير بن مطعمٍ رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أىُّ ¬

(¬1) اجتناب غضبك. (¬2) طلب. (¬3) تجيرنى. (¬4) فتح الله أبواب رحماته وبركاته يطلبون له المغفرة والعفو. (¬5) لأنها مصدر الذكر والخير. (¬6) لما فيها من المنكرات، والفسوق، والكذب، وأهلها يغفلون عن حقوق الله، وفيها الشقاق والبغضاء، والجلبة، والمؤمن يذهب، ويتقى الله فيها ما استطاع، ولا يفوته حق من حقوق مولاه، ويدع الفجور، والختال، والغش؛ واللغو، ولا ينسى ذكر الله بقلبه ولسانه، فالمراد بمحبة الله وبغضه ما يتعلقان بما يقع فيهما، فعليك يا أخى بملازمة بيوت الطاعة، وأساس التقوى، ومحل تنزلات رحمة مولاك، وحذار من مواطنة الغفلة. والشره على جمع المال، والحرص على كسب الحرام، والفتن، والطمع، والخيانة، والأيمان الكاذبة، والأعراض الفانية عسى أن تدرك فوز الله في قوله: أ - أولا: (وكذلك ننحى المؤمنين) وفي قوله: ب - (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) وفى قوله: جـ - ثانياً: (وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون) وفى قوله: ينادى المؤمنين الذين صدقوا بالله وبرسله، وأيقنوا بصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وبأن دينه قويم، وشرعه حكيم، واتباعه سعادة، والعمل بقوله سيادة، ومناعة، وحصانة، ونور. د - (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفر رحيم) يؤتكم الله جل جلاله نصيبين من رحمته لإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم والاقتداء بأفعاله، ومنها المحافظة على أداء الوقت في المسجد. هذا إلى إيمانكم بمن قبله، وقيل الخطاب للنصارى الذين كانوا في عصره، إن شاهدنا في الآية (يجعل لكم نوراً تمشون به)، ويؤيد هذا شاهد الأحاديث.

الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها

البلدان أحبُّ إلى الله، وأىُّ البلدان أبغض إلى الله؟ قال: لا أدرى حتى أسأل جبريل عليه السلام، فأتاه فأخبره جبريل: أن أحسن (¬1) البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق. رواه أحمد والبزار واللفظ له، وأبى يعلى والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 35 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبى صلى الله عليه وسلم: أىُّ البقاع خيرٌ، وأىُّ البقاع شرٌّ؟ قال: لا أدرى (¬2) حتى أسأل جبريل عليه السلام، فسأل جبريل، فقال: لا أدرى حتى أسأل ميكائيل فجاء (¬3) فقال: خير البقاع المساجد، وشرُّ البقاع الأسواق. رواه الطبراني في الكبير، وابن حبان في صحيحه. 36 - وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: أي البقاع خيرٌ؟ قال: لا أدرى. قال: فاسأل عن ذلك ربك عز وجلَّ. قال: فبكى جبريل عليه السلام، وقال يا محمد: ولنا أن نسأله، هو الذى يُخبرنا بما يشاء فعرج إلى السماء، ثم أتاه فقال: خير البقاع بيوت الله في الأرض. قال فأى البقاع شرٌّ (¬4)؟ فعرج إلى السماء، ثم أتاه فقال: شرُّ البقاع الأسواق. رواه الطبراني في الأوسط. الترغيب في لزوم المساجد والجلوس فيها 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) في نسخة: أحب. (¬2) لا أعلم. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل فيقول (لا أدرى) حتى يتلقى الحكمة من الحكيم والجواب من العليم، والعلم أمانة، والله رقيب وحسيب؛ فهل لأدعياء العلم أن يجيبوا إذا علموا فقط، وأن يفوضوا العلم لله إذا جهلوا. إن مصيبة بعض المسلمين الآن الثرثرة، والفتوى بلا علم، والقول مع الجهالة. يظن البعض أنه أحسن، وأجاد، وتفقه، وساد، وحينئذ يتهجم على مسائل الدين، ويتمشدق بكلام خير المرسلين، وهو غير عالم، وهو غر جاهل؛ فيقع في شركه سليم النية، حسن الطوية. (¬3) في نسخة: فجاء جبريل رئيس الملائكة، ولا يعلم هذا الجواب، فيسأل ميكائيل، هذا هو العلم الصراح، والماء العذب القراح؛ والدرس المفيد لأهل العلم، فهل آن لطالب العلم أن يستفيض ويستزيد ويدعو كما قال الله تعالى لنبيه (وقل رب زدنى علما). (¬4) شر فعرج 116 ع. في نسخة: شر قال فعرج.

يقول: سبعةٌ يُظلُّهم الله في ظله (¬1) يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل (¬2)، والشابُّ (¬3) نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد (¬4)، ورجلان تحابا (¬5) في الله اجتمعا على ذلك، وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته (¬6) امرأة ذات منصب وجمال، فقال إنى أخاف الله، ورجلٌ (¬7) تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ¬

(¬1) كنفه ورحمته وحياطته. يوم القيامة تدنو الشمس من الخلائق، وينالون أشد الأهوال، ولكن هؤلاء السبعة تشرق عليهم شمس السعادة والنعيم، ويشعرون بالحفاوة، وإكرام الجليل، لماذا؟؛ لأن عقيدتهم صفت لله، وأخلصت نفوسهم وزكت، وعرفوا في حياتهم كيف يرضون الرب جل وعلا؛ ويراقبونه في السر والعلانية ويدعونه رغبا ورهبا، وكانوا له خاشعين. (¬2) الذى يتولى أمور المسلمين، ويرعى مصالحهم، وينظر فيها يرقيهم، ويرفع شأنهم. فيسير على منهج الحق والعدل، وينتصف للمظلوم من الظالم، ويقيم أوامر الله، ويدعو الناس إلى العمل بكتاب الله، ولم يخش ضعيف من جوره، ولم يطمع قوى في جاهه وسلطانه، والحزم دينه؛ والحق مطلبه. من تقرب إليه نصحه، ومن تباعد عنه وصله، وهكذا يكون سباقا إلى الخير معوانا على البر، ويدخل في كل من ولى شيئاً من أمور المسلمين فعدل فيه: الملك. الوزير. المدير. المأمور العمدة. كل رئيس عمل. إمام حتى رب البيت. (¬3) في نسخة: شاب. من الشباب: الحداثة: أي فتى حديث السن امتلأ قوة ونشاطا، وترعرع على تقوى الله ولازم عبادة مولاه من صغره، وأينع ثمره في طاعة الله، وخشى ربه، وراقبه في سره وجهره، لم يرتكب صغيرة أو كبيرة، ولم يمش في دناءة، ولم يخط إلى جهالة، ولم تغلبه شهوته، ولم تخضعه لطاعتها، دافع الهوى والطيش. إنسان كمله الله وجمله ووفقه، وعلى الكتاب أنشأه وأمده؛ وقربك منه عبادة، وجلوسك معه خير مجتنى، وعلم مقتنى، وهو لك ناصح أمين وقدوة حسنة. أخى: ابحث عن هذا وعاشره، واغبطه بما نال. فاللهم غبطاً لاهبطا: أي نسألك الغبطة، ونعوذ بك أن نهبط عن حالنا. (¬4) محافظ على الصلاة في أوقاتها في المسجد، ويكثر من الاعتكاف فيها، والتضرع إليه جل وعلا مع إصلاحها وتنظيفها وتعميرها والذب عنها. ويكثر من التردد إلى بيوت الله لأنها مجتمع المسلمين، ومناط وحدتهم والتئام كلمتهم. (¬5) رجلان تمكنت بينهما أواصر المحبة الصادقة، والصداقة المتينة الخالصة لله من شوائب النفاق وابتغاء النفع، لا يؤثر فيها غنى، ولا فقر ولا تزيدها الأيام إلا وثوقا وإحكاما، سرهما في طاعة الله وجهرهما في مرضاته ولا يتناجيان في معصية ولا يسران منكرا ولا تسعى أقدامهما إلى فسق أو فجور تجمعهما رابطة الدين وحبه، وتفرقهما الغيرة على الدين والدفاع عن آدابه والذياد عن حرمته. لا لعرض زائل أو متاع من الدنيا قليل. (¬6) طلبته سيدة حازت الجمال الرائع ومن اسرة عريقة في المجد صاحبة حسب وجاه قوى وسلطان نافذ الكلمة ومال جم لتغرى ذوى النفوس المريضة والإيمان الضعيف ولكن هذا خاف الله وحده، وضرب بحسنها ومالها عرض الحائط وصدها عن غيها لله وزجرها عما تطلبه منه لله، وذكرها بقوة الله وشدة بطشه ولا يقوى على عصيان الله ولا يطيق عذابه في الآخرة، فأزال غرورها بمنصبها الفانى الضعيف، وحسنها البالى الفتان حياء من الله تعالى. (¬7) متصدق ينفق في مشروعات الخير لله. يجتنب المراءاة، ويترك الزلفى والمخادعة؛ ولا يحب ثناءالناس ولا يبتغى جزاء ولا شكورا ويكاد لإخفائه الصدقة ألا تعلم شماله ما تنفق يمينه. كناية عن طلب السر في صرفها ..

ورجلٌ ذكر الله خالياً (¬1) ففاضت عيناه. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 2 - وعن أبي سعيدٍ الخدرى رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم الرجل يعتاد (¬2) المساجد فاشهدوا له بالإيمان (¬3). قال الله عز وجل: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر. رواه الترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم، كلهم من طريق درّاج أبى السمح عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما توطَّن (¬4) رجل المساجد للصلاة، والذكر إلا تبشبش (¬5) الله تعالى إليه كما يتبشبش (¬6) أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم. رواه ابن أبى شيبة وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين. وفي رواية لابن خزيمة قال: ما من رجل كان توطن المساجد فشغله أمرٌ أو علةٌ، ثم عاد إلى ما كان إلا يتبشبش (¬7) الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم. 4 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ستُّ مجالس: المؤمن ضامنٌ (¬8) على الله تعالى ما كان فى شيئٍ (¬9) منها: في مسجد جماعةٍ (¬10) ¬

(¬1) مفردا في مكان ليس معه أحد فذكر عظمة ربه، وقوة سلطانه ورحمته على عباده، وجزيل إحسانه وتذكر أعماله لمولى هذه النعم، فبكى واغرورقت عيناه بالدموع خوفا من الله، وفاضتا طمعا في ثواب الله وغفرانه ورهبته من سؤاله وأليم عقابه وتأمل أخى في (خاليا) ذكر الله بلا رياء ولم يفعل ذلك أمام الناس ليقولوا إنه ولى صالح، ويلهجوا بمدحه. لا. خلا إلى نفسه وربه وحدث نفسه عن تقصيره. وكسله أمام واجبات الخالق الوهاب المنتقم الجبار، فتألم من خلو صحائفه من الصالحات وأن وتألم وتحسر وما كان هذا خديعة على ملأ من الناس ومشهدهم مما يدل على صدق تأثره بتقصيره وعمق رهبته وخوف الله جل وعلا. (¬2) يغدو ويروح بمعنى أن يواظب على أداء الفرائض مع الإمام دائما. (¬3) يحسن العقيدة في الله ورسله وأنه مصدق بوجود الله وملائكته وكتبه ورسله وأنه يعمل صالحا لله. (¬4) توطين النفس على الشئ كالتمهيد. ووطنها واستوطنها: اتخذها وطنا، والمعنى والله أعلم: ما ألف الذهاب إلى المساجد، واعتاد ذلك ومال إليها بقصد العبادة والتسبيح، والتحميد، والتكبير، والصلاة وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إيطان المساجد: أي اتخاذها وطنا. (¬5) قابله الله بالرضا والرحمة. (¬6) يفرح وينشرح. (¬7) في نسخة: تبشبش. (¬8) الله تعالى متكفل بحظفه ورعايته مدة وجود شئ من هذه الستة ومعنى ضامن مضمون على الله أن يدخله الجنة وينجيه. (¬9) أي مدة كونه في شئ منها، أي متلبساً به. (¬10) أي مدة كونه ملبسا بلبثه في المسجد للصلاة =

وعند مريضٍ (¬1) أو في جنازةٍ (¬2)، أو في بيته (¬3)، أو عند إمام مقسطٍ (¬4) يُعزِّرهُ (¬5) ويوقرهُ (¬6)، أو في مشهد جهادٍ (¬7). رواه الطبراني في الكبير والبزار، وليس إسناده بذاك، لكن روى من حديث معاذ بإسناد صحيح، ويأتى في الجهاد وغيره إن شاء الله تعالى. 5 - وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن عُمَّارَ (¬8) بيوت الله هم أهل الله (¬9) عز وجل. رواه الطبراني في الأوسط. 6 - وعن أبي سعيدٍ المخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ألف (¬10) المسجد ألفه الله. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة. 7 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان ذئبُ (¬11) الإنسان كذئب الغنم يأخذُ الشاة القاصية والناحية (¬12) فإياكم والشعاب (¬13)، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد. رواه أحمد بن رواية العلاء بن زياد عن معاذ ولم يسمع منه. ¬

= جماعة أو لنحو اعتكاف أو تلاوة قرآن أو يذكر الله سرا. وعبارة المناوى أنه ضامن على الله أن ينجيه من أهوال يوم القيامة أهـ. (¬1) لعيادته أو خدمته، والقيام بمصالحه رأفة به لله تعالى. (¬2) المراد هنا المشى في تشييع الجنازة، والذهاب معها حتى تدفن. (¬3) بأن ينعزل عن الناس ويمكث في بيته سواء كان جالساً، أو قائماً، أو نائماً ناويا بذلك دفع شره عنهم كما هو شأن الموفق الزاهد المتوكل على الله. (¬4) عادل يحكم بالحق - أما القاسط فهو الجائر. (¬5) يقويه على مصالح الناس، ويأمره بما ينفعه ويرشده إلى الخير، وإزالة المظالم، وتشييد الصالحات. (¬6) يعظمه لله، ويحترمه لحسن سيرته، وسلوكه منهج الشرع تشجيعاً له على الزيادة في أعمال البر. (¬7) مدة كونه في مشاهدة الجهاد لنصر دين الله يحارب، ويجالد، ويدافع عن وطنه. (¬8) المداومون على وجودهم في المساجد يذكرون ويعبدون الله. (¬9) المنتسبون إليه الذين يرعاهم ويحبهم. (¬10) أحب. (¬11) مفترسه وعدوه ينتهز فرصة ضعف إيمانه، ويهجم عليه، فيسلب إخلاصه لله، وينقله من تفكره في العبادة إلى وساوس، وأعمال الدنيا ليحبط ثوابه، ووضح ذلك صلى الله عليه وسلم بتشبهه بذئب الغنم. ذلك الحيوان الوحشى الذي يخطف الشاة فيبقر بطنها، وينشب أظفارها في عنقها إن غفل عنها راعيها، أو تباعدت عنه، ومعنى القاصية، النائية التى شذت عن أخواتها، فسلكت مسلكا بعيداً. (¬12) المائلة إلى جهة، والقاصدة مرعى منفردة، من نحا نحوه: قصد قصده. (¬13) إياكم: اسم فعل بمعنى احذروا، والشعبة بالضم ما بين القرنين، والغصنين، والطائفة من الشئ، وطرف الغصن، والمسيل في الرمل، وصدع في الجبل يأوى إليه المطر، والجمع شعب وشعاب. يرجو النبى صلى الله عليه وسلم أن يتحد المسلمون، ويتعاونوا، ويتضافروا، ولا يشذ إنسان على الاتفاق، ولا يتنحى عن رأى الجماعة المصفى، وكل يستشير ويشاور، ويختار الأحسن والأصلح، وعليكم اسم فعل بمعنى: الزموا =

المسجد بيت كل تقى 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن للمساجد أوتاداً (¬1) الملائكة جُلساؤُهُم، إن غابوُا يفتقدوهم (¬2)، وإن مرضوا عادوهم (¬3)، وإن كانوا في حاجةٍ أعانوهم، ثم قال: جليس بالمسجد على ثلاث خصالٍ: أخٌ (¬4) مستفادٌ أو كلمة حكمةٍ (¬5)، أو رحمةق منتظرةٌ (¬6). رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، فإنه ليس في أصلى، وقال صحيح على شرطهما. 9 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المسجد بيت كل تقىٍّ (¬7)، وتكفلَ (¬8) الله لمن كان المسجد بيته بالرُّوح (¬9) ¬

= مجالس الصالحين، ومشاورة الفضلاء، ونصائح الحكماء، وتجارب العقلاء، وأوامر المرشدين، واعملوا بقول الله تبارك وتعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً والاتفرقوا) وحبل الله: دين الإسلام، ونور كتابه، وسنة حبيبه، ولا تتفرقوا عن الحق، ولا تميلوا إلى الهوى، وحافظوا أيها المسلمون على ما اجتمع عليه المؤمنون وأكثروا من الذهاب إلى المساجد. (¬1) أي روادا محافظين على الجلوس، وفى المحيط: أوتاد الأرض: جبالها، ومن البلاد: رؤساؤها ومن الفم: أسنانه، والوتد مارز في الأرض أو الحائط من خشب أهـ. (¬2) يسألوا عنهم، ويشعروا بفقدهم، ويروا ثغرة في عدم وجودهم. (¬3) زاروهم ودعوا لهم بالشفاء والثواب. (¬4) صحبته فيها فائدة، وناصح أمين لله، ومستقيم، وذو مروءة لله، وثقة وثبت لله، وأخوة دائمة ومحبة باقية ينتظر منه العون، والمساعدة، والإخلاص لله. ما أحلى صحبة أخ لله عرفته من بيت الله. وقد قال الإمام على كرم الله وجهه: وكل مودة لله تصفو ... ولا يصفو على الفسق الإخاء (¬5) في نسخة: محكمة: أي تسمع في المسجد تفسير آية من كلام الله جل وعلا، أو حديث من قول خير البرية صلى الله عليه وسلم، أو حكمة، أو مثلا، أو رأى عاقل صالح مؤمن. (¬6) لا شك أن الذى في المسجد لعبادة الله يغمره الله برحمته، ويمده بإحسانه ونعيمه. (¬7) خائف من الله، وامتلأ قلبه خشية، وعمل صالحاً. (¬8) ضمن. (¬9) أي الحياة الصحيحة المشوبة بالسعادة. في النهاية حديث (تحابوا بذكر الله وروحه) أراد ما يحيا به الخلق ويهتدون، فيكون حياة لهم، وقيل: أراد أمر النبوة، وقيل: هو القرآن أهـ ص 108 والمعنى: تعهد الله بثلاثة لمن اتخذ المسجد منزلا وعكف على عبادة ربه وأدى أوقاته الخالية من عمله فيها. أولا: أن يفقهه في الدين ويعلمه، ويمن عليه بالقبول والرضوان، وأن يمر على الصراط فائزا منصورا والصراط: جسر ممدود على متن جهنم يرده الأولون والآخرون حتى الكفار. أرق من الشعرة، وأحد من السيف، وأوله في الموقف، وآخره على باب الجنة، وطول مسيره ثلاثة آلاف سنة. ألف منها صعود، وألف منها هبوط، وألف منها استواء، والله أعلم. وقال سيدى محي الدين العربى: هو سبع قناطر كل قنطرة ثلاثة آلاف عام يسأل عن الإيمان، ثم الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والطهر، والمظالم أهـ. =

والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة. رواه الطبراني في الكبير والأوسط. ¬

_ = والدليل من الكتاب قول الله تبارك وتعالى (فأما إن كان من المقربين. فروح وريحان وجنة نعيم. وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين) 92 من سورة الواقعة. أي أن الذى حافظ على الذهاب إلى المسجد في أوقات صلاته وتوفى فله (روح) إلى استراحة دائمة (وريحان) أي رزق طيب، وقيل لأعرابى: إلى أين؟ فقال: أطلب من ريحان الله: أي من رزقه، وروى (الولد من ريحان الله) وذلك كنحو ما قال الشاعر: يا حبذا ريح الولد ... ريح الحزامى في البلد الله الله. عباد الله. إن نبيكم صلى الله عليه وسلم يرشد الذين يودون النسل، ولا يعيش لهم ولد أن يكثر من الاعتكاف في المساجد يتضرع إلى الله ليعطيه الله (وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح) هذا إلأى حياة مغمورة بالرغد والرزق الحسن الطيب. انظر رعاك الله إلى الملوك السابقين، والأغنياء الماضين: شادوا مساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً، فكان نصيبهم من عظيم الأجر كما قرئ في الآية (فروح) بالضم، وفسر بالرحمة لأنها كان كالسبب لحياة المرحوم، وبالحياة الدائمة، وأعتقد أن الله رحمهم. لماذا؟ لأنهم كانوا سبباً لرزق ملايين من الأنفس. كل مسجد فيه إمام ومؤذن وخدم يبتغون من فضل الله، ومنشئ المسجد: وفقه الله تعالى لذلك. أما إغنياء المسلمين الآن فلا يبنون مساجد، ولذا أموالهم تصرف في المحارم، وتنفق في المكروهات، ويذهبون إلى بلاد الأفرنج، ويضيعون أموالهم سدى؛ وأمامهم كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدعوان لتشييد الصالحات الباقيات فلا حول ولا قوة إلا بالله. وفي حديث 7 دعوة النبى صلى الله عليه وسلم إلى الأخذ بالرأى العام، وجمع كلمة المسلمين لينجحوا في الحياة. هل تقرأ تاريخ الصدر الأول لينبئك عن عزة الإسلام، وكيف كان المؤمنون عليه! أما الآن فعرى الاتحاد مفككة، وقلوب المسلمين متنافرة خالية من التوكل على الله، والاعتماد عليه، وآذانهم معرضة عن كتاب الله، ولذا تفرقت قوتهم، وانحلت رابطتهم، وأصبحوا أذلاء، ونبيهم صلى الله عليه وسلم يقول لهم: كتاب الله، ولذا تفرقت قوتهم، وانحلت رابطتهم، وأصبحوا أذلاء، وبينهم صلى الله عليه وسلم يقول لهم: (وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد). ياأخى: المسجد لماذا؟ ليقوى المحبة لله، ويجدد الرابطة لله، ويزيل الضغائن من القلوب لله، وليجمع الكلمة لله، وليوجد الألفة لله، وحينئذ تشرق شمس السعادة، والعزة على المسلمين العاملين بقول سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) 9 من سورة المنافقون (فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصحبوا ظاهرين) أي أيدنا أنصار الله وأصفياءه بالحجة والقوة في الحرب، فصاروا غالبين، والحمد لله، وهذه الآية مسوقة للحواريين أتباع سيدنا عيسى عليه السلام، ولكن النصر عاقبته لكل مؤمن متحد. قد يقول قائل: إن مساجد الله الآن كثيرة، فماذا يصنع أغنياء المسلمين؟. أجيب بإنشاء مصانع يأوى إليها آلاف العاطلين من أبناء الأمة. رب فقير كسوته وأطعمته؛ فحمد الله فشكر الله لمؤسس هذا الصنيع وشكر الله رحمته وإحسانه أو إقامة ملاجئ لتربية اليتامى أو مصحات ومشافى لمداواة المرضى الفقراء. فكما يرغب صلى الله عليه وسلم في تعمير المساجد يرهب صلى الله عليه وسلم ذلك الغنى الذى عاش لنفسه؛ ولقضاء لذاته ولإدراك شهواته ولا يرعى حق جاره وبنى وطنه. والدنيا ظل زائل فيدركه الموت ولم يخلد له عملا باقيا هذا الذى إن عاش لا يعتنى به وإن مات لم تحزن عليه أقاربه. أيها الأغنياء المسلمون والله إن إيمكانكم بالله وحده في غير مكرمات تشيد لإيمان ناقص وسيحاسبكم الله حساباً عسيرا على هذه الأموال حتى تنفق في المحرمات. أخرجوا الأموال من بطون الأرض أو من المصارف =

الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة

والبزار، وقال إسناده حسن، وهو كما قال رحمه الله تعالى، وفي الباب أحاديث غير ماذكرنا في انتظار إن شاء الله تعالى. الترهيب من إتيان المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا أو فجلا ونحو ذلك مما له رائحة كريهة 1 - عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من هذه الشجرة، يعنى الثوم فلا يقربن مسجدنا. رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: فلا يقربنَّ مساجدنا، وفي رواية لهما: فلا يأتين المساجد، وفى رواية لأبى داود: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المساجد. 2 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلين معنا. رواه البخاري ومسلم ورواه الطبراني ولفظه قال: ¬

_ = وأدوا زكاتها ثم استثمروها في المشروعات الحيوية ونموها في تجارة أو صناعة أو زراعة وكونوا سبب عمل لمواطنيكم فالله تعالى يأمركم باثنين ويطلب منكم شيئين وإلا فهو غضبان عليكم وأنتم آثمون. قال الله تعالى: (له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور. يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور. آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) 8 من سورة الحديد. الله أكبر. إله يسبح له ما في السموات وما في الأرض وهو الموجد لهما المتصرف فيهما ويأمر عباده الأغنياء بالإنفاق في البر لأنه تعالى جعلهم خلفاء في هذا المال يتصرفون فيه وهو وديعة وهو القادر على أخذه من يد أولئك الفسقة الفجرة الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله؛ ومن سبيل الله المساجد المساعدة على مشروعات العمل كمد سكك حديد أو ترام أو إنشاء خطوط سيارات أو طيارات أو إنشاء مدارس ومعاهد أو فتح حوانيت لإيجاد أعمال للعاطلين لله. لعلك فهمت حكمة اجتماع المسلمين في المساجد ليرى غنيهم فقيرهم فيعطف عليه أو طبيبهم مريضهم فيعالجه أو تاجرهم خالى عمل فيوجد له عملا. اذهب إلى الجمعية الشرعية بالقاهرة التى أنشأها المرحوم أستاذنا الشيخ محمود خطاب. تجد مصانع للغزل والنسيج يعمل فيها مئات الصالحين ويجتمع في درسه الحلاق والبناء والتاجر والزارع والحداد والموظف والنجار والخضرى والقصاب؛ فيقف عاطل ويطلب من فضيلة الأستاذ عملا والشيخ ينصحهم ويعلمهم وحينئذ يطلبه التاجر إن رأى فيه كفاءة القيام بالتجارة أو الصناعة، وهكذا يحن إليه ابن حرفته ويميل إليه ابن مهنته. صلى الله عليك يا رسول الله تعلم أمتك الاجتماع على البر والاتحاد على الخير واتباع رأى الجمهور وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم (الإنابة إلى دار الخلود).

إياكم وهاتين البقلتين المنتنتين أن تأكلوها وتدخلوا مساجدنا، فإن (¬1) كنتم لا بد آكلوها اقتلوهما بالنار قتلاً. 3 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: من أكل بصلاً، أو ثوماً، فليعتزلنا، أو فليعتزل (¬2) مساجدنا، وليقعد في بيته. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. وفي روايةٍ لمسلم: من أكل البصل، والثوم، والكراث فلا يقربن مسجدنا (¬3)؛ فإن الملائكة (¬4) تنأذى (¬5) مما يتأذى منه بنو آدم. وفي روايةٍ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث فغلبتنا (¬6) الحاجة فأكلنا منها، فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة (¬7) فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس. رواه الطبراني في الأوسط والصغير ولفظه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من هذه الخضراوات (¬8) الثوم ¬

(¬1) في نسخة: وإن. (¬2) في نسخة: ليعتزل مسجدنا قرب من بابى كرم وسمع. (¬3) لا يحضر مكان الصلاة لأن البصل والثوم والكراث توجد رائحة كريهة في الفم، وملائكة الرحمة تحضر صلاة الجماعة؛ فتتألم من هذه القذارة والله تعالى أمرنا بالنظافة والطهارة والاستعداد للعبادة. قال تعالى: (يابنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) أي البسوا ثياباً نظيفة لمواراة عورتكم لطواف أوصلاة. قال البيضاوى: وسن السنة أن يأخذ الرجل أحسن هيئة للصلاة، وفيه دليل على وجوب سترة العورة في الصلاة أهـ. ومن الزينة التعطر واجتناب كل ما فيه رائحة تنفر المصلين. (¬4) للإنسان ملائكة حفظة موكلون به ولو صغيراً وكافرا من الجن والعاهات والآفات ترافق بنى آدم تكريمة له وتصاحبه تفضلا منه جل وعلا. قال تعالى: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) وللإنسان أيضا كتبة موكلون بكتابة ما يصدر عن المكلف قولا أو فعلا أو اعتقادا أو هما أو جزما أو عزما أو تقريرا، خيرا أو شرا. لا يفارقونه إلا في حالة الجماع والغسل والخلاء، والمشهور (رقيب) كاتب الحسنات. و (عتيد) كاتب السيئات (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) وقال تعالى (عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وقال تعالى: (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة) أهـ ص 140 التهج السعيد في علم التوحيد. (¬5) تنفر وتكره وتتألم. (¬6) اشتاقت نفسها إليها. (¬7) ذات الرائحة الكريهة، وفي النهاية خبثها من جهة كراهة طعمها وريحها لأنها طاهرة وليس أكلها من الأعذار المذكورة في الانقطاع عن المساجد، وإنما أمرهم بالاعتزال عقوبة ونكالا لأنه كان يتأذى يريحها أهـ ص 278. (¬8) الخضر: النبات.

والبصل والكراث والفجل فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. ورواته ثقات إلا يحيى بن راشد البصرى. 4 - وعن أبي سعيدٍ الخدرى رضي الله عنه أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: الثوم، والبصل، والكراث. وقيل يا رسول الله: وأشدُّ ذلك كله الثوم افتحرمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوه، من أكله منكم فلا يقرب هذا المسجد حتى يذهب ريحه منه. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 5 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب يوم الجمعة فقال في خطبته: ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين: البصل والثوم، لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما (¬1) من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع (¬2) فمن أكلهما فليمتهما طبخاً. رواه مسلم والنسائي وابن ماجه. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه الشجرة الثوم فلا يؤذينا بها في مسجدنا هذا رواه مسلم والنسائي وابن ماجه واللفظ له. 7 - وعن أبي ثعلبة رضي الله عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فوجدوا في جنانها بصلاً وثوماً فأكلوا منه وهم (¬3) جياعٌ، فلما راح (¬4) الناس إلى المسجد إذا ريح المسجد بصلٌ وثومٌ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا فذكر الحديث بطوله رواه الطبراني بإسناد حسن وهو في مسلم من حديث أبى سعيد الخدرى بنحوه ليس فيه ذكر البصل. 8 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تفل (¬5) تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله (¬6) بين عينيه، ومن أكل من هذه البقلة (¬7) ¬

(¬1) في نسخة: ريحيهما. (¬2) يخرج بعيدا عن المسجد في هذا المكان بظاهر المدينة. (¬3) عندهم الجوع والحاجة إلى الطعام. (¬4) ذهب. (¬5) نفخ ببراق وهو أكثر من النفث. (¬6) في نسخة: وتفلته. (¬7) في نسخة: الشجرة. والمعنى: أن الذى أكل من هذه الشجرة يمتنع عن دخول المسجد حتى يتطهر فمه وينقى من الرائحة الكريهة وفيه يحافظ المرء على نظافة فمه لحضور صلاة الجماعة؛ فيستاك ويغسل فمه وأسنانه، وفيه يحرم شرب الدخان =

ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومها وترهيبهن من الخروج منها

الخبية فلا يقربن مسجدنا ثلاثاً. رواه ابن خزيمة في صحيحه. ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن ولزومها وترهيبهن من الخروج منها 1 - عن أُم حُميدٍ امرأة أبى حميدٍ الساعدىِّ رضي الله عنهما أنها جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنى أحبُّ الصلاة معك، قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معى، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خيرٌ من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خيرٌ من صلاتك في مسجدى. قال: فأمرت فَبُنى لها مسجد في أقصى شئٍ من بيتها وأظلمه (¬1)، وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما. وبوّب عليه ابن خزيمة: باب اختيار صلاةِ المرأة في حجرتها على صلاتها في دارها، وصلاتها في مسجد قومها على صلاتها في مسجد النبى (¬2) صلى الله عليه وسلم، وإن كانت صلاة في مسجد النبى صلى الله عليه وسلم تعدلُ ألف صلاةٍ في غيره من المساجد، والدليل على أن قول النبى صلى الله عليه وسلم: صلاةٌ في مسجدى هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه من المساجد إنما أراد به صلاة الرجال دون صلاة (¬3) النساء، وهذا كلامهُ. ¬

= ويكره ذهاب الرجل بثوب المهنة القذرة؛ والفسيخ والسمك ونحو ذلك مما له رائحة يتأذى منه المصلون ويكره ذهاب المسجد لمن به بخر أو جرح رائحته كريهة، أو إبطه قذرة أو تورمت قدماه ولها رائحة وهكذا ينال كراهة كل من لم يتحر النظافة في جسمه أو ملابسه. وصلاته ناقصة الثواب والملائكة لا تدعو له بالرحمة فانظر رعاك الله إلى مدى شرع خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم؛ وأفحم به حجة الملاحدة الزنادقة الفسقة عسى يعلمون أن هذا الدين يحث على النظافة، وقرر أن اتخاذ الطيب والعطر في البيت الطيب والعمل الصالح يرفعه) (مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة - والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه - بلدة طيبة ورب غفور) إشارة إلى أرض الله الزكية، أسأل الله السلامة. (¬1) أرشدها صلى الله عليه وسلم إلى مصلى لا أحد فيها في جهة مظلمة لا يراها إلا خالقها جل وعلا وكلما اختفت في أداء هذا الفرض كثر ثوابها وزاد أجرها وعظم رضوان الله عليها. (¬2) لبعده عن دارها ووجود رجال فيه غير محارم، وعرضة لأن يراها جماعة. (¬3) في نسخة: دون النساء.

خير مساجد النساء قعر بيوتهن 2 - وعن أُم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خيرُ مساجد النساء قعرُ (¬1) بيوتهن. رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفي إسناده ابن لهيعة، ورواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم من طريق درّاج أبى السمح عن السائب مولى أم سلمة عنها، وقال ابن خزيمة: لا أعرف السائب مولى أم سلمة بعدالة ولا جرح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 3 - وعنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في حجرتها خيرٌ من صلاتها في دارها، وصلاتها في دارها خيرٌ من صلاتها في مسجد قومها (¬2). رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد. 4 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا نساءكم المساجد (¬3)، وبيوتهن خيرٌ لهن. رواه أبو داود. 5 - وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المرأة عورة (¬4) وإنها إذا خرجت من بيتها استشرفها (¬5) الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله ¬

(¬1) نهايته، وقعر البئر: عمقها، وقعرت الشجرة: قلعتها. ومنه قوله تعالى (أعجاز نخل منعقر) والمراد أن تتخذ السيدة جهة لا يسمع صوتها ولا يراها أحد، لعل الحجرة مكان الاستقبال، والبيت أخفى وأستر منها ثم الحجرة من الدار أستر لها، والدار لا شك أستر وأمنع من مسجد رهطها وأهلها ومحارمها. (¬2) وفي نسخة: خارج مسجد قومها. (¬3) النهى للفتنة، فإذا أمن الإنسان الفتنة وعدم النظر إليهن، فلا يمنعن؛ وهذا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآداب الدين منتشرة والإسلام بالغ بجرانه، وفي قمة رفعته وعزته والكل يخاف الله جل وعلا. ويقول صلى الله عليه وسلم: (وبيوتهن خير لهن) فما بالك الآن أيها المسلم في أمر نساء فاجرات، وبنات فاسقات وفتيات عاهرات عاريات مائلات مميلات تراهن في الشارع وفى الأسواق والمجتمعات والنوادى وعلى شواطئ الأنهار والبحار. يا عجبا! يمنعهن قائد الشرع عن الذهاب في المسجد لعبادة الله والأزواج والإخوة والأعمام لا يمنعونهن من هذا التبرج. ويل لكم أيها الأزواج، وعذاب لك أيتها الأخوات وجهنم لكم أيها الأعمام إذا قدرتم على منعهن ولم تمنعوهن. تحيط بكم اللعنات، وتشملكم السخطات ويلحقكم الذم وغضب الله. (¬4) قال في النهاية: جعلها نفسها عورة لأنها إذا ظهرت يستحيا منها كما يستحيا من العورة إذا ظهرت أهـ والعورة سوءة يستحيا منها، وأصلها من العار وذلك لما يلحق في ظهوره من العار؛ أي المذمة ولذلك سمى النساء عورة، ومن ذلك العوراء الكلمة القبيحة، والعورة شق في الشئ كالثوب والبيت ونحوه، قال تعالى (إن بيوتنا عورة وما هى بعورة) أي متخرقة ممكنة لمن أراد. وقوله: (ثلاث عورات لكم) أىنصف النهار وآخر الليل وبعد العشاء الآخرة، وقوله (الذين لم يظهروا على عورات النساء) أي لم يبلغوا الحلم أهـ غريب القرآن ص 259. (¬5) تقرب، تطلع إليها وتعرض لها، ومنه حديث الفتن: (من تشرف لها استشرفت له). ومنه حديث =

منها في قعر بيتها (¬1). رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. ترغيب النساء في الصلاة في بيوتهن 6 - عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها (¬2) أفضل من صلاتها في بيتها. رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه، وتردّد في سماع قتادة هذا الخبر من مورق. (والمخدع) بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة: هو الخزانة في البيت. 7 - وعنه رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: المرأةُ عورةٌ فإذا خرجت استشرفها الشيطان. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما بلفظه، وزاد: وأقرب ما تكون من وجه ربها وهى في قعر بيتها. 8 - وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: ما صلت امرأةٌ من صلاةٍ أحب إلى الله من أشد مكان في بيتها ظلمة. رواه الطبراني في الكبير. 9 - ورواه ابن خزيمة في صحيحه من رواية إبراهيم الهجرى عن أبي الأحوص عنه رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن أحبَّ صلاةٍ المرأةِ إلى الله في أشدِّ مكانٍ في بيتها ظلمةً. 10 - وفي روايةٍ عند الطبراني قال: النساء عورةٌ، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأسٌ (¬3) فيستشرفها الشيطان فيقول: إنك لا تَمرين بأحدٍ إلا أعجبته وإن المرأة لتلبس ثيابها، فيقال أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضاً، أو أشهد جنازةً، ¬

= أبى عبيدة لعمر: (ما يسرنى أن أهل البلد استشرفوك) أي خرجوا إلى لقائك، والمعنى يلازمها حتى تعصى الله في خروجها. (¬1) وسلامتها من المعاصى والفتن في لزوم بيتها، واتباع خدرها. (¬2) البيت الصغير الذى يكون داخل البيت الكبير. وفي حديث عمر أن أعرابيا قال له: قحط السحاب، وخدعت الضباب، وجاعت الأعراب. خدعت: أي استترت في حجرتها لأنهم طلبوها، ومالوا عليها للجدب الذى أصابهم، والخدع: إخفاء الشئ، وبه سمى المخدع وتضم فيه وتفتح أهـ نهاية ص 284. (¬3) لا ذنب عليهاوصحيفتها نقية طاهرة، ولكن خروجها يملؤها ذنوبا وسيئات بنظرها إلى الرجال، ونظر الرجال إليها. قال صلى الله عليه وسلم: (العين زانية، واليد زانية، والرجل زانية، والفرج يصدق ذلك ويكذبه) - قال صلى الله عليه وسلم (إذا خرجت المرأة من بيتها متعطرة فهى زانية).

أو أُصلى في مسجدٍ (¬1)، وما عبدتِ امرأةٌ رَبَّها مثل أن تبعده في بيتها. وإسناد هذه حسن. (قوله: فيستشرفها الشيطان): أي ينتصب، ويرفع بصره إليها، ويهمّ بها لأنها قد تعاطت سبباً من أسباب تسلطه عليها، وهو خروجها من بيتها. 11 - وعن أبي عمرو الشيبانى أنه رأى عبد الله يُخرجُ النساء من المسجد يوم الجمعة، ويقول: أخرجن إلى بيوتكن خيرٌ لكن. رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به. ¬

(¬1) إن ذهاب المرأة يجلب القيل والقال، وقلة أدب، ومنعها واجب خشية زخرفة الشيطان لها، ووسوسته، وغرورها بنفسها، وعملا بقوله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) وعيادة المريض وشهود جنازة، والصلاة في مسجد. أفعال خير، ولكن للرجل لا للمرأة، وأشار صلى الله عليه وسلم إلى أن كثرة الثواب في عبادة بيتها، وقد أخرج سيدنا عبد الله النساء من المسجد يوم الجمعة، وهن يعبدن الله ويخلصن له. لماذا؟ لعزلة المرأة، وعدم اختلاط الرجل بالمرأة، وخشية الفتنة، وطردا لوساوس الشيطان. أيها المسلمون: هذا دين محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. إذاً النساء والفتيات اللائى يخرجن الآن ناقصات الإسلام، وعاصيات الله ورسوله، ومعلنات الحرب على آداب الدين، ومستهترات بشرع سيد المرسلين، وكذلك أولياء أمورهن ناقصو الإسلام. وإن في القرن الأول تطرد النساء من بيوت الله، وأمكنة طاعة الله، وذكر الله، وتسبيح الله، وفي القرن الرابع عشر سنة 1352 هـ يحصل الاختلاط، ويباح الخروج عند الأزواج والآباء. قال تعالى: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها). آه. آه. إن صحائفى تنفد لو سردت عليك (أيها المسلم العاقل الذى تعلم، وتسمح بخروج زوجك أو بنتك) حوادث: هتك عرض، وموبقات، وفسوق الإباحيين والإباحيات، وقديما قال العرب في أمثالها: (من العصمة ألا تجد) ولعلك فهمت حكمة منع النساء من المساجد. والحمد لله. قد عاقب الله هؤلاء بالأمراض السرية، ونزع البركة من الذرية، وعقوق الأبناء للآباء، وإن بناتهن عوانس، ووجود الأزمة وقلة الرزق، وهكذا من مصائب الفجور. نعوذ بالله من زمن قل حياؤه، وعصى أهله، وفجرت نساؤه، وضاع العلم بلا عمل، وفشا الجهل، ولى رجاء عند ذى سلطان، وحول وطول أن شدد على أولئك المتنمصات المتبرجات، فلا يظهرن تهتكا وفجوراً. وأود هداية آبائهن وأزواجهن وإلزامهم تنفيذ عدم خروجهن عسى الله أن يتوب عليهم إنه غفور رحيم، ثم آخذ عليهم شروط تربية بناتهم على آداب الشرع، والعمل بقوله صلى الله عليه وسلم: (من يلى من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن كن له ستراً من النار) أفهم شرط وقاية النار (الإحسان إليهن) أي تربيتهن تربية حسنة على منهج الإسلام ثم افتح لهن مدارس تعلم الفقه والحديث والتفسير بعد مبادئ القراءة، وتدبير المنزل. والأم مدرسة إذا أعدتتها ... أعددت شعبا طاهر الأعراق وقد ذكر ابن الحاج في المدخل كراهة زيارة النساء في القبور وعاداتهن المستهجنة مثل ركوبهن على الدواب في الذهاب والرجوع، وفى مس المكارى فهن وتخصينه للمرأة في إركابها وإنزالها، وحين مضيها يجعل يده على فخذها وتجعل يدها على كتفه مع أن يدها ومعصمها مكشوفان لا ستر عليهما، بل العجب أن زوجها وغيره يشاهدون ذلك بالحضرة ويعلمونه بالغيبة. هذا إلى مشيهن بالليل مع كثرة الخلوات وكشفهن لوجوهن، ومزحهن وملاعبتهن وكثرة الضحك مع الغناء في موضوع الخشوع والاعتبار والذل. هذا إلى اجتماع الرجال والنساء مختلطين وخروجهن إلى دور البركة والدور التي على البساتين وركوبهن البحر وخروجهن إلى الممل، واجتماع النساء بعضهن مع بعض ص 277 نسأل الله السلامة.

الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها

الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها فيه حديث ابن عمر وغيره 1 - عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: بُنِىَ (¬1) الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت. رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن غير واحد من الصحابة. 2 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما (¬2) نحن جلوس عند ¬

(¬1) معنى بنى: أقيم وأسس، والإسلام والإيمان في هذا الحديث على سبيل الترادف والتوارد، قال تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) ولم يكن باتفاق إلا ببيت واحد، وقال تعالى: (ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين). وفي حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس (تدرون ما الإيمان)؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتحجوا البيت) قال الخطابي: والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا ولا يطلق، وذلك أن المسلم قد يكون مؤمنا في بعض الأحوال ولا يكون مؤمناً في بعضها والمؤمن مسلم في جميع الأحوال أهـ. (¬2) في نسخة: بينا 121 ع. قال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوى الشافعي رحمه الله: جعل النبى صلى الله عليه وسلم الإسلام إسما لما ظهر من الأعمال وجعل الإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان والتصديق بالقلب ليس من الإسلام، بل ذلك تفصيل لجملة هى كلها شئ واحد وجماعها الدين، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ذاك جبريل أتاكم يعلمكم دينكم، والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعا. يدل عليه قوله سبحانه وتعالى: (أ - إن الدين عند الله الإسلام. ب - ورضيت لكم الإسلام دينا. جـ - ومن و - يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) فأخبر سبحانه وتعالى أن الدين رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام ولا يكون الدين في محل القبول والرضا إلا التصديق إلى العمل أهـ. وقال الأصبهاني الشافعي رحمه الله: الإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب، والعمل بالأركان، وإذا فسر بهذا تطرق إليه الزيادة والنقص، وهو مذهب أهل السنة، فالخلاف في هذا على التحقيق، إنما هو أن المصدق بقلبه إذا لم يجمع إلى تصديقه العمل بمواجب الإيمان هلى يسمى مؤمناً مطلقاً أم لا؟، والمختار عندنا أنه لا يسمى به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لايزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن) لأنه لم يعمل بموجب الإيمان فيستحق هذا الإطلاق. وقال الإمام أبو الحسن على بن خلف بن بطال المالكى المغربى في شرح صحيح البخاري: مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والحجة على زيادته ونقصه ما أورده البخاري من الآيات. يعنى قوله عز وجل: (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) وقوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى) وقوله تعالى: (ويزداد الذين آمنوا إيمانا) قوله تعالى (أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزداتهم إيمانا) وقوله تعالى: (ومازادهم إلا إيمانا وتسليما). =

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب شديد سواد ¬

_ = قال ابن بطال: فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص. فإن قيل الإيمان في اللغة التصديق. فالجواب أن التصديق يكمل بالطاعات كلها، فما ازداد المؤمن من أعمال البر كان إيمانه أكمل، وبهذه الجملة يزيد الإيمان، وبنقصانها ينقص. فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان، ومتى زاد الإيمان كمالا. هذا توسط القول في الإيمان. وأما التصديق بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا ينقص أهـ. قال عبد الرزاق: سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا: سفيان الثورى، ومالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر والأوزاعى، ومعمر بن راشد، وابن جريج، وسفيان بن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وهذا قول ابن مسعود وحذيفة والنخعى والحسن البصرى وعطاء وطاوس ومجاهد وعبد الله بن المبارك، فالمعنى الذى يستحق به العبد المدح، والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه الأمور الثلاثة. أولا: التصديق بالقلب. ثانيا: الإقرار باللسان. ثالثا: العمل بالجوارح. وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أنه لو أقر وعمل على غير علم منه ومعرفة بربه لا يستحق اسم مؤمن، ولو عرفه وعمل وجحد بلسانه وكذب ما عرف من التوحيد لا يستحق اسم مؤمن، وكذلك إذا أقر بالله تعالى وبرسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولم يعمل بالفرائض لا يسمى مؤمنا بالإطلاق، وإن كان في كلام العرب يسمى مؤمنا بالتصديق، فذلك غير مستحق في كلام الله تعالى لقول الله عز وجل: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زداتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقا) فأخبرنا سبحانه وتعالى أن المؤمن من كانت هذه صفاته. قال المهلب: الإسلام على الحقيقة هو الإيمان الذى عقد القلب المصدق لإقرار اللسان الذى لا ينفع عند الله تعالى غيره أهـ. فالإيمان: التصديق الباطن، والإسلام: الاستسلام، والانقياد الظاهر، وحكم الإسلام في الظاهر ثبت بالشهادتين، وإنما أضاف إليهما صلى الله عليه وسلم الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده، او اختلاله أهـ. من كلام ابى عمرو بن الصلاح رحمه الله. فسائر الطاعات، والأعمال الصاحلة ثمرات للتصديق الباطن الذى هو أصل الإيمان ومقويات ومتممات وحافظات له، والإسلام يتناول التصديق بالباطن، وسائر الطاعات. ويطلق اسم الإيمان على الأعمال، قال (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي صلاتكم. انظر ص 148 - 1 شرح صحيح مسلم. قال النووي: اتفق أهل السنة من المحدثين، والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذى يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادا جازما خالياً من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلا إلا إذا عجز عن النطق لخلل فى لسانه. أو لعدم التمكن منه لمعالجة النية، أو لغير ذلك. أهـ وإذا أقر بالشهادتين بالعجمى، وهو يحسن العربية يصير مسلما على الصحيح، وإذا أقرَّ بوجوب الصلاة، أو الصوم أو غيرهما من أركان الإسلام وهو على خلاف ملته التي كان عليها، قال النووي: وجهان لأصحابنا، فمن جعله مسلما قال: كل ما يكفر المسلم بانكاره يصير الكافر بالإقرار به مسلما أهـ. قال النووي رحمه الله: واعلم أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ولا يكفر أهل الأهواء، والبدع، وإن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام: أو نشأ ببداية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه، فيعرف ذلك فإن استمر حكم بكفره، وكذا حكم من استحل الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التي يعلم تحريمها ضرورة. والله أعلم بالصواب، وله الحمد والمنة والنعمة وبه التوفيق والعصمة. أهـ ص 150. =

الشعر لا يُرَى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفه منا أحدٌ حتى جلس إلى النبى صلى الله ¬

_ = وأنا أقول: الإيمان عقيدة راسخة في النفس توجد الثقة بالله، وتؤكد الاعتماد على الله، والتفويض إليه في تصريف الأمور كما يشاء بلا اعتراض، أو جزع، والشمس المشرقة في القلب تضيئه ليعمل صالحاً، ويتقنه ويراقب فيه فيما ابتغاء رضاه، وخوفا منه جل وعلا، وهو الضمير الذى يعبر عنه أهل المدينة الحديثة بسلوك مناهج الصالحين في نياتها حبا في الله، وأما الإسلام: فمظاهر الدين، وأعمال محسوسة ملموسة تتمثل في إقامة الصلاة، وترى في إخراج الزكاة، ومثلها كطلاء مزخرف تنظر إليه عينك وهو الذى يعنيه الله جل وعلا في قوله لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار كلمارزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون) 26 من سورة البقرة. قال البيضاوى: المقصود عطف حال من آمن بالقرآن العظيم ووصف ثوابه على حال من كفر به وكيفية عقابه، وإنما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عالم كل عصر، أو كل أحد يقدر على البشارة بأن يبشرهم، والبشارة: الخبر السار، والصالحات: جمع صالحة وهى من الأعمال ما سوغه الشرع وحسنه، والإيمان عبارة عن التحقيق والتصديق: أس، والعمل الصالح كالبناء عليه، ولا غناء بأس لابناء عليه، ولذك قلما ذكرا منفردين أهـ ص 19. اقرأ القرآن كله تجد تكرار (آمنوا وعملوا الصالحات) لماذا؟ لأن الإيمان شجرة ثمرتها الإسلام، والعمل الصالح زهرته اليانعة، والإيمان كالكهرباء، وأعنى به السر المكنون في قلوب المتقين، ويتجلى نوره بالعمل الصالح الذى يتلألأ، ومصداق ذلك قوله تعالى: أ - (أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين) 23 من سورة الزمر. الله تعالى وفقه حتى تمكن الاسلام في صدره ييسر، قال البيضاوى: عبر به عمن خلق نفسه شديدة الاستعداد لقبوله غير متأبية عنه من حيث إن الصدر محل القلب المنبع للروح المتعلق للنفس القابلة للإسلام، ونور ربه المعرفة، والاهتداء إلى الحق، وعنه عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح، فقيل: فما علامة ذلك؟ قال الإنابة إلى دار الخلود، والتجافى عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزوله) أهـ ص 639. أ - عمل صالح. ب - قناعة جـ - حذر تورع أحكم أموره بالتقوى. ب - (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) 126 من سورة الأنعام. يتسع صدره للعمل الصالح ويفسح مجاله فى مشروعات الخير، ويميل إلى البر، والمجرم الفاسق ينبو عن قبول الحق، ويبعد عن أوامر الله ولا يدخله الإيمان الباعث على الصالحات والمكرمات (كأنما يصعد في السماء) شبهه مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه، فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة، ونبه به على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع الصعود، وقيل معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق، وتباعداً في الهرب منه كذلك يجعل الله العذاب أو الخذلان على الكسالى المقصرين في حقوق الإسلام. ياتاركي الصلاة: أمعنوا في هذه الآية، واعلموا أن أعمال الخير التي أنتم عليها كما تظنون ناقصة، تجادلونني بحسن نياتكم، وعظيم إخلاصكم لربكم، وتجتنبون الإشراك بالله والإضرار بالناس، وتخافون الله فلا تؤذون أحداً، وتقولون: يسامحنا الله في الصلاة، حقا إن الدين معاملة، وحب الخير، والنية الصالحة، ولكن الصلاة عماد الدين، وعبر عنه النبى صلى الله علي هوسلم بركن من أركان الإسلام فأعمالكم كما تظنون - قصر فخم هدمت منه جهة وجسم انشل منه ركن ومنزل تصدع منه جانب؛ وذلك عيب فاضح في منظر المهندسين، أفلا تتوبون إلى الله معى (تبنا إلى الله وعزمنا على طاعة الله وندمنا على ما فعلنا) وتقيمون هذا الركن عسى الله أن يتمم إيماننا =

عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى رُكبتيه (¬1)، ووضع كفيه على فخذيه، فقال: يا محمدُ أخبرنى عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تشهد (¬2) أن لا إله إلا ¬

= ويكفر عنا سيئاتنا، وهل تجد فائدة للإسلام أكثر من فك رقاب الذين أحسنوا في الدنيا وعملوا صالحا، ووقوف المجرمين في المحشر، ونفوسهم مرهونة عند الله تعالى، وقد حكى الله عن المؤمنين والفاسقين في قوله جل شأنه في جهنم: (إنها لإحدى الكبر. نذيراً للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر. كل نفس بما كسبت رهينة. إلا أصحاب اليمين: في جنات يتساءلون. عن المجرمين. ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين. وكنا نخوض مع الخائضين. وكنا نكذب بيوم الدين. حتى أتانا اليقين. فما تنفعهم شافعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين، كأنهم حمر مستنفرة. فرت من قسورة. بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشرة. كلا بل لا يخافون الآخرة. كلا إنه تذكرة. فمن شاء ذكره. وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة) من سورة المدثر، وإن سقر إحدى البلايا الكبيرة، وكبرت منذرة العاصين ليطيعوا الله ويتقدموا إلى اتباع الكتاب والسنة، ويتأخروا عن الفسوق والمجون والكذب خشية أن يموتوا فلا شفيع لهم عند الله، وقد شبههم الله تعالى في إعراضهم عن استماع الحق، واتباع القرآن بالحمر النافرة والوحوش الضارية التى فرت وهربت من الأسد القاهرة (قسورة) فعولة من القسر وهو القهر، والله تعالى حقيق بأن يتقى عقابه ويستمع كلامه، وحقيق بأن يغفر لعباده سيما الذين آمنوا وعملوا صالحا، والصلاة من العمل الصالح لأنها مدرسة الأخلاق الكاملة، ومعهد التربية يعالج تذليل النفس ومرونتها فتتعود الصبر والحلم، وتحمل الشدائد، ومصداق ذلك قوله تعالى: (إن الإنسان خلق هلوعاً. إذا مسه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعاً. إلا المصلين. الذين هم على صلاتهم دائمون. والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم. والذين يصدقون بيوم الدين. والذين هم من عذاب ربهم مشفقون. إن عذاب ربهم غير مأمون. والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون. والذين هم بشهادتهم قائمون. والذين هم على صلاتهم يحافظون، أولئك في جنات مكرمون) 36 من سورة المعارج. أعرفت استثناء القادر الخالق للمصلين، والإنسان بفطرته شديد الحرص كثير الطمع قليل الصبر ويكثر الجزع ويشح ويبخل إلا الموصوفين بالأوصاف الدالة على الاستغراق في طاعة الحق، والإشفاق على الخق والإيمان بالجزاء، والخوف من العقوبة وكسر الشهوة وإيثار الآجل على العاجل. أولئك لا يشغلهم عن الصلاة شاغل، وكذا الزكوات والصدقات لمن يسأل ومن لا يسأل فيحسب نفسه غنياً فيحرم. قال البيضاوى: وتكرير ذكر الصلاة؛ ووصفهم بها أولا وآخرا باعتبارين للدلالة على فضلها وإنافتها على غيرها، ومعنى (يحافظون): يراعون شرائطها ويكملون فرائضها وسننها أهـ 789. ياأخى: الصلاة واجبة الأداء حال المسايفة والاضطراب في المعركة، ووعد المؤمنين بالنصر، وأمرهم بالحزم (وخذوا حذركم) لتقوى قلوبهم، ويحافظوا على ذكر الله، والتيقظ والتدبر؛ ويتوكلوا على الله سبحانه وتعالى. قال جل شأنه: (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم، فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) 104 من سورة النساء، أي فرضاً محدد الأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها في أي حال من الأحوال. (¬1) يريد القرب من النبى صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل الداخل وضع كفيه على فخذى نفسه، وجلس على هيئة المتعلم المتأدب. (¬2) تعتقد أن الله واحد، ومحمداً رسول الله، بأن تعمل بكتابه وسنة حبيبه، ولا تسأل إلا الله ولا تخف إلا من الله.

الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم (¬1) الصلاة، وتؤتى (¬2) الزكاة، وتصوم (¬3) رمضان، وتحج البيت (¬4) الحديث، رواه البخاري ومسلم، وهو مروى عن غير واحد من الصحابة في الصحاح وغيرها. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أرأيتم لو أن نهراً (¬5) بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسَ مراتِ هل يبقى من درنه (¬6) شئ؟ قالوا: لا يبقى من درنه شئٌ. قال: فكذلك مثلُ الصلوات الخمس يمحو (¬7) الله بهن الخطايا. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، ورواه ابن ماجه من حديث عثمان. (الدرن) بفتح الدال المهملة والراء جميعاً: هو الوسخ. 4 - وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) تؤديها في أوقاتها. (¬2) تعطى زكاة المال والحبوب والثمار والحيوان، وتتصدق على الفقراء وتحسن إلى جيرانك وتساعد على إقامة مشروعات الخير لتنفع بنى وطنك. إن الغنى مطالب أمام الله بإيجاد أعمال لأبناء جنسه الخالين من العمل بفتح مصانع أو إصلاح الأرض، وهكذا طلباً لرضا الله ووجود الألفه وعظيم المحبة (والله في عون العبد ...): أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استبعد الإنسان إحسان (¬3) تقوم بصيامه خير قيام، وتكثر فيه من الصدقات وتشييد الصالحات. (¬4) تؤدى فريضة الحج وتزور قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬5) مجرى الماء الفائض. (¬6) ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (الصلوات الخمس تذهب الخطايا كما يذهب الماء الدرن). (¬7) يزيل، فأنت ترى المحافظة على أداء الصلوات تكفر الذنوب الصغيرة، وتحتم على اجتناب الكبيرة، ومتى حافظ العبد على الصلوات تاب الله عليه وسامحه وعفا عنه. أيها المسلمون: إن نبيكم خير الخلق صلى الله عليه وسلم ضرب مثلا أعلى في التربية، ويعطى درساً شيقاً بوسائل محسوسة ليبين فائدة الصلاة، وقد سبق علماء التربية الألمان والإنجليز في إعطاء الدرس الحسن الشيق الجذاب بالغ النهاية في السمو والإيضاح، موضوعه: - بجوار منزلكم نهر حافظتم على الاستحمام فيه خمس مرات هل توجد وساخة على أجسامكم؟ - فهموا السؤال وأحسنوا الإجابة - قالوا: لا - هكذا أداء الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء ينقى صحائفكم. ويطهر أعمالكم، ويرضى عنكم ربكم كما جعل تعالى (النهر) مثلا لما يدر من فيضه وفضله في الجنة على الناس. قال عز شأنه: (إن المتقين في جنات ونهر. في مقعد صدق عند مليك مقتدر) من سورة القمر. وقال تعالى (ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) (جنات تجرى من تحتها الأنهار) وأرى أن النبى صلى الله عليه وسلم يحث على النظافة ويدعو إلى الاستحمام والطهارة ويذكر المسلمين أن المحافظة على الصلاة في الدنيا توصل إلى نعيم الجنة وأنهارها.

الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارةٌ (¬1) لما بينهن ما لم تغش (¬2) الكبائر (¬3) رواه مسلم والترمذي وغيرهما. الصلوات الخمس كفارة لما بينها 5 - وعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: الصلوات الخمس: كفارةٌ (¬4) لما بينها، ثم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو أن رجلا كان يعتمل (¬5)، وكان بين منزله وبين معتمله خمس أنهارٍ، فإذا أتى معتمله عمل فيه ما شاء الله فأصابه الوسخ أو العرق، فكلما مر بنهرٍ اغتسل، ما كان ذلك يُبقى من درنه، فكذلك الصلاة كلما عمل خطيئةً فدعا واستغفر غفر له ما كان قبلها. رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير بإسناد لا بأس به، وشواهده كثيرى. 6 - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الصلوات الخمس: كمثل نهرٍ جارٍ غمرٍ (¬6) على باب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات. رواه مسلم. (والغمر): بفتح الغين المعجمة وإسكان الميم بعدها: هو الكثير: 7 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحترقون تحترقون (¬7)، فإذا صليتم الصبح غسلتها (¬8)، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليت العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون، فلا يكتب (¬9) عليكم حتى تستيقظوا. رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وإسناده حسن، ورواه الكبير موقوفا عليه، وهو أشبه، ورواته محتجّ بهم في الصحيح. ¬

(¬1) مزيلة الصغائر التي ترتكب من وقت الصبح إلى الظهر وهكذا، أو من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة الآخر. (¬2) تفعل، من غشى الشئ: لابسه. (¬3) كالإشراك وقتل النفس والزنا والسرقة وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات والربا والباطل وضياع الحق وأخذ أموال الناس ظلماً وهكذا. (¬4) في نسخة: كفارات. (¬5) يلى عملا، وفي نسخة: يعمل. (¬6) كثير يغمر من دخله ويغطيه. (¬7) تكثرون من ارتكاب الذنوب وتقترفون ما يحبط أعمالكم الصالحة حتى تزيلوا حسناتكم وتكون الصحيفة كالمحروقة المتقدة خطايا. (¬8) فإذا صليتم الفريضة أزالت هذه الخطايا ورجعت صحيفتكم طاهرة نقية. (¬9) يأتى الليل والملائكة الكتبة لا يقيدون لكم ذنوبا حتى تقوموا من نومكم.

ما يقوله المنادى عند كل صلاة 8 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله ملكاً (¬1) ينادى عند كل صلاةٍ: يا بنى آدم قوموا إلى نيرانكم التى أوقدتموها فأطفئوها. رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وقال: تفرّد به يحيى بن زهير القرشى. (قال المملى) رضي الله عنه: ورجاله كلهم محتجّ بهم في الصحيح سراة. 9 - وروى عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يُبعثُ منادٍ عند حضرة كل صلاةٍ، فيقول يا بنى آدم: قوموا فأطفئوا ما أوقدتم (¬2) على أنفسكم، فيقومون فيتطهرون (¬3) ويصلون الظهر فيغفر لهم ما بينهما فإذا حضرت العصر فمثل ذلك، فإذا حضرت المغرب فمثل ذلك، فإذا حضرت العتمة (¬4) فمثل ذلك فينامون فمُدلجٌ (¬5) في خيرٍ، ومدلجٌ في شرٍّ. رواه الطبراني في الكبير. 10 - وعن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان الفارسي رضي الله عنه لينظر ¬

(¬1) منادياً من بنى آدم أن ينهض فيصلى الفريضة رجاء أن يسد طاقة من جهنم فتحت عليه تنتظر موته ولا يعلم أحد نهاية عمره إلا الله، فالعاقل من أسرع إلى تأدية الفرض في أول وقته ليسد باب جهنم المنتظرة، وليطفئ ما أعد الله له من العذاب إذا تأخر عن الصلاة ولم يؤدها. (¬2) مما جلبه عليكم لسانكم من غيبة أو نميمة أو تقصير في واجبات الله. (¬3) يتوضئون. (¬4) المراد العشاء والفجر. (¬5) أدلج: سار من أول الليل، والمعنى بعد صلاة العشاء ينام الإنسان أو يسير في طريق الخير، ويسهر في السمر البرئ والأنس الذى يرضي الله جل وعلا، أو يقضى باقى ليله في طاعة وعبادة. والصنف الثانى: يتم ليله في لهو ومحرمات وسهر يغضب الله جل وعلا وينسى واجب زوجه ويعربد ويسكر، ويذهب إلى الملاهى والمواخير ومحال الفجور والدعارة، أو يقطع الطريق ويسلب أموال الناس أو يسرق، وهكذا من أفعال الشر ويريد النبى صلى الله عليه وسلم أن يرشد المسلمين إلى أن الصلوات الخمس أزالت ما اقترفوه، ويوصيهم أن ينتهى ليلهم كما يحب الله ورسوله، ولا يتخلل زمنه ما يكثر من السيئات ويحبط الحسنات. قال تعالى: أ - (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) 26 من سورة الأحزاب. ب - (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم 13 ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين) 14 من سورة النساء. ما أسعد من ينتهى ليله في طاعة، ينام ليستريح أو يؤنس أهله ويسرى عنهم متاعب الحياة، ويمتعهم برؤيته وحديثه العذب ويكرم ضيوفه ويؤدى واجب زوجه حتى لا تنظر إلى غيره، ويتفقد مصالحه ويرعى طعام ماشيته، هل أدى الخدم ما يلزم لها من سقى أو علف أو نظافة؟ ويقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم بما رواه البخاري أنه عليه الصلاة والسلام: (كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها) وأعنى بالحديث الذى يجلب غضب الرب، ويذهب في لهو ولغو أو في مجالس الفسوق، نسأل الله السلامة.

ما اجتهاده. قال: فقام يصلى من آخر الليل فكأنه لم ير الذى كان يظنُّ فذُكرَ ذلك له فقال سلمان: حافظوا على هذه الصلوات الخمس، فإنهن كفاراتٌ لهذه الجراحات ما لم تصب المقتلة. رواه الطبراني في الكبير موقوفا هكذا بإسناد لا بأس به، ويأتى بتمامه إن شاء الله تعالى. 11 - وعن عُمر بن مرة الجهنى رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبى صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله وصليت الصلوات (¬1) الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته (¬2) فممن أنا؟ قال: من الصديقين؟ قال: من الصديقين (¬3) والشهداء (¬4). رواه البزّار، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما واللفظ لابن حبان. 12 - وعن أبي مسلم التغلبى قال: دخلت على أبى أُمامه رضي الله عنه وهو في المسجد، فقلت يا أبا أُمامة؟ إن رجلا حدثنى عنك أنك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأسبغ الوضوء، فغسل (¬5) يديه، ووجهه، ومسح على رأسه، وأُذنيه، ثم قام إلى صلاةٍ مفروضةٍ غفر (¬6) الله له في ذلك اليوم ما مشت إليه رجلاه، وقبضت عليه يداه، وسمعت إليه أُذناهُ، ونظرت إليه عيناه، وحدث به نفسه من سوءٍ. فقال: والله قد (¬7) سمعته من النبى صلى الله عليه وسلم أمراً (¬8). رواه أحمد، والغالب على سنده الحسن، وتقدم له شواهد في الوضوء، والله أعلم. 13 - وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم يصلي وخطاياهُ مرفوعةٌ على رأسه كلما سجد تحات (¬9) عنه فيفرغ من ¬

(¬1) في نسخة: الصلاة. (¬2) شغلت أوقات ليله في طاعة وذكر وتسبيح وتحميد وتكبير وتهجد. (¬3) قوم أقل من الأنبياء في الفضيلة، لأنهم صدقوا بقولهم واعتقادهم وحققوا صدقهم بالفعل؛ ومنه قوله تعالى: أ - (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبياً). ب - وقوله تعالى: (وأمه صديقة). جـ - وقوله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً). (¬4) الذين جاهدوا في سبيل الله حق جهاده حتى ماتوا في حومة الوغى. (¬5) في نسخة: وغسل. (¬6) محا الذنوب التى ارتكبتها رجلاه أو يداه أو أذناه أو عيناه. (¬7) في نسخة: لقد. (¬8) في نسخة: مراراً 124 ع. (¬9) تتساقط بذلته لربه، وخضوعه لخالقه وشكره.

صلاته، وقد تحاتت (¬1) عنه خطاياه. رواه الطبراني في الكبير والصغير، وفيه أشعثُ بن أشعث السعدانى لم أقف على ترجمته. 14 - وعن أبي عثمان قال: كنت مع سلمان رضي الله عنه تحت شجرةٍ فأخذ غصناً يابساً (¬2)، فهزَّهُ حتى تحاتَّ (¬3) ورقه، ثم قال: يا أبا عثمان ألا تسألنى لِمَ أفعلُ هذا. قلتُ: ولم تفعله؟ قال: هكذا فعل بى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرةٍ، وأخذ منها غصناً يابساً (¬4) فهزَّهُ حتى تحات ورقه. فقال: يا سلمان ألا تسألنى لم أفعل هذا. قلت: ولم تفعله؟ قال: إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء (¬5) ثم صلى الصلوات الخمس، تحاتت خطاياه كما تحاتَّ (¬6) هذا الورق، وقال: (أقم الصلاة طرفى النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) رواه أحمد والنسائي والطبراني، ورواة أحمد محتج بهم في الصحيح إلا علىَّ بن زيد. 15 - وعن أبي هريرة وأبى سعيدٍ رضي الله عنهما قالا: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: والذى نفسى بيده ثلاث مراتٍ، ثم أكبَّ فأكَبَّ (¬7) كلُّ رجل منَّا يبكى، لاندرى على ماذا حلف، ثم رفع رأسه، وفى وجهه البُشرى (¬8)، وكانت أحب إلينا من حُمْرِ (¬9) النعم: قال: ما من رجلٍ (¬10) يصلى الصلوات الخمس، ¬

(¬1) زالت وسقطت كما يتحات ورق الشجر: أي ينتثر ويقع. (¬2) صلباً. (¬3) يتحات: يتساقط. فعل مضارع حذف منه حرف المضارعة منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد حتى. (¬4) يقال: حطب يبس. قال ابن السكيت جمع يابس كراكب وركب أهـ، واليبس: المكان يكون رطباً ثم ييبس، ومنه قوله تعالى: (فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركا ولا تخشى)، وهذا مثل آخر ضربه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في درس فوائد الصلاة: حرك الغصن بقوة وعنف فنزلت أوراقه. هكذا أيها المسلمون المحافظة على الصلوات في أوقاتها تسقط الخطايا، فتنجون وتفلحون. (¬5) أتمه: أي راعى فروضه وسننه واستاك. (¬6) وفى نسخة: يتحات. (¬7) أكب الرجل يكب على عمل عمله: إذا لزمه، من كببته فأكب أي ألزمته. أي استمر البكاء منا ومنه صلى الله عليه وسلم خشية وخوفا من الله جل وعلا. (¬8) هى الخبر السار المفرح. قال تعالى (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة) وقال تعالى (لابشرى يومئذ للمجرمين). (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى). (يابشرى هذا غلام) يا بشارة. (¬9) الحمار. جمعه حمر كقفل، وحمر بضمتين العير، وحمارة للأتان، والنعم واحد الأنعام وهى المال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل. قال الفراء، هو ذكر لا يؤنث، يقولون، هذا نعم وارد وجمعه نعما، كحمل وحملان، والأنعام يذكر ويؤنث. قال الله تعالى (مما في بطونه) وقال (مما في بطونها) وجميع الجمع أناعيم، والمعنى أن بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم زادتنا فرحاً أكثر من المال الوفير، والنعم السارة، وبيض الإبل وغيرها. (¬10) في نسخة: عبد.

ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويتجنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة حتى إنها لتصطفق (¬1)، ثم تلا (إن تجتنبوا كبائر (¬2) ما تنهون (¬3) عنه نكفر (¬4) عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريماً). وقال الحاكم صحيح الإسناد. 16 - وعن عثمان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند انصرافنا من صلاتنا، أراه قال العصر. فقال: ما أدرى أُحدثكم أو أسكت؟ قال: فقلنا يا رسول الله إن خيراً فحدثنا، وإن كان غير ذلك فالله ورسوله أعلم. قال: ما من مسلمٍ يتطهر فيُتم الطهارة التى كتب الله عليه فيصلى هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفاراتٍ (¬5) لما بينها. وفي رواية: أن عثمان رضي الله عنه قال: والله لأُحدثكم حديثاً لولا آية (¬6) في كتاب الله ما حدثتكموه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتوضأٌ رجلٌ ¬

(¬1) ينتشر ضوؤها وتضطرب أبوابها ومنه حديث أبى هريرة رضي الله عنه (إذا اصطفق الآفاق بالبياض) أي اضطرب وانتشر الضوء، وهو افتعل من الصفق أي التتابع. صفق الباب: رده، وأصفقه أيضا والريح تصفق الأشجار فتصطفق: أي تضطرب. (¬2) الكبيرة متعارفة في كل ذنب تعظيم عقوبته، والجمع الكبائر قال تعالى: (ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى .. الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذْ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم، فلا تزكوا على أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) 33 من سورة النجم، أي سبب الأعمال الحسنة دخلوا الجنة. والإثم ما كبر عقابه، وصعب وعيده والفواحش أقبح الذنوب: كالزنا وقتل النفس والله يغفر الحسنة أي ما قل وصغر. (¬3) وفى غريب القرآن: قيل أريد به الشرك؛ لقوله: (إن الشرك لظلم عظيم). وقيل هو الشرك وسائر المعاصى الموبقة، كالزنا وقيل النفس المحرمة ولذلك قال (إن قتلهم كان خطئا كبيراً) أهـ ص 432. (¬4) نغفر لكم صغائركم ونمحها عنكم. قال البيضاوى: الكبيرة: كل ذنب رتب الشارع عليه حدا، او صرح بالوعيد فيه، وقيل: ما علم حرمته بقاطع، وعن النبى صلى الله عليه وسلم أنها سبع: (الإشراك بالله، وقتل النفس التى حرم الله، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والربا، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين) وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (والكبائر إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع) والمدخل الكريم: الجنة، أو ما وعد من الثواب. أو إدخال مع كرامة. (¬5) مزيلات الصغائر. (¬6) مثل قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) 161 من سورة البقرة. أحبار اليهود يخفون الآيات الشاهدة على أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وما يهدى إلى وجوب اتباعه والإيمان به، وفي التوراة أدلة ذلك، ومن ذا جاءت الشريعة المحمدية، وألزمت العالم أن يجود بعلمه.

فيحسن وضوءَهُ، ثم يصلى الصلاةَ إلا غفر الله له ما بينها وبين الصلاة التى تليها. رواه البخاريّ ومسلم. 17 - وفي رواية لمسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ للصلاة، فأسبغ (¬1) الوضوء، ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس (¬2) أو مع الجماعة (¬3)، أو في المسجد غفر له ذنوبه. 18 - وفي روايةٍ أيضا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرِئٍ مسلمٍ تحضرهُ صلاةٌ مكتوبةٌ (¬4)، فيحسن وضوءَها وخشوعها وروكوعها إلا كانت كفارةً لما قبلها من الذنوب ما لم تؤتَ (¬5) كبيرةٌ، وذلك الدهر كله (¬6). 19 - وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم يقول: إن كل صلاة تحطُّ (¬7) ما بين يديها من خطيئةٍ. رواه أحمد بإسناد حسن. 20 - وعن الحارث مولى عثمان قال: جلس عثمان رضي الله عنه يوماً وجلسنا معه فجاء المؤذنُ فدعا بماءٍ في إناءٍ أظنهُ يكون فيه مُدٌّ (¬8) فتوضأَ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتوضأُ (¬9) وُضُوئى هذا، ثم قال: من توضأ وضوئى هذا (¬10) ثم قام يصلى صلاة الظهر غُفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلى العصر غفر له ما كان بينها وبين الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما كان بينها وبين العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما كان بينها وبين المغرب، ثم لعلَّهُ يبيت يتمرغ (¬11) ليلته، ثم إن قام فتوضأ فصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء، وهنَّ: الحسنات يُذهبنَ ¬

(¬1) أتم. (¬2) منفردا في منزله، أو سوقه، أو مصنعه. (يصح تعدد أو شك من الراوى). (¬3) أو صلاها جماعة. (¬4) مفروضة. (¬5) في نسخة: ما لم يأت، والفاعل المصلى. (¬6) من حافظ مدة حياته على الصلاة، ولم يفعل الكبائر، عفا الله عنه وسامحه ودخل الجنة. (¬7) تبعد، من حط الشئ يحطه: إذا أنزله وألقاه، وفيه من ابتلاء الله ببلاء في جسده فهو له حطة أي تحط عنه خطاياه وذنوبه. (¬8) المد في الأصل ربع الصاع، أي رطل ماء قدر قلة أو إبريق. (¬9) في نسخة: توضأ. (¬10) في نسخة: هكذا 125.ع (¬11) ينقلب، من مراغ دواب الجنة المسك، أي الموضع الذى يتمرغ فيه من ترابها، يرجو سيدنا عثمان رضي الله عنه أن يبيت المسلم على توحيد الله وذكره، وترقب اليقظة لعبادته ورجاء رحمته.

السيئات. قالوا: هذه الحسنات فما الباقيات (¬1) يا عثمان؟ قال: هى: لا إله الله، وسبحان الله، والحمد الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. رواه بإسناد حسن، وأبو يعلى والبزار. يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل الخ 21 - وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الصبح فهو في ذمة (¬2) الله فلا يطلبكم (¬3) الله من ذمته بشئٍ، فإنه من يطلبه من ذمته بشئٍ يدركه ثم يكُبُّهُ (¬4) على وجهه في نار جهنم. رواه مسلم واللفظ له وأبو داود والترمذي وغيرهم. ويأتي في باب صلاة الصبح والعصر إن شاء الله تعالى. 22 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح (¬5)، وصلاة العصر، ثم يعرج (¬6) الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم، وهو أعلم بهم: كيف ¬

(¬1) أي الثابت ثوابها، المورق غصنها، المزهرة حسناتها، الخالد أجرها. قال الله تعالى: أ - (المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا) 47 من سورة الكهف. يتزين بهذا العرض الإنسان في حياته وتفنى به عما قرب، ولكن أعمال الخيرات هي التي تبقى ثمراتها له أبد الآباد، ويندرج فيها الكلام الطيب والأمر. بالمعروف، وينال صاحبها المحافظ على ذكر الله بها النعيم في الآخرة. روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: إن أثمار أهل الجنة يقطفها أهلها ويأكلونها ثم تخلف مكانها مثلها، ولكون مافي الآخرة دائما. قال عز وجل: (ما عند الله خير وأبقى)، ومعنى الباقيات الصالحات: ما يبقى ثوابه للإنسان من الأعمال، وقد فسر بأنها الصلوات الخمس، ولكن أرشدنا إلى مئات منها صباح مساء ليغرس له في الجنة أشجاراً، وينتظر ثمارها بعد موته إن شاء الله - وفى غريب القرآن: والصحيح أنها كل عبادة يقصد بها وجه الله تعالى أهـ، وعلى هذا قوله تعالى: ب - (بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) أي ما أبقاه الله لكم من الحلال بعد التنزه عما حرم عليكم، فإن خيريتها باستتباع الثواب مع النجاة، وذلك مشروط بالإيمان. (¬2) عهد الله وأمانه وضمانه ورحمته. (¬3) في نسخة: فلا يطلبنكم. (¬4) الكب: إسقاط الشئ على وجهه، قال تعالى: (فكبت وجوههم في النار) والأكباب: جعله مكبوبا على العمل، قال تعالى: (أفمن يمشى مكباً على وجهه أهدى)، وفيه يطلب النبى صلى الله عليه وسلم من المسلم أن يحافظ على صلاة الصبح قبل طلوع الشمس جماعة ليرعاه ربه، ويقضى حاجاته، ويسهل أموره، ويزيد في رزقه، ويفرج كربه، وبقيه شره يومه، ومن لم يحافظ فقد يلحظه الله برحمته تفضلا، ولكن إن مات زج في جهنم والعياذ بالله تعالى. (¬5) في نسخة: الفجر. (¬6) يصعد الحراس الذين يستلمون أعمال العبد من الفجر إلى العصر، والفريق الثانى: يتعهد من العصر إلى الفجر. ما شاء الله كتبة مهرة ذوو يقظة مقسمة أعمالهم بنظام الحكيم العليم الخبير بشئون عباده ليحصوا أعمال =

تركتم عبادى؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيانهم وهم يُصلون. رواه مالك والبخاري ومسلم والنسائي. خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة الخ 23 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن أول ما افترض الله على الناس من دينهم: الصلاة، وآخر ما يبقى: الصلاةُ، وأول ما يُحاسب به: الصلاة، ويقول الله: انظروا في صلاة عبدى، فإن كانت تامةً كُتبت تامةً، وإن كانت ناقصة يقول: انظروا هل لعبدى من تطوعٍ (¬1)، فإن وُجِد له تطوعٌ تمت الفريضة من التطوع، ثم قال: انظروا: هل زكاته تامةٌ؟، فإن كانت تامة كتبت تامةً، وإن كانت ناقصةً. قال: انظروا هل له صدقةٌ؟، فإن كانت له صدقة تمت له زكاته. رواه أبى يعلى. 24 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمسٌ من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس: على وُضُوئهن، ورُكوعهن، وسجودِهن، ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، وآتى (¬2) الزكاة طيبةً بها نفسه، وأدى الأمانة. قيل يا رسول (¬3) الله: وما أداءُ الأمانة؟، قال: الغسل (¬4) من الجناة، إن الله لم يأمن ابن آدم على شئٍ من دينه غيرها. رواه الطبراني بإسناد جيد. ¬

= العباد باذن الله جل جلاله. فالعروج: ذهاب في صعود، قال تعالى: (تعرج الملائكة والروح) وسميت ليلة المعراج لصعود الدعاء فيها إشارة إلى قوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) - وفيه المحافظة أيها المسلمون على صلاة الفجر، وصلاة العصر جماعة. حدثنى والدى رحمه الله أن الرجل لا يعد صالحاً إلا إذا حافظ على هاتين الصلاتين في إبان وقتهما، وداوم مراراً، على أن هذا العمل يجدد النشاط، ويزيد في القوة، ويصحح الجسم، وقيام الفجر يطيل العمر، ويجلب البهاء والنضارة، ويقوى الدورة الدموية، ويزيل البلغم ويذهب الحزن ويدعو إلى الفرح، وزيادة الرزق وطيب الكسب، والبركة في البكور. (¬1) نافلة. (¬2) في نسخة: وأعطى 126 ع. (¬3) في نسخة: يا نبى الله، والأمانة طمأنينة النفس على أداء الواجب عليها، أو حفظه وصيانته، وزوال الخوف من التقصير في رعايته، قال تعالى: (وتخونوا أماناتكم) أي ما ائتمنتم عليه، وقوله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة) قيل: هى كلمة التوحيد، أو العدالة، أو حروف التهجى، أو العقل الذى يدرك به توحيد الله وطاعته. (¬4) لأن الغسل منها سر بينه وبين ربه وفتح الغين المصدر. =

25 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلواتٍ كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهنَّ كان له عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة، ومن لم يأتِ بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه. 26 - وفي رواية لأبى داود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلواتٍ افترضهن الله، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم رُكوعهنَّ وسجودهن، وخشوعهن (¬1) كان له (¬2) الله عهدٌ (¬3) أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس على الله عهدٌ، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه. 27 - وعن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه قال: كان رجلان أخوان فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلةً، فذكرت فضيلة الأول منهما عند رسول الله ¬

= أخى المسلم: قد رأيت أداء الأمانة موصلا إلى الجنة، وسئل صلى الله عليه وسلم عنها، فقال عليه الصلاة والسلام: (الغسل من الجنابة) لعمرى تلك معجزة جديدة في القرن العشرين. قائد الشرع سبر غور المسلمين، وقدر بمخبار الحكمة، وسداد الرأى والفطنة، والفراسة حال المؤمنين بمراعاة الطهارة من الحدث الأكبر. كأن من يحافظ على الطهارة يكاد يكمل إيمانه، ويسهل عليه أداء واجب الله من ذكر وصلاة، ويقشعر قلبه من خشية الله، وهو صالح للعبادة أنى شاء. أما الآن فلاحظت رجالا يذهبون إلى محال أعمال، ويتبجحون أنهم جنب ولا يصلون ولا يصومون، وهذا من التهاون، وغفلة القلب عن الله التى جرت عليهم ارتكاب كثير من الموبقات وهم ساهون لاهون مغفلون لا يدرون أن الدنيا زائلة وفيه جنة للصالحين ونار للفاسقين والعاصين (إن ربك لبالمرصاد) قال تعالى: أ - (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) أي غافلون غير مبالين بها. إن الإنسان لا يضمن أن يعيش ثانية من حياته فكيف يتجرأ ذلك الخائن، ويستمر جنباً ردحا من الزمن والملائكة تسخط عليه وتذمه. لقد علمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا أتى الإنسان أهله ليلا، وأراد أن ينام يتوضأ خشية أن يموت، فيقابل ربه طاهراً حتى مطلع الفجر، ثم يستيقظ فيغتسل، ويصلى الصبح. وفي حديث البخاري (كان صلى الله عليه وسلم يغسل فرجه ويتوضأ كما يتوضأ للصلاة). ب - وقال تعالى: (وإن كنت جنباً فاطهروا) أي فاغتسلوا. (¬1) تفريغ القلب لإتمام أركان الصلاة وسننها. (¬2) في نسخة: عند، فليس له عند الله. (¬3) قال في غريب القرآن: العهد: حفظ الشئ ومراعاته حالا بعد حال، وسمى الموثق الذى يلزم مراعاته عهداً، قال تعالى: (وأفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) أي أوفوا بحفظ الإيمان قال الله: (لاينال عهدى الظالمين) أي لا أجعل عهدى لمن كان ظالما، قال تعالى: (ومن أوفى بعده من الله) أهـ ص 356.

صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم يكن الآخرُ مسلماً؟ قالوا بلى (¬1) وكان لا بأس به، فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: وما يدريكم ما بلغت به صلاته إنما مثل الصلاة كمثل نهرٍ عذبٍ بباب أحدكم يقتحم (¬2) فيه كل يومٍ خمس مراتٍ فما ترون في ذلك يُبْقِى من درنه (¬3)، فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته (¬4). رواه مالك واللفظ له، وأحمد بإسناد حسن، والنسائي وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: عن عامر بن سعد بن أبى وقاص قال: سمعت سعداً وناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كان رجلان أخوان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحدهما أفضل من الآخر، فتوفى الذى هو أفضلهما، ثم عُمر الآخرُ بعد أربعين ليلة ثم توفى، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألم يكن يصلى؟ قالوا: بلى يا رسول الله، وكان لا بأس به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وماذا يدريكم ما بلغت به صلاته. الحديث. 28 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجلان من بُلَى حَىٍّ من قُضاعةَ أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما، وأُخر الآخرُ سنةً. قال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤخر منهما أُدخل الجنة قبل الشهيد (¬5) فتعجبت لذلك ¬

(¬1) إنه مسلم. بلى يجاب بها عند النفى. (¬2) يخوض: يجوز. (¬3) وسخه. (¬4) أرى والله أعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بزيادة درجات من عمر، وعلو مركزه في الجنة من جراء كثرة ركعاته، وثواب صلاته. (¬5) أولا: الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حد الكمال إلى درجة التكميل: ثانيا: الصديقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقى النظر في الحجج والآيات، وأخرى بمعارج التصفية والرياضيات إلى أوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء، وأخبروا عنها على ما هى عليها. ثالثاً: الذين أدى بهم الحرص على الطاعة، والجد في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله تعالى. رابعاً: الصالحون: الشهداء الذين صرفوا أعمارةم في طاعته، وأموالهم في مرضاته، ولك أن تقول: المنعم عليهم هم العارفون بالله، وهؤلاء إما أن يكونوا بالغين =

فأصبحت فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم، أو ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد صام بعد رمضان، وصلى ستة آلاف ركعةٍ، وكذا وكذا ركعةً صلاة سنةٍ. رواه أحمد بإسناد حسن، وروى ابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقى، كلهم عن طلحة بنحوه أطول منه، وزاد ابن ماجه وابن حبان في آخره: لما بينهما أبعد من السماء والأرض. ثلاث لا أحلف عليهن الخ 29 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث أحلف عليهن (¬1) لا يجعل الله من له سهم (¬2) في الإسلام كمن لا سهم له، وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة والصوم، والزكاة، ولا يتولى (¬3) الله عبداً في الدنيا فيوليه ¬

= درجة العيان، أو واقفين في مقام الاستدلال والبرهان والأولون: إما أن ينالوا مع العيان القرب بحيث يكونون كمن يرى الشى قريبا، وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أولا: فيكونون كمن يرى الشئ بعيداً، وهم الصديقون والآخرون: إما أن يكون عرفانهم بالبراهين القاطعة، وهم الراسخون في العلم الذين هم شهداء الله في أرضه وإما أن يكون بأمارات وإقناعات تطمئن إليها نفوسهم، وهم الصالحون. وحسن كل واحد منهم رفيقاً. روى أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه يوما، وقد تغير وجهه، ونحل جسمه، فسأله عن حاله فقال: مابى من وجع غير أنى إذا لم أرك اشتقت إليك، واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة، فخفت أن لاأراك هناك لأنى عرفت أنك ترفع مع النبيين، وإن أدخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك، وإن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبداً، فنزلت: (ذلك الفضل من الله) إشارة إلى ماللمطيعين من الأجر، ومزيد الهداية ومرافقة المنعم عليهم - أو إلى فضل هؤلاء المنعم عليهم ومزيتهم - وهوعز شأنه خبير بجزاء مَنْ أطاعه - أن بمقادير الفضل، واستحقاق أهله أهـ ص 144. لقد زال العجب بفهم تفسير هذه الآية وذلك من حسن العبادة. هنيئاً لك يا ثوبان تتمتع برؤية الحبيب صلى الله عليه وسلم، ثم يزيدك الإيمان تعلقا بجوار منزلته في الجنة. رب إنى أحب سيدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مدى الحب، فهل تتفضل على عبدك الخاضع الذليل الحقير أن تمن عليه بالرؤيا الصالحة لأتمتع بمشاهدة محياه، ولأطفئ حرارة الشوق إلى جماله وكماله ومحامده ومحاسنه، قال صلى الله عليه وسلم: (من رآنى فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكوننى) ويقول العارفون إن كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سبب الرؤية مع الاستقامة. (¬1) أقسم بالله وجودهن، وصحة إدراكهن. (¬2) السهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر وهى القداح، ثم يفوز به الفالج سهمه، ثم كثر حتى سمى كل نصيب سهما ويجمع السهم على أسهم وسهام وسهمان، ومنه حديث بريدة: خرج سهمك بالفلج والظفر. أي إن الله جل جلاله يعطى ثوابه الكثير لمن له نصيب في أعمال الإسلام، ويجعل المقصر، والكسلان محروما من الأجر خاليا من الحسنات، وعد صلى الله عليه وسلم ثلاثة أركان الإسلام، فإن أخلص المسلم في أدائها فاز، وحظى بنعيم الله ورضوانه، وإلا فياخيبته، ويا حسرته يوم توزع الأجور، ويحاسب على الأعمال. (¬3) يجعله عماده في أعماله، ووجهته في حاجاته، فيسأله، ويستعين به، ويخاف منه. =

غيره يوم القيامة (¬1) ولا يُحبُّ رجل قوماً إلا جعله الله معهم (¬2)، والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا إثم (¬3) لا يستر الله عبداً في الدنيا إلا ستره يوم القيامة. رواه أحمد بإسناد جيد، ورواه الطبراني في الكبير من حديث ابن مسعود. 30 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مفتاح الجنة الصلاة. رواه الدرامىّ، وفي إسناده أبو يحيى القتات. 31 - وعن عبد الله بن قُرطٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت (¬4) صلح سائر عمله، ¬

= ويدعوه رغبا ورهبا، ويخشى بأسه، وله عليه السلطان، والحول والطول دون سواه سبحانه، والولاية تولى الأمر والنصرة، قال تعالى. أ - (الله ولى الذين آمنوا) ب - (إن وليي الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين). جـ - (والله ولى المؤمنين) د - (واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير). هـ (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) أي جعل للشيطان في الدنيا على العصاة سلطانا. (¬1) يطمئنه ربه وينعمه ويكرمه، ولا يجعل لغيره رياسة عليه يتصرف فيه. (¬2) المرء مع من أحب يحشر في زمرتهم. (¬3) لا ذنب، والمعنى: إذا تكرم الله بعدم فضيحة عبد خاضع ومطيع له، سامحه وعفا عنه وستره في المحشر. ومحبة المرء أن لا يذكر قبائحه ويغض عن هفواته، ويدارى عوراته، ولا يذيع شيئا من شؤونه الخاصة في نفسه أو منزله فلكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة، ولكل إنسان زلة وفي إذاعتها تشهير وتسميع للمسلمين وإثارة للأحقاد والضغائن وهنا قال علماء الحديث: وليس مما يجب ستره والإغضاء عنه الجرائم التى تضر بالمجتمع كالسرقة، والمؤامرة على الإجرام، وقتل النفس وشهادة الزور، لا يصح الإغضاء عنها بل يجب الأخذ على يد مرتكبيها تأديباً لهم، وردعا لغيرهم قال تعالى (ولكم في القصاص حياة ياأولى الألباب لعلكم تتقون). (¬4) أي أثمرت الاستقامة ودعت إلى التحلى بآداب الدين والتجمل بالكمالات، والتخلى عن الرذائل وأرسلت أشعة الإحسان والخوف من الله جل وعلا في قلب المصلى، وحينئذ تشرق شمس القبول، والإتقان، ورضا الله في سائر أفعاله. الصلاة: جسر السعادة، ومعين السيادة، ونور الإيمان الذى ينبعث من فاعلها، روى أن فتى من الأنصار كان يصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم الصلوات ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا ارتكبه، فوصف له عليه الصلاة والسلام، فقال: إن صلاته ستنهاه، فلم يلبث أن تاب، ومصداق ذلك قوله تبارك وتعالى: (اتل ما أوحى إليك من الكتاب، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) 46 من سورة العنكبوت، يأمره الله تعالى أن يقرأ كتابه تقربا إليه وتحفظا لألفاظه، واستكشافا لمعانيه .. فإن القارئ المتأمل قد ينكشف له بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه، ولا تقبل صلاة عند البارئ جل وعلا إلا إذا غرست الهيبة والخشية، وكانت سببا للانتهاء عن المعاصى حال الاشتغال بها وغيرها عند البارئ جل وعلا إلا إذا غرست الهيبة والخشية، وكانت سببا للانتهاء عن المعاصى حال الاشتغال بها وغيرها من حيث إنها تذكر الله، وتورث النفس خشية منه جل وعلا (ولذكر الله أكبر) وللصلاة أكبر من سائر الطاعات لأنها العمدة في كونها مفضلة على الحسنات ناهية عن السيئات، أو ولذكر الله إياكم برحمته أكبر من ذكركم إياه بطاعته، والله الذى يجازيكم بعملكم أحسن المجازات: (من لم تنهه صلاته =

وإن فسدت فسد سائر عمله. رواه الطبراني في الأوسط، ولا بأس بإسناده إن شاء الله. الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها 32 - وروى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ينظر في صلاته، فإن صلحت فقد أفلح (¬1) وإن فسدت خاب (¬2) وخسر. رواه في الأوسط أيضاً. 33 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إيمان (¬3) لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور (¬4) له، ولا دين (¬5) لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد. رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وقال: تفرّد به الحسين بن الحكم الحبرى. 34 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن حوله من أُمته: اكفلوا (¬6) لي بستٍّ أكفل لكم بالجنة. قالوا (¬7) وماهى ¬

= فلا صلاة له) وعمله فاسد، وهنا درس قاس للذين يصلون ويخدعون الناس ويكذبون ويسرقون ويؤذون ويقطعون الرحم وهكذا إن صلاتهم تزيدهم خطايا وتحملهم ذنوبا للجراءة على الله؛ والتهاون بالوقوف أمامه وقلة الأدب مع الخالق الحليم الصبور المنتقم الجبار. عجبا لك ياابن آدم؟ تقف أمام مخلوق ضعيف مثلك خائفا وجلا مجملا بأبهى الثياب، ويقشعر جسمك عند طلبه لك (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه). (¬1) فاز بالجنة. (¬2) ضاع عمله وخسر الدنيا والآخرة وعذب. (¬3) اعتقادا موصلا إلى الله جل وعلا ولا قول صدق وعمل صالح للخائن المجرم - قال في غريب القرآن: يراد بالإيمان: إذعان النفس للحق على سبيل التصديق وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بحسب ذلك بالجوارح، وعلى هذا قوله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) أهـ. (¬4) وضوء وطهارة. (¬5) في غريب القرآن والدين: يقال للطاعة والجزاء واستعير للشريعة، والدين كالملة لكنه يقال اعتبار بالطاعة والانقياد للشريعة قال: (إن الدين عند الله الإسلام. ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) أي طاعة وأخلصوا دينهم لله فالنبى صلى الله عليه وسلم نفى الخضوع لله والانقياد لأوامره عن تارك الصلاة وقد شبهها صلى الله عليه وسلم في الجسم بالرأس. وإذا عدم الرأس فنى الجسم، كذلك تارك الصلاة خربت ذمته، وفسد عمله، وحبط ثوابه، وانتزعت البركة منه، وحاد عن الحق وأغضب الرب وأظلم قلبه، وعميت بصيرته، وغوى ونأى عن الصواب، ومات ذكره في الناس. (¬6) اضمنوا، والكفيل: الضامن، والكافل: الذى يكفل إنسانا يعوله، قال الله تعالى، (وكفلها زكريا)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (انا وكافل اليتيم في الجنة). (¬7) في نسخة: قلت.

يا رسول الله؟ قال: الصلاة، والزكاة، والأمانة (¬1)، والفرج (¬2)، والبطن (¬3)، واللسان (¬4)، رواه الطبراني في الأوسط، وقال: لا يُروى النبى ? إلا بهذا الإسناد. (قال الحافظ): ولا بأس بإسناده. 35 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة. قال: ثم مه (¬5)؟ قال: ثم الصلاة. قال: ثم مه؟ قال: ثم الصلاة ثلاث مراتٍ. قال: ثم مه؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فذكر الحديث. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه واللفظ له: الترغيب في فضائل الأعمال وهى الصلاة الجهاد 36 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ولاعلة له سوى وهم أبى بلال، ورواه ابن حبان في صحيحه من غير طريق أبى بلال نحوه، وتقدم وهو وغيره في المحافظة على الوضوء، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث سلمة بن الأكوع، وقال فيه: واعلموا أن أفضل أعمالكم الصلاة. 37 - وعن حنظلة الكاتب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حافظ على الصلوات الخمس: رُكوعهن وسجودهن، ومواقيتهن، وعلم أنهن حقٌّ من عند الله دخل الجنة، أو قال: وجبت له الجنة، أو قال: حَرُمَ (¬6) على النار. رواه أحمد بإسناد جيد، ورواته رواة الصحيح. 38 - وعن عثمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من علم أن الصلاة حق مكتوب (¬7) واجب دخل الجنة. رواه أبو يعلى، وعبد الله بن الإمام أحمد على المسند، والحاكم، وصححه، وليس عنده ولا عند عبد الله لفظة (مكتوب). ¬

(¬1) حفظ الوديعة وأداء ما ائتمنت عليه كما يرضى الله ورسوله. (¬2) يحفظه من الزنا. (¬3) لا يأكل حراما، ولا يدخله إلا حلالا. (¬4) يحفظه من الغيبة والنميمة والكذب والسب، والشتم والدس وكل النقائص. (¬5) اسم فعل بمعنى زدنى. (¬6) في نسخة: حرام، بمعنى أن جسمه لا يعذب أبدا. (¬7) فرضه الله جل وعلا وأداها تامة كاملة.

الترغيب في الصلاة مطلقا وفضل الركوع والسجود والخشوع

(قال الحافظ) رضي الله عنه: وستأتى أحاديث أخر تنتظم في سلك هذا الباب في الزكاة والحج وغيرها إن شاء الله تعالى. الترغيب في الصلاة مطلقاً، وفضل الركوع والسجود والخشوع 1 - عن أبي مالك الأشعرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأُ الميزان، وسبحان الله، والحمد لله تملآن، أو تملأُ ما بين السماء والأرض، والصلاة نورٌ، والصدقة برهانٌ، والصبر ضياءٌ، والقرآن حجة لك، أو عليك. رواه مسلم وغيره، وتقدم. 2 - وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج في الشتاء، والورق يتهافت (¬1) فأخذ بغصنٍ من شجرةٍ. قال: فجعل ذلك الورق يتهافت، فقال: يا أبا ذر. قُلتُ: لبيك يا رسول الله، قال: إن العبد المسلم ليصلى الصلاة يُريدُ بها وجه الله فتهافت (¬2) عنه ذنوبه كما تهافت هذا الورق عن هذه الشجرة. رواه أحمد بإسناد حسن. 3 - وعن معدان بن أبى طلحة رضي الله عنه قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرنى بعمل أعمله يدخلنى الله به الجنة، أو قال قلت: بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: عليك بكثرة السجود (¬3)، فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك بها درجةً، وحط (¬4) بها عنك خطيئةً. رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 4 - وعن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبدٍ يسجد لله سجدةً إلا كتب الله له بها حسنة ومحا (¬5) عنه بها ¬

(¬1) يتمايل عنه ويسرة، ويتساقط وفيه يتهافتون في النار: أي يتساقطون من الهفت وهو السقوط قطعة قطعة. (¬2) مضارع حذف منه حرف المضارعة أي فتتهافت، وهذا مثل في توضيح فوائد الصلاة: إزالة الذنوب كما زال الورق الجاف من الشجرة الغضة المخضرة. (¬3) في نسخة زيادة: (الله) أي ألزم. (¬4) محا. وقد أمر سبحانه وتعالى بنى إسرائيل بكلمة: (وقولوا حطة) أي حط عنا أوزارنا - قيل لو قالوها حطت أوزارهم. (¬5) أزال.

سيئةً، ورفع له بها درجة فاستكثروا من السجود (¬1) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. الترغيب في كثرة السجود وكثرة الدعاء فيه 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد: فأكثروا الدعاء. رواه مسلم. 6 - وعن ربيعة بن كعبٍ رضي الله عنه قال: كنت أخدمُ النبى صلى الله عليه وسلم نهارى، فإذا كان الليل آويت إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فَبِتَّ عنده فلا أزال أسمعه يقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان ربى حتى أمل أو تغلبنى عينى فأنام، فقال يوماً يا ربيعة: سلنى فأعطيك؟ فقلت: أنظرنى حتى أنظر، وتذكرتُ أن الدنيا فانية منقطعة، فقلت: يا رسول الله أسئلُكَ أن تدعو الله أن ينجينى من النار، ويُدخلنى الجنة، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من أمرك بهذا؟ قلت ما أمرنى به أحد، ولكنى علمت أن الدنيا منقطعة فانية، وأنت من الله بالمكان الذى أنت منه فأحببت أن تدعو الله لى، قال: إنى فاعلٌ فأعنى على نفسك بكثرة السجود (¬2). رواه الطبراني في الكبير من رواية ابن إسحق واللفظ له، ورواه مسلم وأبو داود مختصرا، ولفظ مسلم قال: ¬

(¬1) الصلاة لله تعالى. ينصح النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين بأداء الفرائض، وزيادة النافلة، وكثرة التضرع إلى الله جل وعلا، ولن تجد أقرب مكان لإجابة الدعاء من السجود والخضوع إليه جل وعلا، وإظهار التذلل، والاحتياج للقادر العظيم. (¬2) المراد - والله أعلم - أن تكثر من الصلاة، وتتذلل إلى المولى، عسى أن يجيب طلبك ويقيك شر النار. (فأعنى على نفسك) هذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لربيعة بن كعب رضي الله عنه. تأمل فيه أيها المسلم وافقه معناه، وترو في مغزاه: خادم أحسن إلى سيده في خدمته، والمخدوم مثال الأدب وعنوان الكمال وخير من يكافئ ويجازى، فيقول صلى الله عليه وسلم: (سلنى فأعطيك) فطلب الخادم دعوة صالحة فوزاً بالجنة ونجاة من النار. لماذا؟ لأنه كما قال: (علمت أن الدنيا منقطعة فانية، وأنت من الله بالمكان الذى أنت منه) شهادة طيبة ورجاء مجاب وإخلاص في المحبة، ولكن السيد المجتبى أرشده إلى العناية في إتمام صلاته والزيادة فيها، والتغالى في حسن أدائها لأن فيها سجودا وخشوعا لله، وذلك آداب إجابة الدعاء. ماذا تنتظر ياتارك الصلاة؟ ألا تستحى أن تطلب من ربك شيئا وأنت مخالف أوامره وكتاب الله يتكرر فيه: (أقيموا الصلاة)؟.انظر إلى نعم الله عليك: صحة، عينان، اذنان، رأس مفكر، عقل حركة، خيرات، وهكذا: فماذا أعددت لشكر الله وحمده، والثناء عليه. قال الشاعر: تعصى الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمرى في القياس شنيع لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع

كنتُ أبِيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال لى: سلنى؟ فقلت أسألك (¬1) في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، فأعني على نفسك بكثرة السجود. الترغيب في كثرة السجود وما يترتب عليه 7 - وعن أبي فاطمة رضي الله عنه قال: قُلتُ يا رسول الله اخبرنى بعملٍ استقيم (¬2) عليه، وأعمله (¬3)؟ قال: عليك بالسجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة. رواه ابن ماجه بإسناد جيد، ورواه أحمد مختصرا. ولفظه قال: قال لى نبىُّ الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا فاطمة (¬4): إن أردت أن تلقانى فأكثر السجود. 8 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من حالةٍ يكون العبد عليها أحب إلى الله من أن يراه ساجداً يعفر (¬5) وجهه في التراب رواه الطبراني في الأوسط، وقال: تفرّد به عثمان. (قال الحافظ) عثمان هذا هو ابن القاسم ذكره ابن حبان في الثقات. 9 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة خير موضوعٍ، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر. رواه الطبراني في الأوسط. ¬

(¬1) أطلب مصاحبتك والرفقة: الجماعة ترافقهم في سفرك - وحديث الدعاء: (وألحقنى بالرفيق الأعلى) أي بالله تعالى - الرفيق جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين - ومنه قوله تعالى: (وحسن أولئك رفيقاً) الرفيق: المرافق في الطريق - والله رفيق بعباده، من الرفق والرأفة. (¬2) أجعله منهجا: أتبعه وأمشى على ضوئه. (¬3) في نسخة: واعمل. (¬4) ينادى ذلك الصحابى الجليل الصالح، ويلزمه بكثرة الصلاة، نصيحة غالية، ليقرب مكانه في الجنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة التقرب إلى الله بالصلاة. لماذا؟ لأن النبى صلىلله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة عاملا بقول الله تبارك وتعالى: (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغضب من الشرك والطعن في القرآن، والاستهزاء به فيرشده الرحيم به إلى الصلاة، عبادة الله حتى الموت فإنه متيقن لحاقه كل مخلوق حى، والمعنى كما قال البيضاوى: فاعبده مادمت حياً، ولا تخل بالعبادة لحظة أهـ. (¬5) يضع الغبار بوضع جبهته على التراب، والعافر الوجه في الصلاة: المترب وكذا المعفور. ومنه حديث أبى جهل: (هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم) يريد به سجوده على التراب أهـ نهاية.

10 - وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرٍ فقال: من صاحب هذا القبر؟ فقالوا: فلانٌ، فقال: ركعتان (¬1) أحبُّ إلى هذا من بقية دنياكم. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. 11 - وعن مُطَرِّفٍ رضي الله عنه قال: قعدت إلى نفرٍ من قريشٍ، فجاء رجلٌ فجعل يُصلى، ويرفع ويسجد، ولا يقعد، فقلت: والله ما أرى هذا يدرى ينصرف على شفعٍ (¬2)، أو على وترٍ (¬3)، فقالوا: ألا تقوم إليه فتقول له؟. قال: فقمت فقلت له: يا عبد الله ما أراك تدرى تنصرف على شفعٍ، أو على وترٍ؟ قال: ولكن الله يدرى (¬4)، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سجد لله سجدةً كتب الله له بها حسنةً، وحط عنه بها خطيئة، ورفع له بها درجة، فقلت من أنت؟ فقال: أبو ذرً فرجعت إلى أصحاب، فقلت: جزاكمُ الله من جلساء شراً (¬5) أمرتمونى أن أُعلم رجُلاً من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: فرأيته يُطيل القيام، ويكثر الركوع والسجود، فذكرت ذلك له فقال: ما آلوت أن أُحسن، إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ركع ركعة، أو سجد سجدةً رفع الله له بها درجةً، وحط عنه بها خطيئةً رواه أحمد والبزار بنحوه، وهو بمجموع طُرُقه حسن أوصحيح ما آلوت: أي قصرت. ¬

(¬1) خير مقصد يجلب الخير كله ثواب صلاة ركعتين يعود عليه بالنعيم في قبره إشارة إلى أن الميت ينتفع بدعاء غيره. (¬2) ثنتين. (¬3) واحدة، والمعنى أنا أبا ذر رضي الله عنه يطيل الركوع والسجود حتى لا يعلموا أيصلى ركعتين أم واحدة؟. (¬4) يصلى لوجه الله وهو يعلم صلاته. (¬5) خشى مطرف شراً من سؤاله؛ وتوجس في نفسه خيفة، فأنت ترى نفراً من قريش يشهد بحسن صلاة أبى ذر، وكثرة ركوعه وسجوده، واطمئنانه؛ وهو الصاحب المقرب، ومع ذلك يصلى ركعات عديدة يحتار في عددها الرائون. الله أكبر: كلما تقرب العبد إلى ربه، سطع نور إيمانه، وزاد يقينه، وكثر خوفه منه جل وعلا واستكثر من الطاعات، واستزاد من الخيرات، وشعر برضوان حبيبه، ولذة طاعته، واستلذ بذكره، ولذا يقول أبو ذر: (في رواية) ماآلوت أن أحسن إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ركع ركعة ..) أي ما أوليت تقصيرا بحسب الطاقة، واجتهدت أن أحسن العمل بقوله صلى الله عليه وسلم. يقال ألوت في الأمر: قصرت فيه هو منه كأنه رأى فيه الانتهاء، ألوت فلاناً: أي أوليته تقصيراً نحو كسبته: أي أوليته كسباً، وما ألوته جهداً: أي ما أوليته تقصيرا بحسب الجهد، فقولك جهداً تمييز، وكذلك ما أولوته نصحاً أهـ غريب ص 20.

الترغيب في إسباغ الوضوء وإفراغ القلب لله في الصلاة 12 - وعن يوسف بن عبد الله بن سلامٍ قال: أتيتُ أبا الدرداء رضي الله عنه في مرضه الذى قُبض (¬1) فيه، فقال يابن أخى: ما علمت (¬2) إلى هذه البلدة، أو ما جاء بك؟ قال: قلت لا: إلا صلة (¬3) ما كان بينك وبين والدى: عبد الله بن سلامٍ، فقال: بئس ساعة الكذب هذه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأحسن الضوء، ثم قام فصلى ركعتين، أو أربعاً (يُشكُّ سهلٌ) يُحسن (¬4) فيهن الركوع والخشوع ثم يستغفر الله غفر له. رواه أحمد بإسناد حسن. 13 - وعن زيد بن خالدٍ الجُهنىِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فأحسن وضوءهُ (¬5)، ثم صلى ركعتين لا يسهو (¬6) فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه. رواه أبو داود. وفي رواية عنده: ما من أحدٍ يتوضأُ فيحسن الوضوء ويصلى ركعتين يُقبلُ بقلبه (¬7) وبوجهه (¬8) عليهما إلا وجبت له الجنة. 14 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنهما قال: كُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خُدام أنفسنا نتناوب (¬9) الرعاية رعاية إبلنا، فكانت على رعاية الإبل فرواحتها (¬10) بالعشى، فإذا رسول الله صلى الله عليه يخطب الناس فسمعته يوماً يقول: ما منكم من أحدٍ يتوضأُ فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين يُقبلُ ¬

(¬1) مات. (¬2) في نسخة، ما أعمالك 132 ع. أي أي شئ علمته في هذه البلدة أو أي شئ أقدمك وشرفت. (¬3) لا شئ جديد أحضرنى إلا مودة قديمة بينك وبين والدى رحمه الله. هنا درس ألفة ومحبة ووداد سيدنا يوسف يراعى عهد أبيه، وأصحاب أبيه يزورهم ويبرهم ويذكرهم مودة أبيه، وتجد أن أبا الدرداء هش وبش وآنسه ودعا له، وذم الكاذب ومدح الصادق وأرشد إلى وقل خير البرية تذكرة ليوسف عسى أن يعمل، فيلبس عليه ربه ستره ويغدق عليه نعمه ويبوء مغفوراً له. وللحارث بن عباس السلمى رضي الله عنه: أكرم خليل أبيك حيث لقيته ... ولقد عققت أباك إن لم تفعل (¬4) يتمم. (¬5) في نسخة: الوضوء. (¬6) لا يخطئ ولا يوسوس، ولا تحدثه نفسه بمشاغل الدنيا بل يخضع ويفكر فيما يقرأ، ويتذكر جلال الله، وأنه واقف بين يديه (أن تعبد الله كأنك تراه) إحسان. (¬7) يفرغ قلبه لإتمام القراءة، وأدائها على الوجه الأكمل، لا يجد الشيطان عليه سبيلا في وساوسه. (¬8) يتجه للقبلة، ويبعد عن الحركات. (¬9) يوزعون زمن الحفظ والرعاية فيأخذ كل قسطه وزمنه. (¬10) في نسخة: فروحناها، أي أحضرناها إلى منازلنا وقت العشاء.

عليهما بقلبه ووجهه، فقد أوجب، فقلت: بخٍ بخٍ (¬1) ما أجود هذه!. رواه مسلم وأبو داود واللفظ له، والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، وهو بعض حديث، ورواه الحاكم إلا أنه قال: ما من مسلمٍ يتوضأ فيسبغ (¬2) الوضوء، ثم يقوم في صلاته فيعلم (¬3) ما يقول إلا انفتل (¬4)، وهو كيوم ولدته أُمُهُ. الحديث، وقال صحيح الإسناد. (أوجب) أي أتى بما يوجب له الجنة. 15 - وعن عاصم بن سفيان الثقفى رضي الله عنه أنهم غزوا غزوة السلاسل ففاتهم الغزو فربطوا ثُمَّ رجعوا إلى معاوية، وعنده أبو أيُّوب، وعقبة بن عامرٍ، فقال عاصم: يا أبا أيوب، فاتنا الغزو العام، وقد أُخبرنا أنه من صلى في المساجد الأربعة غفر له ذنبه، فقال يابن أخى: ألا أدلك على أيسر من ذلك: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ كما أُمر، وصلى كما أُمر. غفر له ما قدم من عمل كذلك يا عقبة. قال: نعم. رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وتقدم في الوضوء حديث عمرو بن عبسة، وفي آخره: فإن هو قام فصلى فحمد الله، وأثنى عليه، ومجدهُ بالذى هو له أهل، وفرغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه. رواه مسلم، وتقدم في الباب قبله حديث عثمان، وفيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها، وخشوعها، وركوعها إلا كانت كفارةً (¬5) لما قبلها من الذنوب ما لم يُؤتِ (¬6) كبيرةً، وكذلك الدهر (¬7) كله. رواه مسلم، وتقدم أيضاً حديث عبادة. ¬

(¬1) كلمة تقال عند المدح والرضا بالشئ، وتكرر للمبالغة، وهى مبنية على السكون كبل، فإن وصلت جررت ونونت. فقلت بخ بخ، وربما شددت، وبخبخت للرجل، إذا قلت له ذلك، ومعناه: تعظيم الأمر وتفخيمه أهـ نهاية. (¬2) يتوضأ وضوءا كاملا تاما. (¬3) يفرغ قلبه وعقله وسمعه وبصره للصلاة، ولا يفكر في شئ غير أداء القراءة كاملة، ويفهم معناها، ويطمئن ويتئد. (¬4) انتهى أمره نقيا، من فتلت الحبل فتلا فانفتل، وهو ما تفلته بين أصابعك من خيط أو وسخ، ويضرب به المثل في الشئ الحقير، وسمى ما يكون في شق النواة فتيلا لكونه على هيئته، قال تعالى: (ولا يظلمون فتيلا). (¬5) مزيلات. (¬6) في نسخة: ما لم تؤت، فعل مضارع مبنى للمجهول، وكبيرة نائب فاعل 133 ع. (¬7) بمعنى أنه إذا حافظ على حسن أداء الصلوات في أوقاتها غفر الله له الصغائر مدة عدم غشيان الكبائر وفعل الموبقات.

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلواتٍ افترضهن الله، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم رُكوعهن، وسجودهن، وخشوعهن كان له على الله عهد (¬1) أن يغفر له، ويأتى في الباب بعده حديث أنس إن شاء الله. ¬

(¬1) إن الله تعالى تفضل أن يطمئن عبده، ويشرح صدره بضمان غفرانه جل وعلا إذا حافظ على أداء الفرائض. قال تعالى: (ومن أوفى بعهده من الله؟). الخلاصة: إن الصلاة ركن الدين وعماده المتين، وعنوان الاستقامة، ومثال الكمال، وباب التقوى، ومعين الإخلاص وشمس الهداية، وكواكب السعادة ونور الإيمان ومنبع العرفان ومجلبة الإحسان، ومظهر الإسلام، وهى تنقى صحيفة المسلم من الذنوب كالمستحم في نهر مراراً، وهى تزيل ما اقترفه الإنسان من الخطايا وتغسل أدران المعاصى، وتطفئ نار غضب الرب تبارك وتعالى، ومن حافظ عليها كما أمر الله أوصلته إلى درجة الصديقين، بل سبق نعيمه الشهداء والصالحين، وتتحات خطايا المصلى كما تقع أوراق الشجرة الذابلة البالية المصفرة غير النضرة الخضراء، وقد بشر صلى الله عليه وسلم بالجنة مدة اجتنابه الكبائر، والمحافظة على صلاة الفجر، نضارة، وصحة واستنشاق النسيم العليل، وذلك ما يدعو إلى البهجة، وطول العمر، وزيادة الرزق، والاستظلال برحمة الله ورعايته طول يومه. هذا إلى أن الملائكة تورد أخبار صلاته إلى ربه كاملة تامة، مستوفاة الأجور، والصلاة مطهرة، وداعية إلى النظافة والطيب، وتجميل الهيئة وتكميلها، واتخاذ الزى الحسن، والدثار البديع، والشعار النظيف، ومن صلى جعل له مع الله سهماً ونصيباً في المعاملة مع خالقه وقد أقسم صلى الله عليه وسلم أن الله يجعل له نصيباً من نعيم الآخرة يوم القيامة، على أن الصلاة أول ما يحاسب عليها العباد، وهى عنوان عمله الصالح أو الطالح لأنها أفضل الأعمال عند الله، وقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان (إذا أردت أن تلقانى فأكثر السجود)، وشاهد مطرف، ونفر من قريش صلاة أبى ذر وإتمام ركوعه وسجوده ابتغاء رفع الدرجات، وكذا نصح أبو الدرداء زائره يوسف رضي الله عنهما بحسن الوضوء والصلاة رجاء مغفرة الله. ويخطب الناس صلى الله عليه وسلم ويدعو إلى صلاة ركعتين بوضوء حسن مفرغاً قلبه ووجهه لربه لينال المصلى الجنة، والصلاة كالجهاد في سبيل الله تعالى: اللهم وفقنا وهب لنا السعادة. أخى: هذا أبو ذر، وأبو الدرداء، وربيعة بن كعب، وأبو فاطمة يكثرون من الصلاة، وهم في الدين الذروة، والقمة في العمل الصالح، وقد نقل لنا رواة الأدب قلا من كثر أعمال أبى فاطمة، وغيضا من فيض خلاله الحميدة وصفاته المجيدة ومع ذلك يقول له السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن أردت أن تلقانى فأكثر السجود) هؤلاء سحابة فضلاء، والإمام على رضي الله عنه مع جلالة قدره، عظيم عمله يشكو من قلة الزاد ويخاف الله. أريد أن أنقل لك بهذه المناسبة وصف الإمام على كرم الله وجهه الذى أجاد ضرار وصفه. قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنى العكلى عن الحرزى عن رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار الصدائى: يا ضرار، صف لي علياً رضي الله عنه؟ قال: اعفنى يا أمير المؤمنين. قال لتصفنه، قال: أما إذا لابد من وصفه، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته وكان والله غزير العبرة طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته =

الترغيب في الصلاة في أول وقتها

الترغيب في الصلاة في أول وقتها 1 - عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله ¬

_ = ولا نبتدئه لعظمته يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوى في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكى بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غرى غيرى، إلى تعرضت أم إلى تشوقت؟ هيهات هيهات. قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك حقير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق، فبكى معاوية رحمه الله وقال: رحم الله أبا الحسن، فلقد كان كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح واحدها في حجرها ص 150 جـ 2 الأمالى. الخشوع في الصلاة وفي إحياء الغزالي: كان على بن أبى طالب كرم الله وجهه إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل، ويتلون وجهه فقيل له: مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملها وأشفقن منها وحملها. ويروى عن على بن الحسين أنه كان إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله: ما هذا الذى يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدى من أريد أن أقوم. ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال داود صلى الله عليه وسلم في مناجاته: إلهى من يسكن بيتك، وممن تتقبل الصلاة؟ فأوحى الله إليه: يا داود إنما يسكن بيتى، وأقبل الصلاة منه - من تواضع لعظمتى وقطع نهاره بذكرى وكف نفسه عن الشهوات من أجلى: يطعم الجائع ويؤوى الغريب ويرحم المصاب فذلك الذى يضوء نوره في السموات كالشمس إن دعانى لبيته وإن سألنى أعطيته، أجعل له في الجهل حلما وفي الغفلة ذكرى وفي الظلمة نوراً وإنما مثله في الناس كالفردوس في أعلى الجنان لا تيبس أنهارها، ولا تتغير ثمارها وروى عن حاتم الأصم رضي الله عنه أنه سئل عن صلاته، فقال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذى أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحى، ثم أقوم إلى صلاتى وأجعل الكعبة بين حاجبى والصراط تحت قدمى والجنة عن يمنى والنار عن شمالى وملك الموت ورائى. أظنها آخر صلاتى، ثم أقوم بين الرجاء والخوف. وأكبر تكبيرا بتحقيق وأقرأ قراءة بترتيل وأركع ركوعا بتواضع وأسجد سجودا بتخشيع وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ظهر قدمها وأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص ثم لا أرى أقبلت منى أم لا؟. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ركعتان مقتصدتان في تفكر أي تأمل خير من قيام ليلة والقلب ساه أهـ ص 135 جـ 1. اشتراط الخشوع وحضور القلب قال صلى الله عليه وسلم: إنما الصلاة تمسكن وتواضع، وحضور القلب روح الصلاة. قال الغزالي: ونعنى به أن يفرغ القلب عن غير ما هو ملابس له، ومتكلم به فيكون العلم بالفعل، والقول مقرونا بهما، ولا يكون الفكر جائلا في غيرهما أهـ، ويتبع ذلك التعظيم والهيبة والرجاء والحياء والخوف بمعنى أن المؤمن يكون معظما لله جل وعلا، وخائفا منه وراجيا له ومستحيياً من تقصيره ولا يلهى عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة، فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر من كل ما يقرع السمع، أو يظهر للبصر، وترك الأمر الباطن من تشعب الهموم في أودية الدنيا فيرد النفس قهرا إلى فهم ما يقرؤه في الصلاة ويشغلها به عن غيره ويتذكر الآخرة وموقف المناجاة، وخطر المقام بين يدي الله سبحانه وتعالى.

عليه وسلم: أىُّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة (¬1) على وقتها، ثم أىُّ؟ قال بر الوالدين (¬2). قلت، ثم أي، قال: الجهاد (¬3) في سبيل الله قال: حدثنى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو استزدته لزدانى. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 2 - وروى عن رجلٍ من بنى عبد القيس يقال له عياضق: أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم: يقول عليكم بذكر (¬4) ربكم، وصلوا صلاتكم في أول وقتكم فإن الله يضاعف (¬5) لكم. رواه الطبراني في الكبير. 3 - وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوقت الأول من الصلاة رضوان (¬6) الله، والآخر عفو الله (¬7). رواه الترمذي والدارقطني. 4 - وروى الدراقطنى من حديث إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبى محذورة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول الوقت رضوان الله، ووسط الوقت رحمة الله وآخر الوقت عفو الله عز وجل. 5 - وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: فضل (¬8) أول الوقت على آخره كفضل الآخرة على الدنيا، رواه أبو منصور الديلمىّ في مسند الفردوس. 6 - وعن رجلٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال شعبة: قال: أفضل العمل الصلاة لوقتها، وبرُّ الوالدين، والجهاد. رواه أحمد، ورواته محتجّ بهم في الصحيح. 7 - وعن أم فروةَ رضي الله عنها، وكانت ممن بايع النبى صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) المحافظة على أداء الصلوات بتؤدة وجماعة. (¬2) إكرام الوالدينّ وطاعتهما والإحسان إليهما، وعدم إزعاجهما؛ أو إساءتهما، أو تكديرهما. (¬3) بذل الهمة لنصر دين الله والدفاع عن الحق والنصيحة ومجاهدة النفس في الطاعات والإغضاء عن الهفوات وأعلاه الحرب مع المسلمين لرد الأعداء عن صدمات الدين والذب عن حياضهم، وإزالة الكيد عنهم. (¬4) الإكثار من قراءة القرآن، وتلاوة الأذكار والاستغفار والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل. (¬5) يزيد أجوركم. (¬6) سبب إحسانه ورحماته. (¬7) مسامحته وغفرانه. (¬8) معناه: أن الثواب الكثير في تأدية الفرض في أول وقته، وزيادة الحسنات تترى. أما الصلاة في آخر الوقت فلا ثواب بل يؤدى الفرض فقط، والدنيا لا فائدة فيها. هى جسر الأعمال الصالحة.

قالت: سُئل النبى صلى الله عليه وسلم أىُّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لأول وقتها. رواه أبو داود، والترمذي، وقال لا يرون إلا من حديث عبد الله بن عمر العمرى. وليس بالقوىّ عند أهل الحديث. واضطربوا في هذا الحديث. (قال الحافظ) رضي الله عنه: عبد الله هذا صدوق حسن الحديث فيه لين. قال أحمد صالح الحديث لا بأس به، وقال ابن معين: يكتب حديثه، وقال ابن عدى: صدوق لا بأس به، وضعّفه أبو حاتم، وابن المدينىّ. وأمّ فروة هذه: هى أخت أبى بكر الصديق لأبيه، ومن قال فيها: أم فروة الأنصارية فقد وَهِم. الترغيب في انتظار الصلاة، والصلاة في أول الوقت 8 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أشهد أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلواتٍ افترضهن الله عز وجل، ومن أحسن وُضوءَهن وصلاهن لوقتهن وأتم رُكوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له على الله عهد (¬1) أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه رواه مالك وأبو داود والنسائي، وابن حبان في صحيحه. 9 - وروى عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن سبعة نفرٍ: أربعةٌ من موالينا (¬2)، وثلاثة من غُرُبنا (¬3) مُسندى ظُهورنا إلى مسجده، فقال: ما أجلسكم؟ قلنا: جلسناننتظر الصلاة، قال: فأرمَّ (¬4) قليلاً: ثم أقبل علينا، فقال: هل تدرون ما يقول ربكم؟ قلنا لا، قال: فإن ربكم يقول: من صلى الصلاة لوقتها، وحافظ عليها، ولم يُضيعها استخفافاً بحقها، فله ¬

(¬1) ميثاق، معناه أخذ من الله جل وعلا ضمانه ووعداً صادقا أن يعفو عنه ويزيل سيئاته، وتارك الصلاة مقصر في حقوق الله وليست عنده كفالة، ورعاية الرضوان من المنتقم الجبار الذى يحاسب على الصغيرة والكبيرة. (¬2) جمع مولى اسم يقع على جماعة كثيرة أي عبيدنا أو أصهارنا أو المعتقين أو أبناء العم أو الجيران أو الناصرين، أو المحبين - والمولى الرب والمالك واليد والمنعم وهكذا، قال تعالى: (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم). (¬3) تغرب واغترب هو غريب جمع غرب بضمتين، والجمع الغرباء: أي الأباعد، واغترب فلان: إذا تزوج لغير أقاربه، وفي الحديث (اغتربوا ولا تضووا) قال في مختار الصحاح: أي تزوجوا في الأجنبيات ولا تتزوجوا في العمومة، وذلك أن العرب تزعم أن ولد الرجل من قرابته يجئ ضاويا نحيفاً غير أنه يجئ كريما على طبع قومه. الضوى: الهزال. أهـ في نسخة عرينا 134 ع. (¬4) في نسخة (فأزم) كما ترى قال في النهاية في حديث الصلاة أنه قال: (أيكم المتكلم فأزم القوم) أي أمسكوا عن الكلام كما يمسك الصائم عن الطعام، ومنه سميت الحمية أزما أهـ.

على عهدٌ أن أُدخله الجنة، ومن لم يصلها لوقتها، ولم يُحافظ عليها، وضيعها استخفافاً بحقها، فلا عهد له على، إن شئت عذبته، وإن شئت غفرت له (¬1). رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وأحمد بنحوه. (أرَمَّ) هو بفتح الراء وتشديد الميم: أي سكت. 10 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم مَرَّ على أصحابه يوماً، فقال لهم: هل تدرون (¬2) ما يقول ربكم تبارك وتعالى؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قالها ثلاثا، قال: وعزتى وجلال لا يُصليها أحدٌ لوقتها، إلا أدخلته الجنة، ومن صلاها بغير وقتها، إن شئت رحمته، وإن شئت عذبته. رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن إن شاء الله تعالى. 11 - وروى عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الصلوات لوقتها، وأسبغ لها وضوءها، وأتم لها قيامها وخشوعها وركوعها وسجودها، خرجت وهي بيضاء مسفرةٌ (¬3) تقول حفظك الله كما حفظتنى، ومن صلاها لغير وقتها، ولم يُسبغ لها وضوءها، ولم يُتم لها خشوعها، ولا رُكوعها، ولا سجودها، خرجت وهى سواء مُظلمة، تقول: ضيعك الله كما ضيعتنى، حتى إذا كانت حيث شاء الله لُفَّتْ كما يُلفُّ الثوب الخلق (¬4)، ثم ضُرب (¬5) بها وجهه. رواه الطبراني في الأوسط، وتقدم في باب الصلوات الخمس حديث أبى الدرداء وغيره. ¬

(¬1) عفوت عنه. ويل لك يا تارك الصلاة تعيش في الدنيا وتكد وتتعب لتنال رغد الحياة وتسعى إلى مرضاة مخلوق مثلك وتتذبذب إلى قربه وتجيب طلبه والله تعالى يأمرك بالصلاة وجعلها ضمانة ونجاة لك من النار وأنت تهمل وتكسل وتتهاون فلا حول ولا قوة إلا بالله. (¬2) هل تعلمون؟ يقص رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه حديثا قدسياً عن الرب تبارك وتعالى، ويقسم الرب جل وعلا بعظمته وجبروته إن الصلاة الكاملة وصلة للجنة ومفتاح للرحمة ودليل القبول ومجلب الرضا والخيرات (من أصدق من الله قيلا؟) أي عذر لك أيها الملحد الزنديق الذى يتبجح في ترك الصلاة ويقول. (الدين معاملة - وحسبى عدم إضرار أحد) نعم الدين المعاملة، وهل تجد سعادة أكثر من حسن المعاملة مع الخالق جل وعلا، وقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة ضمانة من غضب القهار الجبار الرقيب المجيب: تب إلى الله يا أخى، وحافظ على الصلاة وقو العزيمة في طاعة الله عسى أن تنجح وتربح. (¬3) أي بينه مضيئة، ومنه حديث عمر: صلوا المغرب والفجاج مسفرة. (¬4) ملحفة خلق، وثوب خلق: أي بال. (¬5) في نسخة: يضرب؛ أي ردت عليه أعمال فصفع بها وآلمته. وأريد أن أنقل إليك شعر أبى العتاهية وتجاربه في الحياة، ولعل الصلاة تقلل من متاعب الدنيا، وتؤنس =

الترغيب في صلاة الجماعة، وما جاء فيمن خرج يريد الجماعة فوجد الناس قد صلوا

الترغيب في صلاة الجماعة وما جاء فيمن خرج يريد الجماعة فوجد الناس قد صلوا 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في جماعةٍ تضعف (¬1) على صلاته في بيته، وفي سوقه (¬2)، خمساً وعشرين ¬

= الإنسان في قبره، وتطرد عنه الوحشة، وحسبك أنها العهد الذى يقيك سوءا، قال المعمرى: أخبرنى إسحق قال: رأيت أنا العتاية واقفاً طرف المقابر، وهو ينشد: ننافس في الدنيا ونحن نعيبها ... وقد حذرتناها لعمرى خطوبها وما نحسب الأيام تنقص مدة ... بلى إنها فينا سريع دبيبها كأنى برهطى يحملون جنازتى ... إلى حفرة يحثى عليها كثيبها فكم ثم من مسترجع متوجع ... ونائحة يعلو على نحيبها وباكية تبكى على وإننى ... لفي غفلة عن صوتها ما أجيبها أيا هاذم اللذات ما منك مهرب ... تحاذر نفسى منك ما سيصيبها ص 70 نوادر الأمالى. هذا شاعر في الدولة العباسية منذ مئات السنين عرف أن الدنيا فانية، وعمادها صالح الأعمال. الراكعون الساجدون صفتان للمؤمنين الذين ضمن الله لهم الجنة في قوله تعالى. أ - (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهد من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم. التائبون العابدون الحامدون السائحون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين) 114 من سورة التوبة. التائبون من أهل الجنة، وإن لم يجاهدوا والذين عبدوا الله مخلصين له الدين، والشاكرون لنعمائه، والمثنون على الله في السراء والضراء والصائمون لقوله صلى الله عليه وسلم: (سياحة أمتى الصوم أو المجاهدون أو طالبو العلم) والناصحون: الراعون إلى الإيمان والطاعة والمنفرون من القبائح والمتبعون الحقائق والشرائع. ب - قال الله تعالى: (وأقم الصلاة لذكرى) وقال تعالى: جـ - (ولا تكن من الغافلين) وقال تعالى. د - (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون). وقال صلى الله عليه وسلم للذى أوصاه: (وإذا صليت فصل صلاة مودع) أي مودع لنفسه مودع لهواء مودع إلى عمره، سائر إلى مولاه كما قال الله عز وجل: هـ (واتقوا الله ويعلمكم الله) وقال تعالى: و- (واتقوا الله واعلمو أنكم ملاقوه). وقال صلى الله عليه وسلم: (من لم تنه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً) والصلاة مناجاة، فكيف تكون مع الغفلة، وقال تعالى: ز - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) 277 من سورة البقرة. قدم الله العمل الصالح، ثم خص إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة لأنهما مقدمتا القبول وركناه - هذا عهد الله لا يخافون من آت، ولا يحزنون على فائت، اللهم اجعلنا منهم تكرما. (¬1) تزيد مراراً. (¬2) محل البيع والشراء.

ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يُخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوةً إلا رفعت له بها درجة (¬1)، وحط عنه بها خطيئةٌ، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلى (¬2) عليه ما دام في مصلاة ما لم يُحدِثْ (¬3): اللهم صَلِّ (¬4) عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاةٍ ما انتظر (¬5) الصلاة. رواه البخاري، واللفظ له، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ (¬6) بسبعٍ وعشرين درجة. رواه مالك والبخاري ومسلم، والترمذي، والنسائي. 3 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: من سرَّهُ أن يلقى الله غداً (¬7) مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى (¬8) بهن، فإن الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى (¬9) وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلى هذا المتخلف في بيته، لتركتم سُنةَ نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم (¬10)، وما من رجلٍ يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجدٍ من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوةٍ يخطوها حسنةً، ويرفعه، بها درجة، ويحط عنه ¬

(¬1) منزله، زاده رفعة وكمالا، وأزال عنه سيئة تفضلا وتكرما. قال النووي يختلف ذلك باختلاف أحوال المصلين والصلاة، فيكون لبعضهم خمس وعشرون، ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة، ومحافظته على هيئاتها وخشوعها، وكثرة جماعتها، وفضلهم، وشرف البقعة. والمختار أن الجماعة فرض كفاية، وقيل سنة أهـ ص 151 جـ 5. (¬2) تدعو له مدة وجوده في مكان صلاته متطهرا. (¬3) ينتقض وضوؤه. (¬4) أي ترحم وبارك، ومعنى اللهم صلى على محمد: أي عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته - وقيل: المعنى لما أمرنا الله سبحانه وتعالى بالصلاة عليه، ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله، وقلنا: اللهم صل أنت على محمد لأنك أعلم بما يليق به أهـ نهاية. ص 273. (¬5) مدة انتظاره للصلاة. (¬6) الفرد: معناه ركعة جماعة تزيد في ثواب أدائها عند الله بسبع وعشرين حسنة عن ركعة بلا جماعة، فمن أراد زيادة الحسنات ومضاعفة الأجور في الركعات فعليه بالجماعات، وحذار أن يصلى وحده خشية أن يقل ثواب صلاته، ويتأخر عن كسب المحامد والفضائل. (¬7) يوم القيامة، وعبر بغدا لأنه في المستقبل، ولا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وليسرع المسلم بالتوبة، والطاعة والعمل الصالح لأنه قريب من الموت. * والموت أدنى من شراك نعله * (¬8) يؤذن لهن، ويحين الوقت. (¬9) طرائق الهدى والصواب. (¬10) لحدتم عن الجادة ولملتم عن الصواب.

بها سيئةً، ولقد رأيتنا، وما يتخلف عنها (¬1) إلا مُنافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادى (¬2) بين الرجلين يُقام في الصف. وفي رواية: لقد رأيتنا، وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد عُلم نفاقه (¬3) أو مريضٌ، إن كان الرجل ليمشى بين رجلين حتى يأتى الصلاة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سُنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذى يُؤذن فيه. رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. (قوله يهادى بين الرجلين): يعنى يرفد من جانبه ويؤخذ بعضده يمشى به إلى المسجد. 4 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل صلاة الرجل في الجماعة على صلاته وحده بضع وعشرون درجةً. وفي رواية: كُلها مثل صلاته في بيته. رواه أحمد بإسناد حسن، وأبو يعلى والبزار والطبراني، وابن خزيمة في صحيحه بنحوه. ¬

(¬1) في نسخة: عن الصلاة، والمنافق: الكذاب المذبذب الذى لا يخشى الله ولا يرعى الحق، وليس له ضمير يحاسبه أو يؤنبه، ولا يزجر نفسه عن غيرها، ويتقى ضرر الناس، ولا يتقى عقاب الله، وهو المرائى المحتال النصاب. (¬2) من شدة ضعفه يتساند على اثنين ويتحمل تعب الذهاب إلى المسجد حباً في ثواب الله. (¬3) خروجه عن الشريعة من باب ودخوله فيها من باب، وعلى ذلك قوله تعالى: (إن المنافقين هم الفاسقون) والنفق: الطريق النافذ، والسرب في الأرض النافذ فيه، ومنه النفاق، وقد جعل الله المنافقين شرا من الكافرين فقال تعالى: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً، إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً) 147 من سورة النساء. لعلك فهمت يا أخى أن ترك الصلاة نفاق مع الله الذى لا تخفى عليه خافية، لأن المجرم الفاسق يحمد الله على نعمائه، ويشكره على رخائه، ويتحدث بخيرات الله عليه، ولكنه عاص لا يؤدى ما أمره الله. اقرأ سيرة ساداتنا الأنبياء والمرسلين، والأولياء الصالحين تعرف مقدار تقربهم إلى ربهم بالطاعة، والصلاة عنوانها، وقارن بين أبناء هذا العصر سنة 1352 هـ تجد قوما مسلمين ولا يصلون، وأخشى أن أولئك قد يصدق عليهم قوله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) أي عقب الصالحين وجاء بعد المتقين عقب سوء تركوا الصلاة، أو أخروها عن وقتها ومالوا إلى الشهوات ولبوا داعى الشيطان فشربوا الخمر وهتكوا العروض وفعلوا القبائح وانهمكوا في المعاصى وحرموا من ضمان الله، وأوعدهم ربهم شرا وأتعدهم ضررا: فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغى لائما والآية تشمل الكفرة وغيرهم، ولكن الله تعالى استثنى (إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً، جنات عدن التى وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا) 61 من سورة مريم.

الترغيب في صلاة الجماعة وأعمال ترفع الدرجات الخ 5 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تبارك وتعالى ليعجب (¬1) من الصلاة في الجمع. رواه أحمد بإسناد حسن، وكذلك رواه الطبراني من حديث ابن عمر بإسناد حسن. 6 - وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاةٍ مكتوبةٍ فصلاها مع الإمام غفر له ذنبه. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 7 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتانى الليلة آتٍ من ربى. وفي روايةٍ: رأيت ربى (¬2) في أحسن صورةٍ، فقال لى: يا محمد. قلت: لبيك (¬3) رب وسعديك. قال: هل تدرى (¬4) فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أعلم، فوضع يده بين كتفى حتى وجدت بردها بين ثديي، أو قال: في نحرى، فعلمت ما في السموات وما في الأرض، أو قال: ما بين المشرق والمغرب. قال: يا محمد أتدرى فيم يختصم الملأُ الأعلى؟ قلت: نعم. في الدرجات، والكفارات، ونقل الأقدام إلى الجماعات. وإسباغ الوضوء في السبرات، وانتظار الصلاة، بعد الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخيرٍ ومات بخيرٍ، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه. قال: يا محمد! قلت: لبيك وسعديك، فقال: إذا صليت قل أللهم إنى أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنةً (¬5) فاقبضنى إليك غير مفتون. قال: والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. ¬

(¬1) يرضى وثيب ويعظم ذلك عنده. (¬2) قال علماء التوحيد: تجوز رؤية الله تعالى في المنام، وقد رآه جل جلاله الصالحون، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وغيره، ويراه تعالى بصورة لا تحد، ولا تكيف ولا تحصر ولا تقيد .. من (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير). (¬3) إجابة بعد إجابة، وإسعادا بعد إسعاد. (¬4) هل تعلم منافسة المقربين الأبرار أيهم يسبق بكتابة أفعال الخير المذكورة في الحديث؟. (¬5) بلاء ومحنة واختبار العباد بكثرة النعيم والترف وزهرة الدنيا، والغفلة عن الله، والميل إلى الدنايا.

(الملأ الأعلى): هم الملائكة المقربون. (والسبرات): بفتح السين المهملة، وسكون الباء الموحدة، جمع سبرة، وهى شدة البرد. 8 - وعن أبي أمامه رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لو يعلم هذا المتخلف عن الصلاة في الجماعة ما لهذا الماشى إليها لأتاها ولو حبواً (¬1) على يديه ورجليه. رواه الطبراني في حديث يأتى بتمامه في ترك الجماعة إن شاء الله تعالى. 9 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى لله أربعين يوما في جماعة يُدرك التكبيرة الأولى كُتب له براءتان (¬2): براءة من النار، وبراءة من النفاق. رواه الترمذي، وقال: لا أعلم أحداً رفعه إلا ما روى مسلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو. (قال المُملى) رضي الله عنه: ومسلم وطعمة وبقية رواته ثقات، وقد تكلمنا على هذا الحديث في غيره هذا الكتاب. 10 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: من صلى في مسجدٍ جماعةً أربعين ليلة لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء. كتب الله له بها عتقاً من النار. رواه ابن ماجه واللفظ له، والترمذي وقال نحو حديث أنس: يعنى المتقدم، ولم يذكر لفظه، وقال: هذا الحديث مرسل. يعنى أن عمارة ابن غزية الراوى عن أنس لم يدرك أنسا، وذكره رُزَين العبدرى في جامعه، ولم أره في شئ من الأصول التى جمعها، والله أعلم. ¬

(¬1) أي يمشى على يديه وركبتيه أو استه، وحبا البعير: إذا برك، ثم زحف من الإعياء، وحبا الصبى: إذا زحف على أسته. (¬2) جائزتان. أولا: العتق من النار والنجاة منها. ثانياً: السلامة من النفاق، والتذبذب في آداب الدين وطهارة القلب لله، والإقبال على طاعة الله بإخلاص، ونور ... يودع في الصدر يستضئ به المؤمن، فيتخلى عن الرذائل، ويترك صغائر الذنوب وكبيرها ولا تنس (يدرك التكبيرة الأولى) و (40 يوما) شرطان لزيادة الإيمان والفوز بالجنة، والرعاية تحت ضمان الله، والتنقية من النفاق، والإبعاد عن الدنيا، وسفاسف الأمور وحقيرها، وتمكن في قلبه حب الفضائل، واتباع الكتاب والسنة، فتحيا الثقة بالله، ويتجدد الاعتماد عليه ويهدأ باله، ويطمئن روعه إلى قضاء الله وقدره، وتنفتح له الحكمة ويلهم الرشاد ويوفق للصواب. فعليك أخى بالمحافظة على صلاة الجماعة في المسجد، وإدراك التكبيرة مع الإمام عسى أن يفتح الله علينا، ويرزقنا السعادة.

الترغيب في كثرة الجماعة

11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح (¬1) فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. رواه أبو داود والنسائي والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وتقدم في باب المشى إلى المساجد حديث سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فذكر الحديث، وفيه: فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى المسجد، وقد صلوا بعضاً، وبقى بعضٌ صلى ما أدرك، وأتم ما بقى كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك. الترغيب في كثرة الجماعة 1 - عن أُبى بن كعب رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الصبح فقال: أشاهدٌ (¬2) فلانٌ؟ قالوا: لا. قال: أشاهدٌ فلانٌ؟ قالوا: لا. قال: إن هاتين الصلاتين أثقل (¬3) الصلوات على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأتيتموها، ولو حبواً (¬4) على الركب وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى (¬5) من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وكل ما كثر فهو أحبُّ إلى الله عز وجل. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم، وقد جزم يحيى ابن معين والذهلى بصحة هذا الحديث. ¬

(¬1) أتى المسجد ليلا من راحت الماشية بالعشى تروح: أي رجعت وسرحت الماشية بالغداة من غدا يغدو، ضد راح يروح، ومنه: من غدا إلى المسجد أو راح: أي ذهب صباحاً أو مساء، فأنت ترى أنك تحضر جماعة المسجد وإن تأخرت فأتمم ما فاتك بعد أن تتبعهم، وتنوى معهم. والله يتفضل فيساوى ثوابك بثوابهم وحسناتك بحسناتهم تكرما منه، وخزائنه لا تنفد ورحمته تترى. وحذار أن تكسل عن مشاهدة جماعة المسجد فتحرم من الخير الكثير والثواب الوفير. (¬2) أحاضر؟ (¬3) إدراكهن صعب على من نقص إيمانه وضعف إسلامه واشتهر بين المسلمين بتزحزح العقيدة وإلحاده وتباعده عن اتباع الكتاب والسنة وتقصيره عن درك الثواب الجزيل وكسب المحامد والمحاسن والحسنات. (¬4) زاحفين: أي تحرصون على الحضور ولو أعياكم المشى فتزحفون. (¬5) أتقى وأطهر؛ والجماعة من اثنين: إمام ومأموم أو أكثر.

الترغيب في الصلاة في الفلاة

2 - وعن قُباثِ بن أشيمٍ الليثىِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجلين يؤُّمُ أحدهما صاحبه أزكى (¬1) عند الله من صلاة أربعةٍ تترى، وصلاة أربعةٍ أزكى عند الله من صلاة ثمانيةٍ تترى، وصلاة ثمانيةٍ يؤمهم (¬2) أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائةٍ تترى. رواه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به. الترغيب في الصلاة في الفلاة (قال الحافظ) رحمه الله: وقد ذهب بعض العلماء إلى تفضيلها على الصلاة في الجماعة. 1 - وعن أبي سعيدٍ الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاةُ في الجماعة (¬3) تعدل خمساً وعشرين صلاةً، فإذا صلاها في فلاةٍ (¬4) فأتم رُكوعها وسجودها بلغت خمسين صلاةً. رواه أبو داود، وقال: قال عبد الواحد ابن زياد في هذا الحديث. صلاةُ الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة. رواه الحاكم بلفظه وقال صحيح على شرطهما، وصدر الحديث عند البخاري وغيره، ورواه ابن حبان في صحيحه، ولفظه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في جماعةٍ تزيد على صلاته وحده بخمسٍ وعشرين درجة، فإن صلاها بأرضٍ رقى فأتم رُكوعها وسجودها تُكتبُ صلاته بخمسين درجة. (ألقّى) بكسر القاف وتشديد الياء: هو الفلاة كما هو مفسر في رواية أبى داود. 2 - وروى عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) أكثر ثوابا، وأطهر وأطيب. (¬2) في نسخة: يؤم، يلى بهم جماعة. (¬3) ركعة جماعة تزيد في الثواب على ركعة بلا جماعة خمسا وعشرين حسنة. (¬4) مفازة، والجمع فلى وفلوات. والمعنى أن الصلاة في أرض منقطعة عن الغوغاء والجلبة، ومنعزلة عن الناس وفيها يتفرغ القلب لإتمام صلاته بخشوع يضاعف ثوابها عن أداء صلاة في سوق أو في وسط شاغل ولهو وحديث مشتت الفكر. يحث صلى الله عليه وسلم على الخلوة. وأرى أن هذا بقدر إقامة شعائر الله وإظهارها والإخلاص له في الصلاة بمعنى أنك تسمع النداء فتهرع إلى المسجد، وتصلى الفرض مع الإمام، وتدرك التكبيرة الأولى معه ثم تذهب إلى بيتك أو محل عملك وتصلى ما شاء بخشوع وانقطاع عن الناس وعزلة تامة وتحضر قلبك في صلاتك لتنال الأجر المضاعف. كذا يضاعف الله لك أجر الصلاة إذا أقمتها ودعوت الناس إليها وهم غافلون عنها، أو ذهبت إلى بلاد غير المسلمين فتصلى وتعلم الناس الإسلام، وآدابه، وأركانه.

ما من بقعةٍ يذكر الله عليها بصلاة أبو بذكرٍ إلا استشرفت بذلك إلى منتهاها إلى سبع أرضين، وفخرت على ما حولها من البقاع، وما من عبدٍ يقوم بفلاةٍ من الأرض يريد الصلاة إلا تزخرفت له الأرض (¬1). رواه أبو يعلى. 3 - وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان الرجل بأرض قِيٍّ فحانت الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد ماء فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ملا يُرى طرفاه (¬2). رواه عبد الرازق عن ابن التيمى عن أبيه عن أبي عثمان النهدىّ عن سلمان. وتقدم حديث عقبة بن عامر عن النبى صلى الله عليه وسلم: يعجب (¬3) ربك من راعى غنمٍ في رأس شظيةٍ (¬4) يؤذن بالصلاة، ويصلى فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدى هذا يُؤذن، ويقيم الصلاة يخاف منى، قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة. رواه أبو داود والنسائي. وتقدم في الأذان. ¬

(¬1) النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في الصلاة في أي مكان: أي تستبشر به الأرض وتتزين وبتجلى عليه رضوان الله تعالى، وفى ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلى، منها جعلت لى الأرض مسجداً وطهورا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل) دين ثابت الأركان وقيم .. يحث على عبادة الله أين سار وأنى شاء، فلا يصح تأخير الصلاة حتى يعثر على مسجد. أريت صلاة النصارى، وهى مقيدة في كنائسهم؟ وصلاة المسلمين في أي بقعة بل إذا كانت في خلوة أو صحراء ضاعف الله ثوابها بقدر إخلاص المصلى ونيته، وبعده عن الرياء. بل تفضل الله وجعل بدل الماء ترابا طهورا يتيمم به، ويرسل سبحانه وتعالى مأمومين من الملائكة وطائفة من جنوده تكون صفين، قال تعالى: (وما يعلم جنود ربك إلا هو). (¬2) لا يعلم مدى هذين الصفين ونهايتهما إلا الخالق جل وعلا، فأنت ترى الترغيب في الصلاة في الصحارى والحقول والمراعى وكل الجهات النائية عن المدينة والحاضرة رجاء أن يصلى المصلون، وعليهم إتمام الركوع والسجود، وباقى الأركان ويخلصون، والله تعالى يضاعف لهم الأجر. أما تأخيرها فحرام وكبيرة. (¬3) يعظم ثواب هذا العمل عند ربك جل وعلا، ويحيطه بالرحمة والغفران. (¬4) قطعة مرتفعة في رأس الجبل - والشظية: الفلقة من العصا ونحوها والجمع الشظايا من التشظى التشعب والتشقق. رجل يبتعد عن الناس، وعن لهوهم والقيل والقال ويخدم ماشيته ويعيش من كسب طيب ويؤدى حقوق الله كما أمر الله، ومنها أن يؤذن إذا حان وقت الصلاة ويكبر الله ويثنى عليه ويدعو الناس إلى الفلاح والصلاة فيقول الله تعالى لملائكته (انظروا إلى عبدى) يرشدهم إلى جليل حكمته، ويشير إلى قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) إن الملائكة تعجبوا من أن يستخلف لعمارة الأرض وإصلاحها من يعصى الله فيها كما أخبرهم جل شأنه، وإن ثمرة أعمال هذا الراعى غفران وجنة.

الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعة، والترهيب من التأخر عنهما

الترغيب في صلاة العشاء والصبح خاصة في جماعة والترهيب من التأخر عنهما 1 - عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول من صلى العشاء في جماعةٍ فكأنما قام نصف الليل (¬1)، ومن صلى الصبح في جماعةٍ فكأنما صلى الليل كله (¬2). رواه مالك ومسلم واللفظ له وأبو داود، ولفظه من صلى العشاء في جماعةٍ كان كقيام نصف ليلةٍ، ومن صلى العشاء والفجر في جماعةٍ كان كقيام ليلةٍ، رواه الترمذي كرواية أبى داود، وقال: حديث حسن صحيح، قال ابن خزيمة في صحيحه: باب فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة وبيان: 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أثقل صلاةٍ (¬3) على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما، ¬

(¬1) في رواية - كان كقيام نصف ليلة، والمعنى أن الذى يدرك الركعة الأولى مع إمام المسجد، وصلى بتؤدة وختم الصلاة وسبح وحمد وكبر وصلى الوتر والسنن ثم قضى ليله في مباح وطاعة أو نوم ليبكر إلى عمله فكأنه استيقظ من نومه وعبد الله نصف ليله وله ثواب المتهجد القائم، وفضل الله لا حد له وخزائنه لا تنفد. (¬2) كذلك إذا صلى الفجر في جماعة مع إمام المسجد. وجلس على طهارة يسبح الله حتى تطلع الشمس أعطاه الله ثواب من قام لليل كله يتهجد ويذكر ويسبح - وفيه الترغيب في إدراك جماعة العشاء والفجر والذهاب إلى المسجد إلى أدائهما. أخى إذا أردت أن تتقرب إلى الله، فعليك بالمحافظة على صلاتهما، واحذر أن تطيل السهر وتداوم على كثرة السمر في غضب الله واللهو، وما تأخر العالم الإسلامى إلا بالمسامرة، وغشيان المقاهى والفسوق ومشاهدة أمكنة الخيالة الضارة بالأخلاق الساحرة عقول الشباب، ولاينامون إلا إذا فات نصف الليل أو أكثر وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح (نم مبكراً وقم مبكراً) ولذا حث صلى الله عليه وسلم على المواظبة على هذين الوقتين. (¬3) في نسخة: أثقل الصلاة، والمعنى أصعبها وأشدها على النفوس لأن وقت الذهاب إلى أدائهما مظلم ويأخذ المصلى في النوم، وهو حلو لذيذ المذاق مريح النفس: ولا يشعر بهذا الألم والثقل إلا الذين قل إيمانهم وضعف إسلامهم، وتذبذبت عقيدتهم.

ولو حبواً (¬1)، ولقد هممت أن آمُرَ بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً (¬2) فيصلى بالناس، ثم انطلق معى برجالٍ معهم حزم من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة فأُحرق عليهم بيوتهم بالنار. رواه البخاري ومسلم. 3 - وفي روايةٍ لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ناساً في بعض الصلوات فقال: لقد هممت أن آمر رجلا يصلى بالناس، ثم أخالف (¬3) إلى رجال يتخلفون (¬4) عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم، ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها، يعنى صلاة العشاء، وفي بعض روايات الإمام أحمد لهذا الحديث: لولا ما في البيوت من النساء والذرية أقمت صلاة العشاء، وأمرت فتيانى يُحرقون ما في البيوت بالنار. 4 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن (¬5). رواه الطبراني وابن خزيمة في صحيحه. 5 - وعن رجل من النخع قال: سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه حين حضرته الوفاة قال: أُحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمعت رسول الله ¬

(¬1) الحبو: حبو الصبى الصغير على يديه ورجليه، معناه: لو يعلمون ما فيهما من الفضل والخير، ثم لم يستطيعوا الإتيان إليهما إلا حبوا لحبوا إليهما، ولم يفوتوا جماعتهما في المسجد - ففيه الحث البليغ على حضورهما أهـ نووى ص 154 جـ 5. (¬2) قال النووي فيه أن الإمام إذا عرض له شغل يستخلف من يصلى بالناس وإنماهم بإيتانهم بعد إقامة الصلاة لأن بذلك الوقت يتحقق مخالفتهم وتخلفهم فيتوجه اللوم عليهم، وفيه جواز الانصراف بعد إقامة الصلاة لعذر أهـ. (¬3) أذهب إليهم، وأجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة، والغال من الغنيمة واختلاف السلف والجمهور علىمنع تحريق متاعهما - أدب جم يا رسول الله، أنت الملك المسيطر في عصرك، والإمام المطاع وتحلم على المنافقين وتصبر على العاصين وتشرع في عقابهم وتسامح لله وتصفح لله وتغضب لله - فياتاركي الصلاة إن لم تصلوا الآن، فمثلكم مثل المنافقين مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينفعكم إسلامكم الناقص هذا الركن. (¬4) قال النووي: إن هؤلاء المتخلفين كانوا منافقين، وسياق الحديث يقتضيه فإنه لا يظن بالمؤمنين من الصحابة أنهم يؤثرون العظم السمين على حضور الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مسجده ولأنه لم يحرق. بل هم به ثم تركه أهـ. (¬5) يتحدث بن عمر رضي الله عنهما نقصان إيمان المتخلف عن المواظبة على صلاتى الفجر والعشاء جماعة وتزول الثقة منه ويحاط بالشكوك، وعدم الأمانة ويخشى من ظلمه وتعديه، ولا يؤمن، ولا يصاحب ولا يساعد، ويظن به شرا.

صلى الله عليه وسلم يقول: اعبد الله كأنك تراه (¬1)، فإن لم تكن تراه فإنه يراك واعدد نفسك من الموتى (¬2)، وإياك ودعوة المظلوم فإنها تستجاب، ومن استطاع منكم أن يشهد الصلاتين: العشاء والصبح ولو حبواً فليفعل. رواه الطبراني في الكبير. وسمى الرجل المبهم جابراً، ولا يحضرنى حاله. 6 - وروى عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى العشاء في جماعة فقد أخذ بحظهِ (¬3) من ليلة القدر. رواه الطبراني في الكبير. 7 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: من صلى في مسجدٍ جماعة أربعين ليلة لا تفوته (¬4) الركعة الأولى من صلاة العشاء كتب الله له بها عتقاً من النار (¬5). رواه ابن ماجه والترمذي ولم يذكر لفظه، وقال: هو حديث مرسل، يعنى أن عُمارة بن غزية، وهو المازنى لم يدرك أنساً. 8 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ (¬6) ثم أتى المسجد فصلى ركعتين قبل الفجر، ثم جلس حتى يصلى الفجر كُتبت صلاته يومئذٍ في صلاة الأبرار (¬7) وكتب في وفد (¬8) الرحمن (¬9). رواه الطبراني عن القاسم أبى عبد الرحمن عن أبي أُمامة. ¬

(¬1) تصور جلاله وعظمته ومراقبته. (¬2) أي انتظر الموت في كل وقت فأحسن واعمل صالحا ولا تظلم وخف من المظلوم أن يدعو عليك، فيغضب ربك، وينتقم منك. (¬3) بنصيبه، معناه: الذى أدرك جماعة العشاء عظم ثوابه وزاد أجره وكثرت حسناته ونال شيئاً من رحمة الله ورضوانه. لماذا؟ لأن وقت العشاء وقت ظلمة وأكل ولهو، فمن ترك ملذاته، وذهب إلى أداء حق الله في المسجد جماعة قبل عمله وأجاب دعاءه ورضى عنه وتجلى عليه ببركاته. (¬4) لا يتأخر عن إدراك زمن الركعة الأولى مع الإمام. (¬5) المحافظة على الجماعة في هذه المدة تجعل له براءة ونجاة من جهنم والعياذ بالله. بمعنى أن قلبه يطمئن للإيمان ويسعى لمرضاة الخالق جل وعلا ويعمل صالحا ويهتدى ويتجنب كل المحارم ويستقيم. (¬6) لا فرق بين أن يتوضأ في بيته إذا أمكن، أو يتوضأ في مكان الوضوء من المسجد، والمعنى من تطهر وتوضأ، واستعد للوقوف بين يدى الخالق القادر جل وعلا. (¬7) جمع بر: للأولياء والزهاد والعباد قال تعالى: (إن الأبرار لفى نعيم وإن الفجار لفى جحيم). (¬8) قادمين وافدين عليه تعالى كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين لكرامتهم وإنعامهم. (¬9) ربهم الذى غمرهم برحمته ونعمه، قال تعالى: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا، ونسوق المجرمين =

الترغيب في صلاة الصبح في جماعة وبيان ما لها من الفضل 9 - وعن أُبى بن كعبٍ رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: أشاهد فلانٌ؟ قالوا: لا قال: أشاهد فلانٌ؟ قالوا: لا. قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لاتيتموها (¬1) ولو حبواً على الرُّكب، الحديث. رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وتقدم بتمامه في كثرة الجماعة. 10 - وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قالك من صلى الصبح في جماعةٍ فهو في ذمة الله تعالى (¬2). رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. 11 - ورواه أيضاً من حديث أبى بكر الصديق رضي الله عنه، وزاد فيه: فلا تُحفروا (¬3) لله في عهده، فمن قتله طلبه (¬4) الله حتى يكبه في النار على وجهه. رواه مسلم من حديث جندب، وتقدم في الصلوات الخمس. (يقال) أحفرت الرجل بالخاء المعجمة: إذا نقضت عهده. 12 - وروى عن سلمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من غدا (¬5) إلى صلاة الصبح غدا براية الإيمان، ومن غدا (¬6) إلى السوق غدا براية الشيطان. رواه ابن ماجه. ¬

= إلى جهنم وردا، لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) 87 من سورة مريم. ألا تحب يا أخى أن تكون ضيف الله الكريم الجليل. إن ثمن ذلك صلاة ركعتين قبل الفجر، كما قال صلى الله عليه وسلم فلماذا تتأخر أيها المسلم؟ جدد عزيمتك على المحافظة عليهما: إن الإنسان في خطأ كبير يكدح ويكدح ويتعب في إدراك شئ من الدنيا، وهو فان زائل، ولكن العمل الصالح يبقى أثره في الدنيا والآخرة. والله تعالى يسوق المقصرين الفاسقين إلى جهنم كما تساق البهائم عطاشا، وتاركوا الصلاة في حيرة، وعذاب لا شفيع لهم، وهل فهمت الاستثناء (إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) قال البيضاوى، إلا من تحلى بما يستعد به، ويستأهل أن يشفع للعصاة من الإيمان، والعمل الصالح على ما وعد الله تعالى - أو إلا من اتخذ من الله إذنا فيها لقوله تعالى: (لاتنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن) - وقيل: الضمير للمجرمين أي لا يملكون الشفاعة فيهم إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا يستعد به أن يشفع له بالإسلام أهـ ص 439. (¬1) في نسخة: لأتوهما. (¬2) ضمان الله وعهده ورحمته ورعايته. (¬3) تخونوا وتقصروا. (¬4) في نسخة: قتله طالبه. (¬5) ذهب صباحا يظله لواء الإيمان، وترفرف عليه شارة القبول والرضوان وشرح الله صدره، وبارك في عمله يوم كله، وأمده بحفظه ورعايته، وأحاطه بسياج عدله وحكمته ورشده. (¬6) ذهب صباحا إلى محل البيع والشراء، وترك أداء الصبح استظله الشيطان بالغواية والضلال والإضلال =

صلاة الصبح في جماعة والمشى في الظلم 13 - وروى عن مَيْتَمٍ: رجلٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بلغنى أن الملك (¬1) يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخل بها منزله، وإن الشيطان يغدو برايته (¬2) إلى السوق مع أول من يغدو فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخلها منزله. رواه ابن أبى عاصم، وأبو نعيم في معرفة الصحابة وغيرها. 14 - وعن أبي بكر بن سليمان بن أبى خيثمة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سليمان بن أبى خيثمة في صلاة الصبح، وإن عُمر غدا (¬3) إلى السوق، ومسكن سليمان بين المسجد والسوق، فمرَّ على الشفاء أم سليمان، فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟ فقالت له: إنه بات يُصلى (¬4) فغلبته عيناه. قال عمر له: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعةٍ أحبُّ إلى من أن أقوم ليلة. رواه مالك. 15 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد لقى الله عز وجل بنورٍ يوم القيامة (¬5). رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن، ولابن حبان في صحيحه نحوه. ¬

= وسلط عليه مشاغل الدنيا ولم يبارك له في رزقه، وتوجهت إليه وساوس الأفكار والهموم والأكدار ورجع بخيبة المحروم من ثواب الله، وربما مات فحشر في زمرة العاصين. يا تارك الصلاة. اى شئ تختار؟ أتنسب لله أو للشيطان؟ اذهب إلى أداء الصبح ثم استقبل عملك محفوفا بعناية الله، وإلا ذهبت تحت تأثير الشيطان، قال الله تعالى يحكى عن الشيطان: (قال رب بما أغويتنى لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم من اتبعك من الغاوين، وإن جهنم لموعدهم أجمعين) 43 من سورة الحجر. أخى: افقه هذه الآية، وكن من المحافظين على صلاة الصبح تنجح وتربح وتكرم. (¬1) ملك الرحمة والسعادة. (¬2) إشارة الإجرام والفسق. (¬3) ذهب صباحا. (¬4) يتهجد ويسبح ويذكر، وقضى ليلة في طاعه ثم نام. (¬5) سيدنا عمر عجب من تأخير سيدنا سليمان عن صلاة الصباح لأن النوم غلبه، ففاتته صلاة الصباح فقال سيدنا عمر يرغب في المحافظة عليها: إدراك صلاة الصباح في وقتها تكسب حسنات وترفع درجات، وتلك أحب إلى من التهجد ليلة أعقبها نوم فوت أداء المكتوبة. فانظر يا من تنام حتى تشرق الشمس. رجل عكف على عبادة ربه طول ليله، ولكن في آخره جاءه النوم كرها، فضيع صلاة الصباح، فعتب عليه أمير المؤمنين، وأنكر عمله، وإن كان النوم عذراً قاهراً واختار الصبح عن تهجد يفيته ثواب إدراكه هل لك أن تتوب يامن تصلى الصبح قضاء، وتشمر عن ساعد الجد، وتستيقظ مبكراً ليتسع رزقك ويتجدد نشاطك وتتقن عملك، وتدير دفة أشغالك بهمة وقت العشاء والفجر. (¬6) يخلق الله تعالى في جبهته نوراً يضئ كالقمر ليلة البدر تمييزاً له من أولئك الغافلين الذين تكاسلوا =

الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر

16 - وعن سهل بن سعدٍ الساعدى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة. رواه ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وتقدم مع غيره. الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء (¬1) فلم يمنعه من اتباعه عُذرٌ. قالوا: وما العُذر؟ قال: خوف، أو مرض لم تقبل منه الصلاة التى صلى (¬2). رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه وابن ماجه بنحوه. 2 - وعنه رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له (¬3) إلا من عذرٍ. رواه القاسم بن أصبغ في كتابه، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 3 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من ثلاثةٍ في قرية (¬4)، ولا بدوٍ (¬5) لا تقام فيهم الصلاة إلا قد ¬

= وفرطوا في جماعة المسجد في العشاء والفجر، وقد علمت أن أصابعهم تضئ أمامهم ضوءاً متألقاً، لأنهم كانوا يمشون لله في الغلس (ظلمة آخر الليل) وفي العتمة (وقت صلاة العشاء) والنور الضوء المنتشر الذى يعين على الإبصار، قال تعالى (ويجعل لكم نوراً تمشون به) وسمى الله تعالى نفسه نوراً من حيث إنه هو المنور قال الله تعالى: (الله نور السموات والأرض) ومن النور الإلهى قوله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) وقال تعالى (وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها). وقال تعالى (ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدى به من نشاء من عبادنا) اقرأ هذه الآيات واتق الله أيها المسلم، واحذر أن يضيع منك ثواب جماعة العشاء والصبح ليحفظ الله عينيك في الدنيا ويقوى جسمك، وتنال توفيق الله وهدايته دنيا وأخرى. (¬1) الأذان. (¬2) أداها بعد ذلك، وفيه الترهيب من عدم إدراك الجماعة مع الإمام في المسجد إذا سمعت الأذان بمعنى أن الصلاة تكون ناقصة الثواب في غير المسجد قليلة الخشوع كثيرة الأخطاء محوطة بالوساوس فيردها الله جل وعلا على صاحبها المهمل الذى لم ينهض لأدائها تامة كاملة، فعليكم سادتى بجماعة المسجد ولبوا داعى الله تنجحوا. اتركوا أعمالكم، وأدوا فرض الله في المسجد، ثم أقبلوا عليها فرحين مسرورين يبارك الله في أرزاقكم، وفي أولادكم. (¬3) فلا صلاة كاملة له عنه ربه، وضيع الخير كله ونسى ربه والخشوع إليه، ولم يجب (حى على الفلاح). (¬4) قطعة من أرض آهلة بالسكان بعيدة عن العمران. (¬5) البادية، وفي الحديث (من بدا جفا) أي من نزل البادية صار فيه جفاء الأعراب، أي في مدينة أو ريف، أو صحراء.

استحوذ (¬1) عليهم الشيطا،، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية (¬2). رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم، وزاد رُزين في جامعه: وإن ذئب الإنسان الشيطان إذا خلا به أكله. وتقدم حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه: ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سُنةَ نبيكم، ولو تركتم سُنة نبيكم لضللتم، والحديث، رواه مسلم وأبو داود وغيرهما. الترهيب من سماع المؤذن وعدم تلبيته وترك الصلاة 4 - وفي رواية لأبى داود: ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم. وتقدم حديث أبى أمامة في المعنى مرفوعاً. 5 - وعن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الجفاء كُلُّ الجفاء، والكفر والنفاق: من سمع منادى الله ينادى إلى الصلاة فلا يُجيبه. رواه أحمد والطبراني من رواية زبان بن فائد. 6 - وفي رواية للطبرانى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بحسب (¬3) المؤمن من الشقاء والخيبة أن يسمع المُؤذن يُثوب بالصلاة فلا يجيبه. (التثويب) هاهنا: اسم لإقامة الصلاة. ¬

(¬1) ملكهم واستاقهم مستولياً عليهم قال تعالى: (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) 19 من سورة المجادلة. استولى على الفاسقين الشيطان. لماذا؟ لأنهم لا يذكرون الله بقلوبهم، ولا بألسنتهم، وفوقوا على أنفسهم النعيم المؤبد، وعرضوها للعذاب المخلد. (¬2) البعيدة عن صفوف صاحباتها. يدعو صلى الله عليه وسلم إلى ملازمة الجماعة والحرص على ثوابها في المسجد، ويحث على الاتحاد، وصفاء القلوب، والميل إلى اجتماع الخير والتضامن وغوايته، فمن دنا منه أهلكه ومن أطاعه ضيعه، وساقه إلى النار والخسران والضلال. يا عجبا! يخبر صلى الله عليه وسلم بثلاث صفات تلحق سامع الأذان ولا يجيبه: أولا: الجفاء خشونة المعاملة، القسوة والغلظة والفظاظة، ورداءة الرأى، وسوء القول، والسخط وعلامة الغضب. ثانياً: الجحود، وعدم شكر النعم، وإنكار الخير، وعصيان المنعم، ومحاربة المتفضل. وعدم إثمار المعروف، وخوف الناس من التقرب إليه (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) ثالثاً: عدم الثبات على عمل والشهرة بالرياء، والنفاق والخداع. (¬3) يكتفى المصدق بوجود الله من التعب والحرمان والغضب سماع المنادى للصلاة، ويقيمها ولا يحضر جماعتها =

الترهيب من ترك الصلاة كسلا وتهاونا 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد هممت أن آمُر فتيتى فيجمعوا لى حُزَماً من حطبٍ، ثم آتى قوماً يُصلون في بيوتهم ليست بهم علةٌ (¬1) فأُحرقها عليهم، فقيل ليزيد: هو ابن الأصم، الجمعة عني أو غيرها. قال: صُمت أُذناى إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثرهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر جمعةً ولا غيرها. رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذي مختصراً. 8 - وعن عمرو بن أم مكتومٍ رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أنا ضريرٌ (¬2) شاسعُ (¬3) الدار، ولى قائدٌ (¬4) لا يُلايمنى، فهل تجد لي رخصةً (¬5) أن أُصلي في بيتي؟ قال: أتسمع النداء؟ قال: نعم. قال: ما أجد لك رُخصةً (¬6). رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم. 9 - وفي رواية لأحمد عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتَى المسجد فرأى في القوم رقَّةً (¬7) فقال: إنى لأهم أن أجعل للناس إماماً، ثم أخرج فلا أقدرُ على إنسانٍ يتخلف عن الصلاة في بيتهِ إلا أحرقته عليه، فقال ابن أم مكتومٍ: يا رسول الله إن بينى وبين المسجد نخلاً وشجراً، ولا أقدر على قائدٍ كل ساعةٍ أيسعنى أن أُصلى في بيتي. قال: أتسمع الإقامة؟ قال: نعم. قال فائتها، وإسناد هذه جيد. ¬

= وفيه ويل لمن سمع الإقامة ولم يدركها. بل وحسرة وسخط له. (¬1) عذر يمنعهم من الحضور للجماعة. سواء أكانت الصلاة جمعة، أو غيرها. (¬2) فاقد البصر. (¬3) بعيد الدار عن المسجد. (¬4) مرشد لا يرفق بى، ولا يقودنى بسهولة، ولا يتبع رأيى. (¬5) إجارة تبيح تخلفى عن الجماعة. (¬6) عذرا يمنع من أداء الفرض في المسجد جماعة. هذا حديث صحيح رواه أئمة ثقات. فما رأيك أيها المتخلف عن الجماعة. هذا أعمى ومنزله ناء عن المسجد، ويحتاج إلى بصيرة يقوده، والنبى صلى الله عليه وسلم لم يبح له التخلف ليصلى في بيته، وأنت يا أخى قادر على الذهاب إلى المسجد، وتسمع الأذان، ولا عذر لك، وتلهيك تجارتك عن الله، ويلقى الشيطان في روعك الكسل، وعدم خشية الله، فتهمل إجابة المؤمن، فبأىعذر تقابل ربك (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد). (¬7) فيهم لين وضعف من جهة أداء حق الله، ويشتغلون بالفضة والدراهم عن واجب الله، والرقيق ضد الغليظ والثخين، رق الشئ رقه وأرقه غيره، ورققه ترقيقا، وترقيق الكلام: تحسينه، وترقق له: رق قلبه وفي الحديث: هاتوا صدقة الرقة: أي الفضة والدراهم المضروبة منها، وأصل اللفظة: الورق.

(قوله شاسع الدار): هو بالشين المعجمة أولا والسين والعين المهملتين بعد الألف: أي بعيد الدار، وقوله: لا يلايمنى: أي لا يوافقنى، وفي نسخ أبى داود: لا يلاومنى بالواو، وليس بالصواب، قاله الخطابي وغيره. (قال الحافظ) أبى بكر بن المنذر: روَينا عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: من سمع النداء ثم لم يُجب من غير عُذر (¬1) فلا صلاة (¬2) له، منهم ابن مسعود، وأبو موسى الأشعرى. وقد روى ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم: ومن كان يرى أن حضور الجماعات (¬3) فرضٌ: عطاء وأحمد بن جنبل، وأبو ثور، وقال الشافعي رضي الله عنه: لا أُرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذرٍ، أنتهى. (وقال الخطابي) بعد ذكر حديث ابن ام مكتوم: وفى هذا دليل على أن حضور الجماعة واجب، ولو كان ذلك ندبا لكان أولى من يسعه التخلف عنها أهل الضرورة والضعف، ومن كان ¬

(¬1) مرض أو اى شئ قاهر كاره. (¬2) لا صلاة كاملة الأجر زائدة الثواب. (¬3) في نسخة: الجماعة 143 ع، فأنت ترى أفتى بعض الأئمة بوجوب حضور الجماعة، وبإثم المتخلف، فمن سمع الأذان، وتخلف خالف سنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقل ثواب صلاته في عمله، أو بيته، وضعف إيمانه، وأفرح شيطانه، وأرضى نفسه الكسلانة المقصرة في زيادة الحسنات. أوامر الله في الحث على الصلاة. قال تعالى: أ - (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) 43 من سورة البقرة، وقال تعالى: ب - (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) 20 من سورة المزمل، وقال تعالى: جـ - (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) 56 من سورة النور، وقال تعالى. د - (ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) 77 من سورة الحج، وقال تعالى: هـ (يا أيها الذين آمنوا لاتلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون). 9 من سورة المنافقون، وقال تعالى. و- (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) 6 من سورة التوبة: أي إن تاب المشركون عن الشرك بالإيمان، والفاسقون عن العصيان، وأقاموا هذين الركنين تصديقاً لتوبتهم وإيمانهم فدعوهم، ولا تتعرضوا لهم بشئ من ذلك، قال البيضاوى: وفيه دليل على أن تارك الصلاة ومانع الزكاة لا يخلى سبيله، أهـ.

في مثل حال ابن أمِّ مكتوم، وكان عطاء بن أبى رباح يقول: ليس لأحد من خلق الله في الحضر وبالقرية رخصة إذا سمع النداء في أن يدع الصلاة. (وقال) الأوزعى: لا طاعة للوالد في ترك الجمعة والجماعات انتهى. عدم الترخيص في الصلاة بالبيت لمن سمع النداء ولو كان أعمى 10 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَتَى النبى صلى الله عليه وسلم رجُلٌ أعمى (¬1) فقال: يا رسول الله ليس لى قائد يقودنى إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرخص (¬2) له يصلى في بيته فرخص له، فلما وَلَّى دعاهُ فقال هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب (¬3). رواه مسلم والنسائي وغيرهما. 11 - وعن أبي الشعثاء المحاربى رضي الله عنه قال: كنا قعوداً في المسجد فأذن المؤذن، فقام رجلٌ من المسجد يمشى (¬4) فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم وغيره، وتقدم. 12 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: أقبل ابن أُم مكتومٍ، وهو أعمى وهو الذى أُنزل فيه (عبس وتلوى أن جاءهُ الأعمى) وكان رجلاً من قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله بأبى وأُمى (¬5) أنا كما ترانى قد دبرت (¬6) سِنِّى، ورق (¬7) عظمى، وذهب بصرى، ولى قائد لا يُلايمنى (¬8) قياده ¬

(¬1) قال النووي. هذا الاعمى هو ابن مكتوم، وفيه دلالة لمن قال: الجماعة فرض عين، واجاب الجمهور عنه بأنه سأل هل له رخصة أن يصلى في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره. فقيل لا، ويؤيد هذا أن حضور الجماعة يسقط بالعذر بإجماع المسلمين، ودليله من السنة حديث عتبان بن مالك. وأما ترخيص النبى صلى الله عليه وسلم ثم رده، وقوله: فيجب فيحتمل أنه بوحى نزل في الحال، ويحتمل أنه تغير اجتهاده صلى الله عليه وسلم، إذا قلن بالصحيح، وقول الأكثرين: إنه يجوز له الاجتهاد، ويحتمل أنه رخص له أولا وأراد أنه لا يجب عليك الحضور إما لعذر، وإما لأن فرض الكفاية حاصل بحضور غيره، وإما للأمرين، ثم يذبه إلى الأفضل، فقال: الأفضل لك. والأعظم لأجرك أن تجيب وتحضر. والله أعلم. أهـ ص 155 جـ 5. (¬2) يجيز ويسمح. (¬3) اذهب لتصلى بالمسجد. (¬4) خرج ذلك الرجل، ولم ينتظر صلاة الجماعة فخالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. (¬5) أفديك بأبى وأمى، وأعز عزيز عندى، ولم يوجد أعز منهما عند العرب، وهذا من شأن الرجولة والشجاعة وبر الوالدين. (¬6) في نسخة: كبرت 144 ع، ومعنى دبرت: أصابه الكبر والضعف من دبر البعير: أصابه جرح في ظهره، أو في خفه. (¬7) ضعف، والمعنى بلغ به الضعف نهايته والشيخوخة، وانحطاط القوة. (¬8) لا يرأف بى. ولا يطاوع، ولا يحسن الذهاب بى.

إياى: فهل تجد لى رخصة أُصلى في بيتي الصلوات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تسمع المؤذن في البيت الذى أنت فيه؟ قال: نعم يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أجد لك رخصة، ولو يعلم هذا المتخلف عن الصلاة في الجماعة ما لهذا الماشى (¬1) إليها لأتاها ولو حبواً على يديه ورجليه. رواه الطبراني في الكبير من طريق علىّ بن يزيد الالهانى عن القاسم عن أبي أمامة. 13 - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: أتى ابن أُم مكتومٍ النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن منزلى شاسع (¬2)، وأنا مكفوف البصر (¬3)، وأنا أسمع الأذان، قال: فإن سمعت الأذان فأجب ولو حبواً أو زحفاً. رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط، وابن حبان في صحيحه، ولم يقل: أو زحفاً. 14 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه سُئل عن رجلٍ يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يشهد الجماعة، ولا الجمعة، فقال هذا في النار (¬4). رواه الترمذي موقوفاً. 15 - وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: من سمع حىَّ على الفلاح فلم يُجب فقدترك سنة محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. 16 - وعن أُسامة بن زيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) من زيادة الحسنات ونقص السيئات؛ وقد أخبرنا جل جلاله (عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى) 5 من سورة عبس. قال البيضاوى روى (أن ابن أم مكتوم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام فقال: يا رسول الله علمنى مما علمك الله وكرر ذلك، ولم يعلم تشاغله بالقوم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه، وعبس، وأعرض عنه .. فنزلت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه، ويقول إذا رآه: مرحباً بمن عاتبنى فيه ربى، واستخلفه على المدينة مرتين؛ وذكر الأعمى للأشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول، والدلالةعلى أنه أحق بالرأفة والرفق، أو لزيادة الإنكار كأنه قال تولى لكونه أعمى (وما يدريك) أي أي شيء يجعلك داريا بحاله لعله يتطهر من الآثام بما يتلقف منك، وفيه إيماء بأن أعراضه كان لتزكية غيره (أو يذكر) أي أو يتعظ فتنفعه موعظتك، وقيل: الضمير في (لعله) للكافر أي إنك طمعت في تزكيته بالإسلام، وتذكره بالموعظة، ولذلك أعرضت عن غيره، فما يدريك أنما طمعت فيه كائن. أهـ ص 813. (¬2) بعيد عن المسجد. (¬3) فاقده. (¬4) دخل النار الصائم نهاره، والقائم ليله في عبادة لأنه غفل عن ثواب الجماعة، وكسل عن تحصيل ثواب ولم يؤد الجمعة، فالله تعالى حاسبه على هذا الترك، وقضى عليه بجهنم - وفيه تأدية أوامر الله كلها والتحرى في فعل كل ما يرضيه جل وعلا، واجتهاد المؤمن في فعل سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها.

الترغيب في صلاة النافلة في البيوت

لينتهين رجالٌ عن ترك الجماعة (¬1) أو لأُحرقن بيوتهم. رواه ابن ماجه من رواية. الزبرقان بن عمرو الضمرى عن أسامة ولم يسمع منه. 17 - وعن ابن بُريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فارغاً (¬2) صحيحاً فلم يجب فلا صلاة له. رواه الحاكم من رواية أبى بكر بن عياش عن أبي حصين بن أبى بريدة، وقال: صحيح الإسناد. (قال الحافظ) رضي الله عنه: الصحيح وقفه. الترغيب في صلاة النافلة في البيوت 1 - عن بن عمر رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قُبوراً (¬3). رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي. 2 - وعن جابر هو ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً (¬4). رواه مسلم وغيره، ورواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث أبى سعيد. 3 - وعن أبي موسى الأشعرى رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) بلا عذر لأن هؤلاء منافقون، وإسلامهم ضعيف، فأباح الله له جل وعلا أن يعاقبهم، وقد فسر صلى الله عليه وسلم العذر بعمل لو تركه بطل وتأخر وضاع، أو مرض، أو سفر طاعة. (¬2) فرغ من الشغل من باب دخل وفراغا وتفرغ، واستفرغ مجهوده: بذله، والمعنى خال من أي موانع تحول قسرا بينه وبين الجماعة إلى أنه معافى في بدانه، وإلا فصلاته وحده ناقصة الثواب. والله أعلم. (¬3) قال النووي: معناه صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة، والمراد به صلاة النافلة أي صلوا النوافل في بيوتكم أهـ. وقال الجمهور: هو في النافلة لإخفائها أهـ: أي أصون من المحبطات وأبعد من الرياء؛ وليتبرك البيت بذلك. (¬4) بركة، وتنزل فيه الرحمات والملائكة، وينفر منه الشيطان ولتتعود الخدم والحشم والأولاد والسيدات على أدلاء الصلاة، وغرس المحبة في قلوبهم، وليقتدى بهم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وعبيد ومريض كما كان يفعل سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يؤدى الفرض في المسجد جماعة ثم يصلى النافلة مع زوجته، وهى مأمومة وهو إمام.

مثل البيت الذى يذكر الله فيه، والبيت الذى لايذكر الله فيه: مثل الحى والميت (¬1). رواه البخاري ومسلم. 4 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما أفضل: الصلاة في بيتي، أو الصلاة في المسجد؟ قال: ألا ترى إلى بيتى ما أقربه (¬2) من المسجد، فلأن أُصلى في بتيى أحبُّ إلى إلىَّ من أن أُصلى في المسجد إلا أن تكون صلاةً مكتوبة (¬3). رواه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه. 5 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: خرج نفر من أهل العراق إلى عُمر، فلمَّا قدموا عليه سألوه عن صلاة الرجل في بيته، فقال عمر: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما صلاة الرجل في بيته فنورٌ (¬4) فنوروا بيوتكم. رواه ابن خزيمة في صحيحه. ¬

(¬1) شبه صلى الله عليه وسلم البيت الذى فيه طاعة الله وذكره وعبادته وتسبيحه، وقراءة القرآن فيه وأنه ملجأ الصالحين أنه حى مملوء عمرانا، ومحاط بالسعادة والسعة والرضا. أما البيت الذى خلا من ذكر الله فمقفر وخاو وخرب وإن عمره أهله فلا فائدة في وجودهم وعليه شارة الغضب ويحوطه السخط والعصيان ويسرح ويمرح فيه الشيطان ويبيت فيه - قال النووي: فيه الندب إلى ذكر الله تعالى في البيت وأنه لا يخلى من الذكر وفيه جواز التمثيل وفيه أن طول العمر في الطاعة فضيلة، وإن كان الميت ينتقل إلى خير لأن الحى يستلحق به ويزيد عليه بما يفعله من الطاعات. أهـ ص 68 جـ 6. (¬2) أي ما أشد قربه للمسجد، ومع هذا القرب يصلى النافلة في البيت. (¬3) مفروضة. (¬4) بهاء، وضياء القلوب لتخشع لله في خلوتها وجلاء عن الغفلة وانشراح بين العبد وربه. يناجيه خالياً من المظاهر فيشعر بجلال الله وعظمته ويقف ذليلا أمام المعطى سبحانه، فينشرح صدره بالإيمان والمناجاة وقد أمر صلى الله عليه وسلم أن يصلوا النافلة في البيت لترفرف على المصلى رحمة الله، ولتعمه أنواره الوضاءة وليشعر كل من في البيت بخوف الله تعالى، وأنه جدير بالثناء عليه والشكر له على ما أسبغ عليهم بنعمه. الناس في حاجة إلى خوف الله تعالى؛ والصلاة مفتاح الرهبة، أرأيت الزوجة أو الخادم أو الولد إذا رأى سيد المنزل يصلى لله كان أدعى إلى الطاعة والرهبة من الله، وحينئذ يستتب نظام البيت، وينتظم العمل، فالسيدة تخشى الله، والخادم يخشى الله، فلا سرقة. فلا معصية. فلا هتك عرض. فلا ظن سوء. وبذا تشرق شمس الثقة والرغبة في الله، وتتقدم الأسرة ويرضى الله عنها ويسود الأمن ويطمئن القلب ويعم الخير. اختلط بالأسر الصالحة تجد كل كمال وحسن أعمال واحترام الكبير للصغير وبر الوالدين وهكذا من المحامد الى دعا إليها الدين وشمس ذلك الصلاة التى تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهذا السر في قوله صلى الله عليه وسلم: (لاتجعلوا بيوتكم مقابر) رواية مسلم ص 68 جـ 6. وهل تقرأ الصحف لبعض الأسر التى نبذت الصلاة؟ تجد شقاقا ونفاقا في البيت وخديعة ومكراً سيئاً وظناً سوءاً ونفوراً وذهابا إلى المحاكم الشرعية وطلاقاً، وهكذا من المصائب التي يجرها عدم الخوف من الله تعالى =

6 - وعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صَلُّوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة. رواه النسائي بإسناد جيد، وابن خزيمة في صحيحه. 7 - وعن رجلٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أراه رفعه، قال: فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس (¬1) كفضل الفريضة على التطوع. رواه البيهقى، وإسناده جيد إن شاء الله تعالى. 8 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكرموا (¬2) بيوتكم ببعض صلاتكم. رواه ابن خزيمة في صحيحه. ¬

= فعليك أخى بالصلاة. قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ولا تمدن عينيك إلا ما متنعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) 133 من سورة طه. صل يا محمد وأنت حامد لربك على هدايته وتوفيقه ونزهه عن الشرك وسائر ما يضيفون إليه من النقائص حامدا له على ما ميزك بالهدى معترفا بأنه مولى النعم كلها، وأد الصلوات طمعاً أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك ودع الدنيا وزهرتها للكفار والفساق سنبلوهم ونختبرهم في استعمال هذا النعيم في وجوه حله، ونعذبهم في الآخرة بسببه إن لم يقوموا بحقه ويؤمنوا ويسلموا ويعملوا صالحا. شاهدنا (وأمر أهلك بالصلاة). قال البيضاوى: أمره بأن يأمر أهل بيته، أو التابعين له من أمته بالصلاة بعد ما أمره بها ليتعاونوا على الاستعانة بها على خصاصتهم، ولا يهتموا بأمر المعيشة ولا يلتفوا لفت أرباب الثروة، وطلب منه جل وعلا أن يداوم على الصلاة، ويفرغ باله وأهله لأمر الآخرة، والعاقبة المحمودة لذوى التقوى. روى أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة، وتلا هذه الآيةأهـ ص 435. (¬1) معناه صلاة النافلة أمام الناس مظنة الرياء، ومدح الناس إياه أنه عابد ناسك، ولكن في البيت أدعى إلى رحمات الله، وأبعد عن ظنون النفاق، وأعين الرائين المداحين إلا المفروضة، فتؤدى في المسجد جماعة كما أراد صلى الله عليه وسلم، ويصلى الإنسان في بيته ما شاء الله من النوافل يتؤدة وطمأنينة، والفريضة أكثر ثوابا من النافلة، وحسناتها مضاعفة، وأجرها جزيل. (¬2) يريد صلى الله عليه وسلم أن يأمر المسلمين بالتسبيح والتحميد والتكبير في منازلهم لتحيط به ملائكة الرحمة، ويطرد منها الشيطان، ويشهد هذا المكان لصاحبه بطاعة الله وذكره وليقتدى أهله به، وليتعود الأناة وخشية الله في السر. يا أخى: اتق الله وصل؛ وعلم أهلك الصلاة فقد روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه لتقر بهم عينه، ثم تلا هذه الآية: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ كل امرئ بما كسب رهين) 22 من سورة الطور. والذين آمنوا عطف على حور - وقوله تعالى: (إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلواواشربوا هنيئا بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين) 21 من سورة الطور =

الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة

الترغيب في انتظار الصلاة بعد الصلاة 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لايزال أحدكم في صلاةٍ ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة. رواه البخاري في أثناء حديث، ومسلم. 2 - وللبخارى: إن أحدكم في صلاةٍ مادامت (¬1) الصلاةُ تحبسه، والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ما لم يقم من مصلاهُ أو يُحْدِثْ. 3 - وفي رواية لمسلم وأبي داود قال: لا يزال العبد في صلاةٍ ما كان في مصلاه (¬2) ينتظر الصلاة، والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يُحْدِثْ. قيل: وما يُحْدِث؟ قال: يفسُو (¬3)، أو يضرُطُ. رواه مالك موقوفاً عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول: ¬

= قال البيضاوى: أي قرناهم بأزواج حور، ورفقاء مؤمنين، وجعلنا ذرياتهم تابعين لهم في الإيمان. وما نقصناهم بهذا الإلحاق. من ألت بألت: أي نقص فإنه كان يحتمل أن يكون بنقص مرتبة الآباء، أو بإعطاء الأبناء بعض مثوباتهم، ويحتمل أن يكون بالتفضل عليهم، وهو اللائق بكمال لطفه، والكل مرهون بعمله عند الله تعالى فإن عمل صالحاً فكه، وإلا أهلكه. نسأل الله السلامة، ثم وصف الله جل وعلا ما أعده للصالحين: (وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون * يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم * ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالو إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوهم هو البر الرحيم) 29 من سورة الطور. صدق الله العظيم .. أعلمت شيئا من نعيم للصالحين؟ وقارنه بمتاعب الدنيا ومصائبها وآلامها تجد المغفل الجاهل الغر الذى لا يعمل صالحاً لله وأمامه الكتاب والسنة ولايتبع أوامرهما. يتعاطى الصالحون وجلساؤهم الفواكه، واللحوم، والشراب العذاب الخالى من السموم، وخدمهم مماليك كالدرر المصون في الصدف من بياضهم وصفائهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) يسأل بعضهم بعضاً عن أحواله وأعماله فيجيبون: كنا في الحياة خائفين من عصيان الله معتنين بطاعته، أو وجلين من العاقبة فمن الله علينا بالرحمة والتوفيق ووقانا عذاب النار النافذة في المسام نفوذ السموم. إنا كنا في الدنيا نعبده ونخشاه ونسأله الوقاية إنه هو البر المحسن كثير الرحمة. (¬1) الذى يجلس على مكان طاهر، وهو متوضئ، وينتظر الصلاة القادمة كأنه في عبادة وطاعة وذكر مدة انتظاره مالم ينتقض وضوؤه أو يخرج. (¬2) مدة وجوده في الصلاة. (¬3) يخرج من دبره ريح بلا صوت أو له صوت.

إذا صلى أحدكم، ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلى عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاةٍ حتى يصلى. 4 - وعن أنسٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَّرَ ليلةً صلاة العشاء إلى شطر (¬1) الليل، ثم أقبل بوجهه بعدما صلى فقال: صلى الناس ورقدوا (¬2)، ولم تزالوا في صلاةٍ منذُ انتظرتموها (¬3). رواه البخاري. 5 - وعن أنسٍ رضي الله عنه إن هذه الآية (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) نزلت في انتظار الصلاة التى تدعى العتمة. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. 6 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع، وعقَّبَ (¬4) من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسرعاً قد حفزهُ النفسُ قد حسر عن ركبتيه، قال: أبشروا، هذا رَبُّكم قد فتح باباً من أبواب السماء يُباهى الملائكة يقول: انظروا إلى عبادى قد قضوا فريضةً وهم ينتظرون أُخرى (¬5). رواه ابن ماجه عن أبي أيوب عنه، ورواته ثقات، وأبو أيوب: هو المراغىّ العتكى ثقة، ما أراه سمع عبد الله، والله أعلم. (حفزه النفَس): هو بفتح الحاء المهملة والفاء وبعدهما زاى: أي ساقه وتعبه من شدة سعيه. (وحسر): هو بفتح الحاء والسين المهملتين: أي كشف عن ركبتيه. ¬

(¬1) نصف. (¬2) وناموا. (¬3) في نسخة: ما انتظرتموها، والمعنى: كأنكم في عبادة الله من أول انتظار الصلاة إلى نصف الليل، فأنتم أكثر ثوابا من الذين صلوا، وذهبوا إلى بيوتهم ليناموا. إن النبى صلى الله عليه عرض له أمر شغله عن صلاة العشاء في أول وقتها، فتأخر بعض الأصحاب رضوان الله عليهم حتى صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يبشرهم بزيادة الأجر وعظيم الثواب. أما من أدى الصلاة ونام، فقبل الله صلاته، وأعطاه ثوابا بقدر عمله، وعفا الله عنه لأه لم يكلف بالانتظار. (¬4) تابع، أي أقام في مصلاه بعد ما يفرغ من الصلاة لدعاء أو مسألة، ومنه حديث: (من عقب فى الصلاة فهو في صلاة). (¬5) سبحانه يفتح باب رحمته، ويرشد الرحمة إلى المنتظرين الصلاة التالية، وهذا دليل على رضاء وحبه لهم، وإحسانه إليهم.

انتظار الصلاة بعد الصلاة 7 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وصلاة في إثر صلاةٍ لا لغو (¬1) بينهما كتابٌ في عليين (¬2). رواه أبو داود، وتقدم بتمامه. 8 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدُلكم على ما يمحو (¬3) الله به الخطايا، ويكفر (¬4) به الذنوب؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكروهات (¬5) وكثرة الخطا (¬6) إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعدالصلاة فذلكم الرباط (¬7). رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه مالك ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبى هريرة، وتقدم. ¬

(¬1) صلاة آتية بعد صلاة ماضية على شريطة ألا يحصل من المصلين كلام لا يعتد به، وقول في مشاغل الدنيا ومتاعبها، وحديث اللهو واللعب، وقد يسمى كل كلام قبيح: لغوا - وقال تعالى: (لا يسعمون فيها لغواً ولا كذابا)، (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه)، (والذين هم عن اللغو معرضون - وإذا مروا باللغو مروا كراما). (¬2) ثواب هذا الانتظار ينقش في صحيفة مع صحف الأبرار في قوله تعالى: (إن كتاب الأبرار لفى عليين). (¬3) يزيل. (¬4) يستر ويزيل. (¬5) عند البرد والألم والمصائب يتم الإنسان وضوءه، ويصلى لله. إسباغ: أي إتمام. (¬6) المشى. (¬7) الإقامة لنصر دين الله، والجهاد على الذب عن الوطن في الحرب، وارتباط الخيل وإعدادها، فشبه به ما ذكر من الأفعال الصالحة والعبادة. رجل يجاهد نفسه وينتظر صلاة قادمة وهو على مكان طاهر ومتوضئ، فهو في ضيافة الكريم ويناجى العظيم ويعبد الرحيم وكأنه منتظر في صفوف المجاهدين في سبيل الله يضاعف الله ثوابه ويتجلى عليه برضوانه ويكرمه ويزيده قبولا وتوفيقا. وحسبك يا أخى أن تحافظ على صلاة المغرب أول وقتها ثم تبقى في المجلس لصلاة العشاء عسى أن تدخل برحمة الله في زمرة الصالحين الذين قال تعالى فيهم: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعلمون) 18 من سورة السجدة: ترتفع وتتنحى جنوبهم عن الفرش يدعون ربهم خوفا من سخطه، وطمعا في رحمته، وقد فسرها صلى الله عليه وسلم بقيام العبد من الليل وقال البيضاوى: قيل: كان أناس من الصحابة يصلون من المغرب إلى العشاء فنزلت فيهم. يرشد صلى الله عليه وسلم إلى تأدية الفرض ثم الجلوس هنيهة على مكان الصلاة يستغفر المصلى ويسبح ويحمد ويكبر، ويصلى على النبى صلىلله عليه وسلم ليكتسب دعاء ملائكة الرحمة له بالمغفرة والرضوان أهـ. آه. أي شئ أحسن من هذا أيها المسلم؟ إن تعبك في الدنيا لا فائدة فيه إلا إذا غمره عمل صالح ينفعك فى آخرتك. إنك تسعى لجمع المال لتعيش سعيداً في حياتك والدنيا دار الهموم والأكدار، ولكن العاقل من التجأ إلى مولاه، وأطاع ربه، وأخلص لله عسىن ينال السعادة في الآخرة، فتمحى ذنوبه، ويزداد نعيمه، قال صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: (أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بله من أطلعتم عليه: اقرءوا إن شئتم (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم) ..) هذا وعد الصادق القادر، فهل تعاهدنى يا أخى على العمل بالكتاب والسنة، وتنتهز الفرص في انتظارالصلاة بعد الصلاة.

9 - وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إسباغ الوضوء في المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلاً. رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 10 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا جلس في مصلاه بعد الصلاة صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، وإن جلس ينتظر الصلاة صلت عليه، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. رواه أحمد، وفيه عطاء بن السائب. 11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منتظر الصلاة بعد الصلاة، كفارسٍ اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحه (¬1)، وهو في الرباط (¬2) الأكبر. رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وإسناد أحمد صالح. ¬

(¬1) الكشح: الخصر، والمراد على جوعه يعنى أن هذا المجاهد لازم الركوب على الفرس وجاهد وجالد وأبدع مع دقيق بنية الحصان وخفته. وفي حديث سعد (إن أميركم هذا لأهضم الكشحين، أي دقيق الخصرين - وحديث (أفضل الصدقة على ذى الرحم الكاشح) أي العدو الذى يضمر عداوته، ويطوى عليها كشحه: أي باطنه. شبه صلى الله عليه وسلم الجالس على مصلاه يعبد مولاه منتظرا فريضة أخرى بشجاع باسل امتطى صهوة جواده التعب، ولم يترك شاذة ولا فاذة إلا أدركها في سبيل طاعة الله. (¬2) إن مجاهدة النفس في الجلوس تعبد الله هو الرباط الأكبر، والرباط الأصغر: الجهاد وحرب الأعداء لنصر دين الله، لماذا؟ لأنك تجاهد نفسك والنفس عدو ألد وخصم عنيد يدعو إلى عصيان الله، وقائدها الشيطان ليضلها ويغويها، ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزواته وأصحابه ظافرا منصورا ومؤيدا مسروراً فقال لأصحابه ما معناه: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) أي مجاهدة النفس في طاعة الله. هذا رأى: الرأى الثاني: وهو أن ذلك الفارس في الصف الأول الذى يبذل قصارى جهده في حرب أعداء الإسلام. فانظر رعاك الله: السيد الرسول صلى الله عليه وسلم يبشر المحافظ على جماعة المسجد، والمنتظر الصلاة الثانية بإدراك ثواب المجاهدين للذب عن بيضة الدين. فاجتهد أخى في انتظار الصلاة فالدنيا مزرعة الآخر وقد قال إسماعيل باشا صبرى: عسى أن تتعظ بقوله، وتعمل صالحا ينفعك في قبرك: إن الليالى من أخلاقها الكدر ... وإن بدا لك منها منظر نضر (1) فكن على حذر مما تغر (2) به ... إن كان ينفع من غراتها (3) الحذر قد أسمعتك الليالى من حوادثها ... مافيه ينفع من غراتها (4) الحذر يا من يغر بدنياه وزخرفها ... تالله يوشك (5) أن يودى بك الغرر =

12 - وعن أبن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتانى الليلة آت (¬1) من ربى. وفي رواية: ربى (¬2) في أحسن صورةٍ، فقال لى يا محمد، قلت: لبيك (¬3) ربى وسعديك، قال: هل تدرى (¬4) فيم يختصم الملأُ الأعلى (¬5)؟ قلت: لا أعلم، فوضع يده (¬6) بين كتفى، حتى وجدت بردها بين ثدي، أو قال في نحرى، فعلمت ما في السموات وما فى الأرض، أو قال ما بين المشرق والمغرب، قال: يا محمد أتدرى فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الدرجات (¬7)، والكفارات (¬8) ونقل الأقدام (¬9) إلى الجماعات، وإسباغ (¬10) الوضوء في السبرات وانتظار (¬11) الصلاة بعد الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخيرٍ، ومات بخيرٍ، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه. الحديث رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب، وتقدم بتمامه. 13 - وعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدُلكم على ما يكفر الله به الخطايا ويزيد به الحسنات؟ قالوا: بلى ¬

= ويا مدلا (1) بحسن راق منظره ... للقبر ويحك هذا الدل والخفر (2) تهوى الحياة ولا ترضى تفارقها ... كمن يحاول وردا (3) ما له صدر (3) كل امرئ صائر حتما إلى جدث (5) ... وإن أطال مدى آماله العمر (¬1) رؤيا صادقة كفلق الصبح. (¬2) أتانى ربى: وفيه جواز رؤية الله تعالى. (¬3) إجابة على طاعتك، ومنك الإسعاد. (¬4) هل تعلم. (¬5) الملائكة المقربون. (¬6) يراد أنه تعالى قرب حبيبه صلى الله عليه وسلم حتى شعر بالفرح والسرور وأحس بانشراح الصدر والله تعالى منزه عن التشبيه والتمثيل، كما قال العلماء في يد الله مطلقة: عبارة عن إيتاء النعيم، ويقال: فلان يد فلان: أي وليه وناصره، ويقال لأولياء الله: هم أيدى الله، وعلى هذا الوجه قال الله تعالى عز وجل: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) فإذا يده عليه الصلاة والسلام يد الله، وإذا كان يده فوق أيديهم فيد الله فوق أيديهم؛ ويؤيد ذلك ماروى (لا يزال العبد يتقرب إلى الله بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها). أهـ غريب القرآن ص 573. ناداه جل جلاله وأعطاه الله صلى الله عليه وسلم قوة الإدراك حتى يقوى على ذلك معجزة له عليه الصلاة والسلام، وكشف له تعالى عن بصره وبصيرته فأدرك ما في السموات وما في الأرض أو ما في العالم أجمع وأرشده تعالى إلى المنافسة والسبق في كتابة ثواب من أدرك واحدة من هذه الخمسة أو كلها أو بعضها. (¬7) الحسنات. (¬8) محو الخطايا. (¬9) كثرة الخطايا. (¬10) إتمامه. (¬11) الجلوس على مكان طاهر مع الوضوء رجاء انتظار صلاة آتية في وقتها.

يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء أو الطهور في المكاره (¬1) وكثرة الخطا إلى المسجد والصلاة بعد الصلاة، وما من أحدٍ يخرج من بيته متطهراً، حتى يأتى المسجد فيصلى فيه مع المسلمين، أو مع الإمام، ثم ينتظر الصلاة التى بعدها، إلا قالت الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. الحديث رواه ابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحه. واللفظ له، والدرامى في مسنده. 14 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاثٌ كفَّارات، وثلاث درجاتٌ، وثلاثٌ منجياتٌ، وثلاثٌ مهلكاتٌ. فأما الكفَّارات (¬2) فإسباغ الضوء في السبرات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ونقل الأقدام إلى الجماعات وأما الدرجات (¬3): فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام. وأما المنجيات (¬4) فالعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية. وأما المهلكات (¬5): فشحٌّ مطاعٌ، وهوىً متبعٌ، وإعجاب المرء بنفسه. رواه البزار واللفظ له، والبيهقى وغيرهما، وهو مروىّ عن جماعة من الصحابة، وأسانيده وإن كان لايسلم شئ منها من مقال، فهو بمجموعها حسن إن شاء الله تعالى. (السبرات) جمع سبرة، وهى شدة البرد. ¬

(¬1) المصائب: أي المؤمن إذا أصابه أي ضرر توضأ، ومنه البرد. (¬2) مزيلات الذنوب. (¬3) زيادة الرفعة عند الله، وكسب الحسنات والكرم بثلاثة. أولا: الكرم والجود. ثانيا: رمي السلام على من عرفت ومن لم تعرف من المسلمين. ثالثا: التهجد. (¬4) التى تبعد الخطر، وتوصل إلى السلامة، وتزيل الهلكة ثلاثة: أولا: التوسط عند حمقه وكدره، وعند رخائه وفرحه. ثانيا: كذا الحد الوسط بين الحاجة والسعة، فلا يبخل ولا يقتر ولا يضجر ولا يسرف ولا يشح ولايبذر. ثالثا: خوف الله تعالى في الخفية والجهر. (¬5) الحفرة التى تودى بصاحبها، والعذاب المحيط به. وطريق الزلل في ثلاثة: أولا: التقتير ونهاية البخل، ومنع الواجبات، والتقصير في الحقوق. ثانيا: إرخاء العنان للنفس تمرح في غوايتها لا يكبحها كابح، ولا يردها جامح، والاسترسال في الضلال بلا رادع، أو زاجر، وإطلاق الحرية الكاذبة في المعاصى، والميل إلى الدنايات، وحب الشهوات. ثالثا: الغطرسة والكبر، وزهو المرء بنفسه وتحقير غيره: والنفس كالطفل إن تهمله شب على ... حب الطعام وإن تفطمه ينفطم وبهذه المناسبة أزف إليك جواب الإمام على بن أبى طالب رضي الله عنه لرجل سأل عن الإيمان، فقال: الإيمان على أربع دعائم: على الصبر، واليقين، والعدل، والجهاد. والصبر على أربع شعب: على الشوق، والشفق =

15 - وعن داود بن صالح قال: قال لى أبو سلمة: يابن أخى تدرى في أي شئٍ نزلت (اصبروا وصابروا ورابطوا)؟ قلت: لا، قال: سمعت أبا هريرة يقول: لم يكن في زمان النبى صلى الله عليه وسلم غزوٌ (¬1) يُرابط (¬2) فيه، ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 16 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: القاعد على الصلاة كالقانت (¬3)، ويُكتب من المصلين (¬4) من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه. رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه أحمد وغيره أطول منه، إلا أنه قال: والقاعد يرعى الصلاة كالقانت: وتقدم بتمامه في المشى إلى المساجد. (قوله) القاعد على الصلاة كالقانت: أي أجره كأجر المصلى قائماً مادام قاعداً ينتظر الصلاة، لأن المراد بالقنوت هنا القيام في الصلاة. 17 - وعن امرأةٍ من المبايعات رضي الله عنها أنها قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه من بنى صلمة فقربنا إليه طعاماً فأكل، ثم قربنا إليه ¬

= والزهادة والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات. واليقين على أربع شعب: على تبصرة الفطنة، وتأويل الحكمة وموعظة العبرة، وسنة الأولين، فمن تبصر الفطنة تأول الحكمة، ومن أول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين. والعدل على أربع شعب: على غامض الفهم وزهرة الحلم وروضة العلم وشرائع الحكم، فمن فهم فسر جميع العلم، ومن علم عرف شرائع الحكم، ومن حلم لم يفرط أمره، وعاش في الناس. والجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف: والنهى عن المنكر،، والصدق في المواطن، وشنآن الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن فقد قضى الذى عليه ومن شنئ الفاسقين فقد غضب لله، ومن غضب لله غضب الله له. قال بشر بن عمارة عن محمد بن سوقة، فقام الرجل فقبل رأسه، فقال على كرم الله وجهه: أحبب حبيبك هونا ما ... عسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما ... عسى أن يكون حبيبك يوما ما أهـ نوادر الأمالى ص 174. (¬1) الغزو: الخروج إلى محاربة العدو، وقد غزا يغزو، فهو غاز، وجمعه: غزاه وغزى قال تعالى (أو كانوا غزى). (¬2) يقام ويأخذ عدة الحرب وينتظر هجوم العدو في مكان معلوم. (¬3) الخاشع. والقنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع، ولذا قيل: أي الصلاة أفضل؟ فقال: طول القنوت أي الاشتغال بالعبادة، ورفض كل ما سواه تعالى، قال جل شأنه: (إن إبراهيم كان أمة قانتا - أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائما). (¬4) العابدين الذاكرين المسبحين.

وضوءاً فتوضأ، ثم أقبل على أصحابه فقال: ألا أُخبركم بمُكفرات (¬1) الخطايا؟ قالوا: بلى، قال: إسباغ (¬2) الوضوء على المكاره (¬3)، وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة ¬

(¬1) مزيلات وماحيات ومطهرات الذنوب. (¬2) الذهاب إلى الوضوء وإتمامه. (¬3) عند كل ملمة أو حادثة مغضبة أو أمر اشتد خطبه، أو مصيبة نزلت أو عند تعب أدرك الإنسان فكسل. بمعنى أن الإنسان إذا اعترضه أي مكدر في حياته من صنوف الآلام التجأ إلى تنقية نفسه من أدران المعاصى، وتطهر ليناجى مفرج الكروب، وميسر العسير، فيتوضأ ويصلى لله تعالى، ويفوض أمره إليه سبحانه وتعالى. فقه الباب أولا: أن تمرن نفسك على العكوف على مصلاك مدة تسبح ربك وتذكره، وحبذا المكث في المسجد. ثانيا: أن تغتنم فرصة الدعوات الصالحات ممن لا يعصون الله ماأمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. ثالثا: أن تجتهد أن تكون على طهارة فوضوء ليتجلى عليك ربك في انتظارك هذا، وتكون من الذين قال الله عنهم في كتابه: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) لماذا؟ لأنهم تركوا وقت اللهو والأكل وذهبوا في الظلمة ينتظرون صلاة العشاء رجاء ثواب الله. رابعا: الاطمئنان لبشارة الرسول صلى الله عليه وسلم. بفتح باب رحمة الله للمعتكفين منتظرى الصلاة. هذا إلى أن هذا الثواب ينقش في صحف المتقين، ويبقى نوره ساطعا إلى يوم القيامة. على شريطة عدم الكلام في المسجد والغيبة والنميمة، وحديث الدنيا. خامسا: التشبه بالمجاهدين في سبيل الله هذا ينتظر قدوم صلاة جديدة يماثل المرابط للدفاع عن الوطن الذى هجر وطنه، وذهب يكمن حتى يهجم على أعداء الدين، ولا تنس هذا التمثيل البديع (كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحه) أي منتظر الصلاة القادمة يشبه ذلك المستبسل في الجهاد والمدافع عن الإسلام وبيضته وقوله صلى الله عليه وسلم: (على كشحه) يشير إلى نهاية الإقدام وتكليف فرسه فوق طاقته صابراً على جوعه وضموره، فكما أن الفارس يصبر على مضض الجهاد وتعبه كذلك المنتظر الصلاة يصبر على الاعتكاف حبا في ثواب الله مع وجود المنافسة في أهل السماء، وسرورهم من القانتين. وهل تجد أخى أحسن تعبير، وأشهى حديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (فوضع يده) أي شملتني قدرته ورأفته بى حتى دب في دبيب الإحسان؛ وسرى في الفرح والسرور سريان الدم في الشرايين. وهذا درس تربية وتهذيب من النبى صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين رجاء تفريغ القلب لعبادة الله وترك مشاغل الدنيا في أوقات الرحمات مثل عتمة العشاء وغلس الليل، وهذا تعبير طريف مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعونى فاستجيب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى فأغفر له؟). قال القسطلاني: أي ينزل تعالى نزول رحمة ومزيد لطف، وإجابة دعوة، وقبول معذرة أهـ ص 69 جواهر البخاري. ولا تنس أن من صفاته تعالى مخالفته للحوادث: أي سبحانه غير موافق ومماثل لشئ من الحوادث فليس جسما وليس قائما بجسم أو محاذيا له، وليس فوق شئ أو تحته أو خلفه أو يمينه، وما ورد مما يوهم ذلك، فيجب تأويله ص 29 كتابى (النهج السعيد في علم التوحيد)، وقد رأيت انتظار الصلاة يعينها الله تعالى بقوله (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعكم تفلحون) 201 من سورة آل عمران. =

بعد الصلاة. رواه أحمد، وفيه رجل لم يسمّ، وبقية إسناده محتج بهم في الصحيح. ¬

_ = ينادى الله المؤمنين: احبسوا أنفسكم على مشاق الطاعات، وما يصيبكم من الشدائد، وترصدوا لزيادة الحسنات، ونيل الخيرات، وأقيموا شعائر العبادة بالمكث في المساجد كما قال صلى الله عليه وسلم: (من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة) أي ورابطوا أبدانكم وخيولكم في الثغور مترصدين للغزو والجهاد وأنفسكم ذللوها بالطاعة وروضوها على الذكر (وصابروا) أي غالبوا أعداء الله بالصبر على شدائد الحرب، وأعدى عدوكم فى الصبر على مخالفة الهوى، وإتمام العمل الدنيوى؛ والذهاب إلى بيت الله، ثم أمر تعالى بخشيته وتقواه بالتبرى عما سواه رجاء غاية الفلاح، أو اجتناب القبائح بنيل مراتب الصبر على مضض الطاعة، ومصابر النفس في رفض العادات الذميمة، وعدم ميلها إلى شهواتها، ومجاهدتها في طلب البر والسعادة، ومرابطة السر على جناب الحق، ورعاية أوامره، والعمل بالشريعة الغراء، والتطهير من الرذائل، وذلك بتربية عادة الأنتظار إلى الصلاة. أيها المسلمون: لقد صدق حديث أبى هريرة الآن: لم يكن في زمان النبى صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة، هذا لنا عصرنا الآن في هذا الزمان فعليك أخى أن تحافظ على صلاة المغرب في المسجد في إبان وقته ثم تنتظر العشاء. ثم تستيقظ مبكرا قبيل الفجر بساعة وتذهب إلى التهجد وتعبد ربك حتى مطلع الفجر - هذه نصيحتى لا تعوقك عن عملك نهاراً، ولا تؤخر في إتقانه وأدائه، كيما تحب الله ورسوله، وتجلب لك رضا الخالق جل وعلا، ورضا المخلوق، وتجعل صحائفك مملوءة بالحسنات تنفعك في آخرتك. مع ملاحظة أداء عملك يومك لتنفق على أسرتك؛ ولتكسب عيشك الهناءة والرغد؛ ولتتمتع بصنوف النعم وخيرات الله، وبذا تعمل للدنيا والآخرة وتكون من الذين يتنافس الأبرار في كتابه حسناتهم. الدنيا دار عمل والعاقل من كد وكدح على شريطة أن لا يتغالى في طلبها، ويختلس من ساعاته عملا لله وذكره وحسبك حكمة مأثورة: أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. هل تذهب أيها الموظف إلى حديقة الأدب لترى رجلا كان أحد جبابرة العرب وساستها وقادتها وحكامها وموطد ملك بنى أمية، وأحد البلغاء، والخطباء المصاقع. ماذا عمل بولايته، وقد خدم عبد الله بن مروان وابنه الوليد. إنه الحجاج بن يوسف الثقفى ولد سنة 41 هـ، وتوفى سنة 95 هـ في مدينة واسط بالعراق. اقرأ حكايته يا أخى عسى أن تعتبر وتحافظ على الصلاة لتنجو من عذاب الله. قال أبو على: وحدثنى أبو بكر قال: حدثنى أبى قال: حثدنا أحمد بن عبيد في أخبار الحجاج بن يوسف أنه لما حضرته الوفاة وأيقن بالموت قال اسندونى، وأذن للناس فدخلوا عليه، فذكر الموت وكربه، واللحد ووحشته، والدنيا وزوالها، والآخرة وأهوالها، وكثرة ذنوبه، وأنشأ يقول: إن ذنبى وزن السموات والأر ... ض وظنى بخالقى أن يحابى فائن من بالرضا فهو ظنى ... ولئن مر بالكتاب عذابى لم يكن ذاك منه ظلما وهل يظـ ... لم رب يرجى لحسن المآب ثم بكى وبكى جلساؤه، ثم أمر الكاتب أن يكتب إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان. أما بعد، فقد كنت أرعى غنمك، أحوطها حياطة الناصح الشفيق برعية مولاه. فجاء الأسد فبطش بالراعى ومزق المرعى كل ممزق، وقد نزل بمولاك ما نزل بأيوب الصابر، وأرجو أن يكون الجبار أراد بعبده غفراناً لخطاياه، وتكفيراً لما حمل من ذنوبه، ثم كتب آخر الكتاب: =

الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر

الترغيب في المحافظة على الصبح والعصر 1 - عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلى البردين دخل الجنة. رواه البخاري ومسلم. (البردان): هما الصبح والعصر. 2 - وعن أبي زهيرة عمارة بن روينة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لن يلج النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، يعنى الفجر والعصر. رواه مسلم. 3 - وعن أبي مالك الأشجعى عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: من صلى الصبح فهو في ذمة الله وحسابه على الله. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورواته رواة الصحيح إلا الهيثم بن يمان، وتكلم فيه، فللحديث شواهد. ¬

_ = إذا ما لقيت الله عنى راضيا ... فإن شفاء النفس فيما هنالك فحسبى بقاء الله من كل ميت ... وحسبى حياة الله من كل هالك وقد ذاق هذا الموت من كان قبلنا ... ونحن نذوق الموت من بعد ذلك فإن مت فاذكرنى بذكر محبب ... فقد كان جما في رضاك مسالكى وإلا ففى دبر الصلاة بدعوة ... يلقى بها المسجون في نار مالك عليك سلام حيا وميتاً ... ومن بعد ما تحيا عتيقاً لمالك ثم دخل عليه أبو المنذر يعلى بن مخلد المجاشعى، وقال: كيف ترى مابك يا حجاج من غمرات الموت وسكراته؟ فقال: يا يعلى، غما شديداً وجهداً جهيداً وألما مضيضاً، ونزعا جريضاً؛ وسفراً طويلا وزاداً قليلا، فويلى ويلى إن لم يرحمنى الجبار، فقال له يا حجاج: إنما يرحم الله من عباده الرحماء الكرماء أولى الرحمة والرأفة والتحنن والتعطف على عباده وخلقه. أشهد أنك قرين فرعون وهامان لسوء سيرتك، وترك ملتك، وتنكبك عن قصد الحق وسنن المحجة وآثار الصالحين، قتلت صالحى الناس فأفنيتهم، وأبرت عثرة التابعين فتبرتهم، وأطعت المخلوق في معصية الخاق، وهرقت الدماء، وضربت الأبشار، وهتكت الأستار، وسست سياسة متكبر جبار. لا الدين أبقيت، ولا الدنيا أدركت، أعززت بنى مروان، وأذللت نفسك، وعمرت دورهم، وأخربت دارك، فاليوم لا ينجونك ولا يغيثونك، إذا لم يكن لك في هذا اليوم ولا لما بعده نظر، لقد كنت لهذه الأمة اهتماما واغتماما وعناء وبلا، فالحمد لله الذى أراحها بموتك، وأعطاها مناها بخزيك (قال) فكأنما قطع لسانه عنه، فلم يحر جوابا، وتنفس الصعداء، وخنقته العبرة، ثم رفع رأسه، فنظر إليه، وأنشأ يقول: رب إن العباد قد أيأسونى ... ورجائى لك الغداة عظيم أهـ ص 174 أمالى النوادر. اللهم قنا عذابك، ونجنا من الهول، ووفقنا للعبادة إنك المستعان، واجعلنا من المعتبرين أولى الأبصار الموحدين الأبرار يارب.

(أبو مالك): هو سعد بن طارق. 4 - وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشئٍ، فإنه من يطلبه من ذمته بشئٍ يدركه، ثم يكُبُهُ على وجهه في نار جهنم (¬1). رواه مسلم وغيره. 5 - وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الغداة (¬2) فأُصيبت ذمته، فقد أصتبيح حمى الله (¬3) وأُخفرت (¬4) ذمته وأنا طالب بذمته (¬5). رواه أبو يعلى. 6 - وعن أبي بصرة الغفارى رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بالمخمص، وقال: إن هذه الصلاة عُرضت على من كان قبلكم (¬6) فضيعوها، ومن حافظ عليها كان له أجره مرتين، الحديث. رواه مسلم والنسائي. (المخمص) بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة والميم جميعاً، وقيل: بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الميم بعدها، وفي آخره صاد مهملة: اسم طريق. ¬

(¬1) يرميه في النار، معناه والله أعلم أن الذى أدى صلاة الصبح في أول وقته جماعة، فهو في أمان الله وعهده ورعايته وحفظه وصيانته، والله تعالى القوى المعتمد. ويريد النبى صلى الله عليه وسلم أن لا يقصر أي مسلم في تأدية هذا الفرض خشية أن يقع تارك صلاته تحت عقاب الله، ويكون مطالباً بالوفاء والأداء، والله إن شاء أخذه أخذ عزيز مقتدر، وأخرجه من كنف رحمته، وسياج رأفته، ورماه في جهنم على وجهه منكساً مدحوراً. (¬2) الصبح، فأصاب في عمله، ووفى عهده بينه وبين ربه، وأتبع الرشاد، وسلك الصواب وأصبح في حمى الله ورعايته، ومشى في أمانه، ورعى أوامره، بمعنى أن ما نهى الله عنه من ترك الصلاة صار في إباحة ومنع عنه الحذر، رضي الله عنه، وحمى الله مباح له الآن، وقد فسر صلى الله عليه وسلم بقوله: (ألا إن حمى الله محارمه). الله أكبر: أباح الله له طيبات الرزق يسرح ويمرح في حلال، وقد قال صلى الله عليه وسلم (لا حمى إلا لله ولرسوله) قال في النهاية: كان الشريف في الجاهلية إذا نزل بأرض في حيه استعوى كلباً فحمى مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره، وهو يشارك القوم في سائر ما يرعون فيه، فنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأضاف الحمى إلى الله ورسوله أي ما يحمى للخيل التى ترصد للجهاد أهـ. (¬3) أمانه ورضاه. (¬4) تم وفاؤه وانتهى عهده مع الله وأدى أمانته ومنه الخفير: الحامى الكفيل. (¬5) وأنا أسأله أداء الأمانة: أي النبى صلى الله عليه وسلم بريد الوفاء بما عاهد الله عليه من أداء صلاة الصبح وإلا فقد خان ونكث ونقض. (¬6) من الأمم السابقة، ولهم صلاة بنظام مخصوص غير صلاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تفضل تعالى فخفف أداءها، وقلل عددها وضاعف أجرها إكراما لحبيبه صلى الله عليه وسلم. شكراً لك يارب قبلت سيدنا ومولانا، وفرضت خمس صلوات في كل يوم وليلة ولكن في الثواب خمسون الحسنة بعشر أمثالها.

المحافظة على الصبح والعصر 7 - وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الصبح في جماعةٍ فهو فى ذمة الله، فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه. رواه ابن ماجه والطبراني في الكبير واللفظ له، ورجال إسناده رجال الصحيح. 8 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم: قال من صلى الصبح فهو في ذمة الله تبارك وتعالى، فلا تخفروا (¬1) الله تبارك وتعالى في ذمته، فإنه من أخفر ذمته طلبه الله تبارك وتعالى حتى يُكبه (¬2) على وجهه. رواه أحمد والبزار، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه. (وفى أول قصة) وهو: أن الحجاج (¬3) أمر سالم بن عبد الله (¬4) بقتل رجل، فقال له سالم: أصليت الصبح؟ فقال الرجل نعم فقال له انطلق، فقال له الحجاج: ما منعك من قتله؟ فقال سالم: حدثنى أبى أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى الصبح كان في جوار الله يومه: فكرهت أن أقتل رجلاً أجاره الله، فقال الحجاج لابن عمر: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ابن عمر: نعم. (قال الحافظ) وفى الأولى: ابن لهيعة، وفي الثانية: يحيى بن عبد الحميد الحمانى. ¬

(¬1) فلا تنقضوا عهد الله في أمانة الذى واثقكم به، إذ جمع الذرارى في عالم الأرواح وقال تعالى (ألست بربك؟ قالوا بلى. شهدنا) أخفره: نقض عهده وغدر: الاسم الخفرة: أي الذمة، والخفير: المجير خفر الرجل: أجاره، وتخفر بفلان استجار به وسأله أن يكون له خفيراً ص 182 مختار الصحاح. (¬2) يصرعه ويرميه بقسوة، وكبكبه: أي كبه، والفعل اللازم أكب هو على وجهه فانكب. قال تعالى (فكبكبوا فيها). (¬3) والى العراق وقد كتبنا لك أيها القارئ حالة الحجاج عند احتضاره لتنهض بنفسك في إبان قوتك بأن تصلى وتعمل صالحا. (¬4) سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. موظف تحت إمرة الحجاج فجئ إليه بمتهم استحق القتل في نظر الوالى الحاكم المنفذ أوامر الدولة؛ ولكن نور الله تعالى سطع على جبين هذا المتهم ظلما وعدوانا. فأدركه ذلك العالم التقى ابن الورع سلالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله: أصليت الصبح؟ سؤال بديع خارج عن تنفيذ القانون، ولكن أخذ منه حفيد عمر الاستقامة في ذلك الرجل وإنكار الإجرام لماذا؟ لأنه فقهه أبوه وأفهمه الحكمة فوعى، واسترشد بهداية الله وقد أقنع الحاكم الراعى بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانت فراسة صائبة ونظرة حكيمة وتؤدة، وخوف من الله في تنفيذ حدوده، ولعلك يا أخى تفهم إذا: السر في قوله صلى الله عليه وسلم: (من أوى إلى الله أواه) ولا تظنن أن صلاة الصبح مع ارتكاب الجرائم والإصرار على الأذى يمنعك من عقاب الله وعقاب أولى الأمر. بل إن صلاة الصبح مدعاة للتوبة. والإقلاع عن المعاصى، وبذا تعمك رحمة الله، ويشرق قلبك في شموس هدى الله وعونه وحفظه فهل تعاهدنى على صلاة الفجر مع العمل الصالح؟ لتأمن من الزلل دنيا وأخرى وفقنا الله تعالى.

9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتعاقبون (¬1) فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر، ثم يعرج (¬2) الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم - وهم أعلم بهم - كيف ترتكم عبادى؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون. وأتيانهم وهو يصلون. رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه في إحدى رواياته قال: ¬

(¬1) قال النوى: فيه دليل لمن قاله من النحويين يجوز إظهار ضمير الجمع، والتثنية في الفعل إذا تقدم وهى لغة بنى الحارث، وحكموا فيه أكلونى البراغيث، وعليه حمل الأخفش، ومن وافقه قول الله تعالى: (وأسروا النجوى الذين ظلموا) وقال سيبويه: وأكثر النحويين لا يجوز إظهار الضمير مع تقدم الفعل، ويتأولون كل هذا، ويجعلون الأسم بدلا من الضمير ولا يرفعونه كأنه لما قيل: وأسروا النجوى. قيل: من هم؟ قيل: الذين ظلموا، وكذا يتعاقبون، ونظائره، وأما اجتماعهم: تأتى طائفة من بعد طائفة ومنه تعقب الجيوش، وهو أن يذهب إلى ثغر قوم ويجئ آخرون، وأما اجتماعهم في الفجر والعصر فهو من لطف الله تعالى بعباده المؤمنين وتكرمة لهم أن جعل اجتماع الملائكة عندهم ومفارقتهم لهم في أوقات عبادتهم، واجتماعهم على طاعة ربهم، فيكون شهادة لهم بما شاهدوه من الخير، وسؤاله تعالى تعبد منه لملائكه كما أمرهم بكتب الأعمال، وهو أعلم بالجميع. أهـ ص 133 جـ 5. قال القاضى عياض رحمه الله: وقول الأكثرين أن هؤلاء الملائكة هم الحفظة الكتاب، قال: وقيل يحتمل أن يكونوا من جملة الملائكة بجملة الناس غير الحفظة، أهـ. (¬2) يصعد إلى السموات نظام شرطة يحافظون على تبليغ أعمال العباد، فتتسلم طائفة من الملائكة العبد في إبان الفجر، وترافقه أنى شاء، فيكتب أهل اليمين حسناته، وأهل الشمال سيئاته وتنتهى نوبة مراقبتهم في إبان وقت العصر، وهكذا دواليك. والله تعالى الملك الرقيب السميع البصير يسأله تشريفاً للصالح، وتبكيتاً للفاسق، فياسعادة من وصل خيره بأداء حق مولاه عسى أن ينال المغفرة، ودعوات الملائكة الصالحات. فقه الباب إن دخول الجنة بسبب المحافظة على صلاة الصبح والعصر، وذلك العمل حصن حصين يقيك النار. هذا إلى استظلال المصلى. برضوان الله وأمانه، وإن تارك صلاة الصبح بعيد من رحمة الله، وكاد يكب في جهنم. وصلاة الصبح تبرئ ذمة من أداها وتبيح له حمى الله يرتع في خيراته (وأخفرت ذمته) أي وقت، ونهى صلى الله عليه وسلم عن تأخيرها حتى تطلع الشمس (فلا تخفروا الله) أي لاتنقضوا عهده. وفيه حادثه سالم بن عبد الله الذى نجى مصلى الصبح من القتل ووافقه الحجاج. هذا إلى توريد صحائف المصلى مملوءة حسنات إلى بارئها جل وعلا لتدخر كنزاً له يوم العرض والحساب. ولعلك عرفت سر عمران الدنيا ببنى آدم، وأن الله جل وعلا أعطاه الحول والطول فيها، واصطفى جملة منهم يعبدون الله جل وعلا ويباهى ملائكته ويسألهم سؤال عظمة وإجلال وسؤال إحاطة وشمول وحكمة (كيف تركتم عبادى) فالمؤمن من حافظ على الصلوات ليذكر اسمه في الملأ الأعلى عصراً وفجراً. قال تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) 338 من سورة البقرة. أي داوموا عليها، وأدوها في وقتها. قال صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: (شغلونا عن الصلاة الوسطى =

الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر

تجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد ملائكة الليل، وتثبت ملائكة الهار، ويجتمعون في صلاة العصر، فتصعد ملائكة النهار، وتبينت ملائكة الليل فيسألهم ربهم كيف تركتم عبادى؟ فيقولون: أتيناهم وهو يصلون، وتركناهم وهم يصلون فاغفر لهم يوم الدين. الترغيب في جلوس المرء في مصلاه بعد صلاة الصبح وصلاة العصر 1 - عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الصبح (¬1) في جماعةٍ، ثم قعد (¬2) يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ¬

= صلاة العصر ملأ الله بيوتهم ناراً) وفضلها لكثرة اشتغال الناس في وقتها، واجتماع الملائكة - ومعنى قانتين ذاكرين له في القيام. والقنوت: الذكر فيه، وقيل: خاشعين، وقال ابن المسيب: المراد القنوت في الصبح ولذا قيل: الوسطى الفجر لأنها بين صلاة الليل والنهار. أسأل الله جل جلاله أن يعيننا على أداء الصلاة، ويرزقنا القبول والإقبال. وبهذه المناسبة أذكر طرفة من تفنن رجال الأدب في اليقظة صباحا، والميل إلى التبكير. قال الشاعر: غرد الطير فنبه من نعس ... وادكر كأسك فالعيش خلس سل سيف الفجر من غمد الدجى ... وتعرى الصبح من ثوب الغلس وأنجلى في حلة فضية ... ما بها من ظلمة الليل دنس وقال أبو فراس: مددنا علينا الليل والليل راضع ... إلى أن تردى رأسه بمشيب بحال ترد الحاسدين بغظيهم ... وتطرف عنا عين كل رقيب إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه ... مبادى نصول في عذار خضيب ومن رسالة للقاضى الفاضل فلما قضى الليل نحبه، وأرسل الصباح على دهمه شبهه شمل الليل إزاره، ووضع النجم أوزاره، ونزح بالطيف طاردا، وظل وراء الصبح ناشدا، وفجر الفجر، نهر النهار، واسترد البنفسج، وأهدى البهار، فمواكب الكواكب منهزمة وغرة الفجر مبتسمة. وتزوج بعض الأعراض بأربع نسوة، فأراد أن يختبر عقولهن، فقال لإحداهن: إذا دنا الصبح فأيقظنى فلما دنا الصبح قالت له: قم غارت صغار النجوم، وبقى أحسنها وأضوؤها وأكبرها، وبرد الحلى على جسدى واستلذذ باستنشاق النسيم. وقالت الثانية في ليلتها: قم ضحكت السماء من جوانبها، ولم تبق نابتة إلا فاحت روائحها، وعينى تطالبنى بإغفاءة الصباح، وقالت الثالثة، في ليلتها: قم لم يبق طائر إلا غرد، ولا ملبوس إلا برد، وقد صار للطرف في الليل مجال، وليس ذلك إلا من دنو الصباح. (¬1) في نسخة: الفجر 151 ع. (¬2) جلس في مصلاه وهو متوضئ نال ثواب حجة وعمرة - حجة تؤدى أركان الحج في وقت عرفة - ويوم عرفة، والوقوف به ركن من أركان الحج - والعمرة كذلك أركان الحج - =

ركعتين كانت له كأجر حجةٍ وعمرةٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تامةٍ تامةٍ تامةٍ. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. 2 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أقعد أُصلى مع قومٍ يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة (¬1) حتى تطلع الشمس أحبُّ إلى من أن أعتق أربعة (¬2) من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قومٍ يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلى من أن أعتق أربعةً. رواه أبو داود وأبو يعلى. قال في الموضعين: أحبُّ إلى من أعتق أربعةً من ولد إسماعيل، دية كل واحدةٍ (¬3) منهم اثنا عشر ألفاً. رواه ابن أبى الدنيا بالشطر الأول إلا أنه قال: أحب إلى مما طلعت عليه الشمس. 3 - وعن سهل بن معاذٍ عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قعد في مصلاة حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يُسبح (¬4) ركعتى الضحى لا يقول إلا خيراً غفر له خطاياه، وإن كانت أكثر من زبد البحر. رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى، وأظنه قال: ¬

= وليس فيها الوقوف بعرفة، وليس هذا يسقط فرض الحج على المسلم القادر المستطيع بل له ثوابه، وإن استطاع الحج ولم يحج نقص ركناً من إسلامه. (¬1) الزمن من الفجر كما فسروا الغدوة ما بين الغداة إلى طلوع الشمس. (¬2) في نسخة: رقبة أي ينال ثواباً جزيلا من الله جل وعلا مثل من أعتق أربعة من بنى آدم وأزال عنهم الرق، وفك العبودية، وتركهم أحرارا. (¬3) في نسخة: رجل: أي الثواب الذى يناله المصلى المنتظر من العصر إلى المغرب جزيل جداً كأنه أنفق في سبيل الله عشرة ألفا من الدراهم أو الجنيهات، وهذا ترغيب في جلوس المرء في مصلاة يكثر من ذكر الله وتسبيحه، والاستغفار، والصلاة على المختار صلى الله عليه وسلم، فالدنيا فانية، وهذا سبيل إرضاء المولى جل وعلا. (¬4) في نسخة: يصلى: أي الذى صلى الصبح، وجلس على مكان طاهر يعبد الله حتى ارتفعت الشمس قدر رمح وصلى ركعتى الضحى غفر الله ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر أي رغواته وفقاقيعه وذراته الدقيقة. فأقبل رعاك الله على العمل بهذا الحديث الصحيح، وصل الصبح في وقته، واعبد ربك في هذا الوقت البديع رجاء أن تمحى سيئاتك، فتستقبل أعمال نهارك بصدر منشرح، وتغر باسم والله عنك راض، ولست من الذين يعنيهم النبى صلى الله عليه وسلم: في قوله (من أصبح والدنيا أكبر همه، فليس من الله فى شئ، وألزم الله قلبه أربع خصال: هما لا ينقطع عنه أبداً، وشغلا لا يتفرغ منه أبداً، وفقراً لا يبلغ عناء ابداً، وأملا لا يبلغ منتها أبدا) ماذ تنتظر أيها الغافل تارك صلاة الصبح؛ قد خيم عليك الكسل ونسج عليك العنكبوت، واستحوذك عليك الشيطان حتى أنساك اليقظة والقيام مبكراً، فأصبحت كما قال صلى الله عليه وسلم: (خبيث النفس كسلان) هل لك أن تجاهد نفسك وتستيقظ لصلاة الصبح في وقته لتستنشق نسيم الحياة، وتؤدى حق الله، وتشترى الجنة بانتظارك مدة على مصلاك تذكر الله سبحانه وتعالى.

من صلى صلاة الفجر ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس وجبت له الجنة. (قال الحافظ) رواه الثلاثة من طريق زبان بن فائد عن سهل، وقد حسنت، وصححها بعضهم. 4 - وروى عن أبي أُمامة رضي الله عنه يرفعه قال: من صلى الفجر ثم ذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين أو أربع ركعاتٍ لم تمس جلده النار (¬1) وأخذ الحسن بجلده فمدّهُ. رواه البيهقى. 5 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن أقعد أذكر الله، وأُكبرهُ، وأحمدهُ، وأُسبِّحُهُ وأُهَلِّلُهُ حتى تطلع الشمس أحبُّ إلى من أن أعتق رقبتين من ولد إسماعيل، ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلى من أن أعتق أربع رقبات من ولد إسماعيل (¬2) رواه أحمد بإسناد حسن. 6 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الغداة في جماعةٍ، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجرِ حجةٍ وعمرةٍ. رواه الطبراني وإسناده جيد. 7 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصلاة، وقال: من صلى الصبح، ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة بمنزلة عمرةٍ، وحجةٍ متقبلتين. رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات إلا الفضل بن الموفق ففيه كلام. ¬

(¬1) لم يحرق، أي فعلك هذا يبعد جسمك عن النار. يا عجباً لابن آدم وغفلته عن ثواب الآخرة! يتعب في الدنيا ويشقى، وهذا وعد الله ورسوله لمن ذكر الله غدوة، وأخلص لله في طاعته، وحافظ على صلاة الصبح ثم صلى ركعتى الضحى. (¬2) معناه المحافظة على ذكر الله، وتمجيده في هذا الوقت أكثر في الثواب وأحب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من فك رقبة أربعة من بنى آدم، وإن إعتاق النفس من ربقة الذل تنجى الإنسان من شدائد الدنيا والآخرة، وتجعله يعبر عقبة يوم القيامة ظافراً منصوراً. قال الله تعالى (فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذى مسبغة يتيما ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) 18 من سورة البلد. انتظارك بعد صلاة الصبح تذكر الله كأنك فككت أربع رقاب في سبيل الله، ونالوا الحرية، وإحياء النفوس متطلعة إلى الحياة السعيدة، إذ المعنى كما قال البيضاوى فلا فك رقبة، ولا أطعم يتيما، أو مسكيناً، والمسغبة، والمقربة، والمتربة: مفعلات من سغب إذا جاع، وقرب في النسب، وترب إذا افتقر، وأوصى بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله تعالى، وبالرحمة على عباده، أو بموجبات رحمة الله تعالى. أهـ.

8 - وعن عبد الله بن غابرٍ أن أُمامه وعُتبة بن عبد رضي الله عنهما حدثاهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صلى صلاة الصبح في جماعةٍ ثم ثبت (¬1) حتى يُسبح لله سُبْحَهَ الضُّحى كان له كأجر حاجٍّ ومعتمرٍ تاما له حجه وعمرته. رواه الطبراني وبعض رواته مختلف فيه، وللحديث شواهد كثيرة. 9 - وروى عن عمرةَ رضي الله عنها قالت: سمعت أُم المؤمنين، تعنى عائشة رضي الله عنها تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى الفجر (¬2) أو قال الغداة فقعد في مقعده فلم يلغ (¬3) بشئٍ من أمر الدنيا، ويذكر الله حتى يُصلى الضحى أربع ركعاتٍ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب له (¬4) رواه أبو يعلى واللفظ له والطبراني. 10 - وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً قبل نجدٍ فغنموا غنائم كثيرةً وأسرعوا الرجعة، فقال رجلٌ منا لم يخرج: ما رأينا بعثاً أسرع رجعةً ولا أفضل غنيمةً من هذا البعث، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على قومٍ أفضل غنيمة وأسرع رجعةً: قومٌ شهدوا صلاة الصبح ثم جلسوا يذكرون الله حتى طلعت الشمس، أُولئك أسرع رجعةً وأفضل غنيمةً (¬5). رواه الترمذي ¬

(¬1) جلس على مصلاه يذكر الله حتى جاء وقت الضحى، فصلى لله تعالى ركعات الضحى من اثنتين إلى ثمانية أعطاه الله ثواب حاج ومعتمر. (¬2) أول الوقت يسمى فجراً لأنه شق الليل شقاً واسعاً، ومنه قوله تعالى: (والفجر وليال عشر) (إن قرآن الفجر كان مشهودا) أي تشهده ملائكة الرحمة، وكلمة الغداة تستمر إلى طلوع الشمس. (¬3) يهذ ويتحدث كلاما لا فائدة فيه. (¬4) يقوم من مصلاه وصحائفه نقية قد غفر الله له. (¬5) يحاربون الأعداء، ففازوا بالظفر وانتصروا، وكسبوا مغانم وذخائر وعددا حربية وأموالا جمة، فرجعوا بسرعة فرحين مسرورين بما اكتسبوا، وقد ضرب لهم صلى الله عليه وسلم مثلا أعلى يشبه هذا الفوز والنصر والكسب بقوم صلوا صلاة الصبح جماعة في وقته، ثم انتظروا يذكرون الله جل وعلا، ويسبحونه حتى مطلع الشمس، ثم قاموا إلى بيوتهم، والبشر يعلوا وجههم والنور يسطع في جباههم، والفوز حليفهم. لماذا؟ لأنهم أرضوا ربهم وعبدوه وسألوه واستغفره، فهذا تشبيه بديع، كما رجع المحاربون بالخيرات، آب المصلون بالحسنات والبركات، وكما جاهد الأولون في حرب الأعداء كذلك المصلون جاهدوا النفس في عبادة الله وطاعته، وهذا عمل صالح سهل إدراكه أيها المسلمون أود أن تصلوا الصبح في المسجد جماعة، ثم تنتظرون تكثرون: من تحميد الله وتمجيده، ثم تذهبون إلى إدارة أعمالكم، ومحال تجارتكم، أو صناعتكم.

في الدعوات من جامعه، ورواه البزار وأبو يعلى، وابن حبان في صحيحه من حديث أبى هريرة بنحوه، وذكر البزار فيه أن القائل ما رأينا هو أبو بكر رضي الله عنه، وقال في آخره: فقال النبى صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ألا أدُلكَ على ماهو أسرعُ إياباً (¬1) وأفضل مغنماً (¬2): من صلى الغداة في جماعة، ثم ذكر الله حتى تطلع الشمس. 11 - وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع (¬3) في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً (¬4). رواه مسلم وأبو داود. ¬

(¬1) عودة. (¬2) شيئاً نالوه من المال، والذخائر، والثواب. (¬3) التربيع: جعل الشئ مربعا ومنه تربع أي جلس متربعاً. (¬4) طلوعاً حسناً، بمعنى يعم ضوؤها المعمورة. فقه الباب أ - السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم يدلك على تجارة رابحة وخطة ناجحة، أن تستيقظ مبكراً ثم تصلى الصبح وتستمر على مصلاك حتى مطلع الشمس، وتتنفل بركعتين ليكتب لك ثواب أجر حجة تامة، وثواب من أحسن إلى المسلمين بالحرية المطلقة، وفك أسر المأسورين، وأزال كرب المكروبين. ب - ثم إذا انتظرت نحو نصف ساعة من طلوع الشمس، وصليت ركعتى الضحى طهرت، من الدنس ونقيت صحيفتك من الخطايا وإن كانت مثل رغوات البحر وزبده، وأوجب الله لك الجنة عدلا ورأفة وأخذت لنفسك جائزة البراءة من النار، والنجاة من الأشرار، وحسبانك مع الأبرار الأطهار، وبسط الله لك في رزقك وشعرت بالفرح وذهبت إلى عملك قرير العين مثلوج الفؤاد. باسم الثغر. ممتلئاً قوة ونشاطا وثقة بالله، واعتمادا عليه لأنك تحس برضا مولاك، وإحاطة رحمته بك كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث (أولئك أسرع رجعة وأفضل غنيمة) لعمرى. شعور الإنسان بأداء واجب ربه محور السعادة ومجلس السيادة والسرور، ومدعاة لرضا المخلوق، وهذا معنى الحديث. وقد قال الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تليهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار، لجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضه؛ والله يرزق من يشاء بغير حساب) 39 من سورة النور. أي كمشكاة في بض بيوت، والمراد بها المساجد. إن هذا تمثيل لصلاة المؤمنين الذين ينزهونه ويصلون له في المساجد بالغدوات والعشيات. لا تشغلهم معاملة رابحة عن الله، ويحافظون على الصلوات، وإخراج المال للمستحقين خشية هول يوم تضطرب فيه القلوب. فلا تفقه، وتتغير الأبصار، فلا تبصر، فتنقلب من توقع النجاة، وخوف الهلاك، والأبصار تطيش من أي ناحية يؤخذ بهم، ويؤتى كتابهم. رحماك اللهم رحماك الآن تجنى ثمرة الأعمال في النيا. فيتجلى الله على المسبحين الخائفين منه جل وعلا، ويجزيهم أحسن جزاء ما عملوا الموعود لهم من الجنة (ويزيدهم من فضله) أي يعطيهم أشياء لم يعدهم بها على أعمالهم، ولم تخطر ببالهم (والله يرزق) تقريراً لزيادة، وتنبيها على كمال القدرة، ونفاذ المشيئة، وسعة الإحسان. إن شاهدى في الآية (يسبح له فيها بالغدو والآصال) والغدو: وقت الصبح، والآصال: جمع أصيل بعد العصر، ويسمى العشايا، وكان الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم يصلون الفجر، وينتظرون على =

والترمذي والنسائي والطبراني، ولفظه: كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حتى تطلع ¬

_ = مصلاهم يسبحون الله حتى مطلع الشمس حتى اندهش أحدهم حينما ظن أنه ليس على مصلاه (أظننتم أن بآل عبدة غفلة) ونحن في هذا الزمن زاد السهر والسمر ويتأخر الغافل في النوم حتى تطلع الشمس وأرى أن الله تعلى يعنيه بقوله: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال البيضاوى: أي غافلون غير مبالين بها أهـ. من سورة الماعون، فحذار أيها المسلم من رقدة الصبح وتكاسل الشيطان في وسوسة لذة نومه، واتق الله واستيقظ عسى أن يزول عنك النفاق ولا تكون من الذين قال الله فيهم: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) 144. من سورة النساء. قد يبعد عنك النفاق (والحمد لله) المحافظة على صلاة الفجر وصلاة العصر جماعة ومصداق ذلك قوله تعلى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة) فإقامة الصلاة نور الإيمان يزداد في قلوب الصالحين، وهو خصلة من خصال المؤمنين، وفعلة لازمة لهم، ومطمح آمالهم، ومنتهى رجائهم، ووصلة بينهم لربهم، وكثيراً ما ذكر الله المؤمنين في كتابه، وعد من أعمالهم المحافظة على الصلاة. قال تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) - وقال تعالى: (والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) وقال تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) 3 من سورة البقرة. وقال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) 28 من سورة الرعد. والصلاة ذكر قال تعالى: (وأقم الصلاة لذكرى) وفسر العلماء (ساهون) يؤخرون الصلاة عن وقتها؛ وأوعدهم الله بعذاب جهنم عن هذه الغفلة، فما بالك بالتارك لها بتاتاً. إن عذابه شديد وعقابه أليم، ويا ويله من ربه الذى أغدق عليه نعمه في حياته فإنها ألهته عن مولاه وقد قال تعالى ينادى المؤمنين العاملين: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم وأموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) 9 من سورة المنافقون. هل تعاهدنى أخى على الصلاة في أوقاتها حتى لا تغفل عن الله، وتجيب داعى هذه الآية. اللهم وفقنا واقبلنا وساعدنا واشفنا إنك قدير ولى جدير بالإجابة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. ولعلك عرفت يا أخى أفعال الموفقين في الحياة الذين جمعوا بين العمل لطلب الرزق وطاعة الله بأداء الحقوق وتسبيح الله صباحاً ومساء. وهنا أزيد دليلا آخر. قال الله تعالى لحبيبه سيدنا محمد وعلى آله وصبحه وسلم (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) 29 من سورة الكهف. ياعزيزى: احبس نفسك مع المطيعين المسبحين الذاكرين، وثبتها على العمل الصالح، وملازمة طاعتى، وكن قائداً لهؤلاء، وسباقا للمكرمات معهم في مجامع أوقاتهم (بالغداة والعشى) أو في طرفي النهار ويوافق نص الكتاب السنة في أن المطلوب ذكر الله في أول بدء العمل وآخره ابتغاء رضا الله وطاعته. وما الحياة بأنفاس نرددها ... إن الحياة حياة العلم والعمل وانظر إلى هذا النهى البديع، يريد الله جل وعلا أن ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم ليتعظ المسلمون خشية أن يزدروا بفقراء المؤمنين، ويحتقروا رثاثة ثيابهم طموحا إلى طرواة زى الأغنياء، فلا ينظرون إلى نعم الأغنياء بل ينظرون إلى الأعمال الصالحة فيحصلونها. هذا إلى نبذ من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا كأمية بن خلف في دعائك إلى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش، وفي تنبيه على أن الداعى له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات وانهماكه في المحسوسات حتى خفى عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد، وأنه لو أطاعه كان =

الشمس، وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه قال: عن سماكٍ أنه سأل جابر بن سمرة كيف كان ¬

_ = مثله في الغباوة (وكان أمره فرطا) أي تقدما على الحق ونبذاً له وراء ظهره. يقال: فرس فرط، أي متقدم للخيل، ومنه الفرط. أهـ بيضاوي. وهل تجد أحسن عمل من عطف الله على عبده الذى يعبده صباح مساء، ويصلى عليه: أي يرحمه، وملائكته تدعو له بالتوفيق والغفران، وسعة الرزق ومصداق قوله تعلى في الترغيب الثالث: (ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريما) 45 من سورة الأحزاب. إن شاهدنا بكرة وأصيلا أي أول النهار وآخره وأمر تعالى بذكره يغلب الأوقات، ويعم الأنواع بما هو أهل له من التقديس والتحميد والتهليل والتمجيد، ورتب على ذلك صلاة الله: عطفه وإحسانه، وصلاة ملائكته اهتمام بمصالح العباد. قال البيضاوى: المراد بالصلاة المشترك، وهو العناية بصلاح أمركم، وظهور شرفكم مستعار من الصلو، وقيل: التراحم والانعطاف المعنوى. مأخوذ من الصلاة المشتملة على الانعطاف الصورى الذى هو الركوع والسجود، واستغفار الملائكة ودعاؤهم للمؤمنين ترحم عليهم سيما وهو السبب الرحمة من حيث إنهم مجابو الدعوة أهـ 588. هذا إلى مدد الله وإخراج العابد المسبح من ظلمات الكفر والفسوق، والغفلة والمعصية إلى نور الإيمان وطاعة الله، والثقة به الاعتماد عليه، والجمع بين عبادته، والعمل للدنيا، وأعظم فائدة يجنيها المسبح إكرام الله عند الموت وتحيته وبشراه بالنعيم المقيم في الجنة وإخباره بالسلامة من كل مكروه وآفة، والترغيب الرابع قوله تعالى: (فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً، واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا، ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا) 27 من سورة الدهر. داوم على ذكره صباحاً وظهراً وعصراً (ومن الليل فاسجد له) لعل المراد به المغرب والعشاء (وسبحه ليلا) أي تهجد له طائفة طويلة من الليل، ولا تطع الكفرة والفسقة واصبر وانتظر فرج الله ونصره وسعة رزقه، وهذا تعليم لأمته كى تتأسى به صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة عماد الدين وعصام اليقين، ورأس القربات، وغرة الطاعات، ثم تذكر الله بعد أدائها. المعانى الباطنة التى تتم بها حياة الصلاة كما في إحياء علوم الدين قال الإمام الغزالي: أولا: حضور القلب، ونعنى به أن تفرغ القلب عن غير ما هو ملابس له ومتكلم به، فيكون العلم بالفعل والقول مقروناً بهما، ولا يكون الفكر جائلا في غيرهما: ثانياً: التفهم لمعنى الكلام أمر وراء حضور القلب فربما حاضراً مع اللفظ، ولا يكون حاضراً مع معنى اللفظ، فاشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ هو الذى أردناه بالتفهم، وهذا مقام يتفاوت الناس فيه إذ ليس يشترك الناس في تفهم المعانى للقرآن والتسبيحات، وكم من عانى لطيفة يفهمها المصلى في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه ذلك قبله ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر فإنها تفهم أموراً تلك الأمور تمنع عن الفحشاء لا محالة. ثالثاً: التعظيم أمروراء حضور القلب والفهم زائد عليهما. رابعاً: الهيبة عبارة عن خوف منشؤه التعظيم، والهيبة خوف مصدرها الإجلال. خامساً: الرجاء يرجو مثوبة، والعبد ينبغى أن يكون راجياً بصلاته ثواب الله عز وجل كأنه خائف بتقصيره عقاب الله عز وجل. سادساً: الحياء فهو زائد على الجملة لأن مستنده تقصير، وتوهم ذنب. وحضور القلب سببه الهمة، ولا يحضر إلا فيما يهمك، فلتهمك الصلاة لأنها وسيلة إلى الآخرة مع العلم بحقارة الدنيا. والتفهم سببه إدمان الفكر، وصرف الذهن إلى إدراك المعنى مع التشمر لدفع الخواطر، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره =

رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا صلى الصبح؟ قال: كان يقعد في مصلاهُ إذا صلى ¬

_ = والتعظيم سببه معرفة جلال الله عز وجل وعظمته، وهو من أصول الإيمان، ثم معرفة حقارة النفس وخستها وكونها عبداً مسخراً مربوبا حتى تتولد والانكسار، والخشوع لله سبحانه وتعالى والهيبة والخوف فحالة النفس تتولد من المعرفة بقدرة الله تعالى وسطوته، ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به، وأنه لو أهلك الأولين والآخرين لم ينقص من ملكه ذرة. هذا مع مطالعة ما يجرى على الأنبياء والأولياء من المصائب، وأنواع البلاء مع القدرة على الدفع على خلاف ما يشاهد من ملوك الأرض؛ وبالجملة كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة. والرجاء سببه معرفة لطف الله عز وجل وكرمه، وعميم إنعامه، ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة فإذا حصل اليقين بوعده، والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعها الرجاء لا محالة. والحياء، فباستشعاره التقصير في العبادة، وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله عز وجل ويقوى ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها، وقلة إخلاصها، وخبث دخلتها، وميلها إلى الخط العاجل في جميع أفعالها مع العلم بتعظيم مايقتضيه جلال الله عز وجل، والعلم بأنه مطلع على السر، وخطرات القلب، وإن دقت وخفيت وهذه المعارف إذا حصلت يقيناً انبعث منها الحياء، ومعنى اليقين هنا انتفاء الشك واستيلاؤها على القلب ولذا قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه أهـ ص 168 جـ 1. البلسم الشافى والدواء الكافى في الصلاة إن الله تعالى جعل الصلاة مفرجة للكروب مزيلة للهموم ميسرة للرزق مجلبة للخير، ومعين البر، وسبب الرحمة والقناعة، ومفتاح الصحة والسلامة، ومزيلة للهلع الناجم عن الركون لزخارف الدنيا وحظوظها، والتطلع إلى ما في أيدى الناس، وإيثار العاجل على الآجل، وهى سبب توطين النفس على الثبات، وقوة الجأش لعلم المصلى أن كل شئ من الله جل أو دق وهى وسيلة إلى الركون إلى الله وتغيير قبيح الأخلاق من التباغض والتحاسد والتنابذ والتراشق، وضعف العزيمة، والخور في الإرادة، والتردد والخمول والضعف وكونه ألعوبة مشاغل الدنيا، وتبع شهواته. على أنها مجمع الغنى والفقير والجليل والحقير، فيجتمعون في الصلاة لتتحد كلمتهم، وتتوثق عرا الصداقة والمودة والمحبة، فيتعاونوا على ما يجلب لهم الخير، ويدفع عنهم الضير، وبذا تتأصل الرحمة والشفقة فيتزاورون ويتشاورون، ويعودون المرضى، ويمدون المحتاج، ويغيثون الملهوف. فقد روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: تفقدوا إخوانكم في الصلاة، فإن فقدتموهم، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا أصحاء فعاتبوهم. هذا إلى تعويد المؤمنين الحرية، وإشراب قلوبهم المساواة والإخاء فترى وقوف السيد بجانب المسود والمخدوم قريباً من الخادم، وتغرس في نفوس المسلمين حب الطاعة، والانقياد إلى الرؤساء، وفى المثل الكامل لجاد المولى بك: قد فطن لهذا السر (رستم) قائد جيش الفرس حين رأى الصحابة يصلون خلف إمامهم ويتحركون لحركته، ويسكنون لسكونه. أهـ ص 157: فأنت ترى وصلة الإنسان إلى ربه الصلاة كما قال لحبيبه صلى الله عليه وسلم: (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين) أي أنت تتألم يا محمد من أقوال الكافرين، وطعن الفاسقين، وشرك الجاحدين واستهزاء المجرمين فافزع إلى الله تعالى فيما نابك بالتسبيح والتحميد يكفك ويكشف الغم عنك، أو فنزهه عما يقولون حامداً له على أن هداك للحق؛ وكن من الساجدين أي من المصلين، وعنه =

الصبح حتى تطلع الشمس. ¬

_ = عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) فاعبده مادمت حياً؛ ولا تخل بالعبادة لحظة حتى يأتيك الموت، فإنه متيقين لحاقه كل حى مخلوق. أهـ بيضاوى. عليك أخى بالصلاة إذا أصابك مكروه: فالجأ إلى مولاك، وقف بخشوع وخضوع أمام عظمته واسأله يجب طلب، وتضرع إليه يزل غمك، واقصده بغثك، وادعه يجبك، واشك إليه يرحمك، وتوكل عليه يقودك، واعتمد عله يعنك وسبحه يرحمك، واستعن به يمدك بروحه، واقتد بالأنبياء ينفحك الله بنفحاته، وآس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك عسى أن تكون أسوة حسنة، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً للحق وطاعة الله وافقه قوله تعالى (فمن يعمل من الصلحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون) 59 من سورة الأنبياء. شرطان لعدم تضييع ثواب الله. أولا: عمل صالح. ثانياً وإيمان بالله ورسله. وتجد الله العظيم يؤكد بجلاله، وإنا لسعيه مثبتون في صحيفة عمله لا يضيع بوجه ما. اللهم وفقنا وأعنا. الدواء النافع في حضور القلب كما في إحياء علوم الدين قال الإمام الغزالي: اعلم أن المؤمن لا بد أن يكون معظماً لله عز وجل وخائفا منه وراجياً له ومستحيياً من تقصيره، فلا ينفك عن هذه الأحوال بعد إيمانه، وإن كانت قوتها بقدرة قوة يقينه، فانفكاكه عنها في الصلاة لا سبب له إلا تفرق الفكر وتقسيم الخاطر: وغيبة القلب عن المناجاة، والغفلة عن الصلاة ولا يلهى عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة؟ فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر، ولا يدفع الشئ إلا بدفع سببه، فلتعلم سببه وسبب موارد الخواطر. إما أن يكون أمراً خارجاً أو امرا في ذاته باطناً. أما الخارج فما يقرع السمع أو يظهر البصر، فان ذلك قد يختطف الهم حتى يتبعه ويتصرف فيه ثم تنجر منه الفكرة إلى غيره ويتسلسل ويكون الإبصار سبباً للافتكار: ثم تصير بعض تلك الأفكار سبباً للبعض، ومن قويت نيته وعلت همته لم يلهه ما جرى على حواسه، ولكن الضعيف لا بد وأن يتفرق به فكره وعلاجه قطع هذه الأسباب بأن يغض بصره أو يصلى في بيت مظلم، أو لايترك بين يديه ما يشغل حسه، ويقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره، ويحترز من الصلاة على الشوارع، وفي المواضع المنقوشة المصنوعة، وعلى الفرش (المبسوطة) المصبوغة ولذلك كان المتعبدون يتعبدون في بيت صغير مظلم سعته قدر السجود ليكون ذلك أجمع للهم، والأقوياء منهم كانوا يحضرون المساجد، ويغضون البصر، ولا يجاوزون به موضع السجود ويرون كمال الصلاة في أن لا يعرفوا من على يمينهم وشمالهم، وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يدع في موضع الصلاة مصحفاً ولا سيفاً إلا نزعه، ولا كتابا إلا محاه. وأما الأسباب الباطنة فهى أشد، فإن من تشبعت به الهموم في أودية الدنيا لا ينحصر فكره في فن واحد، بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب وغض البصر لا يغنيه، فان ما وقع في القلب من قبل كاف للشغل، فهذا طريقه أن يرد قهراً إلى فهم مايقرؤه في الصلاة ويشغلها بها عن غيره، ويعينه على ذلك أن يستعد له قبل التحريم بأن يجدد على نفسه ذكر الآخرة وموقف المناجاة، وخطر المقام بين يدي الله سبحانه وتعالى، وهو المطلع، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه، فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان ابن أبى شيبة (إنى نسيت أن أوقل لك أن تخمر القدر الذى في البيت فإنه لا ينبغى في البيت شئ يشغل الناس عن صلاتهم) فهذا طريق تسكين الأفكار فان كان لا يسكن هائج أفكاره بهذا الدواء المسكن فلا ينجيه إلا المسهل الذى يقمع مادة الداء من أعماق العروق وهو أن ينظر في الأمور =

الترغيب في أذكار يقولها بعد الصبح والعصر والمغرب

الترغيب في أذكار يقولها بعد الصبح والعصر والمغرب 1 - عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثانٍ رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير عشر مراتٍ كتب الله له عشر حسناتٍ، ومحا (¬1) عنه عشر سيئاتٍ، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك كله في حرزٍ (¬2) من كل مكروهٍ، وحُرِسَ (¬3) من الشيطان، ولم ينبغ (¬4) لذنبٍ أن يُدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله تعالى. رواه الترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب صحيح، والنسائي، وزاد فيه: الخير، وزاد فيه أيضاً من حديث معاذ، وزاد فيه: من قالهن حين ينصرف من صلاة العصر أُعطى مثل ذلك في ليلته. 2 - وعن الحارث بن مسلم التميمى رضي الله عنه قال: قال لى النبى صلى الله ¬

= الصارفة عن إحضار القلب ولا شك أن تعود إلى مهماته. وأنها إنما صارت مهمات لشهواته فيعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلائق، فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه وجند إبليس عدوه فإمساكه أضر عليه من إخراجه فيتخلص منه بإخراجه كما روى (أنه صلى الله عليه وسلم لما لبس الخميصة التى أتاه بها أبو جهم، وعليها علم وصلى بها نزعها بعد صلاته. وقال صلى الله عليه وسلم: اذهبوا بها إلى ابى جهم فإنها ألهتنى آنفاً عن صلاتى وائتونى بأنبجانية أبى جهم، متفق عليه أهـ ص 146 جـ 1 فحب الدنيا رأس كل خطيئة وأساس كل نقصان ومنبع كل فساد ومن فرح بالدنيا لا يفرح بالله سبحانه وتعالى وبمناجاته، وهمة الرجل مع قرة عينه وهمه الدنيا والآخرة في القلب مثل الماء الذى يصب فى قدح مملوء بخل فيقدر ما يدخل فيه من الماء يخرج منه من الخل أهـ كلامه. (¬1) أزال. (¬2) حصن حصين مكين. (¬3) حفظ من وساوس ذلك العدو الألد الذى يحدث النفس عن اتباع الفجور وترك طاعة الله. (¬4) يظهر، يقال نبغ الشئ إذا ظهر ونبغ فيهم النفاق إذا ظهر ما كانوا يخفون فيه، وفي حديث عائشة: (غاض نبغ النافق والردة) أي نقصه وأذهبه أهـ. والمعنى: الذى يحافظ على قراءة هذا الورد كل يوم بعد صلاة الفجر تكرم عليه جل جلاله بزيادة حسنات مضاعفة وإزالة سيئات ما حقة، وتحصن من المصائب؛ ووقى شر الحوادث وبعد عن المكاره والوسواس الخناس فلا يجد الشيطان له فرصة يغويه ويضله هذا إلى سلامته من كل الذنوب مدة يومه إلا إذا ألحد وأشرك بربه أحداً، وهذا عمل يسير به يناله فضل الله الكبير - فيغدقه برحمته: ويحيطه بكراماته، فاجتهد يا أخى أن تكثر من تسبيح الله وتحميده بعد صلاتى الفجر والعصر كما رواه سيدنا معاذ.

عليه وسلم: إذا صليت الصبح، فقل قبل أن تتكلم: اللهم أجرنى (¬1) من النار سبع مراتٍ فإنك إن مت من يومك كتب الله لك جواراً (¬2) من النار، وإذا صليت المغرب، فقل قبل أن تتكلم: اللهم أجرنى من النار سبع مراتٍ فإنك إن مت من ليلتك كتب الله لك جواراً من النار. رواه النسائي وهذا لفظه، وأبو داود عن الحارث بن مسلم عن أبيه مسلم بن الحارث. (قال الحافظ): وهو الصواب لأن الحارث بن مسلم تابعى، قاله أبو زرعة وأبو حاتم الرازى. 3 - وعن عمارة بن شبيبٍ السِّبَانِّىِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويمت، وهو على كل شئ قدير عشر مرات على إثر (¬3) المغرب بعث الله له مسلحةً (¬4) يحفظنه من الشيطان حتى يصبح، وكتب الله له بها عشر حسناتٍ موجباتٍ (¬5)، ومحا عنه عشر سيئات موبقاتٍ (¬6) وكانت له بعدل (¬7) عشر رقباتٍ مؤمناتٍ. رواه النسائي والترمذي، وقال: حديث حسن لا نعرف إلا من حديث ليث ابن سعد ولا نعرف لعمارة سماعا من النبى صلى الله عليه وسلم. 4 - وعن أبي أيُّوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال: إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل ¬

(¬1) أغثنى وأبعد عنى. (¬2) في النسخ المطبوعة التي بأيدينا: جواراً، والجوار: أن تعطى الرجل ذمة فيكون بها جارك فتجيره من جاوره وجواراً من باب قاتل، أي أمنه الله مما يخاف. والجار: الحليف والناصر، ولكن في د المخطوطة ص 106 جوازاً: ومعنى جوازاً: أي براءة وإجازة تبعده عن جهنم: قال تعالى: (فلما جاوزه هو) أي تجاوز جوزه - وجاز الموضع: سلكه وسار فيه، يجوز جوازاً في النهاية حديث: (كنت أبايع الناس، وكان من خلقى الجواز) أي التساهل والتسامح في البيع والاقتضاء. (¬3) أي بعد صلاة المغرب؛ يقال: جئت في أثره بفتحتين، وإثره بكسر الهمزة والسكون، أي تبعته عن قرب. (¬4) ملائكة حفظة مزودة بقوة من الله ورعايته وصيانته ورحماته. (¬5) مستحقات الإثابة. وفي رواية: كتب له بها عشر، ومحى عنه عشر. (¬6) مهلكات جالبات الشر والضرر ومسببات العذاب الأليم. (¬7) بقدر ثواب عتق أشخاص عشرة نالوا الحرية المطلقة وفكوا من أسر الذل والعبودية؛ الله أكبر؛ ورد بديع مصدر الخير والبر وعطف الله تقال هذه الصيغة مساء فتنال الحسنات وتذهب السيئات، ويقيك الله شر الأعداء وتحوطك ملائكة الرحمة وتعد من المحسنين المنفقين المعتقين.

شئٍ قديرٌ. عشر مراتٍ كتب الله له بهن عشر حسناتٍ، ومحا بهن (¬1) عشر سيئات، ورفع له بهن عشر درجاتٍ، وكن له عدل (¬2) عتاقةِ أربع رقابٍ، وكن له حرساً (¬3) حتى يمسى، ومن قالهن إذا صلى المغرب دبر صلاته (¬4) فمثل ذلك حتى يُصبح. رواه أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه، وهذا لفظه. وفي روايةٍ له: وكن له عدل عشر رقابٍ. 5 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال حين ينصرف من صلاة الغداة (¬5): لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد بيده الخير، وهو على كل شئٍ قدير عشر مراتٍ أُعطى بهنَّ (¬6) سَبْعاً: كتب ¬

(¬1) في نسخة: ومحى عنه. (¬2) عدل: قدر، وقيمة ونصيب. وعتق العبد يعتق عتقاً وعتاقا وعتاقة لهو عتيق وعاتق: والعتق الكرم، وهو أيضا الجمال وهو أيضاً الحرية، وكذا العتاق والعتاقة. والمعنى إطلاق أربعة أنفس من ذل العبودية، فيتنسمون نسيم الحرية والطلاقة وعدم الأسر والاستبعاد. (¬3) بمعنى أن الله يتفضل فيجعل لقائل هذا الورد حراساً له وحفظة ووقاية. (¬4) بعد صلاته ينال زيادة الحسنات وإزالة السيئات، ويتجلى عليه ربه بحراسته، وتحيط به جنود الرحمة طيلة ليله حتى يصبح. فلتحافظ على هذا يا أخى، فهذا وصف الصادق المصدوق للمسلم الذاكر الله، المحافظ على أداء حقوق الله، المعتمد على مولاه. أي ثواب هذا الورد لقائله يساوى ثواب من أعتق عشرة أو أربعة أشخاص لوجه الله تعالى ومتعهن بالحرية. (¬5) الغدوة: ما بين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس، والمعنى والله أعلم بعد أداء صلاة الفجر كما في الحديث، ويقال آتيك غداة غد، والجمع غدوات، فالغداة أول وقت الفجر، وفيه حث على اليقظة مبكراً، والإكثار من ذكر الله صباحا رجاء كسب الخير، وزيادة الرزق ورفع الدرجات في الجنة والبعد عن النار، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة مائة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فانه أعلى الجنة ومنه تفكر أنهار الجنة) وقد قال الله تعالى: (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) أي الخصلة الحسنى؛ وهى السعادة أو التوفيق بالطاعة أو البشرى بالجنة. (¬6) الله تعالى تكفل أن يعطيه سبع فوائد: أولا: عشر حسنات. ثانياً محو سيئات. ثالثاً: زيادة درجات. رابعاً: ثواب العتق. خامساً: الحفظ من الشيطان. سادساً: السلامة من المصائب. سابعاً: التنقية من العيوب والنجاة من العذاب. تلك خصال سبعة لمن سبح الله وكبر، أولئك عنها مبعدون. قال البيضاوى: لأنهم يرفعون إلى أعلى عليين. روى أن علياً كرم الله وجهه خطب وقرأ هذه الآية ثم قال: أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وابن الجراح، ثم أقيمت الصلاة فقام يجر رداءه ويقول: (لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت انفسهم خالدون، لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذى كنتم توعدون) 104 من سورة الأنبياء. شاهدنا رفع الدرجات وأخبرنا صلى الله عليه وسلم بالمحافظة على التسبيح بعد الفجر والمغرب (خالدون) أي دائمون في غاية التنعيم، ولا تهمهم النفخة الأخيرة وتستقبلهم ملائكة الرحمة، مهنئين لهم هذا يوم ثوابكم الموعود به في الدنيا.

الله له بهن عشر حسناتٍ، ومحا عنه بهن عشر سيئات، ورفع له بهن عشر درجاتٍ، وكُنَّ له عدل (¬1) عشر نسمات، وكن له حفظاً (¬2) من الشيطان، وحرزاً (¬3) من المكروه، ولم يلحقه في ذلك اليوم ذنب إلا الشرك بالله، ومن قالهن حين ينصرف من صلاة المغرب أُعطى مثل ذلك ليلته (¬4). رواه ابن أبى الدنيا والطبراني بإسناد حسن واللفظ له. (العدل): بالكسر وفتحه لغة: هو المثل: وقال بعضهم: العدل بالكسر، ما عادل الشئ من جنسه، وبالفتح ماعادله من غير جنسه. 6 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال دُبُرَ (¬5) صلاة الغداة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحي ويميت بيده الخير وهو على كل شئٍ قدير مائة مرة قبل أن يثني رجليه (¬6) كان يومئذٍ من أفضل أهل الأرض عملاً إلا من قال مثل ما قال، أو زاد على ما قال. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد، ورواه فيه، وفي الكبير أيضاً من حديث أبى الدرداء، ولفظه: من قال بعد صلاة الصبح وهو ثانٍ رجليه قبل أن يتكلم (¬7): لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شئ قديرٌ عشر مراتٍ. كتب الله له بكل مرةٍ عشر حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجاتٍ، وكن له في يومه ذلك حرزاً من كل مكروهٍ، وحرساً (¬8) من ¬

(¬1) العدل: بكسر العين: مثل الشى من جنسه أو مقداره، وعدل الشئ بفتح العين: ما يقوم مقامه من غير جنسه، ومنه قوله تعالى: (أو عدل ذلك صياماً)، والعدل. الفدية. قال تعالى: (وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها). وقال عليه الصلاة والسلام (لا يقبل منه صرف ولا عدل)، والتعادل: التساوى ونسمات جمع نسمة: النفس بالسكون، والجمع نسم، والله بارئ النسم: خالق النفوس. (¬2) في نسخة: حافظاً. (¬3) مكانا يحفظ فيه، والجمع أحراز: أي جعل الله له واقياً من المصائب والحوادث بإحاطة عناية الله جل جلاله. (¬4) الله يتفضل بإكرامه وإعطائه هذا الثواب ويحفظه طول ليله كله. (¬5) بعد صلاة الفجر. (¬6) وهو جالس جلسة الصلاة. (¬7) قبل أن يحادث أحداً، أو يشتغل بهموم الدنيا وأفكارها. (¬8) أي حراساً وحفظة: من حرسه: حفظه، والاسم الحراسة.

الشيطان الرجيم، وكان له بكل مرةٍ عتق رقبةٍ من ولد إسماعيل، ثمن كل رقبةٍ اثنا عشر ألفاً، ولم يلحقه يومئذٍ ذنبٌ إلا الشرك بالله (¬1)، ومن قال ذلك بعد صلاة المغرب كان له مثل ذلك. 7 - وعن عبد الرحمن بن غنمٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال قبل أن ينصرف، ويثنى رجليه من صلاة المغرب والصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يُحيى ويميت، وهو على كل شئٍ قدير عشر مراتٍ كتب الله له بكل واحدةٍ عشر حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجاتٍ، وكانت له حرزاً من كل مكروةٍ، وحرزاً من الشيطان الرجيم، ولم يحل للذنب (¬2) أن يدركه إلا الشرك، وكان من أفضل الناس عملا إلا رجلاً يفضله (¬3) يقول: أفضل مما قال. راه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير شهر بن حوشب، وعبد الرحمن ابن غنم مختلف في صحبته، وقد روى هذا الحديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. 8 - وروى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال بعد صلاة الفجر ثلاث مراتٍ، وبعد العصر ثلاث مراتٍ: استغفر الله الذى لا إله الحى القيوم وأتوب إليه كُفرت (¬4) عنه ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر. رواه ابن السنىّ في كتابه. ¬

(¬1) تنقى صحائفه من كل الذنوب إلا إذا ألحد وخرج من دينه. (¬2) في نسخة: لذنب 155 ع أي يعصمه الله من الأخطاء فيسلم من كل إثم إلا إذا حاد عن الحق والشرك بربه أي لا يلحقه معصية فلا يؤاخذ بذنب لهداية الله له بقراءة الورد. (¬3) يزيد عليه، أي فضل فضلا من باب قتل: زاد، وخذ الفضل: أي الزيادة، والجمع فضول، وتفضل عليه وأفضل إفضالا. (¬4) محيت، ومنه الكفارة تكفر الذنب. خلاصة الباب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث المسلمين على صلاة الفجر والعكوف على التسبيح بصيغة بينها رجاء درك الحسنات، ونيل الدرجات ومحو السيئات، والوقاية من الآلام، والحفظ من العدو الألد الرجيم، وأمل الهداية والتوفيق في ذلك اليوم كله تفضلا من القادر القهار، المعطى والوهاب، وغمر هذا الفضل ثواب من تكرم على عبده بإعتاقه، وفك قيد أسره، وتحطيم سلاسل ذله وإطلاقه من الاستعباد، وكذا دعا إلى قراءة هذا بعد صلاة العصر لينال الخير كله ليله. ثم أشار صلى الله عليه وسلم إلى دعاء (اللهم أجرنى من النار) =

الترهيب من فوات العصر بغير عذر

(قال الحافظ): وأما ما يقوله دبر الصلوات، وإذا أصبح، وإذا أمسى فلكلٍّ منهما باب يأتى إن شاء الله تعالى، وتقدم في باب الرحلة في طلب العلم حديث قبيصة، وفيه: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له: ياقبيصة إذا صليت الصبح فقل ثلاثاً: سبحان الله العظيم وبحمده تعافى من العمى والجذام، والفلج. رواه أحمد. الترهيب من فوات العصر بغير عذر 1 - عن بريدة رضي الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: من ترك صلاة العصر فقد حبط (¬1) عمله. رواه البخاري والنسائي وابن ماجه، ولفظه قال: بكروا بالصلاة في يوم الغيم (¬2) فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله. 2 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: من ترك صلاة العصر متعمداً (¬3) فقد حبط عمله. رواه أحمد بإسناد صحيح. 3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الذى تفوته صلاة العصر كأنما وُتِرَ (¬4) أهله وماله. رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، وزاد في آخره قال مالك: تفسيره ذهاب الوقت. ¬

= لتتضرع إلى الله بحمايته، وإدراك عفوه، والنجاة من عذابه، وأن يكون لك جوارا، أي مأمنا حقاً وجاهاً سامياً، وركناً قويا، ولن تجد أعز من الالتجاء إلى الله وجواره. يا أخى: الحادث يعتز بجوار مثله إذا عز وقوى، فما بالك بالله العزيز القهار، فحافظ على ورد ختم الصلاة رجاء إدراك تأمين الله لك (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه) فيتجلى سبحانه على الصالحين فيظلهم بظله ويشملهم بعطفه ورحمته وجواره أي أمانه، هذا إلى رد كيد الشيطان في نحره والبراءة من غوايته والبعاد عن ضلالته ومصداق ذلك قوله تعالى: (إن عبادى ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا) 66 من سورة الإسراء. أي المخلصين ليس للشيطان على إغوائهم قدرة وهم يتوكلون على الله في الاستعاذة منه على الحقيقة. (¬1) بطل، وأحبط الله عمله، أي أبطله. والمعنى أن الله تعالى لا يقبل منه شيئاً في ذلك اليوم. (¬2) تراكم السحاب في السماء خشية ضياع وقت العصر وبذا يغضب الله على تاركه غضباً شديدا، ويرد عمله فلا يقبله. (¬3) أي عالماً مختاراً ليس له عذر في تركه بأن لم يصبه مرض أخره أو سفر عاقه، أو أمر طارئ منعه. (¬4) أي نقص، بضم الواود وكسر التاء. يقال: وترته إذا نقصته فكأنك جعلته وتراً بعد أن كان كثيراً، وقيل هو من الوتر، الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبى، فشبه ما يلحق من فاتته صلاة العصر بمن قتل حميمه أو سلب أهله وماله. يروى بنصب الأهل ورفعه، فمن نصب جعله مفعولا ثانياً لوتر، وأضمر فيها مفعولا لم يسم فاعله عائداً إلى الذى فاتته الصلاة ومن رفع لم يضمر وأقام الأهل =

الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسان والترهيب منها عند عدمهما

4 - وعن نوفل بن معاوية رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله. وفي روايةٍ، قال نوفلٌ: صلاةٌ: من فاتته فكأنما وُتِرَ أهله وماله. قال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي العصر. رواه النسائي. الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسان والترهيب منها عند عدمهما 13 - عن أبي علىٍّ المصري قال: سافرنا مع عقبة بن عامرٍ الجُهنى رضي الله عنه فحضرتنا (¬1) الصلاة فأردنا أن يتقدمنا، فقال: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أَمَّ (¬2) قوماً، فإن أتمَّ (¬3) فله التمام ولهم التمام، وإن لم يتم فلهم (¬4) التمام ¬

= مقام ما لم يسم فاعله لأنهم المصابون المأخوذون فمن رد النقص إلى الرجل نصبهما، ومن رده إلى الأهل والمال رفعهما، ومنه حديث محمد بن مسلمة: (أنا الموتور الثائر) أي صاحب الوتر الثائر الطالب بالثأر، والموتور المفعول أهـ نهاية ص 192. قال الخطابي وغيره: نقص من هو أهله وماله وسلبه، فبقي بلا أهل ولا مال فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله، وقال أبو عمر بن عبد البر: معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذى يصاب بأهله وماله إصابة طلب بها وتراً، والوتر الجناية التى يطلب ثأرها فيجتع عليه غمان: غم المصيبة، وغم مقاساة طلب الثأر، وقال الداودى من المالكية: معناه يتوجه عليه من الاسترجاع مايتوجه على من فقد أهله وماله، فيتوجه عليه الندم والأسف لتفويته الصلاة، وقيل معناه: فاته من الثواب ما يلحقه من الأسف عليه كما يلحق من ذهب أهل وماله. قال القاضى عياض رحمه الله تعالى: واختلفوا في المراد بفوات العصر في هذا الحديث فقال ابن وهب وغيره هو فيمن لم يصلها في وقتها المختار. وقال سحنون والأصيلى: هو أن تفوته بغروب الشمس وقيل هو تفويتها إلى أن تصفر الشمس، وقد ورد مفسراً من رواية الأوزاعى في هذا الحديث. قال فيه وفواتها أن يدخل الشمس صفرة وروى عن سالم أنه قال هذا فيمن فاتته ناسياً، وعلى قول الداودى هو في العامد، وهذا هو الأظهر، ويؤيده حديث البخاري في صحيحه: (من ترك العصر حبط عمله)، وهذا إنما يكون عند العامد قال ابن عبد البر: ويحتمل أن يلحق بالعصر باقى الصلوات ويكون نبه بالعصر على غيرها، وإنما خصها بالذكر لأنها تأتى وقت تعب الناس من مقاساة أعمالهم وحرصهم على قضاء أشغالهم وتسويفهم بها إلى انقضاء وظائفهم وفيما قاله نظر، لأن الشرع ورد في العصر. أهـ نووى ص 126 جـ 5. (¬1) حان وقت الصلاة. (¬2) جعل إماماً. (¬3) أي الصلاة بتؤدة واستوفى شروطها وأركانها وخشوعها، وطهر ثيابه وجسمه، وأرضى ربه. (¬4) المأمومون صلاتهم كاملة ونالوا الثواب كله.

وعليه الإثمُ (¬1) رواه أحمد واللفظ له، وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، ولفظهما. من أَمَّ الناس فأصاب (¬2) الوقت، وأتمَّ الصلاة فله ولهم، ومن انتقص (¬3) من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم. (قال الحافظ): هو عندهم من رواية عبد الرحمن بن حرملة عن أبي علىّ المصريّ، وعبد الرحمن يأتى الكلام عليه. 2 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله الله عليه وسلم قال: من أمَّ (¬4) قوماً فليتق الله (¬5)، وليعلم أنه ضامن (¬6) مسئول (¬7) لما ضمن، وإن احسن كان له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه من غير أن ينقص من أُجورهم شيئاً وما كان من نقصٍ (¬8) فهو عليه رواه الطبراني في الأوسط من رواية معارك بن عباد. الترغيب في الإمامة مع الإتمام والإحسان الخ 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يُصلُّون لكم، فإن أصابوا (¬9) فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم (¬10). رواه البخاريّ وغيره، وابن حبان في صحيحه، ولفظه: ¬

(¬1) الذنب لأنه أخل بهذه القدوة، وغش المأمومين، وتجاهر على الله بنقصه، وتجارأ عليه بتدليسه (لا تخفى عليه خافيه). (¬2) وفق وأحسن، وخلص عمله لربه فقبله. (¬3) في نسخة: نقص. (¬4) صلى بالناس إماماً. (¬5) فليخش الله وليحافظ على الطهارة والنظافة، وليحسن سيرته وسريرته، وليصلح نفسه، وليكن قدوة حسنة، وليبتعد عن المحارم، وليتحل بالمكارم وليتجنب صحبة الأشرار، وليمش مع الأخيار، وحذار من سوء القدوة. (¬6) كفيل يحسن الصلاة وأدائها وسبب كثرة ثواب الله ورحمته، من ضمن الشئ ضماناً: كفل به فهو ضامن ضمين. قال في النهاية في حديث (الإمام ضامن والمؤن مؤتمن) أراد بالضمان هنا الحفظ والرعاية، لا ضمان الغرامة لأنه يحفظ على القوم صلاتهم، وقيل إن صلاة المقتدين به في عهدته وصحتها مقرونة بصحة صلاته فهو كالمتكفل لهم صحة صلاتهم أهـ ص 26. (¬7) أي يسأله الله جل وعلا عن تقصيره، وإهمال طهارته، وعنايته بشروط الصلاة وأركانها وسننها، لأنه أفقه وأورع وأكمل وأزهد، واختير لذلك. (¬8) بأن وقع في صلاته خلل ولم يعلم به المأمومون، أي للمؤمومين الثواب لأنهم اقتدوا بمن هو أكمل في نظرهم. قال العلقمى: والمراد أن الإمام إن كان في صلاته نقص وخلل بان كان جنباً أو محدثاً، أو عليه نجاسة ولم يعلم المأمومون بحاله، فللمأمومين الثواب، والإثم عليه فقط أهـ، والله تعالى حليم وصبور وعليم وخبير بالمصلح والمفسد، والصالح والطالح. (¬9) صلوا صلاة صحيحة. (¬10) تلكم الثواب بالقدوة، وعليهم الوزر بالتقصير وكتمان النقص.

سيأتى أو سيكون أقوامٌ يُصلون الصلاة، فإن أتموا فلكم، وإن انتقصوا فعليهم ولكم. 4 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة على كثبان (¬1) المسك - أراهُ قال - يوم القيامة: عبدٌ (¬2) أدى حق الله وحق مواليه، ورجلٌ أمَّ قوما وهم به راضون (¬3)، ورجل ينادى (¬4) بالصلوات الخمس في كل يومٍ وليلةٍ. رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن، وراه الطبراني في الصغير والأوسط بإسناد لا بأس به، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر (¬5)، ولا ينالهم الحساب (¬6)، وهم على كثيبٍ من مسكٍ حتى يفرغ (¬7) من حساب الخلائق، رجلٌ قرأ القرآن ابتغاء (¬8) وجه الله، وأمَّ به قوماً وهم به راضون، الحديث، وفي الباب أحاديث: ¬

(¬1) جمع كثيب، والكثيب: الرمل المستطيل المحدودب، أي على طائفة من المسك الأذفر ذكى الرائحة الطيبة. (¬2) مملوك أدى الصلوات الخمس وأطاع الله، وقام بواجبات ربه، وواجبات سيده، وأطاعه وخدمه بأمانة وذمة وصدق ووفاء وإخلاص. (¬3) واثقون بحسن أخلاقه، وكمال صفاته ورأوه متحلياً بآداب الشرع. وفي حديث (من أم قوماً وهم له كارهون فإن صلاته لا تجاوز ترقوته) أي كرهوه لمعنى مذموم فيه شرعاً، فإن كرهوه لغير ذلك فلا كراهة في حقه بل الملام عليهم. قال المناوى: أي لا ترتفع إلى الله تعالى رفع العمل الصالح بل أدنى شئ من الرفع أهـ. (¬4) يؤذن ويدعو الناس إلى عبادة الله ويذكرهم بحلول الأوقات ويكون قدوة حسنة لهم. (¬5) شدة الهول كماقال تعالى: (لا يحزنهم الفزع الأكبر)، وفزع: خاف، وفزعت إليه: لجأت، وهو مفزع: أي ملجأ. (¬6) يسامحون من تدقيق الأسئلة يوم القيامة ويعفو الله عنهم، ويسدل عليهم ستره. (¬7) ينتهى، فرغ من الشغل فروعاً من باب قعد، وفرغ يفرغ من باب تعب لغة لبنى تميم. (¬8) طلب ثواب الله تعالى، يرتل القراءة ويعظ الناس ويرجو ثواب ربه في قراءته لله، ويأتم به الناس لله، ويرشد الناس لله. فقه الباب مطالبة الإمام بتحسين حاله والتأدب بآداب الله ورسوله، وخشية الله في السر والعلانية والأسوة الحسنة والقدوة الطيبة، واتباع المأمومين له، ووجود الثقة به، وعليهم أن يلبوا داعى الله، ويأتموا به، ويتركوا لعالم الأسرار حسابه، فهو رقيب يجزى المحسن، ويعاقب المسئ. قال الله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا، أولئك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا) إن شاهدنا (من أحسن عملا) لا يحسن إطلاقه إلا على الذين آمنوا وعملوا الصالحات ومن ثواب الله للمحسن في صلاته جنته، والتحلية بأسوار الذهب زينة، ولبس الخضرة من سندس: الذى رق من الديباج وإستبرق: ما غلظ منه يتنعمون على السرر والطنافس. =

الإمام ضامنٌ، والمؤذن مؤتمن (¬1) وغيرها، وتقدم في الأذان ¬

= إن الإمامة أسمى مقصد وأجل طلب وكفى أنها كانت وظيفة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وورثها الخلف والسلف الصالحون من بعده عليه الصلاة والسلام، وقد أخبرنا جل وعلا عن عباده الصالحين، فقال جل شأنه: (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما أولئك يجون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً، خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً) 77 من سورة الفرقان. أي عباد الرحمن الذين طلبوا من الله من أهلهم سروراً. قال البيضاوى بتوفيقهم للطاعة وحيازة الفضائل فإن المؤمن إذا شاركه أهله في طاعة الله سر بهم قلبه، وقرت بهم عينه لما يرى من مساعدتهم له في الدين وتوقع لحوقهم به في الجنة أهـ (واجعلنا للمتقين إماماً) أي يقتدون بنا في أمر الدين بإضافة العلم والتوفيق للعمل وتوحيده. إن لهم أعلى مواضع الجنة بصبرهم على المشاق من مضض الطاعات، ورفض الشهوات، وتحمل المجاهدات وتحييهم ملائكة الرحمة، ويدوم نعيمهم، فلا يموتون فيها ولا يخرجون أهـ بيضاوى. آداب الإمام في القراءة والأركان والتحلل وقد بين الغزالي في إحيائه وظائف القراءة: أولا: أن يسر بدعاء الاستفتاح والتعوذ كالمنفرد: ويجهر بالفاتحة والسورة بعدها في جميع الصبح وأولى العشاء والمغرب وكذلك المنفرد، ويجهر بقوله: آمين في الصلاة الجهرية، وكذلك المأموم ويقرن المأموم تأمينه بتأمين الإمام معاً لا تعقيباً، ويجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هذا اختيار الشافعي رضي الله عنه. ثانياً: أن يكون للإمام في القيام ثلاث سكتات: أولاهن: إذا كبر، الثانية: إذا فرغ من الفاتحة، الثالثة: إذا فرغ من السور قبل أن يركع. ثالثاً: أن يقرأ في الصبح سورتين من المثانى مادون المائة، فإن الإطالة في قراءة الفجر والتغليس بها سنة ولا يضره الخروج منها مع الإسفار، ولا بأس أن يقرأ في الثانية بأواخر السور نحو الثلاثين أو العشرين إلى أن يختمها وقد بين رحمه الله أيضاً وظائف الأركان: أولا: أن يخفف الركوع والسجود فلا يزيد في التسبيحات عن ثلاث (1). ثانياً: في المأموم ينبغى ألا يساوى الإمام في الركوع والسجود بل يتأخر فلا يهوى للسجود إلا إذا وصلت جبهة الإمام إلى المسجد. ثالثاً: لا يزيد في دعاء التشهد على مقدار التشهد حذراً من التطويل ولا يخص نفسه في الدعاء بل يأتى بصيغة الجمع فيقول: (اللهم اغفر لنا)، ولا بأس أن يستعيذ في التشهد بالكلمات المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: نعوذ بك من عذاب جهنم وعذاب القبر، ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، وإذا أردت فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين). وبين وظائف التحلل: أولا: أن ينوى بالتسليمتين السلام على القوم والملائكة. ثانياً: أن يثيت عقيب السلام كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ويصلى النافلة في موضع آخر. ثالثاً: إذا وثب فينبغى أن يقبل بوجهه على الناس ويكره للمأموم القيام قبل أنفتال الإمام أهـ ص 159 جـ 1 (1) مؤتمن على الأوقات يعتمد عليه في تنبيه المسلمين، يوثق به إذا أذن، ويجاب إذا دعا فإنه حريص على الدقة.

الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون

الترهيب من إمامة الرجل القوم وهم له كارهون 1 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاةً: من تقدم (¬1) قوماً وهم له كارهون (¬2) ورجلٌ يأتى الصلاة دباراً (¬3)، والدِّبَارُ (¬4) أن يأتيها بعدأن تفوته، ورجل اعتبد محرَّراً (¬5) رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما من رواية عبد الرحمن بن زياد الإفريقى. 2 - وعن طلحة بن عبد الله رضي الله عنهما أنه صلى بقومٍ، فلما انصرف قال إنى نسيت أن أستأمركم (¬6) قبل أن أتقدم، أرضيتم بصلاتى؟ قالوا نعم، ومن يكره ذلك يا حوارىَّ (¬7) رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما رجل أم قوماً وهم له كارهون لم تجاوز صلاته أذنيه (¬8) رواه الطبراني في الكبير من رواية سليمان بن أيوب، وهو الطلحى الكوفى، قيل فيه له مناكير. 3 - وعن عطاء بن دينارٍ الهذلى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاةً، ولا تصعد إلى السماءِ، ولا تجاوزُ رُءُسوهم: رجلٌ أمّ قوماً وهم له كارهون، ورجلٌ صلى على جنازةٍ ولم يؤمر (¬9)، وامرأَةٌ ¬

(¬1) أم. (¬2) قالوا مبغضون، لأنهم رأوى تقصيراً في أفعاله وسيرته ورؤيته، ولم يتحر الحق وحسن العبادة. (¬3) أي بعد ما يفوت وقتها، والمراد أنه يأتى الصلاة حين أدبر وقتها، ومنه الحديث: (لا يأتى الجمعة إلا دبراً)، وحديث ابن مسعود: (من الناس لا يأتون الصلاة إلا دبراً). (¬4) في نسخة: وإدباراً. (¬5) اعتبد محرراً: أي جاء إلى حر مطلق الحرية، فأذله وأسره وجعله عبده وفى نسخة مخطوطة: اعتمد محرماً، أي فعل محرماً. (¬6) أن أستشيركم ومنه حديث المتعة: فأمرت نفسها أي شاورتها واستأمرتها. (¬7) ناصر ومساعد. والحواريون: أنصار سيدنا عيسى عليه السلام لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم. قال صلى الله عليه وسلم: (الزبير ابن عمتى وحوارى) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لكل نبى حوارى، وحوارى الزبير)، فتشبيه بهم في النصرة حيث قال: (من أنصارى إلى الله؟ قال. الحواريون نحن أنصار الله) أهـ غريب القرآن ص 135. (¬8) أكره الناس على الصلاة وراءه وهو فاسق أوعاصٍ، وطهارته ناقصة فصلاته مردودة لم تصعد إلى الخالق جل وعلا، ولم يدون في صحائفه تمامها. (¬9) دفع نفسه للصلاة على ميت بلا إذن من أصحاب الجنازة وتقدم على من هو أفضل منه وأفقه وأورع وأولى، وهو جاهل غر غير فقيه.

دعاها (¬1) زوجها من الليل فأبت عليه. رواه ابن خزيمة في صحيحه هكذا مرسلاً، وروى له سند آخر إلى أنس يرفعه. 4 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا تُرتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أم قوماً وهم له كارهون، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخط (¬2)، وأخوان متصارمان (¬3). رواه ماجه وابن حبان في صحيحه، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثةٌ لا يقبل الله منهم صلاةً: إمام قومٍ وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها غضبان، وأخوان متصارمان. 5 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) طلبها زوجها أن يقضى إربته ليلا فامتنعت. هؤلاء ثلاثة لم تهذبهم صلاتهم، ولم تغرس فيهم خوف الله وخشيته ومحبته، وأعمالهم تضرب في وجوههم ولم يقبلها ربهم. أولا: المتصدى للإمامة وليس أهلا لها وجيرانه وأخدانه ومعارفه خبيرون بفسقه وفجوره، وظلمه وغشه وعصيانه، ومع ذلك يجبرون على الصلاة وراءه خوفا من بطشه، ومداراة ظلمه وقهره وسطوته وجاهه. ثانياً: الصلاة على الجنازة فرض كفاية، فيتصدى لهامن ليس أهلا لها، ويصلى مدفوعاً بدافع الإمرة، ونفوذ الكلمة، ولا ينتظر إذنا من أصحابها، إذ السنة أن يصلى على الميت أهله أو يختارون العلماء الفضلاء. ثالثاً: امرأة عاصية زوجها ناشزة يريد زوجها أن يعصم نفسه وإياها ويتقرب إليها تقرب الرجل لزوجه فترفض عناداً وتمتنع انتقاماً فهى مجرمة معرضة نفسها لغضب الله وملائكته. قال صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فابت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح). فعليك أخى بتجميل نفسك وتزودها بتقوى الله وتترك الإمامة للكفء الصالح، وتؤدى الصلاة في أوقاتها وإذا تقدمت فكن كسيدنا طلحة بن عبد الله يتواضع ويستشير أصحابه ويطلب تقدم غيره أو رضاهم عسى أن تدخل في زمرة من قال الله تعالى فيهم: (وأدخل الذين آمنوا وعلموا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام) 24 من سورة إبراهيم. أي بإذن الله تعالى والمدخلون هم الملائكة، وتحييهم الملائكة فيها بالسلام والأمان). (¬2) غضبان. أراد أن يتمتع بها كما أمر الله، فعزت نفسها هجرت فراشه ونشزت. ويل لها صلاتها لم تهذب نفسها، ولم تعلمها أن طاعة الزوج واجبة، وهى متاع له وتحت أمره، وعصيانها فجور، وامتناعها باب الشرور. (¬3) متقاطعان يشنان غارة الشقاق والتنابذ والخصام وليس في الدين ما يدعو إلى البغضاء فصلاتهما ناقصة لم تظهر ثمرتها في المحبة والصلح لله والود وعدم التقاطع وترك الخصام (يعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذى يبدأ بالسلام) هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الصلح.

الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدم

ثلاثةٌ لا تُجاوز صلاتهم آذانهم: العبد (¬1) الآبق حتى يرجع، وامرأَةٌ باتت وزوجها عليها ساخطٌ، وإمام قومٍ وهم له كارهون. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. الترغيب في الصف الأول، وما جاء في تسوية الصفوف والتراص فيها وفضل ميامنها ومن صلى في الصف المؤخر مخافة إيذاء غيره لو تقدم 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) المملوك الذى فر من خدمة سيده وهام على وجهه، صلاته مردودة وطاعته لله ناقصة لأن الله تعالى أمر بإخلاص المملوك لسيده وخدمته بأمانة، والصبر على أعماله، والتفويض إليه جل وعلا. فأنت تجد زهرة الصلاة في إبراز العمل الصالح وشجرتها تذكو إن تحلى صاحبها بالخلال الحميدة، فالإمام المصلى وأهله وجيرانه كارهون: ناقصة صلاته ومردودة عليه، وكذا العاصية زوجها والمتقاطعان، والخادم اللئيم الخداع الخائن، والمملوك الهارب من خدمة سيده. كنت قاطناً في الحلمية، وسكنت في الناصرية بجوار الجامع الإسماعيلى، فشاهدت إماما أحسن الصلاة، وأدى أمانة الله، واستقام في عمله، وحافظ على أوقاته وراقب ربه في خلواته، ووعظ فآثر قال فأبدع، ودرس فعلم، وأفاد وأجاد، فكانت النتيجة زيادة المصلين وإقبال المسلمين عليه زرافات ووحدانا، وضاق الجامع بالمصلين على اتساعه، فإذا حضرت أي مكتوبة فكأنها جمعة، صفوف منتظمة متراصة وقلوب متآلفة متحابة، ونفوس مشرئبة خاضعة خاشعة وآذان صاغية للنصيحة، وحينئذٍ فهمت سر قوله صلى الله عليه وسلم (رحل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله، وأم به قوما وهم به راضون وثواب ربه له أن يظله تحت ظله ويؤمنه من هول القيامة، فيقف على مسك ويشاهد النعيم، ويبعد عن الجحيم. لماذا؟ لأنه قام بوظيفته كما يحب الله ورسوله، فأحبه الله وأقبل عليه المسلمون ينتفعون به، وأضاء الله بصيرته، ففقه وتفقه، وعلم وتعلم وأثمر. أما الثانى والعياذ بالله، فالمتغطرس المتكبر، والمتفيقه المتجبر، والكسلان في عبادة ربه، والمظلم قلبه يؤدى الوظيفة ليكسب المرتب ويرغد، ويزيد على من تحت يده. وإن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر أن صلاته مردودة لا يقبلها الله. لماذ؟ لأنه لم يحسن باطنه أمام مولاه عالم السرائر، فأبغضه المسلمون، فأمهم وهم كارهون. فعليك أخى بالصدق وجنى المكارم والتخلق بالمحامد، واعمل بالكتاب والسنة، واجتهد أن تحسن عملك أمام الله فقط، وشاور أهل الخير والدين رجاء أن تشعر برضاهم عنك. وحذار أن تتقدم إذا كان وراءك من هو أفقه منك إلا إذا امتنع فلك التقدم، واحذر المدافعة، وكان الصحابة رضي الله عنهم يخشون الإمامة، فيتدافعون خشية السهو، أو شعور من هو افضل، أو خطر ضمان صلاتهم، وتلك منزلة سامية لهم، وفقنا الله للعمل على منهجهم، والسير على ضوئهم، والاقتداء بأفعالهم إنه قدير، إن الأنبياء أئمة، وقد قال الله تعالى فيهم: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) 91 من سورة الأنبياء أي يبادرون إلى أبواب الخير، راغبين في الثواب للإجابة وفى الطاعة، وخائفين العقاب والمعصية مخبتين دائبين الوجل، والمعنى نالوا من الله ما نالوا بهذه الخصال.

لو يعلمُ الناس منا في النداء (¬1) والصف الأول (¬2)، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا (¬3) عليه لاستهموا. رواه البخاري ومسلم. وفي روايةٍ لمسلمٍ: لو تعلمون ما في الصف المقدم لكانت قُرعةٌ. 2 - وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير صفوف الرجال أولها (¬4) وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها (¬5) وشرها أولها. رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وروى عن جماعة من الصحابة منهم: ابن عباس، وعمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وأبو سعيد، وأبو أمامة، وجابر بن عبد الله وغيرهم. 3 - وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر (¬6) للصف المقدم ثلاثاً، وللثاني مرةً، رواه ابن ماجه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ولم يخرّجا للعرباض، وابن حبان في صحيحه، ولفظه. كان يُصلى على الصف المقدم ثلاثاً، وعلى الثاني واحدةً. ولفظ النسائي كابن حبان إلا أنه قال: كان يُصلى على الصف الأول مرتين. 4 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ¬

(¬1) الاذان من الخير والبركة وزيادة رحمة الله. (¬2) الذى يلى الإمام من انصباب فضل الله وخيراته، ثم لم يجدوا سبيلا لتحصيل فضل ذلك. (¬3) يقترعوا، ووضع المضارع موضع الماضى لإفادة استمرار العلم، وفي الحديث: الحث على منصب الأذان والصف الأول، والتهجير للصلاة. (¬4) الصف الأول لما فيه من التبكير إلى الصلاة بشرط عدم تخطى رقاب الناس. يقال: إن رحمة الله تنزل على الصف الأول ثم تعم المصلين. (¬5) الصف الأخير لعدم اختلاط الرجال بالنساء. وفي الجامع الصغير: (خير صفوف الرجال) أي في الصلاة أي أكثرها أجراً (أولها) لاختصاصه بكمال الأوصاف كالضبط عن الإمام والتحفظ من المرور بين يديه، (وشرها) أي أقلها ثوابا (أولها) لما فيه من مقاربة الرجال، وهذا في حق النساء ليس على إطلاقه وإنما هو حيث يكن مع الرجال فإن تميزن عن الرجال فكالرجال ص 249 جـ 2. (¬6) أي يطلب المغفرة والرضوان لمن سارع فأدرك الجلوس في الصف الأول، وحاز الأفضلية، ونال نصب السبق في مضمار الحسنات والرحمات.

الله وملائكته يُصلون (¬1) على الصف الأول. قالوا: يا رسول الله وعلى الثانى. قال: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول. قالوا: يا رسول الله وعلى الثانى؟ قال وعلى الثانى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سَوُّوا (¬2) صفوفكم، وحاذوا (¬3) بين مناكبكم ولينوا (¬4) في أيدى إخوانكم، وسُدُّوا الخلل (¬5) فإن الشيطان يدخل فيما بينكم ¬

(¬1) الله تعالى وملائكته يدعون بالغفران والرضوان لمن سبق فأدرك أول صف في المسجد، وفي الجامع الصغير: يستغفرون لأهله، فيستحب أن يتقدم الناس في الصف الأول ويستحب إتمامه، ثم الذى يليه، وأن لا يشرع في صف حتى يتم ما قبله، وهذا الحكم مستمر في صفوف الرجال، وكذا في صفوف النساء المنفردات بجماعتهن عن جماعة الرجال. أما إذا صلت النساء مع الرجال جماعة واحدة وليس بينهما حائل فأفضل صفوف النساء آخرها أهـ ص 327 جـ 1. فأنت ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى تلبية المؤمن. وإجابة الداعى فوراً حالا، والسبق ليدرك مكانا في الصف الذى يلى الإمام رجاء كثرة الثواب وإحسان الله. وهل تجد أدق نظام وأجل ترتيب من صفوف الصلاة في الجماعة، ويقول السيد الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وقد رأى تأخرا: (تقدموا فائتموا بى وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) رواه أبو سعيد الخدرى من رواية مسلم. وقال النووي: معنى وليأتم بكم من بعدكم: أي يقتدوا بى مستدلين على أفعالى بأفعالكم. ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذى لا يراه؛ ولا يسمعه على مبلغ عنه، أو صف قدامه يراه متابعا للإمام، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال قوم يتأخرون) أي عن الصفوف الأول حتى يؤخرهم الله تعالى عن رحمته أو عظيم فضله ورفع المنزلة وعن العلم. أهـ ص 159 جـ 4. قال الله تعالى: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) 5 من سورة الصف أي مصطفين صفوفا منتظمة مرتبة ثابتين في تراصهم من غير فرجة -. والرص: اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه. وهذا درس للمجاهدين في سبيل نصر دين الله يحاربون أعداء الدين، ومنه أخذ المصلون تسوية لصفوف لأنهم واقفون بين يدي الله يرجون المغفرة ويجاهدون النفس عسى أن تذل لربها، وتضخع لبارئها وتتضرع بإخلاص إلى سيدها. (¬2) اجعلوها معتدلة متساوية كالخط المستقيم المعتدل. (¬3) أي وازوا، من حذوته وحاذيته. يقال رفع يديه حذو أذنيه، وحذاء أذنيه - ومناكب جمع منكب، وهو مجتمع رأس العضد والكتف لأنه يعتمد عليه، والمعنى: قفوا متوازين متراصين حذوك الكتف بالكتف، والنعل بالنعل. كما قال صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا). (¬4) أي اتبعوا إشارة إخوانكم ورأى أصحابكم، ويكون المؤمن هيناً ليناً سهلا متواضعاً قابلا للإرشاد، وتسوية الصف - واللين ضد الخشونة، من لا، الشئ يلين ليناً، وفي حديث ابن عمر: (خياركم ألا ينكم مناكب في الصلاة) قال في النهاية: هى جمع ألين وهو بمعنى السكون والوقار والخشوع. ومنه: (يتلون كتاب الله ليناً) أي سهلا على ألسنتهم. (¬5) املأوا الفرجة، وسدوا الثغرة في صفوفكم. والخلل: الفرجة بين الشيئين، والجمع خلال، أي أقيموا الثلمة المتروكة؛ ومنه: اللهم اسدد خلته، وأصلها من التخلل بين الشيئين. ما شاء الله. قائد ماهر يحسن القيادة ويبدع الرياسة يعلم المسلمين التكاتف على الخير والتعاون على البر واتحاد القلوب قبل الأجسام، وتذليل الأخلاق، ولين الجانب، وبقاء الضمائر من المكاره والمحارم، والالتجاء إلى الرب الرقيب المطلع على السرائر =

بمنزلة الحذف، يعنى أولاد الضأن الصغار، رواه أحمد بإسناد لا بأس به والطبراني وغيره. (الحذف): بالحاء المهملة والذال المعجمة مفتوحتين وبعدهما فاء. 5 - وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله وملائكته يصلون (¬1) على الصف الأول أو الصفوف الأول. رواه أحمد بإسناد جيد. 6 - وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى ناحية الصف، ويُسوى بين صدور القوم ومناكبهم، ويقول: لا تختلفوا فتختلف (¬2) قلوبكم، إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول (¬3). رواه ابن خزيمة في صحيحه. 7 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله وسلم: سَوُّوا (¬4) صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة. رواه البخاري ومسلم وابن ماجه وغيرهم. وفي رواية للبخارى: فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة. ورواه أبو داود ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رُصُّوا (¬5) صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذى نفسى بيده: إنى لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف. رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما نحو رواية أبى داود. (الخلل): بفتح الخاء المعجمة واللام أيضاً: هو ما يكون بين الاثنين من الاتساع عند عدم التراصّ. 8 - وروى عن على بن أبى طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

= وإزالة سلطة الشيطان، وطرده من معابدهم حتى قال الله تعالى في البشرى: بفوزهم: (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون). (¬1) يستغفرون ويدعون. (¬2) فتتغير، أي لا تعوج صفوفكم، ولا يختل نظامكم خشية ميل قلوبكم: وعدم إخلاصكم، وإن تسوية الصفوف من حسن الصلاة وتمامها. كما قال صلى الله عليه وسلم. (¬3) على أهل الصف الأول المبكرين المسرعين لإدراكه بلا تخطى رقاب، أو إيذاء أحد بالمرور عليه ومضايقته. (¬4) أي أقيموها وعدلوها وتراصوا فيها. (¬5) ضموها إلى بعضها، وتقاربوا وتحاذوا جنباً لجنب.

عليه وسلم: استووا تَسْتَو قلوبكم، وتماسُّوا تزاحموا. قال شريح: تماسوا، يعنى تزاحموا (¬1)، أو في الصلاة، وقال غيره: تماسُّوا تواصلوا. رواه الطبراني في الأوسط. 9 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسُدُّوا الخلل، ولينوا بأيدى إخوانكم، ولا تذروا (¬2) فرجات الشيطان، ومن وصل صفا وصله (¬3) الله، ومن قطع صفا قطعه (¬4) الله. رواه أحمد وأبو داود، وعند النسائي وابن خزيمة آخره. (الفرجات): جمع فرجة، وهى المكان الخالى بين الاثنين. 10 - وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تُصفون كما تصف الملائكة عند ربها، فقلنا يا رسول الله: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يُتِمُّونَ الصفوف الأول، ويتراصُّون في الصف. رواه أبو مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 11 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خياركم إلينكم مناكب في الصلاة (¬5). رواه أبو داود. 12 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا ¬

(¬1) في نسخة: ازدحموا 159 ع ومعنى استووا: استقيموا وقفوا معتدلين كالخط المستقيم الذى لا يميل بمنة ولا يسرة. (¬2) ولا تتركوا الثغرات والفتحات، وتصدع الصفوف بوجود جزء خال بين اثنين. (¬3) رحمه الله وأنعم عليه بخيراته، ورضى عنه. (¬4) غضب عليه، ولم يضاعف حسناته، وأبعده عن حظيرة قدسه. (¬5) قال المناوى: أي ألزمكم للسكينة والوقار والخشوع، ويحتمل أن يكون معناه أي لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف لسد الخلل، ولضيق المكان بل يمكنه من ذلك، ولا يدفعه بمنكبه، أو أنه يطاوع من جره ليصطف معه إذا لم يجد فرجة أهـ جامع صغير ص 242 فتجد الحديث يشمل ثلاثة: أولا: التؤدة ترك العبث والخشوع لله. ثانياً: إذا كان هناك فرجة ضيقة لا تسع شخصاً، فجاء شخص ضم نفسه، ولين منكبه حتى وسعه، وهذا معنى جميل يدعو المسلمين إلى اتساع الصدر، والترحيب بالطائع، والمشاركة في الخير والتحمل والصبر. وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك. ثالثاً: إذا جره شخص ليصطف معه لين منكبه وطاوعه. تلك خلال المؤمنين (هينون لينون أيسار ذوو كرم).

رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه (¬1)، فقال: أقيموا صفوفكم وتراصُّوا (¬2)، فإنى أراكم من وراء ظهرى (¬3). رواه البخاري، ومسلم بنحوه. وفى رواية للبخارى: فكان أحدنا يلزق (¬4) منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه. الترغيب في الصف الأول وما جاء في تسوية الصفوف الخ 13 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أحسنوا إقامة (¬5) الصفوف في الصلاة. رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح. 14 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته يصلون (¬6) على ميامين الصفوف. رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن. 15 - وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمنيه يُقبل علنا بوجهه، فسمعته يقول: ¬

(¬1) ينظم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوفهم. وفيه: السنة أن يراقب الإمام الصفوف قبل الدخول في الصلاة فيصلح معوجهم. ويرشد حائرهم. (¬2) انضموا وقفوا متضامنين متجاورين، وفيه الأمر بالتراض. (¬3) قال النووي: قال العلماء: معناه أن الله تعالى خلق له صلى الله عليه وسلم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه وقد انخرقت له العادة صلى الله عليه وسلم: بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به. قال القاضى: قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وجمهور العلماء هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقة أهـ 149 جـ 4. (¬4) يقرب ويضم. من لزق بالشئ، ولزقته فعلته من غير إحكام ولا إتقان فهو ملزق أي غير وثيق. (¬5) وقوف المأمومين بانتظام. (¬6) الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار: أي يستغفرون لمن على يمين الإمام من كل صف. وفي النهاية: يمن الله الإنسان بيمينه يمناً، فهو ميمون والله يامن ويمين كقادر وقديرأهـ: أي جعلك مباركا ويامن فلان وياسر: أخذ ذات اليمين وذات الشمال: وتيامن بهم تياسر. قال العلقمى: قال الغزالي وغيره: ينبغى لداخل المسجد أن يقصد ميمنة الصف، فإنها يمن وبركة، وإن الله تعالى يصلى على أهلها أهـ. وفي الجامع الصغير قلت: وهذا إذا كان فيها سعة. ولم يؤذ أهلها، ولا تتعطل ميسرة المسجد. فإن قلت ينافيه: أي هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر). قلت: لا منافاة لأنه قد يحصل لصاحب الميمنة ما يوازى ذلك أو يزيد. قد يحصل لصاحب الميسرة ما يزيد على صاحب الميمنة بحسب نيته وإخلاصه. وسبب الحرص على ميمنة الإمام أن الصحابة رضى الله عنهم كانوا أحرص الناس على تحصيل القربات، فما حث النبى صلى الله عليه وسلم على ميمنة الصف ازدحموا عليها، فتعطلت الميسرة، فقال ذلك. أهـ ص 372 جـ 1. وأنا أقول: يأتى المأموم، فيجلس حيث ينتهى به المكان الخالى، ولا يزاحم: ولا يتخطى رقاب الناس، ولا يضايق من سبق وأدرك الصف الأول، ويخلص نيته لربه، يتقى الله في سره وجهره ويتطهر، ويعمل صالحاً حتى تنفعه صلاته، وبذا يدرك رحمة ربه، ويحظى بثوابه، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.

الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج

رب قنى (¬1) عذابك يوم تبعث (¬2) عبادك. رواه مسلم. 16 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ترك (¬3) الصف الأول مخافة أن يؤذى أحداً أضعف الله له أجرَ الصف الأول. رواه الطبراني في الأوسط. الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج 1 - عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون (¬4) الصفوف. رواه أحمد، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، زاد ابن ماجه: (ومن سد فُرْجَةً رفعه الله بها درجةً). 2 - وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى الصف من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ فيمسح مناكبنا (¬5)، أو صدورنا ويقول: لا تختلفوا (¬6) فتختلف قلوبكم. قال: وكان يقول: إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون (¬7) الصفوف الأُول. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 3 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من وصل صفا (¬8) وصله (¬9) الله، ومن قطع (¬10) صفا قطعه الله. رواه النسائي ¬

(¬1) أبعد عنى واحفظنى. (¬2) تحيى عبادك للحشر والنشر والجزاء. (¬3) غير فارق أي رضي بالمكان الذى أدركه، ولم يتعد أو يضايق أحدا. (¬4) يرى فرجة فيسدها حين لا يخلو شئ بين المأمومين، أو يدركون فيقفون في أول صف تلا الإمام. (¬5) يساوى ويوازى. (¬6) لا يحصل خلل في وقوفكم عند الصلاة في الصفوف خشية ميل القلوب، وزيغها عن الحق واعوجاجها وحسن عبادتها لربها، فكأن التراص سبب الهداية وشمس القبول ومعين السعادة، وداعيا، من دواعى إتمام الصلاة وحسنها، وإسدال ستر الله عليها وإغداق ثوابه. (¬7) يساعددون على ملء الصفوف الأول فالأول ولا يرضون بأى ثغرة تغير بها الموقف، وتزيل جمال الاتحاد والتراص. (¬8) أتمه. (¬9) رحمه. (¬10) لم يسد الفرجة، ووقف وحده، وفي الجامع الصغير. (وصل صفا) من صفوف الصلاة (وصله الله) زاد في بره. وأدخله في رحمته (قطعه الله) قطع عنه مزيد بره. وهذا يحتمل الدعاء أو الخير. أهـ ص 361 جـ 3. وأرى هذا في المصلين كثيراً، تقام الصفوف فترى شاذاً مأمواً وحده أو اثنين بعيدين عن الصفوف المتراصة المتوازية المتجاورة.

وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ورواه أحمد وأبو داود في آخر حديث تقدم قريباً. الترغيب في وصل الصفوف وسد الفرج 4 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوةٍ أعظم أجراً من خطوةٍ مشاها رجل إلى فُرجةٍ في الصف فسدها (¬1). رواه البزار بإسناد حسن، وابن حبان في صحيحه كلاهما بالشطر الأول، ورواه بتمامه الطبراني في الأوسط. 5 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سد فُرجةً رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتاً في الجنة. رواه الطبراني في الأوسط من رواية مسلم بن خالد الزنجى، وتقدم عند ابن ماجه في أول الباب دون قوله: (وبنى له بيتاً في الجنة) ورواه الأصبهاني بالزيادة أيضاً من حديث أبى هريرة، وفي إسناده عصمة بن محمد. قال أبو حاتم: ليس بقوىّ، وقال غيره: متروك. 6 - وعن أبي جحيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سد فُرجةً (¬2) في الصف غفر له. رواه البزار بإسناد حسن، واسم أبى جحيفة: وهب بن عبد الله السوائى. 7 - وعن أبي هرير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وملائكته يصلون على الذين يَصِلُون الصفوف، ولا يَصِلُ عبدٌ صفاًّ إلا رفعه الله به درجة (¬3)، وذرَّت (¬4) عليه الملائكة من البر رواه الطبراني في الأوسط، ولا بأس بإسناده. ¬

(¬1) أعظم ثواباً عند الله نقل القدمين لسد ثغرة في الصف. فاحذر أخى أن تقف مأمواً بعيداً عن الجماعة فتحرم من عطف الله ورضوانه، وإذا رأيت فرجة فسدها واخط لتملأها لتحوز رضا الله ورفعته، وليشاد لك قصر في الجنة. وهذا ترغيب في وصل الصفوف وضمها، وعدم ترك أي ثغرة أو ثملة. (¬2) الفرجة: هى الخلل الذى يكون بين المصلين في الصفوف، فيستحب أن تسد الفرج في الصفوف لينال هذا الثواب العظيم، ويستحب الاعتدال في الصفوف، فإذا وقفوا في صف، فلا يتقدم بعضهم بصدره، ولا غيره، ولا يتأخر عن الناس. ويستحب أن يكون الإمام وسط القوم أهـ جامع صغير. (¬3) رفعة في الجنة. (¬4) في نسخة: درت. در بالدال: كثر وسال بمعنى أن ملائكة الرحمة تكثر عليهم من بركات الله، وتزيدهم من نعمه، وتحيط بهم من رحماته، وكذا ذر يقال ذر اللبن: كثر، وذر الحب والملح والدواء: فرقه من باب رد، الذريرة والذرور بالفتح.

8 - وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله وملائكته يصلون على الذين يَصِلُون الصُّفوف الأُول، وما من خطوةٍ (¬1) أحب إلى الله من خطوةٍ يمشيها العبد يصل بها صفاً. رواه أبو داود في حديث، وابن خزيمة بدون ذكر الخطوة، وتقدم. 9 - وعن معاذٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: خطوتان إحداهما: أحب الخُطا إلى الله، والأخرى: أبغض الخطا إلى الله: فأما التي يحبها الله عز وجل: فرجلٌ نظر إلى خللٍ في الصف فسدَّهُ، وأما التى يبغضها الله: فإذا أراد الرجل أن يقوم مدَّ (¬2) رجله اليمنى، ووضع يده عليها، وأثبت اليسرى ثم قام. رواه الحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم. 10 - وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قيل للنبى صلى الله عليه وسلم: إن ميسرة المسجد قد تعطلت (¬3) فقال النبى صلى الله عليه وسلم: من عمَّرَ ميسرة المسجد كُتِبَ له كفلان من الأجر. رواه ابن خزيمة وغيره. ¬

(¬1) بالفتح المرة والخطوة بالضم: ما بين القدمين يخطوها المأموم يسد خللا في الصف يضاعف الله ثوابه. (¬2) أي يقوم متكبراً متجبراً. أو يقوم متكاسلا متخاذلا متهاوناً يمد اليمنى أولا وعليها يده، ويقف على اليسرى كأنه فقد النشاط والقوة في العبادة، وهذه فعلة الشيطان. (¬3) لا أحد فيها. سمع المسلمون أفضلية ميمنة الإمام وتركوا ميسرة المسجد فرغب صلى الله عليه وسلم فيها، وأخبر أنك إذا عمرت جهة متروكة في المسجد لله بإخلاص لله أعطاك الله حسنات من في ميمنة الإمام في الصف الأول، والمدار على النية، واتباع الأصلح، والتسلم لله، ودرك الأسبقية بالتبكير، وزيادة الانتظار في المسجد حبا في ذكر الله وطاعته، والترهيب من التأخر والتزاحم، والمرور أمام المصلين، والمشى عليهم وتأذيهم. فقه الباب ضم الصفوف، وسد الفرجة رجاء نيل رحمة الله. ودعاء الملائكة بالغفران للمأمومين وأن يتعهد الإمام المأمومين، فينظم صفوفهم، ويرتب وقوفهم، ويصد مائلهم، ويعدل معوجهم رجاء صلة الله لهم، فيدخلون في زمرة الصالحين الذين وعدهم جل شأنه بقوله سبحانه: (إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند ملك مقتدر) 55 من سورة القمر. يجلسون في مكان مرضى مقربين عند من تعالى أمره في الملك والاقتدار بحيث أبهمه عن ذوى الأفهام. وبذا يشير صلى الله عليه وسلم إلى نبراس جنى ذلك: (من سد فرجة رفعه الله بها درجة) وقال تعالى: (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم) 35 من سورة القلم. أي لهم في الآخرة، أو في جوار القدس جنات ليس فيها إلا التنعيم الخالص، وما أيسر ثمن ذلك: أن تخلص لربك في عملك الصالح، وتحافظ على الجماعة في وقتها، وإذا رأيت فرجة تسدها، ثم تتواضع فتنظر جهة خالية في المسجد من المأمومين =

الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهن ومن اعوجاج الصفوف

11 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمر جانب المسجد الأيسر لقلة أهله فله أجران. رواه الطبراني في الكبير من رواية بقية بن الوليد. الترهيب من تأخر الرجال إلى أواخر صفوفهم وتقدم النساء إلى أوائل صفوفهن ومن اعوجاج الصفوف 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيرُ صفوف الرجال: أولها، وشرها: آخرها، وخير صفوف النساء: آخرها، وشرها: أولها (¬1). رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وتقدم. 2 - وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخراً، فقال لهم: تقدموا فائتموا بى، وليأتمَّ بكم من بعدكم (¬2) لا يزال قومٌ يتأخرون حتى يؤخرهم الله. رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 3 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لايزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار (¬3). رواه أبو داود، ¬

= فتذهب لإتمام الصف لله، وحب الله، وبذا يشير صلى الله عليه وسلم (فله أجران) قال تعالى: (قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم. يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) 75 من سورة آل عمران إن شاهدنا (يختص برحمته من يشاء) رجاء تفويض المسلم إلى ربه جميع حركاته وسكناته وتنقلاته، ومراعاته المصلحة لله، فسواء أكان في الصف الأول أم سبق، ولكن تأخر: إن ثوابه يضاعف. (¬1) قال النووي: المراد صفوف النساء اللواتى يصلين مع الرجال، وأما إذا صلين متميزات لامع الرجال فهن كالرجال. خير صفوفهن أولها، وشرها آخرها، والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثوابا وفضلا وأبعدها من مطلوب الشرع، وخيرها بعكسه، وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم، وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، ونحو ذلك، وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم. واعلم أن الصف الأول الممدوح هو الصف الذى يلى الإمام سواء جاء صاحبه متقدما أو متأخرا، وسواء تخلله مقصورة ونحوها أم لا. هذا هو الصحيح الذي يقتضيه ظواهر الأحاديث، وصرح به المحققون أهـ ص 160 جـ 4. (¬2) أي يأتموا ويقتدوا بى مستدلين على أفعالى بأفعالكم. (¬3) يحضرون مبكرين ويتعمدون ألا يملأوا الصف الأول. ويخلون بنظامه، ويوجدون الثغرة فيه، ثم يتأخرون عنه، فيعاقبهم الله بعذابه الأليم. وفيه أن السنة أن يملأ الصف الأول أولا فأول وهكذا، ولا يتركه، فيذهب إلى غيره بلا عذر.

وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان إلا أنهما قالا: حتى يُخلفهم الله في النار. 4 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح منا كبنا (¬1) في الصلاة ويقول: استوُوا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلنى منكم أُولُوا الأحلامِ والنُّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. رواه مسلم وغيره. 5 - وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتسؤُّن صفوفكم، أو ليخالفن (¬2) الله بين وجوهكم. رواه مالك والبخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي رواية لهم خلا البخاري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يُسَوِّى صفوفنا حتى كأنما يُسوى بها القِدَاحَ (¬3) حتى رآنا أنا قد عقلنا (¬4) عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يُكبِّرُ (¬5) فرأى رجلا بادياً صدره (¬6) من الصف، فقال: عباد الله لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم. ¬

(¬1) قال النووي: أي يسوى مناكبنا في الصفوف، ويعدلنا فيها. في هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما أحتاج إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا يتفطن له غيره وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها وينقلوها ويعلموها الناس وليقتدى بأفعالهم من وراءهم. ولا يختص هذا التقديم بالصلاة. بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس كمجالس العلم والقضاء والذكر والمشاورة ومواقف القتال وإمامه الصلاة والتدريس والإفتاء وسماع الحديث ونحوها، واعتناء الإمام بها، والحث عليها أهـ ص 155 جـ 4. ومعنى ليلنى: ليتبعنى ويقرب منى. وأولو الاحلام البالغون. والنهى: العاقلون. قال أهل اللغة: النهى الواحدة نهية، وهى العقل، ورجل نه ونهى من قوم نهين، وسمى العقل نهية لأنه ينتهى إلى ما أمر به، ولا يتجاوزه، وقيل: لأنه ينهى عن القبائح، ومعنى الذين يلونهم: الذين يقربون منهم. أهـ نووى. (¬2) قال النووي: قيل معناه يمسخها ويحولها عن صورها لقوله صلى الله عليه وسلم: (يجعل الله تعالى صورته صورة حمار) وقيل: يغير صفاتها، والاظهر - والله أعلم - أن معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب. كما يقال: تغير وجه فلان على: أي ظهر لى من وجهه كراهة لى، وتغير قلبه على لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف الباطن أهـ ص 157 جـ 4. (¬3) خشب السهام حين تنحت وتبرى، واحدها قدح، معناه يبالغ في تسويتها حتى تصير كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها. وفيه الحث على تسويتها، وجواز الكلام بين الإقامة، والدخول في الصلاة. وهذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، ومنعه بعض العلماء، والصواب الجواز. سواء كان الكلام لمصلحة الصلاة أو لغيرها، أو لا لمصلحة. أهـ نووى. (¬4) فهمنا عنه حسن إقامة الصفوف. (¬5) قرب أن يدخل في الصلاة بنية التكبير. (¬6) ظاهراً بارزاً صدره خارجا عن الصف.

وفي رواية لأبى داود وابن حبان في صحيحه: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم، أو ليخالفن الله بين قلوبكم (¬1). قال فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه (¬2). (القداح): بكسر القاف، جمع قدح، وهو: خشب السهم إذا برى قبل أن يجعل فيه النصل والريش. 6 - وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل (¬3) الصف من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وكان يقول: إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأُول. رواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه، ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتينا فيمسح عواتقنا (¬4) وصدورنا ويقول: لا تختلف صفوفكم فتختلف قلوبكم، إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول. وفي رواية لابن خزيمة: لا تختلف صدوركم فتختلف قلوبكم. 7 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتسوُّن (¬5) الصفوف، أو لتطمسن الوجوه، أو لتغمضن (¬6) أبصاركم، أو لتحفظن ¬

(¬1) أمر بإقامة الصفوف متساوية؛ وإلا حول الله القلوب، فتتقد عداوة واختلافا وتزداد إبعاداً عن الله. (¬2) يروى ذلك الصحابى العمل بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشاهد تلاصق المناكب، ولزوق الركب، وتساوى الكعاب كالبنيان المرصوص. (¬3) يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على المأمومين، ويتعهد صفوفهم ويراعى حركة وقوفهم، ويمد يده الشريفه، فينظم الوقوف، ويمسح الصدور والمناكب، وينهاهم عن الاختلاف والتفرق، ويعبث فيهم النشاط وروح النظام وحسن الوقوف أمام رب العالمين. (¬4) جمع عاتق: المسافة بين المنكب العنق وهو موضع الرداء. (¬5) والله إن لم تسو الصفوف كما يحب الله ورسوله لتغيرن الوجوه فيصيبها الاضمحلال والخزى، ويلحقها الهوان والصفرة والضعف ولتضعفن أبصاركم ويقل نظركم، وترمد أعينكم، وأو تخطف خطفاً وتزول زوالا، فيأخذ سبحانه وتعالى هذه النعمة منكم ولا يردها. نسأل الله السلامة، وفيه الإلزام بتسوية الصفوف رجاء التمتع بنعم الله من صحة تامة، وحفظ الأبصار والأمر بالسكون في الصلاة، والتراص فيها، وإتمام الصفوف الأول. وفيه النهى الأكيد، والوعيد الشديد في ذلك. (¬6) والله إن لم تغمضوا أبصاركم حتى لا تنظر إلى زخارف الدنيا لتؤخذ ولا ترجع عقابا لعدم خشوعكم، وعذابا لنفوسكم إذ لم تراع وقوفها أمام ربها ذليلة. أغمضت العين إغماضاً، وغمضتها تغميضاً: أطبقت الأجفان، ومنه قيل: أغمضت عنه: إذا تجاوزت. =

الترغيب في التأمين خلف الإمام وفي الدعاء، وما يقوله في الاعتدال والاستفتاح

أبصاركم. رواه أحمد والطبراني من طريق عبيد الله بن زحر عن علىّ بن زيد وقدحشاه بعضهم. الترغيب في التأمين خلف الإمام وفى الدعاء وما يقوله في الاعتدال والاستفتاح 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين (¬1). فإنه من وافق قوله قول الملائكة (¬2) غفر له ما تقدم من ذنبه (¬3). رواه مالك والبخاري، واللفظ له، ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. ¬

= ياأخى: قف خاشعاً في صلاتك، واجتهد أن تنتظم في الصف، وانظرإلى مكان سجودك، أ, اغمض العينين وفكر في معنى ما تقرأ، واشغل قلبك بصلاتك فقط رجاء إسباغ نعم الله عليك ووفرتها، وإغداق حسنات مولاك عليك وكثرتها فتفوز بالحسنى والسعادة في الحياة. قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الأنهار في جنات النعيم 10 دعواهم فيها سبحانك اللهم وتيحتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) 11 من سورة يونس. أي بسبب إيمانهم، وإخلاصهم لربهم، وحب العمل بشريعة نبيهم أضاء الله لهم طريق الجنة فسلكوا وأدركوا الحقائق باتباع السنة كما قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم). وإن دعاءهم في الجنة: اللهم إنا نسبحك تسبيحاً، وتحييهم الملائكة، ويحيى بعضهم بعضاً بالسلام، وآخر دعائهم الثناء على الله. قال البيضاوى: ولعل المعنى أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجلال ثم حياهم الملائكة بالسلامة من الآفات والفوز بأصناف الكرامات، أو الله تعالى فحمده، وأثنوا عليه بصفات الإكرام، و (أن) هى المخففة من الثقيلة، وقد قرئ بها، وبنصب الحمد أهـ ص 301. إن مضمون الباب كله الإنذار والعقاب لمن لم يسو الصف، ومن سوى الصف رضي الله عنه ورحمه وأدخله الجنة بدليل صلاته تعالى عليه وملائكته. ونتيجة ذلك نعيم الله، وهو ما تعنيه في الآية رجاء أن تكون من الصالحين المؤمنين. (¬1) أي امنوا معه. قال النووي: فيه استحباب التأمين للإمام والمأموم والمنفرد؛ وأنه ينبغى أن يكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده. ويسن للإمام والمنفرد الجهر بالتأمين، وكذا المأموم على المذهب الصحيح. هذا تفصيل مذهبنا، وقد اجتمعت الأمة على أن المنفرد يؤمن، وكذلك الإمام والمأموم في الصلاة السرية، وكذلك قال الجمهور في الجهرية، وقال مالك رحمه الله تعالى في رواية: لا يؤمن الإمام في الجهرية. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والكوفيون ومالك في رواية: لا يجهر بالتأمين. وقال الأكثرون: يجهر. أهـ ص 130 جـ 4. (¬2) قال النووي: معناه وافقهم في الصفة والخشوع والإخلاص. واختلفوا في هؤلاء الملائكة، فقيل: هم الحفظة، وقيل: غيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم (فوافق قوله قول أهل السماء). وأجاب الأولون عنه بأنه إذا قالها الحاضرون من الحفظة قالها من فوقهم حتى ينتهى إلى أهل السماء أهـ. (¬3) يتجلى ربنا بالمغفرة لمن ترقب الإمام، وقال معه آمين مع خشوع وذلة وإحضار =

وفى رواية البخاري: إذا قال أحدكم آمين، وقالت الملائكة في السماء آمين، فوافقت إحداهما الأُخرى غُفر له ما تقدم من ذنبه. وفي رواية لابن ماجه والنسائي: إذا أمن (¬1) القارئُ فأمنوا، الحديث. وفي رواية للنسائى: وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فقولوا: آمين. فإنه من وافق كلامه كلام الملائكة غُفر لمن في المسجد (¬2). (آمين): تمد وتقصر، وتشديد الممدود لغيّة، وقيل: هو اسم من أسماء الله تعالى، وقيل معناها: اللهم استجب، أو كذا فافعل، أو كذلك فليكن. 2 - وعن عائشة رضي الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما حسدتكم اليهود على شيءٍ ما حسدتكم (¬3) على السلام والتأمين (¬4). رواه ابن ماجه بإسناد صحيح وابن خزيمة في صحيحه، وأحمد، ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذُكرت عنده اليهود فقال: إنهم لم يحسدونا على شئٍ كما حسدونا على الجمعة (¬5) التى هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة (¬6) التى هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين (¬7). رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن، ولفظه قال: إن اليهود قد سئموا دينهم، وهم قومٌ حُسدٌ (¬8)، ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ¬

= قلب لله، وإخلاص له. لمحة تكون سبب السعادة. فيها ينال المخلص الغفران والرضوان كما قال صلى الله عليه وسلم، وقال النووي: في هذا الحديث دليل على قراءة الفاتحة لأن التأمين لا يكون إلا عقبها. والله أعلم أهـ. ومعنى آمين: استجب يا الله. (¬1) أي إذا أراد التأمين فانتهزوا هذه الفرصة، وقولوا معه آمين عسى أن تتفتح أبواب الرحمة، فتنالوا قسطا منها. لماذا؟ لأنك عبدت الله، ووافقت ألفاظ الملائكة المطهرين المقربين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؛ فعمتك رحمة الله، وأصابك فضل الله، وتحليت بمصاحبة السادة المخلصين في طلب إجابة الدعاء من الله. (¬2) يتفضل الله بالغفران للمأمومين بل كل من في المسجد. (¬3) لم تحقد اليهود عليكم مثل حقدها، وتحية المسلمين: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) الذى يحيي له تسعون حسنة، والذى يرد التحية له عشر حسنات. هذا إلى أنه سبب الألفة والمودة والمحبة، وطلب الأمن من الله، والطمأنينة والسلامة والأنس. (¬4) موافقة كلمة آمين مع الإمام تسبب دخول الجنة بسبب غفران الخطايا. (¬5) صلاة الجمعة يجتمع المسلمون في مكان واحد يحيي بعضهم بعضاً ويتآلفون ويتوادون ويتحابون. (¬6) اتجاه المصلى نحو الكعبة. (¬7) انتهاز طلب إجابة الدعاء مع الإمام والملائكة. (¬8) متمنون زوال نعمة المسلمين.

ثلاثٍ: رد السلام (¬1) وإقامة الصفوف (¬2)، وقولهم، خلف إمامهم في المكتوبة آمين (¬3). 3 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كنا عند النبى صلى الله عليه وسلم جُلوساً فقال: إن الله قد أعطانى خصالاً ثلاثةً: أعطانى صلاةً (¬4) في الصفوف، وأعطانى التحية إنها لتحيةُ (¬5) أهل الجنة، وأعطانى التأمين (¬6) ولم يعطه أحداً من النبيين قبلى إلا أن يكون الله قد أعطاه هارون يدعو موسى، ويؤمن هارون. رواه ابن خزيمة في صحيحه من رواية زربىّ مولى آل المهلب، وتردّد في ثبوته. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال الذين خلفه (¬7): آمين. التقت من أهل السماء (¬8)، وأهل الأرض آمين غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه (¬9) قال: ومثل الذى لا يقول آمين كمثل رجلٍ غزا (¬10) مع قومٍ فاقترعوا فخرج سهامهم، ولم ¬

(¬1) رد التحية: ينال عليها الأجر. (¬2) صفوف المأمومين تراص لنيل ثواب الله. (¬3) قول هذا الدعاء مع الإمام في الفريضة. (¬4) الجماعة مع تسوية صفوف المأمومين سبب إدرار الرحمة ونزول البركات وإدراك الخيرات. (¬5) في الجنة يحيي المسلمون بتحية السلام كما كانوا في الدنيا، والسلام اسم من أسماء الله تعالى، والسلام المؤمن المهيمن، قيل: وصف بذلك من حيث لا يلحقه العيوب والآفات التى تلحق الخلق، وقوله: (سلام قولا من رب رحيم - و - سلام عليكم بما صبرتم - و - سلام على آل ياسين) كل ذلك من الناس بالقول، ومن الله بالفعل وهو إعطاء ما تقدم ذكره مما يكون في الجنة من السلامة، والسلم والسلامة: التعرى من الآفات الظاهرة والباطنة. (¬6) المسلمون يؤمنون مع الملائكة طالبين من الله إجابة دعائهم كما دعا سيدنا موسى، وأمن على دعائه أخوه هارون عليهما الصلاة والسلام. ففيه تنبيه المأمومين على اليقظة والتفكير، وقول آمين مع الإمام. (¬7) المأمومون الذين لبوا مع إمامهم. (¬8) الملائكة. (¬9) الصغائر التى اقترفها، والكبائر يؤجل حسابها. (¬10) يشبه صلى الله عليه وسلم المأموم الذى غفل عن ذكر آمين مع الإمام وسها واشتغل بغير مراقبة الإمام بجنود حاربوا ففازوا، وعزوا فانتصروا، ثم اجتمعوا بعد الفتح المبين لتقسيم الغنائم، وتوزيع الجوائز إلا جندى واحد لم يخرج سهمه في القرعة، وخسر ولم يأخذ شيئاً من الغنائم فسأل قائده لماذا لم يخرج سهمى؟ فقال لأنك لم تطلب ولم تتضرع إليه مع المأمومين فلم تقل (آمين) إن هذا مثل محسوس لمن قال ففاز ومن لم يقل لم يفز.

يخرج سهمه، فقال: ما لسهمى لم يخرج؟ قال: إنك لم تقل آمين. رواه أبو يعلى من رواية ليث أبى سليم. 5 - وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين يُجبكم (¬1) الله. رواه الطبرانيّ في الكبير، ورواه مسلم وأبو داود والنسائي في حديث طويل عن أبي موسى الأشعرى قال فيه: إذ صليتم فأقيموا صفوفكم، وليؤمكم أحدكم، فإذا كَبَّرَ فكبروا، وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين يُجبكم. 6 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حسدتكم (¬2) اليهود على شئٍ ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين. رواه ابن ماجه. 7 - وعن أبي مصبحٍ المقرائى قال: كُنَّا نجلسُ إلى زُهيرٍ النميري رضي الله عنه، وكان من الصحابة يُحدثُ أحسن الحديث، فإذا دعا الرجل منا بدعاءِ قال: اختمه (¬3) بآمين، فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة (¬4). قال أبو زهير النميرىّ: أُخبركم عن ذلك: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلةٍ نمشي فأتينا على ¬

(¬1) يحببكم، ويعطكم ما تسألون، ويغثكم، ويشفكم، ويكثر رزقكم، ويوفقكم ويرع درجاتكم. (¬2) ما تمنت زوال نعمتكم مثل ما تمنت زوال الثواب، والعطاء والإجابة عند قول آمين. قالوا: الحسد تمنى زوال نعمة من مستحق لها، وربما كان ذلك سعيا في إزالتها، وروى (المؤمن يغبط، والمنافق يحسد) قال تعالى: (حسدا من عند أنفسهم). (ومن شر حاسد إذا حسد) أي أعوذ بك يارب من بغيض أظهر حسده، وأبان كرهه لما أنعمت على به، واغتمامه بسرورى وضرره من كثرة حسناتى. وترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أيها المأموم بترقب قولها مع الإمام بلا ضجة وبلا غوغاء، وبلا صوت مزعج وبلا رياء أو غطرسة، مع تضرع وذلة لله، وأن الله تعالى جدير بالإجابة، وولى من استعان به، وعزيز يعز المطيعين ويذلك المتجبرين المتكبرين، وخزائن رحمته لاتنفد. ما مصدرية ظرفية، أي كحسدكم على هذه النعمة، وقد أعلمهم أحبارهم على جزيل ثوابها فحسدوا المسلمين. (¬3) اجعل آخر دعائك ذكر (آمين) رجاء استجابة الدعاء وتفضل المولى جلَّ وعلا بالعطف والرحمة والرأفة وإجابة السؤال وبلوغ الآمال ودرك البعيد وجنى مالا تأمل وجوده بقدر الله وإحسانه وإكرامه. (¬4) شبه أبو زهير النميرى ذلك الصحابى الجليل قول آمين بختم أبرزته في صحيفتك وإمضاء أنفذت به كتابتك وعلامة قبول لتيسير طلبتك، ورجاء شفعت به قولتك.

رجلٍ قد ألحَّ (¬1) في المسئلة فوقف النبى صلى الله عليه وسلم يستمع منه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أوجب (¬2) إن ختم (¬3)، فقال رجلٌ من القوم بأى شئٍ يختمُ؟ فقال بآمين. فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب، فانصرف الرجل الذى سأل النبى صلى الله عليه وسلم فأتى الرجل فقال: اختم (¬4) يافلان بآمين وأبشر. رواه أبو داود. (مصبح) بضم الميم وكسر الباء الموحدة بعدها حاء مهملة. (والمقرائىّ) بضم الميم، وقيل بفتحها، والضم أشهر، وبسكون القاف وبعدها راء ممدودة: نسبة إلى قرية بدمشق. 8 - وعن حبيب بن سلمة الفهرى رضي الله عنه، وكان محاب الدعوة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يجتمع ملاٌ (¬5) فيدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله. رواه الحاكم. 9 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجلٌ من القوم: الله أكبر (¬6) كبيراً (¬7)، والحمد لله (¬8) كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من القائل كلمة كذا ¬

(¬1) أقبل على الطلب مواظباً، وأكثر من الرجاء في إتمام مسالته، يقال ألح السحاب: دام مطره وألح الرجل على شئ: ألحف. (¬2) أي صارت الإجابة محققة، وقضاء وطره مأمولا، وخيره منتظراً. (¬3) أي أعقب دعاءه، وطلبه من ربه سبحانه وتعالى بذكر (آمين). (¬4) أي عليك بذكر (آمين) بعد دعائك يا فلان، وانتظر البشرى وحسن الإجابة. (¬5) ملأ: جماعة يجتمعون على رأى فيملئون العيون رواء ومنظرا، والنفوس بهاء وجلالا. قال تعالى (ألم تر إلى الملأ من بنى إسرائيل). يقال فلان ملء العيون. أي معظم عنده من رآه كأنه ملأ عينه من رؤيته أهـ غريب. (¬6) الله الكبير فوضع أفعل موضع فعيل كقول الرزدق: إن الذى سمك السماء بنى لنا ... بيتاً دعائمه أعز وأطول أي عزيزة طويلة، وقيل معناه: الله أكبر من كل شئ. أي أعظمه فحفت من الوضوح معناه. وقيل معناه: الله أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته. (¬7) منصوب بإضمار فعل كأنه قال: أكبر كبيراً، وقيل هو منصوب على القطع من اسم الله. (¬8) الثناء على الله وإجلاله يزيد كثيراً، وتقديس الله وتنزيهه صباحا ومساء فائدة تلاوتها تجعلك في حوزة رضا الله، وتتفتح أبواب الرحمة فيجاب الدعاء: ولذا اتخذها سيدنا عبد الله ورداً له ويختم بها دعاءه عسى أن يشمله إحسان مولاه جل جلاله فاقتد به يا أخى. وفيه الترغيب بكثرة ذكر الله. وسياق الحديث: أن رجلا قالها في صلاته: أي بعد تكبير الإحرام.

وكذا؟ فقال رجلٌ من القوم: أنا يا رسول الله، فقال: عجبت لها! فتحت لها أبواب السماء. قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. رواه مسلم. الترغيب في التسبيح في الصلاة 10 - وعن رفاعة بن رافعٍ الزرقى رضي الله عنه قال: كنا نصلى وراء النبى صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمدهُ. قال رجلٌ من ورائه: ربنا (¬1) ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً (¬2) مباركاً فيه (¬3)، فلما انصرف قال: من المتكلم (¬4)؟ قال أنا. قال: رأيتُ بضعةً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول؟. رواه مالك والبخاري، وأبو داود والنسائي. ¬

(¬1) ياربنا لك الثناء الجميل، والفضل الجزيل الوفير. (¬2) أصل الطيب ما تستلذ به الحواس، وما تستلذه النفس: أي ثناء صادرا عن إخلاص متحلياً بالعلم والإيمان والشكر، فإنه تعالى جدير بكل جميل. قيل الطيب من الإنسان من تعرى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال، وتحلى بالعلم والإيمان، ومحاسن الأعمال، وإياهم قصد بقوله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين) أهـ نهاية. (¬3) فيه الخير. قال في النهاية: المبارك فيه ذلك الخير. على ذلك (هذا ذكر مبارك أنزلناه) تنبيها على ما يفيض عليه من الخيرات الإلهية، وقوله تعالى: (وجلعنى مباركا) أي موضع الخيرات الإلهية أهـ. يقال: بارك الله لك وفيك وعليك وباركك، ومنه قوله تعالى: (أن بورك من في النار) وتبارك الله. أي بارك، والبركة النماء، والزيادة. (¬4) سأل صلى الله عليه وسلم: ليعرف من قالها: ثم أخبره أن أكثر من ثلاثة وثلاثين ملكا يسرعون في كتابة ثوابها ويتسابقون على البداءة بكتابتها لكثرة ثوابها وجزيل أجرها وقبول الله تعالى لقائلها. والحمد لله: الثناء عليه تعالى بالفضيلة، وهو أخص من المدح وأعم من الشكر. قال تعالى (إنه حميد مجيد) قال في النهاية: يصح أن يكون في معنى المحمود، وأن يكون في معنى الحامد. وقد كتب الإمام النووي رحمه الله: في باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع من فوائده واستحباب هذا الذكر ووجوب الاعتدال، ووجوب الطمأنينه فيه، وأنه يستحب لكل مصل من إمام ومأموم ومنفرد أن يقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، ويجمع بينهما فيكون قوله. سمع الله لمن حمده: في حال ارتفاعه، وقوله: ربنا لك الحمد في حال اعتداله، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتمونى أصلى) رواه البخاري. ومعنى سمع: أجاب، ومعناه: أن من حمد الله تعالى متعرضاً لثوابه استجاب الله تعالى له وأعطاه ما تعرض له فإنما نقول: ربنا لك الحمد لتحصيل ذلك أهـ ص 193 - 4. فقة الباب أ - المحافظة على الانتباه واليقظة حتى يقول آمين مع الإمام رجاء عفو الله وستره ومغفرته. ب - تأدية السلام على من عرفت ومن لم تعرف، وقد كره اليهود هذه المنة وحسدوا المسلمين على هذه النعمة التحية والتأمين، لما فيهما من تفضل الله تعالى بكثرة ثوابه، وإغداق حسناته للمحافظين على أدائها. =

الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود

11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي. وفي رواية البخاري ومسلم فقولوا: ربنا ولك الحمد، بالواو. الترهيب من رفع المأموم رأسه قبل الإمام في الركوع والسجود 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه من ركوعٍ أو سجودٍ قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمارٍ، أو يجعل الله صورته صورة حمارٍ (¬1). رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يؤمن أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول رأسه رأس كلبٍ ورواه في الكبير موقوفاً على عبد الله بن مسعود بأسانيد أحدها جيد، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبى هريرة أيضا عن النبى صلى الله عليه وسلم، ولفظه: ¬

= الثالثة: تراص صفوف المسلمين في العبادة، ونظر الله تعالى لهم نظرة رحمة ورأفة ورضا، لما في ذلك من الاتحاد، وتوثيق عرى الإخاء والوفاء والمحبة، فيدعو بعضهم ويؤمن الآخرون. جـ - الخيبة والحسرة لمن لم يقل آمين مع الإمام وغيره برز وحاز قصب السبق في مضمار الفوز فقال آمين معه. د - إن آمين: دعاء وتضرع وتذلل وطلب إجابة، وقد أخبر الصادق المصدوق على الله تعالى: (يجبكم) لماذا؟ لأنها الإمضاء الممهور بالتنفيذ والمرجو إتمامه والطابع المشمول بالرعاية والمأمول النافذ وحسبك وجود فئة تطلب، وأخرى تسأل الله الإجابة. ثم انتقل صلى الله عليه وسلم إلى ذكر تسبيح بعد تكبيرة الإحرام عمل به الإمامان أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما، ودرج الشافعي رضي الله عنه فائدته في قوله (وجهت وجهى) الخ. وياأخى لا مانع من ذكره لعل رحمة الله تشملنا، ثم بين صلى الله عليه وسلم أن جملة من الملائكة المقربين يسرعون بالسبق في كتابة ثواب من قال في الرفع من ركوعه (سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد) رجاء محافظة المسلمين على ذكرها، والبضع في العدد من ثلاث إلى تسع، والله سبحانه أعلم. قال تعالى: (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود) أي أعقاب الصلوات. (¬1) قال النووي رحمه الله تعالى: هذا كله بيان لغلظ تحريم ذلك والله أعلم أهـ. أي الله تعالى يمسخ صورته أو يغير خلقه لأنه أساء الوقوف أما خالقه، ففيه تحريم الإمام بركوع أو سجود ونحوهما. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود وإقامة الصلب بينهما، وما جاء في الخشوع

أما يخشى الذى يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس كلبٍ (¬1). (قال الخطابي): اختلف الناس فيمن فعل ذلك، فروى عن ابن عمر أنه قال: لا صلاة لمن فعل ذلك، وأما عامةُ أهل العلم فإنهم قالوا: قد أساء وصلاته تُجزئه غير أن أكثرهم يأمرون بأن يعود إلى السجود، ويمكث في سجوده بعد أن يرفع الإمام رأسه بقدر ما كان ترك انتهى. 2 - وعنه أيضا رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الذى يخفض (¬2) ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطانٍ. رواه البزار والطبراني بإسناد حسن، ورواه مالك في الموطأ فوقفه عليه ولم يرفعه. الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود وإقامة الصلب بينهما وما جاء في الخشوع 1 - عن أبي مسعود البدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُجزئُ (¬3) صلاة الرجل حتى يُقِيمَ ظهره في الرُكوع والسجود. رواه أحمد وأبو داود، واللفظ له، والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، ورواه الطبراني والبيهقي، وقالا: إسناده صحيح ثابت، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 2 - وعن عبد الرحمن بن شبلٍ رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله ¬

(¬1) سبحانه، يغضب على ما سبق الإمام فيجعله على صرة كلب انتقاما منه، وتأديبا لغيره، ولكنه حلم وصبور وغفور وعفو. (¬2) أي الإمام يعتدل من الركوع فيخالف المأموم ويسجد، أو الإمام يسجد فيقف المأموم. والمعنى من خالف حركات إمامه وسبقه، فإن الشيطان قائده إلى بطلان الصلاة، ويحرمه من ثواب الله، ويضيع عليه ثواب الجماعة، ويلعب به، ويدخل على قلبه الوسواس والفكر، وهموم الدنيا حتى لايعقل شيئاً من صلاته نسأل الله السلامة. فاتق الله أيها المصلى واستحى أن تناجى مولاك بقلب غافل وصدر مشحون بوسواس الشيطان وخبائث الشهوات وإن الله تعالى مطلع على سريرتك وناظر إلى قلبك، وقد انعقد اجماع العلماء على أنه لا يكتب لك من صلاتك إلا ما عقلت منها، رأى رسول الله صل الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في صلاته، فقال: (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه) وقال النووي: من لم يخشع فسدت صلاته. (¬3) لا تؤدى ولا تصح حتى يعتدل ويطمئن، ويستوى ظهره.

عليه وسلم عن نقرة الغراب (¬1)، وافتراش (¬2) السَّبُعِ وأن يوطن (¬3) الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. 3 - وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسوأُ (¬4) الناس سرقةً، الذى يسرق من صلاته. قالوا: يا رسول الله كيف يسرق من الصلاة؟ قال: لا يُتمُّ ركوعها، ولا سجودها، أو قال: لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 4 - وعن عبد الله بن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسرق الناس (¬5) الذى يسرق صلاته. قيل: يا رسول الله كيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها، وأبخل (¬6) من بخل بالسلام رواه الطبراني في معاجيمه الثلاثة بإسناد جيد. ¬

(¬1) التقاط، يريد صلى الله عليه وسلم تخفيف السجود، وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله. أهـ نهاية. (¬2) هو أن يبسط ذراعيه في السجود ولا يرفعهما عن الأرض كما يبسط الكلب والذئب ذراعيه والافتراش افتعال، من الفرش والفراس. أهـ نهاية. (¬3) في نسخة: وأن يوطئ، والوطء: الإثبات والغمز في الأرض. قال في النهاية: وأن يوطن الرجل في المكان بالمسجد كما يوطن البعير، قيل معناه: أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصاً به يصلى فيه كالبعير لا يأوى من عطن إلا مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخا، وقيل: معناه أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود مثل بروك البعير. يقال: أوطنت الأرض ووطنتها واستطونتها: أي اتخذتها وطناً ومحلا، ومنه الحديث (أنه نهى عن إيطان المساجد) أي اتخاذها وطنا، وفي صفته صلى الله عليه وسلم كان لا يوطن الأماكن: أي لا يتخذ لنفسه مجلساً يعرف به أهـ. (¬4) أكثر شرا وأجلب أذى وضررا، وبينها صلى الله عليه وسلم في نقص الركوع أو السجود أو نقص الاعتدال فيهما، وعدم الطمأنينة لهدم ركنى الصلاة وإبطالها وعدم الإحسان فيها، ووقوفه أمام ربه خائباً خاسراً غير مؤدب، وغير مهذب. (¬5) أشد الناس سرقة وأكثر الناس نصباً وخداعا ولؤما ومكراً واحتيالا. المسرع في صلاته المختلس في ركوعه أو سجوده غير المطمئن في صلاته. لماذ؟ لأنه يتجارأ على ربه، وفقد الخشية منه، وبعد عن التأنى ومال إلى الإجحاف والإسراع، فباء بالخسران، والعياذ بالله. (¬6) أكثر الناس شحاً ومنعاً للخير: من بخل بالسلام على المسلمين يمر عليهم، ولا يقول لهم: السلام عليكم ورحمة الله. لماذا؟ لأنه يتكبر على الناس ويتجبر، ويظهر الغطرسة والجفاء، ويتباعد عن الألفة والمودة، ولا يتقرب لهم بتحية المسلمين. والسلام من الله: النجاة والأمن والاطمئنان، والسلامة من كل مكروه، والسلام: المؤمن المهيمن. قال تعالى: (لهم دار السلام عند ربهم) أي السلامة، وقال تعالى: =

5 - وعن على بن شيبان رضي الله عنه قال: خرجنا حتى قدمنا (¬1) على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبايعناه (¬2) وصلينا خلفه (¬3) فلمح (¬4) بِمُؤَخَّرِ عينه رجلاً لا يقيم صلاته، يعنى صُلبه في الركوع، فلما قضى النبى صلى الله عليه وسلم صلاته قال: يا معشر المسلمين: لا صلاة لمن لا يُقيم صلبه في (¬5) الركوع والسجود. رواه أحمد وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما. 6 - وعن طلق بن على الحنفى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينظر (¬6) الله إلى صلاة عبدٍ لا يُقيم فيها صلبه بين ركوعها وسجودها. رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات. 7 - وعن أبي عبد الله الأشعرى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لا يُتم ركوعه، وينقرُ (¬7) في سجوده وهو يصلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو مات هذا على حاله هذه مات على غير ملة محمدٍ (¬8) صلى الله عليه وسلم ثم قال صلى الله عليه وسلم: مثل الذى لا يُتم ركوعه، وينقر في سجوده مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا تغنيان عنه شيئاً. قال أبو صالح: قلت لأبى عبد الله: من حدَّثَ بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أُمراءُ الأجنادِ عمرو بن العاصى وخالد بن الوليد، وشُرحبيلُ بن حسنة سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني في الكبير، وأبى يعلى بإسناد حسن، وابن خزيمة في صحيحه. ¬

= (والله يدعو إلى دار السلام - يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) وفيه أن المؤمن الكريم من بذل السلام وحافظ على أداء تحية المسلمين. (¬1) أتينا إليه صلى الله عليه وسلم. (¬2) أخذنا عليه العهد والمواثيق أن نطيع الله ونعمل بكتابه ونهتدى بهديه. (¬3) وصلينا وراءه صلى الله عليه وسلم. (¬4) فنظر. (¬5) في نسخة: من: أي لا يعتدل، وفيه لابد من الاعتدال والطمأنينة وإلا بطلت صلاته. (¬6) لا ينظر الله نظر رحمة وعطف وقبول، ويرد صلاته. (¬7) يسرع في سجوده كما ينقر الديك ولم يتم، ويقال هو يصلى النقرى. (¬8) لأنه لا يتم أركان صلاته فبطلت فانهدم ركن من إسلامه فخرج منه، والعياذ بالله، لماذا؟ لأنه يخطف ركوعه وسجوده: وزال منه الخشوع والخضوع لربه سبحانه وتعالى، وهو غير مكترث بحسن أدائها، وقلبه غافل عن الله، وأساء معاملته مع مولاه، لأنه أقدم على عمل فأنقصه وغيره وأراده، وقد شبه صلى الله عليه وسلم المصلى الذى لا يطمئن في ركوعه وسجوده بجوعان أكل تمرة أو اثنين لم يردا جوعه ولم يزيلا توقاتنه للطعام.

الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليُصلى ستين سنةً، وما تُقبلُ له صلاة لعله يُتم الركوع ولا يُتم السجود، ويُتم السجود ولا يُتم الركوع (¬1). رواه أبو القاسم الأصبهاني، وينظر سنده. 9 - وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه، وأنا حضارٌ: لو كان لأحدكم هذه السَّارية (¬2) لكره أن تُجدع كيف يعمد أحدكم فيجدع صلاته التى هى لله، فأتموا صلاتكم، فإن الله لا يقبل إلا تاماًّ. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. (الجدع): قطع بعض الشئ. 10 - وعن بلالٍ رضي الله عنه أنه أبصر رجلاً لا يُتم الركوع ولا السجود فقال: لو مات هذا لمات على غير ملة محمدٍ صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني ورواته ثقات. ¬

(¬1) الرجل يصلى طول عمره وصلاته ترد، وإسلامه ناقص: وحبط عمله، لماذا؟ لأنه لم يتم ركنا من أركانها، وهو عايش بين ظهرانى العلماء ولم يتعلم وهنا يجب أن يتفكر المسلمون في معنى هذا الحديث، وليتقدموا على معرفة أركان الصلاة وشروط صحتها عسى أن يعبدوا الله على ضوء العلم. (¬2) أسطوانة على شكل عمود جميل، تخيل أيها القارئ قصراً فخماً يقام أحد أركانه على سارية بديعة الصنع جميلة النقش حسنة الهيئة ثم تجدع: أي يقطع جزء منها، ماذا يحصل لمنظرها البهيج؟ كذلك المصلى الذى لا يتم جميع أركانها ولا يتئد في حسن أدائها، وبذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتمامها وتكميل واجباتها والعناية بصحتها، وفقه مرماها، وفهم مغزاها، والعمل بمقتضاها، والسير على قبسها: وأكد أن الله جل جلاله لا يقبل إلا تاما. لماذا؟ لأنه خالف أمر الله تعالى في قوله: أ - (فاسجدوا لله واعبدوا). ب - (واسجد واقترب). جـ - (ألا يسجدوا لله) أي يا قوم اسجدوا. د - (وخروا له سجدا) أي متذللين، والسجود: عبارة عن التذلل لله وعبادته، وهو عام في الإنسان والحيوان والجماد. هـ (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها). و- (ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون). قال في النهاية: وخص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة، وما يجرى مجرى ذلك من سجود القرآن، وسجود الشكر، وقد يعبر به عن الصلاة بقوله: وأدبار السجود، أي أدبار الصلاة، ويسمون صلاة الضحى سبحة الضحى، وسجود الضحى (وسبح بحمد ربك) قيل أريد به الصلاة. أهـ. ص 223. ولعلك فهمت أن ناقص أركان الصلاة إن مات على حالة صلاته هذه فهو على غير الإسلام على شرط أن يعيش بين العلماء، لأنه غافل عن العلم وتعلمه وكسلان، أما الجاهل البعيد عن أهل العلم فمعذور. وأصبح الدين كالشمس تعاليمه واضحة، فلا عذر لجاهل أو مقصر.

النهى عن القراءة في الركوع 11 - وروى عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن للصلاة المكتوبة عند الله وزناً (¬1) من انتقص منها شيئاً حُوسب به فيها على ما انتقص. رواه الأصبهاني. 12 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاينظر الله إلى عبدٍ لا يُقيم صُلبه بين ركوعه وسجوده. رواه أحمد بإسناد جيد. 13 - وروى عن علىٍّ رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه أن أقرأ وأنا راكعٌ، وقال: يا عليُّ مثل الذى لا يقيم صُلبه في صلاته كمثل حُبلىَ حملت فلما دنا نفاسها أسقطت، فلا هى ذات حملٍ، ولا هى ذات ولدٍ (¬2). رواه أبو يعلى والأصبهاني، وزاد: مثل المُصلى كمثل التاجر لا يخلص له ربحه حتى يخلص له رأسُ ماله، وكذلك المصلى لا تُقبل نافلته حتى يُؤدى الفريضة. 14 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسوأُ الناس (¬3) سرقةً الذي يسرق صلاته. قال: وكيف يسرق صلاته؟ قال: لا يُتم ركوعها ولا سجودها. رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه. 15 - وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مُصلٍّ: إلا وملكٌ عن يمنيه، وملكٌ عن يساره، فإن أتمها عرجا (¬4) بها، ¬

(¬1) نظاما وقوانين خاصة يجب اتباعها، وقد فصلها الفقهاء رحمهم الله في كتب الفقه، فمن أهمل في شئ منها وإن قل حوسب حسابا عسيراً على تركه. (¬2) يشبه صلى الله عليه وسلم المصلى الذى لا يؤدى الأركان كاملة، ولا يعتدل صلبه تماما بحبلى سقط جنينها وهى على وشك الولادة، وأسفا صبرت على تحمل الحمل وأثقاله وأتعابه ولم تجن ثمرته فنزل الولد ميتاً، كذلك المصلى الجاهل الغر الذى لا يعتنى بحسن الأداء تعب، ولكن خاب وتكلف العمل ولم ينفع، وبطلت صلاته فخسر ثواب الله، فلا استراح ولا هو أحسن صلاته. فعليك أخى بإتمام أركان الصلاة والخشوع لله تعالى. (¬3) أكثر الناس جرما وسلبا ونهبا وشرا المصلى، وصلاته ناقصة الأركان: أي يسرع في ركوعه وسجوده. (¬4) صعدا إلى السماء.

وإن لم يُتمها ضربا بها على وجهه (¬1). رواه الأصبهاني. الترهيب من عدم إتمام الركوع والسجود 16 - وعن النعمان بن مرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما ترون في الشارب، والزانى، والسارق؟ وذلك قبل أن تنزل فيهم الحدود قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هُنَّ فواحش، وفيهن عقوبة، وأسوأُ السرقة الذى يسرق صلاته (¬2) قالوا: وكيف يسرق صلاته؟ قال: لا يُتم ركوعها ولا سجودها. رواه مالك، وتقدم في باب الصلاة على وقتها حديث أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم، وفيه: ومن صلاها لغير وقتها، ولم يُسبغ (¬3) لها وضوءها، ولم يُتم لها خشوعها، ولا رُكوعها، ولاسجودها، خرجت وهى سوداء مُظلمة تقول: ضيعك الله كما ضيعتنى حتى إذا كانت حيث شاء الله لُفَّتْ كما يُلَفُّ الثوب الخلق، ثم ضُرِبَ بها وجهه. رواه الطبراني. 17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في ناحية المسجد فصلى (¬4) ثُمَّ جاء فسلَّم عليه، فقال له ¬

(¬1) أخبر صلى الله عليه وسلم أن ملكين يرافقان المصلى وينتظران أداءها، فإن صلى صلاة كاملة صعدا بها إلى الرب سبحانه وتعالى لتحفظ في سجله، ويتفضل المولى بإغداق الحسنات والرحمات على عبده، وإن لم يتمها غضبا عليه، وصفعا بها وجهه، ومصداق ذلك قوله تعالى: أ - (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه). ب - وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا). جـ - وقوله تعالى: (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعملون ما تفعلون. إن الأبرار لفى نعيم. وإن الفجار لفى جحيم يصلونها يوم الدين، وما هم عنها بغائبين) 17 من سورة الانفطار. قال البيضاوى: تحقيق لما يكذبون به، ورد لما يتوقعونه من التسامح والإهمال، وتعظيم الكتبة بكونهم كراما عند الله تعظيم الجزاء، ويقاسي الفجار حرها (يوم الدين وما هم عنها بغائبين) أي خلودهم فيها، وقيل معناه وما يغيبون عنها قبل ذلك إذ يجدون سمومها في القبور. (¬2) الصلاة يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الفواحش أقل عقوبة من أداء الصلاة ناقصة، وسماها صلى الله عليه وسلم (أسوأ السرقة). (¬3) لم يحسن ولم يتم فروض الوضوء وسننه، ثم زال الخشوع في صلاته وملكه الشيطان، وسلط عليه وساوسه وهمومه، ولم يوف ركوعها وسجودها، ثم تصعد الصلاة إلى بارئها شاكية متألمة داعية عليه متمنية ضياعه وخيبته وخسارته، ثم بعد ذلك ترجع في هيئة رثة، وشكل مخيف، وتلف وتكور، وتصيب وجهه منتقمة آخذه بثأرها معذبة له، هذا كناية عن عدم أدائها، والفرض باق عليه أداؤه وعقابه: (¬4) لاحظ صلى الله عليه وسلم أن ذلك الرجل لم يتم أركان الصلاة فصلاته باطلة، وأرجعه صلىلله عليه وسلم نحو أربع مرات يصلى، وهو لا يزال يسئ، وينقص الطمأنينة، ثم علمه صلى الله عليه وسلم الطريقة المثلى للصلاة من إتمام الوضوء، واستقبال القبلة بكل آدب وخشوع، ثم الدخول في الصلاة بنية تكبيرة الإحرام وهكذا مما سأذكره إن شاء الله.

رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل، فصلى ثم جاء فسلم، فقال: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل، فصلى ثم جاء فسلم فقال: وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل، فقال في الثانية: أو في التى تليها علمنى يا رسول الله: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تستوى قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاته كلها. وفي رواية: ثم ارفع تستوى قائما، يعنى السجدة الثانية. رواه البخاري ومسلم، وقال في حديثه: فقال الرجل: والذى بعثك بالحق ما أُحسن غير هذا فعلمنى، ولم يذكر غير سجدةٍ واحدةٍ. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي رواية لأبى داود: فإذا فعلت ذلك (¬1)، فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك. 18 - وعن رفاعة بن رافعٍ رضي الله عنه قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ فدخل المسجد فصلى، فذكر الحديث إلى أن قال فيه: فقال الرجل: لا أدرى ما عبت على؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: إنه لا تتمُّ صلاة أحدكم حتى يُسبغ الوضوء، كما أمره الله، ويغسل وجهه، ويديه إلى المرفقين، ويسمح رأسه ورجليه (¬2) إلى الكعبين، ثم يكبر الله، ويحمده ويمجده ويقرأُ من القرآن ما أذن الله له فيه وتيسر، ثم يُكبرُ ويركعُ، فيضعُ كفيه على رُكبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخى، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ويستوى قائماً حتى يأخذ كل عظيم (¬3) مأخذه، ويقيم صلبه، ثم يكبر فيسجد، ويمكن جبهته من الأرض ¬

(¬1) راعيت أركانها، وأديت شروط صحتها، وحافظت على الخشوع، وبعدت عن وساوس الشيطان. (¬2) أي ويغسلهما. (¬3) في نسخة: عضو.

حتى تطمئن مفاصلة وتسترخى، ثم يكبر فيرفع رأسه، ويستوى قاعداً على مقعدته ويُقيم صُلبه فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ، ثم قال: لا تتم صلاةُ أحدكم حتى يفعل ذلك. رواه النسائي، وهذا لفظه، والترمذي وقال: حديث حسن، وقال في آخره. فإن فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منها شيئاً انتقصت من صلاتك. قال أبو عمر بن عبد البر النمرى: هذا حديث ثابت. 19 - وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرجل لينصرف، وما كُتِبَ له إلا عُشرُ صلاته تُسعها ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُها ثُلُثُها نِصفُهَا (¬1). رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه بنحوه. 20 - وعن أبي اليسر رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: منكم من يصلى الصلاة كاملةً، ومنكم من يصلى النصف، والثلث، والربع، والخمس حتى بلغ العشر. رواه السنائى بإسناد حسن، واسم أبى اليسر بالياء المثناة تحت والسين المهملة مفتوحتين: كعب بن عمر السلمى، شهد بدرا. 21 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة (¬2) ثلاثة أثلاثٍ: الطهور ثلثٌ، والركوع ثلثٌ، والسجود ثلثٌ. فمن أداها بحقها قُبلت منه، وقبل مه سائر عمله، ومن رُدت عليه صلاته رُدَّ عليه سائر عمله. رواه البزار، وقال: لا نعلمه مرفوعاً إلا من حديث المغيرة بن مسلم. (قال الحافظ): وإسناده حسن. 22 - وعن حُريثِ بن قبيصة رضي الله عنه قال: قدمت المدينة وقلت: اللهم ارزقنى جليساً صالحاً. قال: فجلست إلى أبى هريرة فقلت: إنى سألت الله أن ¬

(¬1) يبين صلى الله عليه وسلم ثواب المصلى بقدر طمأنينته وخشوعه؛ وبعد وساوسه. فهذا مؤمن أدى الأركان والسنن، فنال الثواب كله وهذا نقص، فنال أقل. (¬2) ثواب الصلاة موزع على أداء ثلاثة: أ - الاستنجاء والنقاء، والطهارة من النجاسة، والوضوء الكامل. ب - الطمأنينة في الركوع، وزيادة التسبيح والتحميد. جـ - الطمأنينة في السجود والتسبيح والتمجيد.

يرزقنى جليساً صالحاً فحدثنى بحديثٍ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن ينفعنى به فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة عن عمله صلاته، فإن صلحت (¬1) فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر (¬2)، وإن انتقص من فريضته (¬3). قال الله تعالى: انظروا هل لعبدى من تطوع يكمل به ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك. رواه الترمذي وغيره، وقال: حديث حسن غريب. 23 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، ثم انصرف فقال يا فلان: ألا تُحسن صلاتك، ألا ينظر المصلى إذا صلى كيف يُصلى، فإنما يُصلى لنفسه، إنى لأُبصر من ورائى كما أُبصر من بيدى يديَّ (¬4). رواه مسلم والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، فما سلم نادى رجلاً كان في آخر الصفوف، فقال يا فلان: ألا تتقى الله (¬5). ألا تنظر كيف تصلى؟ ¬

(¬1) إن أداها المصلى تامة فاز بكثرة الثواب، وزيادة الحسنات، ورفع الدرجات، وقبول الأعمال، وغرس في قلبه حب الله وخشيته، واتجهت سفينته إلى النجاة، ووصلت إلى بر السلامة. (¬2) فعل ولم تقبل، وامتلأ قلبه عن غفلة عن الله، ونسى الله فنسيه سبحانه. (¬3) إن لم يحسن الفريضة يأمر الله تعالى ملائكته أن تنظر إلى أداء السنة ليتفضل عليه بزيادة الأجر ولعل المصلى أحسن أداءها، وخشع فيها واطمأن. وفيه الحث على طلب الجليس الصالح الذى يرشدك إلى مسائل العلم ويحببك في العمل الصالح، وفيه الترغيب في إتمام الصلاة وأداء السنن والنوافل. (¬4) قال النووي: معناه أن الله تعالى خلق له صلى الله عليه وسلم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه وقد انخرقت له العادة صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به. قال القاضى: قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وجمهور العلماء: هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقة. وفيه الأمر بإحسان الصلاة والخشوع وإتمام الركوع والسجود أهـ ص 149 جـ 4. صلى الله عليك يا رسول الله. اختصك الله بكمالات، فحرصت على أمتك، فأحسنت تعليمها، وأجدت تربيتها، ونسأل الله القدوة بك، والعمل بشريعتك، فقد أديت الرسالة، وحفظت الأمانة. (¬5) ألا تخاف الله في أداء الصلاة، وتخشى عذابه، وتفكر في الإخلاص له، وإنك واقف أمام عظيم قادر قهار جبار وهاب عزيز. والله أحق أن تخشاه وتناجيه بتأدب، وتعبده بخشوع. =

إن أحدكم إذا قام يُصلى إنما يقوم يناجى ربه، فلينظر كيف يناجيه، إنكم ¬

_ = حسن الصلاة كما قال صلى الله عليه وسلم وشرحه علماء الفقه يكون على طهارة، ثم يتوضأ، ويجوز شروط صحة الصلاة، وهى: أولا: طهارة الأعضاء من الحدثين الأكبر والأصغر. ثانياً: طهارة البدن والثوب والمكان من النجاسة. ثالثا: ستر العورة، وهى للرجل مابين السرة والركبة - وللأمة كذلك، وللحرة جميع جسمها ما عدا الوجه والكفين. رابعا: العلم بدخول الوقت يقينا أو ظنا. خامساً: استقبال القبلة يقينا بالصدر، ويجوز ترك استقبال القبلة في شدة الخوف في الحرب لنصر دين الله وفي النافلة فقط في السفر المباح قصيرا أو طويلا. ويراعى أركان الصلاة، وهى: أولا: النية، ومحلها القلب، ويجب أن تكون مقرونة بتكبيرة الإحرام. وإن كانت الصلاة فرضاً، فشروطها ثلاثة: أ - أن يقصد هيئة الصلاة. ب - أن يعين اسمها. جـ - أن يصف الصلاة بالفرض. وإن كانت نفلا، فالشرطان الأولان فقط. ثانيا: تكبيرة الإحرام بشرط: أ - إيقاعها بعد الانتصاب في الفرض - وهنا أعتب على الجهلة الذين ينوون، وهم ماشون. ب - إيقاعها حال الاستقبال. جـ - أن يقرن النية بجزء منها. د - وعدم مد همزة الله. هـ عدم واو قبل لفظ الجلالة. و- وعدم مد همزةأو باء أكبر. ثالثا: القيام: أ - من قادر. ب - والصلاة فرض، ولو خاف راكب سفينةغرقا أو دوران رأس صلى من قعود ولا إعادة عليه. رابعا: قراءة الفاتحة بشرط أن يسمع نفسه، وألا تسقط حرفا منها ولا شدة من شداتها، وأن يرتب القراءة ويواليها وبالعربية. خامسا: الركوع. سادسا: الطمأنينة فيه (سكون بين حركتين بحيث تستقر أعضاؤه). سابعا: الاعتدال: العود إلى الحالة التى كان عليها من قيام قادر، وجلوس قاعد. ثامنا: الطمأنينة فيه. تاسعاً: السجود مرتين في كل ركعة بشرط انكشاف الجبهة، والسجود على الأعضاء السبعة، وهى: الجبهة والركبتان. وباطنا الكفين: أطراف بطون أصابع القدمين في آن واحد. قال ابن العربى: لما جعل الله لنا الأرض ذلولا نمشى في مناكبها، ونطؤها بأقدامنا، وذلك في غاية الذلة أمرنا أن نضع عليها أشرف الأعضاء، وهو الوجه جبراً لانكسارها، وقد قال تعالى: (أنا عند المنكسرة قلوبهم) أهـ. عاشراً: الطمأنينة في السجود. الحادى عشر: الجلوس بين السجدتين يجلس مستقيما. الثانى عشر: الطمأنينة في الجلوس بين السجدتين. الثالث عشر: الجلوس الذى يعقبه السلام. الرابع شعر: التشهد، وأقله: التحيات لله. سلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته. سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. بشرط ألا يسقط حرفا منه ولا تشديدة. الخامس عشر: الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير، وأقلها: اللهم صلى على سيدنا محمد. =

ترون أنى لا أراكم، إنى والله لأرى من خلف ظهرى كما أرى من ¬

_ = السادس عشر: التسليمة الأولى، وأقلها: السلام عليكم، ويلتفت حتى يرى خده الأيمن. السابع عشر: ترتيب الأركان، فإن قدم ركناً عن محله عامداً بطلت صلاته. سنن الصلاة هى أبعاض تجبر بسجود السهو. أولا: التشهد الأول. ثانيا: الجلوس له. ثالثا: الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم بعده. رابعا: الجلوس لها. خامسا: الصلاة على الآل بعد التشهد الأخير، والجلوس لها. سادساً القنوت في الصبح في اعتدال الركعة الأخيرة يطلب من الله ما شاء، ويثنى عليه، وفي الوتر في النصف الثانى من شهر رمضان. سابعاً: القيام له. ثامنا: الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فيه. تاسعاً: القيام لها، والصلاة على الآل فيه والصحب، والسلام على النبى صلى الله عليه وسلم، والسلام على الآل والصحب، والقيام له. ولفظ القنوت: (اللهم اهدنى فيمن هديت، وعافنى فيمن عافيت، وتولنى فيمن توليت، وبارك لى فيما أعطيت، وقنى شر ما قضيت، فإنك تقضى ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه وسلم). هيئات الصلاة وهى: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام مكشوفتين منشورتى الأصابع مفرقة تفريقاً وسطاً محالة أطرافها جهة القبلة محاذية أطرافها للأذنين؛ وإبهاماه لشحمتيهما، وأن يرفعهما للركوع، وللرفع منه، وللقيام من التشهد الأول بالكيفية المقتدمة، ووضع يده اليمنى على ظهر اليسرى تحت صدره، وفوق سرته قابضاً بيمينه كوع يساره، وبعض ساعدها، ورسغها مائلا إلى جهة يساره، والنظر إلى موضع السجود مائلا برأسه قليلا في جميع الصلاة، ولو كانت في الكعبة إلا في التشهد، فلا يجاوز بصره إشارته بالسبابة عند قوله: إلا الله، ودعاء الافتتاح سراً لمتمكن إن لم يتعوذ، ولم يجلس مع إمامه بعد التحرم بنحو: (وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين). وأن يسكت بينه وبين تكبيرة الإحرام سكتة يسيرة بقدر سبحان الله، وبين الافتتاح والتعوذ، وبينه وبين البسملة، وبين آخر الفاتحة وآمين، وبينه وبين السورة، وبينها وبين تكبيرة الركوع وبين التسليمتين كذلك، وأن يسكت الإمام في الجهرية بعد آمين بقدر قراءة المأموم الفاتحة، وأن يشتغل في هذه السكتة بقراءة أو دعاء، والتعوذ في كل ركعة سراً، والتأمين عقب الفاتحة، ويجهر المصلى به إماماً كان أو مأموماص أو منفرداً في الجهرية، والمأموم إنما يجهر به من تأمين إمامه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمن الإمام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) وأما ندب الجهر فللاتباع. رواه أبو داود وغيره، وصححه ابن حبان وغيره مع خبر (صلو كما رأيتمونى أصلى) وعن وائل بن حجر أنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال: آمين، ومد بها صوته أهـ ص 147 تنوير القلوب، والجهر بالقراءة في الصبح والجمعة والعيدين، وخسوف القمر والأولين من المغرب والعشاء، والاستسقاء، والتراويح، ووتر رمضان، وركعتى الطواف ليلا، ولو أدرك ركعة من الصبح في وقتها والأخرى خارجه جهر في الأولى وأسر في الثانية، نعم يجهر الإمام فيها بالقنوت =

بين يدىَّ. ¬

_ = هذا كله في المؤداة. أما الفائتة فالعبرة فيها بوقت القضاء، فيجهر من غروب الشمس إلى طلوعها، ويسر فيما سوى ذلك، ويتوسط في نافة الليل المطلقة إذا لم يشوش على نائم أو مصل، والمرأة والخنثى يجهران، ويتوسطان في محلهما حيث لا يسمع أجنبى، وإلا استحب لهما الإسرار، وكان صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن في الصلوات كلها، وكان المشركون يؤذونه، ويسبون من أنزله ومن أنزل عليه؛ فأنزل الله تعالى (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا). والتكبير عند كل خفض ورفع إلا من الركوع فيقول: سمع الله لمن حمده، وقول: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شئ بعد. ومد التكبير حتى يصل إلى الركن المتنقل إليه، وإن أتى بجلسة الاستراحة ولم يمكنه مد التكبير لم يأت بتكبيرة ثانية، بل يشتغل بذكر، ووضع راحتيه على ركبتيه في الركوع، وتفرقة أصابعه للقبلة، وتسوية ظهر وعنق في الركوع، والتسبيح بأن يقول سبحان ربى العظيم وبحمده ثلاثا في الركوع، وسبحان ربى الأعلى ثلاثا في السجود، ويكره تركه. ومن داوم على تركه في الركوع والسجود سقطت شهادته. ويزيد منفرد وإمام محصورين التسبيح إلى إحدى عشرة مرة، ويقول في الركوع والسجود سقطت شهادته. ويزيد منفرد وإمام محصورين التسبيح إلى إحدى عشرة مرة، ويقول في الركوع: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت. خشع لك سمعى، وبصرى، ومخى، وعظمى، وعصبى، وشعرى، وبشرى، وما استقلت به قدمى لله رب العالمين. ويقول في السجود بعد التسبيح: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهى للذي خلقه وصوره، وشقه سمعه وبصره، بحوله وقته تبارك الله أحسن الخالقين. وأن يضع في سجوده ركبتيه مفرقتين بقدر شبر، ثم يديه ثم جبهته وأنفه وأن يضع كفيه حذو منكبيه ويضم أصابعه جهة القبلة، وأن يجافى الرجل عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه في ركوعه وسجوده؛ وأن يفرق بين قدميه في قيامه وسجوده قدر شبر. أما المرأة والخنثى فيضمان بعضهما إلى بعض لأنه استر لها وأحوط له، وإبراز قدميه من ذيله في السجود، والدعاء في الجلسة بين السجدتين وهو: رب اغفر لى وارحمنى واجبرنى وارزقنى واهدنى وعافنى واعف عنى. وافتراش في كل جلوس لا يعقبه سلام بأن يجلس على كعب يسراه وينصب يمناه وجلوس استراحة ومحله بعد سجدة ثانية يقوم عنها، واعتماد على الأرض بيديه عند قيامه. وتورك في جلوس يعقبه سلام بأن يلصق وركه الأيسر بالأرض، وينصب رجله اليمنى على أصابعها، ويخرج يسراه من تحت يمناه. والحاصل أن جلسات الصلاة سبعة: يفترش في ست منها، وهى الجلوس بين السجدتين، وجلوس الاستراحة، وجلوس المسبوق، وجلوس التشهد الأول، وجلوس المصلى قاعدا للقراءة، وجلوس التشهد الأخير لمن أراد سجود السهود أو أطلق، ومثلها الجلوس لسجود التلاوة والشكر قبل السجود، ويتورك في واحدة، وهى الجلوس للتشهد الأخير إذا لم يطلب منه سجود السهود، ووضع كفيه في تشهديه على طرف ركبتيه، وقبض أصابع اليمنى إلا المسبحة فيشير بها منحنية عند قوله إلا الله وينوى بالإشارة الإخلاص بالتوحيد، وينشر أصابع اليسرى مضمومة إلى جهة القبلة، والتعوذ من العذاب والفتن بعد التشهد الأخير، فيقول: اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. اللهم اغفر لى ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت أنت المقدم، وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، فاغفر لى مغفرة من عندك، وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم. أهـ ص 153 تنوير القلوب. يا أخى: قد ذكر العلماء شروط صحة الصلاة وأركانها وسننها وهيئاتها، فافقه معناها، واعلم مغزاها وأد الصلاة كما يحب الله ورسوله، واحذر أن تصلى صلاة ناقصة كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يتم ركوعها وسجودها) وتأمل معنى ما تقرأ رجاء ألا تكون ممن قال فيه هذا الشاعر: =

24 - وعن عثمان بن أبى دهرشن رضي الله عنه عن النبى صلى الله ¬

_ = تُصَلِّى بِلاَ قَلْبٍ صَلاَةً بمثْلِهَا ... يَكُونُ الفَتَى مُسْتَوْجِباً لِلعُقُوبَة تظلُّ وقد أتممتها غير عالمٍ ... تزيدُ احتياطاً ركعةً بعد ركعة فويلكَ تدرى من تناجيه معرضاً ... وبين يدى من تنحنى غير مُخبِت تخاطبه إياكَ نعبدُ مُقبلاً ... على غيره فيها لغيره ضرورة ولو رد من ناجاك للغيرِ طرفه ... تميزتَ من غيظٍ عليه وغيره أما تستحى من مالك الملكِ أن يرى ... صدودك عنه يا قليل المُرُوءَة إلهى اهدنا فيمن هديت وخذ بنا ... إلى الحق نهجاً في سواء الطريقة فصل: في مكروهات الصلاة وهى: الإسراع إلى الصلاة وجعل يديه في كميه. وتشمير كميه. ووضع يديه على فيه لغير حاجة وغرز العذبة، والصلاة في ثوب واحد من غير أن يجعل على عاتقه شيئاً إن وجد غيره، ورفع البصر إلى السماء والتفات بوجهه لا حاجة، وإشارة مفهمة بنحو عين أو حاجب أو شفة ما لم تكن على وجه اللعب، وإلا بطلت صلاته، واختصار بأن يجعل يده على خاصرته، واشتغال قلب بدنيوى وإسراع في صلاته إن لم ينقص ركناً وإلا بطلت صلاته، واهتزاز وهوالتمايل يمنة ويسرة ما لم يكثر وإلا بطلت، وقيام على رجل واحدة لغير عذر، وجهر بمحل إسرار وعكسه، وجهر خلف الإمام، وتغميض البصر إن خاف ضرراً فإن تقينه حرم، وقد يجب كأن كان العراة صفوفا، وقد يسن كما إذا صلى لحائط مزوق، ويسن فتحهما في السجود ليسجد معه البصر، وكذا في الركوع، وإلصاق عضدى الرجل بجنبيه في الركوع والسجود، وإلصاق بطنه بفخذيه فيهما، والاضطباع وهو أن يجعل وسط ردائه تحت أحد منكبيه وطرفيه على الآخر ولو فوق الثياب سواء الأيمن والأيسر، بخلافه من الطوائف كما سيأتى، وشد الوسط إلا السروال فيندب، أو لخوف ظهور العورة فيجب. أما إذا كان لابساً فوقه ثوبا آخر كقباء ورداء فلا كراهة، وصلاة مع حصر ببول، أو غائط أو ريح، أو عند حضور أو قرب طعام يشتاق إليه، ولم يخف خروج الوقت، والمبالغة في خفض الرأس أو رفعه عن الظهر في الركوع، وإطالته التشهد الأول، وترك السور في الركعتين الأوليين من كل صلاة وترك تكبير الانتقالات، وترك أذكار الركوع والاعتدال والسجود والجلوس بين السجدتين، والزيادة في جلسة الاستراحة على قدر أقل الجلوس بين السجدتين، وترك الدعوات في التشهد الأخير، وبصاق قبل الوجه أو اليمين ولو في غير الصلاة، فان كان خارج الصلاة غير مستقبل القبلة لم يكره له البصاق قبل وجهه وكرهة البصاق في غير المسجد أما فيه فيحرم مطلقا ما لم يكن في نحو ثوبه وتشبيك الأصابع وتفرقعها وإرخاءالثوب على الأرض، وكف الثوب والشعر: أي ضمه وجمعه وإقعاء بأن يجلس على وركيه ناصباً ركبتيه، ونقر الغراب مع الطمأنينة، وإلا بطلت، وافتراش يديه في سجوده، وإيطان المكان: أي ملازمته، وهذا لغير الإمام في المحراب. أما هو فلا يكره له، ومسح الجبهة في الصلاة وبعدها. وتكره الصلاة في الحمام ولو في موضع خلع الثياب، وطريق وسوق ومقبرة ونحو مزبلة وكنيسة وعند غلبة النوم. =

عليه وسلم قال: ¬

_ = فصل فيما يفسد الصلاة وهى عشرون، الأول: الحدث عمداً أو سهواً سواء الأكبر أو الأصغر. الثاني: ملاقاة نجاسة غير معقو عنها رطبة أو يابسة لثوب المصلى أو بدنه من غير إزالتها في الحال. الثالث: كشف العورة عمداً ولو سترها في الحال، أو سهواً ولم يسترها في الحال. أما إذا سترها في الحال فلا تبطل صلاته. الرابع: الكلام العمد غير قرآن وذكر ودعاء بحرفين، وإن لم يفهما أو بحرف مفهم ولا يضر يسير كلام، وهو ست كلمات فأقل: سبق لسانه إليه أو تكلم ناسياً للصلاة وجهل تحريمه فيها، وكان معذوراً كأن نشأ ببادية بعيدة عن العلماء، أو كان قريب عهد بالإسلام. الخامس: الفعل الكثير عرفا كثلاث خطوات أو ضربات متواليات بأن يكون بين الضربتين أقل من ركعة بأخف ممكن؛ وخرج بالمتواليات المتفرقات، بأن يكون بين الفعل الأول والثانى قدر ركعة والوثبة وتحريك جميع البدن ولو من غير نقل قدميه حكمهما كحكم الفعل الكثير، وأما الفعل القليل كخطوتين أو ضربتين، فلا تبطل به الصلاة. السادس: الانحراف عن القبلة ولو بصدره يمنة أو يسرة، حتى لو حرفه إنسان قهراً بطلت صلاته ولو عاد عن قرب. السابع: الإتيان بمفطر كأن أكل أو شرب قليلا أو كثيراً عمدا أو أوصل عوداً أو نحوه وإن قل إلى جوفه من فمه، أو أذن أو دبر، ولو بلا حركة وحدها فعل يبطل كثيره كالمضغ. الثامن: الأكل والشرب الكثير عرفاً ناسياً للصلاة، أو مكرهاً أو جاهلا تحريم ذلك معذوراً بأن قرب عهده بالإسلام، أو نشأ بعيداً عن العلماء النسيان أو الجهل أو الإكراه، والفرق بين الصلاة والصوم حيث بطلت بما ذكر دون الصوم أن الصائم لا تقصير منه بذلك. إذ ليس بعبادته هيئة تذكره ولا هى ذات أفعال منظومة بخلاف الصلاة، فإن لها هيئة مذكرة، وهى ذات أفعال منظومة، والفعل الكثير يقطع نظمها. أما إذا أكل أو شرب قليلا ناسيا. أو جاهلا معذوراً، فلا تبطل صلاته، بخلاف المكره فتبطل صلاته لندرة الإكراه فيها. التاسع: القهقهة وهى الضحك بصوت، أو البكاء أو النفخ أو الأنين أو التأوه أو السعال أو النحنح أوالعطاس أو التثاؤب، فتبطل الصلاة بواحد من هذه إن ظهر به حرفان بلا غلبة. أما إذا غلبه فإن كان ماظهر به من الحروف قليلا بحيث لو جمع لم يزد عن سلت كلمات لم يضر؛ وإن كان كثيراً متوالياً ضر إلا التنحنح في قراءة الفاتحة أو التشهد الأخير إذا امتنع من قراءتهما سراً بسبب بلغم ونحوه فيعذر في التنحنح لذلك وإن كثر ماظهر به من الحروف. العاشر: قطع ركن عمداً كأن اعتدل عامداً قبل تمام الركوع أو سجد عامداً قبل تمام الاعتدال أو جلس للتشهد عامداً قبل تمام السجدة الثانية. أما إذا كان ناسياً فان تذكره قبل فعل مثله تداركه، وإن لم يتذكره إلا بعد فعل مثله من ركعة أخرى قام مقامه ويلغى ما بينهما. الحادى عشر: زيادة ركن فعلى عمداً كزيادة ركوع أو سجود من غير مسبوق لمتابعة إمامه، أما إذا نسى أنه فعل مثله فلا تبطل صلاته وأما لو كرر ركنا قوليا غير تكبيرة الإحرام كفاتحة وتشهد فلا تبطل صلاته. الثاني عشر: تطويل الركن القصير عمدا، وهو الاعتدال والجلوس بين السجدتين. وضابط التطويل أن يطول الاعتدال بقدر الفاتحة زيادة على الدعاء الوارد فيه، وأن يطول الجلوس بين السجدتين بقدر أقل من التشهد زيادة عن الذكر الوارد فيه، فإن كان دون ذلك لم يضر. الثالث عشر: تخلف المأموم عن إمامه بركنين فعليين عمداً لغير عذر. الرابع عشر: تقدمه بهما عليه كذلك. الخامس عشر: الردة، والعياذ بالله، وهى قطع الإسلام بقول أو فعل أو اعتقاد. السادس عشر: ظهور بعض مايستر بالخف من الرجل، أو خروج وقت مسحه لبطلان بعض طهارته. =

لا يقبل الله من عبدٍ عملاً حتى يُشهد قلبه مع بدنه (¬1). رواه محمد بن صر المروزى في كتاب الصلاة هكذا مرسلاً، ووصله أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس بأبىِّ بن كعب. والمرسل أصحّ. 25 - وعن الفضل بن العباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة مثنى مثنى (¬2) تشهد في كل ركعتين، وتخشع وتضرعُ، وتمسكنُ وتقنع يديك تقول: ترفعهما إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك وتقول: يارب يارب، من لم يفعل ذلك فهى (¬3) كذا وكذا. رواه الترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، وتردد في ثبوته، رووه كلهم: عن ليث بن سعد حدثنا عبد ربه بن سعيد، عن عمران بن أبى أنس، عن عبد الله بن نافع بن العمياء، عن ربيعة بن الحارث، عن الفضل، وقال الترمذي: قال غير ابن المبارك في هذا الحديث: من لم يفعل ذلك فهى خداج، وقال سمعت محمد بن إسماعيل ¬

= السابع عشر: الشك في النية أو في شئ من شروط الصلاة كالطهارة أو هل نوى ظهراً أو عصراً، ومضى على ذلك زمن يسع قدر الطمأنينة، وهو في الصلاة، أما لو زال الشك سريعاً كان خطر له خاطر، وزال سريعا فلا. الثامن عشر: نية الخروج من الصلاة قبل السلام إما حالا أو بعد ركعة مثلا، فانها تبطل حالا؛ كما لو نوى أنه يكفر غداً فإنه يكفر حالا. العشرون: صرف نية صلاة إلى غيرها سواء كانت فرضاً أو نفلا. نعم لو كان يصلى منفردا ورأى جماعة سن له صرف فرض إلى نفل مطلق ليدرك فضيلة الجماعة بشروط ستة: الأول: أن يتحقق إتمامها في الوقت لو استأنفها وإلا حرم القلب. الثاني: أن تكون ثلاثية أو رباعية فإن كانت ثنائية لا يندب القلب بل يجوز، لأن النفل المطلق يجوز فيه الاقتصار على ركعة. الثالث: أن لايشرع في ركعة ثالثة، فان شرع في الثالثة من الثلاثية أو الرباعية لا يندب القلب بل يجوز. الرابع: أن لايرجو وجود جماعة غيرها، فان رجا وجود غيرها لا يندب القلب بل يجوز. السادس: أن تكون الجماعة مطلوبة في تلك الصلاة فلو كان يصلى فائتة لم يجز قلبها نفلا ليصليها في جماعة حاضرة او فائتة ليست من نوعها؛ فلو كانت الجماعة في فائتة فوت حاضرة وجب قلبها نفلا فعلم أن القلب تارة يسن وتارة يجب وتارة يحرم وتارة يكره وتارة يجوز. (¬1) أي يشارك قلبه وعقله الي أداء هذا العمل. يبين صلى الله عليه وسلم: أن الله تعالى لا يقبل عملا، ويثيب عليه إلا إذا صحبته نية خالصة لله، وفكر القلب في تقوى الله، وبعد هموم الدنيا وأكدارها، ونأى عنه الشيطان فلا يحدثه بسوء. (¬2) ركعتين ركعتين فيهما التشهد ووجود الخشوع والتذلل لله، وطلب المغفرة منه جل وعلا والرحمة وترفع يديك، وتسأل مولاك وناصرك. (¬3) أي الصلاة ناقصة.

يعنى البخاري يقول: روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربه، فأخطأ في مواضع، قال: وحديث ليث بن سعد أصح من حديث شعبة. (قال الحافظ): وعبد الله بن نافع بن العمياء: لم يرو عنه غير عمران بن أبى أنس، وعمران ثقة، ورواه أبو داود وابن ماجه من طريق شعبة، عند عبد ربه، عن ابن أبى أنس، عن عبد الله بن نافع بن العمياء، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد المطلب بن أبى وداعة. ولفظ ابن ماجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاةُ مثنى مثنى، وتشهد في كل ركعتين، وتبأس، وتمسكن (¬1)، وتقنع، وتقول: اللهم اغفر لى، فمن لم يفعل ذلك فهى خداجٌ. (قال الخطابي): أصحاب الحديث يغلِّظون شعبة في هذا الحديث، ثم حكى قول البخاري المتقدم وقال: قال يعقوب بن سفيان في هذا الحديث مثل قول البخاري، وخطأ شعبة، وصوّب ليث ابن سعد، وكذلك قال محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: وقوله تبأس معناه إظهار البؤس والفاقة، وتمسكن من المسكنة، وقيل معناه: السكون والوقار، والميم مزيدة فيها، وإقناع اليدين: رفعهما في الدعاء والمسئلة، والخداج: معناه هاهنا: الناقص في الأجر والفضيلة انتهى. 26 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها (¬2) لعظمتى، ولم يستطل (¬3) على خلقى، ولم يبت مُصراً، على (¬4) معصيتى، وقطع النهار في ذكرى (¬5)، ¬

(¬1) أي تذل وتخضع، وهو تمفعل من السكون، والقياس أن يقال تسكن وهو الأكثر والأفصح، وقد جاء على الأول: أحرف قليلة. قالوا: تمدرع، وتمنطق وتمندل، واستكان: إذا خضع، وتمسكن: تشبه بالمساكين أهـ نهاية. (¬2) خفض جناحه لجلالى، وتذلل لكبريائى، وخضع لعزتى ووثق بى. (¬3) لم يترفع عليهم، ولم يتجبر، ولم يتكبر. يقال: طال عليه واستطال وتطاول إذا علاه، وترفع عليه ومنه الحديث (أربى الربا: الاستطالة في عرض الناس) أي استحقارهم، والترفع عليهم، والوقيعة فيهم أهـ نهاية. (¬4) ولم يقض ليله معلنا الفجور، وعازما على الفسوق، وموطداً عزيمته على العصيان. (¬5) في نسخة، في ذكره: أي مضى يومه في طاعة مولاه من ذكر وتسبيح وعمل صالح ولا يغفل عن ربه في عمله، يؤدى واجبه وقلبه متعلق بالله والاعتماد عليه، وتقديسه وتنزيهه، والتفويض إليه، ويتقن عمله، ولا يخشى إلا الله، ولا يرجو إلا الله، يتأنى ويجد ويتعب كما أمر الله: (هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه - فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا =

ورحم المسكين (¬1)، وابن السبيل (¬2)، والأرملة، ورحم المصاب (¬3) ذلك نوره كنور الشمس أكلؤه (¬4) بعزتى، وأستحفظه ملائكتى، أجعل له في الظلمة نوراً، وفي الجهالة حلماً، ومثله في خلقى كمثل الفردوس (¬5) في الجنة. رواه البزار من رواية عبد الله بن واقد الحرّانى، وبقية رواته ثقات. 27 - وروى عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن العبد إذا صلى فلم يُيتمَّ خشوعها (¬6)، ولا رُكوعها وأكثر الالتفات لم تُقبل (¬7) منه، ومن جر ثوبه خُيلاء (¬8) لم ينظر الله إليه (¬9)، ¬

= لعلكم تفحلون) أرأيت أمر الله؟ إن الله تعالى يطلب من عبده: أن يحترف أي يختار له مهنة، أن ينظم نفسه في سلك العاملين. والعمل عبادة على شريطة عدم الغفلة عن ذكر الله وخشيته (وقطع نهاره في ذكرى) رب رجل في عمله يسعى لكسب رزقه، وهو واثق بربه وذاكره بقلبه نال ثوابا أكثر من عابد في مسجد يعوله غيره. (¬1) رأف بالمسكين؛ وأحسن إليه، وتصدق عليه. (¬2) ومد المسافر سفر طاعة بماله، وأكرمه وأطعمه وساعد السيدة التى مات زوجها وأنفق عليها من ماله، وتصدق عليها، أو رعاها أو أتم لها مصلحة، أو قدم لها خدمة لله. (¬3) عطف على المصاب بحادثة، أو المتألم من كارثة أو خفف لوعة المحزون، أو شارك في المأثم والمغرم يسطع نوره يوم القيامة كما يظهر ضوء الشمس. (¬4) أرعاه بجلالى وأمده برعايتى، وأجعل ملائكتى له حفظة وحراساً، وإذا وقع في شدة أنجيته، أو في كارثة حفظته أو في ضيق فرجت عنه أو ظلمة أضأت له السبل وأنرت له طرق الخير ورزقته الحكمة، وألهمته الصواب وأنطقته بالرشاد وعصمته من الأخطاء، وأسدلت عليه الحلم والجود وكرم الأخلاق ليعيش سعيدا محبوبا. قرير العين. مثلوج الفؤاد. ممتعاً برضاى، ويتبع هذا رضا الناس. (¬5) شبهه صلى الله عليه وسلم: في الناس بأعلى مكان في الجنة فكما أن الفردوس قطعة جميلة بديعة راقية أبهى وأسمى من غيرها، كذلك المتحلى بالأخلاق الكاملة أجل من غيره، ومعنى الفردوس: البستان الذى فيه الكرم والأشجار والجمع فراديس، ومصداق ذلك قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) أي سيحدث لهم في القلوب مودة من غير تعرض منهم لأسبابها وعن النبى صلى الله عليه وسلم (إذا أحب الله عبدا يقول لجبريل أحببت فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادى في أهل السماء إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم توضع له المحبة في الأرض) اللهم وفقنا لتحبنا. (¬6) لا يكمل خشوع صلاته، وينقص من ركوعها، ويشتغل قلبه بالدنيا وأعمالها، ويكثر من الحركة، والالتفات يمنة ويسرة، ويلعب بأصابعه، ويحك جسمه، ويحرك أعضاءه، ولا يجعل لوقوفه أمام الله رغبة أو رهبة. (¬7) صلاته لمتجاوز مكانه، ويردها الله عليه، ولا ثواب له، والفرض لازال في ذمته يحاسب الله عليه لتقصيره في أدائه. (¬8) من مشى متكبراً، وتعاظم بحسن ملابسه، وطول ثيابه، وحرها تفاخراً وتعظماً. والخيلاء: بالضم والكسر الكبر والعجب. (¬9) لم يرحمه، ولم يرأف به.

وإن كان على (¬1) الله كريماً (¬2). رواه الطبراني. 28 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أول شئٍ يُرفعُ من هذه الأُمة: الخشوع (¬3) حتى لا ترى فيها خاشعاً. رواه الطبراني بإسناد حسن، ورواه ابن حبان في صحيحه في آخر حديث موقوفاً على شداد بن أوس، ورفعه الطبراني أيضاً، والموقوف أشبه. 29 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا قال: مثل الصلاة المكتوبة (¬4) كمثل الميزان من أوفى استوفى. رواه البيهقى هكذا، ورواه غيره عن الحسن مرسلاً وهو الصواب. 30 - وعن مطرفٍ عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى وفي صدره أَزيزٌ كأزيز الرحى من البكاء. رواه أبو داود والنسائي، ولفظه: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى ولجوفه أزيزٌ كأزيز المرجل، يعنى يبكى. ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما نحو رواية النسائي إلا أن ابن خزيمة قال: ولصدره أزيزُ الرحى. بزايين: هو صوتها، والمرجل: بكسر الميم، وفتح الجيم: هو القدر، يعنى أن لجوفه حنينا كصوت غليان القدر. ¬

(¬1) في نسخة: عند، والمعنى: أن الله جل جلاله يكره اثنين: أ - مؤدى الصلاة ناقصة الأركان. ب - المتغطرس المتكبر الذى يتغالى بطول ثيابه، ويتفاخر وهو حقير ذليل، ويعجب بنفسه، ويغتر بها. (¬2) أي وإن كان صالحاً كريما محبوباً عند الله زالت هذه الدرجات بنقص صلاته وكبره. (¬3) المعنى: يتكرم الله على الأمة الإسلامية بالخشوع والتواضع والذلة لله والميل إلى التعليم وحب الخير وهدوء النفس، وإذا أراد عقابها ونزع البركة من أعمالها أزال الخشوع من أبنائها وبعث فيهم القسوة والعظمة الفارغة والغطرسة الكاذبة، والجدل والنزاع والنفور. (¬4) ثواب أداء المفروضة على قدر تمامها وحسن كمالها؛ وشبه صلى الله عليه وسلم عمل المصلى بالميزان الذى يبين الكامل والناقص، فمن أوفى أركانها نال أجرة مساوية لإخلاصه وحسن أدائه، ووفاه الله تعالى بقدر خشوعه وتذلله وتؤدبه، ومصداق ذلك قوله تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) 46 من سورة الأنبياء. الله تعالى يضع موازين العدل توزن بها صحائف الأعمال ويظهر فيها مقادير إخلاص العباد لذى الجلال والإكرام. وهذا كناية عن شمول العباد وإحاطتهم ومعرفة خيرهم وشرهم وظلمهم وعدلهم، ويتجسم ذلك للعبد ليرى جزاء ما اقترفت يداه، وما ناله في حياته أو عمله في دنياه إن حقا وإن باطلا. قال البيضاوى: قيل وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوى، والجزاء على حسب الأعمال بالعدل، وإفراد القسط لأنه وصف به للمبالغة؛ وإن كان العمل أو الظلم مقدار حبة أحضرناها، وقرئ آيتنا: بمعنى جازينا بها من الإيتاء فإنه قريب من أعطينا - أو من المؤاتاة فإنهم أتوه بالأعمال، وأتاهم بالجزاء، إلا مزيد على علمنا وعدلنا أهـ ص 459.

31 - وعن علي رضي الله عنه قال: ما كان فينا فارسٌ يوم بدرٍ غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائمٌ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرةٍ يُصلى ويبكى (¬1) حتى أصبح. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 32 - وعن عبد الله بن أبى بكرٍ أن أبا طلحة الأنصارى رضي الله عنه كان يُصلى في حائطٍ (¬2) له، فطار دُبْسِىٌّ (¬3) فطفق (¬4) يتردد يلتمس مخرجاً فلا يجد، فأعجبه ذلك فجعل يُتْبِعه (¬5) بصرة ساعةً، ثم رجع إلى صلاته، فإذا هو لا يدرى (¬6) كم صلى، فقال: لقد أصابنى في مالي هذا فتنةٌ (¬7)، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له الذى أصابه في صلاته، وقال: يا رسول الله هو صدقةٌ فضعه حيث شئت (¬8). رواه مالك، وعبد الله بن أبى بكر لم يدرك القصة، ورواه من طريق آخر فلم يذكر فيه أبا طلحة ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفظه: أن رجلاً من الأنصار كان يُصلى في حائطٍ له بالقف، وادٍ من أودية المدينة في زمان الثمر، والنخلُ قد ذُللت (¬9) وهى مقطوفةٌ بثمرها فنظر إليها فأعجبته، ثم رجع إلى صلاته، فإذا هو لا يدرى كم صلى؟ فقال: لقد أصابنى في مالى هذا فتنةٌ فجاء عثمان رضي الله عنه وهو يومئذٍ خليفةٌ، فذكر ذلك له، وقال هو صدقةٌ (¬10) فاجعله في سبيل الخير، فباعه بخمسين ألفاً فسمىَّ المال الخمسين. (الحائط): هو البستان. ¬

(¬1) يتضرع ويتذلل لمولاه، ويعبده بإخلاص ويتهجد ويذكر ربه. (¬2) بستان. (¬3) الدبسى: طائر صغير. قيل: هو ذكر اليمام، وقيل إنه منسوب إلى طير دبسى، والدبسة: لون بين السواد والحمرة، وقيل إلى دبس الرطب؛ وضمت داله في النسب كدهرى وسهلى، قاله الجوهرى أهـ نهاية ص 12. (¬4) استمرار يحوم يبحث عن مكان يخرج منه. (¬5) في نسخة: فتبعه. (¬6) لا يعلم عدد ركعات صلاته من اشتغاله بالنظر إليه. (¬7) اختبار وشغل عن الله؛ ونقص في الخشوع. (¬8) أعطاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبعده عن مصلاه، وفيه التفرغ للصلاة وإحضار القلب وإبعاد أي شاغل أمامه وإخلاص القلب لربه. (¬9) آن جنيها، وسهل قطفها، وزها ثمرها. (¬10) هذه الحديقة الغناء بما فيها من أشجار وأثمار تصدق بها لمشروعات الخير، إذ شظته في صلاته عن ربه بخ بخ ذلك مال رابح، انفتل خرج نقيا. =

(والدبسىّ): بضم الدال المهملة، وسكون الباء الموحدة، وكسر السين المهملة بعدها ياء مشددة: هو طائر صغير، قيل: هو ذكر اليمام. ¬

_ = فقه الباب وخلاصته إن الصلاة لا يتم واجب أدائها إلا بالاعتدال والطمأنينة في الركوع والسجود، ونهى صلى الله عليه وسلم عن السرعة في الصلاة وعدم الطمأنينة وافتراش كالسبع في الصلاة وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسرع في صلاته لصا بل هو أشد ضررا على نفسه وأكثر أذى لها. وإن الله تعالى لا ينظر إليه نظر رحمة ورأفة. هذا إلى الإخبار عن نقص إسلامه وثلم إيمانه وزيغه عن الملة وإلحاده على هذه الحال لقابل ربه مجرماً عاصياً على غير الملة المحمدية وشبه عمله الناقص في الصلاة بالثغرة في الجدار والثلمة في القصر المشيد، والتصدع فيه. شبه صلى الله عليه وسلم: الذى لا يطمئن في اعتداله بالحبلى التى تمخضت عن جنين ميت لم ينتفع به، ولم تتوفر المشقة عليها، ولم تذق طعم الراحة من تعب الحمل ولم تذق ثمرة حملها. وأخبر صلى الله عليه وسلم: بوجود ملكين يرافقان العبد، فإذا أحسن في صلاته صعدا بها وإلا فيلفان الصلاة كثوب خلق ويضربان بها وجهه. قال نابغة بن شيبان: إن من يركب الفواحش سرا ... حين يخلو بسره غير خال كيف يخلو وعنده كاتباه ... شاهداه، وربه ذو المحال عن أبي عبيدة. قال معنى قوله عز وجل: (وهو شديد المحال) أي شديد المكر والعقوبة، ومنه قول عبد المطلب بن هاشم: لا هم إن المرء يمـ ... نع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدراً محالك لاهم: أي اللهم، والحلال بالكسر المقيمون يريد بالقوم سكان الحرم. وأخبر أيضاً صلى الله عليه وسلم: أن الصلاة تؤدى ناقصة تذم مصليها وتسخط عليه وتدعو عليه بالويل والثبور، وتخرج سوداء مظلمة كالدخان، وقد رأى صلى الله عليه وسلم رجلا مسرعا فأمره بإعاده الصلاة مرارا حتى أتمها كاملة، وأرشده إلى النهج القويم، والطريقة المثلى. الحديث. ثم أفاد صلى الله عليه وسلم أن ثواب الصلاة مقسم ثلاثة: أ - للطهارة. ب - للركوع. جـ - للسجود. وأن المفلح الفائز الناجح المصلى صلاة كاملة، وأنه صلى الله عليه وسلم أعطاه الله قوة الإبصار فيرى المأمومين وأن الصلاة عبارة عن توحيد وتشهد وتواضع وذلة، ومسكنة لله وطلب واستغفار ودعاء بالقبول وإنك تجد أيها القارئ حديثاً قدسياً عن الرب تبارك وتعالى يبين شرائط قبول الصلاة. أ - التواضع لجلال الله، وطرح الكبر والعجب، والادعاء بالكذب. ب - المودة والألفة، وعدم الشقاق والفخر، والتطاول على خلق الله. جـ - الندم، والتوبة، والرجوع عن المعاصى، والإقلاع عن فعل الدنايا. د - عدم الغفلة عن الله، وذكر الله دائما سراً وجهراً. هـ - حب المساكين، والتودد إليهم، والإحسان، والشفقة، والرأفة بهم والصدقة عليهم وإكرامهم. =

33 - وعن الأعمش قال: كان عبد الله، يعنى ابن مسعودٍ: إذا صلى كأنه ثَوْبٌ ¬

_ = و - مساعدة الغريب والمسافر في طاعة. ز - العطف على من مات زوجها، وإدارة شئونها، وحفظ مالها مع إيوائها وإكرامها. ح - تخفيف ويلة المصاب، وإغاثته، وإقالته من عثرته، والتسرى عنه، وتفريج كروبه وإزالة همومه. رجاء أن الله يحفظ عليه نوره ورعايته ويمده بعنايته، وحسبك إرشاد الله له، وإزالة جهله فيتحلى بالحلم، والأخلاق الكاملة فترتفع درجته: وإذا العناية لاحظتك عيونها ... ثم فالمخاوف كلهن أمان. آه. وأنذر صلى الله عليه وسلم المسلمين بأخذ الخشوع، وبذا انعدمت البركة وقل الصلاح ودب دبيب الفساد وساد الجهل واغتر العامل بعمله، وانتزعت الشفقة والرغبة في أعمال الخير، فقال صلى الله عليه وسلم (حتى لا ترى خاشعاً) فعليكم أيها المسلمون بالخشوع والتواضع والتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن الله يمن علينا بنور الإسلام فيطمئن الخشوع في قلوبنا، ويغرس التواضع في نفوسنا، وينمو الإيمان في أفئدتنا، وحسبك أن الصحابة أدركوا غليان الإيمان في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعوا أزيز خوفه من ربه وتضرعه، وصوت الذلة والمسكنة للجبار القهار ذى الملك والملكوت رب السموات والأرض ومن فيهن، يكثر التهجد والذكر والتسبيح والتمجيد، والبكاء من خشية الله. وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (أما والله إنى لأخشاكم لله) وتتورم قدماه في العبادة فيقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً) قالها لمن ذكر أن الله غفر له ما تقدم من ذنبه. وأن يرأف بنفسه وهل تقتدى يا أخى بسيدنا أبى طلحة الأنصارى الذى رفرف عليه وهو يصلى فأبعده عن حديقته وتصدق به على الفقراء وأهداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أكثر من هذا رجل له ضيعة قد طاب ثمرها ودنا قطفها وسهل جنيها وأدرك رطبها فأعجبته وهو يصلى فقال: لقد أصابنى في مالى هذا فتنة وذهب إلى أمير المسلمين سيدنا عثمان بن عفان ووقفه لمصالح المسلمين، هذا هو الإيمان أينع ثمره في قلب ذلك الأنصارى المسلم، فهل تقارن يا أخى أعمالك به لتسير غور إسلامك، وتعرف مقدار ضعفك. وتتبع منهج الرسول صلى الله عليه وسلم فتسلك طريق الصالحين مهما بعدت الشقة، والله ولى التوفيق إن الصحابة رضي الله عنهم أتموا الصلاة وأدوها كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولذا قال الله تعالى فهم: (تراهم ركعا سجداً) من قوله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود) أشداء جمع شديد رحماء جمع رحيم والمعنى أنهم يغلظون على من خالف دينهم ويتراحمون فيما بينهم لأنهم مشتغلون بالصلاة في أكثر أوقاتهم ويكثرون الخشوع ويطمئنون، ويعملون الصالحات طلباً للثواب والرضا. وعلامة ذلك السمة التى تحدث في جباههم من كثرة السجود ولعمرى هذا السبب في التشديد على التأنى في الركوع والسجود منه صلوات الله وسلامه عليه. لماذا؟ لتسعد الأمة بطاعة الله والخشوع له، وتنال الشرف والعزة وتحسن صلتها بربها وتظهر بمظهر المتحدين المتآلفين المتعاونين، وتتجلى القوة والرهبة، وبذا يشير: أ - (أشداء على الكفار) ولتوجد روابط المحبة، وتتجدد أواصر المودة وتوثق العلاقات بين أفرادها بالتراحم والتزاور، واجتلاب الخيرات ومدافعة السيئات، ومد المساعدة للمحتاج، وبذا يشير: ب - (رحماء بينهم) يقرأ صلى الله عليه وسلم القرآن، فيهز قلوبهم ويلين طباعهم ويطهر أرواحهم ويقيم عقولهم، ويعودهم محامد الأفعال وبذا يشير: جـ - (تراهم ركعاً سجداً) يتواضعون، وبالله يتقون والله يسألون، وفي ثوابه يرغبون ومنه يرهبون وبذا بشير سبحانه وتعالى: =

مُلْقىً. رواه الطبراني في الكبير، والأعمس لم يدرك ابن مسعود. ¬

_ = د - (يبتغون فضلا من الله ورضوانا) صلى الله عليه وسلم: هو خير مظهر للأدب العالى والتعليم السامى والإرشاد الواقى، وأخلاقه طبقة، وأعماله وفقة، وعقائده صدقة. خلق من كلماته أمة وبنى أشمخ بناء المجد والعظمة، وسر ذلك الاستقامة والصلاة التى هى التسلية والرياضة البدنية والحصون المانعة من المكاره لمن أداها تامة، فقد روى أن أبا جهل قال: لو رأيت محمداً ساجداً لوطئت عنقه، ثم نكص على عقبيه، فقيل له: مالك؟ فقال: إن بينى وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة. هذه شهادة عدو اعترف بفائدة الصلاة. الوقاية من السوء وحفظ الله للمصلى من الكيد والدس. ولذا نزل قوله تعالى: (أرأيت الذى ينهى عبداً إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب) 10 - 19 من سورة العلق. كلا: حرف ردع وزجر وقريع لأبى جهل الناهى والله إن لم ينته عن معاكسته لك يا رسول الله لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار، ونقبض على أم رأسه، ونجذبه بشدة ونؤذيه ونؤلمه، فليطلب أهل ناديه ليعينوه، وهو المجلس الذى ينتدى فيه. روى أن أبا جهل لعنه الله مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فقال: ألم أنهك، فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتهددنى؟ وأنا أكثر أهل الوادى ناديا، فنزلت (سندع الزبانية) سنوجه أهل جهنم ليجروه إلى النار، وهنا شاهدنا (لا تطعه واسجد واقترب) أي اثبت أنت على طاعتك ودوم على سجودك وأكثر من صلاتك وتقرب إلى ربك، وفي الحديث: (أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد) ولعلك فهمت يا أخى الحكمة من تشديد النبى صلى الله عليه وسلم على الاطمئنان في الركوع والسجود والاعتدال فيهما، ولعل العرب كانوا يأنفون من الركوع والسجود ويرونهما ذلة وخضوعا، فجاء الإسلام فذللك هذا الخلق لله تعالى وجعل السجود صفة ملازمة لعباد الرحمن الأولياء الصالحين المحافظين على الصلاة ليل نهار. قال تعالى عنهم (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً) 65 من سورة الفرقان: يظلون الليل يعبدون الله تعالى ويتهجدون وخص البيتوتة لأن العبادة بالليل أدعى إلى الإجابة، وأبعد عن الرياء. وقد أمر الله سبحانه وتعالى اللاهين المتكبرين المغترين بالدنيا وزهرتها: أ - (فاسجدوا لله واعبدوا). وكذا أمر حبيبه صلى الله عليه وسلم: ب - (فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخالص). وكذا أمر المسلمين المؤمنين: جـ - (ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) 78 إلى قوله تعالى: د - (فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) من سورة الحج تحد أعزك الله الأمر بالصلاة والزكاة، وطلب الثقة به في مجامع الأمور حتى لا يطلب المسلمون الإعانة والنصر إلا منه جل جلاله لأنه سبحانه مولانا وناصرنا وحافظنا وراحمنا ومحسن إلينا، ورءوف بنا، ولا مولى ولا نصير سواه. وقد سمعت شهادة أبى جهل بالحصون المنيعة حول محمد صلى الله عليه وسلم. حاشا! إنه عليه الصلاة والسلام أول من يعتصم بربه فصانه من كيد أعدائه ورد خنجرهم في نحرهم وسيفهم في جسومهم، وباءوا بالفشل والهزيمة، ومصداق ذلك قول الله تبارك وتعالى: (فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيما) تجد يا أخى التقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات سبب فضل الله، وزيادة الدرجات، وقيل المكارم، وجماع ذلك الكلام (لمن أتم ركوعها وسجودها) وإن الله تعالى أمر غير المسلمين أولاد سيدنا يعقوب عليه السلام: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) 44 سورة البقرة. =

34 - وعن عُقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ¬

_ = قال البيضاوى: يعنى صلاة المسلمين وزكاتهم، فإن غيرهما كلا صلاة ولا زكاة. أمرهم بفروع الإسلام بعد ما أمرهم بأصوله وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بها والزكاة من زكاة الزرع إذا نما، فإن إخراجها يستجلب بركة في المال، ويثمر للنفس فضيلة الكرم - أو من الزكاة بمعنى الطهارة فإنها تطهر المال من الخبث، والنفس عن البخل (واركعوا مع الراكعين) أي في جماعتهم فإن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة لما فيها من تظاهر النفوس، وعبر عن الصلاة بالركوع احترازاً عن صلاة اليهود، وقيل الركوع: الخضوع والانقياد لما يلزمهم الشارع. قال الأضبط السعدى: لاتهين الفقير علك أن تر ... كع يوما والدهر قد رفعه أهـ ص 28. وأنا أذكر لك آيات أصول الدين كما فسر البيضاوى. قال تعالى (يابنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم وإياى فارهبون 41 وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتوا بآياتى ثمنا قليلا وإياى فاتقون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) 43 من سورة البقرة. أ - أمرهم بالتفكير في النعم والقيام بشكرها. ب - القيام بالإيمان والطاعة ليحسن إثابته. إنه تعالى عهد إليهم بالإيمان والعمل الصالح بنصب الدلائل وإنزال الكتب. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أوفوا بعهدى باتباع محمد صلى الله عليه وسلم أوف بعهدكم في رفع الآصار والأغلال، وعن غيره: أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب - أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم أوف بالكرامة والنعيم المقيم. جـ - خشية الله تعالى - والرهبة خوف مع تحرز، والمؤمن ينبغى ألا يخاف أحداً إلا الله سبحانه وتعالى. د - الإيمان بالمنزل المصدق لما معهم من الكتب الإلهية لأنه يدعو إلى التوحيد، والأمر بالعبادة والعدل بين الناس، والنهى عن المعاصى والفواحش، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعى). هـ الواجب اتباعه، والتصديق به للتثبت في معناه، وأنهم كانوا أهل النظر في معجزاته، والعلم بشأنه، والمستفتحين به، والمبشرين بزمانه. ع - ولا تستبدلوا بالإيمان بها والاتباع لها حظوظ الدنيا. ز - اقصروا الخوف منى على والرهبة لى، واتبعوا الحق، واخشوا عرض الدنيا. ح - لا تخلطوا الحق المنزل عليكم بالباطل الذى تخترعونه، أو بالخط الذى تكتبونه في خلاله. الاستعانة بالصلاة كما أمر الله تعالى بعد الأمر بترك الكلفة والرياسة والاستعداد للمكارم، والإعراض عن المال، والبعد عن الدنايا، عالج تعالى نفوس المسلمين بخلتين وشفاهم بأمرين (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) 47 من سورة البقرة. وشاهدنا إيها السادة الصلاة؛ لأنها كما قال البيضاوى: جامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية من الطهارة وستر العورة، وصرف المال فيهما والتوجه إلى الكعبة والعكوف للعبادة وإظهار الخشوع بالجوارح وإخلاص النية بالقلب، ومجاهدة الشيطان ومناجاة الحق وقراءة القرآن، والتكلم بالشهادتين، وكف النفس عن الأطيبين حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب، وجبر المصائب. =

ما من مسلمٍ يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقوم في صلاته فيعلم مايقول إلا انفتل وهو كيوم ولدته أمه. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وهو في مسلم وغيره بنحوه، وتقدم.

_ = روى أنه عليه الصلاة والسلام: (كان إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة). ويجوز أن يراد بها الدعاء والاستعانة بها أو بالصلاة لاستجماعهما ضروبا من الصبر، أو جملة ما أمروا به ونهوا عنه (وإنها لكبيرة): أي ثقيلة، ولذا يقال: الخشوع بالجوارح، والخضوع بالقلب أهـ ص 29. وقد وصف تعالى الخاشعين بصفتين: أ - يعتقدون بلقاء الله ويتوقعون ويرجون نيل ما عنده. ب - يجزمون أنهم يحشرون إلى ربهم فيجازيهم ويثيبهم. ومن محاسن البديع: يظنون أي يعلمون علم اليقين وتضمن معنى التوقع. قال أوس بن حجر: فأرسلته مستيقن الظن أنه ... مخالط ما بين الشراسيف جائف هل تفقه الاستثناء؟ (إلا على الخاشعين): أي الذين لم يستثقلوا الصلاة بل حافظوا على أدائها لماذا؟ لأنهم ذللوا نفوسهم لله، وأطلقوا عنانها حبا في الله وجعلوها مرتاضة. بأمثالها متوقعة في مقابلتها ما يستحقر لأجله مشاقها ويستلذ بسببه متاعبها، ومن ثمة قال عليه الصلاة والسلام: (وجعلت قرة عينى في الصلاة)، وهى عنوان التقوى، وبها تحدث الشعراء: لم يجدك الحسب العالى بغير تقى ... مولاك شيئاً فحاذر واتق الله والكرامة في نيل الفخار به ... فأكرم الناس عند الله أتقاها وقال صالح بن عبد القدوس: عليك بتقوى الله فالزمها تفز ... إن التقى هو البهى الأهيب واعمل بطاعته تنل منه الرضا ... إن المطيع لربه لمقرب فعليك أخى بالمداومة على أداء الصلوات لتقوى وتحظى بما تهوى ويلحظك ربك بجلاله؛ ويرعاك بكماله ودليل ذلك عطف الله جل وعلا من أقاموا الصلاة على من يتقون. قال تعالى: أ - (والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون 129 والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين) 130 سورة الأعراف. قال البيضاوى: (أجر المصلين) على تقدير منهم أو وضع الظاهر موضع المضمر تنبيها على أن الإصلاح كالمانع من التضييع، وقرأ أبو بكر يمسكون بالتخفيف وأفرد الإقامة لإنافتها على التمسكات أهـ. ب - (قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا (¬1) بعد إذ هدانا الله (¬2) كالذى استهوته الشياطين في الأرض حيران (¬3) له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين 72 وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون) 73 سورة الأنعام. = ¬

الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة

الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة 1 - عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال (¬1) أقوامٍ يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله (¬2) في ذلك حتىقال لينتهنَّ عن ذلك، أو لتخطفنَّ أبصارهم. رواه البخاري وأبو داود والنسائي. وابن ماجه. 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاترفعوا (¬3) أبصاركم إلى السماء فتلتمع، يعنى في الصلاة. رواه ابن ماجه والطبراني في الكبير، ورواتهما رواة الصحيح، وابن حبان في صحيحه. 3 - وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لينتهينَّ أقوامٌ عن رفعهم أبصارهم إلى السماء عند الدعاء في الصلاة أو لَتُخْطَفنَّ أبصارهم (¬4). رواه مسلم والنسائي. ¬

= جـ - (قل إننى هدانى ربى إلى صراط مستقيم 162 دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين 163 قل إن صلاتى ونكسى ومحياى ومماتى لله رب العالمين) 164 من سورة الأنعام. بالوحى والإرشاد يا محمد هداك الله إلى دين الحق القيم فقل: عبادتى كلها أو قربائى أو حجى وما أنا عليه في حياتى، وأموت عليه من الإيمان والطاعة. كل أولئك لله. د - (قد أفلح من تزكى 15 وذكر اسم ربه فصلى 16 بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى) 17 سورة الأعلى: أي فاز من تطهر من الكفر والمعصية أو تكثر من التقوى أو تطهر للصلاة فصلى أو أدى الزكاة أو أراد بالذكر تكبيرة التحريم، وقيل تزكى: تصدق للفطر، وذكر اسم ربه: كبره يوم العيد فصلى صلاته. قال ابن الوردى: واتق الله فتوى الله ما ... جاورت قلب امرئ إلا وصل ليس من يقطع طرقا بطلا ... إنما من يتقى الله البطل من يتق الله يحمد في عواقبه ... ويكفه شر من عزوا ومن هانوا من استعان بغير الله في طلب ... فإن ناصره عجز وخذلان (¬1) أي ما حال وما شأن وفيه (كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر) وأمر ذو بال: أي شريف يحتفل له ويهتم به، والبال في غير هذا: القلب. (¬2) حذر صلى الله عليه وسلم من رفع الأبصار إلى السماء ثم أنذر من لم يتجنب ذلك خطف بصره وعماه. (¬3) يأمر النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يخشعوا لله ويتئدوا في صلاتهم لله، ولا ينظرون إلى شئ في صلاتهم، ولا يرفعون أبصارهم جهة السماء في صلاتهم. (¬4) قال النووي: فيه النهى الأكيد، والوعد الشديد في ذلك. وقد نقل الإجماع في النهى عن ذلك. قال القاضى عياض: واختلفوا في كراهة رفع البصر إلى السماء في الدعاء في غير الصلاة؛ فكرهه =

4 - وعن أبي سعيدٍ الخدرى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء لا يُلتمع. رواه الطبراني في الأوسط. من رواية ابن لهيعة، ورواه النسائي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن رجلاً من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم حدثه ولم يسمعه. (يلتمع بصره): بضم الياء المثناة تحت: أي يُذهبُ به. 5 - وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لينتهين أقوامٌ يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم (¬1). رواه مسلم، وأبو داود، وابن ماجه ولأبى داود: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى في ناساً يُصلون رافعى أيديهم إلى السماء فقال: لينتهين رجال يشخصون (¬2) أبصارهم في الصلاة، أو لا ترجع ¬

= شريح وآخرون، وجوزه الأكثرون. وقالوا: لأن السماء قبلة الدعاء، كما أن الكعبة قبلة الصلاة ولا يكره رفع الأبصار إليها كما لا يكره رفع اليد. قال الله تعالى (وفي السماء رزقكم وماتوعدون) أهـ ص 152 جـ 4. (¬1) بمعنى أن نور الأبصار يذهب عقابا. (¬2) أي يفتحون أعينهم. من شخص بصره فهو شاخص إذا فتح عينيه، وجعل لا يطرف، وشخص من بلد إلى بلد: ذهب، وفي نسخة: فشخص أبصارهم، وفي النهاية (في حديث ذكر الميت) إذا شخص بصره. شخوص البصر: ارتفاع الأجفان إلى فوق وتحديد النظر وانزعاجه. أهـ. الصلاة مطلب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إن الصلاة قربان إلى الله تعالى، وتجلب رضاه وسبب زيادة الرزق، ووضع البركة في النسل، وزيادة عمران الأرض، وقد رأيت سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام أخذ زوجه السيدة هاجر وابنها سيدنا إسماعيل وأسكنهما في صحراء لا نبات فيها ولا ماء. وتضرع إلى الله أن يرعاهما، وقد حكى جل جلاله عنه (ربنا إنى أسكنت من ذريتي بواد غير ذى زرع عندك بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) 28 من سور إبراهيم: أي يارب ما أسكنتهم بهذا الوادى البلقع من كل مرتفق ومرتزق إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرم. وتكرير النداء وتوسيطه للإشعار بأنها المقصودة بالذات من إسكانهم ثمة، والمقصود من الدعاء توفيقهم لها، وقيل: اللام لام الأمر، والمراد هو الدعاء لهم بإقامة الصلاة كأنه طلب منهم الإقامة، وسأل من الله تعالى أن يوفقهم لها أهـ بيضاوى. وقد أجاب الله دعوته فجعله حرما آمنا يهرع إليه المسلمون من كل صوب ويجبى إليه ثمرات كل شئ حتى توجد فيه الفواكهة الربيعية والخريفية والصيفية في يوم واحد وكثر رواده وزاد سكانه، وعم خيره، وفاضت بركاته، وعاش القاطنون بجواره في سرور وحبور وصلوا (فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم) قيل: لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليهم فارس والروم، ولحجت اليهود والنصارى، ولكن أتى بمن للتبعيض لحكمة =

إليهم أبصارهم. ¬

_ = يعلمها الله في عمران أرضه. قال تعالى: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً): أي يشرع إليهم شوقا وودادا. وَاقْتَدِ رعاك الله بسيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام دعا ربه وسأل منه الولد فأجابه جل جلاله، ووهب له سؤله حين ما وقع اليأس منه ليكون من أجل النعم وأجلاها. ولما تفضل سبحانه بالولد توسل إبراهيم بالتوفيق له ولذريته: (الحمد لله الذى وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربى لسميع الدعاء. رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء. ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب). 42 من سورة إبراهيم. إن شاهدنا (ليقيموا الصلاة) (رب اجعلنى مقيم الصلاة) فهذا أسمى رجاء واقرب إجابة في طلب زيادة الرزق وكثرة النعم، ووفرة الخيرات. قال تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم) وقد ترى الصحابة لفرط مطاوعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة إيمانهم بربهم بحيث لا ينفك فعلهم عن أمره يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلال) 32 من سورة إبراهيم. (لعبادى) خصهم بالإضافة إليه ليدل علىمكانتهم العالية، وطهارة نفوسهم، وسموا آدابهم، وصلاح حالهم. قال البيضاوى: تنويهاً لشرفهم، وتنبيها على أنهم المقيمون لحقوق العبودية، ومفعول قل محذوف يدل عليه جوابه: أي قل لعبادى الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا. أهـ. عبادى. ياأخى: خادم الأمير وخادم الكبير يحترم ويجل ويهاب، ويرعى جانبه، فما بالك بعبد الخالق وعبد الجبار المنسوب إليه ملك الملوك. إنه فوق كل شئ أود أن تحافظ على الصلاة وتؤديها كما أمر الله عسى أن تدخل برحمته في عباده الصالحين، وقلب نظرك في العالم وتفكر في خلق من تعبد رجاء أن يخشع قلبك لله ولذكر الله، وهل الأمير أو المدير إلا إنسان مثلك يأكل ويشرب ولا يدفع عن نفسه ضراً ولا نفعا، ومع ذلك ترى خادمه مكرما، وتابعه محترما، وهذا قل من كثر إكرام الله وغيض من فيض نعم الله للمحسنين. ومن الإحسان أداء الصلاة، والمحافظة عليها. قال تعالى: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحتمنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين 57 ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون 58 من سورة يوسف. استوزر الملك يوسف، فأقام العدل واجتهد في تكثير الزراعات، وضبط الغلات حتى دخلت السنون المجدبة وعم القحط مصر والشام ونواحيهما، وتوجه إليه الناس، فباعها أولا بالدراهم والدنانير حتى لم يبق معهم شئ منها، ثم بالحلى والجواهر، ثم بالدواب، ثم بالضياع والعقار، ثم برقابهم حتى استرقهم جميعاً، ثم عرض الأمر على الملك، فقال: الرأى رأيك، فاعتقهم ورد عليهم أموالهم، وكان قد أصاب كنعان ما أصاب سائر البلاد، فأرسل يعقوب بنيه غير بنيامين إليه للميرة: أخذ القوت أهـ بيضاوى. إن رحمة الله تنال في الدنيا بالراحة والسعة والصحة، وهناءة الضمير، والعيش الرغد والوظيفة السامية ونجابة الأولاد والبركة فيهم، وهذا من التقوى، ودعامتها الصلاة، ياأخى والله تعالى يوفى أجور الصالحين عاجلا وآجلا. إن شاهدنا عز يوسف بعد آلامه وسلطانه بعد أسره. لماذا؟ لأنه أتقى الله وكان من عباد الله فاحتاج إليه إخوته واعترفوا بذنبهم، وفيه يقول الله تعالى: (ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزى المحسنين) 23 من سورة يوسف: أي وصل منتهى اشتداد جسمه وقوته سن 30 - 40، وقيل: سن الشباب ومبدؤه بلوغ الحلم، أعطاه الله حكمة، وهو العلم المؤيد بالعمل، أو حكماً بين الناس، وعلما يعنى تأويل الأحاديث جزاء على إحسانه في عمله، وإتقانه في عنفوان أمره. وهذا حق، والله جدير بذلك. فأسرع ياأخى أن تكون من الذين يعينهم بقوله: (لعبادى) وإنى أتحفك بقطعة أدب للإمام على كرم الله وجهه المتوفى سنة 40 هجرية يبين لك شيئاً من أثر قدرة الخالق المعبود بحق. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = انظروا إلى النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك (1) الفكر كيف دبت على أرضها، وصبت (2) على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها، وتعدها في مستقرها، تجمع فى حرها لبردها، وفي ورودها لصدورها. مكفولة برزقها. مرزوقة بوفقها (3) لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديان، ولو في الصفا. (3) اليابس، والحجر الجامس. (5) ولو فكرت في مجارى أكلها، وفى علوها وسفلها، وما في الجوف من شرسيف. (6) بطنها وما في الرأس من عينها وأذنها لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعبا، فتعالى الذى أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها. لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه في خلقتها قادر. قال الله تعالى: أ - (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون) 13 من سورة النحل سبحانه وتعالى سخر لنا من حيوان ونبات أصنافهما تتخالف باللون. قال البيضاوى: إن اختلافها في الطباع والهيئات والمناظر، ليس إلا بصنع صانع حكيم. أهـ، قال تعالى: ب - (وهو الذى سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وألقى في الأرض رواسى أن تميد بكم وأنهاراً وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وإن تعدوانعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم والله يعلم ما تسرون وما تعلنون والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين) 23 من سورة النحل. وتارك الصلاة مستكبر على خالقه جل وعلا. وإن لكل نبى صلاة لله مخصوصة، وقد أنطق الله تعالى عيسى عليه السلام بالكلام وهو في المهد: (قال إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبياً 30 وجعلنى مباركا أينما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جباراً شقياً) 32 من سورة مريم. هذا أول المقامات للرد على من يزعم ربوبيته، أمده بتعاليم الإنجيل فصار نفاعا معلماً للخير. قيل: أكمل الله عقله واستنبأه طفلا، وأمره بالصلاة، وزكاة المال وتطهير النفس عن الرذائل. إن شاهدنا (وأوصانى بالصلاة) لتعلم يا أخى جزيل فائدتها وقرب مؤديها عند العظيم المنعم سبحانه. وقد قال تعالى يخاطب آدم وحواء أو يخاطب آدم وإبليس لأنهما أصلا الذرية (قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداى فلا يضل ولا يشقى 124 ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لما حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) 128 من سورة طه. من عمل بتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم لا يضل في الدنيا ولا يتعب في الآخرة ومن حاد عن الهدى الذاكر لى والداعى إلى عبادتى والمرشد إلى رضاى نال العذاب في القبر وذاق الضريع والزقوم لأن مجامع همه ومطامح نظره تكون إلى أعراض الدنيا متهالكا على ازديادها خائفاً على انتقاصها بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه تعالى قد يضيق بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان كما قال: (وضربت عليهم الذلة والمسكنة - ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل - ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا) الآيات. هذه دروس الأنبياء تدعو إلى طاعة الله ليسلك المطيع سبل السعادة، وقد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حكى تعالى عن سيدنا زكريا الذى أعطاه سيدنا يحيى (فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) أي أوماً الله إليهم أن صلوا أو نزهوا ربكم طرفى النهار. قال البيضاوى: ولعله كان مأموراً أن يسبح ويأمر قومه بأن يوافقوه وفى ذلك يقول المولى عز شأنه: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا) 24 من سورة مريم. أي خذ التوراة وأعطاه الله الحكمة وأحكم عقله في صباه واستنبأه (وحنانا من لدنا) ورحمة منا عليه، وتعطفاً في قلبه على أبويه (وزكاة) وطهارة من الذنوب أو صدقة: أي تصدق الله به على أبويه، أو مكنه ووفقه للتصدق على الناس (وكان تقيا) أي مطيعاً متجنباً عن المعاصى، وبارا بوالديه، ولم يكن عاقا أو عاصياً ربه (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) سلمه ربه أن يناله الشيطان بما ينال به بنى آدم، وأمن عذاب القبر (ويوم يبعث حيا) أي أمن عذاب النار، وهول القيامة. العقم يصلون ويضرعون إلى الله فيلدون سيدنا زكريا عليه السلام يتراوح عمره من 70 - 99 سنة قال الله عنه (ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا) 2 من سورة مريم. قال البيضاوى: لأن الجهر والإخفاء عند الله سيان والإخفاء أشد إخباتا وأكثر إخلاصاً، أو لئلا يلام على طلب الولد في إبان الكبر، أو لئلا يطلع عليه مواليه الذين خافهم، أو لأن ضعف الهرم أخفى صوته (قال رب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقيا وإنى خفت الموالى من ورائى وكانت امرأتى عاقراً فهب لى من لدنك ولياً يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً) 6 دعاء مستحاب سبقه إخلاص لله وتضرع إليه وصلاة وتسبيح وتحميد وتكبير. فهل للمسلمين الذين أصابتهم أزمة أو عقم أن يصلوا لله، ويعبدوا بحق كسيدنا زكريا عليه السلام. وأخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز عن السيدة مريم رضي الله عنها (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسناً وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) روى أن حنة لما ولدتها لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار، وقالت: دونكم هذه النذيرة، فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم، وصاحب قربانهم، وفاز بكفالتها سيدنا زكريا، وبنيت لها غرفة للعبادة (المحراب) أو المسجد تجلس في أشرف مواضعه (المحراب) وسمى بذلك لأنه محل محاربة الشيطان كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس. وروى أن زكريا كان لا يدخل عليها غيره، وإذا خرج أغلق عليها سبعة أبواب وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وبالعكس. وفيه دليل على جواز كرامات الأولياء. قيل: تكلمت وهى صغيرة كعيسى عليه السلام، ولم ترضع ثديا قط وكان رزقها ينزل عليها من الجنة، سبحانه رزقه بغير تقدير لكثرته، أو بغير استحقاق تفضلا به. وبهذه المناسبة نتشرف بذكر نبذة من كرامة السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أعدت لمولانا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رغيفين وبضعة لحم، فرجع بها إليها، وقال: هلمى يا بنية، فكشفت عن الطبق، فإذا هو مملوء خبزاً ولحما، فقال لها: أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال: الحمد لله الذى جعلك شبيهة سيدة نساء بنى اسرائيل، ثم جمع علياً والحسن والحسين، وجمع أهل بيته عليه حتى شبعوا، وبقى الطعام كما هو، فأوسعت على جيرانها. وفي ذلك المكان، وفى هذا الوقت وقت رؤية كرامة مريم، ومنزلتها عند الله (هنا لك دعا زكريا ربه قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) 39 من سورة آل عمران. يا أخى: إن هذا النبى عليه السلام يلجأ إلى ربه بالدعاء والعبادة، ويثق به، ويعتقد أن الله تعالى حى قادر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قاهر، فيطلب له ولياً يرثه وابناً يدير دفة عقاره ويسوس آله ويقر عينه، فناده جبريل عليه السلام، وهو يصلى: (فنادته الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك بيحي مصدقا بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبيا من الصالحين) يصدق أن عيسى عليه السلام وجد بأمره تعالى دون أب ويسود قومه ويفوقهم فماهم بمعصية قط (وحصوراً) أي مبالغاً في حبس النفس عن الشهوات والملاهى. روى أنه مر في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال: ما للعب خلقت، وقد استبعد زكريا من حيث العادة، أو استعظم وتعجب، إذ أدركه كبر سنة 99 سنة ولا تلد امرأته من العقر. فأجيب لا غرابة من حيث الولد من شيخ فان وعجوز عاقر (قال كذلك الله يفعل ما يشاء) وطلب سيدنا زكريا علامة يعرف بها الحبل لاستقباله بالبشاشة والشكر، وتزيح مشقة الانتظار (قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث أيام إلا رمزا. واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والإبكار) 42 من سورة آل عمران. حبس لسانه عن مكالمتهم خاصة ليخلص لذكر الله تعالى وشكره قضاء لحق النعمة، ولا مانع من إشارة يد أو رأس وسبح ربك من الزوال إلى الغرب إلى صدر الليل. والإبكار: من طلوع الفجر إلى الضحى، إن هذا هو الدواء الناجح مطهر القلوب الملتجئة إلى ربها في السراء والضراء، فهل لبنى قومى أن يصلوا ويخلصوا إلى ربهم (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه) ثم إن السيدة مريم رضي الله عنها شافهتها الملائكة إكراما لها، وطهرها الله من الأقذار، وتقبلها من أمها، ولم يقبل قبلها أنثى، ورزقها من الجنة. قال تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين. يا مريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين) أي أديمى الطاعة وصلى واخشعى. سيدنا إسماعيل عليه السلام، وأخوه سيدنا إسحاق عليه السلام قد أجاب الله دعاء سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، وجاء بعده ابنه إسماعيل عليه السلام، فعكف على عبادة ربه وجاهد في طاعته، وحافظ على الصلاة هو وأهله. قال تعالى: أ - (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً. وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا) 55 من سورة مريم. إن شاهدنا (يأمر أهله بالصلاة) قال البيضاوى: اشتغالا بالأهم، وهو أن يقبل الرجل على نفسه، ومن هو أقرب الناس إليه بالتكميل أهـ. ب - وقال تعالى: في ابن سيدنا إبراهيم سيدنا إسحاق وذريته: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين 73 وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) 74 من سورة الأنبياء. نافلة: أىعطية، أو ولد ولد، أو زيادة على ما سأل، وهو إسحاق، والأربعة: أي إبراهيم، ولوط وإسحاق ويعقوب، وفقناهم للصلاح، وحملناهم عليه، فصاروا كاملين. يقتدى بهم الناس إلى الحق يحثون الناس على عمل الخير موحدين مخلصين في العبادة. وإن سيدنا داود، وابنه سليمان عليهما السلام يعبدان الله، ويخلصان في طاعته سبحانه، وقد حكى الله عنهما: أ - (واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب) والمعنى أنه ذو قوة في الدين، يصوم يوما، ويفطر يوما كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وكان يقوم نصف الليل (أواب) أي كثير الرجوع إلى مرضاة الله تعالى. وقد جزأ زمانه، للعبادة يوما، ويوما للقضاء، ويوما للوعظ، ويوما للاشتغال بخاصته، فتسور عليه ملائكة على صورة الإنسان في يوم الخلو: (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق) وقت الإشراق حين تشرق الشمس، ويصفو شعاعها، وهو وقت الضحى؛ (والطير محشورة كل له أواب وشددنا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) 21 من سورة ص. ثم سيدنا سليمان عليه السلام كان يحارب أعداء الدين، ويغزو دمشق ونصيبين، واصاب ألف فرس، وقيل: أصابها أبوه من العمالقة. فورثها منه، فاستعرضها ليخبر صحتها، ويعرف مكامن ضعفها، ويبحث عن قوتها ونظافتها وخدمتها لأنها عدته في الحرب وأخر صلاة العصر. قال تعالى: ب - (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذا عرض عليه بالعشى الصافنات الجياد. قال إنى أحببت حب الخير عن ذكر ربى حتى توارت بالحجاب) ترك فضيلة أول الوقت فقط، واستمر يحارب الأعداء حتى هزمهم وطلب من ربه تعالى تقدم الشمس حتى يصلى العصر في وقته، وقد أجاب الله دعاءه: (ردوها على فطفق مسحا بالسوق والأعناق) 24 من سورة ص. ومعنى بالعشى: بعد الظهر، والصافن من الخيل: الذى يقوم على طرف سنبك يد أو رجل، وهو من الصفات المحمودة في الخيل الذى لا يكاد يكون إلا في العرب الخلص، والجياد: جمع جواد الذى يسرع في جريه، قال صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير) فسماها خيرا لأنها سبب النصر والفوز، فأخر صلاة العصر عن أولها، وكان يتفقدها فأخذ يمسح سوقها وأعناقها بيده الشريفة اعترافا بفضل الله ومدده والله أعلم. فانت ترى الصلاة جوهرة مكنونة، ودرة مسنونة، وتاج الصالحين، وعنوان الإيمان برب العالمين، ومطلب الأنبياء والمرسلين وركن الإسلام وعماد الاستقامة ونور الحق ومنهج الكمال، وسنة متبعة في إرضاء الخالق جل وعلا. قال تعالى: (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون) 42 من سورة النور. قال البيضاوى: ألم تعلم علماً يشبه المشاهدة في اليقين، والوثاقة بالوحى أو الاستدلال (أن الله يسبح له من في السموات والأرض) ينزه ذاته عن كل نقص وآفة أهل السموات والأرض (والطير) لما فيها من الصنع الظاهر، والدليل الباهر، ولذا قيدها (صافات) فإن إعطاء الأجرام الثقيلة ما به تقوى على الوقوف في الجو صافة باسطة أجنحتها بما فيها من القبض والبسط حجة قاطعة على كلمال قدرة الصانع تعالى، ولطف تدبيره. قد علم الله دعاءه، وتنزيهه اختياراً أو طبعاً. وعلم كل على تشبيه حاله في الدلالة على الحق، والميل إلى النفع على وجه يخصه بحال من علم ذلك مع أنه لا يبعد أن يلهم الله تعالى الطير دعاء وتسبيحاً كما ألهمها علوما دقيقة في أسباب تعيشها لا تكاد تهتدى إليها العقلاء أهـ. (والله عليم بما يفعلون) سبحانه خبير بأحوال خلقه. إن شاهدنا: (كل قد علم صلاته وتسبيحه) فالشجر والمدر، وكل شئ يدعو الله، ويسبح بحمده، وقد جمعت الصلاة جميع أنواع الدعاء والتسبيح والتحميد والتكبير. وذكر الرافعى في مسند الشافعي رضي الله عنه أن الصبح كانت لآدم، والظهر لداود، والعصر لسليمان والمغرب ليعقوب، والعشاء ليونس. قال. قال الباجورى: وتخصيص كل بالصلاة في هذا الوقت لعله لكونه قبلت فيه توبته أو حصلت له فيه نعمة، وظاهر هذا أنها كانت على الكيفية المعروفة في هذه الأوقات مع أنهم ذكروا أن الكيفية المخصوصة من خصوصيات امة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فلعلها لم تكن على هذه الكيفية وعن بعضهم ما فيه مخالفة لذلك، فقيل: كانت الظهر لإبراهيم وكانت العصر ليونس، وقيل: للعزير، وكانت المغرب لداود، وقيل: لعيسى، فصلى ركعتين كفارة لما نسب إليه وركعة كفارة لما نسب لأمه، وكانت العشاء لموسى؛ وقيل من خصوصيات نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو الأصح. ويجاب عما ورد من أنها كانت ليونس أو لموسى، بأن المراد بالصلاة الواقعة منه حينئذ الدعاء، وعلى هذا فيكون الله جمع لنبينا صلى الله عليه وسلم ولأمته ما تفرق في الأنبياء وأممهم، وميز صلى الله عليه وسلم بزيادة عليهم تشريفا له، وتعظيما لأجره. زاده الله تشريفاً وتعظيماً وتكريماً أهـ ص 303. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وأنه خير خلق الله كلهم بشرى لك يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فأعطاك الله ثمرات أديان الأنبياء صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وجعل سبحانه الصلاة مفتاح العبادة والطاعة والرضا، وأنها سبب رفع الدرجات، وزيادة الحسنات والأرزاق. قال تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) 69 من سورة المائدة. اليهود أتباع سيدنا موسى، والصابئون الذين صبوا إلى اتباع الشهوات ولم يتبعوا شرعا ولا عقلا، والنصارى: أتباع سيدنا عيسى عليهما السلام: أي إن صح من هؤلاء الإيمان والعمل الصالح يتب الله عليهم ويرحمهم، وقد نهى سبحانه وتعالى عن موالاة الكفرة والفسقة، وطلب من المسلمين أن يوالوا المصلين، والآن المطلوب من المؤمنين الصلاة عسى أن يدركوا مغفرة الله تعالى. فقال جل شأنه: أ - (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) 55 من سورة المائدة، راكعون. أي مخشعون في صلاتهم وزكاتهم، أو يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصا على الإحسان ومسارعة إليه، وأنها نزلت في الإمام على رضي الله عنه حين سأله سائل، وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه، ولعله جئ بلفظ الجمع لترغيب الناس فى مثل فعله فيندرجوا فيه، ووعد سبحانه أن موالاة المؤمنين سبب النصر والفوز لأن المؤمنين حزب الله، وحزب الله هم الغالبون تنويها بذكرهم، وتعظيما لشأنهم، وتشريفاً لهم بهذا الاسم وتعريضا لمن يوالى غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان أهـ بيضاوى ص 181. ب - (ثم ننجى رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننجى المؤمنين): أي نهلك الأمم العاصية الكافرة وننجى الأنبياء والمرسلين، ومن أجابهم، وعمل بتعاليمهم. وأقام الصلاة. ياأخى: إن الله تعالى بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بالهدى ليبشر المصلين المزكين وجعل هاتين الخلتين دليل الإيمان للغاضة أبصارهم النقية قلوبهم السليمة أكفهم. جـ - قال تعالى: (تلك آيات الله وكتاب مبين 1 هدى وبشرى للمؤمنين 2 الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون 3): أي هؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من صلاة وزكاة هم المؤمنون بالآخرة، فان تحمل المشاق إنما يكون لخوف العاقبة والوثوق على المحاسبة أهـ بيضاوى يؤدون الصلاة لعلمهم أن الله أمر بها، وأوصى بالمحافظة عليها رجاء ثواب الآخرة بعد الموت، وكان من عليها فان، فكأن تارك الصلاة يجحد بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون 4 أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون 5 وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) 6 من سورة النمل. وإن تارك الصلاة كسلا قد يؤمن بالآخرة، ولكن تسويفه من الأعمال القبيحة التى تزين له عدم إقامة الصلاة (زينا لهم أعمالهم) أي زين لهم أعمالهم القبيحة بأن جعلها مشتهاة للطبع محبوبة للنفس، أو الأعمال الحسنة التى وجب عليهم أن يعملوها بترتيب المثوبات عليها (فهم يعمهون) عنها لا يدركون ما يتبعها من ضر أو نفع (أولئك الذين لهم سوء العذاب) كالقتل والأسر يوم بدر، وأشد الناس خسرانا لفوات المثوبة واستحقاق العقوبة. أهـ بيضاوى ص 528. وسوء العذاب الآن ضيق الرزق، وقلة البركة والشقاء. هؤلاء الكفار كانوا يحاربون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزين لهم الشيطان عداءه ومحاربته، فباءوا بالهزيمة، ورجعوا بالخيبة واندحروا، وخسروا ثواب الله لو اتبعوه: والآن تارك الصلاة يخسر ضياع الزمن في كسل ولهو ولغو، ويهمل في حق الله، ولا يضمن طول عمره حتى يؤدى ما عليه، فعليك أخى بتأدية الصلاة =

الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر

الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر 1 - عن الحارث الأشعرى رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله امر يحيى بن زكريا (¬1) بخمس كلماتٍ أن يعمل بها، ويأمر بنى إسرائيل أن يعملوا بها، وإنه كاد (¬2) أن يُبطئ بها. قال عيسى: إن الله أمرك بخمس كلماتٍ لتعمل بها، وتأمر بنى إسرائيل أن يعملوا بها. فإما أن تأمرهم، إما أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى (¬3) إن سبقتنى بها أن يُخسف بى، أو أُعذب، فجمع الناس في بيت (¬4) المقدس ¬

= في أوقاتها عسى أن تربح وتنجح وتفلح وتفوز، وتدرك رحمة الله. قال تعالى: أ - (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذى كانوا يعملون) 7. ب - (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) 9. جـ - (أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين) 11 من سورة العنكبوت وجمع بين الإيمان والعمل الصالح، والصلاة عماد الصلاح، وإن الله تعالى خاطب محمداً صلى الله عليه وسلم بالاستقامة وطلب اتباع الدين القويم وطلب من أمته الإقبال على تعاليمه والاهتمام بتنفيذ أوامره واجتناب مناهيه، وتجد ياأخى تصريحاً في ذلك (وأقيموا الصلاة) قال تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون 30 منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين 31 من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون) 32 من سورة الرو: أي خلق الله الناس على الفطرة، وهى قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه، أو ملة الإسلام، فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها، وقيل العهد المأخوذ من آدم وذريته (ذلك الدين القيم) المستقيم الذى لا عوج فيه (فأقم) الآية خطاب للرسول ولأمته (منيبين إلي) راجعين إليه او منقطعين إليه، وقد صدرت بخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيما له. وقال تعالى: (من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون 44 ليجزى الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين) 45 من سورة الروم. كفره وباله (يمهدون) أي يسوو منزلا في الجنة. (¬1) ابن الذى كفل السيدة مريم ورباها أحسن تربية، وزوجه عليه السلام أخت مريم. وفي كتاب (المنهج السعيد) أن سيدنا زكريا عليه السلام عاصر ابن ماتان الذى هو جد السيدة مريم، وتزوج بنته إيشاع أخت عمران أبى مريم، وأم مريم حنة بنت فاقوذا كانت تستظل تحت شجرة، فرأت طائراً يطعم فرخه فحنت إلى ولد وتمنته، فقالت: أللهم إن لك على نذرا إن رزقتنى ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من خدمه فحملت بمريم، وهلك عمران، ولما ولدتها لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد فتنافسوا فيها، فقال زكريا أنا أحق بها عندى خالتها أهـ ص 124، ويحيى وعيسى عليهما السلام كانا في عصر واحد وهما نبيان ورسولان. (¬2) قرب أن يتأخر عن تنفيذ أمر الناس. (¬3) أخاف يا عيسى أن أعد مقصراً في الرسالة فيقلب الله الأرض بى أو يعذبنى، فانتظر رعاك الله حتى أصدع بما أمر. (¬4) مكان بالشام محترم يهرع إلى تقديسه المسلمون إلى الآن.

فامتلأ وقعدوا على الشرف (¬1)، فقال: إن الله أمرنى بخمس كلماتٍ أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن. أُولاهن (¬2): أن تعبدوا الله (¬3) ولا تشرِكُوا به شيئاً، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهبٍ أو ورقٍ (¬4)، فقال: هذه دارى وهذا عملى، فاعمل وأد إلىَّ فكان يعمل، ويؤدى إلى غيره سيده، فأيُّكم يرضى أن يكون عبده كذلك (¬5)، وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا (¬6)، فإن الله ينصب (¬7) وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، وأمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ في عصابةٍ (¬8) معه صُرةٌ (¬9) فيها مسكٌ فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وأمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ أسرهُ العدوُّ فأوثقُوا (¬10) يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفدى نفسى منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم، وأمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ خرج العدو في إثرهِ (¬11) سراعاً حتى إذا ¬

(¬1) ازدحموا حتى جلسوا على الأمكنة العالية، وفي حديث ابن عباس: أمرنا أن نبنى المدائن شرفا والمساجد جما. الشرف: التى طولت أبنيتها بالشرف، واحدتها شرفة أهـ نهاية ص 215. (¬2) في نسخة: أولهن 175 ع .. (¬3) تجعلون عبادته سبحانه قاصرة عليه لا شريك له في التعظيم والتبجيل والسؤال والرجاء، بيده الخير يفعل ما يشاء. (¬4) فضة. (¬5) يشترى بمال سيده، ويعمل العمل لغيره، وغيره يجبى ثمرة تعبه، وسيده محروم من خيراته: كذلك من يعبد غير الله عمله ضائع، ومحروم من ثواب القادر الصمد. (¬6) أي ائتدوا، ولا تحركوا أعناقكم يميناً أو شمالا، واخشعوا واطمئنوا. (¬7) المراد أن تترى رحمته للذى يحسن الصلاة، ويحفه تعالى برضوانه وإكرامه مدة عدم التفاته في صلاته. (¬8) جماعة. (¬9) شئ يحفظ فيه العطر، والصرة: للدراهم، من صر الصرة شدها، وبفتح الصاد: الصيحة، وهذا مثل لشدة خلوف الصائم، وتغير رائحة فمه، والمسك من الطيب، وتسميه العرب المشموم. قال الشاعر: فان تفق الأنام وأنت منهم ... فان المسك بعض دم الغزال قيل: إن المسك من صرة الغزال. (¬10) شدوها ووضعوا فيها الأغلال، وربطوها في عنقه فأصبح مشلول الحركة مقيدا مغلولا لا حراك له، ولا يمكن أن يدافع عن نفسه، ويذب عن حوضه فسلم نفسه لخصومه، وقدم لهم الفداء بجل ما يملك وجاد بتراثه فنجا وفاز. وكذلك الصدقة تكون سبب العتق من النار والنجاة من العذاب والفوز يوم القيامة وسبب زيادة الرزق وهى حصن من السوء وقلعة منيعة من شرور المجرمين. (¬11) عقبه: يتعقبه عن قرب، ومنه خرج في إثره.

أتى على حصنٍ حصينٍ (¬1) فأحرز (¬2) نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله. قال النبى صلى الله عليه وسلم: وأنا امركم بخمس: الله أمرنى بهن: السمع (¬3)، والطاعة (¬4)، والجهاد (¬5)، والهجرة (¬6)، والجماعة (¬7)، فإنه من فارق الجماعة قيد (¬8) شبرٍ، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يُراجع (¬9)، ¬

(¬1) مكان مكين يقى شر العدو، ويمنع هجماته. (¬2) توقى، من أحرزت المتاع جعلته في الحرز. والحرز: الموضع الحصين، يقال (حرز حريز) واحترز وتحرز، وأحرزه: ضمه، ومنه أحرز قصب السبق. (¬3) أن تسمع كلام ولى الأمر من ملك وأمير، ومدير ومأمور، وأب وكل من له الولاية عليك، وأمره نافذ أن تصغى إلى قوله وتتفهمه. (¬4) تعمل بارشاداته، وتتبع أوامره، وتمشى على ضوء منهجه ليطمئن قلبك، ويستريح ضميرك، ويصفو عيشك .. أما المخالفة: فويل، والمضادة، والهجر والمعاكسة: فشر، وفى قوله صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا) قال الشيخ الحفنى في تعليقاته على الجامع الصغير: (طيب الله ثراه) إنما قدم أسمعوا مع أن أطيعوا يغنى عنه: إشارة إلى أن الإمام إذا أمرهم بأمر وجب عليهم الاصغاء ليفهموه ويتمثلوه إن كان مندوبا أو فرض كفاية، أو ترك مكروه فيصير ذلك فرض عين، فلو أمر طائفة بأن يقدموا بالتجارة مثلا، ولم ينتقلوا إلى غيرها صار ذلك فرض عين عليهم بعد أن كان فرض كفاية. أما لو أمر بحرام حرم إطاعته، أو بمكروه كرهت إطاعته أهـ. قال العلقمى. قال القاضى عياض وغيره: أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وأوجبوا تحريمها في المعصية لقول الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) قال العلماء: المراد بأولى الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم أهـ من الجامع الصغير ص 202 - 1. (¬5) الغزو في سبيل نصر دين الله تعالى، ومحاربة النفس في شهواتها عسى أن تتحلى بالمكارم وتعمل بالأوامر. (¬6) الانتقال من مكة إلى المدينة، وهذا سر من أسرار الله لإذاعة دينه، وتعميم الإسلام، ونصر المسلمين وفي النهاية: (جهد) فيه (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية) الجهاد: محاربة الكفار وهو المبالغة واستفراغ مافى الوسع والطاقة من قول أو فعل، يقال جهد الرجل في الشئ: أي جد فيه وبالغ، وجاهد في الحرب مجاهدة وجهاداً، والمراد بالنية إخلاص العمل لله تعالى: أي إنه لم يبق بعد فتح مكة هجرة لأنها قد صارت دار إسلام، وإنما هوالإخلاص في الجهاد وقتال الكفار أهـ ص 90. (¬7) ملازمة رأى الجمهور، والتمشى مع روح اتحاد المسلمين ولم شعثهم، وجمع كلمتهم في البر والاتفاق على عمل صالح، وعدم بث الشقاق والاختلاف وعدم التنابذ والتراشق، والدعوة إلى الائتلاف، وصفاء النية والوداد والمحبة والشورى قال الله تعالى: أ - (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا). ب - (وتعاونوا على البر والتقوى). (¬8) بكسر القاف. أي قدر، وكذا قادر رمح، وبفتح القاف واحد القيود. (¬9) إلا أن يتوب إلى الله جل وعلا ويرجع نادما متبعاً سنن الجماعة.

ومن ادعى دعوى (¬1) الجاهلية، فإنه من جُثاء جهنم، فقال رجلٌ: يا رسول الله، وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام، فادعوا (¬2) الله سَمَّاكمُ المسلمين المؤمنين عباد الله. رواه الترمذي، وهذه لفظه، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي ببعضه، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم. (قال الحافظ): وليس للحارث في الكتب الستة سوى هذا. (الربقة): بكسر الراء وفتحها وسكون الباء الموحدة، واحدة الربق: وهى عرى في حبل تشدّ به البهم، وتستعار لغيره. وقوله: (من جثاء جهنم) بضم الجيم بعدها ثاء مثلثة: أي من جماعات جهنم. لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت 2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التَّلَفُّتِ (¬3) في الصلاة، فقال: اختلاسٌ (¬4) يختلسه (¬5) الشيطان من صلاة العبد. رواه البخاري والنسائي وأبو داود وابن خزيمة. 3 - وعن أبي الأحوص عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لايزال الله مُقبلاً (¬6) على العبد في صلاته ما لم يلتفت (¬7)، فإذا صرف وجهه (¬8) انصرف عنه (¬9). رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وصححه. ¬

(¬1) أي مشى بلا عقل، وعمل بال دين، واتبع الحال التى كانت عليه العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله، وشرائع الدين، والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك. (¬2) أي اعملوا بدين الله، واتبعوا أوامر الله، واتركوا عبادة ناقصة ليست على سنن الشرع الشريف. (¬3) تحريك العنق يميناً أو شمالا. (¬4) أخذ الشئ بسرعة، يقال: اختلس الشئ إذا استلبه. (¬5) يخطفه، والمعنى أن الشيطان يذهب إلى المصلى فيوسوس له ويزيل من قلبه الخشوع فتضعف خشيته لربه، فينسى موقفه هذا المقدم فيلتفت ويلعب بأطراف جسمه ويميل، وهكذا من ضروب قلة الأدب أمام رب العالمين سبحانه. وفى نيل الأوطار في الحديث: النهى عن الخلسة بفتح الخاء، وهو ما يستخلص من السبع فيموت قبل أن يذكى. وفي النهاية: الاختلاس: افتعال من الخلسة، وهو ما يؤخذ سلباً، وقيل: المختلس الذى يخطف الشئ من غير غلبة ويهرب، ونسب إلى الشيطان لأنه سبب له لوسوسته به وإطلاق اسم الاختلاس علىلالتفات مبالغة. أهـ ص 281 جـ 2. (¬6) يتجلى بإحسانه، ويعطف برضوانه ورحماته. (¬7) يحرك رأسه يميناً أو يساراً. (¬8) غير وجهه عن موضع السجود، وبعد عن اتجاه القبلة. (¬9) غضب الله عليه، وحول عنه رحمات القبول، وبركات الخير.

(قال المملى الحافظ عبد العظيم) رضي الله عنه: وأبو الأحوص هذا لا يعرف اسمه لم يرو عنه غير الزهرى، وقد صحح له الترمذي وابن حبان وغيرهما. ما ينهى عنه في الصلاة 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ، ونهانى عن ثلاثٍ: نهانى عن نقرةٍ (¬1) كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفاتٍ كالتفاتِ الثعلب (¬2). رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناد أحمد حسن، ورواه ابن أبى شيبة وقال: كإقعاء القرد: مكان الكلب. (الإقعاء) بكسر الهمزة. قال أبو عبيد: هو أن يلزق الرجل أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض كما يقعى الكلب. قال: وفسره الفقهاء بأن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين. قال: والقول هو الأول. 5 - وروى عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذ قام الرجل في الصلاة أقبل الله عليه بوجهه (¬3)، فإذا التفت. قال: يا ابن آدم إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير لك منى، أقبل إلىَّ (¬4)، فإذا التفت الثانية قال مثل ذلك، فإذا التفت الثالثة صرف الله (¬5) تبارك وتعالى وجهه عنه. رواه البزار. 6 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا قام إلى الصلاة أحسبه قال: فإنما هو بين يدي الرحمن تبارك وتعالى، فإذا التفت يقول الله تبارك وتعالى: إلى من تلتفت؟ إلى خيرٍ منى، أقبل يا ابن آدم فأنا خيرٌ ممن تلتفت إليه. رواه البزار أيضاً. ¬

(¬1) خطف الركوع والسجود بمقدار مد الديك فمه لخطف الشئ. يحذر صلى الله عليه وسلم أبا هريرة والمسلمين أن يسرعوا في ركوعهم وسجودهم ولا يطمئنون كما نهى صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب في رواية أخرى، وفي النهاية: يريد تخفيف السجود وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله أهـ. (¬2) الثعلب شديد الحركة. يريد صلى الله عليه وسلم أن يكثر الالتفات والخطف والسرعة مثل الثعلب، وفقد معه الخشوع، والاطمئنان: وخوف الله جل وعلا. (¬3) تترى رحماته، وتتوجه إليه بركاته جل وعلا؛ ويغمر بعطف الله وإحسانه. (¬4) قف بخشوع وأدب ورجاء، وتفكر في معنى ما تقرأ واهدأ واطمئن عسى أن تدرك رحمتى ويحفك غفرانى، وتنال رضوانى. (¬5) غضب عليه جل جلاله، وزالت رحمته، وقد سأل جبريل عليه السلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان؟ فقال صلى الله عليه ولم: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

7 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يابُنى إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة (¬1) الحديث. رواه الترمذي من رواية علىّ بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس، وقال: حديث حسن، وفى بعض النسخ صحيح. (قال المملى): وعلىّ بن زيد بن جدعان يأتى الكلام عليه، ورواية سعيد بن أنس غير مشهورة. 8 - وروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين فدعا ربه إلا كانت دعوته مستجابةً (¬2) معجلةً، أو مُؤخرةً (¬3). إياكم والالتفات (¬4) في الصلاة فإنه لا صلاة لِمُلتَفِتٍ (¬5)، فإن غلبتم في التطوع فلا تُغلبوا في الفريضة (¬6). رواه الطبراني في الكبير. ¬

(¬1) دمار. قال الشوكاني: سمى الالتفات هلكة باعتبار كونه سبباً لنقصان الثواب الحاصل بالصلاة أو لكونه نوعا من تسويل الشيطان واختلاسه، فمن استكثر منه كان من المتبعين للشيطان، واتباع الشيطان هلكة، أو لأنه إعراض عن التوجه إلى الله، والإعراض عنه عز وجل هلكة. أهـ ص. 28 جـ 2. (¬2) أي أن الله تعالى يجيب دعاءه وقته هذا، ويظهر أثر الإجابة ويدرك حاجته فورا. (¬3) سبحانه يجيب الدعاء، ويدخر عنده التنفيذ، ويوجه الخير له على حسب الأصلح له والمفيد ويؤخر يمقتضى حكمته: أ - (قد جعل الله لكل شئ قدرا). ب - (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء). (¬4) احذروا تحريك العنق في الصلاة يمنة أو يسرة. (¬5) في نسخة: للملتفت. (¬6) فيه الإذن بالالتفات للحاجة في التطوع، والمنع من ذلك في صلاة الفرض، وفي رواية: (فإن كان لا بد ففى التطوع لا في الفريضة). وفي مختار الإمام مسلم ص 31 جـ 1 نقلا عن النووي: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم التى أوتيها، لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئاً مما يقدر عليه من الخشوع والخضوع، وحسن السمت، واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى بها، فقال صلى الله عليه وسلم: اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان. والمقصود الحث على الإخلاص في العبادة، ومراقبة العبد ربه تعالى في إتمام الخشوع والخضوع، ولذا ندب مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من تلبسه بشئ من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله تبارك وتعالى مطلعا عليه في سره وعلانيته أهـ ص 37 جـ 1. ولن تجد في الحياة ألذ من وقوف الإنسان أمام المنعم المتفضل عليه بالخير والبر فيحمده، ويشكر فضله، وسبيل ذلك أداء الصلاة التى طلبها الله تعالى، وأمر بها في كتابه، وأخبر أن آياته تشرح صدر المصلين، وتقر عين المزكي، ونبراس الهداية للعاملين المحسنين الذاكرين. قال تعالى: =

وفي روايةٍ له أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قام في الصلاة فالتفت (¬1) رد الله عليه (¬2) صلاته. 9 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: لا يزال الله مقبلاً على العبد (¬3) بوجهه ¬

= أ - (تلك آيات الكتاب الحكيم 2 هدى ورحمة للمحسنين 3 الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون 4 اولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون 5) من سورة لقمان. إن اسم الإشارة عائد على الفائزين المهتدين. لماذا؟ لأن خلالهم أداء أوامر الله على أن لقمان الحكيم الذى عاصر سيدنا داود عليه السلام كان من نصائحه بعد توحيد الله جل وعلا المحافظة على إقامة الصلاة. ب - (يابنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) 18 من سورة لقمان. قال البيضاوى: (أقم الصلاة) تكميلا لنفسك (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر) تكميلا لغيرك. هذه نصيحة رجل حنكته التجارب، وعلمته طاعه الله أن يرشد ابنه إلى الصلاة أنها تكسوه الكمال والجمال والبهاء والهناء ويأمره بالصبر (واصبر على ما أصابك) أي في ذات الله تعالى إذا أمرت بمعروف، ونهيت عن منكر أو اصبر على ما أصابك من المحن، فإنها تورث المنح، إن الذى وصيتك به (من عزم الأمور) أي مما عزمه الله من الأمور، أو قطعه قطع إيجاب وإلزام، وأمر به أمراً حتما أهـ نسفى ص 216. والمراد بالصبر: التسليم لأحكام الله تعالى، والرجوع فى كل الأمور لله جل شأنه، فالصلاة يا أخى عماد الدين قدمها لقمان أولا، وهى سبب مناجاة الله تعالى. واعلم أن الالتفات مضيعة الثواب، وإعراض عن الله جل جلاله، وباب الخير، ومصدر العز، وشمس الاستقامة، والتسلية للنفس، وسُلْوانها عند الشدة، وقد أمر الله تعالى بها سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم عند ما ذكر سيدنا موسى عليه السلام الكتاب وأعمال فرعون معه، ونصر الله له. قال تعالى. (ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بنى إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولى الألباب فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشى والإبكار) والإبكار: الفجر، والعشى: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وإن شاهدنا (وسبح) أي دم على التسبيح والتحميد لربك، وقيل صل لهذين الوقتين، إذ كان الواجب بمكة ركعتين بكرة، وركعتين عشيا، وإن ثلاث خلال حميدة أمرنا الله بها ترفع الرجال إلى مراتب الكمال: الصبر على المكاره لله، وطلب المغفرة من الله، والصلاة لله عز شأنه فاصبر يا محمد حتى يأتى النصر من ربك كما نصر الأنبياء من قبل، واطلب المغفرة لأمتك ليستنوا بك ويتأسوا. قال الشاعر في الصبر والحزم ص 307 جـ 2 أمالى: إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق بما به الصدر الرحيب وأوطنت المكاره واطمأنت ... وأرست في مكامنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضر وجهاً ... ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوط منك غوث ... يمن به اللطيف المستجيب وكل الحادثات وإن تناهت ... فمقرون بها الفرج القريب (¬1) حرك وجهه، ولفت عنقه يمنة ويسرة. (¬2) لم يقبلها، ولا ثواب له، ولم يؤد الفرض. (¬3) سبحانه يتجلى برحمته على عبده، ويحيطه بأنواره مدة خشوعه وعدم التفاته وطهارته، فإذا التفت أو أحدث زالت ظلة الرحمة عنه، وبعدت بركات ربه المحيطة به.

ما لم يلتفت أو يُحدِثْ. رواه الطبرانيّ في الكبير موقوفاً عن أبي قلابة عن ابن مسعود ولم يسمع منه. 10 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليقبل (¬1) عليها حتى يفرغ منها، وإياكم والالتفات (¬2) في الصلاة، فإن أحدكم يناجى (¬3) ربه مادام في الصلاة (¬4). رواه الطبراني في الأوسط. 11 - عن أُم سلمة بنت أبى أُمية رضي الله عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يُصلى لم يعد (¬5) بصرُ أحدهم موضع قدميه، فَتُوُفِّىَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلى لم يعد بصرُ أحدهم موضع جبينه، فَتُوُفِّىَ أبو بكرٍ رضي الله عنه، فكان عمر رضي الله عنه، فكان إذا قام أحدهم يصلى لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة ثم تُوُفِّىَ عمر رضي الله عنه، فكان عثمان بن عفان رضي الله عنه وكانت الفتنة، فتلفت (¬6) الناس يميناً وشمالاً. رواه ابن ماجه بإسناد إلا أن موسى بن عبد الله بن أبى أمية المخزومى لم يخرّج له من أصحاب الكتب الستة غير ابن ماجه، ولا يحضرني فيه جرح ولا تعديل، والله أعلم. ¬

(¬1) يتم ركوعها وسجودها وآدابها. (¬2) احذروا الالتفات واجتنبوه. (¬3) يحادثه ويسأله ويدعوه، ويتضرع إليه جل وعلا. (¬4) مدة وجوده في الصلاة. (¬5) لم يتجاوز، بمعنى أن بصره طول صلاته نحو سجوده ومكان وضع جبهته، واستمر هذا عادة في زمن سادتنا أبى بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ثم جاءت فتنة قتل سيدنا عثمان رضى الله عنه فذهب خشوع بعض المسلمين، فالتفتوا في صلاتهم. قال الطيبى: المعنى من التفت ذهب عنه الخشوع فاستعير لذهابه اختلاس الشيطان تصويراً لقبح تلك الفعلة أو أن المصلى مستغرق في مناجاة ربه، وأنه تعالى يقبل عليه، والشيطان كالراصد ينتظر فوات تلك الحالة عنه. فإذا التفت المصلى اغتنم الفرصة، فيختلسها منه. أهـ، وقال ابن بزيزة: أضيف إلى الشيطان لأن فيه انقطاعا من ملاحظة التوجه إلى الحق سبحانه وتعالى، وقال أبو ثور: إن التفت ببدنه كله أفسد صلاته، وإذا التفت عن يمنيه أو شماله مضى في صلاته أهـ. (¬6) في النسخة المطبوعة: فالتفت، وصحح على ع ص 177

الترهيب من مسح الحصى وغيره في موضع السجود والنفخ فيه لغير ضرورة

الترهيب من مسح الحصى وغيره في موضع السجود والنفخ فيه لغير ضرورة 1 - عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح (¬1) الحصى، فإن الرحمة تواجهه. رواه الترمذي وحسنه والنسائيّ، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، ولفظ ابن خزيمة: إذا قام أحدكم في الصلاة، فإن الرحمة (¬2) تواجهه فلا تُحَرِّكوا الحصى. رووه كلهم من رواية أبى الأحوص عنه. 2 - وعن مُعيقيبٍ رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تمسح الحصى وأنت تصلى، فإن كنت لابد فاعلا فواحدةً (¬3) تسوية الحصا. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه. 3 - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة، فقال: واحدةً ولأن تُمسك عنها خيرٌ لك (¬4) من مائة ناقةٍ كلها سُودُ الحدق. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 4 - وعن أبي صالحٍ مولى طلحة رضي الله عنه، قال: كنت عند أُم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم فأتي ذُو قرابتها شابٌّ ذو جُمَّةٍ (¬5) فقام يصلى، فلما أراد أن ¬

(¬1) يريد صلى الله عليه وسلم أن المصلى لا يمسح الحصى عن جبينه رجاء إدراك رحمة الله ورضوانه. (¬2) هذا التعليل يدل على أن الحكمة في النهى عن المسح أن لا يشغل خاطره بشئ يلهيه عن الرحمة المواجهة له فيفوته حظه منها، وقد روى أن حكمة ذلك أن لا يغطى شيئاً من الحصى بمسحه فيفوت السجود عليه وقال النووي: لأنه ينافى التواضع، ويشغل المصلى ص 285 جـ 2 نيل الأوطار. (¬3) في نسخة: تسوية الحصى ص 122 د. أي أمسح مسحة واحدة، أو فواحدة تكفيه وفيه الإذن بمسحة واحدة عند الحاجة خشية ضرر أو لحوق أذى، وحكى النووي في شرح مسلم اتفاق العلماء على كراهته قال القاضى: وكره السلف مسح الجبهة في الصلاة. (¬4) أباح لك صلى الله عليه وسلم أن تمسح واحدة، وأخبرك أن الرجوع عن فعلها خير لك من أن تتصدق بمائة ناقة كلها سود الحدق: أي أعينها سليمة سوداء، وهى صحيحة الجسم، والتحديق: شدة النظر والحدقة: العين. ومنه حديث معاوية بن الحكم: فحدقنى القوم بأبصارهم: أي رمونى بحدقهم. (¬5) الجمة من شعر الرأس: ما سقط على المنكبين، وفيه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جمة جعد. والمعنى جاء شاب كثر شعره على منكبيه، وهو قريب السيدة أم سلمة رضي الله عنها، وعند سجوده =

الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

يسجد نفخ، فقالت: لا تفعل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لغلامٍ لنا أسود: يارباح تَرِّبْ وجهك (¬1). رواه ابن حبان في صحيحه. ورواه الترمذي من رواية ميمون أبى حمزة، عن أبي صالح، عن أم سلمة قالت: رأى النبى صلى الله عليه وسلم غلاماً لنا يقال له أفلح إذا سجد نفخ (¬2)، فقال با أفلح تَرِّبْ وجهك. وتقدم في الترغيب في الصلاة حديث حُذَيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من حالةٍ يكون العبد فيها أحب إلى الله من أن يراه ساجدا (¬3) يُعفرُ وجهه في التراب. رواه الطبرانيّ. الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نُهى عن الخصر (¬4) في الصلاة. رواه البخاريّ ومسلم والترمذي، ولفظهما: أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى الرجل مُختصراً (¬5). والنسائي نحوه. ¬

= في صلاته نفخ: أي أخرج هواء شديداً من فمه ليزيل التراب الموجود في مكان سجوده، فنهته رضي الله عنها وقالت: (لا تفعل) واستدلت بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمها رباح وأنه دعا له صلى الله عليه وسلم باليمن والبركة والعز بما يصيب جبهته عند السجود، وجميمة: تصغير جمة، ومنه حديث عائشة حين بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: وقد وفت لي جميمة: أي كثرت، وحديث: (لعن الله المجممات من النساء) هن اللاتي يتخذن شعورهن جمة تشبيهاً بالرجال أهـ نهاية. (¬1) أي وفقك الله وأغناك، وأراد صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بكثرة السجود والطاعات وفي النهاية ومنه حديث (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابا ولا فحاشاً، كان يقول لأحدنا عند المعاتبة: تربت جبينه) قيل: أراد به دعاء له بكثرة السجود. أهـ. (¬2) يخرج من فمه هواء شديداً ليزيل التراب الذى يسجد عليه، فناداه صلى الله عليه وسلم: (يارباح ترب وجهك) أي ضع وجهك على التراب ليزداد ثوابا وبركات، والله أعلم بالراوية. (¬3) واضعاً جبهته على الأرض يصيبها غبار الأرض (يعفر) يترب، ومنه الحديث العافر الوجه في الصلاة: أي المترب، وحديث أبى جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم، يريد به سجوده على الأرض. (¬4) وضع اليد في الخاصرة، والوقوف بلا أدب، والتكبر والغطرسة. هذا معنى الخصر والاختصار. (¬5) قال النووي: الصحيح الذى عليه المحققون والأكثرون أنه هو الذى يصلى =

الترهيب من المرور بين يدي المصلي

وأبو داود، وقام يعنى: يضع يده على خاصرته. 2 - وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الاختصار في الصلاة راحة (¬1) أهل النار. رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه. الترهيب من المرور بين يدى المصلى 1 - عن أبي الجهم عبد الله بن الحارث بن الصِّمَّةِ الأنصارى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المارُّ بين يدى المُصلى ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرٌ له من أن يمر بين يديه. قال أبو النضر: لا أدرى. قال أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنةً (¬2). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. ورواه البزار. ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو يعلم المارُّ بين يدى المصلى ماذا عليه لكان لأن يقوم أربعين (¬3) خريفاً خيرٌ له من أن يمرَّ بين يديه، ورجاله رجال الصحيح. قال الترمذي: وقد روى عن أنس أنه قال: لأن يقف (¬4) أحدكم مائة عامٍ خيرٌ له من أن يمر بين يدى أخيه وهو يصلى. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

= ويده على خاصرته. وقال الهروى: قيل هو أن يأخذ بيده عصاً يتوكأ عليها، وقيل أن يختصر السورة، فيقرأ من آخرها آية أو آيتين، وقيل: هو أن يحذف، فلا يؤدى قيامها وركوعها وسجودها وحدودها، والصحيح الأول. قيل: نهى عنه لأنه فعل اليهود، وقيل: فعل الشيطان، وقيل: لأن إبليس هبط من الجنة كذلك، وقيل: لأنه فعل المتكبرين أهـ ص 36 - 5 فى ن ط الجهيم وأن يقف أربعين خيرا. (¬1) أي إنه فعل اليهود في صلاتهم، وهم أهل النار على أنه ليس لأهل النار الذين هم خالدون فيها راحة أهـ نهاية أي وقوف أهل النار في تململ وجزع، ووضع اليد على الجسم. (¬2) قال النووي: معناه لو يعلم ما عليه من الإثم لاختار الوقوف أربعين على ارتكاب ذلك الإثم. ومعنى الحديث النهى الأكيد، والوعيد الشديد في ذلك أهـ ص 225 - 4. (¬3) سنة: أي ينتظر هذه المدة من السنين خير له من أن يقتحم الصفوف، ويمر أمام المصلى، ما هذا الأدب! رجل واقف أمام الله، يناجى الله، ويدعو الله، يحترم ويعظم ويهاب فلا يمر عليه وانتظار انتهاء صلاته سنين عديدة خير من أن يمر فيرتكب الذنوب فيحاسب حسابا عسيراً. (¬4) والله لانتظار أحدكم مائة سنة أفضل وأحسن من المرور أمام المصلى أخيك.

لو يعلم أحدكم ماله (¬1) في أن يمشى بين يدى أخيه مُعترضا وهو يُناجى ربه لكان أن يقف في ذلك المقام مائة عامٍ أحب إليه من الخطوة التى خطاها. رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، واللفظ لابن حبان. 3 - وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا صلى أحدكم إلى شئٍ يستره من الناس فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه فليدفع (¬2) في نحره، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان (¬3)، وفي لفظٍ آخر: إذا كان أحدكم يُصلى فلا يدع (¬4) أحداً يمر بين يديه وليدرأهُ (¬5) ما استطاع، فإن أبى (¬6) فليقاتله، فإنما هو شيطان. رواه البخاري ومسلم، واللفظ له وأبو داود نحوه. (قوله وليدرأه): بدال مهملة: أي فليدفعه بوزنه ومعناه. ¬

(¬1) أي الشئ الذي يناله، والخطايا التى يرتكبها عند المشى أمام المصلى، وأن الانتظار أفضل. تأمل يا أخى: كيف رفعت الصلاة من قدر الإنسان وزادته هيبة وإجلالا، وحقا إنها إحدى الخصال الثلاث في المؤمنين الذين يتاجرون مع الله فيربحون، وينتظرون المواسم فيجدون في الاتجار بخالص الأعمال مع الغنى الكريم. سبحانه يكافئ من أحسن الصلاة بدار لا يفنى نعيمها، ولا ينقص عيشها. قال تعالى. (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور 28 إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور 29 ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور) 30 من سورة فاطر. أي يتلون قرآنه ويصلون وينفقون سرا في الصدقة المسنونة وجهرا في المفروضة. (¬2) فليمنع وليضرب. قال النووي: والأمر بالدفع ندب متأكد. قال القاضى عياض: وأجمعوا على أنه لا يلزم مقاتلته بالسلاح، ولا ما يؤدى إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قود عليه باتفاق العلماء، وهل يجب ديته أم يكون هدراً؟ فيه مذهبان للعلماء، وهما قولان في مذهب الإمام مالك رضي الله عنه. قال واتفقواعلى أن هذا كله لمن لم يفرط في صلاته بل احتاط، وصلى إلى سترة أو في مكان يأمن المرور بين يديه، وكذا اتفقوا على أنه لا يجوز المشى إليه من موضعه ليرده، وإنما يدفعه ويرده من موقفه لأن مفسدة المشى في صلاته أعظم من مروره من بعيد بين يديه، وإنما أبيح له قدر ما تناله يده من موقفه، ولهذا أما بالقرب من سترته، وإنما يرده إذا كان بعيداً منه بالإشارة والتسبيح، وكذلك اتفقوا على أنه إذا مر لايرده لئلا يصير مروراً ثانياً إلا شيئاً. ورى عن بعض السلف أنه يرده وتأوله بعضهم أهـ، وقال النووي: قال أصحابنا: يرده إذا أراد المرور بينه وبين سترته بأسهل الوجوه، فإن أبى فبأشدها، وإن أدى إلى قتله فلا شئ عليه كالصائل عليه لأخذ نفسه أو ماله، وقد أباح له الشرع مقاتلته، والمقاتلة: المباحة لا ضمان فيها أهـ ص 224 جـ 4 شرح مسلم. (¬3) قال القاضي: قيل: معناه إنما حمله على مروره وامتناعه من الرجوع الشيطان، وقيل: معناه يفعل فعل الشيطان لأن الشيطان بعيد من الخير، وقبول السنة، وقيل: المراد بالشيطان القرين. أهـ. (¬4) فلا يترك ولا يسمح. (¬5) وليدفعه بقدر طافته. (¬6) امتنع.

الترهيب من ترك الصلاة تعمدا، وإخراجها عن وقتها تهاونا

4 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم يُصلى فلا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله، فإن معه القرين (¬1) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة في صحيحه. 5 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لأن يكون الرجل رماداً (¬2) يُذرى (¬3) به خيرٌ له من أن يمر بين يدى رجلٍ متعمدًا (¬4) وهو يصلى. رواه ابن عبد البر في التمهيد موقوفاً. الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا 1 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بين الرجل (¬5) وبين الكفر ترك الصلاة. رواه أحمد ومسلم وقال: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. وأبو داود والنسائي ولفظه: ليس بين العبد، وبين الكفر إلا ترك الصلاة. والترمذي، ولفظه قال بين الكفر والإيمان ترك الصلاة. وابن ماجه ولفظه قال: بين العبد (¬6) وبين الكفر ترك الصلاة. 2 - وعن بُريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ¬

(¬1) مصاحب الشر، وهو الشيطان الملازم للإنسان، ومنه حديث: (ما من أحد إلا وكل به قرينه). أي مصاحبه من الملائكة والشياطين، فإن كل إنسان معه قرين منهما، فقرينه من الملائكة يأمره بالخير، ويحثه عليه، وقرينه من الشياطين يأمره بالشر، ويحثه عليه. أهـ نهاية ص 249. (¬2) رماداً دقيقاً ينتشر. (¬3) يسفى وينتشر، ويترك في الهواء ليملأه. ذروت الشئ: طيرته وأذهبته، وبابه عدا، وذرت الريح التراب من باب عدا ورمى: سفته، ومنه قولهم: ذرى الناس الحنطة تذرية، والمذرى: خشبة يذرى بها، وتنقى بها الأكداس. (¬4) قاصداً أن يمر عليه، فإذا سها أو نسى غفر الله له، وعفا عنه. (¬5) بين المسلم وبين الإلحاد، وإنكار نعم الله، والإشراك به درجة واحدة هى تعمد اجتناب الصلاة وعدم إقامتها. والمعنى والله أعلم أن إقامة الصلاة ركن الإسلام، وتاركها متعمداً كافر وزنديق ومشرك، وإن مات مات على غير الإسلام، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يصلى عليه، وتركها كسلا يجر إلى نسيان نعم الله، ويبعد عن رحمة الله، ويجلب نقمة الله ويدل على سوء الخاتمة. (¬6) المطيع المؤمن المقرب.

العهد الذى بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (¬1). رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح، ولا نعرف له علة. 3 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: أوصانى خليلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصالٍ فقال: لا تشركوا بالله شيئاً، وإن قُطعتم (¬2) أو حرقتم، أو صلبتم، ولا تتركوا الصلاة، متعمدين، فمن تركها متعمدا فقد خرج من الملة، ولا تركبوا المعصية، فإنها سخط (¬3) الله، ولا تشربوا الخمر، فإنها رأس (¬4) الخطايا كلها الحديث. رواه الطبراني، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة بإسنادين لا بأس بهما. 4 - وعن عبد الله بن شقيقٍ العقيلى رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفرٌ غير الصلاة. رواه الترمذي. 5 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك (¬5) رواه هبة الله الطبرى بإسناد صحيح. ¬

(¬1) جحد فضل الله، وغفل عن ذكر الله، وباء بالخيبة، ورجع بالخسران، وحرمان ثواب الله وعطفه ورضوانه. (¬2) قتلتم إربا إربا، أو رميتم في النار، أو وضعتم على جذوع الأشجار وشددتم. (¬3) مجلبة لغضبه. (¬4) أصل، تجر الويلات، وتدعو إلى فعل الموبقات، وهى رأس المصائب، وباب الفقر والدعارة. (¬5) عد كافراً بالله وعاصياً لأنه تهجم على ترك أمره. قال النووي: وأما ترك الصلاة فإن كان منكراً لوجوبها، فهو كافر بإجماع المسلمين خارج من ملة الإسلام إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه، وإن كان تركه تكاسلا مع اعتقاده وجوبها كما هو الحال كثير من الناس، فقد اختلف العلماء فيه، فذهب مالك والشافعي رحمهما الله، والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب، فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزانى المحصن، ولكنه يقتل بالسيف. وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر، وهو مروى عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله، وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي رضوان الله عليه. وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزنى صاحب الشافعي رضوان الله عليهما ورحمهما الله أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلى واحتج من قال بكفره بظاهر الحديث الثاني المذكور وبالقياس على كلمة التوحيد. واحتج من قال لا يقتل بحديث: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) وليس فيه الصلاة واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ولقوله صلى الله عليه وسلم (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة .. من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة =

صفة الصلاة المطلوبة شرعا 6 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاسهم (¬1) في الإسلام لمن صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له. رواه البزار. ¬

= ولا يلقى الله تعالى عبد بهما غير شاك فيحجب عن الجنة، حرم الله النار على من قال لا إله إلا الله) وغير ذلك، واحتجوا على قتله بقوله تعالى (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) وقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم) وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهى القتل، أو أنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يئول به إلى الكفر، أو أن فعله فعل الكفرة، والله أعلم. أهـ ص 71 جـ 2. ما عذرك ياتارك الصلاة وقد رأيت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيح إراقة دمك، وضياع مالك وذهاب قيمتك في الحياة حتى قال العلماء: امرأته طالق، لأنه نقص قدره، قلت درجته وصار دنيئاً ليس كفؤا في نظر الشارع لها، هذا في الدنيا، فما بالك في الآخرة عند سؤال الله لك عن سبب تركها، وما الذى ينجيك من شدائد يوم القيامة، وهل قرأت قول الله تعالى يضرب مثلا للعابد المتهجد الخائف من أهوال القيامة والراجى فضل ربه، قال تعالى: أ - (أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) هل يتساوى أيها العقلاء من يسهر طول ليله في عبادة ربه كمن هو ضده كافر أو غافل أو تارك (قانت) قائم بوظائف الطاعات ساعة الليل. ب - (وما يستوى الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ قليلا ما تتذكرون) 59 أي لا يتساوى الغافل والمستبصر العامل والمحسن المسئ وإن تذكر المسلمين في هذا الفرق قليل (إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) 60 من سورة المؤمنون. أجمع الرسل على الوعد بوقوعها ولكن لا يصدق المؤمنون أكثرهم لقصور نظرهم. جـ - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون، فاتق الله وصل عسى إن عجزت تسامح وتؤجر. (¬1) أي لا نصيب له في خير الإسلام لأنه مشرك، والسهم في الأصل واحد السهام التى يضرب في الميسر، وهى القداح، ثم سمى به ما يفوز به الفالج سهمه ثم كثر حتى سمى كل نصيب سهماً، ومنه حديث كان للنبى صلى الله عليه وسلم سهم من الغنيمة شهد أو غاب، فأنت ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفى توزيع الخير على تارك الصلاة، ويجعله معدوما عند إعطاء الجنائز أو الغنائم. هذا إلى أنه مذموم، وجاره إن رضي به مذموم، وصاحبه مذموم، نفى صلى الله عليه وسلم الإيمان وهو التصديق بوجود الله جل وعلا، والثقة به من الخائن لأن لا ضمير يحاسبه أمام الله فيخشاه جل وعلا لأنه لا يرد الأمانة، ولا يحفظها في حرز مثلها، ويردها عن طلبه، ويل له عند الله جزاء غدره ونكثه، ثم نفى صلاة النجس غير الطاهر المتوضئ، ثم نفى صلى الله عليه وسلم الدين عن تارك الصلاة كما قال صلى الله عليه وسلم: (الصلاة عماد الدين) والدين: الطاعة العبادة والعقيدة الموصلة إلى توحيد الله، وتنفيذ أوامره، واجتناب مناهيه، وقد شبه صلى الله عليه وسلم الصلاة بالرأس، والدين بالجسم، ولايصح الجسم بلا رأس، وإن عدم الرأس بلى الجسم وفنى، وكذلك ترك الصلاة تذهب لباب الدين، وتضيع صفوته، وتزيل خلاصته، وتعدم وحدته، فلا يعطيه الله ثوابا موصلا للجنة إن عمل صالحاً غير الصلاة، فكأن الصلاة محور الطاعة، ومحط رجال العبادة. وهى ثانى قنطرة يسأل عنها =

الترهيب من ترك الصلاة تعمدا الخ 7 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد. رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وقال: تفرّد به الحسين بن الحكم الحِبرى. 8 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم أن لا تُشرك (¬1) بالله شيئاً، وإن قطعت، وإن حُرقت، ولا تترك صلاة (¬2) مكتوبة متعمدا، فمن تركها متعمداً فقد برئت (¬3) منه الذمة، ولا تشرب الخمر، فإنه مفتاح كل شرٍّ. رواه ابن ماجه والبيهقى عن شهر عن أمّ الدرداء عنه. 9 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لما قام بصرى، قيل: نُدَاوِيكَ وتدعُ الصلاة أياماً قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال من ترك الصلاة لقى الله وهو عليه غضبان (¬4). رواه البزار والطبراني في الكبير، وإسناده حسن. (قامت العين) إذا ذهب بصرها والحدقة صحيحة. 10 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

= المسلم بعد التوحيد، فلا يفوز الإنسان إلى القنطرة الثالثة إلا إذا نجا أمام السائلين عنها والنجاة سببها أداء الصلاة في الدنيا، والمحافظة عليها في أوقاتها، وبذا يشيد ثواب الصالحات، ويبقى أجرها ثابتاً، وضوؤها الصلاة ومعينها خشية الله تعالى في الصلاة. (¬1) توحيد الله جل وعلا في جميع الأعمال، وإن حصلت فتنة، وطلب الإشراك، فالتوحيد خير، وإن قطع الجسم، وتفرقت أجزاؤه، فلا يعرف صاحبه، وفي نسخة: وإن حرقت. (¬2) أي مفروضة. (¬3) خرج من زمرة المسلمين، وزالت عنه صفة الإسلام. وبعد عنه الإيمان. أىخرج عن ديننا؛ وفي النهاية: والذمة: العهد والأمان والضمان والحرمة والحق، وسمى أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم، ومنه حديث (يسعى بذمتهم أدناهم) أي إذا أعطى أحد لجيش العدو أمانا جاز ذلك على جميع المسلمين، وليس لهم أن يخفروه ولا أن ينقضوا عليه عهده، وقد أجاز عمر أمان أم عبد على جميع الجيش أهـ ص 50. (¬4) تأمل رعاك الله سيدنا ابن عباس ترمد عيناه فيقول له طبيبه: لا تتوضأ: أي لاتنصب الماء على وجهك فيزداد الروم والاحمرار، وتتغير الجفون وتلتهب، فيخالف قوله، ويصلى خشية أن يموت، فيغضب الله عليه. فيه أن ترك الصلاة سبب غضب الرب جل وعلا وانتقامه، ونزع البركة من الأرزاق، ووجود الأزمة والضيق وانتشار الأمراض والكروب. نسأل الله السلامة.

من ترك الصلاة مُتعمداً، فقد كفر جهاراً. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به، ورواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة، ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بين العبد والكفر أو الشرك ترك الصلاة، فإن ترك الصلاة فقد كفر. ورواه ابن ماجه عن يزيد الرَّقاشى عنه: عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة، فإذا تركها، فقد أشرك. الترهيب من ترك الصلاة عمدا وأشياء أخر 11 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال حماد بن زيدٍ: ولا أعلمه إلا قدر رفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال: عُرَى (¬1) الإسلام، وقواعدُ الدين ثلاثة عليهن أُسِّسَ الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافرٌ: حلال الدم (¬2) شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان. رواه أبى يعلى بإسناد حسن، ورواه سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد عن عمرو بن مالك النكرى عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مرفوعاً، وقال فيه: من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر، ولا يُقبل منه صرف (¬3)، ولا عدلٌ، وقد حلَّ (¬4) دمه وماله. 12 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: يا رسول الله علمنى عملاً إذا أنا عملته دخلت الجنة: قال: لا تُشرك بالله شيئاً، وإن عُذبت وحُرقت، أطع (¬5) والديك وإن أخرجاك من مالك، ومن كل شئ (¬6) هولك، لا تترك الصلاة (¬7) متعمداً، فإن من ترك الصلاة متعمداً، ¬

(¬1) أسسه. والعروة: ما يتعلق به من عراه: أي ناحيته. قال تعالى: (فقد استمسك بالعروة الوثقى) وذلك على سبيل التمثيل، والعروة أيضا: شجرة يتعلق بها الإبل. (¬2) مهدر معناه ترك واحدة منهن متعمداً تجعل قتله مباحا لإنكاره أسس الإسلام المتفق عليها. (¬3) توبة ولا فدية، وقيل: نافلة ولا فريضة. (¬4) أهدر دمه، وحل نهب ماله وضياعه. (¬5) اتبع أوامرهما، واسمع أقوالهما، واسترشد بآرائهما، انتصح بنصحهما، وإن أخذا مالك. في ن ط فقال: وأطلع ولا تترك. (¬6) أي يأخذ والدك كل ما تملك من عقار وغيره كما قال صلى الله عليه وسلم لرجل عق والدية (أنت ومالك لأبيك).إن إطاعة الوالدين نجاح وفلاح وسبب الخير والبر والغنى والسعادة والنجاة من الشدة ومجلب الرزق الواسع، ونور الإيمان في قلب البار المكرم والديه. وأطع أباك بكل ما أوصى به ... إن المطيع أباه لا يتضعضع (¬7) نهى صلى الله عليه وسلم عن ترك الصلاة بلا عذر خشية أن يخرج من دين الإسلام.

فقد برئت منه ذمة الله الحديث. رواه الطبراني في الأوسط، ولا بأس بإسناده في المتابعات. 13 - وعنه رضي الله عنه قال: أوصانى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرِ كلماتٍ، قال: لا تُشرك (¬1) بالله شيئاً، وإن قُتلت وحرقت، ولا تعص (¬2) والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركن صلاةً مكتوبة متعمداً، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمداً، فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمراً، فإنه رأس كل فاحشةٍ، وإياك (¬3) والمعصية فإن بالمعصية حل (¬4) سخط الله، وإياك والفرار (¬5) من الزحف، وإن هلك الناس، وإن أصاب الناس موت فاثبت، وأنفق على أهلك من طولك (¬6)، ولا ترفع عنهم عصاك (¬7) أدباً، وأخفهم (¬8) في الله. رواه أحمد والطبراني في الكبير، وإسناد أحمد صحيح لو سلم من الانقطاع، فإن عبد الرحمن ابن جبير بن نفير لم يسمع من معاذ. ¬

(¬1) توحيد الله جل وعلا في ذاته، وفي صفاته وأفعاله، والإخلاص له في العمل سبحانه. (¬2) لاتهن ولا تعص ولا تضرب ولا تخالف وأطع أوامرهما ولو أن تفارق أقاربك وذويك وأخدانك ولو تصرف أموالك عليهما وتنفقها في مرضاتهم. فى ن ص (ولاتعقن) وع 181. (¬3) احذر الوقوع في الذي يغضب الله جل وعلا، واجتنب الفواحش، ولا تفعل ما يجلب لك ذنبا. (¬4) في نسخة: د يحل ص 125. أي بالمعاصى ينزل غضبه جل وعلا، ويحيق بالمذنب انتقامه. (¬5) اجتنب الهروب من الزود عن الوطن والدفاع عنه، إن اتفق المسلمون على الغزو لا تفر منهم ولا تجبن ولا تخف وكن في وسط المعمعة وفي أول الصفوف. (¬6) من فضل الله عليك وما أعطاك من نعم وخير. (¬7) أدها: أي لا تستعمل معهم الضرب بالعصى والسوط دائما قاسيا بل عاملهم بالسياسة والكياسة واجتنب الأذى وأدبهم بالكتاب والسنة. وإقناع الحجة وطيب القول ولا تظلم ولا تجر ولا تستعمل القسوة والفظاظة وخشونة المعاملة إذاتأدبوا: تنال باللين والرفق ... مالا تنال بالعنف (¬8) في نسخة ع وط وخفهم. أي اجعل عقابك دائما لله، وفهمهم الشرع وعلمهم السنة حتى تقشعر جلودهم من خشية الله فيمتنعون عن المعاصى، ويتجنبوا الخطايا حباً في ثواب الله ورضاه، وقديما قالوا: الوازع الدينى أقوى من الوازع السياسي، ورأس الحكمة مخافة الله، وخفهم، أي كن حكيما تنفذ أوامر الله، واقس لله وارحم لله وعاقب لله وسامح لله وارهب لله وارغب لله، لينتظم عملك ويسود نظامك وترقى رعيتك وأتباعك ويتقدم فعلك، قال الشاعر: إذا قيل حلم قل فللحلم موضع ... وحلم الفتى في غير موضعه جهل فقسا ليزدجروا ومن يك حازما ... فليقس أحيانا على من يرحم

14 - وعن بُريدة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم: بكرُوا (¬1) بالصلاة في يوم الغيمِ، فإنه من ترك الصلاة فقد كفر. رواه ابن حبان في صحيحه. 15 - وعن أُميمة رضي الله عنها مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كنت أَصُبُّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وضُوءَهُ فدخل رجلٌ، فقال أوصنى (¬2) فقال: لا تُشرك بالله شيئاً، وإن قُطعت وحُرقت بالنار، ولا تعص والديك، وإن أمرَاك أن تتخلى من أهلك ودنياك فتلخه، ولا تشربن خمراً فإنها مفتاح كل شر، ولا تتركن صلاة متعمداً، فمن فعل ذلك فقد برئت منه (¬3) ذمة الله، وذمة رسوله الحديث رواه الطبراني، وفي إسناده يزيد بن سنان الرهاوى. 16 - وعن زياد بن نُعيم الخضرمى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعٌ فرضهنَّ (¬4) الله في الإسلام، فمن أتى بثلاثٍ لم يُغنين عنه شيئا حتى يأتى بهن جميعاً: الصلاة، والزكاة وصيام رمضان، وحج البيت. رواه أحمد، وهو مرسل. ¬

(¬1) أسرعوا في يوم امتلاء السماء بالسحاب خشية أن يفوت الوقت فلا تصلون فتخرجون من الإسلام وتعصون الله وتعدون كفرة فسقة عصاة. (¬2) أنصحنى. (¬3) خرج من دين الله ورسوله. (¬4) تجد الأربعة يتصل ثوابها، فمن ترك واحدة زج في النار، وقد وصف الله المؤمنين بصفات منها (وأقاموا الصلاة) قال تعالى: (فما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون 36 والذين يجتنبوه كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون 37 والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون 38 والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون 39 وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين 40 ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل 41 إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم 42 ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) 43 من سورة الشورى. الصلاة إحدى الأربعة في قوله صلى الله عليه وسلم (أربع فرضهن الله في الإسلام) والصلاة أيضا إحدىخصال المؤمنين الثمانية في الآيات: أولا: التوكل على الله لخلوص نفعه ودوامه. ثانيا: اجتناب الموبقات: وموجبات الحدود وهى كل ما ورد فيها حد أو وعيد، والقبائح. ثالثا: التجاوز والحلم عند حصول الغضب على شرط أن لايخل بالمروءة أو يترك واجباً، وعليه قول الإمام الشافعي رضي الله عنه: من استغضب ولم يغضب فهو حمار. رابعا: توحيد الله وعبادته. خامسا: إقامة الصلاة. سادساً: التشاور في الأعمال وعدم السرعة. سابعاً: الانفاق في وجوه البر وسبيل الخير. ثامناً: الانتصار لمنع التعدى ومقاومة الخضم.

17 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتنقضنَّ (¬1) عُرَى الإسلام عُروةً عُروةً، فكلما انتقضت عروة تشبث (¬2) الناس بالتى تليها، فأولهن نقضاً: الحكم (¬3) وآخرهن: الصلاة. رواه ابن حبان في صحيحه. 18 - وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ترك الصلاة مُتعمداً أحبط (¬4) الله عمله، وبرئت منه ذمة الله حتى يُراجع لله (¬5) عز وجل توبةً. رواه الأصبهاني. 19 - وعن أُم أيمن رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تترك الصلاة متعمداً، فإنه من ترك الصلاة مُتعمداً، فقد برئت منه ذمةُ الله ورسوله. رواه أحمد والبيهقى، ورجال أحمد رجال الصحيح إلا أن مكحولاً لم يسمع من أم أيمن. 20 - وعن على رضي الله عنه قال: من لم يصل فهو كافرٌ. رواه أبو بكر ابن أبى شيبة في كتاب الإيمان، والبخاري في تاريخه موقوفاً. 21 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من ترك الصلاة فقد كفر. رواه محمد بن نصر المرزوى. وابن عبد البر موقوفاً. 22 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: من ترك الصلاة فلا دين له. رواه محمد بن نصر أيضاً موقوفاً. 23 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: من لم يُصلِّ فهو كافرٌ. رواه ابن عبد البر موقوفاً. ¬

(¬1) أي لتفكن ولتزالن روابط الإسلام عروة عروة، وهذا كناية عن المخالفة والعصيان وغشيان المحارم. (¬2) قبض وعمل، والمعنى كلما نقضوا عروة من آداب الدين اتبعوا التى تعقبها، وهكذا يستمر النقض ويدوم الإنكار والعصيان حتى تنقطع أواصر العمل بأوامر المسلمين، وأول العرى: الفقه، والحكم بالعدل وآخر الهدف: الصلاة. (¬3) الإفتاء بالعدل والنطق بالحق والهداية إلى الصراط المستقيم. قال في النهاية: الخلافة في قريش، والحكم في الأنصار؛ خصهم بالحكم لأن أكثر فقهاء الصحابة فيهم: منهم معاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهم. ومنه الحديث: وبك حاكمت: أي رفعت الحكم إليك، فلا حكم إلا لك، وقيل: بك خاصمت في طلب الحكم، وإبطال من نازعنى في الدين، وهى مفاعلة من الحكم أهـ ص 247. (¬4) أبطله. (¬5) في نسخة د: يراجع الله. أي يؤنب نفسه ويندم على فعله ويقدم لله توبة وإنابة وعزيمة قوية أن لا يترك الصلاة.

لا إيمان لمن لا صلاة له 24 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له. رواه ابن عبد البر وغيره موقوفاً. وقال ابن أبى شيبة: قال النبى صلى الله عليه وسلم: من ترك الصلاة فقد كفر. وقال محمد بن نصر المروزىُّ إسحق يقول: صح عن النبى صلى الله عليه وسلم: أن تارك الصلاة كافرٌ، وكذلك كان رأى أهل العلم من لدن النبى صلى الله عليه وسلم: أن تارك الصلاة عمداً من غير عُذرٍ حتى يذهب وقتها كافرٌ. 25 - وروى عن حماد بن زيدٍ عن أيوب رضي الله عنه قال: ترك الصلاة كفر لا يُختلف فيه. 26 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: من حافظ عليها كانت له نوراً (¬1)، وبرهاناً (¬2)، ونجاةً (¬3) يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورٌ، ولا برهان، ولا نجاةٌ، وكان يوم القيامة مع قارون (¬4) وفرعون (¬5) وهامان (¬6) وأُبى بن خلفٍ (¬7). رواه أحمد بإسناد جيد، والطبراني في الكبير والأوسط، وابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) تضئ له عند الشدة، وتنور له قبره. (¬2) حجة قوية على استقامته، ودليلا على حسن إسلامه، ومدافعا عن كمال إيمانه. (¬3) تبعد العذاب وتمنع العقاب وترعى أذى الأهوال عن صاحبها يوم الحساب. (¬4) قال البيضاوى: كان ابن عمه يصهر بن قاهث بن لاوى، وكان ممن آمن به؛ فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره، أو تكبر عليهم أو ظلمهم. قيل: وذلك حين ملكه فرعون على بنى إسرائيل أو حسدهم أهـ. قال الله تعالى عنه: (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) 81 من سورة القصص. (¬5) ملك جبار ظالم. (¬6) وزير من جنود فرعون وأعوانه، وقد حكى الله عنهما: (وقال فرعون ياأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فأوقدلى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذبين 38 واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون 39 فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) 40 من سورة القصص. (¬7) تاجر وعدو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كافر، والمعنى أنه في جهنم مع هؤلاء الكفرة أعداء الإسلام، فالغنى يحشر مع قارون، وصاحب النقود مع هامان، وسحب الملك مع فرعون، والتاجر مع أبى. ن ع 183.

الترهيب من ترك الصلاة عمدا وتأخيرها عن وقتها 27 - وعن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه قال: سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها. رواه البزار من رواية عكرمة بن إبراهيم، وقال: رواه الحافظ موقوفاً، ولم يرفعه غيره. (قال الحافظ) رضي الله عنه: وعكرمة هذا هو الأزدى مجمع على ضعفه، والصواب وقفه. 28 - وعن مُصعب بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قلت لأبى: يا أبتاهُ أرأيت قوله تبارك وتعالى: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) (¬1). أَيُّنا لا يسهو، أَيُّنا لا يُحدثُ نفسه؟ قال: ليس ذاك، إنما هو إضاعة الوقت يلهو حتى يُضيع الوقت. رواه أبو يعلى بإسناد حسن. 29 - وعن نوفل بن معاوية رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من فاتته صلاةٌ فكأنما وُتِرَ (¬2) أهله وماله. رواه ابن حبان في صحيحه. 30 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جمع بين صلاتين (¬3) من غير عُذرٍ فقد أتى باباً من أبواب الكبائر. رواه الحاكم وقال: حنش هو ابن قيس: ثقة. (قال الحافظ): بل واهٍ بمرة، لا نعلم أحداً وثقه غير حُصين بن نُمير. 31 - وعن سُمرة بن جُندبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليهوسلم مما يُكثرُ أن يقول لأصحابه: هل رأى أحدٌ منكم رُؤيا فَيقَصُّ عليه ما شاء الله أن يقصَّ، وإنه قال لنا ذات غداةٍ (¬4): إنه أَتانى الليلة آتيان وإنهما ابتعثانى (¬5)، وإنهما قالا لى انطلق (¬6)، وإنى انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجلٍ مُضطجعٍ (¬7)، وإذ آخر قائم عليه بصخرةٍ، وإذا هو يهوى (¬8) بالصخرة لرأسه ¬

(¬1) يصلون قضاء، وإن الله أوعدهم بالويل والثبور (فويل للمصلين)، والويل: واد في جهنم يستعر ويصطلى ويتقد بتاركى الصلاة. (¬2) نقص أهله وعدمهم، وضاع ماله، وذهب خيره. ع 184. (¬3) أي صلى فرضين: واحد قضاء مع آخر، فقد ارتكب كبيرة ترميه في جهنم والعياذ بالله، وفيه الترهيب من تأخير الصلاة عن وقتها، نسأل الله العافية والعفو. (¬4) أي أول النهار. ن ط اثنان. (¬5) مشيا معى. في نى ط استتبعانى. (¬6) اذهب معنا. (¬7) متكئ. (¬8) يرمى.

فيثلغ (¬1) رأسه فيتدهده (¬2) الحجر فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان. ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى. قال قلت لهما: سبحان الله (¬3) ما هذا؟ قالا لى: انطلق انطلق، فأتينا على رجلٍ مستلقٍ (¬4) على قفاه، وإذا آخرُ قائمٌ عليه بكَلُّوبٍ من حديدٍ، وإذا هو يأتى أحد شقى وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه. قال: وربما قال أبو رجاءٍ فيشقَّ. قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول. قال: فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى. قال قلت: سبحان الله، ما هذا؟ قالا لى: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور قال: فأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ. قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ (¬5) وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال قلت: ما هؤلاء؟ قالا لى: انطلق انطلق. قالا: فانطلقنا فأتينا على نهرٍ حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجلٌ سابحٌ يسبح، وإذا على شطِّ النهر رجلٌ عنده قد جمع حجارةً كثيرةً، وإذا ذلك السابح يسبح ما سبح ثم يأتى ذلك الذى قد جمع عنده الحجارة، فيفغر (¬6) فاه فيلقمه حجراً فينطلق فيسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغرفاه فألقمه حجراً (¬7)، قلت: لهما ما هذان قال لى: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجلٍ كريه المرآة كأكره ما أنت رَاءٍ رُجلاً مرآة، وإذا عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها. قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال لى: انطلق انطلق. فانطلقنا فأتينا على روضةٍ مُعتمةٍ فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهرى الروضة رجلٌ طويلٌ لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدانٍ رأيتهم. قال قلت: ما هذا، ما هؤلاء؟ قال لى انطلق انطلق: فانطلقنا فأتينا على ¬

(¬1) يكسر ويشدخ. يقال: شدخ رأسه: كسره، وكل عظم أجوف إذا كسرته فقد شدخته. (¬2) فتدحرج. (¬3) تنزيها لله سبحانه وتعالى، وتقال عند التعجب. فى ن ط يسبح ما يسبح. (¬4) مستقبل لعل الوعاظ ينتفعون بعلمهم. (¬5) ولعل الزناة يخافون العذاب. (¬6) يفتح. (¬7) لعل آكلى الربا يتوبون.

دوحةٍ عظيمةٍ لم أر دوحةً قطُّ أعظم، ولا أحسن منها. قال قالا لى: ارق فيها فارتقينا فيها إلى مدينةٍ مبنيةٍ بلبن ذهبٍ ولبن فضةٍ. فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلنا، فتلقانا رجال شَطْرٌ من خَلْقِهِمْ كأحسن ما أنت رَاءٍ، وشطرٌ منهم كأقبحِ ما أنت راءٍ. قال قالا لهم: اذهبوا فقعُوا في ذلك النهر. قال: وإذا نهر مُعْتَرِضٌ يجرى كأن ماءهُ المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوءُ عنهم فصاروا في أحسن صورةٍ. قال قالا لى: هذه جنةُ عدنٍ، وهذا منزلك. قال فسما بصرى صُعُداً، فإذا قصرٌ مثلُ الربابة (¬1) البيضاء. قال قالا لى: هذا منزلك. قلت لهما: بارك الله فيكما فذرانى فأدخله؟ قالا: أما الآن فلا وأنت داخله. قال قلت لهما: فإنى رأيت منذ الليلة عجباً فما هذا الذى رأيت؟ قال قالا لى: إنا سنخبرك: أما الرجل الأول الذى أتيت عليه يُثلغُ رأسه بالحجر: فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه (¬2) وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذى أتيت عليه يُشرشرُ شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه: فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجل والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور: فإنهم الزناة والزوانى، وأما الرجل الذى أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة الذى عند النار يحُشَّها ويسعى حولها: فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذى في الروضة: فإنه إبراهيم، أما الولدان الذين حوله: فكل مولودٍ مات على الفطرة. قال فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطرٌ منهم حسنٌ، وشطرٌ منهم قبيحٌ: فإنهم قومٌ خلطوا عملاً صالحاً، وآخر سيئاً تجاوز الله عنهم. رواه البخاري، وذكرته بتمامه لأحيل عليه فيما يأتى إن شاء الله تعالى: 32 - وقد روى البزار من حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية أو غيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ثم أتى، يعنى النبى صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) السحابة. (¬2) بتركه ..

الترهيب من التثاقل عن الصلاة وتركها على قومٍ تُرضخ (¬1) رُءوسُهم بالصخرة كلما رُضخت عادت كما كانت، ولا يُفترُ عنهم من ذلك شئ. قال يا جبريل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تثاقلت رءُوسهم عن الصلاة المكتوبة، فذكر الحديث في قصة الإسراء وفرض الصلاة. (قوله): يثلغ رأسه: أي يشدخ. (قوله): فيتدهده. أي فيتدحرج. ¬

(¬1) تقتل وترمى، ومنه حديث العقبة قال لهم: كيف تقاتلون؟ قالوا: إذا دنا القوم كانت المراضخة هى المراماة بالسهام، الشدخ، والرضخ أيضاً: الدق والكسر، ومنه حديث الجارية: فرضخ رأس اليهودى: أي قاتلها بين حجرين أهـ نهاية. فقه الباب يبين صلى الله عليه وسلم: أن الصلاة ميزان الإيمان، وسبرغور الإسلام، وأنها الحد الفاصل بين الإسلام والكفر، والفيصل بين الشرك والإسلام، وهى عقد الاتفاق بين المسلمين، والمعاهدة بين المؤمنين والشرط المتفق عليه بين أهل الدين، وهى إحدى الوصايا النافذة (أوصانى خليلى) بها خشية المروق من الإسلام، والخروج من زمرة الموحدين. وأجمع جمهور المسلمين: أن الصلاة هى الفذة الوحيدة (تركها كفر عند أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم) وأن تاركها محروم من الخير مذموم لا يقام لعمله وزن ولا لوجوده اعتبار ولا لنفسه قيمة (لاسهم له) ونفى عنه صلى الله عليه وسلم الدين، وأنه خارج عن ذمة الأبرار المتقين. وإن لنا في ابن عباس قدوة حسنة فترمد عيناه فيشير عليه طبيبه بعدم وضع الماء عليهما، ولا يصلى فيخالف رأيه وينقض استشارته ويحافظ على الصلاة خوفاً من غضب الحكيم الجبار خالق العيون وباعث الأبصار؛ وبارئ الأنظار. هذا إلى أن تارك الصلاة يباح قتله وترد شهادته، وتنزع البركة من أولاده وأمواله (لا يقبل منه صرف ولا عدل) ثم أمر صلى الله عليه وسلم: بالسرعة في أداء الفرض (بكروا بالصلاة في يوم الغيم) خشية ضياع الوقت والإهمال والركون إلى أن الوقت باق فتضيع فرصة الأداء، ويحصل غش وخديعة. وأفاد صلى الله عليه وسلم: أن الصائم المزكى الحاج ناقص الإسلام إذا لم يصل (أربع فرضهن الله). وقد صدقت فراسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبوته في المسلمين الآن. ترى جوراً وظلماً واستبدادا وطائفة جمة من المهذبين في نظرهم تاركى الصلاة (لتنقضن عرى الإسلام) وتارك الصلاة صدقته مردودة، وأعماله سيئة مهما حسنت (من ترك الصلاة متعمدا أحبط الله عمله) وأن الصلاة نور وضياء وبهاء وأنيس في قبره ومصباح وهاج في ظلمته، وسبب النعيم وموصله إلى جنة الله؛ وتاركها إن كان مع الملوك والأمراء فرفيق فرعون أو كان من الحكام والوزراء فمع هامان، وإن كان من الأثرياء الأغنياء أصحاب الأموال الجمة فزميل قارون، وإن كان من التجار والصناع والزراع فزميل: أُبى بن خلف الكافر العاصى المعاند المائل عن الحق، وكل أولئك في جهنم. وقد أجاب صلى الله عليه وسلم أن أصحاب الوادى في جهنم الساهون (الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها) وتارك الصلاة كأنه فقد أهله، وأذهب ماله سدى وأن عقابه يضرب رأسه بحجر لأنه ينام عن المكتوبة) وأدلة ذلك من الكتاب العزيز قال تعالى: 1 - (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، إلا من تاب). =

(والكلوب): بفتح الكاف وضمها، وتشديد اللام: هو حديدة معوجة الرأس. (وقوله) يشرشر شدقه: هو بشينين معجمتين، الأولى منهما مفتوحة، والثانية مكسورة، وراءين الأولى منهما ساكنة، ومعناه: يقطعه ويشقه، واللفظ محرّكاً: هو الصخب والجلبة والصياح. (وقوله) ضوضوا: بفتح الضاضين المعجمتين وسكون الواوين وهو الصياح مع الانضمام والفزع. (وقوله) فغرفاه: بفتح الفاء والغين المعجمة معا بعدهما راء: أي فتحه. ¬

_ = قال بن مسعود: ليس معنى أضاعوها: تركوها بالكلية ولكن أخروها عن أوقاتها، وقال ابن سعيد ابن المسيب: إمام التابعين: هو أن لا يصلى الظهر حتى تأتى العصر، ولا يصلى العصر إلى المغرب، ولا يصلى المغرب إلى العشاء، ولا يصلى العشاء إلى الفجر، ولا يصلى الفجر إلى طلوع الشمس، فمن مات وهو مصر على هذه الحالة ولم يتب أوعده الله بغى، وهو: واد في جهنم بعيد قعره شديد عقابه. 2 - (ياأيها الذين آمنوا لا تهلكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون) قال جماعة من المفسرين: المراد بذكر الله هنا الصلوات الخمس، فمن اشتغل عن الصلاة في وقتها بماله كبيعه أو صنعته أو ولده كان من الخاسرين، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة عن عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن نقصت فقد خاب وخسر. 3 - (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون). 4 - (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) 142 من سورة النساء. 5 - (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) 6 من سورة التوبة. أي إن تاب المشركون عن الشرك بالإيمان وصلوا وزكوا تصديقا لتوبتهم وإيمانهم فدعوهم ولا تتعرضوا لهم بالأسر والحبس والمنع من دخول المسجد الحرام. وفيه دليل على أن تارك الصلاة ومانع الزكاة لا يخلى سبيله فاحذر أخى أن تترك الصلاة فهى رخصة القبول، وجائزة الغفران، وقد علم الله الصحابة إن ناجوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتصدقوا، وبدلها بالصلاة والزكاة. 6 - (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم 12 أأشفقتم أن تقدموا بين يدى نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون) 13 من سورة المجادلة. أيها المؤمنون تصدقوا قدام مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم رخص جل جلاله في المناجاة بلا تصدق (أأشفقتم) أي أخفتم الفقر من تقديم الصدقة، وإشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه. وأمر بالصلاة والزكاة: أي فلا تفرطوا في أدائهما بجبران التفريط مع إطاعة الله ورسوله. وفي كتاب الزواجر لابن حجر: أن عمر رضي الله عنه لما طعن قيل له: الصلاة ياأمير المؤمنين قال نعمة، أما إنه لاحظ لأحد في الإسلام أضاع الصلاة، وصلى رضي الله عنه وجرحه يجرى دمه. وروى الذهبى: أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى العبد الصلاة في أول الوقت صعدت إلى السماء ولها نور حتى ينتهى إلى العرش فتستغفر لصاحبها إلى يوم القيامة وتقول له حفظك الله كما حفظتنى، وإذا صلى العبد =

(وقوله) يحشها: هو بالحاء المهملة المضمومة والشين المعجمة: أي يوقدها. (وقوله) معتمة: أي طويلة النبات. يقال أعتم النبت: إذا طال. (والنَّور): بفتح النون: هو الزهر. (والمحض): بفتح الميم وسكون الحاء المهملة: هو الخالص من كل شئ. (وقوله) فسما بصرى صعدا: بضم الصاد والعين المهملتين: أي ارتفع بصرى إلى فوق. ¬

_ = الصلاة في غير وقتها صعدت إلى السماء وعليها ظلمة. فإذا انتهت إلى السماء تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها. وأخرج أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث لا يقبل الله منهم صلاتهم) وذكر منهم: من أتى الصلاة دبارا - أي بعد أن تفوته. قال بعضهم: وورد في الحديث أن من حافظ على الصلاة أكرمه الله بخمس خصال: يرفع عنه ضيق العيش، وعذاب القبر، ويعطيه الله كتابه بيمينه، ويمر على الصراط كالبرق، ويدخل الجنة بغير حساب. ومن تهاون عن الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة: خمس في الدنيا، وثلاث عند الموت وثلاث في قبره، وثلاث عند خروجه من القبر، فأما اللواتى في الدنيا. فالأولى: تنزع البركة من عمره. والثانية: تمحى سيما الصالحين من وجهه، والثالثة: كل عمل يعمله لا يأجره الله عليه، والرابعة: لا يرفع له دعاء إلى السماء والخامسة: ليس له حظ في دعاء الصالحين. وأما التى تصيبه عند الموت: فالأولى أنه يموت ذليلا والثانية: يموت جائعا، والثالثة: يموت عطشاناً، ولو سقى بحار الدنيا ما روى من عطشه. وأما التى تصيبه في قبره، فالأولى: يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، والثانية: يوقد عليه القبر نارا فيتقلب على الجمر ليلا ونهاراً، والثالثة: يسلط عليه في قبره ثعبان اسمه الشجاع الأقرع، عيناه من نار، وأظفاره من حديد طول كل ظفره مسيرة يوم يكلم الميت فيقول: أنا الشجاع الأقرع، وصوته مثل الرعد القاصف. يقول أمرنى ربى أن أضربك على تضييع صلاة الصبح إلى بعد طلوع الشمس، وأضربك على تضييع صلاة الظهر إلى العصر، وأضربك على تضييع صلاة العصر إلى المغرب، وأضربك على تضييع صلاة المغرب إلى العشاء، وأضربك على صلاة العشاء إلى الفجر ضربة ضربة يغوص في الأرض سبعين ذراعاً فلا يزال في القبر معذباً إلى يوم القيامة. وأما التى تصيبه عند خروجه من القبر في موقف القيامة فشدة الحساب، وسخط الرب، ودخول النار، وفى رواية: فإنه يأتى يوم القيامة وعلى وجهه ثلاثة أسطر مكتوبات. السطر الأول: يامضيع حق الله. السطر الثانى: يا مخصوصا بغضب الله. الثالث: كما ضيعت في الدنيا حق الله فآيس اليوم أنت من رحمة الله. وما ذكر في الحديث من تفصيل العدد لا يطابق جملة الخمس عشرة، لأن المفصل أربعة عشر فقط فلعل الراوى نسى الخامس عشر. وعن ابن عبار ضي الله عنهما قال: إذا كان يوم القيامة يؤتى برجل فيوقف بين يدى الله عز وجل فيأمر الله به إلى النار، فيقول يارب: بماذا؟ فيقول تعالى: بتأخير الصلاة عن أوقاتها، وحلفك بى كاذبا. قال بعضهم أيضا: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه قولوا: اللهم لا تدع فينا شقيا ولا محروما، ثم قال صلى الله عليه وسلم: أتدرون من الشقى المحروم؟ قالوا: ومن هو يا رسول الله؟ قال: تارك الصلاة. قال أيضا: ويروى أنه أول ما يسود يوم القيامة وجوه تاركى الصلاة وأن في جهنم واديا يقال له لملم فيه حيات كل حية يخثن رقبة البعير طولها مسيرة شهر تلسع تارك الصلاة فيغلى سمها في جسمه سبعين سنة، ثم يتهرى لحمه. =

(والربابة) هنا: هى السحابة البيضاء. قال أبو محمد بن حزم: وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبى هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم: أن من ترك صلاة فرضٍ واحدةً متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتدٌ، ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفاً. ¬

_ = قال وروى أيضا أن امرأة من بنى إسرائيل جاءت إلى موسى صلى الله عليه وسلم على نبينا وعليه وعلى سائر النبيين فقال: يانبى الله: أذنبت ذنباً عظيما وقد تبت إلى الله تعالى فادع الله أن يغفر لى ذنبى ويتوب على، فقال لها موسى: وما ذنبك؟ قالت: يانبى الله زنيت وولدت ولدا وقتلته، فقال لها موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: اخرجى يافاجرة لا تنزل نار من السماء فتحرقنا بشؤمك، فخرجت من عنده منكسرة القلب فنزل جبريل عليه السلام وقال: ياموسى، الرب تعالى يقول لك: لم رددت التائبة، ياموسى أما وجدت شراً منها؟ قال موسى: ياجبريل ومن شر منها؟ قال من ترك الصلاة عامداً متعمداً، وقال أيضاً: روى عن بعض السلف أنه دفن أختاً له ماتت، فسقط منه كيس فيه مال في قبرها ولم يشعر به حتى انصرف عن قبرها ثم تذكره فرجع إلى قبرها فنبشه بعد ما انصرف الناس، فوجد القبر يشتغل عليها ناراً، فرد التراب عليها ورجع إلى أمه باكياً حزيناً، فقال: ياأماه أخبرينى عن أختى وما كانت تعمل؟ قالت وما سؤالك عنها؟ قال ياأماه رأيت قبرها يشتعل عليها ناراً. قال فبكت وقالت يا ولدى كانت اختك تتهاون بالصلاة وتؤخرها عن وقتها، فهذا حال من يؤخر الصلاة عن وقتها، فكيف حال من لا يصلى؟. فنسأل الله تعالى أن يعيننا على المحافظة عليها بكمالاتها في أوقاتها إنه جواد كريم رءوف رحيم أهـ ص 112. وورد في الحديث الصحيح (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع: أي إن ميزوا، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) قال الخطابي: هذا الحديث يدل على إغلاظ العقوبة لتاركى الصلاة إذا بلغ تاركا لها، وكان بعض أصحاب الشافعي يحتج به في وجوب قتله ويقول: إذا استحق الضرب وهو غير بالغ فيدل على أنه بعد البلوغ يستحق من العقوبة ما هو أبلغ من الضرب، وليس بعد الضرب شئ أشد من القتل أهـ وفيه مافيه. ومما وجه به قتله أن تاركها جنى على جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين لأنه يجب عليه في التشهد أن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. قال صلى الله عليه وسلم: إذا قالها بلغت كل عبد صالح في السماء والأرض، وهذه الجناية العامة لا يليق بها إلا القتل. والأولى أن يستدل لقتله بالأحاديث الصحيحة السابقة أن تاركها تبرأ منه ذمة الله وذمة رسوله، وأنه لا عهد له، لأن ذلك ظاهر أو صريح في إهدار دمه، ومن لازم إهداره وجوب قتله، وإنما لم يقتل بترك الزكاة لأنه يمكن أخذها منه بالمقاتلة ولا بترك الصوم لأنه يمكن إلجاؤه إليه بالحبس، ومنع المفطر كالطعام والشراب، فإنه إذا علم أنه لا مخلص له إلى تناول مفطر نهاراً نوى ليلا وصام ولا يترك الحج لأنه على التراخى ويمكن قضاؤه من تركته، والصلاة ليست كذلك في الكل، فلم يناسب عقوبة تركها إلا القتل، وإذا جازت المقاتلة لتخليص الزكاة فلأن يجوز القتل بحمل الناس بالخوف منه على فعل الصلاة من باب أولى أهـ ص 113 جـ 1. فاعلم أخى، أنه لا عذر لتارك الصلاة، وقد أخذ الشافعي رضي الله عنه من قوله تعالى: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب 191 الذين يذكرون الله قياماً وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) 192 من سورة آل عمران. =

(قال الحافظ عبد العظيم): قد ذهب جماعة من الصحابة، ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمداً لتركها حتى يخرج جميع وقتها: منهم عمر بن الخطاب، عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم، ومن غير الصحابة: أحمد بن حنبل، وإسحق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعى، ¬

_ = أن المريض يصلى مضطجعاً على جنبه الأيمن مستقبلا بدنه، لقوله عليه الصلاة والسلام لعمران ابن حصين: (صل قائما، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب تومئ إيماء) أي يذكرون الله جل جلاله على الحالات كلها قائمين وقاعدين ومضطجعين، وفيه: التفكر أفضل عبادة، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن رجل مستلق على فراشه، ونظر إلى السماء والنجوم، فقال أشهد أن لك ربا وخالقاً، اللهم اغفر لى، فنظر الله له فغفر له - اللهم اغفر لنا. فعليك أخى بالصلاة عسى أن يقبل عملك، وبعد أن يقبل عملك فقد عرفت أنك تكون من الصالحين أ - (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وعد الله حقاً ومن أصدق من الله قيلا؟) 122 من سورة النساء، فقد عرفت أن تارك الصلاة قائده الشيطان، والله تعال يقول: (ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً 119 يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً 120 أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصاً) 121. من سورة النساء. ب - (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا) 57 من سورة النساء. جـ - (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون) أي في أرض ذات أزهار وأنهار يسرون سروراً تهللت له وجوههم، لماذا؟ لأنهم كانوا يصلون في الدنيا، فغرست في قلوبهم حب الله ورضاه والعمل بكتابه، وسنة حبيبه ففازوا باثنين. أ - الإيمان. ب - العمل الصالح لقوله تعالى: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون). قال البيضاوى: إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه في هذه الأوقات التى تظهر فيها قدرته وتتجدد فيها نعمته، أو دلالة على أنما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزيهه واستحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهل السموات والأرض، وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح، لأن آثار القدرة والعظمة فيها أظهر وتخصص الحمد بالعشى الذى هو آخر النهار، من عشى العين إذا نقص نورها، والظهيرة التى هى وسطه لأن تجدد النعم فيهما أكثر. وعن ابن عباس: أن الآية جامعة للصلوات الخمس: تمسون صلاة المغرب والعشاء وتصبحون صلاة الفجر وعشيا صلاة العصر، وتظهرون صلاة الظهر. وعنه عليه الصلاة والسلام: (من قال حين يصبح: فسبحان الله حين تمسون إلى قوله: وكذلك تخرجون، أدرك ما فاته في ليلته، ومن قال: حين يمسى أدرك مافاته في يومه) أهـ ص 565. يا أخى: حافظ على الصلاة فهى تسبيح الله وتحميده تكبيره وكثيراً ما حث عليها في آياته عسى أن تنجو من أهوال يوم القيامة، وقد أخبر الله عنه في قوله تعالى: (الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون 11 =

والحكم بن عتيبة، وأيوب السختيانى، وأبو داود الطيالسى، وأبو بكر بن أبى شيبة، وزهير بن حرب وغيرهم، رحمهم الله تعالى. ¬

_ = ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون 12 ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين 13 ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) 14 من سورة الروم: أي يسكتون متحيرين آيسين. يقال: ناظرته فأبلس إذا سكت، وأيس من أن يحتج، ومنه الناقة المبلاس التى لا ترغو (يتفرقون) يذهب المؤمنون إلى نعيم الجنة. والكافرون والعصاة إلى جهنم ولذا قال تعالى: أ - (وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون) 16 من سورة الروم صنفان من الناس: طائفة تطيع الله ورسوله فوعدها بالنعيم والسعادة، وأخرى كافرة أو عاصية فأوعدها بالجحيم. وهذا نظام الله في خلقه: أ - (إن المتقين في ظلال وعيون. وفواكه مما يشتهون، كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. إنا كذلك نجزى المحسنين) قال البياضوى: يمحض لهم العذاب المخلد، ولخصومهم الثواب المؤبد. ثم خاطب الكفار والفسقة والعصاة: ب - (كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون. ويل يومئذ للمكذبين. وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون. ويل يومئذ للمكذبين) 49 من سورة المرسلات. إن شاهدنا (اركعوا لا يركعون) يخالفون أمر الله. صلوا فلا يصلون، أو أطيعوا واخضعوا، أو اركعوا في الصلاة. روى أنه نزل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيفاً بالصلاة، فقالوا: لا نحنى أي لا نركع فإنها مسبة، وقيل هو يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون أهـ بيضاوى. لعلك فقهت الصلاة تحشرك مع المتقين إن عملت بمعناها، وتغذيت بمرماها، ومشيت في أضوائها وسرى نور الإيمان في قلبك من شمسها، وذقت حلاوة ثمرتها،، وشممت شذاها، واستنشقت عرفها، وبذا تحشر آمناً مطمئناً منعما، وتسخر من تارك الصلاة حين ما يعذبه مولاه ويفضحه على ملأ ويلزمه بأدائها على النار الموقدة المؤصدة ويوبخه على غفلته في حياته وإجرامه في ترك الصلاة، ومصداق ذلك قوله تعالى (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون 42 خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) 43 من سورة القلم. قال البيضاوى: أي يوم يشتد الأمر، ويصعب الخطب، وكشف الساق مثل في ذلك، وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الحرب. قال حاتم: أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ... وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا (ويدعون إلى السجود) توبيخاً لهم على تركهم السجود إن كان اليوم يوم القيامة أو يدعون إلى الصلوات لأوقاتها إن كان وقت النزع فلا يقدرون لذهاب وقته أو زوال القدرة عليه، وقد تلحقهم ذلة (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) في الدنيا أو زمان الصحة وهم متمكنون منه فراحوا لعلل فيه أهـ (فذرنى ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون 44 وأملى لهم إن كيدى متين) 45 من سورة القلم: اتركنى فإنى أكفيكه سندنيهم من العذاب درجة درجة بالإمهال، وإدامة الصحة، وإزدياد النعمة. فاستيقظ يا تارك الصلاة، ولا يغرنك حلم الله وفضله.

كتاب النوافل

كتاب النوافل الترغيب في المحافظة على ثنتى عشرة ركعة من السنة في اليوم والليلة 1 - عن أُم حبيبة رملة بنت أبى سفيان رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مامن عبدٍ مسلمٍ يصلى لله تعالى في كل يومٍ ثنتى عشرة ركعة تطوعاً غير فريضةٍ (¬1) إلا بنى الله تعالى له بيتاً في الجنة، أو إلا بُنى له بيتٌ في الجنة. رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي، وداود: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الغداة (¬2). ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم إلا أنهم زادوا: وركعتين قبل العصر ولم يذكروا ركعتين بعد العشاء، وهو كذلك عند النسائي في رواية، ورواه ابن ماجه فقال: وركعتين قبل الظهر، وركعتين أظنه قبل العصر. ووافق الترمذي على الباقى. 2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ثابر على ثنتى عشرة ركعة في اليوم والليلة دخل الجنة: أربعا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر (¬3). رواه النسائي، وهذا لفظه، والترمذي وابن ماجه. كلهم من رواية المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة ¬

(¬1) قال النووي: هو باب التوكيد ورفع احتمال إرادة الاستعاذة، ففيه استحباب التويكد إذا احتيج إليه أهـ ص 9 جـ 6. (¬2) الفجر. (¬3) يحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحافظة على أداء السنن كما بينها. قال النووي قال العلماء: والحكمة في شرعية النوافل تكميل الفرائض بها إن عرض فيها نقص كما ثبت في الحديث في سنن أبى داود وغيره ولترتاض نفسه بتقديم النافلة، وبتنشط بها ويتفرغ قلبه أكمل فراغ للفريضة، ولهذا يستحب أن يفتتح صلاة الليل. بركعتين خفيفتين أهـ ص 10 جـ 9.

الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح

وقال النسائي: هذا خطأ، ولعله أراد عنبسة بن أبى سفيان فصحف، ثم رواه النسائي عن ابن جريج عن عطاء عن عنبسة بن أبى سفيان عن أم حبيبة، وقال: عطاء بن أبى رباح لم يسمعه من عنبسة، انتهى. (ثابر): بالثاء المثلثة وبعد الألف باء موحدة ثم راء: أي لازم وواظب. الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح 1 - وعن عائشة رضي الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا (¬1) وما فيها. رواه مسلم والترمذي. وفي روايةلُمسلمٍ: لهما أحبُّ إلىَّ من الدنيا جميعاً (¬2). 2 - وعنها رضي الله عنها قالت: لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم على شئ من النوافل أشدّ تعاهدًا (¬3) منه على ركعتى الفجر. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه. وفي رواية لابن خزيمة قالت: مارأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شئ من الخير أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر، ولا إلى غنيمة. 3 - وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رجلٌ: يا رسول الله: دُلنى على عملٍ ينفعنى الله به؟ قال: عليك بركعتى الفجر فإن فيها فضيلة (¬4). رواه الطبراني في الكبير. ¬

(¬1) من متاعها وزهرتها لأن ثوابها باق، والاضطجاع سنة بعد الفجر، لقوله صلى الله عله وسلم: (إذا صلى أحدكم ركعتى الفجر فليضطجع على يمينه). (¬2) عن ابن عمر عن حفصة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلى إلا ركعتين خفيفتين. قال النووي في شرح مسلم: فيه أنه يسن تخفيف الصبح وأنهما ركعتان، وفيه الرأى الصحيح: لا تدخل الكراهة حتى يصلى فريضة الصبح، وأن سنة الصبح لا يدخل وقتها إلا بطلوع الفجر، واستحباب تقديمها في أول طلوع الفجر. (¬3) قال النووي: فيه دليل على عظم فضلهما وأنهما سنة ليستا واجبتين أهـ: أي أنه صلى الله عليه وسلم يحافظ على أدائها، ويحرص على إتمامها، ويحث المسلمين على فعلهما في أول الوقت. (¬4) ثواباً جليلا وتشهدهما ملائكة الرحمة، وفيهما تجلى الله ورضوانه، وإدرار رزقه، وتفتح أبواب القبول، وإجابة الدعوات.

وفي روايةٍ له أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تدعوا الركعتين قبل صلاة الفجر، فإن فيهما الرغائب (¬1). وروى أحمد منه: وركعتى الفجر حافظوا عليهما، فإن فيهما الرغائب. 4 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ: بصوم ثلاثة أيامٍ كل شهرٍ (¬2)، والوتر قبل النوم، وركعتى الفجر. رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد، وهو عند أبى داود وغيره خلا قوله: وركعتى الفجر، وذكر مكانهما: ركعتى الضحى، ويأتى إن شاء الله تعالى. 5 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحدٌ: تعدل (¬3) ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون: تعدل ربع القرآن، وكان يقرؤهما في ركعتى الفجر، وقال: هاتان الركعتان فيهما رُغَبُ الدُّرِّ (¬4). رواه أبو يعلى بإسناد حسن والطبراني في الكبير، واللفظ له. ¬

(¬1) أي ما يرغب فيه من الثوب العظيم، وبه سميت صلاة الرغائب، واحدتها رغيبة أهـ نهاية. (¬2) يصوم تطوعا، ويصلى الوتر قبل نومه خشية أن ينام فلا يصلى والمحافظة على ركعتى الفجر. (¬3) يقرأ فيهما صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتى الفجر في الأولى منهما: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا. الآية التى في البقرة، وفي الآخرة منهما: آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون). وعنه أيضا قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتى الفجر: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا، والتى في آل عمران: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) أهـ صج 6. (¬4) رغب الدرفى النسختين المطبوعتين اللتين بأيدينا، والمعنى والله أعلم أن هاتين الركعتين يرغب الإنسان فيهما كما يرغب في جمع الدرر ويود منه شيئاً كثيراً، ويطمع في وفرته، ويميل إلى كثرته، وإن ركعتى الفجر أول من الحرص عليه لأن ثوابهما أبقى وأجل فائدة، فالدر فان، ومتاع الدنيا قليل ومتاع الآخر نعيم مقيم. وفي ع النسخة المخطوطة ص 188: رغب الدهر: أي إن المصلى يحرص على ركعتى الفجر حرصه على طول عمره وإجابة طلبه وسعة رزقه مدى دهره قال في النهاية: وفيه الرغب شؤم: أي الشره والحرص على الدنيا وقيل سعة الأمل وطلب الكثير، ففهمت المعنى الأول: (رغب الدر) طالب زهرة الدنيا والدر والمال، وفهمت الثانية: (رغب الدهر) من سعة الأمل، وطلب الكثير. قال صلى الله عليه وسلم: (يشب ابن آدم ويشب معه اثنتان: حب المال، وطول العمر)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لو ان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً)، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب). فاحرص أخى على التكبير، وأداء ركعتى الفجر عسى أن تنجح.

الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها

6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا (¬1) ركعتى الفجر، ولو طردتكم الخيل. رواه أبو داود. الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها 1 - عن أُم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يحافظ على أربع ركعاتٍ قبل الظهر، وأربعٍ بعدها: حرَّمَهُ الله على النار (¬2). رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من رواية القاسم أبى عبد الرحمن صاحب أبى أمامة عن عنبسة بن أبى سفيان عن أم حبيبة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، والقاسم بن عبد الرحمن شامىّ ثقة انتهى. وفى رواية للنسائى: فتمسَّ وجهه النارُ أبداً. ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن سليمان ابن موسى عن محمد بن أبى سفيان عن أخته أم حبيبة. (قال الحافظ) رضي الله عنه: ورواه أبو داود والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه أيضا وغيرهم من رواية مكحول عن عنبسة، ومكحول لم يسمع من عنبسة. قال أبو زرعة وأبو مِسهر والنسائي وغيرهم: ورواه الترمذي أيضاً، وحسنه وابن ماجه كلاهما من رواية محمد بن عبد الله الشعيثى عن أبيه عن عنبسة، ويأتى الكلام على محمد. 2 - وروى عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم (¬3) تفتح لهن أبواب السماء (¬4). رواه أبو داود واللفظ له وابن ماجه، وفي إسنادها احتمال للتحسين، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط ولفظه قال: ¬

(¬1) لا تتركوها ولو جرى وراءكم العدو بخيله فإن الله تعالى يقيكم شره. واتفق الجمهور على أنهما ليسا بواجبين بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (هل على غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع) غيرها: أي غير الصلوات الخمس. (¬2) أبعد الله جسمه من النار، بمعنى أن المحافظة على هذه السنن تضئ القلب بالإيمان فيخلص لربه تعالى في صلاته ويطمئن ويخشع، ثم تغرس التقوى، وتحليه بالاستقامة، وتدعوه إلى الكمال فيوفقه مولاه جل وعلا إلى الأعمال الصالحة في حياته، وييسر له الكمالات، ويقيه شر العصيان، ويسعده فلا يعذب أبداً. (¬3) أي ينوى أربع ركعات: وبعد اثنتين يتشهد إلى اللهم صلى على سيدنا محمد، ويقوم ويتمم فيأتى بالركعتين الباقيتين ويسلم. (¬4) بمعنى أن الله تعالى يشمله برحمته، وتجاب دعواته، ويحيطه برضواه.

لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم علىَّ رأيته يُديمُ (¬1) أربعاً قبل الظهر وقال: إنه إذا زالت (¬2) الشمس فُتحت أبواب (¬3) السماء فلا يُغلقُ منها بابٌ حتى تُصلى الظهرُ فأنا أُحب أن يرفع لى في تلك الساعة خيرٌ. 3 - وعن قابوس رضي الله عنه عن أبيه، قال: أرسل أبى إلى عائشة رضي الله عنها: أىُّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه أن يواظب (¬4) عليها؟ قالت: كان يُصلى أربعا قبل الظهر يُطيل فيهن القيام (¬5)، ويُحسن فيهن الركوع والسجود (¬6). رواه ابن ماجه. وقابوس: وهو ابن ظبيان وُثِّق وصحح له الترمذي وابن خزيمة والحاكم وغيرهم لكن المرسل إلى عائشة مبهم، والله أعلم. 4 - وعن عبد الله بن السائب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأُحب أن يصعد (¬7) لي فيها عمل صالحٌ. رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن غريب. 5 - وروى عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستحبُّ أن يُصلى بعد نصف النهار، فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله إنى أراك تستحب (¬8) الصلاة هذه الساعة؟ قال: تُفتَحُ أبواب السماء، وينظر (¬9) الله تبارك وتعالى بالرحمة إلى خلقه، وهى صلاةٌ كان يُحافظ عليها آدم، ونوحٌ، وإبراهيم، وموسى، وعيسى (¬10) صلوات الله عليهم. رواه البزار. ¬

(¬1) يداوم على أداء أربع ركعات سنة قبل الظهر. (¬2) أي كانت الشمس في وقت الزوال، وهو أول دخول وقت الظهر بمعنى توسط الشمس في السماء. (¬3) تدرك رحمات الله وتجلياته، وفي هذا الوقت أدعى إلى القبول ورفع الدرجات، وتجلى الله وإحسانه لأنها وقت البر وساعة الرضى، ومصدر البركات. (¬4) يداوم عليها. (¬5) يتأنى في قراءة الفاتحة، ويقرأ كثيراً من القرآن. (¬6) ويطمئن كثيراً في ركوعه وسجوده ويكثر فيهما من التسبيح والتمجيد. (¬7) يسمو إلى أعلى. (¬8) تختار. (¬9) يتجلى بالرضى، وإجابة الدعاء والشمول بالقبول، وإغداق الحسنات وفيض البركات من خزائن رحمته، وكنوز فضله. (¬10) يحافظون صلى الله عليه وسلم على هذا الوقت يسبحون ويحمدون ويكبرون ويصلون بنظام مقرر في شرائعهم، وصلاتنا هذه خصوصية لنبينا وسيدنا وحبيبنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر بها سبحانه وتعالى أمة محمد عليه الصلاة والسلاك كما أمر بقراءة القرآن والعكوف =

6 - وروى عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى قبل الظهر أربع ركعاتٍ كأنما تهجد بهن (¬1) من ليلته، ومن صلاهن بعد العشاء كمثلهن (¬2) من ليلة القدر. رواه الطبراني في الأوسط. 7 - وعن بشير بن سلمان عن عمرو بن الأنصارى رضي الله عنه عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى قبل الظهر أربعاً كان كعدل (¬3) رقبة من بنى إسماعيل. رواه الطبراني في الكبير، ورواته إلى بشير ثقات. 8 - وعن عبد الرحمن بن حميدٍ رضي الله عنه عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الهجير (¬4) مثل صلاة الليل. قال الراوى فسألت عبد الرحمن بن حميدٍ عن الهجير؟ مثل صلاة الليل. قال الراوى: فسألت عبد الرحمن بن حميدٍ عن الهجير؟ فقال: إذا زالت الشمس. رواه الطبراني في الكبير، وفي سنده لين، وجد عبد الرحمن هذا: هو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. 9 - وعن الأسود ومُرة ومسروقٍ رضي الله عنهم قالوا: قال عبد الله: ليس شئٌ يعدل (¬5) صلاة الليل من صلاة النهار إلا أربعا قبل الظهر، وفضلهن على صلاة النهار كفضل صلاة الجماعة (¬6) على صلاة الوحدة. رواه الطبراني في الكبير وهو موقوف لا بأس به. 10 - وروى عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

= على فهمه: (فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجراً واستغفر الله إن الله غفور رحيم). أوامر خمسة عليها عمران القلوب بطاعة الله وإضاءتها بنور الله، وتصفية النفوس من أدران الرذائل عسى أن تتحلى بالكمالات فيصفو جوهرها. ويطيب مخبرها، ويحلوا مذاقها، ويعلو كعبها: أولا: قراءة القرآن. ثانياً: إقامة الصلاة. ثالثاً: أداء الزكاة. رابعاً: الإنفاق في جوه البر ومشروعات الخير. خامساً: الاستغفار والذكر والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬1) ينال ثواب التهجد المحافظ عليها. (¬2) في نسخة: فهى ص 130: أىمن صلى أربعا بعد العشاء نال هذا الأجر كمن صلى ليلة القدر. (¬3) كقيمة أو كقدر ثواب فك رقبة من الذل والأسر من بنى الإنسان وأطلقها حرة لله. (¬4) وقت الزوال ثوابها كالتهجد. (¬5) يساوى ويوازى. (¬6) تعدل عن الواحدة سبعا وعشرين درجة كذا ثواب أربع قبل الظهر عن باقى السنن كل ركعة 27 درجة عن غيرها، وهذا ترغيب في المحافظة عليها وحسن أدائها والعناية بها.

الترغيب في الصلاة قبل العصر

يقول: أربع قبل الظهر، وبعد الزوال تُحسب (¬1) بمثلهن في السحر، وما من شئٍ إلا وهو يسبح الله في تلك الساعة، ثم قرأَ: (يَتَفَيِّؤُا (¬2) ظلاله عن اليمين والشَّمائل سُجَّداً لله وهم داخرون). رواه الترمذي في التفسير من جامعه، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث على بن عاصم. الترغيب في الصلاة قبل العصر 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) في نخسة: يحسب، أي يعد ثوابها مثل أربعة في السحر قبيل الفجر. (¬2) يتفيأ أي يتميل، وتنتقل من جانب إلى جانب آخر، والفئ: مطلق الظل قبل الزوال أو بعده (سجدا لله) خاضعين بما يراد منهم من طول وقصر وتحول. وعن مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شئ، وهم داخرون: صاغرون (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون) 49. من سورة النحل. أي أولمينظروا إلى المخلوقات التى لها ظلالها متفيئة مائلة عن جانبى كل واحد منها مستسلمين بالطبع أو بالاختيار. يقال سجدت النخلة: إذا مالت لكثرة الحمل، وسجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب. أو سجد حال من الظلال: أىلظلال مستسلمة، وهى صاغرة ذليلة، والمعنى يرجع الظلال بارتفاع الشمس وانحدارها أو باختلاف ملصقة بها على هيئة الساجد، والأجرام في أنفسها صاغرة داخرة منقادة لأفعال الله تعالى وجمع داخرون لأن من جملتها الإنسان العاقل (ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون 49 يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) 50: أي من الطاعة والتدبير. أي يسجدون لأنهم يخافون الله جل وعلا أن يرسل عذابا من فوقهم أو يخافونه وهو فوقهم بالقهر كقوله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده) ومن خاف الله تعالى لا يستكبر عن عبادته، والملائكة الحفظة وغيرهم. قيل المراد بسجود المكلفين طاعتهم وعبادتهم، وسجود غيرهم انقيادهم لإرادة الله .. وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون على الأمر والنهى، وأنهم بين الخوف والرجاء، فالحديث: (أربع قبل الظهر وبعد الزوال تحسب بمثلن في السحر): أي المحافظة علىربع ركعات قبل الظهر وبعده تجلب ثواب من صلى أربعة تهجدا والناس نائمون وهو في صفاء ونقاء وإخلاص بينه وبين ربه في وقت السحر وقت التجلى والغفران. وفيه الحث على أدائها والمحافظة عليها رجاء كثرة الثواب وزيادة الأجر وانضباب الرحمات، ثم أخبر أن الحجر والمدر والنبات وكل شئ يسبح بحمد الله في هذا الوقت (الزوال) وقت أول الظهر وتلا هذه الآية صلى الله عليه وسلم ليرشد أمته إلى الإسراع بصلاتها وإدراك حسناتها وأخذ قسط وافر من بدائع فضل الله، قال تعالى مؤيداً هذا المعنى وأن كل ما خلق الله يتذلل له ويسبحه ويمجده رغما عن أنوف الكفرة والفسقة (سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيرا 44 تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماص غفوراً) 45. من سورة الإسراء. أي ينزهه عما هو من لوازم الإمكان، وتوابع الحدوث بلسان الحال حيث تدل بإمكانها وحدوثها على الصانع القديم الواجب لذاته، والصنعة تدل على الصانع: وكل شئ له آية ... تدل على أنه الواحد

رحم الله (¬1) امرأ صلى قبل العصر أربعاً. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما. 2 - وعن أُ حبيبة بنت أبى سفيان رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حافظ على أربع ركعاتٍ قبل العصر بنى الله له بيتاً في الجنة. رواه أبو يعلى، وفي إسناده محمد بن سعد المؤذن، لا يُدرى من هو؟ 3 - ورُوى عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى أربع ركعاتٍ (¬2) قبل العصر حرم الله بدنه على النار، الحديث. رواه الطبراني في الكبير. 4 - وروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ في أُناسٍ من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأدركت من آخر الحديث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه (¬3) النار. رواه الطبراني في الأوسط. 5 - وروى عن علي بن أبى طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله ¬

(¬1) أدركه بإحسانه ولطفه وأنعم عليه وأكرمه. (¬2) بمعنى أن المحافظ على أداء أربع ركعات قبل العصر يشرح الله صدره لتعاليم الإسلام، ويخلق فيه قدرة الطاعة (أي يوفقه) فيسعى لمرضاة الله، وينهج منهج الصالحين، ويعيش متبعاً آداب الكتاب والسنة وبذا يقيه الله شر النار فلا تصيب بدنه، قال تعالى: أ - (وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون). ب - (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير) 12 من سورة البروج. وأى فوز أعظم من كسب نعيم الله تعالى الدائم، وسبيله أداء الفرض وسننه، وتهذيب النفس بالصلاة وفقه مغزاها وبصره مرماها، إذ الدنياوما فيها تصغر دون هذا الجزاء الأوفى. جـ - (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون 14 أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون) 15 من سورة الأحقاف: أي جمعوا بين توحيد الله جل جلاله الذى هو خلاصة العلم والاستقامة في الأمور التى هى منتهى العمل وأن الجزاء لا يلحقهم فيه مكروه ولا يخافون فوات محبوب وقد جوزوا جزاء من اكتسب الفضائل العلمية والعملية ومنها أداء الصلاة وسننها. د - (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين).3 من سورة الجاثية. (¬3) لأن أداء هذه السنة مصدر رحمات الله ومغفرته، وتغرس في قلب مصليها طاعة الله وخوفه وهى نبراس الهداية، ومن تمسك بحبل الله عصم من الأخطاء فلا يعذب.

الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء

عليه وسلم: لا تزال أُمتى يُصلون هذه الأربع ركعاتٍ قبل العصر حتى تمشى على الأرض مغفوراً لها مغفرةً حقاً. رواه الطبراني في الأوسط، وهو غريب. الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى بعد المغرب ست ركعاتٍ لم يتكلم فيما بينهن بسوءٍ عُدِلْن (¬1) بعبادةٍ ثنتى عشرة سنةً. رواه ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والترمذي، كلهم من حديث عمر ابن خثعم عن يحيى بن أبى كثير عن أبي سلمة عنه، وقال الترمذي: حديث غريب. 2 - روى عن عائشة رضي الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى بعد المغرب عشرين ركعة (¬2) بنى الله له بيتاً في الجنة انتهى. وهذا الحديث الذى أشار إليه الترمذي، رواه ابن ماجه من رواية يعقوب بن الوليد المدائنى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ويعقوب كذبه أحمد وغيره. 3 - وعن محمد بن عمار بن ياسر عنه قال: رأيت عمار بن ياسر يصلى بعد المغرب ست ركعاتٍ: وقال رأيت حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بعد المغرب ست ركعاتٍ، وقال: من صلى بعد المغرب ست ركعاتٍ غُفرت له ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر (¬3). حديث غريب. رواه الطبراني في الثلاثة، وقال: تفرد به صالح بن قطن البخاري. (قال الحافظ): وصالح هذا لا يحضرنى الآن فيه جرح ولا تعديل. ¬

(¬1) ساوين ثوابها. (¬2) يتنفل لله ما بين المغرب والعشاء بنحو عشرين ركعة يتفضل الله جل وعلا فيشيد له قصرا في الجنة وقد أخبرنى أحد الصالحين أنه رأى رؤيا صادقة تدل على هذا المعنى، رأى قصراً فخما على أحسن طراز، وأبهج منظر فسأل: لمن هذا؟ قيل لمن صلى ركعتين نافلة بعد المغرب. فما بالك بمن صلى عشرين كما في الحديث. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬3) كناية عن إزالتها ولو كثرت، وورد قبل المغرب، قال في الثالثة: لمن شاء) وفي الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) أي بين الأذان والإقامة.

الترغيب في الصلاة بعد العشاء

4 - وعن الأسود بن يزيد رضي الله عنه قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: نعم ساعة الغفلة، يعنى الصلاة فيما بين المغرب والعشاء. رواه الطبراني في الكبير من رواية جابر الجعفى، ولم يرفعه. 5 - وعن مكحول رضي الله عنه يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى بعد المغرب قبل أن يتكلم ركعتين. وفي روايةٍ: أربع ركعاتٍ رفعت صلاته في عليين (¬1). ذكره رُزين، ولم أره في الأصول. 6 - وعن أنسٍ رضي الله عنه في قوله تعالى: تتجافى جنوبهم عن المضاجع نزلت في انتظار الصلاة التى تُدعى العتمة (¬2). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيحٌ غريبٌ، وأبو داود إلا أنه قال: كانوا يتنفلون مابين المغرب والعشاء يصلون، وكان الحسن يقول: قيام الليل (¬3). 7 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم: فصليت معه المغرب فصلى إلى العشاء (¬4). رواه النسائي بإسناد جيد. الترغيب في الصلاة بعد العشاء 1 - روى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربع قبل الظهر كأربع بعد العشاء، وأربع بعد العشاء كعدلهن (¬5) من ليلة القدر (¬6). رواه الطبراني في الأوسط. وتقدم حديث البراء: ¬

(¬1) تصعد لتسجل في صحائف الأبرار كماقال تعالى: (إن كتاب الأبرار لفى عليين 19 وما أدراك ما عليون 20 كتاب مرقوم يشهده المقربون) 33 من سورة المطففين. (¬2) الظلمة، وفي نسخة مكتوبة ص 132: ظلمة العشاء. (¬3) فسر سيدنا أنس الآية لمن يصلى ما بين المغرب والعشاء نافلة وينتظر صلاة العشاء، ولكن سيدنا الحسن فسرها بأن هؤلاء هم المجتهدون والذاكرون والمسبحون المستغفرون بالأسحار بعد النوم. (¬4) يرى سيدنا حذيفة أن النبى صلى الله عليه وسلم تنفل بركعات، واستمر إلى وقت العشاء، ولا تنس أيها المسلم الأناة في الصلاة والاطمئنان، وخشوع السيد المجتبى صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتمونى أصلى). (¬5) كمثل ثواب ومقدار. (¬6) يريد النبى صلىلله عليه وسلم أن يبين أن صلاة أربع ركعات وقت السحر تهجداً يساوى ثواب صلاة أربع ركعات ليلة القدر، والركعة فيها تساوى ثواب =

الترغيب في صلاة الوتر، وما جاء فيمن لم يوتر

من صلى قبل الظهر أربع ركعاتٍ كأنما تهجد بهن من ليلته، ومن صلاهن بعد العشاء كمثلهن من ليلة القدر. وفي الكبير من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى العشاء الآخرة في جماعةٍ، وصلى أربع ركعاتٍ قبل أن يخرج من المسجد كان كعدل ليلة القدر. وفي الباب أحاديثُ: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى العشاء ورجع إلى بيته صلى أربع ركعاتٍ، أضرب عن ذكرها لأنها ليست من شرط كتابنا. الترغيب في صلاة الوتر وما جاء فيمن لم يوتر 1 - عن على رضي الله عنه قال: الوتر ليس بحتمٍ (¬1) كصلاة المكتوبة، ولكن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وترٌ (¬2) يُحبُّ الوتر (¬3) فأوتروا يا أهل القرآن (¬4). رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له، والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن. 2 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله (¬5)، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر ¬

= ألف ركعة في غيرها (ليلة القدر خير من ألف شهر) أي العمل فيها يضاعف الله ثوابه ألف ضعف من ذكر وتسبيح وتحميد، وهكذا من أعمال البر يزداد أجرها، ويعظم خيرها، وتفتح لها أبواب القبول. (¬1) ليس بواجب، وبهأخذ الإمام الشافعي رضي الله عنه، بل هو سنة، والمكتوبة فرض. (¬2) واحد. (¬3) العمل الخالص. (¬4) أي صلوا الوتر يا متبعى الكتاب والسنة ياأهل الإسلام، وأقل الوتر ركعة كما أخبرت السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى بالليل إحدى عشرة ركعة، وأن الركعة الفردة صلاة صحيحة، وهو مذهبنا، ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: لايصح الإيتار بواحدة، ولا تكون الركعة الواحدة صلاة قط، والأحاديث الصحيحة ترد عليه. أهـ ص 19 جـ 6. (¬5) قال النووي: فيه دليل صريح على أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل وأن من لا يثق بذلك فالتقديم له أفضل، وهذا هو الصواب، ومنه حديث: (أوصانى خليلى أن لا أنام إلا على وتر) وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ. أهـ ص 35 جـ 6.

الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة (¬1) محضورةٌ،، وذلك أفضل. رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم. 3 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وِترٌ يحب الوتر. رواه أبو داود، ورواه ابن خزيمة في صحيحه مختصراً من حديث أبى هريرة رضي الله عنه: إن الله وتر يحب الوتر. 4 - وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى الضحى، وصام ثلاثة أيام من الشهر، ولم يترك الوتر في سفرٍ ولا حضرٍ (¬2) كُتبَ له أجر شهيدٍ. رواه الطبراني في الكبير وفيه نكارة. 5 - وعن خارجة بن حذافة رضي الله عنه قال: خرج علينا يوماً رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد أمدكم الله بصلاةٍ هى خير لكم من حُمر النعم (¬3)، وهى الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء الآخرة (¬4) إلى طلوع الفجر (¬5). رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبى حبيب انتهى وقال البخاري: لا يعرف لإسناده؛ يعنى لإسناد هذا الحديث سماع بعضهم من بعض. 6 - وعن أبي تميم الجيشانى رضي الله عنه قال: سمعت عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول: أخبرنى رجلٌ من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل زادكم صلاة فصلوها فيما بين العشاء إلى الصبح: الوتر الوتر، ألا وإنه أبو بصرة الغفارى. رواه أحمد والطبراني، وأحد إسنادى أحمد رواته رواة ¬

(¬1) قال النووي: وذلك أفضل أن يشهدها ملائكة الرحمة، وفيه دليلان صريحان على تفضيل صلاة الوتر وغيرها آخر الليل أهـ. (¬2) إقامة. ينال المحافظ على صلاة الوتر أجر من مات مجاهداً في سبيل الله، وهذا ترغيب فيه وطلب العناية بأدائه، والبشارة بكثرة ثواب مصليه، وزيادة حسناته، وتعميم خيراته، ودليل قبوله، وعنوان إكرامه، والإحسان إليه من القادر العظيم المعبود سبحانه وتعالى. (¬3) كناية عن المال الكثير، أو الإبل الجالبة الخير الجم. (¬4) في نسخة د: الآخر ص 133. (¬5) وقتها ممتد من صلاة العشاء إلى وقت الفجر.

الترغيب في أن ينام الإنسان طاهرا ناويا للقيام

الصحيح، وهذا الحديث قد روى من حديث معاذ ابن جبل، وعبد الله بن عمرو، وابن عباس وعقبة بن عامر الجهنى، وعمرو بن العاص وغيرهم. 7 - وعن بُريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الوتر حقٌّ (¬1) فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حقٌّ فلمن لم يوتر فليس منَّا، الوتر حقٌّ فمن لم يوتر فليس منَّا، ثلاثاً. رواه أحمد وأبو داود واللفظ له، وفي إسناده عبيد الله بن عبد الله أبو المنيب العتكى، ورواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. الترغيب في أن ينام الإنسان طاهراً ناوياً للقيام 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بات طاهراً بات في شعاره ملكٌ (¬2) فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فُلانٍ فإنه بات طاهراً. رواه ابن حبان في صحيحه. (الشعار): بكسر الشين المعجمة: هو ما يلى بدن الإنسان من ثوب وغيره. 2 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلمٍ يبيتُ طاهراً فيتعارُّ (¬3) من الليل فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلاَّ أعطاه الله إياهُ. رواه أبو داود من رواية عاصم بن بهدلة عن شهر عن أبي ظبية عن معاذ، ورواه النسائي. وابن ماجه. وكذر أن ثابتا البُنانى رواه أيضاً عن شهر عن أبي ظبية. (قال الحافظ): وأبو ظبية: بفتح الظاء المعجمة، وسكون الباء الموحدة شامىّ ثقة. 3 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) قرره الله تعالى، وهو موجود في دين الإسلام ليعمل به المسلمون فيصلوه، فمن لم يصل الوتر فليس على سيرتنا ولا متمسكا بسنتنا. وفي الجامع الصغير: أخذ بظاهره أبو حنيفة فأوجب الوتر، وأجاب الشافعي عن ذلك بأنه لا حجة فيه لأن السنة قد توصف بأنها حق على كل مسلم كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (حق على كل مسلم أن يغتسل كل سبعة أيام). أهـ ص 412. (¬2) جاور جسمه ملك الرحمة يدعو له بالمغفرة والرضوان والحفظ والإحسان، وفيه الترغيب في الوضوء قبل النوم رجاء ملازمة هذا الطاهر البر المشمول برعاية الله. (¬3) فيستيقظ بذكر الله جل جلاله.

طَهِّرُوا هذه الأجساد طَهَّرَكُمُ الله، فإنه ليس من عبدٍ يبيتُ طاهراً (¬1) إلا بات معه في شعاره ملكٌ، لا ينقلب ساعةً من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً (¬2). رواه الطرانى في الأوسط بإسناد جيد. 4 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أوى (¬3) إلى فراشه طاهراً يذكر الله حتى يُدركه النعاس لم ينقلب ساعة من ليلٍ (¬4) يسأل الله خيراً من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه. رواه الترمذي عن شهر بن حوشب عن أبي مامة، وقال: حديث حسن. 5 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من امرئٍ تكون له صلاةٌ بليلٍ (¬5) فيغلبه عليها نومٌ إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقةً. رواه مالك وأبو داود والنسائي، وفي إسناده رجل لم يسمّ، وسماه النسائيّ في رواية له: الأسود بن يزيد وهو ثقة ثبت، وبقية إسناده ثقات، ورواه ابن أبى الدنيا في كتاب التهجد بإسناد جيد، رواته محتج بهم في الصحيح. 6 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أتى فراشه وهو ينوى أن يقوم يُصلى من الليل فغلبته عينه حتى أصبح كُتِبَ له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه. رواه النسائي وابن ماجه بإسناد جيد وابن خزيمة في صحيحه ورواه النسائي أيضاً، وابن خزيمة عن أبي الدرداء، وأبى ذرٍّ موقوفاً. قال الدراقطنى: وهو ¬

(¬1) من الحدث الأكبر والأصغر ينقى طول ليله وهو نائم. (¬2) مضى ليله، وهو على نقاء وطهارة. (¬3) أراد النوم، وذهب إلى مكان نومه متوضئاً، وثيابه طاهرة، وجسمه طاهر، وظيل يسبح الله حتى غفلت عيناه: أي نام، فإذا استيقظ أجاب الله دعاءه، وقضى سؤله ورحمه، وخفف آلامه، وزاد في رزقه، وغفر ذنوبه وقبله. (¬4) في نسخة د: من الليل. (¬5) تعود أن يقوم من نومه ليتهجد، فلم يستيقظ نسيانا مكرهاً حتى مطلع الفجر، تفضل الله الله تعالى فأمر الحفظة بكتابة حسنات من قام كأنه قام وتهجد، وتصدق عليه بالراحة والنوم تكرماً والمدار على إخلاص النية لربك يا أخى والعزيمة القوية في طاعة الله، وفيه الترغيب بالمحافظة على الوضوء عند النوم، وتوطيد العزيمة على القيام من النوم للتهجد، وذكر الله وتسبيحه وتحميده وتمجيده، والتضرع إليه رجاء السعادة. نسأل الله التوفيق، ودرك الخير والإعانة على طاعته إنه ولى نصير سبحانه.

الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوي إلى فراشه، وما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى

المحفوظ، وقال ابن خزيمة: هذا خبر لا أعلم أحداً أسنده غيره حسين بن علىّ عن زائدة، وقد اختلف الرواة في إسناد هذا الخبر. 7 - وعن أبي ذَرٍّ، أوْ أَبى الدرداء (شك شُعبةُ رضي الله عنه) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبدٍ يُحَدِّثُ (¬1) نفسه بقيام ساعةٍ من الليل فينام عنها إلا كان نومه صدقة تصدق الله بها عليه، وكتب له أجر ما نوى. رواه ابن حبان في صحيحه مرفوعاً، ورواه ابن خزيمة في صحيحه موقوفا لم يرفعه. الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوى إلى فراشه وما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى 1 - عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتيت مضجعك (¬2) فتوضأ وُضوءكَ للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم إنى أسلمت (¬3) نفسى إليك، ووجهت (¬4) وجهى إليك، وفوضت (¬5) أمرئ إليك وألجأتُ (¬6) ظهرى إليك رغبةً ورهبة إليك، لا منجاً ولا ملجأ منك إلا إليك. آمنت بكتابك (¬7) الذى أنزلت، ونبيك (¬8) الذى أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة (¬9)، واجعلهن آخر ما تتكلم به، قال: فرددتها على النبى صلى الله عليه وسلم فلما بلغت، آمنتُ بكتابك الذى أنزلت، قلت ورسولك، قال: لا ونبيك الذى أرسلت. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفى رواية للخبارى والترمذي: فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيراً (أوى): غير ممدود: ¬

(¬1) في نسخة كذاع ص 195 ون د: تحدثه. (¬2) ذهبت إلى فراش النوم واضطجعت، فكن متوضئاً: أي تنام على وضوء وطهارة. (¬3) أي استسلمت في جميع ما قضيت وقدرت، واعترفت نفسى أنك الله جل جلاله، فاجعلنى ممن استسلم لرضاك، ومنه قوله تعالى يحكى عن سيدنا إبراهيم عليه السلام وفى قوله: (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) أي اجعلنى سالما عن أسر الشيطان حيث قال: (لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين). (¬4) أي قصدتك واعتقدت وجودك. (¬5) وكلت. (¬6) أسندت، وقوتى منك. (¬7) القرآن. (¬8) اعترف صلى الله عليه وسلم بنفسه أنه رسول رب العالمين. (¬9) الإسلام.

2 - وعن رافع بن خديجٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا اضطجع أحدكم على جنبه الأيمن، ثم قال: اللهم أسلمت نفسى إليك، ووجهت وجهى إليك، وألجأت ظهرى إليك، وفوضت أمرى إليك، لا منجا منك ولا ملجأ إلا إليك، أُومنُ بكتابك وبرسولك، فإن مات من ليلته دخل الجنة. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب. 3 - وعن علي رضي الله عنه أنه قال لابن أعبدُ: ألا أُحدِّثُكَ عنى وعن فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه سلم، وكانت من أحب أهله إليه، وكانت عندى؟ قلت: بلى. قال إنها جَرِّتْ بالرحا (¬1) حتى أثرَتْ (¬2) في يدها، واستقت بالقربة (¬3) حتى أثرَتْ في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها (¬4)، فأتى النبى صلى الله عليه سلم خدمٌ (¬5)، فقلت: لو أتيت أباك فسألته خادما، فأتته فوجدت عنده حُدَثَاءَ (¬6) فرجعت فأتاها من الغد (¬7) فقال: ما كان حاجتك؟ فسكتت، فقلت: أنا أُحدُثُك يا رسول الله، جَرَّتْ بالرحا حتى أثرت في يدها، وحملت بالقربة حتى أثرت في نحرها، فلما أن جاء الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادماً يقيها (¬8) حَرَّ ماهى فيه، قال: اتقى (¬9) الله يافاطمة، وأدى فريضة ربك، واعملى عمل أهلك، وإذا أخذت مضجعك: فسبحى ثلاثاً وثلاثين، واحمدى ثلاثاً وثلاثين، وكبرى أربعاً وثلاثين، فتلك مائةٌ، فهو خير لك (¬10) من خادم، قالت: رضيت عن الله وعن رسوله. زاد في الرواية ¬

(¬1) آلة تطحن الحبوب باليد فتدار فتدفها دقا. (¬2) في نسخة: أثر. (¬3) إناء إحاضر الماء حتى دمى عنقها. (¬4) نظفت البيت وأزالت قمامته فقذرت ثيابها. (¬5) سبئ. (¬6) صغار الأسنان. (¬7) ذهبت رضي الله عنها، فلم تجده صلى الله عليه وسلم، فشكت إلى زوجه رضي الله عنها، ولما شرف صلى الله عليه وسلم أخبرته زوجه فذهب ثانى يوم. (¬8) يبعدعنها آلام العمل وشقاء الأشغال، وكدر الأثقال، ويريحها من عناء التعب في خدمة المنزل. وفي رواية تم المائة: لاإله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير. (¬9) خافي الله واخشيه، وصلى الصلوات الخمس، وقومى بأعمال المنزل جليلها وجقيرها صغيرها وكبيرها وعند إرادة النوم اذكري الله ثلاثا وثلاثين: سبحان الله، وثلاثا وثلاثين: الحمد لله، وأربعاً وثلاثين: الله أكبر. وفي رواية تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .. (¬10) هذا الورد أسلم لك من عاقبة الخادم، وأحسن لك، وأجزل ثوابا، فأظهرت البشاشة ورضيت وقنعت وعملت بنصيحة والدها صلى الله عليه وسلم لأنه أرسل للعبادة، وبيته بيت طاعة وتواضع، وعمل لله. =

ولم يُخدمها. رواه البخاري ومسلم وأبو داود واللفظ له، والترمذي مختصراً. وقال: وفي الحديث قصة ولم يذكرها. 4 - وعن فروة بن نوفلٍ عن أبيه رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لنوفلٍ: اقرأ: قُل ياأيها الكافرون (¬1)، ثم نم على خاتمتها فإنها براءة (¬2) من ¬

= فكر في هذا الحديث أيها المسلم. إن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والراعى المسيطر في هذا العصر والوقت وقته، وهو السلطان نافذ الكلمة، ويرجع بسبى وغنائم فتطلب بنته، وفلذة كبده ووحيدته خادما يخفف مئونة عملها، ويزيل شيئاً من تعبها ويشاركها في مهام المنزل فيأمرها بتقوى الله والقيام بحقوق الله تعالى وواجبات المنزل، والإكثار من ذكر الله حتى عند الذهاب إلى النوم، فتجيب طائعة مختارة (رضيت عن الله ورسوله) لماذا؟ لأنها تعلم أن الدنيا فانية، والصالحات باقية، ولذكر الله أكبر، وهذا السبى ادخره رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يبيعه وينفق من ثمنه على أهل الصفة: الفقراء الذين يعبدون الله ليل نهار كما في شرح القسطلاني. فهل للأمة الإسلامية أن تتأسى بالسيدة فاطمة، وتقوم ربة المنزل بواجبها أمام الله وزوجها وتتقى الله في عملها، وتترك تبرج الجاهلية، وتعكف على ما يصلح أودها وأولادها ونفسها. قال تعالى: (من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً 124 ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً 125 ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلا) 126 من سورة النساء. أي أخلص نفسه لله لايعرف لها ربا سواه، وقيل: بذل وجهه له في السجود، ومحسن أتى الحسنات، وترك السيئات، وهذا شأن السيدة فاطمة رضي الله عنها. الليلة تجلت كرامة العناية بضبط حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الجمعة المبارك الثانية عشرة من شهر رمضان المكرم سنة 1352 من هجرة سيدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثرت على نسخة مضبوطة ومخطوطة، وقد اشتريتها وضممتها إلى مكتبتى العمارية لأراجع الأحاديث المطبوعة عليها، وأعتنى بضبط المحدثين رضوان الله عليهم، وأقول ذلك مفتخراً، ومقراً بهذه النعمة التى ساقها إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإنها لقلادة في عنقى لا يغسلها غاسل) فشكراً لله، وحمداً لله، وصلاة وسلاما على سيدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أقدمت على العمل، وأنا في غاية الخوف والوجل، وكنت أعد نفسى أنى زججتها في عمل ليست له أهلا، وإنها نفس جاهلة بضبط الأسماء ومقصرة، وإنى لست من فرسان هذا الميدان، واليوم أزيد على حالتى هذه الالتجاء إلى الله بالعجز والضعف وأستلهم منه الهداية سبحانه، وأرجو منه جل جلاله التوفيق، وأستمطر منه الرحمة، وآمل الصواب، فنيتى إبراز الأحاديث مضبوطة، وهأنذا أراجع على هذه النسخة معتمداً على مولاى، وانظر رعاك الله إلى المقدمة تجد تعريفاً عن هذه النسخة، والله الهادى إلى سواء السبيل، ولقد شممت أريج العناية الصمدية بحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاح شذاها، وعم نداها، وعلمت أن السنة بعد القرآن في كنف الله ورعايته. من تقرب إليهما فاز، ومن اشتغل بهما وفق، ومن سار على ضربهما وصل. (¬1) يريد صلى الله عليه وسلم أن يقرأ المسلم عند نومه سورة (الكافرون) ثم يضطجع، ففائدتها تبعد عنه الشرك، وتحفظ الإيمان. (¬2) شهادة نقاء، وجائزة سلامة من الكفر والعصيان.

الشرك. رواه أبو داود، واللفظ له والترمذي والنسائي متصلا ومرسلا، وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 5 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: خصلتان (¬1)، أو خلَّتَانِ لا يُحافظ عليهما عبدٌ مسلمٌ إلا دخل الجنة، هما يسيرٌ (¬2)، ومن يعمل بهما قليلٌ (¬3) يُسَبِّحُ في دُبر كل صلاةٍ عشراً، ويحمدُ عشراً، ويكبرُ عشراً (¬4) فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان، ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويُسبح ثلاثاً وثلاثين فذلك (¬5) مائة باللسان، وألفٌ في الميزان. فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها. قالوا: يا رسول الله: كيف هما يسيرٌ، ومن يعمل بهما قليل؟ قال: يأتى أحدكم، يعنى الشيطان في منامه فينومه قبل أن يقوله (¬6) ويأتيه في صلاته فيذكره حاجةً قبل أن ¬

(¬1) صفتان، والمراد بهما المداومة على ذكر الله. (¬2) تكاليف العمل بهما سهل مجتنى غير عسير وقليل الصعبوبة. (¬3) الذين يحافظن على هذا الورد قليل عددهم. (¬4) سبحان الله عدد عشر مرات، والحمد لله كذلك، والله أكبر كذلك، والجملة ثلاثون والصلوات خمس في اليوم والليلة، فالمجموع مائة وخمسون، قوله يذكر بها الله تعالى، ولكل قوله عشر حسنات لقوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) فيحفظ الله لذلك الذاكر ألفاً وخمسمائة حسنة تدخر في كفه ميزانه عند الحساب، وكذا عند نومه يكبر 34، ويسبح 33 ويحمد 33، والجملة مائة، ويضاعف الله ثوابها إلى ألف لنرجح كفة ميزانه عند تقديم حسابه: أ - (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب). ب - (وكل إنسان ألزمناه طائره فيعنقه، ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً 14 اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا 15 من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) 16 من سورة الإسرا. (طائره) أي عمله وما قدر له كأنه طير إليه من عش الغيب ووكر القدر لما كانوا يتيمنون ويتشاءمون بسنوحالطائر وبروحه، استعير لما هو سبب الخير والشر من قدر الله تعالى، وعمل العبد (في عنقه) لزوم الطاق في عنقه (كتاباً) هي صحيفة عمله أو نفسه المتنقشة بآثار أعماله، فإن الأعمال الاختيارية تحدث في النفس أحوالا، ولذلك يفيد تكريرها لها ملكات (يهتدى لنفسه) لا ينجى اهتداؤه غيره ولا يردى ضلاله سواه. أهـ بيضاوى 399. (¬5) في المطبوعة: فتلك. (¬6) بين صلى الله عليه وسلم أن العامل بهذا الورد قليل لتسلط الشيطان على الإنسان، وأنه يفلح في إغواء كثير من الناس بالترك والغفلة، ولا ينجو من سلطانه إلا الصالحون، وقليل ما هم، ويذهب فريسته أولئك الذين شغلتهم الدنيا بهمومها، وخدمتهم في إدارة شئونها، فألقى عليهم الغفلة، وباتوا يفكرون في المال وزهرته، وذل الدين وكربته، وهكذا.

يقولها (¬1). رواه أبو داود واللفظ له والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي وابن حبان في صحيحه، وزاد بعد قوله: وألفٌ وخمسمائة في الميزان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأيُّكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة؟ (¬2). 6 - وعن العرْباضِ بن سارية رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأُ المُسبحاتِ (¬3) قبل أن يرقد، ويقول: إن فيهن آيةً خيرٌ من ألف آيةٍ. رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، والنسائي، وقال: قال معاوية يعنى ابن صالح: إن بعض أهل العلم كانوا يجعلون المُسبحات سِتاٍّ: سورة الحديد، والحشر، والحواريين، وسورة الجمعة، والتغابن، وسبح اسم ربك الأعلى. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يأوى إلى فراشه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شئ قدير، لا حولا ولا قوة إلا بالله العلى (¬4) العظيم، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر غُفرت له ذنوبه، أو خطاياه (شكَّ مِسْعَرٌ) وإن كانت مثل زبد (¬5) البحر. رواه النسائي وابن حبان في صحيحه واللفظ له، وعند النسائي: سبحان الله وبحمده، وقال في آخره: غُفرت له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر. ¬

(¬1) قبل أن يذكر الله ويسره، فالعاقل تغلب على وساوسه وقهره. (¬2) يشير صلى الله عليه وسلم إلى أن ورد ختم الصلاة، وعند النوم يجلب لصاحبه ألفين وخمسمائة حسنة فإن عمل سيئات جمة، وأكثر في الإجرام يكفر الله عنه خطاياه، ولو وازت ذنوبه هذه الحسنات يسامح الله ويعفو عنه. (¬3) التسبيح: التنزيه والتقديس والتبرئة من النقائص، وهذه الصور الست داعيات إلى ذلك ووفيات بتسبيحه جل جلاله، وقيل: معنى التسبيح التسرع إلى إرضاء الخالق جل وعلا لعظمته، وبديع قدرته. (¬4) في النسخ المخطوطة حذف العلى العظيم. (¬5) في نسخة: كزبد ص 135 د، والزبد: الرفد والعطاء، وزبد البحر وغيره: الرغوة، وأزبد إزباداً: قذف بزبده، المعنى أن الذى يقول هذه الصيغة عند ذهابه إلى النوم يمحو الله صغائره، وإن كثر عددها تفضلا منه جل وعلا، وفيه الترغيب بقراءتها مع الثقة بالله، وعظيم الإيمان به، وتجديد التوبة، وحسن الإنابة إلى الله.

الترغيب فيما يقرأ ويقال عند النوم 8 - وعن شداد بن أوسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مامن مسلمٍ يأخذ مضجعه (¬1) فيقرأ سورةً من كتاب الله إلا وكل الله له به ملكاً فلا يقربه شئ يُؤذيه حتى يهب من نومه متى هبَّ. رواه الترمذي، ورواه أحمد. إلا أنه قال: بعث الله له ملكا يحفظه من كل شئٌ يؤذيه حتى يهب (¬2) متى هبَّ. ورواة أحمد رواة الصحيح. (هب): انتبه من نومه. 9 - وعن جابرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أوى (¬3) الرجل إلى فراشه ابتدره (¬4) ملك وشيطان، فيقول الملك: اختم (¬5) بخيرٍ، ويقول الشيطان: اختم بشرٍّ، فإذا ذكر الله ثم نام بات الملك يكلؤُهُ. وإذا استيقظ قال الملك: افتح بخيرٍ، وقال الشيطان: افتح بشرٍّ، فإن قال: الحمد لله الذى رد على نفسي ولم يُمتها (¬6) في منامها، الحمد لله الذى يُمسك السموات والأرض ¬

(¬1) يريد النوم، فيتفضل الله جل جلاله، ويجعل له حرساً حافظاً مانعاص له من كل سوء، ويقيه كل أذى، سبحانه. (¬2) في نسخة: د: يهب من نومه ص 136 بمعنى يستمر حفظ الله له ببركة تلاوة هذه السورة حتى يستيقظ. (¬3) انضم والتجأ. (¬4) أسرع إليه وبدر، ومنه البادرة من الكلام الذى يسبق من الإنسان فى الغضب. قال الشاعر النابغة: ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمى صفوه أن يكدرا (¬5) أيها المسلم نم مستريحاً، واجعل خاتمة أعمالك ذكر الله وتسبيحه، فهذا خير لك وأبر وأبقى ثواباً وأمامه عدوه الألد يدعوه إلى الغفلة، ويحدث له أحاديث السوء، ويزين له الباطل واقتفاء السرور وارتكاب الفجور، وينادى بالويل والثبور. (¬6) لم يقبض روحها، ولم يتوفها. قال تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتى لم تمت في منامها فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) 43 من سورة الزمر: أي يقبضها عن الأبدان بأن يقطع تعلقها عنها وتصرفها فيها إما ظاهراً أو باطناً، وذلك عند الموت أو ظاهرا لا باطنا، وهو في النوم. روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن في ابن آدم نفسا وروحاً بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس التى بها العقل والتمييز والروح التى بها النفس والحياة فيتوفيان عند الموت، وتتوفى النفس وحدها عند النوم (إن في ذلك لآيات) أي من التوفى والإمساك والإرسال لعلامات دالة على كمال قدرته وحكمته، وشمول رحمته (لقوم يتفكرون) في كيفية تعلقها بالأبدان وتوفيها عنها بالكلية حين الموت، وإمساكها باقية لا تفنى بفنائها وما يعتريها من السعادة والشقاوة والحكمة في توفيها عن ظواهر، وإرسالها حيناً بعد حين إلى توفى آجالها. أهـ بيضاوى ص 642.

أنتزولا (¬1) إلى آخر الآية، الحمد لله الذى يُمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه فإن وقع عن سريرة فمات دخل الجنة. رواه أبو يعلى بإسناد صحيح، والحاكم، وزاد في آخره: الحمد لله الذى يُحيى الموتى وهو على كل شئ قدير. وقال: صحيح على شرط مسلم. (يكلؤه): أي يحرسه ويحفظه. الترغيب في شئ يقرأ عند النوم 10 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وضعت جنبك على الفراش، وقرأت فاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، فقد آمنت من كل شئٍ (¬2) إلا الموت. رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح إلا غسان بنعبيد. 11 - وروى عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أراد أن ينام على فراشه، فنام على يمينه ثم قرأ: قل هو الله أحد (¬3) مائة مرةٍ، فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب: ياعبدى ادخل على يمينك الجنة. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب. 12 - وعن أبي سعيدٍ الخدرى رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يأوى إلى فراشه: أستغفر الله العظيم الذى لا إله إلا هو الحى القيوم، وأتوب إليه غُفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر (¬4)، وإن كانت عدد ورق الشجر، وإن كانت عدد رمل عالجٍ (¬5)، وإن كانت عدد أيام الدنيا. رواه الترمذي من طريق ¬

(¬1) كراهة أن تزولا وتذهبا وتعدما؛ فإن الممكن حال بقائه لا بد له من حافظ أن يمنعهما أن تزولا لأن الإمساك منع، والآية قال تعالى: (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفور) 42 من سورة فاطر. أي ما أمسكهما أحد من بعد الله أو من بعد الزوال، وهذا جواب تحد للكفار والعصاة. السموات والأرض آمامهما يحفظهما القهار أن تعدما. فلماذا لم يعبدوا الله حق عبادته؟ ولكن تفضله جل وعلاعم، وحلمه شمل، وغفرانه أحاط بالناس حيث أمسكهما، وكانتا جديرتين بأن تهد هدا كما قال تعالى: (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأض وتخر الجبال هدا). (¬2) يحفظ الله تعالى من الهوام ومن اللصوص ومن كل مؤذ. (¬3) فإنها ثلث القرآن كما قال صلى الله عليه وسلم وفيها اعتراف بوحدته، وأنه المقصود المرجو الذى لا مثيل له المتصف بكل كمال المنزه عن كل نقص. (¬4) عدد رغواته. (¬5) جبال متواصلة يتصل أعلاها بالدهناء، والدهناء يقرب اليمامة وأسفلها بنجد ويتسع اتساعا كثيراً حتى قال البكرى؛ رمل عالج يحيط بأكثر أرض العرب أهـ مصباح ص 507. والمعنى من حافظ على هذا الورد عند نومه محا الله ذنوبه وإن كثر عددها.

الوصافى عن عطية بن أبى سعيد، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبيد الله بن الوليد الوصافى. (قال المملى) عبيدالله: هذا واهٍ لكن تابعه عليه عصام بن قدامة، وهو ثقة خرّجه البخاري في تاريخه من طريقه بنحوه، وعطية هذا: هو العوفى يأتي الكلام عليه. 13 - وعن أبي عبد الرحمن الحُبَلِيِّ رضي الله عنه قال: أخرج إلينا عبد الله ابن عمروٍ رضي الله عنهما قرطاساً (¬1) وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلمنا يقول: اللهم فاطر (¬2) السموات والأرض عالم (¬3) الغيب والشهادة. أنت ربُّ كل شئٍ، وإله كل شيءٍ، أشهد أن لا إله إلا أنت، اعوذ بك من الشيطان وشركه (¬4) وأعوذ بك أن أقترف (¬5) على نفسي سُوءاً، أو أجُرَّهُ (¬6) إلى مسلمٍ. قال أبو عبد الرحمن: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلمه عبد الله بن عمروٍ ويقول ذلك حين يريد أن ينام. رواه أحمد بإسناد حسن. 14 - وروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال إذا أوى (¬7) إلى فراشه: الحمد لله الذى علا فقهر (¬8) وبطن (¬9) فخبر (¬10) وملك (¬11) فقدر (¬12) الحمد لله الذى يُحي ويميت وهو على كل شئٍ قدير خرج ¬

(¬1) ما يكتب فيه. (¬2) خالق. (¬3) محيطا بمعرفة الأخبار الظاهرة والباطنة والمشاهدة والغائبة، لا تخفى عليه خافية. (¬4) وسوسته ودعوته إلى الكفر بك وعصيانك. (¬5) اكتسب. يقال: قرف الذنب على نفسه: كسبه، وقرفه واقترفه: إذا عمله، وقارفه: داناه. (¬6) أسحبه وأوصله إليه، والمعنى أنه يطلب منه التعوذ والوقاية من شر نفسه أن تنقاد إلى المعاصى وتسترسل في الشهوات فتودى به وتوقعه في الهاوية، كما أنه يطلب منع أي أذى يلحق أخاه المسلم. (¬7) التجأ وذهب إلى مضجعه. (¬8) سمافغلب واذل. قال تعالى: أ - (وهو القاهر فوق عباده). ب - (وهو الواحد القهار). جـ - (وإنا فوقهم قاهرون). (¬9) عرف الخافى ومنه الباطن: أي الله المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم، وقيل: هو العالم بما بطن. (¬10) علم بما كان وبما يكون، وعرف على حقيقته، ومنه اسمه تعالى الخبير العليم بأحوال الأشياء ظاهرها وباطنها. (¬11) تولى السلطان وقوى وعظم. (¬12) فأوجد ونفذ وخلق وأعطى ومنع. وفيه التسليم لله جل وعلا، والإعتراف بجبروته وكماله المطلق، وسمو صفاته سبحانه، وشديد بطشه وانتقامه وجبروته، وأنه يعلم السر وأخفى (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون 82 فسبحان الذى بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون 83) من سورة يس: =

من ذنوبه كيوم ولدته أُمه (¬1). رواه الطبراني في الأوسط والحاكم، ومن طريقه البيهقي في الشُّعب وغيره. 15 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال إذا أوى إلى فراشه: الحمد لله الذى كفانى (¬2) وأوانى، والحمد لله الذى أطعمنى (¬3) وسقانى، والحمد لله الذى منَّ (¬4) على فأفضل (¬5) فقد حمد الله بجميع محامد الخلق كلهم. رواه البيهقيى ولا يحضرنى إسناده الآن. 16 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلنى (¬6) رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتانى آتٍ يحثو (¬7) من الطعام فأخذته، فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنى مُحتاجٌ، وعلىَّ دينٌ وعيال، ولى (¬8) حاجة شديدة فخليت (¬9) عنه فأصبحت، فقال النبى صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة: ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت يا رسول الله شكا حاجةً شديدةً، وعيالاً فرحمته فخليت سبيله. قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سيعود فرصدته (¬10) فجاء يحثو (¬11) الطعام، وذكر الحديث إلى أن قال ¬

= أي شأنه عز يقول: تكون يكون: أي يحدث، وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور من غير امتناع وافتقار إلى مزاولة عمل، واستعمال آلة قطعاً لمادة الشبهة، وهو قياس قدرة الله تعالى على قدرة الخلق (فسبحان) تنزيه له عما ضربوا له، وتعجيب عما قالوا فيه معللا بكونه مالكا للأمر كله قادر على كل شئ. (¬1) بفضل المحافظة على هذا الورد عند النوم يطهر الله صحائفه بتنقى وتبيض وتنصع كما كانت بيضاء عند ولادته. وفيه أن الطفل يولد وله صحائف تنتظر التقييد بها إذا بلغ وكبر وكلف، وفيه ذكر الله يكفر الخطايا ويبيض الوجوه ويقر العيون ويفرح القلوب فيأمن صاحبه الزلل يوم القيامة. (¬2) أعطانى كفايةالرزق، ووفر على مؤنه السؤال، ومتعنى بالصحة، وزادنى من كرمه وحفظنى من الحر والقر، وجعل لى مسكناً يقينى الأذى، وأبعد عنى السوء. (¬3) أمدنى بصنوف الطعام والشراب تفضلا منه جل وعلا. (¬4) أغدق على من نعمه، وأكرمنى ببره، وغمرنى بإحسانه، وحفظ على نعمة الإسلام، ومنه اسمه تعالى المنان: أي المنعم المعطى، من المن: العطاء لامن المنة بكسر الميم، وكثيراً ما يرد المن في كلامهم بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه، ولا يطلب الجزاء عليه. (¬5) أكرم وزاد. (¬6) جعلنى وكيلا متوليا. (¬7) يأخذ حفنة ملء اليدين. (¬8) في نسخة د (وبى). (¬9) فتركته. (¬10) قعدت له أنتظره يأتى. (¬11) يهوله بيده، وبعضهم يقول: يقبضه بيده ثم يريمه، ومنه فاحثوا التراب في وجهه ولا يكون إلا بالقبض والرمى، وقولهم في الماء: يكفيه ثلاث حثوات المراد: ثلاث غرفات على التشبيه.

فأخذته، يعنى في الثالثة، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا آخر ثلاث مراتٍ، تزعم أنك لاتعود. قال: دعنى أُعلمك كلماتٍ ينفعك الله بها. قلت ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح، فخليت سبيله فأصبحت، فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك (¬1) البارحة؟ قلت يا رسول الله: زعم أنه يُعلمنى كلماتٍ ينفعنى الله بها فخليت سبيله. قال ما هى؟ قلت: قال لى إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسى من أولها حتى تختم الآية (الله لا إله إلا هو الحى القيوم) وقال (¬2) لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص (¬3) شئٍ على الخير، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب (¬4) تعلم من تخاطب منذ ¬

(¬1) الذى قبضت عليه وحبسته. (¬2) في المطبوعة: لى، وفي ع: بحذفها 199 .. (¬3) الصحابة رضي الله عنهم يعتنون جداً بكسب العظة وجنى ثمرات الخير من الرسول صلى الله عليه وسلم ولذا استفادوا منه. (¬4) كثير الإفك والبهتان والإثم. آية الكرسى قال تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذانه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم). أي الله المستحق للعبادة سبحانه لا غير (الحى) الذي يصح أن يعلم ويقدر، وكل ما يصح له فهو واجب لا يزول لامتناعه عن القوة والإمكان (القيوم) الدائم القيام بتدبير خلقه وحفظه ولا تعتريه سنة: أي فتور يتقدم النوم. قال ابن الرقاع: والنوم حال تعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة بحيث تقف الحواس الظاهرة على الإحساس رأساً. ولا أحد يساويه أو يدانيه ولا أحد يتقدم للشفاعة إلا بإرادته سبحانه مما يدل على تفرده بالعلم الذاتى التام الدال على وحدانيته سبحانه وتعالى، وفيه بيان لكبرياء شأه وعظمته (ولا يؤوده حفظهما) أي ولا يثقله حفظهما، وهو المتعالى عن الأنداد والأشباه (العظيم) الكبير المستحقر بالإضافة إليه كل ما سواه. قال البيضاوى: وهذه الآية مشتملة على أمهات المسائل الإلهية فإنها دالة على أنه تعالى موجود واحد في الألوهية متصف بالحياة واجب الوجود لذاته موجد لغيره إذا القيوم هو القائم بنفسه القيم لغيره منزه عن التحيز والحلول، مبرأ عن التغير والفتور، لا يناسب الأشباح، ولا يعتريه ما يعترى الأرواح مالك الملك والملكوت، ومبدع الأصول والفروع، ذو البطش الشديد الذى لا يشفع عنده إلا من أذن له عالم الأشياء جليها وخفيها كليها وجزيئها واسع الملك والقدرة على ما يصح أن يملك ويقدر عليه لا يؤوده شاق ولا يشغله شأن، متعالى عما يدركه وهم، عظيم لا يحيط به فهم، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (إن أعظم آية =

الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل

ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة؟ قال: لا، قال: ذاك الشيطان. رواه البخاري وابن خزيمة وغيرهما ورواه الترمذي وغيره من حديث أبى أيوب بنحوه، وفي بعض طرقه عنده قال: أرسلنى (¬1) وأُعلمك أيةً من كتاب الله لاتضعها على مالٍ ولا ولدٍ فيقربك شيطان أبداً. قلت: وما هي؟ قال: لا أستطيع أن أتكلم بها: أية الكرسى. (قال الحافظ) رحمه الله: وفي الباب أحاديث كثيرة من فعل النبى صلى الله عليه وسلم ليست من شرط كتابنا أضربنا عن ذكرها. 17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اضطجع مضجعاً (¬2) لم يذكر الله فيه كان عليه ترةٌ يوم القيامة، ومن قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كان عليه ترةٌ (¬3) يوم القيامة. رواه أبو داود، وروى النسائي منه ذكر الاضطجاع فقط. (الترة): بكسر التاء فوق مخففاً: هو النقص، وقيل: التَّبِعة. الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل 1 - عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ¬

= في القرآن آية الكرسى من قرأها بعث الله ملكا يكتب من حسناته، ويمحو من سيئاته إلى الغد من تلك الساعة، وقال: (من قرأ آية الكرسى في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد. ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره، وجاره جاره، والآبيات حوله) أهـ ص 81. (¬1) أي أطلقنى لأذهب إلى أهلى، سرها يظهر بعناية الله لما وضعت عليه أو من حملها، وإنها لبركة وحصن حصين من أذى الشيطان. (¬2) من قصد الراحة ولم يذكر الله تعالى عند اضطجاعه عد غافلا وكتب مقصراً في حق مولاه الذى غمره بنعمه، وأحسن إليه، وقدر له الراحة من عناء الدنيا، ونقص إيمانه، وسئل عن هذه النعمة. قال تعالى: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم). قال البيضاوى: أي الذى ألهاكم، والخطاب مخصوص بكل من ألهته دنياه عن دينه، والنعيم بما يشغله للقرينة والنصوص الكثيرة كقوله: (من حرم زينة الله) (كلوا من الطيبات) وقيل: يعمان إذ كل يسأل عن شكره أهـ. وفي الجامع الصغير: فإن النوم على غير ذكر الله تعطيل للحياة، وربما قبضت روحه فيه فيكون مفارقاً للدنيا على غير ذكر الله، بخلاف من ذكر الله قبل أن ينام. أهـ ص 307. (¬3) أي الحسرة والندامة، فعليك أخى بذكر الله عسى أن تكون من الفائزين (الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم).

من تعارَّ (¬1) من (¬2) الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قديرٌ، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لى، أو دعا استجيب له، فإن توضأ ثم صلى قُبلت صلاته. رواه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه. تعارَّ: بتشديد الراء: أي استيقظ. 2 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله تعالى: إذا رَدَّ إلى العبد المؤمن نفسه (¬3) من الليل فسبحه ومجدَهُ واستغفره فدعاه تقبل منه. رواه ابن أبى الدنيا. 3 - وروى عن عبد الله بن عمرٍ رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يتحرك (¬4) من الليل بسم الله عشر مراتٍ، وسبحان الله عشر مرات آمنتُ بالله، وكفرت بالطاغوت (¬5) عشراً، وُقِىَ كُلَّ ذَنْبٍ (¬6) يتخوفه ولم ينبغ (¬7) لذنبٍ أن يُدركه إلى مثلها. رواه الطبراني في الأوسط، وفي الباب أحاديث كثيرة من فعله صلى الله عليه وسلم ليست صريحة في الترغيب لم أذكرها ¬

(¬1) أي هب من نومه واستيقظ، والتاء زائدة وليس بابه أهـ نهاية. (¬2) بمعنى عند قيامه من نومه يعترف لله بوحدته، وأنه مالك الملك، وله الثناء الحسن الجميل متصف بالقدرة الكاملة والإرادة النفاذة، وشكره ونزهه ووحده وعظمه وسلم أمره لله صاحب الحول والقوة وحده وأنه عبد عاجز ضعيف يحادث مولاه، ويرجو من الله المغفرة: أي أي سؤال تفضل بالإجابة، وإن صلى تفتحت عليه أبواب الرحمات وصبت عليه البركات وعمته الخيرات في أوقات التجلى والصفاء، وغفلة الناس، (¬3) حياته. (¬4) يقوم من نومه، ويحرك أعضاءه، ويترك فراشه. (¬5) عبارة عن كل متعد، وكل معبود من دون الله، ويستعمل في الواحد والجمع. قال تعالى (فمن يكفر بالطاغوت) (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستعمون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) 19 من سورة الزمر. الطاغوت البالغ غاية الطغيان، وكذا الساحر والكاهن والمارد من الجن، والصارف عن طريق الخير. (¬6) حفظه الله من كل خطيئة يخشى الوقوع فيها، وحصن بتوفيقه، فلا يحصل منه خطأ الليلة. (¬7) ولم يظهر: أي لم يتعرض لإثم مطلقاً يصيبه إلى مثلها إلى ليلة أخرى. قال فيها هذا الورد، وفيه الترغيب بذكر اسم الله مراراً. وتنزيه الله عما لا يليق به من كل نعت، والتصديق بوجوده تعالى، والإقرار بربويته، ونبذ ما عداه من المخلوق الذى لا يضر ولا ينفع إلا بإذن الله، وفيه التوجه إلى الله بسؤاله، وعدم الالتجاء إلى سواه، فهو الصمد.

الترغيب في قيام الليل

الترغيب في قيام الليل 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يعقد (¬1) الشيطان على قافية (¬2) رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقدٍ يضرب (¬3) على كل عقدةٍ: عليك ليل طويل فارقد (¬4)، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدةٌ، فإن صلى انحلت عقدهُ كلها فأصبح (¬5) نشيطاً طيب النفس وإلا (¬6) أصبح خبيث النفس كسلان. رواه مالك والبخاري ومسلم، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه وقال: فيصبح نشيطاً طيب النفس قد أصاب خيراً، وإن لم يفعل أصبح كسلا خبيث النفس لم يصب خيراً. رواه ابن خزيمة في صحيحه نحوه، وزاد في آخره ¬

(¬1) أي يأتى بأشياء حقيقة وينويها وثبتها، ويسحر عليها كى تمنع الإنسان من القيام من نومه ليعبد ربه كما يعقد الساحر من سحره. قال العيني: وأكثر ما يفعله النساء: تأخذ إحداهن الخيط فتعقد منه عقدا، وتتكلم عليها بالكلمات فيتأثر المسحور عند ذلك كما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز: (ومن شر النفاثات في العقد) فالذى خذل يعمل فيه، والذى وفق يصرف عنه. والدليل على كونه على الحقيقة ما رواه ابن ماجه ومحمد بن نصر من طريق صالح عن أبي هريرة مرفوعا (على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد) إلى أن قال بعضهم: هو على المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور، وقيل: هو من عقد القلب وتصميمه، فكأنه يوسوس بأن عليك ليلا طويلا فيتأخر عن القيام بالليل. وقال صاحب النهاية: المراد تثقيله في النوم وإطالته، فكأنه قد سد عليه سداً، وعقد عليه عقداً. أهـ ص 193 جـ 7. (¬2) مؤخر عنقه. ومنه قافية القصيدة: أي مؤخرها، وقيل وسط الرأس. (¬3) يمر بيده، ويضغط على حباله الداعية إلى الكسل والخمول والعجز والتقصير عن الطاعات وتحصيل الدرجات، ونيل الحسنات، وكسب الخيرات، وقيل يضرب بالرقاد، ومنه قوله تعالى: (فضربنا على آذانهم في الكهف) ومعناه حجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ قائلا عند كل ضربة: نم ليلك طويل. (¬4) نم واهدأ .. (¬5) يستقبل يومه بسرور، وصباحه بحبور، وبكورته بفرح جزيل قوى البنية منشرح الصدر باسم الثغر مثلوج الفؤاد قرير العين لأن الله تعالى وفقه لطاعته، وجلب المحامد، وكسب المحاسن، وقد بارك له في وقته وفي نفسه وتصرفه الحسن، وأزال سلطان الشيطان عليه وقهره. (¬6) وإن ترك ما كان اعتاده أو نواه من فعل الخير، ولم يقم من نومه يتهجد طلع النهار وعليه الغضب والخبث (كسلان) ببقاء أثر تثبيط الشيطان عليه. قال الكرماني: واعلم أن مقتضى (وأصبح) أن من لم يجمع الأمور الثلاثة: الذكر والوضوء والصلاة فهو داخل تحت من يصبح خبيث النفس كسلان وإن أتى ببعضها. وقال العيني: وإن لم يذكر ولم يتوضأ، ولم يصل يصبح خبيث النفس كسلان، وفيه أن الذكر يطرد الشيطان، وكذا الوضوء والصلاة، ويجزء كل ما يصدق عليه ذكر الله تعالى، ويدخل فيه تلاوة القرآن، ولا تحل عقدة الجنب إلا بالاغتسال أهـ.

فحلوا عقد الشيطان ولو بركعتين. (قافيه) الرأس: مؤخره، ومنه سمى آخر بيت الشعر قافية. 2 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه جريرٌ معقودٌ حين يرقد (¬1) بالليل، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدةٌ، وإذا قام توضأ وصلى انحلت العقد وأصبح خفيفاً طيب النفس قد أصاب خيراً. رواه ابن خزيمة في صحيحه، وقال (الجرير): الحبل. رواه ابن حبان في صحيحه، ويأتى لفظه. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصيام بعد رمضان شهر المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل (¬2) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه. 4 - وعن عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه قال: أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن جاءهُ، فلما تأملت وجهه واستبنته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذابٍ. قال فكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: أيها الناس افشوا (¬3) السلام، وأطعموا الطعام (¬4)، وصلوا الأرحام (¬5)، وصلوا بالليل (¬6) والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام (¬7). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه والحاكم وقالا: صحيح على شرط الشيخين. (انجفل) الناس بالجيم: أي أسرعوا ومضوا كلهم. (استبنته): أي تحققته وتبينته. 5 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) جرير: حبل. يرقد: ينام. (¬2) صلاة التهجد بعد النوم ولو قليلا، ويبتدئ من نصف الليل إلى قبيل الفجر. (¬3) أكثروا من رميه على من عرفت ومن لم تعرف، والسلام من الله الأمان والرحمة. (¬4) أكثروا من إطعام الطعام والجود والكرم، وبذل المعروف، وإيواء الجائع وسد سبقه. (¬5) زوروا أقاربكم وودوهم ومدوهم بصلة وهدية وساعدوهم وأعينوهم، واستجلبوا رضاهم. (¬6) تهجدوا. (¬7) بلا عذاب.

في الجنة غُرفةٌ يُرَى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فقال أبو مالكٍ الأشعرى: لمن هى يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام (¬1)، وأطعم الطعام، وبات قائماً (¬2) والناس نيام، رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 6 - وعن أبي مالكٍ الأشعرى رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام. رواه ابن حبان في صحيحه، وتقدم حديث ابن عباس في صلاة الجماعة، وفيه: والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيامٌ. رواه الترمذي وحسنه. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إنى إذا رأيتكُ طابت (¬3) نفسى، وقرت (¬4) عينى، أنبئنى (¬5) عن كل شئ، قال: كل شئٍ خُلِقَ من (¬6) الماء، فقلت أخبرنى بشئٍ إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: ¬

(¬1) أحسن القول وأبش وجهه وطاب كلامه وعذب لفظه وكثر خيره وعم بره ولطفه وجل أدبه وعظم حياؤه ورق شعوره ودق إحساسه. (¬2) يذكر الله تعالى ويتهجد، ويعبد ربه في ليله، والناس نائمون، أفشوا فعل أمر: أي أظهروه برفع الصوت وأن تسلم على كل من لقيته من المسلمين وإن لم تعرفه، وبذل الطعام أن تصدق بما فضل عن نفقة من تلزمك نفقته. قال النووي: السلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكين ألفة المسلمين بضعهم لبعض، وإظهار شعارهم من غيرهم من أهل الملل مع ما فيه من رياضة النفوس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين أهـ وبه يزول التنافر ياأخى فسلم، لتدوم المحبة وتجتمع القلوب، فعليك به اجعله تحيتك لأهل بيتك وللمسلمين، وإفشاؤه سبب رضا الله تعالى عن عبده، ويثيب عليه قال صلى الله عليه وسلم: افشوا السلام فإنه لله تعالى رضا) رواه عمر بن الخطاب وهو حديث حسن، وعن أبي الدرداء (أفشوا السلام تعلوا) حديث حسن: إى إذا أفشيتم تحاببتم فاجتمعت كلمتكم فقهرتم عدوكم وعلوتم عليه. (¬3) فرحت وطهرت واستبشرت وطابت نفسه بالشئ: إذا سمحت به من غير كراهة ومنه الحديث أنه قال لعمار: (مرحباً بالطيب المطيب): أي الطاهر المطهر. (¬4) سرت ومنه حديث (لو رآك لقرت عيناه) أي لسر بذلك وفرح وحقيقته: أبرد الله دمعه عينيه لأن دمعة الفرح والسرور باردة، وقيل: معنى أقر الله عينك بلغك أمنيتك حتى ترضى نفسك وتسكن عينك فلا تستشرف إلى غيره. أهـ نهاية. (¬5) أخبرنى. (¬6) الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم وكل شئ خلق منه وفي قوله تعالى (وهو الذى خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا) من سورة هود. قيل خلقهما لم يكن حائل بينهما لا أنه موضوعاً على متن الماء. واستدل على إمكان الخلاء أهـ بيضاوى، وقال الصاوى: =

أطعم (¬1) الطعام، وأفش السلام (¬2)، وصِلِ الأرحام (¬3)، وصل بالليل والناس نيامٌ (¬4) تدخل الجنة بسلامٍ (¬5). رواه أحمد وابن أبى الدنيا في كتاب التهجد، وابن حبان في صحيحه واللفظ له، والحاكم وصححه. 8 - وروى عن على رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن في الجنة لشجرةً يخرج من أعلاها حُللٌ، ومن أسفلها خيلٌ من ذهبٍ مُسرجةٌ مُلجمةٌ من دُرٍّ وياقوتٍ لاتروثُ (¬6)، ولا تبول لها أجنحة خطوها (¬7) مد البصر فيركبها أهل الجنة فتطير بهم حيث شاءوا، فيقول الذين أسفل منهم درجةً يارب بما بلغ عبادك هذه الكرامة كُلها؟ قال فيقال لهم: كانوا يُصلون بالليل، وكنت تنامون، وكانوا يصومون وكنتم تأكلون، وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون، وكانوا يُقاتلون وكنتم تجبُنُون. رواه ابن أبى الدنيا. 9 - وروى عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس في صعيدٍ واحدٍ (¬8) يوم القيامة، فينادى منادٍ فيقول: أين الذين كانوا تتجافى جنوبهم (¬9) عن المضاجع، فيقومون وهم قليلٌ فيدخلون الجنة بغير ¬

= أول ما خلق الله النور المحمدى، ثم خلق منه العرش، ونشأ الماء من عرق العرش، فخلق الله منه الأرضين والسموات، فالأرضون من زبده، والسموات من دخانه (ليبلوكم) ليتميز المحسن من المسئ، ويظهر المطيع فيثيبه على طاعته، والعاصى فيعاقبه على عصيانه. أهـ. قال تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) أي من خلاصة سلت من بين الكدر (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين 14 ثم خلقنا النطفة علقه فخلقنا العلقة مضغة) الآية. مبيناً سبحانه أن أصل الإنسان من طين. (¬1) كن جواداً كريماً يأكل الناس عيشك، ويعمهم خيرك. (¬2) أكثر من ذكر السلام على المسلمين. (¬3) زر أقاربك وودهم واعطف عليهم وأحسن إليهم. (¬4) تهجد وصل ركعات مثنى نافلة لله سبحانه وتعالى وقت السحر بعد النوم. (¬5) تتنعم في الجنة بلا حساب آمناً من عقاب الله تعالى. (¬6) لا تنزل ثفلا للطعام. (¬7) أي مقدار الخطوة الواحدة نهاية امتداد البصر في الآفاق بمعنى أنها تنهب في الأرض نهباً، وتطويها عليا بقدرة الله تعالى لتظهر البهجة والرواء والعزة والنعيم وتذهب إلى أي مكان أراده أهل الجنة فيراهم من هم أقل منهم عملا صالحاً في دنياهم ويسألون الله عز وجل عن سبب هذا النعيم، فيتفضل المولى تبارك وتعالى بالإجابة بفضل التهجد، وصيام النافلة، وكثرة الصدقات، وعمل مشروعات الخير، وإعانة المحتاج، والإنفاق في البر والجهاد في إعلاء دين الله والشجاعة في إظهار الحق والمروءة في العدل والشمم في نصر الدين والدفاع عن شرع الرسول صلى الله عليه وسلم. (¬8) وجه الأرض: أي مستوى. (¬9) يستيقظون ويهجرون فراش النوم في السحر، وفيه دليل على أن التهجد يمنع من الحساب.

حسابٍ، ثم يُؤْمرُ بسائر الناس إلى الحساب. رواه البيهقى. 10 - وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قام النبى صلى الله عليه وسلم حتى تورمت (¬1) قدماه، فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال: أفلا أكون عبداً شكوراً. رواه البخاري ومسلم والنسائي. وفي رواية لهما وللترمذى قال: إن كان النبى صلى الله عليه وسلم ليقوم أو ليصلى حتى ترم قدماه أو ساقاهُ، فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ 11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تُرَمَّ (¬2) قدماه، فقيل له: أي رسول الله أتصنع هذا وقد جاءك من الله أن قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال: أفلا أكون عبداً شكوراً. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 12 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر (¬3) قدماه فقلت له: لم تصنع هذا، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً (¬4) شكوراً. رواه البخاري ومسلم. 13 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحبُّ الصلاة إلى الله صلاةُ داود، وأحبُّ الصيام إلى الله صيام داود كان ¬

(¬1) أصابها ورم وانتفاخ، وفى النهاية انتفخت من طول قيامه في صلاة الليل، يقال: ورم يرم، والقياس يورم، وهو أحد ماجاء على هذا البناء أهـ. (¬2) فعل مضارع مبنى للمجهول. وترم بكسر الراء كذاع ص 202 من ورم جلده يرم تورم، وورمه غيره توريما. (¬3) ن ط تنفرط: أي تتشق وتتألم من كثرة الوقوف. (¬4) بينه صلى الله عليه وسلم بأنه يتهجد ثلث الليل، ويكثر من صوم التطوع. قال الشرقاوى: أي أترك قيامى وتهجدى لما غفر لى (فلا أكون عبداً شكورا). يعنى أن غفران الله لى سبب لأن أقوم وأتهجد شكراً له فكيف أتركه: كأن المعنى ألا أشكره وقد أنعم على، وخصنى بخير الدارين فإن الشكور من أبنية المبالغة يستدعى نعمة خطيرة، وتخصيص العبد بالذكر مشعر بغاية الإكرام، والقرب من الله تعالى، ومن ثم وصفه به في مقام الإسراء، ولأن العبودية تقتضى صحة النسبة؛ وليست إلا بالعبادة والعبادة عني الشكر. وفيه أخذ الإنسان نفسه بالشدة في العبادة، وهو أفضل إن لم يخش الملل لأنه إذا كان هذا فعل المغفور له، فكيف من جهل حاله، وأثقلت ظهره الأوزار، ولا يأمن غدا النار. أهـ ص 11 جـ 2.

ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه (¬1)، وينام سدسه (¬2) ويصوم يوماً، ويُفطر يوما (¬3) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وذكر الترمذي منه الصوم فقط. 14 - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلةٍ (¬4). رواه مسلم. 15 - وعن أبي أُمامة الباهلى رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بقيام الليل، فإنه دأب (¬5) الصالحين قبلكم، وقُربةٌ إلى ربكم، ومكفرةٌ للسيئات (¬6)، ومنهاةٌ (¬7) عن الإثم. رواه الترمذي في كتاب الدعاء من جامعة، وابن أبى الدنيا في كتاب التهجد، وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، كلهم من رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث رحمه الله. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. ¬

(¬1) وقت تجلى الرب تبارك وتعالى على عباده. (¬2) ليستريح من تعب القيام في بقية الليل، وإنما كان هذا أحب إلى الله تعالى لأنه أخذ بالرفق على النفوس التى يخشى منها السآمة المؤدية إلى ترك العبادة، والله يحب أن يوالى فضله، ويديم إحسانه، وإنما كان ذلك أرفق لأن النوم بعد القيام يريح البدن، ويذهب ضرر السهر وذبول الجسم، بخلاف السهر إلى الصباح. وفيه من المصلحة أيضاً استقبال الصبح، وأذكار النهار بنشاط وإقبال ولأنه إلى عدم الرياء لأن من نام الثلث الأخير أصبح ظاهر اللون سليم القوى، فهو أقرب إلى أنه يخفى عمله الماضى على من يراه. أشار إليه ابن دقيق العيد أهـ شرقاوى ص 12 جـ 2. (¬3) قال ابن المنير: كان داود عليه السلام يقسم ليله ونهاره لحق ربه وحق نفسه، فأما الليل فاستقام له فيه ذلك فى كل ليلة، وأما النهار فلما تعذر عليه أن يجزئه بالصيام لأنه لا يتبعض جعل عوضاً عن ذلك أن يصوم يوما ويفطر يوما، فيتنزل ذلك منزل التجزئة عن شخص اليوم. أهـ شرقاوى. (¬4) قال النووي فيه إثبات ساعة الإجابة في كل ليلة، ويتضمن الحث على الدعاء في جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها أهـ ص 36 جـ 6. أيها المكروب: إذا أصابك هم فالجأ إلى الله تعالى واستيقظ من نومك سحرا وتوضأ وصل ركعتين لله نافلة وتضرع إليه جل وعلا عسى أن تصادفك ساعة الإجابة، فيزيل الله كربك ويشرح صدرك، ويذهب عسرك ويبعد ضيقك. (¬5) العادة والشأن، من دأب في العمل: جد وتعب. (¬6) سبب تغطية الذنوب وسترها ومزيلها، وفي النهاية أصل الكفر: تغطية الشئ تغطية تستهلكه، ومنه (من ترك الرحى فنعمة كفرها). (¬7) أي مبعدة، وفي النهاية أي حالة من شأنها أن تنهى عن الإثم أو هى مكان مختص بذلك، وهى مفعلة من النهى والميم زائدة، والنهى العقول واحدتها نهية بالضم، سميت بذلك لأنها تنهىصاحبها عن القبيح أهـ. نعم إن الذى تعود أن يقف بين يدى ربه يناجيه بلسان الإخلاص شرح الله صدره للعبادة فظهر نفسه من أدران الحياة، فيتحرى الصالحات فيعملها.

16 - وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربةٌ (¬1) لكم إلى ربكم، ومكفرةٌ للسيئات، ومنهاةٌ عن الإثم، ومطردةٌ (¬2) للداء عن الجسد. رواه الطبراني في الكبير من رواية عبد الرحمن بن سليمان بن أبى الجون، ورواه الترمذي في الدعوات من جامعه من رواية بكر بن خُنَيس، عن محمد بن سعيد الشامى، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولانى، عن بلال رضي الله عنه. وعبد الرحمن بن سليمان أصلح حالا من محمد بن سعيد (¬3). 17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإذا أبت نضخ (¬4) في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضخت في وجهه الماء، رواه أبو داود، وهذا لفظه، والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، والحاكم ¬

(¬1) يفتح لكم أبواب رحماته، ويتجلى عليكم برضوانه، فيستجاب دعاؤكم، وتشعرون بالرضا. (¬2) في النهاية (هو قربة إلى الله تعالى، ومطردة الداء عن الجسد) أي أنها حالة من شأنها إبعاد الداء، أو مكان يختص به ويعرف، وهى مفعلة مع الطرد. إن هذا وصف طبيب النفوس من قام ليلة صفا جسمه وملك صحته وأزال الله مرضه، وحسبك الالتجاء إلى الحكيم الخالق أن يشفيه (الذي خلقنى فهو يهدين. والذى هو يطعمنى ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين) 80 من سورة الشعراء. (¬3) ع ص: 203 من محمد. (¬4) أن يأخذ قليلا من الماء فيرش به، وقد نضح عليه الماء، ونضحه به: إذا رشه عليه، فيه من السنن العشر الانتضاح. أي يرش مذاكيره بعد الوضوء لينفى عنه الوسواس، يدعو النبى صلى الله عليه وسلم لمن استيقظ ليتهجد فيوقظ زوجه بالرحمة والخير وشموله بالبركة والرضوان، فإذا فتر الصديق أو كسل عن اليقظة أتى خليله وخدنه بقليل من الماء يمره على وجهه ليزول نومه ويبعد كسله ويملك شعوره، ويتعاونان على عبادة الله. هذه التربية العالية أيها المسلمون أن يتفق الرجل وزوجه على طاعة الله، وبذا توجد الثقة والاطمئنان، ويدوم العيش الرغد، وترفرف السعادة بين الزوجين المتآلفين، وحسبك أنهما في ظل الله يوم القيامة، وهما أحد السبعة (اجتمعا عليه وتفرقا عليه) وقد دعا صلى الله عليه وسلم أيضا للزوجة إن استيقظت للعبادة ودعت زوجها النائم للتهجد. إن الذى يفعل ذلك بتعاليم القرآن، وعمل لآخرته، ودخل في زمرة من قال الله فيهم (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذى بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون) 93 من سورة الأنعام. يقول البيضاوى (مبارك) كثير النفع والفائدة. مصدق الكتاب التى قبله أو التوراة، ولينذر أهل مكة، وأهل الشرق والغرب، فإن من صدق بالآخرة خاف العاقبة، ولا يزال الخوف يحمله على التدبر والنظر حتى يؤمن؛ فالنبى صلى الله عليه وسلم والكتاب والضمير يحتملهما، ويحافظ على الطاعة، وتخصيص الصلاة لأنها عماد الدين، وعلم الإيمان أهـ.

وقال صحيح على شرط مسلم، وعند بعضهم: رشّ، ورشت بدل نضح ونضحت. وهو بمعناه. 18 - وروى الطبراني في الكبير عن أبي مالك الأشعرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجلٍ يستيقظ من الليل فيوقظ امرأته، فإن غلبها النوم نضح في وجهها الماء فيقومان في بيتهما فيذكران الله عز وجل ساعةً من الليل إلا غُفر لهما. 19 - وعن أبي هريرة رضي وأبى سعيدٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا، أو صلى ركعتين جميعاً كُتِباَ في الذاكرين والذاكرات. رواه أبو داود، وقال: رواه ابن كثير موقوفاً على أبى سعيد، ولم يذكر أبا هريرة. ورواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والحاكم وألفاظهم متقاربة. من استيقظ من الليل، وأيقظ أهله فصليا ركعتين. زاد النسائي: جميعاً كُتِباَ من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات. (قال الحافظ) (¬1) صحيح على شرط الشيخين. 20 - وعن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضلُ (¬2) صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السرِّ على صدقة العلانية. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. 21 - وروى عن سُمرةَ بن جُندبٍ رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُصلى من الليل (¬3) ما قلَّ أو كثُرَ، ونجل آخرَ ذلك وتراً رواه الطبراني والبزار. ¬

(¬1) فى ن ط: الحاكم. (¬2) ثواب. والمعنى المحافظ على التهجد تسبب حسنات لمصليها جمة لبعدها عن الرياء، ولمجاهدة النفس في ترك لذة النوم، وطلب مناجاة الرب جل وعلا. وقال المناوى: يؤخذ منه أن المقتدى به المعلم غيره صلاة النهار في حقه أفضل، كما في إظهار المقتدى به الصدقة بقصد أن يتبعه الناس أهـ. وقد علق عليه الشيخ الحفنى: يؤخذ من هذا التشبيه أنه لو كان يصلى في النهار لقصد تعليم الناس أو ليقتدى به غيره كان أفضل من صلاة الليل. كما أن صدقة العلانية حينئذ أفضل اهص 20 جامع صغير. (¬3) صلاة تهجد، وبعد ذلك نختم بالوتر. هذا في حق من آنس القيام بالليل وضمن اليقظة، وأمن الغفلة.

22 - وروى عن أنس رضي الله عنه يرفعه قال: صلاة في مسجدى (¬1) تُعدلُ بعشرة آلاف صلاة، وصلاةٌ في المسجد الحرام (¬2) تعدل بمائة ألف صلاةٍ، والصلاة بأرض الرباط (¬3) تعدل بألفى ألف صلاة، وأكثر من ذلك كُله الركعتان يُصليهما العبد في جوف الليل (¬4) لا يريد بهما إلا ما عند الله عز وجل. رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب. 23 - وعن إياس بن معاوية المُزنىِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا بُدَّ من صلاةٍ بليلٍ، ولو حلب (¬5) شاةٍ، وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل (¬6). رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا محمد بن إسحق. 24 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: فذكرت قيام الليل، فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نصفه ثُلثه رُبعَهُ، فُوَاقَ حَلْبِ ناقةٍ، فُواقَ حلبِ شاةٍ. رواه أبو يعلى ورجاله محتجّ بهم في الصحيح، وهو بعض حديث. (فواق) الناقة: بضم الفاء. هو هنا قدرُ ما بين رفع يديك عن الضرع وقت الحلب وضمهما. 25 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الليل، ورغب فيها حتى قال: عليكم بصلاة الليل ولو ركعةً (¬7) رواه الطبراني في الكبير والأوسط. ¬

(¬1) مسجده صلىله عليه وسلم بالمدينة. ثواب الركعة فيه مضاعف حسنات تساوى هذا العدد في غيره وفى ن ومسجدى هذا. (¬2) بمكة. (¬3) المكان الذى ينتظر فيه المجاهدون. (¬4) وسطه، والمعنى أن ثواب الركعتين مضاعف الأجر كثير الثواب. (¬5) أي تصلى في وقت قدر إخراج اللبن من ضرع الشاة: أي في نحو خمس دقائق. (¬6) بعد راحة وفتور الجسم، وأخذه قسطاً، ولو قليلا من النوم، ولا يعد التهجد إلا بعد القيام من نومه. قال تعالى (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) الآية. (¬7) أمره صلى الله عليه وسلم للندب، والترغيب في قيام الليل، وذكر الله وتسبيحه وعدم غفلة المسلم وكنت واقفاً أمام سيدنا الحسين رضي الله عنه فجاءنى رجل أعده ولياً من أولياء الله، وأكثر من ذكر هذه الجملة (من كثر دمه كثر نومه، ومن كثر نومه فالنار أولى به) فأيقنت أن هذا يخاطب الجمهور، ولكن يعلمنى لعلى أفقه فأعمل. نسأله التوفيق.

26 - وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما قال: جاء جبريل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد: عش ماشئت فإنك ميتٌ، واعمل ماشئت فإنك مجزىٌّ به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزَّهُ استغناؤه عن الناس (¬1). رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 27 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشراف (¬2) أُمتى حملةُ القُرآن، وأصحاب الليل (¬3). رواه ابن أبى الدنيا والبيهقى. 28 - وروى عن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى منكم من الليل فليجهر بقراءته، فإن الملائكة تُصلى بصلاته وتستمع (¬4) لقراءته، وإن مُؤمنى الجن الذين يكونون في الهواء وجيرانه في مسكنه يُصلون بصلاته، ويستمعون قراءته، وإنه يطرد (¬5) بقراءته عن داره وعن الدور التى حوله فُسَّاق (¬6) الجن، ومردة (¬7) الشياطين، وإن البيت الذى يقرأ فيه القرآن عليه خيمةٌ (¬8) من نورٍ يهتدى بها أهل السماء كما يُهتدى بالكوكب (¬9) الدرى في لجج (¬10) البحار وفي الأرض القفر (¬11)، فإذا مات صاحب القرآن رفعت تلك الخيمة فتنظر الملائكة ¬

(¬1) سيدنا جبريل عليه السلام يعطى درساً لأشرف الخلق عليه الصلاة والسلام ليرشد أمته صلى الله عليه وسلم أن العمر وإن طال فمآله الفناء، وكل محاسب على عمله إن خيراً وإن شراً، مجازى به ومسئول عنه، ويأمر بالمحبة، وحسن المعاشرة والتودد، والتحلى بمكارم الأخلاق ليكسب الإنسان الذكر الحسن بعد فراقه و (كل من عليها فان) وأخبر أن التهجد رفعة، ورقى، ومحامد، والعز عدم سؤال أي مخلوق. (¬2) كرماء وفضلاء وأعاظم؛ وأسياد أمتى الذين يحفظون القرآن، ويعملون بأوامره ويجتنبون مناهيه ويصونون قراءته عن الابتذال، ويتحرون أماكن النظافة والمستمعين، ويكونون قدوة حسنة وأسوة صالحة. (¬3) المتهجدون العابدون الذاكرون المستغفرون. (¬4) في ن ط: وتسمع، وع: تستمع ص 205. (¬5) يبعد. (¬6) عصاة. (¬7) جمع مارد: العاتى الشديد. (¬8) ظلة ساترة، ومنه خيم بالمكان: أقام فيه وسكنه فاستعارها لظل رحمة الله ورضوانه وأمنه وهذا معنى (الشهيد في خيمة الله تحت العرش). (¬9) أىلشديد الإنارة كأنه نسب إلى الدرر تشبيهاً بصفائه، وقال الفراء: الكوكب الذى عند العرب هو العظيم المقدار، وقيل: هو أحد الكواكب الخمسة السيارة. أهـ نهاية. (¬10) فضائها الواسع، ولجة البحر: معظمه، والمعنى في شدة تلاطم أمواجه وظلمه يسطع النور للسارى. (¬11) المفازة: الصحراء التى لا تنبت، والمعنى يستضئ الماشى في المهامه به، كذلك يستضاء بالقرآن.

من السماء فلا يرون ذلك النور فتلقَّاه (¬1) الملائكة من سماءٍ إلى سماءٍ فتصلى (¬2) الملائكة على روحه في الأرواح، ثم تستقبل الملائكة الحافظين الذين كانوا معه، ثم تستغفر (¬3) له الملائكة إلى يوم يُبعث؛ وما من رجلٍ تعلم كتاب الله، ثم صلى (¬4) ساعةً من ليلٍ إلا أوصت به تلك الليلة الماضية الليلة (¬5) المستأنفة أن تنبهه لساعته، وأن تكون عليه خفيفةً، فإذا مات وكان أهله في جهازه (¬6) جاء القرآن في صورةٍ حسنةٍ جميلةٍ فوقف عند رأسه حتى يدرج في أكفانه فيكون القرآن على صدره دون (¬7) الكفن، فإذا وُضِعَ في قبره، فيجئُ القرآن (¬8) حتى يكون بينه وبينهما فيقولان له: إليك (¬9) حتى نسأله؟ فيقول: لا ورب الكعبة إنه لصاحبى وخليلى، ولستُ أخذله (¬10) على حالٍ فإن كنتما أُمرتما بشئٍ فامضيا (¬11) لما أُمرتما، ودعانى (¬12) مكانى، فإنى لست أُفارقه حتى أُدخله الجنة، ثم ينظر القرآن إلى صاحبه فيقول: أنا القرآن الذى كنت تجهر (¬13) بى، وتُخفينى وتُحبُّنى فأنا حبيبك، ومن أحببته أحبه الله، ليس عليك بعد مسألة منكرٍ ونكيرٍ هم ولا حُزنٌ، فيساله منكر ونكيرٌ ويصعدان (¬14)، ويبقى هو والقرآن، فيقول: لأفرشنك (¬15) فراشاً ليناً، ولأدثرنك (¬16) دثاراً حسناً جميلاً ¬

(¬1) كذا في ع، وفى ن ط: فتتلقاه: أي فتقابله بالبشرى، وتستقبله بالفرح. (¬2) فتدعو له بنعيم روحه، وتجعل الملائكة احتفالا بهيجاً لحراسه، والحافظين عليه في حياته. (¬3) تكون وظيفة الملائكة طلب الاستغفار له من الله جل وعلا حتى ينشر ويخرج من قبره للحساب .. (¬4) ذكر الله وسبح واستغفر، وتهجد جزءاً من الزمن في سحره. (¬5) الليلة الآتية الجديدة توصيها سابقتها بيقظته. والرأفة به، وتلطيف هوائها، وإزالة شرها؛ وإبعاد أذاها حتى يتجدد نشاطه، وتقوى صحته، ويزداد انشراحاً وقبولا، ويشعر بالسرور. (¬6) الاستعداد لدفنه. (¬7) يتمثل القرآن نوراً ملاصقاً لصدره فوقه كفنه. (¬8) يمثل الله القرآن بشفع قوى الحجة مدافع عنه. (¬9) ابعد عنا وتنح. (¬10) والله لا أهزمه ولا أتركه. (¬11) اسألا ونفذا مهمتكما، واعملا بواجبكما. (¬12) اتركانى ملازما له. (¬13) كنت تقرأ في الجهر وفي السر، ولا تخشى في الله لومة لائم وتحترمنى وتعظ الناس بى، وتعمل بآدابى. (¬14) يذهبان إلى ربهما. (¬15) يكرمه الله تعالى بوضع أثاث غال في قبره: نمارق مصفوفة وزرابى مبثوثة، وملابس حسنة وفراش وثير لين، أجعلن ثيابك بديعة .. (¬16) والدثار: الثوب الذى يكون فوق الشعار (القميص)، ومنه دثرونى: أي غطونى بما أدفأ به. =

بما أسهرت (¬1) ليلك، وأنصبت (¬2) نهارك. قال: فيصعد القُرآن إلى السماء أسرع من الطرف (¬3)، فيسأل الله ذلك له فيعطيه ذلك، فيجئُ القرآن فينزلُ به ألف ألف ملكٍ من مُقرَّبى (¬4) السماء السادسة، فيجيءُ القرآن فيحييه (¬5) فيقول: هل استوحشت، مازدت منذ فارقتك أن كلمت الله تبارك وتعالى حتى أخذت لك فراشاً ودثاراً ومصباحاً، وقد جئتك به فقم حتى تفرشك الملائكة عليهم السلام. قال: فتنهضه (¬6) الملائكة إنهاضاً لطيفاً، ثم يفُسحُ له في قبره مسيرة أربعمائه (¬7) عام، ثم يُوضعُ له فراش بطانته من حريرٍ أخضر، حشوه المسك (¬8) الأذفر، ويوضع له مرافق عند رجليه ورأسه من السندس (¬9) والإستبرق (¬10)، ويُسرجُ (¬11) له سِراجان من نور الجنة عند رأسه، ورجليه يزهران (¬12) إلى يوم القيامة، ثم تضجعه الملائكة على شقه الأيمن مستقبل القبلة، ثم يُؤتَى بياسمين (¬13) الجنة وتصعد عنه، ويبقى هو والقرآن فيأخذ القرآن الياسمين فيضعه على أنفه غضًّا (¬14) فيستنشقه حتى يُبعث، ويرجع القرآن إلى أهله فيخبرهم كل يومٍ وليلةٍ، ويتعاهده كما يتعاهد الوالد الشفيق ولده بالخير، فإن تَعَلَّمَ أحدٌ من ولدهِ القرآن بشره بذلك، وإن كان عقبهُ عقب (¬15) سوءٍ دعا لهم بالصلاح والإقبال، أو كما ذُكر. رواه البزار، وقال خالد بن معدان لم يسمع من معاذ ومعناه أنه يجئ ثواب القرآن كما قال ¬

= قال تعالى: (ياأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر) وإن القلب يدثر كما يدثر السيف فجلاؤه ذكر الله: أي يصدأ كما يصدأ السيف. (¬1) بعدت جفونك عن النوم. (¬2) أقمت يومك في العبادة والتلاوة. (¬3) لمح البصر. (¬4) الأبرار المقربين المطيعين. (¬5) يقدم له أجل تحية مباركة للاستئناس. (¬6) تطلب منه تخلى هذا المكان برفق لتكسوه من أغلى الرياش، وأفخر الأثاث (بما لاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). (¬7) بمقدار سير ناقة نجيبة مسرعة. قبره يساوى هذه المسافة في الاتساع. (¬8) كثير الطيب منتشر الرائحة. (¬9) الحرير الرقيق. (¬10) الحرير الغليظ. قال تعالى (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق). (¬11) يضاء له مصباحان. (¬12) يلمعان. وفي صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان أزهر اللون، والزهر: الأبيض المستنير والزهر والزهرة: البياض النير، وهو أحسن الألوان .. (¬13) نوع من أحسن الرياحين عرفها ذكى، وشذاها طيب. (¬14) طريا لم يتغير، ومنه حديث على هل ينتظر أهل غضاضة الشاب: أي نضارته وطرواته. (¬15) إن ترك ذرية فاسقة تضرع القرآن لربه عز وجل أن يوفقهم للعمل كأبيهم. وهذه بشارة عظيمة لحامل القرآن أن يبارك الله في ذريته، ويحيطهم برحمته، ويشملهم برضاه تعالى.

إن اللقمةَ تجئُ يوم القيامة مثل أُحُدٍ، وإنما يجئُ ثوابها انتهى. (قال الحافظ): في إسناده من لا يعرف حاله، وفي متنه غرابة كثيرة، بل نكارة ظاهرة، وقد تكلم فيه العُقيليُّ وغيره ورواه ابن أبى الدنيا وغيره، عن عُبادة بن الصامت موقوفاً عليه، ولعله أشبه. 29 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بات ليلةً في خفةٍ من الطعام والشراب يُصلى تراكضت (¬1) حوله الحور العين حتى يصبح. رواه الطبراني في الكبير. 30 - وعن عمرو بن عنبسة رضي الله عنه أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: أقرب ما يكون الربُّ من العبد في جوف الليل (¬2) الآخر، فإن استعطت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن. رواه الترمذي واللفظ له، وابن خزيمة في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. 31 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خيب (¬3) الله امرأً قام في جوف الليل فافتتح سورة البقرة وآل عمران. رواه الطبراني في الأوسط، وفي إسناده بقية. 32 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثةٌ ¬

(¬1) كذا في ع مصححه ص 206: أي لازمته وأحاطت به، وفي حديث ابن عمرو وبن العاص (المؤمن أشد ارتكاضة على الذنب من العصفور حين يغدف به) أي أشد حركة واضطراباً، والركض: الضرب بالرجل والإصابة بها. وفى ن ط، تداركت: والله سبحانه أعلم، وفي الحديث طلب الأكل الخفيف في العشاء وعدم تثاقل المعدة بالطعام رجاء اليقظة للتهجد ولذكر الله تعالى ليعمه نعيم الله ورضوانه، وتحفه رياحين الجنة وزهرتها، ويحوطه نساء الجنة الحسان يدعون له بالتوفيق رجاء أن يزف إليهن يوم القيامة. ياأخى: السيدة الحسناء والغادة الهيفاء تبتهج بعبادتك، وتنتظرك لتتمتع بها في آخرتك، وتنادى مهرها التهجد. قال الشاعر: وقيدت نفسى في هواك محبة ... ومن خطب الحسناء لم يغلها مهر (¬2) بعد نصف الليل إلى مطلع الفجر كما قال صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعونى فأستجب له، ومن يسألنى فأعطيه، ومن يستغفرنى فأغفر له) أي تنزل رحمته وأمره وملائكته، ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف والله أعلم. (¬3) كذا في ع ص 207: أي ما أسقط وما حرم، والخائب: الذى لا نصيب له في الخير، وخاب يخيب ويخوب ومنه الحديث: (خيبة لك، وخيبة الدهر). وفى ن ط: ماخاب الله امرأ.

يُحبُّهم الله (¬1)، ويضحك إليهم، ويستبشر بهم: الذى إذا انكشفت فئةٌ قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل، فإما أن يُقتل، وإما أن ينصره الله عز وجل ويكفيه (¬2) فيقول: انظروا إلى عبدى هذا كيف صبر لى بنفسه؟ والذى له امرأةٌ حسنة، وفراشٌ لينٌ حسنٌ، فيقوم من الليل فيقول: يذرُ (¬3) شهوته ويذكرنى، ولو شاء رقد (¬4)، والذى إذا كان في سفرٍ، وكان معه ركبٌ (¬5) فسهروا (¬6)، ثم هجعوا (¬7) فقام من السحر (¬8) في ضراء وسراء. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. 33 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: عجب (¬9) ربُّنا تعالى من رجلين: رجلٍ ثار (¬10) عن وطائه (¬11) ولحافه من بين أهله وحبه (¬12) إلى صلاته، فيقول الله جل وعلا: انظروا إلى عبدى ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبةً (¬13) فيما عندى، وشفقةً (¬14) مما عندى. ورجلٍ غزا في سبيل الله، وانهزم أصحابه وعلم ما عليه (¬15) في الانهزام، وماله في الرجوع فرجع حتى يُهريق (¬16) دمه فيقول: انظروا إلى عبدى رجع رجاء فيما عندى وشفقةً مما ¬

(¬1) أي يعجب من حسن فعالهم ويرحمهم. (¬2) يبعد عنه شرهم ويزيل ضررهم. (¬3) يترك لذته، ويبتعد عن تمتعه بزوجته الحسناء حبا في ذكر الله وتسبيحه تهجداً. (¬4) نام، وأحل الله له ذلك وتمتع. (¬5) جماعة: رفقاؤه. (¬6) أدلجوا طول الليلة ولم يذوقوا النوم. (¬7) ناموا ليلا، وفي حديث الشورى: طرقنى بعد هجع من الليل. الهجع والهجعة والهجيع: طائفة من الليل. (¬8) آخر الليل يتحمل آلام السهر في طاعةالله وذكره ويشعر بالسرور فيدرك ثواب الله. (¬9) أي عظم ذلك عنده وكبر لديه، أعلم الله أنه إنما يتعجب الآدمى من الشئ إذا عظم موقعه عنده وخفى عليه سببه، فأخبرهم بما يعرفون ليعلموا موقع هذه الأشياء عنده وقيل رضي وأثاب. أهـ نهاية. (¬10) بعد، من ثار الشئ يثور: انتشر وارتفع، ومنه الحديث (فرأيت الماء يثور من بين أصابعه) أي ينبع بقوة وشدة. (¬11) الشئ المذلول: الموطوء: أي ترك فراشه وغطاءه الدفئ، والوطاء: ما تحت الأقدام. (¬12) أقربائه وحبيبه. (¬13) رجاء ثوابى وحبا في طلب رضاى. (¬14) خوفا من عذابى، ومنه قوله تعالى (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون) أي خائفون. (¬15) علم أن الاندحار سبب موته واسره وقتله، ولكن جاهد حتى يستشهد طلباً في نعيم الله. (¬16) يراق ويسال دمه، والمعنى أن رجلين اكتسبا زيادة الأجر من الله تعالى: أ - من هجر لذة نومه، وترك سريره ليتهجد. ب - المجاهد في سبيل الله المستبسل، ولم يفر عند الهزيمة.

عندى حتى يُهَرِيقَ دمه. رواه أحمد، وأبو يعلى والطبراني، وابن حبان في صحيحه، ورواه الطبراني موقوفاً بإسناد حسن، ولفظه: إن الله ليضحك (¬1) إلى رجلين: رجلٍ قام في ليلةٍ باردةٍ من فراشه ولحافه ودثاره فتوضأ ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل لملائكته (¬2): ما حمل عبدى هذا على ما صنع؟ فيقولون: ربنا رجاء ما عندك، وشفقةً مما عندك، فيقول: فإنى قد أعطتيه ما رجا (¬3) وآمنته مما يخاف، وذكر بقيته. 34 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الرجل من أُمتى يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور (¬4)، وعليه عُقدٌ (¬5) فإذا وضأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة،، فيقول الله عز وجل للذين وراء الحجاب: انظروا إلى عبدى هذا يُعالج نفسه يسألنى، عبدى هذا فهو له. رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له. 35 - وعن أبي عبيدة رضي الله عنه قال: قال عبد الله (¬6): إنه مكتوب في التوراة: لقد أعدَّ الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عينٌ، ولم تسمع أذنٌ، ولم يخطر على قلب بشرٍ، ولا يعلمه ملك مقرَّبٌ، ولا نبىٌّ مرسلٌ. قال ونحن ¬

(¬1) لينظر نظرة رحمة وسرور من فعلهما الحسن. (¬2) الله تعالى يعلم سبب فعل عبده هذا، ولكن يسأل الملائكة سؤال تعظيمهم له، وإشعاراً لهم، وجواب تعبد أنه العليم الخبير (وهو بكل شئ عليم. وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم مالا تعلمون) 31 من سورة البقرة (¬3) أجبت جميع رغباته، وباركت في أعماله وأسلمته من المخاطر. (¬4) الوضوء: أي ما يتطهر به. (¬5) حبال غلب عليه الشيطان، وكتفه بخيوط الكسل والغفلة، وجرى مجرى عروق الدم منه رجاء نسيان ذكر الله ورقوده وسباته، فإذا أراد الله له باليقظة فذكر الله حطم سلسلة من قيوده، ومزق عقدة من أغلاله، وهكذا حتى يتم الوضوء، فيتجلى عليه الرب جل وعلا، ويباهى بفعله هذا ملائكته المقربين ويأمرهم أن ينظروا إلى فعل طاعته وتذلله لربه رجاء رحمته تعالى ثم يبشرهم بإجابة كل ما سأل تفضلا وتكرما. الله أكبر، هذا وقت المعاملة الحسنة مع الله والتجارة مع الغنى الكريم والتضرع إليه؛ وقد تكفل سبحانه بعدم رد طلب لمن سأل. (¬6) سيدنا عبد الله بن سلام كان حبرا وعالما أنبأنا عما في التوارة لسيدنا موسى، وقد وافقه كلامه الله عز وجل في قرآنه عن جزاء المتهجد العابد الذاكر المستغفر سحراً.

نقرؤُها: فلا تعلم نفسٌ ما اُخفى لهم من قُرةِ أعينٍ، الآية. رواه الحاكم وصححه. (قال الحافظ): أبو عبيدة لم يسمع من عبد الله بن مسعود، وقيل: سمع. 36 - وعن عبد الله بن أبى قيسٍ رضي الله عنه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لاتدع (¬1) قيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه (¬2)، وكان إذا مرض أو كسل (¬3) صلى قاعداً. رواه أبو داود، وابن خزيمة في صحيحه. 37 - وعن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان رضي الله عنه لينظر ما اجتهاده (¬4). قال: فقام يصلى من آخر الليل فكأنه لم ير الذى كان يظن، فذكر ذلك له، فقال سلمان: حافظوا على الصلوات الخمس، فإنهن كفاراتٌ (¬5) لهذه الجراحات ما لم تُصب المقتلة (¬6)، فإذا صلى الناس العشاء صدروا عن ثلاث منازل. منهم: من عليه ولا له، ومنهم: من له (¬7) ولا عليه، ومنهم: من لا له ولا عليه. فرجلٌ اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس، فركب (¬8) فرسه في المعاصى، فذلك عليه ولا له. ومن له ولا عليه: فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلى فذلك (¬9) له ولا عليه. ومن لا له ولا عليه: فرجل صلى ثم نام (¬10) فلا ولا عليه. إياك والحقحقة وعليك بالقصد وداومه (¬11). رواه الطبراني في الكبير موقوفاً بإسناد لا بأس به، ورفعه جماعة. (الحقحقة) بحاءين مهملتين مفتوحة وقافين، الأولى ساكنة، والثانية مفتوحة: هو أشدّ ¬

(¬1) لا تترك. لا نهاية. (¬2) كان لا يتركه. (¬3) أعياه التعب. ولحق به العناء. (¬4) كذا ن ع ص 208. ما اسم استفهام مبتدأ: أي أي شئ بلغ اجتهاده وفى ن ط: لينظر اجتهاده. (¬5) مزيلات الصغائر، وسائره الخطايا التى يقترفها الإنسان. (¬6) ما لم تفعل الكبائر التى أوعد الله بها العقاب الأليم ونهى عنها وشدد على مرتكبيها مثل الزنا والسرقة والشرك بالله والسحر والربا وقتل النفس وعقوق الوالدين وقذف المحصنات الغافلات والغيبة والنميمة والكبر والحسد والفتنة وهكذا. (¬7) أي يجاهد نفسه في التوبة من المعاصى وكثرة الاستغفار والإنابة إلى الله، والحسد والإقلاع عن الشرور والتهجد. (¬8) أي استرسل في إدراك شهوات نفسه وأطلق لها العنان في فعل الموبقات فذلك أوزاره جمة وسيئاته كثيرة وعذابه أليم وحسابه عسير. (¬9) له الثواب الجزيل ولا ذنب عليه. (¬10) في ن ع: لا له ولا عليه ص 208. (¬11) كذا ع: أي استمر في العبادة جهد الطاقة، ولا تتعب نفسك بكثرة السهر واترك الغلو في العبادة ولا تحمل نفسك فوق طاقتها، وفيه أن الإنسان يصلى العشاء، وينام رجاء أن الله يوفقه بالقيام والتهجد لينال من الله النعيم ويجاب دعاؤه ويحذر أن يسهر في معصية ويسامر في غضب الله .. وفيه النهى عن المغالاة في السهر في العبادة (إن الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى).

السير، وقيل هو أن يجتهد في السير، ويلحّ فيه حتى تعطب راحلته، أو تقف، وقيل غير ذلك. لا حسد إلا في اثنتين 38 - وعن سُمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: ليس في الدنيا حسدٌ (¬1) إلا في اثنتين: الرجل يغبط الرجل أن يُعطيه الله المال الكثير فينفق منه فيكثر النفقة، يقول الآخر: لو لى مالٌ لأنفقت مثل ما ينفق هذا وأحسن فهو يحسده، ورجلٌ يقرأُ القرآن فيقوم الليل وعنده رجلٌ إلى جنبه لا يعلم القرآن فهو يحسده على قيامه وعلى ما علمه الله عز وجل (¬2) من القرآن فيقول: لو علمنى الله مثل هذا لقمت مثل ما يقوم. رواه الطبراني في الكبير، وفي سنده لين. (الحسد) يطلق، ويراد به تمنى زوال النعمة عن المحسود، وهذا حرام بالإتفاق، ويطلق ويراد به الغبطة، وفي نظائره، فإن كانت الحالة التى عليها المغبوط محمودة فهو تمنّ محمود، وإن كانت مذمومة فهو تمنّ مذموم يأثم عليه المتمنى. 39 - وعن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجلٌ آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار. رواه مسلم وغيره. 40 - وعن يزيد بن الأخنسِ وكانت له صحبةٌ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لاتنافس (¬3) إلا في اثنتين: رجلٌ أعطاه الله قُرآناً فهو يقوم به آناء (¬4) الليل والنهار، فيقول رجلٌ: لو أن الله أعطانى ما أعطى فلاناً فأقوم به كما ¬

(¬1) هنا غبطة: أي تتمنى أن تفعل خيراً مثله، وليس الحسد المذموم الذى هو تمنى زوال النعمة عن أخيك. (¬2) يبين صلى الله عليه وسلم خصلتين تتمنى أن تتحلى بهما أيها المسلم: أ - خلة الإنفاق والجود على إنشاء مشروعات الخير، وتشييد الصالحات، وتنظر إلى المحسنين فتتمنى أن يكون لك مال لتعمل مثلهم. ب - خلة التقوى المنبعثة من قراءة القرآن الداعية إلى التهجد الغارسة دوحات العلم النافع في قلب حافظه فتتمنى أن تنفقه القرآن وتقرأه لتظهر تعاليمه، وتثمر أوراقه في حديقتك. (¬3) كذا في ع ص 209 والتنافس للتسابق في الخير وانتهاز فرص نيل الثواب، وفي ن ط اثنين. (¬4) ساعاته جمع إنا بالكسر والقصر، أو جمع آناء بالفتح والمد. قال تعالى: (ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى) والمعنى أنه يعظ الناس به في أوقات الليل إن سنحت الفرصة، وكذا في النهار مع العمل به، ويقرأ أمام الفقراء، ويحترم قراءته ونفسه ثم رسخ الإيمان بقلبه فتهجد وذكر الله في السحر.

يقوم، ورجلٌ أعطاه الله مالاً فهو ينفق (¬1) منه ويتصدق، فيقول رجلٌ مثل ذلك. رواه الطبراني في الكبير، ورواته، ثقات مشهورون، ورواه أبو يعلى من حديث أبى سعيد نحوه بإسناد جيد. الترغيب في قراءة القرآن بالليل 41 - وعن فُضالة بن عبيدٍ وتميمٍ الدارىِّ رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ عشر آياتٍ (¬2) في ليلةٍ كُتب له قنطار، والقنطار خيرٌ من الدنيا وما فيها، فإذا كان يوم القيامة يقول ربك عز وجل: اقرأ وارق بكل آيةٍ درجة حتى ينتهى إلى آخر آيةٍ معه، يقول الله عز وجل للعبد: اقبض، فيقول العبد بيده: يارب أنت أعلم، يقول بهذه الخلد، وبهذه النعيم رواه الطبراني في الكبير والاوسط. 42 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قام بعشر آياتٍ لم يُكتب من الغافلين (¬3)، ومن قام بمائة آيةٍ كُتِبَ من القانتين، ومن قام بألف آيةٍ كُتبَ من المقنطرين. رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه، كلاهما من رواية أبى سرية عن أبي حجيرة عن عبد الله بن عمرو، وقال ¬

(¬1) ينشئ به الأعمال الصالحات، ومشروعات تفيد الأبناء، ويوجد أعمالا للعاطلين ويكسو عريانا، ويطعم جائعاً، ويصرف في وجود البر ويزكى. (¬2) ظاهره من أي سورة ينال ثوابا لو وزن لرجحت كفته عن القنطار وهذاخير من نعيم الدنيا الفانى على أن الله تعالى يتفضل ويرقيه إلى درجات عالية كل آية درجة يصعد بها إلى العلياء والعز، والنعيم المقيم لما فى الآيات من ذكر الله وتسبيحه وتقديسه بمعنى أنه يتهجد، وبعد فاتحة الكتاب يقرأ ما تيسر من القرآن يحفظ الله له ذلك ذخيرة عنده يوم القيامة ويجازيه، وما من كمال إلا وعند الله أكمل منه. قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة مائة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم فاسألوه الفردوس). (¬3) أي صلى نافلة، وتلا في صلاته عشر آيات عد من الذاكرين الله كثيراً، ومحيت عنه الغفلة ومن قام أي تهجد في صلاته، فقرأ في مائة آية كتبه الله من الطائعين الخاشعين العابدين، وفيه (تفكر ساعة خير من قنوت ليلة)، وقال ابن الأنبارى: القنوت على أربعة أقسام: الصلاة، وطول القيام، وإقامة الطاعة، والسكوت. أهـ، ومنه: أ - (وقوموا لله قانتين): وقيل أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت أي الاشتغال بالعبادة، ورفض كل ما سواه سبحانه وتعالى، فعليك أخى بكثرة القراءة في الصلاة عسى أن تنال هذه الصفة. قال تعالى ب - (إن إبراهيم كان أمة قانتا). جـ - (يامريم اقنتى لربك). د - (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً).

ابن خزيمة: إن صح الخبر فإنى لا أعرف أبا سرية بعدالة ولا جرح، ورواه ابن حبان في صحيحه من هذه الطريق ايضاً إلا أنه قال: ومن قام بمائتى آيةٍ كتبَ من المقنطرينَ. (قوله) من المقنطرين: أي ممن كتب له قنطار من الأجر. (قال الحافظ): من سورة تبارك الذى بيده الملك إلى آخر القرآن ألفُ أيةٍ والله أعلم. 43 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القنطار اثنا عشر ألف أُوقيةٍ، الأوقية خيرٌ (¬1) مما بين السماء والأرض. رواه ابن حبان في صحيحه. 44 - وروى عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ عشر آيات في ليلةٍ لم يُكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آيةٍ كُتبَ له قنوت ليلةٍ، ومن قرأ مائتى أيةٍ كُتب من القانتين، ومن قرأ أربعمائة آيةٍ كُتبَ من العابدين (¬2)، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من الحافظين (¬3)، ومن قرأ ستمائة آيةٍ كتب من الخاشعين (¬4)، ومن قرأ ثمانمائة أيةٍ كُتب من المخبتين (¬5)، ومن قرأ ألف آيةٍ ¬

(¬1) أبقى نعيمها من الدنيا وما فيها. (¬2) الذين تفانوا في طاعة مولاهم، وأظهروا له الذل والخشوع دون سواه سبحانه. (¬3) الذين أجادوا معرفته، وعد من المطهرين المقربين الذين قال الله عنهم: (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) ما شاء الله - زيادة التلاوة في الصلاة تنقى صحائف القارئ وتطهره من الآثام، وتجعله في صفوف الأبرار الصالحين الذين يخافون الله جل وعلا الذين يعنيهم الله بقوله: (ولمن خاف مقام ربه جنتان). (¬4) المتواضعين الذين يعنيهم الله بقوله: (فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمى الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) 36 من سورة الحج. (¬5) الإخبات: زيادة التواضع والذلة لله، يقال أخبت لله، أي زاد تواضعاً: أربع خصال حازها المخبتون أولا: خوف الله. ثانياً: الصبر على المصائب: ثالثا: الصبر عند المصائب رابعاً: الإنفاق في الخيرات (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم). صلاة التهجد سعادة، وهى ثمرات دوحات نبتت في قلوب المتقين فأزهرت أي الصلاة بالليل بعد العشاء، وأصله ترك الهجود، وهو النوم: قال ابن فارس: المتهجد: المصلى ليلا وفي نسخة من الليل: أريد أن أبين للمسلمين أن القيام ليلا لذكر الله يجلب هناءة الضمير، وقرة العين، وانشراح الصدر: أولا: لإزالة سلطة الشيطان عليه وقهره وفك عقد كسله (فأصبح نشيطاً). ثانياً: سبب دخول الجنة وحصن منيع من النار، وقد رأى سيدنا عبد الله بن عمر ملكين أخذاه إلى النار فقابله آخر قال (لن تراع لن تراع) فقص الرؤيا على أخته (السيدة حفظة) فقصتها على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: =

أصبح له قنطارٌ، والقنطارُ ألف ومائتا أوقيةٍ، والأُوقيةُ خير مما بين السماء والأرض أو قال: خيرٌ مما طلعت عليه الشمس، ومن قرأ ألفى أيةٍ كان من الموجبين. رواه الطبراني ¬

_ = (نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل) فما ترك التهجد بعدئذ. قال شراح الحديث: فيه أن القيام بالليل يمنع عذاب النار وأى فرح وعز وشعور بالنجاة والسرور من أن يضمن الإنسان لنفسه السلامة من جهنم والفوز بجنة أعدها الله للمحسنين الصالحين. ثالثاً: يقف الخلائق للحساب إلا المتهجد فيمر بسلام. رابعا: لعل المتهجد يتفق ادعاؤه ساعة تفتحت لها أبواب رحمة الله تعالى فيجاب دعاؤه وينال سؤاله وتقضى آماله فينجح ويربح. خامساً: أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن قيام الليل يجدد للجسم نشاطه، ويبعث الصحة ويقوى دورة الدم، وينقيه باستنشاق نسيم السحر العليل البليل الجميل، ويعطى الرئتين قوة ومناعة وتصح العينان ويسلم الرأس من عوارض الزكام والصداع وتطرد الأدواء عن الجسم (ومطردة للداء عن الجسد) كما قال صلى الله عليه وسلم، وهو عليه الصلاة والسلام: (ماضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى ذو مرة) صدق أيها المسلم، وأخى هذه العادة الجميلة لتحيا حياة الأبرار وتعيش عيشة الأخيار الأطهار. سادساً: تبادل الثقة بين الزوجين: الرجل يوقظ زوجته، وهى توقظ زوجها، وقد دعا لهما صلى الله عليه وسلم بالرحمة إن فعلا ذلك. هذه هى السعادة أن يتعاونا على طاعة الله، وهنا تتجدد عرى الصداقة، تقوى روابط الأسرة، ويزول سوء التفاهم وتشرق أنوار السعادة على هذا البيت فيخرج الزوج إلى عمله قريرالعين مثلوج الفؤاد آمناً على عرضه مطمئناً على بيته. وقديما قيل: (رأس الحكمة مخافة الله) وأترك للقارئ حوادث سوء النية للزوج أو الزوجة اللذين لا يخافان الله وإنها لكثيرة: شقاق وكدر وغضب ومحاكم وتبرج ونزاع وإسراف وقلة أدب، وهكذا مما يجره عدم العمل بكتاب الله رب العالمين وسنة سيد المرسلين، ونسيان قوله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة). وقوله صلى الله عليه وسلم: (فصلى وأيقظ امرأته). سابعاً: عد صلى الله عليه وسلم قيام الليل شرفا وسيادة وعلو نفس طماعة إلى كسب المعالى وجنى ثمار المحامد، ولو كشف الله بصيرته لرأى جمال الهيئة، وأنوار ملائكة الرحمة، وفرح الحور العين بعمله وتجليات المولى جل وعلا عليه بالرحمة، واستظلاله بظل الله، والناس غافلون، وقد نفى صلى الله عليه وسلم الخيبة في طلبه، والخسران في عمله، وكفل له الربح والفلاح، وأمنه الله من المكاره؛ وزال عنه الأخطار. ثامناً: تخفيف الطعام في العشاء من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتستريح المعدة ويهدأ نومه؛ وهذا نهاية الطب، ومجلب الصحة. أدلة التهجد من القرآن قال تعالى أ - (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا. وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيراً. وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) 82 من سورة الإسراء. قيل المراد بالصلاة صلاة المغرب، ثم بين الله مبدأ الوقت ومنتهاه. وقال صلى الله عليه وسلم (أتانى جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بى الظهر وقيل: لغروبها) (وقرآن الفجر) صلاة الصبح تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، أو شواهد قدرة الخالق جل الخالق جل وعلامن تبدل ظلمة الليل بضاء النهار والنوم بالانتباه ليعتبر العقلاء، فيقوموا لذكر الله، وشاهدنا (ومن الليل فتهجد به) أي =

(الموجب): الذى أتى بفعل يوجب له الجنة، ويطلق أيضاً على من أتى بفعل يوجب له النار. ¬

_ = وبعض الليل فاترك الهجود للصلاة، والضمير للقرآن (نافلة لك) فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة، أو فضيلة لك لاختصاص وجوب بك، رجاء مقام يحمده القائم فيه وكل من عرفه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (من المقام الذى أشفع فيه لأمتى) ثم دعا صلى الله عليه وسلم بدعاء (أدخلنى) أي في القبر إدخالا مرضيا (وأخرجنى) أي منه عند البعث إخراجاً ملقى بالكرامة، أو أدخلنى يارب المدينة أو مكة ظاهراً عليها، أو فيما حملتنى من أعباء الرسالة، وأخرجنى من مكة سالماً آمنا من المشركين، أو أخرجنى مما حملتنى من أعباء الرسالة مؤديا حقه أو أدخلنى الغار وأخرجنى سالما، وقونى بحجة تنصرنى على من خالفنى، أو ملكا ينصر الإسلام على الكفر، والحق: الإسلام، والباطل: الشرك كان مضمحلا غير ثابت. عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام دخل مكة يوم الفتح وفيها ثلثمائة وستون صنما، فجعل ينكت بمخصرته في عين واحد واحد منها فيقول: جاء الحق وزهق الباطل فينكب لوجهه حتى ألقى جميعها وبقى صنم خزاعة فوق الكعبة، وكان من صفر، فقال ياعلى: ارم به فصعد فرمى به فكسره أهـ بيضاوى. قال الشرقاوى: قد صحح النووي أنه نسخ عنه التهجد كما نسخ عن أمته، قال: ونقله الشيخ أبو حامد عن النص، وهو الأصح أو الصحيح، ففى مسلم عن عائشة رضي الله عنها ما يدل عليه، أو فضيلة لك فإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحينئذ فلم يكن فعل ذلك يكفر شيئاً، ويرجع التكاليف كلها في حقه عليه الصلاة والسلام قرة عين، وإلهام طبع، وحينئذ فلم يكن فعل ذلك يكفر شيئاً ويرجع التكاليف كلها في حقه عليه الصلاة والسلام قرة عين، وإلهام طبع، وتكون صلاته في الدنيا مثل تسبيح أهل الجنة لا على وجه الكلفة والتكليف وهذا كله مفرع عن طريقة إمام الحرمين من أن التكليف يستلزم الوعيد، وأما عن طريقة القاضي حيث يقول: لو أوجب الله تعالى شيئاً لوجب، وإن لم يكن وعيد فلا يمتنع حينئذ بقاء التكاليف في حقه عليه الصلاة والسلام على ما كانت عليه مع طمأنينته عليه الصلاة والسلام من ناحية الوعيد، وعلى كلا التقديرين فهو معصوم ولا ذنب ولا عتب، وأما أمره بالاستغفار في قوله: (فسبح بحمد ربك واستغفره) فهو تعبد على الفرض والتقدير: أي استغفر مما عساه أن يقع لولا عصمتك. أهـ ص 9 جـ 2. ب - (إن المتقين في جنات وعيون 16 آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) 20 سورة الذاريات. جـ - (ياأيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) 5 من سورة المزمل. يامتلففاً بثيابه. روى أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلى متلففاً بمرط مفروش على عائشة رضي الله عنها وأصله المتزمل فأدغم التاء في الزاى، ومن تزمل الزمل: تحمل الحمل. أي ياأيها المتحمل أعباء النبوة: قم إلى الصلاة أو داوم عليها (إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هى أشد وطأ وأقوم قيلا) قولا: أي القرآن لما فيه من التكاليف الشاقة ثقيل على المكلفين سيما على الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كان عليه أن يتحملها ويحملها أمته (إن ناشئة الليل) أي إن النفس التى تنشأ من مضجعها إلى العبادة، من نشأ من مكانه إذا نهض وقام. أو قيام الليل على أن الناشئة له، أو العبادة التى تنشأ بالليل: أي تحدث، أو ساعات الليل لأنها تحدث واحدة بعد أخرى (هى أشد وطأ) أي كلفة، أو ثبات قدم، وقرئ (وطاء) أي مواطأة القلب اللسان لها أو فيها أو موافقة لما يراد منها من الخضوع والإخلاص (وأقوم قيلا) أي وأسد مقالا أو أثبت قراءة لحضور القلب هذه الأصوات. =

45 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكن من الغافلين، ومن قرأ في ليلةٍ مائة آيةٍ لم يكتب من الغافلين، أو كتب من القانتين: رواه ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم، ولفظه وهو رواية لابن خزيمة أيضاً قال: من صلى في ليلةٍ بمائة آيةٍ لم يكتب من الغافلين، ومن صلى في ليلةٍ بمائتى آيةٍ كتب من القانتين المخلصين. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وفي رواية له قال فيها على شرط مسلم أيضاً: من قرأ عشر آياتٍ في ليلةٍ لم يكتب من الغافلين. ¬

_ = (إن لك في النهار سبحاً طويلا واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا) أي تقلباً في مهماتك، واشتغالا بها فعليك بالتهجد فإن مناجاة الحق تستدعى فراغا، وقرئ (سبخاً) أي فراغا تفرغ قلب بالشواغل مستعار من سبخ الصوف وهو نفشه ونشر أجزائه، ودم على ذكر ربك ليلا ونهارا. وذكر الله يتناول كل ما يذكر به من تسبيح وتهليل وتمجيد وتحميد وصلاة، وقراءة قرآن، ودراسة علم (وتبتل) وانقطاع إليه بالعبادة وجرد نفسك عما سواه. أهـ بيضاوى. أيها المسلم: هل تقتدى بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره الله بالتهجد فزاد كمالا، ونصره الله ودانت له الأرض، وعز ملكه، وانتشر دينه صلى الله عليه وسلم، ونال الشفاعة العظمى، وخصه الله بمحامد ومكارم الأخلاق. قال تعالى: (وإن لك لأجراً غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم) صلى الله عليه وسلم (غير ممنون) غير مقطوع، أو ممنون به عليك من الناس فإنه تعالى يعطي بلا توسط لأنك تتحمل من قومك مالا يتحمل أمثالك، وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن. ألست تقرأ القرآن؟ بلى، أقرأ (قد أفلح المؤمنون) اللهم صل عليه وسلم وأصحابه قاموا بالتهجد خير قيام. قال جل وعلا: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، وآخرون يقاتلون في سبيل الله). (أدنى) استعار الأدنى للأقل لأن الأقرب إلى الشئ أقل بعداً منه، ويقوم بذلك جماعة من أصحابك، ولا يعلم مقادير ساعات الليل والنهار كما هى إلا الله سبحانه وتعالى، ولن تحصوا تقدير الأوقات، ولن تستطيعوا ضبط الساعات (فتاب عليكم) بالترخيص في ترك القيام المقدر، ورفع التبعة كما رفع التبعة عن التائب (فاقرءوا ما تيسر من القرآن): فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل، عبر عن الصلاة بالقرآن كما عبر عنها بسائر أركانها، وقيل: فاقرءوا القرآن بعينه كيفما تيسر عليكم والضرب في الأرض: المسافرة للتجارة أو لتحصيل العلم. أهـ بيضاوى (فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) المفروضة.

الترهيب من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس

الترهيب من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس 1 - عن عائشة رضي الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعسٌ لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه. رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، ولفظه: إذا نعس أحدكم وهو يصلى فلينصرف فلعله يدعو على نفسه وهو لا يدرى. 2 - وعن أنسٍ رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم مايقرؤه. رواه البخاري والنسائي إلا أنه قال: إذا نعس أحدكم في صلاته فلينصرف (¬1) وليرقد. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم (¬2) القرآن على لسانه (¬3) فلم يدر ما يقول (¬4) فليضطجع (¬5). رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، رحمهم الله تعالى. ¬

(¬1) كذا ن ع، ط، وفي د من الصلاة: نعس أخذه النوم. يقال نعس نعسة ونعاساً، وهو الوسن وأول النوم. نهى صلى الله عليه وسلم أن يستمر الناعس في صلاته خشية أن يدعو على نفسه وهو لا يدرى، وخشية عدم إتمام الأركان فليقطع صلاته ولينم حتى يذهب عنه النوم وحتى يذهب ليفعل الوسائل التى تزيل وسنه، وفيه أن المصلى لا بد أن يملك شعوره، ويعلم حركاته وأقواله، وأن المتهجد إذا لم يذهب نومه بل غلبه ينام أحسن من الاستمرار في الصلاة خوفا من الخلط وسب نفسه. (¬2) استغلق. (¬3) أي ثقلت عليه القراءة كالأعجمى لغلبة النعاس. قال العلقمى: قال القرطبى: القرآن مرفوع على أنه فاعل استعجم أي صارت قراءته كالعجمية لاختلاف حروف النائم وعدم بيانها. (¬4) أي صار لنعاسه لا يفهم ما ينطق به. (¬5) قال المناوى: للنوم ندبا إن خف النعاس بحيث يعقل القول، أو وجوبا إن غلبه بحيث أفضى إلى الإخلال بواجب أهـ. وقال العلقمى: لئلا يغير كلام الله ويبدله أهـ، وقال الحفنى: والتقييد بالليل للغالب من أن النوم في الليل، وإلا فالنوم في النهار كذلك أهـ جامع صغير ص 152. وأقول: ينام إذا كان في تهجد ليلا، أو نافلة نهاراً. أما إذا كان يصلى الفرض، وينام فيقطع صلاته ويرش على وجهه الماء، ويذهب النوم عنه، ويصلى خشبة أن يضيع الوقت، وخوفا من ذهاب الفضيلة والله سبحانه وتعالى أعلم.

الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شئ من الليل

الترهيب من نوم الإنسان إلى الصباح وترك قيام شئ من الليل 1 - عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: ذُكِرَ عند النبى صلى الله عليه وسلم رجلٌ نام ليلةً حتى أصبح قال: ذاك (¬1) رجل بال (¬2) الشيطان في أذنيه، أو قال في أُذُنه. رواه البخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه وقال: في أذنيه على التثنية من غير شكً، ورواه أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة وقال: في أُذنه على الإفراد من غير شكً، وزاد في آخره. قال الحسن: إن بوله والله ثقيلٌ. 2 - وروى الطبراني في الأوسط حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ولفظه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد العبد الصلاة من الليل أتاه ملكٌ (¬3) فقال: له: قم فقد أصبحت، فصلِّ (¬4) واذكر رَبَّك فيأتيه الشيطان فيقول: عليك ليلٌ طويلٌ وسوف تقوم، فإن قام فصلى أصبح نشيطاً خفيف الجسم قرير العين (¬5)، وإن هو أطاع الشيطان حتى أصبح بال في أُذُنه. 3 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله لاتكن مثل فُلانٍ كان يقوم الليل فترك قيام الليل. رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم. ¬

(¬1) كذا ن ط وع ص 211، وفي د: ذلك. قال النووي: وفيه الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع، وفراغ قلب ونشاط، وفيه أمر الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس، وهذا عام في صلاة الفرض والنفل في الليل والنهار، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور لكن لايخرج فريضة عن وقتها. قال القاضى: وحمله جماعة ومالك على نفل الليل، لأنه محل النوم غالبا. أهـ ص 74 جـ 6. (¬2) قيل: معناه سخر منه، وظهر عليه حتى نام عن طاعة الله عز وجل كقول الشاعر: * بال سهيل في الفضيخ ففسد * أي لما كان الفضيخ يفسد بطلوع سهيل كان ظهوره عليه مفسدا له. وعن الحسن مرسلا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا نام شغر الشيطان برجله فبال في أذنه) أهـ نهاية. وسهيل الفضيخ كوكبان، وشغر رفع إحدى رجليه ليبول وشغرت المرأة: رفعت رجلها للنكاح، وشغر البلد شغوراً من باب قعد إذا خلا عن حافظ يمنعه. تعبير في غاية الأدب، ومنتهى الحكمة. والمعنى أن الشيطان يسلح على الغافل تارك التهجد. وهو كالتغوط للإنسان. (¬3) من ملائكة الرحمة الحفظة. (¬4) قربت في السحر فتهجد. (¬5) مسرورا، أقر الله عينه أعطاه حتى تفرح، فلا تطمح إلى من هو فوقه، ودمعة السرور باردة، والحزن حارة.

4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقدٍ يضرب على كل عقدةٍ: عليك ليل طول فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدةٌ، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدةٌ، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان رواه مالك والبخاري، ومسلم، وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وعنده: فيصبح نشيطاً طيب النفس قد أصاب خيراً، وإن لم يفعل أصبح كسلان خبيث النفس لم يصب خيراً، وتقدم في الباب قبله. 5 - وروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قالت أم سليمان بن داود لسليمان: يابنى: لاتكثر (¬1) النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيراً (¬2) يوم القيامة. رواه ابن ماجه والبيهقى، وفي إسناده احتمال للتحسين. 6 - وعنه رضي الله عنه أيضاً أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلمٍ ذكرٍ ولا أُنثى ينام إلا وعليه جريرٌ معقودٌ، فإن هو توضأ وقام إلى الصلاة أصبح نشيطاً قد أصاب خيراً وقد انحلت عقدهُ كلها، وإن استيقظ ولم يذكر الله أصبح وعقده عليه، وأصبح ثقيلاً كسلان ولم يصب خيراً. رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، واللفظ لابن حبان، وتقدم لفظ ابن خزيمة. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يبغض كل جعظرى جوَّاظٍ (¬3) صخَّابٍ في الأسواق جيفةٍ بالليل حمارٍ بالنهارِ ¬

(¬1) كذا ن ع ص 212، وفى ن ط تلغز. (¬2) خاليا من الحسنات. (¬3) يخبر صلى الله عليه وسلم أن الله خلق الإنسان للعمل والعبادة. قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) 59 من سورة الذاريات، أي لما خلقهم على صورة متوجهة إلى العبادة مغلبة لها وجعل خلقهم بها مبالغة في ذلك ولو حمل على ظاهره مع أن الدليل يمنعه لنافى ظاهر قوله (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجنس والإنس) ذرأ خلق، وقد قرأ ابن عباس رضي الله عنهما (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وقيل معناه إلا لأمرهم بالعبادة وهو منقول عن على رضي الله عنه، وقيل إلا ليكونواعبادا لى، والوجه أن تحمل العبادة على التوحيد وقد قال ابن عباس رضي الله عنه: كل عبادة في القرآن توحيد، والكل يوحدونه في الآخرة، قال تعالى (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن =

الترغيب في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى

عالمٍ بأمر الدنيا جاهلٍ بأمر الآخرةِ. رواه ابن حبان في صحيحه والأصبهاني، وقال أهل اللغة: الجعظرى: الشديد الغليظ، والجوَّاظ: الأكول، والصخاب: الصياح، انتهى. الترغيب في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى 1 - عن معاذ بن عبد الله بن خبيبٍ عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: خرجنا في ليلة مطرٍ وظُلمةٍ شديدةٍ. نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى بنا فأدركناه، فقال قُل، فلم أقل شيئاً، ثم قال قل، فلم أقل شيئاً، ثم قال قل: قلت يا رسول الله: ما أقول؟ قال: هو الله أحد (¬1) والمعوذتين (¬2) حين تصبح وحين تمسى ثلاث مراتٍ تكفيك (¬3) من كل شئ. رواه أبو داود، واللفظ والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب، ورواه النسائي مسنداً ومرسلاً. 2 - وعن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يصبح ثلاث مراتٍ: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ¬

= قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) (ما أريد منهم من رزق) أي ما أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقى فاشتغلوا بما أنتم كالمخلوقين له أو المأجورين به، والمراد أن يبين أن شأنه من عباده ليس شأن السادة من عبيدهم فإنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، والله تعالى يرزق كل من يفتقر إلى الرزق، وفيه إيماء باستغتائه عنه سبحانه غنى شديد القوة، وإذا عرفت معنى هذه الآية علمت أن الذى خلق ليأكل مذموم وتراه معتنيا بملذاته ويرفه فيغلظ جسمه ويتضخم ثم يتفنن في الطعام والشراب، وينسى حقوق الله ويترك الصدقة ثم يكثر اللغط والسباب والفسوق والصياح، ولا يذكر الله تعالى، فالله ينتقم منه ويعذبه يوم القيامة، ويمنع عنه سبحانه وتعالى رحمته ويحمل عليه سخطه. (حمار بالنهار) أي شغال لجمع الدنيا، ولا يفقه في الدين، وعالم بظاهر الحياة بلا عمل صالح، قال تعالى (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون). (¬1) (قل هوالله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد). (¬2) (قل أعوذ برب الفلق من شر ماخلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إلا حسد) (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذى يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس). (¬3) تمنع عنك الأذى وتحصنك بالله، وتطرد عنك السوء، وحسبك أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ثوابا وحسنات القارئ، وفي المعوذتين طلب الاستعاذة برب فالق الصبح: أي منوره، ومزيل ظلمة العدم بنور الإيجاد يقيه شر خلقه، وظلام ليله والنفوس والسواحر والحساد، والاستعاذة برب الناس تبعد الأضرار التى تعرض النفوس البشرية، ووسواس الشيطان.

وقرأ ثلاث آياتٍ (¬1) من آخر سورة الحشر، وكل الله به سبعين ألف ملكٍ يصلون عليه (¬2) حتى يمسى، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً (¬3)، ومن قالها حين يمسى كان بتلك المنزلة. رواه الترمذي من رواية خالد بن طهمان، وقال: حديث غريب، وفي بعض النسخ حسن غريب. 3 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: من قال حين يصبح: (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيى الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون) أدرك مافاته (¬4) في يومه ذلك، ومن قالهن حين يمسى أدرك ما فاته في ليلته. رواه أبو داود ولم يضعفه، وتكلم فيه البخاري في تاريخه. 4 - وعن شداد بن أوسٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سيد (¬5) الاستغفار: اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت خلقتنى وأنا عبدك (¬6) وأنا على عهدك (¬7) ووعدك مااستطعت (¬8)، أعوذ بك (¬9) من شر ما صنعت ¬

(¬1) هى قوله تعالى: (هو الذى لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم 23 هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون 24 هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) 25 من سورة الحشر. (¬2) يدعون ويستغفرون له. (¬3) كثير الأجر. (¬4) من تحصيل الحسنات. (¬5) أفضله وأحسنه، صيغة تجلب الثواب الوفير، وتؤثر في العبد التائب، قال الشرقاوى: والسيد: اسم الرئيس المقدم الذى يعتمد عليه في الحوائج، ويرجع إليه في الأمور استعير لهذا الدعاء الذى هو جامع لمعانى التوبة كلها، والاستغفار: استفعال من الغفر، وهو إلباس بما يصونه من الدنس، ومنه قيل: اغفر ثوبك في الوعاء، فإنه أغفر للوسخ والغفران، والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب، والأفضل الأكثر ثوابا عند الله، فالمراد أن المستغفر بهذا النوع من الاستغفار أكثر ثوابا من المستغفر بغيره أهـ ص 361 جـ 3. (¬6) وأنا خاضع لك عابد لجلالك. (¬7) إنى موقن بالإيمان بك، وإخلاص الطاعة لك ماش على ما عاهدتك عليه وواعدتك به من السير على ضوء القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. (¬8) جهد الطاقة، قال الشرقاوى: فيه إشارة إلى الاعتراف بالعجز والقصور عما يجب لحقه تعالى، وقد يراد بالعهد كما قال ابن بطال: العهد الذى أخذه الله تعالى على عباده حيث أرجهم أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) فأقروا له بالربوبية، وأذعنوا له بالوحدانية، وبالوعد ما قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: إن مات لا يشرك بالله شيئا وأدى ما افترض عليه أن يدخله الجنة أهـ. (¬9) أستجير بك يارب من شى نفسى، وأتحصن بك من الوقوع في الهاوية، وألجأ إليك بطلب التوفيق إنك تهدى من أحببت، وتحفظ من أردت، وتبعد يارب عنى سلطان الشيطان.

أبوءُ (¬1) لك بنعمتك علىَّ، وأبوءُ بذنبى (¬2) فاغفر لى إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت (¬3) من قالها (¬4) موقناً بها (¬5) حين يمسى، فمات من ليلته دخل الجنة (¬6)، ومن قالها موقناً بها حتى يصبح فمات من يومه دخل الجنة. رواه البخاري والنسائي والترمذي. وعنده: لا يقولها أحدٌ حين يمسى فيأتى عليه قدرٌ قبل أن يصبح إلا وجبت له الجنة، ولا يقولها حين يصبح فيأتى عليه قدرٌ قبل أن يسمى إلا وجبت له الجنة، وليس لشدادٍ في البخاري غير هذا الحديث، ورواه أبو داود، وابن حبان والحاكم من حديث بريدة رضي الله عنه. (أبوء): بباء موحدة مضمومة، وهمزة بعد الواو ممدواً معناه: أقرّ وأعترف. 5 - وروى عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس منَّا (¬7) من حلف بالأمانة، وليس منا من خان أمرأً مسلماً في أهله وخادمه ومن قال حين يمسى، وحين يصبح: اللهم إنى اشهدك بأنك أنت الله الذى لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمد عبدك ورسولك، أبوء بنعمتك (¬8) علىَّ وأبوء بذنبى فاغفر لى إنه لا يغفر الذنوب غيرك، فإن قالها من يومه ذلك حين يصبح ¬

(¬1) أعترف أنك أنت المنعم المتفضل على، أياديك جمة، وإحسانك يترى، لا أحصى ثناء عليك. (¬2) أعترف أو أرجع بذنبى فلا أستطيع صرفه عنى .. (¬3) قال في شرح المشكاة: اعترف أولا بأنه أنعم عليه ولم يقيده ليشمل كل الإنعام، ثم اعترف بالتقصير، وأنه لم يقم بأداء شكرها، وعده ذنباً مبالغة في التقصير وهضم النفس أهـ، قال في الفتح: ويحتمل أن يكون قوله (أبوء لك بذنبى) اعترافا بوقوع الذنب مطلقا ليصح الاستغفار منه، لا أنه عد ما قصر فيه من أداء شكر النعم ذنباً. (¬4) أتى بهذه الصيغة. (¬5) مخلصا من قلبه مصدقا بثوابها من الله عز وجل. (¬6) على ملتنا السمحاء، وعلى ديننا القويم. (¬7) قال الشرقاوى: أي مع الداخلين لها ابتداء من غير دخول نار لأن الغالب أن المؤمن بحقيقتها الموقن بمضمونها لا يعصى الله متعمداً عصيانه، أو أن لله تعالى يعفو عنه ببركة هذا الاستغفار أهـ. قال الشرقاوى: ويحتمل أن يكون هذا فيمن قالها ومات قبل أن يفعل ما يغفر له به ذنوبه، قال بعضهم: ولا يكون هذا سيد الاستغفار إلا إذا جمع شروط الاستغفار، وهى صحة النية والتوجه والأدب. وقد جمع هذا الحديث من بديع المعانى وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى سيد الاستغفار؛ ففيه الإقرار لله وحده بالألوهية والعبودية، والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذى أخذه عليه، والرجاء بما وعد به، والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه، وإضافة النعماء إلى موجدها، وإضافة الذنب إلى نفسه، ورغبته في المغفرة، واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو، وفي كل ذلك الإشارة إلى الجمع بين الشريعة والحقيقة، وأن تكاليف الشريعة لا تحصل إلا بمعونة الله تعالى أهـ. (¬8) كذا ن ع ص 2103، وفى ن ط: أبوء لك.

فمات من يومه ذلك قبل أن يُمسى مات شهيداً، وإن قالها حين يمسى فمات من ليلته مات شهيداً. رواه أبو القاسم الأصبهاني وغيره. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقربٍ لدغتنى البارحة؟ قال: أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات (¬1) من شر ما خلق لم تضرك. رواه مالك ومسلم، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه والترمذي وحسنه، ولفظه: من قال حين يمسى ثلاث مراتٍ: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضره حمةٌ تلك الليلة. قال سهيل: فكان أهلنا تعلموها فكانوا يقولنها كل ليلةٍ فلدغت جاريةٌ منهم فلم تجد لها وجعاً. رواه ابن حبان في صحيحه بنحو الترمذي. (الحمة): بضم الحاء المهملة، وتخفيف الميم: هو السمّ، وقيل: لدغة كل ذى سمّ، وقيل: غير ذلك. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال حين يصبح، وحين يمسى: سبحانه وبحمده مائة مرةٍ، لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء إلا أحدٌ قال مثل ما قال، أو زاد عليه (¬2). رواه مسلم واللفظ له والترمذي والنسائي، وأبو داود، وعنده: سبحان الله العظيم وبحمده، ورواه ابن أبى الدنيا والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم، ولفظه: من قال إذا أصبح (¬3) مائة مرةٍ، وإذا أمسى مائة مرةٍ: سبحان الله وبحمده غفرت ذنوبه، وإن كانت أكثر من زبد البحر (¬4). ¬

(¬1) تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الآفات وتكفيه، وحسبك من كان الله مجيره وواقيه، إنه في أمان وسلام (فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين). (¬2) من حافظ على هذا الوردضاعف الله ثوابه وأكثر حسناته يوم القيامة، ويساويه في الثواب من قال مثله إلا إذا زاد عن المائة، فيحوز ثواباً، وأجراً أوفر، وفيه تنزيه الله والثناء عليه وتسبيحه. (¬3) في الصباح وفي المساء. (¬4) غفرت ذنوبه الصغائر وإن كثرت.

8 - وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئٍ قدير في يومٍ مائة مرة كانت له عدل (¬1) عشر رقابٍ، وكتب له مائة حسنةٍ، ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً (¬2) من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسى ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه. رواه البخاري ومسلم. 9 - وعن أبان بن عثمان قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبدٍ يقول في صباح كل يومٍ ومساء كلِّ ليلةٍ: بسم الله الذى لا يضرُّ مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فيضره شئ، وكان أباه قد أصابه طرف فالج فجعل ينظر إليه، فقال أبان: ما تنظر؟ أما إن الحديث كما حدثتك، ولكنى لم أقله يومئذٍ ليمضى الله قدره (¬3). رواه أبو داود والنسائي، وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن غريب صحيح، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 10 - وعن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبى الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مراتٍ كفاه الله (¬4) ما أهمه صادقاً كان أو كاذباً. رواه أبو داود هكذا موقوفاً، ورفعه ابن السنىّ وغيره، وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال من قبل الرأى والاجتهاد فسبيله المرفوع. 11 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يصبح أو يمسى: اللهم إنى أصبحت أُشهدك، وأشهد حملة عرشك، ¬

(¬1) بفتح العين وكسرها قدر: أي يساوى ثواب من فك أغلال عشرة أشخاص كانوا أذلاء. (¬2) حصناً حصيناً يبعد مكايد الشيطان ووساوسه. (¬3) المعنى أن الذى يحافظ على هذا الورد يقيه الله شر الأمراض ويبعد عنه الأخطار، وسيدنا أبان كان محافظاً على قراءة هذا الورد، ولكن سها يوما لينفذ قدر الله فيه. (¬4) يهدئ الله روعه، ويزيل آلامه ويحفظه من الأعداء، ويمنع عنه الأدواء، سواء أقال هذا الورد معتقدا صدقه مؤمناً بفائدته أو هازلا كاذبا في اعتقاده، يحقق الله رعايته ويكفيه الشرور تفضلا وجزاء تلاوة اسمه سبحانه.

وملائكتك، وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار، فمن (¬1) قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار، ومن قالها ثلاثاً، أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار، فإن قالها أربعا: أعتقه الله من النار. رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي بنحوه وقال: حديث حسن، والنسائي، وزاد فيه بعد: إلا أنت وحدك لا شريك لك. رواه الطبراني في الأوسط. ولم يقل: أعتق الله إلى آخره، وقال: إلا غفر الله له ما أصاب من ذنب في يومه ذلك، فإن قالها إذا أمسى غفر الله له ما أصاب في ليلته تلك، وهو كذلك عند الترمذي. 12 - وعن أبي عياشٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شئ قديرٌ. كان له عدل رقبةٍ من ولد إسماعيل، وكان في حرزٍ من الشيطان حتى يُمسى، فإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يُصبح. قال حماد: فرأى رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم، فقال: يا رسول الله، إن أبا عياشٍ يحدث عنك بكذا وكذا. قال: صدق أبو عياشٍ. رواه أبو داود، وهذا لفظه، والنسائي وابن ماجه وابن السنى، وزاد: يُحيى ويميت وهو حيٌّ لا يموت وهو على كل شئٍ قديرٌ. واتفقوا كلهم على المنام. (أبو عياش): بالياء المثناة تحت والشين المعجمة، ويقال ابن أبى عياش: ذكره الخطيب، ويقال ابن عياش الزرقى الأنصارى: ذكره أبو أحمد والحاكم، واسمه زيد ابن الصامت، وقيل زيد بن النعمان، وقيل غير ذلك، وليس له في الأصول الستة غير هذا الحديث فيما أعلم، وحديث آخر في قصر الصلاة، رواه أبو داود. (العدل) بالكسر وفتحه لغة: هو المثل، وقيل: بالكسر: ما عادل الشئ من جنسه. وبالفتح: ما عادله من غير جنسه. ¬

(¬1) ع: ومن قالها ص 264.

13 - وعن أبي سلامٍ رضي الله عنه وهو ممطور الحبشىُّ أنه كان في مسجد حمص فمرَّ به رجلٌ، فقالوا: هذا خادم (¬1) رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقام إليه، فقال: حدثنى بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتداوله بينك وبينه الدَّجَّالُ (¬2)، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال إذا أصبح وإذا أمسى: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولا إلا كان حقَّا على الله أن يرضيه. رواه أبو داود واللفظ له والترمذي من رواية أبى سعد سعيد بن المرزبان عن أبي سلمة عن ثوبان، وقال: حديث حسن غريب، وفي بعض النسخ: حسن صحيح، وهو بعيد وعنده: وبمحمدٍ نبياً فينبغى أن يُجمع بينهما فيقال: وبمحمدٍ نبياًّ ورسولاً. ورواه ابن ماجه عن سابق عن أبي سلاَّمٍ رضي الله عنه خادم النبى صلى الله عليه وسلم، ورواه أحمد والحاكم فقالا: عن أبي سلام سابق بن ناجية، وعند أحمد أنه يقول: ذلك ثلاث مرات حين يمسى وحين يصبح، وهو في مسلم من حديث ابى سعيد: من غير ذكر الصباح والمساء، وقال في آخره: وجبت له الجنة، صحح ابن عبد البر النمرى في الاستيعاب رواية ابن ماجه، وقال رواه وكيعٌ عن مسعرٍ عن أبي عقيل عن أبي سلامة عن سابق، فأخطأ فيه، وكذا في سلام أبى سلامة فأخطأ فيه. قال: ولا يصح سابق في الصحابة. 14 - وعن المنيذر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكون بإفريقية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال إذا أصبح: رضيت بالله رباًّ، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ نبياًّ، فأنا الزعيم (¬3) لآخذن بيده حتى أُدخله الجنة. رواه الطبراني بإسناد حسن. 15 - وعن عبد الله بن غنام البياضى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بى من نعمةٍ، أو بأحدٍ من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ¬

(¬1) كذا ع ص 216، وفى ن ط: خدم. (¬2) الكذاب. (¬3) قائده الذى أتولى أموره ورئيسه.

ذلك حين يمسى فقد أدى شكرَ ليلته. رواه أبو داود والنسائي واللفظ له، ورواه ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس بلفظ دون ذكر المساء، ولعله سقط من أصلى. 16 - وعن عمرو بن شعيب رضي الله عنه عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سبح الله مائةً بالغداة (¬1) ومائة بالعشىِّ (¬2) كان كمن حج مائة حجةٍ، ومن حمد الله مائةً بالغداةِ، ومائةً بالعشى كان كمن حمل (¬3) على مائة فرسٍ في سبيل الله، أو قال: غزا مائة غزوةٍ في سبيل الله، ومن هلل الله (¬4) مائة بالغداة، ومائة بالعشى، كان كمن أعتق مائة رقبةٍ من ولد إسماعيل عليه السلام، ومن كبر الله مائة بالغداة، ومائة بالعشى لم يأْتِ في ذلك اليوم أحدٌ بأكثر مما أتى به إلا من قال مثل ما قال، أو زاد على ما قال. رواه الترمذي من رواية أبى سفيان الحميرى، واسمه سعيد ابن يحيى عن الضحاك بن حمرة عن عمرو بن شعيب، وقال: حديث حسن غريب. (قال الحافظ): وأبو سفيان والضحاك وعمرو بن شعيب يأتى الكلام عليهم، ورواه النسائي، ولفظه: من قال سبحان الله مائة مرةٍ قبل طوع الشمس، وقبل غروبها كان أفضل من مائة بدنةٍ (¬5)، ومن قال: الحمد لله مائة مرةٍ قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها كان أفضل من مائة فرسٍ يحمل عليها (في سبيل الله) ومن قال: الله أكبر مائة مرةٍ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها كان أفضل (¬6) من عتق مائة رقبةٍ، ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شئٍ قدير مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها لم يجئ يوم القيامة أحدٌ بعملٍ أفضل من عمله إلا من قال مثل قوله، أو زاد عليه. ¬

(¬1) صباحا. (¬2) مساء. (¬3) جاهد. وليس فى ن ع في سبيل الله. (¬4) ذكره سبحانه وتعالى وأكثر من ذكر لا إله إلا الله محمد رسول الله. (¬5) ثوابها عند الله تعالى أكثر من رجل نحر مائة ناقة ووزع لحومها للفقراء والمساكين وقبل الغروب أكثر ثوابا من الغزو على مائة حصان في سبيل نصر الله، وهذا ترغيب في المداومة على قراءة هذه الصيغة. (¬6) المعنى أن ثوابها عند الله جزيل أكثر من ثواب عتق مائة شخص كتب عليه الأسر والذل.

17 - وعن عبد الحميد مولى بنى هاشمٍ رضي الله عنه أن أُمهُ حدثته، وكانت تخدم بعض بنات النبى صلى الله عليه وسلم: أن ابنة النبى صلى الله عليه وسلم حدثتها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يُعلمها فيقول: قولي حين تصبحين: سبحان الله وبحمده لا قوة إلا بالله، ماشاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شئٍ قديرٌ، وأن الله قد أحاط بكل شئٍ علماً، فإنه من قالهن حين يصبح حُفظ (¬1) حتى يُمسى، 18 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسى وحين يُصبح: اللهم إنى أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. اللهم إني أسألك العفو والعافية في دينى ودنياي وأهلى ومالى. اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتى. اللهم احفظنى من بين يدىَّ، ومن خلفي، وعن يمينى، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغتال (¬2) من تحتى. قال وكيعٌ: وهو ابن الجراح: يعنى الخسف. رواه أبو داود واللفظ له، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، وقال صحيح الإسناد. 19 - وعن أبي أيوب الأنصارى رضي الله عنه أنه قال، وهو في أرض الروم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال غُدوةً (¬3): لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شئٍ قديرٌ. عشر مراتٍ كتب الله له عشر حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيئاتٍ، وكن له قدر عشر رقابٍ، وأجاره الله من الشيطان، ومن قالها عشية مثل ذلك. رواه أحمد والنسائي واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، وتقدم لفظه فيما يقول بعد الصبح والعصر والمغرب. وزاد أحمد في روايته بعد قوله: وله الحمد يُحي ويُميت، وقال: كتب الله له بكل واحدةٍ قالها عشر حسنات، ومحا عنه بها عشر سيئاتٍ، ورفعه الله بها عشر درجات، وكن له كعشر رقاب، ¬

(¬1) وقاه الله السوء، وأبعد عنه الشيطان ومنع عنه الأخطار. (¬2) تفتح له الأرض فيصير في باطنها. (¬3) صباحا.

وكن له مسلحةً (¬1) من أول النهار إلى آخره. ولم يعمل يومئذٍ عملاً يقهرهنَّ، فإن قالها (¬2) حين يمسى فمثل ذلك. ورواه الطبراني بنحو أحمد، وإسنادها جيد. (المسلحة): بفتح الميم واللام، وبالسين والحاء المهملتين: القوم إذا كانوا ذوى سلاح. 20 - وروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يدع رجلٌ منكم أن يعمل لله كل يومٍ ألفى حسنةٍ حين يصبح يقول: سبحان الله وبحمده مائة مرةٍ فإنها ألفا حسنةٍ، والله إن شاء الله لن يعمل في يومه من الذنوب مثل ذلك، ويكون ما عمل من خيرٍ سوى ذلك وافراً. رواه الطبراني، واللفظ له وأحمد، وألفُ حسنةٍ. 21 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ الدخان كلها، وأول حم غافر إلى وإليه المصير، وآية الكرسى حين يمسى حُفظ بها حتى يصبح، ومن قرأها حين يصبح حفظ بها حتى يمسى. رواه الترمذي، وقال حديث غريب، وقد تكلم بعضهم في عبد الرحمن ابن أبى بكر بن أبى مليكة من قبل حفظه. 22 - وعن عبد الله بن بُسرٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استفتح أول نهاره بخيرٍ، وختمه بخير. قال الله عز وجل لملائكته: لا تكتبوا عليه ما بين ذلك من الذنوب. رواه الطبراني، وإسناده حسن إن شاء الله. 23 - وروى عن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال حين يصبح ثلاث مراتٍ، اللهم لك الحمد لا إله إلا أنت، انت ربى وأنا عبدك آمنت بك مخلصاً لك دينى إنى أصبحت على عهدك ووعدك ما استطعت أتوب إليك من شر عملى، وأستغفرك لذنوبى التى لا يغفرها إلا أنت، فإن مات في ذلك اليوم دخل الجنة، وإن قال حين يمسى: اللهم لك الحمد لا إله إلا أنت، أنت ربى وأنا عبدك آمنت بك مخلصاً لك ديني، إنى أمسيت على عهدك ووعدك ما استطعت أتوب إليك من شر عملى، واستغفرك لذنوبى التى لا يغفرها إلا أنت، فمات في تلك ¬

(¬1) سلاحا حادا يصد عنه الأذى. (¬2) كذا ع ن ط: من قال.

الليلة دخل الجنة، ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلف مالا يحلف على غيره، يقول: والله ما قالها عبدٌ في يومٍ فيموت في ذلك اليوم إلا دخل الجنة، وإن قالها حين يمسى فتوفى في تلك الليلة دخل الجنة. رواه الطبراني في الكبير والأوسط واللفظ له. 24 - ورواه أبن أبى عاصمٍ من حديث معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يحلف ثلاث مراتٍ لا يستثنى إنه ما من عبدٍ يقول هؤلاء الكلمات بعد صلاة الصبح فيموت من يومه إلا دخل الجنة، وإن قالها حين يمسى فمات من ليلته دخل الجنة، فذكره باختصارٍ إلا أنه قال: أتوب إليك من سيء عملي، وهو أقرب من قوله شر عملى، ولعله تصحيفٌ، والله سبحانه أعلم. 25 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال إذا أصبح: سبحان الله وبحمده ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله، وكان آخر يومه عتيق الله. رواه الطبراني في الأوسط والخرائطى والأصبهاني وغيرهم. 26 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: ما يمنعك أن تسمعى ما أوصيك به أن تقولى إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حىُّ يا قيوم برحمتك أستغيث أصلحْ لى شأنى كله ولا تكلنى إلى نفسى طرفة عين. رواه النسائي والبزار بإسناد صحيح، والحاكم، وقال صحيح على شرطهما. 27 - وعن أُبى بن كعب رضي الله عنه أنه كان له جرن من تمرٍ فكان ينقص فحرسه ذات ليلةٍ، فإذا هو بدابةٍ شبه الغلام المحتلم فسلم عليه فرد عليه السلام، فقال: ما أنت جنىُّ أم إنسىٌّ؟ قال: جنىٌّ. قال: فناولنى يدك فناوله يده، فإذا يده يد كلبٍ، وشعره شعر كلبٍ. قال: هذا خلق الجنِّ؟ قال: قد علمت الجن أن ما فيهم رجلٌ أشدُ منى، قال: فما جاء بك؟ قال: بلغنا أنك تحب الصدقة، فجئنا نُصيبُ من طعامك. قال: فما ينجينا منكم؟ قال: هذه الآية التى في سورة البقرة. (الله لا إله إلا هو الحق القيوم) من قالها حين يمسى أُجير منا حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح أُجير منا حتى يمس، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر

ذلك له، فقال: صدق الخبيث. رواه النسائي والطبراني بإسناد جيد، واللفظ له. (الجرن): بضم الجيم وسكون الراء: وهو البيدر، وكذلك الجرين. 28 - وعن الحسن رضي الله عنه قال: قال سمرةُ بن جندبٍ: ألا أُحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً، ومن أبى بكرٍ مراراً؟ ومن عمر مراراً؟ قلت: بلى. قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى اللهم أنت خلقتنى، وأنت تهدينى، وأنت تطعمنى، وأنت تسقيني، وأنت تميتنى، وأنت تحيينى لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه. قال: فلقيت عبد الله بن سليم، فقلت: ألا أُحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا، ومن أبى بكرٍ مراراً، ومن عمر مراراً؟ قال: بلى، فحدثته بهذا الحديث فقال: بأبى وأُمى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات كان الله عز وجل قد أعطاهن موسى عليه السلام، فكان يدعو بهن في كل يومٍ سبع مراتٍ، فلايسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. 29 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى على حين يصبح وحين يمسى عشراً، أدركته شفاعتى يوم القيامة. رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد. 30 - وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه دعاء، وأمره أن يتعاهد به أهله في كل يومٍ. قال: قل حين تصبح: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك، ومنك وإليك اللهم ما قلت من قولٍ، أو حلفت من حلفٍ، أو نذرت من نذرٍ فمشيئتك بين يديه، ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بك إنك على كل شئ قديرٌ. اللهم ما صليت من صلاةٍ فعلى من صليت، وما لعنت من لعنٍ فعلى من لعنت إنك ولِّي في الدنيا والآخرة توفنى مسلماً، وألحقنى بالصالحين. اللهم إنى أسألك الرضا بعد القضا، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، وشوقاً إلى لقائك في غير ضرَّاءَ مُضرَّةٍ، ولا فتنةٍ مُضِلةٍ. وأعوذ بك اللهم أن أظلم، أو أُظلم، أو أعتدى، أو يُعتدى علىَّ، أو أكسبَ

خطيئة، أو ذنباً لاتغفره. اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ذا الجلالِ والإكرام، فإنى أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا وأُشهدك، وكفى بالله شهيداً، أنى أشهد لا إله إلا أنت وحدك، لا شريك لك، لك الملك، ولك الحمد، وأنت على كل شئ قديرٌ، وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك، وأشهد أن وعدك حقٌّ، ولقاءك حقٌّ والجنة حقٌّ، والساعة آتيةٌ لا ريب فيها،، وأنك تبعث من في القبور، وأنك إن تكلنى إلى نفسى تكلنى إلى ضعيفٍ، وعورةٍ، وذنبٍ، وخطيئةٍ، وإنى لا أثقُ إلا برحمتك، فاغفر لي ذنوبى كلها إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وتب علىَّ إنك التواب الرحيم. رواه أحمد والطبراني والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وروى ابن أبى عاصم: منه إلى قوله بعد القضاء. 31 - وروى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مقاليد السموات والأرض، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ما سألنى عنها أحدٌ. تفسيرها: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، أستغفر الله لا حول ولا قوة إلا بالله، الأول والآخر، الظاهر الباطن، بيده الخير، يحيي ويُميت وهو على كل شيءٍ قديرٌ، يا عثمان من قالها إذا أصبح عشر مراتٍ أعطاه الله بها ست خصالٍ. أما واحدةٌ: فيحرس من إبليس وجنوده، وأما الثانية: فيعطى قنطاراً في الجنة، وأما الثالثة: فترفع له درجة في الجنة، وأما الرابعة: فيزوج من الحور العين، وأما الخامسة: فله فيها من الأجر كمن قرأ القرآن والتوراة والإنجيل، وأما السادسة ياعثمان: له كمن حج واعتمر فقبل الله حجة وعُمرتهُ، وإن مات من يومه ختم له بطابع الشهداء. رواه ابن أبى عاصم، وأبو يعلى، وابن السنى، وهو أصلحهم إسنادا وغيرهم وفيه نكارة، وقد قيل فيه موضوع، وليس ببعيد، والله أعلم. 32 - وروى عن أبان المحاربى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبدٍ مسلمٍ يقول إذا أصبح وإذا أمسى: ربى الله لا أُشرك به شيئاً، وأشهد أن لا إله إلا الله إلاغفر له ذنوبه حتى يُمسى، وكذلك إن قالها إذا أصبح. رواه البزار وغيره.

33 - وعن وُهيب بن الوردِ رضي الله عنه قال: خرج رجلٌ إلى الجبانة بعد ساعةٍ من الليل قال: فسمعت حساًّ وأصواتاً شديدةً وجئَ بسريرٍ حتى وُضِعَ، وجاء شيء حتى جلس عليه. قال: واجتمعت إليه جنوده، ثم صرخ فقال: من لى بعروة بن الزبير، فلم يجبه أحدٌ حتى قال: ما شاء الله من الأصوات؟ فقال واحدٌ أنا أكفيكه قال فتوجه نحو المدينة، وأنا أنظر إليه، فمكث ما شاء الله، ثم أوشك الرجعة فقال: لا سبيل لى إلى عُروة: ويلك لم؟ قال: وجدته يقول كلماتٍ إذا أصبح وإذا أمسى فلا يخلص إليه معهن. قال الرجل: فلما أصبحت قلت لأهلى جهزونى، فأتيت المدينة فسألت عنه حتى دُلِلْتُ عليه، فإذا هو شيخٌ كبيرٌ، فقلت شيئاً تقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت، فأبى أن يُخبرنى، فأخبرته بما رأيت وما سمعت، فقال: ما أدرى غير أنى أقول: إذا أصبحت وإذا أمسيت: آمنت بالله العظيم، وكفرْت بالجبت (¬1) والطاغوت (¬2)، واستمسكت (¬3) بالعورة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم، إذا أصبحت ثلاث مراتٍ، وإذا أمسيت ثلاث مراتٍ. رواه ابن أبى الدنيا في مكايد الشيطان. (أوشك): أي أسرع بوزنه ومعناه. 34 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من حافظين (¬4) يرفعان إلى الله عز وجل ما حفظا من ليلٍ أو نهارٍ فيجد الله في أول الصحيفة وفي آخرها (¬5): خيراً إلا قال للملائكة: أُشهدكم أنى قد غفرت لعبدى ما بين طرفى الصحيفة. رواه الترمذي والبيهقى من رواية تمام بن نجيح عن الحسن عنه. ¬

(¬1) بكل ما عبد من دون الله وبالساحر والكاهن. (¬2) المارد من الجن والصارف عن طريق الخير وكل معتد أثيم. (¬3) طلبت الإمساك بحبل الله الوثيق، وهى مستعارة للمتمسك المحق من النظر الصحيح، والرأى القويم، قال الله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم 256 اللهولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) من سورة البقرة: (¬4) ملكان موكلان بالعبد. (¬5) مفتتحة بالتسبيح والتحميد والتكبير، ومختتمة أيضا بذلك إلا كان غافرا لذنوبه التى اقترفها في وسط النهار وقيدت في وسط سجله وفيه الحث على كثرة الذكر والاستغفار والعبادة وإن لكل إنسان صحيفة بيضاء يقيد فيها كاتب الحسنات الحسنات وكاتب السيئات السيئات، قال تعالى (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد (16) إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد (17) ما يلفظ من قول إلا =

الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل

الترغيب في قضاء الإنسان ورده إذا فاته من الليل 1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نام عن حزبه، او شئ منه، فقرأه فما بين صلاة الفجر، وصلاة الظهر كُتب له كأنما قرأه من الليل (¬1). رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه. الترغيب في صلاة الضحى 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وركعتى الضحى، وأن أُوتر قبل أن أرقد (¬2). رواه البخاري ومسلم وأبو داود، ورواه الترمذي والنسائي نحوه، وابن خزيمة، ولفظه قال: أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لست بتاركهن: أن لا أنام إلا على وتر، وأن لا أدع (¬3) ركعتى الضحى، فإنها صلاة الأوابين (¬4)، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر (¬5). 2 - وعن أبي ذرَّ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يُصبح على كل سلامى من أحدكم صدقةٌ، فكل تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تحميدةٍ صدقةٌ، وكل تهليلة صدقةٌ، وكلُّ تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمر بالمعروف صدقةٌ، ونهىٌ عن المنكر صدقةٌ، ويُجزئُ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى. رواه مسلم. 3 - وعن بُريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ¬

= لديه رقيب عتيد) 16 - 18 من سورة ق أي عن اليمين مقاعد، وما يرمى به من فيه إلا عنده ملك يرقب عمله (عتيد) معد حاضر، ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب؛ وفي الحديث: كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر. أهـ بيضاوى. (¬1) فيه أن الإنسان إذا غفل عن حزبه أو صلاته صلى ضحى وذكر الله تعالى. (¬2) أن أحافظ على ركعتى الضحى وصلاة الوتر قبل النوم خشية أن يغلبنى النوم فلا أوتر. (¬3) أن لا أترك. (¬4) الذين تابوا إلى الله ورجعوا عن المعاصى. (¬5) نافلة صوم التطوع أيام 13، 14، 15 من كل شهر.

في الإنسان ستون وثلثمائة مفصلٍ (¬1) فعليه أن يتصدق عن كل مفصلٍ (¬2) منها صدقةً قالوا: فمن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: النخاعة في المسجد تدفنها (¬3)، والشئ تنحيه عن الطريق، إن لم تقدر فركعتا الضحى تُجزئُ عنك. رواه أحمد واللفظ له وأبو داود وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما. 4 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حافظ على شفعة (¬4) الضحى غُفرت له ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر. رواه ابن ماجه والترمذي وقال: وقد روى غير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نهاس بن قهم انتهى، وأشار إليه ابن خزيمة في صحيحه بغير إسناد. (شفعة الضحى) بضم الشين المعجمة، وقد تفتح. أرى ركعتا الضحى. 5 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصانى حبيبى صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لن أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، وصلاة الضحى، وأن لا أنام إلى على وترٍ رواه مسلم وأبو داود والنسائي. 6 - وروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله ¬

(¬1) مفصل يتحرك في الجسم، وعدوا فيه 360 يؤدى واجب هذا ركعتا الضحى فكأنه تصدق عن كل عضو يتحرك. وكتب الحافظ ابن حجر فيه استحباب تقدم الوتر على النوم، وذلك في حق من لم يثق بالاستيقاظ، ويتناول من يصلى بين النومين، وهذه الوصية لأبى هريرة، ورد مثلها لأبى الدرداء فيما رواه مسلم، ولأبى ذر فيما رواه النسائي، والحكمة في الوصية على المحافظة على ذلك تمرين النفس على جنس الصلاة والصيام ليدخل في الواجب منها بانشراح، ولينجبر ما لعله يقع فيه من نقص، ومن فوائد ركعتى الضحى أنها تجزئ عن الصدقة التى تصبح على مفصل الإنسان في كل يوم، وهى ثلثمائة وستون مفصلا كما أخرجه مسلم من حديث أبى ذر، وقال فيه: ويجزئ عن ذلك ركعتا الضحى أهـ ص 38 جـ 3. (¬2) ومفصل الأصابع ما بين كل أنملتين، وبريد كل عضو يتحرك. (¬3) كذا في ن ع ص 223 وفى ن د يرفعها: أي يضع فوقها التراب فيخفيها عن الأعين أو يبعدها. (¬4) يعنى ركعتى الضحى، من الشفع الزوج، ويرى بالفتح والضم كالغفرة وإنما سماها شفعة لأنها أكثر من واحدة، قال القتيبى: الشفع الزوج، ولم أسمع به مؤنثا إلا ههنا، وأحسبه ذهب بتأنيثه إلى الفعلة الواحدة أو إلى الصلاة أهـ نهاية. وإن من أدى صلاة الضحى ركعتين فأكثر أزال الله خطاياه الصغيرة، وإن كثر عددها، ووفقه الله إلى الصالحات فلا يرتكب كبيرة ونور قلبه بالإيمان فيزداد من فعل الخيرات كناية عن فوزه بنعم الله بحيث يشعر بمنزل بهيج، ومنظر حسن يتلألأ بهاؤه ويصفو جوهره.

عليه وسلم يقول: من صلى الضحى ثنتى عشرة ركعة بنى الله له قصراً في الجنة من ذهبٍ. رواه ابن ماجه والترمذي بإسناد واحد شيخ واحد، وقال الترمذي: حديث غريب. 7 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً (¬1) فغنموا وأسرعوا الرجعة (¬2)، فتحدث الناس بقرب (¬3) مغزاهم، وكثرة غنيمتهم، وسرعة رجعتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدُلكم على أقرب منهم مغزى، وأكثر غنيمةً، وأوشك رجعةً؟ من توضأ، ثم غدا إلى المسجد لسبحة (¬4) الضحى، فهو أقرب منهم مغزى وأكثر غنيمة وأوشك رجعةً. رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، والطبراني بإسناد جيد. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً فأعظموا الغنيمة (¬5) وأسرعوا الكرة (¬6)، فقال رجلٌ: يا رسول الله ما رأينا بعثاً قطٌّ أسرع كرَّةً، ولا أعظم غنيمةً من هذا البعث، فقال: ألا أُخبركم بأسرع كرةً منهم، وأعظم غنيمة؟: رجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم عمد إلى المسجد فصلى فيه الغداة (¬7)، ثم عقب بصلاة الضحوة فقد أسرع الكرةَ، وأعظم الغنيمة. رواه ¬

(¬1) طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة، تبعث إلى العدو، وجمعها السرايا، سموا بذلك، لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشئ السرى النفيس، وقيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية، وليس بالوجه، لأن لام السر راء، وهذه ياء. أهـ نهاية. (¬2) الذهاب إلى الوطن ورؤية الأهل. (¬3) انتهت حربهم بسرعة وكثر ربحهم وحضروا بسرعة، وغيابهم قليل، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم عن من يدرك الثواب بسرعة، وينال الأجر عن كثب، ويفوز بالغنيمة بسهولة ذلك الذى ذهب لله فتطهر ثم توضأ بتأن ثم ذهب إلى بيت الله يصلى ركعات الضحى إنه على الشيطان وأرضى الرحمن وفاز بالإحسان وطهرت صحيفته من الأدران. (¬4) نافلة، ومنه حديث: (اجعلوا صلاتكم معهم سبحة). (¬5) احضروا شيئاً غالياً ثمنياً نفيسا. (¬6) هجموا على أعدائهم بقوة ففازوا فرجعوا بسرعة ظافرين. (¬7) الصبح ثم انتظر في مصلاه حتى طلعت الشمس قدر رمح وصلى الضحى أو صلى الفجر جماعة ومكث يسبح الله ويحمده، ثم ذهب إلى عمله وصلى الضحى (حين يرمض الفصال) أي وقت حر الضحى قبيل الظهر والمعنى صلى الصبح في وقته جماعة وأدى نافلة الضحى، والله أعلم. والضحى انبساط الشمس، وامتداد النهار، قال تعالى: أ - (والشمس وضحاها). ب - (والضحى والليل إذا سجى). جـ - (وأن يحشر الناس ضحى). =

أبو يعلى، ورجال إسناده رجال الصحيح، والبزار وابن حبان في صحيحه، وبين البزار في روايته أن الرجل أبو بكر رضي الله عنه، وقد روى هذا الحديث الترمذي في الدعوات من جامعه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتقدم. 9 - وعن عُقبة بن عامرٍ الجهنى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يقول ياابن آدم اكفنى أول النهار (¬1) بأربع ركعاتٍ أكفك بهن آخر يومك. رواه أحمد وأبو يعلى، ورجال أحدهما رجال الصحيح. 10 - وعن أبي الدرداء وأبى ذرَّ رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ياابن آدم لا تُعجزنى من أربع ركعاتٍ من أول النهار أكفك آخره. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. (قال الحافظ): في إسناده إسماعيل بن عياش، ولكنه إسناد شامى، ورواه أحمد عن أبي الدرداء وحده، ورواته كلهم ثقات، ورواه أبو داود من حديث نعيم بن همار. 11 - وعن أبي مرة الطائفى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: ابن آدم صل لى أربع ركعاتٍ من أول النهار أكفك آخره. رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح. 12 - وروى عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يُحدثُ أصحابهُ فقال: من قام إذا استقبلته الشمس، فتوضأ فأحسن وضوءهُ، ثم قام فصلى ركعتين (¬2) غُفرت له خطاياه، وكان كماولدته أمه. رواه أبو يعلى. ¬

= قال البيضاوى: فيه كلم موسى ربه، وألقى السحرة سجدا. وسجى: سكن أهله أو ركد ظلامه، أقسم الله بهذا الوقت لمكانته في انتفاع الإنسان به (ما ودعك ربك وما قلى) فيه يذكر الله الإنسان أن يعبده ويسبحه في هذا الوقت ويتنفل عسى أن يفوز بجناته ويتسع رزقه ويكثر خيره ويعمم بره ويرغد عيشه وينعم باله ويبارك الله في نسله ويقيه الأذى. (¬1) كذا ع ص: يومك، وقال النووي: أكثر صلاة الضحى ثمانى ركعات، وقيل اثنتا عشرة ركعة، فعليك أخى: بالمداومة عليها لتجعل من وقتك دقائق تسبح الله فيها فيتجلى عليك الرب برضوانه ويعمك إحسانه. (¬2) أقل اضحى ركعتان، وقد رأيت أنهما سبب غفران الذنوب، وتكفير الخطايا وزيادة الحسنات، ومن حافظ عليهن طهر الله صحائفه من الصغائر ونقاها، وجعلها ناصعة بيضاء مثل إبان =

13 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من خرج من بيته مُتطهراً إلى صلاةٍ مكتوبةٍ (¬1) فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياهُ فأجره كأجر المعتتمر، وصلاةٌ على إثر صلاةٍ لا لغو بينهما (¬2) كتابٌ في عليين. رواه أبو داود، وتقدم. 14 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى الضحى ركعتين لم يُكتب من الغافلين (¬3)، ومن صلى أربعاً كتب من العابدين (¬4)، ومن صلى ستا كُفِىَ ذلك اليوم، ومن صلى ثمانياً كتبه الله من القانتين (¬5)، ومن صلى ثنتى عشرةَ ركعةً بنى الله له بيتاً في الجنة، وما من يومٍ ولا ليلةٍ إلا لله منٌّ (¬6) يمُنُّ به على عباده وصدقةٌ، وما من الله على أحدٍ من عباده أفضل من ¬

= ولادته. والحكمة في مشروعية النوافل التكميل للفرائض، وهذا وقت جد وعمل وكدح في طلب الرزق فيترك الإنسان علمه ويذهب لمرضاة ربه بصلاة ركعات فيها الخير ومجلب البر ونور الإيمان ومنبع الرحمات. (¬1) مفروضة. فيه أن الإنسان يتطهر ويتنظف ويتوضأ ثم يذهب إلى أداء الفرض في بيت الله لتكثر حسناته (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). (¬2) المعنى أداء الفريضة، ثم انتظار الصلاة الثانية على شريطة عدم الكلام الذى لا فائدة فيه يرقيك، ويجعل صحائفك نقية طاهرة من الآثام مملوءة حسنات ومودعة بجوار صحائف الأبرار المتقين (كلا إن كتاب الأبرار لفى عليين وما أدراك ماعليون كتاب مرقوم يشهده المقربون) يحضرونه فيحفظونه أو يشهدون على ما فيه يوم القيامة أهـ بيضاوى. يقال: لغا الإنسان يلغو ولغى يلغى: إذا تكلم بالمطروح من القول، وما لا يعنى؛ وألغى: إذا أسقط، وفيه: (من قال لصاحبه والإمام يخطب صه فقد لغا) أهـ نهاية. (¬3) الساهين الناسين ذكر الله والغفلة سهو يعترى الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ، ومنه قوله تعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) أي تركناه غير مكتوب فيه الإيمان كما قال تعالى: (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان)، وقيل: معناه من جعلناه غافلا عن الحقائق. أهـ غريب. (¬4) المطيعين المتذللين لله تعالى: قال في الغريب: والعبادة أبلغ من العبودية لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من هو غاية الإفضال، وهو الله تعالى. (¬5) الخاضعون المشتغلون بالعبادة، ورفض كل ما سوى الله سبحانه وتعالى: قال تعالى. (إن إبراهيم كان أمة قانتاً). (¬6) من: نعم وإحسان إلى من لا يستثيبه، ولا يطلب الجزاء عليه سبحانه هو المنان: أي المنعم المعطى من المن العطاء لا من المنية والمنان من أبنية المبالغة كالوهاب ومنه الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين أو هى مما من الله به على عباده، وقيل: شبهها بالمن: وهو العسل الحلو الذى ينزل من السماء عفوا بلا علاج ودليلها من الكتاب قول الله تعالى: (واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب 20 إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق) 21 من سورة ص: أي ذا القوة رجاع إلى مرضاة الله تعالى، ووقت الإشراق حيز تشرق الشمس: أىتضئ، ويصفو شعاعها، وهو وقت الضحى وشروقها وطلوعها، وعن أم هانئ رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الضحى وقال: (هذه صلاة الإشراق). وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية) ..

أن يُلهمهُ ذكرهُ رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات، وفى موسى بن يعقوب الزمعى خلاف، وقد روى عن جماعة من الصحابة ومن طرق، وهذا أحسن أسانيده فيما أعلم. ورواه البزار من طريق حسين بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر، قال: قُلت لأبى ذرٍّ: يا عماهُ أوصنى. قال: سألتنى كما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن صليت الضحى ركعتين لم تُكتب من الغافلين فذكر الحديث، ثم قال: لا نعلمه يُروى عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه كذا قال رحمه الله تعالى. 15 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا طلعت الشمس من مطلعها كهيئتها لصلاة العصر (¬1) حين تغرب من مغربها، فصلى رجل ركعتين وأربع سجداتٍ (¬2)، فإنه له أجر ذلك اليوم وحسبته قال: وكُفر عنه خطيئته وإثمه، وأحسبه قال: وإن مات من يومه دخل الجنة. رواه الطبراني وإسناده مقارب، وليس في رواته من ترك حديث، ولا أجمع على ضعفه. 16 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب (¬3). قال: وهى صلاة الأوابين. رواه الطبراني وابن خزيمة في صحيحه، وقال: لم يتابع إسماعيل بن عبد الله يعنى ابن زرارة الرقى على اتصال هذا الخبر، ورواه الدراوردى عن محمد عن أبي سلمة مرسلاً، ورواه حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قوله. ¬

(¬1) أي بعد الطلوع بنحو نصف ساعة، وقال الفقهاء: ترتفع قدر رمح إلى الزوال: أي قبيل الظهر. (¬2) أي فيهما ركوعان وأربع سجدات يتأنى في الركوع والسجود، ويقرأ كما قال الفقهاء بالكافرون والإخلاص، فالكافرون تعدل ربع القرآن، والاخلاص ثلثه. (¬3) كثير الرجوع إلى الله تعالى، والتذلل إليه والخشية منه جل شأنه. وقال المناوى: فيه رد على من كرهها، وقال: إن إدامتها تورث العمى أهـ. أود منك أيها المسلم أن تحافظ على أدائها رجاء أن يعدك الله من التوابين المقربين إليه بالطاعة، ثم تتضرع إليه جل وعلا، وتدعوه (اللهم إن الضحاء ضحاؤك، والبهاء بهاؤك والجمال جمالك والقوة قوتك والقدرة قدرتك والعصمة عصمتك اللهم إن كان رزقى في السماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه وإن كان حراما فطهره وإن كان معسراً فيسره، وإن كان بعيداً فقربه بحق ضحائك وبهائك وجمالك وقوتك آتنى ما آتيت به عبادك الصالحين) أهـ.

الترغيب في صلاة التسبيح

17 - وروى عنه رضي الله عنه أيضاً عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة باباً (¬1) يُقال له الضحى، فإذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الذين كانوا يُديمون صلاة الضحى، هذا بابكم فادخلوه برحمة الله. رواه الطبراني في الأوسط. الترغيب في صلاة التسبيح 1 - عن عكرمة عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: ياعباس يا عماهُ ألا أُعطيك، ألا أمنحك، ألا أحْبُوكَ (¬2)، ألا أفعل بك عشر خصالٍ إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، وقديمه وحديثه، وخطأه وعمدهُ، وصغيره وكبيره، وسرهُ وعلانتيه، عشر خصال: أن تصلى أربع ركعاتٍ تقرأُ في كل ركعةٍ بفاتحة الكتاب وسورة (¬3) فإذا فرغت من القراءة في أول ركعةٍ فقل وأنت قائم: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمس عشرة مرةً، ثم تركع فتقول وأنت راكع عشراً، ثم ترفع ¬

(¬1) أكد صلى الله عليه وسلم لمصلى الضحى أن يبشر برحمة الله، وبدخول الجنة من طريق مخصوصة تناديه ملائكة الرحمة، فيتفضل من هذا الباب المستطاب. (¬2) أخصك بفائدة جليلة وهبة جزيلة الثواب كثيرة الأجر. (¬3) أي سورة من القرآن تسبح 15 مرة في الركوع، وكذا في الاعتدال، وكذا في السجود وكذا في الاعتدال من السجود، وكذا في السجود ثم الاعتدال، ومجموع التسابيح خمس وسبعون هذه ثمرة دانية سبب الغفران والرضوان فافعلها أيها المسلم ولو مرة في عمرك، واذكر في صغرى أن زارنا أحد العلماء الفضلاء العاملين فألقى درساً شيقا في فائدة صلاة التسبيح ففقهها كثيرون، وعلموا بها، ورأيت والدى رحمه الله تعالى يحافظ عليها، واقتدى به أعمامى وآخرون، وهى خلاصة تنزيه الله وحمده وتوحيده، وأنه الجليل العظيم الشأن، وقد رأيت محبته لسيدنا جعفر بن أبى طالب، ومقابلته صلى الله عليه وسلم له بالبشاشة والاعتناق، وتقبيل عينيه، وتعلمه هذه الدرة المصونة من خزائن رحمة الله تعالى (ألا أسرك ألا أمنحك) الحديث، ثم قال عليه الصلاة والسلام لعمه: (ألا أصلك) وعدها صلى الله عليه وسلم صلة وبراً وشفقة وهدية ونصيحة لأنها سببب غفران الذنوب، وإن كثرت مثل رمل الصحراء، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن يقول المصلى بعد تكبيرة الإحرام: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) ويتمم، وفى ركوعه: (سبحان ربى العظيم) وفى سجوده: (سبحان ربى الأعلى) ثم يسبح التسبيحات كما في الحديث .. قال تعالى: (يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم هو الذى بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليه آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم) 3 سورة الجمعة. أي يرشدهم القرآن والشريعة، ومعالم الدين.

رأسك من الركوع فتقولها عشرا، ثم تهوى ساجداً فتقول وأنت ساجدٌ عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعةٍ تفعل ذلك في أربع ركعات وإن استطعت أن تصليها في كل يومٍ مرةً فافعل، فإن لم تستطع ففى كل جمعةٍ مرةً، فإن لم تفعل ففي كل شهرٍ مرةً، فإن لم تفعل ففى كل سنةٍ مرةً، فإن لم تفعل ففي عمرك مرةً. رواه أبو داود، وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه، وقال: إن صحَّ الخبرُ فإن في القلب من هذا الإسناد شيئاً، فذكره، ثم قال: ورواه إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة مرسلاً لم يذكر ابن عباس. (قال الحافظ): ورواه الطبراني، وقال في آخره: فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر، أو رمل عالجٍ غفر الله لك. (قال الحافظ): وقد رُوى هذا الحديث من طرق كثيرة، وعن جماعة من الصحابة وأمثلها حديث عكرمة هذا. وقد صححه جماعة: منهم الحافظ أبو بكر الآجرىّ، وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسى رحمهم الله تعالى. وقال أبو بكر بن أبى داود: سمعت أبى يقول: ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا، وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى: لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا، يعنى إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس، وقال الحاكم: قد صحت الرواية عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ابن عمه هذه الصلاة، ثم قال: حدثنا أحمد بن داود بمصر حدثنا إسحاق بن كامل حدثنا إدريس بن يحيى عن حيوة بن شريح عن يزيد بن أبى حبيب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبى طالب إلى بلاد الحبشة، فلما قدم اعتنقه، وقَبَّلَ بين عينيه، ثم قال: ألا أهبُ لك، ألا أسرك، ألا أمنحك؟ فذكر الحديث، ثم قال: هذا إسناد صحيح لا غبار عليه. (قال المملى) رضي الله عنه: وشيخه أحمد بن داود بن عبد الغفار أبو صالح الحرانى، ثم المصري تكلم فيه غير واحد من الأئمة، وكذبه الدارقطنى.

2 - وروى عن أبي رافعٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: يا عم ألا أحبوك، ألا أنفعك، ألا أصلك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: فصل أربع ركعاتٍ تقرأُ في كل ركعةٍ بفاتحة الكتاب وسورةٍ، فإذا انقضت القراءةُ فقل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمس عشرة مرةً قبل أن تركع، ثم اركع فقلها عشراً، ثم ارفع رأسك فقلها عشراً، ثم اسجد فقلها عشراً، ثم ارفع رأسك فقلها عشرا، ثم اسجد فقلها عشراً، ثم ارفع رأسك فقلها عشرا قبل أن تقوم، فذلك خمسٌ وسبعون في كل ركعةٍ، وهى: ثلاثمائةٍ في أربع ركعاتٍ، فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالجٍ غفرها الله لك. قال: يا رسول الله، ومن لم يستطع يقولها في كل يومٍ؟ قال: قُلها في كل جمعةٍ، فإن لم تستطع فقلها في كل شهر، حتى قال: فقلها في سنةٍ. رواه ابن ماجه والترمذي والدراقطنى والبيهقى، وقال: كان عبد الله بن المبارك يفعلها، وتداولها الصالحون بعضهم من بعضٍ، وفيه تقويةٌ للحديث المرفوع انتهى. وقال الترمذي: حديث غريب من حديث أبى رافع، ثم قال: وقد رأى ابن المبارك وغير واحدٍ من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا الفضل. حدثنا أحمد بن عبدة الضّبىّ حدثنا أبو وهب قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يُسبح فيها؟ قال: يُكبرُ، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمد، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول خمس عشرة مرةً: سبحان الله والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثم يتعوذ ويقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وفاتحة الكتاب وسورة، ثم يقول عشرة مراتٍ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثم يركع فيقولها عشراً، ثم يرفع رأسه فيقولها عشراً، ثم يسجد فيقولها عشراً، ثم يرفع رأسه فيقولها عشراً، ثم يسجد الثانية فيقولها عشراً يصلى أربع ركعاتٍ على هذا، فذلك خمس وسبعون تسبيحة، في كل ركعةٍ، يبدأ في كل ركعةٍ بخمس عشرة تسبيحةً، ثم يقرأُ، ثم يُسبح عشراً، فإن صلى ليلاً فأحبُّ أن يسلم فى كل ركعتين، وإن صلى نهاراً، فإن شاء سلم، وإن شاء لم يسلم. قال أبو وهب: وأخبرنى عبد العزيز هو ابن أبى رزمة عن عبد الله أنه قال:

يبدأ في الركوع: بسبحان ربى العظيم، وفي السجود: بسبحان ربى الأعلى ثلاثاً، ثم يسبح التسبيحات. قال أحمد بن عبدة: وحدثنا وهب بن زمعة. قال أخبرنى عبد العزيز وهو ابن أبى رزمة. قال قلت لعبد الله بن المبارك: إن سها فيها أيسبِّحُ في سجدتى السهو عشراً عشراً؟ قال: لا. إنما هي ثلاثمائة تسبيحةٍ. انتهى ما ذكره الترمذي. (قال المملى الحافظ) رضي الله عنه: وهذا الذى ذكره عن عبد الله بن المبارك من صفتها موافق لما في حديث ابن عباس، وأبى رافع إلا أنه قال: يسبح قبل القراءة خمس عشرة، وبعدها عشراً، ولم يذكر في جلسة الاستراحة تسبيحاً؛ وفي حديثيهما: أنه يُيسبح بعد القراءة خمس عشرة مرةً، ولم يذكر قبلها تسبيحاً ويسبح أيضا بعد الرفع في جلسة الاستراحة قبل أن يقول عشراً. 3 - وروى البيهقى من حديث أبى حباب الكلبي عن أبي الجوزاء عن ابن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال لى النبى صلى الله عليه وسلم: ألا أحبوك، ألا أُعطيك، فذكر الحديث بالصفة التى رواها الترمذي عن ابن المبارك، ثم قال: وهذا يوافق ما رويناه عن ابن المبارك، ورواه قتيبة بن سعيد عن يحيى بن سليم عن عمران بن مسلم عن أبي الجوزاء، قال: نزل على عبد الله بن عمرو بن العباص فذكر الحديث، وخالفه في رفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر التسبيحات في ابتداء القراءة إنما ذكرها بعدها، ثم ذكر جلسة الاستراحة كما ذكرها سائرُ الرواة انتهى. (قال الحافظ): جمهور الرواة على الصفة المذكورة في حديث ابن عباس، وأبى رافع، والعمل بها أولى، إذ لا يصح رفع غيرها، والله أعلم. 4 - وروى عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ياغلام ألا أحبوك، ألا أنحلك (¬1)، ألا أُعطيك؟ قال قلت: بلى بأبى أنت (¬2) وأُمى ¬

(¬1) ألا أقدم لك هدية، وفيه (ما نحل والد ولدا من نحل أفضل من أدب حسن)، والنحل: العطية والهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق، وأنت ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبذل العلم مرشدا إلى صراط العزيز الحميد. (¬2) أفديك بأبى وأمى، وكان هذا عند العرب أعز شئ يفدون به.

يا رسول الله، قال: فظننت أنه سيقطع لى قطعةً من مالٍ، فقال لى: أربع ركعاتٍ تُصليهن، فذكر الحديث كما تقدم، وقال في آخره: فإذا فرغت قلت بعد التشهد، وقبل السلام: اللهم إنى أسألك توفيق (¬1) أهل الهدى، وأعمال أهل اليقين (¬2)، ومناصحة (¬3) أهل التوبة، وعزم أهل (¬4) الصبر، وجدَّ (¬5) أهل الخشية، وطلب أهل (¬6) الرغبة، وتبعد (¬7) أهل الورع، وعرفان (¬8) أهل العلم حتى أخافك، اللهم إنى أسألك مخافةً تحجزنى (¬9) عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك عملاً أستحق به رضاك، وحتى أُناصحك (¬10) بالتوبة خوفاً منك، وحتى أُخلص لك النصيحة حباً لك، وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن ظن بك، سبحان خالق النور، فإذا فعلت ذلك ياابن عباسٍ غفر الله لك ذنوبك كلها، صغيرها وكبيرها، وقديمها وحديثها، وسرها وعلانيتها، وعمدها وخطأها. رواه الطبراني في الأوسط، ورواه فيه أيضاً عن أبي الجوزاء قال: قال لى ابن عباسٍ: ياأبا الجوزاء ألا أحبوك (¬11) ألا أُعلمك ألا أُعطيك؟ قلت بلى، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى أربع ركعاتٍ، فذكر نحوه باختصار، وإسناده واهٍ، وقد وقع في صلاة التسبيح كلامٌ طويلٌ، وخلافٌ منتشرٌ، ذكرته في غير هذا الكتاب مبسوطا، وهذا كتاب ترغيب وترهيب، وفيما ذكرته كفاية. 5 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن أم سليمٍ غدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: علمنى كلماتٍ أقولهن في صلاتى، فقال: كَبِّرِى (¬12) الله عشراً، ¬

(¬1) أطلب منك الهداية لعمل الصالحين المهتدين. (¬2) الإيمان الثابت. (¬3) الانقياد لراجعين إلى الله وإطاعتهم في الحق وعدم الخروح عليهم. (¬4) وثبات الذين حبسوا أنفسهم على طاعة الله، وعدم الجزع بالمصائب. (¬5) وفعل إتقان الذين يخافون الله. (¬6) وطلب الذين يدعونك رغباً ورهباً، ويرجون رحمتك، ويخشون عذابك. (¬7) وطاعة الزاهدين، وعبادة المتبتلين. (¬8) ومعرفة من علمتهم بكتابك وسنة نبيك فقهوا مرماه وعقلوا مغزاه، وأدركوا معناه. (¬9) تمنعنى، وتكون حائلا عما يغضبك. (¬10) أخلص، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة). (¬11) ألا أعطيك. يقال: حباه كذا وبكذا: إذا أعطاه، والحباء: العطية أهـ نهاية. جمل مترادفة تدل على كثرة المعنى. وجزيل الثواب من المنان الرحمن المنزه عن النقائض. (¬12) كبرى الله: كذا ع ص 224، وفى ن د: وسبحيه.

الترغيب في صلاة التوبة

وسبحيه عشراً، واحمديه عشراً. ثم سلى ما شئتِ، يقول: نعم نعم. رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، والنسائي وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. الترغيب في صلاة التوبة 1 - عن أبي بكرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجلٍ يُذنب (¬1) ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يُصلى، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشةً (¬2) أو ظلموا (¬3) أنفسهم ذكروا الله) إلى آخر الآية. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه والبيهقى، وقالا: ثم يصلى ركعتين، وذكره ابن خزيمة في صحيحه بغير إسناد، وذكر فيه الركعتين. ¬

(¬1) يفعل إثماً، ويرتكب ما يغضب الله جل وعلا، ويندم على ما فعل. (¬2) فعلة بالغة في القبح كالزنا. (¬3) حملوها عقاب المعاصى، وعرضوها للنار باتباع الشهوات، ومخالفة أوامر الله بأن اذنبوا أي ذنب كان وقيل الفاحشة الكبيرة، وظلم النفس الصغيرة، ولعل الفاحشة ما يتعدى أذاه إلى الغير، وظلم النفس ما كان يغضب الله ولو قل، ولا يتعدى ضرره إلى الغير، والاستغفار الندم والتوبة. والآية ياأخى ترشد إلى خلال الصالحين الذين أسفوا على ما اقترفوا، وندموا على ما فعلوا، ورجعوا إلى ربهم، وآبوا إليه بحسن أعمالهم، وأكثروا من ذكره تعالى وتسبيحه، وبذا فازوا، وعدوا من المتقين الذين قال الله فيهم: (يا أيها الذين آمنوا لاتأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون. واتقوا النار التى أعدت للكافرين. وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون. وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين، والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى م تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) 130 - 136 من سورة آل عمران. فهل تعاهدنى أن نمد يد التوبة إلى الله عز شأنه، ونرفع أكف الضراعة والابتهال بالقبول والغفران، وتقوم فتنظف باطنك وظاهرك، وتلجأ إلى مولاك ذليلا راجيا، وتقف بين يديه متضرعا مصليا ركعتين بنية التوبة، وتتأنى في ركوعك وسجودك، وتلجأ إلى مولاك ذليلا راجيا، وتقف بين يديه متضرعا مصليا ركعتين بنية التوبة، وتتأنى في ركوعك وسجودك ثم تكثر من ذكر الله وحمده، وطلب المغفرة منه جل وعلا، وتجعل لك ورداً كل يوم ألف (لا إله إلا الله) وألف (أستغفر الله العظيم) وألف (اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم) وبذا ترجو قبول التوبة، وتتوقع أن تحشر في زمرة الصالحين شريطة أن عملك على منهج الكتاب، ومستضيئاً سنة قرة العيون خير الخلق صلى الله عليه وسلم.

الترغيب في صلاة الحاجة ودعائها

2 - وعن الحسن، يعنى البصرىَّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أذنب عبد ذنباً، ثم توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى برازٍ من الأرض فصلى فيه ركعتين، واستغفر الله من ذلك الذنب إلا غفر الله له. رواه البيهقى مرسلاً. (البراز): بكسر الباء، وبعدها راء، ثم ألف، ثم زاى: هو الأرض الفضاء. 3 - وعن عبد الله بن بُريدة رضي الله عنه عن أبيه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فدعا بالاً، فقال: يا بلال بم سبقتنى إلى الجنة؟ إنى دخلت الجنة البارحة، فسمعت خشخشتك (¬1) أمامى، فقال: يا رسول الله ما أذنبت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابنى حدث قطٌّ إلا توضأت عندها، وصليت ركعتين. رواه ابن خزيمة في صحيحه. وفي روايةٍ: ما أذنبت، والله أعلم. الترغيب في صلاة الحاجة ودعائها 1 - عن عثمان بن حنيفٍ رضي الله عنه أن أعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يكشف (¬2) لى عن بصرى قال: أو أدعك قال يا رسول الله: إنه قد شقَّ على ذهاب بصرى. قال: فانطلق فتوضأ، ثم صلِّ ركعتين، ثم قال: اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بِنَبييِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم نبىِّ (¬3) الرحمة. يا محمد: إنى أتوجه إلى ربى بك أن يكشف لى عن بصرى ¬

(¬1) حركة صوتك كصوت السلاح، وفى رواية (سمعت دف نعليك) أي صوت مشيهما. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع صوت نعل بلال ومشيه فيبين بلال أن سبب ذلك المحافظة على الوضوء والطهارة. وكلما أحدثت توضأت فصليت ركعتين إنابة إلى الله تعالى، ورغبة في رحمته، ورجاء عفوه. (¬2) يزيل ألم بصرى. (¬3) رسول الهداية، ومبعث الإحسان والرأفة، والآخذ إلى جنان النعيم والداعى إلى السعادة ووجهه رضاء وسبب إجابة الدعوات ونزول البركات وإغداق الحسنات والرحمة رقة تقتضى الإحسان إلى المرحوم والرحمة من الله: إنعام وإفضال ومن الآدميين رقة وعطف وقد وصف الله تعالى أنه صلى الله عليه وسلم كثير الرأفة والرحمة. قال عز شأنه (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) حتى إن جبريل عليه السلام قال لقد كنت خائفاً على نفسى حتى جئت يا محمد فزاد اطمئنانى قوله تعالى (ذى قوة عند ذى العرش مكين مطاع ثم أمين).

اللهم شفعه (¬1) فىَّ، وشفعنى في نفسي (¬2) فرجع وقد كشف الله عن بصره (¬3). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب والنسائي، واللفظ له وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، وليس عند الترمذي: ثم صل ركعتين، إنما قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يدعو بهذا الدعاء فذكره بنحوه. ورواه في الدعوات، ورواه الطبراني وذكر في أوله قصةً. وهو أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجةٍ له، وكان عثمان لايلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقى عثمان بن حنيفٍ فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيفٍ: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إنى أسألك، وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبى الرحمة، يا محمد! إنى أتوجه بك إلى ربى فيقضى حاجتى، وتذكر حاجتك ورح إلىَّ (¬4) حتى ¬

(¬1) تكرم واجعلنى من أتباعه العاملين بسنته لترضى عنى وتجيب دعائى فأنصر تفضلا منك ومحبة في رسولك، وفي الغريب: والشفاعة: الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلا عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلا حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى ومنه الشفاعة يوم القيامة، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (القرآن شافع مشفع) وقوله تعالى (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) أي يارب أتوجه لك بذلى وانكسارى أن تتجلى لى بالرحمة والرضوان والشفاء التام ورد نور عينى إكراما لمن أنتسب إليه صلى الله عليه وسلم، وأحبه أن يطلب العافية لى عليه الصلاة والسلام. (¬2) اجعلنى رادع نفسى، وكاسر شرها ومبعث هداية لها عسى أن تجيب دعائى ويصفو قلبى بالإخلاص لك .. (¬3) قد اتفق أن كان التضرع مقبولا، والنية صادقة فتفتحت أبواب رحمة الله، فأجاب الله دعاءه وأبصر هذا تعليم لأمته صلى الله عليه وسلم، فكل مكروب يلجأ إلى الله ويقدم التوبة ويندم على مااقترف ويرد المظالم ويخلص لربه في نيته ويتطهر ويصالح ويكثر ماله وينصره على أعدائه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله) وتلك صيغة أقرب للإجابة فاحفظها أخى وادع الله إنه سميع الدعاء (إن العزة لله جميعاً هو السميع العليم) (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) 107 من سورة يونس. يا أخى: يعلمك الرسول صلى الله عليه وسلم (إنى أتوجه إلى ربى فيقضى حاجتى) فكر في هذه الجملة لعلك تفقه مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه، وتقبل على العمل بسنته وتعقد الخناصر على محبته، وتكثر من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وتلاوة القرآن، ثم ترفع يديك عسى أن الله يأتى بالفتح، ويدخلك برحمته في عباده الصالحين. (¬4) كذا ع ص 231، وفى ن د بحذف إلى، امش إلى، وفيه (من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة): أي مشى إليها، وذهب إلى الصلاة. وفيه أن المؤمن يدل على الخير، ويرشد إلى =

أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ماقال له، ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة، وقال: ماحاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت (¬1) لك من حاجةٍ فائتنا، ثم إن الرجل خرج من عندهِ فلقى عثمان بن حنيفٍ فقال له: جزاك الله خيراً (¬2)، ما كان ينظر في حاجتى، ولا يلتفت إلىَّ حتى كلمته فىَّ، فقال عثمان بن حنيفٍ: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتاه رجلٌ ضريرٌ فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: أو تصبر (¬3)، فقال: يا رسول الله إنه ليس لى قائد، وقد شق (¬4) علىَّ؟ فقال له النبى صلى الله عليه وسلم ائت الميضأة فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات، ¬

= طاعة الله، ويعلم ما جهل، ويساعد على قضاء الحاجات وينصح ويشفع عند ولى الأمر، ويهدى الضال ويتوسط عند الحاكم، ويرجو الوالى. (¬1) مدة وجود حاجة لك فاحضر عندنا. (¬2) دعاء له بالبركة، وزيادة الثواب. (¬3) أي أطلب من الله جل وعلا أن يزيل العمى عنك، أو تصبر بقدر الله لتنال أجراً جزيلا، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا ابتليت عبدى بحبيبتيه فصبر عوضه منهما بالجنة) رواه البخاري. (¬4) أتعب في قضاء مصالحى، ولا أحد يدلنى على الطريق، أو يأخذ بيدى إلى الأعمال .. إن هذا الرجل وقف بين يدى الله جل وعلا يخشاه، ويرجو رحمته، وتقرب إلى الله بعمله الصالح، ثم دعاه بدعاء علمه سيدنا وقرة عيوننا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتفضل الله بالإجابة، ورد إليه بصره، الله أكبر صادفته العناية الربانية، وأحاطته الرعاية الصمدانية، وكان هذا بمحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر الله له نظر رحمة وإحسان، ونظر ذلك تحين الفرص لقبول الدعاء ما حكاه الله عز شأنه على أولاد سيدنا يعقوب عليه السلام: (قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين 97 قال سوف أستغفر لكم ربى إنه هو الغفور الرحيم) 98 من سورة يوسف. قال البيضاوى: من حق المعترف بذنبه أن يصفح عنه، ويسأله المغفرة. أخر الدعاء إلى السحر أو إلى صلاة الليل، أو إلى ليلة الجمعة تحريا لوقت الإجابة، أو إلى أن يستحل لهم من يوسف، أو يعلم أنه عفا عنهم، فإن عفو المظلوم شرط المغفرة، ويؤيده ماروى أنه استقبل القبلة قائما يدعو وقام يوسف خلفه يؤمن، وقاموا خلفها أذلة خاشعين حتى نزل جبريل. وقال: إن الله قد أجاب دعوتك في ولدك، وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة، وهو إن صح فدليل على نبوتهم، وأن ما صدر عنهم كان قبل استنبائهم أهـ. فتجد سيدنا يعقوب عليه السلام تخير وقت الإجابة وتضرع إلى ربه، وكذلك الأعمى ساق الله الخير له، ورضى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلمه هذا الدعاء فشفاه الله كما قال الصحابى لسيدنا عثمان رضي الله عنه، (حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرقط) شهادة نقلها السلف للخلف ليلتجئوا إلى ربهم في السراء والضراء، ويدعوه رغباً ورهباً.

فقال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرَّقنا، وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضُرٌّ قطٌّ. قال الطبراني بعد ذكر طُرقه: والحديث صحيح. (الطنفسة): مثلثة الطاء والفاء أيضاً، وقد تفتح الطاء وتكسر الفاء: اسم للبساط، وتطلق على حصير من سَعف يكون عرضه ذراعاً. 2 - وعن عبد الله بن أبى أوفى رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له إلى الله حاجةٌ، أو إلى أحدٍ (¬1) من بنى آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء وليصل ركعتين ثم ليُثْنِ (¬2) على الله، وليصل على النبى صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم (¬3) الكريم (¬4)، سبحانه الله رب العرش (¬5) العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات (¬6) رحمتك، وعزائم (¬7) مغفرتك، والغنيمة (¬8) من كل برٍّ، والسلامة (¬9) من كل إثم، لا تدع لى ذنباً إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته (¬10) ولا حاجة هى لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين. رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما من رواية فايد عبد الرحمن بن أبى الورقاء عنه، وزاد ابن ماجه بعد قوله: يا أرحم الراحمين: ثم يسأل من أمر الدنيا والآخرة ما شاء فإنه يُقدرُ (¬11). ورواه الحاكم باختصار، ثم قال: أخرجته شاهداً، وفايدٌ مستقيم الحديث، وزاد بعد قوله: وعزائم مغفرتك، والعصمة من كل ذنبٍ. ¬

(¬1) كذا ع ص: واحد، وفى ن د: لنا، وفى ط: يا أرحم الراحمين. (¬2) يحمده، ويكثر من تسبيحه وتكبيره، والصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم، ويستغفر مئات. (¬3) هو الذى لا يستخفه شئ من عصيان العباد ولا يستفزه الغضب عليهم، ولكنه جعل لكل شئ مقداراً، فهو منته إليه، ولا يعجل بالعقوبة، ويرزق وينعم، ويتفضل على المطيع والعاصى سبحانه. (¬4) الجواد المعطى الذى لا ينفد عطاؤه، وهوالكريم المطلق، والكريم الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل، سبحانه. (¬5) إشارة إلى أنه السيد صاحب المملكة القوية، والسلطان النافذ، وليس له مقر، تعالى الله عن ذلك. قال تعالى: (ذو العرش المجيد) (رفيع الدرجات ذو العرش). قال البيضاوى: أي خالق العرش، والمراد به الملك العظيم في ذاته وصفاته وأفعاله، فإنه واجب الوجود تام القدرة والحكمة: (¬6) موصلات باعثة إلى الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم: (أوجب طلحة) أي عمل عملا أوجب له الجنة ومفردها موجبة. (¬7) واجبات، ومنه حديث ابن مسعود (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) واحدتها عزيمة، (والزكاة عزمة من عزمات الله) أي حق من حقوقه. (¬8) الفوز. (¬9) النجاة من كل ذنب. (¬10) أزلته. (¬11) يتفضل الله ويجيب سؤله.

(قال الحافظ): فايد متروك، روى الثقات، وقال ابن عدىٍّ: مع ضعفه يكتب حديثه. 3 - ورواه الأصبهاني من حديث أنسٍ رضي الله عنه، ولفظه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يا علىُّ ألا أُعلمك دُعاءً إذا أصابك غم أو هم تدعو به ربك فيستجاب لك بإذن الله، ويفرج عنك: توضأ، وصل ركعتين، واحمد الله، واثنِ عليه، وصلِّ على نبيك، واستغفر لنفسك وللمؤمنين والمؤمنات، ثم قل: اللهم أنت تحكم (¬1) بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، لا إله إلا الله العلىُّ العظيم، لا إله إلا الله رب العالمين: اللهم كاشف (¬2) الغم، مُفرجَ (¬3) الهم، مُجيب (¬4) دعوةِ المضطرين إذا دعوك، رحمن (¬5) الدنيا والآخرة، ورحيمهما (¬6) فارحمنى في حاجتى هذه بقضائها ونجاحها رحمةً تُغنينى بها عن رحمةِ من سواك. 4 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اثنتى عشرةَ ركعةً تُصليهن من ليلٍ أو نهارٍ، وتتشهد بين كل ركعتين، فإذا تشهدت في آخر صلاتك فأثن على الله عز وجل، وصل على النبى صلى الله عليه وسلم، واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مراتٍ، وآية الكرسى سبع مرات، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شئٍ قدير عشر مرات، ثم قل: اللهم إنى أسألك بمعاقد (¬7) العز من عرشك، ومُنتهى الرحمة من كتابك، ¬

(¬1) تقضى بالعدل، وفيه الاعتقاد بالله وبفعله، والتسليم والتفويض إليه سبحانه. (¬2) أسألك يا الله يا مزيل الحزن. (¬3) مبعد الكدر، ومزيل الضيق. والفرجة بفتح الفاء: التقصى من الهم. قال الشاعر: ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال (¬4) راحم المحتاجين، والمضطر: الذى أحوجه شدة ما به إلى اللجأ إلى الله تعالى، وهو افتعال من الضرورة واللام فيه للجنس لا للاستغراق. قال تعالى: (أم يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون) 63 من سورة النمل. ويدفع عن الإنسان ما يسوؤه سبحانه، وسكن الإنسان الأرض وعمرها، وتصرف في خيراتها. وما زائدة: أي تذكرون آلاءه تذكرا قليلا. (¬5) المنعم بجلائل النعم. (¬6) المنعم بدقائقها، والمتفضل بنعيم الآخرة تكرما. (¬7) أي بالخصال التى أستحق بها العرش المعز، أو بمواضع انعقادها منه، وحقيقة معناه يعز عرشك وأصحاب =

واسمك الأعظم، وجدك الأعلى (¬1)، وكلماتك (¬2) التامة، ثم سَلْ (¬3) حاجتك، ثم ارفع رأسك، ثم سلم يمنياً وشمالاً، ولا تُعلموها السفهاء (¬4)، فإنهم يدعون بها فيستجابون. رواه الحاكم، وقال: قال أحمد بن حرب: قد جربته فوجدته حقاًّ، وقال إبراهيم بن علىّ الدبيلي: قد جربته فوجدته حقاًّ، وقال الحاكم: قال لنا أبو زكريا: قد جربتهُ فوجدته حقاً. قال الحاكم: قد جربته فوجدته حقا. تفرد به عامر بن خدَّاش، وهو ثقة مأمون انتهى. (قال الحافظ): أما عامر بن خداش هذا هو النَّيْسابورى. قال شيخنا الحافظ أبو الحسن: كان صاحب كير، وقد تفرّد به عن عمر بن هارون البلخى وهو متروك متهم أثنى عليه ابن مهدى وحده فيما أعلم، والاعتماد في مثل هذا على التجربة، لا على الإسناد، والله أعلم. 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءنى جبريل عليه السلام بدعواتٍ فقال: إذا نزل بك أمر من أمر دنياك فقدمهنَّ، ثم سل حاجتك يابديع (¬5) السموات والأرض، ياذا الجلال والإكرام، يا صريخ (¬6) المستصرخين، ياغياث المستغيثين، ياكاشف (¬7) السوء، يا أرحم الراحمين، يامُجيب دعوة المضطرين، يا إله العالمين (¬8) بك أُنزل (¬9) حاجتى، وأنت أعلمُ بها فاقضها رواه الأصبهاني، وفي إسناده إسماعيل بن عياش. وله شواهد كثيرة. ¬

= أبى حنيفة يكرهون هذا اللفظ من الدعاء أهـ نهاية. (¬1) جلالك وعظمتك السامية، ومنه تبارك اسمك وتعالى جدك: أي جل جلالك وعظمتك، والجد: الحظ والسعادة والغنى، ومنه: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد منك الجد) أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه؛ وإنما ينفعه الإيمان والطاعة. (¬2) قيل هى القرآن وفيه سبحان الله عدد كلماته. كلمات الله كلامه وهو صفته لا تنحصر، وفيه (أعوذ بكلمات الله التامات) إنما وصف كلامه بالتمام لأنه لا يجوز أن يكون في شى من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام الناس، وقيل: معنى التمام ها هنا تنفع المتعوذ بها، وتحفظه من الآفات وتكفيه. (¬3) اطلب ما تريد. (¬4) نهى صلى الله عليه وسلم أن يتعلمها الجهلة الفسقة الذين يستعملونها في أذى العباد، وفي الشرور، فسلاحها قاطع في الخير وفي الشر. (¬5) الخالق المخترع لا عن مثال سابق. يقال: أبدع فهو مبدع. (¬6) يا عظيم القدر المتناهى في العظمة الذى يجل عن الإحاطة به، ومنه الجليل: الذى يجل أن يدرك بالحواس والجلل: الأمر العظيم، ومنه مجلة يامغيث المستغيثين، والاستصراخ: الاستغاثة، واستصرخته: حملته على الصراخ، صرخ من باب قتل صراخا فهو صارخ وصريخ: إذا استغاث، واستصرخته فأصرخنى: استغثت به فأغاثنى فهو صريخ: أي مغيث. (¬7) مزيل الضر، ورافع الأذى. (¬8) العالم: كل ما سوى الله تعالى من السموات والأرضين، وما بينهما، والعالم بفتح اللام: الخلق، وقيل مختص بمن يعقل. (¬9) أطلبها بشدة وذل، ومنه أنزلت فلانا: أضفته، ونزل فلان: إذا أتى منى. =

الترغيب في صلاة الاستخارة، وما جاء في تركها

الترغيب في صلاة الاستخارة وما جاء في تركها 1 - عن سعد بن أبى وقاصٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سعادةِ ابن آدم استخارته الله عز وجل. رواه أحمد وأبو يعلى والحاكم، وزاد: ومن شقوةِ ابن آدم: تركه استخارة الله. وقال: صحيح الإسناد كذا قال، ورواه الترمذي، ولفظه: من (¬1) سعادة ابن آدم: كثرة استخارة الله تعالى، ورضاه بما قضى الله له، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله تعالى وسخطه بما قضى الله له. وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبى حميد، وليس بالقوىّ عند أهل الحديث، ورواه البزار، ولفظه: ¬

= فيه أن الإنسان يتذلل إلى الله ويتضرع، ويكثر من سؤاله والثناء عليه جل وعلا ليجيب طلبه. قال تعالى: أ - (وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لايشكرون. وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون. وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين) 73 - 75 من سورة النمل. الله تعالى. صاحب النعم العظيمة على عباده عليم بالخافى والظاهر مقرر في اللوح المحفوظ. أيها المسلم: افقه هذا الباب واحفظ هذا الدعاء وثق أن ربك خزائنه لا تنفد واطلب منه جل جلاله ما تشاء واملأ قلبك إيمانا به، وثقة بوجوده، ونصره لمن التجأ إليه تعالى واحتقر ما سوى الله، واعلم كما قال صلى الله عليه وسلم: (أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك) وعليك بأداء حقوق الله وواجباته. قال الله تعالى: أ - (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور) 22 من سورة لقمان. ب - (لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغنى الحميد) 26 من سورة لقمان. (¬1) يبين الله تعالى للمسلم عسى أن يلجأ إليه سبحانه وتعالى في مهام أموره صغيرها وكبيرها جليلها ودقيقها كما قال صلى الله عليه وسلم: (ليسأل أحدكم ربه حتى في شسع نعله) وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن علامات السعادة ودلائل الخير، وطرق النجاح أن تلجأ للتفويض لمولاك، وتسلم إليه جل جلاله زمام أمرك. وتجعل نفسك منقادة له ذليلة مطاعة منتظرة رحمته، وثابة إلى عبادته راغبة في إحسانه؛ ومن الخيبة والخسران الجموح عن استشارة الله واستخارته في أعمالك قبل البدء فيها، ومن الطرد والبعد والجفاء والغلظة نكران فضل المنعم، والتبجح بثاقب رأيه، وحسن إدارته، ولا يلجأ إلى مولاه يستخيره. أهذا خير يارب فأقدم أو شر فأحجم؟ وإن من الحكمة أن ترضى بفعل الله، وتتقبل الحوادث بثغر باسم، ونفس مطمئنة، وصدر منشرح. لماذا؟ لأنك تعتقد في وجود الله الفعال (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) أما إعلانك الحرب على الله، والسخط بقضاء الله، فهذا قلة أدب وفجور وفسوق وكفران مع أن السخط لا يجدى شيئاً ولا يدفع ضرا، ومن رأفته صلى الله عليه وسلم بأمته إرشاده صلى الله عليه لسبل استخارة الله تعالى (يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها) قال الشوكاني: دليل على العموم، وأن المرء لا يحتقر أمراً لصغره، وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه، فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم، أو في تركه. أهـ 62 جـ 3.

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سعادة المرء استخارته ربه، ورضاه بما قضى، ومن شقاء المرء تركه الاستخارة، وسخطه بعد القضاء، ورواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب، والأصبهاني بنحو البزار. 2 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يُعلمنا السورةَ (¬1) من القرآن يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع (¬2) ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل (¬3): اللهم إنى أستخيرك (¬4) بعلمك، وأستقدرك (¬5) بقدرتك، وأسئلك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لى في دينى ومعاشى (¬6)، وعاقبة أمرى (¬7)، أو قال: عاجل أمرى وآجله فاقدره لى، ويسره لى، ثم بارك لى فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ ¬

(¬1) أي أنه صلى الله عليه وسلم يشرح لنا طريق استخارة المولى جل وعلا كما يعلمنا السورة من كتاب الله تعالى ويهتم بالإرشاد. قال الشوكاني: فيه دليل على الاهتمام بأمر الاستخارة وأنه متأكد مرغوب فيه أهـ. (¬2) الأمر للندب: أي يسن له أن يصلى ركعتين بنية الاستخارة، ويتذلل لمولاه عسى أن يرشده إلى الصواب، ويقيه شر الزلل، ويلهمه التوفيق، ويسدد خطاه، ويمنع عنه السوء، ولا تجزئ الركعة الواحدة ولا تضر الزيادة على الركعتين كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبى أيوب: (ثم صل ما كتب الله لك) أي صل الركعتين بعد أن تؤدى الواجب عليك من صلاة فريضة أو سنة مؤكدة أو راتبة: أي تنتهز فرصة صلاتها بعد إتمام ما عليك. قال الشوكاني: فيه أنه لا يحصل التسنن بوقوع الدعاء بعد صلاة الفريضة والسنن الراتبة، وتحية المسجد، وغير ذلك من النوافل، وقال النووي في الأذكار: إنه يحصل التسنن بذلك. وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمره بذلك بعد حصول الهم بالأمر، فإذا صلى راتبة أو فريضة، ثم هم بأمر بعد الصلاة، أو في أثناء الصلاة لم يحصل بذلك الإتيان بالصلاة المسنونة عند الاستخارة. قال العراقى: إن كان همه بالأمر قبل الشروع في الراتبة ونحوها، ثم صلى من غير نية الاستخارة وبدا له بعد الصلاة الإتيان بدعاء الاستخارة، فالظاهر حصول ذلك. أهـ. (¬3) فيه أنه لايضر تأخر دعاء الاستخارة عن الصلاة ما لم يطل الفصل، وأنه لا يضر الفصل بكلام آخر. يسير خصوصاً إن كان من آداب أبواب الدعاء. (¬4) أطلب منك الخير والهداية إلى الرشد لأمشى في طريق ترضاها، وعاقبتها نجاحى وفلاحى ويمنى ويسرى لأنك أعلم .. (¬5) أطلب منك قوة تساعدنى على المضى في الخير، وتمنعنى عن السير لأنك قادر ومريد. (¬6) حياتى، وما يؤنس به، ويزيدنى كمالا وجمالا. (¬7) نهاية حالى.

لى في ديني (¬1) ومعاشى، وعاقبة أمرى، أو قال: عاجل أمرى وآجله، فاصرفه عنى (¬2) واصرفنى عنه، واقدر لى الخير حيث كان ثم أرضنى (¬3) به. قال: ويُسمِّى حاجته. رواه البخاري، وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه. ¬

(¬1) في ن د: ودنياى. قال الشوكاني: هو طلب الأكمل من وجوه انصراف ما ليس فيه خيرة عنه ولم يكتف بسؤال صرف أحد الأمرين لأنه قد يصرف الله المستخير عن ذلك الأمر بأن ينقطع طلبه له، وذلك الأمر الذى ليس فيه خيرة لطلبه فربما أدركه، وقد يصرف الله عن المستخير ذلك الأمر، ولا يصرف قلب العبد عنه بل يبقى متطلعاً متشوقاً إلى حصوله، فلا يطيب له خاطر إلا بحصوله، فلا يطمئن خاطره فإذا صرف كل منهما عن الآخر كان ذلك أكمل، ولذلك قال: واقدر لى الخير حيث كان ثم أرضنى به لأنه إذا قدر له الخير، ولم يرضى به كان منكر العيش آثما بعدم رضاه بما قدر الله له مع كونه خيراً له. أهـ. فأنت ترى سيدنا ومولانا صلى الله عليه وسلم يعلمك التفويض في الأمر إلى ربك، وطلب توجه دفة سفينتك مع إخلاصك لربك وتنفيذ العزيمة، وصدق النية، فعلمك صلاة الاستخارة، ودل على مشروعيتها، والدعاء عقبها بطلب مساعدتك (ويسمى حاجته) أي في أثناء الدعاء يكنى عنها، والله عليم بها سبحانه. قال النووي: ينبغى أن يفعل الاستخارة ما ينشرح له فلا ينبغى أن يعتمد على انشراح كان له فيه هوى قبل الاستخارة بل ينبغى للمستخير ترك اختياره رأساً وإلا فلا يكون مستخيرا لله، بل يكون مستخيرا لهواه، وقد يكون غير صادق في طلب الخيرة، وفي التبرى من العلم والقدرة، وإثباتهما لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة، ومن اختياره لنفسه أهـ. (¬2) أبعده عنى، وأزله من فكرى. (¬3) كذا ع ص 234، وفى ن ط: رضنى. إن تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم تدعو إلى فلاح العاملين بها ونجاحهم في الدنيا والآخرة، وما آداب الشرع إلا حصن منيع، وسياج متين يبعد القبائح، ويزيل الفواحش، ويطرد المنكر، وإنما هى أنوار ربانية تضئ قلوب المتقين، فيلهمون بالعمل الصالح، ويسلكون سبل السعادة، والعيش الرغد بدليل قوله تعالى لحبيبه خير الخلق ورحمتهم صلى الله عليه وسلم: (قل ياأيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين 50 فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم 51 والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم) 52 من سورة الحج. إن الالتجاء إلى الله في استخارته في مهام أمورك عمل صالح أرشدك إليها قائد الشرع عليه الصلاة والسلام (نذير) أي أوضح لكم أيها الكفرة والفسقة ماأنذركم به، وأعلمكم أن مخالفة الله في أوامره سبب العذاب والخراب، والمطيعون الله ورسوله لهم مغفرة لما بدر منهم والله يعفو عنهم، وعاقبتهم بعد الموت الجنة، وفي الدنيا سعة ورزق رغد، وعيش سعيد وخيرات جمة، ومكاسب وفيرة، ورضا الرحمن (كريم) أي من كل نوع يجمع فضائله (معاجزين) مسابقين بالرد والإبطال وعدم العمل بكتاب الله مغالبين مشاقين الساعين فيه بالقبول والتحقيق مثبطين عن الإسلام، من عاجزه فأعجزه وعجزه: إذا سابقه لأن كلا من المتسابقين يطلب إعجاز الآخر عن اللحوق به وجزاء العصاة والكفار النار الموقدة. قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنى أسألك صحة في إيمانى، وإيمانا في حسن خلقى، ونجاحا يتبعه فلاح ورحمة منك وعافية، ومغفرة منك ورضوانا، عن أبي هريرة. قال المناوى: رجاله ثقات.

كتاب الجمعة

كتاب الجمعة الترغيب في صلاة الجمعة والسعى إليها وما جاء في فضل يومها وساعتها 1 - عن ابى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عيه وسلم من توضأ فأحسن الوضوء (¬1)، ثم أتى الجمعة فاستمع (¬2) وأنصت (¬3) غُفر له (¬4) ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام، ومن مسَّ (¬5) الحصا فقد لغا. رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. (لغا) قيل: معناه خاب من الأجر، وقيل: أخطأ، وقيل: صارت جمعته ظهراً، وقيل: غير ذلك. ¬

(¬1) قال النووي: فيه فضيلة الغسل، وأنه ليس بواجب للرواية الثانية، وفيه استحباب، وتحسين الوضوء، ومعنى إحسانه الإتيان به ثلاثا ثلاثا، ودلك الأعضاء، وإطالة الغرة والتحجيل، وتقديم الميامن والإيتان بسننه المشهورة، وفيه أن التنفل قبل خروج الإمام يوم الجمعة مستحب، وفيه أن النوافل المطلقة لا حد لها لقوله صلى الله عليه وسلم: (فصلى ما قدر له) وفيه الإنصات للخطبة، وفيه أن الكلام بعد الخطبة قبل الإحرام بالصلاة لا بأس به أهـ ص 147 جـ 6. (¬2) أصغى. (¬3) سكت. قال الله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا). (¬4) قال العلماء: معنى المغفرة له أن الحسنة بعشر أمثالها، وصار يوم الجمعة الذى فيه هذه الأفعال الجميلة في معنى الحسنة التى جعل بعشرة أمثالها: أي سبعة أيام وثلاثة، والمعنى: أن الله تعالى يكفر خطاياه الصغيرة التى يفعلها مدة عشرة أيام، وفيه فضلها وبركتها، والحث على القيام بها فإنها مكفرات للصغائر داعية إلى التحلى بالمكارم، وهى نور الإيمان يبعث في قلوب المتقين. (¬5) معناه من وضع يده على الأرض متلاعباً أثناء الخطبة أبطل جمعته، وقال النووي: فيه النهى عن مس الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على سماع الخطبة، والمراد باللغو هنا الباطل المذموم المردود أهـ.

2 - وعنه رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصلوات (¬1) الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مُكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. رواه مسلم وغيره ¬

(¬1) الفرائض: أداؤها يسبب غفران الصغائر؛ وكذا أداء صلاة الجمعة يكفر ذنوب أسبوع، وكذا صيام رمضان يستر عيوب عام كله مدة اجتناب الكبائر: أي عدم فعل الموبقات التى نهى الله عنها بوعيد شديد، وزجر مؤلم. قال الله تعالى: (ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى 32 الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذا أنشأكم من الأرض وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) 33 من سورة النجم أي بعقاب ما عملوا من السوء، وبالمثوبة الجنة لمن بعد عما يكبر عقابه، أو يجوب الحد، وما فحش من العيوب إلا ما قل من الذنوب وصغر فإنه مغفور من مجتنبى الكبائر (فلا تزكوا أنفسكم): أي فلا تثنوا عليها بزكاء العمل، وزيادة الخير، أو بالطهارة عن المعاصى والرذائل، والجمعة عيد المؤمنين خص الله به عز وجل هذه الأمة فيه يعتق ستمائة ألف عتيق من النار، ومن مات فيه أعطى أجر شهيد، ووقاه الله فتنة القبر وفيه الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ثوابها مضاعف، وفرضت الجمعة بمكة ليلة الإسراء، ولم تقم فيها لقلة المسلمين، ولخفاء الإسلام إذ ذاك، وهى أفضل الصلوات، ونعمة جسيمة امتن الله بها على عباده المؤمنين من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يسمى في الجاهلية بيوم العروبة، ويسمى يوم المزيد لزيادة الخيرات فيه، وكذا ليلته أفضل ليالى الأسبوع، وأفضل منه يوم عرفة، وأفضل الليالى ليلة مولده صلى الله عليه وسلم وعند الإمام أحمد بن حنبل أفضل الأيام يوم الجمعة مطلقاً، وعند الشافعية الأفضل يوم عرفة، فيوم الجمعة، فيوم عيد الأضحى، فيوم عيد الفطر، والليالى ليلة مولده المباركة صلى الله عليه وسلم، فليلة القدر، فليلة الجمعة، فليلة الإسراء، وعنده صلى الله عليه وسلم الأفضل ليلة الإسراء، وقد رأى ربه بعينى رأسه عليه الصلاة والسلام. وأول من فعلها بالمدينة الشريفة قبل الهجرة أسعد بن زرارة رضي الله عنه بمحل يقال له: نقيع الخضمات على ميل من المدينة. والأصل في وجوبها قول الله تبارك وتعالى: أ - (ياأيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) 9 من سورة الجمعة فأمر بالسعى، وظاهره الوجوب، وإذا وجب السعى وجب ما يسعى إليه ونهى عن البيع، وهو مباح ولا ينهى عن المباح إلا لواجب، والمراد بذكر الله الصلاة، وقيل الخطبة، وهى ركعتان، وليست ظاهراً مقصورة. قال عمر رضي الله عنه: (الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم، وقد خاب من افترى، أي كذب رواه الإمام أحمد وغيره، ونزل صلى الله عليه وسلم قباء حينما قدم المدينة فأقام بها إلى الجمعة، ثم دخل المدينة وصلى الجمعة في واد لبنى سالم بن عوف. ب - وقال تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) 204 من سورة الأعراف قال البيضاوى: نزلت في الصلاة، كانوا يتكلمون فيها فأمروا باستماع قراءة الإمام والإنصات له، وظاهر اللفظ يقتضى وجوبهما حيث يقرأ القرآن مطلقا، وعامة العلماء على استحبابهما خارج الصلاة، واحتج به من لا يرى وجوب القراءة على المأموم، وهو ضعيف أهـ. =

3 - وروى الطبراني في الكبير من حديث أبى مالك الأشعرى قال: قال رسول الله ¬

_ = وفى تفسير الجلالين: نزلت في ترك الكلام في الخطبة، وعبر عنها بالقرآن لاشتمالها عليه، وقيل: في قراءة القرآن مطلقاً، وعلق الصاوى عليه واجب عند مالك، ومذهب الشافعي الجديد: الإنصات سنة، والكلام مكروه. فيحرم الكلام في مجلس القرآن للتخليط على القارئ بل يجب الإنصات والاستماع، فإن أمن التخليط فلا حرمة أهـ. وهى فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل ذكر حر مقيم صحيح. وشروط صحتها: أولا: إقامتها في أبنية مصرا كانت أو قرية، فلا تقام في الصحراء، وإن كان فيها خيام. ثانيا: إقامتها بأربعين مسلمين أحراراً ذكوراً مستوطنين بمحل إقامتها لا يظعنون شتاء ولا صيفاً مكلفين. ويحرم السفر ولو قصيراً على من تلزمه الجمعة بعد طلوع فجر يومها إلا إذا وثق أن يتمكن من صلاتها في طريقه. ثالثا: وقوعها في وقت الظهر. رابعا: وقوعها جماعة، ولو في الركعة الأولى بتمامها بأن يستمروا معه إلى السجود الثانى. خامسا: أن لا يسبقها، ولا يقارنها بتحرم جمعة أخرى بمحل إقامتها إلا إذا عسر اجتماع الناس بمكان واحد، وإن تعددت لحاجة فجمعة الكل صحيحة. سادساً: تقدم خطبتين على صلاتها. وشروطها: أولا: وقوعهما في وقت الظهر. ثانياً: أن تكونا عربيتين. ثالثاً: أن لا يطول الفصل بغير الوعظ بين أركان كل منهما. رابعا: أن لا يطول الفصل بينهما وبين فراغهما والصلاة. خامسا: وأن يكون الخطيب قائما فيهما عند القدرة. سادساً: وأن يكون متطهرا من الحدث والخبث. سابعاً: وأن يكون ساتر العورة. ثامناً: وأن يسمع أربعين ممن تنعقد بهم الجمعة. تاسعاً: وأن يجلس بينهما، ويسن كونه بقدر سورة الإخلاص. وأركان الخطبتين: أولا: حمد الله تعالى فيهما. ثانياً: والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فيهما، ولا يكفى الضمير ولو مع تقدم ذكره على المعتمد. ثالثاً: والوصية بالتقوى فيهما. رابعاً: وقراءة آية مفهمة في إحداهما وكونها في الأولى أولى. خامساً: والدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الثانية بأخروى. وسنن الخطبتين: أولا: ترتيب أركانها، والإنصات فيهما لمن سمعهما. ثانياً: كونه على منبر أو مرتفع، ثم يسلم على المسلمين، ثم يجلس فيؤذن بين يديه واحد. ثالثا: وأن تكون الخطبة بليغة مفهمة متوسطة. رابعا: وأن لايلتفت في شئ منهما. خامسا: وأن يشغل يسراه بنحو سيف أو عصا، ويمناه بحرف المنبر. سادسا: وأن يقرأ في جلوسه بينهما سورة الإخلاص. وسنن الجمعة. أولا: الغسل. ثانيا: تنظيف الجسد. ثالثاً: تقليم الأظافر. رابعا: نتف الإبط. خامسا: حلق العانة. سادسا: قص الشارب. سابعا: تسريح اللحية، وتخصيب الشيب بحمرة أو صفر للتباع، ويحرم بالسواد، إلا لإرهاب الكفار، ويكره نتف الشيب لأنه نور، وقيل: حرام. ثامناً: والتطيب بالمسك، والاستياك، والاكتحال وتراً ثلاثا. تاسعاً: والتزين بأحسن الثياب، وأفضلها البياض. عاشراً: والتبكير إلى المصلى ليأخذ مجلسه قبل ازدحام المصلين. وهنا أشدد اللوم والعتاب على أولئك المتأخرين الذين يتخطون الرقاب، ويزاحمون الجالسين. هذا لعمرى مضيع الحسنات، ومحبط الثواب فأسرع أخى وخذ لك مكانا في المجلس، وسبح الله واستغفره وصل على حبيبه صلى الله عليه وسلم تنجو وتربح. الحادى عشر: المشى لها بسكينة ووقار. الثانى عشر: والاشتغال بقراءة، أو ذكر، أو استغفار =

صلى لله عليه وسلم: الجمعة كفارةٌ لما بينها وبين الجمعة التى تليها، وزيادة ثلاثة أيامٍ وذلك بأن الله عز وجل قال: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. 4 - وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمسٌ من عملهن في يومٍ كتبه الله من أهل الجنة: من عاد (¬1) مريضاً، وشهد جنازة (¬2) وصام (¬3) يوماً، وراح (¬4) إلى الجمعة، وأعتق رقبة (¬5). رواه ابن حبان في صحيحه. 5 - وعن يزيد بن أبى مريم رضي الله عنه قال: لحقنى عُباية بن رفاعة بن رافعٍ رضي الله عنه، وأنا أمشى إلى الجمعة، فقال: أبشر، فإن خُطاك هذه في سبيل الله. سمعت أبا عبسٍ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اغبرَّت (¬6) قدماه في سبيل الله ¬

= ويندب للإمام التأخير إلى وقت الخطبة، ويجتهد أن لا يتخطى رقاب الناس، ولا يمر بين أيديهم وهم مصلون ويجلس بقرب حائط أو عمود حتى لا يمروا بين يديه، ولا يعقد حتى يصلى التحية. الثالث عشر: الإنصات بترك الكلام، والذكر للسامع، وترك الكلام دون الذكر لغيره. الرابع عشر: إكثار الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم. الخامس عشر: الصدقة وإكثار الدعاء في يومها ليصادف ساعة الإجابة، ولا بأس بهذا الدعاء: اللهم إنا نسألك فقهاً في الدين، وزيادة في العلم، وكفاية في الرزق، وعافية وصحة في البدن وتوبة قبل الموت، وراحة عند الموت، ومغفرة بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك الكريم يا أرحم الراحمين. وتسن قراءة سورة الكهف لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قرأها يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين، ومن دخل المسجد والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين ثم يجلس). فائدة: من قرأ الفاتحة والإخلاص والمعوذتين سبعاً سبعاً عقب سلامه من الجمعة قبل أن يثنى رجليه وقبل أن يتكلم، ثم قال (الله يا غنى ياحميد يا مبدئ يا معيد يا رحيم يا ودود أغننى بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، وبطاعتك عن معصيتك) أربع مرات أغناه الله تعالى، ورزقه من حيث لا يحتسب وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحفظ له دينه ودنياه وأهله وولده. عن سيدى عبد الوهاب الشعرانى نفعنا الله به (من واظب على قراءة هذين البتين في كل يوم جمعة توفاه الله على الإسلام، تقرأخمس مرات بعد الجمعة): إلهى لست للفردوس أهلا ... ولا أقوى على نار الجحيم فهب لى توبة واغفر ذنوبى ... فإنك غافر الذنب العظيم أهـ من حاشية الباجورى وتنوير القلوب ص 189. اللهم وفقنا لنعمل وألبسنا حلل الصحة والقبول. (¬1) يزوره. (¬2) يمشى معها حتى تدفن. (¬3) صام سنة في غير رمضان. (¬4) ذهب إلى صلاة الجمعة مبكراً. (¬5) أتى بعبد، وأزال عنه الرق والذل وأطلقه حراً لوجه الله والآن أيها السادة فك ضيق مسلم وفرج كرب مؤمن، وأزال عسير رجل صالح وساعد متقياً وأعان عاملا، وشجع في أعمال الخير. (¬6) أي مشى فأصابهما غبار كناية عن سعيه وإتعاب قدميه في سبيل صلاة الجمعة =

فهما حرام على النار. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه البخاري. وعنده قال عباية: أدركني أبو عبس وأنا ذاهب إلى الجمعة، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أغبرت قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النار. وفي رواية: ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسَّه النار، وليس عنده قول عباية ليزيد. 6 - وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من (¬1) اغتسل يوم الجمعة ومسَّ من طيبٍ إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع ما بدا له ولم يُؤذ أحداً ثم أنصت حتى يُصلي كان كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى. ورواه أحمد والطبراني وابن خزيمة في صحيحه، ورواة أحمد ثقات. 7 - وعن أبي الدَّرْداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اغتسل يوم الجمعة، ثم لبس من أحسن ثيابه، ومس طيباً إن كان عندهُ ثم مشى إلى الجمعة، وعليه السكينة (¬2)، ولم يتخطَّ أحداً ولم يُؤذه ثُمَّ ركع ما قضى له ثم انتظر حتى ينصرف الإمام غفر له ما بين الجمعتين. رواه أحمد والطبراني من رواية حرب عن أبي الدرداء ولم يسمع منه. 8 - وعن عطاء الخراساني رضي الله عنه قال: كان نُبيشة الهذلي رضي الله عنه يحدثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة، ثم أقبل إلى المسجد لا يؤذي أحداً، فإن لم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له، وإن وجد ¬

= أو في عمل خير، وإن كان أصل سبيل الله الجهاد. وقال المناوى: أي في طريق يطلب فيها رضا الله فشمل الجهاد وغيره كطلب العلم أهـ. أيها المسلم: هذا عمل قليل، وثوابه جليل يدخلك الجنة ويقيك النار إذا خطوت في إدراك صلاة الجمعة، ويزيد ثوابك عند الانهماك في العبادة، وذل النفس في طاعة الله تعالى. (¬1) يرشد صلى الله عليه وسلم إلى نيل الثواب وتكفير الخطايا أن تنظف جسمك، وتتعطر من طيب بيتك حتى يفوح شذاك ويعمم نداك، وتعبق ذكراك وينضر وجهك ويبهر منظرك ثم تبكر وتتنفل وال تتخطى الرقاب (ولم تؤذ أحدا) ثم تصغى إلى الخطبة وتستمع المواعظ عسى أن تؤجر فيمحو الله ما اقترفته مدة أسبوع. (¬2) التؤدة والتأنى، وسيمى الصالحين، وسبيل ذلك العمل بسنن الجمعة.

الإمام قد خرج جلس فاستمع وأنصت حتى يقضى الإمام جمعته وكلامه إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها أن يكون كفارة الجمعة التى تليها. رواه أحمد، وعطاء لم يسمع من نبيشة فيما أعلم. 9 - وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغتسل رجلٌ يوم الجمعة (¬1) ويتطهر (¬2) ما استطاع من الطهور ويدهن من دهنه (¬3) ويمسُّ من طيب (¬4) بيته، ثم يخرج فلا يفرق (¬5) بين اثنين، ثم يصلى ما كُتِبَ (¬6) له، ثم ينصت (¬7) إذا تكلم (¬8) الإمام إلا غفر له ما بينه (¬9) وبين الجمعة الأخرى (¬10) رواه البخاري والنسائيّ. وفي رواية للنسائىّ: ما من رجلٍ يتطهر يوم الجمعة كما أُمر، ثم يخرج من بيته حتى يأتى الجمعة، وينصت حتى يقضى صلاته إلا كان كفارةً لما قبله من الجمعة. ورواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن نحو رواية النسائي، وقال في آخره: إلا كان كفارةً لمابينه وبين الجمعة الأُخرى، ما اجتنبت المقتلة (¬11) وذلك الدهر كلهُ. ¬

(¬1) غسلا شرعيا. (¬2) مبالغة في التنظيف بأخذ الشارب والظفر والعانة، وغسل الجسد وتنظيف الثياب حتى يذهب إلى المسجد تعلوه المهابة والنضارة (تعرف في وجوههم نضرة النعيم). (¬3) يطلى بالدهن ليزيل شعث رأسه ولحيته به بمعنى أنه يرتب ملابسه، وينظم نفسه، ويفرق شعره. (¬4) بمعنى إن لم يخصص له دهناً، ولم يوجد له عطرا يذهب إلى طيب زوجته، وفي حديث أبى داود عن ابن عمر (أو يمس من طيب امرأته) إن لم يتخذ لنفسه طيبا فليستعمل من طيب امرأته، وزاد فيه: ويلبس من صالح ثيابه أهـ شرقاوى ص 288 جـ 1. (¬5) فلا يفصل، ولا يحتك، ولا يمر مرورا مؤلما، ولا يوقع قلنسوة، وهكذا من أعمال الجاهلين المقصرين المتأخرين حتى تمتلئ الصفوف فيأتوا بلا أدب، ويضربوا الناس على رءوسهم بأقدامهم، وفى حديث ابن عمر عند أبى داود (ثم لم يتخط رقاب الناس) وهو كناية عن التبكير، أي عليه أن يبكر فلا يتخطى رقاب الناس، أو المعنى لا يزاحم رجلين فيدخل بينهما لأنه ربما ضيق عليهما خصوصا في شدة الحر واجتماع الناس أهـ. (¬6) أي فرض من صلاة الجمعة أو قدر فرضا أو نفلا. (¬7) من نصت: أي يسكت ويصح بضم الياء: من أنصت. (¬8) شرع في الخطبة: زاد في رواية حتى يقضى صلاته. (¬9) أي بين الجمعة الحاضرة. (¬10) الماضية والمستقبلة لأن الغفران للمستقبل كالماضى. قال الله تعالى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) والمراد غفران الصغائر، فإن لم تكن له صغائر تكفر رجى أن يكفر عنه بمقدار ذلك من الكبائر وإلا أعطى من الثواب بمقدار ذلك أهـ. (¬11) مدة ابتعادك عن الكبائر التى تسبب الهلاك، والوقوع في العقاب الشديد. قال تعالى (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر سيئاتكم) أي نمح عنكم صغائركم.

الترغيب في صلاة الجمعة والسعى إليها الخ 10 - وروى عن عتيق أبى بكرٍ الصديق، وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اغتسل يوم الجمعة كُفرت (¬1) عنه ذنوبه وخطاياه، فإذا أخذ في المشى كُتِبَ له بكل خطوةٍ عشرون حسنةً، فإذا انصرف من الصلاة أُجيز بعمل مائتى سنةٍ (¬2) رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفي الأوسط أيضاً عن أبي بكر رضي الله عنه وحده، وقال فيه: كان له بكل خطوةٍ عمل عشرين سنةً. 11 - وعن أوس بن أوسٍ الثقفى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكرَ وابتكر ومشى ولم يركب ودنا (¬3) من الإمام فاستمع ولم يلغ (¬4) كان له بكل خطوةٍ عمل سنةٍ أجرُ صيامها وقيامها. رواه أحمد، وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن، والنسائيّ وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وصححه، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس: قال الخطابي: قوله عليه الصلاة والسلام: غسل واغتسل وبكر وابتكر. اختلف الناس في معناه فمنهم من ذهب إلى أنه من الكلام المتظاهر الذى يراد به التوكيد، ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلف اللفظين، وقال: ألا تراه يقول في هذا الحديث: ومشى ولم يركب، ومعناها واحد، وإلى هذا ذهب الأثرم صاحب أحمد. وقال بعضهم: قوله غَسَلَ معناه غسل الرأس خاصة، وذلك لأن العرب لهم لِمَم وشعور، وفي غسلها مؤمنة فأراد غسل الرأس من أجل ذلك، وإلى هذا ذهب مكحول، وقوله: واغتسل، معناه غسل سائر الجسد، وزعم بعضهم أن قوله: غسل، معناه أصاب أهله قبل خروجه إلى الجمعة ليكون أملك لنفسه، وأحفظ في طريقه لبصره، وقوله: وبكر وابتكر. زعم أن معنى بكر أدرك باكورة الخطبة، وهى أوّلها، ومعنى ابتكر: ¬

(¬1) زالت وعفا الله عنه. (¬2) يعطيه الله ثواب من عمل صالحا لله مائتى عام. (¬3) قرب فسمع الخطبة واجتهد أن يعمل بنصائحها .. (¬4) تكلم كلاما يحبط حسناته، بل سكت ..

قدم في الوقت، وقال ابن الأنبارى: معنى بكر: تصدق قبل خروجه. وتأول في ذلك ما روى في الحديث من قوله صلى الله عليه سلم: باكِرُوا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطاها. (وقال الحافظ) أبو بكر بن خزيمة: من قال في الخبر: غَسَّلَ واغتسلَ. يعنى بالتشديد معناه جامع فأوجب الغسل على زوجته، أو أمته، واغتسل، ومن قال: غسل واغتسل. يعنى بالتخفيف أراد غسل الرأس، واغتسل فضل سائر الجسد لخبر طاوس عن ابن عباس، ثم روى بإسناده الصحيح إلى طاوس. قال: قلت لابن عباس: زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رءُوسكم وإن لم تكونوا جنباً (¬1)، ومسُّوا من الطيبِ قال ابن عباس: أما الطيب فلا أدرى، وأما الغسل: فنعم. 12 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من غسل واغتسل، ودنا وابتكر، واقترب واستمع كان له بكل خطوةٍ يخطوها قيام سنةٍ وصيامها. رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 13 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: عُرِضت الجمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه بها جبريل عليه السلام في كفِّهِ كالمرآة البيضاء في وسطها كالنُّكْتَةِ السوداء، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيداً، ولقومك من بعدك، ولكم فيها خيرٌ، تكون أنت الأول وتكون اليهود والنصارى من بعدك، وفيها ساعةٌ لا يدعو أحدٌ ربه فيها بخيرٍ هو له قسم إلا أعطاه، أو يتعوذ من شرٍّ إلا دفع عنه ما هو أعظم منه، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد (¬2) الحديث. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد. 14 - وعن أبي لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) غسل الجمعة سنة، والمعنى: وإن لم تكن عليكم جنابة - دعا صلى الله عليه وسلم إلى الغسل وإزالة القذارة، وإن لم يوجد حدث أكبر يوجب الغسل. (¬2) يبشر سيدنا جبريل المسلمين بإظهار الفرح في يوم الجمعة والبهجة، وتبادل السرور والتوادد، ونيل الراحة وكسب المودة، وإنها فرصة لفتح أبواب رحمات الله، ووقت إجابة الدعوات لمن أكثر فيها من الذكر، والصلاة على المختار صلى الله عليه وسلم.

عليه وسلم: إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى، ويوم الفطر، وفيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئاً إلا أعطاه إياه ما لم يسأل حراماً (¬1)، وفيه تقوم الساعة، ما من ملكٍ مُقربٍ، ولا سماءٍ، ولا أرض، ولا رياحٍ، ولا جبالٍ، ولا بحرٍ إلا وهن يشفقن (¬2) من يوم الجمعة. رواه أحمد وابن ماجه بلفظ واحد، وفي إسنادها عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو ممن احتج به أحمد وغيره، ورواه أحمد أيضاً والبزار من طريق عبد الله أيضاً من حديث سعد بن عبادة. وبقية رواته ثقات مشهورون. 15 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير (¬3) يومٍ طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم (¬4)، وفيه أُدخل الجنة ¬

(¬1) الله سبحانه وتعالى يجيب دعاء الخير إلا إذا طلب قطيعة أو ضررا أو أذى أو آلاما، قال تعالى: (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء). (¬2) يخفن: أي يكثرن من تسبيح الله وتحميده، ويخشين النشر والزلازل؛ وقبض الأرض، ونفخ الصور، وفي هذا اليوم تقوم الساعة. (¬3) قال العراقى: المراد بتفضيل الجمعة بالنسبة إلى أيامها، وتفضيل يوم عرفة؛ أو يوم النحر بالنسبة إلى السنة أهـ. قال صاحب المفهم: صيغة خير وشر يستعملان للمفاضلة ولغيرها، فإذا كانت للمفاضلة فأصلها أخير وأشرر على وزن أفعل، وإذا لم يكونا للمفاضلة، ومعناها في هذا الحديث أن يوم الجمعة أفضل من كل يوم طلعت عليه شمسه أهـ. (¬4) قال الشوكاني: فيه دليل على أن آدم لم يخلق في الجنة بل خلق خارجها ثم أدخل فيها أهـ. وقد قال جمع من العلماء منهم الرافعى، وصاحب المغنى: إن ساعة الإجابة مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليلة القدر. وقد روى الحاكم وابن خزيمة عن أبي سعيد أنه قال: سألت النبى صلى الله عليه وسلم عنها فقال: قد علمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر. وقيل: إذا زالت الشمس، وقيل إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة، وقيل: ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة. وقيل: عند الجلوس بين الخطبتين. وقيل من إقامة الصلاة إلى تمام الصلاة، وقيل: في صلاة العصر، والله أعلم بزمن وجودها رجاء التضرع وكثرة التذلل، وخشية الله، دائما في ساعة كلها، والإكثار من الصلاة والدعاء، فيصادفها من اجتهد. ومن خطب الحسناء لم يغلها مهر. قال القاضى عياض في شرح حديث: (خير يوم) الظاهر أن هذه الفضائل المعدودة ليست لذكر فضيلته لأن إخراج آدم، وقيام الساعة لا يعد فضيلة، وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام، وما سيقع ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة لنيل رحمة الله، ودفع نقمته أهـ. وقال أبو بكر بن العزى في كتابه الأحوزى في شرح الترمذي: الجميع من الفضائل وخروج آدم من الجنة هو سبب وجود الذرية وهذا النسل العظيم، ووجود الرسل والأنبياء والصالحين والأولياء، ولم يخرج منها طرداً بل لقضاء أوطار ثم يعود إليه، وأما قيام الساعة فسبب لتعجيل جزاء الأنبياء والصديقين والأولياء وغيرهم، وإظهار كرامتهم وشرفهم، وفي هذا الحديث فضيلة يوم الجمعة ومزيته على سائر الأيام أهـ. =

وفيه أُخرج منها. رواه مسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه قال: ما طلعت الشمس، ولا غربت على يومٍ خيرٍ من يومِ الجمعةِ، هدانا الله له، وضل الناس عنه، فالناس لنا فيه تبعٌ فهو لنا، واليهود يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، إن فيه لساعةً لا يوافقها مؤمنٌ يصلى يسأل الله شيئاً إلا أعطاه. فذكر الحديث. 16 - وعن أوس بن أوسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه قُبض، وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا من الصلاة علىَّ فيه، فإن صلاتكم يوم الجمعة معروضةٌ علىَّ، قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمت: أي بليت؟ فقال: إن الله عز وجل وعلا حرم على الأرض أن تأكل أجسامنا (¬1). رواه أبو داود والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له، وهو أتمُّ، وله علة دقيقة امتاز إليها البخاري وغيره، ليس هذا موضعها وقد جمعت طرقه في جزء. (أرمت): بفتح الراء وسكون الميم: أي صرت رميما، وروى أرمت بضم الهمزة وسكون الميم. 17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تطلع الشمس ولا تغرب على أفضل من يوم الجمعة، وما من دابة إلا وهى تفزع يوم الجمعة إلا هذين الثقلين الجن والإنس. رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، ورواه أبو داود وغيره أطول من هذا، وقال في آخره: ¬

= قال النووي: لو قال لزوجته أنت طالق في أفضل الأيام، فيه وجهان لأصحابنا: أصحهما تطلق يوم عرفة والثاني يوم الجمعة لهذا الحديث. وهذا إذا لم يكن له نية، أما إذا أراد أفضل أيام السنة فيتعين يوم عرفة، وإن أراد أفضل أيام الأسبوع فيتعين الجمعة، ولو قال أفضل ليلة تعينت ليلة القدر، وهى منحصرة في العشر الأواخر أهـ. (¬1) تحفظ الأرض أجسام الأنبياء فلا تبلى، وفيه أن كثرة الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم تجلب الأمن، وتزيل الخوف من الشدائد، وتبعث على انشراح الصدر، وتخفف البعث.

وما من دابةٍ إلا وهى مُصيخةٌ يوم الجمعة من حين تُصبح حتى تطلع الشمس شفقاً (¬1) من الساعة إلا الإنس والجن. (مصيخة): معناه مستمعة مصغية تتوقع قيام الساعة. 18 - وعن أبي موسى الأشعرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحشر الأيام على هيئتها، وتحشر الجمعة زهراء (¬2) منيرةً أهلها يحفون (¬3) بها كالعروس تُهدى إلى خدرها (¬4) تُضئ لهم يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضاً، وريحهم كالمسك، يخوضون في جبال (¬5) الكافور، ينظر إليهم الثقلان (¬6) لا يطرفون تعجباً حتى يدخلون الجنة، لا يخالطهم أحدٌ إلا المؤذنون المحتسبون (¬7). رواه الطبراني وابن خزيمة في صحيحه، وقال: إن صح هذا الخبر، فإن في النفس من هذا الإسناد شيئاً. (قال الحافظ): إسناده حسن، وفي متنه: غرابة. 19 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: إن الله تبارك وتعالى ليس بتاركٍ أحداً من المسلمين يوم الجمعة إلا غفر له. رواه الطبراني في الأوسط مرفوعا فيما أرى بإسناد حسن. 20 - وعن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أضلَّ (¬8) الله تبارك وتعالى عن الجمعة من كان قبلنا، كان لليهود يوم السبت (¬9) والأحد للنصارى فهم لنا تبع إلى يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل ¬

(¬1) خوفا من أهوال يوم القيامة. (¬2) بيضاء ساطعة. (¬3) المراد: المصلون المستغفرون، المكثرون من طاعة الله وذكره، والصلاة على حبيبه يظلهم الله في ظله، ويستضيئون بضوء يوم الجمعة، يوم يشتد الهول، ن وتظلم القلوب، وتكثر الزلازل والمصائب. (¬4) ناحية في البيت يترك عليها ستر فتكون فيه الجارية البكر، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا خطب إليه إحدى بناته أتى الخدر فقال: إن فلانا خطبك إلى، فإن طعنت في الخدر لم يزوجها: أي دخلت سترها. (¬5) المعنى أن أجسامهم بيضاء صافية، ورائحتهم المسك الأذفر كأن طريقهم الورد والياسمين، وأنواع الرياحين. (¬6) الإنس والجن المنتظرون حساب الله. (¬7) يرافقهم من يؤذن طالباً الثواب من الله جل وعلا. (¬8) فيه دلالة لمذهب أهل السنة أن الهدى والإضلال والخير والشر كله بإرادة الله تعالى، وهو فعله خلافا للمعتزلة أهـ نووى. (¬9) قال القاضى: الظاهر أنه فرض عليهم تعظيم يوم الجمعة بغير تعيين وكل إلى اجتهادهم لإقامة شرائعهم فيه، فاختلف اجتهادهم في تعيينه، ولم يهدهم الله له؛ وفرضه الله على هذه =

الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضى لهم قبل الخلائق. رواه ابن ماجه، والبزار، ورجالهما رجال الصحيح إلا أن البزار قال: نحن الآخرون في الدنيا الأولون يوم القيامة، المغفور لهم قبل الخلائق، وهو في مسلم بنحو اللفظ الأول من حديث حذيفة وحده. 21 - وروى عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يوم الجمعة، وليلة الجمعة، أربعةٌ وعشرون ساعة ليس فيها ساعة إلا ولله فيها ستمائة ألف عتيق (¬1) من النار. قال: فخرجنا من عنده فدخلنا على الحسن فذكرنا له حديث ثابت، فقال: سمعته، وزاد فيه: كلهم قد استوجبوا النار. رواه أبو يعلى والبيهقى باختصار، ولفظه: لله في كل جمعةٍ ستمائة ألف عتيق من النار. 22 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: فيها ساعة لا يُوافقها عبدٌ مسلم وهو قائم يُصلى يسألُ الله شيئاً إلا أعطاه، وأشار بيده يُقللها. رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. (وأما تعيين الساعة): فقد ورد فيه أحاديث كثيرة صحيحة، واختلف العلماء فيها اختلافا كثيراً بسطته في غير هذا الكتاب، وأذكر هنا نبذة من الأحاديث الدالة لبعض الأقوال. 23 - وعن أبي بُردة بن أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه قال: قال لى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أسمعت أباك يُحدثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة؟ قال قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هى ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة (¬2). رواه مسلم، وأبو داود، وقال: يعنى على المنبر، وإلى هذا القول ذهب طوائف من أهل العلم. ¬

= الأمة مبيناً، ولم يكله إلى اجتهادهم، ففازوا بتفضيله. قال: وقد جاء أن موسى عليه السلام أمرهم بالجمعة، وأعلمهم بفضلها، فناظروه أن السبت أفضل، فقيل له: دعهم أهـ ص 145 جـ 6. (¬1) يبشر صلى الله عليه وسلم أن الرب تبارك وتعالى يُخرج من النار هذا العدد تفضلا منه وتكرما رجاء أن تتوب وتخلص لله، وتبعده بحق عسى أن تشملك رحمته، ويغدقك بإحسانه. (¬2) قال القاضى: اختلف السلف في وقت هذه الساعة، وفى معنى قائم يصلى، فقال بعضهم: هى من بعد =

الترغيب في التماس ساعة الإجابة يوم الجمعة 24 - وعن عمرو بن عوفٍ المزنى رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم: إن في الجمعة ساعةً لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه. قالوا يا رسول الله أيةُ ساعةٍ هى؟ قال هى حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها. رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. (قال الحافظ): كثير بن عبد الله واهٍ بمرة، وقد حسّن له الترمذي هذا وغيره، وصحح له حديثاً في الصلح فانتقد له الحفاظ تصحيحه له بل وتحسينه، والله أعلم. 25 - وروى عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: التمسوا الساعة التى تُرجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى عيوبة (¬1) الشمس. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب، ورواه الطبراني من رواية ابن لهيعة، وزاد في آخره: وهى قدر هذا، يعنى قبضة، وإسناده أصلح من إسناد الترمذي. 26 - وعن عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه قال: قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ: إنا لنجدُ في كتاب الله تعالى: في يوم الجمعة ساعةٌ لا يوافقها عبدٌ مؤمنٌ يصلى يسأل الله فيها شيئاً إلا قضى الله له حاجته. قال عبد الله: فأشار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو بعض ساعةٍ، فقلت صدقت، أو بعض ساعةٍ. قلت: أي ساعةٍ هى؟ قال: آخر ساعات النهار. قلت: إنها ليست ساعة صلاةٍ؟ قال: بلى إن العبد إذا صلى، ثم جلس لم يجلسه إلا الصلاة فهو في صلاةٍ. رواه ابن ماجه، وإسناده على شرط الصحيح. 27 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبى صلى الله عليه وسلم: أي ¬

= العصر إلى المغرب. قالوا: ومعنى يصلى: يدعو، ومعنى قائم: ملازم ومواظب كقوله تعالى: (مادمت عليه قائما) وقال آخرون: هى من حين خروج الإمام إلى فراغ الصلاة، وقال آخرون: من حين تقام الصلاة حتى يفرغ، والصلاة على ظاهرها، وقيل: من حين يجلس الإمام على المنبر حتى يفرغ من الصلاة، وقيل: آخر ساعة من يوم الجمعة أهـ، وقال النووي: والصحيح بل الصواب ما رواه مسلم (ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة) أهـ ص 140 جـ 6. (¬1) غروب.

شئٍ يوم الجمعة. قال: لأن فيها طُبعت (¬1) طينةٌ أبيكَ آدم، وفيها الصعقة (¬2) وفيها البعثة (¬3) وفيها البطشة (¬4)، وفي آخر ثلاث ساعاتٍ منها: ساعة من دعا الله فيها استجيب له. رواه أحمد من رواية علىّ بن أبى طلحة عن أبي هريرة، ولم يسمع منه، ورجاله محتجّ بهم في الصحيح. 28 - وروى عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الساعة التى يُستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة آخر ساعةٍ من يوم الجمعة قبل غروب الشمس أغفل (¬5) ما يكون الناسُ. رواه الأصبهاني. 29 - وعن جابرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يوم الجمعة اثنتا عشر ساعةً لا يوجد عبدٌ مسلمٌ يسأل الله عز وجل شيئاً إلا آتاهُ إياه فالتمسوها آخر ساعةٍ بعد العصر. رواه أبو داود والنسائي، واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وهو كما قال الترمذي. ورأى بعض أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الساعة التى تُرجى بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال أحمد: أكثر الحديث في الساعة التى تُرجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر. قال: وتُرجى بعد الزوال، ثم روى حديث عمرو بن عوف المتقدم، وقال الحافظ: أبو بكر بن المنذر: ¬

(¬1) خلقت، أراد الله في هذا اليوم أن يقول: لآدم كن فيكون، وفيه: (كل الخلال يطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب) أي يخلق عليها. (¬2) أي يغشى على الإنسان من صوت شديد يسمعه، وربما مات منه ثم استعمل في الموت كثيراً. قال علماء التوحيد: ينفخ إسرافيل في الصور كهيئة البون الذى يزمر به ولكنه هو قرن من نور فتخرج الأرواح مثل النحل، فتمشى في الأجساد مشى السم في اللديغ، وهو المسمى عندهم بالنشر (إحياء الموتى) قال تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله) وهى النفخة الثانية يساق الناس إلى المحشر المسمى: (الحشر) أهـ من كتابى (النهج السعيد في علم التوحيد) ص 158. (¬3) الإحياء بعد الموت يوم القيامة: أي إحياء الأبدان من قبورها. قال تعالى (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شئ قدير. وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) 7 من سورة الحج. (¬4) أخذ الناس بصولة وقهر وغلبة. قال تعالى: (يوم نبطش البطشة الكبرى) 16 من سورة الدخان (ولقد أنذرهم بطشتنا) 36 من سورة القمر (إن بطش ربك لشديد) 120 من سورة البروج. (¬5) يكون الناس في غاية الغفلة والجهر بفائدتها، وعدم الاعتناء بالعبادة، والدعاء فيها.

الترغيب في الغسل يوم الجمعة

اختلفوا في وقت الساعة التى يُستجاب فيها الدعاء من يوم الجمعة فروينا عن أبي هريرة قال: هى من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وقال الحسن البصرى، وأبو العالية: هى عند زوال الشمس، وفيه قولٌ ثالثٌ، وهو أنه إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة، رُوى ذلك عن عائشة، وروينا عن الحسن البصرى أنه قال: هى إذا قعد الإمام على المنبر حتى يفرغ (¬1)، وقال أبو بُردة: هى الساعة التى اختار الله فيها الصلاة، وقال أبو السوار العدوى: كانوا يرون الدعاء مستجاباً ما بين أن تزول الشمس إلى أن يدخل في الصلاة، وفيه قولٌ سابعٌ، وهو أنها بين أن تزيغ (¬2) الشمس يشير إلى ذراعٍ، وروينا هذا القول عن أبي ذرٍّ وفيه قولٌ ثامنٌ وهو أنها ما بين العصر إلى أن تغرب الشمس: كذا قال أبو هريرة، وبه قال طاوسٌ، وعبد الله بن سلامٍ رضي الله عنهم، والله أعلم. الترغيب في الغسل يوم الجمعة (وقد تقدم ذكر الغسل في الباب قبله في حديث نبيشة الهذلى، وسلمان الفارسي، وأوس بن أوس، وعبد الله بن عمرو، وتقدم أيضاً حديث أبى بكر، وعمران بن حصين، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اغتسل يوم الجمعة كُفرت عنه ذنوبه، وخطاياه. الحديث). 1 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الغسل يوم الجمعة ليسُلُّ (¬3) الخطايا من أُصُولِ الشعر استلالاً. رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات. ¬

(¬1) ينتهى من الخطبة ويصلى، وتلك روايات. أرجو أن تستيفظ لأوقات هذا اليوم المبارك، وتكثر فيه من طاعة مولاك وتسبيحه وذكره، والدعاء بطلب المغفرة والرضوان إنه قدير. اللهم سهل لنا الخير، وارزقنا السعادة، اللهم إنى أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. (¬2) تشرق. (¬3) ليخرج الذنوب من غصون الشعر إخراجا. يقال سل الشئ: انتزعه، وفي حديث عائشة (فانسللت بين يديه) أي مضيت، وخرجت بتأن وتدريج: وحديث الدعاء: (اللهم أخرج سخيمة قلبى)، والمعنى أن الذى يحافظ على غسل بدنه، ونظافة جسمه يوم الجمعة يزيل الله آثامه.

2 - وعن عبد الله بن أبى قتادة رضي الله عنه قال: دخل على أبى وأنا أغتسل يوم الجمعة، فقال: غُسلك هذا من جنابةٍ أو للجمعة؟ قلت: من جنابةٍ. قال أعد غُسلاً آخر، إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارةٍ إلى الجمعة الأخرى (¬1). رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده قريب من الحسن، وابن خزيمة في صحيحه، وقال: هذا حديث غريب لم يروه غير هارون، يعنى ابن مسلم صاحب الحنا، ورواه الحاكم بلفظ الطبراني، وقال: صحيح على شرطهما، ورواه ابن حبان في صحيحه، ولفظه: من اغتسل يوم الجمعة لم يزل طاهراً إلى الجمعة الأُخرى. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) معناه أمره أبوه أن يعيد كرة الغسل مرة أخرى بنية غسل الجمعة، ويعمل بسنة النبى صلى الله عليه وسلم وكانت نيته غسل الحدث الأكبر وإزالته. قال العلماء: لا بد من النية: أي ينوى الجنب رفع الجنابة أو الحدث الأكبر. إما إذا نوى الحدثين فتحصل الإزالة والعمل بالسنة، ولو نوى غسل السنة لم يندرج الحدث الأكبر فيه وبهذه المناسبة أذكر فرائض الغسل وسننه ومكروهاته وشروطه: فروض الغسل وسننه أولا: النية، وتكون النية مقرونة بأول الفرض، وهو أول ما يغسل من أعلى البدن أو أسفله، فلو نوى بعد غسل جزء وجب إعادته. ثانيا: إزالة النجاسة إن كانت على بدنه. ثالثا: إيصال الماء إلى جميع الشعر والبشرة، ولا فرق بين شعر الرأس وغيره، والشعر المضفور إن لم يصل الماء إلى باطنه إلا بالنقض وجب نفضه، فالسيدة تتنبه لهذا الحكم، وتعتنى بالغسل لتبنى عبادتها على صحة، ويجب غسل ما ظهر من صماخى أذنيه أي خرقيهما، ومن أنف مشقوق مقطوع ظهر بالقطع، بخلاف الباطن الذى كان منفتحاً قبل القطع فلا يجب غسله وإن ظهر بعد قطع ما كان ساتره، ومن شقوق بدن كشقوق الرجلين للفلاحين والماشين، ويجب إيصال الماء إلى ما تحت القلفة وهى الجلدة التى تزال بالختان للأقلف، وإلى ما يبدو من فرج المرأة عند قعودها لقضاء حاجاتها، ويجب غسل ملتقى المنفذ المسمى (المسربة) فيسترخى ليصل الماء إلى ذلك، وينبغى لمن يغتسل من نحو إبريق أن ينوى رفع الحدث بعد الاستنجاء لئلا يحتاج إلى ما مسه بعد ذلك، فينتقض وضوؤه أو إلى كلفة في لف يده بخرقة. وسنن الغسل: التسمية، والوضوء قبله، وينوى المغتسل سنة الغسل إن تجردت جنابته عن الحدث الأصغر، وإلا نوى به الأصغر، وإمرار اليد على ما وصلت إليه من الجلد، وعند مالك رحمه الله يجب الدلك والموالاة، وتقديم اليمنى من شقيه على اليسرى، وإزالة القذر، وتعهد غضون جلده (معاطفه)، والتثليث وتخليل الشعر. ومكروهاته: الزيادة على ثلاث، والإسراف في الماء، وشروطه: عدم المنافى، وعدم الحائل أهـ.

الترغيب في التبكير إلى الجمعة، وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير من غير عذر

إذا كان يوم الجمعة فاغتسل الرجل (¬1)، وغسل رأسه، ثم تطيب من أطيب طيبه، ولبس من صالح ثيابه (¬2)، ثم خرج إلى الصلاة (¬3)، ولم يفرق (¬4) بين اثنين، ثم استمع (¬5) الإمام غُفر له من الجمعة، وزيادة ثلاثة أيامٍ. رواه ابن خزيمة في صحيحه. (قال الحافظ): وفي هذا الحديث دليل على ما ذهب إليه مكحول، ومن تابعه في تفسير قوله: غسل واغتسل. والله أعلم. 4 - وعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: غسل يوم الجمعة واجبٌ (¬6) على كل مُحتلمٍ (¬7)، وسواكٌ، ويمسُّ من الطيب (¬8) ما قدر عليه. رواه مسلم وغيره. 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا يوم عيدٍ جعله الله للمسلمين، فمن جاء الجمعة فليغتسل، وإن كان عنده طيب فليمس منه، وعليكم بالسواك. رواه ابن ماجه بإسناد حسن، وستأتى أحاديث تدل لهذا الباب فيما يأتى من الأبواب إن شاء الله تعالى. الترغيب في التبكير إلى الجمعة وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير من غير عذر 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة (¬9)، ثم راح الساعة الأولى (¬10) فكأنما ¬

(¬1) المعنى نظف جسمه، وزال شعث رأسه. (¬2) تحلى بلباس نظيف. (¬3) الجمعة. (¬4) لم يتخط الرقاب. (¬5) الخطبة. (¬6) أي متأكد في حقه كما يقول الرجل لصاحبه: حقك واجب على: أي متأكد، لا أن المراد الواجب المحتم المعاقب عليه أهـ نووى. ص 134 جـ 6. (¬7) بالغ. (¬8) معناه ويسن السواك، ومس الطيب. قال القاضى: محتمل لتكثيره، ومحتمل لتأكيده حتى يفعله بما أمكنه، ويؤيده قوله: ولو من طيب المرأة، وهو المكروه للرجال، وهو ما ظهر لونه، وخفى ريحه، فأباحه للرجل هنا للضرورة لعدم غيره، وهذا يدل على تأكيده، والله أعلم أهـ. (¬9) غسلا كغسل الجنابة في الصفات استوفى فروضه وسننه. (¬10) ذهب أول النهار، وفيه استحباب التبكير إليها أول النهار، والمراد بالساعة لحظات لطيفة حازت الأسبقية في الذهاب أولا، وأخبر صلى الله عليه وسلم =

قرَّبَ بدنةً (¬1)، ومن راح في الساعة الثانية: فكأنما قرب بقرةً، ومن راح في الساعة الثالثة: فكأنما قرب كبشا (¬2) أقرن: ومن راح في الساعة الرابعة: فكأنما قرب دجاجةً، ومن راحة في الساعة الخامسة: فكأنما قرب بيضةً، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة (¬3) يستمعون الذكر (¬4). رواه مالك والبخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 2 - وفي رواية البخاري ومسلم وابن ماجه: إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر كمثل الذى يُهدى بدنةً ثم كالذى يهدى بقرةً، ثم كبشاً، ثم دجاجةً، ثم بيضةً، فإذا خرج الإمام طوَوْا صُحفهم يستمعون الذكر. ورواه ابن خزيمة في صحيحه بنحو هذه. 3 - وفي روايةٍ له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المستعجل إلى الجمعة كالمهدى بدنةً، والذى يليه كالمهدى بقرةً، والذي يليه كالمُهدى شاةً، والذى يليه ¬

= أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى، وهو كالمهدى بدنة وفيه الترغيب بالحضور في اتساع الوقت ليجلس في الصف الأول ويكثر من ذكر الله وتسبيحه ويتفرغ لطاعة ربه ويبعد عن مشاغل الدنيا ويدعو الله تعالى. قال النووي: فيه الترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لأن النداء يكون حينئذ ويحرم التخلف بعد النداء، والله أعلم. واختلف أصحابنا هل تعيين الساعات من طلوع الفجر، أم من طلوع الشمس؟ والأصح عندهم من طلوع الفجر أهـ. والمعنى يحوز الثواب الأكثر من سبق. (¬1) يقع على الذكر والأنثى والهاء للواحدة كقمحة ولعظم ضخامتها سميت بدنة، ولأنها تبقر الأرض أي تشقها بالحراثة والمعنى كأنه أحضر ناقة أو جملا وذبحها ووزع لحمها صدقة على الفقراء فينال المبكر ثوابا مثل ذلك. (¬2) ذكراً له قرنان، وصفه بالأقرن لأنه أكمل، وأحسن صورة، ولأن قرنه ينتفع به. قال النووي: وأما فقه الفصل ففيه الحث على التبكير إلى الجمعة وأن مراتب الناس في الفضيلة فيها وفي غيرها بحسب أعمالهم، وهو من باب قول الله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وفيه أن القربان والصدفة يقع على القليل والكثير أهـ .. (¬3) قال النووي: قالوا: هؤلاء الملائكة غير الحفظة وظيفتهم كتابة حاضر الجمعة أهـ. (¬4) خطبة الإمام. يا أخى: ملائكة الرحمة على باب المسجد ينتظرون حضورك ليثبتوك في ديوان الأبرار فأرجو أن تفكر، وتتحلى بحلل الصالحين وتتزيا بزى المتقين وتكثر من الذكر والصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم وتتصدق وترضى الله وأهلك وأصحابك ولاتغضب أحداً ورد الديون إلى أهلها وصالح من خاصمته، واتق الله عسى أن تربح وتنجع وتفلح.

كالمهدى طيراً. وفى أُخرى له قال: على كل بابٍ من أبواب المساجد يوم الجمعة ملكان يكتبان الأول فالأول كرجل قدم بدنةً، وكرجل قدم بقرةً، وكرجل قدم شاةً، وكرجلٍ قدم طيراً، وكرجلٍ قدم بيضةً، فإذا قعد الإمام طويت الصحف. (المهجر): هو المبكر الآتى في أول ساعة. الترغيب في التبكير إلى الجمعة وماجاء فيمن يتأخر عن التبكير الخ 4 - وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب مثل يوم الجمعة، ثم التبكير، كأجرِ البقرةِ، كأجر الشاة حتى ذكر الدجاجة. رواه ابن ماجه بإسناد حسن. 5 - وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقعد الملائكة يوم الجمعة على أبواب المساجد معهم الصحف يكتبون الناس، فإذا خرج الإمام طويت الصحف، قلت: ياأبا أُمامة ليس لمن جاءَ بعد خروج الإمام جمعة؟ قال: بلى ولكن ليس ممن يكتب (¬1) في الصحف. رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفي إسناده مبارك بن فضالة. 6 - وفي رواية لأحمد رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقعد الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون الأول والثانى والثالث حتى إذا خرج الإمام رُفعتِ الصحف. ورواة هذا ثقات. 7 - وعن علي بن أبى طالب رضي الله عنه قال: إذا كان يوم الجمعة خرجت الشياطين يُريثون (¬2) الناس أسواقهم، وتقعد الملائكة على أبواب المساجد يكتبون الناس على قدر منازلهم: السابق والمُصلى والذي يليه حتى يخرج الإمام، فمن دنا من ¬

(¬1) بمعنى أن من حضر بعد صعود الإمام على المنبر لا يكتب اسمه في سجل المتقين وتصح الجمعة منه إذا سمع أركان الخطبة. (¬2) يؤخرون، ومنه الحديث، وعد جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فراث عليه: أي أبطأ. إن الشياطين أيها المسلمون ينتشرون يوم الجمعة يثبطون عزائم المصلين، ويلقون في روعهم الاستمرار في البيع والشراء رجاء ضياع التبكير، وبغووتهم كى يتأخروا عن أدائها، فاحذروا حفظكم الله دسهم وكيدهم (إن كيد الشيطان كان ضعيفا) واختصوا بفرط القوة الغضبية والحمية الذميمة والإغواء.

الإمام فأنصت واستمع، ولم يلغ (¬1)، كان له كفلان من الأجر، ومن نأى (¬2) فاستمع وأنصت، ولم يلغ كان له كفلٌ (¬3) من الأجر، ومن دنا (¬4) من الإمام فلغا ولم ينصت ولم يستمع كان عليه كفلان من الوزر (¬5)، ومن قال صه (¬6) فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له، ثم قال: هكذا سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول. رواه أحمد، وهذا لفظه. وأبو داود، ولفظه: إذا كان يوم الجمعة غدتِ الشياطين براياتها إلى الأسواق فيرمون النسا بالترابيث أو الربايث، ويثبطونهم عن الجمعة، وتغدو (¬7) الملائكة فيجلسون على أبواب المساجد، ويكتبون الرجل من ساعةٍ، والرجل من ساعتين، حتى يخرج الإمام، فإذا جلس مجلسا يستمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصت (¬8) ولم يلغ (¬9) كان له كفلان من الأجر، فإن نأى حيث لا يسمع فأنصت ولم يلغ كان له كفلٌ من الأجر، فإن جلس مجلساً لا يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفلان من وزرٍ، فإن جلس مجلسا يستمكن فيه من الاستماع والنظر، ولغا ولم يُنصت كان له كفلٌ من وزرٍ. قال: ومن قال لصاحبه يوم الجمعة أنصت فقد لغا، ومن لغا ليس له في جمعته شئ، ثم قال آخر ذلك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك: (قال الحافظ): وفي إسنادهما راوٍ لم يسمّ. ¬

(¬1) ولم يقل كلاما ساقطعاً باطلا مردوداً، من لغا يلغوا: أي قال اللغو والكلام الملغى، أو قال غير الصواب أو تكلم بما لا ينبغى، ففيه النهى عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وإذا أراد نهى غيره عن الكلام يشير إليه بالسكوت إن فهمه، فإن تعذر فهمه فلينهه بكلام مختصر. قال العلماء: يجب الإنصات للخطبة ولم لم يسمع. (¬2) بعد عن الإمام مكانه. (¬3) نصيب. (¬4) قرب. (¬5) الذنب. (¬6) اسم فعل بمعنى اسكت، أىذا نصح بكلمة اسكت فهوش وشوش وضيع ثواب جمعته، فالمتكلم بلا فائدة أكثر ضياعا وباطلا وتشويشاً، وهو محروم من ثواب الله، قريب من الشيطان بعيد من الرحمن. (¬7) فتذهب. (¬8) صغى وانتبه وحاول أن يسمع. (¬9) من لغى يلغى كعمى يعمى. قال تعالى: (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون). والمعنى يبتعد المسلمون عن اللغو والكلام أثناء القراءة خشية إحباط الأعمال وضياع ثوابهأ.

(الربايث): بالراء والباء الموحدة، ثم ألف وياء مثناة تحت بعدها ثاء مثلثة: جمع ربيثة وهى الأمر الذى يحبس المرء عن مقصده ويثبطه عنه، ومعناه أن الشياطين تشغلهم وتفندهم عن السعى إلى الجمعة إلى أن تمضى الأوقات الفاضلة. (قال الخطابي): الترابيث ليس بشئ إنما هو الربايث، وقوله: فيرمون الناس إنما هو فيريثون الناس. قال وكذلك روى لنا في غير هذا الحديث. (قال الحافظ): يشير إلى لفظ رواية أحمد المذكورة. وقوله: (صه): بسكون الهاء وتكسر منوّنة، وهى كلمة زجر للمتكلم: أي اسكت. (والكفل): بكسر الكاف: هو النصيب من الأجر أو الوزر. 8 - وعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون من جاء من الناس على منازلهم، فرجل قدم جزوراً (¬1)، ورجل قدم بقرةً، ورجلٌ قدمَ شاةً، ورجلٌ قدّمَ دجاجة، ورجل قدم بيضةً. قال: فإذا أذن المؤذن، وجلس الإمام على المنبر طويت الصحف. ودخلوا المسجد يستمعون الذكر. رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه النسائي بنحوه من حديث أبى هريرة. 9 - وعن عمرو بن شعيب رضي الله عنه عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: تُبعث الملائكة على أبواب المساجد يوم الجمعة يكتبون مجئ الناس، فإذا خرج الإمام طويت الصحف ورفعت الأقلام، فتقول الملائكة بعضهم لبعضٍ: ما حبس فلاناً؟ فتقول الملائكة: اللهم إن كان ضالاًّ فاهده، وإن كان مريضاً فاشفه، وإن كان عائلاً فأغنه. رواه ابن خزيمة في صحيحه (العائل): الفقير. 10 - وعن أبي عبيدة رضي الله عنه قال: قال عبد الله: سارعوا إلى الجمعة، فإن الله يبرز إلى أهل الجنة في كل يوم جمعةٍ في كثيبِ كافورِ فيكونون منه في القرب على قدر تسارعهم فيحدث الله عز وجل لهم من الكرامة شيئاً لم يكونوا ¬

(¬1) نال ثوابا من الله بقدر ثواب من ذبح جملا فوزعه على المساكين.

الترهيب من تخطي الرقاب يوم الجمعة

رأوهُ قبل ذلك، ثم يرجعون إلى أهليهم فيحدثونهم بما أحدث الله لهم. قال: ثم دخل عبد الله المسجد فإذا هو برجلين يوم الجمعة قد سبقاه، فقال عبد الله: رجلان وأنا الثالث إن شاء الله أن يبارك في الثالث. رواه الطبراني في الكبير. وأبو عبيدة، اسمه عامر ولم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقيل سمع منه. 11 - وعن علقمة رضي الله عنه قال: خرجت مع عبد الله بن مسعودٍ يوم الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه، فقال: رابع أربعةٍ، وما رابعُ أربعةٍ من الله ببعيدٍ، إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس يجلسون يوم القيامة من الله عز وجل على قدر رواحهم إلى الجمعات: الأول، ثم الثانى، ثم الثالث، ثم الرابع، وما رابع أربعةٍ من الله ببعيدٍ رواه ابن ماجه وابن أبى عاصم، وإسنادهما حسن. (قال الحافظ) رحمه الله: وتقدم حديث عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من غسل واغتسل، ودنا وابتكر، واقترب واستمع، كان له بكل خطوةٍ يخطوها قيام سنةٍ وصيامها، وكذلك تقدم حديث أوس بن أوس نحوه. 12 - وروى عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احضروا الجمعة، وادنوا (¬1) من الإمام، فإن الرجل ليكون من أهل الجنة فيتأخرُ عن الجمعة فيؤخرُ عن الجنة، وإنه لمن أهلها. رواه الطبراني والأصبهاني وغيرهما. الترهيب من تخطى الرقاب يوم الجمعة 1 - عن عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ يتخطى (¬2) رقاب الناس يوم الجمعة والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: اجلس فقد آذيت وآنيت (¬3). رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان ¬

(¬1) اقربوا من مكانه: أي حافظوا على الصف الأول. (¬2) يمشى على ثيابهم ويؤذى الجالسين ويضرب أعناقهم ويهز عممهم. وقد فرق النووي بين التخطى والتفريق بين الاثنين وجعل ابن قدامة في المغنى التخطى هو التفريق. قال العراقى: والظاهر الأول لأن التفريق يحصل بالحواس بينهما وإن لم يتخط. (¬3) أي أبطأت وتأخرت.

في صحيحيهما، وليس عند أبى داود والنسائي: وآنيت، وعند ابن خزيمة: فقد آذيت وأُوذيت، ورواه ابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله. (آنيت): بمد الهمزة وبعدها نون ثم ياء مثناة تحت: أي أخرت المجئ، وآذيت بتخطيك رقاب الناس. 2 - وروى عن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتُّخذ جسراً إلى جهنم. رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حديث غريب، والعمل عليه عند أهل العلم. 3 - وروى عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاء رجلٌ يتخطى رقاب الناس حتى جلس قريباً من النبى صلى الله عليه وسلم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: ما منعك يافلان أن تجمع معنا؟ قال: يا رسول الله قد حرصت أن أضع نفسي بالمكان الذى ترى. قال: قد رأيتك تتخطى رقاب الناس وتُؤذيهم، من آذى مسلما فقد آذانى (¬1)، ومن آذاني، فقد آذى (¬2) الله عز وجل. رواه الطبراني في الصغير والأوسط. 4 - وروى عن الأرقم بن أبى الأرقم رضي الله عنه، وكان من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الذى يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام كجار قُصبه (¬3) في النار. رواه أحمد والطبراني في الكبير. ¬

(¬1) أي عصى أوامرى، وخالف سنتى. (¬2) لم يعبأ بشرعه تعالى ولم يتأدب في بيته سبحانه ولم يشخع لجلاله ولم يحترم مطيعيه عز شأنه. (¬3) كذا ع 245، وفي ن د: لجار معاه قصب، والجمع أقصاب: أي معناه، وفيه كراهة التخطى يوم الجمعة، وهى مختصة به، ويحمل عليه مجالس العلم وغيرها، ويؤيده أيضاً ما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبى أُمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تخطى حلق قوم بغير إذنهم فهو عاص). قال العراقى، وقد استثنى من التحريم أو الكراهة الإمام، أو من كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطى أهـ. وقال النووي: إذا لم يجد طريقاً إلى المنبر أو المحراب إلى بالتخطى لم يكره لأنه ضرورة أهـ. وقد خص الكراهة بعضهم بغير من يتبرك الناس بمروره ويسرهم ذلك، ولا يتأذون لزوال علة الكراهة التى هى التأذى أهـ.

الترهيب من الكلام والإمام يخطب، والترغيب في الإنصات

الترهيب من الكلام والإمام يخطب، والترغيب في الإنصات 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قُلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت. رواه البخاري ومسلم: وأبو داود والترمذي والنسائيّ، وابن ماجه وابن خزيمة. (قوله لغوت): قيل معناه: خبت من الأجر، وقيل: تكلمت، وقيل: أخطأت، وقيل: بطلت فضيلة جمعتك، وقيل: صارت جمعتك ظهراً، وقيل: غير ذلك. 2 - وعنه رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا تكلمت يوم الجمعة، فقد لغوت وألغيت، يعنى والإمام يخطب. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 3 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب، فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً (¬1)، والذى يقول له: أنصت ليس له جمعة (¬2). رواه أحمد والبزّار والطبراني. 4 - وعن أُبى بن كعبٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائمٌ يذكر بأيام الله، وأبو ذر يغمز أُبىَّ بن كعبٍ، فقال: متى أُنزلت هذه السورة إنى (¬3) لم أسمعها إلى الآن، فأشار إليه أن اسكت، فلما انصرفوا قال: سألتك متى أُنزلت هذه السورة فلم تخبرنى؟ فقال: أُبىُّ: ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت، فذهب أبو ذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره بالذى قال أُبى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق أُبي. رواه ابن ماجه بإسناد حسن. ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة، والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فجلست قريباً من أُبى بن كعبٍ فقرأ النبىُّ ¬

(¬1) كتباً؛ بمعنى أن قلبه خال من خشية الله، وهو غافل عن وعظ الإمام، وفائدة الجمعة وهو لاه عن الله ومعرض عن طاعته، ومشغول عن وقت إجابة الإمام وعرض نفسه لانتقام الله تعالى وحرم نفسه من الثواب وضيع سماع أركان الجمعة فلا تنعقد به، وذهبت قيمته. (¬2) بمعنى أن كثير الكلام حرم من أداء هذا الفرض كاملا، وضيع ثوابه، ودل على سوء أدبه مع ربه ولم تنفعه نصائح الإمام. (¬3) كذا ع ص 247، وفى ن د: فإنى.

صلى الله عليه وسلم سورة براءة، فقلت لأبى: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتجهَّمنى ولم يُكلمنى، ثم مكثت ساعةً، ثم سألته فتجهمنى ولم يكلمنى، ثم مكثت ساعةً، ثم سألته فتجهمنى ولم يُكلمنى، فلما صلى النبى صلى الله عليه وسلم قلت لأبى: سألتك فتجهمتنى ولم تُكلمنى، قال أُبىٌّ: مالك من صلاتك إلا ما لغوت، فذهبت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبى الله كنت بجنب أُبى وأنت تقرأ براءة، فسألته متى نزلت هذه السورة؟ فتجهمنى ولم يكلمنى، ثم قال: مالك من صلاتك إلا ما لغوت، قال النبى صلى الله عليه وسلم: صدق أُبىٌّ. (قوله فتجهمنى): معناه قطب وجهه وعبس إلىّ نظر المغضب المنكر. الترهيب من الكلام والإمام يخطب الخ 5 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على المنبر فخطب الناس، وتلا آيةً، وإلى جنبى أُبىُّ بن كعبٍ، فقلت: له يا أُبىُّ ومتى أُنزلت (¬1) هذه الآية؟ قال: فأبى أن يكلمنى، ثم سألته فأبى أن يكلمنى حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أُبىُّ: مالك من جمعتك إلا ما لغيت (¬2)، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته فأخبرته، فقلت: أي رسول الله إنك تلوت آيةً، وإلى جنبى أُبىُّ بن كعبٍ، فقلت له: متى أُنزلت هذه الآيةُ؟ فأبى أن يُكلمنى حتى إذا نزلت زعم أبى أنه ليس لى من جمعتى إلا ما لغيت، فقال: صدق أُبىٌّ: إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ. رواه أحمد من رواية حرب بن قيس عن أبي الدرداء، ولم يسمع منه. 6 - وروى عن جابر رضي الله عنه قال: قال سعد بن أبى وقاصٍ رضي الله عنه لرجل: لا جمعة لك، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لم ياسعد؟ قال: لأنه كان يتكلم وأنت تخطب، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: صدق سعدٌ. رواه أبو يعلى والبزّار. 7 - وعن جابرٍ أيضاً رضي الله عنه قال: دخل عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه المسجد والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس إلى جنب أُبى بن كعبٍ، فسأله ¬

(¬1) كذا ع، وفى ن د: نزلت. (¬2) كذا ع، وفى ن د: لغوت.

عن شئٍ أو كلمه بشئٍ فلم يرد عليه أبىٌّ، فظن ابن مسعودٍ أنها موجدةٌ (¬1)، فلما انفتل (¬2) النبى صلى الله عليه وسلم من صلاته. قال ابن مسعود: ياأُبى ما منعك أن تردَّ علىَّ؟ قال: إنك لم تحضر معنا الجمعة. قال: لم؟ قال: تكلمت والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب، فقام ابن مسعودٍ: فدخل على النبى صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق أُبىُّ، أطِعْ أُبيًّا. رواه أبو يعلى بإسناد جيد، وابن حبان في صحيحه. 8 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: كفى لغواً (¬3) أن تقول لصاحبك: أنصت إذا خرج الإمام في الجمعة. رواه الطبراني في الكبير موقوفاً بإسناد صحيح، وتقدم في حديث علىّ المرفوع. ومن قال يوم الجمعة لصاحبه أنصت فقد لغا، ومن لغا فليس له في جمعته تلك شئ. 9 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة، ومس من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة كان كفارة لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظُهْراً. رواه أبو داود، وابن خزيمة ¬

(¬1) أي شئ يوجب الكدر والغضب. يقال: وجد عليه يجد وجدا وموجدة، ومنه حديث: (إنى سائلك فلا تجد على) أي لا تغضب. (¬2) انتهى. (¬3) إثما وباطلا. يا عجبا! تنصح أخاك المتكلم أثناء خطبة الخطيب فيعد هذا ذنباً، ويبطل ثواب الجمعة فما بالك بالآثم المتكلم كلاما لا فائدة فيه إنه مذنب، ومضيع ثواب الجمعة. ماذا يريد النبى صلى الله عليه وسلم من المسلم يوم الجمعة يريد صلى الله عليه وسلم منك ياأخى أن تشتغل بالدعاء والاستغفار والتسبيح بعد العصر يوم الخميس، وتشتغل بإحياء ليلته بالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم، وتلاوة القرآن وذكر الله وتغتسل مبكراً وتشتغل في ضحوتها بطاعة الله، ثم تتزين وتتنظف وتتطيب، ثم تسعى إلى الجمعة خاشعاً متواضعاً ناويا للاعتكاف في المسجد. وإن فضل البكور عظيم، ولا يمر بين أيدى الناس ولا يتخطى رقابهم بل يسرع في الجلوس في الصف الأول ثم يشتغل بجواب المؤذن. ثم يستمع الخطبة، ويحافظ على صلاة العصر جماعة في أول وقته ويقال: إن الطير والهوام يلقى بعضها بعضاً في يوم الجمعة. فتقول: سلام سلام يوم صالح.

الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر

في صحيحه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو، ورواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث أبى هريرة بنحوه، وتقدم. 10 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحضر الجمعة ثلاثة نفرٍ، فرجلٌ حضرها بلغوٍ، فذلك حظه منها، ورجلٌ حضرها بدعاءٍ فهو رجلٌ دعا الله: إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصاتٍ وسكوتٍ ولم يتخط رقبة مسلمٍ، ولم يؤذ أحداً فهى كفارةٌ إلى الجمعة التى تليها، وزيادة ثلاثة أيامٍ وذلك أن الله يقول: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. رواه أبو داود، وابن خزيمة في صحيحه، وتقدم في حدث علىٍّ. فمن دنا من الإمام فأنصت واستمع ولم يلغ كان له كفلان من الأجر، الحديث. الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر 1 - عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لقومٍ يتخلفون عن الجمعة: لقد هممت أن آمر رجلاً يُصلى بالناس، ثم أُحرق على رجالٍ يتخلفون عن الجمعة بيوتهم. رواه مسلم والحاكم بإسناد على شرطهما؛ وتقدم في باب الحمام حديث أبى سعيد، وفيه: ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليسع إلى الجمعة، ومن استغنى عنها بلهوٍ (¬1) أو تجارةٍ استغنى الله عنه، والله غنى حميد. رواه الطبراني. 2 - وعن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين. رواه مسلم، وابن ماجه وغيرهما. (قوله): ودعهم الجمعات. هو بفتح الواو، وسكون الدال: أي تركهم الجمعات. ورواه ابن خزيمة بلفظ تركهم من حديث أبى هريرة، وأبى سعيد الخدرى. ¬

(¬1) أي اشتغل بملاه ولعب وسخرية، أو طمع في ربح ذمه الله ونبذه وكرهه وغضب عليه.

3 - وعن أبي الجعد الضُّمرى وكانت له صحبةٌ رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من ترك ثلاث جمع تهاوناً (¬1) بهاطبع (¬2) الله على قلبه. رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. وفي رواية لابن خزيمة، وابن حبان: من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذرٍ فهو منافق (¬3) وفي رواية ذكرها رزين: وليست في الأصول: فقد برئ من الله. (أبو الجعد): اسمه أدرع، وقيل جنادة، وذكر الكرابيسى أن اسمه عمر بن أبى بكر. وقال الترمذي: سألت محمدا، يعنى البخاري عن اسم أبى الجعد فلم يعرفه. 4 - وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك الجمعة ثلاث مراتٍ من غير ضرورةٍ طبع الله على قلبه. رواه أحمد بإسناد حسن والحاكم، وقال صحيح الإسناد. 5 - وعن أُسامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ترك ثلاث جمعاتٍ من غير عذرٍ كُتب من المنافقين (¬4): رواه الطبراني في الكبير من رواية جابر الجعفى، وله شواهد. 6 - وعن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لينتهين (¬5) أقوامٌ يسمعون النداء يوم الجمعة، ثم لا يأتونها، أو ليطبعن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين (¬6). رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. ¬

(¬1) قال العراقى: المراد بالتهاون الترك من غير عذر أهـ، والمراد بالطبع ما يجلعه الله في قلبه من الجهل والجفاء والقسوة. قال في النهاية: معنى طبع الله على قلبه: ختم الله عليه وغشاه، ومنعه ألطافه، والطبع بالسكون: الختم، وبالتحريك: الدنس، وأصله من الصدأ والدنس يغشيان السيف، يقال: طبع السيف يطبع طبعاً، ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الأوزار والآثام، وغيرهما من القبائح أهـ ص 319 جامع صغير. (¬2) ختم على قلبه: أظلمه وأدخله النار. (¬3) مرتكب خلال الشرور ومذبذب وفي النار. (¬4) من الذين لا يعتد بقولهم وعملهم رياء. قال الحفنى: أي نفاقا عمليا لا حقيقياً بحيث يظهر خلاف مايبطن في أموره، أو المراد أن تركه الجمع الثلاث مثل عمل المنافقين أهـ. (¬5) والله إن لم ينتهين الذين يسمعون نداء الجمعة، ولا يحضرونها يختم الله على قلوبهم بالكفر والجهل ويطمس على بصيرتهم بالغفلة وينزع منهم حلاوة الإيمان ويبعد عنهم نور الإسلام فيسيرون في غياهب الضلالة نسوا الله فنسيهم. (¬6) الساهين، أخبر صلى الله عليه وسلم وأكد وأقسم أنهم يحشرن مع الغافلين =

7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصُّبَّةَ (¬1) من الغنم على رأس ميلٍ أو ميلين فيتعذر عليه الكلأ فيرتفع، ثم تجئُ (¬2) الجمعة فلا يجئُ ولا يشهدها، وتجئُ الجمعةُ فلا يشهدها حتى يُطبع على قلبه. رواه ابن ماجه بإسناد حسن، وابن خزيمة في صحيحه. (الصبة): بضم الصاد المهملة، وتشديد الباء الموحدة: هى السرية إما من الخيل أو الإبل أو الغنم: ما بين العشرين إلى الثلاثين تضاف إلى ما كانت منه، وقيل: هى ما بين العشرة إلى الأربعين. 8 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً يوم الجمعة فقال: عسى رجلٌ تحضره الجمعة وهو على قدر ميلٍ من المدينة فلا يحضر الجمعة، ثم قال في الثانية: عسى رجل تحضره الجمعة وهو على قدر ميلين من المدينة فلا يحضرها، وقال في الثالثة: عسى يكون على قدر ثلاثة أميالٍ من المدينة فلا يحضر الجمعة ويطبع الله على قلبه رواه أبو يعلى بإسناد لين. وروى ابن ماجه عنه بإسناد جيد مرفوعاً: من ترك الجمعة ثلاثاً من غير ضرورةٍ (¬3) طبع الله على قلبه. 9 - وروى عن جابرٍ رضي الله عنه أيضاً قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

= الذين لا يذكرون الله ولا يخشونه، ولا يعلمون صالحاً يقدمونه، ولسانهم رطب في الغيبة والنميمة وهتك عرض الناس، ولا يبالون بآداب الدين (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم). (¬1) يحذر صلى الله عليه وسلم الرعاة أن يختاروا مرعى بعيداً عن مكان الجمعة بحيث إن المسافة البعيدة تعوقهم عن أدائها، ويستمر على تركها حتى يقسو قلبه، ويغفل عن طاعة الله وينسى أداء الجمعة وفضلها، وهذه قاعدة عامة، ويرجو صلى الله عليه وسلم من المسلمين تجاراً وزراعا وصناعا أن لا يشتغلوا بعمل قبل الجمعة بحيث يليهيم عن حضورها وأدائها. قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون). فحرم الاشتغال بأمور الدنيا بكل صارف عن السعى إلى الجمعة. (¬2) كذا ع ص 255، وفى ن د: يمشى فيتعذر الكلأ، والمراد الحث على العزيمة القوية الثابتة في حضور الجمعة وأدائها، وعدم ابتداء عمل يشغل عنها أو يعوق عن الحضور ويحذر صلى الله عليه وسلم أولئك الذين شغلتهم الدنيا بزخارفها ويطلب منهم مشاهدتها، والتوبة لله تعالى. (¬3) من غير عذر شرعى بأن كان مريضا أو مسافراً سفر طاعة يتعذر عليه أداؤها.

فقال: ياأيها الناس توبوا (¬1) إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية تُرزقوا، وتنصروا، وتُجبروا، واعلموا أن الله افترض عليكم الجمعة في مقامى هذا، في يومى هذا، في شهرى هذا، من عامى هذا إلى يوم القيامة، فمن تركها في حياتى أو بعدى وله إمام عادل أو جائرٌ استخفافاً بها وجحودا بها، فلا جمع الله له شمله، ولابارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، وألا ولا زكاة له، ألا ولا جح له، ألا ولا صوم له، ولا برَّ له حتى يتوب، فمن تاب تاب الله عليه (¬2). رواه ابن ماجه، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أبى سعيد الخدرى أخصر منه. 10 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من ترك الجمعة ثلاث جمع متوالياتٍ، فقد نبذ (¬3) الإسلام وراء ظهره. رواه أبو يعلى موقوفاً بإسناد صحيح. 11 - وعن حارثة بن النعمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتخذ أحدكم السائمة فيشهد الصلاة في جماعةٍ فتتعذر عليه سائمته، فيقول: لو طلبت لسائمتى مكاناً هُوَ أكلأ من هذا فيتحول، ولا يشهد إلا الجمعة فتتعذر عليه سائمته فيقول: لو طلبت لسائمتى مكاناً هو أكلأ من هذا فيتحول، ولا يشهد الجمعة ولا الجماعة فيطبع الله على قلبه. رواه أحمد من رواية عمر ابن عبد الله مولى غفرة، وهو ثقة عنده، وتقدم حديث أبى هريرة عند ابن ماجه، وابن خزيمة بمعناه. ¬

(¬1) ارجعوا إلى الله، واندموا على أفعالكم الذميمة، وقدموا لله الإخلاص والعمل الصالح. (¬2) يأمر صلى الله عليه وسلم المسلمين بالإنابة إلى الله والخوف من الله وحب الله والإسراع إلى العمل بكتابه تعالى وسنته صلى الله عليه وسلم وتشييد الصالحات وعمل البر قبل أن تلهيهم الدنيا وزخارفها والإكثار من ذكر الله وحمده والإنفاق في مشروعات الخير والمحافظة على أداء الجمعة مطلقاً سواء أعدل إمامك أم ظلم أحسن أم أساء. فعليك أخى بتقوى الله وأداء حقوقه وصلاة الجمعة وكمل نفسك بالمحامد وارعها في دواوين المكملين المتقين، واحذر أن تخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجاب الدعوة فيك (لا جمع الله شمله) ز أي لا قضى الله طلباته، وفي حديث الدعاء: (أسألك رحمة تجمع بها شملى) الشمل: الاجتماع. تبنا إلى الله وحده. (¬3) ترك أركان الدين، وهدم آداب شريعته، وذاق لذة الحسرة والغفلة وقسا قلبه وساء عمله. هذا إذا لم يكن عنده عذر كمطر ووحل وفزع ومرض وتمريض إذا لم يكن للمريض قيم غيره.

الترغيب في قراءة سورة الكهف، وما يذكر معها ليلة الجمعة ويوم الجمعة

(قوله): أكلأ من هذا. أي أكثر كلأ. والكلأ: بفتح الكاف واللام، وفى آخره: همزة غير ممدودة: هو العشب الرطب واليابس. 12 - وعن محمدِ بن عبد الرحمن بن زرارة رضي الله عنه قال: سمعت عمر ولم أر رجلاً منَّا به شبيهاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء يوم الجمعة فلم يأتها، ثم سمعه فلم يأتها، ثم سمعه ولم يأتها طبع الله على قلبه، وجعل قلبه قلب منافقٍ (¬1). رواه البيهقى. وروى الترمذي عن ابن عباس: أنه سُئل عن رجلٍ يصوم النهار ويقوم الليل، ولا يشهد الجماعة، ولا الجمعة. قال (¬2): هو في النار. الترغيب في قراءة سورة الكهف وما يذكر معها ليلة الجمعة ويوم الجمعة 1 - عن أبي سعيدٍ الخدرى رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين (¬3). رواه النسائي والبيهقى مرفوعا والحاكم مرفوعاً وموقوفاً أيضاً، وقال صحيح الإسناد، ورواه الدرامى في مسنده موقوفاً على أبى سعيد، ولفظه قال: من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت (¬4) العتيق ¬

(¬1) مخادع غير ثابت على الإيمان. يقال: نافق ونفق، ومنه النفاق، وهو الدخول في الشرع من باب والخروج عنه من باب آخر، وعلى ذلك نبه بقوله تعالى: (إن المنافقين هم الفاسقون): أي الخارجون من الشرع. (¬2) كذا ع ص 251، وفى ن د: فقال، والمعنى صومه لا ثواب له؛ وكذا تهجده، ودخل جهنم لعدم مشاهدة الجماعة، والله أعلم. (¬3) المعنى الذى يحافظ على قراءة سورة الكهف يحفظ الله إيمانه ويزيد إسلامه ويضئ قلبه بالطاعات فيبسم في الصالحات، ويستبشر بالخيرات، ويستقبل العبادات بصدر منشرح. وفي الجامع الصغير: فيندب قراءتها يوم الجمعة، وكذا ليلتها نص عليه الشافعي أهـ. (¬4) البيت الحرام بمكة، والمعنى أن الله تعالى يتكرم فيجعل ضوء إسلامه وهاجا مشرقا، وإذا مات استع قبره. وزاد بهاء ونوراً، وهذا كناية في زيادة التنعيم والترغيب. قال المناوى: على هذا الحديث؛ وفي رواية يبدل يوم الجمعة ليلة الجمعة، وجمع بأن المراد بليلته والليلة بيومها.

وفى أسناديهم كلها إلا الحاكم أبو هاشمٍ يحيى بن دينارٍ الرومانى، والأكثرون على توثيقه، وبقية الإسناد ثقات، وفي إسناد الحاكم الذى صححه نعيم بن حماد، ويأتى الكلام عليه وعلى أبى هاشم. 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه (¬1) إلى عنان (¬2) السماء يُضئُ له يوم القيامة وغُفر له ما بين الجمعتين. رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره بإسناد لا بأس به. 3 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة غفر له (¬3). وفي رواية: من قرأ حم الدخان في ليلةٍ أصبح يستغفر له سبعون ألف ملكٍ. رواه الترمذي والأصبهاني، ولفظه: من صلى بسورة الدخان في ليلة بات يستغفر له سبعون ألف ملكٍ. ورواه الطبراني والأصبهاني أيضاً من حديث أبى أمامة، ولفظهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ حم الدخان في ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بها (¬4) بيتاً في الجنة. 4 - وروى عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ¬

(¬1) كذا ع ص 252، وفى ن ط: قدميه. (¬2) سحاب الواحدة عنانة وفيه لو بلغت خطيئته عنان السماء أهـ نهاية، والمعنى أن الله تعالى يتفضل فيحيطه بنور الرحمة، ويشمله بضوء السعادة مبتدئاً من قدمه إلى أعلى جهة في ملكوته وبركاته، ثم يتكرم جل جلاله فيعفو عنه صغائره إكراما لمشاهدة الجمعة وكثرة استغفاره والصلاة على مختاره ومصطفاه وتجديد توبته، وعقد العزيمة على طاعته. لماذا؟ لأنه قرأ كلامه وتبرك بتلاوة آياته وأخلص لربه وقد ورد (من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال) وكذا: (من قرأ آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال) وفي الجامع الصغير: (فمن قرأها وأدرك زمنه أمن من فتنته). وأقول: إن الذى يداوم على قراءتها يوفقه ربه إلى جنى ثمرات الطاعات ويوجه دفه سفينته إلى شواطئ لمحامد والمكارم والبركات ويقيه السوء ويصد عنه الشيطان ويبعد عنه كيد الأشرار. (¬3) يزيل الله صغائره، وزاد في الجامع الصغير قوله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ الدخان في ليلة غفر له ما تقدم من ذنبه) ظاهره يشمل الكبائر. رواية ابن الضريس عن الحسن البصرى مرسلا أهـ. (¬4) فى ن د: حذف (بها) والمعنى من اتخذها ورداً يوم الجمعة شيد الله له قصرا يدعى باسمها ويتمتع بنعيمه.

كتاب الصدقات

قرأ سورة يس في ليلة الجمعة غفر له (¬1). رواه الأصبهاني. 5 - وروى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ السورة التى يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى عليه الله وملائكته حتى تغيب الشمس (¬2). رواه الطبراني في الأوسط والكبير. كتاب الصدقات الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بُنى (¬3) الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله (¬4)، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة (¬5) وإيتاء الزكاة (¬6)، ¬

(¬1) أي يمحو الله صغائره، ومنه: من قرأ يس ابتغاء وجه الله غفر له ما تقدم من ذنبه فاقرءوها عند موتاكم) قال المناوى: أي ابتغاء النظر إلى وجهه الله تعالى في الآخرة: أي لا للنجاة من النار ولا للفوز بالجنة أهـ. فيندب عند من حضره الموت أن تقرأ عنده ص 349 جـ 3. (¬2) والمعنى المحافظ على قراءة هذه السورة يستجيب الله دعاءه، وتدعو له ملائكة الرحمة بالمغفرة والرضوان وأظنها والله أعلم سورة آل عمران التى أولها: (الم الله لاإله إلا هو الحى القيوم) وفي رواية الجامع (من قرأ السورة التى يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تجب الشمس): أي تسقط وتغرب وفي المصباح: وجبت الشمس وجوبا: غربت أهـ. اللهم إنى أسألك الصحة والعفة والأمانة وحسن الخلق والرضا بالقدر. اللهم إنى أعوذ بك من يوم السوء ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء ومن جار السوء في دار المقامة. (¬3) بمعنى شيدت دعائم الإسلام، وأقيمت أركانه. فقد شبه صلى الله عليه وسلم الإسلام، وهو عبارة عن أداء أوامر واجتناب مناهى بقصر مشيد فخم أسس على عمد ثابتة. (¬4) توحيد الله جل وعلا واعتقاد وجوده والإيمان به وبتصديق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والعمل بشريعته وإجابة دعوته والاستظلال برايته والهدى بهدايته. (¬5) أداء الصلاة المفروضة. (¬6) أداء الزكاة وهى عبارة عن إخراج شئ معلوم من المال أو الثمار أو الزروع على وجه مخصوص وسميت بذلك لأنها تطهر المال من الخبث وتنقيه من الآفات وتبعد النفس عن رذيلة البخيل وتنميها على فضيلة الكرم وتثمر بها المحامد والمعالى، وتستجلب بها البركة وتزيد المتصدق ثناء ومدحا. ويكفر جاحدها ويقاتل الممتنعون من أدائها وتؤخذ منهم وإن لم يقاتلوا قهراً، والله تعالى جعلها إحدى مبانى الإسلام. وأردف بذكرها الصلاة التى هى أعلى الأعلام فقال تعالى: =

وحج البيت (¬1)، وصوم رمضان (¬2). رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 2 - وعن أبي هريرة وأبى سعيدٍ رضي الله عنهما قالا خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذى نفسى بيده ثلاث مراتٍ، ثم اكَبَّ (¬3)، فأكبَّ كلُّ رجلٍ منا يبكى لا يدرى على ماذا حلف؟ ثم رفع رأسه، وفى وجهه البشرى فكانت أحبَّ إلينا من خمر النعم (¬4). قال: ما من عبدٍ يصلى الصلوات الخمس، ويصوم رمضان ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع (¬5) إلا فتحت له أبواب الجنة وقيل له ادخل بسلامٍ (¬6). رواه النسائي واللفظ له، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ¬

= أ - (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وشدد الوعيد على المقصرين فيها فقال جل شأنه: ب - (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) ومعنى الإنفاق في سبيل الله: إخراج حق الزكاة، وقال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم: جـ - (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وقد بينت السنة القدر الواجب إخراجه وفرضت في السنة الثانية من الهجرة بعد زكاة الفطر، قيل في شوال أو في شعبان في السنة المذكورة، وهى من الشرائع القديمة بدليل قول عيسى عليه السلام: (وأوصانى بالصلاة والزكاة). قال الباجورى: هكذا قيل. وقد يدفع بأن المراد بها غيرالزكاة المعروفة كما أن المراد بالصلاة غير الصلاة المعروفة أهـ وتطلق الزكاة، ويراد بها النماء والزيادة، وكثرة الخير والتطهير من الأدران. قال تعالى: (قد أفلح من زكاها) أي طهر نفسه من الأدناس ونقاها من المعاصى، وجعلها صالحة لطاعات الله (فلا تزكوا أنفسكم) أي فلا تمدحوها، ولا تظهروا محاسنها فتخدع وتقصر في تحصيل الكمالات، وقد قال الماوردى. (واجعل نصح نفسك غنيمة عقلك، ولا تداهنها بإخفاء عيبك فيصير عدوك أحظى منك في زجر نفسه) وقد قال البلغاء: (من أصلح نفسه أرغم أنف أعاديه، ومن لم يكن له من نفسه واعظ لم تنفعه المواعظ) أهـ. (¬1) حج البيت أن تذهب إلى الطواف بالمسجد الحرام وتؤدى أركان الحج وواجباته في وقته المحدد إذا استطعت. (¬2) أن تصوم شهر رمضان صوما كاملا. (¬3) استمر، من أكب على عمله: أي لزمه. (¬4) بيضاء النعم، ويراد المال الوفير، والإبل الكثيرة والمسرات والترف والترفه. (¬5) فسرها صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وماهن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) رواه أبو هريرة رضي الله عنه. فالسعادة ونيل النعم وكسب الخير في أربعة: في صلاة وزكاة وصوم واستقامة والأجرة تبشرك ملائكة الرحمة بالأمان من عذاب الله، والتنعم بفضل الله، وجنى ثمار جنة الله. (¬6) تأمره ملائكة الرحمة لا تخف عقابا وادخل آمنا سالما من كل الأهوال. لماذا؟ لأن صحائفه نقية من المعاصى وأدران الذنوب ونهته صلاته عن كل فاحشة وأثمرت زكاته بطهارة نفسه من البخل، فتحلى بالسخاء وللإمام الشافعي رضي الله عنه: يغطى بالسماحة كل عيب ... وكم عيب يغطيه السخاء

3 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ من تميمٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إنى ذو مالٍ (¬1) كثير، وذو أهلٍ ومالٍ، وحاضرةٍ (¬2) فأخبرنى كيف أصنع، وكيف أنفقُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخرج الزكاة من مالك، فإنها طهرةٌ تطهرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حق المسكين، والجار، والسائل، الحديث. رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 4 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمسٌ من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس، على وضوئهن، وركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، وأعطى الزكاة طيبةً بها نفسه. الحديث. رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد، وتقدم. ¬

(¬1) صاحب ثروة طائلة وأقرباء وعز وجاء وأملك عقاراً. (¬2) مورد خير ينزل عليه الناس ليستقوا أو يستفيدوا. وفي النهاية في حديث عمر بن سلمة الجرمى: (كنا بحاضر يمر بنا الناس) الحاضر: القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه، ويقال للمناهل: المحاضر للاجتماع والحضور عليها أهـ. وفيه: (لا يبيع حاضر لباد) الحاضر: المقيم المدن والقرى والنادى: المقيم بالبادية أهـ. فهذا الرجل من السراة الأغنياء، فيسأل طريقة تسبب له السعادة ليرشده صلى الله عليه وسلم إلى ماذا يعمل في ماله ويبين حاله إنفاقه لينال الثواب الجزيل والعز المقيم، فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى الزكاة في المال والثمار والزروع والإحسان إلى أقرابئه، والتصدق على الفقراء والمساكين، وأوصاه بجاره أن يكرمه وينعم عليه، ويتفضل بإغداقه مما أنعم الله عليه فيوزع عليه فاكهة أو يكسوه أو يمده بالمساعدة ويفعل معه معروفا حسب حاجته وأن يعطى السائل ولا يرده خائباً. قال الله تعالى: أ - (آمنوا بالله ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) 8 من سورة الحديد (مستخلفين): أي من الأموال التى جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها فهى في الحقيقة له لالكم، أو التى استخلفكم عمن قبلكم في تملكها، والتصرف فيها. وفيه حث على الإنفاق، وتهوين له على النفس أهـ بيضاوى. ب - (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون 38 وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) 39 من سورة الروم. (ذا القربى) كصلة الرحم، واحتج به الحنفية على وجوب النفقة للمحارم، وهو غير مشعر به (والمسكين وابن السبيل) ماوظف لهما من الزكاة، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لمن بسط له، ولذلك رتب على ما قبله بالفاء. ذلك خير للذين يقصدون بمعروفهم إياه خالصا أو جهة متقرب إليه لا جهة أخرى (المضعفون) ذوو الأضعاف من الثواب ونظير المضعف المقوى والموسر لذى القوة واليسار، أو الذين ضعفوا ثوابهم وأموالهم ببركة الزكاة، والالتفات فيه للتعظيم كأنه خاطب به الملائكة، وخواص الخلق تعريفا لحالهم أو للنعيم كأنه قال: فمن فعل ذلك فأولئك هم المضعفون أهـ بيضاوى.

5 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فأصبحت يوماً قريباً منه، ونحن نسيرُ، فقلت: يا رسول الله أخبرنى بعملٍ يدخلنى الجنة، ويباعدنى من النار؟ قال: لقد سألت عن عظيمٍ، وإنه لُيسيرٌ (¬1) على من يسره الله عليه: تعبدُ الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. الحديث. رواه أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه ويأتى بتمامه في الصمت إن شاء الله تعالى. 6 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الزكاة قنطرة (¬2) الإسلام. رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه ابن لهيعة، والبيهقى وفيه بقية بن الوليد. 7 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثٌ أحلف عليهن: لا يجعل الله من له سهمٌ في الإسلام كما لا سهم له، وأسهم الإسلام ¬

(¬1) سهل التكاليف، وإدراكه ميسور سهل، وطريقه معبدة مذللة سار فيها الصالحون فنجحوا. أولا: توحيد الله تعالى، والإيمان به وحده، وبرسله عليهم الصلاة والسلام وبملائكته وكتبه وتخلص له في العبادة والطاعة. ثانيا: إقامة الصلاة. ثالثاً: أداء الزكاة. رابعاً: الصوم. خامساً: الحج إذا كنت قادراً. جـ - وقال تعالى: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز 41 الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) 42 من سورة الحج وقال البيضاوى: وقد أنجز وعده بأن سلط المهاجرين والأنصار على صناديد العرب، وأكاسرة العجم وقياصرتهم وأورثهم أرضهم وديارهم (إن الله لقوى) على نصرهم (عزيز) لا يمانعه شئ أهـ. وقد وصف الله هؤلاء المجاهدين بأربع خلال: هم مقيمون الصلاة، ومؤدون الزكاة والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، ثم طمأن الله سبحانه العاملين المجدين أن مرجع كل شئ إلى حكمه، وبيده الفعل (وما تشاءون إلا أن يشاء الله). إن شاهدنا (وآتوا الزكاة) خلة الإنفاق وأداء الحق والإحسان من صفات الذين ملكوا فجادوا واغتنموا فأحسنوا وربحوا فتصدقوا وكثر مالهم فزكوا وحمدوا الله على ما أنعم، وأكرموا الفقراء والمساكين وساعدوا على مشروعات الخير وإنشاء الملاجئ والمعاهد والمصحات، ومصانع التجارة والصناعة ليرضى الله عنهم ويحبهم أهلهم وعشيرتهم فيفوزوا من هول القيامة. (¬2) المعنى أن المسلم يمر يوم القيامة على جسر ممدود على متن جهنم، والمزكى يعبرها، وغير المزكى حينما يصل إلأيها لا يمكنه العثور فيسقط في نار جهنم.

ثلاثةٌ: الصلاة والصوم، والزكاةُ (¬1)، ولا يتولى الله (¬2) عبداً في الدنيا فيوليه (¬3) غيره يوم القيامة. الحديث. رواه أحمد بإسناد جيد. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لمن حوله من أُمته: اكفلوا (¬4) لى بست أكفلْ لكم بالجنةِ. قلت: ما هى يا رسول الله؟ قال: الصلاة، والزكاة، والأمانة، والفرج، والبطن، واللسان. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به، وله شواهد كثيرة. 9 - وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الإسلام ثمانية أسهمٍ (¬5): الإسلام (¬6) سهمٌ، والصلاة سهمٌ، والزكاة سهمٌ، والصوم سهمٌ، ¬

(¬1) يقسم صلى الله عليه وسلم مؤكداً ليبشر المسلمين أن المصلى والمزكى والصائم له ثواب وأجر وسهم في الإسلام: أي نصيب من فضل الله ونعيمه، ويكون الله تعالى ناصره وتحت رعاية مولاه في الدنيا، فكذلك سبحانه يرعاه بالرحمة في الآخرة. (¬2) يكفل، وفي أسماء الله تعالى الولى: أي الناصر، وقيل. المتولى لأمور العالم القائم بها، ومن أسمائه عز وجل الوالى: أي مالك الأشياء جميعها المتصرف فيها، وفيه الحث على هذه الفرائض تؤدى كاملة ليحوز صاحبها رضا الله في حياته، وبعد موته. (¬3) فتكون عليه سلطة تامة لغيره يوم القيامة. حاشا. إذا رعى الله عبداً في الدنيا ورحمه عمته رحمته في آخرته وغفر له سبحانه. (¬4) اضمنوا؛ ومنه: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، والكفيل الضمين، والمعنى والله أعلم: وطدوا عزيمتكم القوية، واعقدوا النية على القيام بأداء هذه الخصال الستة أضمن لكم أيها المسلمون دخول الجنة. أولا: أداء الصلاة المكتوبة وسننها. ثانيا: الزكاة المفروضة والصدقات النافلة. ثالثا: حفظ الودائع كاملة، وردها إلى أصحابها وعدم الخيانة والسرقة وحفظ الأسرار المودعة في صدوركم والأشياء المحفوظة لديكم وتقديمها عند الطلب يحوطها الخوف من الله تعالى العليم بسرها. رابعا: حفظ الفرج مر الوقوع في الفاحشة (الزنا). خامسا: أن يدخل في البطن طعام حلال، والمعنى أن تأكلوا حلالا من كسب طيب بعيدا عن المحرمات والمكروهات. سادسا: حفظ اللسان من الغيبة والنميمة والكذب والنفاق والشقاق والدس والكيد، وإضمار الحسد، وإيقاد نار العداوة. وفي الجامع الصغير: (اكفلوا) أي تحملوا والتزموا لأجل أمرى الذى أمرتكم به عن الله فعل ست خصال والدوام عليها (وأكفل لكم بالجنة) أي دخولها مع السابقين أو بغير عذاب (الصلاة) أي أداؤها لوقتها بشروطها وأركانها ومستحباتها (الزكاة) أي دفعها للمستحقين أو الإمام (الأمانة) أي أداؤها (الفرج) بأن تصونوه عن الجماع المحرم (البطن) بأن تحترزوا عن إدخاله ما يحرم تناوله (اللسان) بأن تكفوه عن النطق بما يحرم كغيبة ونميمة. قال المناوى: ولم يذكر بقية أركان الإسلام لدخولها في الأمانة أهـ الأمانة تشمل حقوق الله وحقوق العباد أهـ ص 271 جـ 1. (¬5) يبين صلى الله عليه وسلم أن الدين حنيف موزع ثوابه على ثمانية أشياء ما قام بها كمل إيمانه، وزاد يقينه، ودخل برحمة الله في عباده الصالحين. (¬6) الانقياد الظاهرى إلى الشرع، والعمل بجميع =

وحج البيت سهمٌ، والأمرُ بالمعروف (¬1) سهم، والنهى عن المنكر (¬2) سهم، والجهاد في سبيل الله (¬3) سهم، وقد خاب (¬4) من لا سهم له. رواه البزار مرفوعاً، وفيه: يزيد بن عطاء اليشكرى، ورواه أبو يعلى من حديث علىّ مرفوعاً أيضاً، وروى موقوفاً على حذيفة وهو أصح، قاله الدراقطنى وغيره. 10 - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله: أرأيت إن أدَّى الرجل زكاة ماله (¬5)؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدى زكاة ماله، فقد ذهب عنه شرُّهُ (¬6). رواه الطبراني في الأوسط، واللفظ له، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم مختصراً: إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره. وقال صحيح على شرط مسلم. ¬

= أوامره، والتصديق بوجود الله سبحانه وتعالى، وبرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والتحرى عن أفعاله وأقواله. (¬1) الإرشاد إلى الخير والنصيحة، والحث على أعمال البر والهداية والتعليم. (¬2) النهى عن الأفعال القبيحة. (¬3) الحرب في سبيل نصر دين الله. (¬4) وقد خسر من لا نصيب له من هؤلاء الأسهم، وفيه الحث على اتباع الكتاب والسنة والعمل بأوامر الله ورسوله ليكون له نصيب وافر من ثواب الله، ويحوز الفوز والنجاح، ولتبقى صحائفه من السيئات، والتقصير في حقوق الله فلا يخيب له عمل يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وفيه ترك الصلاة خيبة، والبخل حسرة، وإفطار رمضان ندامة، وعدم الحج للمستطيع خسارة ونقص، وعدم النصيحة فضيحة والسكوت على المنكر عيب وذلة، وعدم نصر الحق فشل وسوء عاقبة، وفقنا الله لما يرضيه، وأعاننا على التحلى بآدايه. (¬5) أي أخرج ما يجب عليه فيما يملكه من النقدين وهما: الذهب والفضة، ومن كان عنده عشرون مثقالا من الذهب: أي 11.95 جنيهاً مصرياً، أو 12.25 جنيها انجليزياً، وجب عليه أن يخرج عنها ربع العشر: أي اثنين ونصفاً في المائة (30 قرشاً) ومن كان عنده مائتا درهم من الفضة (445 قرشاً) وجب أن يخرج عنها ربع العشر أيضاً (11.1 قرشاً). (¬6) أي حفظ من السرقة في الدنيا وبورك فيه واستعمل فيه الخير وأنفق في الطاعة، ولم يعذب صاحبه به في قبره، فلا يمثل له بشجاع أقرع يلدغه، ويعذبه كما قال صلى الله عليه وسلم لغير المزكى (مثل له يوم القيامة بشجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه، يعنى شدقيه، ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا صلى الله عليه وسلم: (ولا يحسبن الذين يبخلون) الآية. رواه البخاري جواهر ص 76 (شجاعا) حية ذكراً (زبيبتان) زبدتان في شدقيه: أي ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير). 181 من سورة آل عمران. (سيطوقون) أي سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق، وعنه عليه الصلاة والسلام: (ما من رجل لايؤدى زكاة ماله إلا جعله الله شجاعا في عنقه يوم القيامة) (ولله ميراث السموات والأرض) وله فيهما ما يتوارث فما لهؤلاء يبخلون عليه بماله ولا ينفقونه في سبيله أو أنه يرث منهم ما يمسكونه ولا ينفقونه في سبيله بهلاكهم وتبقى عليهم الحسرة والعقوبة (والله بما يعملون) من المنع والإعطاء (خبير) يجازيهم. وقرأ نافع وابن عامر =

11 - وعن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حَصنوا (¬1) أموالكم بالزكاة، وداوو مرضاكم بالصدقة (¬2)، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع (¬3). رواه أبو داود في المراسيل، ورواه الطبراني والبيهقى وغيرهما من جماعة من الصحابة مرفوعاً متصلاً، والمرسل أشبه. 12 - وروى عن علقمة رضي الله عنه أنهم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال لنا النبى صلى الله عليه وسلم: إن تمام إسلامكم أن تُؤدُّوا زكاة أموالكم (¬4). رواه البزار. 13 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلُّ مالٍ (¬5) وإن كانت تحت سبع أرضين تُؤدى زكاته فليس بكنزٍ، وكل مالٍ لا تؤدى زكاته وإن كان ظاهراً فهو كنزٌ. رواه الطبراني في الأوسط مرفوعاً، ورواه غيره ¬

= وحمزة والكسائى بالتاء على الالتفات، وهو أبلغ في الوعيد أهـ بيضاوى. (¬1) وأقيموا الحصون المنعية الحافظة لأموالكم من السرقة والضياع بإخراج الزكاة، وفى الجامع الصغير: أي بإخراجها (فما تلف مال في بر ولا بحر إلا بمنعها) أهـ. (¬2) أعطوا الفقراء صدقات لله يجب الله دعاءكم فيشف مرضاكم، ويزل آلامكم، وفي الجامع الصغير: فإنها أنفع من الدواء الحسى أهـ. (¬3) وأكثروا التذلل لله يرفع عنكم البلاء. قال المناوى: بأن تدعوا عند نزوله فإنه يرفعه أهـ. قال العزيزى: ويحتمل أن يكون المراد طلب الإكثار من الدعاء مطلقاً لحديث: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) أهـ. وفي رواية: (واستعينوا على حمل البلاد بالدعاء والتضرع). (¬4) من تمام أمور الدين، وأركان الإسلام وطاعة الله، وإخراج زكاة أموالكم من زروع وثمار، وعروض تجارة وماشية. (¬5) الغنى الذى أعطاه الله ثروة طائلة ومالا وفيرا فزكى وعمل بالشرع واستعمل ماله في حقوق الله وما يرضيه فيخزن كما يشاء هو في أسفل الأرض وقد أحل الله له ذلك، وأما إذا بخل ولم يخرج زكاته ووضعه في المصارف أو في الخزانة الحديدة الظاهرة لنا فهو مقصر في إخراج حقوق الله، ويطلق على ماله كنز لم تؤد زكاته وإذا مات عذب الله به وسلط عليه أفعى تنهشه بصورة ماله المكنوز، وعدم من ناقصى الإسلام وصدق عليه قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) وفي ط وع: فهو كنز ص 254، وفي ن د: كنز. أيها المسلمون: أنعم الله بالمال لننتفع به، وننفق منه في سبيل الخير، والمال وديعة في يد الأغنياء لينظر الله إليهم أيحسنون؟ أيتصدقون على الفقراء والمساكين. أيزيلون ألم جوعهم، وضر أمراضهم، وظلمة جهالتهم؟ فيرجون ثوابه سبحانه، وينشئون المستشفيات والملاجئ، ومعاهد العلم لتعليم أبناء الأمة الفقراء. وإيواء العجزة الضعفاء ومعالجة المرضى حتى لا تضطرهم الحاجة إلى السرقة أو المؤامرة على قتل الأغنياء أو الإقدام على ارتكاب الجرائم لدفع غيلة الفقر المدقع، وإن الله تعالى أوعد البخلاء بالعذاب الأليم، وأعلن =

موقوفاً على ابن عمرو، وهو الصحيح. ¬

_ = كرههم فيكرههم الله والناس. ويبغضهم ربهم، ويأمر سبحانه بإيقاد النار على أموالهم، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم جزاء بخلهم، ومنعهم الإحسان والمعروف: ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله ... على قومه يستغن عنه ويذمم وبهذه المناسبة أنقل لك أقوال الفقهاء في كيفية إخراج زكاة المال والزروع والثمان، وعروض التجارة وشروطها وسبيل أدائها عسى الله أن يعطينا كما طلب صلى الله عليه وسلم: (اللهم استر عورتى، وآمن روعتى واحفظنى من بين يدى ومن خلفى وعن يمينى وعن شمالى ومن فوقى، وأعوذ بك أن أغتال من تحتى) رواه البزار في مسنده عن ابن عباس. شروط الزكاة وتعريفها وكيفية أدائها لكبار الشافعية رضي الله عنهم والزكاة: ما يخرج عن مال، أو بدن على وجه مخصوص، وتجب الزكاة في الزروع والثمار والذهب والفضة وعروض التجارة والماشية والبدن، وشروط وجوبها ستة: الإسلام، والحرية، والملك التام، والنصاب وتعين المالك، ومضى الحول في الحولى. فصل في زكاة الزروع والثمار المراد بالزروع كل ما يستنبت ليقتات به اختياراً كالبر والشعير والأرز والذرة والعدس والحمص والفول (وبالثمار) التمر والزبيب، ويتعلق وجوب الزكاة في كل من الثمر والزرع ببدو صلاحه، أو بعضه إن بلغ خالصه نصابا، والوجوب على من بدا الصلاح في ملكه، فلو استأجر أرضاً فالزكاة عليه لأنه المالك للزرع، وعلامة بدو الصلا في الثمر المتلون أخذه في حمرة، أو صفرة أو سواد، وفي غير المتلون كالعنب الأبيض: صفاؤه، وجريان الماء فيه، وفى الزرع اشتداد الحب، ويبدون صلاح ما ذكر يمتنع على المالك التصرف فيه ولو بصدقة أو أجرة نحو حصاد، أو أكل فريك أو فول أخضر أو بلح أحمر فيحرم ويعزر العالم بالتحريم لكن ينفذ تصرفه فيما عدا قدر الزكاة، وما اعتيد من إعطاء شئ من الزرع والثمر وقت الحصاد والجذاذ ولو للفقراء حرام. وإن نوى به الزكاة لأنه أخذ قبل التصفية، وكثير يعتقد حله، وإنما نشأ ذلك من نبذ العلم وراء الظهور. ويحرم على غير المالك أيضاً شراؤه وأكله ونحو ذلك. إن علم أنه من زرع تجب زكاته؛ نعم يسن الحرص لثمر بدا صلاحه بأن يطوف من هو من أهل الشهادات، ولو واحدا بكل شجرة ليقدر ثمرتها أو ثمرة كل نوع منها رطبا ثم يابساً للتضمين، وهو أن يقول الخارص للمخرج من مالك أو نائبه ضمنتك حق المستحقين من الرطب أو العنب بكذا تمراً أو زبيباً فيقبل، فله حينئذ أن يتصرف في جميع الثمر بيعاً وأكلا ونحوه لانتقال الحق من العين إلى الذمة، فإن انتفى الخرص أو لم يصح كما في الزرع حرم التصرف كما مر. ونقل عن العزيزى أنه لا تجب الزكاة باشتداد الحب إلا إذا صلح للادخار وعليه فيجوز الأكل من نحو الفريك والفول الأخضر قبل صلاحيته للادخار (ونصابها) خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعا والصاع أربعة أمداد، والمد: رطل وثلث بالعراقى وبالكيل المصري أربعة أرادب وويبة هذا فيمالم يدخر في قشره، فإن كان ممن يدخر في قشره كالأرز اعتبر أن يكون خالصه قدر النصاب المذكور، وفيها العشر إن سقيت بماء المطر ونحوه كالثلج أو السيل أو النهر ونصف العشر إن سقيت بدولاب أو ناضح ونحوهما مما يحتاج لكلفة، وما زاد فبحسابه. (فصل): أول نصاب الذهب عشرون مثقالا، ونصاب الفضة مائتا درهم خالصة من الغش فيهما، والمثقال: درهم وثلاثة أسباع درهم بوزن مكة، فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، والنصاب من خالص (الذهب) =

14 - وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقيموا ¬

_ = بالجنية المجيدى ثلاثة عشر جنيهاً وربع، وبالجنية الأفرنكى اثنا عشر جنيها وثمن، وبالجنية المصري اثنا عشر جنيها إلا ثمناً والبنتو خمسة عشر، ومن خالص الفضة بالريال المصري اثنان وعشرون وربع، ويجب في كل منهما بعد كمال الحول ربع العشر، ومازاد عن النصاب فبحسابه. قال تعالى: (وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) 142 من سورة الأنعام. (معروشات) الكرم أو ما غرسه الناس فعرشوه (وغير معروشات) ملقيات على وجه الأرض، أو ما نبت في البرارى والجبال (متشابهاً) في اللون والطعم (يوم حصاده) تؤدى الزكاة عند الإدراك، فهذا دليل الوجوب. فصل في زكاة عروض التجارة التجارة: تقليب المال بالمعاوضة لغرض الربح، والمعروض: هى المال المتجر فيه غير النقد سواء كان منقولا أو عقاراً أو حيواناً فتقوم آخر الحول بما اشتريت به إن كان نقدا من ذهب أو فضة، فإن ملك بغير نقد كأن اشتراها بعروض قومت بغالب نقد البلد الذى تم فيه الحول، فإن غلب في البلد نقدان وكمل النصاب بأحدهما قومت به، فإن كمل النصاب بكل منهما قومت بأيهما شاء، فإن اشترى بعضها بنقد، وبعضها بغيره، فلكل حكمه، فإن بلغت القيمة نصابا وجب فيها ربع العشر، ومازاد فبحسابه، وتجب الزكاة في مال التجارة بستة شروط: الأول: أن يملكه بمعاوضة. الثاني: نية التجارة حال المعاوضة في صلب العقد أو مجلسه. الثالث: أن لا ينوى بالمال القنية. الرابع: مضى الحول من وقت ملك العروض إلا أن تشترى بنقد معين وكان نصاباً أو دونه وفى ملكه باقية، كأنه كان يملك عشرين مثقالا فاشترى بعينها عروضا بنية التجارة، أو بعين نصفها فإن ابتداء الحول حينئذ من حين ملك النقد، لا من وقت ملك العروض. الخامس: أن تبلغ نصابا آخر الحلول، وكذا إن بلغت دون نصاب، وعنده ما يكمل به كما لو كان عنده مائة درهم فاشترى بخمسين منها، وبلغ مال التجارة آخر الحول مائة وخمسين، فيضم لما عنده، وتجب زكاة الجميع. السادس: أن لا ينض أثناء الحول بما يقوم به، وهو دون نصاب، ومعنى التنضيض: تصييره دراهم ودنانير، ولو كان مال التجارة مما تجب زكاة التجارة، وإن كمل نصاب الزكاتين كأربعين شاة بلغت قيمتها نصابا وجبت زكاة العين إن اتحد حول الزكاتين، فإن تقدم حول زكاة التجارة وجبت في هذا الحول، وتجب زكاة العين في الأحوال بعد كأن اشترى أول المحرم عشرين ثوبا من القماش بنية التجارة وبعد ستة أشهر باعها واشترى بها أربعين شاة للتجارة ثم بعد ستة أشهر أخرى قومت فبلغت قيمتها نصابا، فقد اجتمع فيها زكاتان وسبق حول التجارة فيزكيها في هذا الحول زكاة تجارة، وفى كل حول بعده زكاة عين، وزكاة مال المضارية على مالكه، فإن أخرجها من غير مال المضاربة فنعم، وإن أخرجها من مال المضاربة حسبت من الربح كالمؤن التى تلزم المال. =

الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم بكم. رواه الطبراني في الثلاثة، وإسناده جيد إن شاء الله تعالى، عمران القطان صدوق. ¬

_ = فصل فيما تجب فيه زكاة المال وفي آدائها تجب الزكاة في المال المغصوب والضال والمجحود وفي مال القاصر والمجنون والمحجور عليه بسفه، والمطالب بها الولى أو الوصى، وتجب في الدين اللازم إن كان نقدا أو عرض تجارة مؤجلا أو حالا تيسر قبضه أم لا، بخلاف غير اللازم كمال كتابة اللازم الذى ليس نقدا ولا عرض تجارة نصاب ماشية أقرضه لشخص ومضى عليه حول أو هو فى ذمته فلا زكاة فيهما لأن الملك في الأول غير تام، إذ للعبد أن يسقطه متى شاء، ولفقد إسامة المالك في الثانى لأنه يسيم مافى ذمة غيره، ولا يمنع دين جوبها، ولو اجتمع زكاة أو حج وكفارة ودين لآدمى في تركة قدمت الثلاثة على دين الآدمى ويجب أداؤها فوراً عند تمكنه بحضور المال والمستحقين وبجفاف للثمر، وتنقية للحب من نحو تبن، وبقدرة على استيفاء دين حال كأن كان على موسر حاضر باذل، ولا يجوز أن يجعل دينه الذى على نحو معسر من الزكاة إلا أن يعطيه من زكاته ثم يردها إليه عن دينه من غير شرط، فإن أخر أداءها بعد التمكن وتلف المال ضمنه ولا بد من أداء الزكاة من نية كهذا زكاة ومعلوم أن محل النية القلب وأن النطق باللسان سنة وتكفى عنه عزلها من المال وبعده وتلزم الولى عن محجوره فلو دفعها بلا نية تجزئ وللشخص أن يوكل فيها، ولا يصح أداء الزكاة من غير جنس المال المزكى إلا في إخراج شاة، أو أكثر عما دون خمسة وعشرين من الإبل فلا يصح إخراج الذهب عن الفضة، ولا عكسه، ولا إخراج الدراهم المغشوشة عن خالص. أدلة الإنفاق من القرآن هذه أقوال الفقهاء تنير لك سبيل إخراج الزكاة وتضئ لك كيفية الإنفاق الشرعى لتعلم أن الله تعالى يجب من عبده أن يجوز بماله في طريق الخير، ويقيم مشروعات البر وصرح الإحسان واقرأ القرآن ياأخى تجد الأمر بالصلاة، فإذا أثمرت هذه الطاعة لله أنتجت الزكاة وحب الإنفاق في طاعة الله. قال تعالى: يبشر المنفق بالخير المضاعف والغلات المباركة والزيادة الموجودة: أ - (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم 261 الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) 262 من سورة البقرة. مثل نفقة المحسنين كمثل باذر حبة يخرج منها ساق يتشعب كل منه سبع شعبٍ، لكل منها سنبلة فيها مائة حبة، وتلك المضاعفة بفضل الله على حسب حال المنفق في إخلاصه وتبعه، ومن أجل ذلك تتفاوت الأعمال في مقادير الثواب (والله واسع) لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة (عليم) بنية المنفق وقدر إنفاقه، ثم أنزل الله تعالى الآية الثانية تطمينا لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ومن اقتدى به فقد جهز جيش العسرة بألف بعير بأقتابها وأحلاسها (وسيدنا عبد الرحمن بن عوف) فإنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة. والمن: أن يعتد بإحسانه على من أحسن إليه، والأذى أن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه. بخ بخ أيها المسلم: اتق الله، وأكثر من الإنفاق لله تربح. ب - (ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون) 252 من سورة البقرة. الله تعالى ينادى المؤمنين ويأمرهم بالإنفاق فيما وجب علينا إنفاقه من مال وزروع وثمار وماشية من قبل أن يأتى يوم لا يقدر الإنسان فيه على تدارك ما فاته، وما فرط في أدائه، ولا خلاص من عذابه إذ لا بيع فيه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فتحصلون أيها المؤمنون ما تنفقونه، أو تفتدون به من العذاب، ولا خلة حتى يعينكم عليه أخلاؤكم أو يسامحونكم به ولا شفاعة إلا لمن أذن له الرحمن ورضى له قولا حتى تتكلموا على شفاعة تنفع وتشفع لكم في حط ما في ذممكم (والكافرون هم الظالمون) قال البيضاوى: يريد والتاركون للزكاة هم الظالمون الذين ظلموا أنفسهم أو وضعوا المال في غير موضعه وصرفوه على غير وجهه، فوضع الكافرون موضعه تغليظا لهم، وتهديدا كقوله: (ومن كفر) مكان ومن لم يحج، وإيذانا بأن ترك الزكاة من صفاة الكفار لقوله تعالى: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة). أهـ. وإن الله جل جلاله أخبر عن المتقين الذين عملوا في الحياة فأفلحوا وفازوا بالسعادة وجعل خلالهم إخراج زكاة أموالهم. قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) من 1 - 12 من سورة المؤمنين. أي فاز أولئك الذين اتصفوا بهذه الخلال الحميدة: أولا: الخائفون من الله سبحانه وتعالى المتذللون له الملزمون أبصارهم مساجدهم. روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى رافعاً بصره إلى السماء فلما نزلت رمى ببصره نحو مسجده وأنه رأى رجلا يعبث بلحيته، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه. ثانياً: المعرضون عما لا يعينهم من قول أو فعل لما بهم من الجد ما شغلهم عنه. ثالثا: البالغون الغاية في القيام على الطاعات البدنية والمالية، والتجنب عن المحرمات، وسائر ما توجب المروءة اجتنابه والزكاة تقع على المعنى، وعلى العين. رابعا: عدم بذل الفرج إلا على الأزواج والسريات والجامعون لهذه الصفات أحقاء بالفرودس وهى أعلى مكان في الجنة نعيمها دائم. إخبار الله أن التأمين على الحياة تقواه، وإخراج الزكاة لتدوم النعمة وتزيد إن الله تعالى أوجد المال للتعامل بين الناس، ولقضاء الحاجات اللازمة للحياة، ولوجود حسن التبادل والمنافع، وقال تعالى في محكم كتابه: أ - (الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوى العزيز). ب - (الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر). جـ - (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) فما علينا إلا أن نؤمن به سبحانه وتعالى ونعبده بحق، ونثق بالاعتماد عليه. ونعمل بالشرع في إخراج الزكاة رجاء أن يبقى خيرها، ويدون نعيمها، ويكثر ربحها، وقد وعد الله تعالى بزيادة النعم المزكى عليها، وحفظها من التلف، ووضع فيها البركة، وفى آكليها. قال تعالى. د - (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم 244 من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويسبط وإليه ترجعون) 245 من سورة البقرة. أمر سبحانه وتعالى بالجهاد في سبيله والسعى لمرضاته جهد الطاقة (من ذا الذى يقرض الله) من استفهامية مبتدأ وذا خبره، والذى صفة ذا أو بدل، وإقراض الله سبحانه وتعالى مثل لتقديم العمل الذى به يطلب ثوابه (قرضا حسناً) إقراضا حسنا مقرونا بالإخلاص وطيب النفس أو مقرضا حلالا طيبا، وقيل: القرض الحسن بالمجاهدة والإنفاق في سبيل الله. والمعنى أيقرض الله أحد فيضاعف جزاؤه كثرة لا يقدرها إلا الله سبحانه وتعالى، وقيل: الواحد =

15 - وروى عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله ¬

_ = بسبعمائة، سبحانه إليه المرجع يجازيكم علىحسب ما قدمتم (والله يقبض ويبسط) أي يقتر على بعض ويوسع على بعض حسب مااقتضت حكمته فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم كيلا يبدل حالكم أهـ بيضاوى. نأخذ من هذه الآية أن الأرزاق بيد الله (ويد الله ملأى لاتغيضها نفقة) وهو جل جلاله يعطى للمنفق الخلف، وللبخيل الشحيح كل تلف. الدليل الثانى: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير 265 أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) 266 من سورة البقرة: مثل جليل ملموس محسوس شيق للمزكى والبخيل، وليس في طاقة علماء التربية الآن أن يحاكوه. أ - (أموال المزكى) كحديقة فيحاء غناء أثمر شجرها، وأينع زهرها، وترعرع دوحها باسقات: فارعات بمكان مرتفع ربوة قال البيضاوى: أىومثل نفقة هؤلاء في الزكاة كمثل بستان بموضع مرتفع، فإن شجره يكون أحسن منظراً، وأزكى ثمراً أهـ. قد زارها مطر عظيم القطر، فضاعف الله ثمرها، وأكثر من خيراتها، وبارك في إنتاجها. قال البيضاوى: (فآتت أكلها) أي ثمرتها (ضعفين) مثل ما كان تثمر بسبب الوابل، والمراد بالضعف المثل (فإن لم يصبها وابل فطل) أي فيصيبها مطر خفيف يكفيها لكرم منبتها، وبرودة هوائها لارتفاع مكانها، والمعنى أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله لا تضيع بحال. وإن كانت تتفاوت باعتبار ما ينضم إليها من أحواله، ويجوز أن يكون التمثيل لحالهم عند الله تعالى بالجنة على الربوة ونفقاتهم الكثيرة والقليلة الزائدتين في زلفاها بالوابل والطل (والله بما تعملون بصير) تحذير عن الرياء، وترغيب في الإخلاص أهـ. انظر رعاك الله إن ثواب المزكى لله يطلب رضا مولاه (وتثبيتاً من أنفسهم) أي تحقيقاً للثواب عليه وجازما ومصمما أن الله يثيبه وينفق عليه ويعطيه، بخلاف المنافقين الذين يبخلون، ولا يرجون ما عند الله، وهو كثير، وإن نفقات المحسنين تزكو عند الله كثرت أم قلت، فحيث حسن الباطن بالإخلاص فقليل عمل الإنسان ككثيره في رضا الله عنه. قال العارف بالله: وبعد الفنا في الله كن كيف ما تشا ... فعلمك لاجهل وفعلك لا وزر إن الله تعالى وعد المحسنين إكراما، والمنفق زيادة الخير كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسى عن الله عز وجل: (أنفق ياابن آدم أنفق عليك) رواه البخاري. وحسبك أيها المنفق دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مجاب الدعاء: (اللهم اجعل لمنفق خلفاً ولممسك تلفاً) رواه البخاري. الدليل الثالث: قال الله تعالى: (وما تنفقوا من خير لأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) 272 من سورة البقرة. فأنت تجد وعد الله الصادق أن يحفظ للمنفق ثواب إنفاقه ويضاعف له خيراته (فلأنفسكم) أي الخير والأجر يختص بكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا عليه، ولا تنفقوا الخبيث (يوف إليكم) ثوابه أضعافا مضاعفة. روى أن ناسا من المسلمين كان لهم أصهار ورضاع في اليهود، وكانوا ينفقون عليهم فكرهوا لما أسلموا أن ينفعوهم فنزلت. وهذا في غير الواجب. أما الواجب فلا يجوز صرفه إلى الكفار أهـ بيضاوى. دين السماحة والمودة، والعطف لله يدعو إلى الصدقة والإحسان على غير المسلمين ابتغاء وجه الله ليجدد =

عليه وسلم: من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وحج البيت، وصام رمضان، ¬

_ = أواصر الألفه، ويديم المحبة والله رب العالمين يقول (لكم دينكم ولى دين) فالفقير المسلم أحق بالمساعدة والإنفاق عليه لله. الدليل الرابع: قال تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) 274 من سورة البقرة. وعد الله تعالى المنفقين لله بزيادة الأجر عنده سبحانه والله أكبر وخزائنه لا تنفد ورحمته واسعة يمن على المحسن بوفرة المال وكثرة النعم وجودة الصحة ولباس التقوى والعافية والتوفيق للطاعة والإلهام إلى الصواب وقرة العين وفرح القلب وإزالة هموم الدنيا وراحة الضمير واطمئنان النفس والبشرى بالسعادة والحكمة في العمل وصواب النطق. يا أخى: ثلاثة تزف إلى المنفق لله: أولا: أجره عند ربه. ثانياً لا خوف عليه من أي سوء، وأنه محصن من كل شر، ويقيه الله كل مكروه ويحفظه دنيا وأخرى. ثالثا: لا يتكدر ولايحزن ولا يصيبه هم ولا غم. أتشك في هذا؟ جرب أيها المؤمن وزك وتصدق، وأقم شعائر الدين، وأد تعاليمه تفز والله، وتسعد والله، وتغتن والله، ويحبك الله ورسوله والناس أجمعون. (سراً وعلانية) أي ينفقون في الجهر أمام الجمهور، وفي الخفية؛ ويعمون الأوقات والأحوال بالخير. نزلت في أبى بكر الصديق رضي الله عنه تصدق بأربعين ألف دينار: عشرة بالليل وعشرة بالنهار وعشرة بالسر وعشرة بالعلانية، وقيل في أمير المؤمنين على رضي الله عنه لم يملك إلا أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلا ودرهم نهاراً ودرهم سراً ودرهم علانية، وقيل في ربط الخيل في سبيل الله تعالى والإنفاق عليها. قال الصاوى رحمه الله: ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالمراد بيان أجر المنفق على هذا الوجه، فلا خصوصية لأبى بكر بذلك ولا لعلى أهـ. الدليل الخامس: قال تعالى: (يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم) 276 أي يذهب ببركته ويهلك المال الذى يدخل فيه الربا (ويربى) أي يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه. وعنه عليه الصلاة والسلام (إن الله يقبل الصدقة ويربيها كما يربى أحدكم فاوه) أي مهره. وعنه عليه الصلاة والسلام: (ما نقصت زكاة من مال قط). والله تعالى لا يرضى عنه ولا يحبه محبته للتوابين (كل كفار) أي مصر على تحليل المحرمات (أثيم) أي منهمك في ارتكابه أهـ بيضاوى. يقارن بك أيها المسلم بين المال الحلال والحرام، فصاحب الحرام مغضوب عليه جبار مكار مذنب يسعى إلى حتفه بظلفه بجمعه ليعذب به، ويدب في الأرض ليكثر منه فيكون عليه نقمة لا نعمة، والمال الذى لا تؤدى زكاته مثل الحرام المغضوب أو المسروق، أو المجموع من طرق خسيسة، أو منهى عنها. أما صاحب المال الذى يزكى فترفرف عليه شارة السعادة لأنه المتبع أوامر الله فزكى عنه. الدليل السادس: قال تعالى: (ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غنى حميد 267 الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم) 268 من سورة البقرة. أمر الله المؤمنين بالإنفاق من المال الحلال أو الجيد، ومن طيبات ما أخرج سبحانه من الأرض كالحبوب والثمرات والمعادن على شريطة أن لا تقصدوا الردئ منه فتخرجوه (ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) أي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وحالكم أنكم لا تأخذون الردئ في حقوقكم لرداءته إلا أن تتسامحوا فيه، مجاز من أغمض بصره: إذا غضه وعن ابن عباس رضي الله عنه: كانوا يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه. أهـ بيضاوى. شاهدنا (والله غنى حميد - والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) أخبر الآمر جل وعلا أنه متصف بالغنى المطلق، وعنده كنوز الخيرات التى لاتنفذ، وغنى أيضا عن إنفاقهم، ومفاتيح السموات والأرض بيده وتحت أمره وإنما يأمر المسلمين بالزكاة لانتفاعهم، وتنمية أموالهم، وزيادتها حسا ومعنى مع نيل رحمة الله ورضاه والله حميد أي متصف بالمحامد كثير العطايا، وهو محمود سبحانه، وهنا تفضل سبحانه وتعالى فأرشد إلى إغواء الشيطان للبخيل يعده الفقر، ويخوفه من الإنفاق، والله يعده الغنى والسعة، وغفران الذنوب. شتان بين العدو الألد الذى ضل وأغوى وأضل، وبين الكريم الوهاب الذى أمر عباده المسلمين لينجحوا في الحياة، ولتثمر أموالهم في مشروعات البر وتنمو في الطاعات (الشيطان يعدكم الفقر) أي يخبركم بأسباب البخل، ويجعله بين أعينكم. ومن محاسن قول بعض المفسرين: إن معنى الفحشاء في القرآن: الزنا إلا هذه فمعناها البخل. والمعنى يغويكم ويخبركم بأمور يتسبب عنها البخل فيترتب على ذلك مطاوعتكم لله كمطاوعة المأمور للآمر، وسمى إخبار الشيطان بالفقر وعداً مع أنه وعيد لأنه شر ومشاكله لقوله: (والله يعدكم) أي على الإنفاق (مغفرة) لذنوبكم ورزقا خلفا منه. وفي الحديث: (إن الشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة به، فأما لمة الشيطان فإيعاد البشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان، ثم قرأ: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء) أخرجه الترمذي أهـ صاوى. فكأن المنفق موفق وقيد نعمه بطاعة الله لتزداد، وأحاطها بالخير لتنموا (لئن شكرتم لأزيدنكم) وإن النفس تميل إلى إطاعة السرى، وتحب معاملة الغنى، وهذا يتجلى في معاملة الناس في الدنيا، فما بالك بالمعاملة مع غنى حميد يعد مغفرة وفضلا، وهو الله جل جلاله، ولقد أخطأ الصحيح جاد الصواب، فقصر في الإنفاق، واتبع هواه وركب ظهره، فقاده الشيطان إلى هاوية الذل والخسران، ورماه في النار، وبئس القرار، وجره إلى الخراب والدمار، ولا بد أن يرى البخيل الكانز عاقبة ضياع ماله، أو تردى ذريته وأحفاده عاقبة البخل من ضياع التراث والميراث، ويذوقون الفقر ألواناً، وقد قال صلى الله عليه وسلم (حصنوا أموالكم بالزكاة). الدليل السابع: قال تعالى يخاطب المؤمنين (ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يعفل ذلك فأولئك هم الخاسرون 10 وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين 11 ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) أي لا يشغلكم تدبير الأموال والاهتمام بها عن الصلوات والطاعات، وأخرجوا بعض أموالكم ادخاراً للآخرة قبل أن يرى دلائل الموت فيطلب البخيل ويلح: هلا أمهلتنى فأتصدق وأعمل بالشرع؟ المعنى إن أطلت عمرى أتصدق، وأكن من الصالحين، فنصب الفعل بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية في جواب العرض أو التمنى والجزم بالعطف على محل فأتصدق لملاحظة جزمها في جواب الطلب. لولا بمعنى هلا بمعنى العرض الذى هو الطلب بلين ورفق، وقيل: لازائدة ولو للتمنى. قال ابن عباس رضي الله عنه: ما قصر أحد في الزكاة والحج إلا سأل الرجعة عند الموت. إن شاهدنا (وأنفقوا) يطلب الله السرعة في الإنفاق للقادر المستطيع خشية دنوا الأجل، فينتقل المال إلى الورثة، ويصير في حوزة غيره. فيندم على تقصيره، ولات ساعة مندم. أما من أجاب الله ونفذ أمره فأنفق =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بشر برضوان الله وكرامته عند الاحتضار، وأشرق وجهه، وابتسم ثغره، وانشرح صدره كما في الحديث: (فليس شئ أحب إليه مما أمامه أحب لقاء الله) رواه البخاري. الدليل الثامن: قال الله تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم 16 فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون 17 إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم 18 عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم) 19 من سورة التغابن. فتنة اختبار لكم، وعد الله المنفق المطيع الذى آثر محبة الله على محبة الأموال والأولاد، والسعى لهم (أجر عظيم) سعة في الرزق، ونعيم مقيم في حياته وبعد موته، ثم أمر المؤمنين أن يصغوا إلى مواعظة وينفذوا أوامره، ويجودوا في وجوه الخير خالصا لوجهه سبحانه (إن تقرضوا الله) أي تصرفوا المال فيما أمره مقرونا بإخلاص وطيب قلب يزده من واحد إلى عشر إلى سبعمائة إلى أكثر ويغفر لكم خطاياكم ببركة الإنفاق (والله شكور) يعطى الجزيل بالقليل (حليم) يعفو ولا يعاجل بالعقوبة (عالم الغيب) يرى كل شئ، وما يخفى عليه شئ، ويعلم السر والجهر (العزيز) تام القدرة (الحكيم) يضع الأمور في نصابها اللائق بها. معاملة ليس لها مثيل أبداً ما. تتصدق فتتاجر مع المتصف بكل كمال المنزه عن كل نقص القادر المقتدر: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلى الكبير). كثرة المال محنة وابتلى الله بها العالم ليرى أيحسنون إلى خلقه أم يسيئون؟ وأيقيمون مشروعات الخير أم يتلذذون ويبخلون؟ ولكن المؤمن العاقل من انتهز فرصة وجودها، فأطلق يده في عمل الصالحات وتشييد المكرمات، ورجا مايبقى على ما يفنى، وآثر الآخرة على الأولى ليكبح جماح نفسه عن حب التقتير، ويرخى عناتها في الإنفاق لله عسى أن يبعد عن وصمة الشح فيفلح، وتفضل الله ففتح باب معاملته على مصراعيه لينجوا المحسنون الأجواد السمحاء، والدنيا ميدان الأعمال، وفرصة سانحة للمؤمنين الطائعين الذين لا تغرهم زخارف الدنيا كما قال تعالى في اختبار المطيعين (وليبتلى الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور). والدليل التاسع: قال الله تعالى (وما أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون 39 قل إن ربى يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) 40 من سورة سبأ. جملتان أسمية أخبرنا الله بها ليبشر المنفقين بالإخلاف وزيادة النعم، وكثرة الرزق، ووفرة الخير ووضع البركة، وجليل المنفعة والثمرة (فهو يخلفه وهو خير الرازقين) أي يعطيك عوضا إما عاجلا أو آجلا، وهو سبحانه الرزاق، وغيره وسط في إيصال رزقه لا حقيقة لرازقيته فهو الذى ينعم ويتفضل، ويكثر المال ويرزق القناعة، ويهب الثواب لمن أنفق على نفسه وعياله وأقاربه، وتصدق على الفقراء. والمال وديعة وعارية تبقى في يد المحسنين، وتزول من أيدى الكافرين. هذا الزوال إما حسيا بأن ترى عدم البركة فيه، وصرفه فيما يغضب الله، واسترسال صاحبه في المعاصى والشهوات، وحرمانه من فعل الخير لله تعالى يوصف بالموصل للرزق، وبالخلق له، والعبد يوصف بالإيصال فقط، فخيرية الله من حيث إنه خالق وموصل، فعلم أن العبد يقال له رازق بهذا، ولا يقال له رزاق لأنه من الأسماء المختصة به تعالى أهـ صاوى (وهو خير الرازقين) أي أحسن وأجلهم لكونه خالق السبب والمسبب، وفي الجلالين يقال: كل إنسان يرزق عائلته: أي من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = رزق الله أهـ. قال تعالى (قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله) أخبر الله تعالى أن كثرة الأموال والأولاد من زينة الحياة الدنيا، وقد أخطأ من ظن أنها للشرف والكرامة، وما هى إلا زخرف الدنيا، ولا يقرب إلى الله إلا الإيمان والتقوى، والعمل الصالح. قال البيضاوى: إلا المؤمن الصالح الذى ينفق ماله في سبيل الله، ويعلم ولده الخير، ويربيه على الصلاح، أو من أموالكم وأولادكم على حذف المضاف (فأولئك لهم جزاء الضعف) أي يجازون الضعف إلى عشر فما فوقه أهـ. ثم أخبر جل جلاله، وهو أصدق القائلين أنه يوسع على من يشاء تارة، ويضيق عليه أخرى. والمنفقون في الجنة آمنون من كل المكاره، والذين يطعنون في القرآن، ويكفرون بالله ويبخلون (معاجزين) أي مسابقين لأنبيائنا، أو طانين أنهم يفوتوننا أو يقصرون في حقوق الله أن جزاءهم جهنم يصطلون نارها. فان الله تعالى يبين أن كسب الحرام يخرب البيوت العامرة، وكسب الحلال مع إخراج الزكاة يضاعف النعم، ويجلب الخير. فصل في زكاة القطر وهى من خصائص هذه الأمة، وشرعت في السنة الثانية من الهجرة قبل عيد الفطر بيومين تطهيراً للصائم من الخلل الواقع في الصوم لقوله صلى الله عليه وسلم: (صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث) ورفقاً بالفقراء في يوم الفطر كما في خبر (أغنوهم عن ذل السؤال في هذا اليوم) وهى سبب لقبول الصيام لخبر (صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر) وتجب على من عنده زيادة على ما يحتاجه لنفسه وعياله يوم العيد وليلته، فيخرج عن نفسه وعن كل شخص تلزمه نفقته كأصوله وفروعه وزوجته ورقيقه وخادمه إن كان مستأجرا بالنفقة صاعا، وهو أربع حفنات بكفى رجل معتدل فيهما، وهو بالكيل المصري قدحان من غالب قوت بلده، وينبغى أن يزيد شيئا يسيرا لاحتمال اشتمالهما على طين أو تبن، أو نحو ذلك، ويشترط لوجوبها الإسلام، وإدراك جزء من رمضان، وجزء من شوال، فتخرج عمن مات بعد الغروب دون من ولد بعده. ويجب على الكافر الإخراج عمن تلزمه نفقته من المسلمين ويستحب إخراجها قبل صلاة العيد، ويجوز من أول الشهر، ويكره تأخيرها إلى آخر يوم العيد، ويحرم تأخيرها عنه بلا عذر كغيبة ماله أو المستحقين. ويجب أن يكون تفريقها على الفقراء الموجودين بالبلد، ولا يجوز نقلها لبلد آخر وتصرف إلى الأصناف الثمانية كالزكاة، واختار جماعة من أصحاب الشافعي كابن المنذر والرويانى، والشيخ أبى إسحق الشرازى جواز صرفها لواحد، وقال الرافعى: يجوز صرفها إلى واحد. قال الأذرعى: وعليه العمل في الأعصار والأمصار والأحوط دفعها إلى ثلاثة: قال تعالى (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا 27 إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا) 28 من سورة الإسراء. هذا أمر له صلى الله عليه وسلم ليعلم أمته الإنفاق، أو إخراج الزكاة، وصلة الرحم، وحسن المعاشرة والسخاء والجود على مواطنيه، وبذل الخير في إقامة مشروعات تدفع الضر، وتجلب اليسر والبر والعطف على الفقراء، وقال أبو حنيفة: حقهم إذا كانوا محارم فقراء أن ينفق عليهم، وقيل: المراد بذى القربى أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم (ولا تبذر) نهى سبحانه عن صرف المال فيما لا ينبغى، وإنفاقه على وجه الإسراف والاسترسال في المعاصى، وأصل التبذير: التفريق. وعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد وهو يتوضأ (ما هذا السرف؟ قال: أو في الوضوء سرف؟ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال: نعم، وإن كنت على نهر جار) فأنت ترى رعاك الله أمراً ونهيا، أنفق أيها المسلم في أبواب الخير، واجتنب أبواب الشرور والملذات الداعية إلى التبذير بلا فائدة (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) أمثالهم في الشرارة فإن التضييع والإتلاف شر، أو أصدقاءهم وأتباعهم لأنهم يطيعونهم في الإسراف، والصرف في المعاصى روى أنهم كانوا ينحرون الإبل، ويتياسرون عليها ويبذرون أموالهم في السمعة فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالإنفاق في القربات أهـ بيضاوى. ب - وقال تعالى لحبيبه أستاذ الإنسانية في العالم صلى الله عليه وسلم (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) 215 من سورة البقرة. عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن عمرو بن الجموح الأنصارى كان شيخا ذا مال عظيم فقال يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا، وأين نضعها، فنزلت: (قل ما أنفقتم الآية) قال البيضاوى: سئل عن المنفق فأجيب ببيان المصرف لأنه أهم فإن اعتداد النفقة باعتباره، ولأنه كان في سؤال عمرو، وإن لم يكن مذكورا في الآية واقتصر في بيان المنفق على ما تضمن قوله: (ما أنفقتم من خير): إن تفعلوا خيراً فإن الله يعلم كنهه ويوفى ثوابه، وليس في الآية ما ينافيه فرض الزكاة فينسخ به أهـ. جـ - وقال تعالى: (واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين 194 وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) 195 البقرة. الله يحرس المتقين ويصلح شأنهم ولا تمسكوا كل الإمساك واجتنبوا الإسراف، وتضييع وجه المعاش، واحذروا أن تتركوا الغزو فالهلاك في الكف عنه، وعدم الإنفاق فيه خشية أن يقوى العدو، ويسلطهم على إهلاكهم ويؤيده ما روى عن أبي أيوب الانصارى رضي الله عنه أنه قال: لما أعز الله الإسلام، وكثر أهله رجعنا إلى أهلينا وأموالنا نقيم فيها ونصلحها فنزلت. هذا معنى، والمعنى الثانى (التهلكة) بالإمساك وحب المال فإنه يؤدى إلى الهلاك المؤبد ولذى سمى البخل هلاكا، وهو في الأصل انتهاء الشئ الفساد والإلقاء طرح الشئ وعدى بإلى لتضمن معنى الانتهاء، والباء زائدة، والمراد بالأيدى: الأنفس والتهلكة والهلاك والهلك واحد: أي لا تواقعوا أنفسكم في الهلاك (وأحسنوا) أعمالكم وأخلاقكم، أو تفضلوا على المحاويج أهـ بيضاوى. د - وقال تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير) 111 البقرة. من خير كصلاة وصدقة لا يضيع الله ثوابكم. هـ وقال تعالى: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) 177 من سورة البقرة. (وآتى المال على حبه) أي أنفق المال مع أنه يرجو كثرته، ويشتاق لوفرته كما قال صلى الله عليه وسلم حينما سئل (أي الصدقة أفضل؟ أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، رواه البخاري وقيل: (على حبه) أي حب الله جل وعلا وطلب ثوابه، وابتغاء رضوانه (ذوى القربى) المحاويج، وقدمهم لأن إيتاءهم أفضل كما قال عليه الصلاة والسلام: (صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذوى رحمك اثنتان: صدقة وصلة) (والمسكين) الذى أسكتته الخلة، وأذلته الحاجة (وابن السبيل) المسافر سفر طاعة أو الضعيف (والسائلين) الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال، والطلب برفق، وقال عليه الصلاة والسلام: (للسائل حق وإن جاء على فرسه) (وفي الرقاب) في تخليص المأسورين الأذلاء، ومعاونة المدينين =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المكاتبين بالرق الموضوعين في سلاسل العبودية، أو فك الأسارى، أو ابتياع الرقاب لعتقها (وآتى الزكاة) أي المفروضة، والغرض من الأول بيان مصارفها، ومن الثانى أداؤها، والحث عليها، ويحتمل أن يكون المراد بالأول نوافل الصدقات أو حقوقا كانت في المال سوى الزكاة، وفي الحديث: (نسخت الزكاة كل صدقة) أهـ بيضاوى (البأساء) في الأموال كالفقر (والضراء) في الأنفس كالمرض (وحين البأس) وقت مجاهدة العدو (أولئك الذين صدقوا) في الدين، واتباع الحق وطلب البر (المتقون) عن الكفر وسائر الرذائل. قال البيضاوى: والآية كما ترى جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها دالة عليها صريحاً أو ضمنا، إنها بكثرتها وتشعبها منحصرة في ثلاثة أشياء: أولا: صحة الاعتقاد. ثانيا: حسن المعاشرة. ثالثا: تهذيب النفس، وأشير إلى الأول (من آمن بالله) وإلى الثانى (وآتى المال) وإلى الثالث (وأقام الصلاة) ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظراً إلى إيمانه واعتقاده، وبالتقوى اعتبارا بمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق وإليه أشار بقوله عليه الصلاة والسلام: (من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان) أهـ ص 57. و- وقال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) 61 من سورة التوبة. أي الزكوات لهؤلاء المعدودين دون غيرهم (الفقير) من لا مال له ولا كسب يقع موقعاً من حاجته، (والمسكين) من له مال أو كسب لا يكفيه (والعاملين عليها) الساعين في تحصيلها وجمعها (والمؤلفة قلوبهم) قوم أسلموا ونيتهم ضعيفة فيه فيتألف قلوبهم، وقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينه بن حصن والأقرع ابن حابس، والعباس بن مرداس لذلك وفك الرقاب (والغارمين) أي المدينين لأنفسهم في غير معصية، وفي غير إسراف وللصرف في الجهاد وشراء سلاح، وقيل: في بناء القناطر والمصانع والإنفاق على المتطوعة، وابتياع الكراع (وابن السبيل) المسافر المنقطع عن ماله. فصل: في قسم الزكاة كما قال الفقهاء في تعبيراتهم تدفع الزكاة لثمانية أصناف (الفقير) وهو الذى لا مال ولا كسب لائق يقع موقعاً من كفايته، بأن ينقص عن نصف ما يحتاجه كمن يحتاج إلى عشرة لا يملك، ولا يكسب إلا درهمين أو ثلاثة (والمسكين) وهو الذى يقدر على مال أو كسب، ولا يكفيه كما يحتاج إلى عشرة دراهم وعنده سبعة (والعامل عليها) كالساعى والكاتب لأموال الزكاة (والمؤلفة قلوبهم) وهم الذين أسلموا وإسلامهم ضعيف، أو كان قويا ولكن يتوقع بإعطائهم إسلام غيرهم (وفي الرقاب) وهم المكاتبون من الأ {قاء لغير المزكى كتابة صحيحه (والغارم) وهو الذى تداين دينا لنفسه، وحل الدين، ولا قدرة له على وفائه، وقصد صرفه في مباح أو صرفه فيه أو تداين لإصلاح ذات البين إن حل الدين، ولم يوفه من ماله، ولو كان غنياً أوتداين لضمان إن أعسر هو والمضمون (وفي سبيل الله) وهم الغزاة المتطوعون بالجهاد، وإن كانوا أغنياء إعانة على الجهاد (وابن السبيل) وهو المسافر مباحا من بلد الزكاة ولو مجتازاً إلى وطنه أو غيره فيعطى من مال الزكاة ما يوصله إلى مقصده إن احتاج، ويجب تعميم ما وجد من الأصناف الثمانية، وقال الزرقانى: يجوز دفع زكاة المال إلى ثلاثة، ويحرم على المالك مع عدم الإجزاء نقل الزكاة من محل وجوبها مع موجود المستحقين فيها، ولا يعطى منها كافر ولا رقيق ولا صبى ولا مجنون بل تعطى لوليهما. ولابنو هاشم والمطلب ولا غنى ولا من تلزم المزكى نفقته من أصل وفرع وزوجة ورفيق بصفة الفقراء والمساكين ويحرم على غير مستحقها أخذها ويحرم إعطاؤها له وأيضا يحرم إذا علم الدافع أن الأخذ يصرفها في معصية أهـ تنوير القلوب صحيفة 225. =

وقرى (¬1) الضيف دخل الجنة رواه الطبراني في الكبير، وله شواهد. 16 - وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يؤمن بالله ورسوله فليؤد زكاة ماله، ومن كان يؤمن بالله ورسوله فليقل حقا (¬2)، أو ليسكت (¬3)، ومن كان يؤمن بالله ورسوله ¬

= فصل في زكاة الماشية وهى الإبل والبقر والغنم، وأول نصاب الغنم أربعون وفيها شاة وهى جذعة ضأن لها سنة وطعنت في الثانية أو ثنية معز لها سنتان، وطعنت في الثالثة، ثم في مائة وإحدى وعشرين شاتان، وفى مائتين وواحدة ثلاث شياه، وفي أربعمائه أربع شياه، ثم في كل مائة شاة (وأول) نصاب البقر ثلاثون، وفيها تبيع له سنة، وفي أربعين مسنة لها سنتان، وطعنت في الثالثة، وفي ستين تبيعان فلا تغير الفرض بعد الأربعين إلا بزيادة عشرين، ثم يتغير بزيادة كل شعرة، ففى سبعين تبيع ومسنة، وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاثة أتبعة، وفى مائة: مسنة وتبيعان، وفي مائة وعشرة مسنتان وتبيع، وعلى هذا فقس (وأول) نصاب الإبل خمس وفيها شاة وفي عشرة شاتان، وفي خمسة عشر ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بنت مخاص من الإبل لها سنة، وطعنت في الثانية، وفي ستةوثلاثين بنت لبون لها سنتان، وطعنت في الثالثة، وفي ستة وأربعين حقه لها ثلاث سنين وطعنت في الرابعة، وفي إحدى وستين جذعة لها أربع سنين وطعنت في الخامسة، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ويتسع ثم كل عشر يتغير الواجب، ففى كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة ففي مائة وثلاثين بنتا لبون ويتسع ثم كل عشر يتغير الواجب، ففى كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين ثلاث حقاق، هكذا، ولو اتفق فرضان، ولا يكون ذلك إلا في الإبل والبقر وجب الأنفع منهما للمستحقين إن وجدا بماله ففى مائتى بعير يجب الأنفع من أربع حقاق وخمس بنات لبون، وفى مائة وعشرين بقرة يجب الأنفع من ثلاث حقاق، هكذا، ولو اتفق فرضان، ولا يكون ذلك إلا في الإبل والبقر وجب الأنفع منهما للمستحقين إن وجدا بماله ففى مائتى بعير يجب الأنفع من أربع حقاق وخمس بنات لبون، وفي مائة وعشرين بقرة يجب الأنفع من ثلاث مسنات وأربع أتبعة، وتجب الزكاة في الماشية بزيادة شرطين على مامر من الشروط العامة وهما (إسامة المالك) أو نائبه لها كل الحول مع علمه بأنها في ملكه بأن يرعاها في كلأ مباح ونحوه مما ليس مملوكا، وفي معناه مملوك قيمته يسيرة لا يعد مثلها كفلة في مقابلة نمائها (وأن تكون للنماء) أما المعدة للعمل فلا زكاة فيها وإذا اشترك اثنان مثلا من أهل زكاة في نصاب ماشية أو نقد أو غيرهما زكيا كواحد كما إذا خلطا جوارا، وكان كل من المراح والمسرح والراعى والمرعى والفحل والشرب وموضع الحلب، ونحو الحانوت، وموضع التجفيف لنحو التمر، وتخليص الحب، ومكان الحفظ واحداً. أهـ ص 221 تنوير القلوب. (¬1) أكرمه. (¬2) ينطق بالصواب، ويرشد إلى الحق، ويقول قولا يوافق آداب الشرع. (¬3) ليصمت ليحذر أن ينطق فيما يغضب ربه، فباللسان يدخل الجنة أو النار، ويمدح أو يذم، ويكرم أو يهان، قال الشاعر: ... الصمت زين والسكوت سلامة ... فإذا نطقت فلا تكن مكثارا ما إن ندمت على سكوتى مرة ... ولقد ندمت على الكلام مرارا وقال آخر: وانطق بحيث العى مستقبح ... واصمت بحيث الخير في سكتتك

فليكرم ضيفه (¬1). رواه الطبراني في الكبير. 17 - وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: أخبرنى بعملٍ يُدخلنى الجنة؟ قال: تعبد الله لا تُشرك به شيئاً (¬2)، وتقيم الصلاة (¬3) وتؤتى الزكاة (¬4)، وتصل الرحم (¬5). رواه البخاري ومسلم. 18 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دُلنى على عملٍ إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتى الزكاة المفروضة (¬6)، وتصوم رمضان. قال: والذى نفسى بيده لا أزيد على هذا (¬7)، ولا أنقص منه، فلما ولى (¬8) قال النبى صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة فلينظر إلى هذا (¬9). رواه البخاري. 19 - وعن عمرو بن مرة الجهنى رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ من قضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنى شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله (¬10): وصليت الصلوات الخمس، وصمت رمضان وقمته (¬11)، وآتيت الزكاة، فقال رسول الله ¬

(¬1) إكرام الضيف من الإيمان بالله لوجود الثقة بأنه تعالى يخلف وينفق على الجواد، ويعوض ما أنفق ويجلب الخير ويكسب السعادة ويبعد اللوم ويطرد البخل. قال تعالى: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). (¬2) توحده في ذاته وصفاته وأفعاله وتخلص له في عبادتك وترجو ثوابه وتخشى عقابه. (¬3) تؤديها كاملة. (¬4) تحافظ على أداء الزكاة الواجبة. (¬5) تحسن إلى قرابتك. قال الشيخ الشرقاوى: وخص هذه الخصلة نظرا إلى حال السائل كأنه كان قطاعا للرحم فأمر به لأنه المهم بالنسبة إليه، وعطف الصلاة، وما بعدها على سابقها من عطف الخاص على العام لشمول العبادة لها أهـ ص 58 جـ 2. (¬6) المفروضة. واحترز صلى الله عليه وسلم عن صدقة التطوع لأنها زكاة لغوية، وعاير بين الوصفين كراهة تكرار اللفظ. (¬7) أبلغ قومى ما سمعت لازيادة ولا نقص، وأحافظ على القيام بذلك. (¬8) أدبر. (¬9) أي إن داوم الأعرابى على فعل ما أمرته به دخل الجنة؛ وفيه أن المبشر بالجنة أكثر من عشرة كما ورد النص به في الحسن والحسين وأمهما وأمهات المؤمنين، فتحمل بشارة العشرة على أنهم بشروا دفعة واحدة أو بلفظ بشرة بالجنة، أو أن العدد لا مفهوم له أهـ شرقاوى. (¬10) آمنت بالله وبك، وعبدت الله بحق. (¬11) شغلت ليله كله في طاعة، وأكثرت من ذكر الله وتسبيحه والاستغفار، والصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم، وصليت نافلة تهجدا.

صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا من الصديقين (¬1) والشهداء (¬2). رواه البزار بإسناد حسن، وابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان، وتقدم لفظه في الصلاة. 20 - وعن عبد الله بن معاوية الغاضرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله علييه وسلم: ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وعلم أن لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبةً بها نفسه (¬3) رافدةً عليه كل عامٍ ولم يعط الهرمة (¬4)، ولا الدرنة، ولا المريضة، ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسئلكم خيره ولم يأمركم بشره. رواه أبو داود. (قوله: رافدة عليه) من الرفد، وهو الإعانة. ومعناه: أنه يُعطى الزكاة ونفسه تعينه على أدائها بطيبها وعدم حديثها له بالمنع. (والشرط): بفتح الشين المعجمة والراء: وهى الرذيلة من المال كالمسنة والعجفاء ونحوهما. (والدرنة): الجرباء. 21 - وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلمٍ. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 22 - وعن عبيد الله بن عميرٍ الليثي رضي الله عنه عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: إن أولياء الله (¬5) المصلون، ومن يقيم الصلوات ¬

(¬1) قوم أقل من الأنبياء منزلة وثوابا، وفي الغريب: قوم دون الأنبياء في الفضيلة. والصديق: من كثر منه الصدق،: وقيل بل يقال لمن لا يذكب قط، وقيل: بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق، وقيل لمن صدق بقوله واعتقاده، وحقق صدقه بفعله. قال تعالى: أ - (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبيا) قال: ب - (وأمه صديقة) وقال: جـ - (من النبيين والصديقين والشهداء) أهـ. (¬2) الشهيد المحتضر؛ فتسميته بذلك لحضور الملائكة إياه إشارةإلى ما قال: (تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التى كنتم توعدون) قال تعالى: (والشهداء عند ربهم لهم أجرهم) لأنهم يشهدون في تلك الحالة ما أعد لهم من النعيم، أو لأنهم تشهد أرواحهم عند الله أهـ. غريب. (¬3) راضية نفسه غير ساخطة ومعطية بسخاء وانشراح. (¬4) العجوز كبير السن المهزولة الضعيفة. قال تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) اقرأ ما قاله الفقهاء في ذلك. (¬5) الذين أحبهم وأخلصوا لله في عبادته.

الخمس التى كتبهن الله عليه، ويصوم رمضان، ويحتسب (¬1) صومه، ويُؤتى الزكاة محتسباً (¬2)، طيبةً بها نفسه، ويجتنب الكبائر؟ قال: تسع أعظمهن الإشراك بالله، وقتل المؤمن بغير حق، والفرار من الزحف (¬3)، وقذف المحصنة (¬4)، والسحر (¬5)، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت العتيق (¬6) الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتاً، لا يموت رجلٌ لم يعمل هؤلاء الكبائر، ويقيم الصلاة، ويؤتى الزكاة إلا رافق محمداً صلى الله عليه وسلم في بحبوحة جنةٍ أبوابها مصاريع الذهب. رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات، وفي بعضهم كلام، وعند أبى داود بعضه. (بحبوحة الجنة): بضم الباءين الموحدتين وبحاءين مهملتين: هو وسطها. 23 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك، ومن جمع مالا حراماً، ثم تصدق به لم يكن له فيه أجرٌ، وكان إصره (¬7) عليه. رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 24 - وعن زر بن حُبيشٍ أن ابن مسعودٍ رضي الله عنه كان عنده غلام يقرأُ في المصحف وعنده أصحابه، فجاء رجل يقال له حضرمة، فقال يا أبا عبد الرحمن: أي درجات الإسلام أفضل؟ قال: الصلاة. قال: ثم أىٌّ؟ قال: الزكاة. رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به. (قال المملى): وتقدم في كتاب الصلاة أحاديث تدل لهذا الباب، وتأتى أحاديث أخر في كتاب الصوم والحج إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) يطلب ثواب صومه من الله تعالى. (¬2) طالباً الأجر من ربه بعيدة عن الرياء. (¬3) يوم التحام صفوف المحاربين في سبيل نصر دين الله يفر هذا الجبان. (¬4) العفيفة المتزوجة الغافلة. (¬5) استعمال طلاسم الفرقة والأذى والضرر والربط، وتسخير الجن لأذى الإنسان. (¬6) المسجد الحرام تهتك فيه الحرمات والعروض وتفعل فيه الفواحش ويعمل فيه ما نهى الله عنه ويستعمل فيه الفسق والسرقة والغيبة تقال فيه والنميمة وهكذا من فعل المحارم. (¬7) ذنبه.

الترهيب من منع الزكاة، وما جاء في زكاة الحلي

الترهيب من منع الزكاة، وما جاء في زكاة الحلى 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب ذهبٍ، ولا فضةٍ لا يُؤدى منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفايح من نار فأُحمى عليها في نهار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أُعيدت له في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله (¬1) إما إلى الجنة، وإما إلى النار. قيل يا رسول الله: فالإبل؟ قال: ولا صاحب إبلٍ لا يؤدى منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاعٍ قرقرٍ أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلاً واحداً تطؤُهُ بأخفافها، وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أُولاها رد عليه أُخراها في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار. قيل يا رسول الله فالبقر والغنم؟ قال: ولا صاحب بقرٍ ولا غنمٍ لا يُؤدى منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاعٍ قرقرٍ أوفر ما كانت لا يفقد منها شيئا ليس منها عقصاءُ ولا جلحاء، ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤهُ بأظلافها كُلما مر عليه أولها رد عليه آخرها في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار. قيل يا رسول الله: فالخيل؟ قال: الخيل ثلاثة: هى لرجلٍ وزرٌ (¬2)، وهى لرجل سِترٌ (¬3)، وهى لرجل أجرٌ، فأما التى هى له وزرٌ: فرجلٌ ربطها رياءً وفخراً ونواءً (¬4) لأهل الإسلام فهى له وزرٌ، وأما التى هى له ستر: فرجل ربطها رياءً وفخراً ونواء لأهل الإسلام فهى له وزرٌ، وأما التى هى له سترٌ: فرجلٌ ربطها في سبيل الله، ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها، فهى له سترٌ، وأما التى هى له أجرٌ: فرجلٌ ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرجٍ (¬5) أو روضةٍ، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شئٍ إلا كُتب له عدد ما أكلت حسناتٌ، وكتب له عدد أروائها (¬6) وأبوالها حسنات، ولا تقطع طولها فاستنت شرفاً وشرفين إلا كتب له عدد آثارها وأرواثها ¬

(¬1) طريقه. (¬2) ذنب. (¬3) عز ورفعة. (¬4) غداء. (¬5) زروع ومراع. (¬6) ثفلها.

حسناتٌ، ولا مرَّ بها صاحبها على نهرٍ فشربت منه، ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله تعالى له عدد ماشربت حسناتٍ. قيل يا رسول الله: فالحمر؟ قال: ما أُنزل على في الحمر إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره. رواه البخاري ومسلم، واللفظ له، والنسائي مختصراً. 2 - وفي رواية للنسائى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجلٍ لا يُؤدى زكاة ماله إلا جاء يوم القيامة شجاعاً من نارٍ فيكوى بها جبهته وجنبه وظهره في يومٍ كان مقداره خمسين الف سنةٍ حتى يُقضى بين الناس. 3 - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من صاحب إبلٍ لا يفعل حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت وقعد لها بقاعٍ قرقرٍ تستنُّ عليه بقوائمها وأخفافها. ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت، وقعد لها بقاعٍ قرقرٍ فتنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها ليس فيها جماءُ، ولا منكسرٌ قرنها، ولا صاحب كنزٍ لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع يتبعه فاتحاً فاه، فإذا أتاه فرَّ منه، فيناديه خذ كنزك الذى خبأته فأنا عنه غنىٌّ، فإذا رأى أن لا بُدَّ له منه سلك يده في فيه فيقضمها قضم الفحل. رواه مسلم. (القاع): المكان المستوى من الأرض. (والقرقر): بقافين مفتوحتين، وراءين مهملتين: هو الأملس. (والظِّلف): للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس. (والعقصاء): هي الملتوية القرن. (والجلحاء): هى التى ليس لها قرن. (والعضباء): بالضاد المعجمة هى المكسورة القرن. (والطول): بكسر الطاء وفتح الواو، وهو حبل تشدّ به قائمة الدابة وترسلها ترعى، أو تمسك طرفه وترسلها. (واستنت): بتشديد النون. أي جرت بقوة. (شرفاً): بفتح الشين المعجمة والراء: أي شوطاً. وقيل: نحو ميل.

(والنواء) بكسر النون وبالمد: هو المعاداة. (والشجاع): بضم الشين المعجمة وكسرها هو الحية، وقيل: الذكر خاصة، وقيل: نوع من الحيات. (والأقرع): منه الذهب شعر رأسه من طول عمره 4 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحدٍ لا يُؤدى زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع حتى يُطوق (¬1) به عنقه، ثم قرأ علينا النبى صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية. رواه ابن ماجه، واللفظ له، والنسائي بإسناد صحيح، وابن خزيمة في صحيحه. 5 - وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض على أغنياء (¬2) المسلمين في أموالهم بقدر الذى يسع فقراءهم ولن يُجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا (¬3) إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله يُحاسبهم حساباً شديداً ويعذبهم عذاباً أليماً. رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وقال تفرد به ثابت بن محمد الزاهد. (قال الحافظ): وثابت ثقة صدوق روى عنه البخاري وغيره، وبقية رواته لا بأس بهم، وروى موقوفا على علىٍّ رضي الله عنه، وهو أشبه. 6 - وعن مسروقٍ رضي الله عنه قال: قال عبد الله: آكل الربا وموكله وشاهداه إذا علماه والواشمة والمؤتشمة، ولا وى الصدقة، والمرتدُّ أعرابياً بعد الهجرة ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. رواه ابن خزيمة في صحيحه واللفظ له، ورواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه عن الحارث الأعور عن ابن مسعود رضي الله عنه. (لاوى الصدقة): هو المماطل بها الممتنع عن أدائها. 7 - وروى الأصبهاني عن علىٍّ رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله ¬

_ (¬1) كذا ع ص 259، وفي ن د: يطوق على عنقه. (¬2) في ن د: الأغنياء (¬3) لم يجدوا ما يستر عورتهم

عليه وسلم آكل الربا، وموكله (¬1)، وشاهده، وكاتبه (¬2)، والواشمة (¬3) والمستوشمة (¬4) ومانع الصدقة، والمحلل (¬5) والمحلل له. 8 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلٌ (¬6) للأغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التى فرضت لنا عليهم، فيقول الله عز وجل: وعزتى وجلال لأدنينكم (¬7) ولأباعدنهم (¬8)، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم). رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وأبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب كلاهما من رواية الحارث ابن النعمان. قال أبو حاتم: ليس بقوىَ، وقال البخاري: منكر الحديث. 9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عُرض علىَّ أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة، وأول ثلاثةٍ يدخلون النار، فأما أول ثلاثة ¬

(¬1) آخذه ومعطيه: أي أبعده الله من رحمته وأقصاه من عطفه، وهذا مشاهد. (¬2) الذى يخط بيده عقد الاتفاق، وصك الأخذ. (¬3) واضعة الوشم، وهو المادة الزرقاء على الجسم. (¬4) كذا الموضوع عليها. والوشم: أن يغرز الجلد بإبرة، ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره أو بخضر وقد وشمت تشم وشماً فهى واشمة، والمستوشمة والمؤتشمة: التى يفعل بها ذلك أهـ نهاية. (¬5) هو أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا فيتزوجها رجل آخر على شريطة أن يطلقها بعد وطئها لتحل لزوجها الأول، وقيل: سمى محللا بقصده إلى التحليل كما يسمى مشتريا إذا قصد الشراء، وفي حديث بعض الصحابة لا أوتى بحال ولا محلل إلا رجمتهما، جعل الزمخشرى هذا الأخير حديثا لا أثرا، وفي هذه اللفظة ثلاث لغات: حللت وأحللت وحللت، وفيه (لعن الله المحلل له) وفي رواية: (المحل والمحل له) أهـ نهاية. (¬6) واد في جهنم، أو الحزن والهلاك والمشقة من العذاب، ومنه حديث أبى هريرة: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى يقول ياويله). (¬7) لأقربنكم من النعيم، ولأحفنكم برضاى. (¬8) قال تعالى (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون والذين هم فروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون) 19 - 35 من سورة المعارج. (هلوعا) شديد الحرص قليل الصبر (منوعا) يبالغ بالإمساك والأوصاف (حق معلوم) كالزكوات والصدقات المؤلفة للذى يسال والذى لا يسأل فيحسب نفسه غنياً فيحرم. وفي آيات الذاريات: (وفى أموالهم حق للسائل والمحروم) وصف المتقين يجودون بنصيب يستوجبونه على أنفسهم تقربا إلى الله وإشفاقا على الناس (للسائل والمحروم) للمستجدى والمتعفف الذى يظنه الناس غنيا فيحرم من الصدقة.

يدخلون الجنة، فالشهيد (¬1)، وعبدٌ مملوك أحسن عبادة ربه، ونصح لسيده (¬2)، وعفيفٌ متعففٌ (¬3) ذو عيالٍ، وأما أول ثلاثةٍ يدخلون النار فأمير مُسلط (¬4)، وذو ثروةٍ من مالٍ لا يؤدى حق الله في ماله، وفقيرٌ فخورٌ (¬5). رواه ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان مفرّقاً في موضعين. 10 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: أُمرنا بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومن لم يزك فلا صلاة له (¬6). رواه الطبراني في الكبير موقوفاً هكذا بأسانيد أحدهما صحيح، والأصبهاني. وفي روايةٍ للأصبهانى قال: من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فليس بمسلمٍ ينفعه عمله. 11 - وعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك بعده كنزاً مُثِّلَ له يوم القيامة شجاع (¬7) أقرع له زبيبتان يتبعه فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذى خلفت، فلا يزال يتبعه حتى يُلقمه (¬8) يده فيقضمها (¬9) ثم يتبعه سائر جسده، رواه البزاز وقال: إسناده حسن، والطبراني وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. 12 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الذى لا يؤدى زكاة ماله يُخيل إليه ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان قال: فيلزمه، أو يطوقه يقول: أنا كنزك. أنا كنزك. رواه النسائي بإسناد صحيح. (الزبيبتان) هما الزبدتان في الشدقين، وقيل: هما النكتتان السوداوان فوق عينيه، والشجاع تقدم. ¬

(¬1) الذى قتل في سبيل الله. (¬2) خادم أدى حقوق ربه وسيده، وكان أميناً صادقاً. (¬3) لا يسأل الناس؛ ويعتمد على الرازق سبحانه. ويعمل عملا، وله أولاد وزوجة. (¬4) حاكم ظالم جائر لم يخف الله في أوامره. (¬5) كذا ع ص 261، وفى ن د، ط: فقيه فخور، أي محتاج كثير الكبر والفخر والعظمة يتكبر على الناس. (¬6) لم تهذبه صلاته بإخراج الزكاة لأنها ناقصة. (¬7) كذا ع، وفى ن د: شجاعا. (¬8) يقرب ويحازى. (¬9) يأكلها بأطراف الأسنان. وقضم الناس هلكهم، ومنه احذروا القضم.

13 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من آتاهُ الله مالاً فلم يُؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه، يعنى شدقيه، ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية: (ولا يحسبن الذين يبخلون) الآية. رواه البخاري والنسائي ومسلم. 14 - وعن عمارة بن حزمٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعٌ فرضهن الله في الإسلام فمن جاء بثلاث لم يُغنين (¬1) عنه شيئاً حتى يأتي بهن جميعاً: الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت. رواه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعة، ورواه أيضاً عن نعيم بن زياد الحضرمى مرسلاً. 15 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتىَ بفرسٍ يجعل كل خطوةٍ معه أقصى بصره، فسار وسار معه جبريل عليه السلام، فأتى على قومٍ يزرعون في يومٍ، ويحصدون في يومٍ، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال ياجبريل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تُضاعف (¬2) لهم الحسنة بسبعمائة ضعفٍ، وما أنفقوامن شئٍ فهو يخلفه، ثم أتى على قومٍ ترضخ (¬3) رءُوسهم بالصخر كلما رُضخت (¬4) عادت كما كانت، ولا يُفتر عنهم (¬5) من ذلك شئ. قال: ياجبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تثاقلت (¬6) رءُوسهم عن الصلاة، ثم أتى على قومٍ على أدبارهم (¬7) رقاعٌ (¬8)، وعلى أقبالهم رقاعٌ ¬

(¬1) فى ن د: لم تغن: أي لم تسد ولم تكف: أي الأربعة أركان مشيدة قصر الإسلام الفخم فإن عدم واحدة انهدم قصره، وزال ركنه. (¬2) يضاعف خيراته وحسناته، ويبارك فيه. (¬3) ترمى. (¬4) دقت وكسرت، من المراضخة: المراماة بالسهم والرضخ: الشدخ، ورضخ: أعطى. (¬5) لا تحصل فترة وتخفيف، ولا يمنع عنهم هذا العمل بل يستمر. (¬6) أي كسلت وتباعدت، وعدوها ثقيلة. (¬7) ظهورهم، ومنه قوله تعالى: (ويولون الدبر) والدبر: ضد القبل، جمع أدبار: ضد أقبال: أي من مقدمه ومؤخره. (¬8) قطع بالية، وخرق مكتوب عليها تقصيره في حقوق الله كما ورد في النهاية في شرح: (يجئ أحدكم يوم القيامة وعلى رقبته رقاع تخفق) أراد بالرقاع ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع، وخفوقها حركتها أهـ والمعنى أن الله يسمهم بعلامات المقصرين، ويكشف ستره سبحانه، ويجعل منظرهم كئيبا ليتحسروا على ما فرطوا، ويندموا على ما قصروا في دنياهم فليعتبر الأغنياء كما قال صلى الله عليه وسلم: (رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) يريد صلى الله عليه وسلم حث المسلمين على الأعمال الصالحة، وتشييد مشروعات الخير بثمرات أموالهم لتنفع في أخراهم (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه).

يسرحون (¬1) كما تسرح الأنعام إلى الضريع (¬2)، والزقوم (¬3)، ورضف (¬4) جهنم. قال: ما هؤلاء ياجبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم، وما ظلمهم الله، وما الله بظلامٍ للعبيد (¬5). الحديث بطوله في قصة الإسراء وفرض الصلاة. رواه البزار عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أو غيره عن أبي هريرة. 16 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمعته منه، وكنتُ أكثرهم لزوما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تلف مالٌ في برٍّ ولا بحرٍ إلا بحبسِ (¬6) الزكاة. رواه الطبراني في الأوسط، وهو حديث غريب. 17 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) يمشون إلى جمع المال في الدنيا كما تمشى الماشية، والإبل إلى المراعى .. والمسارح: المواضع التى تسرح إليها الماشية للرعى، وفيه حديث أم زرع (له إبل قليلات المسارح كثيرات المبارك) استعمل النبى صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة يسرحون لخستهم يوم القيامة ودناءتهم وحقارتهم، وأنهم في الدنيا مثل الحيوانات يسعون لملء بطونهم وجيوبهم فيكنزون، ولا يعلمون خيراً كما قال تعالى في الكفار: (يأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) وهؤلاء أيضاً الذين لا يخرجون الزكاة ينالون عقابا مثلهم. (¬2) نبت بالحجاز له شوك كبار ويقال له الشيرق وفيه حديث أهل النار (فيغاثون بطعام من ضريع) قال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم: (هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغنى من جوع). (¬3) عبارة عن أطعمة كريهة في النار. قال تعالى: (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلى في البطون كغلى الحميم خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم إن هذا ما كنتم به تمترون إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم) سورة الدخان. (الأثيم): كثير الآثام، والمراد به الكافر (كالمهل): ما يمهل في النار ليذوب (خذوه) أيها الزبانية (فاعتلوه): فجروه إلى وسط النار، وقولوا له استهزاء به (ذق) تقريعاً على مكان يزعمه، ويقصر فى الزكاة (تمترون): تشكون في ثواب الإنفاق، وتمارون في عذاب الله. (¬4) حجارة محماة على النار واحدها رضفة. (¬5) الله سبحانه تنزه عن الظلم، وما هذا إلا جزاء ما كنزوا في دنياهم، وكانت آياته تعالى تتلى عليهم في بيان الإنفاق، وفضل الزكاة فيزيدون بخلا. (¬6) عدم إخراجها بسبب دمار البيوت العامرة.

مانع الزكاة يوم القيامة في النار. رواه الطبراني في الصغير عن سعد بن سنان، ويقال فيه سنان بن سعد عن أنس. مانع الزكاة يوم القيامة في النار 18 - وروى عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خالطت منه إلا أهلكته الصدقة، أو قالَ: الزكاةُ مالا إلا أفسدته رواه البزار والبيهقي. (وقال الحافظ): وهذا الحديث يحتمل معنيين: أحدهما أن الصدقة ما تُركت في مال ولم تخرج منه إلا أهلكته. ويشهد لهذا حديث عمر المتقدم: ما تلف مالٌ في برٍّ ولا بحرٍ إلا بحبس الزكاة. والثانى: أن الرجل يأخذ الزكاة وهو غنى عنها فيضعها مع ماله فتهلكه. وبهذا فسره الإمام أحمد، والله أعلم. 19 - وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ظهرت لهم الصلاة فقبلوها، وخفيت لهم الزكاة فأكلوها، أولئك هم المنافقون (¬1). رواه البزار. 20 - وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منع قومٌ الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين (¬2). رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات، والحاكم والبيهقى في حديث إلا أنهما قالا: ولا منع قومٌ الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ورواه ابن ماجه والبزار والبيهقى من حديث ابن عمر، ولفظ البيهقى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر المهاجرين (¬3) خصالٌ خمسٌ إن ابتليتم (¬4) بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة (¬5) في قومٍ قط حتى يُعلنوا بها إلا فشا ¬

(¬1) الكذابون المراءون الذين إسلامهم ناقص، وإيمانهم ضعيف. (¬2) القحط وشدة الأزمة والفقر ونزع البركة من المال والبنين، ومنه: (أعنى عليهم بسنين كسنى يوسف) التى ذكرها الله تعالى في كتابه (ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد) أي سبع سنين فيها قحط وجدب، ومنه: (اللهم أعنى على مضر بالسنة بقلب لامها تاء في أسنتوا: إذا أجدبوا. (¬3) يخاطب صلى الله عليه وسلم الذين انتقلوا من موطنهم إلى المدينة المنورة، وهاجروا لله ورسوله. (¬4) اختبرتم بهن. أىوحصلن في زمنكم، ثم طلب صلى الله عليه وسلم الاستعاذة منهن، والتحصن من وجودهن، والتفضل بإبعادهن عن أصحابه وأحبابه رضي الله عنهم، وقال ذلك ليعلم المسلمين أن يتجنبوهن. (¬5) الزنا وفعل السوء.

فيهم الأوجاع (¬1) التى لم تكن في أسلافهم ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين (¬2)، وشدة المؤنة، وجور السلطان (¬3)، ولم يمنعوا زكاة (¬4) أموالهم إلا منعوا القطر (¬5) من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله (¬6) إلا سلط عليهم عدوٌ من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم (¬7) بكتاب الله إلا جعل بأسهم (¬8) بينهم. 21 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله: خمسٌ بخمسٍ. قيل: يا رسول الله ما خمس بخمسٍ؟ قال: ما نقض قومٌ العهد إلا سلط (¬9) عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم (¬10) الموت، ولا منعوا الزكاة إلا حُبس عنهم القطر، ولا طفَّفُوا المكيال إلا حبس عنهم النبات وأُخذوا بالسنين. رواه الطبراني في الكبير وسنده قريب من الحسن وله شواهد. ¬

(¬1) الأمراض. سرح نظرك أيها المسلم في هذا العصر لترى أمراضا ما سمعها آباؤنا وأجدادنا الأقدمون رحمهم الله، وجاءت هذه الكوارث من إطلاق العنان للمرأة، والتبجح بكلمة حرية تغدو وتروح وتتبرج وتتزين، وتختلط بالأجنبى، وهناك الطامة الكبرى، والمصيبة العظمى، والعدوى بالأمراض المهلكة المدمرة وإنى أحمى قلمى أن يذكرها، وأدع عاقبة المجون، وهذه الدعارة للحوادث المشاهدة وشكوى الشباب المندفع في هذا السبيل بلا عقل، ولا خوف من الله تعالى، وبين الله تعالى في محكم كتابه قبح الزنا. قال تعالى (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا). أي لا تقدموا إلى فعلته بالعزم والإتيان بالمقدمات فضلا عن أن تباشروه (فاحشة) أي فعلة ظاهرة القبح زائدته إلى قطع الأنساب للنسل مهلكة للجسم مخلطة الأنساب (وساء سبيلا) وبئس طريقاً طريقه وهو الغضب على الإيضاع المؤدى إلى قطع الأنساب، وهيج الفتن. والزنا: وطء المرأة في غير عقد شرعى. قال تعالى (الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين). وزنا وزنؤ: حقن بوله. قال البيضاوى: إذ الغالب أن المائل إلى الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح والمسافحة لا يرغب فيها الصلحاء فإن المشاكلة علة للألفة والتضام، والمخالفة سبب للتفرقة والافتراق، والمعنى أن المؤمن يعد هذا حراما فلا يتشبه بالفسقة العصاة. (¬2) القحط والفقر. (¬3) ظلم الحاكم والتعدى، وشدة القوانين المضيقة على الحرية. (¬4) المفروضة وبخلوا. (¬5) لم ينزل مطر يمد الأنهار، ويسقى الزروع. (¬6) الاستقامة، وتوحيد الله، وعبادته بحق، والإيمان به وبرسله. (¬7) علماؤهم وقضاتهم وحكامهم يأتمرون بأوامر الله، وينفذون أحكامه. (¬8) أي سلط الله عليهم الشقاق والذلة، والفتن الداخلية وحروب بعضهم لبعض والغيبة والدس والكيد، والبأس: الشدة والمكروه (والله أشد بأساً وأشد تنكيلا) وقال تعالى: (بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون). (¬9) حفظ الإيمان. قال تعالى (وأوفا بالعهد إن العهد كان مسئولا). (¬10) حصدت أرواحهم الأمراض المختلفة.

(السنين): جمع سنة، وهى العام المقحط الذى لم تنبت الأرض فيه شيئاً سواء وقع قطر أو لم يقع. 22 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: لا يُكوى رجل بكنزٍ فيمس درهم درهماً، ولا دينارٌ ديناراً يوسع جلده حتى يوضع كل دينارٍ ودرهمٍ على حدته (¬1). رواه الطبراني في الكبير موقوفاً بإسناد صحيح. 23 - وعنه رضي الله عنه قال: من كسب طيباً (¬2) خبَّثَهُ (¬3) منع الزكاة، ومن كسب خبيثا (¬4) لم تطيبه الزكاة. رواه الطبراني في الكبير موقوفاً بإسناد منقطع. 24 - وعن الأحنف بن قيس رضي الله عنه قال: جلست إلا ملإ من قريشٍ فجاء رجلٌ خشنُ الشعر والثياب والهيئة حتى قام عليهم فسلم، ثم قال: بشر الكانزين برضفٍ يحمى عليه في نار جهنم، ثم يوضع على حلمة ثدى أحدهم حتى يخرج من نُغضِ (¬5) كتفه، ويوضع على نُغضِ كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه (¬6) فيتزلزل، ثم ولى فجلس إلى سارية، وتبعته وجلست إليه، وأنا لا أدرى من هو، فقلت: لا أرى القوم إلا قد كرهوا الذى قلت. قال: إنهم لا يعقلون شيئاً قال لي خليلى. قلت: من خليلك؟ قال النبى صلى الله عليه وسلم: أتبصر أحداً (¬7)؟ قال: فنظرت إلى الشمس ما بقى ¬

(¬1) المعنى أن الله تعالى يكبر جسمه حتى يضع كل درهم على جلده فيسعه ليذوق عذاب ناره. (¬2) حلالا. (¬3) نجسه، وجلب على نفسه العذاب. (¬4) حراما من وجوه غير شرعية كالسرقة والرشوة والغش والخداع وهكذا. (¬5) أعلى الكتف، وقيل: هو العظم الرقيق الذى على طرفه بفتح النون وضمها، وكذا الناغض. (¬6) كذا ع ص 264، وفى ن د ثدييه. (¬7) جبل عظيم، لم يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوجد عنده مثل هذا الجبل؛ ولو وجد لأنفقه كله في الخير، ولم يبق إلا ثلاثة دنانير يرصدها لانتظار فعل الخير. شرح قوله صلى الله عليه وسلم (لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء). الدليل من كتاب الله تعالى على أن منع الزكاة والصدقات يزيل النعم، ويخرب الديار العامرة، وكذا المن والرياء. =

من النهار، وأنا أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرسلنى في حاجةٍ؟ قلت: نعم ¬

_ = أريد أن أسرد عليك حوادث صحيحة مرت على قوم كانوا في بحبوحة العيش ورغده، وهناءة الضمير، وسعة الرزق، ووفرة المال، ولكن أصابهم البخل، وحفهم الشح، فضيعوا حقوق الفقراء، ومنعوا الزكاة وحرموا المساكين، أو جادوا للرياء والسمعة والمن، ولم يقصدوا وجه الله في إنفاقهم: أولا: بستان لرجل صالح منفق، وكان ينادى الفقراء وقت الجنى، وقطع الثمرة، ويترك لهم ماأخطأه المنجل، وألقته الريح، أو يجمع ثمر النخل، ويترك لهم ما يبسط تحت النخلة، فيجتمع لهم شئ كبير، فلما مات قال بنوه: إن فعلنا ما كان يفعله أبونا ضاق علينا الأمر فحلفوا ليقطعنها وقت الصباح خفية عن المساكين. قال تعالى: (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذا أقسموا ليصرمنها مصبيح 18 ولا يستثنون 19 فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون 20 فأصبحت كالصريم 21 فتنادوا مصبحين 22 أناغدوا على حرثكم إن كنت صارمين 23 فانطلقوا وهم يتخافتون 24 أن لا يدخلنا اليوم عليكم مسكين 25 وغدوا على حرد قادرين 26 فلما رأوها قالوا إنا لضالون 27 بل نحن محرمون 28 قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون 29 قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين 30 فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون 31 قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين 32 عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون 33 كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) 34 سورة ن. قال البيضاوى يريد الذى كان دون صنعاء بفرسخين أهـ (إنا بلوناهم) أي اختبرنا أهل مكة - شرفها الله تعالى - بالقحط، لأن المشركين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم الوليد بن المغيرة أو الأخنس بن شريق، وفيه قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم) الآيات (ولا يستثنون) ولا يقولون إن شاء الله، ولا يستثنون حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم، فمر عليها بلاء، فأصبحت كالبستان الذى قطع ثمره، بحيث لم يبق فيه شئ وقد بكروا يتشاورون فيما بينهم، وعزموا أن ينكدوا على الفقراء، فنكد عليهم، بحيث لا يقدرون إلا على النكد، أو غدوا حاصلين على النكد والحرمان ومكان كونهم قادرين على الانتفاع، وقيل الحرد الحنق أي لم يقدروا إلا على حنق بعضهم لبعض، وقيل الحرد: القصد والسرعة، قال الشاعر: أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغلة أي غدوا قاصدين إلى جهنم بسرعة قادرين عند أنفسهم على صرامها، وقيل علم للجنة. أقروا ببخلهم (إنا لضالون) حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا (طاغين) متجاوزين حدود الله تعالى ثم تابوا إلى الله تعالى، واعترفوا بذنبهم (عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها) قيل نفعت التوبة، فعفا عنهم سبحانه وأبدلهم خيراً منها. تبنا إلى الله، اللهم ارزقنا التوفيق والسعادة إنك غفور رحيم. (كذلك العذاب) يشير الله تعالى إلى أن المعاصى سبب النقم والقحط والجوع وشدة الأزمة في الدنيا، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: (حصنوا أموالكم بالزكاة)، وقال تعالى: (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم 35 افنجعل المسلمين كالمجرمين 36 ما لكم كيف تحكمون 37) سورة ن. أي للصالحين في الآخرة، أو في جوار القدس جنات ليس فيها إلا التنعيم الخالص، وأن الله تعالى يضع القناعة والرضا في قلوب الصالحين في الدنيا، فيشعرون بسعادة الحياة، فتنشح صدورهم فرحين مسرورين. الدليل الثانى: رجلان أخوان من بنى إسرائيل: الأول كافر واسمه قطروس. والثانى مؤمن واسمه يهوذا، ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطرا فاشترى الكافر بها ضياعا وعقارا، وصرفها المؤمن =

قال: ما أُحب أن لى مثل أحُدٍ ذهباً أُنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، وإن هؤلاء لا يعقلون ¬

_ = في وجوه الخير، فضاع مال الأول وذهب سدى، وبقى الثانى مباركا ينفعه وينفع ذريته، قال تعالى: (واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا. كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً، وفجرنا خلالهما نهراً، وكان له ثمر، فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفراً ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيراً منها منقلباً. قال له صاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفراً ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيراً منها منقلباً. قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا. لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحدا. ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا. فعسى ربى أن يؤتين خيراً من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيداً زلقا، أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا، وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها، ويقول ياليتنى لم أشرك بربى أحداً ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً. هنالك الولاية لله الحق هو خير ثواباً وخير عقبا) 32 - 44 سورة الكهف. بساتين كروم ونخل بينهما زرع جامع للأقوات والفواكهة متواصل العمارة على الشكل الحسن، والترتيب الأنيق يدون شربهما بنهر يزيد بهاءهما، وقد أخذ الغرور صاحبهما وضرهما بعجبه وكفره وبخله، وطال أمله ونسى ربه وتمادى في غفلته واغتراره بمهلته (ما أظن أن تبيد هذه أبداً) فنصحه المسلم أن الله عدلك وكملك (ثم سواك رجلا) جعل كفره بالبعث كفراً بالله تعالى ولذلك رتب الإنكار على خلقه إياه من التراب فإن من قدر على بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه كأنه قال: أنت كافر بالله، ولكنى مؤمن بالله أي شئ شاء الله كان ولا قوة إلا بالله فيجب عليك أن تعترف بتعجز نفسك، وتكل الأمر والقدرة لله وأن ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها فبمعونته وإقداره. وعن النبى صلى الله عليه وسلم: (من رأى شيئا فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره). واعترف المسلم بالعجز، وسلم لله، ورجا من الله خيراً من جنة الكافر في الدنيا، وتوقع أن تفنى جنة الكافر (وأحيط بثمره) لا حول ولا قوة إلا بالله زال هذا النعيم في لحظة، وأهلك أمواله حسبما توقعه صاحبه، وأنذره منه وسقطت عروشها وكرومها على الأرض، فتذكر موعظة أخيه، وتمنى عدم إشراكه، فلا يهلك الله بستانه، ولا أحد يدفع الإهلاك عنه سوى الله الواحد الأحد، ولله النصرة وحده لا يقدر عليها غيره، وعاقبة النعيم الباقى لأوليائه وأحبابه، وله تعالى السلطان والملك، ولا يعبد غيره سبحانه، آمنا به وبرسله فاللهم وفقنا لنعمل. الدليل الثالث: رجل مبتل بالفخفخة، وحب الثناء، ويميل إلى مدح الناس، ويحب الظهور، ويعمل رياء ويتصدق ويمن فلا ينفع عمله، ولا تقبل صدقاته، وماله يذهب بلا فائدة. قال تعالى: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) 266 البقرة. وشاهدنا وجود النعم مع كبر السن لا يحفظها إلا العمل لله لتبقى والهمزة فيه للإنكار: أي لا يحب وجود حديقة فيها أنواع الأشجار المثمرة ترعرعت وأينعت وازهرت مع كبر سنه، ووجود صغار لا قدرة لهم على الكسب، وإن الفاقة والعالة في الشيخوخة أصعب، والإعصار: ريح عاصفة تنعكس من الأرض إلى السماء مستديرة كالعمود. والمعنى تمثيل حال من يفعل الأفعال الحسنة ويضم إليها حب الرياء والإيذاء في الحسرة والأسف، فإذا كان يوم القيامة، واشتدت حاجته إليها وجدها محيطة بحال من هذا شأنه، وأشبههم به من حال بره في عالم الملكوت، وترقى بفكره إلى جناب الجبروت، ثم نكص على عقبيه إلى عالم الزور، والتفت إلى ما سوى الحق، وجعل سعيه هباء منثوراً (تتفكرون) رجاء أن تعتبروا بها أهـ بيضاوى. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أي له جنة جامعة للمثار فبلغ الكبر، وله ذرية ضعفاء، والجنة معاشهم فهلكت بالصاعقة أهـ نسقى. وقيل هذه الآية بين الله تعالى مضاعفة الثواب. وزيادة النعم للمنفق ابتغاء وجهه الكريم لا يقصد سوى رضاه، ولايحب الرياء العامل بقوله تعالى (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوات عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدى القوم الكافرين) 264 البقرة. أي رد جميل، وتجاوز عن السائل وإلحاحه، أو نيل المغفرة من الله بالرد الجميل أو عفو من السائل بأن يعذر، ويغتفر رده (والله غنى) عن إنفاق بمن وأذى (حليم) عن معالجة من يمن ويؤدى بالعقوبة، ومثل المرائى في إنفاقه كحجر أملس لم يؤثر فيه نزول المطر، وتركه المطر أملس نقياً من التراب، وفيه تعريض بأن الرياء والمن والأذى على الإنفاق من صدقات الكافرين، والله لا يهديهم إلى الخير والرشاد، ولابد للمؤمن أن يتجنب عنها، وإن شاهدنا (وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار) ما جاء التلف إلى هذه الحديقة الغناء إلا لعصيان الله من بخل وأذى ورياء، فبدل الله نعمته نقمة، وغناه فقرأ، ويسره عسراً، وأصابه الكبر ولم يقيد هذا الخير بطاعة الله وأداء زكاة ماله وطغى وتجبر، وعلى عباد الله تكبر، وورم أنفه؛ ومشى ببطء وبطر وبغى على قومه، وحكى الله تعالى عن العلماء الناصحين قارون ذا المال الكثير: (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين 77 وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) 78 سورة القصص. ماذا أصاب هذا الطاغية؟ إن الله حكى عنه: (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين. وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح. تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلُوَّا في الأرض ولا فسادًاوالعاقبة للمتقين من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) 85 القصص. (علوا): غلبة وقهرا (فساداً) ظلماً وشحاً (خير منها) ذاتاً وقدرا ووصفا. روى أن قارون كان يؤذى موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه لقرابته حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف على واحد فحسبه فاستكثره، فعمد إلى أن يفضح موسى بين بنى إسرائيل ليرفضوه، فبرطل بغيا لترميه بنفسها، فلما كان يوم العيد قام موسى خطيباً: فقال: من سرق قطعناه، ومن زنى غير محصن جلدناه ومن زنى محصناً رجمناه، فقال قارون: ولو كنت؟ قال: ولو كنت. قال: إن بنى إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فأحضرت، فناشدها موسى عليه السلام بالله أن تصدق، فقالت: جعل لى قارون جعلا أن أرميك بنفسى، فخر موسى شاكياً منه إلى ربه، فأوحى إليه أن مر الأرض بما شئت، فقال: ياأرض خذيه فأخذته إلى ركبتيه، ثم قال: خذيه فأخذته إلى وسطه، ثم قال: خذيه فأخذته إلى عنقه، ثم قال: خذيه فخسفت به، وكان قارون يتضرع إليه في هذه الأحوال فلم يرحمه، فأوحى الله إليه ما أفظعك استرحمك مرارا فلم ترحمه؛ وعزتى وجلالى لو دعانى مرة لأجبته، ثم قال بنو إسرائيل: إنما فعله ليرثه، فدعا الله تعالى حتى خسف بداره وأمواله. (وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون) حلت هذه المصيبة بقارون لأنه لم يزك، وهذا عنوان ما نبغيه، والله أعلم، ولو اتقى الله قارون =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأخرج الزكاة كأمر نبيه عليه السلام، دام ذكره، وحسن حاله، وأثمر ماله وزها فعله، ولكن بخل في الخير، وشح في حقوق الله مسكنه وماله في باطن الأرض، وهذا شرع الله لدن آدم. قال تعالى: (واذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذى القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون) 84 سورة البقرة. إخبار بمعنى النهى (ثم توليتم) على طريقة الالتفات، ولعل الخطاب مع الموجودين منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قبلهم على التغليب: أي أعرضتم عن الميثاق ورفضتمون (إلا قليلا) يريد به من أقام اليهودية قبل النسخ، ومن أسلم منهم، وقبل هذه الآية ذكر الدستور ما حكاه عن اليهود (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلفالله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) 83 من سورة البقرة. فأنت تجد دستور الله ونظامه، وعدله في مادتين: أولا: المذنب يعاقب بالنار. ثانياً: المؤمن الذين عمل صالحاً ينعم بالجنة، وهذا هو ميثاق الله للأنبياء ليعلموها الناس، وتجد فيه الأمر بالزكاة، واتفقت الأديان والشرائع على أن الإحساس مصدر الخير ومعين البر وقد أرسل الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأقام الحجة على أشرار قومه وضلالهم في اتخاذ الأصنام من دون الله ووجه سؤالهم إلى الله تعالى المالك المعطى، قال تعالى: (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون 17) أي الخير والشر وتميزون بين النافع والضار (إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لايملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) 18 من سورة العنكبوت، أمرهم سيدنا إبراهيم بثلاثة: أ - اطلبوا من الغنى الكريم الرزق. ب - اخلصوا في طاعته سبحانه. جـ - احمدوه وأثنوا عليه متوسلين إلى مطالبكم بعبادته مقيدين لما حفكم من النعم بشكره أو مستعدين للقائه بحسن العبادة والشكر، وإن شاهدنا (واشكروا له) لتدون النعم ويكثر الخير، وتزداد البركة وهكذا طلب سيدنا إبراهيم عليه السلام، وكثيراً ما رأينا أسراً غنية مات عائلها فورث أبناؤه المال فأنفقوه في الملذات وأسرفوا وبذروا حتى فنى كما قال تعالى: (وأحيط بثمره)، (فأصابها إعصار) ولقد بحثت عن سبب ذلك فوجدت صاحبه كان غير مزك. الدليل الرابع: البخيل يذمه الله، كما أن المرائى بالإنفاق يبغضه الله وقائدهما الشيطان، وهما مخالفان لأمر الله تعالى، ومالهما لا يبقى ولا ينفع الذرية، وهو عرضة للزوال، قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا. الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله، وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً. والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً. وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله، وكان الله بهم عليما. إن الله لايظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيما) 40 من سورة النساء (والجار ذى القربى) الذى قرب جواره، وقيل الذى له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (والجار الجنب) البعيد والذى لا قرابة له، وعنه عليه الصلاة والسلام: (الجيران ثلاثة: فجار له ثلاث حقوق حق الجوار، وحق القرابة، وحق الإسلام. وجار له حقان: حق الجوار، وحق الإسلام. وجار له حق واحد: وهو المشرك من أهل الكتاب) (والصاحب بالجنب) أي الرفيق في أمر حسن كتعلم وتصرف وصناعة وسفر فإنه صحبك وحصل بجنبك، وقيل المرأة (وابن السبيل) المسافر أو الضيف (وما ملكت أيمانكم) العبيد والإماء والخدم (إن الله لا يحب من كان مختالا) أي يكره كل متكبر بخيل يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه ولا يلتفت إليهم ولا يساعدهم ولا يمدهم بخيراته وإحسانه (فخورا) كثير الكلام معجباً بنفسه. غناء لشرهه وشهواته، ويتفاخر عليهم (من فضله) الغنى والعالم يضن بالإنفاق والإرشاد (وأعتدنا للكافرين) قال البيضاوى: وضع الظاهر فيه موضع المضمر إشعارا بأن من هذا شأنه فهو كافر لنعمة الله ومن كان كافرا لنعمة الله فله عذاب يهينه كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء، والآية نزلت في طائفة من اليهود كانوا يقولون للأنصار تنصيحاً لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر، وقيل في الذين كتموا صفة محمد عليه الصلاة والسلام أهـ بيضاوى ص 138 ومن يقتدى بهم مثلهم. (والذين ينفقون) عطف على الذين يبخلون أو الكافرين، وإنما شاركهم في الذم أو الوعيد لأن البخل والسرف الذى هو الإنفاق على ما لا ينبغى من حيث إنهما طرفا إفراط وتفريط سواء في القبح واستجلاب الذم (ولا يؤمنون بالله) لم يتحروا بالإنفاق ثواب الله، ولم يرجوا مراضيه، وهم مشركو مكة، وقيل المنافقون، وإن الشيطان قائدهم فحملهم على ذلك وزينه لهم، وأن فعلهم عن طريق الخير، والله يضاعف الثواب ويهب النعم ويعطى صاحبها على سبيل التفضل من عنده عطاء جزيلا وخيراً كثيراً. فأنت تجد أمر الله بالإحسان بعد توحيده، والاعتقاد بوجوده، وينهى عن البخل والرياء وهما خلتان مدمرتان القصور الشامخة، ومخربتان البيوت العامرة (فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) قرآن كريم، قال تعالى: (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير. هم درجات عند الله والله بصير بما تعملون) 164 من سورة آل عمران: أي من أطاع الله كما أساء ورجع بالمعاصى، والناس ذوو درجات عند الله لما بينهم من التفاوت في الثواب والعقاب، وهو سبحانه عالم بأعمالهم ودرجاتها صادرة عنهم، فيجازيهم على حسبها، والله سبحانه وتعالى أعلم، اللهم وفقنا. الدليل الخامس: رجل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء جماعة حتى لقب بحمامة المسجد ولكن بخل بماله فعد من المنافقين. قال الصاوى: كان أولا صحابيا جليلا ملازما للجمعة والجماعة والمسجد، ثم رآه النبى صلى الله عليه وسلم يسرع بالخروج أثر صلاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تفعل فعل المنافقين؟ فقال: إنى افتقرت ولى ولامرأتى ثوب أجئ به للصلاة ثم أذهب فأنزعه لتلبسه وتصلى به، فادع الله أن يوسع في رزقى أهـ. قال الله تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولو وهم معرضون فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله، والله لا يهدى القوم الفاسقين) من سورة التوبة قال البيضاوى: نزلت في ثعلبة بن حاطب أتى النبى صلى الله عليه وسلم، وقال: ادع الله أن يرزقنى =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مالا، فقال عليه الصلاة والسلام: ياثعلبة قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه فراجعه وقال: والذى بعثك بالحق لئن رزقنى الله مالا لأعطين كل ذى حق حقه، فدعا له فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة فنزل واديا، وانقطع عن الجماعة والجمعة، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقيل: كثر ماله حتى لا يسعه واد، فقال: ياويح ثعلبة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقين لأخذ الصدقات فاستقبلهما الناس بصدقاتهم، ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه الكتاب الذى فيه الفرائض، فقال: ماهذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية فارجعا حتى أرى رأيى فنزلت، فجاء ثعلبة بالصدقة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: إن الله منعنى أن أقبل منك، فجعل يحثو التراب على رأسه، فقال، هذا عملك قد أمرتك فلم تطعنى فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بها إلى أبى بكر رضي الله تعالى عنه فلم يقبلها، ثم جاء بها إلى عمر رضي الله تعالى عنه في خلافته فلم يقبلها، وهلك في زمان عثمان رضي الله عنه أهـ. أرأيت ثعلبة، وكان فقره نعمة، يؤدى الصلاة مع خير الخلق صلى الله عليه وسلم، فيلح ويطلب دعوة صالحة فيقول له صلى الله عليه وسلم: (أما لك في أسوة حسنة، والذى نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معى ذهباً وفضة لسارت) (بخلوا به) منعوا حق الله منه (وتولوا) بعدوا عن طاعة الله، فجعل الله عاقبة فعلهم ذلك نفاقا، وسوء اعتقاد في قلوبهم - ويجوز أن يكون الضمير للبخل - والمعنى فأورثهم البخل نفاقا متمكنا في قلوبهم إلى يوم يلقونه جزاء أعمالهم بسبب إخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح، وبكونهم كاذبين مخلفى الوعد (سرهم) ما أضمروه، وأسروه في نفوسهم (ونجواهم) وما يعلنون به فيما بينهم من المطاعن أو تسمية الزكاة جزية أهـ. وهنا ذكر البيضاوى وغيره موازنة ما يؤيد أن الزكاة تعمر البيوت، وتزيد المال، وعدم إخراجها دمار شارحا قوله تعالى: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات). روى أنه صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف وقال: كان لى ثمانية آلاف درهم فأقرضت ربى أربعة، وأمسكت لعيالى أربعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أعطيت، وفيما أمسكت، فبارك الله له حتى صولحت إحدى امرأتيه عن نصف الثمن أي على ثمانين ألف درهم، وتصدق عاصم بن عدى بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل الأنصارى بصاع تمر، فقال: بت ليلتى أجر بالجرير (أي الحبل) على صاعين فتركت صاعا لعيالى وجئت بصاع فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره على الصدقات، فلمزه المنافقون (أي لاموه وعرضوا به ورموه بالجبن والإسراف) وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصما إلا رياء، ولقد كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبى عقيل، ولكنه أحب أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات فنزلت: (والذين لا يجدون إلا جهدهم) أي إلا طاقتهم (فيسخرون منهم) يستهزئون بهم (سخر الله منهم) أي جازاهم على سخريتهم، وعاقبهم بالفقر والخزى، والذل في الدنيا، وفى الآخرة بدخول جهنم. هذه تعاليم الإسلام يتصدق سيدنا عبد الرحمن بنصف ماله ثقة بالله، وبانتظار ثوابه، ومضاعفة خيراته ولقد نما ماله، وزاد خيره حتى ورثت إحدى زوجاته نصف الثمن على ثمانين ألف درهم. ما شاء الله. (8 × 80000 = 640000 درهم: أي 700 جنيه) رأس مال سيدنا عبد الرحمن عند موته ستمائة وأربعون ألف درهمورأيت ذلك الزارع المسكين الذين يقضى طيلة ليله في جر الحبل، وتصدق بصاع نصف أجره، وقبله النبى صلى الله عليه وسلم صدقة. لماذا؟ ليعلمه النبى صلى الله عليه وسلم حب الخير، وانتظار سعة الله، وزيادة رزقه، ومشاركة المسلمين في الفتح، وأن يضرب معهم بسهم في الغزو =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ويعطى درس سخاء للمسلمين أن يجودوا ولو قل مالهم، ليكثر الله عليهم من نعمه، ويقيهم شر البخل الذى طرد ثعلبة من رحمة الله. إذا كنت في نعمة فارعها ... فإن المعاصى تزيل النعم ماذا أفاد قارون وثعلبة بعد موتهما، وقانون الله العام في محكمة كتابه: (واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة، وفى الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابى أصيب به من أشاء ورحمتى وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف ويناهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون) 157 من سورة الأعراف. الخبائث. الدم ولحم الخنزير والربا والرشوة وطلب بنو إسرائيل. اللهم ابعث لنا حسن معيشة، وتوفيق طاعة، ونعمة الحياة والرخاء، وهناءة العيش وصحة البدن سبحانك تبنا إليك، فأجاب الله تعالى (رحمتى) للمؤمن والكافر، ولكن يدون نعيمها، ويكثر خيرها في الدنيا والآخرة لاثنين: أولا: المؤمن الذى يخاف الله، ويجتنب الكفر، ويبعد عن المعاصى. ثانيا: المؤمن الذى يزكى، ويؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إن أدركه. ومضمون الآية جواب دعاء موسى عليه السلام، وأن الذى الذى أصاب المسلمين الآن سببه بخل الأغنياء، وشح الموسرين، فأين إنشاء المدارس، وتشييد دور العلم، وإقامة المعاهد والمصانع، وإدارة المتاجر ووجود المشاقى والملاجئ، وتشجيع مشروعات الخير. سرح نظرك نحو أوربا وأمريكا تجد تاريخ الأبطال مملوء بالأعمال الجسام، والوقف على أعمال البر بالآف الجنيهات فسادوا وملكوا واستعمروا وفازوا بالمخترعات الحديثة، وعاش أبناؤهم في رغد العيش وعز النفس: كما مات قوم وما ماتت مكارمهم ... وعاش قوم وهم في الناس أموات والله تعالى رغب في الانفاق لتدوم سعادة الحياة، وكثيراً ما ذكر صفات المؤمنين وكرر: أ - في سورة القصص (ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون). ب - في سورة الشورى (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) وعرف العقلاء أن متاع الدنيا فان منقض، ونعيم الله باق في الدنيا والآخرة. قال تعالى: (وما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون. أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين) 61 من سورة القصص. الوعد الحسن بالجنة وهو مدركه لا محالة لامتناع الخلف في وعده سبحانه، ومتاع الدنيا مشوب بالآلام مكدر بالمتاعب مستعقب بالتحسر على الانقطاع، ويحضر صاحب النعمة ليسأل عنها فيما أفناها (لتسألن يومئذ عن النعيم). وقال تعالى: (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين) 45 سورة المدثر. وقال تعالى: (أرأيت الذى يكذب بالدين، فذلك الذى يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين). 3 سورة الماعون: أي يدفع اليتيم دفعاً عنيفاً، ولا يحسن إليه، ولا يحث أهله على الصدقة لعدم اعتقاده بالجزاء. قال تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون: ويمنعون الماعون) 7 سورة الماعون. قال البيضاوى: أي الزكاة وما يتعاود في العادة والفاء للجزاء والمعنى إذا كان عدم المبالاة باليتيم من ضعف الدين والموجب للذم والتوبيخ فالسهو عن الصلاة التى هى عماد الدين والرياء الذى هو شعبة من الكفر، ومنع الزكاة التى هى فطرة الإسلام أحق بذلك أهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (يدع اليتيم) هو أبو جهل كان وصيا ليتيم فجاءه عريانا يسأله من مال نفسه فدفعه، أو أبو سفيان: نحر جزوراً فسأله يتيم لحماً فقرعه بعصاه، أو الوليد بن المغيرة، أو منافق بخيل: وشاهدنا واد في جهنم (ويل) لمانعى الزكاة البخلاء فقد جعل الله مأواهم جهنم لم ينفقوا في طاعة الله ولم يحسنوا في حياتهم إلى الفقراء. إن الله تعالى جعل الإنفاق في الخير من صفات المؤمنين. قال تعالى: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين 1 إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون 2 الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون 3 أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) 4 من سورة الأنفال. أي ابتعدوا أيها المؤمنون عن الاختلاف والمشاجرة، وخافوا الله في أداء أعمالكم وواسوا أقرباءكم ومدوهم بالمساعدة وأعينوهم (وأصلحوا ذات بينكم). قال البيضاوى: الحال التى بينكم المساواة والمساعدة فيما رزقكم الله وتسليم أمره إلى الله والرسول: أي إن كنتم كاملى الإيمان، وكمال الإيمان بهذه الثلاثة: أ - طاعة الأوامر. ب - الاتقاء عن المعاصى. جـ - إصلاح ذات البين بالعدل والإحسان، وتلك شاهدنا الزكاة تعمر البيوت بالألفة والمودة، والبخل مدمر وباعث الشقاق ومرسل الكدر ومحرك الضغائن وموقد العداوة ومزيل راحة الضمير وهناءة البال. ثم قصر سبحانه وتعالى صفات المؤمنين: أولا: فزع القلوب لذكر الله استعظاما له، وتهيباً من جلاله، ولا تقدم على معصية خشية لله. ثانيا: زيادة الإيمان بسماع القرآن، واطمئنان النفس به، ورسوخ اليقين بربه، وتوطيد العزيمة على العمل بموجبه. ثالثا: يفوض المؤمنين الأمر إليه سبحانه، ولا يخشون ولا يرجون إلا إياه. رابعا: يقيمون الصلاة. خامسا: ينفقون من كسب حلال، هؤلاء حققوا إيمانهم بأن ضموا إليه مكارم أعمال القلوب من الخشية والإخلاص والتوكل ومحاسن أفعال الجوارح التى هى العيار عليها من الصلاة والصدقة. وإن الله كافأهم: أ - بدرجات الجنة يرتقونها بأعمالهم ولهم كرامة وعلو منزلة عند الله. ب - محو ذنوب ما فرط منهم. جـ - أعد لهم في الجنة نعيما لا ينقطع عدده ولا أمده مسكين أيها الإنسان تسعى وتجاهد وتجالد في حياتك ودنياك مشوبة بهموم وأكدار، فهل لك أن تمحص خصال المؤمنين وتتفقدها فيك وتجتهد أن تتخلى بها وتعمل عسى أن يصيبك هذا الجزاء الصادر من الكريم الحليم الذى لا تنفد خزائنه، ولا يجم معين فيضه وفضله، وقد جعل سبحانه وتعالى الشح صفة ملازمة للمنافقين البعيدين عن رحمته سبحانه. قال جل شأنه: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون) 68 من سورة التوبة. أي صفات العصاة متشابهة في النفاق والبعد عن الإيمان يأمرون بالكفر والمعاصى وينهون عن الإيمان والطاعة والزكاة ويمسكون عن المبار وقبض اليد كناية عن الشح (نسوا الله) غفلوا عن طاعته وتركوا ذكره (فنسيهم) تركهم من لطفه وفضله: (وعدالله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هى حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم) 69 التوبة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أي أبعدهم الله من رحمته وفضله وأهانهم بعذاب مستمر لا ينقطع. قل لى بربك: أي الحالتين تحب؟ مؤمن تحلى بالسخاء وعمر الإيمان قلبه فأضاءت شموس الحكمة، فعمل بأوامر الله فكثرة خيره وزاد رزقه ومتعه الله برضاه دنيا وأخرى، وآخر عاص فاسق بخيل شحيح سلط الله عليه الدنيا فشغلته واستخدمته، فجمع المال لغيره ولكن حوسب به وعذب على بخله وحرم من محبة الأصفياء والأقربين، قال تعالى: (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم 29 ياأيها الذين آمنوا إن الله تتقوا يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) 30 من سورة الأنفال. فتنة سبب الوقوع في الإثم أو محنة من الله تعالى ليبلوا الناس. أيعملون الصالحات بالنعمة؟ أولا (أجر عظيم) لمن آثر رضا الله، وراعى حدود الله (فرقانا) هداية في قلوبهم تفرقون بين الحق والباطل ومخرجا من الشبهات ونجاة عما تحذرون في الدنيا والآخرة وظهوراً يشهر أمركم ويبث صيتكم ويستر خطاياكم ويعفو عنكم والله صاحب الفضل الجزيل تنبيهاً على أن ما وعده على التقوى تفضل منه وإحسان، وأنه ليس مما يوجب تقواهم عليه كالسيد إذا وعد عبده إنعاما على عمل. الدليل السادس: البخلاء فيهم خصلة النفاق والمنافقون مذمومون في الدنيا والآخرة، وأموالهم ظاهرها نعمة وعز وباطنها عذاب وخراب وفتنة ونقمة ولما فيها من غضب على التقصير في الزكاة، وقد أخبر الله عن المنافقين صفتين: أ - يصلون ونفوسهم مريضة وقلوبهم خاوية من حب الله وخشيته. ب - ينفقون مضطرين ويصرفون مكرهين ومن كان هذا عمله فلا تنفعه أمواله ويخسر دنياه وآخرته بل يحق عليه العذاب بالله. قال تعالى: (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون. فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) 56 من سورة التوبة. فقد بين الله تعالى عدم قبول نفقات الفاسقين الكافرين بالله تعالى لعدم إخلاصهم في حب الله ورسوله، وهذا في الكفار معاصرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يتشبه في البخل وعدم إخراج الزكاة ومحاربة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو منهم وعقابه مثلهم (وتزهق أنفسهم) أي فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في عاقبة أعمالهم، إذا ضيعوا ثمرة المال فبخلوا وشحوا في الإنفاق في سبيل الله. وأما المزكون والمتشبهون بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والعاملون بالسنة فأخبر الله عنهم بالغنى والسعة والسعادة والغنيمة والنصر في الدنيا والجنة والكرامة في الآخرة. أي تعمر بيوتهم ويتمتعون بمنافع الدارين قال تعالى: (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون. أعد الله لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم) 89 من سورة التوبة. أي إن تخلف عن مساعدتك يا محمد أولو الفضل والسعة ورضوا عدم الجهاد وجلسوا مع النساء والخوالف فقد جاهد معك من هو خير منهم ولهم جزاء كبير ونجاح وكثرة مال وخير وفير وفوز بالمطالب.

فصل: فيما جاء في زكاة الحلي

إنما يجمعون الدنيا، لا والله لا أسألهم دنيا، ولا أستفيتهم عن دينٍ (¬1) حتى ألقى الله عز وجل. رواه البخاري ومسلم. 25 - وفي رواية رواية لمسلمٍ أنه قال: بشر الكانزين بكىٍّ في ظهورهم يخرج من جنوبهم، وبكىٍّ من قبل أقفائهم حتى يخرج من جباههم. قال: ثم تنحى (¬2) فقعد. قال قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذرٍّ. قال فقمت إليه فقلت: ما شئ سمعتك تقول قبيل؟ قال: ما قلت إلا شيئاً قد سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم قال: قلت ما تقول في هذا العطاء؟ قال: خذه فإن فيه اليوم معونةً، فإذا كان ثمناً لدينك فدعه (¬3). (الرضف): بفتح الراء، وسكون الضاد المعجمة: هو الحجارة المحماة. (والنغض): بضم النون وسكون الغين المعجمة بعدها ضاد معجمة: وهو غضروف الكتف. فصل 26 - روى عن عمرو بن شعيبٍ رضي الله عنه عن أبيه عن جده أن امرأةً أتت النبى صلى الله عليه وسلم، ومعها ابنةٌ لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهبٍ، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يُسوركِ الله بهما يوم القيامة سوارين من نارٍ. قال فحذفتهما (¬4) فألقتهما إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ولرسوله. رواه أحمد وأبو داود، واللفظ له والترمذي والدارقطني، ولفظ الترمذي والدارقطنى نحوه: أن امرأتين أتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أيديهما سوارانِ من ذهبٍ، فقال لهما: أتؤديان زكاته؟ قالتا: لا. فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبان ¬

(¬1) روى الأحنف بن قيس عن صاحبى جليل نصح للقوم أن يزكوا ولايكنزوا خشية أن يعذبوا بوضع النار على أكتافهم وعلى أثدائهم ثم ولى فجلس تحت عمود فتبعه وسأله عن قوله، فقال: هؤلاء جهلاء أغبياء (لايعقلون). (يجمعون الدنيا) وأقسم أن يتجنب مجالسهم ويباعد محادثتهم ولا يطلب منهم شيئاً ولا يؤمنهم على فتوى في الدين، لماذا؟ لأن البخل طمس على بصيرة هؤلاء والشح دعاهم لجمع المال ولم يزكوا وقل عملهم الصالح فضاعت ثمرة العلم. (¬2) بعد وترك مجالسهم. (¬3) إن كان هذا المعطى شيئاً يثلم دينك وينقص إيمانك ويذيقك حراما فابعد منه واجتنب أخذه. (¬4) في رواية: فخلعتهما.

أن يُسَوِّرَكُمَا الله بسوارين من نارٍ؟ قالتا: لا. قال فأديا زكاته" ورواه النسائي مرسلاً ومتصلاً، ورجح المرسل. [المَسَكَةُ]: محركة، واحدة المسك، وهو أسورة من ذبل أو قرن أو عاج، فإذا كانت من غير ذلك أضيفت إليه. [قال الخطابي] في قوله: "أيَسُرُّكِ أن يُسَوِّرَكِ الله بهما سوارين من نارٍ" إنما هو تأويل قوله عز وجل: "يَوْمَ يُحْمى عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ". انتهى. 27 - وعن عائشة زوج النبي رضي الله عنها قالت: "دخل عليَّ رسول الله فرأى في يدي فَتَخَاتٍ من وَرِقٍ، فقال: ما هذا يا عائشةُ؟ فقلتُ: صنعتهن أتزينُ لك يا رسول الله. قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلتُ: لا. أو ما شاء الله. قال: هي حَسْبُكِ من النار" رواه أبو داود والدارقطني، وفي إسنادهما: يحيى بن أيوب الغافقي، وقد احتج به الشيخان وغيرهما، ولا اعتبار بما ذكره الدارقطني من أن محمد بن عطاء مجهول، فإنه محمد بن عمر بن عطاء نسب إلى جده وهو ثقة ثبت. روى له أصحاب السنن، واحتج به الشيخان في صحيحهما. [الفتخات]: بالخاء المعجمة جمع فتخة، وهي: حلقة لا فصَّ لها تجعلها المرأة في أصابع رجليها، وربما وضعتها في يدها، وقال بعضهم: هي خواتم كبار كان النساء يتختمن بها. [قال الخطابي]: والغالب أن الفتخات لا تبلغ بانفرادها نصاباً، وإنما معناه أن تضم إلى بقية ما عندها من الحليِّ فتودي زكاتها فيه. 28 - وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: "دخلتُ أنا وخالتي على النبي وعلينا أسورةٌ من ذهبٍ، فقال لنا: أتعطيان زكاتهُ؟ قالتْ فقلنا: لا، فقال: أما تخافان أن يُسَوِّرَكُمَا الله أسورةً من نارٍ، أدَّيَا زكاتهُ" رواه أحمد بإسناد حسن. 29 - وعن محمد بن زيادٍ رضي الله عنه قال: سمعت أبا أمامة وهو يسأل عن حِلْيَةِ السيوف أمِنَ الكنوزِ هيَ؟ قال: نعم من الكنوز، فقال رجلٌ: هذا شيخٌ

أحمق قد ذهب عقلهُ، فقال أبو أمامة: أما إني ما أحدثكم إلا ما سمعتُ" رواه الطبراني، وفي إسناده بقية بن الوليد. الترهيب من منع أداء الزكاة 30 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: "جاءت هند بنت هُبيرةَ رضي الله عنها إلى رسول الله وفي يدها فَتَخٌ من ذهبٍ: أي خواتيم ضِخَامٌ، فجعل رسول الله يضربُ يدها، فدخلت على فاطمة رضي الله عنها تشكو إليها الذي صنع بها رسول الله فانتزعت فاطمة سلسلةً في عنقها من ذهب قالت: هذه أهداها أبو حسنٍ، فدخل رسول الله فقال: يا فاطمة أيُغُرُّكِ أن يقول الناسُ ابنةُ رسول الله، وفي يدكِ سلسلةٌ من نارٍ، ثم خرج ولم يقعد فأرسلت فاطمةُ رضي الله عنها بالسلسلة إلى السوقِ فباعتها واشترت بثمنها غلاماً، وقال مَرَّةً عَبداً، وذكر كلمةً معناها فأعتقته فَحُدِّثَ بذلك النبي فقال: الحمد لله الذي أنجى فاطمة من النار" رواه النسائي بإسناد صحيح. 31 - وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله قال: "أيما امرأةٍ تَقَلَّدَتْ قلادةً من ذهبٍ قُلِّدَتْ في عنقها مثلها من النار يوم القيامة، وأيما امرأةٍ جعلت في أذنها خُرْصاً من ذهبٍ جُعِلَ في أذُنها مثلهُ من النار يوم القيامة" رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد. 32 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "من أحبَّ أن يُحَلِّقَ جَبينهُ حلقةً من نارٍ فَلْيُحَلِّقْهُ حلقةً من ذهبٍ، ومن أحبَّ أن يُطَوِّقَ جَبِينَهُ بسوارٍ من نارٍ فليسوره بسوارٍ من ذهبٍ ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها" رواه أبو داود بإسناد صحيح. [قال المملي] رحمه الله: وهذه الأحاديث التي ورد فيها الوعيد على تحلي النساء بالذهب تحتمل وجوهاً من التأويل. أحدها: أن ذلك منسوخ فإنه قد ثبت إباحة تحلي النساء بالذهب. الثاني: أن هذا في حق من لا يؤدي زكاته دون من أداها، ويدل على هذا حديث عمرو بن شعيب، وعائشة، وأسماء، وقد اختلف العلماء في ذلك، فروي عن عمر بن الخطاب

رضي الله عنه: أنه أوجب في الحلي الزكاة، وهو مذهب عبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن شداد، وميمون بن مهران، وابن سيرين، ومجاهد، وجابر بن زيد، والزهري، وسفيان الثوري، وأبي حنيفة وأصحابه، واختاره ابن المنذر. وممن أسقط الزكاة فيه عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله، وأسماء ابنة أبي بكر، وعائشة والشعبي، والقاسم بن محمد، ومالك، وأحمد، وإسحق، وأبو عبيدة. قال المنذر: وقد كان الشافعي قال بهذا إذا هو بالعراق، ثم وقف عنه بمصر، وقال: هذا مما أستخير الله تعالى فيه. [وقال الخطابي]: الظاهر من الآيات، يشهد لقول من أوجبها، والأثر يؤيده، ومن أسقطها ذهب إلى النظر، ومعه طرَف من الأثر، والاحتياط أداؤها، والله أعلم. الثالث: أنه في حق من تزينت به وأظهرته، ويدل لهذا ما رواه النسائي وأبو داود عن رِبْعِيّ بن خراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله قال: "يا معشر النساء ما لَكُنَّ في الفضة ما تَحَلَّينَ به، أما إنه ليس منكن امرأةٌ تتحلى ذهباً وتُظْهِرُهُ (¬1) إلا عُذِّبَتْ به، وأخت حذيفة اسمها فاطمة. وفي بعض طرقه عند النسائي عن ربعي عن امرأة عن أخت لحذيفة رضي الله عنها، وكان له أخوات قد أدركن النبي، وقال النسائي: باب الكراهة للنساء في إظهار حلي الذهب، ثم صدّره بحديث عقبة بن عامر أن رسول الله كان يمنع أهله الحلية والحرير، ويقول إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوهما في الدنيا، وهذا الحديث رواه الحاكم أيضاً، وقال صحيح على شرطهما، ثم رأى النسائي في الباب حديث ثوبان المذكور، وحديث أسماء. 33 - ورويَ أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنتُ قاعداً عند النبي فأتتهُ امرأةٌ فقالت: يا رسول الله سِوَارينِ من ذهبٍ؟ قال: سوارينِ من نارٍ. قالت يا رسول الله: طَوْقٌ من ذهبٍ؟ قال: طوقٌ من نارٍ. قالت: قُرْطَيْنِ من ذهبٍ؟ قال: قُرطينِ من نارٍ قال: وكان عليها سوارٌ من ذهبٍ فَرَمَتْ به". ¬

(¬1) عبارة الفقه: ولا يجب في الحلي المباح زكاة. أما المحرم: كأساور الرجل وخلخاله، وحلي الخنثى فتجب الزكاة فيه.

الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوى، والترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسه، وما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء

الرابع: من الاحتمالات أنه إنما منع منه في حديث الأسورة والفتخات لما رأى من غلظه فإنه مظنة الفخر والخيلاء، وبقية الأحاديث محمولة على هذا، وفي هذا الاحتمال شيء ويدل عليه ما رواه النسائي عن عبد الله بن عمر رضيَ الله عنهما أن رسول الله نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا، وروى أبو داود والنسائي أيضاً عن أبي قلابة عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أن رسول الله نهى عن ركوب النمار، وعن لبس الذهب إلا مقطعا، وأبو قلابة لم يسمع من معاوية ولكن روى النسائي أيضاً عن قتادة عن أبي قتادة عن أبي شيخ أنه سمع معاوية فذكر نحوه، وهذا متصل، وأبو شيخ ثقة مشهور. وفي الترمذي والنسائي، وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: "جاء رجلٌ إلى النبي وعليه خاتمٌ من حديدٍ فقال: مالي أرى عليك حِلْيَةَ أهل النار، فذكر الحديث إلى أن قال: من أي شيء أتَّخِذُهُ؟ قال من وَرِقٍ، ولا تُتِمَّهُ مِثْقَالاً" والله أعلم. الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوى والترهيب من التعدي فيها والخيانة، واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسه وما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء 1 - عن رافعِ بن خَدِيجٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "العاملُ (¬1) على الصدقةِ بالحق لوجه الله تعالى كالغازي في سبيل الله عز وجل حتى يرجعَ إلى أهلهِ" رواه أحمد، واللفظ له، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وابن خزيمة في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن، ورواه الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن عوف ولفظه: "قال رسول الله: العاملُ إذا استُعْمِلَ فأخذَ الحق (¬2)، وأعطى الحقَّ ¬

(¬1) الذي يبذل جهده في جمع الزكاة من المسلمين ليوصلها إلى بيت المال. فينصرف الإمام في إنفاقها في المصالح العامة والمساعدة والإعانة والإحسان، وثوابه ثواب المجاهد لنصر دين الله المضاعف أجره. (¬2) راعى الله وأخذ الزكاة على قدر نصابها، وما حدده الشرع.

لم يزل كالمُجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته". 2 - وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي أنه قال: "إن الخازنَ المسلم الأمين الذي يَنْقُلُ ما أُمِرَ به فَيُعْطِيهِ كاملاً موفراً طيبةً به نفسهُ فيدفعهُ إلى الذي أُمِرَ به أحد المتصدقين (¬1) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: "خيرُ الكسبِ كَسْبُ العاملِ (¬2) إذا نَصَحَ" رواه أحمد ورواته ثقات. 4 - وعن مسعودٍ بن قَبيصةَ، أو قبيصة بن مسعود رضي الله عنه قال: "صَلَّى هذا الحيُّ من مُحَارِبٍ (¬3) الصبحَ فلما صَلَّوْا قال شابٌ منهم: سمعت رسول الله يقول: إنه ستفتح عليكم مشارقُ الأرضِ ومغاربها، وإن عُمَّالها (¬4) في النار إلا من اتقى الله عز وجل، وأدى الأمانة" رواه أحمد، وفي إسناده شقيق ابن حبان، وهو مجهول، ومسعود لا أعرفه. 5 - وعن سعد بن عُبادةَ رضي الله عنه أن رسول الله قال له: "قُمْ على صدقةِ بني فلانٍ، وانظر أن تأتي يوم القيامة بِبِكْرٍ تَحْمِلُهُ على عاتقك أو كاهلك له رُغاء يوم القيامة. قال يا رسول الله: اصرفها عني، فصرفها عنه" رواه أحمد والبزار والطبراني، ورواة أحمد ثقات إلا أن سعيد بن المسيب لم يدرك سعداً، ورواه البزار أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله سعد بن عبادة فذكر نحوه، ورواته محتج بهم في الصحيح. [البكر] بفتح الباء الموحدة وسكون الكاف: هو الفتىّ من الإبل، والأنثى بكرة. 6 - وعن عبد الله بن بُريدةَ عن أبيه رضي الله عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) معناه: الله تعالى يعطي ثواباً للذي حفظ زكاة المسلمين، وتعهد المخزن، وراعى الأمانة وحفظها. (¬2) المجد. (¬3) كذا (ع)، وفي (ن د): محراب ص 296 (¬4) يريد أولئك الذين يظلمون في أخذ الزكاة، ويتعدون على الحقوق، ويتغالون شيئاً من الغنيمة، ويجبون فيخفون شيئاً عن الإمام.

قال: "من استعملناهُ على عملٍ فرزقناهُ رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غُلُولٌ (¬1) " رواه أبو داود. ¬

(¬1) تدرع الخيانة، وإنقاص الوديعة، وغل يغل: خان، وأغللت فلاناً نسبته إلى الغلول. قال تعالى: "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" عبارة عن الخيانة في المغنم والسرقة، وكل من خان في شيء خفية فقد غل، وسميت غلولاً لأن الأيدي فيهما مغلولة. أي ممنوعة مجعول فيها غل: أي الحديدة التي تجمع يدي الأسير في عنقه. وهذا تعبير جميل يدعو إلى من أسند إليه عمل وأخذ أجرة عليه أن يتقي الله في حفظه ويرعاه بأمانة ويخشى الله في أدائه كاملاً ولا يسرق. الزكاة ثمرتها اجتماع وتآلف وخلاصة أدائها علم ضمان الاقتصاد، وقد رأيت - أعزك الله - الزكاة مطهرة من البخل، ومدعاة للمحبة والمودة، وأنها سبب زيادة الرزق، وتقربك إلى الله، والناس بالسخاء، والإنفاق لله، وهي إحدى الخصال الست التي كفل النبي الجنة لمن أداها، وتبعد عن النار وأذى الجار، وحصن منيع من الضياع والسرقة، وهي باسم التقرب إلى المولى جل وعلا ليجيب الدعاء، ويشفي المرض (داووا مرضاكم بالصدقة) ومنعها شح، ونزع الثقة، والبركة من أصحاب الأموال فيوصفون بالشره والطمع، وقلة الدين والجهل والجنون. وحسبك رجل مر على قوم لا يزكون فاحتقرهم، ونبذ صحبتهم (إن هؤلاء لا يعقلون إنما يجمعون الدنيا، لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله عز وجل) ولن تجد أجدى عاقبة من إخراج الزكاة فهي تنمي مالك، وتجلب بركة الله لأولادك، وتخلد ذكرك، وخلاصة قواعد علم الاقتصاد جمعتها فوائد الزكاة، وسراة أوروبا وأمريكا بل والعالم عملوا بآداب الزكاة وجادوا بأموالهم في إنشاء مشروعات الخير، ووجود طرق البر والعطف على الفقراء، فعاشوا في اطمئنان، وكسبوا ثقة مواطنيهم، وراجت تجارتهم، ووفرت أموالهم حتى تعد بالآلاف. بنوا المستشفيات للمساكين المرضى فخففوا آلامهم، فضاعف الله رزقهم، وهكذا من أعمال صالحات نافعات في الحياة، والله لا يضيع عمل عامل. حدثني رجل أمريكي أن القرية لا تعدم أغنياء فيقوم أولئك الأفراد بحاجات هذه القرية من مصحات تنشأ ومعاهد تقام ومن أدوية تصرف وهكذا كل مدينة فيها المحسنون الذين يؤدون واجب المواساة، فيعيش الموسرون في عز وسعادة ورضا وكسب محبة مواطنيهم وثناء جميل فتتبادل الثقة، وتتجدد المودة، ويزول الحقد والشحناء وتنتشر الأعمال الحرة والصناعات المثمرة، ويتجه الكل إلى عمل في الحياة يرقى به وطنهم وتسعد أمتهم، والحمد لله قام عهد الجهمورية يتتبع سنن الإسلام في وزارة الشئون الاجتماعية وتنفيذ معونة الشتاء بمراعاة أوامر الحكومة الرشيدة. نصرها الله تعالى. الآداب الباطنة في الزكاة عند الإمام الغزالي: أولاً: فهم وجوب الزكاة وأنها من مباني الإسلام، وهي امتحان درجة المحب بمفارقة المحبوب والأموال محبوبة فيظهر الإيمان بإنفاقها في حب الله. قال تعالى: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" وهو مسامحة بالمهجة شوقاً إلى لقاء الله عز وجل، والمسامحة بالمال أهون. ثانياً: التعجيل في إخراجها لإدخال السرور على الفقراء. ثالثاً: الإسرار والبعد عن الرياء والسمعة. قال: (أفضل الصدقة جهد المقل إلى فقير في سر). رابعاً: أن يظهر حيث يعلم أن في إظهاره ترغيباً للناس في الاقتداء به، ويحرس سره من داعية الرياء. خامساً: أن لا يفسد صدقته بالمن والأذى، والمن: أن يذكرها، والأذى: أن يظهرها، وقال سفيان: =

7 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: "أن رسول الله بعثه ¬

_ = مَنْ مَنَّ فسدت صدقته فقيل له: كيف المنّ؟ فقال: أن يذكره، ويتحدث به، وقيل: المنّ أن يستخدمه بالعطاء. والأذى: أن يعيره بالفقر، وقيل: المنّ أن يتكبر عليه لأجل عطائه، والأذى: أن ينتهره، أو يوبخه بالمسألة. سادساً: أن يستصغر العطية فإنه إن استعظمها أعجب بها، والعجب من المهلكات، وهو محبط للأعمال. قال تعالى: "ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً" ويقال: إن الطاعة كلما استصغرت عظمت عند الله عز وجل والمعصية كلما استعظمت صغرت عند الله عز وجل، وقيل: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: تصغيره وتعجيله وستره. سابعاً: أن يطلب لصدقته من تزكو به الصدقة: (أ) فيطلب الأتقياء المعرضين عن الدنيا المتجردين للتجارة للآخرة. قال: "لا تأكل إلا طعام تقي ولا يأكل طعامك إلا تقي" لأن التقي يستعين به على التقوى فتكون شريكاً له في طاعته بإعانتك إياه. قال: "أطعموا الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين". (ب) أن يطلب أهل العلم خاصة فإن ذلك إعانة لهم على العلم، والعلم أشرف العبادات مهما صحت فيه النية. (جـ) أن يكون صادقاً في تقواه، وعلمه بالتوحيد، وتوحيده أنه إذا أخذ العطاء حمد الله عز وجل وشكره ورأى أن النعمة منه، ولم ينظر إلى واسطة فهذا هو أشكر العباد إليه سبحانه وتعالى، وهو أن يرى أن النعمة كلها منه، وفي وصية لقمان لابنه: لا تجعل بينك وبين الله منعماً، وإعداد نعمة غيره عليك مغرماً، ومن شكر غير الله سبحانه فكأنه لم يعرف المنعم، ولم يتيقن أن الواسطة مقهور مسخر بتسخير الله عز وجل إذ سلط الله عليه دواعي الفعل، ويسر له الأسباب، فأعطى وهو مقهور، ولو أراد تركه لم يقدر عليه بعد أن ألقى الله عز وجل في قلبه أن صلاح دينه ودنياه في فعله، والله تعالى خالق للبواعث ومهيجها ومزيل للضعف والتردد عنها، ومسخر للقدرة للانتهاض بمقتضى البواعث. وقد رويَ أن رسول الله أرسل صدقة لأحد الفقراء، فقال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يضيع من شكره، ثم قال: اللهم لم تنس فلاناً (يعني نفسه) فاجعل فلاناً لا ينساك (يعني بفلان نفسه) فأخبر فَسر، وقال: علمت أنه يقول ذلك: فانظر كيف قصر التفاته على الله وحده. (د) أن يكون مستتراً مخفياً حاجته لا يكثر البث والشكوى أو يكون من أهل المروءة ممن ذهبت نعمته وبقيت عادته فهو يتعيش في جلباب التجمل. قال الله تعالى: "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً" أي لا يلحون في السؤال لأنهم أغنياء يبقيهم أعزة بصبرهم، وهكذا ينبغي أن يتفحص عن أهل الدين في كل محلة، ويستكشف عن بواطن أهل الخير والتجمل، فثواب صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال. (هـ) أن يكون معيلاً أو محبوساً بمرض، أو سبب من الأسباب فيوجد فيه معنى قوله تعالى: "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله" أي حبسوا في طريق الآخرة بعلة أو ضيق معيشة، وكان عمر رضي الله عنه يعطي أهل البيت القطيع من الغنم العشرة فما فوقها، وكان يعطي العطاء على مقدار العيلة. وسئل عمر رضي الله عنه عن جهد البلاء فقال: "كثرة العيال وقلة المال". (و) أن يكون من الأقارب وذوي الأرحام فتكون صدقة وصلة رحم. قال علي رضي الله عنه: لأن أصِلْ أخاً من إخواني بدرهم أحب إليَّ من أن أتصدق بعشرين درهماً ولأن أصله بعشرين درهماً أحب إليَّ من أن أتصدق بمائة درهم، ولأن أصله بمائة درهم أحب إليَّ من أن أعتق رقبة. أهـ. والأصدقاء وإخوان الخير يقدمون على المعارف كما يتقدم الأقارب على الأجانب، تلك صفات كبرى مطلوبة وذخيرة وغنيمة عظمى تشوقه إلى لقاء الله عز وجل. أهـ ص 198 جـ 1. =

على الصدقة فقال: يا أبا الوليد: اتقِ الله لا تأتي يوم القيامة ببعيرٍ تحملهُ له رُغاء، أو بقرةٌ لها خُوارٌ، أو شاةٍ لها ثُغَاءٌ. قال: يا رسول الله إن ذلك لكذلك؟ قال: إي والذي نفسي بيده. قال: فوالذي بعثك بالحق لا أعملُ لك على شيء أبداً" رواه الطبراني في الكبير، وإسناده صحيح. [الرغاء]: بضم الراء وبالغين المعجمة والمد: صوت البعير. [والخوار]: بضم الخاء المعجمة: صوت البقر. [والثغاء]: بضم الثاء المثلثة، وبالغين المعجمة ممدوداً: هو صوت الغنم. 8 - وعن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "من استعملناهُ منكم على عملٍ فكتمنا مخيطاً فما فوقهُ كان غلولاً لا يأتي به يوم القيامة، فقام إليه رجلٌ أسود من الأنصار كأني أنظرُ إليه، فقال: يا رسول الله اقْبَلْ عني عملك. قال: ومالك؟ قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: وأنا أقولُ الآن: ¬

_ = وظائف قابض الزكاة كما قال الغزالي، وإخفاؤها أحسن أو إظهارها؟ أولاً: أن يعلم أن الله تعالى أوجب صرف الزكاة إليه ليكفي همه ولتزيده عبادة وحمداً. ثانياً: أن يشكر المعطي ويدعو له ويثني عليه ويكون ذلك بحيث لا يخرجه عن كونه واسطة، ولكنه طريق وصول نعمة الله سبحانه إليه. ثالثاً: أن ينظر فيما يأخذه فإن لم يكن من حل تورع عنه "ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب". رابعاً: أن يتوقى مواقع الريبة والاشتباه في مقدار ما يأخذه فلا يأخذ إلا القدر المباح. خامساً: أن يسأل صاحب المال عن قدر الواجب عليه فإن كان ما يعطيه فوق الثمن، فلا يأخذه منه. فوائد إخفاء الصدقة: أولاً: أبقى للستر. ثانياً: أسلم لقلوب الناس وألسنتهم. ثالثاً: إعانة المعطي على إسرار العمل. رابعاً: إن في إظهار الأخذ ذلاً وامتهاناً. خامساً: الاحتراز عن شبهة الشركة. أما إظهارها: (أ) يدعو إلى الإخلاص والصدق والسلامة عن تلبس الحال والمراءاة. (ب) إسقاط الجاه والمنزلة، وإظهار العبودية والمسكنة، والتبري عن الكبرياء، ودعوى الاستغناء، وإسقاط النفس من أعين الخلق. (جـ) هو أن المعارف لا نظر له إلا إلى الله عز وجل، والسر والعلانية في حقه واحد. (د) إن الإظهار إقامة لسنة الشكر، وقد قال تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدث" والكتمان كفران النعمة، وقد ذم الله تعالى ما كتم من آتاه الله عز وجل، وقرنه بالبخل. قال تعالى: "الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله" وقال: (إذا أنعم الله على عبده نعمة أحب أن ترى نعمته عليه). رواه أحمد من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهم بسند صحيح. أهـ ص 285 جـ 1.

من استعملناه منكم على عملٍ فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتيَ منه أخذ وما نُهيَ عنه انتهى" رواه مسلم، وأبو داود وغيرهما. 9 - وعن أبي حُميدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: "استعمل النبي رجلاً من الأزْدِ يُقالُ له ابن الُّلتْبِيَّةِ على الصدقةِ، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أُهديَ إليَّ. قال: فقام رسول الله، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعدُ فإني أستعملُ الرجل منكم على العمل مما ولاَّني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا هديةٌ أُهديتْ لي، أفلا جلس في بيتِ أبيه وأمهِ حتى تأتيهُ هديتهُ إن كان صادقاً؟ والله لا يأخذُ أحدٌ منكم شيئاً بغير حقهِ إلا لقيَ الله يحملهُ يوم القيامة فلا أعرفنَّ أحداً منكم لقيَ الله يحملُ بعيراً له رغاءٌ، أو بقرة لها خوارٌ، أو شاةً تَيْعَرُ، ثم رفع يديه حتى رُؤِيَ بياضُ إبطيه يقول: اللهم هل بلغت" رواه البخاري ومسلم، وأبو داود. [اللتبية]: بضم اللام، وسكون التاء المثناة فوق وكسر الباء الموحدة، بعدها ياء مثناة تحت مشددة ثم هاء تأنيث: نسبة إلى حيّ يقال لهم: بنو لتب. بضم اللام، وسكون التاء، واسم ابن اللتبية: عبد الله. [وقوله تيعر]: هو بمثناة فوق مفتوحة، ثم مثناة تحت ساكنة، ثم عين مهملة مفتوحة وقد تكسر: أي تصيح، واليعار: صوت الشاة. 10 - وعن أبي مسعودٍ الأنصاري رضي الله عنه قال: "بعثني رسول الله ساعياً، ثم قال: انطلق أبا مسعودٍ: لا أُلْفِيَنَّكَ تجيء يوم القيامة على ظهرك بعيرٌ من إبل الصدقة له رُغاءٌ قد غَللتهُ. قال فقلت: إذاً لا أنطلقُ قال: إذاً لا أُكرهك" رواه أبو داود. 11 - وعن أبي رافعٍ رضي الله عنه قال: "كان رسول الله إذا صلى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث عندهم حتى ينحدر للمغرب. قال: أبو رافعٍ: فبينما مُسرعٌ إلى المغرب مررنا بالبقيع، فقال أفاً لك أفاً لك: فَكَبُرَ ذلك في ذَرْعِي، فاستأخرتُ وظننتُ أنه يريدني، فقال:

مالك؟ امشِ، فقلتُ أأحْدَثْتُ حَدَثاً؟ قال: ومالك؟ أففتَ بي، قال: لا، ولكن هذا فلانٌ بعثتهُ ساعياً على بني فلانٍ فَغَلَّ نَمِرَةً فَدُرِّعَ علي مثلها من النار" رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه. [النمرة] بكسر الميم: كساء من صوف مخطط. 12 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "إني مُمسكٌ بِحُجَزِكُمْ عن النار هَلُمَّ عن النار هلم عن النار، وتغلبونني تقاحمون فيه تقاحم الفَرَاشِ أو الجنادبِ فأُوشِكُ أن أُرسلَ بِحُجَزِكُمْ، وأنا فَرَطُكُمْ على الحوض فَتَرِدُون عليَّ معاً وأشتاتاً فأعرفكم بسيماكم وأسمائكم كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله، ويُذْهَبُ بكم ذات الشمالِ، وأناشد فيكم رب العالمين فأقولُ: أي ربِّ قومي: أي رب أمتي، فيقولُ: يا محمد: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم كانوا يمشون بعدك القهقري على أعقابهم، فلا أعرفنَّ أحدكم يوم القيامة يحملُ شاةً لها ثُغاءٌ، فَيُنَادِى يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملكُ لك شيئاً قد بلغتك، فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيراً له رُغاءٌ، فينادي: يا محمد يا محمد، فأقولُ: لا أملكُ لك شيئاً قد بلغتك، فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فَرَسَاً له حَمْحَمَةٌ، فينادي: يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملكُ لك شيئاً قد بلغتك، فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحملُ سِقَاءً من أدَمٍ ينادي يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغتك" رواه أبو يعلى والبزار، إلا أنه قال: قَشَعاً مكان سِقَاءٍ، وإسنادهما جيدٌ إن شاء الله. [الفرط]: بالتحريك: هو الذي يتقدم القوم إلى المنزل ليهيئ مصالحهم. [والحجز]: بضم الحاء المهملة، وفتح الجيم بعدهما زاي: جمع حجزة بسكون الجيم، وهو معقد الإزار، وموضع التكة من السراويل. [والحمحمة]: بحاءين مهملتين مفتوحتين: هو صوت الفرس، وتقدم تفسير الثغاء، والرغاء. [والقشع]: مثلثة القاف، وبفتح الشين المعجمة: هو هنا القربة اليابسة، وقيل: بيت من أدم، وقيل: هو النطع، وهو محتمل الثلاثة غير أنه بالقربة أمس.

فصل: لا يدخل صاحب مكس الجنة

13 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "المعتدي في الصدقة، كمانعها" رواه أبو داود والترمذي، وابن ماجة، وابن خزيمة في صحيحه كلهم من رواية سعد بن سنان عن أنس، وقال الترمذي: حديث غريب، وقد تكلم أحمد بن حنبل في سعد بن سنان، ثم قال: [وقوله] المعتدي في الصدقة كمانعها: يقول على المعتدي من الإثم كما على المانع إذا منع. [قال الحافظ]: وسعد بن سنان، وُثِّقَ كما سيأتي. 14 - وعن جابر بن عَتِيكٍ رضي الله عنه أن رسول الله قال: "سيأتيكم رَكْبٌ (¬1) مُبَغَّضُونَ، فإذا جاءوكم فَرَحِّبُوا بهم، وخلوا بينهم وبين ما يبتغون، فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليهم وأرضوهم، فإن تمام زكاتكم رضاهم وليدعوا لكم" رواه أبو داود. فصل 15 - عن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول: "لا يدخل صاحبُ مَكْسٍ (¬2) الجنة. قال يزيد بن هارون: يعني العَشَّارَ (¬3) " رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، كلهم من رواية محمد بن إسحق، وقال الحاكم ¬

(¬1) طائفة مكروهة كذا (ع ص 272)، وفي (د)، أما في (ط): ركيب. (¬2) المكس: الضريبة التي يأخذها الماكس (ومنه حديث أنس بن سيرين) قال لأنس: تستعملني على المكس: أي على عشور الناس فأماكسهم ويماكسونني، وقيل: معناه تستعملني على ما ينقص ديني لما يخاف من الزيادة والنقصان في الأخذ والترك (وفي حديث جابر) قال له: "أما ترى أنما ماكستك لآخذ جملك" المماكسة في البيع: استنقاص الثمن واستحطاطه والمنابذة بين المتبايعين وقد مَاكَسَهُ يماكسه مكساً ومماكسة، ومنه حديث ابن عمر: "ولا بأس بالمماكسة في البيع" أهـ. نهاية. (¬3) الجابي: الذي يأخذ غير الصدقة، وفيه: "إن لقيتم عاشراً فاقتلوه" قال في النهاية: أي إن وجدتم من يأخذ العشر على ما كان يأخذه أهل الجاهلية مقيماً على دينه فاقتلوه لكفره أو لاستحلاله لذلك إن كان مسلماً وأخذه مستحلاً تاركاً فرض الله، وهو ربع العشر، فأما من يعشرهم على ما فرض الله تعالى فحسن جميل، قد عشر جماعة من الصحابة للنبي وللخلفاء بعده فيجوز أن يسمى آخذ ذلك عاشراً لإضافة ما يأخذه إلى العشر كربع العشر ونصف العشر كيف وهو يأخذ العشر جميعه وهو زكاة ما سقته السماء وعشر أموال أهل الذمة في التجارات، يقال: عشرت ماله أعشره عشراً فأنا عاشر وعشرته فأنا معشر وعشار: إذا أخذت عشره، وما ورد في الحديث من عقوبة العشار فمحمول على التأويل المذكور. أهـ ص 97 جـ 3.

صحيح على شرط مسلم كذا قال، ومسلم إنما خرّج لمحمد بن إسحق في المتابعات. قال البغوي: يُريدُ بصاحب المكس الذي يأخذُ من التجار إذا مروا عليه مكساً باسم العُشْرِ. [قال الحافظ]: أما الآن فإنهم يأخذون مَكْساً باسم العُشْرِ ومُكُوساً أُخَرَ ليس لهم اسمٌ، بل شيء يأخذونه حراماً، وَسُحتاً (¬1) ويأكلونه في بطونهم ناراً حجتهم فيه داحضةٌ (¬2) عند ربهم وعليهم غضب (¬3) ولهم عذابٌ شديدٌ. 16 - وعن الحسن رضي الله عنه قال: "مَرَّ عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه على كِلاَبِ بن أمية وهو جالسٌ على مجلس العاشرِ بالبصرةِ، فقال: ما يجلسك هاهنا؟ قال: استعملني على هذا المكان، يعني زياداً، فقال له عثمان: ألا أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله؟ فقال: بلى، فقال عثمان: سمعت رسول الله يقول: كان لداود نبي الله عليه السلام ساعةٌ يُوقظُ فيها أهلهُ، يقول: يا آل داود قوموا فَصَلُّوا فإن هذه الساعة يستجيب الله فيها الدعاء إلا لساحرٍ (¬4) أو عَاشِرٍ، فركب كِلاَبُ بن أمية سفينةً، فأتى زياداً فاستعفاهُ (¬5) فأعفاهُ" رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، ولفظه: "عن النبي قال: تفتحُ أبواب السماء نصف الليل فينادي منادٍ هل من داعٍ فيستجاب له، هل من سائلٍ فيعطى، هل من مكروبٍ (¬6) فيفرج عنه، فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانيةً (¬7) تسعى بفرجها أو عَشَّاراً". 17 - وفي روايةٍ له في الكبير أيضاً: سمعت رسول الله يقول: ¬

(¬1) رشوة ومالاً باطلاً لا يحل كسبه وأخذه لأنه يسحت البركة: أي يذهبها ومنه حديث ابن رواحة وخرص النخل أنه قال ليهود خيبر لما أرادوا أن يرشوه أتطعموني السحت: أي الحرام، سمى الرشوة في الحكم سحتاً، وماله سحت: أي لا شيء على من استهلكه. (¬2) واهية تجر إلى الزلق غير ثابتة: أي باطلة زائلة كما قال تعالى: "ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق" يقال: أدحضت فلاناً في حجته فدحض. (¬3) انتقام الله وعذابه. (¬4) (أ) خداع ومشعبذ يصرف الأبصار عما يفعله لخفة يده ونمام تزخرف في القول، ويعوق من إسماع الخير. قال تعالى: "سحروا أعين الناس واسترهبوهم". (ب) أو معاون الشيطان في الغواية والإضلال. قال تعالى: "ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر". (¬5) طلب الإقالة من هذا الجبي الحرام. (¬6) ذي ضيقٍ وَهمٍّ. (¬7) تفعل الفاحشة القبيحة.

"إن الله تعالى يدنو من خلقه فيغفر لمن يستغفر إلا لبغيٍّ (¬1) بفرجها، أو عَشَّارٍ" وإسناد أحمد فيه علي بن يزيد، وبقية رواته محتج بهم في الصحيح، واختلف في سماع الحسن من عثمان رضي الله عنه. صاحب المكس في النار 18 - وعن أبي الخير رضي الله عنه قال: "عَرَضَ مَسْلَمَةُ بنُ مَخلَدٍ وكان أميراً على مصرَ على رُوَيْفِعِ بن ثابتٍ رضي الله عنه أن يوليه العُشورَ فقال: إني سمعتُ رسول الله يقول: إن صاحبَ المكسِ في النار" رواه أحمد من رواية ابن لهيعة والطبراني بنحوه، وزاد يعني العاشر. 19 - ورويَ عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله في الصحراء، فإذا منادٍ يناديه: يا رسول الله فالتفت فلم يَرَ أحداً، ثم التفت فإذا ظَبْيَةٌ مُوثقةٌ (¬2)، فقالت: ادْنُ (¬3) مني يا رسول الله، فدنا منها، فقال: ما حاجتك؟ قالت: إن لي خِشْفَيْنِ (¬4) في هذا الجبل فَحُلَّنِي حتى أذهب فأرضعهما، ثم أرجعَ إليك. قال: وتفعلين؟ قالت: عَذَّبَنِي الله عذاب العَشَّارِ إن لم أفعل، فأطلقها فذهبت فأرضعت خِشفيها، ثم رجعت فأوثقها (¬5)، وانتبهَ الأعرابي فقال: ألك حاجةٌ يا رسول الله؟ قال: نعم تُطلق هذه، فأطلقها (¬6) فخرجت تَعْدُو (¬7)، وهي تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله" رواه الطبراني. ويلٌ للعرفاء، ويلٌ للأمناء 20 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "ويلٌ (¬8) ¬

(¬1) ظالمة خارجة عن المروءة وإباحة فرجها للزنا، وامرأة بغي: أي فاجرة جمع بغايا بغت بغاء: زنت ودمل جرجه على بغي: أي فساد، والبغي: مجاوزة الحد "فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً" أي فلا يبقى لكم عليهن طريق إلا أن يكون بغياً وجوراً. (¬2) موضوعة في حبل كقيد تشد به، ورجل موثق: أي مأسور مشدود في الوثائق. (¬3) أقرب. (¬4) ولدي الغزال، يطلق الخشف على الذكر والأنثى، والجمع خشوف مثل حمل وحمول. (¬5) ربطها كما كانت، فانظر قد وفى الحيوان بوعده. (¬6) فكها من أسرها إجابة لرسول الله، وهنا الرحمة تتمثل والشفقة والرأفة .. (¬7) تجري بسرعة، وتنطق بتوحيد الله، وتقر برسالته. (¬8) واد في جهنم لمن يلي.

للأمراء (¬1)، ويلٌ للعُرفاء (¬2)، ويلٌ للأمناء (¬3)، ليتمنين أقوامٌ يوم القيامة أن ذوائبهم (¬4) مُعلقةٌ بالثريا (¬5) يتذبذبون (¬6) بين السماء والأرض، ولم يكونوا عملوا على شيء" رواه أحمد من طرق رواة بعضها ثقات. 21 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "ويلٌ للأمراء، ويلٌ للعرفاء، ويلٌ للأمناء، ليتمنين أقوامٌ يوم القيامة أن ذوائبهم مُعلقةٌ بالثريا يُدلون بين السماء والأرض، وإنهم لم يَلُوا (¬7) عملاً" رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد. 22 - ورويَ عن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "إن في النار حجراً يُقالُ له ويلٌ يصعدُ عليه العُرفاء وينزلون (¬8) " رواه البزار. 23 - وعن أنسٍ رضي الله عنه: "أن النبي مرت به جنازةٌ فقال: طوبى (¬9) له إن يكن عَرِيفاً" رواه أبو يعلى، وإسناده حسن إن شاء الله تعالى. 24 - وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه: "أن رسول الله ضرب على منكبيه، ثم قال: أفلحت يا قُدَيْمُ إن مُتَّ ولم تكن أميراً ¬

(¬1) الحكام الظالمين الذين لا يعدلون ولا يخافون الله، ويستعملون الرشوة وأعمالهم مختلة معتلة لم يراعوا الله في أماناتهم وفي وظائفهم. (¬2) النقيب، وهو دون الرئيس في العمل، وفي النهاية: القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم، ويتعرف الأمير منهم أحوالهم. فعيل بمعنى فاعل. والعرافة عمله، وقوله: "العرفاء في النار" تحذير من التعرض للرياسة لما في ذلك من الفتنة، وأنه إذا لم يقم بحقه أثم، واستحق العقوبة. (¬3) الذين تسند لهم الأشياء ليحفظوها، ولا يقومون بأدائها كاملة، جمع أمين. (¬4) شعور رؤوسهم، ومنه يذؤب رأسه: أي يرفع ذوائبها. (¬5) نجم في السماء، والمعنى يودون أن يعقلوا ويعذبوا في الدنيا بالتمثيل بهم والتنكيل، ولا يعذبون عذاب الله في الآخرة، ولا يحاسبون حساباً عسيراً من عدم القيام بالحق، ومن تولى الرياسة في العمل فظلموا وأساءوا. (¬6) يصعدون وينزلون ويتحركون، ولا يثبتون على حال. (¬7) لم يسند لهم عمل يقومون فيه بالعدل والأمانة بمعنى أنهم بعدوا عن الرياسة. (¬8) بمعنى أن الله تعالى يجعل لهم عذاباً دائماً حجراً كالأرجوحة في جهنم يعلو ويسفل انتقاماً منهم على حب الرياسة في عمل لم يخشوا الله في أدائه، ولم يرحموا المرءوسين، ولم يتبعوا فيه ما يرضي الله، ونسوا الكبرياء لله، والعظمة لله، والمعطي الله، والحاكم الله، والولي الله، وإن الإنسان حادث لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، فالعاقل من اتقى الله في عمله، وعدل واتبع أوامر الكتاب والسنة، وأقام الحق، واقتدى بالصالحين. (¬9) شجرة في الجنة مسافة ظلها طويلة يستظل بها الموعود بنعم الله وإحسانه في الجنة إن لم يكن رأس قوماً وظلم وخان.

ولا كاتباً (¬1)، ولا عريفاً" رواه أبو داود. 25 - وعن مودود بن الحارث بن يزيد بن بن كُرَيْبِ بن يزيد بن سيف بن حارثة اليربوعي عن أبيه عن جده رضي الله عنه: "أنه أتى النبي فقال: يا رسول الله إن رجلاً من بني تميمٍ ذهب بمالي كلهِ (¬2)، فقال لي رسول الله: ليس عندي ما أعطيكهُ، ثم قال: هل لك أن تَعْرُفَ على قومك، أو ألا أُعَرِّفُكَ على قومكَ؟ قلت: لا. قال: أما إن العريف يُدْفَعُ في النار دفعاً" رواه الطبراني ومودود لا أعرفه. 26 - وعن غالب القطان عن رجلٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنه: "أن قوماً كانوا على مَنْهَلٍ (¬3) من المناهلِ، فلما بلغهم الإسلام جعل صاحب الماء لقومه مائةً من الإبل على أن يُسلموا فأسلموا، وقسم الإبل بينهم، وبدا له أن يرتجعها، فأرسل ابنه إلى النبي، فذكر الحديث، وفي آخره، ثم قال: إن أبي شيخٌ كبيرٌ وهو عريفُ (¬4) الماء، وإنه يسألك أن تجعل لي العرافةَ بعدهُ. قال: إن العرافةَ حقٌّ (¬5) ولابد للناس من عرافةٍ، ولكن العُرفاء في النار" رواه أبو داود، ولم يُسَمِّ الرجل ولا أباه ولا جده. 27 - وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله: "ليأتين عليكم أُمراء (¬6) يُقَربون شرارَ الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفاً، ولا شُرطياً (¬7)، ولا جابياً (¬8)، ¬

(¬1) يريد صاحب عمل رأسه وكتب فيه وعزل وولى وأدار وحكم. (¬2) كذا (ع ود)، وفي (ن ط): بمأكله. (¬3) مورد، وهو عين ماء ترده الإبل في المراعي، وتسمى المنازل التي في المفاوز على طرق السفار مناهل لأن فيها ماء، والناهل: العطشان والريان، والنهل: الشرب الأول، وبابه طرب. أهـ مختار. (¬4) رئيس هذه البئر يتولى إدارة السقي منها. (¬5) انتظام العمل، وحفظ الشيء من رياسة وهذا حق، ولكن حذره أن يرأس فيظلم فيجور فيرتشي. (¬6) حكاماً رؤساء أعمال. (¬7) رجل الحفظ، وحارس الأمن، والجمع شرط والواحد شرطة وشرطي، جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها ويميزون. والمعنى لا تكن حارساً فلا تعدل، وجندياً فتظلم، وفي النهاية: شرط السلطان: نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده. أهـ. (¬8) جامعاً الخراج، والعامل على تحصيل الأموال.

ولا خازناً (¬1) ". رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) حافظه في مخزن وخزانته، وأمين صندوقه. والمعنى أن تنتبه فلا تلي عملاً فتحيد عن الجادة فتسأل يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة. وفيه الحث على العدل والأمانة والصدق، وخوف الله دائماً، والتنحي عن رياسة العمل، وأداء الصلاة في وقتها. خلاصة فقه الفصل: يحذر عن جمع المال الحرام، وينهى عن أكل أموال الناس بالباطل وينصح رؤساء الأعمال بخوف الله، قد بَيَّنَ النبي الزكاة، وفضل إخراجها وأردف ذلك بتحذير أخذ أموال الناس بالباطل، وعد أن ما يخالف قوانين الزكاة لا يصح أخذه، وبين أن صاحب المكس يحرم عليه نعيم الجنة ومأواه جهنم. وجمع المال بلا حق شرعي سحت، ويكون جامعه متصفاً بصفات اليهود الذين قال الله فيهم: "سماعون للكذب أكالون للسحت" أي يجمعون المال الحرام: "أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم" (42 من سورة المائدة). وقد رأيت حديث رجل صالح كان يجمع المال من طرق تغضب الله تعالى فطلب الإقالة واعتكف، وتحرى الحلال، وترك منصبه خائفاً من الله تعالى، ومن عقابه. لماذا؟ لأن العاشر عليه غضب الله، ولا تجاب له دعوة، وعذابه شديد عند الله، فاختار العزلة عن هذا المنصب المحاط بالشكوك والجور (فاستعفاه فأعفاه) وإن داود عليه السلام نصح آل بيته أن يتهجدوا رجاء رحمة الله، واستثنى اثنين عليهما لعنة الله (ساحر أو عاشر) وفي الرواية الزانية لهما ثالث (زانية) وأنت تجد حيواناً استرحم رسول الله، وطلب منه فك الأسر ليرضع ولديه، ثم يأتي وإلا عذب عذاب العشار، فهذا الحيوان يعلم أن العشار في عذاب شديد، وتعوذ بالله من عقابه (عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل)، ثم توعد رؤساء الأعمال الجائرين الذين لم ينفذوا أوامر الله، ولم يستعملوا أحكامه سبحانه في وظائفهم (ويل للأمراء والعرفاء والأمناء) فالذي ليس أميناً عليه وزر الخيانة، ويحاسبه الله تعالى على ما فعل وإن الله تعالى يعطي الخازن الأمين والجابي الأمين بما فعلا صدقا أجر صاحب المال المتصدق كما قال: "أحد المتصدقين" قال القرطبي: معناه أن الخازن بما فعل متصدق، وصاحب المال متصدق آخر فهما متصدقان. أهـ. وقال الشوكاني: والحديث يدل على أن المشاركة في الطاعة توجب المشاركة في الأجر. أهـ. أي كل ينال ثواباً. قال ابن رسلان: ويدخل في الخازن من يتخذه الرجل على عياله من وكيل وعبد وامرأة وغلام، ومن يقوم على طعام الضيفان. أهـ. ثم بيَّنَ أن كل موظف في عمل، ويأخذ أجراً يراعى الأمانة، ويتقي الله في عمله، وإن أخذ شيئاً خفية فقد سرق (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد فهو غلول) رواه أبو داود. قال الشوكاني: فيه دليل على أنه لا يحل للعامل زيادة على ما فرض له من استعمله وأن ما أخذه بعد ذلك فهو من الغلول، وذلك بناء على أنها إجارة، ولكنها فاسدة يلزم فيها أجرة المثل. أهـ. وفيه دليل على أخذ العامل حقه من تحت يده فيقبض من نفسه لنفسه. أهـ. فعليك أخي بالأمانة، وكسب المال الحلال، وخدمة الناس لله؛ فقد قال: "من شفع لأحد شفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا" وقال الحسن في قوله تعالى: "أكالون السحت" هم حكام اليهود يستمعون الكذب ممن يأتيهم برشوة، وقال عمر رضي الله عنه: رشوة الحاكم من السحت، وقال ابن مسعود: من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة فأهدى إليه هدية فقلبها فذلك السحت فقيل له: كنا نرى أن السحت الرشوة في القضاء، فقال ذلك الكفر وتلا قوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وإنما أراد أن من أكل الرشوة في القضاء أكل السحت وكفر. وروي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي: "أنه لعن الراشي =

الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى، وما جاء في ذم الطمع والترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده

الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاء في ذم الطمع والترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: "لا تزالُ المسأَلَةُ (¬1) بأحدكم حتى يلقى الله تعالى، وليس في وجهه مُزْعَةُ لحمٍ" رواه البخاري ومسلم والنسائي. [المزعة]: بضم الميم، وسكون الزاي، وبالعين المهملة: هي القطعة. 2 - وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله قال: "إنما المسائل (¬2) كُلُوحٌ يَكْلَحُ بها الرجلُ وجههُ، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك إلا أن يسأل ذا سُلطانٍ، أو في أمرٍ لا يجدُ فيه بُداً" رواه أبو داود والنسائي والترمذي. وعنده المسألةُ كَدُّ يَكُدُّ بها الرجلُ وجهه. الحديث، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه بلفظ: كَدٌّ في رواية: وَكُلُوحٌ في أخرى. [الكلوح]: بضم الكاف آثار الخموش. 3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: "المسألة كُلُوحٌ (¬3) في وجه صاحبها يوم القيامة، فمن شاء استبقى على وجهه" الحديث. رواه أحمد، ورواته كلهم ثقات مشهورون. 4 - وعن مسعود بن عمروٍ رضي الله عنه أن النبي قال: "لا يزالُ العبدُ يسألُ وهو غنيٌّ حتى يَخْلَقَ (¬4) وجههُ فما يكون له عند الله وجهٌ" رواه ¬

= والمرتشي والراتش" فالراتش هو الذي يرشي المرتشي من مال الراشي فيأخذ له الرشوة منه، فكل مال كسبه ذو الوجاهة عند السلطان من ذوي الحوائج إليه بجاهه فهو عند مالك رحمه الله سحت. والقضاء فيه أن يرد إلى أصحابه فإن لم يعلموا رفعه السلطان إلى بيت مال المسلمين، وروي أن النبي قال: "هدايا العمال من السحت" وقال ابن عمر رضي الله عنه: "هدايا الأمراء غلول" أهـ. ص 159 المدخل. (¬1) الشحاذة وسؤال الناس، ودناءة الفعل، وقلة المروءة. (¬2) الذي يسأل الناس. (¬3) عبوس؛ يقال: كلح الرجل، وأكلحه الهم. والمعنى أن الشحاذة دناءة وخسة، وتدل على رداءة الحال وانقلاب جمال الوجه. (¬4) يبلى ويصير خلقاً ممتهناً ذابلاً تذهب نضارته، ويزول بهاؤه من الشحاذة.

البزار والطبراني في الكبير، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. 5 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "من سأل الناس في غير فاقةٍ (¬1) نزلت به، أو عِيَالٍ (¬2) لا يُطيقهُم جاء يوم القيامة بوجهٍ ليس عليه لحمٌ". 6 - وقال رسول الله: "من فتح على نفسهِ باب مسألةٍ من غير فاقةٍ نزلت به، أو عيالٍ لا يُطيقهم فتح الله عليه باب فاقةٍ (¬3) من حيثُ لا يحتسبُ" رواه البيهقي، وهو حديث جيد في الشواهد. 7 - وعن عائذ بن عمروٍ رضي الله عنه: "أن رجلاً أتى النبي يسألهُ فأعطاهُ، فلما وضع رجلهُ على أُسْكُفَّةِ (¬4) الباب. قال رسول الله: لو يعلمون ما في المسألة (¬5) ما مشيَ أحدٌ إلى أحدٍ يسألهُ" رواه النسائي. ورواه الطبراني في الكبير من طريق قابوس عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "لو يعلم صاحب المسألة مَا لَهُ فيها لم يسئل". 8 - وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "مسألة الغنيِّ شَيْنٌ (¬6) في وجهه يوم القيامة" رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني والبزار، وزاد: ومسألة الغني نارٌ (¬7) إن أُعْطِيَ قليلاً فقليلٌ، وإن أعطيَ كثيراً فكثيرٌ". 9 - وعن ثوبان رضي الله عنه أن النبي قال: "من سأل مسألةً وهو عنها غنيٌّ كانت شيناً في وجهه يوم القيامة" رواه أحمد والبزار والطبراني، ورواة أحمد محتج بهم في الصحيح. إن المسألة لا تحل لغني إلخ 10 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله ¬

(¬1) حاجة. (¬2) أولاد وأهل وأسرة ينفق عليهم، وليس عنده شيء. (¬3) فقر ولا يشعر. والمعنى أن نفسه تميل إلى الذلة، وتنزع منه البركة. (¬4) كذا (ع ص 275)، وفي (ن د): في إسكفة. (¬5) من العذاب والضعة، وفيه الحث على التعفف عن المسألة، والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق، وارتكب المشقة في ذلك، ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها، وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال، وذل الرد إذا لم يعط، ولما يدخل على المسئول من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل. (¬6) عيب. (¬7) عذاب يخلد له يوم القيامة يكون به، لأن عنده رزقاً يكفيه شر السؤال، وليس في حاجة للشحاذة.

قال: "من سأل وهو غنيٌّ عن المسألة يُحشرُ يوم القيامة وهي خُمُوشٌ (¬1) في وجهه" رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به. 11 - وعن مسعود بن عمروٍ رضي الله عنه عن النبي: "أنه أتيَ برجلٍ يُصَلَّى عليه فقال: كم ترك؟ قالوا: دينارين أو ثلاثةً. قال: ترك كَيَّتَيْنِ (¬2) أو ثلاثَ كَيَّاتٍ، فلقيتُ عبد الله بن القاسم مولى أبي بكرٍ فذكرتُ ذلك له، فقال له: ذاك رجلٌ كان يسألُ الناس تَكَثُّراً (¬3) " رواه البيهقي من رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني. 12 - وعن حبشي بن جُنادة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "من سأل (¬4) من غير فقرٍ فكأنما يأكلُ الجمر (¬5) " رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي، ولفظه: "سمعت رسول الله يقول: الذي يسألُ من غيرِ حاجةٍ (¬6) كمثلِ الذي يلتقط الجمر" وراه الترمذي من رواية مُجالدٍ عن عامر بن حبشي أطول من هذا، ولفظه: "فأخذ بطرف ردائهِ فسألهُ إياهُ فأعطاهُ وذهبَ، فعند ذلك حُرِّمَتِ المسألةُ، فقال رسول الله: إن المسألة لا تَحِلُّ لغنيٍّ ولا الذي مِرَّةٍ سويٍّ إلا لذي فقرٍ مُدقعٍ أو غُرْمٍ مُقطِعٍ، ومن سأل الناس لِيُثْرِيَ (¬7) به مالهُ كان خُموشاً في وجههِ يوم القيامة، ورَضْفاً يأكلهُ من جهنم، فمن شاء فليقلل، ومن شاء فليكثر" قال الترمذي: حديث غريب، زاد فيه رزين: ¬

(¬1) وهو خمش الوجه بظفر أو حديدة. والمعنى أن وجهه يظهر يوم القيامة فيه جروح وكدود وخطوط دليلاً على تشويهه، وذهاب رونقه لشحاذته، ودناءة صاحبه، وقد بَيَّنَ حد الغنى "قالوا: يا رسول الله: وما يغنيه؟ قال: ما يغديه أو يعشيه" رواه أحمد وأبو داود، وروى الخمسة "خمسون درهماً أو حسابها من الذهب". (¬2) يعذب بالكي بها في النار. (¬3) يطلب الغنى وزيادة المال، وعنده قوت يومه، وفيه دليل على أن سؤال التكثر محرم، وهو السؤال بقصد الجمع من غير حاجة. (¬4) كذا (ع ص 276)، وفي (ن د): من يسأل. (¬5) قال القاضي عياض: معناه أنه يعاقب بالنار قال: ويحتمل أن يكون على ظاهره، وأن الذي يأخذه يصير جمراً يكوى به كما ثبت في مانع الزكاة. أهـ. (¬6) فقر. (¬7) كذا (ع)، وفي (ط): ليتثرى.

"وإني لأعطي الرجلَ العَطيةَ فينطلق بها تحت إبطه، وما هي إلا النارُ، فقال له عمر: وَلِمَ تُعْطِي يا رسول الله ما هو نارٌ؟ فقال: أبى الله ليَ البُخل، وأبَوْا إلا مسألتي. قالوا: وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: قدرُ ما يُغَدِّيهِ أو يُعَشِّيهِ" وهذه الزيادة لها شواهد كثيرة لكني لم أقف عليها في شيء من نسخ الترمذي. [المرة]: بكسر الميم وتشديد الراء: هي الشدة والقوة. [والسويّ] بفتح السين من سأل الناس تكثراً فإنما يسأل جمراً 13 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "من سأل الناس تَكَثُّراً، فإنما يسأل جمراً فَلْيَسْتَقِلَّ أو لِيَسْتَكْثِرْ" رواه مسلم وابن ماجة. 14 - وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "من سأل الناس عن ظهر غنىً استكثر بها من رَضْفِ جهنم. قالوا: وما ظهرُ غنى؟ قال: عَشَاءُ ليلةٍ" رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند، والطبراني في الأوسط، وإسناده جيد. 15 - وعن سهلِ بن الحنظلية رضي الله عنه قال: "قَدِمَ عُيَينَةُ بن حِصْنٍ، والأقرعُ بن حابسٍ رضي الله عنهما على رسول الله فسألاهُ فأمر معاوية فكتب لهما ما سألا، فأما الأقرعُ: فأخذ كتابه فَلَفَّهُ في عمامتهِ وانطلقَ، وأما عُيينةُ: فأخذ كتابهُ وأتى به رسول الله فقال: يا محمد أتُراني حاملاً إلى قومي كتاباً لا أدري ما فيه كصحيفةِ المُتَلَمِّسِ، فأخبر مُعاوية بقوله رسول الله، فقال رسول الله: من سأل وعنده ما يغنيهِ، فإنما يستكثرُ من النار" قال الطفيلي وهو أحد رواته: قالوا: وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألةُ؟ قال: قدرَ ما يُغدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ" رواه أحمد واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، وقال فيه: "من سأل شيئاً وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم. قالوا: يا رسول الله وما يغنيهِ؟ ما يغديه أو يعشيه كذا عنده بألفٍ" ورواه ابن خزيمة باختصار إلا أنه قال:

"قيل: يا رسول الله وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: أن يكون له شِبَعُ يومٍ وليلةٍ، أو ليلةٍ ويومٍ". [قوله] كصحيفة المتلمس: هذا مثل تضرب العرب لمن حمل شيئاً لا يدري هل يعود عليه بنفع أو ضر. وأصله أن المتلمس، واسمه عبد المسيح قدم هو وطرفة العبدي على الملك عمرو ابن المنذر، فأقاما عنده فنِقمَ عليهما أمراً، فكتب إلى بعض عماله يأمره بقتلهما، وقال لهما إني قد كتبت لكما بصلة، فاجتازا البحيرة فأعطى المتلمس صحيفته فقرأها فإذا فيها الأمر بقتله فألقاها وقال لطرفة افعل مثل فعلي، فأبى عليه ومضى إلى عامل الملك فقرأها وقتله. [قال الخطابي]: اختلف الناس في تأويله، يعني حديث سهل، فقال بعضهم: من وجد غداء يومه وعشاءهُ لم تَحِلَّ له المسألةُ على ظاهر الحديث، وقال بعضهم: إنما هو فيمن وجد غداءً وعشاءً على دائم الأوقاتِ، فإذا كان عنده ما يكفيه لِقُوتِهِ المدة الطويلةَ حَرُمَتْ عليه المسألةُ، وقال آخرون: هذا منسوخ بالأحاديث التي تقدم ذكرها يعني الأحاديث التي فيها تقدير الغنى بملك خمسين درهماً، أو قيمتها، أو بملك أوقية، أو قيمتها. [قال الحافظ] رضي الله عنه: ادعاء النسخ مشترك بينهما، ولا أعلم مرجحاً لأحدهما على الآخر. وقد كان الشافعي رحمه الله يقول: قد يكون الرجل بالدرهم غنياً مع كسبه ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه، وكثرة عياله، وقد ذهب سفيان الثوري، وابن المبارك، والحسن ابن صالح وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية إلى أن من له خمسون درهماً، أو قيمتها من الذهب لا يدفع إليه شيء من الزكاة. وكان الحسن البصري، وأبو عبيدة يقولان: من له أربعون درهماً فهو غني، وقال أصحاب الرأي: يجوز دفعها إلى من يملك دون النصاب، وإن كان صحيحاً مكتسباً مع قولهم من كان له قوت يومه لا يحل له السؤال استدلالاً بهذا الحديث وغيره، والله أعلم. 16 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "من سأل الناس لِيُثْرِيَ (¬1) مالهُ، فإنما هي رَضْفٌ من ¬

(¬1) يكثر ماله. يا عجباً! يتخذ الشحاذة باب غنى، ويسأل الناس فيعذبه الله يوم القيامة بجمع ما يأخذ، ويحمى عليه في جهنم، ثم يكوى به، ثرى القوم يثرون: كثر مالهم، وأثرى إثراءً: استغنى.

النار مُلْهَبَةٌ (¬1) فمن شاء فَلْيُقِلَّ، ومن شاء فَلْيُكْثِرْ" رواه ابن حبان في صحيحه. [الرضف] بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة بعدها فاء: الحجارة المحماة. 17 - ورويَ عن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه قال: "جاء مَالٌ من البَحْرَيْنِ فدعا النبي العباس رضي الله عنه فَحَفَنَ (¬2) له، ثم قال: أزِيدُكَ؟ قال: نعم، فَحَفَنَ له، ثم قال: أزيدُكَ؟ قال: نعم، فَحَفَنَ لهُ، ثم قال: أزيدك؟ قال: نعم، فحفن له، ثم قال: أزيدك؟ قال: نعم. قال: أبْقِ لمن بعدك ثم دعا بي، فَحَفَنَ لي، فقلتُ يا رسول الله: خيرٌ لي أو شرٌّ لي؟ قال: لا. بل شَرٌّ (¬3) لك فرددتُ عليه ما أعطاني، ثم قلتُ: لا والذي نفسي بيده لا أقبلُ من أحدٍ عطيةً بعدك. قال محمد بن سيرين: قال حكيمٌ: فقلت يا رسول الله ادعُ الله أن يبارك لي. قال اللهم بارك له في صفقةِ (¬4) يده" رواه الطبراني في الكبير. 18 - وعن أسْلَمَ قال: "قال لي عبد الله بن الأرقم. أدْلِلْنِي (¬5) على بعيرٍ من العطايا أستحملُ عليه أمير المؤمنين. قلت: نعم جَمَلٌ من إبلِ الصدقةِ، فقال عبد الله بن الأرقم: أتُحِبُّ لو أن رجلاً بادناً في يومٍ حارٍّ غسل ما تحت إزاره ورُفْغَيْهِ، ثم أعطاكهُ فشربتهُ. قال: فغضبتُ وقلتُ يغفرُ الله لك لِمَ تقول مثل هذا لي؟ قال: فإنما الصدقة أوساخُ الناس يغسلونها عنهم" رواه مالك. [البادن]: السمين. [والرفغ] بضم الراء وفتحها، وبالغين المعجمة: هو الإبط، وقيل: وسخ الثوب، والأرفاغ: المغابن التي يجتمع فيها العرق والوسخ من البدن. 19 - وعن علي رضي الله عنه قال: قُلتُ للعباس سَلِ النبي ¬

(¬1) نار موقدة. (¬2) أعطاه حفنة. (¬3) الأخذ شر لأنه يدعو إلى سؤالك يوم القيامة. (¬4) يبارك له في عهده وميثاقه لأن المتعاهدين يضع أحدهما يده في يد الآخر كما يفعل المتبايعان، ومنه حديث ابن عمر رضي الله عنهما "أعطاه صفقة يده وثمرة قلبه" دعا له بالقناعة والرضا، وقد كان، فما سأل أحداً بعدئذ، وفيه أن الأحسن للفقير أن يأخذ عملاً، ويرضى به، ولا يلجأ إلى السؤال ومذلة الرجال. (¬5) أرشدني، لم يرض أن يحمل على بعير لأنه حثالة الناس مثل الفضالة الباقية من غسل الجسم على قذارتها وعزوف النفس عنها، وميلها إلى الطاهر المحبوب.

يستعملك (¬1) على الصدقة، فسألهُ قال: ما كنتُ لأستعملك على غُسَالَةِ (¬2) ذنوب الناس" رواه ابن خزيمة في صحيحه. 20 - وعن أبي عبد الرحمن عوف بن مالكٍ الأشجعي رضي الله عنه قال: "كنا عند رسول الله تسعةً، أو ثمانيةً، أو سبعةً، فقال ألا تُبايعون رسول الله، وكنا حديث عهدٍ (¬3) ببيعةٍ، فقلنا قد بايعناك يا رسول الله، فقال: قال ألا تُبايعون رسول الله فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فَعَلاَمَ نُبايعك؟ قال: أن تعبدوا (¬4) الله، ولا تشركوا به شيئاً، والصلواتِ (¬5) الخمس، وتُطيعوا (¬6)، وأسَرَّ كلمةً خفيَّةً، ولا تسألوا (¬7) الناس، فلقد رأيتُ بعض أولئك النفر يسقطُ سَوْطُ أحدهم فما يسألُ أحداً يُناولهُ إياهُ (¬8) " رواه مسلم والترمذي والنسائي باختصار. ¬

(¬1) اطلب منه أن يوظفك عاملاً تجمع الصدقات وتحفظها لتخزن فتنفق في مصالح المسلمين. (¬2) ما غسلت به الشيء ونظفته به: أي البقية الباقية. يرهب من الشحاذة والسؤال، ويبين أن الصدقة تطهر صاحبها من البخل كما يطهر الماء الدنس، فهي مثل الماء الذي نظف، فمن أخذها أخذ أوساخ الناس، وتحمل قذارتهم وكان أداة طهارتهم من الشح، فلا يرضى بها إلا الفقير المحتاج فقط، أما القادر على الكسب فيتعفف ويتنحى عن قبولها. (¬3) عبارة عن المعاقدة على الإسلام والمعاهدة على العمل بأمور الدين كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته، ودخيلة أمره. (¬4) توحدوه تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، وتخلصوا له العبادة. (¬5) تؤدوها كاملة تامة. (¬6) تتبعوا أوامر الله تعالى وتنفذوها، وتطيعوا أولياء الأمور. (¬7) ارضوا بما قسم الله لكم، واجتنبوا السؤال، ولا تطلبوا من الناس شيئاً. نهى عن السؤال الذي كان على طريق التكلف والتعنت، وكذا سؤال الناس أموالهم من غير حاجة، فالنهي يشمل اثنين: (أ) التبجح في السؤال فلا فائدة. (ب) الشحاذة. (¬8) يعلم الاعتماد على النفس، وقيامها بأعمالها بلا التجاء إلى مخلوق، وغرس غريزة الاعتماد والشجاعة، وقضاء الحاجة بهمة، ولقد سمعوا العظة من رسول الله فقاموا بأعمالهم خير قيام حتى كان السوط يسقط فيأخذه بنفسه بلا سؤال أحد. هذا هو دين الله تعالى، وحبيبه يذم الإمعة الوكل ضعيف العزيمة، وهي الإرادة يلجأ إلى الناس في أعماله، ويمدح قوي العزيمة النافذ الكلمة السباق إلى عمله: لا تحسبن ذهاب نفسك ميتة ... ما الموت إلا أن تعيش مذللا على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم =

إن حبي أمرني أن لا أسأل الناس شيئاً 21 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "بايعني رسول الله خمساً، وأوثقني سبعاً، وأشهد الله على سبعاً: أن لا أخاف في الله لومة لائمٍ، قال أبو المثنى قال أبو ذر، دعاني رسول الله فقال: هل لك إلى البيعةِ، ولك الجنةُ قلت: نعم، وبسطتُ يدي، فقال رسول الله: وهو يشترطُ عليَّ أن لا أسألَ الناس شيئاً؟ قلتُ: نعم. قال: ولا سَوْطَكَ إن سقطَ منكَ حتى تنزلَ فتأخذهُ". وفي روايةٍ: "أن النبي قال: ستة أيامٍ، ثم اعقل يا أبا ذر: ما يُقالُ لك بَعْدُ، فلما كان اليوم السابعُ قال: أوصيك بتقوى الله في سرِّ أمرك (¬1) وعلانيتهِ وإذا أسأت فأحسنْ (¬2)، ولا تسألنَّ أحداً شيئاً، وإن سقط سَوْطَكَ ولا تقبضنَّ أمانةً (¬3) " رواه أحمد، ورواته ثقات. 22 - وعن ابن مُليكةَ قال: "ربما سقط الخطامُ من يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيَضْرِبُ بذراعِ ناقتهِ فَيُنِيخُهَا (¬4) فيأخذهُ. قال فقالوا له: أفلا أمرتنا فَنُنَاوِلَكَهُ؟ قال: إن حِبِّي (¬5) أمرني أن لا أسأل الناس شيئاً" رواه أحمد، وابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر رضي الله عنه. ¬

= وتعظم في عين الصغار صغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائم الله تعالى كفل الأرزاق وتعهد بالقوت وحفظ العمر فلماذا السؤال؟ وقد قال تعالى: "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" وما أحسن قول الشاعر: ولو مد نحوي حادث الدهر كفه ... لحدثت نفسي أن أمد له يدا توقد عزمي يترك الماء جمرة ... وحيلة حلمي تترك السيف مبردا وأظمأ إن أبدى لي الماء منة ... ولو كان لي نهر المجرة موردا ولو كان إدراك الهدى بتذلل ... رأيت الهدى أن لا أميل إلى الهدى هذا ابن سناء الملك المتوفى سنة 608 هـ، يعني أنه عيوف يكره كل ما فيه امتنان عليه حتى في الماء الذي هو حياة الأنفس، ولا يتحمل ذل السؤال مهما كان مورد النعمة. المجرة: قطعة في السماء واسعة تشبه المكان المتسع من النهر، ثم يعني أن الهداية لو كانت بتذلل لكان من الحق تركها وقد سبقه سيدنا قرة العيون ومربي النفوس، قال أبو ذر: "يشترط عليَّ ألا أسأل الناس شيئاً". (¬1) اخش الله في الخفية والجهر. (¬2) إذا صدر منك ذنب فأحسن، واستعمل الرأفة والأدب والكمال والعفو وحسن الخلق. (¬3) اجتنب حفظ الأمانة عندك خشية ألا تقوم بها تماماً، فتعذب على تقصيرك في حفظها. (¬4) كذا (ع ص 280)، وكذا (د)، وفي (ط): فينحيها. (¬5) حبيبي. أيها المسلم: أمير المؤمنين، وأفضل المسلمين يمد يده بنفسه، وينيخ =

[الخطام] بكسر الخاء المعجمة: هو ما يوضع على أنف الناقة وفمها لتقاد به. ما أوصى به أبا ذر 23 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "من يبايعُ؟ فقال ثوبان مولى رسول الله بايعنا يا رسول الله. قال على أن لا تسأل أحداً شيئاً، فقال ثوبانُ: فمالهُ يا رسول الله؟ قال: الجنةُ: فبايعهُ ثوبان. قال أبو أمامة: فلقد رأيتهُ بمكةَ في أجمعِ ما يكونُ من الناس يسقُطُ سَوْطُهُ وهو راكبٌ، فربما وقعَ على عاتقِ رجلٍ فيأخذهُ الرجلُ فيناولهُ فما يأخذهُ حتى يكون هو ينزلُ فيأخذهُ" رواه الطبراني في الكبير من طريق علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة. 24 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي: بسبعٍ: بِحُبِّ المساكين (¬1)، وأن أدنو (¬2) منهم، وأن أنظر إلى من هو أسفلُ مني (¬3)، ولا أنظر إلى من هو فوقي (¬4)، وأن أصلَ رحمي (¬5) وإن جفاني، وأن أكثرَ من قول: ¬

= ناقته، فيأخذ خطامها ليعمل بأمره، فهل لك أن تقتدي به، وتتكل على الله وحده، وتقوم بأعمالك خير قيام. غرائز الاجتماع من علم النفس ينميها قوله: "لا تسأل الناس شيئاً". تصور أيها العزيز ملكاً حاز أبهة الملك وجمع صفاتي المروءة والشجاعة وعقدت الخناصر على محبته ويركب ناقته في سفر وحوله جمع محتشد يتمنى خدمته وطوع إشارته فيسق حبل ناقته فيحضره بنفسه ويقول القولة الصحيحة والمثل العالية في تربية النفوس على الاعتماد على النفس: "إن حبي أمرني أن لا أسأل الناس شيئاً" الحديث. والآن علماء التربية يدرسون غرس الفضائل في نفوس النشء، ليترعرع عليها، وها هو سيدنا رسول الله يباع الناس على الاتكال على الله، والعمل المتقن. ما حك جلدك مثل ظفرك ... فتول أنت جميع أمرك يقولون تجب: أولاً: تربية عادة الإقدام في نفوس الأحداث. ثانياً: قوة الإرادة الحازمة. ثالثاً: بث الأفكار الصالحة. رابعاً: الوسيلة المانعة والدافعة. خامساً: قوة الفكر والتفكير. سادساً: وجدان الفضيلة والدين والمروءة. سابعاً: المحافظة على الشرف والبقاء والثناء. ثامناً: حب الاطلاع. تاسعاً: المنافسة. هذه نظريات قل من كثر في تكوين العادات الحسنة الاجتماعية في الإنسان جمعها في جملة لينهى الناس عن الدعة والذلة وحب التوكل ويغرس فيهم الخلال المنتجة والصفات الداعية إلى المحامد والمكارم، وتلك حادثة مولى رسول الله (فبايعه ثوبان) وقد شهد صادق أن سوطه وقع فلم يأخذه من أحد، وأخذه وحده. (¬1) العطف على الفقراء ومجالستهم وإكرامهم، والإحسان إليهم. (¬2) أتقرب. (¬3) أقل مني في المال والصحة والبنين لأرضى بنعمة ربي وأشكره على إحسانه فأنال أجراً. (¬4) أكثر مني مالاً وجاهاً وصحةً وقوةً. (¬5) أن أود أهلي وأقاربي ذكوراً وإناثاً وأحسن إليهم.

لا حول ولا قوة إلا بالله (¬1)، وأن أتكلم بِمُرِّ الحق، ولا تأخذني في الله لومةُ لائمٍ (¬2)، وأن لا أسأل الناس شيئاً" رواه أحمد والطبراني من رواية الشعبي عن أبي ذر، ولم يسمع منه. اليد العليا خير من اليد السفلى 25 - وعن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه قال: "سألتُ رسول الله فأعطاني، ثم سألتهُ فأعطاني، ثم سألتهُ فأعطاني، ثم قال: يا حكيم! هذا المالُ خَضِرٌ حُلْوٌ، فمن أخذهُ بسخاوةِ نفسٍ بُوركَ له فيه، ومن أخذهُ بإشرافِ نفسٍ لم يُباركْ له فيه، وكان كالذي يأكلُ ولا يشبعُ، واليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى. قال حكيمٌ: فقلتُ: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرْزَأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفَارِقَ الدنيا، فكان أبو بكرٍ رضي الله عنه يدعو حكيماً ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئاً، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاهُ ليعطيه العطاء، فأبى أن يقبلهُ، فقال يا معشر المسلمين: أشهدكم على حكيمٍ أني أُعْرِضُ عليه حقهُ الذي قسمَ الله له في هذا الفيء، فيأبى أن يأخذهُ، ولم يَرْزَأ حكيمٌ أحداً من الناس بعد النبي حتى تُوُفيَّ رضي الله عنه" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي باختصار. [يرزأ] براء، ثم زاي، ثم همزة: معناه لم يأخذ من أحد شيئاً. [وإشراف النفس] بكسر الهمزة، وبالشين المعجمة وآخره فاء: هو تطلعها وطمعها وشرهها. [وسخاوة النفس]: ضد ذلك. 26 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "من يكفل (¬3) لي أن لا يسأل الناس شيئاً أتكفل له بالجنة، فقلتُ: أنا، فكان لا يسألُ أحداً شيئاً" رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، وأبو داود بإسناد صحيح. وعن ابن ماجة قال: "لا تسأل الناس شيئاً. قال: فكان ثوبان يقعُ سوطهُ وهو راكبٌ، فلا يقولُ لأحدٍ ناولنيهِ حتى ينزلَ فيأخذهُ". 27 - وعن عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه أن رسول الله ¬

(¬1) أن أجعلها ورداً صباح مساء. (¬2) لا يهمني في الحق أحد كثير العتب والتعنيف. (¬3) يضمن.

قال: "ثلاثٌ: والذي نفسي بيده إن كنتُ لحالفاً (¬1) عليهنَّ: لا ينقصُ مالٌ من صدقةٍ فتصدقوا، ولا يعفو (¬2) عبدٌ عن مظلمةٍ إلا زادهُ الله بها عزاً يوم القيامة، ولا يفتحُ عبدٌ باب مسألةٍ (¬3) إلا فتح الله عليه باب فقرٍ" رواه أحمد، وفي إسناده رجل لم يُسَمَّ، وأبو يعلى والبزار، وتقدم في الإخلاص من حديث أبي كبشة الأنماري مطولاً، رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. ورواه الطبراني في الصغير من حديث أم سلمة، وقال في حديثه: ولا عفا رجلٌ عن مظلمةٍ إلا زادهُ الله بها عزاً فاعفوا يُعِزُّكُمُ اللهُ، والباقي بنحوه. 28 - وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: "قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله: لقد سمعتُ فلاناً وفلاناً يُحسنان الثناء يذكران أنك أعطيتهما دينارين. قال: فقال النبي: والله لكنَّ فلاناً ما هو كذلك لقد أعطيتهُ ما بين عشرةٍ إلى مائةٍ فما يقول ذلك، أمَا والله إن أحدكم ليخرج (¬4) مسألتهُ من عندي يتأبطها، يعني تكون (¬5) تحت إبطهِ ناراً، فقال: قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله: لِمَ تُعطيها إياهم؟ قال فما أصنعُ؟ يأبون (¬6) إلا ذلك، ويأبى الله ليَ البخل (¬7) " رواه أحمد وأبو يعلى، ورجال أحمد رجال الصحيح. ¬

(¬1) لمقسماً بالله كذا (ع)، و (د)، وفي (ن ط): لحالفها. يريد أن الإنفاق لله يزيد المال، ولا ينقصه. قال المتنبي: ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر ثم أمر بالتصدق والإحسان رجاء الغنى والسعادة. وما ضاع مال ورث الحمد أهله ... ولكن أموال البخيل تضيع وقال تعالى: "إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم" (19 من سورة الحديد). يا أخي يخبرك سبحانه بالمضاعفة، وزيادة الخير والنعم والثواب للمتصدقين والمتصدقات. (¬2) كذا (ع ص 280)، وفي (ن د): يعف، والمعنى لا يصفح إنسان لله ولا يسامح لله ولا يتغاضى عن هفوته طلباً لمرضاة الله إلا أحاطه الله بصنوف الحفظ والمعالي والإكرام. قال تعالى: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله" (40 من سورة الشورى). (¬3) حاجة وذل، والالتجاء إلى مخلوق في قضاء وطره. وفيه الحث على الصدقة، والغض عن الإساءة والقناعة والمحافظة على عزة النفس. قال الشاعر: غنى النفس ما يكفيك من سد خلة ... فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقراً (¬4) كذا (ع ود ص 281)، وفي (ن ط): لتخرج مسألته. (¬5) يعني أنها تسبب له النار والعذاب والهلاك. (¬6) يكثرون الإلحاح. (¬7) ولا يحب الله لي الشح.

وفي روايةٍ جيدةٍ لأبي يعلى: "وإن أحدكم ليخرج بصدقتهِ من عندي مُتأبطها، وإنما هي له نارٌ. قلتُ: يا رسول الله كيف تُعطيهِ وقد علمت أنها له نارٌ؟ قال: فما أصنعُ يأبون إلا مسألتي (¬1)، ويأبى الله عز وجل ليَ البُخلَ (¬2) ". 29 - وعن أبي بشرٍ قُبيصةَ بن المخارقِ رضي الله عنه قال: "تحملتُ حمالةً، فأتيتُ رسول الله أسألهُ فيها فقال: أقمْ حتى تأتينا الصدقة فنأمرَ لك بها، ثم قال: يا قُبيصةُ: إن المسألة لا تَحِلُّ إلا لأحد ثلاثةٍ: رجلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبها ثم يُمسِكَ، ورجلٍ أصابتهُ جائحةٌ اجتاحتْ مالهُ فَحَلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَ قِوَاماً من عَيْشٍ، أو قال: سِدَاداً من عيشٍ، ورجلٍ أصابتهُ فاقةٌ حتى يقولَ ثلاثةٌ من ذوي الحِجَى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقةٌ، فَحَلَّتْ لهُ المسألةُ حتى يُصيبَ قِوَاماً من عيشٍ، أو قال سِدَاداً من عيشٍ، فما سِوَاهُنَّ من المسألةِ. يا قبيصةُ سُحْتٌ يأكلها صاحبها سُحْتاً (¬3) " رواه مسلم وأبو داود والنسائي. [الحمالة] بفتح الحاء المهملة: هو الدية يتحملها قوم من قوم، وقيل: هو ما يتحمله المصلح بين فئتين في ماله ليرتفع بينهم القتال ونحوه. [والجائحة]: الآفة تصيب الإنسان في ماله. [والقوام] بفتح القاف، وكسرها أفصح: هو ما يقوم به حال الإنسان من مال وغيره. [والسداد] بكسر السين المهملة: هو ما يسد حاجة المعون ويكفيه. [والفاقة]: الفقر والاحتياج. [والحجى] بكسر الحاء المهملة مقصوراً: هو العقل. 30 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: ¬

(¬1) الطلب مني بإلحاف، ولم يتركوها للمحتاجين الفقراء. (¬2) ويريد الله عز وجل أن يشمله بكرمه وأن يقيه شر البخل، ويجعل اسمه جواداً سمحاً يعطي الكثير ولا يخشى الفقر. (¬3) يبين أن الإسلام عمل وعزة نفس وكرامة وشرف، ويحذر من الامتهان والضعة وذل السؤال، وأباح سؤال الناس لثلاثة: (أ) رجل أصلح بين متحاربين ووقف القتال بين طائفتين وتحمل الدية والغرامة، والإنفاق على ما يجلب المودة والمحبة بينهما وأبطل سفك الدماء وإراقته هدراً، وتحمل ديات القتلى ليصلح ذات البين، فله أن يسأل الناس ليعاونوه على هذه المهام الشاقة. (ب) من كان غنياً وافتقر، ولا يقدر على الكسب. (جـ) الفقراء والمساكين الضعفاء الذين يشهد لهم أصحاب العقول الراجحة السليمة. غير أولئك باطل وحرام ونار في بطون الشحاذين.

"استغنوا عن الناس، ولو بِشَوْصِ (¬1) السواك" رواه البزار والطبراني بإسناد جيد والبيهقي. إن الله يحب الغني الحليم المتعفف 31 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: "لا يؤمن عبدٌ (¬2) حتى يأمن جارُهُ بوائقهُ (¬3)، ومن كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخر، فلْيُكْرِمْ ضيفهُ (¬4)، ومن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر: فليقل خيراً، أو ليسكت إن الله يحب الغني الحليم المتعفف (¬5)، ويبغضُ البذيَّ (¬6) الفاجر (¬7) السائل (¬8) المُلِحَّ (¬9) " رواه البزار. 32 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "عُرِضَ عليَّ أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة، وأول ثلاثةٍ يدخلون النار، فأما أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة: فالشهيدُ (¬10)، وعبدٌ مملوكٌ أحْسَنَ عبادة ربه، ونصحَ لسيدهِ (¬11)، وعفيفٌ (¬12) مُتعففٌ ذو عيالٍ (¬13) " رواه ابن خزيمة في صحيحه، وتقدم بتمامه في منع الزكاة. 33 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوفٍ عن أبيه رضي الله عنه قال: "كانت لي عند رسول الله عدةٌ، فلما فُتحت قُريظة جتُ لِيُنْجِزَ إليَّ ما وعدني فسمعتهُ يقول: من يستغنِ (¬14) يُغْنِهِ (¬15) الله، ومن يقنع (¬16) يُقنِّعْهُ (¬17) الله ¬

(¬1) بتنظيفه، شصت شوصاً: غسلت غسلاً: أي ولو بغسالته، وقيل: بما يتفتت منه عند التسوك، وكان يشوص فاه بالسواك: أي يدلك أسنانه وينقيها. (¬2) مسلم. (¬3) مهلكاته وضرره. (¬4) يحسن إليه ويبذل ما عنده ثقة بالله المعطي المخلف. (¬5) الذي لا يسأل الناس. (¬6) قبيح اللسان. (¬7) الفاسق. (¬8) كثير السؤال. (¬9) الشحاذ. (¬10) الذي مات مجاهداً في سبيل نصر دين الله. (¬11) أدى حقوق الله وحقوق سيده، وحفظ ماله، وراعى الأمانة. (¬12) أي يطلب العفاف والتعفف وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس وتكلف الصبر والنزاهة عن الشيء. (¬13) له أسرة ينفق عليها وأهل وأولاد، وجد في عمل وقنع برزق الله ومنه الحديث: "اللهم إني أسألك العفة والغنى". (¬14) يترك سؤال الناس. (¬15) يرزقه الله الغنى والسعادة. (¬16) يرض بالقليل ويملأ قلبه إيماناً بربه وقناعة، والقنوع: الرضى باليسير من العطاء، وقنع يقنع قنوعاً بالفتح: سأل. وقنع يقنع قنوعاً وقناعة بالكسر: رضى، ومنه: القناعة كنز لا ينفذ، لأن الإنفاق منها لا ينقطع كلما تعذر عليه شيء من أمور الدنيا قنع بما دونه ورضي، ومنه حديث: "عز من قنع وذل من طمع" لأن القانع لا يذله الطالب فلا يزال عزيزاً. (¬17) يرضه الله تعالى بما أعطى، ويفتح له باب رحماته.

فقلتُ في نفسي لا جرم (¬1) لا أسأله شيئاً" رواه البزار، وأبو سلمة لم يسمع من أبيه، قاله ابن معين وغيره. 34 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: "وهو على المنبرِ، وذكر الصدقة، والتعففَ عن المسألةِ: اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، والعليا: هي المنفقةُ، والسفلى: هي السائلة" رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وقال أبو داود: اختلف على أيوب عن نافع في هذا الحديث. قال عبد الوارث: اليد العليا المتعففةُ. وقال أكثرهم عن حماد ابن يزيد عن أيوب المنفقة، وقال واحد عن حماد: المتعففة. [قال الخطابي]: رواية من قال: المتعففة أشبه وأصح في المعنى، وذلك أن ابن عمر ذكر أن رسول الله ذكر هذا الكلام وهو يذكر الصدقة، والتعفف عنها، فعطف الكلام جزم على سببه الذي خرج عليه وعلى ما يطابقه في معناه أولى، وقد يتوهم كثير من الناس أن معنى العليا أن يد المعطي مستعلية فوق يد الآخذ، يجعلونه من علو الشيء إلى فوق، وليس ذلك عندي بالوجه، وإنما هو من علا المجد والكرم، يريد التعفف عن المسألة والترفع عنها، انتهى كلامه، وهو حسن. 35 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "الأيدي ثلاثةٌ: فَيَدُ الله العليا، ويدُ المعطي التي تليها، ويدُ السائل السفلى (¬2) إلى يوم القيامة، فاستعفف (¬3) عن السؤال، وعن المسألة ما استطعت، فإن أُعطيتَ شيئاً أو قال خيراً فَلْيُرَ عليك (¬4)، وابدأ بمن تعول (¬5)، وارضخ من الفضل (¬6)، ولا تُلاَمُ ¬

(¬1) هذه كلمة ترد بمعنى تحقيق الشيء: أي حقاً، أو لابد. قال تعالى: "لا جرم أن لهم النار" أي ليس الأمر كما قالوا، ثم ابتدأ فقال: وجبت لهم النار: اي قد وجب أن لا أسأله شيئاً، واستفاد الصحابي من حديثه العظة والقناعة والاعتماد على الله والثقة به سبحانه. (¬2) السائلة الممدودة للعطاء. (¬3) اطلب العفاف. (¬4) فلتظهر نعمة الله عليك بحمده وتقنع وتتجمل وتنفق. (¬5) قدم في النفقة المهم من أقاربك وأهلك. (¬6) أي أعط من نعمة الله وجد، والرضخ: العطية القليلة: أي تصدق على قدر طاقتك. واقنع بما قسم الله الكريم ولا ... تبسط يديك لنيل الرزق من أحد أقوال الشعراء في القناعة: وأكل كسيرة في جنب بيتي ... أحب إليَّ من أكل الرغيف =

على الكفاف" رواه أبو يعلى، والغالب على رواته التوثيق، ورواه الحاكم، وصحح إسناده. ¬

_ = ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إليَّ من لبس الشفوف هي القناعة فالزمها تعش ملكا ... لو لم يكن منك إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير القطن والكفن قنعت بالقوت من زماني ... وصنت نفسي عن الهوان خوفاً من الناس أن يقولوا ... فضل فلان على فلان من كنت عن ماله غنيا ... فلا أبالي إذا جفاني ومن رآني بعين نقص ... رأيته بالتي رآني ومن رآني بعين تم ... رأيته كامل المعاني إذا المرء عوفي في جسمه ... وملكه الله قلباً قنوعاً وألقى المطامع عن نفسه ... فذاك الغنيُّ ولو مات جوعا والنفس تجزع أن تكون فقيرة ... والفقر خير من غنى يطغيها وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت ... فجميع ما في الأرض لا يكفيها إن القنوع نفيس النفس راشدها ... وهو الغنى الذي يحيا بلا نصب وذو المطامع مغرور ومفتقر ... ولو حوى ملك سلطان وعلم نبي أفادتني القناعة كل عز ... وهل عز أعز من القناعة ولقد طلبت رضا البرية جاهداً ... فإذا رضاهم غاية لا تدرك وأرى القناعة للفتى كنزاً له ... والبر أفضل ما به يتمسك إذا أنت طالبت الرجال نوالهم ... فعف ولا تطلب بجهد فتنكد وللإمام علي كرم الله وجهه: قدم لنفسك في الحياة تزوداً ... فلقد تفارقها وأنت مودع واجعل تزودك المخافة والتقى ... فلعل حتفك في مسائك أسرع واقنع بقوتك فالقناع هو الغنى ... والفقر مقرون بمن لا يقنع وله أيضاً: صن النفس واحملها على ما يزينها ... تعش سالما والقول فيك جميل ولا ترين الناس إلا تجملا ... نبا بك دهر أو جفاك خليل وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غد ... عسى نكبات الدهر عنك تزول يعز غنى النفس إن قل ماله ... ويغنى غنى المال وهو ذليل ولا خير في ود امرئ متلون ... إذا الريح مالت مال حيث تميل جواد إذا استغنيت عن أخذ ماله ... وعند احتمال الفقر عنك بخيل فما أكثر الإخوان حين تعدهم ... ولكنهم في النائبات قليل وللإمام الشافعي رضي الله عنه: ولا ترج السماحة من بخيل ... فما في النار للظمآن ماء =

يد السائل السفلى 36 - وعن مالك بن نضلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "الأيدي ثلاثةٌ: فَيَدُ الله العليا، ويَدُ المعطي التي تليها، ويدُ السائل السفلى، فأعطِ (¬1) الفضل، ولا تعجز عن نفسك" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه، واللفظ له. 37 - وعن حكيم بن حزامٍ (¬2) رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ¬

= ورزقك ليس ينقصه التأني ... وليس يزيد في الرزق العناء إذا ما كنت ذا قلب قنوع ... فأنت ومالك الدنيا سواء ولقيس بن الخطيم: وكل شديدة نزلت بقوم ... سيأتي بعد شدتها رخاء ولا يعطى الحريص غني لحرص ... وقد ينمي على الجود الثراء غنى النفس ما عمرت غنى ... وفقر النفس ما عمرت شقاء وليس بنافعٍ ذا البخل مال ... ولا مزر بصاحبه السخاء ولأبي الفتح البستي: أحسن إذا كان إمكان ومقدرة ... فلن يدوم على الإحسان إمكان فالروض يزدان بالأنوار فاغمة ... والحر بالعدل والإحسان يزدان صن حر وجهك لا تهتك غلالته ... فكل حر لحر الوجه صوان دع التكاسل في الخيرات تطلبها ... فليس يسعد بالخيرات كسلان كفى من العيش ما قد سد من عوز ... ففيه للحر فتيان وغنيان وذو القناعة راض من معيشته ... وصاحب الحرص إن أثرى فغضبان واقنع إذا حاربت بالسلامة ... واحذر فعالا توجب الندامة واقنع بما أعطاك من فضله ... واشكر لموليك على نعمته ولصلاح الدين الصفدي: من جاء ساد وأحيا العالمون له ... بديع حمد بمدح الفعل متصل من رام نيل العلا بالمال يجمعه ... من غير حل بلى من جهل وبلى (¬1) تصدق بما زاد عن حاجتك، وجد عن سعة. قال تعالى: "ويسألونك ماذا ينفقون؟ قل العفو" أي الباقي عن حاجتك. قال البيضاوي: قيل سائله عمرو بن الجموح، سأل أولاً عن المنفق والمصرف، ثم سأل عن كيفية الإنفاق. والعفو: سقيص الجهد، ومنه يقال للأرض السهلة، وهو أن ينفق ما تيسر له بذله، ولا يبلغ منه الجهد. قال: خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب وروي "أن رجلاً أتى النبي ببيضة من ذهب أصابها في بعض المغانم، فقال: خذها مني صدقة فأعرض عليه الصلاة والسلام عنه حتى كرر عليه مراراً، فقال: هاتها مغضباً، فأخذها فحذفها حذفاً لو أصابه لشجه، ثم قال: يأتي أحدكم بماله كله يتصدق به، ويجلس يتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى" انتهى. (¬2) قال الشرقاوي: هو الأسدي المكي ولد بجوف الكعبة فيما حكاه الزبير بن بكار، وهو ابن أخي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وعاش مائة وعشرين سنة شطرها في الجاهلية، وشطرها في الإسلام =

"اليد العليا (¬1) خيرٌ من اليد السفلى (¬2)، وابدأ بمن تعول (¬3)، وخيرُ الصدقةِ ما كان عن ظهر غنىً (¬4)، ومن يستعفَّ (¬5) يُعِفَّهُ (¬6) الله، ومن يستغنِ (¬7) يُغنهِ الله (¬8) " رواه البخاري واللفظ له، ومسلم. 38 - وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه: "أن أُناساً من الأنصار سألوا رسول الله فأعطاهم، ثم سألوهُ فأعطاهم، ثم سألوهُ فأعطاهم، حتى إذا نفد (¬9) ما عنده قال: ما يكون عندي من خيرٍ فلن أدخرهُ عنكم (¬10)، ومن استعفَّ يُعِفَّهُ الله، ومن يستغنِ يُغنهِ الله، ومن يتصبر (¬11) يُصَبِّرْهُ الله (¬12)، وما أعطى الله أحداً عطاء هو خيرٌ له، وأوسعُ من الصبر (¬13) " رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 39 - وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: "جاء جبريل إلى النبي فقال يا محمد: عش ما شئت فإنك ميتٌ، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، ¬

= وأعتق مائة رقبة، وحج في الإسلام، ومعه مائة بدنة، ووقف بعرفة بمائة رقبة في أعناقهم أطواق الفضة منقوش عيها عتقاء الله عن حكيم بن حزام، وأهدى ألف شاة، ومات بالمدينة سنة خمسين أو أربع أو ثمان وخمسين، أو سنة ستين. أهـ. (¬1) المنفقة. (¬2) السائلة. (¬3) أي يجب عليك نفقته من القوت والكسوة وغيرهما، زاد النسائي: "أمك وأباك وأختك ثم أدناك أدناك" وعنده أيضاً عن أبي هريرة: "قال رجل: يا رسول الله عندي دينار. قال: تصدق به على نفسك. قال: عندي آخر. قال تصدق به على زوجك. قال عندي آخر. قال: تصدق به على ولدك. قال: عندي آخر. قال: تصدق به على خادمك. قال: عندي آخر. قال: أنت أبصر به" رواه أبو داود والحاكم لكن بتقديم الولد على الزوجة. وعند أصحاب الشافعي تقديم الزوجة. أهـ. شرقاوي صفحة 65 جـ 2 (¬4) أي ما كان عن ظهر غنى. قال في النهاية: أي ما كان عفواً قد فضل من غنى، وقيل: أراد ما فضل عن العيال. كأن صدقته مسندة إلى ظهر قوى من المال، والمعنى عن غنى يستظهر به عن النوائب التي تنوبه. أهـ شرقاوي. (¬5) أي يطلب من الله العفة، وهي الكف عن الحرام، وسؤال الناس. (¬6) يعطيه ذلك. (¬7) أي يطلب من الله العفاف والغنى. (¬8) يعطه لك. (¬9) فرغ. (¬10) ولن أحبسه وأخبأه، وأمنعكم إياه، ولن أجعله ذخيرة لغيركم. (¬11) يعالج في الصبر ويتكلفه على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا. (¬12) يرزقه الله الصبر، وقال بعضهم: من يطلب العفة عن السؤال، ولم يظهر الغنى يصيره الله عفيفاً، ومن ترقى وأظهر الاستغناء عن الخلق ملأ الله قلبه غنى. (¬13) قصر النفس على ما يرضي الله وحبسها على المكاره وهو جامع لمكارم الأخلاق وأعطاهم، ثم نبههم على موضع الفضيلة.

وأحبب من شئت فإنك مفارقهُ، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وَعِزَّهُ استغناؤه عن الناس" رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. عز المؤمن استغناؤه عن الناس 40 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: "ليس الغنى عن كثرة العَرَضِ، ولكن الغنى غنى النفس" رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي. [العرض] بفتح العين المهملة والراء: هو كل ما يقتنى من المال وغيره. 41 - وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفعُ، ومن قلبٍ لا يخشعُ، ومن نفسٍ لا تشبعُ، ومن دعوةٍ لا يُستجابُ لها" رواه مسلم وغيره. 42 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله: "يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: أفَتَرَى قلةَ المالِ هو الفقر؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: إنما الغنى غنى القلب (¬1) والفقرُ فقرُ القلبِ (¬2) " رواه ابن حبان في صحيحه في حديث يأتي إن شاء الله تعالى. 43 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "ليس المسكينُ الذي تَرُدُّهُ اللقمةُ واللقمتان، والتمرةُ والتمرتان، ولكن المسكينُ الذي لا يجدُ غنىً يُغنيهِ، ولا يُفطنُ له فَيُتَصَدَّقَ عليه، ولا يقوم فيسأل الناس" رواه البخاري ومسلم. 44 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما أن رسول الله قال: "قد أفلح من أسلمَ، ورُزِقَ كفافاً، وقَنَّعَهُ الله بما آتاهُ" رواه مسلم والترمذي وغيرهما. 45 - وعن فُضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول: "طوبى (¬3) لمن هُديَ للإسلام، وكان عيشهُ كفافاً وَقَنِعَ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. [الكفاف] من الرزق: ما كفا عن السؤال مع القناعة لا يزيد على قدر الحاجة. ¬

(¬1) شعور الإنسان بالعزة، واكتفاؤه بخيرات الله التي عنده. (¬2) شعوره بالذلة والحاجة، ولو كثر ماله. (¬3) شجرة في الجنة يتمتع بظلها الوارف.

إياكم والطمع فإنه هو الفقر 46 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "يا ابن آدمَ إنك أن (¬1) تبذل الفضل خيرٌ لك، وأن تُمْسِكَهُ شرٌ لك، ولا تُلامُ على كفافٍ، وابدأ بمن تعولُ، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى" رواه مسلم والترمذي وغيرهما. 47 - ورويَ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "إياكم (¬2) والطمع: فإنه هو الفقر، وإياكم وما يُعْتَذَرُ منه" رواه الطبراني في الأوسط. 48 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "أتى النبي رجلٌ، فقال يا رسول الله: أوصني وأوجزْ، فقال النبي: عليك بالإياس (¬3) مما في أيدي الناس، وإياك والطمع، فإنه فقرٌ حاضرٌ (¬4)، وإياك وما يُعتذرُ منه" رواه الحاكم والبيهقي في كتاب الزهد واللفظ له، وقال الحاكم: صحيح الإسناد كذا قال. 49 - ورويَ عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "القناعةُ كنزٌ لا يفنى" رواه البيهقي في كتاب الزهد، ورفعه غريب. 50 - وعن عبد الله بن محصنٍ الخطميِّ رضي الله عنه أن رسول الله قال: من أصبح آمناً في سِرْبِهِ مُعافىً (¬5) في بدنه، عنده قوتُ يومهِ فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها (¬6) " رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. [في سربه] بكسر السين المهملة: أي في نفسه. ¬

(¬1) هو بفتح همزة أن، ومعناه إن بذلت الفاضل عن حاجتك وحاجة عيالك فهو خير لك لبقاء ثوابه، وإن أمسكته فهو شر لك لأنه إن أمسك عن الواجب استحق العقاب عليه، وإن أمسك عن المندوب فقد نقص ثوابه وفوت مصلحة نفسه في آخرته، وهذا كله شر، ومعنى "لا نلام على كفاف" أن قدر الحاجة لا لوم على صاحبهوهذا إذا لم يتوجه في الكفاف حق شرعي كمن كان له نصاب زكوي، ووجبت الزكاة بشروطها وهو محتاج إلى ذلك النصاب لكفافه وجب عليه إخراج الزكاة، ويحصل كفايته من جهة مباحة، ومعنى "ابدأ بمن تعول" أن العيال والقرابة أحق من الأجانب. أهـ نووي ص 127 جـ 7. (¬2) احذرو الطمع المضيع للمروءة، ولإكرام الضيف، ولحقوق الله تعالى، واحذروا الوقوع في الدنايا والسفاسف والقبائح والبخل، وكل ما يحوجك إلى عذر. (¬3) القنوط، وعدم رجاء خير من أحد مطلقاً، من أيس مقلوب يئس وآيسه فاستيأس. (¬4) كذا (ع) ص 285، وفي (ن د): خاص: أي فقر عاجل وشره ودناءة، وباب الذل والمسكنة. (¬5) ممتعاً بالصحة. (¬6) بجوانبها، وما فيها من خيرات، والحذافير: الجوانب، وقيل: الأعالي واحدها حذفار، وقيل: حذفور: أي فكأنما أعطى الدنيا بأسرها.

الحث على العمل والنهي عن المسألة 51 - وعن أنسٍ رضي الله عنه: "أن رجلاً من الأنصار أتى النبي فسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى. حِلْسٌ نلبسُ بعضهُ، ونبسُطُ بعضهُ، وَقَعْبٌ نشربُ فيه الماء. قال: ائتني بهما، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله بيده، وقال من يشتري هذين. قال رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمٍ. قال رسول الله: من يزيدُ على درهمٍ مرتين، أو ثلاثاً. قال رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياهُ، وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري، وقال: اشترِ بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلكَ، واشترِ بالآخر قَدُوماً فائتني (¬1) به، فأتاه به فَشَدَّ فيه رسول الله عوداً بيده، ثم قال: اذهب فاحتطبْ وَبِعْ، ولا أرَيَنَّكَ خمسةَ عشرَ يوماً، ففعل فجاء وقد أصاب عشرةَ دراهم فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً فقال رسول الله: هذا خيرٌ لك من أن تجئ المسألةُ نُكتةً في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلحُ إلا لثلاثٍ: لذي فقرٍ مُدقعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظعٍ، أو لذي دمٍ مُوجعٍ" رواه أبو داود والبيهقي بطوله، واللفظ لأبي داود، وأخرج الترمذي والنسائي منه قصة بيع القدح فقط، وقال الترمذي: حديث حسن. [الحلس] بكسر الحاء المهملة، وسكون اللام وبالسين المهملة: هو كساء غليظ يكون على ظهر البعير، وسمي به غيره مما يداس، ويمتهن من الأكسية ونحوها. [الفقر المدقع] بضم الميم، وسكون الدال المهملة، وكسر القاف: هو الشديد الملصق صاحبه بالدقعة، وهي الأرض التي لا نبات بها. [والغرم] بضم الغين المعجمة، وسكون الراء: هو ما يلزم أداؤه تكلفاً لا في مقابلة عوض. [والمفظع] بضم الميم، وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة: هو الشديد الشنيع. [وذو الدم الموجع]: هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه، أو نسيبه القاتل يدفعها إلى أولياء المقتول، ولو لم يفعل قتل قريبه، أو حميمه الذي يتوجع لقتله. 52 - وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ¬

(¬1) كذا (ع) ص 286، و (د)، وفي (ط): فائت.

لأن يأخذ أحدكم أحْبُلَهُ فيأتيَ بِحُزْمَةٍ من حطبٍ على ظهره فيبيعها فَيَكُفَّ بها وجههُ خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوه (¬1) " روه البخاري وابن ماجة وغيرهما. 53 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "لأن يحتطبَ أحدكم حُزمةً على ظهره خيرٌ له من أن يسأل أحداً فيعطيه، أو يمنعه" رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 54 - وعن المقدام بن معد يكربَ رضي الله عنه عن النبي: "ما أكل أحدٌ طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده (¬2)، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده (¬3) " رواه البخاري. ¬

(¬1) فيه الحث على الصدقة والأكل من عمل يده، والاكتساب بالمباحات كالحطب والحشيش النابتين في موات. أهـ نووي ص 131 جـ 7، والمعنى ليذهب السائل، فيحترف بعمل جل أو حقر، ولو يجمع الحط ليحفظ ماء وجهه أن يراق في السؤال خير من أن يمد يده للناس سواء أخذ أم حرم. (¬2) أي خير الطعام وأهنأه ما كان من كسب يد الإنسان بكده وكدحه، ولم يكن استجداء أو تكففاً فيحترف بأي عمل، ويمتهن بأي مهنة لأن الاستجداء يورث المذلة والاستكانة، ويسقط المروءة، ويدعو إلى قلة الأدب. (¬3) يصنع الدروع من الحديد لا عن فاقة أو حاجة بل كان ملكاً مملكاً ذا جاه وثروة وسلطان ونبوة فيدع المال ويكد، وضرب مثلاً أعلى للحداد الصانع الماهر، واختار أن يأكل من عرق جبينه، وصنع يده رجاء قبول الأعمال عند الله تعالى، وليقتدي به أبناء الأمة، ويحث على العمل، وكسب الرزق من الطرق المشروعة، ولو أدت إلى اقتحام المخاطر، وركوب متن الأهوال، ويمقت التواكل والبطالة، وكان نبينا يشتغل بالتجارة قبل بعثته، ويعيش من ربحها، وكذلك الصحابة، وعظماء المسلمين من بعده. فقه الدين الإسلامي يدعو إلى إعزاز النفس بالعمل، وحفظها من الامتهان: قد بَيَّنَ أن السائل يوم القيامة يأتي كهيكل عظمي ذهبت نضارته، وضاعت هيبته، وقل حياؤه لأنه كان في حياته وكلاً غير معتمد على ربه كثير الإلحاح ضعيف الإيمان "وليس في وجهه مزعة لحم" قال القاضي: قيل معناه يأتي يوم القيامة ذليلاً ساقطاً لا وجه له عند الله، وقيل: لا لحم عليه عقوبة له وعلامة له بذنبه حين طلب، وسأل بوجهه، وهذا فيمن سأل لغير ضرورة سؤالاً منهياً عنه. أهـ نووي ص 130 جـ 7. يقول الله تعالى: "وأما السائل فلا تنهر" أي فلا تزجره، والمراد به المحتاج غير القادر على الكسب، وقد حرم العلماء إعطاء القادر على الكسب صدقة. وإذا قرأت الباب وجدت صفة مشوهة تلزق بالسائل يوم القيامة يعرف بها "كدوح" على أن الله يرزق السائل ضعة ودناءة وطمعاً وشرهاً لعدم تعففه، ثم انظر أعزك الله إلى دستور العمل قوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" وقد استفاد الصحابة رضي الله عنهم من حكم رسول الله - صلى الله =

ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله تعالى

ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله تعالى 1 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "من نزلت به فاقةٌ (¬1)، فأنزلها بالناس لم تُسَدَّ (¬2) فاقتهُ، ومن نزلت به فاقةٌ، فأنزلها بالله (¬3)، فيوشكُ الله له برزقٍ عاجلٍ (¬4) أو آجلٍ" رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ثابت، والحاكم وقال: صحيح الإسناد إلا أنه قال فيه: أرسلَ الله له بالغنى إما بموتٍ عاجل أو غنىً آجلٍ. [يوشك]: أي يسرع وزناً ومعنىً. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "من جاع، أو احتاج (¬5) فَكَتَمَهُ الناس، وأفضى به إلى الله تعالى كان حقاً على الله ¬

= عليه وسلم -، وتعلموا الاعتماد على النفس: (أ) (رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحداً يناوله إياه). (ب) (البيعة يشترط على أن أسأل الناس شيئاً). (جـ) أبو بكر رضي الله عنه يأخذ خطام ناقته بنفسه بعد أن ينيخها. (د) (ثوبان ينزل فيأخذ سوطه وما يأخذ من رجل يناوله). تلك أمثلة أربعة تمثل الشجاعة والكرامة، والنفس العالية، والثقة المتناهية بالله سبحانه وتعالى وحده (الله الصمد) سائل الله لا يخيب، وكثيراً ما حذر من السؤال، وأبى حكيم بن حزام أن يقبل الصدقة بعد نصيحة رسول الله، وقد بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام شهادة أهل الخبرة بباطن السائل واستحقاقه ليعطيه المحسنون. قال الجمهور: يقبل من عدلين. (¬1) فقر وحاجة. (¬2) كذا (ع) ص 287، و (د)، وفي (ن ط): تستد، يعني لم ينته فقره ويزيده الله احتياجاً. (¬3) سلمها لله وشكا أمره لبارئه، وأخذ في عمل وجد واحترف واعتمد على رازقه سبحانه ولم يتواكل. (¬4) سهل الله له أمور معاشه، ووضع البركة في مكسبه، وزاده من نعمه سبحانه بسرعة أو بعذر من وفيه التحلي بالصبر عند الشدائد، وتحمل المكاره، والجد في طلب الرزق. (¬5) أي وجد نفسه في حاجة إلى طعام، أو افتقر إلى شيء ولم يسأل أحداً، وشكا إلى الله وحده تكفل الله بزيادة رزقه ومدده، وأمده بخيراته، قال تعالى: (أ) "قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله" (من سورة سبأ). (ب) "قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون" (33 من سورة يونس). (جـ) "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا" (3 من سورة الطلاق). (د) "كلوا من طيبات ما رزقناكم". "وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون" (22 - 23 من سورة الذاريات). =

أن يفتح له قوتَ سَنَةٍ من حلالٍ" رواه الطبراني في الصغير والأوسط. ¬

_ = (هـ) "والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد" قيل: عنى به الأغذية، وقيل: فيما يؤكل ويلبس. (و) "إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" (من سورة الذاريات). "والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون" (19 من سورة الحجر). (ز) "وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم" (21 - 22 من سورة الحجر). قال علماء التوحيد: جاع رجل في صحراء، فقال: يا رب أين رزقك الذي وعدتني به؟ فرزقه الله الشبع. (ح) "أم تسألهم خرجاً فخراج ربك خير وهو خير الرازقين وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون" (73 - 75 من سورة المؤمنون). (خرجاً): أي أجراً على أداء الرسالة (فخراج ربك): أي رزقه في الدنيا، وثوابه في العقبى (خير): لسعته ودوامه ففيه مندوحة لك عن عطائهم، والخرج بإزاء الدخل يقال لكل ما تخرجه إلى غيرك، والخراج غالب في الضريبة على الأرض، ففيه إشعار بالكسرة واللزوم فيكون أبلغ، ولذلك عبر به عن عطاء الله إياه "وهو خير الرازقين" تقرير لخيرية خراجه تعالى (لناكبون): أي لعادلون عنه، فإن خوف الآخرة أقوى البواعث على طلب الحق، وسلوك طريقه. أهـ بيضاوي. (ط) "ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" (20 من سورة لقمان)، فالله هو المنعم الذي يسأله الناس. (ي) "الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء" (40 من سورة الروم). (ك) "فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون" (17 من سورة العنكبوت). هذا قل من كثر، وغيض من فيض دلائل الله، على أنه الرزاق الواهب المنعم المعطي الخير، فهو الذي يرجى وما على الإنسان إلا أن يجد ويعمل ويحترف، ويعتمد عليه جل وعلا، فالدنيا دار عمل بلا حساب والآخرة حساب بلا عمل. دع الحرص على الدنيا ... وفي العيش فلا تطمع ولا تجمع من المال ... فما تدري لمن تجمع فإن الرزق مقسوم ... وسوء الظن لا ينفع فقير كل ذي حرص ... غني كل من يقنع ينقص المسلمين الآن الجود والاعتماد على الله، وبذل النفيس في مشروعات الخير وأعمال البر، وقد تصدق مرة سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما، فسألهما رسول الله: ماذا أبقيت من مالك يا أبا بكر؟ فقال: حب الله ورسوله، ثم سأل عمر، فقال: شطر مالي (انظر إحياء الغزالي). وقد جهز سيدنا عثمان رضي الله عنه جيشاً بأسره، وكان سيدنا الزبير صاحب أراض ومزارع واسعة وكان سيدنا طلحة صاحب أملاك وعقارات، وقد اقتنى البيوت في البصرة والإسكندرية، وكان عبد الرحمن بن عوف من ذوي اليسار الطائل، حدثنا التاريخ أن ثروة هؤلاء العظماء في إسداء مكارم، وأداء مغارم وفي ما ينفع الأمة (حتى إن عبد الرحمن بن عوف كان إذا تأمل النعمة التي كان فيها يغلب عليه البكاء ويقول: عسى أن لا تكون هذه النعمة في العاجلة هي نصينا عن نعيم الآجلة) أو ما هو بمعناه، وقد جاع الناس عام الرمادة فبقي عمر وعائلته يأتدمون بالزيت طول مدة تلك المسغبة، كانوا يلبسون الخشن ولا يجيز أحدهم لبس شيء من =

الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي 1 - عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال: "إن هذا المال خَضِرَةٌ (¬1) حُلْوَةٌ (¬2) فمن أعطيناهُ منها شيئاً بطيبِ نفسٍ منا، وحُسنِ طُعْمَةٍ منهُ من غير شَرَهِ نفسٍ بُوركَ لهُ فيه، ومن أعطيناه منها شيئاً بغير طيب نفسٍ منا، وحُسْنِ طعمةٍ (¬3) منهُ، وَشَرَهِ نفسٍ كان غير مُباركٍ لهُ فيه" رواه ابن حبان في صحيحه، وروى أحمد والبزار منه الشطر الأخير بنحوه بإسناد حسن. [الشره] بشين معجمة محركا: هو الحرص. 2 - وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "لا تُلْحِفُوا (¬4) في المسألة، فوالله لا يسألني أحدٌ منكم شيئاً فَتُخْرِجُ له مسألتهُ مني شيئاً، وأنا له كارِهٌ فَيُبَارَكُ لهُ فيما أعطيتهُ" رواه مسلم والنسائي والحاكم، وقال صحيح على شرطهما. 3 - وفي روايةٍ لمسلمٍ قال: وسمعت رسول الله يقول: "إنما أنا خازنٌ، فمن أعطيتهُ عن طيبِ نفسٍ فَمُبَاركٌ له فيه، ومن أعطيتهُ عن مسألةٍ، وَشَرَهِ نفسٍ (¬5) كان كالذي يأكلُ ولا يشبعُ". [لا تلحفوا]: أي لا تلحوا في المسألة. 4 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "لا تُلحفوا في المسألة، فإنه من يستخرجُ منا شيئاً بها لم يُباركْ له فيه" رواه أبو يعلى، ورواته محتج بهم في الصحيح. ¬

= الخز إلا لعلة، وكانوا يأكلون الخشن، ولا يعرفون الحلو إلا نادراً. هذا وشذور الذهب من معدن بني سليم تقطع بالفؤوس، وبيت المال يغص بالذهب والفضة والياقوت والمرجان واللؤلؤ والعنبر والطيب يرونها بأعينهم ولا يشتاقون إلى شيء منها بل ينظرون إليها نظرهم إلى التراب ذلك من شدة غنى قلوبهم، وكثرة انصرافهم إلى ما هو خير وأبقى، وامتلاء نفوسهم بمعالي الأمور. أهـ من مقالة لأمير البيان الأمير شكيب أرسلان من جهاد 30 من ذي القعدة سنة 1352. (¬1) نوع من البقول ليس من أحرارها وجيدها: أي صنف رديء. (¬2) أي طعمها لذيذ. (¬3) طعمة كذا (ع) ص 287، وفي (ن ط): طمعة. (¬4) كذا (ع)، وفي (ن د): لا تلحوا. (¬5) جنبه.

الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس 5 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "إن الرجل يأتيني فيسألُني فأعطيه فينطلقُ، وما يحملُ في حضنهِ إلا النار" رواه ابن حبان في صحيحه. 6 - وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: "بينما رسول الله يقسمُ ذَهَباً إذ أتاهُ رجلٌ، فقال: يا رسول الله أعطني، فأعطاهُ، ثم قال: زدني فزادهُ ثلاثَ مراتٍ، ثم وَلَّى مدبراً، فقال رسول الله: يأتيني الرجلُ فيسألني فأعطيهِ، ثم يسألني فأعطيهِ ثلاث مراتٍ، ثم وَلَّى (¬1) مُدبراً، وقد جعل في ثوبهِ ناراً إذا انقلب إلى أهله" رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) كذا (ع ود)، وفي (ن ط): يولي. أي يذهب معه النار من السؤال. المحتاج يتأدب في سؤاله، ولا يسأل إلا مضطراً، والمحسنون يجودون ببشاشة. اتفق العلماء على تحريم المسألة إلا إذا لم تكن ضرورة وكان السائل غير قادر على الكسب وتجد نصائح غالية منه في الزهد والتنفير في جمع المال (خضرة حلوة) شبهه في الرغبة فيه، والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء الحلوة المستلذة فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده والحلو كذلك على انفراده فاجتماعهما أشد وفيه إشارة إلى عدم بقائه لأن الخضروات لا تبقى ولا تراد للبقاء. أهـ نووي ص 126 جـ 7، فمن أخذ المال بطيب نفس: أي بغير سؤال ولا إشراف وتطلع بارك الله له، وقيل: بطيب نفس المعطي المحسن الذي يدفع منشرحاً بدفعه إليه طيب النفس لا بسؤال اضطره إليه بل سعى المحسن إلى الفقير وأعطاه وكان الرضا من الجانبين والمحبة متبادلة، فرسول الله يدعو المحسن إلى البشاشة والإقبال على الإنفاق بثغر باسم، ونفس مطمئنة، وكذا المحتاج يعتمد على ربه ولا يلح. قال العلماء: شروط السؤال ثلاثة: أولاً: أن لا يذل نفسه. ثانياً: أن لا يلح في السؤال. ثالثاً: أن لا يؤذي المسئول. ثم انظر رعاك الله إلى المثل العالي للشره الطماع الدنيء السؤال (كالذي يأكل ولا يشبع) أي إن الذي لا يملأ قلبه إيماناً بالله وثقة به واعتماداً على مولاه الرزاق أرخى لنفسه العنان في الشحاذة، واسترسل في إراقة ماء وجهه ولم يكتف ولو كان عنده مال قارون. قال النووي: قال العلماء: إشراف النفس تطلعها إليه وتعرضها له وطمعها فيه. أهـ ص 126 جـ 7، وهو أسوة حسنة وقدوة طيبة وكريم جواد يأتي إليه السائل فلا يرده، وعلم بغنى ذلك السائل الطماع فأعطاه سماحة ولكن خرج متأبطاً ناراً ومندفعاً في طيار الذلة والمسكنة والخذلان وفقد المروءة وجرى في ميدان النذالة وما أحسن تعبيره الشريف وعذوبة ألفاظه "ويأبى الله لي البخل". والناس صنفان: (أ) غني موسر حامد شاكر متصدق معط بسماحة وطيب نفس يهرع إليه الفقراء. (ب) غني فقير النفس شحيح بخيل. يشير إلى النوعين قوله تعالى: "فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلاً لما وتحبون المال حباً جماً" (21 من سورة الفجر). =

ترغيب من جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس في قبوله سيما إن كان محتاجا، والنهي عن رده وإن كان غنيا عنه

7 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنه دخل على النبي فقال: يا رسول الله رأيتُ فلاناً يشكرُ يذكرُ أنك أعطيتهُ دينارين، فقال رسول الله: لكن فلاناً قد أعطيتهُ ما بين العشرةِ إلى المائةِ فما شُكْرُهُ وما يقولهُ؟ إن أحدكم لَيَخْرُجُ من عندي بحاجته مُتأبِّطَهَا، وما هي إلا النار. قال: قلتُ: يا رسول الله لِمَ تُعْطِهمْ؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني، ويأبى الله ليَ البُخلَ" رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيد، وتقدم. [متأبطها]: أي جاعلها تحت إبطه. ترغيب من جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس في قبوله سيما إن كان محتاجاً، والنهي عن رده وإن كان غنيا عنه 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله يُعطيني ¬

_ = (ابتلاه ربه): اختبره بالغنى واليسر فأعطى لله، والثاني بالفقر والتقتير (أهانن) لقصور نظره وسوء فكره، فإن التقتير قد يؤدي إلى كرامة الدارين ولتوسعة قد تفضي إلى قصد الأعداء والانهماك في حب الدنيا ولذلك ذمه على قوليه وروعه بقوله (كلا): أي بل فعلهم أسوأ من قولهم، وأدل على تهالكهم بالمال، وهو أنهم لا يكرمون اليتيم بالنفقة والميرة ولا يحثون أهلهم على طعام المسكين فضلاً عن غيرهم (التراث) الميراث (لما): أي جمعاً بين الحلال والحرام، فإنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون أنصباءهم (حباً جماً): كثيراً مع حرص وشره. أهـ بيضاوي ص 827. فالمال إنما وجد لكسب المحامد، وغرس الصالحات، وتشييد المكرمات إذا أنفق بطيب نفس، والله أوجد بني آدم في الحياة ليكد، ويجاهد نفسه، ويعمل صالحاً، فيجازى خيراً كما قال سبحانه: "لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالاً لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة" (19 من سورة البلد). (في كبد): تعب ومشقة ومنه المكابدة والإنسان لا يزال في شدائد مبدؤها ظلمة الرحم ومضيقه ومنتهاها الموت وما بعده، وهو تسليمه للرسول عليه الصلاة والسلام مما كان يكابده من قريش (مالاً لبدا): كثيراً لمن أنفق في سمعة أو مفاخرة أو معاداة للرسول (النجدين): طريقي الخير والشر أو الثديين (فلا اقتحم العقبة): أي فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة، وهو الدخول في أمر شديد، والعقبة: الطريق في الجبل استعارها بما فسرها به من الفك والإطعام لما فيهما من مجاهدة النفس، إذ المعنى فلا فك رقبة ولا أطعم يتيماً أو مسكيناً. والمسغبة والمقربة والمتربة: مفصلات، من سغب إذا جاع، وقرب في النسب، وترب: إذا افتقر (وتواصوا): أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله تعالى، وبالرحمة على عباده، أو بموجبات رحمته تعالى (ثم كان): عطف على اقتحم لاستقلال الإيمان، واشتراط سائر الطاعات به (الميمنة): اليمين. أهـ بيضاوي ص 828.

العطاء (¬1)، فأقولُ أعْطِهِ من هو إليه أفقرُ مني. قال فقال: خُذْهُ إذا جاءك من هذا المال شيءٌ، وأنت غيرُ مُشْرِفٍ (¬2) ولا سائلٍ، فخذهُ فَتَمَوَّلْهُ، فإن شئت كلهُ، وإن شئت تصدق به، وَمَا لا (¬3) فلا تتبعهُ نفسك. قال سالم بن عبد الله فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يَرُدُّ شيئاً أعطيه" رواه البخاري ومسلم والنسائي. 2 - وعن عطاء بن يسارٍ رضي الله عنه: "أن رسول الله أرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعطاءٍ فَرَدَّهُ عمر، فقال له رسول الله: لِمَ رَدَدْتَهُ؟ فقال: يا رسول الله أليس أخبرتنا أن خيراً لأحدنا أن لا يأخذ من أحدٍ شيئاً، فقال رسول الله: إنما ذلك عن المسألة (¬4)، فأما ما كان عن غير مسألةٍ، فإنما هو رزقٌ يرزقكه الله، فقال عمر رضي الله عنه: أما والذي نفسي بيده لا أسألُ أحداً شيئاً، ولا يأتيني شيءٌ من غير مسألةٍ إلا أخذتهُ (¬5) " رواه مالك هكذا مرسلاً. ورواه البيهقي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: فذكر بنحوه. 3 - وعن المطلب بن عبد الله بن حَنْطَبٍ: "أن عبد الله بن عامرٍ بعث إلى عائشة رضي الله عنهما بنفقةٍ وكسوةٍ، فقالت للرسول: أي بُني لا أقبلُ من أحدٍ شيئاً، فلما خرج الرسول، قالت: رُدُّوهُ عليَّ، فردوه قالت: إني ذكرتُ شيئاً، قال لي رسول الله: يا عائشة من أعطاك عطاءً من غير (¬6) مسألةٍ فاقبليهِ فإنما هو ¬

(¬1) فيه جواز الأخذ بغير سؤال ولا تطلع. قال النووي: فيه منقبة لعمر رضي الله عنه، وبيان فضله وزهده وإيثاره. أهـ. (¬2) متطلع إليه حريص عليه. (¬3) ما لم يوجد فيه هذا الشرط لا تعلق النفس به. قال النووي: الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور (فيمن جاءه مال) أنه يستحب في عطية السلطان، وأما عطية السلطان. فحرمها قوم، وأباحها قوم، وكرهها قوم، والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا إن أعطى من لا يستحق، وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ، وقال طائفة: الأخذ من السلطان واجب وغيره، وقال آخرون: هو مندوب في عطية السلطان دون غيره، والله أعلم. أهـ ص 135 جـ 7، وأنا أميل إلى التعفف عن أموال الحكام والتباعد عن عطاياهم والاجتهاد في مهنة تقيه شر السؤال. (¬4) السؤال والإلحاح. (¬5) يأخذه هدية ومودة وصلة. (¬6) كذا (د وع) ص 289، وفي (ن ط): بغير.

رزقٌ عَرَّضَهُ الله إليك" رواه أحمد والبيهقي، ورواة أحمد ثقات لكن قد قال الترمذي قال محمد: يعني البخاري لا أعرف للمطلب بن عبد الله سماعاً من أحد من أصحاب النبي إلا قوله حدثني من شهد خطبة النبي، وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: لا نعرف للمطلب سماعاً من أحد من أصحاب النبي. [قال المملى] رضي الله عنه: قد روي عن أبي هريرة، وأما عائشة، فقال أبو حاتم: المطلب لم يدرك عائشة، وقال أبو زرعة: ثقة أرجو أن يكون سمع من عائشة، فإن كان المطلب سمع عائشة فالإسناد متصل، وإلا فالرسول إليها لم يسمّ، والله أعلم. وما أتاك الله من غير مسألة فإنما هو رزق رزقكه الله 4 - وعن واصل بن الحطاب رضي الله عنه قال: " قلتُ: يا رسول الله قد قلت لي إن خيراً لك أن لا تسأل أحداً من الناس شيئاً. قال: إنما ذاك أن تسأل. وما آتاك الله من غير مسألةٍ، فإنما هو رزقٌ رزقكهُ (¬1) الله" رواه الطبراني وأبو يعلى بإسناد لا بأس به. 5 - وعن خالد بن علي الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "من بلغهُ عن أخيه معروفٌ (¬2) من غير مسألةٍ، ولا إشرافِ (¬3) نفسٍ فليقبلهُ ولا يَرُدَّهُ، فإنما هو رزقٌ ساقه الله عز وجل إليه" رواه أحمد بإسناد صحيح، وأبو يعلى والطبراني، وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: "من آتاه الله شيئاً من هذا المال من غير أن يسأله فليقبله، فإنما هو رزقٌ ساقهُ الله إليه" ورواته محتج بهم في الصحيح. 7 - وعن عابد بن عمروٍ رضي الله عنه عن النبي قال: "من عُرِضَ له من هذا الرزق شيءٌ من غير مسألةٍ (¬4)، ولا إشرافِ نفسٍ (¬5) فليتوسع به في رزقهِ، فإن كان غنياً فليوجهه إلى من هو أحوجُ إليه منه (¬6) " رواه أحمد والطبراني والبيهقي، وإسناد أحمد جيد قوي. قال عبد الله بن أحمد حنبل رحمه الله: سألت ¬

(¬1) كذا (ع وط)، وفي (ن د): رزقه، والمعنى إذا أرسل الله لك خيراً بلا طلب فاقبله محبة وفضلاً. (¬2) نعمة وهدية وهبة، وشيء جاءك عفواً وتفضلاً وإحساناً. ولم أر كالمعروف أما مذاقه ... فحلو وأما طعمه فجميل (¬3) كذا (ع ود)، وفي (ن ط): إشراف فقط. (¬4) طلب. (¬5) تطلعها وإقبالها عليه بشره وطمع. (¬6) يقبله شاكراً، ثم يتصدق به على الفقير، وفيه قبول الهدية، والثناء على مهديها، والتفضل على المحتاج، وتبادل المحبة والمنفعة.

أبي ما الاستشراف؟ قال: تقول في نفسك سيبعث إليَّ فلان سيصلني فلان. 8 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "ما المُعْطِي من سعةٍ بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجاً (¬1) " رواه الطبراني في الكبير. 9 - ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال النبي: "ما الذي يُعطي بسعةٍ بأعظمَ أجراً من الذي يقبلُ إذا كان محتاجاً" رواه الطبراني في الأوسط، وابن حبان في الضعفاء. ¬

(¬1) أي ليس المتصدق من مال وفير وخيرات كثيرة، أفضل عند الله من الفقير الذي يقبل الصدقة لله معتمداً على مولاه حامداً وشاكراً لله. الله ربهما، وأراد للأول الغني ليختبره، وأراد للثاني الفقر ليختبره سبحانه فعله لحكمة. قال تعالى: "ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد" (28 - 29 من سورة الشورى). (لبغوا): لتكبروا، وأفسدوا فيها بطراً أو لبغى بعضهم على بعض استيلاءً واستعلاءً (بقدر): بتقدير كما اقتضت حكمته ومشيئته، سبحانه يعلم خفايا عباده وأمرهم، وجلايا حالهم فيقدر لهم ما يناسب شأنهم. روي أن أهل الصفة تمنوا الغنى فنزلت، وقيل في العرب: كانوا إذا أخصبوا تحاربوا، وإذا أجدبوا انتحبوا. فقه الباب: بشاشة الفقراء للعطاء، وقبول الهدية بين المتحابين. بَيَّنَ للمسلمين الحرص على الكسب الحلال، والتطلع إلى خيرات الله، وترك السؤال، والاعتماد على الله، ولكن إذا ساق الله خيراً لأحد فليتقبله، وله الخيار أن يأكله، أو ينتفع به، أو يتصدق به، وكان هذا دأب أصحاب رسول الله: لا يسألون ولا يردون، وحذر من الطمع والإلحاح في المسألة، ثم دعا إلى بذل المعروف وفعل البر والميل إلى تشييد الصالحات. قال الحسن بن علي رضي الله عنه يحث الناس على مكارم الأخلاق: نافسوا في المكارم وسارعوا في المغارم ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوه ولا تكسبوا بالمطل ذماً، واعلموا أن حوائج الناس من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحول نقماً، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه وإن أعفى الناس من عفا عن قدرة ومن أحسن أحسن الله إليه، والله يحب المحسنين. أهـ. لم تعجلوه: أي لا تعتدوا بمعروف لم تبادروا إلى عمله، ولا تماطلوا فتذموا، فترى ابن بنت رسول الله يحث على المسابقة في كسب الطيبات والمسارعة إلى عمل المحامد، وجلب المغانم، ويبين أن نعم الله وديعة وزكاتها بذلها للمحتاجين خشية أن تحول نقماً، والعياذ بالله. عسى سائل ذو حاجة إن منعته ... من السؤل يوماً أن يكون له غد لا تهين الفقير علك أن تر ... كع يوماً والدهر قد رفعه سيدنا رسول الله المثل الأعلى في العطاء والسخاء. قد رأيت أن سيدنا وقرة عيوننا، ووسيلتنا إلى ربنا عليه الصلاة والسلام والقدوة الحسنة، بعث هدية إلى حبيبه عمر رضي الله عنه هدية معطاة ورزقاً ميسراً هنيئاً مريئاً وتودداً ومحبة وعطفاً ورأفة، عسى أن يتودد المسلمون ويتزاوروا ويتهادوا، ولعبد الله باشا فكري: ذو همةً دون أدنى شأوها قصرت ... غايات من رام في أمر يدانيها =

ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنة، وترهيب المسئول بوجه الله أن يمنع

ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنة وترهيب المسئول بوجه الله أن يمنع 1 - عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول: "ملعونٌ (¬1) من سأل (¬2) بوجه الله، وملعونٌ من سُئل بوجه الله، ثم منع سائلهُ ما لم يسأل هُجْراً" رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح إلا شيخه يحيى بن عثمان بن صالح وهو ثقة، وفيه كلام. [هجراً] بضم الهاء، وسكون الجيم: أي ما لم يسأل أمراً قبيحاً لا يليق. ويحتمل أنه أراد ما لم يسأل سؤالاً قبيحاً بكلام قبيح. 2 - وعن ابن عمر (¬3) رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "من استعاذ (¬4) بالله فأعيذُوهُ (¬5)، ومن سأل بالله (¬6) فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه (¬7)، ومن صنع إليكم معروفاً (¬8) فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين. ¬

= وراحة لو تحاكيها السحائب في ... فيض الذي هطلت تبراً غواديها ورأفة بعباد الله كافلة ... بخير ما حدثت نفساً أمانيها تربو على وصف مطريه محاسنه ... وهل يعد نجوم الأفق راعيها له راحة لو أن معشار جوده ... على البر كان البر أندى من البحر (¬1) بعيد من رحمة الله مطرود. (¬2) ألح. قال المناوي: لا يناقضه استعاذة النبي بوجه الله، لأن ما هنا في طلب تحصيل الشيء من المخلوق، وذاك في سؤال الخالق؛ أو المنع في الأمر الدنيوي والجواز في الأخروي. أهـ جامع صغير. وعلق الشيخ الحفني: القصد منه التنفير والأدب، وإلا فلا يحرم السؤال بذلك، بل الأولى تركه لما فيه من الإلحاح في الطلب، وعدم إجماله، "اتقوا الله وأجملوا في الطلب" ثم منع سائله أي مع القدرة على إعطائه (هجراً): أي فحشاً وشيئاً محرماً. أهـ. يعلم رسول الله السائل أن يتجنب الإكثار من ذكر لفظ الجلالة، والتحاشي عن ابتذال اسمه سبحانه ويحذر السمئول أن يرد السائل مطلقاً، ولابد أن يعطيه شيئاً لله. أدب جم يا رسول الله فيريد أن يتحلى به الآخذ والمعطي. (¬3) عن جاب في (ن ط)، وفي (ع وط): عن ابن عمر رضي الله عنهما ص 290 (¬4) أي طلب الغوث والنجدة. (¬5) فحصنوه واجعلوا له ملجأ، يقال: عذت به: أي لجأت إليه، وأنا عائذ: أي مستجير. (¬6) طلب شيئاً حباً في ثواب الله. (¬7) طلب أن تحضروا الوليمة. (¬8) قدم لكم خيراً وإحساناً.

ملعون من سُئل بوجه الله فمنع سائله 3 - ورويَ عن أبي عبيدة مولى رفاعة عن رافعٍ رضي الله عنه أن رسول الله قال: "ملعونٌ من سأل بوجه الله، وملعونٌ من سُئِلَ بوجه الله فمنع سائله" رواه الطبراني. 4 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: "ألا أخبركم بشرِّ الناس (¬1) رجلٌ يُسألُ بالله (¬2)، ولا يُعطي" رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب والنسائي وابن حبان في صحيحه في آخر حديث يأتي في الجهاد إن شاء الله تعالى. 5 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "ألا أخبركم بشرِّ البرية؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الذي يُسألُ بالله ولا يُعطي" رواه أحمد. 6 - ورويَ عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "ألا أحدثكم عن الْخَضِرِ (¬3) قالوا بلى يا رسول الله. قال: بينما هو ذات يومٍ يمشي في سوق بني إسرائيل أبصرهُ رجلٌ مُكاتبٌ (¬4)، فقال تصدق (¬5) عليَّ بارك الله فيك فقال الخضرُ: آمنتُ بالله ما شاء الله من أمرٍ يكونُ (¬6) ما عندي شيءٌ أُعطيكهُ، فقال المسكين: أسألكَ بوجه الله لما تصدقت عليَّ، فإني نظرتُ السماحة في وجهك ورجوتُ البركة عندك، فقال الخضرُ: آمنتُ بالله ما عندي شيءٌ أُعطيكهُ إلا أن تأخذني فتبيعني، فقال المسكين: وهل يستقيمُ هذا؟ قال نعم، أقولُ لقد سألتني بأمرٍ عظيمٍ ¬

(¬1) أرذلهم وأدناهم وأقبحهم وأبعدهم من رحمة الله. (¬2) كذا (ع ود)، وفي (ن ط): بوجه الله، والمعنى: المذموم من جاءه سائل يرجو منه صدقة حباً في الله وكرمه فيحرمه قسوة وبخلاً. قال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة". (¬3) اسمه بليا بن ملكان. قال تعالى في حكاية سيدنا موسى عليه السلام: "فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمنا من لدنا علما" (66 من سورة الكهف). (رحمة): هي الوحي والنبوة (من لدنا علما): مما يختص بنا، ولا يعلم إلا بتوفيقنا. وهو علم الغيوب "قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا" (67 سورة الكهف) أي علماً ذا رشد، وهو إصابة الخير. قال البيضاوي: ولا ينفي نبوته وكونه صاحب شريعة. (سيدنا موسى عليه السلام) أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطاً في أبواب الدين، فإن الرسول ينبغي أن يكون أعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من أصول الدين وفروعه لا مطلقاً، وقد راعى في ذلك غاية التواضع والأدب بأن تجهل نفسه، واستأذن أن يكون تابعاً له، وسأل منه أن يرشده، وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه. أهـ ص 424 (¬4) اتفق مع سيده على أن يعتقه إذا دفع مبلغاً معيناً. (¬5) أعطني شيئاً أستعين به على فك الرق. (¬6) صدقت بوجود الله وخلقه وفضله والذي قدره الله تعالى يوجد.

أما إني لا أخَيِّبُكَ بوجه ربي بِعْني (¬1). قال: فَقَدَّمَهُ إلى السوق فباعهُ بأربعمائة درهمٍ فمكثَ عند المشتري زمانا لا يستعملهُ في شيء، فقال: إنما اشتريتني التماس خيرٍ عندي فأوصني بعملٍ. قال: أكرهُ أن أشُقَّ عليك إنك شيخٌ كبيرٌ ضعيفٌ (¬2) قال ليس يشُقُّ عليَّ. قال: قُم فانقُلْ هذه الحجارةَ (¬3)، وكان لا ينقلها دون ستة نفرٍ في يومٍ فخرج الرجلُ لبعض حاجتهِ، ثم انصرف وقد نَقَلَ الحجارةَ في ساعةٍ: قال أحسنتَ وأجملتَ وأطقتَ ما لَمْ ارك تُطيقهُ. قال: ثم عَرَضَ للرجل سفرٌ فقال إني أحسبك أميناً فاخلفني في أهلي خلافةً حسنةً. قال: وأوصني بعملٍ. قال: إني أكرهُ أن أشُق عليك قال: ليس يَشُقُّ عليَّ. قال فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقْدُمَ عليك. قال فَمَرَّ الرجلُ لسفرهِ قال فرجع الرجلُ وقد شيد بناءهُ (¬4) قال: أسألك بوجه الله ما سَبَبُكَ وما أمْرُكَ؟ قال: سألتني بوجه (¬5) الله ووجهُ الله أوقعني في هذه العبودية، فقال الخضرُ: سأخبركَ من أنا، أنا الخضرُ الذي سمعتَ به سألني مسكينٌ صدقةً فلم يكن عندي شيءٌ أعطيه فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي فباعني وأُخبرُكَ أنه من سُئلَ بوجه الله فَرَدَّ سائلهُ وهو يقدرُ وقف يوم القيامة جِلدةً (¬6)، ولا لحمَ له يتقعقعُ (¬7)، فقال الرجلُ آمنتُ بالله، شققتُ عليك يا نبي الله ولم أعلم. قال: لا بأس أحسنتَ وأتقنتَ، فقال الرجل: بأبي أنتَ وأمي يا نبي الله احكمْ في أهلي ومالي بما شئت، أو اخترْ فَأُخَلِّيَ سبيلك (¬8). قال أحِبُّ ¬

(¬1) هانت عليه نفسه، ولا يرد السائل حباً في ثواب الله، وإكراماً لقسمه بالله. (¬2) هذه كرامة الله ألقى عليه الهيبة والحلال فاحترمه مشتريه. (¬3) ما يعمل من الطين ويبني به. (¬4) كذا (ع)، و (د) ص 291، وفي (ن ط): بناء. (¬5) أي بذاته سبحانه، وانتظار ثوابه وإنفاقه. قال في الغريب: وربما عبر عن الذات بالوجه في قول الله تبارك وتعالى. (أ) "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" قيل: ذاته. وقيل: أراد بالوجه هاهنا التوجه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة. (ب) "إنما نطعمكم لوجه الله". (جـ) يريدون وجه الله". (د) "كل شيء هالك إلا وجهه". (¬6) جسمه جلدة مثل الهيكل فقط. (¬7) يضطرب ويتحرك بصوت. (¬8) أطلقك.

أن تُخَلِّيَ سبيلي فأعبد ربي فَخَلَّى سبيلهُ، فقال الخضرُ: الحمد لله الذي أوثقني (¬1) ¬

(¬1) قيدني وحبسني في ذل الأسر وملك اليد، ثم تكرم بفك رقبتي، وإزالة عبوديتي وانكساري. أخبر عن نبذة طريفة عن سيدنا الخضر عليه السلام، وزيادة إيمانه بالله تعالى، ورغبته في ثوابه، ورهبته من عقابه، وميله إلى إجابة السائل الفقير المحتاج، ولو ببيع نفسه: درجة سامية في الإيمان بالخالق جل وعلا، والرقيب الحسيب أن ينفق ما يملك، ولو يجود بنفسه، وقد رأيت أعزك الله أيها المؤمن إكرام الله للخضر، ومنحه رضاه، وتجليه عليه ببركاته ورحماته، وإعطائه قوة المجدين العاملين (وقد نقل الحجارة في ساعة) هذه كرامة، والثانية (وقد شيد بناءه). قال الشاعر: يجود بالنفس إذ ضنى الجواد بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود بث النوال ولا يمنعك قلته ... فكل ما سد فقراً فهو محمود ثم أعطى سيدنا الخضر نصيحة غالية، وحذر المسئولين من البخل خشية الوقوف يوم الحساب حفاة عراة، وهيئة أجسامهم رئة بالية تضطرب لرداءتها وقذارتها، وانظر إلى أسمى مطلب عكف عليه العقلاء، وسعى إليه الفضلاء (تخلي سبيلي فأعبد ربي) هذا مثل ضربه النبي لك أيها المسلم لتجود بمالك في مشروعات الخير ولتثق بالله الرزاق المنفق المخلف، ولتتحلى بشيم السخاء والعطاء، فلا ترد سائلاً، وأعطه من فضل الله ونعمه عسى الله أن يرزقك السعادة والقناعة. ولأبي فراس الحمداني في هذا المعنى: غيري يغيره الفعال الجافي ... ويحول عن شيم الكريم الوافي إن الغني هو الغني بنفسه ... ولو أنه عاري المناكب حاف ما كل ما فوق البسيطة كافياً ... وإذا قنعت فبعض شيء كاف وتعاف لي طمع الحريص فتوتي ... ومروءتي وقناعتي وعفافي ومكارمي عدد النجوم ومنزلي ... مأوى الكرام ومنزل الأضياف لا أرتضي وداً إذا هو لم يدم ... عند الجفاء وقلة الإنصاف سيدنا الخضر عليه السلام: في تفسير الجلالين: (آيتناه رحمة من عندنا) نبوة في قول، وولاية في آخر. وعليه أكثر العلماء وعلق على هذا الشيخ الصاوي: أي وقد صححه جماعة، والجمهور على أنه حي إلى يوم القيامة لشربه من ماء الحياة يجتمع به خواص الأولياء ويأخذون عنه. قال العارف السيد البكري صاحب ورد السحر في توسلاته: بنقيبهم في كل عصر الخضر أبي العباس من أحيا بماء وصاله: حي وحقك لم يقل بوفاته ... إلا الذي لم يلق نور جماله فعليه مني كلما هب الصبا ... أزكى سلام طاب في إرساله وقد اجتمع برسول الله، وأخذ عنه، فهو صحابي، واسمه بليا: أي أحمد بن ملكان وكنيته أبو العباس. قال بعض العارفين: من عرف اسمه واسم أبيه وكنيته ولقبه مات على الإسلام، وهو من نسل نوح، وكان أبوه من الملوك ولقب بالخضر لأنه جلس على الأرض فاخضرت تحته. أهـ ص 16 - 3 وفي كتابي النهج السعيد في علم التوحيد ص 59 في تعلق علم الله تعالى. فائدة: قام رجل إلى ابن الشجري وهو على كرسيه للوعظ يقرأ تفسير قوله تعالى: (كل يوم هو في شأن) ووقف على رأسه فقال: يا هذا فما يفعل ربك الآن؟ فسكت وبات مهموماً، فرأى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - =

في العبودية، ثم نجَّاني منها" رواه الطبراني في الكبير وغير الطبراني، وحسَّن بعض مشايخنا إسناده، وفيه بعد، والله أعلم. تم الجزء الأول من الترغيب والترهيب، ويليه الجزء الثاني، وأوله: الترغيب في الصدقة والحث عليها. ¬

_ = فذكر له ذلك، وسأله، فقال له: إن السائل لك الخضر وإنه سيعود، فقل له: شؤون يبديها ولا يبتديها، يخفض أقواماً، ويرفع آخرين فأصبح مسروراً، فأتاه وأعاد عليه السؤال، فأجابه بذلك، فقال له: صلي على من علمك وانصرف مسرعاً. أهـ. هذه نبذة معتمدة نقلتها من كتب التوحيد التي تدرس بالأزهر لتدل على سيدنا الخضر عليه السلام وأنه حي وقد قص الله علينا في كتابه العزيز حكاية موسى عليه السلام وفتاه (في سورة الكهف) وورد في صحيح مسلم: (فارتدا على آثارهما قصصا) يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجى عليه بثوب، فسلم عليه موسى، فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه. أهـ. الآيات توضح لك أعمالهما: (أ) خرق السفينة. (ب) قتل الغلام. (جـ) إخراج كنز من جدار. قال رسول الله: يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا من أخبارهما. قال الراوي: قال رسول الله: كانت الأولى من موسى نسياناً. قال: وجاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة، ثم نقر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر، هذا على سبيل التقريب للأفهام فقط. وأول الحديث: عن أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله يقول: "قام موسى عليه السلام خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال: فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه أن عبداً من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: أي رب كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مكتل فحيث تفقد الحوت فهو ثم، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نون، فحمل موسى عليه السلام حوتاً في مكتل، وانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا الصخرة الحديث" ص 374 مختار الإمام مسلم الجزء الثاني. قال النووي: وقد صح في البخاري عن أبي هريرة عن النبي قال: "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة فإذا هو تهتز من خلفه خضراء، وجمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا، وكان الحوت سمكة مالحة، والمكتل: القفة والزنبيل والطاقة. عقد البناء (مسجى): مغطى (أنى بأرضك السلام): بمعنى كيف: أي السلام عجيب بدار الكفر هذه، أو كانت تحيتهم بغير السلام، أو أنى بمعنى من أين استقر السلام حال كونه بأرضك، والقرية أنطاكية. قال ابن سيرين: هي الأبلة. أهـ. وفي صحيح مسلم قال: "رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأى العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة". (ذمامة): استحياء أو ملامة. أهـ مختار. اللهم إني أحب الرسول، وأحب سيدنا موسى والخضر عليهما السلام، وأتوسل بهم أن توفقني لأقتدي بهم يا كريم.

الترغيب في الصدقة والحث عليها، وما جاء في جهد المقل ومن تصدق بما لا يجب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الترغيب في الصدقة والحث عليها وما جاء في جهد المقل ومن تصدق بما لا يجب 1 - عنْ أبي هُريرة رضي الله عنهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ تصدَّق بعدْلِ (¬1) تَمرةٍ منْ كَسْبٍ طيِّبٍ (¬2)، ولا يَقْبل الله إلا الطَّيِّبَ، فإنَّ الله يَقْبَلُها (¬3) بيمينهِ (¬4)، ثمَّ يربِّيها لصاحبها كما يُربِّى أحدُكُمْ فلُوَّهُ (¬5) حتى تكون مثل الجبلِ. رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه. 2 - وفي روايةٍ لابنِ خُزيمة: إنَّ العبد إذا تصدَّق منْ طيِّبٍ تقبَّلها الله منْهُ، وأخذها بيمينهِ فرَبَّاها كما يُربِّى أحدكمْ مهْرهُ أوْ فصيلهُ (¬6)، وإنَّ الرَّجل ليتصدق بالقمةِ فتْربو في يد الله، أوْ قال في كفَّ الله حتى تكون مثْلَ الجبلِ فتصدَّقوا. 3 - وفي روايةٍ صحيحةٍ للتَّرمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله يقْبلُ الصَّدقة، ويأخذها بيمينه فيُربِّيها لأحدكمْ كما يربِّى أحدكم مُهْرهُ حتى إنَّ اللقمة لتصير مثل أحدٍ، وتصْديق ذلك في كتاب الله: ألمْ يعْلَموا أنَّ الله هو يقبل التَّوبةَ عن عبادهِ، ¬

(¬1) مقدار. (¬2) حلال (¬3) كذا ط وع ص 292، وفي ن د: يتقبلها. (¬4) قال المازري: قد ذكرنا استحالة الجارحة على الله سبحانه وتعالى، وأن هذا الحديث وشبهه إنما عبر به على ما اعتادوا في خطابهم ليفهموا فكنى هنا من قبول الصدقة بأخذها في الكف، وعن تضعيف أجرها بالتربية، قال القاضي عياض: لما كان الشيء الذي يرتضي ويعز يلتقي باليمين، ويؤخذ بما استعمل في مثل هذا واستعير للقبول والرضا كما قال الشاعر: إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمن قال: وقيل: عبر باليمين هنا عن جهة القبول والرضا إذ الشمال بضده في هذا. قال: وقيل: المراد بكف الرحمن هنا، ويمينه كف الذي تدفع إيه الصدقة، وإضافتها إلى الله تعالى إضافة ملك واختصاص لوضع هذه الصدقة فيها الله عز وجل. قال: وقد قيل في تربيتها وتعظيمها حتى تكون أعظم من الجيل أن المراد بذلك تعظيم أجرها، وتضعيف ثوابها. قال: ويصح أن يكون على ظاهره، وأن تعظيم ذاتها، ويبارك الله تعالى فيها، ويزيدها من فضله حتى تثقل في الميزان نحو قول الله تعالى: (يمحق الله الربا ويربى الصدقات). أهـ ص 99 جـ 7. (¬5) مهره - سمي بذلك، لأنه فلى عن أمه: أي فصل وعزل. (¬6) الفصيل: ولد الناقة إذا فصل في إرضاع أمه، ومعنى الله طيب: أي منزه عن النقائص، وهو بمعنى القدوس، وأصل الطيب: الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث، والله أعلم.

ويَاخذ الصَّدقاتِ (¬1)، ويمْحَقُ الله الرِّبا ويُرْبي (¬2) الصدقات. ورواه مالك بنحو رواية الترمذي هذه عن سعيد بن يسار مرسلا، لم يذكر أبا هريرة. (إن العبد ليتصدق بالكسرة تربو عند الله عز وجل حتى تكون مثل أحد) 4 - وعنْ عائشة رضي الله عنها عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله ليُربِّي لأحدكمُ التَّمرة والَّقمة (¬3) كما يربِّي أحدكم فلوَّه، أوْ فصِيلهُ حتى تكون مثل أحدٍ. رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه، واللفظ له. (الفلوّ) بفتح الفاء، وضم اللام، وتشديد الواو: هو المهر أول ما يولد. (والفصيل): ولد الناقة إلى أن يفصل عن أمه. 5 - وروي عنْ أبي برْزَةَ الأسْلميِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ العبد ليتصدَّق بالكسرةِ (¬4) تربو عند الله عزَّ وجلَّ حتى تكون مثل أحدٍ. رواه الطبراني في الكبير. (6) وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عزَّ وجلَّ ليُدْخل بالُّلقمة (¬5) الخُبْزِ، وقبْصَةِ والتَّمْرِ، ومثلهِ مما ينتفع بهِ ¬

(¬1) قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم 104 ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة من عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم 105 وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) 106 من سورة التوبة. أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ من المسلمين صدقة (تطهرهم) من الذنوب، وحب المال، وتمنى بها حسناتهم، وترفعهم إلى منازل المخلصين (وصل عليهم) واعطف عليهم بالاستغفار لهم والدعاء (إن صلاتك سكن لهم) تسكن إليها نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم وجمعها لتعدد المدعو لهم (ويأخذ الصدقات) يقبلها قبول من يأخذ شيئاً ليؤدي بدله سبحانه من شأنه قبول توبة التائبين، والتفضل عليهم أهـ بيضاوي. اللهم إنا نتوجه إليك بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقبل توبتنا، فكما أن الصدقة المعطاة بإخلاص لك، ومحبة في ثوابك تقبل، كذلك نتوسل إليك بمحبتنا إلى سندنا الأقوى وحبيبنا وقرة عيوننا أن تتفضل علينا بالرحمة والقبول، وتهب لنا توفيقاً يزيدنا طاعة وإقبالا على الصالحات بمنك وكرمك. (¬2) يضاعف ثوابها، ويبارك في مال معطيها (¬3) يعني أن الصدقة وإن قل قدرها مثل اللقمة: (القطعة من طعام) يضاعف الله أجرها حتى توازي الجبل المعروف بمكة. وفيه الحث على الإنفاق، وإن قل وإعطاء المسكين شيئاً ولو حقر مثل التمرة. (¬4) القطعة من الخبز - والكسرة: القطعة من الشيء المكسور. (¬5) كذا د وع ص 292، وفي ن طـ: بلقمة أي يسبب دخول الجنة، وكسب نعيم الله، ونيل رضوانه لثلاثة: =

المسكين ثلاثة: الجنَّة ربَّ البيتِ الآمر به، والزَّوجة تُصلحهُ، والخادم الذي يناولُ المسكين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمْد لله الذي لمْ ينس خدمنا. رواه الحاكم والطبراني في الأوسط، واللفظ له في حديث يأتي بتمامه إن شاء الله. (القبصة) بفتح القاف وضمها، وإسكان الباء، وبالصاد المهملة: هو ما يتناوله الآخذ برءوس أنامله الثلاث. (ما نقصت صدقة من مال) 7 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصتْ صدقة من مالٍ، وما زاد الله عبْدا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عزَّ وجلَّ. رواه مسلم والترمذي، ورواه مالك مرسلا. 8 - وروى عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما يرفعه قال: ما نقصتْ صدقة منْ مالٍ، وما مدَّ عبْد يدهُ بصدقةٍ إلا ألْقيت في يد (¬1) الله قبْلَ أن تقع في يد السَّائل، ولا فتح عبدٌ باب مسْئلةٍ (¬2) له عنها غني إلا فتح الله له باب فقرٍ (¬3). رواه الطبراني. 9 - وروي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيُّها النَّاس توبا إلى الله قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصَّالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربِّكمْ بكثرة ذكركمْ له (¬4)، وكثرة الصَّدقة في السِّرِّ والعلانية ترْزقوا وتنصروا وتجبروا (¬5). رواه ابن ماجه في حديث تقدم في الجمعة. ¬

= أ - صاحب المنزل الآمر الذي يسمح. ب - الزوجة التي تساعد. جـ - الخادم. (¬1) الله تعالى منزه من مشابهة الحوادث، وليست له يد بالمعنى المفهوم من يدنا، وإنما هذا لتقريب الأفهام، إن الله يعطف بالرحمة على المعطى، ويزيده كرامة، ويمده بإحسان، ويضاعف ثوابه، ويقبل عليه برعايته وبركاته. (¬2) سؤال (¬3) ذلة وضعة وشره نفس وطمع. (¬4) أي داوموا على ذكر الله وحمده وتسبيحه واستغفاره، والصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم. (¬5) يبين صلى الله عليه وسلم أن الإنفاق لله يجلب سعة الرزق، ويقضي الحاجات، ويكون سبب الفوز والنجاح والشفاء، ونيل المأمول، ومعنى تجبروا: تجب دعواتكم وتغتنوا, وفي النهاية (وفي حديث الدعاء) (واجبرني واهدني): أي أغنني، من جبر الله مصيبته: أي رد عليه ما ذهب منه وعوضه، وأصله من جبر الكسر أهـ وفي أسماء الله تعالى الجبار: أي الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهى، وقيل: هو العالي فوق خلقه.

10 - ورُوى عنْ عائشة رضي الله عنها أنَّهم ذبحوا شاةً، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما بقي منها؟ قالتْ: ما بقي منها إلا كتفها. قال: بقي كله كلُّها غير كتفها (¬1). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ومعناه: أنهم تصدقوا بها إلا كتفها. 11 - وعنْ أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول العبدُ مالي مالي (¬2)، وإنَّما له منْ مالهِ ثلاثةٌ: ما أكل فأفني (¬3)، أوْ لبسَ فأبْلى (¬4) أوْ أعطي فاقتني (¬5) ما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس رواه مسلم. ¬

(¬1) تصدق صلى الله عليه وسلم بلحم الشاة كلها إلا كتفها القطعة الأمامية فقط، ثم سأل صلى الله عليه وسلم سؤال بداعة وكمال: ما بقي منها؟ وأجاب صلى الله عليه وسلم ليعلم المسلمين أن الذي يذهب لله هو الباقي ثوابه الخالد بنعيمه الجزيل الأجر قال تعالى: (ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون 97 من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) 98 سورة النحل، وفيه الحث على الصدقة، والإكثار من الإحسان. (¬2) أحب مالي. (¬3) فأذهب. (¬4) أخلق وتقطع. (¬5) كذا ط وع ص 393، وفي ن د: فأبقى، والمعنى يميل الإنسان إلى جمع المال، ويشتاق إليه، ولكن نصيبه من ماله ثلاثة: أ - يتنعم به المطعومات ويتذوقه ويتلذذ به. ب - أنواع الملابس والزينة والمركب والأثاي والأبهة. جـ - الصدق وتشييد المكرمات، فإذا لم يستفد الإنسان في حياته من هؤلاء فلا فائدة في ماله، وهو ذاهب الى ورثته. قال تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين 31 قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده، والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون 32 قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) 33 من سورة الأعراف. (زينة الله) من الثياب، وما يتجمل به كالقطن والكتان والحيوان كالحرير والصوف والمعادن كالدروع (الطيبات) المستلذات من المآكل والمشارب، وفيه دليل على أن الأصل في المطاعم والمبلابس وأنواع التجملات الإباحية (الفواحش) ما تزايد قبحة جهرها وسرها (والإثم) الذنب، وقيل: شرب الخمر (والبغي) الظلم أو الكبر، واجتنبوا الإلحاد في صفاته تعالى سبحانه، والافتراء عليه تهكماً بالكفرة كقولهم: الله أمرنا بها. قال الشاعر: النفس تبكي على الدنيا وقد علمت ... أن السلامة فيها ترك ما فيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها ... إلا التي كان قبل الموت بانيها فإن بناها بخير طالب مسكنه ... وإن بناها بشر خاب بانيها أين الملوك التي كانت مسلطنة ... حتى سقاها بكأس الموت ساقيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها =

12 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّكُمْ مالُ وارثهِ أحبُّ منْ مالهِ؟ قالوا يا رسول الله: ما منَّا أحد إلا ماله أحبُّ إليه قال: فإنَّ ماله ما قدَّم ومال وارثهِ ما أخَّر. رواه البخاري والنسائي. 13 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنهٌ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا رجُل فلا فلاةٍ من الأرض فسمع صوتاً في سحابةٍ: أسقِ حديقة فلانٍ، فتنحَّى ذلك السَّحاب فأفرغ ماءه في حرَّة، فإذا شرجة من تلك الشِّراج قد استوعبت ذلك الماء كلَّه فتتبَّع الماء، فإذا رجل قائم في حديقةٍ يحوِّل الماء بمساحته، فقال له عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الذي سمع في السَّحابة، فقال له: يا عبد الله لم سألتني عن اسمي. قال: سَمِعْتُ في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسْقِ حديثة فلانٍ لاسمكَ فما تصْنع فيها: قال أما إذا قلْتَ هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثهِ وآكل أنا وعيالي ثلثهُ، وأردُّ ثلثه (¬1). رواه مسلم. ¬

= وقال آخر: غداً توفى النفس ما كسبت ... ويحصد الزارعون ما زرعوا إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم ... وإن أساءوا فبئس ما صنعوا (¬1) يقص لك صلى الله عليه وسلم حكاية المتصدق (فأتصدق بثلثه) يسوق الله له غيثاً، ويبعث له مطراً ويرسل له مساء مسخراً من قبل الله يتوجه لزراعة ذلك الرجل الصالح المحسن، وقد أسمعه الله كرامة له صوت ذلك الذين في السحاب: (اسق حديقة فلان) وسط صحراء لا نبات فيها. والدرس من هذا الحديث العذب طلب الإنفاق لله، وكثرة الصدقة، والعمل لله والله يهب الأرزاق، ويعطي البركة للمزكين. قال تعالى: (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد). أين الملحدون المنكرون كرامة الأولياء، وهذا رجل في بستانه شاهد عمله رجل آخر سمع صوتا في السحابة ومشى مع مسيل الماء، فسأل عن صاحب البستان فطابق الاسم المنادي فاستفهم: فما تصنع فيها؟ فأجاب. أ - ينفق ثلث إيراد الحديقة لله. ب - وينفق على أهله وأسرته الثلث الثاني. جـ - ويشتري ما يلزم للزراعة من الثلث الأخير. هل يتعظ المسلمون بهذا، ملائكة الله تسوق الأمطار لسقي الصالحين، ورى أرضهم، إن من نظام الله البديع أن سخر ملائكته لأعمال اقتضتها حكمته سبحانه، ومنها الموكلون بالسحاب، وقد سمعت الأمر (اسق حديثة فلان). قال تعالى: أ - (أفرأيتم الماء الذي تشربون 68 أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون 69 لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون) 70 من سورة الواقعة. فأنت ترى نعم الله العظيمة، ومنها: الماء العذب الذي نشربه ينزلهن الله من السحاب حسب إرادته تفضلا =

(الحديقة): البستان إذا كان عليه حائط. ¬

_ = على عباده، ولو شاء لجعله ملحاً - من الأجيج الذي يحرق الفم. سبحانه نحمده ونشكر فضله، ومن شكره الإنفاق في الخير، والصدقة على المحتاجين، وعمل البر، وقال تعالى في بيان فضله، ودلائل قدرته. ب - (أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون) 60 من سورة النمل. سبحانه لا يقدر على إنبات الحدائق المختلفة الأنواع المتباعدة الطباع غيره، فأنفقوا حباً في ثوابه. جـ - وقال تعالى: (أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجزر فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون) 27 من سورة السجدة. الجزر: الصحراء. د - وقال تعالى: (وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهوراً 49 لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا) 50 من سورة الفرقان. (بشرا) مبشرا قدام المطر ليترعرع النبات. أناسي جمع إنسي أو إنسان. هـ - وقال تعالى: (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا الموتى لعلكم تذكرون) 57 من سورة الأعراف. سقت لك هذه الآيات لتعلم أن ماء الأنهار من الله تعالى، وأصله من السحاب عسى أن تتقي الله، وتشكر له سبحانه فضله وإحسانه إليك، وتجتهد في كثرة الإنفاق في عمل البر، وتشييد المكرمات، وفعل الصالحات وترسم أمامك حب الخير، وأداء الزكاة، ووفرة الصدقات، واقتد بذلك الصالح الذي وجه الله له السحاب فسقى زرعه. فحافظوا أيها المسلمون على الإنفاق رجاء وفرة ماء النيل. قال تعالى: أ - (وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم تظلمون) 60 من سورة الأعراف. ب - وما تنفقوا من خير يوف إليكم) وأداء الزكاة خلة ثالثة للمتقين الكرماء في قوله تعالى: جـ - (هدى ورحمة للمحسنين 3 الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون 4 أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون 5) من سورة لقمان وقال تعالى: د - (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) 91. (العدل): حب الحق، والتوسط في الأمور، وتوحيد الله، والجود قال عليه الصلاة والسلام: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك). (وإيتاء ذي القربى): وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه. الفحشاء): الإفراط في متابعة القوة الشهوية كالزنا، فإنه أقبح أحوال الإنسان وأشعنها. (والمنكر): القبيح الذي نهى عنه الشرع، وما ينكر على متعاطيه في إثارة القوة الغضبية (والبغي): الاستعلاء والاستيلاء على الناس، والتجبر عليهم. وقال تعالى: هـ - (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون). أنفق أيها المسلم لتندرج في سلك الذين شملهم برحمته، ولتندمج في عقد المتقين المشمولين برعايته. (اتفقوا) المعاصي. (محسنون) في أعمالهم بالولاية والفضل، أو مع الذين اتقوا الله بتعظيم أمره، والذي هم محسنون بالشفقة على خلقه، ومن الرأفة الزكاة وإخراج الصدقة، وإذا اطلعت على أشعار العرب وجدت المروءة السامية والرغبة في الإحسان، والتفاخر بالجود. قال دعبل الخزاعي الشاعر المشهور لتعرف موسيقى طربه غليان قدره واعتماده على الله تعالى في طلب الرزق: =

(الحرة) بفتح الحاء المهملة، وتشديد الراء،: الأرض التي بها حجارة سود. ¬

_ = بانَتْ سُلَيْمى وأَمْسَى حَبْلُهَا انْقَضَبَا ... وَزَوَّدُوكِ، وَلَم يَرْثُوا لَكَ الْوَصَبَا قالتْ سلامة ُ: أين المالُ؟ قلتُ لها: ... المال ـ ويحك ـ لاقى الحمدَ فاصطحبا الحمدُ فرق مالي في الحقوقِ، فما ... أبقين ذماً، ولا أبقينَ لي نشبا قالتْ سلامة ُ: دعْ هذي اللبون لنا، ... لِصِبْيَة ٍ، مِثْلِ أَفْرَاخِ الْقطا، زُغُبا قُلْتُ: احْبسِيَها، فَفِيهَا مُتعة ٌ لَهُمُ ... إنْ لَمْ يُنِخْ طارِقٌ يَبْغي القِرى سَغِبا لمَّا احتبى الضيفُ واعتلتْ حلوبتها ... بَكَى الْعِيالُ، وَغَنَّتْ قِدْرُنَا طَرَبا هذي سبيلي، وهذا ـ فاعلمي ـ خلقي، ... فارضي به، أو فكوني بعض من غضبا مَا لاَ يَفٌوتُ، وَمَا قَدْ فَاتَ مَطْلَبُهُ ... فَلَنْ يَفُوتَني الرِّزْقٌ الَّذِي كُتِبا أسعى لأطلبَه والرِّزقُ يطلبني ... والرِّزْقُ أَكْثَرُ لِي مِنِّي لَهُ طَلَبا هل أنتَ واجدُ شيءٍ لو عنيتَ به ... كالأجرِ والحمد مُرتاداً ومكتسبَا؟ اهـ من الأمالي نوادر ص 99. وإن الله تعالى بعث لنا النعم لنتمتع بخيراتها وننفق ونأكل على شريطة استعمالها فيما يرضي الله قال تعالى: أ - (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طمعوا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) 94 من سورة المائدة. (فيما طعموا): مما لا يحرم عليهم. (اتقوا) المحرم، وثبتوا على الإيمان، والأعمال الصالحة. (ثم اتقوا) ما حرم عليهم كالخمر. (وآمنوا) بتحريمه. (ثم اتقوا): ثم استمروا وثبتوا على اتقاء المعاصي. (وأحسنوا): وتحروا الأعمال الجليلة، واشتغلوا بها. قال البيضاوي: باعتبار المراتب الثلاث في المبدأ والوسط والمنتهى. أو باعتبار ما يتقي فإنه ينبغي أن يترك المحرمات توقيا من العقبات والشبهات، تحرزا عن الوقوع في الحرام، وبعض المباحثات تحفظا للنسف عن الحسنة، وتهذيباً لها عن دنس الطبيعة أهـ (المحسنين) فلا يؤاخذهم بشيء. وفيه أن من فعل ذلك صار محسنا، ومن صار محسنا صار لله محبوباً. وإن من الإحسان العطف على الفقراء. والإنفاق على البائسين، وإخراج جزء من المال لله والمساعدة على فعل البر وإنشاء مشروعات الخير لتكسب المحامد، وهذه تعاليم الله تعالى لبني إسرائيل. قال البيضاوي: إن بني إسرائيل لما فرغوا من فرعون، واستقروا بمصر أمرهم الله سبحانه وتعالى المسير إلى إريحاء من أرض الشام وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيون، وقال: إني كتبتها لكم دارا وقرارا فخرجوا اليها، وجاهدوا من فيها، فإني ناصركم، وأمر موسى عليه الصلاة والسلام أن يأخذو من كل سبط كفيلا عليهم بالوفاء بما أمروا به فأخذ عليهم الميثاق، واختار منهم النقباء، وسار بهم، فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون الأخبار، ونهاهم أن يحدثوا قومهم، فرأوا أجراما عظيمة، وبأسا شديداً، فهابوا ورجعوا. وحدثوا قومهم. ونكثوا الميثاق إلى كالب بن يوقنا من سبط يهوذا ويوشع بن نون من سبط أفرانيم بن يوسف - قال تعالى: (وقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسل وعزرتموهم وأقرضتهم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل 13 فيما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) 14 من سورة المائدة. (وعزرتموهم): نصرتموهم وقويتموهم. (قرضاً حسناً): بالإنفاق في سبيل الخير (لعناهم): طردناهم من رحمتنا، أو ضربنا عليهم الجزية، أو مسخناهم. (قاسية) لا تنفعل عن الآيات والنذر. (مما ذكروا به) من التوراة، أو من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن مسعود =

(والشرجة) بفتح الشين المعجمة، وإسكان الراء بعدها جيم، وتاه تأنيث: مسيل الماء إلى الأرض السهلة. (والمسحاة) بالسين والحاء المهملتين: هي المجرفة من الحديد. 14 - وعنْ عدِّي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منْكُمْ من أحدٍ إلا سيُكلِّمهُ الله ليْس بينه وبينهُ ترْجمان (¬1) فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدَّم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدَّم، فينظر بين يديهِ فلا يرى إلا النَّار تلقاء وجههِ، فاتَّقوا النَّار ولو بشقِّ تمرةٍ (¬2). وفي رواية: من استطاع منكم أن يستتر من النَّار ولوْ بشقِّ تمرةٍ فليفعل. رواه البخاري ومسلم. 15 - وعنْ عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليقِ أحدكم وجههُ النَّار (¬3) ولوْ بشقِّ تمرةٍ (¬4). رواه أحمد بإسناد صحيح. 16 - وعنْ عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة اشتري من النَّار، ولو بشقِّ تمرةٍ فإنَّها تسدُّ من الجائع مسدَّها من الشَّبعان. رواه أحمد بإسناد حسن. ¬

= (قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية). وفيه تنبيه على أن العفو من الكافر الخائن إحسان فضلا عن العفو عن غيره. احتوى الميثاق والمعاهدة على خمس مواد: أولا: أداء الصلاة. ثانيا: الزكاة. ثالثا: الإيمان بالرسل. رابعا: تأييدهم والعمل بشريعتهم وحبهم. خامساً: الإنفاق في عمل الخير، وتشييد الصالحات. هذا عهد الله لأولاد آدم يعملون بقرآنه، وإلا أزال نعمته منهم، وسلب فضله، وأخذ خيره وبعث الجهل وفشا الشقاق، وسادت الفوضى، وانتزعت البركة، ووقتئذ تتلى المواعظ فلا تتأثر القلوب، ولا تتعظ الأفئدة (ونسوا حظاً مما ذكروا به). قال الشاعر: إذا جادت الدنيا عليك فجد بها ... على الناس طراً إنها تتقلب فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ... ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب (¬1) يبين صلى الله عليه وسلم وقوف الإنسان يوم القيامة للحساب ويرى بنفسه جلال الله وعظمته ويدرك هيبته وأنواره فيلتفت يميناً ثم شمالا، فلا يجد إلا عمله في حياته إن خيراً وإن شراً، ثم أمر صلى الله عليه وسلم أن نتجنب نار جهنم في الآخرة ولو بالتصدق بما يوازي نصفص تمرة. وفيه الحث على الصدقة وإن قلت، وفعل الخير، وإن حقر. (¬2) ليجعل له وقاية وحصناً يبعده عن لهب جهنم ولويهم، ويريد الإنفاق وإن قل. (¬3) في ع: من النار. (¬4) تمنع الجوع، وتدعو النفس إلى الجود، وتحثها على عمل الطاعات، وتشوقها إلى الخير وتعودها الإحسان.

17 - ورُوي عنْ أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعوادِ المنبر يقول: اتَّقوا النَّار ولو بشقِّ تمرةٍ فإنَّها تقيم (¬1) العِوَجَ، وتدْفعُ ميتة السُّوء وتقع من الجائع (¬2) موقعها من الشَّبْعان. رواه أبو يعلى والبزار، وقد روي هذا الحديث عن أنس وأبي هريرة، وأبي أمامة، والنعمان بن بشير، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. 18 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: لكعْبِ بن عُجْرَة: يا كعْب بن عجْرة: الصَّلاة قُرْبانٌ (¬3)، والصِّيام جُنَّة (¬4)، والصَّدقة تُطفي الخطيئة (¬5) كما يُطفي الماء النَّار، يا كعْب بن عجرة: الناس غاديان (¬6) فبائع نفسه فموثق رقبته، ومُبْتاع نفسه في عتق رقبتهِ رواه أبو يعلى بإسناد صحيح. 19 - وعنْ كعْب بن عُجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا كعْب بنَ عُجْرة إنَّه لا يدخل الجنَّة لحم ودم نبتا على سُحتٍ النَّار أولى به (¬7). يا كعب بن عجرة: النَّاس غاديان فغادٍ (¬8) في فكاكِ نفسه فمعتقها، وغادٍ فموثِقها يا كعبُ يا كعب ابن عجرة: الصَّلاة قربانٌ، والصوم جنَّة، والصدقة تُطفي الخطيئة كما يذهب الجليد على الصَّفا. رواه ابن حبان في صحيحه. 20 - وعنْ معاذ بن جبل قال: كنْتُ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فذكر الحديث إلى أن قال فيه: ثم قال: يعني النَّبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدُلك على أبواب الخير؟ قلت: بلى (¬9) يا رسول الله. قال: الصَّوم جُنَّة، والصَّدقة تُطفي الخطيئة كما يطفئ الماء النَّار. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ويأتي تمامه في الصمت وهو عند ابن حبان من حديث جابر في حديث يأتي في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) الصدقة تدل على حسن الخاتمة، وتبعد السومات، وتزيل المكاره. (¬2) وتسد رمق الجائع وتنفعه. (¬3) تقربك إلى رحمة الله وتجلب رضاه. (¬4) وقاية له من السوء. (¬5) تزيل أثر الذنب. (¬6) ذاهبان وقاصدان: أي هما صنفان يعمل ليبعد من جهنم، ويفك أسهر من العذاب. وآخر يعمل سوءاً، ويغضب ربه، فيستحق العذاب ويحق عليه الذل والأسر. (¬7) أكل أموال الناس بالباطل كالرشوة والظلم والسرقة والنهب والمكس وكل مال أخذه بلا طريق شرعي يحرم الله عليه الجنة فلا يدخلها. (¬8) ذاهب لإزالة العذاب بالعمل الصالح في حياته. والثاني ذاهب إلى تمكين عرى الذل، وإدخال جهنم بما يقترفه من الخطايا. (¬9) نعم دلني.

21 - وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الصدقة لتطفئ غضب الرَّبِّ وتدفع ميتة السُّوء (¬1). رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وروى ابن المبارك في كتاب البر شطره. الأخير، ولفظه: (إنَّ الله ليدْرأبالصَّدقة سبعين باباً (¬2) منْ ميْتة السُّوء). (ما نقص مال عبد من صدقة) (يدرأ) بالدال المهملة: أي يدفع، وزنه ومعناه. ¬

(¬1) الاحسان إلى الفقراء، والإنفاق في الخير يبعد سوء الخاتمة، ويرشد إلى المحامد، ويضمن حسن العاقبة كما قال تعالى: أ - (والعاقبة للتقوى) أي حسن العاقبة لأهل التقوى. ب - (وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها باذن ربهم تحيتهم فيها سلام). وقال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم ليعلم أمته: (إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير) 18 من سورة فاطر. (بالغيب): غائبين عن عذابه، أو عن الناس في خلواتهم، ومن تطهر من دنس المعاصي، وأنفق في الخير جازاه الله بالنعيم على تزكيته، على أن عدم الإنفاق قد يجر إلى الإلحاد، وعدم الصدقة وراءها قسوة القلب وغفلته عن الله، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى توحيد الله والاستقامة في العمل: (فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون) فامتناعهم عن الزكاة كما قال البيضاوي: لاستغراقهم في طلب الدنيا، وإنكارهم للآخرة لبخلهم، وعدم إشفاعهم على الخلق. وإن الله تعالى أمر أزواج خير الخلق صلى الله عليه وسلم: (وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله): أي في سائر ما أمركن به ونهاكن عنه. وقد عد سبحانه خصالا عشرة يقوم به رجال أبرار أطهار أخيار منها: (والمتصدقين والمتصدقات) - في قوله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) 36 من سورة الأحزاب. فانظر رعاك الله إلى هذا الثواب الجزيل وقد ضمن الله حسنى الخاتمة للمتفق في البر. (¬2) يخبرك صلى الله عليه وسلم فائدة الصدقة أن تدفع سبعين بابا من أبواب الأذى والشر، وتجلب رضا الله ورحمته وإحسانه ووقايته من المكاره. قال تعالى: أ - (وأن تصدقوا خير لكم). ب - (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) 69 من سورة العنكبوت. جاهدوا فينا: عملوا الصالحات وبذلوا النفس والنفيس في حقنا، وجلب رضانا. (لنهدينهم) سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا - أو لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير، وتوفيقا لسلوكها كقوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى). وفي الحديث: (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم)، (وإن الله لمع المحسنين): بالنصر والاعانة. أهـ بيضاوي. =

22 - وعنْ أبي كبْشة الأنماريِّ رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلعليه وسلم يقول: ثلاث (¬1) أقسم عليْهنَّ، وأحدِّثكمْ حديثاً فاحفظوه قال: ما نقص (¬2) مالُ عبدٍ من صدقةٍ، ولا ظلم عبد مظلمةً صبر عليها إلا زاده الله عزَّا، ولا فتح عبد باب مسْألةٍ (¬3) إلا فتح الله عليه باب فقرٍ (¬4)، أوْ كلمةً نحوها، وأحدِّثكمْ حديثاً فاحْفظوه. قال إنَّما الدنيا لأربعة نفرٍ: عبدٌ رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتَّقي فيه ربَّه (¬5)، ويصل فيه رحمه (¬6)، ويعْلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النِّيَّة يقول: لوْ أنَّ لي مالاً لعملت بعمل فلانٍ فهو بنيَّتهِ فأجْرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علمٍ (¬7)، ولا يتَّقي فيه ربَّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبثِ (¬8) المنازل، وعبد لمْ يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لوْ أنَّ لي مالاً لعملت فيه بعمل فلانٍ فهو بنيَّتهِ، فوزرهما (¬9) سواء. رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 23 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: ضرب رسول الله (ما نقص مال عبد من صدقة) (يدرأ) بالدال المهملة: أي يدفع، وزنه ومعناه. مثل البخيل والمتصدِّق: كمثل رجلين عليهما جُنَّتان (¬10) من حديدٍ قد ¬

= أخبرك صلى الله عليه وسلم أن الصدقة طريقة الله موصلة إلى رحمة الله جالبة رضاه مبعدة سخطه طاردة أي أذى لك أيها المسلم. (¬1) كذا ع ص 295، وفي ن ط، وفي ن د: ثلاثة أقسم. (¬2) قل. (¬3) سؤال. (¬4) احتياج وذمة وضعة واحتقار وشدة طمع وازدراء قومه. (¬5) يخاف الله ويعمل صالحا. (¬6) يزور أقاربه ويمدهم بخير. (¬7) ينفق ماله ابتغاء شهواته. (¬8) أردأ. وأفظع. (¬9) ذنبهما: بين طبيب النفوس صلى الله عليه وسلم رغبات الانسان في الحياة: أولاً: رجل موفق مسدد الخطوات بر صالح وغني وعالم، فاستعمل بماله ما يشيد له المكرمات الصالحات ونفعه الله بعمله فأثمر في غرس المحامد، وفعل المكارم، فأفاد واستفاد. ثانياً: عالم وفقير فعمل بعلمه وتمنى لو اغتنى لفعل خير فثوابه ثواب من فعل. ثالثاً: غنى شرير أطلق عنان ماله في فعل المفاسد، وارتكاب المحارم وطغى وبغى وقطع أقاربه، وحرم المسكين، فهذا في الدرك الأسفل من النار وأردأ عاقبة، وبئس مآله. رابعاً: رجل فقير ولكن نيته خبيثة منعه عن الموبقات ضيق يده ولم يخش الله ولم يرجه سبحانه، ويتمنى لو يغتني لأجرم وسلك سبيل الدعارة، فكأنه فعل ذلك، وعوقب أشنع عقاب، وباء بسوء العاقبة. نسأل الله السلامة. (¬10) درعان، واحدها جنة: (أي وقاية). وفي ع: جبتان ص 296.

اضْطُرَّتْ أيديهما (¬1) إلى ثديِّهما وتراقيهما (¬2)، فجعلَ المتصدِّق كلَّما تصدَّق بصدقةٍ انبسطت (¬3) عنْه حتى تغشى (¬4) أنامله، وتعفوا أثره (¬5)، وجعل البخيل كُلَّما همَّ بصدقةٍ قلصت (¬6)، وأخذتْ كلُّ حلقةٍ بمكانها (¬7). قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بأصبعيه هكذا في جيبه يُوسِّعها ولا تتوسَّع (¬8). رواه البخاري ومسلم، والنسائي، ولفظه: مثل المنفق المتصدق والبخيل: كمثل رجلينِ عليهما جبَّتان، أوْ جبَّتان من حديدٍ من لدنْ ثديِّهما إلى تراقيهما، فإذا أراد المنفق أن ينفق اتَّسعت عليه الدِّرعُ، أو مرَّتْ حتى تجنَّ بنانه، وتعفو أثره، فإذا أراد البخيل أن ينفق قلصتْ ولزمتْ كلُّ حلقةٍ موْضعها حتى (¬9) أخذت بترقوتهِ، أو برقبتهِ، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: أشْهد أنَّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوسعها (¬10) ولا تتَّسع. (الجنة) بضم الجيم، وتشديد النون: كل ما وقي الإنسان ويضاف إلى ما يكون منه. (التراقي) جمع ترقوة بفتح التاء، وضمها لحن: وهو العظم الذي يكون بين ثغرة نحر الإنسان وعانقه. (وقلصت) بفتح القاف واللام: أي انجمعت وتشمرت، وهو ضد: استرخت وانبسطت. ¬

(¬1) أي شملت الأيدي والثدي والعضوين المجاورين للعنق فهي تشبه القميص الذي ستر هذه الأعضاء فتتسع على المحسن المتصدق، وتضغط على البخيل وتؤلمه. (¬2) عظمتان بارزتان عند الكتف. (¬3) اتسعت. (¬4) تغطي. (¬5) تجعله وتكمله. (¬6) ضغطت عليه وعذبته. (¬7) كذاع وط، وفي ن د: مكانها. قال النووي: معنى تقلصت: انقبضت، ومعنى يعفوا أثره: أي يمحي أثر مشيه بسبوغها وكمالها، وهو تمثيل لنماء المال بالصدقة والإنفاق، والبخل بضد ذلك، وقيل: هو تمثيل لكثرة الجود والبخل، وأن المعطى إذا أعطى انبسطت يداه بالعطاء، وتعود ذلك، وإذا أمسك صار ذلك عادة له، وقيل: معنى يمحو أثره: أي يذهب بخطايا ويمحوها، وقيل: في البخيل قلصت ولزمت كل حلقة مكانها: أي يحمي عليه يوم القيامة فيكوى بها، والصواب الأول، والحديث جاء على التمثيل لا على الخبر عن كائن. وقيل: ضرب المثل بهما لأن المنفق يستره الله تعالى بنفقته، ويستر عورته في الدنيا والآخرة كستر هذه الجنة لابسها، والبخيل كمن ليس جنة إلى ثدييه فيبقى مكشوفا بادي العورة مفتضحا في الدنيا والآخرة. هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى. أهـ ص 109 - جـ 7. (¬8) كذا ط د ع ص 296، وفي ن د: تتسع. (¬9) كذا ع ود، وفي ن ط: حتى إذا أخذت. (¬10) كذا ع ود، وفي ن ط: يوسع.

(والجيب) هو: الخرق الذي يخرج الإنسان منه رأسه في الثوب ونحوه. 24 - وعنْ مالكٍ رحمهُ الله أنَّه بلغه عن عائشة رضي الله عنها أنَّ مسكيناً سألها وهي صائمة، وليْس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاةٍ (¬1) لها: أعطيها إيَّاه، فقالتْ ليس لك ما تُفْطرين عليه، فقالت: أعْطيها إيَّاه. قالتْ: ففعلتْ، فلما أمْسينا أهدى لها أهل بيتٍ، أوْ إنسان ما كان يُهدى لها شاةً وكفنها فدعتها عائشة، فقالت كلي من هذا خير من قرصكِ. 25 - قال مالك: وبلغني أنَّ مسكيناً استطعم (¬2) عائشة أمَّ المؤمنين رضي الله عنها وبين يديها عنبٌ، فقالتْ لإنسان خذْ حبَّةً فأعْطهِ إيَّاها فجعل ينظر إليها ويعجب (¬3) فقالت عائشة رضي الله عنها: أتعجب كم ترى في هذه الحبَّة من مْثقال ذرةٍ (¬4)؟ ذكره في الموطأ هكذا بلاغاً بغير سند. (قوله) وكفنها. أي ما يسترها من طعام وغيره. 26 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قال رجلٌ: لأتصدَّقنَّ بصدقةٍ، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدَّثون تصدِّق الليلة على سارقٍ، فقال: اللهمَّ لك الحمد على سارق لأتصدقنَّ بصدقةٍ، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانيةٍ فأصبحوا يتحدَّثون تصدِّق الليلة على زانيةٍ. قال: اللهمَّ لك الحمد على زانيةٍ لأتصدقنَّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدَّثون تصدَّق الليلة على غنيٍ. قال: اللهمَّ لك الحمد على سارقٍ وزانية وغنيٍ فأتى ¬

(¬1) خادمة. معناه أن السيدة عائشة رضي الله عنها جادت بما عندها ثقة بالله، واعتماداً على الرزاق جل وعلا وإجابة للسائل كما أمر صلى الله عليه وسلم، فأثابها الله سبحانه، وعوضها خيراً، وزادها برا وأجراً وإحساناً ونعما - (شاة وطعاما وكل ما يلزم) فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم. (¬2) طلب طعاما. (¬3) كذا ع وط، وفي ن د: يتعجب (¬4) معناه أتصدق بهذا لأنال بوزنه حسنات من الله جل وعلا سبحانه المنفق المعطي المخلف. قال تعالى: أ - (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) من سورة سبأ. ب - (وأقرضوا الله قرضاً حسناً وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خير وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) سورة المزمل. قال البيضاوي: يريد به الأمر في سائر الانفاقات في سبيل الخيرات، أو بأداة الزكاة على أحسن وجه والترغيب فيه بوعد العوض كما صرح به (وأعظم) من متاع الدنيا (واستغفروا الله في مجامع أحوالكم فإن الإنسان لا يخلو من تفريط أهـ.

فقيل له: أمَّا صدقتك على سارقٍ: فعلَّهُ أن يسْتفَّ عن سرقتهِ، وأمَّا الزَّانية (¬1): فلعلَّها أن تستعفَّ عن زناها، وأمَّا الغنيُّ: فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله. رواه البخاري، واللفظ له، ومسلم والنسائي، وقالا فيه: فأتى، فقيل له: أمَّا صدقتك فقد تُقُبِّلت، ثمَّ ذكر الحديث: 27 - وعنْ عُقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلُّ امرئٍ في ظلِّ صدقته حتى يقضي بين الناس. قال يزيد: فكان أبو الخيْرِ مرْثد: لا يخطئه يوم إلا تصدَّق فيه بشيءٍ، ولوْ بكعكةٍ (¬2) أوْ بصلةٍ. رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 28 - وفي رواية لابن خزيمة أيضاً عنْ يزد بن أبي حبيبٍ عنْ مرثد بن أبي عيد الله اليزبيِّ: أنَّه كان أوَّل أهل مصر يروح إلى المسجد، وما رأيته داخلاً المسجد قطُّ إلا وفي كمِّه صدقة: إما فلوس، وإما خبزٌ، وإما قمح. قال: حتى ربما رأيت البصل يحمله: قال: فأقول يا أبا الخير إنَّ هذا ينتنُ ثيابك، قال فيلوق: يا أبن أبي حبيب أما إني لم أجد في البيت شيئاً أتصدق به غيره، إنه حدَّثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ظلُّ المؤمن يوم القيامة صدقته. 29 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الصدَّقة لتطفئ عن أهلها حرَّ القبور (¬3)، وإنما يستظلُّ المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته. رواه الطبراني في الكبير والبيهقي، وفيه ابن لهيعة. 30 - وعن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما ¬

(¬1) قال النووي في باب ثبوت أجر المتصدق، وإن وقعت الصدقة في يد فاسق ونحوه - وفيه ثبوت الثواب في الصدقة وإن كان الآخذ فاسقاً وغنيا ففي كل كبد حرى أجر، وهذا في صدقة التطوع، وأما الزكاة فلا يجئ دفعها إلى غني. أهـ ص 110 - جـ 7. (¬2) معناه يوم القيامة تكون الصدقة ظلة على صاحبها، وواقية له من عذاب الله، وجنة من الهول، ولو قلت مثل قطعة من الخبز أو البصل. وهذا رجل يأخذ من بيته ما وجده، ولا يبالي بحقارته رجاء أن توجد له في الصالحات ظلل تقيه أهوال يوم الحساب، فاجتهد أخي أن تتصدق ليقيتك الله شر ذلك اليوم، ويلقيك فضرة وسروراً. (¬3) الصدقة في الدنيا تسبب نعيم القبر، وتزيل لهب النار منه.

يروى عن ربِّه عزَّ وجلَّ أنه يقول: يا ابن آدم. افزع (¬1) من كنزك عندي، ولا حرق، ولا غرق، ولا سرق أو فيكه أحْوج (¬2) ما تكون إليه. رواه الطبراني والبيهقي، قال هذا مرسل، وقد روينا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنَّ الله إذا استودع شيئاً حفظه). 31 - وروي عن ميمونة بنت سعد أنَّها قالت: يا رسول الله: أفتنا عن الصَّدقة؟ فقال: إنها حجاب (¬3) من النَّار لمنْ احتسبها (¬4) يبتغي بها وجه الله عزَّ وجلَّ. رواه الطبراني. 32 - وعنْ بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يخْرج رجلٌ شيئاً من الصَّدقة حتى يفك عنها لحيى (¬5) سبعين شيطاناً. رواه أحمد والبزار والطبراني وابن خزيمة في صحيحه، وتردد في سماع الأمشق من بريدة، والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما، ورواه البيهقي أيضاً عن أبي ذر موقوفا عليه قال: ما خرجتْ صدقة حتى يفك عنها لحيا سبعين شيطاناً كلُّهم ينهى عنها. 33 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً منْ نخلٍ، وكان أحبَّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّبٍ. قال أنس: فلمَّا نزلت هذه الآية: لنْ تنالوا البرَّ حتى تنفقوا مما تحبُّون. قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: إن الله تبارك وتعالى يقول: لن تنالوا البرَّ حتى تنفقوا مما تحبُّون، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بيرحاءُ، وإنَّها صدقة أرجو برَّها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخٍ، ذلك مال رابحٌ، ذلك مال رابح. رواه البخاري ومسلم والترمذي ومسلم والترمذي والنسائي مختصراً. (بيرحاء) بكسر الباء وفتحها ممدوداً: اسم لحديقة نخل كانت لأبي طلحة رضي الله عنه ¬

(¬1) ادخر وجد وأنفق من مالك مدخراً ثواب ذلك عندي، سبحانه يحفظ هذا من الضياع فلا يصيبه أي تلف، ثم يثيبه، ويقدم له الجزاء الأوفى عند موته، يفتح له نعيم الجنة، ويغلق عليه رحماته فيدرك جزاء إحسانه، ويبعد عنه الحساب والأهوال. (¬2) أقدم لك هذا عند الشدة واحتياجك إلى من ينقذك من العذاب. (¬3) ساتر ومانع وواق. (¬4) أعطاها طالباً وثواب الله فقط. (¬5) معناه إخراج الصدقة يؤلم سبعين شيطانا رجيما حرصوا على عدم أدائها.

وقال بعض مشايخنا: صوابه بيْرحي: بفتح الباء الموحدة، والراء مقصوراً، وإنما صحفه الناس. وقوله (رابح) روى بالباء الموحدة، وبالياء المثناة تحت. 34 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله: ما تقول في الصَّلاة؟ قال: تمام العمل (¬1). قلتُ: يا رسول الله: تركتُ أفضل عملٍ في نفسي أوْ خيره؟ قال: ما هو؟ قلتُ: الصَّوم؟ قال: خير وليس هناك. قُلت يا رسول الله: أي الصَّدقة وذكر كلمة. قلت: فإن لم أقدر؟ قال: بفضل (¬2) طعامك. قلت: فإن (¬3) أفعل؟ قال: بشقِّ (¬4) تمرةٍ. قلت: فإن لم أفعل؟ قال: بكلمة طيبةٍ (¬5). قلت: فإن لم أفعل؟ قال: دع الناس (¬6) من الشِّرِّ، فإنَّها صدقة تصَّدق بها على نفسك. قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تريد أن لا تدع (¬7) فيك من الخير شيئاً. رواه البزار، واللفظ له وابن حبان في صحيحه أطول منه بنحوه، والحاكم، ويأتي لفظه إن شاء الله. 35 - وروى البيهقي، ولفظه في إحدى رواياته قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا يُنْجِي العبد من النَّار؟ قال: الإيمان بالله - التصديق بوجوده سبحانه وتعالى، والثقة به (¬8). قُلت يا نبي الله: مع الإيمان عمل؟ قال: أن ترضخ (¬9) مما خوَّلك (¬10) الله، وترضخ مما رزقك الله. قُلْتُ يا نبيَّ الله، فإنْ كان فقيراً لا يجد ما يرضخ؟ قال: يأمر بالمعروف (¬11) وينهى (¬12) عن ¬

(¬1) حسن أدائها وإتمام أركانها وسنتها. (¬2) ما زاد عن حاجتك وحاجة عيالك تصدق به. (¬3) كذا ص 298 ود، وفي ن ط: ان. (¬4) تصدق إن لم تجد شيئاً بنصف تمرة، أو بما يوازي قيمتها ليكون لك القدح المعل مع المتصدقين فتجود النفس بما تلك. (¬5) تصدق بطيب الكلام، وحسن الألفاظ، واجتناب الكلام البذيء. (¬6) اترك الشر، ولا تسع في الضرر، وكن محضر خير، ورسول سلام، وداعي إصلاح ومودة. (¬7) ان لا تترك. جواب بديع: أي لا بد للإنسان أن يكون فيه ذرة من خير، ولا يخلو من محامد، فهذا أبو ذر رضي الله عنه يكثر من - فإن لم أفعل - فيسهل عليه صلى الله عليه وسلم الجواب، ويدعوه إلى عمل ولو قل من نصف تمرة أو ألفاظ حسنة عذبة، أو اجتناب الشرور، وترك القبائح، وإلا فياخيبة من لم يفعل ذلك، ولم تكن في صحيفته حسنات من الصالحات، ويقول صلى الله عليه وسلم: (تريد أن لا تدع فيك من الخير شيئاً) أي تود يا أبا ذر ألا يكون لك شيء من المكارم وإن حقر - وفيه أن الإنسان يضرب بسهم صائب في الإنفاق وتشييد الطيبات، ويتصدق بما زاد عن طلباته الضرورية، ويحسن القول، ويتقي الله. (¬8) التصديق بوجوده سبحانه وتعالى، والثقة به. (¬9) نعطي عطاء قليلا. (¬10) ملكك الله، والتخول: التعهد. (¬11) يرشد إلى الخير وينصح، ويدعو إلى الفضائل، وبحث على اجتناب الرذائل، وينهى عن القبائح. (¬12) فليساعد الأحمق، وليقبض على يد المجرم، وليمنع الأشرار.

المنكر. قُلْتُ: إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر؟ قال: فليعنِ الأخرق. قلت: يا رسول الله: أرأيت إن كان يحسنُ أن يصنع؟ قال: فليعنْ مظلوماً (¬1). قُلتُ: يا نبي الله! أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مظلوماً؟ قال: ما تريد أن تترك لصاحبك (¬2) من خير ليمسك (¬3) أذاه عن الناس. قلتُ يا رسول الله: أرأيت إن فعل هذا يدخله الجنَّة؟ قال: من منْ عبدٍ مؤمن يُصيب خصْلةً من هذه الخصال إلا أخذت بيده (¬4) حتى تدخله الجنَّة. 36 - ورؤى عن رافع بن خديجٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصَّدقة (¬5) تسدٌّ سبعين باباً من السوء. رواه الطبراني في الكبير. 37 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: باكروا (¬6) بالصَّدقة، فإنَّ البلاء لا يتخطَّى الصَّدقة. رواه البيهقي مرفوعا وموقوفا ¬

(¬1) فليزل آلام المكروب وإضرار المصاب ويبعد الباطل، ويحق الحق ويغث المستغاث، وينجد المتألم. (¬2) كفى هذا الضعف، ألا تحب ألا يكون لك عمل صالح ومروءة تثاب عليها؟. (¬3) ليمنع ويصد. (¬4) المعنى أن الخصلة المحمودة تقوده إلى نعيم الجنة، وتضيء له سبل الاحترام، وفيه الحث على عمل البر والضرب بسهم في تنفيذ أوامر الله، واجتناب مناهيه. (¬5) الإحسان والإنفاق لله تمنع الشرور، وتصد الأذى وتقفل سبعين بابا من الضرر والهلاك والفقر والمرض وهكذا من الأعمال المؤلمة المؤذية، وفيه الحث على عمل الخير ابتغاء وجه الله ليجاب الطلب ويزول الكرم، ويفك العسير. (¬6) أسرعوا بتقديم صدقة لله فإنها تمنع المصائب ولا تعدوها الآلام، وكائن رأينا من مريض شفاه الله لا حسانه ومسألة عسيرة سهلها الله بالصدقة، ودين زال بفعل الخير لله، وآمال يسر الله وجودها بالإنفاق، وقد أجد في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيدكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) دليلا ناجحا، ودواء شافيا للوصول إلى نصر الله ولإغداق رحمته على المحافظ على أداء الصلاة والزكاة، فهذا أمر منه سبحانه وتعالى بالكف عن القتال، وإقامة الصلاة، وإخراج الزكاة حتى يأتي نصر الله، ويشرق فتح الله. الاستفهام تعجبي! أي تعجب يا محمد من قومك كيف يكرهون القتال، مع كونهم قبل ذلك كانوا طالبين له، وراغبين فيه، منهم: عبد الرحمن بن عوف، والمقداد بن الاسود، وسعد بن أبي وقاص، وقدامة بن مظعون، وجماعة كانوا بمكة يتحملون أذى الكفار، والله يأمرهم بالتحمل والصبر، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة أمروا بالقتال، وكراهتهم غلبت الرأفة عليهم أو لمحبهم المعيشة. قال الصاوي: ولما نزلت الآية أقلعوا عما خطر ببالهم، وشمروا عن ساعد الجد والاجتهاد، وجاهدوا في الله حق جهاده. أهـ، ودليلنا العكوف على عبادة الله مع الإخلاص في إقامة هذين الركنين: الصلاة، والزكاة. قال تعالى: (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) 77 من سورة النساء. يسر الله للمسلمين الخروج إلى المدينة وبقي بعضهم إلى فتح مكة حتى شعروا بالعزة، وجعل الله لهم من لدنه خير ولي وناصر، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ولما خرج صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب أبي أسيد فرأوا منه الولاية والنضرة كما أرادوا. =

على أنس، ولعله أشبه. 38 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدَّقوا، فإنَّ الصدقة فكاككم من النار. رواه البيهقي من طريق الحارث بن عمير عن حميد عنه. 39 - وروى عنْ عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: باكروا (¬1) بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطَّاها (¬2) رواه الطبراني، وذكره رزين في جامعة وليس في شيء من الأصول. ¬

= قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان ينصر الضعيف من القوي حتى كانوا أعز بها من الظلمة، هذه أوامر الله يا أخي للمستضعفين (من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا) 76 سورة النساء، والقرية، مكة: قوم ضعفوا عن الهجرة مستذلين ممتحنين، ولكن حافظوا على أداء اثنتين: (الصلاة والزكاة) حتى استجاب الله دعاءهم، ونصرهم نصرا مؤزورا. قال البيضاوي: وإنما ذكر الولدان مبالغة في الحث، وتنبيها على تناهي ظلم المشركين بحيث بلغ أذاهم الصبيان، وأن دعوتهم أجيبت بسبب مشاركتهم في الدعاء حتى يشاركوا في استنزال الرحمة واستدفاع البلية، وقيل: المراد به العبيد والإماء، وهو جمع وليد. أهـ بيضاوي ص 145. ما أشبه حالتنا اليوم بحالة صدر الإسلام في الضعف والذلة، ولكن شتان بين عملنا وعمل رجاله الأبطال رضوان الله عليهم. إنهم أدوا أوامر الله بإخلاص وعزيمة قوية فصبروا ونجحوا، وفتح الله لهم فتح مبينا فبدل الله ذلهم عزا، وفقرهم غنى. ونحن الآن في سنة 1374 هـ نرى تقصيراً في حقوق الله، ورجالاً نفوسهم غافلة عن طاعة الله وذكر الله، والصلاة والزكاة لله. ألم يأن للمسلمين أن يتوبوا ويصلوا ويزكوا ويستقيموا رجاء أن الله يعزهم كما أعز أهل مكة، ويرعاهم برحمته وإحسانه، فإنه تعالى أمرهم بالقتال، فجاهدوا واستبسلوا في سبيل نصر دين الله، ولكن دعاني إلى ذكر هذه الآيات حي الشديد لأمر الله لأولئك الصابرين المحتسبين المستضعفين بالصلاة والزكاة حتى أراد الله فقواهم، وأشرق شمس الإسلام وأضاء الحق، وعم نوره. قال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد 197 متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد 198 لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار) 199 من سورة آل عمران. قال البيضاوي: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد أمته، أو تثبيته على ما كان عليه، والمعنى: لا تنظر إلى ما الكفرة عليه من السعة والحظ، ولا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في مكاسبهم ومتاجرهم ومزارعهم. روى أن المؤمنين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش، فيقولون: ان أعداء الله فيما نرى من الخبر وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت. قال عليه الصلاة والسلام (ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع؟) أهـ بيضاوي. وشاهدنا الزهادة في المتاع الغاني، والدعوة إلى التصدق في جنب ما أعد الله للمحسنين. (¬1) سارعوا بها. (¬2) أي لا يجاوزها، يعني لا يلحق صاحبها، وفيه طلب الإقبال على الإنفاق لله رجاء أن يصد العوادي، ويمنع المصائب، ويخفف سبحانه في قضائه، ويلطف في قدره.

40 - وعن الحارث الأشعريِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله أوْحى إلى يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام بخمس كلماتٍ أنْ يعمل بهنَّ، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنَّ، فذكر الحديث إلى أن قال فيه: وآمركمْ بالصدقة، ومثل ذلك كمثل رجل أسره (¬1) العدوُّ، فأوْثقوا يده إلى عنقهِ، وقرَّبوه ليضربوا عنقه فجعل يقول: هل لكم أن أفدى نفسي (¬2) منكم، وجعل يُعطي القليل والكثير حتى فدى نفسه. الحديث رواه الترمذي وصححه، وابن خزيمة، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، وتقدم بتمامه في الالتفات في الصلاة. 41 - وعنْ رافع بن مكيثٍ، وكان ممَّنْ شهد الحديبية رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حُسنُ الملكة (¬3) نماء وسوء (¬4) الخلق، شؤم (¬5) والبرُّ (¬6) زيادة في العمر، والصَّدقة تطفيُّ (¬7) الخطيئة، وتقي (¬8) ميتة السُّوء. رواه الطبراني في الكبير، وفيه رجل لم يسم، وروى أبو داود بعضه. 42 - وعنْ عمر بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ صدقة المسلم تزيد في العمر، وتمنعُ ميتة السُّوء، ويذهب الله بها الكبْر والفخر. رواه الطبراني من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده عمرو بن عوف، وقد حسنها الترمذي، وصححها ابن خزيمة لغير هذا المتن. 43 - وعن عمر رضي الله عنه قال: ذُكرَ لي أنَّ الأعمال تباهي (¬9) فتقول: ¬

(¬1) وقع في شركهم وذل. (¬2) أن أقدم فدية وعوضاً عني: كذا الصدقة تفدي الإنسان من الآلام والأمراض بمعنى أنها تكون سبباً لتخفيفها وإزالتها. (¬3) الذكاء الوقاد والفكر الصائب هبة من الله تعالى. (¬4) الغضب والكدر والشتم والشقاق والحسد، وهكذا من النقائص. (¬5) وبال ويجر السوء والأذى. (¬6) فعل الخير وتشييد الصالحات والعمل المحمود يكون سبباً لزيادة العمر بمعنى أن الله يتكرم بحفظ صحة البار، ويجعل له سيرة حسنة، ويحفظ وقته من الضياع في اللغو بل يبارك فيه. والبر ضد العقوق، فكأن إطاعة الوالدين، والإحسان إليهما سبب طول العمر. والبر: الصدق، وفلان يبر خالقه، ويتبرره: أي يطيعه. وإني أشاهد من أطاع الله متعه بكمال الصحة، وحسن حاله، وأزال آلامه، وأطال عمره. (¬7) تزيل الذنب. (¬8) وتمنع سوء الخاتمة والهلاك بحالة شنيعة رديئة. (¬9) كذا ع ص 300، وفي ن د: تتباهى: أي تفتخر وتناظر وتجادل.

الصَّدقة أنا أفضلكم. رواه ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 44 - وعنْ عوف بن مالكٍ رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصاً، وقدْ علَّق رجل قنْو (¬1) حشفٍ (¬2)، فجعل يطعن (¬3) في ذلك القنو، فقال: لو شاء رب هذه الصَّدقة تصدَّق بأطيب من هذا، إنَّ ربَّ هذه الصَّدقة يأكل حشفاً يوم القيامة. رواه النسائي واللفظ له، وأبو داود، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما في حديث. 45 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ جمع مالاً حراماً، ثمَّ تصدق به لمْ يكن له فيه أجْر، وكان إصْره (¬4) عليه. رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم، كلهم من رواية دراج عن ابن حجيرة عنه. 46 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: خير الصَّدقة ما أبقيت (¬5) غني، واليد العليا (¬6) خير من اليد السُّفلى (¬7)، وابدأ بمن تعول (¬8) تقول امرأتك: أنفق عليَّ، أو طلقني، ويقول مملوكك: أنفق عليَّ، أوْ بعني، ويقول ولدك إلى من تكلنا؟ رواه ابن خزيمة في صحيحه، ولعلّ قوله: تقول امرأتك. إلى آخره من كلام أبي هريرة مدرج. 47 - وعنه رضي الله عنه أنَّه قال يا رسول الله: أي الصَّدقة أفضل؟ قال: ¬

(¬1) عذق (سباطة). (¬2) أردا التمرع 300. (¬3) يضرب أي يذم، ويبين صلى الله عليه وسلم رداءة هذه الصدقة، وقلة ثوابها عند الله، وتمنى أن ذلك الرجل يتصدق بأحسن وأبدع منها لأنها ستقيه يوم القيامة، وتكون طعاماً له يوم لا يجد شيئاً يصد عن الأهوال، ويدفع عنه الظمأ والجوع، وفيه الحث على اختيار الطيب في الإنفاق، والتصدق من الشيء المفيد القيم. قال تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون). هذا نوع من عذاب الله يوم القيامة فتقدم الملائكة له أرادا التمر، وفيه ما فيه ليسيغه جزاء بخله، وعدم عنايته بالصدقة الطيبة، و (إن الله طيب، ولا يقبل إلا طيبا). (¬4) ذنبه. وفيه الحث علي طلب الحلال، والتصدق من الحلال. (¬5) ما أفادت وتركت أثراً يمنع السؤال، وأزالت جوعا، ودفعت فقراً، وقدمت عملا يفيد. (¬6) المعطية. (¬7) السائلة. والمعنى الكريم الجواد خير من الشحاذ الذليل بالسؤال. (¬8) تكفيه معاشه، وتنفق عليه، وتقدم له اللازم. عاله شهراً: كفاه معاشه، وفيه الحث على الإنفاق على الزوجة والخادم والأبناء.

جهدُ (¬1) المقلِّ بمنْ تعول. رواه أبو داود، وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. 48 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبق درْهم مائة ألف درهمٍ، فقال رجل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال رجل له مال كثيرٌ أخذ منْ عرضهِ مائة ألف درهم تصدَّق بها، ورجل ليْس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدَّق به (¬2). رواه النسائي، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. (قوله) من عرضه بضم العين المهملة، وبالضاد المعجمة: أي من جانبه. 49 - وعنْ أمِّ بجيد رضي الله عنها أنَّها قالتْ: يا رسول الله إنَّ المسكين ليقوم على بأبي فما أجد له شيئاً أعطيه إيَّاه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنْ لمْ تجدي إلا ظلفاً محرقاً فادْفعيه إليه في يده (¬3). رواه الترمذي وابن خزيمة. وزاد في رواية: لا تردِّي سائلك ولوْ بظلفٍ محرقٍ. وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (الظلف) بكسر الظاء المعجمة للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس. 50 - وعنْ أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعبَّد عابد من بني إسرائيل، فعبد الله في صومعةٍ (¬4) ستين عاماً، فأمطرت الأرض فاخضرَّتْ، فأشرف (¬5) الرَّاهب منْ صومعته، فقال: لوْ نزلت فذكرتُ الله، فازددتُ خيرا، فنزل ومعه رغيف، أوْ رغيفان فبينما هو في الأرض لقيته امرأة فلم يزل يكلِّمها حتى غشيها (¬6)، ثمَّ أغمي عليهِ، فنزل العدير يسْتحمُّ، ¬

(¬1) طاقة، أي إخراج شيء من قليل بمعنى أن الإنسان يرى نفسه فقيراً، ولكن يجود من القليل ابتغاء ثواب الله وكرمه، وانتظار فضله، ثم أمر صلى الله عليه وسلم باعطاء الصدقة لمن يهمك أمره. بفتح الجيم وضمها ع 301. (¬2) يبين لك صلى الله عليه وسلم ثواب الصدقة الخارجة من مال الفقير يضاعف أجرها مئات لأن الغني يجود عن سعة، وينفق من كثرة، ولكن الفقير يدعوه إيمانه بربه إلى الإنفاق وينتظر رزق الله. (¬3) معناه قدمي للسائل ما وجد ولو قل، فثوابك مضاعف. (¬4) مكان عبادة النصارى. (¬5) نظر إليها. (¬6) تقرب إليها وجامعها. يبين صلى الله عليه وسلم أن الصدقة برغيف أو رغيفين كانت سبب زيادة الحسنات، فرجحت كفة الصدقة أمام الفاحشة، وتجلى عليه ربه بالرضوان والرحمة، وعفا عنه، وإن تعجب فعجب طاعته ستين سنة أمام هذه الكبيرة تضاءل وزنها، وخف حجمها، ولم تنفعه جزاء ارتكابه هذه الموبقة، ولكن عاطفة الإحسان لله في لمحة أدخلته في جنة الله، وطاشت دونها هذه الكبيرة. =

فجاء سائل، فأوْمأ إليه أنْ يأخذ الرَّغيفين، ثمَّ مات فوزنتْ عبادة ستين سنةً بتلك الزَّنْية فرجحت الزَّنية بحسناته ثمَّ وضع الرَّغيف أو الرغيفان مع حسناته، فرجحتْ حسناته فغفر له. رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه البيهقي عن ابن مسعود موقوفاً عليه، ولفظه: إنَّ راهباً عبد الله في صوْمعتهِ ستِّين سنةً، فجاءت امرأة فنزلت إلى جنبه، فنزل إليها فواقعها ست ليالٍ، ثمَّ سقط (¬1) في يده فهرب فأتى مسجداً فأوى فيه ثلاثا يطْعمُ ¬

= وفيه الحث على الصدقة، والتباعد عن الفاحشة، وانتظار ثواب الله، ووجود خشيته، والطمع في جزائه قال تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم) 2 من سورة القتال. قال البيضاوي: يعم المهاجرين والأنصار والذين آمنوا من أهل الكتاب وغيرهم. (كفر عنهم سيئاتهم): سترها بالإيمان وعملهم الصالح. (وأصلح بالهم) حالهم في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد وقال تعالى مبينا حال الدنيا وأن الزكاة جزء من المال، وفيها الخير كله: (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم 37 إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم 38 هأنتم هؤلاء تدعون لتنفقون في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) 39 من سورة القتال (أجوركم) ثواب إيمانكم وتقواكم (ولا يسألكم أموالكم) أي جميع أموالكم بل يقتصر على جزء منها يسير كربع العشر أو العشر (فيحفكم): فيجهد كم يطلب الكل. (تبخلوا) فلا تعطوا، ويخرج الله تعالى بالزكاة الأحقاد، ويزيل الشقاق. إن عبادة ذلك الرجل قاصرة عليه لا يتعدى ثوابها لغيره، وهي لغني حميد سبحانه، فلم تنفع إزاء معصية حاسبة الله عليها ولكن مر بخاطره الكرم وعلاج البخل، والتحلي بالجود والسخاء: فتصدق برغيف أو اثنين، فقبل الله صدقته فضاعف ثوابه، فثقل ميزانه، فرجحت عن الفاحشة، فغفر الله له. (¬1) ندم واستغفر، وأقر بذنبه، فعفا الله عنه، ومتعه بفضله. قال تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 22 ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير 23 لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور 24 الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد) 25 من سورة الحديد. (مصيبة) كجدب وعاهة في الأرض (ولا في أنفسكم) كمرض وآفة إلى مكتوبة في اللوح المحفوظ مثبتة في علم الله تعالى. (نبرأها): نخلقها - والضمير للأرض أو للمعصية أو للأنفس. (بما آتاكم) بما أعطاكم الله منها فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر، والمراد به نفي الأسى المانع عن التسليم لأمر الله، والفرح الموجب للبطر والاختيال، والمختار بالمال يضن به غالباً، ومن يعرض عن الإنفاق، فإن الله عني عنه، وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الأعراض عن شكره: ولاينفعه التقرب إليه بشكر من نعمه. وفيه تهديد، وإشعار بأن الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق أهـ بيضاوي. آمنت بالله واعتقدت أن الصدقة تنفع صاحبها، وتكون سبب غفران ان ذنوبه وزيادة رزقه: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس فوائد الصدقة كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أولا: تنمية ثواب الصدقة وزادة أجرها وادخارها عند الغني الوهاب (يقبلها بيمينه ثم يربيها). =

شيئاً فأتى برغيفٍ فكسره فأعْطى رجلاً عن يمينهِ نصفه، وأعطى آخر عنْ يسارهِ نصفهُ ¬

_ = ثانيا: يضع الله البركة في المال الباقي، ويبعد عنه المصائب، ويزيده نماء وربحاً (ما نقصت صدقة من مال). ثالثاً: الصدقة سبب زيادة الرزق ونصر الله وعنايته بالمتصدق (ترزقوا وتنصروا وتجبروا). رابعاً: يسخر الله للمتصدق ما يفيده من سقى أرض ومساعدة ووجود مال ومحبة الأصدقاء (اسق حديقة فلان) وفيه يبارك الله في ماء الأنهار لتروي الأرض المزكاة. خامساً: تبعد صاحبها عن النا، وتفك عنه ضيق الدنيا والآخرة (اتقوا النار ولو بشق تمرة). سادساً: الصدقة تزيل الخطايا وتغسل صحيفة صاحبها من الأدناس وتطهرها من الذنوب (تطفئ الخطيئة). وقد أعلمنا قائد الحكمة، ومبعث الرحمة عابداً راهباً أخطأ فأفحش فلم ينفعه عمله إلا صدقة رغيف أورغيفين أطفأت خطيئته (رجح الرغيف). سابعاً: الصدقة تصد الرزايا، وتمنعالحوادث، وتجلب حسن الخاتمة، فيموت المحسن على فراشه مبرشاً بنعيم الله لا يموت برصاص، ولا يقتله قاتل، ولا يحسد، ولا يذم، ولا يقتل مؤامرة، ولايعاكس، (وتدفع سبعين بابا من ميتة السوء) كالحسد والكيد والدس والتآمر والفقر وموت البغتة، وهكذا من العواقب القبيحة الرذيلة السيئة. ثامناً: الصدقة درع قوي يلبسه المحسن فيقيه عاديات الدهر، وحوادث الزمان (جنة تغشي أنامله وتعفو أثره). تاسعاً: الصدقة كشجرة يستظل بها المحسن: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد) 31 من سورة آل عمران (ظل المؤمن يوم القيامة صدقته). عاشراً: الصدقة تهدم حصون الشياطين، وتكسر أنيابهم، وتحطم قيودهم وترد كيدهم، وتصد بغيهم. (يفك عنها لحيا سبعين شيطاناً) المعنى أن الشيطان يضع أنيابه ولحيه عند ما يهم المتصدق أن ينفذ الإنفاق فيوسوس له بالبخل والشح والفاقة، وعدم احتياج هذا السائل, وهكذا من الغواية فمن تصدق فك أغلاله، وأزال وساوسه، وأنفق لله، فحماء الله من أذاهم، ووقاه شرورهم، وحفظه من إضلاله، وأبعد عنه أضراره. قال تعالى يحكي عن الشيطان: (قال فيما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم 16 ثم لآتينهم ممن بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين 17 قال اخرج منها مذموما مدحوراً لمن تبعك منهم لأملئن جهنم منكم أجميعن) 18 من سورة الأعراف. أحد عشر: الصدقة تضع البركة في العمر بإذن الله تعالى، وتجلب الصحة، وتدعو إلى والوئام، وتجلب محبة الناس، وتقيم حصونا منيعة من قلوب الفقراء ليحفظوه بأنفسهم، وليدعو له بخير، وليصدوا عنه كل باغ، ويحرسوه، ويتمنوا خدمته وراحته (صدقة المسلم تزيد في العمر). وإليك أيها الأخ أقدم آية عزاء يوم الاحتضار تبلغ النفس أعالي الصدر. (التراقي) وتقول ملائكة الموت أيكم يرقى بروحه (ويظن) المحتضر. (الفراق) وتلتوى ساقه بساقه، فلا يقدر على تحريكهما، أو شدة فراق الدنيا بشدة خوف الآخرة. لماذا؟ لأنه كان لا يتصدق، ولا يزكي ماله، ولا يؤدي حقوق الله من صلاة وغيرها، ومصداق ذلك قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة 23 إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أنه يفعل بها فاقرة كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى) 32 من سورة القيامة. (ناضرة) بهية متهللة .. (ناظرة): مستغفرة مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه، أو منتظرة إنعامه (باسرة): شديدة العبوس. (فاقرة) داهية تكسر الفقار. (المساق): سوقه إلى الله وحكمه إن شاهدنا: (فلا صدق): أي حال ذلك الرجل مؤلم لأنه كان بخيلا وشحيحاً لم يزك ولا يصل. اللهم بلغنا رضاك لنراك. (الإنفاق خصلة الأبرار) ولقد أجمع العقلاء على حقارة الدنيا، ورغب عنها المتقون الذين استبدلوا بحبها طاعة الله وأنفقوا فنالوا =

فبعث الله إليه ملك الموت فقبض روحهُ فوضعت السِّتون في كفَّةٍ، ووضعت السِّتَّة في كفةٍ ¬

_ = الجنة، وفازوا بالتمتع بالأزواج المطهرة الحسان، وأحاطتهم رحمة الله، وعمهم رضوانه مع الأبرار الصالحين والله تعالى يعينهم بقوله: (الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار 17 الصابرين الصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار) 18 من سورة آل عمران. قال البيضاوي: حصر لمقامات السالك على أحسن ترتيب، فإن معاملته مع الله تعالى إما توسل، وإما طلب والتوسل إما بالنفس، وهو منعها عن الرذائل، وحبسها على الفضائل، والصبر يشملها، وإما بالبدن، وهو إما قولي: وهو الصدق، وإما فعل، وهو القنوت الذي هو ملازمة الطاعة، وإما بالمال، وهو الإنفاق في سبيل الخير، وأما الطلب فبالاستغفار لأن المغفرة أعظم المطالب بل الجامع لها، وتخصيص الأسحار لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة لأن العبادة حينئذ أشق، والنفس أصفى، والروع أجمع سيما للمجتهدين، قيل إنهم كانوا يصلون إلى السحر ثم يستغفرون ويدعون. أ. هـ بيضاوي ص 93. وقد عد الله الإنفاق من صفات المؤمنين في قوله تبارك وتعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم 72 وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم) 73 من سورة التوبة. (عزيز): طالب على كل شيء لا يمتنع عليه ما يريده. (حكيم): يضع الأشياء في مواضعها. (طيبة): تستطيبها النفس أو يطيب فيها العيش، وفي الحديث (إنها قصور من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت الأحمر). فأنت ترى المنفقين والمزكين معدودين في صفوف العظماء الأبطال الذين رضي الله عنهم وأرضاهم، فحظوا بنعيم جنته (ورضوان من الله أكبر) لأنه المبدأ لكل سعادة وكرامة، والمؤدي إلى نيل الوصول، والفوز باللقاء إذ يتجلى الخالق العظيم جل وعلا ويقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً) حديث شريف. الصدقة من العمل الصالح، وقد قال تعالى: أ - (ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا) 12 من سورة الطلاق، وقد أخبر سبحانه وتعالى من المنافقين الفاسقين البخلاء الذين يحضون الأنصار على عدم الإنفاق. ب - (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون) 8 سورة المنافقون. سبحانه بيده الأرزاق والقسم. جـ - (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) 10 من سورة التغابن. (ليوم الجمع): الحساب والجزاء. (التغابن): يغبن فيه بعضهم بعضاً لنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء وبالعكس مستعار من تغابن التجار أهـ بيضاوي. بمعنى أن الكفار يأخذون منازل المؤمنين في النار لو ماتوا كفاراً، ويغبن المؤمنون الكافرون بأخذ منازلهم في الجنة لو آمنوا، والتغابن ليس على بابه لأن هذا سرور للمؤمنين، والله أعلم. ولا يحض على طعام المسكين إن أقبح العقائد الكفر بالله تعالى، وأشنع الرذائل البخل، وقسوة القلب، وهذه عبارة البيضاوي يفسر حاول رجل قدم كتابه بشماله فعذب عذابا عسير لماذا؟ لسببين: أ - لا يؤمن بالله. =

فرجحتْ، يعني السِّتة، ثمَّ وضع الرَّغيف، فرجح، يعْني رجح الرَّغيف السِّتَّة. ¬

_ = ب - لا يحث على بذل طعام المسكين أو إطعامه. نعوذ بالله من مال وراءه العقاب، وحر المصائب والويلات لأن صاحبه بخيل، وفي الحقوق شحيح، فكل عمله قبيح، وعاقبته سيئة، ولن تجد أصدق حديثا من كلام الله تعالى مبينا حال المؤمنين الصالحين وحال الفاسقين الكافرين العصاة المذنبين. قال عز شأنه: (فأما من أوتي كتابه بيمنه فيقول هاؤم اقرءوا وكتابيه 20 إني ظننت أني ملاق حسابية فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية، وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغني عني ماليه هلك عني سلطانية خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون) 38 من سورة الحاقة. (ماليه): أي مالي وما يتبعني. (سلطانيه): حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا، أو ملكي وتسلطي على الناس. (فاسلكوه) فأدخلوه فيها بأن تلقوها على جسده، وهو فيما بينها مرهق لا يقدر على حركة. قال الصاوي كأنه قيل: ما باله يعذب هذا العذاب الشديد؟ فأجيب: لا يؤمن بالله، ولا يحض, وقال البيضاوي: تعليل على طريقة الاستئناف للمبالغة، وذكر العظيم للإشعار بأن تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل. وفيه دليل على تكليف الكفار بالفروع. أهـ بيضاوي ص 786. (حميم): قرب يحميه. (غسلين) غسالة أهل النار وصديدهم. (الخاطئون): أصحاب الخطايا، من خطئ الرجل إذا تعمد الذنب، لا من الخطأ المضاد للصواب. إن شاهدنا: (ولا يحض) فكأن البخيل ويأمر الناس بالبخل متخلق بأخلاق الكفار فيعذبه الله انتقاما منه على تقصيره في الإنفاق لله، ويا ليته يسكت بل يدعو إلى التشبه به ليكون قدوة سيئة في الإجرام والاعسار وأداة منع، وباب شر، وطريق ضر، وبوق حرمان، وقد قال الإمام علي كرم الله وجهه: ألا أنبئكم بالعالم كل العالم من لم يزين لعباد الله معاصي، ولم يؤمنوا مكروه، ولم يؤيسهم من روحه: أي العالم الكامل علما من دعا إلى الله، وحذر الناس من الوقوع في المناهي، ولم يقطع أمامهم من رحمته، وقال الشاعر: فما يمر خيال الغدر في خلدي ... ولا تلوح سمات الشر في خالي قلبي سليم ونفسي حرة ويدي ... مأمونة ولساني غير ختال اتصف المنفقون بمكارم الأخلاق كما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز أقرأ سورة المعارج تجد قوله تبارك وتعالى: (إن الإنسان خلق هلوعاً 20 إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) 26 (هلوعاً) شديد الحرص قليل الصبر. (الشر): الضر، يجزع ويتكدر ويضجر. (الخير): السعة والخيرات، يبالغ بالإمساك والبخل: قال البيضاوي: طبائع جبل الإنسان عليها، ثم استثنى سبحانه قيل لمضادة تلك الصفات لها من حيث انها دالة على الاستغراق في طاعة الحق، والإشفاق على الخلق، والإيمان بالجزاء، والخوف من العقوبة، وكسر الشهوة، وإيثار الآجل على العاجل، وتلك ناشئة من الانهماك في حب العاجل، وقصور النظر عليها. اندرج المنفقون فيمن كملهم الله بتوفيقه، فأدركوا لذة طاعة الله في الجود، وتشييد الصالحات بالإنفاق، فتنزهوا عن الدناءة، والأخلاق الذميمة، وسمت صفاتهم الحميدة، وعملوا بآداب الله بتنفيذ أوامره، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو لنا قدوة حسنة. =

51 - وعن المغيرة بن عبد الله الجعفيِّ قال: جلسنا إلى رجلٍ من أصحاب النبيِّ. ¬

_ = انتقل بعد ذلك إلى قراءة سورة (المؤمنون) تجد استدراج الله تعالى للأغنياء، والتنبيه على أن المال والبنين إمداد من الله، وليس فيهما دليل على مسارعة الخير. قال جل شأنه: (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين 56 نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون 57 إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون 58 والذين هم بآيات ربهم يؤمنون 59 والذين هم بربهم لا يشركون 60 والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون 61 أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون 62 ولا نكلف نفساً إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون) 63 من سورة المؤمنون. (أنما نمدهم): أي أن ما نعطيهم ونجعله لهم مدداً، والخير غير معاقب عليه، وإنما المعاتب عليه اعتقادهم أن ذلك خير لهم - وهذا في الكفار، ولكن أريد أن أشبه البخيل غير للنفق في مشروعات الخير بأولئك الذين قست قلوبهم خلت من الإيمان بالله المعطي المخلف. (مشفقون): حذرون خائفون من عذاب الله، وإن شاهدنا: (والذين يؤتون ما آتوا): أي يعطون ما أعطوه من الصدقات، وقرئ: (يأتون ما أتوا) أي يفعلون ما فعلوا من الطاعات، وقلوبهم خائفة أن لا يقبل منهم، وأن لا يقع على الوجه اللائق، فيؤاخذ به (يسارعون): أي يرغبون في الطاعات أشد الرغبة، فيبادرون بها، أو يسارعون في نيل الخيرات الدنيوية الموعودة على صالح الأعمال بالمبادرة إليها كقوله تعالى: (فآتاهم الله ثواب الدنيا) فيكون إثباتا لهم ما نفي عن أضدادهم. (سابقون) لأجلها فاعلون السبق، أو سابقون الناس إلى الطاعة، أو الثواب، أو الجنة. (وسعها): قدر طاقتها. يريد به التحريض على ما وصف به الصالحين، وتسهيله على النفوس (كتاب): يريد به اللوح، أو صحيفة الأعمال. (بالحق): بالصدق لا يوجد فيه ما يخالف الواقع. (لا يظلمون): بزيادة عقاب، أو بنقصان ثواب أهـ بيضاوي. وهل تجد أسمى صفة من الإقدام على الإنفاق ثقة بالله واعتقاداً بحسن جزائه سبحانه وتعالى. اعتراف أهل سقر بأعذارهم منها: (ولم نك نطعم المسكين) يفصل الله بين الخلائق فيذهب العصاة والكفرة الفسقة إلى جهنم، فيتحادث المجرمون: ما سلككم في سفر 43 قالوا لم نك من المصلين 44 ولم نك نطعم المسكين 45 وكنا نخوض مع الخائضين 46 وكنا نكذب بيوم الدين 47 حتى أتانا اليقين 48 فما تنفعهم شفاعة الشافعين) 49 من سورة المدثر. أيها المسلم: هذا إقرار من الجهنميين، وكان من صفاتهم البخل وانعدام الخير منهم، ولا يعطون الفقراء: أ - لا يؤدون الصلاة الواجبة. ب - ولا يؤدون ما يجب إعطاؤه. جـ - يشرعون في الباطل (مع الخائضين): الشارعين فيه. د - يكذبون بيوم القيامة. أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعمون الطعام على حبه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الكرم والقدوة الحسنة في الإنفاق فلا غرو وأن يظهر أثر تعاليمه في أهله وأقربائه. قال البيضاوي في تفسيره: وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الحسن والحسين رضي الله عنهما مرضا، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس، فقالوا: لو نذرت على ولديك، فنذر على وفاطمة رضي الله عنهما صوت ثلاث إن برئا فشفيا، وما معهم شيء، فاستقرض على من (شمعون الخيبري) ثلاث أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم مسكين، فآثروه، وباتوا ولم يذوقوا =

الترغيب في صدقة السر

صلى الله عليه وسلم يقال له خَصْفَةُ بن خصفة: فجعل ينظر إلى سمينٍ، فقلتُ له: ما تنظر إليه؟ فقال: ذكرتُ حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعتهُ يقول: هلْ تدرون ما الشَّديد؟ قلنا: الرَّجل يصرع الرَّجل. قال: إنَّ الشديد كلَّ الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، تدرون ما الرَّقوبُ؟ قلنا: الرَّجل الذي لا يولد له. قال: إنَّ الرَّقوب الرَّجل الذي له الولد، لمْ (¬1) يقدِّم منهمْ شيئاً، ثمَّ قال: تدْرون ما الصُّعْلوك؟ قال قلنا: الرَّجل الذي لا مال له؟ قال: إن الصُّعلوك كلَّ الصُّعلوك الذي له المال لم يقدم منه شيئاً. رواه البيهقي، وينظر سنده. (قال الحافظ): ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الملبس: باب في الصدقة على الفقير بما يلبسه. الترغيب في صدقة السر 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

= إلا الماء، وأصبحوا صياما، فلما أمسوا، ووضعوا الطعام وقف عليهم يتيم فآثروه، ثم وقف عليهم في الثالثة أسير، ففعلوا مثل ذلك، فنزل جبريل عليه السلام بهذه السورة، وقال: خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك قال تعالى: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً. عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً. يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا. ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا. فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا. وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا. متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا. ودانية عليهم ظلالها وذلك قطوفها تذليلا. ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير قوارير من فضة قدروها تقديرا. ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلا. عيناً فيها تسمى سلسبيلا. ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤ منثورا. وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا. عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا. إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً) 5 - 22 من سورة الدهر. فهل تقتدي أيها المؤمن بأولئك الكرام الذين جادوا من قلة وأنفقوا في ضيق اعتماداً على الله، ورجاء رحمته ورضوانه، وقال الصاوي في تفسير: (ويطعمون الطعام) نزلت في علي بن أبي طالب وأهل بيته، وذلك أنه أجر نفسه ليله ليسقى نخلا بشيء من شعير حتى أصبح، وقبض الشعير، وطحنوا ثلثه، فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه يقال له الحريرة، فلما تم نضجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام إلى آخره (على حبه) أي مع حبه وشهوته، ففيه إيثار على النفس، ويصح رجوع الضمير لله: أي على حب الله: أي لوجهه، وابتغاء رضوانه، وخص الثلاثة لأنهم من العواجز المعدمين الكسب. أهـ، والأسير المحبوس بحق: أي وأولى المحبوس بباطل، وعلي رضي الله عنه سأله سائل، وهو راجع في صلاته فطرح له خاتمه (ويؤتون الزكاة وهم راكعون) في الصلاحة حرصاً على الإحسان، ومسارعة إليه. قال ابيضاوي: نزلت في علي رضي الله عنه أهـ (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) الآية. (¬1) في د: ط ولم ص 302.

يقول: سبعة يظلهم الله في ظلَّه يوم لا ظلَّ إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله عزَّ وجلَّ، ورجل قلبه مُعلق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجْتمعا على ذلك، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمالٍ، قال: إني أخاف الله، ورجل تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعْلم (¬1) شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه. رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة هكذا، ورويناه أيضا، ومالك والترمذي عن أبي هريرة، أو أبي سعيد على الشك. 2 - ورؤى عنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما خلق الله الأرض جعلت تميد وتكفَّأ فأرْساها بالجبال فاستقرَّت فعجبت الملائكة من شدَّة الجبال، فقالتْ: يا ربنا! هلْ خلقْتَ خلقاً أشدَّ من الجبال؟ قال: نعم الحديد. قالوا: فهل خلقتَ خلقاً أشدَّ من الحديد؟ قال: النار. قالوا: فهلْ خلقتَ خلقاً أشدَّ من النار؟ قال: الماء. قالوا: فهل خلقتَ خلقاً أشدَّ من الماء؟ قال: الريح قالوا: فهلْ خلقتَ خلقاً أشدَّ من الريح؟ قال: ابن آدم إذا تصدَّق بصدقةٍ بيمنهِ فأخفاها عن شمالهِ. 3 - وعنْ معاوية بن حيدة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ صدقة السِّرِّ تُطْفيُّ غضب الرَّبِّ تبارك وتعالى. رواه الطبراني في الكبير، وفيه: صدقة ابن عبد الله السمين، ولا بأس به في الشواهد. 4 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنائع المعروفِ: تقي مصارع السُّوء، وصدقة السِّرِّ: تطفئ غضب الرَّب، وصلة الرَّحم (¬2) تزيد في العمر (¬3). رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. ¬

(¬1) بضم الميم كذا ع ص 302 لأن المعنى الحال. (¬2) زيارة الأقارب ومودتهم ومحبتهم، وإرسال هدايا لهم وبرهم. (¬3) تضع البركة في العمر، وتجلب للواصل الصحة، وتمام العافية، ويحفظ لله وقته، فينفقه في طاعة، وعمل صالح، ويقيه الله السوء، ويبعد عنه المصائب، ويوسع له في رزقه، وفي جواهر البخاري شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره، فليصل رحمه) ص 86. نقلت ما يأتي: أي كان ذي رحم محرم، أو الوارث، أو القريب، وقد تكون بالمال وبالخدمة وبالزيارة، واستشكل هذا مع حديث آخر، (كتب رزقه وأجله في بطن أمه) والجواب أن معنى البسط في الرزق البركة =

5 - وروي عن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

_ = فيه إذ الصلة صدقة، وهي تربي المال، وتزيد فيه فينمو بها، وفي العمر حصول القوة في الجسد، أو يبقى ثناؤه الجميل علي الألسنة، فكأنه لم يمت، وبأنه يجوز أن يكتب في بطن أمه رحمه فرزقه وأجله كذا وإن لم يصل فكذا. وفي كتاب الترغيب والترهيب عن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أه قال: إن الإنسان ليصل رحمه، وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فيزيد الله تعالى في عمره ثلاثين سنة، وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاثون سنة، فينقص الله تعالى عمره حتى لا يبقى منه إلا ثلاثة أيام، ومن حديث اسماعيل بن عياش عن داود ابن عيسى قال: مكتوب في التوراة: صلة الرحم، وحسن الخلق، وبر القرابة يعمر الدار، ويكثر الأموال، ويزيد في الآجال, وان كان القوم كفارا والبركة في العمر بسبب التوفيق في الطاعات وعمارة أوقاته ينفعه في الآخرة، ويرزق ذرية صالحة يدعون له من بعده، وقد علم الله سبحانه وتعالى بما سيقع من ذلك، والزيادة في قدر الله مستحيلة، وتتصور الزيادة بالنسبة للمخلوقين، وعلم الله تعالى لا نفاذ له، ومعلوماته لا نهاية لها، وكل يوم هو في شأن. انتهى من شرح القسطلاني. وقديما تفنن الشعراء في وصف تحمل الأقارب لله، وللمودة رجاء إدامة المحبة. قال معن بن أوس: وذي رحم قلمت أظفار ضغنه ... بحملي عنه وهو ليس له حلم يحاول رغمي لا يحاول غيره ... وكالموت عندي أن يحل به الرغم فان أعف عنه أغض عينا على قذي ... وليس له بالصفح عن ذنبه علم وإن انتصر منه أكن مثل رائش ... سهام عدو يستهاض بها العظم صبرت على ما كان بيني وبينه ... وما تستوي حرب الأقارب والسلم وبادرت منه النأي والمرء قادر ... على سهمه ما دام في كفه السهم ويشتم عرضي في المغيب جاهدا ... وليس له عندي هوان ولا شتم إذا سمته وصل القرابة سامني ... قطيعتها تلك السفاهة والإثم وإن أدعه للنصف يأب ويعصني ... ويدعو لحكم جائر غيره الحكم فلولا اتقاء الله والرحم التي ... رعايتها حق وتعطيلها ظلم إذا لعلاه بارق وخطمته ... بوسم شنار لا يشابهه وسم ويسعى إذا أبنى ليهدم صالحي ... وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم يود لو اني معدم ذو خصاصة ... وأكره جهدي أن يخالطه العدم ويعتد غنما في الحوادث نكبتي ... وما إن له فيها سناء ولا غنم فما زلت في ليني له وتعطفي ... عليه كما تحنو على الولد الأم نراد ابن الأعرابي: وخفض له مني الجناح تألفاً ... لتدنيه مني القرابة والرحم وقولي إذا أخشى عليه مصيبة ... ألا اسلم فداك الخال ذو العقد والعم وصبري على أشياء منه تريبني ... وكظمي على غيظي وقد ينفع الكظم لأستل منه الضغن حتى استللته ... وقد كان ذا ضغن يضيق به الجرم رأيت انثلاماً بيننا فرقعته ... برقعي واحيائي وقد يرفع الثلم وأبرأت غل الصدر منه توسعاً ... بحلمي كما يشفي بالأدوية الكلم فداويته حتى ارفأن نفاره ... فعدنا كأنا لم يكن بيننا صرم =

صنائع المعروف: تقي مصارع السوء، والصَّدقة خفيا (¬1): تُطفئ (¬2) غضب الرَّبِّ، وصلة الرَّجم: تزيد في العمر، وكلُّ معروفٍ (¬3) صدقة، وأهل المعروف في الدنيا همْ أهلُ المعروف (¬4) في الآخرة، وأهلُ المنكرِ (¬5) في الدنيا همْ أهل المنكر (¬6) في الآخرة، وأوَّل منْ يدخل الجنَّة أهل المعروف. رواه الطبراني في الأوسط. 6 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ أبا ذرٍّ قال: يا رسول الله: ما الصَّدقة؟ قال: أضعاف مضاعفة، وعند الله المزيد، ثمَّ قرأ: منْ ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرةً. قيل: يا رسول الله أي الصَّدقة أفضل؟ قال: سر إلى فقيرٍ أوْ جهد منْ مُقلٍّ، ثم قرأ: إن تبدو الصَّدقات (¬7) فنعمَّا هي الآية. رواه أحمد مطولا والطبراني واللفظ له، وفي إسنادها عليّ بن يزيد. 7 - وعنْ أبي ذرٍّ رضي الله عنهُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يحبُّهمُ الله، وثلاثة يبْغضُهُمُ الله، فأمَّا الذين يحبُّهمْ: فرجل أتي قوماً فسألهمْ بالله، ولمْ يسْألهُمْ بقرابةٍ بينهمْ وبينه فمنعوه فتخلَّف رجلٌ (¬8) بأعقابهم فأعطاه سرًّا لا يعْلمُ بعطيتهِ إلا الله والذي أعْطاه، وقوم ساروا ليْلتهمْ حتى إذا كان النَّومُ أحب إليهم مما ¬

= وأطفأ نار الحرب بيني وبينه ... فأصبح بعد الحرب وهو لنا سلم إن هذا الشاعر عالج مضض القرابة فداواها بحكم سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلة الرحم تزيد في العمر) فتبدل الشقاق وفاقا والجفاء وفاء، والعداوة محبة، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على صلة الأرحام، فتخلق معن بن أوس بأخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسن وأجاد قال تعالى: (يا أيها الناساتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً) 1 من سورة النساء. (نفس واحدة): آدم (زوجها): أمكم حواء من ضلع من أضلاعه. (تساءلون به): يسأل بعضكم بعضاً، فيقول: أسألك بالله (والأرحام): أي اتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها، وقد نبه سبحانه وتعالى إذ قرن الأرحام باسمه الكريم على أن صلتها بمكان منه، وعنه عليه الصلاة والسلام: (الرحم معلقة بالعرش تقول: ألا من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله) أهـ بيضاوي. فتجد النبي صلى الله عليه وسلم دعا إلى مودة الأقرباء ليدوم الصفاء والولاء. (¬1) خفية. (¬2) تزيل. (¬3) عمل خير فيه فائدة. (¬4) الذين علت صفاتهم، وزاد ثوابهم، وطاب نعيمهم. (¬5) القبائح والشرور والبخل والأذى. (¬6) المتصفون بالرذائل يوم القيامة فيوجدون في جهنم. (¬7) قال الله تعالى: (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار 270 إن تبدو الصدقات فنعماهي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعلمون خبير) 271 من سورة البقرة. (¬8) المعطي سرا لله.

يُعدلُ به فوضعوا رءوسهمْ، فقام يتمَّلقني (¬1) ويتْلوا آياتي، ورجل كان في سريَّةٍ فلقي العدوَّ فهزموا، فأقبل بصدره حتى يُقتل، أوْ يفتَحَ لهُ (¬2). والثَّلاثة الذين يبغضهمُ الله: الشَّيخُ الزاني (¬3)، والفقير المخْتال (¬4) والغنيُّ الظَّلوم (¬5). رواه أبو داود، وابن خزيمة في صحيحه، واللفظ لهما إلا أن ابن ابن خزيمة لم يقل: فمنعوه. والنسائي، والترمذي ذكره في باب كلام الحور العين وصححه، وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال في آخره: ويبغضُ الشَّيْخَ الزَّاني، والبخيل (¬6)، والمتكبِّر والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) تجافي جنبه عن مضجعه، وذهب لعبادة الله وذكره. العدو في ن ع القوم ص 303. (¬2) المجاهد في سبيل الله. (¬3) كبير السن هرم، ومع ذلك يرتكب الفاحشة، بمعنى أن عقابه أشد من غيره، رجل ضعفت قوته وشهوته وكبر، ولم يكسر حدته في الفاحشة. (¬4) لا يملك شيئاً، ولكن يتكبر على الناس ويتجبر ويختال، والمنهي عنه الخيلاء والعجب والغطرسة على الناس وهو محتاج. (¬5) صاحب الثروة والنعمة، ولكن يتعدى على خلق الله، ويسيء إليهم، ويمنع حقوقهم، ويضيع أموالهم عدوانا مع أنه في سعة يمكنه أداء الحقوق كاملة ويتجبر ويقسو ويغطي ويبغي. (¬6) مانع الخير الشحيح ضعيف المروءة وفاقدها. (¬7) المتصف بالكبر والفظاظة والغلظلة المحروم من البشاشة واللطف: أي الله يكره الهرم العاهر الدنيء والمقتر الذي لا ينفق، والمتصف بالكبرياء. يا عجبا! رجل موسر ذو سعة نافذ الكلمة، فيميل إلى الدنايا، ويظلم ويقسو ويتجبر إن الله يكرهه ويقصيه من رحمته، ويسلط على المصائب، وبهذه المناسبة أخبرنا الله تعالى بتكبر فرعون، فأزال ملكه. سيدنا موسى عليه السلام يقول لفرعون: هل لك إلى أن تزكي، ليعتبر المسلمون قال تعالى: (هل أتاك حديث موسى 15 إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوي. اذهب إلى فرعون إنه طغى. فقل هل لك إلى أن تزكي. وأهديك إلى ربك فتخشى. فأراه الآية الكبرى. فكذب وعصى. ثم أدبر يسعى. فحشر فنادى. فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى. إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) 26 من سورة النازعات إن شاهدنا العظمة من درس موسى عليه السلام لفرعون، وتكبره على الناس، فطمس الله معالمه، وضيع ملكه. لماذا؟ لأنه طغى وبغى، وعلا في الأرض وأفسد ولم يؤمن بالله ورسله، ولم يعمل صالحا، وساق الله تعالى لحبيبه لهذا الحديث ليسليه على تكذيب قومه، ويعظم أن يعتبروا، فيعملوا صالحاً خشية أن يصيبهم مثل ما أصاب من هو أعظم منهم. كذلك أدعو الناس أن يعملوا بالكتاب والسنة ويصلوا ويتصدقوا خشية زوال هذه النعم، وانتشار نقم الله وعذابه بينهم. (تزكى): أي هل لك ميل يا فرعون إلى أن تتطهر من الكفر، وتبتعد عن الطغيان، وتنقاد لأوامر الله، وتتجنب الظلم، وتترك الضلال والإفساد. (وأهديك إلى ربك): أرشدك إلى معرفته عز وجل. (فتخشى): بأداء الواجبات، وترك المحرمات إذ الخشية إنما تكون بعد المعرفة. (الآية): المعجزة, وهي قلب العصا حية، فكذب فرعون موسى، وعصى الله عز وجل، ثم أدبر عن الطاعة ساعياً في إبطال أمره. أدبر بعدما رأى الثعبان مرعوبا مسرعا في مشيه. (فحشر): فجمع السحرة أو جنوده. (الأعلى): أي كل من يلي أمركم. (نكال الآخرة): الإحراق في جهنم (والأول): الإغراق في الدنيا. قال تعالى: (آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين 91 فاليوم =

الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم 1 - عنْ زينب الثَّقفية امرأة عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنهما قالتْ: قال ¬

= ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون) 92 من سورة يونس. أي أتؤمن الآن، وقد أيست من نفسك، ولم يبق لك اختيار. (المفسدين): الضالين المضلين عن الإيمان (ننجيك): ننقذك مما وقع فيه قومك من قعر البحر، ونجعلك طافياً، أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل. (ببدنك): عارياً عن الروح أو كلاما سويا، أو عرياناً من غير لباس، أو بدرعك وكانت له درع من ذهب يعرف بها لتكون لمن وراءك علامة إذ كان في نفوس بني إسرائيل من عظمته ما خيل إليهم أنه لا يهلك حتى كذبوا موسى عليه الصلاة والسلام حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينوه مطروحاً على ممرهم من الساحل، أو لمن يأتي بعدك من القرون إذا سمعوا مآل أمرك ممن شاهدك عبرة ونكالا عن الطغيان، أو حجة تدلهم على أن الإنسان على ما كان عليه من عظم الشأن، وكبرياء الملك مقهور مملوك بعيد عن مظان الربوبية فقد كشف الله تزويرك، وأماط الشبهة في أمرك، وذلك دليل على كمال قدرة الخالق جل وعلا وعلمه وإرادته، وإن إزالة ملك هذا الطاغية معنى من معاني بغض الله وكراهته للظالمين، فالعدل يعمر، والظلم يدمر، وقديماً قيل: العدل أساس الملك. قال تعالى: (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) 50 من سورة القصص. أي الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى، فما للهم وفقنا لنتبع السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونترسم شرعه. وقال تعالى: (قذ أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها) 11 من سورة الشمس. أي أنماها بالعلم والعمل، وفيه الحث على تكميل النفس، والإلتجاء إلى التضرع إلى الخالق جل وعلا رجاء السير على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم. (دساها): نقضها وأخفاها بالجهالة والفسوق. المنفق يعطيه الله حتى يرضى، ويعافيه من العسر، وييسر له اليسر تزود يا أخي ما أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن تتعود السخاء فيزيد الله رزقك، ويقيك المكاره، ويعينك على طاعته، ويهيئ لك طرق السداد والرشاد، ويذلل لك سبل السعادة، ومصداق ذلك قول الله تبارك وتعالى: (فأما من أعطى وانقى 5 وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى. وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ما له إذا تردى. إن علينا للهدى. وإن لنا للآخرة والأولى. فأنذرتكم تاراً تلظى. لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى. وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتى ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى. ولسوف يرضى) 21 من سورة الليل: أي أعطى الطاعة وجاد في الخير، وأحسن إلى الفقراء، واتقى المعاصي، وخاف الله وعمل صالحاً. (بالحسنى): بكلمة التوحيد بمعنى أنه رجا الله، وواثق به وخشيه. (فسنيسره) فسنهيئه للخلة التي ودي إلى يسر وراحة كدخول الجنة. (بخل): شح بما أمر به، ولم يؤد الزكاة ولم يتصدق بمعنى أه لم يفعل الواجبات والنوافل. (للعسرى): للخلة المؤدية إلى العسر والشدة كدخول النار. يا أخي: ثق بهذا وتصدق وافعل الخير، والله يجازيك الجزاء الأوفى، ويزيل عنك السوء ويحفظك ويشفيك، ويلهمك الصواب والحكمة، ولقد أخبرك جل وعلا أن مالك لا ينفعك إذا مت إلا إذا أنفقته في مرضاة الله، وابتغاء ثوابه. (تردى): هلك أو وقع في حفرة جهنم. (للهدى): تفضل من الله جل وعلا أن يبين الإرشاد إلى الحق. (وإن لنا للآخرة والأولى): أي الله تعالى مالك الدنيا والآخرة. يقول جلالة وعظمة: (تعطى في الدارين ما نشاء لمن نشاء، أو ثواب الهداية للمهتدين، أو فلا يضرنا ترككم الاهتداء). (تلظى): تتلهب. (لا يصلاها): لا يلزم مقاسياً شدتها. =

رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدَّقْنَ يا معْشرَ النِّساء ولو منْ حُليِّكُنَّ، قالتْ: فرجعْتُ ¬

= (إلا الأشقى): الكافر الذي كذب الحق، وأعرض عن الطاعة والفاسق، لا يلزمها (الأتقى): الذي اتقى الشرك والمعاصي. (يؤتى ماله): يصرفه في مصارف الخير. (ولسوف يرضى): وعد بالثواب الذي يرضيه. والآيات نزلت في أبي بكر رضي الله عنه حين اشترى بلالا في جماعة تولاهم المشركون فأعتقهم، ولذلك قيل: المراد بالأشقى أبو جهل أو أمية بن خلف أهـ بيضاوي. هذا أبو بكر رضي الله عنه منذ ظهر فجر الإسلام وسيرته أندى من المسك لأنه أنفق لله، وأحب في الله، وهو جدير بكل ثناء ومدح. فسر بنا في ذمام (1) الليل معتسفا (2) ... فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل (3) فالحب (4) حيث العدا (5) والأسد رابضة ... حول الكناس (6) لها غاب (7) من الأسل (8) قد زاد طيب أحاديث الكرام بها ... ما (9) بالكراثم من جبن ومن بخل تبيت نار الهوى منهن في كبد ... حري ونار القرى منهم على القلل (10) (الغني يخلد في النعيم إذا أنفق ماله لله في الصالحات، والمال الكثير يجر إلى المعاصي) إذا أعطى الله الإنسان مالا وفيرا، فصرفه في وجوه الخير، وفي الطيبات، وأدى حقوق الله فيه فاز بعز الله، وتمتع بالسعادة في حياته ومماته. أما إذا بخل، وقصر في الزكاة، ونأى عن الصدقات جرى مضاره في شهواته وضيعه في الموبقات وارتكب به الخطايا، وامتلأت مجالسه بالغيبة والنميمة، وباء بالخسران، وقد أخبرنا سبحانه وتعالى عن (الأخنس بن شريق) وكان مغياباً، أو (الوليد بن المغيرة) واغتيابه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: أ - (ويل لكل همزة لمزة. الذي جمع مالا وعدده. يحسب أن ماله أخذه. كلا لينبذن في الحطمة) 4 من سورة الهمزة الهمز: الكسر كالهمز، واللمز. الطعن فشاعا في الكسر من أعراض الناس، والطعن فيهم. (وعدده) أي جعله عدة للنوازل أو عدة مرة بعد أخرى. (أخلده): تركه خالداً في الدنيا فأحبه كما يحب الخلود، أو حب المال أغفله عن الموت، أو طول أمله حتى حسب أنه مخلد، فعمل عمل من لا يظن الموت، وفيه تعريض بأن المخلد هو السعي للآخرة. (كلا): ردع له عن حسبانه. (لينبذن في الحطمة): ليطرحن في النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يطرح فيها. وشاهدنا رجل ثري اغتر بكثرة ماله وبغى واغتاب ونم، وعادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمن به صلى الله عليه وسلم، ولم يعمل صالحا فاستحق عذاب الله. (وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممدة) من سورة الهمزة. (تطلع على الأفئدة): تعلو أوساط القلوب لأنها محل العقائد الزائغة، ومنشأ الأعمال القبيحة. (مؤصدة): مطبقة وموثقين في أعمدة ممدة مثل المقاصرة التي تقطر فيها اللصوص أهـ بيضاوي. انتقل أيها الأخ إلى سيرة أبى لهب، فإنه صلى الله عليه وسلم جمع أقاربه كما أمره سبحانه وتعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) فأنذرهم، فقال أبو لهب: تبا لك ألهذا دعوتنا، وأخذ حجراً ليرميه به فنزلت. =

إلى عبد الله بن مسعودٍ، فقلت: إنَّك رجل خفيف ذات اليد، وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدْ أمرنا بالصَّدقة فائتهِ فاسْأله، فإنْ كان ذلك يجزئ عنِّي وإلا صرفتها إلى غيركمْ، فقال عبْد الله بل ائْتهِ أنت، فانْطلقتُ، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل (¬1) حاجتها حاجتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيتْ عليه المهابة، فخرج ع لينا بلال رضي الله عنه فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن أمرأتين بالباب يسألانك أتجزئ الصَّدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخْبرهُ من نحن. قالتْ: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال ¬

= ب - (تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب): أي مكسوبه بماله من النتائج والأرباح والوجاهة والأتباع، أو عمله الذي ظن أنه ينفعه أو ولده عتبة، وقد افترسه أسد في طريق الشام، وقد أحدق به العير، ومات أبو لهب بالعدسة بعد وقعة بدر بأيام معدوده، وترك ثلاثاً حتى أنتن، ثم استأجروا بعض السودان حتى دفنوه، فهو إخبار عن الغيب طابقه وقوعه أهـ بيضاوي. وشاهدنا رجل طمس الله على بصيرته، فلم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه الغرور بماله فلم يشيد به الصالحات، ولعل في ذلك عبرة للمسلمين الأغنياء أن يقبلوا على طاعة الله، ويعملوا صالحا، وينفقوا حبا في الله، فالإنسان بفطرته يحب المال، ولكن يعالجها بالإنفاق، والميل إلى فعل الخيرات. قال تعالى: جـ - (إن الإنسان لربه لكنود (6) وإنه على ذلك لشهيد (7) وانه لحب الخير لشديد (8) أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور (9) وحصل ما في الصدور (10) إن ربهم بهم يؤمئذ لخبير) (11) من سورة العاديات. (لكنود): أي لكفور يجحد نعمة الله ويعصيه، فإن علامة شكر الله سبحانه طاعته والعمل بكتابه وسنة حبيبه. (لشهيد): يشهد على نفسه لظهور أثره عليه، أو إن الله سبحانه وتعالى على كفران نعمه لشهيد، فيكون وعيدا. (لحب الخير): المال، من قوله سبحانه وتعالى: (إن ترك خيراً): أي مالا. (بعثر): بعث (ما في القبور): من الموتى. (الصدور): ظهر من خيرا أو شر. (الخبير): عالم بما أعلنوا وما أسروا فيجازيهم عليه، وعلى هذا الإنفاق من علامات المتقين كما أخبر الله تعالى في محكم كتابه، والبخل من شيم الأشرار كما رأيت. قال عز شأنه: أ - (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) 2 من سورة البقرة. ب - (يأيها النفس المطمئنة 27 ارجعي إلى ربك راضية مرضية 28 فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) 29 من سورة الفجر. جـ - (وجود يومئذ ناعمة 9 لسعيها راضية. في جنة عالي. لا تسمع فيها لاغية. فهيا عين جارية. فيها سرر مرفوعه، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة) 17 من سورة الغاشية. د - (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره 7 ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) 8 من سورة الزلزال. هـ - (فأما من ثقلت موازينه 6 فهو في عيشة راضية 7 وأما من خفت موازينه 8 فأمه هاوية 9 وما أدراك ماهيه 10 نار حامية) 11 من سورة القارعة. (¬1) في ن ع حذف مثل ص 304.

له رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ هُما؟ فقال: امرأة من الأنصار، وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الزَّيانب؟ قال: امرأة عبد الله بن مسعود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهما أجْران القرابة، وأجر الصدقةِ (¬1) رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. 2 - وعن سلمان بن عامرٍ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذوي الرَّحم ثنتان: صدقة، وصلة (¬2). رواه النسائي والترمذي وحسنه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ولفظ ابن خزيمة قال: الصَّدقة على المسكين صدقة، وعلى القريب صدقتان: صدقةٌ، وصلةٌ. 3 - وعن حكم بن حزامٍ رضي الله عنه أنَّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن الصَّدقات أيها أفضل؟ قال: على ذي الرَّحم الكاشح. رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن. (الكاشح) بالشين المعجمة: هو الذي يضمر عداوته في كشحه، وهو خصره، يعني: أنَّ أفضل الصَّدقة على ذي الرَّحم القاطع المضر العداوة في باطنهِ. 4 - وعنْ أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصَّدقة: الصَّدقة (¬3) على ذي الرَّحم الكاشح. رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 5 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الصَّدقة على ذي قرابة يضعَّف أجرها مرَّتين. رواه الطبراني في الكبير من طريق عبيد الله بن زحر. ¬

(¬1) أي أعطاك الله الثواب مضاعفا جزاء الاحسان إلى الأقارب والإنفاق لله. (¬2) بر، وعطف، ومودة، وعنوان محبة، وسبب تآلف، وراحة ضمير، ومعين شفقة. (¬3) كذا ع ص 304 وط وفي ن د: أفضل الصدقة على ذي الرحم: أي على صاحب قرابة لك من العمومة والخؤولة.

الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل ماله فيبخل عليه أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل ماله فيبخل عليه، أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحقِّ لا يعذِّب الله يوم القيامة منْ رحم (¬1) اليتيم، ولان له في الكلامِ (¬2)، ورحم يُتْمَهُ وضعفه (¬3)، ولمْ يتطاولْ (¬4) على جارهِ بفضل ما آتاه الله وقال يا أمَّة محمدٍ: والذي بعثني بالحقِّ لا يقبل الله صدقةً منْ رجلٍ، وله قرابة محتاجون إلى صلته (¬5) ويصرفها إلى غيرهم (¬6)، والذي نفسي بيده (¬7) لا ينظر الله (¬8) إليه يوم القيامة. رواه الطبراني، ورواته ثقات، وعبد الله بن عامر الأسلمي، قال أبو حاتم: ليس بالمتروك. 2 - وعنْ بهْز بْنِ عن أبيه عنْ جدِّه رضي الله عنه قال. قلت يا رسول الله: من أبرُّ (¬9) قال: أمَّك (¬10)، ثمَّ أمَّك، ثمَّ أمك، ثمَّ أباك، ثم الأقرب فالأقرب. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يسْأل رجل مولاه (¬11) منْ فضل هو عنده فيمنعه إيَّاه إلا دعى له يوم القيامة فضله الذي منعه شجاعا أقرع. رواه أبو داود، واللفظ له والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن. قال أبو داود: الأقرع الذي ذهب شعر رأسه من السمّ. 3 - وعن جرير بن عبد الله البجليِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) رأف به وساعده. (¬2) حادثه بطيب القول، واستعمل البشاشة واللطف في المعاملة، وعذب الألفاظ، واجتنب القسوة والغلظة. (¬3) حن إليه وأحسن وجاد عليه. (¬4) يفتخر ويمن بنعم الله عليهم ويتباهى ويتغطرس، ويتمتع بخيرات الله لغليظهم، ويفجر أمامهم، ويتكبر عليهم. (¬5) كذا ع وط، وفي ن د: صلة. (¬6) يعطيها إلى غير أقاربه. (¬7) وهو الله سبحانه وتعالى الذي بيده الأمر. (¬8) لا ينظر الله إليه نظر رحمة ولا يكرمه. (¬9) أقدم له البر وأفعل فيه الخير. (¬10) أكرم أمك واعتن بها، وأغدق عليها من نعمتك، وكرر صل الله عليه وسلم ثالثا طالبا الوصاية بها والرأفة وشدة الإكرام والإحسان، ويليها الأب. (¬11) سيده: أي خادم يطلب من محذمه عليه نفقته وإطعامه وكسوته فيبخل الاجاء هذا الخير، والنعيم متمثلا أفعى يأخذ بلهز متيه ويعذبه. قال في النهاية: الأقرع: الذي لا شعر على رأسه، يريد حية قد تمعط جلد رأسه لكثرة سمه وطول عمره أهـ وفيه إكرام الوالدين، وتقديم الأم، قال الله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) وفيه الجود والسخاء وبذل الكرم خشية أن تمثل بآفة يوم القيامة تعذيب مانع الخير.

الترغيب في القرض، وما جاء في فضله

عليه وسلم: ما منْ ذي رحمٍ (¬1) يأتي ذا رحمهِ (¬2)، فيسأ له فضلاً أعطاه الله إيَّاه فيبخلُ عليه إلا أخرج الله له منْ جهنَّم حيَّة يقال لها شجاع يتلمَّظ فيطوَّق به. رواه الطبراني في الأوسط والكبير بإسناد جيد. (التلمظ) تطعم ما يبقى في الفم من آثار الطعام. 4 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّما رجلٍ أتاه ابن عمِّه يسْأله منْ فضلهِ فمنعه منعهُ الله فضْله يوم القيامة. رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وهو غريب. (الترغيب في القرض وما جاء في فضله) 1 - عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنهما قال: سمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ منحَ (¬3) منيحةَ لبنٍ، أو ورقٍ (¬4)، أو هدى زقاقاً كان له مثل عتق رقبةٍ. رواه أحمد والترمذي، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث ¬

(¬1) صاحب أقارب: أي له أسرة وأقرباء، وهو غني ماله وفير، وخيراته جمة. (¬2) كذا ط وع ص 305 مصححة، وفي ن د: يأتي رحمه: أي ما من رجل له أقارب، فقصده واحد منهم يطلب منه شيئاً مما أنعم الله به عليه فيشح، ولا يعطيه إلا عذبه الله بنوع شديد في الألم، فيسلط عليه ثعبانا يدخل في فمه ويقرصه ويحيط بجسمه فيؤلمه، وفيه الحث على الجود، وإعطاء ما يمكن اتقاء عذاب الله، وحبا في ثوابه، ن وفي حديث أنس في التحنيك، فجعل الصى يتلمظ: أي يدير لسانه في فيه، ويحركه يتتبع أثر التمر. واسم ما يبقى في الفم من أثر الطعام لماظة أهـ نهاية. وخلاصة الباب الترغيب في بذل الصدقة للأقارب المحتاجين وتقديم من تعول. قال تعالى: أ - (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا 36 الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهيناً 37 والذين ينفقون أموالهم رثاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) 38 من سورة النساء. ب - (فآت ذا القربى حقه) من سورة الروم. جـ - (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا) 26 من سورة الإسراء. (¬3) أعى عطى عطاء، وفي النهاية: منحة الورق القرض، ومنحة اللبن أن يعطيه نافة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زمانا ثم يردها. (¬4) كذا ط وع ص 306، وفي ن د: زقا، وبدل هدى في د أهدى، وفي ع: هدى بتشديد الدال، وفي النهاية هدى بفتح الدال. والزقاق بالضم: الطريق، يريد من دخل الضال أو الأعمى على طريقه، وقيل: أراد من تصدق بزقاق من النخل، وهي السكة منها والأول أشبه لأن هدى من الهداية لا من الهدية.

حسن صحيح، ومعنى قوله: منح منيحة ورقٍ. إنما يعنى به قرض الدرهم، وقوله: أوْ هدى زُقاقاً: إنما يعنى به هداية الطريق، وهو إرشاد السبيل انتهاء. 2 - وعنْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: كلُّ قرْض (¬1) صدقة. رواه الطبراني بإسناد حسن والبيهقي. 3 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: دخل رجل الجنَّة فرأى مكتوباً على بابها: الصَّدقة بعشر أمثالها، والقرضُ بثمانية عشر. رواه الطبراني والبيهقي، كلاهما من رواية عتبة بن حميد. ¬

(¬1) ما تعطيه من المال لتقضاه، وما سلفت من إحسان. قال تعالى: (وأقرضوا الله قرضاً حسناً). وفي الغريب وسمى ما يدفع إلى الإنسان من المال بشرط رد بدلة قرضا. قال تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسناً) أهـ واعتقد أن بذل المال في سبيل ارضاء الله سبحانه وتعالى يساوي بذل النفوس باخلاص لتجاهد في نصر دينه، وإذا تصفحت كتاب الله العزيز تجد في سورة الصف. أ - (يأيها الذين امنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم 10 تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنت تعلمون 11 يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم 12 وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين) 13 من سورة الصف. القرض كما قال العلماء الفقهاء في كتب الفقه وهو تمليك الشيء على أن يرد مثله، وهو سنة مؤكدة، وقد يجب للمضطر، ويحرم لمن يستعين به على معصية. وأركانه أربعة: الصيغة والمقرض والمتعاقدان، والصيغة نحو أقرضتك، ويقول الآخذ: قبلت، ويجوز إقراض كل ما يجوز فيه السلم (1) مما ينضبط، أما ما لا ينضبط (2) فلا يجوز إقراضه العجين كالخميرة والخبز وزنا، وأجازه بعضهم عدا، وعليه العمل في الأمصار، ويرد المقترض مثل ما اقترض، ولا يجوز قرض نقد أو غيره بشرط جر منفعة للمقرض كأن يرد زيادة، أو يرد ببلد آخر، فلورد زائدا قدرا أو صفة بلا شرط فلا بأس ولا كراهة، ولو شرط أجلا فالشرط لغو، وللمقرض مطالبته قبل حلوله، ويسن الوفاء بالتأجيل فإن شرط المقرض في القرض الأجل لمنفعة تعود عليه فسد القرض، ويصح الاقراض تبشرط الإشهاد والكفيل والرهن. أهـ تنوير القلوب ص 272.

ورواه ابن ماجه والبيهقي أيضاً كلاهما عن خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليْلة أسْري (¬1) بي على باب الجنَّة مكتوباً: الصَّدقة بعشر أمثالها، والقرْض بثمانية عشر (¬2). الحديث، وعتبة بن حميد. عندي أصلح حالا من خالد. 4 - وعنْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما منْ مسلمٍ يُقرض (¬3) مسلماً قرضاً مرَّةً إلا كان كصدقتها مرَّتين. رواه ابن ماجه، وابن حبان في صحيحه والبيهقي مرفوعاً وموقوفاً. 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منْ يسَّر على معسرٍ (¬4) يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة (¬5). رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه مسلم والترمذي، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه في حديث يأتي إن شاء الله تعالى .. ¬

(¬1) أي ذهب بي ليلا. روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: بينما أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذا أتاني جبريل بالبراق، أو من الحرام، وسماه المسجد الحرام لأنه كله مسجد، أو لأنه محيط به، أو ليطابق المبدأ المنتهي لما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان نائما في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسري به ورجع من ليلته، وقص القصة عليها، وقال: مثل لي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فصليت بهم، ثم خرج إلي المسجد الحرام، وأخبر به قريشاً، فتعجبوا منه، وارتد ناس ممن آمن به، وقال أبو بكر رضي الله عنه: إن كان قال لقد صدق، وكان ذلك قبل الهجرة بسنة. والأكثر على أنه أسري بجسده إلى البيت المقدس، ثم عرج به إلى السموات حتى انتهى إلى سدرة المنتهى. قال تعالى: (سبحان الذي أسريه بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) 1 من سورة الإسراء. (باركنا حوله) ببركات الدين والدنيا، لأنه مهبط الوحي، ومتعبد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن موسى عليه الصلاة والسلام، ومحفوف بالأنهار والأشجار. (لنريه من آياتنا) كذهابه في برهة من الليل مسيرة شهر، ومشاهدته بيت المقدس، وتمثيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام له، ووقوفه على مقاماتهم (السميع): الأقوال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. (البصير): بأفعاله فيكرمه ويقربه على حسب ذلك. أهـ بيضاوي. (¬2) أطلعه الله على الجنة، ورأى صلى الله عليه وسلم مضاعفة إعطاء المحتاج، فالصدقة قد يأخذها الفقير وهو غير محتاج لها، أما السلف الذي التجأ إليه الإنسان للضرورة فأجره عظيم لإزالة هذا العسر الطارئ، والله أعلم. (¬3) يعطى سلفا. في ع مرتين ص 306. (¬4) أزال ضيقه في الحياة. (¬5) وسع الله رزقه في الدنيا، ونفس كربه وشدائدده يوم القيامة.

الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه

الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه 1 - عنْ أبي قتادة رضي الله عنه أنه طلب غريماً (¬1) له فتوارى (¬2) عنه، ثمَّ وجده، فقال: إنِّي مُعْسر (¬3)؟ قال: آلله. قال: آلله. قال: فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سرَّه أن يُنجيه الله من كرب (¬4) يوم القيامة فلينفِّس (¬5) عنْ مُعسرٍ أو يضع عنه. رواه مسلم وغيره، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد صحيح، وقال فيه: من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، وأن يظلَّهُ (¬6) تحْت عرشهِ فلينظرْ معسراً. 2 - وعنْ حُذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلقَّت الملائكة روح رجلٍ ممنْ كان قبْلكمْ، فقال: عمْلتَ من الخير شيئاً؟ قال: لا. قالوا: تذكَّرْ؟ قال: كُنت أداين الناس (¬7) فآمر فتياني أن ينظروا (¬8) المعسر، ويتجوَّزوا عن الموسرِ (¬9) قال: قال الله: تجاوزوا عنه (¬10). رواه البخاري ومسلم واللفظ له. ¬

(¬1) صاحب دين له، والغرم: أداء شيء لازم، والغارم: الذي يلتزم ما ضمنه وتكفل به ويؤديه. (¬2) اختفى. (¬3) لا يمكن السداد الآن. (¬4) أهوال. (¬5) فليفرج وليزل ضيقه، ويؤخر المطالبة. (¬6) يحيطه برحمته، ويشمله بعفوه ونعيمه. قال الله تعالى: (وإن كان ذو عسر فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون 280 واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) 281 من سورة البقرة. أي وإن وقع غريم ذو عسرة، وقرئ ذا عسرة: أي وإن كان الغريم ذا عسرة فالحكم نظرة، أو عليكم نظرة، أو فليكن نظرة، وهي الإنظار إلى يسار، والصدقة بالإبراء أكثر ثوابا من الإنظار، أو خير مماتأخذون لمضاعفة ثوابه، ودوامه، وقيل: المراد بالتصدق الإنظار لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره إلا كان له بكل يوم صدقة). (إن كنتم تعلمون): ما فيه من الذكر الجميل، والأجر الجزيل. (يوماً): يوم القيامة، أو يوم الموت، (فتأهبوا لمصيركم إليه. (ما كسبت): جزاء ما عملت من خير أو شر. (وهم لا يظلمون) بنقص ثواب، وتضعيف عقاب، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها آخر آية نزل بها جبريل عليه السلام، وقال: ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقرة، وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها 21 يوماً، وقيل 81 يوما وقيل: 7 أيام، وقيل: ثلاث ساعات أهـ بيضاوي. (¬7) أعامل الناس، فيكون عليهم دين لي. (¬8) يؤجلوا سداد غير المستعد للأداء. قال النووي: فتياني غلماني. (¬9) يمروا على الغني الموجود معه المال. (¬10) اتركوه تفضلا، والله تعالى أولى بالكرم، اللهم تجاوز عنا.

3 - وفي رواية لمسلم، وابن ماجه عن حذيفة أيضاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ رجلاً مات فدخل الجنَّة فقيل له: ما كنت تعمل؟ قال: فإمَّا: فإما ذكر، وإمَّا ذكِّرَ؟ فقال: كُنْت أبايع الناس فكنتُ أنظر المعسر، وأتجوَّز (¬1) في السِّكة، أو في النَّقد فغفر له. 4 - وفي رواية للبخاري ومسلم عنه أيضاً قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ رجلاً ممنْ قبْلكمْ أتاه الملك (¬2) ليقبض روحه، فقال: هل علمتَ من خيرٍ؟ قال: ما أعلم. قيل له: أنظرْ! قال: ما أعلم شيئاً غير أنِّي كنت أبايع النَّاس (¬3) في الدنيا فأنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسرِ، فأدخله الله الجنة، فقال أبو مسعودٍ: وأنا سمعتهُ يقول ذلك. 5 - وعنه رضي الله عنه قالى: أتى الله بعبدٍ من عباده آتاه الله مالاً، فقال له: ماذا عمْلت في الدنيا؟ قال: ولا يكْتُمون الله حديثاً؟ قال: يا رب آتيتني مالا فكنتُ أبايع الناس، وكان من خُلقي الجواز (¬4) فكنت أيسِّر على (¬5) الموسر، وأنظر المعسرَ فقال الله تعالى: أنا أحق بذلك منك تجاوزوا عن عبدي، فقال عقبة بن عامر، وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعناه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا موقوفاً على حذيفة، ومرفوعاً عن عقبة وأبي مسعود. 6 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رجل يداين الناس، وكان يقول لفتاه (¬6): إذا أتيت معسراً، فتجاوزْ عنه لعلَّ الله ¬

(¬1) أتسامح في الاقتضاء والاستيفاء، وقبول ما فيه نقص يسير. والسكة: الدراهم والدنانير، بمعنى أني أتساهل ولا أدقق. (¬2) سيدنا عزرائيل عليه السلام. (¬3) أعاملهم وأتبادل معهم، فإذا جاء وقت أداء آخذ من الغني القادر على الدفع، وأؤخر المطالبة من غير القادر على الدفع حتى ييسر له الله حباً في ثوابه سبحانه، ففيه الحث على الرفق في طلب الدين، والرأفة بعباد الله المدينيين والرحمة والشفقة واستعمال الحلم والكرم، وحسن المعاملة. (¬4) التسامح وفي هذه الأحاديث فضل إنظار المعسر، والوضع عنه إما كل الدين، وإما بعضه: من كثير أو قليل، أو فضل المسامحة في الاقتضاء، وفي الاستيفاء سواء استوفى من موسر أو معسر، وفضل الوضع من الدين وأنه لا يحتقر شيء من أفعال الخير: فلعله سبب السعادة والرحمة. وفيه جواز توكيل العبيد والإذن لهم في التصرف وهذا على رأي من يقول: شرع من قبلنا شرع لنا. أهـ ص 224 جـ 10. (¬5) آخذ ما تيسر، وأسامح بما تعسر. (¬6) خادمة محصل ماله (الجابي).

عزَّ وجلَّ يتجاوز عنَّا، فلقي الله، فتجاوز عنه. رواه البخاري ومسلم والنسائي، ولفظه: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ رجلا لمْ يعملْ خيراً قطُّ، وكان يُداين الناس، فيقول لرسولهِ خذ ما تيسَّر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنَّا، فلمَّا هلك. قال الله له: هل عملت خيراً قطُّ؟ قال: لا إلا أنه كان لي غلام، وكنْتُ أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى (¬1). قُلْتُ له: خذ ما تيسَّر واتركْ ما عسر، وتجاوزْ لعلَّ الله يتجاوز عنَّا. قال الله تعالى: قدْ تجاوزت عنك. 7 - وعنْ أبي مسعودٍ البدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حُوسب رجل ممنْ كان قبلكم فلمْ يوجد له من الخير شيء إلا أنَّه كان يخالط النَّاس، وكان موسراً، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسرِ. قال الله تعالى: نحنُ أحقُّ بذلك تجاوزوا عنه. رواه مسلم والترمذي. 8 - وعنْ بريدة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أنظر معسراً فله كلَّ يومٍ مثله صدقه. ثمَّ يقول: من أنظر معسراً فله كلَّ يوم مثلْيهِ صدقة، فقلت يا رسول الله سمعتك تقول: من أنظر معسراً فله كلَّ يومٍ مثله صدقة، ثمَّ سمعتك تقول: ما أنظر معسراً فله كلَّ يوم مثليهِ صدقة؟ قال له: كلهَ يوم مثله صدقة قبل أن يحلَّ الدين، فإذا حلَّ فأنظره فله بكلِّ (¬2) يومٍ مثليهِ صدقه. رواه الحاكم، ورواته محتجّ بهم في الصحيح. ورواه أحمد أيضاً، وابن ماجه والحاكم مختصراً: من أنظر معسراً فله كلَّ يومٍ صدقة قبل أن يحلَّ الدَّين، فإذا جلَّ الدين فأنظره بعد ذلك فله كلَّ يوم مثليهِ صدقة. وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. 9 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: منْ نفَّس (¬3) عنْ مسلمٍ كرْبةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كرْبة من كرب يوم القيامة. ¬

(¬1) يطلب الحق وسداد الدين. (¬2) كذا ط وع مصححة ص 308، وفي وسطها: بكل وفي ن د: بكل، والمعنى أن الذي يعطي الخادم ويداين يثبه الله كل يوم صدقة جزاء قرضه، وإذا جاء ميعاد الدين، ولم يسدد ضاعف له الله الثواب فله صدقتان جزاء التأخير. (¬3) فرج هما، وأزال عسيراً وأعانه وساعده، وقضى مآ ربه بماله، أو جاهه، وفك ضيقة: وبادر إلى =

ومن يسَّر على معسرٍ في الدنيا يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مُسلمٍ (¬1) في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والهل في عونِ العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجه مختصرا والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. 10 - وروي عن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فرَّج عنْ مسلمٍ كربةً جعل الله تعالى له يوم القيامة شعبتين (¬2) من نورٍ على الصِّراط يستضيء بضوءيهما عالم (¬3) لا يُحْصيهمْ إلا ربُّ العزَّة. رواه الطبراني في الأوسط، وهو غريب. 11 - وعنه رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ أنظر معسراً، أوْ وضعَ له أظلَّه الله يوم القيامة تحت ظلِّ عرشه (¬4) يوم لا ظلَّ إلا ظلهُ. 12 - وعن أبي اليُسر رضي الله عنه قال: أبصرت عيناي هاتان، ووضع أصبعيهِ (¬5) في أذنيه، ووعاهُ قلْبي هذا - وأشار إلى نياط قلبه - رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أنظر (¬6) معسراً أو وضع (¬7) له أظَّله الله في ظلِّهِ. رواه ابن ماجه والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح على شرط مسلم، ورواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن، ولفظه قال: ¬

= إغائته، فإن حل به خسران مالي أسعفه بقدر ما يستطيع، وإن وقع في مظلمة سعى في تبرئته، وإن كان له عدو عمل على إحباط كيده جزاء إكرام الله له في الآخرة. في ع مؤمن 308. (¬1) يستر عيوبه، ويمنع زلله، ويرشده إن ضل ولا يذيع هفواته الخاصة بعد في أخلاقه، أو أهل منزله أما إذا أجرم، وخالف أوامر الله فلا يصح الستر هنا، بل يجب الأخذ على يد مرتكبها مثل السرقة، وقتل النفس، وشهادة الزور والمؤامرة، وهكذا من أفعال الأشرار: فيجب تأديبهم ردعاً لغيرهم. (¬2) قطعيتن من ضوء وهاج، ومنه كما في النهاية: الحياء شعبة من الإيمان، الشعبة: الطائفة من كل شيء. (¬3) خلق كثير، يرغب صلى الله عليه وسلم في الإخاء والمساعدة والتعاون كما قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) أي يسرع إلى نجدته ويحميه ممن يقصد مضرته، ولا يحرض عليه من ينغص عيشه، ولا يغتصب ماله، ولا يغتابه. (¬4) أي يرحمه ويقيه شر أهوال القيامة، ويغدق عليه بنعيمه ورضوانه. (¬5) بكسر الهمزة وضمها كذا ط وع، وفي ن د: أصبعه. (¬6) أخر دينه. (¬7) أبرأ ذمته وسامحه.

أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعتهُ يقول: إنَّ أوَّل النَّاس يستظلُّ في ظلِّ الله يوم القيامةِ لرجل أنظر مُعْسرا حتى يجد شيئاً، أو تصدَّق عليه بما يطلبه يقول: مالي عليك صدقة ابتغاء وجه الله، ويخرِّق صحيفته (¬1). (قوله) ويخرق صحيفته: أي يقطع العهدة التي عليه. 13 - وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أن تستجاب دعوته، وأن تكشف كرْبتهُ فليُفرِّجْ عن معسرٍ. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب اصطناع المعروف. 14 - وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ أنْظر معسراً إلى ميسرتهِ أنظره الله بذنبهِ إلى توبتهِ. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط. 15 - وعنهُ رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وهو يقول: هكذا، وأوْمأ أبو عبد الرحمن بيدهِ إلى الأرض: من أنْظر معسراً، أوْ وضع له، وقاه الله (¬2) من فيْحِ جهنَّمَ. رواه أحمد بإسناد جيد، وابن أبي الدنيا في اصطناع المعروف، ولفظه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهو يقول: أيُّكم يسُرُّه أن يقيه الله عزَّ وجلَّ من فيح جهنَّم؟ قلنا: يا رسول الله كلُّنا يسرُّه. قال: من أنظر مُعْسِراً، أوْ وضع له وقاه الله عزَّ وجلَّ من فيح جهنَّمَ. 16 - وعن أبي قتادة رضي الله عنه قا ل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نفَّسَ عنْ غريمهِ، أوْ محى عنه كان في ظلِّ العرش (¬3) يوم القيامة. رواه البغوي في شرح السنة، وقال: هذا حديث حسن، وتقدم في أوّل الباب بنحوه. 17 - وروي عن عثمان بن عفَّان رضي الله عنه قال: سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) يمزق الصك (الكمبيالة أو الوصل). (¬2) 0 حفظه وأبعده الله عن حر جهنم. (¬3) كذا ع ص 309، وفي ن د: عرشه، وفي ن ط: العهد.

يقول: (أظلَّ الله عبداً في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله (¬1) أنظر معسراً، أوْ ترك لغارمٍ. رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند. 18 - وروي عن أسعد بن زرارة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ سرَّه أن يظلَّه الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّهُ فليُيسِّر (¬2) على معسرٍ، أوْ ليضعْ عنه. رواه الطبراني في الكبير، وله شواهد. 19 - وروي عن شدَّاد بن أوسٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أنظر معسراً، أو تصدَّق عليه (¬3) أظلَّه الله في ظلَّهِ يوم القيامة. رواه الطبراني في الأوسط. ¬

(¬1) ظله انظر كذا ع وط، وفي ن د: ظله من أنظر. (¬2) يوسع عليه، وينتظر يسره، أو ليسد عنه. (¬3) أبرأ ذمته، أو سامحه، أو أزال دينه ليقيه الله العذاب، ويظله بعدله وإحسانه، وفيه الرأفة بالمدين، وتأخير مطالبته حتى يقدر. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع قانون جمعيات التعاون للمسلمين. اقرأ هذا الباب أيها المسلم لتعلم وسيلة نجاتك يوم الحساب: (مساعدتك المسلم في تأخير دينه: (من سره أن ينجيه الله) ووعد صلى الله عليه وسلم بالجزاء. أ - إزالة الكروب. ب - استظلاله برحمة الله هذا وقد نظر الله إلى وجهة رجل لم تنفعه صالحاته في حياته سوى عاطفة مداينة الناس والصبر على أداء المعسر. (انظر المعسر) وقد رغب صلى الله عليه وسلم في مضاعفة ثواب الدائن: (كل يوم مثليه صدقة). هذا إلى جعله مصباحا منيرا يهتدي بهديه ملايين الناس: (شعبتين من نور)، ثم بين صلى الله عليه وسلم أن الإنظار سبب إجابة الدعاء، وكشف الكروب، وبعث التوبة، ومحو الذنوب: (أنظر الله بذنبه إلى توبته). هذا إلى أمنه من نار جهنم فلا يصطليها: (وقاه الله عز وجل من فيح جهنم)، فتعاونوا أيها المسلمون على مد يد المعونة وأقرضوا المحتاجين، وساعدوا الفقراء الذين يريدون عملا شريفاً في الحياة واتحدوا وابذلوا ما يجلب لكم سعادة الحياة بايجاد المشروعات العظيمة النافعة التي تجلب لكم اليسر والرخاء والعيش الرغد قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم واتقوا الله إن الله شديد العقاب) 2 من سورة المائدة. قال البيضاوي أي على العفو والإغضاء، ومتابعة الأمر، ومجانية الهوى، والخلاصة. (مبادئ السعادة) أولا: يمد الغني الفقير. ثانياً: يقيم أعمالاً للعاطلين. ثالثاً: تؤلف نقابات. رابعاً: تأخير دفع المحتاج. خامساً: وجود التبادل. سادساً: الدين المعاملة. سابعاً: حب المنفعة. ثامناً: الإخاء.

الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما والترهيب من الإمساك والادخار شحا

(الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما) والترهيب من الإمساك والادّخار شحا 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من يومٍ يُصْبح العباد فيه إلا ملكانِ ينزلان فيقول أحدهما: اللهمَّ أعط منفقا (¬1) خلفاً ويقول الآخر: اللهمَّ أعط ممسكا (¬2) تلفاً (¬3). رواه البخاري ومسلم، وابن حبان في صحيحه، ولفظه: إنَّ ملكاً بيابٍ من أبواب الجنَّة يقول: من يقرضِ (¬4) اليوم يجزَ غداً (¬5)، وملك بابٍ آخر يقول: اللهمّ أعطِ منفقاً خلفاً، وأعطِ ممسكا تلفاً. ورواه الطيراني مثل ابن حبان إلا أنه قال: ببابٍ من أبواب السماء. 2 - وعن رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الله تعالى يا عبدي: أنفق أنفق عليك. وقال: يد (¬6) الله ملأى لا يغيضها نفقه سحاء الليل والنَّار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنَّه لم يغضْ ما بيدهِ، وكان عرشهُ على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفعُ. رواه البخاري ومسلم. (لا يغيضها) بفتح أوله: أي لا ينقصها. ¬

(¬1) جواداً كريما. قال النووي قال العلماء: هذا في الإنفاق في الطاعات، ومكارم الأخلاق، وعلى العيال والضيفان والصدقات، ونحو ذلك بحيث لا يذم، ولا يسمى سرفا، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا أهـ ص 95 جـ 7. (¬2) بخيلا مقصرا شحيحا في حقوق الله. (¬3) خرابا وعدم بركة. (¬4) يعط لله في حياته. (¬5) ينل ثوابه يوم القيامة. في ع بلا يا عبيدي. (¬6) خزائنه لا تنفد، والسح: الصب الدائم. قال النووي شارحا قوله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم (يد الله ملأى). قال القاضي قال الإمام المازوري: هذا مما يتأول لأن اليمين إذا كانت بمعنى المناسبة للشمال لا يوصف بها البارئ سبحانه وتعالى لأنها تتضمن إثبات الشمال، وهذا يتضمن التحديد، ويتقدس الله سبحانه عن التجسيم والحد، وإنما خاطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يفهمونه، وأراد الإخبار بأن الله تعالى لا ينقصه الإنفاق، ولا يمسك خشية الإملاق، جل الله عن ذلك، وعبر صلى الله عليه وسلم عن توالي النعم بسح اليمين لأن الباذل منا يفعل ذلك بيمينه. قال: ويحتمل أن يريد بذلك أن قدرة الله سبحانه وتعالى عل الأشياء على وجه أحد لا يختلف ضعفاً وقوة، وأن المقدورات تقع بها على جهة واحدة لا تختلف قوة واضعفا كما يختلف فعلنا باليمين والشمال، تعالى الله عن صفات المخلوقين ومشابهة المحدثين أهـ ص 80 جـ 7.

3 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن آدم: إنك أن تبذلَ الفضلَ (¬1) خير لك، وأن تمسكهُ شر لك، ولاتلام على كفافٍ (¬2)، وابدأ بمن تعول (¬3)، واليد العليا خير من اليد السُّفلى. رواه مسلم والترمذي. (الكفاف) بفتح الكاف ما كف عن الحاجة إلى الناس مع القناعة لا يزيد على قدرا لحاجة. (والفضل): مازاد على قدر الحاجة. 4 - وعنْ أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما طلعت شمسُ قطُّ إلا وبجنبيْها ملكان يناديان: اللهمَّ من أنفق فأعقبه خلفاً، ومنْ أمْسك فأعقبه تلفاً. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والحاكم بنحوه، وقال: صحيح الإسناد، والبيهقي من طريق الحاكم، ولفظه في إحدى رواياته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ يومٍ طلعت شمسهُ إلا وبجنبيها ملكان يناديان نداءً يسمعه خلق الله كلُّهمْ غير الثَّقلين (¬4): يا أيها الناس: هلمُّوا (¬5) إلى ربِّكم إنَّ ما قلَّ وكفِى خير مما كثر وألهى، ولا ابتِ الشمس إلا وكان بجنبيها ملكان يناديان نداءً يسمعه خلق الله كلُّهُمْ غير الثَّقلين: اللهم أعط منفقاً خلفاً وأعط ممسكاً تلفاً، وأنزل الله في ذلك قرآنا في قول الملكين: يا أيها الناس هلمُّوا إلى ربكم، في سورة يونس: والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم: وأنزل في قولهما: اللهمَّ أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً: والليل إذا يغشى والنَّهار إذا تجلَّى وما خلق الذكر الذكر والأنثى إلى قوله (¬6) للعسرى. 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جنَّتان من حديدٍ من ثديِّهما إلى تراقيهما، فأمَّا المنفق: فلا ينفق إلا سبغتْ، أو وفرت على جلده حتى تخفى بنانه وتعفو ¬

(¬1) الزائد عن حاجتك، وأهل بيتك، وإنفاقه خير لك لبقائه لك ثوابا جزيلا عند ربك جل وعلا، والبخل به تعب وكدر في حفظه، ويسألك الله عن عدم إتفاقه. في ع بلا قط. (¬2) لا عتاب ولا حساب على الفقير الذي لا يملك شيئاً، والكفاف: القلة فيه الدعوة إلى الإحسان والصدقة، واطمئنان الفقير من العذاب على وجود النعم (ولتسألن يومئذ عن النعيم). (¬3) تجب نفقته عليك من أن وزوجة وأهل. قال النووي. فيه تقديم نفقة نفسه وعياله لأنها منحصرة فيه، بخلاف نفقة غيرهم أهـ ص 125 جـ 7. (¬4) الإنس والجن. (¬5) أقبلوا على ربكم بطاعته. (¬6) إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى.

أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزمت كلُّ حلقةٍ مكانها فهو يوسِّعها فلا تتَّسع. رواه البخاري ومسلم. (الجنة) بضم الجيم: ما أجنّ وستره، والمراد به هنا: الدرع، ومعنى الحديث أن المنفق كلما أنفق طالت عليه، وسبغت حتى تستر بنان رجليه ويديه، والبخيل كلما أراد أن ينفق لزمت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع، شبه صلى الله عليه وسلم تعالى ورزقه بالجنة، وفي رواية: بالجبة، فالمنفق كلما أنفق اتسعت عليه النعم وسبغت، ووفرت حتى تستره سترا كاملا شاملا. والبخيل: كلما أراد أن ينفق منعه الشح، والحرص، وخوف النقص فهو بمنعه يطلب أن يزيد ما عنده، وأن تتسع عليه النعم فلا تتسع ولا تستر منه ما يروم ستره، والله سبحانه أعلم. 6 - وعنْ قيس بن سلعٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه أنَّ إخوته شكوهُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إنَّه يبذِّر (¬1) ماله، وينبسط (¬2) فيه. قُلْتُ: يا رسول الله آخذ نصيبي من التَّمرة فأنفقه في سبيل الله، وعلى من صحبني، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: أنْفِقْ يُنْفقِ الله عليك، ثلاث مرَّاتٍ، فلما كان بعد ذلك خرجت في سبيل الله، ومعي راحلة، وأنا أكثر أهل بيتي اليوم وأيسره (¬3). رواه الطبراني في الأوسط، وقال: تفرد به سعيد بن زياد أبو عاصم. 7 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأخلاء ثلاثة. فأمَّا خليل فيقول: أنا معك حتى تأتي قبرك، وأما خليل فيقول: لك ما أعطيت وما أمسكت فليس لك فذلك مالك، وأما خليل فيقول: أنا معك حيث دخلت، وحيث خرجتَ، فذلك عمله، فيقول: والله لقد كنْتَ من أهونِ الثلاثة عليَّ. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، ولا علة له. 8 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُكم مال وارثهِ أحبُّ إليه من ماله. قالوا يا رسول الله: ما منَّا أحد إلا ماله أحبُّ ¬

(¬1) يسرف فيه. (¬2) ينفق بسعة. (¬3) إنفاقه جلب له الرزق: الرغد، والمال الوفير.

إليه من مال وارثهِ؟ قال: فإنَّ ماله ما قدَّم (¬1)، ومال وارثهِ ما أخَّر (¬2). رواه البخاري والنسائي. 9 - وعنْهُ رضي الله عنه قال: دخل النَّبي صلى الله عليه وسلم على بلالٍ وعنده صبر (¬3) من تمرٍ، فقال: ما هذا يا بلال (¬4)؟ قال: أعدُّ ذلك لأضْيافك. قال: أما تخشى أن يكون لك دخان في نار (¬5) جهنَّم، أنفق يا بلالُ (¬6)، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً (¬7)، رواه البزار بإسناد حسن، والطبراني في الكبير، وقال: أما تخشى أن يفور له بخارٌ في نار جهنَّمَ. 10 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عاد بلالاً، فأخرج له صبرا من تمرٍ، فقال: ما هذا يا بلال؟ قال: ادَّخرته لك يا رسول الله. قال: أما تخشى أن يجعل لك بخار في نار جهنمَّ، أنفق يا بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً. رواه أبو يعلي، والطبراني في الكبير، والأوسط بإسناد حسن. 11 - وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا توكي فيوكأ عليكِ. وفي رواية: أنفقي، أو انفحي (¬8) أو انضحي، ولا تُحْصي فيحصي الله عليك، ولا تُوعي فيوعى الله عليك. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود. ¬

(¬1) من إنفاقه في طاعة الله، وعمل البر، وتشييد الصالحات الباقي جزاؤها. (¬2) التركة المقسمة بعده. (¬3) كذا ع 312 ون د، وفي ن ط، وهي الطعام المجتمع كالكومة. (¬4) استفهام منه صلى الله عليه وسلم ليعلم سبب ادخارها. (¬5) أي ربما تموت ولا تنفقها في طاعة الله، فيبقى سؤال الله عنها، ولها دخان في نار جهنم يحيط بك ويمر عليك عذابا وجزاء عدم إنفاقها. (¬6) جد يا بلال. (¬7) ولا تخف من المولى جل وعلا قلة وضيق رزق، فهو المعطي الوهاب ذو الجلال والإكرام. والعرش كما قال علماء التوحيد: جسم عظيم نوراني غلوي محيط بجميع الأجسام، والتحقيق أنه قبة فوق العالم ذات أعمدة أربعة، تحمله الملائكة في الدنيا تأربعة، وفي الآخرة ثمان لزيادة إحلال والعظمة، رءوسهم عند العرش في السماء السابعة، وأقدامهم في الأرض السفل. أهـ كتابي (النهج السعيد في علم التوحيد) ص 140. قال تعالى في بيان عظمته: (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم) أي محدقين به ملتبسين بحمده. (¬8) أي أعطى: قال النووي: والنفح والنضح: العطاء، ويطلق النضح على الصب أيضاً، ومعناه الحث على النفقة في الطاعة، والنهي عن الإمساك والبخل والإحصاء، وعن ادخال المال في العطاء ص 119 - 7

(افنحي) بالحاء المهملة، وانضحي، وأنفقي الثلاثة معنى واحد، وقوله: لا توكي، قال الخطابي: لا تدخري، والإيكاء: شدّ رأس الوعاء بالوكاء، وهو الرباط الذي يربط به، يقول: لا تمنعي ما في يدك فتنقطع مادة بركة الرزق عنك انتهى. 12 - وعنْ بلالٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال: مُتْ فقيرا (¬1) ولا تمتْ غنيًّا. قلت: وكيف لي بذلك؟ قال: ما رُزقتَ فلا تخْبأ (¬2)، وما سُئلْت فلا تمنعْ، فقلتُ: يا رسول الله وكيف لي بذلك؟ قال: هو ذاك أو النَّار (¬3). رواه الطبراني في الكبير، وأبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وعنده: قال لي: ألق الله فقيراً، ولا تلقهُ غنيًّا، والباقي بنحوه. 13 - وعنِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: لا حسد إلا في اثنتينِ: رجل آتاه الله مالاً فسلطهُ على هلكتهِ في الحقِّ (¬4)، ورجل آتاه الله حكمة (¬5) فهو يقضي بها (¬6) ويعلِّمها (¬7). وفي روايةٍ: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو ييقوم به آناء الليل، وآناء النَّهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه (¬8) آناء الليل، وآناء النهار، رواه البخاري ومسلم، والمراد بالحسد: هنا الغبطة، وهو تمنى مثل ما للمغبط، وهذا لا بأس به، وله نيته، فإن تمنى زوالها عنه فذلك حرام، وهو الحسد المذموم. 14 - وعنْ طلحة بن يحيى عنْ جدَّتهِ سُعدى قالت: دخلت يوماً على طلحة تعْني ابن عبيد الله: فرأيت منه ثقلاً (¬9)، قلت له: مالك (¬10) لعلَّه رابك (¬11) منَّا ¬

(¬1) كثير الإنفاق تصرف مالك كله في الصالحات. (¬2) تكنز أو تذخر، والخبء: كل شيء مستور غائب، من خبأ. (¬3) إما الإنفاق فتؤجر أو للكنز فتمنع حقوق الله وتشح فتدخل النار، فدخول النار متوقف على حساب الله كيف أنفقت مالك؟. (¬4) أعمال الخير. (¬5) القرآن والسنة. (¬6) يحكم بين الناس بما أنزل الله. (¬7) ويفقه الناس بالكتاب والسنة، ويدعو إلى الله، ويرشد للحق. (¬8) يجود به في الأوقات كلها ابتغاء حب الله. (¬9) مرضا وشدة ألم. (¬10) أي شيء أصابك. (¬11) شكك: يقال: رابني وأرابني: شككني، ومنه دع ما يريبك إلى ما لا يريبك: أي اترك ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه

شيء فنعتبك (¬1)؟ قال: لا، ولنعْمَ حليلةُ (¬2) المرء المسلم أنت، ولكن اجتمع عندي مال، ولا أدري كيف (¬3) أصنعن به. قالت: وما يغمُّك (¬4) منه، ادْعُ قومك فاقسمهُ بينهمْ، فقال يا غلام: عليَّ بقومي (¬5)، فسألتُ الخازن كمْ قسم؟ قال: أربعمائة ألفٍ. رواه الطبراني بإسناد حسن. 15 - وروى عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نشر (¬6) الله عبدين منْ عبادهِ أكثر لهما من المال والولد، فقال لأحدهما: أيْ فلان ابن فلان؟ قال: لبَّيك (¬7) ربِّ وسعديكَ. قال: ألم أكثر لك من المال والولد؟ قال: بلى (¬8) أي ربِّ. قال: وكيف صنعت فيما آتيتك؟ قال: تركته لولدي مخافة العيلةِ. قال: أما إنَّك لو تعلم العلم لضحكت قليلاً، ولبكيت كثيرا، أما إنَّ الذي تخوَّفت عليهم قد أنزلت بهمْ، ويقول للآخر: أي فلان ابن فلانٍ، فيقول: لبَّيك أي ربِّ وسعديك؟ قال له: ألم أكثر لك من المال والولد؟ قال: بلى. أي ربِّ قال: فكيف صنعت فيما آتيتك؟ فقال: أنفقتُ في طاعتك، ووثقتُ لولدي من بعدي بحسن طولك (¬9) قال: أما إنَّك لو تعْلم العِلْمَ لضحكت كثيراً، ولبكيت قليلاً، أما ¬

(¬1) فتقدم لك العتبي، ونزيل ما علق بك من جهتنا. (¬2) زوجة، ونعم: كلمة مدح وثناء. (¬3) لا أعلم على أي حال أوزعه خشية سؤال الله عنه يوم القيامة. (¬4) أي شيء جلب لك الغم والهم من وجوده. سيدنا طلحة بن عبيد الله يخاف من وجود مائة، ففرقه على أقاربه لله رجاء ثواب الله ليقابل ربه فقيراً، فيخف سؤاله، وينعم باله، ويهنأ عيشه، ويدوم صفاؤه (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه). (¬5) ائت بأقاربي وأهلي. (¬6) هكذا ط وع ص 313، وفي ن د: يسر بمعنى أنشرهما الله: أي أحياهما، ويقال: نشر الميت: أي عاش بعد الموت، ومعنى يسر: أي أغناها. (¬7) إجابة بعد إجابة. (¬8) حرف جواب لإثبات النفي: أي أغنيتنا على أي حال أنفقت. (¬9) فضلك ونعمك، وعلمت أنك الرزاق المعطي، فاعتمدت عليك سبحانك وأطعتك، واتقيت الله فيه هذا درس لأولئك الذين تكالبوا على الدنيا، وطمعوا في تراثها، وجشعوا فيها. الأول: رجل أعطاه الله المال، ورزقه البنين، فازداد جشعاً في جمع المال، وحرم الفقراءأ وبخل وشح في حقوق الله، فأخطأ طريق الهدى، فمات وترك لأولاده الحسرة والندامة إذ نزع الله البركة من ماله ففنى، وافتقر أولاده. الثاني: خاف مقام ربه، وأطاع الله في أوامره، واجتناب مناهيه، وزكى وتصدق. وأقام مشروعات الخير أو ساهم فيها، وترك لأولاده تقوى الله، فبارك الله في ماله فنما، ورزقهم الله لسعادة، والرزق الكثير والعيش الرغد، وذلك مصداق قوله تعالى: =

إنَّ الذي قدْ وثقت به أنزلتُ بهمْ. رواه الطبراني في الصغير والأوسط. (العيلة) بفتح العين المهملة، وسكون الياء: هو الفقر. (والطول) بفتح الطاء: هو الفضل والقدرة والغنى. 16 - وعن مالك الدَّار أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنهُ أخذ أرْبعمائة دينارٍ فجعلها في صرَّةٍ (¬1)، فقال للغلام: اذْهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرَّاح (¬2) ثمَّ تلَهَّ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصْنعُ فذهب بها الغلام إليه، فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثمَّ قال: تعالى يا جارية اذهبي بهذه السَّبْعةِ إلى فلانٍ، وبهذه الخمسة إلى فلانٍ، وبهذه الخمسة إلى فلانٍ حتى أنفذها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبرهُ قدْ أعدَّ مثلها لمعاذ بن جبلٍ (¬3)، فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبلٍ، وتلهَّ في البيت حتى تنظر ما يصنع فذهب بها إليه، فقال يقول لك ¬

= أ - (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا). قال البيضاوي: أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى، ويتقوه في أمر اليتامى، فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف بعد وفاته، أو للحاضرين المريض عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم، أو يخشوا على أولاد المريض، ويشفقوا عليهم، ثم أمرهم بالتقوى التي هي غاية الخشية بعد ما أمرهم بها مراعاة للمبدأ أو المنتهى. وشاهدنا: الأمر بالتقوى، وقول الحق. هذان ينفعان الذرية كما قال تعالى: ب - (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) 82 من سورة الكهف. قال البيضاوي: كنز من ذهب أو فضة، روى ذلك مرفوعاً، والذم على كنزهما في قوله: (والذين يكنزون الذهب والفضة): لمن لا يؤدي زكاتهما، وما تعلق بهما من الحقوق. واسمهما: أصرم وصريم. (صالحا) تنبيه علي أن سعيه ذلك كان لصلاحه، قيل: كان بينهما وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة آباء، وكان سياحا، واسمه كاشح (أشدهما) الحلم وكمال الرأي: (رحمة): مرحومين من ربك، وقال تعالى جـ - (إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين) 196 من سورة الأعراف. قال البيضاوي: ومن عادته تعالى أن يتولى الصالحين من عباده فضلا عن أنبيائه. (¬1) شيء حافظ للدراهم. صر الصرة: شدها، وصر الناقة: شد عليها. (¬2) هازم جيوش الفرس، والقائد الماهر، وأمير الجند، وأمين الأمة في زمن سيدنا عمر رضي الله عنهما. (¬3) صحابي جليل، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن. هذا درس، يأخذ هذان الصحابيان المال فيوزعانه على الفقراء. هل لك أيها المسلم أن ترغب في الصالحات، وفي الإنفاق لله رجاء أن تتقرب إلى ربك بالرضا والكرم.

أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتكَ (¬1)، فقال: رحمهُ الله ووصله، تعالى يا جارية اذهبي إلى بيت فلانٍ بكذا، اذهبي إلى بيت فلانٍ بكذا، اذهبي إلى بيت فلانٍ بكذا فاطَّلعتِ امرأةُ معاذٍ وقالتْ: نحن والله مساكين فأعطنا فلمْ يبق في الخرقة إلا ديناران فدحى بهما إليها، ولغلام إلى عمر فأخبره فسُرَّ بذلك، فقال إنَّهم إخوة بعضهم من بعض. رواه الطبراني في الكبير، رواته إلى مالك الدار ثقات مشهورون، ومالك الدارلا أعرفه. (تله) هو بفتح التاء المثناة فوق واللام أيضاً، وتشديد الهاء: أي تشاغل. (فدحى بهما) بالحاء المهملة: أي رمي بهما. 17 - وعن سهيل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة دنانير وضعها عند عائشة، فلمَّا كان عند مرضهِ. قال يا عائشة: ابعثي بالذهب إلى عليّ، ثمَّ أغمي عليه (¬2)، وشغل عائشة ما به حتى قال ذلك مرارا، كل ذلك يغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشغل (¬3) عائشة ما به فبعث إلى عليِّ فتصدق بها وأمْسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديد (¬4)، الموت ليلة الاثنين، فأرسلتْ عائشة بمصباحٍ لها إلى امرأةٍ من نسائها، فقالتْ: أهدى لنا في مصباحنا منْ عُكَّتِكِ (¬5) السَّمنِ فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمْسى في حديد الموت. رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات محتج بهم في الصحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة بمعناه. 18 - وعنْ عبد الله بن الصَّامت قال: كُنت مع أبي ذرٍّ رضي الله عنه تفخرج عطاؤه، ومعه جارية له قال: فجعلتْ تقضي حوائجه ففضل (¬6) معها سبْعة فأمرها أن ¬

(¬1) كذا ع ص 314، وفي ن ط ود: حاجاتك. (¬2) أي غشي عليه، وأصابه إغماء. (¬3) كذا ط وع ص 314، وفي ن: وتشتغل. (¬4) وفي ن د: حديدة شديد، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يعاني سكراته. قال تعالى: (فبصرك اليوم حديد): أي قوي، مأخوذ من حد السيف. (¬5) وعاء من جلود مستدير يختص بالسمن أو العسل، إن رجلا كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم العكة من السمن أو العمل هو بالسمن أخص أهـ نهاية. والمعنى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتضر ويقاسي آلام الموت لتتأسى به أمته، فتعمل صالحاً، ويتبع منهجه، والسيدة عائشة رضي الله عنها تمرضه وتلازمه، وتعتني به صلى الله عليه وسلم، ثم في حالة الشدة ينظر إلى سبعة دنانير كان حفظها لحاجة الفقراء. ولإنفاقها في مصالح المسلمين، يأمر بارسالها إلى الإمام علي كرم الله وجهه ليتصد بها. (¬6) بقي.

تشتري به فلوساً (¬1): قال قلْتُ: لو أخَّرْتهُ للحاجة تنوبك أو للضَّيفِ ينزل بك. قال: إنّ خليل عهد إليَّ أنَّ أيُّما (¬2) ذهبٍ، أوْ فضَّةٍ أوكئ عليه (¬3)، فهو جمر (¬4) على صاحبه حتى يفرغهُ (¬5) فيسبيل الله عزَّ وجلَّ. رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. ورواه أحمد أيضاً والطبراني باختصار القصة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أوْكى على ذهبٍ أو فضةٍ، ولمْ ينفقهُ في سبيل الله (¬6) كان جمراً يوم القيامة يُكوى به (¬7). هذا لفظ الطبراني، ورجاله أيضاً رجال الصحيح. 19 - وعنْ أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أهديتْ للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث طوائر فأطعم (¬8) خادمه طائراً: فلمَّا كان من الغد أتتْهُ بها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألمْ أنهكِ أن ترْفعي شيئاً (¬9) لغدٍ: فإن الله يأتي برزق غدٍ. رواه أبو يعلي والبيهقي، ورواه أبي يعلي ثقات. 20 - وعن أنس أيضا رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدًّخر (¬10) شيئاً لغدٍ. رواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي كلاهما من رواية جعفر ابن سليمان الضبعي عن ثابت عنه. 21 - وعنْ سمرة بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إنِّي لألج هذه الغرفة ما ألجها إلا خشية أن يكون فيها مال فأتوفَّى، ولمْ أنفقه. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. ¬

(¬1) معنى هذه العبارة أن تنفق ما معها فلا يبقى شيء فتفلس: أي تذهب دراهمها. من أفلس الرجل: صار مفلسا كأنما صارت دراهمه فلوساً وزيوفاً، وقيل: صار إلى حال ليس معه فلس فأفلس، إذ لم يبق له مال. (¬2) إلى أن أيما كذاع، وفي ن ط ود: إلي أيما. (¬3) أي حفظ وشد عليه للكنز. (¬4) نار. (¬5) ينفقه في مشروعات الخير، وفي الجهاد لنصر دين الله، وفي تحفيظ القرآن الكريم، أو على طلبة العلم، أو مساعدة المساكين، وهكذا من أعمال البر. (¬6) ولم ينفقه في سبيل الله. كذاع ود، وفي ن ط حذفها. (¬7) الله تعالى يجمع ما كنزه: ولم ينفقه في الصالحات، ويجعله ناراً متقدة حامية، فيعذب بها عذابا يعم جميع جسمه بالكي واللسع والأذى. وفي حث الأغنياء على الجواد، والترغيب في الإنفاق لله. (¬8) كذا ع ود، وفي ن ط: فأعطى. (¬9) يحذرها صلى الله عليه وسلم أن لا ندخر شيئاً جاء، ولا تحفظه للمستقبل، ويأمر صلى الله عليه وسلم بالإنفاق رجاء انتظار إعطاء المخلف الوهاب المعطي سبحانه وتعالى. (¬10) لا يكنز، ولا يحزن، ولا يحفظ شيئاً للمستقبل بل ينفقه من وقته ثقة بالله سبحانه الرزاق القوي القادر.

(لألج). أي لأدخل. (والغرفة) بضم الغين المعجمة: هي العلية. 22 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أحبُّ أنَّ لي أحداً ذهباً أبقى صبح ثالثةٍ، وعندي منه شيء إلا شيئاً أعدُّهُ لدينٍ (¬1). رواه البزار من رواية عطية عن أبي سعيد، وهو إسناد حسن، وله شواهد كثيرة. 23 - وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي أبو ذرٍ يا ابن أخي كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذاً بيده، فقال لي: يا أبا ذرٍ! ما أحبُّ أنَّ لي أحداً ذهباً وفضَّة أنفقه في سبيل الله، أموت يوم أموت أدع منه قيراطاً. قلت: يا رسول الله: قنطاراً. قال يا أبا ذرٍّ: أذهب إلى الأقلِّ وتذهب إلى الأكثر، أريد الآخرة، وتريد الدنيا، قيراطاً فأعادها على ثلاث مرَّاتٍ. رواه البزار بإسناد حسن. 24 - وعنه رضي الله عنه أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم التفت إلى أحدٍ، فقال والذي نفسي بيدهِ: ما يسُرُّني أنَّ أحداً تحوَّل (¬2) لآل مُحمَّدٍ ذهبا أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت أدع منه دينارين إلا دينارينِ أُعدُّهما للدين إن كان. رواه أحمد، وأبو يعلي، وإسناد أحمد جيِّد قوي. 25 - وعن قيْس بن أبي حازمٍ قال: دخلت على سعيد بن مسعودٍ نعوده (¬3) فقال ما أدْري ما يقولون، ولكنْ ليْتَ ما في تابوتي هذا جمر (¬4)، فلما مات نظروا، فإذا فيهِ ألف أو ألفانِ: رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. 26 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رجلاً توفِّي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمْ يوجد له كفن، فأتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: انظروا إلى داخلةِ إزارهِ فأصيب دينار، أو ديناران، فقال: كيَّتانِ (¬5). ¬

(¬1) يبين صلى الله عليه وسلم للمسلمين أنه لا يحب أن يكون له مال يوازي جبل أحد الذي بالمدينة. ولو أعطي ما يساويه لأنفقه كله في طاعة الله، ولم يبق إلا قليلا يترصده لدين، أو يدفع به ملمة، أو يزيل به حادثة. (¬2) كذا ط وع ص 315, وفي ن د: يحول. (¬3) نزوره في مرضه. (¬4) أتمنى أنه لا يوجد في صندوقي نار كأن الناس يظنون وجود المال عنده، وقد تحقق فوجدوا أن عنده ألفاً أو ألفين في صندوقه الذي يحرز فيه متاعه: أي لا أحب ناراً، أو يكون ما في الصندوق ناراً أعذب به في الدنيا ولا أعذب به في الآخرة من جراء مالي الذي أدخره المسكنون في الصندوق. ليست حرف تمن: وما: أي أرجو أن لا يكون شيء مدخراً في خزانة بيتي أصطلي به ناراً. (¬5) أي لذعة علي كل دينار كنز.

وفي روايةٍ: توفِّي رجلٌ من أهل الصُّفَةِ فوجد في مئزرهِ دينارٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيَّة، ثمَّ توفِّي آخر فوجد في مئزره ديناران، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيَّتان. رواه أحمد والطبراني من طرق، ورواة بعضها ثقات أثبات غير شهر بن شوحب. 27 - وعنْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: تُوفِّي رجلٌ من أهل الصُّفَّةِ فوجدوا في شملتهِ دينارين، فذكروا ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: كيَّتانِ. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه. (قال الحافظ): وإنما كان كذلك لأنه ادَّخر مع تلبسه بالفقر ظاهراً، ومشاركته الفقراء فيما يأتيهم من الصدقة، والله أعلم. 28 - وعنْ سلمةَ بن الأكوع رضي الله عنه قال: كُنْتُ جالساً عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فأتى بجنازةٍ، ثمَّ أتى بأخرى، فقال: هل ترك من دين؟ قالوا: لا. قال فهلْ ترك شيئاً؟ قالوا: نعم ثلاثة دنانير، فقال: بأصابعهِ (¬1) ثلاثُ كيَّاتٍ، الحديث. رواه أحمد بإسناد حسن جيد، واللفظ له والبخاري بنحوه، وابن حبان في صحيحه. 29 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ أعْرابيَّا فجعلهما في عباءةٍ فخيَّط عليهما ولف عليهما فمات الأعرابي فوجد الدِّيناران، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيَّتانِ. رواه أحمد، وإسناده حسن لا بأس به في المتابعات. ¬

(¬1) كذا ع ود، وفي ن ط: بأصبعه. إن هذا الميت ادخر ثلاثة، فعاقبه الله تعالى بلذعة، وأذاقه النار بسببها. أيها الأغنياء: أقيموا صروح الأعمال الصالحة بالإنفاق لله لتنالوا المحامد كما قال صلى الله عليه وسلم. أولاً: تكتسبون دعاء الملائكة بزيادة الرزق. ثانياً: الإعطاء. خير. ثالثاً: الصدقة درع يقي المصائب، وتجعل لك حصونا من المحبة والمساعدة والألفة والمودة حتى لا تجد لك كارهاً أو ضدا. رابعاً: قلة الحساب على المال في الآخرة، وزيادة ثواب الإنفاق. خامساً: وضع البركة في الذرية، وحفظ الله لأولاد المنفق والتكرم بالسعة عليهم: (وثقت لولدي من بعدي بحسن طولك). سادساً: السلف الصالح كثير الإنفاق فنقتدي بهم. سابعاً: ادخال شيء يعذب به يوم القيامة. ثامناً: ادخار شيء يعذب به يوم القيامة. ثامناً: من خلقه صلى الله عليه وسلم الإنفاق: (ما أحب أن لي أحدا ذهبا). تاسعاً: لذعات النار وكيها عقاب البخلاء. عاشراً: سيدنا سعيد تألم من خزن النقود، وتمنى أن تصبح رمادا فلا يحاسب عليها. إحدى عشر: ليس الغرض من المال إلا قضاء المصالح، وسداد الدين، وفعل الخير فقط.

ترغيب المرأة في الصدقة من مال زوجها إذا أذن وترهيبها منها ما لم يأذن

ترغيب المرأة في الصدقة من مال زوجها إذا أذن وترهيبها منها ما لم يأذن 1 - عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها (¬1) غير مفسدةٍ (¬2) كان لها أجْرها بما أنفقت، ولزوجها أجْرُهُ بما اكتسبَ، وللخادم (¬3) مثل ذلك، لا ينقص بعْضهمْ من أجر بعضٍ شيئاً. رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وأبو داود وابن ماجه والترمذي والنسائي، وابن حبان في صحيحه، وعند بعضهم: إذا تصدَّقت بدل: أنفقت. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحلُّ للمرأة أن تصوم، وزوجها شاهد (¬4) إلا بإذنهِ، ولا تأذن في بيتهِ (¬5) إلا بإذنه. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود. ¬

(¬1) بيت زوجها. (¬2) غير مسرفة، قد يعلم رضا الزوج به في العادة. قال النووي: إن المشارك في الطاعة مشارك في الأجر، ومعنى المشاركة أن له أجرا كما لصاحبه أجر، وليس معناه أن يزاحم أجره، والمراد المشاركة في أصل الثواب فيكون لهذا ثواب، ولهذا ثواب، وإن كان أحدهما أكثر، ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء بل قد يكون ثواب هذا أكثر، وقد يكون عكسه، فإذا أعطى المالك لخازنه أو امرأته أوغيرهما مائة درهم أو نحوها ليوصلها إلى مستحق الصدقة على باب داره أو نحوه، فأجر المالك أكثر، وإن أعطاه رمانة أو رغيفاً ونحوهما مما ليس له كثير قيمة ليذهب به إلى محتاج في مسافة بعيدة بحيث يقابل مشي الذهاب إليه بأجرة تزيد عن الرمانة أو الرغيف، فأجر الوكيل أكثر، وقد يكون عمله قدر الرغيف مثلا، فيكون مقدار الأجر سواء. أهـ ص 112 جـ 7. (¬3) الذي يحفظ الشيء كذا ط وع ص 316 وفي ن د: لخادم. وفيه المساعدة في الإنفاق، والحث عليه بسخاء، وبذل الشيء لله. (¬4) حاضر. قال النووي: هذا محمول على صوم التطوع، والمندوب الذي ليس له زمن معين، وهذاالنهي للتحريم، صريح به أصحابنا، وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام، وحقه فيهاواجب على الفور فلا يفوته بتطوع، ولا بواجب على التراخي، فإن قيل فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه، فإن أراد الاستمتاع بها كان له ذلك، ويفسد صومها، فالجواب أن صومها يمنعه من الاستمتاع بها في العادة لأنه يهاب انتهاك الصوم بالإفساد، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وزوجها شاهد): أي مقيم في البلد، أما إذا كان مسافراً فلها الصوم لأنه لايتأتى منه الاستمتاع إذا لم تسكن معه أهـ ص 115 جـ 7. (¬5) أي لا يصح لها أن تفعل شيئاً وهو موجود إلا برضاء. قال النووي: فيه إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج وغيره من مالكي البيوت وغيرها بالإذن في أملاكهم إلا بإذنهم، وهذا محمول على ما لا يعلم رضا الزوج ونحوه به، فإن علمت المرأة ونحوها رضاه به جاز أهـ.

3 - وفي روايةٍ لأبي داود أنَّ أبا هريرة: سُئل عن المرأة هل تتصدَّق من بيت زوجها؟ قال: لا (¬1) إلا من قُوتها (¬2)، والأجر بينهما (¬3)، ولا يحلُّ لها أن تتصدَّق (¬4) من مال زوجها إلا بإذنه. زاد رزين العبدريّ في جامعه: فإن أذن لها فالأجر بينهما، فإنْ فعلتْ بغيرِ إذنهِ فالأجر له، والإثم عليها. 4 - وعن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجوز لامرأةٍ عطيَّةٌ (¬5) إلا بإذن زوجها. رواه أبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب. 5 - وعنْ أسماء رضي الله عنها قالتْ: قلتُ يا رسول الله: مالي مال إلا ما أدخل (¬6) عليَّ الزُّبير أفأتصدَّق؟ قال: تصدقي، ولاتوعي (¬7) فيوعي عليك. وفي رواية: أنها جاءت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله: ليْس لي شيءٌ إلا ما أدخل عليَّ الزُّبير فهل عليَّ جُناحٌ (¬8) أن أرْضخ (¬9) مما يدخل عليَّ؟ .. قال ارْضخي ¬

(¬1) بل تنتظر إذن زوجها. (¬2) إلا ما دخل في ملكها من طعامها الذي تستحقه. (¬3) قال النووي: معناه أن هذه النفقة والصدقة التي أخرجهما الخازن أو المرأة أو الملوك ونحوهم بإذن المالك يترتب على جملتها ثواب على قدر المال والعمل فيكون ذلك مقسوما بينهما، لهذا نصيب بماله، ولهذا نصيب يزاحم صاحب المال العامل في نصيب عمله، ولا يزاحم العامل صاحب المال في نصيب ماله. واعلم أنه لابد للعامل وهو الخازن وللزوجة والمملوك من إذن المالك من ذلك، فإن لم يكن إذن أصلا، فلا أجر لأحد من هؤلاء الثالثة بل عليهم وزر بتصرفهم في مال غيرهم بغير إذنه، والإذن ضربان: أحدهما: الإذن الصريح في النفقة والصدقة، والثاني: الإذن المفهوم من اطراد العرف والعادة كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به، وأطرد العرف فيه، وعلم بالعرف رضاء الزوج والمالك به، فإذنه في ذلك حاصل، وإن لم يتكلم وهذا إذا علم رضاه لأطراد العرف، وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك والرضا به فإن اضطراب العرف، وشك في رضاه، أو كان شخصا يشح بذلك وعلم من حاله ذلك، أو شك فيه لم يجز للمرأة أو غيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذن أهـ ص 112 جـ 7. (¬4) كذا د وع ص 317, وفي ط: تصدق: أي بقدر يسير يعلم رضا المالك به في العادة فان زاد على المتعارف لم يجز. (¬5) شيء يعطى. (¬6) كذا د وع، وفي ن ط: أدخله. سيدتنا أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تستأذن وتستفهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تنفق وتحسن لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم رضا زوجها سيدنا الزبير، فيود صلى الله عليه وسلم أن تكون مساعدة محسنة كريمة. منفقة فاعلة خير: (¬7) ولا تحفظي ولاتكنزي، وفي النهاية: أي لا تجمعي وتشحي بالنفقة، فيشح عليك، وتجازي يتضييق رزقك. (¬8) إثم. (¬9) أعطي قليلا.

ما استطعتِ، ولا توعي فيوعى الله عليك. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي. 6 - وعنْ عمرو بن شُعيبٍ عنْ أبيه عنْ جدِّهِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا تصدَّقت المرأة من بيتِ زوجها كان لها أجرها (¬1). ولزوجها مثل ذلك، لا ينقصُ كلُّ واحدٍ منهما من أجرِ صاحبهِ شيئاً، بما (¬2) كسب، ولها بما أنفقت (¬3). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. 7 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خُطْبَتهِ عام حجَّة الوداع: لا تُنْفقُ (¬4) امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها. قيل يا رسول الله: ولا الطَّعام (¬5)؟ قال: ذلك أفضل (¬6) أموالنا. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. ¬

(¬1) كذا د وع، وفي ن ط: أجر. (¬2) بما، كذا ط وع، وفي ن د: مما. (¬3) لها ثواب ما أعطته لله جزاء إحسانها وحبها الخير، وقال النووي: واعلم أن المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال وغلمانه ومصالحه وقاصديه من ضيف وابن سبيل ونحوهما، وكذلك صدقتهم المأذون فيها بالصريح أو العرف. والله أعلم ص 113 جـ 7. (¬4) لا تعط ولا تتصرف. (¬5) أي الشيء المعد للأكل. (¬6) أهم وأطيب. قال النووي: ونبه بالطعام أيضاً على ذلك لأنه يسمح به في العادة، بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس، وفي كثير من الأحوال. دستور ربة البيت في تدبير المنزل، وإدارة شؤونه أولا: يرشد صلى الله عليه وسلم الزوجة أن تحفظ مال زوجها وتدبر أمرها وتطيعه، وتميل إلى حب الخير، وفعل البر، وتجلب رضا بعلها وتقتصد، وتراعي الواجب فتؤديه ولا تبذر وتنفق. (غير مفسدة) لتنال من الله الثواب الجزيل لأن الأجر فضل من الله تعالى يؤتيه من يشاء، ثم يحثها صلى الله عليه وسلم على أمور أربعة. أ - التصدق. ب - استئذان الزوج. جـ - طاعته. د - حفظ ماله. وإذا نمت هذه العاطفة في السيدة العاقلة ترعرعت على التقوى، وشبت على الصالحات، وسدد الله خطاها وأرغد عيشها، وأحاطها بعزه ورحماته فتنمو دوحات الألفة، وتشرق شمس السعادة بينهما فيعيشان قريري العين مثلوجي الفؤاد، له يضع البركة في أولادهما، ويهب لهم النجابة: نعم الإله على العباد كثيرة ... وأجلهن نجابة الأولاد ثانياً: استفاهم الدرة المكنونة السيدة أسماء رضي الله عنها من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لتستضيء بنوره الوهاج (أفأتصدق)؟ فقال لها عليه الصلاة والسلام: (تصدقي). أمرها بالتحلي بالجود =

الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماء والترهيب من منعه

الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماء والترهيب من منعه 1 - عنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ (¬1) الإسلام خير؟ قال: تُطْعمُ الطعام، وتقرأ السَّلام (¬2) على منْ عرفتَ، ومنْ لم تعْرفْ. رواه البخاري ومسلم والنسائي. 2 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه: قال قُلْتُ يا رسول الله: إنِّي إذا رأيتك طابت نفْسي (¬3)، وقرَّتْ عيني، أنبئني عن كل شيء؟ قال: كلُّ شيء خُلق من الماء، فقلت: أخبرني بشيء إذا عمِلْتُهُ دخلت الجنَّة؟ قال: أطعم الطَّعام، وأفش السلام، وصلِ الأرْحام، وصل بالليل (¬4) والناس نيام تدخل الجنَّة بسلامٍ (¬5). رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 3 - وعنْ عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

= والميل إلى الكرم، وأن تسبق في ميدان المحامد والمكارم ليكون لها القدح المعلى في أعمال الخير، ونهاها أن تبخل، وحذرها أن تشح ليزيدها رزقها، ويكثر مالهما، ويسمو ذكرهما، فيفوزان بالنعيم المقيم، والحياة البعيدة من شوائب الكدر، ويتمتعان برضا المولى جل وعلا. قال تعالى. (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) 47 من سورة الكهف. (¬1) يستفهم عن أحسن الأعمال التي توصله إلى كمال الإسلام، فأجاب صلى الله عليه وسلم بائنين لأن حال السائل يقتضيهما: أ - الجود، وإطعام الفقراء، والتحلي بالكرم، وبذل الخير. ب - إفشاء السلام على الصغير والكبير والجليل والحقير والراكب والماشي من المسلمين. (¬2) أي تحيي بتحية الإسلام كل مسلم: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته). (¬3) انشرحت، وأصابها السرور، وفي النهاية (وفي حديث الاستسقاء): (لو رآك لقرت عينك) أي لسر بذلك وفرح، وحقيقته: أبرد الله دمعة عينيه لأن دمعة الفرح والسرور باردة، وقيل: معنى أقر الله عينك بلغك أمنيتك حتى ترضي نفسك وتسكن عينك، فلا تستشرف إلى غيره أهـ. (¬4) صلاة التهجد في السحر. (¬5) سبب دخول الجنة أربعة: أ - الكرم وبذل الطعام. ب - نشر السلام، وإذاعة التحية به. جـ - زيارة الأقارب ومودتهم والإحسان إليهم. د - والصلاة بالليل والناس قيام.

اعبدوا الرَّحمن، وأطْعموا الطَّعام، وأفْشوا السلام تدخلوا الجنَّة بسلامٍ. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. 4 - وعنهُ أيضاً رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ في الجنَّة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، فقال أبو مالكٍ الأشعريُّ: لمن هي يا رسول الله؟ قال: هي لمن أطاب (¬1) الكلام، وأطعم الطَّعام وبات قائما والنَّاس نيام. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 5 - وعنْ أبي مالكٍ الأشعريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ في الجنَّة غرقاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها أعدَّها الله تعالى لمنْ أطعم الطَّعام، وأفشي السَّلام، وصلي بالليل والنَّاس نيام. رواه ابن حبان في صحيحه. 6 - وعنْ حمزة بن صهيبٍ عن أبيه رضي الله عنه قال: قال عمر لصهيبٍ: فيك سرف في الطعام، فقال: إنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خياركمْ منْ أطعم الطَّعام. رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب، وفي إسناد عبد الله بن محمد ابن عقيل، ومن لا يحضرني الآن حاله. 7 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكفَّارات (¬2) إطعام الطَّعام، وإفشاء السَّلام، والصلاة بالليل والنَّاس نيام. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. (قال المملي) رضي الله عنه: كيف، عبد الله بن أبي حميد متروك. 8 - وعنْ عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه قال: أوَّل ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة انجفل النَّاس إليه فكُنْتُ فيمن جاءه، فلمَّا تأمَّلتُ وجههُ واستثبتُّه علمت أنَّ وجهه ليس بوجهِ كذَّابٍ. قال: وكان أوَّل ماه سمعت منْ كلامهِ أنْ قال: أيها النَّاس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلُّوا، وصلوا بالليل والناس نيام تداخلوا الجنَّة ¬

(¬1) أحسن فيه، واستعمل الأدب، واختار ألفاظه العذبة، وهش وبش. (¬2) مزيلات الذنوب.

بسلامٍ. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين. (انجفل الناس) بالجيم: أي أسرعوا، ومضوا كلهم. (استثبته): أي تحققته وتبينته، وتقدمت أحاديث من هذا الباب في الوضوء والصلاة وغيرهما، ويأتي أحاديث أخر في السلام وطلاقة الوجه إن شاء الله تعالى. 9 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: منْ موجباتِ (¬1) الرَّحمة إطعام المسلم المسكين. رواه الحاكم وصححه، والبيهقي متصلا ومرسلا من طريقه أيضاً إلا أنه قال: إنَّ من موجبات المغفرة إطعام المسلم السَّغبان، وقال: قال عبد الوهَّاب يعني: الجائع. ورواه أبو الشيخ في كتاب الثواب إلا أنه قال: إنَّ من موجبات الجنَّة: إطعام المسلم السَّغبان. (السغبان) بالسين المهملة، والغين المعجمة بعدهما باء موحدة. 10 - وعنْ عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله ليربِّي لأحدكم التَّمرة واللقمة كما يُربي أحدكمْ فلوَّه (¬2)، أوْ فصيله حتى يكون مثل أحدٍ. رواه ابن حبان في صحيحه، وتقدم هو وحديث أبي برزة أيضاً: إن العبد ليتصدَّق بالكسرةِ تربو عند الله عزَّ وجلَّ حتى تكون مثل أحدٍ. 11 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله عزَّ وجل ليدخل بُلقمة الخبز، وقبصة التمر ومثله مما ينفع المسكين ثلاثةً الجنَّة: الآمر به (¬3)، والزوجة المصلحة له، والخادم الذي يناول المسكين، وقال رسول الله ¬

(¬1) الأمور التي تسبب إحسان الله المنعم، ودوام فضله. (¬2) مهره، فيه الحث على البذل والجود بشيء وإن قل فإن الله يضاعف ثوابه، ويزيد في حسناته، وينميه كما ينمو المهر فيصير حصانا. سبحانه يبارك في الصدقة القليلة حتى يوازي ثوابها وزن جبل أحد. (¬3) الصدقة تسبب دخول ثلاثة الجنة. أ - صاحبها. ب - زوجه. جـ - الذي وصل الصدقة، والآمر به كذا د وع ص 319، وفي ن ط: الآمر له.

صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي لمْ ينْس حدمنا. رواه الطبران في الأوسط والحاكم وتقدم. (القبصة) بفتح القاف وضمها وبالصماد المهملة: هي ما يتناوله الآخذ برءوس أصابعه الثلاث. 12 - وعنْ أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعبَّد عابد من بني إسرائيل فعبد الله في صومعتهِ (¬1) ستِّين عاما، وأمطرت الأرض فاحضرَّتْ فأشرف (¬2) الرَّاهب من صومعتهِ فقال: لوْ نزلتُ فذكرت الله (¬3) فازددت خيرا، فنزل ومعه رغيف فبينما هو في الأرض لقيته امرأة، فلم يزلْ يكلِّمها وتكلِّمه حتى غشيها (¬4)، ثمَّ أغمى عليه فنزل الغدير (¬5) يستحمُّ (¬6)، فجاء سائل، فأوْمأ إليه (¬7) أن يأخذ الرَّغيفين، ثمَّ مات فوزنت عبادة ستين سنةً بتلك الزَّنْية (¬8) فرجحت الزَّنية بحسناته، ثمَّ وضع الرَّغيف، أو الرَّغيفان مع حسناتهِ فرجحتْ حسناته فغفر له. رواه ابن حبان في صحيحه. 13 - وعن البراء بن عازب قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علِّمني عملاً يدخلني الجنَّة؟ قال: إن كنتَ أقصرْتَ الخطبة لقدْ أعرضت المسألة أعتق النَّسمة (¬9)، وفكَّ الرَّقبة، فإنْ لمْ تطق ذلك فأطعم الجائع، واسقِ الظَّمآن (¬10) الحديث: رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي، ويأتي بتمامه في العتق إن شاء الله تعالى. 14 - وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ أطعمَ أخاه حتى يشبعه، وسقاه من الماء حتى يرويه باعده الله من النَّار سبع خنادق ما بين كلِّ خندقين (¬11) مسيرة خمسمائة عامٍ. رواه الطبراني في الكبير وأبو الشيخ ¬

(¬1) كذا ط وع, وفي ن د: صومعة. (¬2) اطلع. (¬3) في ن د: عز وجل سبحته وعظمته. (¬4) جامعها. (¬5) الغدير: القطعة من الماء يغادرها السيل: أي يجمع الماء فيها ثم يترك، وفي النهاية: وفيه بين يدي الساعة سنون غدارة يكثر المطر، ويقل النبات، هي فعالة من الغدر: أي تطعمهم في الخصب بالمطر ثم تخلف فجعل ذلك غدرانها أهـ. (¬6) يغتسل. (¬7) فأشار إليه. (¬8) الفاحشة. إن الله تعالى تفضل عليه بقبول صدقة الرغيف أو الرغيفين، وهنا طاشت السهام نحو كل شيء دون ما قبله الله، وكان سبب الغفران. وفيه الحث على التصدق، ولو بالقليل، والتفكير في حب الخير، والميل إلى الإحسان جزاء نعيم الله. (¬9) أطلق حرية العبد الرقيق، واجعله حرا يستنشق نعمي الإنسانية المطلقة من الأسر والذل. (¬10) العطشان. (¬11) كذا ط وع ص 320، وفي ن د: خندق، معناه يجعل الله =

ابن حبان في الثواب، والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 15 - وعنْ أنسٍ رضي اللهه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفْضلُ الصَّدقة أن تشبع كبداً جائعاً. رواه أبو الشيخ في الثواب والبيهقي، واللفظ له، والأصبهاني كلهم من رواية زربي مؤذن هشام عن أنس، ولفظ أبي الشيخ والأصبهاني قال: سمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منْ عملٍ أفضلُ منْ إشْباع كبدٍ جائعٍ. 16 - وعنْ أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّما مؤمنٍ أطعم مؤمناً على جوعٍ أطعمه الله يوم القيامة من ثمارِ الجنَّة، وأيُّما مؤمن سقي مؤمناً على ظمإ سقاه الله يوم القيامة من الرَّحيق المختوم (¬1)، وأيُّما مؤمنٍ كسا مُؤمناً على عرىٍ كساه الله يوم القيامة من حلل الجنَّة. رواه الترمذي، واللفظ له وأبو داود، ويأتي لفظه، وقال الترمذي: حديث غريب، وقد روي موقوفاً على أبي مسعود، ولفظه قال: يُحشر النَّاس يوم القيامة أعرْى ما كانوا قطُّ، وأجوع ما كانونا قطُّ، وأظمأ ما كانوا قطُّ، وأنصبَ ما كانوا قطُّ، فمن كسا لله عزَّ وجلَّ كساه الله عزَّ وجلَّ، ومن أطعم لله عزَّ وجلَّ أطعمه الله عزَّ وجلَّ، ومنْ سقى لله عزَّ وجلَّ سقاه الله عزَّ وجلَّ، ومنْ عمل لله أغناه الله، ومن عفا لله عزَّ وجلَّ أعفاه الله عزَّ وجلَّ. وروى مرفوعاً بهذا اللفظ. 17 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول يوم القيامة يا ابن آدم: مرضتُ (¬2) فلمْ تعدني. قال يا ربِّ: كيف أعودك، وأنت ربُّ العالمين؟ قال: أما علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنَّك لوْ عدته لوجدتني عنده (¬3). يا ابن آدم: اسْطْعمتكَ فلم تُطعمني. قال يا ربَّ: كيف أطعمكم، وأنت ربُّ العالمين؟ قال: أما علمتَ أنَّه اسْتطعمك عبدي. ¬

= مكانه في الجنة على مسافة طويلة بعيدة من النار تستغرق 500 سنة للمسافر. وفيه الترغيب في رد جوع الإنسان، وتقديم الطعام له لينجو من العذاب في الآخرة. (¬1) الرحيق من أسماء الخمر، يريد خمر الجنة، والمختوم: المصون الذي لم يبتذل لأجل ختامه. أهـ. نهاية. (¬2) أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى، والمراد العبد تشريفاً للعبد، وتقريبا له. (¬3) وجدت ثوابي وكرامتي، وفيه إشارة إلي أكثرية أجر العيادة إذ قال: وجدتني عنده، وهي فرض كفاية.

فلان فلمْ تُطْعِمهُ، أما علمت أنَّك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي (¬1). يا ابن آدم (¬2) اسْتسقيتك، فلم تسقني. قال يا رب: وكيف أسقيك، وأنت ربُّ العالمين. قال: استسقاك عبدي فلان فلمْ تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي. رواه مسلم. 18 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن أصبح منكمُ اليوم صائماً؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال: منْ أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ فقال (¬3) أبو بكر: أنا قال: من تبع منكم اليوم جنازةً (¬4) قال أبو بكرٍ: أنا، فقال من عاد (¬5) منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعت هذه الخصال قطُّ في رجل إلا دخل الجنَّة. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 19 - وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: إدخالك (¬6) السُّرور على مؤمنٍ أشبعْتَ جوْتهُ، أوْ كسوت عورته، أو قضيت له حاجةً. رواه الطبراني في الأوسط، ورواه أبو الشيخ في الثواب من حديث ابن عمر بنحوه. وفي روايةٍ له: أحبُّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ سرور تدخله على مسلمٍ أوْ تكشفُ عنه كرْبةً، أو تطرد عنه جوعاً، أو تقضي عنه ديناً. 20 - وروى عن معاذٍ بن جبل رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: من أطْعَمَ مؤمناً حتى يشبعه من صغبٍ أدخله الله باباً من أبواب الجنَّة لا يدخله إلا منْ كان مثله. رواه الطبراني في الكبير. ¬

(¬1) ثوابه تعالى. أهـ من مختار الإمام مسلم ص 437. (¬2) في ن د: ابن آدم. (¬3) في ن ط: قال. (¬4) ذهب مع ميت حتى يدفن. (¬5) زار مريضا. نبه صلى الله عليه وسلم على أمور أربعة توصلك إلى جنة الله، وتسبب غفرانه، وتجلب إحسانه: أ - صوم نفل الله. ب - إطعام الفقير. جـ - المشي على النعش لتشييع الجنازة للعظة والاعتبار. (¬6) في ن د: إدخال.

(السغب) بفتح السين المهملة المعجمة جميعا: هو الجوع. 21 - وروى عن جعفرٍ العبديِّ والحسن قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يُباهي ملائكته بالذين يطعمون (¬1) الطَّعام من عبيدهِ رواه أبو الشيخ في الثواب مرسلا. 22 - وروى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثٌ من كنَّ فيه نشر الله عليه كنفهُ، وأدخله جنَّته: رفْق (¬2) بالضَّعيف، وشفقه على الوالدين (¬3)، وإحسان إلى المملوك (¬4). وثلاث منْ كنَّ فيه أظلَّه (¬5) الله عزَّ وجلَّ تحت عرشه يوم لا ظلَّ إلا ظله: الوضوء في المكاره (¬6)، والمشي إلى المساجد في الظُّلم (¬7)، وإطعام الجائع. رواه الترمذي بالثلاث الأول فقط، وقال: حديث غريب. رواه الشيخ في الثواب، وأبو القاسم الأصبهاني بتهامه. 23 - وعنْ علي رضي الله عنه قال: لأن أجمع نفراً منْ إخواني على صاعٍ، أوْ صاعين من طعامٍ أحبُّ إليَّ من أن أدخل سوقكمْ فأشتري رقبة فأعتقها. رواه أبو الشيخ في الثواب موقوفاً عليه، وفي إسناده ليث بن أبي سليم. 24 - وروى عن الحسن بن علي رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: لأنْ أطعم أخالي في الله لُقْمة أحبُّ إليَّ من أن أتصدَّق على مسكين بدرهمٍ، ولأنْ أعطي أخالي في الله درهما أحبُّ إليِّ من أن أتصدَّق على مسكين بمائة درهم. رواه أبو الشيخ أيضاً فيه، ولعله موقوف كالذي قبله. 25 - وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنهُ عنْ نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) كذا نسخة دار الكتب، ولكن في ع وط: يطعمون، والمعنى ينفقون ويجودون بدليل قوله تعالى: (ويطعمون الطعام) أما يطعمون فلا معنى لها. (¬2) رأفة به. (¬3) إكرامهما والإحسان إليهما، والرفق بهما. (¬4) الخادم. (¬5) أدركه برحمته، وأدخله تحت ظله ورضوانه، وأبعده عن العذاب. (¬6) عند الشدائد، ومهام الأمور يلجأ العبد إلى ربه. (¬7) العتمة كالعشاء والصبح.

رجلان سلكا مفازة - صحراء (¬1) عابد، والآخر به رهق (¬2) فعطش العابد حتى سقط فجعل صاحبه ينظر إليه، وهو صريع - مغشي ومغمي عليه (¬3) فقال: والله إنْ مات هذا العبد الصَّالح عطشاً، ومعي ماء لا أصيب من الله خيراً أبداً (¬4)، ولئنْ سقيْتُه مائي لأموتنَّ فتوكَّل على الله وعزم فرشَّ عليه من مائه وسقاه فضله، فقام فقطع المفازة فيوقف الذي به رهق للحساب فيؤمر به إلى النَّار فتسوقه الملائكة فيرى العابد، فيقول: يا فلان أما تعرْفني فيقول: ومن أنت؟ فيقول: أنا فلان الذي آثرتك على نفسي (¬5) يوم المفازة، فيقول: بلى أعرفك، فيقول للملائكة: قفوا فيقفون فيجيء حتى يقف فيدعو ربَّه عزَّ وجلَّ فيقول يا ربِّ: قد عرفت يده (¬6) عندي، وكيف آثرني على نفسه. يا ربِّ: هبه لي فيقول: هو لك فيجيء فيأخذ بيد أخيه فيدخله الجنَّة، فقلت لأبي ظلالٍ: أحدَّثك أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعمْ. رواه الطبراني في الأوسط: وأبو ظلال اسمه هلال بن سويد، أو ابن أبي سويد وثقه البخاري، وابن حبان لا غير، ورواه البيهقي في الشعب عن أبي ظلال أيضاً عن أنس بنحوه، ثم قال: وهذا الإسناد إن كان غير قوي فله شاهد من حديث أنس، ثم روى بإسناد هـ من طريق علي بن أبي سارة، وهو متروك. 26 - وعنْ ثابتٍ البنانيِّ عنْ أنسٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ رجلاً منْ أهل الجنَّة يشرف (¬7) يوم القيامة على أهل النار، فيناديه رجل منْ ¬

(¬1) صحراء. (¬2) يخف إلى الشر ويغشاه، والرهق: السفه وغشيان المحارم (ومنه حديث أبي وائل) أنه صلى على امرأة كانت ترهق: أي تتهم بشر. وفلان مرهق: متهم بسوء وسفه أهـ. (¬3) مغشي ومغمي عليه. (¬4) اعتقد في ثواب الله، وأعطي حبا في سبحانه. (¬5) قدمت لك الماء إيثار على نفسي. (¬6) فضله ومعروفه. فيه الحث على سقى الماء وتقديم الخير له جل وعلا، وانتظار ثوابه، فهذا رجل شرير مجرم اتفق مشيه مع رجل صالح في فلاة فعمل صالحا، وآثره على نفسه لله فاستشفع فشفعه الله فيه، قد صادفته العناية الربانية بمصاحبته الرجل الصالح زمناً يسيراً، ففعل معه خيراً فرحمه الله وغفر له، فما بالك بصحبة الصالحين أزماناً؟ آخذ دليلا من هذاللتوسل بالصالحين ومحبتهم والسير معهم، والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم رجاء النجاة يوم الشدائد، وللبارودي رحمه الله: كرم الطبع شيمة الأمجاد ... وجفاء الأخلاق شأن الجهاد لن يسود الفتى ولو ملك الحكـ ... ـمة لما لم يكن من الأجواد ولعمي لرقة الطبع أولى ... من عناد يجر حرب الفساد (¬7) (يطلع).

أهلْ النَّار، فيقول يا فلان: هل تعْرفني؟ فيقول: لا، والله ما أعرفك من أنت؟ فيقول: أنا الذي مررتَ بي في الدُّنيا فاستسقيتني (¬1) شربةً من ماء فسقيتك؟ قال: قد عرفت، قال: فاشفع لي بها عند ربِّك. قال: فيسأل الله تعالى جلَّ ذكره، فيقول: إني أشرفت على النار فناداني رجل من أهلها، فقال لي هلْ تعرفني؟ قُلْتُ لا، والله ما أعرفك من أنت؟ قال: أنا الذي مررت بي في الدنيا فاستسقيتني شربةً من ماء فسقيتك، فاشفعْ لي عند ربك فشفِّعني (¬2) فيه فيشفعه الله فيأمر به، فيخرج من النار. رواه ابن ماجه، ولفظه قال: يُصفُّ الناس يوم القيامة صُفوفاً، ثمَّ يمرُّ أهل الجنَّة فيمرُّ الرَّجل على الرجل من أهل النار، فيوقل: يا فلان أما تذكر يوم استسقيت (¬3) فسقيتك شربةً. قال: فيشفع، ويمرُّ الرَّجل على الرَّجل فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهوراً فيشفع له، ويمرُّ الرَّجل على الرَّجل، فيقول: يا فلان أما تذكر يوم بعثتني لحاجة كذا وكذا فذهبتُ لك فيشفَعُ له. رواه الأصبهاني بنحو ابن ماجه. (قوله به رهق): بفتح الراء والهاء بعدهما قاف: أي غشيان للمحارم، وارتكاب للطغيان، والمفاسد. 27 - وعنْ كديرٍ الضَّبِّيِّ أنَّ رجلاً أعرابيًّا أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني بعملٍ يُقرِّبني من الجنَّة، ويباعدني من النَّار؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: أو هما أعملتاك؟ قال: نعمْ: تقول العدل (¬4)، وتُعطي الفضل (¬5). قال: والله لا استطيع أن أقول العدل كلَّ ساعةٍ، وما أستطيع أنْ أعطي الفضل. قال: فتطعم الطَّعام وتفشي السَّلام (¬6)؟ قال: هذه أيضاً شديدة. قال: فهل لك إبل؟ قال: نعمْ. قال: فانظر إلى بعير بعيرٍ منْ إبلك وسقاء، ثمَّ أعمدْ إلى أهل بيتٍ لا يشربون الماء إلا غبًّا (¬7) فاسقهم فلعلَّك لا يهلكُ بعيرك (¬8)، ولا ينخرق سقاؤك حتى تجب لك الجنَّة. قال: ¬

(¬1) طلبت. (¬2) في ن د: يا رب. كذا ع ص 323. (¬3) في رواية: استسقيني. (¬4) تنطلق بالحق. (¬5) تتصدق بما زاد عن حاجتك، وحاجة أهلك. قال تعالى: (ويسألونك ماذا ينفقون؟ قل العفو): أي الفاضل. (¬6) تكثر منه. (¬7) قليلا زمنا بعد زمن. (¬8) ينفق ويموت.

فانطلق الأعرابي يكبِّر (¬1) فما انخرق سقاؤه، ولا هلك بعيره حتى قُتل شهيداً. رواه الطبراني والبيهقي، ورواه الطبراني إلى كدير رواة الصحيح، ورواه ابن خزيمة في صحيحه باختصار، وقال: لست أقف على سماع أبي إسحاق هذا الخبر من كدير. (قال الحافظ): قد سمعه أبو إسحاق من كدير، ولكن الحديث مرسل. وقد توهم. ابن خزيمة أن لكدير صحبة، فأخرج حديثه في صحيحه، وإنما هو تابعي شيعي تكلم فيه البخاري والنسائي، وقوّاه أبو حاتم وغيره، وقد عده جماعة من الصحابة وهماً منهم ولا يصح، والله أعلم. (أعملتاك) أي بعثتاك واستعملتاك وحملتاك على الإتيان والسؤال، وقوله: لا يشربون الماء إلا غبًّا. بكسر الغين المعجمة، وتشديد الباء الموحدة: أي يوما دون يوم. 28 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: ما عمل إن عملت به دخلت الجنَّة؟ قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل فقال: ما عمل إنْ عملتُ به دخلت الجنَّة؟ قال: أنت ببلدٍ يُجْلبُ به الماء؟ قال: نعمْ. قال: فاشتر بها سقاء جديداً، ثمَّ اسق فيها حتى تخرِّقها، فإنَّك لن تخرقها حتى تبلغ بها عمل الجنَّة. رواه الطبراني في الكبير، ورواة إسناد ثقات إلا يحيى الحماني. 29 - وعنْ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي أنزع (¬2) في حوض حتى إذا ملأته لإبلي ورد (¬3) عليَّ البعيرُ لغيري فسيته فهل في ذلك من أجرٍ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ في كل ذات كبدٍ (¬4) أجراً. رواه أحمد، ورواته ثقات مشهورون. 30 - وعن محمود بن الرَّبيع أنَّ سراقة بن جُعشمٍ. قال يا رسول الله صلى الله: الضَّالَّة ترد على حوضي فهل لي فيها من أجرٍ إن سقيتها. قال: اسقها، فإنَّ في كلِّ ذات كبدٍ حرَّاء أجراً. رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه ابن ماجه والبيهقي، كلاهما عن عبد الرحمن ابن مالك بن جعشم عن أبيه عن عمه سراقة بن جعشم رضي الله عنه. 31 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) يقول: الله أكبر مسرورا من هذه الأقوال العذبة السهلة التي تجلب رضا الله سبحانه وتعالى، وهي: سقى الماء. (¬2) بفتح الزاي وكسرها: أي أقاسي شدائد ملئه وأتعب. (¬3) كذا ط وع ص 324، وفي ن د: ويرد: حراء، أي تنال ثوابا. (¬4) وفي ن د: حراء, أي تنال ثوابا.

بينما رجُلٌ يمشي بطريق اشتدَّ عليه الحرُّ فوجد بئراً، فنزل فيها فشرب، ثمَّ خرج، فإذا كلبٌ يلهث (¬1) يأكل الثَّرى (¬2) من العطش، فقال الرَّجل: لقد بلغ لهذا الكلب من العطش مثل الذي كان منِّي (¬3)، فنزل البئر فملأ خُفَّه (¬4) ماء، ثمَّ أمْسكه بفيه (¬5) حتى رقى (¬6) فسقى الكلب فشكر الله له (¬7)، فغفر له. قالوا: يا رسول الله إنَّ لنا في البهائم (¬8) أجْراً، فقال في كلِّ كبدٍ رطبةٍ (¬9) أجر. رواه مالك والبخاري ومسلم، وأبو داود وابن حبان في صحيحان إلا أنه قال: فشكر الله له فأدخله الجنَّة. 32 - وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبْع تجرى للعبد بعد موتهِ وهو في قبْرهِ: منْ علَّم علماً، أو كرى نهراً، أوْ حفرَ بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد ¬

(¬1) يخرج لسانه من شدة العطش. (¬2) التراب الندى. (¬3) كان مني: كذا د وع, وفي ن ط: كان بلغ مني. (بهذه المناسبة نريد عدداً بخارية مائية في محاط الحجاج) أيها الأغنياء المسلمون هل ذهبتم إلى الأماكن المقدسة لزيارة بيت الله الحرام، وقبر نبيه عليه الصلاة والسلام لتجودوا بأموالكم في إنشاء آبار للمسلمين يشربون منها، ويزيلون الظمأ، وهذا السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم يحث على سقي الماء ويبين فضل ثوابه، وقد علمتم حسن خاتمة رجل فاسق عاهر فغفر الله له جزاء سقف فضلة مائة لعبد صالح قابله في صحراء. واحسرتا، ورد ملايين من المسلمين إلى الآن، ولم أر عدداً بخارية، (ومكنات ار توازية) تجلب الماء جلباً كل بقعة، وتكثره إكثارا، وتزيد في نضارة هذه الجهة وبهائها ورونقها فيشرب الإنسان والحيوان والنبات: تسقط الطير حيث ينتشر السحب وتغشي منازل الكرماء. (¬4) حذاءه. (¬5) بفمه (¬6) صعد. (¬7) قبل منه حسن عمله. (¬8) أي هل في الإحسان إلى البهائم ثواب، فأجاب صلى الله عليه وسلم بأن في الإحسان إلى كل حي ثوابا جليلا سواء أكان إنسانا أم حيوانا. وفيه الدعوة الى الشفقة على أنواع الحيوان باطعامها وسقيها وعدم إيذائها، ولا يلعب الأطفال بصغيرها، وتخفيف الحمل عليها: ومداواتها إذا مرضت، وهذا إنما يكون للحيوان النافع، أما الضار المؤذي، فلا يستحق شفقة ولا رحمة. فانظر رعاك الله سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤسس جمعيات للرفق بالحيوان، ويحث على الرحمة به والرأفة، وجاءت بعده الأمم الراقية، فاحتذوا حذوه بعاطفة الإحسان الفطرية، وأنشأت جمعيات الرفق لتداوي مرضاه، وتقدم من يقسو عليه للمحاكمة والعقوبة. هذا وأطلب اليوم شدة عنايتها بالحيوان المسكين، والضرب على أيدي القساه الظلمة، واستعمال العدل، واتباع الحق في نظمها، والعمل بقوله صلى الله عليه وسلم: (إن من لا يَرحم لا يُرحم). (¬9) كل حيوان حي.

موتهِ. رواه البزار، وأبو نعيم في الحلية، وقال: هذا حديث غريب من حديث قتادة تفرد به أبو نعيم عن العزرمي. (قال الحافظ): تقدم أن ابن ماجه رواه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن لكن لم يذاكر ابن ماجه: غرْس النَّخل، ولا حفر البئرِ، وذكر موضعهما الصَّدقة، وبيْتَ ابن السَّبيل. ورواه ابن خزيمة في صحيحه لم يذكر فيه المصحف وقال: أو نهْراً أكراه. يعني حفره. 32 - وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ليْس صدقة أعظم أجراً من ماء (¬1). رواه البيهقي. 34 - وعنْ أنس رضي الله عنه أنَّ سعْداً أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إنَّ أمِّي توُفيتْ، ولمْ توصِ أفينفعها أنْ أتصدَّق عنها؟ قال: نعمْ، وعليكَ بالماء (¬2). رواه الطبراني في الأوسط، ورواته محتجّ بهم في الصحيح. 35 - وعنْ سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: قُلتُ: يا رسول الله إنَّ أمِّي ماتتْ، فأيُّ الصَّدقة أفضل؟ قال: الماء فحفر بئراً (¬3) وقال: هذه لأمِّ سعدٍ. رواه أبو داود، واللفظ له، وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: إن صح الخبر، وابن حبان في صحيحه، ولفظه: قلت يا رسول الله: أيُّ الصَّدقة أفضل؟ قال: سقي الماء. والحاكم بنحو ابن حبان، وقال: صحيح على شرطهما. (قال المملي الحافظ) رحمه الله: بل هو منقطع الإسناد عند الكل فإنهم كلَّهم رووه عن سعيد بن المسيب عن سعد ولم يدركه، فإن سعداً توفى بالشام سنة خمس عشرة، وقيل: سنة أربع عشرة، ومولد سعيد بن المسيب سنة خمس عشرة، ورواه أبو داود أيضاً، والنسائي وغيرهما عن الحسن البصري عن سعد، ولم يدركه أيضاً، فإن مولد الحسن سنة إحدى وعشرين ¬

(¬1) من سقى شربة ماء. (¬2) ابذل كهدك في سقى الماء للانسان والحيوان. (¬3) رغب صلى الله عليه وسلم في إيجاد الآباء للمسلمين ليشربوا فيدوم الثواب، ويزداد الأجر، فهل للمسلمين أن يشتروا عددا بخارية ويركبوها لجلب الماء للحجاج وزوار الرسول صلى الله عليه وسلم. قال النووي: فيه الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم، وهو ما لا يؤمر بقتله كالكلب العقور والمرتد. والفواسق، والكافر الحربي ص 331 مختار الإمام مسلم.

ورواه أبو داود أيضاً وغيره عن أبي إسحاق السبيعي عن رجل عن سعد، والله أعلم. 36 - وعن جابرٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: من حفرَ ماء لمْ تشربْ منهُ كبد حرَّى (¬1) من جنٍ ولا إنسٍ ولا طائرٍ إلا آجره الله يوم القيامة رواه البخاري في تاريخه، وابن خزيمة في صحيحه. 37 - وعنْ عليِّ بن الحسن بن شقيقٍ قال: سمعت ابن المبارك، وسأله رجلٌ: يا أبا عبد الرَّحمن: قرْحة (¬2) خرجتْ في (¬3) رُكبتي منذ سبع سنين، وقد عالجتُ بأنواع العلاج، وسألتُ الأطبَّاء فلم أنتفعْ به؟ قال: اذهب فانظرْ موضعاً يحتاج النَّاس الماء فاحفر هناك بئراً فإني أرجو أن تنبع هناك عين، ويمسك عنك الدَّم، ففعل الرَّجل فبرأ (¬4). رواه البيهقي، وقال: وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله رحمه الله: فإنه قرح وجههُ بأنواع المعالجة فلمْ يذْهب، وبقي فيه قريباً من سنةٍ فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصَّابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة، فدعا له وأكثر النَّاس التأمين، فلمَّا كان يوم الجمعة الأخرى ألقت امرأة في المجلس رقعة بأنها عادت إلى بيتها، واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة، فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنَّه يقول لها: قولى لأبي عبد الله يوسِّع الماء على المسلمين، فجئْت بالرُّقعة إلى الحاكم فأمر بسقايةٍ (¬5) بنيت على باب داره وحين فرغوا منْ بنائها ¬

(¬1) حرى كذا ع ص 325, وفي ن ط حراء، وفي النهاية الحرى فعلى من الحر، وهي تأنيث حران، وهما للمبالغة، يريد أنها لشدة حرها قد عطشت ويبست من الع طش، والمعنى أن في سقى كل ذي كبد حرى أجرا وقيل أراد بالكيد الحرى حياة صاحبها لأنه إنما تكون كبده حري إذا كان فيه حياة. يعني في سقي كل ذي روح من الحيوان ويشهد له ما جاء في الحديث الآخر (في كل كبد حارة أجر) أهـ ص 215 وفيه طالب الرأفة بالحيوان، والشفقة عليه، وتقديم الماء له ليشرب، ويزيل ظمأه وليكسب الفاعل ثواب الله تعالى. (¬2) جرح طال فتح موضعه يرشح ويؤلم. (¬3) كذا دع وع، وفي ن ط: من. (¬4) شفاه الله وجف. أرشده إلى انشاء عمل بر دائم يسبب له الدعوات الصالحة لعل الله ينظر إليه نظر رحمة وشفاء، وقد كان جاء إلى جهة قفرة لا ماء فيها يروي الناس فحفر بئرا عامة يشرب منها الإنسان والحيوان والنبات، فتكرم الله جل وعلا بإزالة ألمه وشفاء دمله - وفيه الحث على إنشاء الآبار والمشافي والملاجئ والمصانع والمعامل وكل أعمال تجلب الخير، وتسهل أسباب الرزق، وتفتح أشغالا للعاطلين، وتزويل الشرع عن الآمنين. (¬5) إناء يشرب فيه، ولعله زير أو ما يشبه أو مضخة. فيه أن عمل الخيرات العامة في طريق المسلمين يسبب طول العمر، ونضارة الصحة، ويجلب بهجة الحياة، ورخاء العيش، وهناءة البال، وراحة الضمير، وزيادة الرزق =

فصل في الترهيب من منع الماء والملح والنار

أمر بصبِّ الماء فيها، وطرحِ الجمدِ في الماء، وأخذ النَّاس في الشُّرب، فما مرَّ عليهِ أسبوع حتى ظهر الشِّفاء، وما زالت تلك القروح، وعاد وجهه إلى أحسن ما كان، وعاش بعد ذلك سنين. (فصل) 38 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلِّمهم الله (¬1) يوم القيامة، ولا ينظر إليهمْ (¬2)، ولا يزكِّيهم (¬3)، ولهمْ عذابٌ أليم (¬4): رجل على فضل ماءٍ (¬5) بفلاةٍ يمنعهُ ابن السَّبيل (¬6). زاد في روايةٍ: يقول الله له: اليوم أمنعكَ فضلي (¬7) كما منعت فضْلَ ما لمْ تعْمل يداك (¬8)، الحديث. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ويأتي بتمامه إن شاء الله تعالى. 39 - وعن امرأةٍ يُقال لها بهيْسةُ عنْ أبيها قالت: استأذن أبي النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فدخل بينهُ وبين قميصهِ فجعل يُقبِّل ويلتزم، ثمَّ قال: يا نبيَّ الله ما الشَّيء الذي لا يحلُّ منعه؟ قال: الماء. قال: يا نبيَّ الله ما الشَّيء الذي لا يحلُّ منعهُ؟ قال: الملحُ قال: يا نبيَّ الله ما الشَّيء الذي لا يحلُّ منعه؟ قال: أنْ تفعل الخير خير لك. رواه أبو داود. 40 - وعنْ رجلٍ من المهاجرين منْ أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: غزوْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً أسمعهُ يقول: المسلمون شركاء في ثلاثٍ: في الكلإ، والماء، والنار. رواه أبو داود. 41 - وروي عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالتْ: يا رسول الله ما الشيء الذي ¬

= والكسب، وهذا مجرب. لعمري رأيت صالحين عمروا الطرق بسقاية أو ظلة، فسهل الله لهم أرزاقهم وأثابهم وبارك في نسلهم. (¬1) لا يكرمهم بطيب القول. (¬2) ولا ينظر إليهم نظر رحمة. (¬3) ولا يطهرهم من الأدناس والأرجاس. (¬4) مؤلم: أي جهنم. (¬5) ماء زائد عن حاجته وحاجة أهله. (¬6) ماء زائد عن حاجته وحاجة أهله. (¬7) رحمتي ونعيمي. (¬8) الماء يرسله الله سبحانه وتعالى رحمة لعباده. قال تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم) 24 من سورة النازعات.

الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له، وما جاء فيمن لم يشكر ما أولى إليه

لا يحلُّ منْعُه؟ قال: الماء، والملحُ، والنَّارُ. قُلْتُ يا رسول الله هذا الماء، وقدْ عرفناه، فما بال الملحِ والنَّار؟ قال يا حُميراء. منْ أعطى ناراً فكأنما تصدَّق بجميع ما أنضجتْ تلك النار، ومن أعطى ملحاً فكأنما تصدق بجميع ما طيَّبتْ تلك الملح، ومنْ سقى مُسلما شرْبة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبةً، ومن سقى مسلما شربةً من ماء حيث لا يوجد الماء فكأنما أحياها. رواه ابن ماجه. 42 - وروي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والمسلمون شركاء في ثلاثٍ: في الماء والكلإ (¬1)، والنار، وثمنه حرامٌ. قال أبو سعيدٍ يعني: الماء الجاري. رواه ابن ماجه أيضاً. (الكلأ) بفتح الكاف واللام بعدهما همزة غير ممدودة: هو العشب رطبة ويابسه. (الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له) وما جاء فيمن لم يشكر ما أولى إليه 1 - عنْ عبد الله بن عمرو ورضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكمْ بالله فأعطوه، ومن استجارَ بالله فأجيروه ومنْ أتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعْلموا أن قدْ كافأتموه (¬2). رواه أبو داود والنسائي، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، ورواه الطبراني في الأوسط مختصرا قال: من اصْطَنَعَ إليكم معروفاً فجازوه (¬3)، فإنْ عجزْتم عن مجازاته فادعوا له حتى تعْلموا (¬4) أن قدْ شكرتمْ، فإنَّ الله شاكر يُحبُّ الشَّاكرين. 2 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: من أعطى عطاءً ¬

(¬1) النبات الأخضر. قال النووي: فيه جواز بيع فضل الماء إذا وجد كلأ يسقي من بئر مثلا, وماؤه زائد عن حاجته, فيحرم على صاحب البئر منع فضل هذا الماء ليسقي هذا الكلأ الذي ترعاه الماشية لأنه إذا منع بذله امتنع الناس من رعى ذلك الكلأ خوفا على مواشيهم من العطش. أهـ ص 178 مختاى الإمام مسلم. (¬2) أن قد كافأ كذا ع ص 327, وفي ن د: أنكم كافأتموه أي جازيتموه. (¬3) أحسنوا إليه. (¬4) في ن د تعلموا قد.

فوجد فليجزِ به (¬1)، فإنْ لمْ يجدْ فَليُثْنِ، فإنْ من أثنى فقد شكر، ومنْ كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يعْط كا ن كلابس ثوبيْ زورٍ. رواه الترمذي عن أبي الزبير عنه، وقال: حديث حسن غريب، ورواه أبو داود عن رجل عن جابر، وقال: هو شرحبيل ابن سعد، ورواه ابن حبان في صحيحه عن شرحبيل عنه، ولفظه: منْ أولى معروفاً فلمْ يجد له جزاءً إلا الثَّناء فقد شكره، ومنْ كتمهُ فقدْ كفرهُ ومن تحلَّى بباطلٍ فهو كلابس ثوبيْ زورٍ. (قال الحافظ) وشرحبيل بن سعد تأتي ترجمته. وفي رواية جيدة لأبي داود: منْ أبلى فذكره فقد شكره، ومنْ كتمهُ فقد كفرهُ. (قوله) من أبلى: أي من أنعم عليه، والإبلاء: الإنعام. 3 - وعنْ أسامة بن زيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صنعَ إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد أبْلغ في الثَّناء. وفي روايةٍ: من أولى معروفاً، أو أسدى (¬2) إليه معروفٌ، فقال للَّذي أسْداهُ: جزاك الله خيراً (¬3)، فقد أبْلغ في الثَّناء. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. (قال الحافظ): وقد أسقط من بعض نسخ الترمذي، ورواه الطبراني في الصغير مختصراً: إذا قال الرَّجل جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء. 4 - وعن الأشْعَث بن قيسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أشكر النَّاس لله تبارك وتعالى أشكرهم للنَّاس. وفي روايةٍ: لا يشكر الله من لا يشكر النَّاس (¬4). رواه أحمد ورواته ثقات، ورواه الطبراني من حديث أسامة بن زيد بنحو الأولى. ¬

(¬1) يسر الله له الخير، وأوجد عنده النعم فليهد وليتكرم بالبذل. (¬2) أعطى: في النهاية: أسدى وأولى وأعطى بمعنى، يقال: أسديت إليه معروفاً: أسدى إسداء أهـ. (¬3) دعاء بمعنى أثابك الله، وحسبك أنه تعالى المكافئ الوهاب المعطي. (¬4) أي لا يحمد الجاحد المنكر الله تعالى لأن الإقرار بالفضل يدل على الإيمان بالله، والثناء عليه أنه الرب المنعم الفاعل في الحقيقة الوهاب، فإنكار معروف العبد للعبد دليل على الإلحاد وعدم شكر الخالق المنعم جل جلاله وفيه الدعوة إلى الشكر والثناء، والاعتراف بالجميل، والإقرار بفضل المهدي.

5 - وعنْ عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أتى إليه معروفٌ فليكافئ به، ومنْ لمْ يستطعْ فليذكره، فإنَّ من ذكره فقد شكره ومنْ تشبَّع بما لمْ يعْط فهو كلابس ثوبيْ زُورٍ. رواه أحمد، ورواته ثقات إلا صالح ابن أبي الأخضر. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يشكر الله منْ لا يشكر النَّاس. رواه أبو داود والترمذي، وقال: صحيح. (قال الحافظ): روى هذا الحديث برفع الله، وبرفع الناس، ورُوي أيضاً بنصبها، وبرفع الله ونصب الناس، وعكسه، أربع روايات. 7 - ورُوي عنْ طلحةً، يعْني ابن عبيد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ أولى معْروفاً فلْيذكرهُ، فمنْ ذكره فقدْ شكرهُ، ومنْ كتمهُ فقد كفره. رواه الطبراني، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث عائشة رضي الله عنها. 8 - وعن النُّعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ لمْ يشكُرِ القليل لم يشكُرِ الكثير، ومنْ لمْ يشكرِ النَّاس لم يشكر الله، والتَّحدثُ (¬1) بنعمة الله شكر، وترْكها كفر، والجماعة رحمةٌ (¬2)، والفرقة عذاب. رواه عبد الله بن أحمد في زوائده لا بأس به، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب اصطناع المعروف باختصار. 9 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال الهاجرون: يا رسول الله ذهب الأنصارُ ¬

(¬1) ذكرها على سبيل الحمد والثناء. قال تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) 7 من سورة إبراهيم. (¬2) الاتحاد نعمة، والاختلاف خراب ودمار، وفي غريب القرآن: الشكر تصور النعمة وإظهارها. قيل: وهي مقلوب عن الكشر: أي الكشف، ويضاده الكفر، وهو نسيان النعمة وسترها. والشكر ثلاثة أضراب: شكر القلب، وهو تصور النعمة، وشكر اللسان، وهو الثناء على المنعم، وشكر سائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه أهـ. قال تعالى: (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) وأثنى سبحانه وتعالى على سيدنا إبراهيم. أ - (شاكرا لأنعمه). ب - وعلى سيدنا نوح (إنه كان تعبدا شكورا) والله تعالى شكور: أي منعم على عباده.

كتاب الصوم

بالأجر كلِّه ما رأينا قوماً أحسن بذلاً (¬1) لكثيرٍ، ولا أحسن مواساةً (¬2) في قليل منهمْ ولقدْ كفونا المؤنة (¬3). قال: أليس تثنون عليهم به، وتدعون لهمْ؟ قالوا: بلى. قال: فذاك بذاك. رواه أبو داود والنسائي واللفظ له. (كتاب الصوم) الترغيب في الصوم مطلقاً وما جاء في فضله، وفضل دعاء الصائم 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عزًّ وجلَّ: كلُّ عمل ابن آدم له، إلا الصَّوم (¬4) فإنَّه لي، وأنا أجزي به، والصِّيام جنة (¬5)، فإذا كان يوم صومِ أحدكمْ فلا يرفث (¬6)، ¬

(¬1) عطاء. (¬2) صلة ومساعدة. (¬3) الحاجة، ومنه: (واس بين الناس في عدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك). (¬4) قال النووي: اختلف العلماء في معناه مع كون جميع الطاعات لله تعالى، فقيل سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد أحد غير الله تعالى به فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبودا لهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك، وقيل لأن الصوم بعيد عن الرياءة لخفائه، بخلاف الصلاة والحج والغزو والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة، وقيل: لأنه ليس للصائم بما يتعلق بهذه الصفة وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء، وقيل: معناه أنا المنفرد بعلم مقدار ثوابه، أو تضعيف حسناته، وغيره من العبادات أظهر سبحانه بعض مخلوقاته على مقدار ثوابها، وقيل: هي إضافة تشريف كقوله تعالى: (ناقة الله) مع أن العالم كله لله تعالى، وفي هذا الحديث بيان عظم فضل الصوم والحث عليه. وقوله تعالى: (أنا أجزي به) بيان لعظم فضله، وكثرة ثوابه لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء، وسعة العطاء أهـ ص 29 جـ 8. (فانه لي) أي الصوم أنا أعلم به، وأنا الذي أحيط بنيات العبد وأعماله، وأنا الذي أعرف مدى إخلاصه فيمكن للانسان أن يفطر مستترا في عقر داره ولا يعلمه إلا الله تعالى المحيط بحركات العبد وسكناته. (¬5) وقاية وحصن من الوقوع في المعاصي بمعنى أنه أدعى إلى التوبة والطاعة والانقياد إلى ما يرضي الله تعالى. وقال النووي: هو بضم الجيم، ومعناه ستر ومانع من الرفث والآثام، ومانع أيضا من النار ومنه المجن وهو الترس، ومنه الجن لاستتارهم أهـ. (¬6) قال القاضي: ورواه الطبري ولا يسخر، قال: ومعناه صحيح لأن السخرية تكون بالقول والفعل، وكله من الجهل، ومعنى ولا يرفث: ولا يفحش في القول، وفي الغريب: الرفث كلام متضمن لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع ودواعيه وجعل كناية عن الجميع في قوله تعالى: (أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم). =

ولا يخْصب (¬1). فإنْ سابَّهُ أحد، أوْ قاتله فليقلْ: إني صائمٌ (¬2) إنِّي صائم، والذي نفسُ محمدٍ بيده لخلوفُ فم الصَّائم (¬3) أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتانِ (¬4) يفرحُهما: إذا أفْطر فرح بفطرهِ، ورذا لقي ربَّه فرح بصومهِ رواه البخاري، واللفظ له، ومسلم. 2 - وفي رواية للبخاري: يَتْرُكُ طعامهُ وشرابهُ وشهوته (¬5) من أجلى (¬6)، الصِّيام لي وأنا أجْزي به، والحسنة بعشرِ أمثالها. ¬

= تنبيها على جواز دعائهن إلى ذلك، ومكالمتهن فيه، وقوله: (فلا رفث ولا فسوق) يحتمل أن يكون نهيا عن تعاطي الجماع، وأن يكون نهيا عن الحديث في ذلك إذ هو من دواعيه، والأول أصح أهـ ص 199. (¬1) ولا يصيح، وفي مسلم: ولا يسخب بالسين. (¬2) أي ممسك عن الدنايا خائف من ربي أن يبطل صومي، وفيه دع للنفس، وطلب تحليها بالكمالات والفضائل وتخليها من الرذائل، وطمأنينة القلب لثواب الله تعالى، وقدوة حسنة في التقوى. (¬3) تغير رائحة الفم. قال النووي: وأما معنى الحديث فقال القاضي قال المازري: هذا مجاز واستعارة لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل إلى شيء فتستطيبه، وتنفر من شيء فتستقذره، والله تعالى متقدس من ذلك، لكن جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا، فاستعير ذلك في الصوم لتقريبه من الله تعالى. قال القاضي: وقيل: يجازيه الله تعالى به في الآخرة، فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما أن دم الشهيد يكون ريحه ريح المسك، وقيل: يحصل لصاحبه من الثواب أكثر مما يحصل لصاحب المسك، وقيل: رائحته عند ملائكة الله تعالى أطيب من رائحة المسك عندنا وإن كانت رائحة الخاوف عند خلافه، والأصح ما قاله الداوري من المغاربة، وقال من قال من أصحابنا: إن الخلوف أكثر ثوابا من المسك حيث ندب إليه في الجمع، والأعياد، ومجالس الحديث والذكر، وسائر مجامع الخير، واحتج أصحابنا بهذا الحديث على كراهة السواك للصائم بعد الزوال لأنه يزيل الخلوف الذي هو صفته وفضيلته، وإن كان السواك فيه فضل أيضا أهـ ص 30 جـ 8. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى الصائم أن يفحش في الكلام، ويقول البذيء: اللفظ الدنيء الساقط ولا يدنس صومه بألفاظ قبيحة. (¬4) عند إفطاره: أ - يستبشر بالرضا وإزالة الجوع. ب - استبشاره يوم القيامة بزيادة الأجر، وواسع النعيم. قال النووي: قال العلماء: أمر فرحته عند لقاء ربه فيما يراه من جزائه، وتذكر نعمة الله تعالى عليه بتوفيقه لذلك، وأما عند فطره فسببها تمام عبادته وسلامتها من المفسدات وما يرجوه من ثوابها أهـ ص 32 جـ 8. (¬5) أي شهوة الجماع، ويدل لذلك حديث ان خزيمة: (ويدع زوجته من أجل)، وأصرح منه رواية (من الطعام والشراب والجماع) أهـ ص 144 ة 2 شرقاوي. (¬6) أي من بين سائر الأعمال، أي ليس للصائم فيه حظ، أو لم يتعبد به أحد غيري، أو هو سر بيني وبين عبدي يفعله خالصا لوجهي، أو أن صفتي الصمدانية، وهي التنزه عن الغذاء، والصوم فيه نوع يوافقها لأن الصائم لا يأكل ولا يشرب فتخلق باسم الصمد أهـ شرقاوي علي الزبيدي. وأدنى درجات الصوم: أ - الاقتصار على الكف من المفطرات. ب - وأوسطها أن يضم إليه كف الجوارح من الجرائم. جـ - وأعلاها أن يضم إليها كف القلب عن الوساوس.

3 - وفي رواية لمسلم: كلُّ عمل ابن آدم يُضاعف الحسنة بعشرِ أمثالها إلى سبعمائةِ ضعف. قال الله تعالى: إلا الصَّوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه منْ أجلي، للصَّائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاءِ ربِّه، ولخلوف فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك. 4 - وفي أخرى له أيضاً ولابن خزيمة: وإذا لقي الله عزَّ وجلَّ فجزاه فرح، الحديث. رواه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي بمعناه مع اختلاف بينهم في الألفاظ. 5 - وفي رواية للترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ ربكم يقول: كلُّ حسنةٍ بعشر أمثالها إلى سبعمائةِ ضعفٍ، والصَّوم لي وأنا أجزي به، والصَّومُ جنَّة من النار، ولخلوف فم الصَّائم أطيب عند الله من ريح المسك، وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم، فليقلْ: إني صائم إنِّي صائم. 6 - وفي رواية لابن خزيمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني قال الله عزَّ وجلَّ: كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصَّوم فهو لي وأنا أجزي به، الصِّيام جُنة، والذي نفس محمدٍ بيده: لخلوف فم الصَّائم أطيب عند الله يوم القيامة منْ ريح الملك. للصائم فرحتان: إذا أفطر بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومهِ. 7 - وفي أخرى له قال: كلٌّ عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائةِ ضعفٍ. قال الله: إلا الصَّوم فهو لي وأنا أجزي به، يدعُ الطعام من أجلي، ويدع الشَّراب من أجلي، ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتانِ: فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه. (الرفث) بفتح الراء والفاء: يطلق، ويراد به الجماع، ويطلق ويراد به الفحش، ويطلق ويراد به خطاب الرجل والمرأة فيما يتعلق بالجماع. وقال كثير من العلماء: إن المراد به في هذا الحديث الفحش، وردئ الكلام. (والجنة) بضم الجيم: هو ما يجُنك. أي يسترك ويقيك مما تخاف، ومعنى الحديث: إن الصوم يستر صاحبه، ويحفظه من الوقوع في المعاصي.

(والخلوف) بفتح الخاء المعجمة، وضم اللام: هو تغير رائحة الفم من الصوم. وسئل سفيان بن عينة عن قوله تعالى: كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنَّه لي، فقال: إذا كان يوم القيامة يُحاسب الله عزَّ وجلَّ عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله حتى لا يبقى إلا الصوم فيتحمل الله ما بقي عليه من المظالم، ويدخله بالصوم الجنَّة، هذا كلامه، وهو غريب، وفي معنى هذه اللفظة أوجه كثيرة ليس هذا موضع استيفائها. وتقدم حديث الحارث الأشعري، فيه: وآمركم بالصيام، ومثل ذلك كمثل رجلٍ في عصابةٍ معه صرَّة مسكٍ كلهمْ يحبُّ أن يجد ريحها، وإنَّ الصيام أطيب عند الله من ريح المسك، الحديث. رواه الترمذي وصححه إلا أنه قال: وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وابن خزيمة في صحيحه، واللفظ له، وابن حبان والحاكم، وتقدم بتمامه في الالتفات في الصلاة. 8 - وروي عنْ ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأعمال عند الله عزَّ وجلَّ سبع: عملان موجبان، وعملان بأمثالهما، وعمل بعشر أمثاله، وعمل بسبعمائةٍ، وعمل لا يعلم ثواب عاملهِ إلا الله عزَّ وجلَّ، فأمَّا الموجبان: فمن لقي الله يعبده مخلصاً لا يشرك به شيئاً وجبت له الجنَّة، ومن لقي الله قد أشرك به وجبت له النار، ومن عمل سيئةً جزي بها، ومن أراد أن يعمل حسنةً فلم يعملها جزي مثلها، ومنْ عمل حسنة جزي عشرا، ومن أنفق ماله في سبيل الله ضُعِّفت له نفقته: الدِّرْهم بسبعمائةٍ، والدينار بسبعمائةٍ، والصيام لله عزَّ وجلَّ لا يعلم ثواب عامله إلا الله عزَّ وجلَّ. رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي، وهو في صحيح ابن حبان من حديث حريم بن فاتك بنحو لم يذكر فيه الصوم. 9 - وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ

في الجنَّة باباً يقال له الرَّيان (¬1) يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منهُ أحد غيرهمْ فإذا دخلوا أغلق فلمْ يدخل منه أحد. رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي. وزاد: ومنْ دخله لمْ يظمأ أبداً وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: فإذا دخل أحدهم أغلق، من دخل شرب، ومنْ شرب لمْ يظمأ أبداً. 10 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغْزوا (¬2) تغنموا (¬3)، وصوموا تصحُّو، وسافروا تستغنوا (¬4). رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات. 11 - وروي عن نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم قال: الصِّيام جُنَّة، وحصْن حصينُ من النار. رواه أحمد بإسناد حسن والبيهقي. 12 - وعنْ جابر رضي الله عنه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: الصيام جُنَّة يسْتجنُّ بها العبد من النار. رواه أحمد بإسناد حسن والبيهقي. وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصيام جُنَّة من النار كجنَّة أحدكمْ من القتال، وصيام حسن ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهرٍ. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 14 - وعنْ معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ قُلْتُ: بلى يا رسول الله. قال: الصَّوْم جنَّة، والصدقة تُطفى الخطيئة كما يطفئ الماء النار. رواه الترمذي في حديث وصححه، ويأتي بتمامه في الصمت إن شاء الله، وتقدم حديث كعب بن عجرة وغيره بمعناه. ¬

(¬1) من الري ضد العطش. أنهار عذبة جارية، الوصول إلى شربة منها بالصوم جزاء عطشه في حياته لله، وابتغاء ثواب الله، فيدعى الصائم من هذا الباب تكريما له، وزيادة عناية. قال الشرقاوي: الريان نقيض العطشان مشتق من الري مناسب لحال الصائمين لأنهم بتعطيشهم أنفسهم في الدنيا يدخلون من باب الريان ليأمنوا من العطش، ولذا ورد عن النسائي وابن خزيمة: (من دخل شرب، ومن شرب لا يظمأ أبداً). قال ابن المنير: إنما قال في الجنة، ولم يقل للجنة ليشعر أن في الباب المذكور من النعم والراحة ما في الجنة، فيكون أبلغ في التشويق إليه أهـ ص 145. (¬2) جاهدوا في سبيل الله وحاربوا أعداء المسلمين. (¬3) تناولوا الأجر، وتتسع بلادكم، ويكثر رزقكم. (¬4) اضربوا في أعمال التجارة يسهم، واذهبوا لجلب البضائع يحصل لكم الغني، وزيادة الربح والسعة والنعيم والرخاء (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه).

15 - وعنْ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصِّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي ربِّ منعته الطعام والشَّهوة فشفعني فيه: ويقول القرآن: منعته النَّوم بالليل فشفعني فيه. قال فيشفعان (¬1): رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله محتجّ بهم في الصحيح، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع، وغيره بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 16 - وعن سلمة بن قيصر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ صام يوماً ابتغاء وجهِ الله باعده الله من جهنَّم كبعدِ غرابٍ طار، وهو فرخ (¬2) حتى مات هرماً (¬3). رواه أبو يعلي والبيهقي، ورواه الطبراني فسماه سلامة بزيادة ألف، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة ورواه أحمد، والبزار من حديث أبي هريرة، وفي إسناده رجل لم يسمْ. 17 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لوْ أنَّ رجلاً صام يوماً تطوعاً، ثمَّ أعطى ملء الأرض ذهباً لمْ يستوف ثوابه دون يوم الحساب. رواه أبو يعلي والطبراني، ورواته إلا ليث بن أبي سليم. 18 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى على سريةٍ (¬4) في البحرِ، فبينما هم كذلك قد رفعوا الشِّراع في ليلةٍ مظلمةٍ إذا هاتف فوقهم يهتفُ يا أهل السَّفينة قفوا أخبركم بقضاء الله على نفسه، فقال أبو موسى: أخبرنا إن كنت مخبراً. قال: إنَّ الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنَّه منْ أعطش نفسه له في يوم صائفٍ (¬5) سقاه الله يوم العطش. رواه البزار بإسناد حسن إن شاء الله، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث لقيط عن أبي بردة عن أبي موسى بنحوه إلا أنه قال فيه قال: ¬

(¬1) يسببان دخوله الجنة، ويطالبان من الله المغفرة والرضوان. (¬2) الجنين في البيضة، والفرخ: ولد الطائر. والأنثى فرخة، والشيطان باض فيهم وفرخ: أي اتخذهم مقرا ومسكناً لا يفارقهم كما يلازم الطائر موضع بيضه وأفراخه. (¬3) كبير السن، والهرم: كبر السن، وقد هرم من باب طرب فهو هرم، وقوم هرمي. (¬4) قطعة من الجيش. يقال: خير السرايا أربعمائة رجل، وانسرى عنهم الهم: انكشف، وسراة كل شيء: أعلاه. (¬5) شديد الحر.

إنَّ الله تعالى قضى على نفسه أنَّه من عطَّش نفسه لله في يومٍ حارّ كان حقا على الله عزَّ وجلَّ أن يرويه يوم القيامة. قال: وكان أبو موسى: يتوخَّى اليوم الشديد الحرِّ الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حرا فيصومهُ. (الشراع) بكسر الشين المعجمة: هو قلع السفينة الذي يصفقه الريح فتمشى. 19 - وروي عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكلِّ شيءٍ زكاة، وزكاة الجسد الصَّوم، والصِّيام نصف الصَّبْرِ. رواه ابن ماجه. 20 - وعنْ حذيفة رضي الله عنه قال: أسندْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى صدري فقال: من قال: لا إله إلا الله ختم له بها دخل الجنَّة، ومنْ صام يوماً ابتغاء وجهِ الله خيم له به دخل الجنَّة، ومن تصدَّق بصدفةٍ ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنَّة. رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والأصبهاني، ولفظه: يا حذيفة من خُتم له بصيام يومٍ يريد به وجه الله عزَّ وجلَّ أدْخله الله الجنة. 21 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: قُلتُ يا رسول الله مُرْني بعملٍ، قال عليك بالصَّوْم، فإنَّه لا عدل له (¬1). قلت: يا رسول الله مرْني بعملٍ قال: عليك بالصوَّم، فإنَّه لا عدل (¬2) له. قلتُ: يا رسول الله مُرني بعملٍ؟ قال عليك بالصوَّمِ، فإنه لا مثل له. رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه هكذا بالتكرار بدونه؟ وللحاكم وصححه. 22 - وفي رواية للنسائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول الله مرْني بأمرٍ ينفعني الله بهِ؟ قال: عليك بالصيام، فإنَّه لا مثل له. ورواه ابن حبان في صحيحه في حديث: قال: قُلتُ يا رسول الله دُلَّني على عملٍ أدْخلُ به الجنَّة؟ قال: عليكَ بالصَّومِ، فإنَّه لا مثل له. قال فكان (¬3) أبو أمامة: لا يُرى في بيته الدُّخان نهاراً إلا إذا نزل بهمْ ضيف. 23 - وعنْ أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) لا وزن نثوابه، والله يضاعف لمن يشاء بحسب إتقان الصوم والإخلاص. (¬2) كذا د وع ص 332، وفي ن ط: لا مثل. (¬3) في ن ط: وكان.

ما منْ عبدٍ يصومُ يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهَهُ عن النَّار سبعين خريفاً (¬1). رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 24 - وعنْ أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السَّماء والأرض (¬2). رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد حسن. 25 - وعنْ عمرو بن عبسةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ صام يوماً في سبيل الله (¬3) بعِّدتْ منه النار مسيرة مائة عامٍ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد لا بأس به. 26 - وعنْ معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ صام يوماً في سبيل الله في غير رمضان بُعد من النار مائة عام سير المضمرَّ (¬4) الجواد. رواه أبو يعلي من طريق زبائن بن فائد. ¬

(¬1) سنة. (¬2) حفرة واقية أبعادها كأبعاد ما بين السماء والأرض: والمعنى: جعل الله مكانه بعيداً من جهنم، ووقاه شرها. (¬3) صوم النافلة والتطوع. قال النووي: فيه فضيلة الصيام في سبيل الله، وهو محمول على من لا يتضرر به ولا يفوت به حقا، ولا يختل به قتاله، ولا غيره من مهمات غزوه، ومعناه المعافاة من النار. أهـ ص 33 جـ 8. (¬4) النحيف: الممتلئ صحة، وفي النهاية: المضمر: الذي يضمر خيله لغزو أو سباق، وتضمير الخيل هو أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن، ثم لا تعلف إلا قوتاً لتخف، وقيل: تشد عليها سروجها، وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها، فيذهب رهلها، ويشتد لحمها، والمجيد: صاحب الجياد. والمعنى: أن الله يباعده من النار مسافة سبعين سنة تقطعها الخيل المضمرة الجياد ركوضا. أهـ ص 25. تنوير القلوب. (أحكام الصوم كما قال فقهاء الشافعية) وصوم رمضان فرض بالإجماع معلوم من الدين بالضرورة، فيكفر جاحدة إلا إذا كان جاهلا نشأ ببادية بعيدة عن العلماء، أو كان قريب عهد بالإسلام. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات) 138 البقرة. وقال صلى الله عليه وسلم: (شهر رمضان شهر كتب الله عليكم صيامه، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). والصوم لغة الإمساك، وشرعاً إمساك عن جميع المفطرات جميع نهارا قابل للصوم بنية مخصوصة. يجب صوم رمضان برؤية الهلال، أو بثبوت رؤيته، ولو بشهادة عدل، ولا يجب العمل بقول المنجم والحاسب إن الليلة من رمضان، وعليهما أن يعملا بحسابهما وكذا من صدقهما. =

27 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

_ = وشروط وجوبه أربعة: الإسلام. البلوغ. العقل. القدرة على الصوم. وشروط صحته أربعة: الإسلام. التمييز. النقاء من الحيض والنفاس. والوقت القابل للصوم. ويحرم ولا ينعقد صوم يومي العيدين، وأيام التشريق الثلاثة، ويوم الشك والنصف الثاني من شعبان إلا أن يوافق عادة له، أو بصلة ما قبله، ومن شرع في صوم نفل يجوز له قطعه. فروضه شيئان: الأول: النية ليلا لكل يوم من رمضان والنذر والقضاء والكفارة، وأكملها أن ينوي صوم غد من أداء فرض رمضان هذه السنة إيماناً واحتساباً لوجه الله الكريم، ولا يضر الإتيان بما ينافي الصوم بعدها ليلا وتصبح نية النفل قبل الزوال إن لم يتناول مفطراً، ولو تسحر، أو شرب لدفع العطش نهاراً، أو امتنع عن المفطر مخافة طلوع الفجر كفاه عن النية إن خطر بباله الصوم، ولو نسى النية ليلا وطلع الفجر وهو ناس لم يحسب له ذلك اليوم لكن يجب عليه الإمساك رعاية لحرمة الوقت، ويجب عليه قضاء ذلك اليوم، ومن عليه شي من رمضان فأخر قضاءه بغير عذر حتى دخل رمضان آخر حرم عليه، ولزمه فدية التأخير لكل يوم مد طعام، وتتكرر الفدية بتكرار السنين. الثاني: ترك المفطرات، وهي أحد عشر: أولا: وصول عين من منفذ مفتوح إلى الجوف كالدماغ وباطن الحلق والأذن والبطن والإحليل، فلو وصلت نخامة من الرأس أو الصدر إلى حد الظاهر من الفم وهو مخرج الحاء فجرت إلى الجوف بنفسها وقدر على مجها أفطر، بخلاف ما إذا عجز عن مجها فلا يفطر. ثانياً: الوطء عمداً. ثالثاً: خروج المني باستمناء أو لمس. والاستمناء: طلب خروج المني، أو خروجه بالاستمناء فمفطر مطلقاً، وأما باللمس فإن كان لغير محارمه كزوجة وأجنبية فلا يفطر إلا إن كان بلا حائل سواء أكان بشهوة أم لا، وإن كان اللمس لمحارمه كأخت أفطر إن كان بشهوة وبلا حائل، وإن كان لا يشتهي طبعاً فالأمرد فلا فطر بخروجه مطلقاً كما لا فطر بخروجه بنفسه أو باحتلام أبو بنحو نظر وفكر، ما لم يكن من عادته الانزال وإلا أفطر. رابعاً: التقايؤ. خامساً: الحيض. سادساً: النفاس. سابعاً: الولادة ولو من غير بلل. ثامناً: الجنون ولو لحظة. تاسعاً: الإغماء جميع النهار. عاشراً: السكر جميع النهار. الحادي عشر: الردة والعياذ بالله تعالى، وشرط الإفطار أن يفعله عالما عامدا ذاكراً للصوم مختاراً، فلو أكل أو شرب، أو اسمتنى، أو استقاء، أو جامع ناسياً للصوم، أو مكرهاً، أو جاهلا، وكان قريب عهد للاسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء، فإن لا يفطر. ولا يضر الكحل في العين، ولو وجد طعمه في حلقه، ولا بلع الريق الطاهر الصافي، ولا إخراج لسانه وعليه ريق وابتلعه، ولا يضر وصوله ذباب أو بعوض أو غبار من طريق أو غربلة نحو دقيق إلى جوفه، ولا إدخال مقعدته بغير إدخال شيء معها إذا خرجت، ولا سبق ماء طهارة من وضوء أو غسل أو مضمضة أو استنشاق بغير مبالغة فيهما سواء كانا واجبين أو مندوبين ولو بالغمس في الماء، نعم إن عرف من عادته أنه يصل الماء إلى جوفه لو انغمس فيه ولم يمكنه التحرز حرم عليه الانغماس وأفطر بالسبق، فإن لم يمكنه الاغتسال إلا بهذها لكيفية فلا فطر. ويحرم على الصائم اللمس والمباشرة والقبلة إن حركت شهوته وإلا كره، ويفطر عند تيقن غروب الشمس، وويجوز بسماع أذان من عدل عارف أو باخباره بغروب الشمس عن مشاهدة أو بالاجتهاد بورد ونحوه، ويجوز الأكل والشرب إذا =

منْ صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النَّار بذلك اليوم سبعين خريفاً رواه النسائي بإسناد حسن، والترمذي من رواية ابن لهيعة، وقال: حديث غريب ورواه ابن ماجه من رواية عبد الله بن عبد العزيز الليثي، وبقية الإسناد ثقات. ¬

_ = ظن ببقاء الليل فلو تسحر ظاناً أن الليل باق، أو أكل ظاناً أن الشمس غربت فبان غطله بطل صومه ووجب عليه الإمساك والقضاء، ولو هجم بلا اجتهاد فأفطر أو تسحر ولم يبن الحال صح صومه في تسحره، وبطل في إفطاره، ولو طلع الفجر وهو يجامع، فإن نزع حالا صح صومه، وإن استدام بطل صومه، ووجب عليه القضاء والكفارة، وهي: (عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مد)، ولو أصبح صائما وفي فيه طرف خيط قد ابتلعه ليلا مع الأكل، فإن ابتلع باقية أفطر لوصول عين جوفه، وإن نزعه أفطر لأنه تعمد القيء، وإن تركه بطلت صلاته لا تصاله بالنجاسة التي في جوفه فكيف الطريق في صحة صومه وصلاته؟ وطريقه في ذلك أن ينزعه شخص آخر منه، وهو غافل فلا يضر ذلك لأنه حينئذ لا اختيارله فيه، وكما أنه يجب على الصائ الامتناع من المفطرات ينبغي له أن يحفظ جوارحه من كل ما فيه حرمة وإلا فلا صوم له. قال بعضهم: إذا لم يكن في السمع مني تصامم ... وفي مقلتي غض وفي منطقي صمت فحظي إذن صومي الجوع والظما ... وإن قلت إني صمت يوما فما صمت ولا يخفاك أن الصوم إنما جعل لكسر النفس وقمعها عن الشهوات والمعاصي، فإذا لم يزل الإنسان متبعاً هواه عاكفاً عن معصية مولاه فليعلم أنه لم يصم رمضان إنما هو في صورة صائم جائع عطشان لقوله صلى الله عليه وسلم: (كمْ من صائمٍ له من صيامهِ إلا الجوع، وكمْ من قائمٍ ليسَ له من قيامهِ إلا السَّهرُ). رواه البزار والبيهقي. سننه: السحور، ويدخل وقته بدخول النصف الثاني من الليل، وتأخيره مع تيقن بقاء الليل، وتعجيل الفطر بعد تحقق المغيب، وأن يكون الفطر على تمر فماء فحلو، ودعاء بعده، وهو: (اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت) فإنه ورد أن من قال ذلك كتب له أجر كل صائم صام، وورد: (ما من مسلم يصومُ فيقول عند إفطاره: يا عظيم يا عظيم، وأنت إلهي لا إله غيركَ اغفرْ لي الذَّنب العظيم، فإنَّه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّهُ). وأن يغتسل من حدث أكبر ليلا، وأن يكثر الصدقة والإطعام، وتلاوة القرآن والذكر، ولاسيما في العشر الأخير، ويسن صوم ستة أيام من شوال، والمبادرة بها، وصومها ولاء أفضل، وصوم يوم عاشوراء وتاسوعاء وعرفة ويومي الخميس والاثنين. مكروهاته: شم الرياحين، والنظر إليها والحجامة والفصد، وذوق الطعام باللسان، والمضغ لما لا يتحلل منه شيء إلا لحاجة، فإن كان لها كطباخ، ومن يمضغ لغيره كولد صغير وحيوان، فلا كراهة أهـ. والله أعلم ص 225 تنوير القلوب.

فصل: إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد

28 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: منْ صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض. رواه الترمذي من رواية الوليد بن جميل عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة، وقال: حديث غريب، رواه الطبراني إلا أنه قال: منْ صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النَّار مسيرة مائة عامٍ ركض الفرس الجوادِ المضمَّرِ، وقد ذهب طوائف من العلماء إلى أنَّ هذه الأحاديث جاءتْ في فضلِ الصَّوم في الجهادِ، وبوّب على هذا الترمذي وغيره، وذهبت طائفة إلى أنَّ كل الصَّوم في سبيل الله إذا كان خالصاً لوجهِ الله تعالى، ويأتي باب في الصوم في الجهاد إن شاء الله تعالى. (فصل) 29 - عنْ عبد الله، يعني ابن أبي مُليكة عن عبد الله، يعني ابن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ للصَّائم عند فطرهِ لدعوةً ما تردُّ، قال: وسمعتُ عبد الله يقول عند فطره: اللهمَّ إنِّي أسألك برحمتك التي وسعتْ كل شيءٍ أن تغفر لي. زاد في رواية: ذنوبي. رواه البيهقي عن إسحاق بن عبيد الله عنه، وإسحاق هذا مدني لا يعرف، والله أعلم. 30 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا تردُّ دعوتهمْ: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمامِ، وتفتح لها أبواب السَّماء، ويقول الرَّبُّ: وعزَّتي وجلالي لأنصرنك ولوْ بعد حين. رواه أحمد في حديث، والترمذي وحسنه، واللفظ له، وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما إلا أنهم قالوا: حتى يفطر. ورواه البزار مختصرا: ثلاث حق على الله أن لا يردَّ لهم دعوةً: الصائم حتى يفطر، والمظلوم حتى ينتصر والمسافر حتى يرجع.

الترغيب في صيام رمضان احتسابا وقيام ليله سيما ليلة القدر، وما جاء في فضله

الترغيب في صيام رمضان احتسابا، وقيام ليله سيما ليلة القدر وما جاء في فضله 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: منْ قام ليلة القدر إيماناً (¬1) واحتسابا (¬2) غفر له ما تقدَّم من ذنبهِ، ومن صامَ (¬3) رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبهِ. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجه مختصراً. 2 - وفي رواية للنسائي أنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: منْ صام (¬4) رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبهِ، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّمَ من ذنبهِ. قال: وفي حديث قتيبة: وما تأخَّر. (قال الحافظ): انفرد بهذه الزيادة قتيبة بن سعيد عن سفيان، وهو ثقة ثبت، وإسناده على شرط الصحيح، ورواه أحمد بالزيادة بعد ذكر الصوم بإسناد حسن إلا حماداً شك في وصوله أو إرساله. (قال الخطابي) قوله: إيماناً واحتساباً: أي نية وعزيمة، وهو أن يصومه على التصديق، والرغبة في ثوابه طيبة به نفسه غير كاره له ولا مستثقل لصيامه، ولا مستطيل لأيامه، لكن يغتنم طول أيامه لعظم الثواب. (وقال البغوي) قوله: احتساباً: أي طلباً لوجه الله تعالى وثوابه يقال: فلان يحتسب الأخبار، ويتحسبها: أي يتطلبها. 3 - وعنْه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغِّب في قيام رمضان منْ ¬

(¬1) أطاع الله طيلة الليلة، ثقة بالله، وراغبا في ثواب الله، وراجيا رحمة الله. (¬2) منتظرا رضاه، وفي النهاية: أي طلباً لوجه الله وثوابه، فالاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه لأن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به، والحسبة: اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد، والاحتساب في الأعمال الصالحة، وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر، وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر، والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها. أهـ ص 225 جـ 1. (¬3) امتنع عن كل مفطر، وحفظ نفسه من المعاصي. (¬4) ق ع: ومن قام ص 334.

غير أن يأمرهم بعزيمةٍ (¬1) ثمَّ يقول: من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبهِ. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 4 - وعنْ أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان وعرف حدوده (¬2)، وتحفَّظ مما ينبغي له أن يتحفَّظ كفَّر (¬3) ما قبْلهُ: رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي. 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ومنْ أدرك شهر رمضان بمكَّة فصامَهُ، وقام منه ما تيسَّر كتب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما (¬4) سواه، وكتب له بكلِّ يومٍ عتق رقبةٍ، وبكلِّ ليلةٍ عتقَ رقبةٍ، وكلِّ يومٍ حملان (¬5) فرسٍ في سبيل الله، وفي كلِّ يومٍ حسنةً، وفي كلِّ ليلة حسنةً. رواه ابن ماجه، ولا يحضرني الآن سنده. 6 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُعْطيتُ أمتي خمس خصالٍ في رمضان لم تعْطهنَّ (¬6) أمَّة قبْلهمْ: خلوف فم الصَّائم أطْيبُ عند الله من ريح المسكِ، وتستغفر لهم الحيتان حتى يفطروا، ويزيِّن الله عزَّ وجلَّ كلَّ يوم جنَّتهُ، ثمَّ يقول: يُوشك (¬7) عبادي الصَّالحون أن يلْقوا عنهمُ المئونة، ويصيروا إليك، وتصفَّد فيه مردة الشَّياطين، فلا يخلصوا فيه إلى ما كانوا يخلصون إليهِ في غيره، ويغفرُ لهم في آخر (¬8) ليلةٍ. قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكنَّ التعامل إنما يوَّفى أجره إذا قضى عمله. رواه أحمد والبزار والبيهقي، ورواه ¬

(¬1) فريضة. وفي النهاية (خير الأمور عوازمها): أي فرائضها التي عزم الله عليك بفعلها، والمعنى ذوات عزمها التي فيها عزم، وقيل: هي ما وكدت رأيك وعزمك عليه، ووفيت بعهد الله فيه، والعزم الحد والصبر ومنه (ليعزم المسألة): أي ليجد فيها ويصبر أهـ. (¬2) أوامر الله فاتبعها، ومناهيه فاجتنبها في صومه. (¬3) أزال ذنوب ما اقترفها الصائم قبل هذا الصوم، وفيه أن الصوم على الشرع، والأخلاق الكاملة يغفر الذنوب. (¬4) كذا ط وع ص 334، وفي ن د: شهر مما سواه. (¬5) مقدار حمل وثقل، والحملان مصدر حمل يحمل حملان. وفي النهاية، وفي حديث تبوك قال أبو موسى: أرسلني أصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسأله الحملان، وذلك أنهم أرسلوه يطلب منه شيئاً يركبون عليه أهـ وفيه فضل صوم رمضان في مكة. (¬6) كذا ع، وفي ن د وط: لم تعطهن من أمة. (¬7) يقرب. (¬8) كذا ط وع ص 335، وفي ن د: آخر.

أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب إلا أن عنده: وتستغفر لهم الملائكة بدل الحيتانُ. 7 - وعنْ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلمن قال: أُعطيتْ أمَّتي في شهر رمضان خمساً لمْ يُعطهُنَّ نبيٌّ قبلي. أمَّا واحدة فإنه إذا كان أوَّل ليلةٍ من شهرِ رمضان نظر (¬1) الله عزَّ وجلَّ إليهمْ، ومن نظر الله إليه لمْ يُعذبه أبداً، وأما الثانية فإنَّ خلوف أفواههم حين يُمْسونَ أطيب عند الله من ريح المسكِ، وأمَّا الثَّالثة فإنَّ الملائكة تستغفر لهم في كلِّ يومٍ وليلةٍ، وأما الرَّابعة فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يأمر جنَّته فيقول لها استعدِّي وتزيني لعبادي أوْشك (¬2) أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي، وأما الخامسة فإنَّه إذا كان آخر ليلةٍ غفر الله لهم جميعاً، فقال رجل من القومِ: أهي ليلة القدر؟ فقال: لا ألمْ تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم. رواه البيهقي، وإسناده مقارب أصلح مما قبله. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصَّلوات الخمسُ، والجمعة إلى الجمعةِ، ورمضان إلى رمضان مُكفِّراتٌ ما بينهُنَّ إذا اجْتنبتِ الكبائر، رواه مسلم. (قال الحافظ) وتقدم أحاديث كثيرة في كتاب الصلاة، وكتاب الزكاة تدل على فضل صوم رمضان فلم نعدها لكثرتها، فمن أراد شيئاً من ذلك فليراجع مظانه. 9 - وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احْضروا المنبر، فحضرنا، فلما ارتقى درجةً قال: آمين (¬3)، فلما ارتقى (¬4) الدَّرجة الثانية قال: آمين، فلمَّا ارتقى الدرجة الثالثة قال: آمين، فلما نزل: قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنَّا نسمعه؟ قال: إنَّ جبريل عليه السلام عرض لي، فقال: بعد من أدرك رمضان (¬5) فلمْ يُغفرْ له قلتُ: آمين، فلما رقيت الثانية قال: بعدَ منْ ذكرت (¬6) عنده، فلمْ يُصلِّ عليك، فقلتُ: آمين، فلما رقيت الثَّالثة قال: بعُدَ ¬

(¬1) كذا د وع، وفي ن ط: ينظر. (¬2) كذا ط وع، وفي ن د: يوشك. (¬3) اللهم استجب. (¬4) صعد وسما. (¬5) من وجد في زمن رمضان وصام صوما صحيحا على سنن الشرع. (¬6) ورد اسمك صلى الله عليه وسلم، ومعنى بعد: أي ذم وطرد من رحمة الله. عليك الصلاة والسلام يا رسول الله. =

من أدرك أبويهِ الكبرُ عنده أوْ أحدهما فلمْ يدخلاهُ الجنَّة قُلتُ: آمين. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. 10 - وعن الحسن بن مالك بن الحويرثِ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فلما رقى عتبةً. قال: آمين، ثمَّ رقى أخرى فقال: آمين، ثمَّ رقى عتبة ثالثة فقال: آمين، ثم قال: أتاني جبريل عليه السلام، فقال: يا محمَّد من أدرك رمضان فلمْ يغفرْ له فأبعده الله، فقلتٌ: آمين. قال: ومنْ ذكرتَ عندهُ فلمْ يُصلِّ عليك (¬1) فأبعده الله، فقلت آمين. رواه ابن حبان في صحيحه. 11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صعد المنبرَ فقال: آمين. آمين. آمين. قيل: يا رسول الله إنَّك صعدت المنبر، فقلتُ: آمين آمين، فقال: إن جبريل عليه السلام أتاني، فقال: من أدرك شهر رمضان فلمْ يُغفرْ له، فدخل النار (¬2) فأبعده الله. قلْ: آمين، فقلتُ: آمين، الحديث: رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه، واللفظ له. 12 - وروي عن أبي سعيدٍ الخدرِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان أوَّل ليلةٍ من رمضان فتِّحتْ أبواب السماء (¬3) فلا يغلق منها ¬

= إن هذا وعيد من الله للذين يذكر اسمك أمامهم ولم يمجدوك، ولم يصلوا عليك. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الخطابة فذكر التأمين على الدعاء: أولاً: من مر عليه زمن رمضان، ولم يطع ربه فيه، ويصمه بإخلاص ليعفوا الله عنه. ثانياً: من مر عليه اسم السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولم ينتهز الفرصة، ويزده صلاة وتسليما. ثالثاً: من عاش بين أبويه والده ووالدته، ولم يبرهما، أو يبر أحدهما فيدعون له، ويسببان له المغفرة. تلك فرص ثلاثة: أ - الخائب الخسران الذي حرم من جنى ثمرتها، واستحقاق ثواب الله وعفوه، والعاقل المؤمن المسلم من مر عليه رمضان فأطاع الله فيه فنال الرضوان. ب - أو أكثر من الصلاة على السيد المختار صلى الله عليه وسلم فاكتسب نعيم الجنان. جـ - أو وصل والديه وبرهما، ولم يعقهما، فدعوا له بالإحسان والغفران. (¬1) فيه طلب الإكثار من الصلاة على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزود من سيرته الطيبة. (¬2) أي استعمل الفجور والفسوق، وأفطر فيه، وعصى الله تعالى، وخالف شرع رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم ينتهز فرصة الشهر ليتوب، فيغفر الله له. (¬3) رحمات الله وإحسانه. ببين صلى الله عليه وسلم نعيم الصائم القائم: =

باب حتى يكون آخر ليلةٍ من رمضان، وليس عبد مؤمن يصلِّي في ليلةٍ فيها إلا كتبَ الله لها ألفاً وخمسمائة حسنةٍ بكلِّ سجدةٍ، وبني له بيتاً في الجنَّة من ياقوتةٍ حمراء لها ستون ألف باب لكلِّ منها قصر من ذهبٍ موشَّحٌ بياقوتةٍ حمراء، فإذا صام أوَّل يوم من رمضان غفر له ما تقدَّم من ذنبه إلى مثل ذلك اليوم من شهر رمضان، واستغفر له كلَّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ من صلاة الغداة إلى أن توارى (¬1) بالحجاب، وكان له بكلِّ سجدةٍ يسجدها في شهر رمضان بليلٍ أو نهارٍ شجرة يسير الرَّاكب في ظلها خمسمائة عامٍ، رواه البيهقي وقال: قد روينا في الأحاديث المشهورة ما يدل على هذا، أو لبعض معناه كذا قال رحمه الله. 13 - وعنْ سلمان رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يومٍ منْ شعبان قال: يا أيُّها النَّاس قد أظلَّكمْ شهرٌ عظيمٌ مباركٌ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهرٍ (¬2) شهر جعل الله صيامه فريضةً، وقيام ليله تطوعاً (¬3)، من تقرَّبَ فيه بخصلةٍ (¬4) من الخيرِ كان كمنْ أدَّى فريضةً فيما سواه، ومن أدَّى فريضةً فيه كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصَّبر (¬5)، والصَّبر ثوابه الجنَّة، وشهرُ المواساةِ (¬6)، وشهر يزاد في رزق المؤمنِ فيه، من فطَّر فيه صائماً كان مغفرةً لذنوبهِ وعتقَ رقبته من النَّار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا ¬

= أولاً: أف وخمسمائة حسنة بكل ركعة. ثانياً: قصر فخم كأحسن ما أنت راء من البهجة، والرواء كأنه اللؤلؤ والمرجان لا نهاية لا تساعه، ولا مثيل لبداعته وفخامته. ثالثاً: غفران ما اقترفه من الآثام طول السنة تفضلا من الله جل وعلا. رابعاً: ينال مسافة وملكا كبيرا في الجنة كثيرة الأوراق يقدر ظلها بمدى بعيد يستظل الراكب بظلها مسرعاً في خطاه نحو 500 سنة. خامساً: يسخر الله له سبعين ألف ملك من الفجر إلى المغرب يعبدون الله تعالى ويدعون له. (¬1) كذا د وع ص 336, وفي ن ط: توارت: أي غابت وغربت، وتواري مضارع تتوارى بحذف إحدى التاءين: أي تذهب: أي مدة ذلك اليوم من أوله إلى آخره. (¬2) العمل فيها مضاعف الأجر، فالركعة ثوابها بألف في غيرها، وهكذا الصدقة، وكل أعمال الخير والبر يزداد أجرها. (¬3) نافلة تهجداً. (¬4) كذا د وع، وفي ن ط: بخصلة كان. (¬5) حبس النفس، وقصرها على طاعة ربها ورضاه، وطلب ثوابه، وشحذ العزيمة القوية، وتربية ملكة الحزم. (¬6) الإحسان، ومد يد المساعدة.

يا رسول الله: ليس كلُّنا يجد ما يُفطِّ الصائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُعْطي الله هذا الثَّواب من فطَّر صائما على تمرةٍ، أو على شربةِ ماء، أو مذقةِ (¬1) لبن، وهو شهر أوَّله رحمة، وأوْسطهُ مغفرة، وآخره عتقٌ (¬2) من النار، منْ خفَّف عنْ مملوكهِ (¬3) فيه غفر الله له، وأعتقه من النار واستكثروا فيه من أربعِ خصالٍ: خصلتين ترضون بهما ربَّكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما، فأمَّا الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه (¬4)، وأمَّا الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما: فتسألون (¬5) الله الجنَّة، وتعوذون به من النَّار، ومن سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة (¬6) لا يظمأ حتى يدخل الجنة. رواه ابن خزيمة في صحيحه، ثم قال صحّ الخبر، ورواه من طريق البيهقي، ورواه أبو الشيخ ابن حبان في الثواب باختصار عنهما. 14 - وفي رواية لأبي الشيخ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فطَّر صائماً في شهر رمضان منْ كسبٍ حلالٍ صلَّتْ عليه الملائكة (¬7) ليالي رمضان كلَّها، وصافحه ¬

(¬1) مزيج خليط. (¬2) فك ونجاة. (¬3) خادمه. (¬4) كثرة ذكره واستغفاره. (¬5) الإكثار من طاعة الله، وأعمال الخير، والتضرع إلى الله بنيل نعيم الجنة، وتطلبون الاستعاذة، والإبعاد من النار. (¬6) المرة من الشرب: أي تفضل الله عليه فشرب مرة من حوضي ليزول ظمؤه، ويزداد ريه، ولا يعطش أبداً، وفي كتابي (النهج السعيد): الحوض جسم مخصوص كبير متسع الجوانب ترده أمته صلى الله عليه وسلم حين خروجهم من قبورهم عطاشاً يكون على الأرض المبدلة البيضاء كالفضة من شرب منه لا يظمأ أبداً، وقد وصفه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه أكثر من نجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ أبداً) أهـ ص 168. فأنت تجد وعداً منه صلى الله عليه وسلم لمن سقي صائما عند إفطاره لوجه الله تعالى. يبين صلى الله عليه وسلم فضائل رمضان: أ - شهر ردع النفس، وحثها على التحل بالمكارم وتكميلها وتهذيبها وحلمها. ب - شهر الجود والمودة والإخاء والمصافاة. جـ - شهر العيش الرغد، والرزق الحسن والرخاء والسعادة، وتخفيف العمل والشفقة، وعدم الاجتهاد في الشغل، والرأفة بالعمال. د - كثرة الذكر والعبادة والاسغفار والتسبيح والتمجيد، والصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم، والدعاء إلى الله بالقبول والمغفرة، والنجاة من أهوال القيامة. هـ - طلب إكرام الفقهاء والفقراء والمساكين رجاء شربة من حوضه عليه الصلاة والسلام. (¬7) تدعو له ملائكة الرحمة بالمغفرة والنعيم والعز.

جبْرائيل عليه السلام ليلة القدر، ومن صافحه جبرائيل عليه السلام يرق (¬1) قلبهُ، وتكثر دموعه. قال: فقلت: يا رسول الله أفرأيت من لمْ يكن عنده؟ قال: فقبصة (¬2) منْ طعامٍ. قلتُ: أفرأيت إن لمْ يكن عنده لقمة خبزٍ؟ قال: فمذقة من لبنٍ. قال: أفرأيت إنْ لمْ تكنْ عنده؟ قال: فشربة من ماء. (قال الحافظ): وفي أسانيدهم على بن زيد بن جدعان، ورواه ابن خزيمة أيضاً، والبيهقي باختصار عنه من حديث أبي هريرة، وفي إسناده كثير بن زيد. 15 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أظلَّكم (¬3) شهرُكمْ هذا بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما مرَّ بالمسلمين شهرٌ خير لهم منهُ، ولا مرَّ بالمنافقين شهرٌ شهرٌّ لهم منه بمخلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليكتبُ أجره ونوافله قبل أن يدخله، ويكتب إصره (¬4)، وشقاءه قبل أنْ يدخله، وذلك أن المؤمن يعدُّ فيه القوت من النَّفقة للعبادة، ويعدُّ فيه المنافق اتِّباع غفلاتِ ¬

(¬1) يكثر إيمانه بالله، ويزدد خوفا من الله، ويخش الله، ويعمل صالحاً. قال تعالى: (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير) 12 من سورة الملك. والمعنى أنه يعد من الصالحين الذاكرين الله كثيراً، ويحشر مع المتقين. (¬2) قبصة بضم القاف كغرفة: قبضة لما غرف، والقبص: الأخذ بأطراف الأصابع، ومنه حديث مجاهه في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) يعني القبصة التي تعطي للفقراء عند الحصاد. أهـ من النهاية. دعا صلى الله عليه وسلم إلى تقديم طعام للصائم الفقير على شريطة أن يكون هذا من كسب طيب بعيد عن الشبه والحرام، وبين صلى الله عليه وسلم ثوابه. أ - دعاء الأبرار له طيلة الشهر كله. ب - تسليم جبريل عليه تسليما معنوياً يشعر به المقربون عند الله، وبذا يكتسب القبول، ورضا الله ويحيطه الله بهيبته وخشيته (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ثم رغب في الجود بقدر ما تيسر، ولو قطرة ماء. (¬3) أحاط بكم ثوابه، وغمركم فضله، وحل عليكم وقته. (¬4) ذنبه. المعنى أن الصالح ينتهز فرصة وجوده، فيستعد لطاعة الله فيه، ويقدم ما أحل الله له فيه من الطيبات من الرزق ليستعين بها على العبادة، والصوم الصحيح والقيام، ويزداد الكافر والفاسق حسرة، فيتبعان نقائص المقصرين، وعيوب المفتونين، وفيه التحذير من مجالسة العصاة، وطلب التباعد عنهم، وفيه الإخبار أن المفطر منافق ومجرم، وقد علم الله سبحانه الطائعين، فأجزل لهم الأجر والعاصين، فعد خطاياهم وقدر ذنوبهم، وأحاط بعصيانهم وفجورهم ولا تخفي عليه خافية (فإذا جاءت الطامة الكبرى 34 يوم يتذكر الإنسان ما سعي 35 وبرزت الجحيم لمن يرى 36 فأما من طغى 37 وآثر الحياة الدنيا 38 فإن الجحيم هي المأوى 39 وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى 40 فإن الجنة هي المأوى) 41 من سورة النازعات. (وآثر) انهمك في الدنيا، ولم يستعد للآخرة بالعبادة، وتهذيب النفس، واغتنام ثواب الصوم، ولكنه ضيع عمره في اتباع الغفلات وجرى في ميدان الحسرات والعورات، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

المؤمنين، واتِّباع عوراتهمْ فغنم يغنمه المؤمن، وقال بُندار في حديثه: فهو غنْمٌ للمؤمنين يغتنمه الفاجر. رواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره. 16 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جاء رمضان (¬1) فتِّحتْ أبواب الجنَّةِ (¬2)، وغُلًّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين. رواه البخاري ومسلم. 17 - وفي رواية لمسلم: فُتِّحتْ أبواب الرَّحمة، وغلِّقتْ أبواب جهنم وسُلْسِلَتِ الشَّياطين (¬3). ورواه الترمذي، وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي كلهم من رواية أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، ولفظهم: قال إذا كان أوَّل ليلة من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين، ومردة الجنِّ، وقال ابن خزيمة: الشَّياطين مردة الجنِّ بغير واوٍ، وغلِّقت أبوال النار فلمْ يُفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادى منادٍ يا باغي الخير أقْبل (¬4)، يا باغي الشَّر أقصرْ، ولله عتقاء من النَّار، وذلك كلِّ ليلةٍ. قال الترمذي: حديث غريب، ورواه النسائي والحاكم بنحو هذا اللفظ، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. (صفدت) بضم الصاد، وتشديد الفاء: أي شدّت بالأغلال. ¬

(¬1) مصدر رمض. قال الشرقاوي: سموه بذلك لارتماضهم فيه من حر الجوع والعطش، أو لارتماض الذنوب فيه. ورمضان إن صح أنه من أسماء الله تعالى فغير مشتق أو راجع إلى معنى الغافر: أي يمحو الذنوب ويمحقها. أهـ ص 146. (¬2) حقيقة لمن مات فيه أو عمل عملا لا يفسد عليه، أو علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته، ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين. قال التوربشي: الفتح كناية عن تنزيل الرحمة، وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد تارة ببذل التوفيق، وأخرى بحسن القبول. والغلق: كناية عن تنزه أنفس الصوام عن جرس الفواحش، والتخلص من البواعث على المعاصي بقمع الشهوات أهـ، وقال الطيبي: فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين، وإنه من الله بمنزلة عظيمة، ويؤيده حديث عمر: (إن الجنة لتزخرف لرمضان). (¬3) أي شدت بالسلاسل حقيقة، والمراد مسترقو السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ، أو هو مجاز على العموم، والمراد أنهم لا يصلون من إفساد المسلمين إلى ما يصلون إليه في غيره لاشتغالهم فيه بالصيام الذي فيه قمع الشياطين، وإن وقع شيء من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى غيره، وهذا أمر محسوس. أهـ شرقاوي ص 147 جـ 2 يبين صلى الله عليه وسلم أن أوقات رمضان خير كلها: أ - يغمر الصائم بفضل الله، وإحاطته بدعاء الأبرار. ب - إزالة الأشرار عنه والإغواء والمردة الفسقة المضلين. (¬4) يا طالب البر والثواب زد واعمل، ويا مريد الشرور حبس نفسك عنها وامنعها لتربح وتغنم.

18 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان نظر الله إلى خلقهِ، وإذا نظر الله إلى عبدٍ (¬1) لم يعذِّبهُ أبدا، ولله في كلِّ يومٍ ألف ألف عتيق (¬2) من النَّار، فإذا كانتْ ليلة تسعٍ وعشرين أعتق الله فيها مثل جميعِ ما أعتق في الشَّهْر كله، فإذا كانت ليلة الفطر ارْتَجَّت الملائكة، وتجلَّى الجبار تعالى بنوره مع أنه لا يصفه الواصفون، فيقول للملائ: ة وهمْ في عيدهمْ من الغد: يا معشر الملائكة يوحي إليهمْ ما جزاء الأجير إذا وفي عمله؟ تقول الملائكة: يوفَّى أجره، فيقول الله تعالى: أشهدكمْ أني قد غفرتُ لهمْ (¬3). رواه الأصبهاني. 19 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاكمْ شهر رمضان، شهرٌ مباركٌ فرض الله عليكمْ صيامه تُفْتَحُ فيه أبواب السَّماء، وتغلقُ فيه أبواب الجحيم، وتغلُّ فيه مردة الشَّياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهرٍ من ح رمَ خيرها فقد حرم. رواه النسائي، كلاهما عن أبي قلابة عن أبي هريرة، ولم يسمع منه فيما أعلم. (قال الحليمي): وتصفيد الشياطين في شهر رمضان، يحتمل أن يكون المراد به أيامه خاصة وأراد الشياطين التي مسترقة السمع، ألا تراه قال: مردة الشياطين لأن شهر رمضان كان وقتا لنزول القرآن إلى السماء الدنيا، وكانت الحراسة قد وقعت بالشهب كما قال: (وحِفْظاً من كلِّ شيطانٍ ماردٍ). فزيدوا التصفيد في شهر رمضان مبالغة في الحفظ، والله أعلم، ويحتمل أن يكون المراد أيامه وبعده، والمعنى أن الشياطين لا يخلصون فيه من إفساد الناس إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره لاشتغال المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن، وسائر العبادات. ¬

(¬1) أقبل عليه ربه برضوانه وإحسانه، كذا ط وع ص 338 وفي د: ينظر (¬2) محكوم عليه بعذاب النار فيفك سبحانه أسره من جهنم. (¬3) يؤخذ من هذا الحديث زيادة فضل الله وعفوه، وتسامحه المتناهي في إبعاد المسلمين عن جهنم إكراما لشهر رمضان المبارك، وفيه طلب الإقبال عليه بالصوم البالغ نهاية شروط الصحة: والتوبة، والندم، وكثرة العبادة فيه، والذكر، والصدقة، وعمل المعروف رجاء العتق من النار.

20 - وعن عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً وحضر رمضانُ: أتاكمْ رمضان شهرُ بركةٍ يغشاكم الله فيه (¬1) فينزل الرَّحمة، ويحطُّ الخطايا (¬2)، ويستجيب فيه الدُّعاء، ينظر الله تعالى تنافسكمْ فيه، ويباهي بكمْ ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيراً (¬3)، فإنَّ الشَّقي (¬4) من حُرم فيه رحمة الله عزَّ وجلَّ. رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا أن محمد بن قيس لا يحضرني فيه جرح، ولا تعديل. 21 - وعنْ أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: دخل رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ هذا الشهر قد حضركمْ، وفيه ليلة (¬5) خير من ألف شهرٍ من حرمها فقد حرم الخير كلَّه، ولا يحرم خيرها إلا محروم. رواه ابن ماجه. وإسناده حسن إن شاء الله تعالى. 22 - وروى الطبراني في الأوسط عنه قال: سمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هذا رمضان قد جاء، تُفْتَحُ فيه أبواب الجنَّةِ، وتغلقُ فيه أبواب النار، وتغلُّ فيه الشَّياطين، بعداً (¬6) لمن أدرك رمضان فلمْ يغفر له إذا لمْ يغفر له فمتى (¬7). 23 - وروي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ الجنَّة لتُنجِّد (¬8)، وتزَّيَّنُ من الحول إلي الحولِ لدخول شهر رمضان، فإذا كانت أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان هبَّت ريحٌ من تحت العرش يقال لهاا لمثيرة (¬9) فتصفِّقُ ورق أشجار الجنان (¬10)، وحلق المصاريع فيسمع لذلك طنين (¬11) لمْ يسمع السَّامعون أحسن منهُ فتبرز الحور العين (¬12) حتى يقفن بين شرف (¬13) الجنَّةِ فينادين ¬

(¬1) يحطيكم برحمته. (¬2) ويغفر الذنوب. (¬3) العبادة وعمل المحامد والمكارم. (¬4) المعذب. (¬5) ليلة القدر. (¬6) إبعاداً وطرداً وعذاباً لمن هل عليه رمضان، فعصى الله وضيع النافقة فيه. وهي طاعة الله، من تاجر فيه بالعبادة ربح، ومن قصر فيه كسدت بضاعته وخسر، واستحق العذاب المهين، وباء بالخيبة، وتضاعفت سيئاته. (¬7) إذا لم ينتهز وجود رمضان ففي أي زمان ينتظر فيه رضا الله وغفرانه - إنه غافل جاهل لأنه لا زمان يعادل رمضان في العفو والعتق من النار. (¬8) لتنجد، كذا ع ص 339 وفي ن ط لتبخر، والمعنى المطرز بأنواع الزينة، يقال بيت منجد، ونجوده: ستوره التي تعلق على حيطانه يزين بها. ومعنى لتبخر: أي تبعث فيه الروائح العطرية، والشذى الندي الذكي، والطيب المسكي. (¬9) المرسلة: المطلقة. (¬10) يظهر لها صوت. (¬11) تغمة شجية وصوت عذب. (¬12) فتظهر نساء الجنة. (¬13) الأمكنة البارزة الظاهرة مثل الطنف (تراسينات).

هلْ منْ خاطبٍ إلى الله فيزوِّجه، ثمَّ يقلنَ الحور العين: يا رضوان الجنَّة، ما هذه الليلة فيجبيهنَّ بالتلبية (¬1) ثمَّ يقول: هذه أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان فتحت أبواب الجنَّة للصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال: ويقول الله عزَّ وجلَّ: يا رضوان افتح أبواب الجنان، ويا مالك: أغلق أبواب الجحيم عن الصَّائمين من أمة أحمد صلى الله عليه وسلم، ويا جبرائيل: اهبط (¬2) إلى الأرض فاصفد مردة الشياطين، وغلهم بالأغلال (¬3) ثم أقذفهم (¬4) في البحار حتى لا يفسدوا على أمة محمدٍ حبيبي صلى الله عليه وسلم صيامهم قال: ويقول الله عزَّ وجلَّ في كل ليلةٍ من شهر رمضان لمنادٍ ينادي ثلاث مراتٍ: هل منْ سائل فأعطيه سؤله (¬5). هل من تائبٍ فأتوب عليه. هل من مستغفرٍ فأغفر له، منْ يقرض المليء (¬6) غير العدوم، والموفيَّ (¬7) غير المظلوم. قال: ولله عزَّ وجلَّ في كل يومٍ من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار كلهمْ قد استوجبوا النار، فإذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أوَّل الشهر إلى آخره، وإذا كانت ليلة القدر يأمر الله عزَّ وجلَّ جبرائيل عليه السلام فيهبط في كبكبةٍ (¬8) من الملائكة، ومعهمْ لواء (¬9) أخضر فيركزوا اللواء (¬10) على ظهر الكعبة، وله مائة جناحٍ منها جناحان لا ينشرهما إلا في تلك الليلة فينشرهما في تلك الليلة فيُسلِّمون على كلِّ قائم وقاعدٍ ومصلٍ وذاكرٍ، ويُصافحونهم، ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر ينادي جبرائيل عليه السلام: معاشر الملائكة الرَّحيل الرَّحيل (¬11)، فيقولون يا جبرائيل: فما صنع الله في حوائج المؤمنين من أمة أحمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: ¬

(¬1) إجابة بعد إجابة. (¬2) انزل. (¬3) السلاسل. (¬4) ارمهم. (¬5) أجيب طلبه. (¬6) من يعطي الغني، وفي النهاية المليء: الثقة الغني، وقد ملأ فهو مليء: بين الملأ والملاءة، ومنه حديث على لا ملي، والله بإصدار ما ورد عليه أهـ. وفيه طلب الجود، والتحلي بخصال الكرم في التصدق، والإحسان رجاء ثواب الله (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له). (¬7) المعطي ما وعد كثير الوفاء، والنوال. (¬8) جماعة يقال كبوا رواحلهم: أي ألزموها الطريق، وتكابرا على الميضأة: ازدحموا عليها، من الكبة: الجماعة. (¬9) علم. (¬10) يضعونه واقفا. (¬11) اطلبوا الذهاب.

نظر الله إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهمْ إلا أربعة، فقلنا: يا رسول الله من همْ؟ قال رجلٌ: مدمن خمرٍ (¬1)، عاق لوالديه (¬2)، وقاطع رحمٍ (¬3)، ومشاحن (¬4). قُلنا: يا رسول الله ما المشاحن؟ قال: هو المصارم (¬5)، فإذا كانت ليلة الفطر سُميِّتْ تلك الليلة ليلة الجائزة، فإذا كانت غداة الفطر بعث الله عزَّ وجلَّ الملائكة في كلِّ بلادٍ فيهبطون إلى الأرض فيقومون على أفواه السككِ (¬6) فينادون بصوتٍ يُسمع من خلق الله عزَّ وجلَّ إلا الجنَّ والإنس (¬7)، فيقولون يا أمة محمدٍ. اخرجوا إلى ربٍ كريمٍ يعطي الجزيل، ويعفو عن العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم (¬8) يقول الله عزَّ وجلَّ للملائكة: ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قال فنقول الملائكة: إلهنا وسيدنا (¬9) جزاؤه أن توفيه أجره. قال فيقول: فإني أشهدكمْ يا ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان وقيامهمْ رضاي ومغفرتي، ويقول: يا عبادي سلوني (¬10) فوعزَّتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئاً في جمعهكم لآخرتكمْ إلا أعطيتكم ولا لديناكمْ إلا نظرتُ لكمْ، فوعزَّتي لأسترنَّ عليكم عثراتكم ما راقبتموني (¬11)، وعزَّتي وجلالي لا أخزيكمْ، ولا أفضحكم بين أصحاب الحدود (¬12)، وانصرفوا مغفورا لكم قدْ أرضيتموني، ورضيت عنكمْ فتفرح الملائكة، وتستبشر بما يعطي عزَّ وجلَّ هذه الأمَّة إذا أفطروا من شهر رمضان. رواه الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب، والبيهقي واللفظ له، وليس في إسناده من أجمع على ضعفه. 24 - وروي عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى ¬

(¬1) كثير الشرب: مداوم. (¬2) غير طائع لهما وعاصيهما. (¬3) غير واصل أقاربه. (¬4) كثير الشقاق والنفاق، ومبعث البغضاء والتنافر، ومحرك الشرور وموقد نار العداوة. (¬5) المقاطع، كثير التنابذ. (¬6) الطرق. (¬7) رأفة بهما، لأن صوتهم مرتفع جداً، ولأنه تعالى يؤجل النعيم، وإدراك الثواب للآخرة، ويترك ذلك لمن يهتدي بالكتاب والسنة في حياته. (¬8) ذهبوا إلى صلاة العيد. (¬9) اعترافا بأنه تعالى العليم بأحوال عباده (سبحانه لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم). (¬10) اطلبوا مني. (¬11) أبعد زللكم مدة مراقبتي والخوف مني. (¬12) الحقوق والأوامر ..

الله عليه وسلم: إنَّ شهر رمضان شهر أمتي يمرض مريضهم فيعودونه، فإذا صام مسلم لمْ يكذبْ ولمْ يغتبْ، وفطره سعى إلى العتماتِ (¬1) محافظاً على فرائضهِ خرج من ذنوبه كما تخرج الحيَّة من سلخها (¬2). رواه أبو الشيخ أيضاً. 25 - وعنْ أبي مسعود الغفاريِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ وأهلَّ رمضان فقال: لوْ يعْلم العباد ما رمضان لتمنَّت أمَّتي أن تكون السَّنة كلها رمضان (¬3)، فقال رجل من خزاعة يا نبيَّ الله: حدِّثنا؟ فقال: إنَّ الجنَّة لتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحولِ (¬4)، فإذا كان أوَّل يوم من رمضان هبَّتْ (¬5) ريح من تحت العرش، فصفَّقت (¬6) ورق أشجار الجنَّة، فتنظر الحور العين (¬7) إلى ذلك فيلقن يا ربَّنا: اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجاً تقرُّ (¬8) أعيننا بهمْ، وتقرُّ أعينهم بنا؟ قال: فما من عبدٍ يصوم يوماً من رمضان إلا زُوِّج زوجةً من الحور العين في خيمةٍ من درَّةٍ كما نعت الله عزَّ وجلَّ: حور مقصورات في الخيام على كل امرأةٍ منهنَّ سبعون حلَّةً ليس منها حلَّة على لون الأخرى، وتعطى سبعين لوناً من الطِّيب ليس منه لون على ريح الآخر، لكلِّ امرأةٍ منهنَّ سبعون ألف وصيفةٍ (¬9) لحاجتها، وسبعون ألف وصيفٍ مع كلِّ وصيف صحفةٌ من ذهبٍ فيها لون طعامٍ تجد لآخر لقمةٍ منها لذَّة لم يجده لأوَّله، ولكل امرأةٍ منهنَّ سبعون سريراً من ياقوتةٍ حمراء، على كل سريرٍ سبعون فراشاً بطائنها من إستبرقٍ، فوق كلِّ فراش سبعون أريكةً ويُعطي زوجها مثل ذلك، على سرير من ياقوتٍ أحمر موشَّحاً بالدرِّ عليه سواران منْ ذهبٍ، هذا بكلِّ يومٍ صامه من رمضان سوى ما عمل من الحسنا. رواه ابن خزيمة ¬

(¬1) طيب حلال، صلاة العشاء والفجر. أي مشى لهما وقت الظلمة حبا في ثواب الله. (¬2) المعنى نظف من الخطايا، وطهر من الدنس كما تخرج الأفعى من جلدها. (¬3) كذا ط وع ص 341، وفي ن د كلها فقال. (¬4) العام إلى العام. (¬5) مرت. (¬6) طربت وأظهرت صوتا شجياً، ونغمات موسيقية. (¬7) نساء الجنة الجميلات. (¬8) تفرح وتنشرح. (¬9) خادمة بمعنى أن الله تعالى يتفضل بإكرام الصائ بحسان بيض يتمتع بهن لهن خدم وحشم ورائحة ذكية.

في صحيحه، والبيهقي من طريقه، وأبو الشيخ في الثواب، وقال ابن خزيمة، وفي القلب من جرير بن أيوب شيء. (قال الحافظ): جرير أيوب البجلي واهٍ، والله أعلم. (الأريكة): اسم لسرير عليه فراش وبشخانة، وقال أبو إسحاق: الأرائك الفرش في الحجال، يعني البشخانات، وفي الحديث: ما يفهم أن الأريكة: اسم البشخانة فوق الفراش والسرير، والله أعلم. 26 - وعنْ أبي أُمامة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: لله عزَّ وجلَّ عند كلِّ فطرٍ عتقاء (¬1). رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والطبراني والبيهقي، وقال: هذا حديث غريب في رواية الأكا من الأصاغر، وهو رواية الأعمش عن الحسين بن واقد. 27 - وروي عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله تبارك وتعالى عُتقاء في كلِّ يومٍ وليلةٍ، يعنى في رمضان، وإنَّ لكلِّ مسلمٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ دعوة مستجابة (¬2). رواه البزار. 28 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا تردُّ دعوتهمْ: الصائم حتى يفطر، والإمال العادل، ودعوة المظلوم (¬3) يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرَّبُّ: وعزَّتي لأنصرنتك ولوْ بعد حينٍ. رواه أحمد في حديث، والترمذي وحسنه، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والبزار، ولفظه: ¬

(¬1) أسري يبعدهم من جهنم إكراما لهذا الشهر المبارك تفضلا منه سبحانه. (¬2) فيه الحث على العبادة فيه، وانتظار رحمة الله وكثرة التضرع إلى الله تعالى في أوقات ترمضان وطلب قضاء لحاجات منه، وفيه البشري بالإجابة. أولا: يجيب الله دعاء الصائم مدة صومه. ثانياً: الذي يتولى عملاً ويخشى الله فيه ويراقبه من وال، أو حاكم، أو رب أسره. (¬3) المكروب: المظلوم المعتدى عليه، ويقسم سبحانه بعزته وجلاله أن ينصره (قد جعل الله لكل شيء قدراً) سبحانه ولي ناصر: ونعم المولى ونعم النصير، وفيه التضرع إلى الله أثناء الصوم لتلبسه بطاعة ربه والحث على العدل، واتباع الحق، ونصر المستغيث، وعدم الظلم.

ثلاثة حقُّ على الله أن لا يردَّ لهمْ دعوةً: الصائمُ حتى يفطر، والمظلوم حتى ينتصر، والمسافر (¬1) حتى يرجع. 29 - وعن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عزَّ وجلَّ في كلِّ ليلةٍ من رمضان ستمَّائة من رمضان ستمائة ألف عتيقٍ من النَّار، فإذا كان آخر ليلةٍ أعتق الله بعدد من مضى. رواه البيهقي، وقال: هكذا جاء مرسلا. 30 - وعنْ عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان فُتِّحت أبواب الجنان فلمْ يغلق منها باب واحد الشَّهر كلَّه، وغُلقَّت أبواب النار فلم يفتحْ منها باب الشَّهر كله، وغُلَّت عتاة الجنِّ (¬2) ونادى منادٍ من السَّماء كلَّ ليلةٍ إلى انفجار الصُّبح: يا باغي الخير يمِّمْ وأبشرْ (¬3)، ويا باغي الشَّرِّ أقصر وأبصر (¬4) هلْ من مستغفر يغفر له. هل من تائبٍ يتوبُ الله عليه. هلْ من داعٍ يُستجاب له، هلْ من سائلٍ يُعطي سؤاله، ولله عزَّ وجلَّ عند كلِّ فطرٍ من شهر رماضن كل ليلةٍ عتقاً من النار سُّتون ألفاً، فإذا كان يوم الفطر اتق الله مثل ما أعتق في جميع (¬5) الشَّهر ثلاثين مرَّةً ستين ألفاً ستين ألفاً. رواه البيهقي، وهو حديث حسن لا بأس به في المتابعات، في إسناده نائب بن عمرو الشيباني وثِّق، وتكلْم فيه الدارقطني. 31 - وروي عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاكر الله (¬6) في رمضان مغفور له، وسائل الله فيه لا يخيب (¬7). رواه الطبراني ¬

(¬1) المسافر سفر طاعة في رعاية الله وعونه لأنه ذاهب إلى التجارة، أو عمل يقدمه معتمداً على ربه، فدعاؤه مستجاب. (¬2) وضعت في السلاسل المردة الفسقة المغوون. عتاة جمع عات: المتجبرون، وفيه كما في النهاية وبئس العبد عبد عتا وطغى). العتو: التجبر والتكبر، وقد عتا يعتو فهوعات، أهـ، وفيه بيان فضل رمضان. أ - تفتح أبواب الرحمات والنعيم مدة الشهر. ب - تقفل أبواب الشرور، وتسد ثغرات النار. جـ - يأمن الإنسان من أذى الشياطين الذين يوسوسون ويغوون ويضلون. (¬3) اقصد وزد. (¬4) كذا وأبصر ص 343، وفي ن د وط: وبصر بلا همزة، والمعنى انظر إلى الأعمال الصالحة وعاقبتها وتجنبها، واعقل الخير ونتيجته، وافعله لله، وافهم بركة رمضان وفضله. (¬5) كذا ط وع، وفي ن د: كل، وفي ن ط ود: أعتق الله، وستين ألفا واحدة في ن د: فقط. (¬6) الذي يكثر من تسبيحه وتمجيده والاستغفار والصلاة على المختار صلى الله عليه وسلم بمحو الله ذنوبه. (¬7) ومن طلب منه شيئاً أجاب دعاءه، ونجح مراده، وقضى حاجته.

32 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا يسْتقبلكم، وتستقْبلُكمْ، وتستقبلون ثلاث مرَّاتٍ (¬1)؟، فقال عمر بن الخطَّاب: يا رسول الله وحي نزل (¬2)؟ قال: لا. قال: عدوُّ حضر (¬3)؟ قال: لا قال: فماذا؟ قال: إن الله يغفر في أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان لكلِّ أهل هذه القبلةِ وأشار بيده إليها، فجعل رجل بين يديه يهزُّ رأسه، ويقول: بخٍ بخٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا فلان ضاق (¬4) به صدرك؟ قال: لا، ولكن ذكرت المنافق (¬5)، فقال: إن المنافقين همُ الكافرون، وليْس للكافرين في ذلك شيء. رواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي، وقال ابن خزيمة: إن صح الخبر، فإني لا أعرف خلفا أبا الربيع بعدالة ولا جرح، ولا عمرو ابن حمزة القيسي الذي دونه. (قال الحافظ): قدذكرهما ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيهما جرحا، والله أعلم. 33 - وعنْ عبد الرَّحمن بن عوفٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان يُفضله على الشهور فقال: من قام رمضان إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبهِ كيوم ولدته أمُّه. رواه النسائي، وقال: هذا خطأ، والصواب أنه عن أبي هريرة. 34 - وفي رواية له قال: إنَّ الله فرض صيام رمضان، وسننْتُ لكم قيامهُ، فمنْ صامه، وقامه (¬6) إيماناً، واحتساباً خرج من ذنوبهِ كيوم ولدته أمُّهُ (¬7). 35 وعن عمرو بن مرَّة الجهنيِّ رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أرأيت إنْ شهدت أن لا إله إلا الله، وأنَّك رسول الله، وصلَّيْت الصَّلوات الخمْسَ. وأدَّيت الزكاة وصمْتُ رمضان، وقمته فمِمَّنْ أنا؟ ¬

(¬1) كذا د وع، وفي ن ط: وتستقبلونه. (¬2) قرآن جاء من الله تعالى. (¬3) خصم داهم. (¬4) كذا دو ع, وفي ن ط: صدق. (¬5) كذا ط وع، وفي ن د: المنافقين. (¬6) أدى صومه على الوجه الأكمل، وتهجد في لياليه، وأطاع الله، وأكثر من ذكره وحمده. (¬7) فقت صحيفته وابيض وجهه وتطهر من الأدناس، وعفا الله عنه. كأن صحيفته في البياض والنقاء صحيفة طفل خالية من السيئات ملأى بالحسنات، وفيه بيان فضل رمضان.

قال: من الصِّدِّيقين والشُّهداء (¬1). رواه البزار، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما، واللفظ لابن حبان. 36 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبه. الحديث أخرجاه في الصحيحين. وتقدم في رواية لمسلم قال: منْ يقمْ ليلة القدر فيوافقها، وأراه قال: إيماناً. واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبه. 37 - وروي أحمد من طريق عبد الله بن محمد بن ع قيل عن عمرو بن عبد الرحمن عن عبادة بن الصامت قال: أخبرنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدرِ. قال: هي في شهر رمضان في العشرِ الأواخرِ ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاثٍ وعشرين، أوْ خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أوْ آخر ليلةٍ من رمضان. من قامها احتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبهِ، وما تأخَّر، وما تقدمت هذه الزيادة في حديث أبي هريرة في أول الباب. 38 - وعنْ مالكٍ رحمه الله أنَّه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى (¬2) النَّاس قبله، أو ما شاء الله من ذلك ¬

(¬1) يبين صلى الله عليه وسلم ما يوصلك إلى درجة الفضلاء العظماء الأبرار: أ - توحيد الله وطاعته، وحب رسوله، والعمل بتشريعته، ونصر دينه، والدعوة إليه. ب - أداء الصلوات الكاملة. جـ - والزكاة. د - القيام بالصوم، وإحياء لياليه في الطاعة، والصديق: من كثر منه الصدق، والصديقون: هم قوم دوين الأنبياء في الفضيلة (في مقعد صدق عند مليك مقتدر). (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صديقاً نبيناً) والشهيد من قتل مجاهداً في سبيل الله، ويجمع على شهداء: أي الله تعالى وملائكته شهود له بالجنة، وقيل لأنه حي لم يمت، وفي النهاية اتسع فيه فأطلق على من سماه النبي صلى الله عليه وسلم من المبطون والغرق والحرق، وصاحب الهدم، وذات الجنب وغيرهم، وملائكة الرحمة تشهده. وقيل لقيامه بشهادة الحق في أمر الله حتى قتل، وقيل: لأنه يشهد ما أعد الله له من الكرامة بالقتل. أه بتصرف. (¬2) أي أراه الله أعمار الأمم السابقة، ثم بين صلى الله عليه وسلم تحرى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان لينتظرها المسلمون، ويكثروا من ذكر الله وحمده وتمجيده، والصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم، وفيه خصوصية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم يتضاعف ثواب عملها، وأن ليلة القدر هبة وهدية من الله جل جلاله لأمة محمد عليه الصلاة والسلام، الركعة فيها بثواب ألف ركعة في غيرها، وهكذا من أفعال العبادة والخير. =

فكأنَّهُ تقاصرَ أعمارَ أمَّتِهِ أن يبْلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهمْ، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهرٍ، ذكره في الموطإ هكذا. ¬

_ = (فقه الباب ومغزاه) أولا: غفران ذنوب الصائم القائم صغيرها وكبيرها. ثانياً: عتق ملايين من المسلمين من النار إكراماً لرمضان. ثالثاً: جعل رائحة الصائم عند الله والملائكة كالمسك الأذفر في الآخرة، وفيه دليل على قبول أعماله. رابعاً: تمتع الصائم بنعيم ليس له مثيل يوم القيامة باتساع قصره وملكه في الجنة، وزخرفته بأنواع الحلي والزينات غالي الأثاث والرياش. خامساً: الصائم مؤمن، والمفطر منافق. سادساً: إجابة الدعوات في رمضان، وكسب الحسنات. ثامناً: زفاف عرائس للصائم بالأبهة، وأنواع الكمالات، وبدائع الجمال. تاسعاً: تنقية الصحائف من الذنوب. عاشراً: مضاعفة الثواب في أعمال رمضان. دليل الصوم في كتاب الله تعالى قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم تتقون. أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون. شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون. وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون. أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون) من آية 183 إلى 186 من سورة البقرة. شرح الآيات: الله تعالى كتب الصوم على الأنبياء والأمم من لدن آدم عليه السلام إلى وقتنا هذا. قال البيضاوي وفيه توكيد للحكم، وترغيب في الفعل، وتطييب على النفس، والصوم في اللغة الإمساك عما تنازع إليه النفس. وفي الشرع الإمساك عن المفطرات بياض النهار فإنها معظم ما تشتهيه الأنفس. (تتقون) المعاصي فإن الصوم يكسر الشهوة التي هي مبدؤها كما قال عليه الصلاة والسلام: (فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء) وأمر الإخلال بأدائه لأصالته وقدمه. (معهدودات) مؤقتات بعدد معلوم. (هدى للناس) أي أنزل القرآ وهو هداية للناس باعجازه وآيات واضحات مما يهدي إلى الحق ويفرق بينه وبين الباطلبما فيه من الحكم والأحكام. تبيين أسرار الصوم أولا: تقليل الأكل والشرب، والاسترسال في الملذات لتضعف القوة البهيمية، وتسمو روح الإخلاص والقوة الملكية المتحلية بالفضائل. ثانياً: تخلق المؤمن في بعض آنائه بخلق من أخلاق المهيمن جل وعلا وهو الصمدية، وتشبه على قدر الإمكان بالملائكة المقربين من الله تعالى في الصفات المنزهين عن جميع الشهوات في الكف عنها والخلو منها. ثالثاً: تعويد الصبر والثبات على المكاره فإن الصائم يكلف نفسه البعد عن مشتهياتها من الأكل =

الترهيب من إفطار شيء من رمضان من غير عذر

الترهيب من إفطار شيء من رمضان من غير عذر 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ أفطر يوماً من رمضان من غير رخصةٍ (¬1) ولا مرضٍ لمْ يقضهِ (¬2) صوم الدَّهر كلِّه، وإنْ صامه (¬3). رواه الترمذي، واللفظ له، وأبو داود النسائي، وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والبيهقي كلهم من رواية من المطوس، وقيل: أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة، وذكره البخاري تعليقاً غير مجزوم، فقال: ويذكر عن أبي هريرة رفعه: من أفطر يوماً من رمضان من غير عذرٍ ولا مرضٍ، لم يقضهِ صوم الدَّهرِ، وإنْ صامه. وقال الترمذي لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمعت محمدا، يعني البخاري أيضاً: لا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به، والله أعلم. 2 - وعنْ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعيَّ (¬4)، فأتيا بي جبلاً وعراً (¬5)، ¬

= والشرب ومباشرة، ويذودها عن ذلك بعزم قوى وصبر حسن. رابعاً: تذكير العبد بما هو عليه من الذلة والمسكنة لأنه يشعر أثناء صومه بحاجته إلى يسير الطعام، وقليل الشراب، والمحتاج إلى الشيء ذليل به. خامساً: المحافظة على النفس من الوقوع في الآثام. سادساً: حث الأغنياء على مساعدة الفقراء، والقيام بما يذود عنهم عادى الجوع، وغائل الصدى. سابعاً: إيقاد الفكرة، وإنقاذ البصيرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جاع بطنه عظمت فكرته وفطن قلبه، وقال صلى الله عليه وسلم: (البطن أصل الداء والحمية أصل الدواء) وقال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة، وصفاء القلب ورقة المدرك بهما لذة المناجات والتأثر بالذكر. أهـ من أسرار الشريعة الإسلامية ص 138. (¬1) إجازة تثبت العذر كسفر في طاعة، أو سبب أباح الله له به الفطر، والرخصة في الأمر خلافة التشديد فيه، وقد رخص له في كذا ترخيصاً فترخص هو فيه: أي لم يستقص. فيه الترهيب من إفطار يوم من رمضان لأن المتعمد المفطر نقص ثوابه، وضاع أجره، ولم يحصل على هذا الثواب، ولو صام النوافل مدة عمره لا يسد صوم هذا الزمن الطويل عن يوم واحد من رمضان. وفي النهاية: الدهر اسم للزمان الطويل، ومدة الحياة الدنيا. (¬2) لم يؤد قضاءّ، ولم يجزه. (¬3) أي لو حصل منه صوم طويل حياته فلن يدرك ثواب ما ضيع. (¬4) أي قبضا على كتفيه وأمسكا إبطيه - وفي النهاية (أنه مر في حجه على امرأة معها ابن لها صغير فأخذت بضبعيه وقالت: ألهذا حج؟ فقال نعم ولك أجر). الضبع بسكون الباء: وسط العضد، وقيل: هو ما تحت الإبط. (¬5) صعب المسلك، أي الوصول إليه يكون بشدة وألم.

فقالا: أصْعَدْ؟ فقلتُ: إنِّي لا أطيقه، فقال: إنَّا سنسهِّله (¬1) لك فصعدْتُ حتى إذا كنت في سواء (¬2) الجبل إذا بأصواتٍ شديدة. قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء (¬3) أهل النار، ثمَّ انطلق بي، فإذا أنا بقومٍ مُعلَّقين (¬4) بعراقيبهم مشقَّقَةَ أشداقهمْ (¬5) تسيل أشداقهم دماً. قال (¬6) قلت: من هؤلاء؟ قال: الذين يفطرون قبل تحلَّةِ صومهمْ (¬7)، الحديث. رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما. (وقوله): قيل تحلة صومهم: معناه يفطرون قبل وقت الإفطار. 3 - وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: (حمَّاد بن زيدٍ، ولا أعلمه إلا قدر رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: عرى (¬8) الإسلام، وقواعد الدين ثلاثة عليهنَّ أسِّسَ ¬

(¬1) نجعله لك سهلا، ونساعدك على صعوده ورقيه. كذا ط وع ص 344 وفي ن د نستسله. (¬2) وسطه. (¬3) صياح: عوي الكلب: صاح. (¬4) أي مشدودين من أقدامهم، والعرقوب: الوتر الذي خلف الكعبين بين مفصل القدم والساق من ذوات الأربع، وهو من الإنساء فويق العقب. (¬5) أي مفتوحة جوانب أفواههم، فيها شدوخ وثلمات من شدة الألم. الأشداق: جوانب الفم. (¬6) كذا ط و، وفي ن د: دما قلت. (¬7) أي لا يصومون بياض النهار، ويتجارءون على الإفطار، والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على عذاب المفطرين، فرأى هيئتهم رثة كئيبة في شدة الألم يصيحون كالكلاب، ويعوون كالذئاب، ويستغيثون ولا مغيث، وفي نهاية أقدامهم كلاليب من نار مشدودين منها كلحم القصاب، ويخرج الدم من أفواههم ترعا. وفيه الترهيب من الإفطار، ولعل عصاة المسلمين المفطرين يتوبون إلى الله، ويصومون ويخشون عقابه. آه: وكنت أمر على بعض الأناس فأراهم لا يستحيون من الله، ويشربون التبغ، ويأكلون جهارا نهارا. أرجو أن ينتفقعوا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويصومون ولا يستحقون هذا العقاب الصارم. (¬8) روابطه المتينة، وعقده الوثقى: أ - توحيد الله فيذاته، وصفاته، وأفعاله، وإخلاص العبادة له سبحانه وطاعته والعمل بكتابه، وسنة حبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ب - أداة الصلاة المفروضة. جـ - صيام رمضان. فمن ترك واحدة من هذه كفر بالله واستحق العذاب، وأهدر دمه وباء بالطرد. لقد سجل المفطر في رمضان الفجور والشقاء لنفسه في الدنيا والآخرة، وضيع ثقة الناس به في معاملته، وفصرفي الكد والجلد ليربح في هذه السوق النافقة، وضيع فرصة سانحة في الصلح بينه وبين ربه. بل المفطر عدو نفسه لأن التخمة مددت معدته فاضطربت أعصابه، وساء هضمه وذهبت نضارة صحته، وقال صلى الله عليه وسلم: (المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وأصل كل داء البردة). والحمية: الامتناع عن الطعام والشراب أزمانا، والبردة التخمة. وقد شاهدت والدي رحمه الله تعالى يمرض فيمتنع عن الطعام والشراب خمسة أيام أو أكثر ولا يتناول إلا قليلا من الأشياء السهلة الهضم فيشفى بإذن الله، وقد حدثني طبيب مسلم عربي أن رجلا ثريا عالج صحته بكل شيء لم ينفع شيء، فذهب إلى طبيب ألماني بعد أن أعيته حيل الأطباء، فعالجه بصيام المسلمين: أي تنظم =

الترغيب في صوم ست من شوال

الإسلام، منْ ترك واحدةً منهنَّ فهو بها كافر حلال الدَّمِ: شهادة أن لا إله إلا الله، والصَّلاة المكتوبة، وصوم رمضان. رواه أبو يعلى بإسناد حسن. وفي رواية: منْ ترك منهنَّ واحدةً فهو بالله كافرٌ، ولا يُقبلُ منه صرف، ولا عدلٌ وقد حلَّ دمهُ وماله. (قال الحافظ): وتقدمت أحاديث تدل لهذا الباب في ترك الصلاة وغيره. الترغيب في صوم ست من شوال 1 - عنْ أبي أيُّوب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ صام رمضان، ثمَّ أتبعه ستًّا من شوَّال كان كصيام الدَّرً (¬1). رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وانب ماجه والطبراني. وزاد قال: قُلتُ بكلِّ يومٍ عشرة؟ قال: نعمْ. ورواته رواه الصحيح. 2 - وعنْ ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام ستَّة أيامٍ بعد الفطر كان تما السنَّةِ: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. رواه ابن ماجه والنسائي، ولفظه: (جعل الله الحسنة بعشرأمثالها، فشهر بعشرة، وصيام ستَّة أيام بعد الفطر تمام السنة. وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه وهو رواية النسائي قال: ¬

= أكلة واحدة في اليوم والليلة، والامتناع عن المفطرات نحو خمس عشرة ساعة لا يأخذ شيئاً حتى تجف المعدة وتستريح، ومشى على هذا النظام شهرا كاملاً فشفاه الله تعالى. (¬1) أي الذي يقوم بصوم شهر رمضان صوما كلاما، ثم يعقبه بسنة من شهر شوال كأنه صام سنة كاملة. قال النووي: فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه السنة، وقال مالك وأبو حنيفة: يكره ذلك. قال مالك في الموطأ ما رأيت أحداً من أهل العلم يصومها، قالوا: فيكره لئلا يظن وجوبه، ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها. وقولهم: (قد يظن وجوبها) ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب. قال أصحابنا: والأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرقها أو أخرها من أوائل شوال إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة لأنه يصدق أنه أتبعه ستاً من شوال. قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام ادهر لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين، وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي ص 56 جـ 8.

الترغيب في صيام يوم عرفة لمن لم يكن بها، وما جاء في النهي عنه لمن كان بها حاجا

صيام شهر رمضان بعشرة أشهرٍ، وصيام ستَّة أيام بشهرين، فذلك صيام السَّنَةِ. وابن حبان في صحيح، ولفظه: من صام رمضان وستًّا من شوَّال، فقد صام السَّنة. رواه أحمد والبزار والطبراني من حديث جابر بن عبد الله. 3 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: منْ صامَ رمضان، وأتبعه بستٍ من شوَّال فكأنَّما صام الدَّهر. رواه البزار، وأحد طرقه عنده صحيح، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد فيه نظر قال: منْ صام ستَّة أيامٍ بعد الفطرِ متتابعة فكأنَّما صام السَّنة كلَّها. 4 - وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان وأتْبعه ستًّا من شوَّال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه (¬1). رواه الطبراني في الأوسط. (الترغيب في صيام يوم عرفة لمن لم يكن بها) وما جاء في النهى عنه لمن كان بها حاجا 1 - عنْ أبي قتادة رضي الله عنه قال: سئلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنْ صوم يوم عرفة قال: يُكفِّر السَّنة (¬2) الماضية والباقية. رواه مسلم واللفظ له، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه والترمذي، ولفظه: ¬

(¬1) أي الله تعالى يتفضل بغفران ذنوبه صحائفه من الخطايا جزاء صومه. (¬2) أي صغائر الذنوب المقترفة.

السَّنةَ التي بعده، والسَّنةَ التي قبْلهُ. 2 - وروى ابن ماجه أيضاً عن قتادة بن النعمان قال: سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صام يوم عرفة غُفر له سنةٌ أمامه، وسنةٌ بعدهِ. 3 - وعن عطاء الخرساني أنَّ عبد الرَّحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما دخل على عائشة رضي الله عنها يوم عرفة وهي صائمة، والماء يرشُّ عليها، فقال لها عبدُ الرَّحمن: أفطري؟ فقالت: أفطرُ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ صوم يوم عرفة يكفِّرُ العام الذي قبله رواه أحمد ورواته ثقات محتاج بهم في الصحيح أن عطاء الخرساني لم يسمع من عبد الرحمن بن أبي بكر. 4 - وعنْ سهلِ بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام يوم عرفة غُفرَ له ذنبُ سنتين متتابعتين. رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح. 5 - وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه، وسنة خلفه، ومن صام عاشوراء غفر له سنة، رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. 6 - وعن مسروقٍ أنه دخل على عائشة رضي الله عنها يوم عرفة، فقال: اسقوني فقالت عائشة: يا غلام اسقه عسلاً، ثم قالتْ: وما أنت بصائمٍ يا مسروق؟ قال: لا، إنِّي أخاف أن يكون يوم الأضحى، فقالت عائشة: ليس ذلك، إنما عرفة يوم يعرَّف الإمام، ويوم النَّحر يوم ينحر الإمام، أو ما سمعت يا مسروق أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعْدِلُهُ بألف يومٍ (¬1). رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن البيهقي. 7 - وفي رواية للبيهقي قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صيام يوم عرفة كصيام ألف يومٍ. 8 - وعنْ سعيد بن جبير قال: سأل رجل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عنْ ¬

(¬1) تذكر السيدة عائشة رضي الله عنها فضل يوم عرفة أنه يوازي العمل فيه ألف يوم في أوقات أخرى، بمعنى أن ثواب الركعة أو الحسنة مضاعف قدر ألف في غيره وغير رمضان، وفيه الترغيب بصومه لأنه وقت الرحمات والصفاء، وفيه تفتح أبواب البركات: ويستجاب فيه للدعاء.

الترغيب في صيام شهر الله المحرم

صوم يومِ عرفة فقال: كُنَّا ونحنُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعدلهُ بصوم سنتين. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن، وهو عند النسائي بلفظ سنة. 9 - وعنْ زيد بن أرْقم رضي الله عنه عنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه سُئل عنْ صيام يوم عرفة قال: يكفِّرُ السُّنة التي أنت فيها، والسَّنة التي بعدها. رواه الطبراني في الكبير من رواية رشدين بن سعد. 10 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنْ صوم يوم عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ (¬1). رواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، ورواه الطبراني في الأوسط عن عائشة. (قال الحافظ): اختلفوا في صوم يوم عرفة بعرفة، فقال ابن عمر: لم يَصُمْهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكرٍ، ولا عمرُ، ولا عثمانُ، وأنا لا أصومه، وكان مالك والثَّوريُّ: يختاران الفطر، وكان ابن الزُّبير وعائشة: يصومان يوم عرفة. ورُوي ذلك عن عثمان بن أبي العاصي، وكان إسحاق: يميل إلى الصوم، وكان عطاء يقول: أصوم في الشِّتاء، ولا أصوم في الصيف، وقال قتاة: لا بأس به إذا لمْ يُضعفْ عن الدعاء، وقال الشافعيُّ: يستحبُّ صوم يوم عرفة لغير الحاجِّ، فأمَّا الحاجُّ فأحب إليَّ أن يفطر لتقويته على الدعاء، وقال أحمد بن حنبلٍ: إن قدر على أن يصوم صام وإنْ أفطر فذلك يوم (¬2) يحتاج فيه إلى القوَّة. الترغيب في صيام شهر الله المحرم 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) الشارع حكيم، يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتفرغ الحاج لتلبية ربه، ويصفو لمناجاته، ويتجدد نشاطه، وتزداد قوته، فلا يكسل في طاعة ربه، ولا يصيبه فتور الجوع لأن هناك يكثر الحاج من التلبية والتضرع. (¬2) كذا ط وع ص 347: فذلك يحتاج أن ينشط الحاج فيه، ويقوي على التلبية والاستعداد للرحيل إلى منى: اللهم إني أسألك أن ترزقنا الإخلاص، وتتكرم علينا بزيارة الأماكن المقدسة هذه، وزيارة حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن شغوف ومشتاق، وأنت المستعان.

أفْضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم (¬1)، وأفضل الصَّلاة بعد الفريضة: صلاة الليل (¬2). رواه مسلم واللفظ له، وأبو داود والترمذي والنسائي، ورواه ابن ماجه باختصار ذكر الصلاة. 2 - وعنْ عليٍّ رضي الله عنه وسأله رجلٌ فقال: أي شهرٍ تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان؟ فقال له: ما سمعت أحداً يسأل عن هذا إلا رجلاً سمعته يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد عنده، فقال: يا رسول الله أيُّ شهر تأمرني أنْ أصوم بعد شهر رمضان؟ قال: إن كنت صائماً بعد شهر رمضان، فصم المحرَّم، فإنَّه شهر الله، فيه يوم تاب الله فيه على قومٍ، ويتوبُ فيه على قوْمٍ آخرين. رواه عبد الله ابن الإمام أحمد عن غيره أبيه، والترمذي من رواية عبد الرحمن بن إسحاق، وهو ابن أبي شيبة عن النعمان ابن سعد عن علي، وقال: حديث حسن غريب. 3 - وعنْ جُنْدُبِ بن سفيان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أفضل الصَّلاة بعد المفروضةِ الصلاة في جوف الليل، وأفضلَ الصِّيام بعد رمضان شهْرُ الله الذي تدعونه الحرَّم. رواه النسائي والطبراني بإسناد صحيح. 4 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ صام يوم عرفة كان له كفَّارة سنتين، ومنْ صام يوماً من المحرَّم فله بكلِّ يوم ثلاثون يوماً (¬3). رواه الطبراني في الصغير، وهو غريب، وإسناده لا بأس به. والهيثم بن حبيب وثقه ابن حبان. ¬

(¬1) فيه تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم، ولعله صلى الله عليه وسلم علم فضله في آخر حياته أهـ نووي: أي أكثر صلى الله عليه وسلم من الصوم في شعبان ثم فضل المحرم. (¬2) اتفق العلماء على أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار لما فيه من صفاء العبادة، وعدم المشاغل، والقيام لله تعالى، وترك لذة النوم، والتفرغ لمناجاة الصمد المعبود بحق (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطعماً) اللهم وفقنا. (¬3) أي صوم يوم واحد من المحرم، يعطيه الله ثواب صوم شهر في غيره، وثلاثون كذا ط، وفي ن د وفي ع ثلاثين ص 348.

الترغيب في صوم يوم عاشوراء، والتوسيع فيه على العيال

الترغيب في صوم يوم عاشوراء، والتوسيع فيه على العيال 1 - عنْ أبي قتادةَ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئلَ عنْ صيام يوم عاشوراء فقال: يُكَفِّر السَّنة الماضية (¬1). رواه مسلم وغيره، وابن ماجه ولفظه قال: صيام يوم عاشوراء إنِّي أحْتسب على الله أن يكفِّر السَّنة التي بعدها. 2 - وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يومَ عاشوراء، أوْ أمر بصيامِهِ. رواه البخاري ومسلم. 3 - وعنْهُ رضي الله عنه أنَّه سئل عنْ صيام يوم عاشوراء؟ فقال: ما علمْتُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضْلَهُ على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهر إلا هذا الشهر، يعني رمضان. رواه مسلم. 4 - وعنْهُ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لمْ يكنْ يتوخَّى فضل يوم على يومٍ بعد رمضان إلا عاشوراء. رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن بما قبله. 5 - وعنْهُ رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليْسَ ليومٍ فضْلٌ على يومٍ في الصيام إلا شهر رمضان، ويوم عاشوراء، رواه الطبراني في الكبير، والبيهقي، ورواة الطبراني ثقات. 6 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام يومَ عرفة غفر له سنة أمامه وسنة خلْفَهُ، ومنْ صام عاشوراء غفر لهُ سنةٌ (¬2). رواه الطبراني بإسناد حسن، وتقدم. 7 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ ¬

(¬1) أي يمحو الله ذنوب عام تفضلا منه سبحانه لعظم هذا اليوم عند الله تعالى. قال النووي: اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء اليوم سنة ليس بواجب، وقال أبو حنيفة كان واجبا في أول الإسلام، وعند الشافعي لم يزل سنة من حين شرع أهـ. وكانت الجاهلية من كفار قريش وغيرهم واليهود يصومونه، وجاء الإسلام بصيامه متأكداً، ثم بقي صومه أخف من ذلك التأكد، والله أعلم أهـ نووي ص 9 جـ 8. (¬2) يمحو الله بسبب صومه ذنوب سنة.

الترغيب في صوم شعبان، وما جاء في صيام النبي صلى الله عليه وسلم له، وفضل ليلة نصفه

أوْسعَ (¬1) على عيالهِ وأهلهِ يوم عاشوراء، أوْسَعَ (¬2) الله عليه سائر سنَتِهِ. رواه البيهقي وغيره من طرق، وعن جماعة من الصحابة، وقال البيهقي: هذه الأسانيد وإن كانت ضعيفة فهي إذ ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة، والله أعلم. (الترغيب في صوم شعبان) وما جاء في صيام النبي صلى الله عليه وسلم له، وفضل ليلة نصفه 1 - عنْ أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما قال: قُلْتُ: يا رسول الله لمْ أرَكَ تصومُ من شهرٍ من الشهور ما تصوم من شعبان. قال: ذاك شهرٌ يغفلُ النَّاس عنه بين رجبٍ ورمضان، وهو شهرٌ ترفع (¬3) فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين، وأحبُّ أنْ يرْفع عملي وأنا صائم. رواه النسائي. 2 - وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ولا يفطر، حتى نقول ما في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطر العام، ثمَّ يفطر فلا يصوم حتى نقول ما في نفسهِ أن يصوم العامَ، وكان أحبُّ الصَّوم إليه في شعبان (¬4). رواه أحمد والطبراني. ¬

(¬1) أي أنفق. (¬2) زاد في رزقه ووسع عليه وبارك فيما أعطاه. وفي المدخل لابن الحاج التوسعة فيه على الأهل والأقارب واليتامى والمساكين وزيادة النفقة والصدقة مندوب إليها لكن بشرط عدم التكلف، ثم ندد على ما يفعل فيه من ذبح الدجاج وطبخ الحبوب، ثم قال: ولم يكن السلف الصالح رضوان الله عليهم يتعرضون في هذه المواسم، ولا يعرفون تعظيمها إلا بكثرة العبادة، والصدقة، والخير، واغتنام فضيلتها، لا بالمأكول، بل كانوا يبادرون إلى زيادة الصدقة وفعل المعروف أهـ. أوسع بزيادة الهمزة، يقال وسعه الشيء يسعه سعة، وفي أسماء الله تعالى (الواسم) هو الذي وسم غناه كل فقير ورحمته كل شيء، والوسع والسعة: الجدة والطاقة أهـ وقد بين صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجود اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجي الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه. رواه مسلم ص 10 جـ 8. (¬3) معناه أن هذا الشهر عظيم، وفيه تصعد الأعمال إلى الله تعالى. (¬4) كان يكثر صلى الله عليه وسلم من صوم النفل فيه، وفيه كثرة صوم النفل في شعبان لعلو درجته عند الله تعالى. وفي ع: أحب بضم الباء.

3 - وروي الترمذيُّ عنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: سئل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أيُّ الصَّوم أفضل بعد رمضان؟ قال: شعبان لتعظيم رمضان. قال: فأي الصَّدقة أفضل؟ قال: صدقة في رمضان (¬1). قال الترمذي: حديث غريب. 4 - وعنْ عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعْبان كلَّهُ. قالتْ قُلْتُ: يا رسول الله أحبُّ الشهور إليك أن تصومه شعْبان؟ قال: إنَّ الله يكتبُ فيه على كلِّ ميتةٍ (¬2) تلك السَّنة، فأحب أن يأتيني أجلي، وأنا صائم. رواه أبو يعلي، وهو غريب، وإسناده حسن. 5 - وعنها رضي الله عنها قالتْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومْ حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم اسْتكمل صيام شهرٍ قطُّ إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهرٍ أكثر صياماً منْهُ في شعبان. رواه البخاري ومسلم وأبو داود. ورواه النسائي والترمذي وغيرهما قالتْ: ما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في شهرٍ أكثر صياماً منهُ في شعبان كان يصومهُ إلا قليلا، بلْ كان يصومهُ كلَّهُ. 6 - وفي رواية لأبي داود قالت: كان أحبُّ الشُّهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان، ثمَّ (¬3) يصله برمضان. 7 - وفي رواية للنسائي قالت: لمْ يكنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم لشهرْ أكثر صياماً منهُ لشعبان كان يصومه أوْ عامَّتَهُ. 8 - وفي رواية للبخاري ومسلم قالت: لمْ يكنِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان، فإنَّه كان يصوم شعبْان كلَّه، وكان يقول: خذوا من العملِ ما تطيقون، فإنَّ الله لا يملُّ حتى تملُّوا، وكان أحبَّ الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دووم عليه وإن قلَّتْ. وكان إذا صلَّى صلاة داوم عليها. ¬

(¬1) كذا د وع ص 349، وفي ن ط: زيادة (ما كان عن ظهر غنى). (¬2) الله تعالى يقدر فيها النفوس الميتة، فيريد صلى الله عليه وسلم أن يتحرى الصوم في شعبان عسى أن يدركه الموت وهو صائم. (¬3) كذا د وع. وفي ن ط: يصله.

9 - وعنْ أمِّ سلمة رضي الله عنها قالتْ: ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرينِ متتابعين إلا شعبان ورمضان. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وأبو داود، ولفظه: قالتْ: لمْ يكنِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصوم من السَّنة شهراً تاما إلا شعبان كان يصله برمضان. رواه النسائي باللفظين جميعا. 10 - وعنْ معاذ بن جبلٍ رضي الله عنهُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: يطَّلع الله إلى جميع خلقهِ ليلة النِّصف من شعبان فيغفر لجميع خَلقهِ إلا لمشركٍ (¬1) أوْ مُشاحنٍ (¬2). رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه. 11 - وروي البيهقي من حديثِ عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبْرائيل عليه السَّلام فقال: هذه ليلة النِّصف من شعبان، وللهِ فيها عتقاء من النَّار بعدد شُعور غنمِ (¬3) كلبٍ، ولا ينظر الله فيها إلى مشتركٍ، ولا إلى مشاحنٍ، ولا إلى قاطع رحمٍ، ولا إلى مُسْبلٍ، ولا إلى عاقٍ لوالديه، ولا إلى مدمنِ خمرٍ، فذكر الحديث بطوله، ويأتي بتمامه في التهاجر إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) متخذ لله إلهاً آخر في عبادته، ويخشى الله وغيره. (¬2) منافق شرير يبعث الشقاق، ويوقد نار العداوة بين المتحابين. (¬3) كذا د وع ص 350، وفي ن ط بني كلب، المعنى أن الله تعالى يتفضل فينجي من النار أفرادا جمة كثيرة جداً لا يعلم عددها البالغ في العظمة إلا هو سبحانه وتعالى، ثم استثنى صلى الله عليه وسلم ستة يستمر عذابهم ويبق جحيمهم ولا ينظر إليهم سبحانه وتعالى نظر رحمة ونعمة. أولا: من يجعل لله شريكاً في طاعته وأعماله، وليس مخلصاً لله وحده. ثانياً: مجرم فاسق مؤذ شرير، وفي النهاية المشاحن: المعادي، والشحناء العداوة، والتشاحن تفاعل منه، وقال الأوزاعي: أراد بالمشاحن ههنا صاحب البدعة المفارق لجماعة الأمة أهـ. الله أكبر، كل رجل مقصر في أوامر الله متبع هواه، مبتدع في المنزلة الثانية في جهنم بعد المشرك بالله. هلموا أيها المسلمون إلى العمل بكتاب الله، وسنة نبيه عسى أن تشملكم رحمة الله ونعيمه فيغفر لكم ويجير لكم من عذاب أليم. ثالثاً: من هجر أقاربه، وترك صلة أهله. رابعاً: مسبل، أي متكبر متجبر يمشي مشية الخيلاء والعجب. خامساً: عاصي والديه تارك برهما لم يعطف عليهما، ولم يحسن إليهما ويشتمهما، ويقصر في واجباتهما. سادساً: سكير مستمر في غوايته وضلاله لم ينجز بالحوادث المؤلمة في موت السكران فجأة، أو فقره أو قذارته، أو عصيانه لربه، وسخط الناس عليه وفجوره وضياع أمواله، وكراهة الصالحين لن وسيرته الحقيرة وفيه طلب التوبة لله، والتحلي بالمكارم، ونبذ الخلال السيئة التي تجلب غضب الرب.

12 - وروي الإمامُ أحمد عنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يطَّلع عزَّ وجلَّ إلى خلقِهِ ليلة النِّصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحنٍ، وقاتلِ نفس. 13 - وعنْ عائشة رضي الله عنها قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الَّليل فصلَّى فأطال السُّجود حتى ظننْتُ أنه قد قبض، فلما ذلك قمْتُ حتى حرَّكتُ إبهامه فتحرَّك فرجعتُ فسمعتهُ (¬1) يقول في سجوده: أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك إليك، لا أحْصى ثناءً عليكَ أنت كما أثنيت على نفسك، فلَّما رفع رأسه من السُّجود، وفرغ من صلاتهِ. قال: يا عائشة، أو يا حميراء أظننتِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قدْ خاس بك؟ قلت: لا والله يا رسول الله، ولكنِّي ظننت أنَّك قبضتَ لطول سجودك، فقال: أتدرين أيُّ ليلة هذه؟ قُلْتُ: الله ورسوله أعلمُ. قال: هذه ليلة النِّصف من شعبان، إنَّ الله عزَّ وجلَّ يطَّلع على عبادهِ في ليلة أعلم. قال: هذه ليلة النِّصف من شعبان، إنَّ الله عزَّ وجلَّ يطَّلع على عبادهِ في ليلة النِّصف من شعبان فيغفر للمستغفرين، ويرْحمُ المسترحمين، ويؤخِّر أهل الحقدِ كما همْ. رواه البيهقي من طريق العلاء بن الحارث عنها، وقال: هذا مرسل جيدا، يعني أن العلاء لم يسمع من عائشة، والله سبحانه أعلم. (يقال خاس به): إذا غدره ولم يوفه حقه، ومعنى الحديث: أظننت أنني غدرت لك، وذهبت في ليلتك إلى غيرك، وهو بالخاء المعجمة والسين المهملة. 14 - وروي عنْ عليٍّ رضي الله عنه عنْ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا كانت ليلة النِّصف منْ (¬2) شعبان، فقوموا ليْلها، وصوموا يومها، فإنَّ الله تبارك وتعالى ينزل (¬3) فيها لغروب الشَّمسِ إلى السماء الدُّنيا، فيقول: ألا من مستغفرٍ فأغفر ¬

(¬1) فسمعته يقول في سجوده: (أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ منك إليك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) ليس في د وع، ولكن في ن ط. وفي مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له، أو لآخر: أصمت من سرر شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين أهـ ص 3 وج 8. قيل المراد وسط الشهر، وسرارة الوادي: وسطه وحياره. وقال ابن السكيت: سرار الأرض أكرمها ووسطها. (¬2) كذا دو ع، وفي ن ط: ليلة نصف شعبان. (¬3) بمعنى تصب رحماقه وتغدق بركاته، وينزل نعيمه، ويعم خيره، وتفتح أبواب السماء، فيستجاب الدعاء وينظر الله نظر رأفة وإحسان طيلة ليلة النصف منه ويومه من غروب الشمس، وتنادي ملائكة الرحمة: =

الترغيب في صوم ثلاثة أيام من كل شهر سيما الأيام البيض

له، ألا من مسترزقٍ فأرزقه؟ ألا من مُبتلِى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا؟ حتَّى يطْلعَ الفجْر (¬1) رواه ابن ماجه. (الترغيب في صوم ثلاثة أيام من كل شهر سيما الأيام البيض) 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوْصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ (¬2): صيام ثلاثة أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ، وركعتي الضَّحى وأن أوتر قبل أن أنام. رواه البخاري ومسلم والنسائي. 2 - وعنْ أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: أوصاني حبيبي بثلاثٍ لنْ أدعَهُنَّ ما عشتُ: بصيام ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهر، وصلاة الضُّحى، وبأن لا أنام حتى أوتر. رواه مسلم. 3 - وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوْم ثلاثةِ أيَّام من كلِّ شهرٍ صوْم الدَّهر كلِّه (¬3). رواه البخاري ومسلم. 4 - وعنه رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صام نُوح عليه السلام الدَّهر كلَّهُ إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود عليه السلام نصف الدَّهر، وصام إبراهيم عليه السلام ثلاثة أيامٍ منْ كلِّ شهرٍ صام الدَّهرَ (¬4)، وأفطر ¬

= أ - هل يوجد كثير الاستغفار، ومحب التوبة، والمنيب إلى ربه ليغفر له. ب - هل من طالب رزق رغد، وعيش سعيد كثير الرخاء، فينال طلبته. جـ - هل من سقيم فيشفى؟ هل من مر يض فيكتسب الصحة، وتغمره العافية والنضارة. (¬1) يريد صلى الله عليه وسلم أن يبشر المسلمين بزمن يرجى فيه البر، وتدرك فيه الرحمات من غروب شمس ليلة النصف إلى طلوع فجرها - أوقات رضا، وأزمان مناجاة. (¬2) أي نصحني صلى الله عليه وسلم، وأكد بالمحافظة على ثلاثة: أ - يتطوع بالصيام في كل شهر ثلاثة أيام. ب - يحافظ على ركعتي الضحى، فيصليهما كل يوم. جـ - أن يصل الوتر قبل النوم خشية أن ينام فينسى ويغفل فلا يصليه. (¬3) معناه أن الذين يتطوع في الصوم نافلة كل شهر ثلاثة أيام يتكرم الله جل وعلا، فيعطيه ثواب من صام مدة حياته، ولا يخفي نهاية إخلاصه لربه، وقدرته على صوم ثلاثة أيام فقط، ونيته الإفطار بعدئذ ليقوى على عمله. (¬4) أي قبل الله صومه هذا، وأعطاه ثواب من صام مدة عمره.

الدَّهر (¬1). رواه الطبراني في الكبير والبيهقي، وفي إسنادهما أبو فراس لم أقف فيه على جرح ولا تعديل، ولا أراه يعرف، والله أعلم. 5 - وعنْ أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثٌ من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدَّهر كلِّهِ (¬2). رواه مسلم، وأبو داود والنسائي. 6 - وعن قرَّة بن إياسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهر صيام الدَّهرِ (¬3) وإفطاره. رواه أحمد بإسناد صحيح والبزار والطبراني، وابن حبان في صحيحه. 7 - وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صومُ شهر الصَّبرِ، وثلاثة أيامٍ من كلِّ شهرٍ يُذهبن وحر الصَّدر. رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والبيهقي، الثلاثة من حديث الأعرابي، ولم يسموه، ورواه البزار أيضاً من حديث على. (شهر الصبر): هو رمضان. 8 - وروي عن ميمونة بنت سعدٍ رضي الله عنها أنَّها قالت: يا رسول الله أفتنا عن الصَّومِ؟ فقال: من كلِّ شهر ثلاثةٍ أيامٍ من استطاع أين يصومهنَّ، فإنَّ كلَّ يومٍ يُكفِّر عشر سيئاتٍ، وينقِّي من الإثم (¬4) كما يُنقِّي الماء الثَّوبَ. رواه الطبراني في الكبير. 9 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ صام من كلِّ شهرٍ ثلاثة أيامٍ، فذلك صيام الدَّهر، فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه: ¬

(¬1) وعوضه الله خيراً عن إفطاره، وأعطاه القوة والصحة والنشاط، فكأنما أفطر مدة حياته. وفيه أن الإنسان يعمل جهد طاقته، ولا يحرم نفسه من السعي في ميادين الصالحات، والغرف من بحار الطاعات بما تيسر، وجني ثمار المحامد ما استطاع. (¬2) بين صلى الله عليه وسلم أن الذي يحافظ على صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويصوم رمضان يعطيه الله ثواب من صام طول عمره، والحسنة مضاعفة. (¬3) كذا دو ع ص 352، وفي ن ط: الدهر كله. (¬4) كذا دو ع ص 352، وفي ن ط: الدهر كله.

من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. اليوم بعشرة أيامٍ. رواه أحمد والترمذي، واللفظ له وقال: حديث حسن، والنسائي، وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه. 10 - وفي رواية للنسائي: منْ صام ثلاثة أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ، فقد تمَّ صوْم الشَّهر، أوْ فله صوم الشَّهر. 11 - وعن عمرو بن شرحبيل رضي الله عنه عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قيل للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: رجل يصوم الدَّهر؟ فقال: وددتُ أنَّه لم يطعم الدَّهر. قالوا. فثلثيهِ؟ قال: أثر. قالوا: فنصفه؟ قال: أكثر، ثمَّ قال: ألا أخبركم بما يذهب وحر الصَّدر؟ قال: صوم ثلاثة أيام من كل شهرٍ. رواه النسائي. 12 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: بلغني أنَّك تصوم النَّهار، وتقوم الليل فلا تفعل، فإنَّ لجسدك عليك حظاً (¬1) ولعينيك عليك حظا، وإنَّ لزوجك عليك حظاً، صمْ وأفطرْ، صمْ منْ كلِّ شهرٍ ثلاثة أيامٍ، فذلك صوم الدَّهر. قالتُ: يا رسول الله إنَّ لي قوة؟ قال: فصم داود عليه السلام: صُمْ يوماً، وأفطر يوماً، فكان يقول: يا ليتني أخذت بالرُّصة (¬2) رواه الطبراني ومسلم والنسائي، ولفظه قال: ذكرت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّوم، فقال: صُمْ من كلِّ عشرة أيَّامٍ يوماً، ولك أجرُ تلك التسعة قُلْتُ: إني أقوى من ذلك؟ قال: فصُمْ من كلِّ تسعة أيامٍ يوماً، ولك أجر تلك الثمانية، فقلْتُ: إنِّي أقوى من ذلك؟ قال: فصمْ من كلِّ ثمانيةِ أيَّامٍ يوماً ولك أجر تلك السَّبعة. قُلْتُ: إني أقوى من ذلك؟ قال: فلم يزلْ حتى قال: صُمْ يوماً، وأفطر يوماً. 13 - وفي رواية له أيضاً ولمسلم: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صُمْ يوماً، ولك أجرُ ما بقي. قال: إني أطيقُ أكثر من ذلك؟ قال: صمْ يومين ولك أجر ما بقي. قال: إني أطيق أكثر من ذلك؟ قال: صمْ ثلاثة أيامٍ، ولك أجر ما بقي ¬

(¬1) حظا، كذا ط وع ص 353، وفي ن د: حقا. (¬2) الإجازة أن هذا صام كثيرا حتى ضعف، فتمنى لو أخذ بتيسير الرسول صلى الله عليه وسلم، وتسهيل شريعته.

قال: إني أطيقُ أكثر من ذلك (¬1)؟ قال: فصم الصِّيام عند الله: صوم داود، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً. 14 - وفي أخرى للبخاري ومسلم قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انَّه يقول: لأقومنَّ الليل، ولأصومنَّ النَّهار ما عشت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّك الذي تقول ذلك؟ فقلتُله: قدْ قُلْتُهُ يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنَّك لا تستطيع ذلك: فصمْ، وأفْطرْ، ونمْ، وقمْ، صمْ من الشَّهر ثلاثة أيامٍ فإنَّ الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدَّهر. قال: فإني أطيق أفضل في ذلك؟ قال: صمْ يوماً، وأفطرْ يومين. قال فقلتُ: فإنِّي أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله، قال: فصمْ يوماً، وأفطرْ يوماً، وذلك صيام داود، وهو أعدل الصِّيام. قال: فإنِّي أطيق أفضل من ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك. زاد مسلم: قال عبد الله بن عمرو: لأنْ أكون قبلْتُ الثَّلاثة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحبُّ إليَّ منْ أهلي ومالي. 15 - وفي أخرى لمسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلغني أنَّك تقوم الليل، وتصوم النَّهار؟ قُلتُ: يا رسول الله ما أردْتُ بذلك إلا الخير، قال: لا صام منْ صام الدَّهر (¬2). وفي رواية: الأبد، ولكن أدُّلك على صوم الدَّهر: ثلاثة أيَّام من كل شهرٍ. قلتُ: يا رسول الله أنا أطيق أكثر من ذلك. الحديث. 16 - وعنْ أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رذا صمت من الشَّهر ثلاثاً: فصمْ ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة (¬3). رواه أحمد والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن. ¬

(¬1) أتحمل أكثر من ذلك. (¬2) بمعنى أن الإنسان لا يتحمل الصوم الكثير، وإجهاد النفس فوق طاقتها عسير، وغير موصل إلى إدراك الثواب، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. (¬3) يدل صلى الله عليه وسلم على فضل صوم أيام البيض أيام 13 و 14 و 15 من كل شهر.

الترغيب في صوم الاثنين والخميس

وزاد ابن ماجه: فأنزل الله تصديق ذلك في كتابهِ: منْ جاء بالحسنة فله عشرُ أمثالها. فاليوم بعشرة أيامٍ. 17 - وعنْ عبد الله بن قدامة بن ملحان عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام أيام البيضِ: ثلاثة عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة. قال وقال: وهو كهيئة الدَّهر (¬1). رواه أبو داود والنسائي، ولفظه: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بهذه الأيام الثلاث البيض، ويقول هنَّ صيام الشَّهر. (قال المملي) رضي الله عنه: هكذا وقع في النسائي وابن ماجه أيضا: عبد الملك بن المنهال عن أبيه. 18 - وعنْ جريرٍ رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: صيام ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهرٍ صيام الدَّهر: أيام البيض صبيحة ثلاثة عشرة، وأربع عشرة وخمس عشرة. رواه النسائي بإسناد جيد والبيهقي. 19 - وعنِ بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيام؟ فقال: عليك بالبيض: ثلاثة أيَّام من كلِّ شهرٍ. رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات. (الترغيب في صوم الاثنين والخميس) 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه عنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تُعرضُ الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحبُّ أن يعرضَ عملي وأنا صائم. رواه الترمذي. وقال: حديث حسن غريب. 2 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس، فقيل يا رسول الله: إنَّك تصوم الاثنين والخميس، فقال إنَّ يوْمَ ¬

(¬1) أي الذي يحافظ على صوم هذه الأيام ينال ثواب من صام طول حياته، وأرضى ربه.

الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكلِّ مسلمٍ إلا مهتجرين (¬1) يقول: دعهما حتى يصطلحا رواه ابن ماجه، ورواته ثقات. ورواه مالك ومسلم، وأبو داود والترمذي باختصار ذكر الصوم، ولفظ مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعْرضُ الأعمال في كلِّ اثنين وخميسٍ فيغفر الله عزَّ وجلَّ في ذلك اليوم لكلِّ لا يشرك بالله شيئاً إلا أمرأً كانت بينه وبين أخيه شحناء (¬2) فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا. وفي رواية له: تفتح أبواب الجنَّة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكلِّ عبدٍ لا يشركُ بالله شيئاً إلا رجلاً كان بينه وبين أخيه شحناء الحديث. ورواه الطبراني، ولفظه قال: تُنْسخُ دواوين أهل الأرضِ في دواوين أهل السَّماء في كلِّ اثنينٍ وخميس فيغفر لكلِّ مسلمٍ لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً بينه وبين أخيه شحناء. 3 - وعنْ أسامة بن زيدٍ رضي الله عنه قال قلتُ: يا رسول الله إنَّك تصوم حتى لاتكاد تُفْطر، وتفطر حتى لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك، وإلا صمتهما قال: أيُّ يومين؟ قُلتُ: يوم الاثنين والخميس، قال: ذلك يومان تعْرض فيهما الأعمال على ربِّ العالمين فأحبُّ أن يعرض عملي وأنا صائم. رواه أبو داود والنسائي، وفي إسناده رجلان مجهولان: مولى قدامة، ومولى أسامة. 4 - ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن شرحبيل بن سعد عن أسامة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومُ الاثنين والخميس ويقول: إنَّ هذين اليومين تعرْضُ فيهما الأعمال. 5 - وعنْ جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعرضُ الأعمال يوم الاثنين والخميس فمنْ مستغفرٍ فيغفر له، ومن تائب فيتابُ عليهِ، ويردُّ أهل الضَّغائن بضغائنهم حتى يتوبوا. رواه الطبراني، ورواته ثقات. ¬

(¬1) متباغضين: متخاصمين. (¬2) شقاق، وبغضاء، وتنافر وخصام، وعناء.

الترغيب في صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد، وما جاء في النهي عن تخصيص الجمعة بالصوم أو السبت

6 - وعنْ عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صومَ الاثنين والخميس. رواه النسائي وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن غريب. (الترغيب في صوم الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد) وما جاء في النهي عن تخصيص الجمعة بالصوم أو السبت 1 - رُوي عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ صامَ يوم الأربعاء والخميس كُتبتْ له براءةٌ من النَّار. رواه أبو يعلي. 2 - وروي عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ صام الأربعاء والخميس والجمعة بنى الله له بيتاً في الجنَّة يُرى ظاهره منْ باطنهِ، وباطنهُ من ظاهرهِ. رواه الطبراني في الأوسط، ورواه في الكبير من حديث أبي أمامة. 3 - وروي عنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنَّه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: منْ صامَ الأربعاء، والخميس، والجمعةَ بنى الله له قصراً في الجنَّة منْ لؤلؤٍ وياقوتٍ وزبرجدٍ، وكتب له براءةً من النَّار. رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي. 4 - وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ صام الأربعاء والخميس، ويوم الجمعةِ، ثمَّ تصدَّق يوم الجمعةِ بما قلَّ أوْ كثرَ غفر له كلُّ ذنبٍ عمله حتى يصير كيوم ولدته أمُّهُ من الخطايا. رواه الطبراني في الكبير والبيهقي. 5 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام يوم الجمعة كتبَ الله له عشرة أيَّام عددهنَّ من أيام الآخرة لا تشاكلهُنَّ أيَّامُ الدُّنيا. رواه البيهقي عن رجل من جشم عن أبي هريرة، وعن رجل من أشجع عن أبي هريرة أيضاً، ولم يسمّ الرجلين. وهذا الحديث: على تقدير وجوده محمول على ما إذا صام يوم الخميس قبله، أو عزم على صوم السبت بعده. 6 - وعن عُبيدِ الله بن مسلمٍ القُرشيِّ عنْ أبيه قال: سألت، أوْ سئل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن صيام الدَّهرِ، فقال: لا، إنَّ لأهْلك عليك حقا، صُمْ رمضان والذي

يليه، وكلَّ أربعاء وخميسٍ، فإذنْ أنت قدْ صمْتَ الدَّهرَ وأفطرتَ. رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن غريب. (قال المملي عبد العظيم) رضي الله عنه: ورواته ثقات. 7 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تخْصُّوا ليلة الجمعةِ بقيامٍ منْ بين الليالي، ولا تخصُّوا يوم الجمعة بصيامٍ (¬1) من بينِ الأيَّام إلا أن يكون في صومٍ أحدكمْ. رواه مسلم والنسائي. 8 - وعنْهُ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يصومنَّ أحدكمْ يوم الجمعةِ رلا أن يصومَ يوماً قبله أو يوما بعده. رواه البخاري واللفظ له، ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه. وفي رواية لابن خزيمة: إنَّ يوم الجمعة يوم عيدٍ فلا تجْعَلُوا يوم عيدكمْ يوم صيامكمْ إلا أن تصوموا قبْله أو بعده. 9 - وعنْ أمِّ المؤمنين جويرية بنتِ الحارث رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة: فقال: أصمتِ أمس: قالتْ: لا. قال: تريدين أنْ تصومي غدا؟ قالت: لا. قال: فأفطري. رواه البخاري، وأبو داود. 10 - وعنْ محمد بن عبادٍ رضي الله عنه قال: سألتُ جابراً وهو يطوف بالبيتِ أنهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عنْ صيام الجمعةِ؟ قال: نعمْ، وربِّ هذا البيتِ: رواه البخاري ومسلم. 11 - وعنْ عامرِ بن لُدينٍ الأشعري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ يوم الجمعةِ عيدكمْ فلا تصوموا إلا أن تصوموا قبْله أو بعدهُ. رواه البزار بإسناد حسن. 12 - وعن ابن سيرين قال: كان أبو الدَّرداءِ رضي الله عنه يُحْيي ليلة الجمعةِ ويصوم يومها، فأتاه سلمانُ، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم آخى بينهما، ونام عنده، ¬

(¬1) أي لا تفردوا يوم الجمعة بصوم نفل، لأنه يوم عيد المسلمين، ويوم اجتماع.

فأراد أبو الدَّرْداء أن يقوم ليلته، فقام إليه سلمان فلمْ يدعهُ حتى نام وأفطر، فجاء أبو الدرداءِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: عُؤيمرُ، سُليمان أعلمُ منك، لا تخصَّ ليلة الجمعةِ بصلاةٍ، ولا يومها بصيامٍ. رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد. 13 - وعنْ عبد الله بن بسرٍ عنْ أختهِ الصَّماء رضي الله عنهمْ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تصوموا ليلة السَّبت إلا فيما افترضَ عليكمْ، فإنْ لمْ يجدْ أحدكمْ إلا لحاء عنبةٍ، أو عود شجرةٍ فليمضغه (¬1). رواه الترمذي وحسنه، والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه، وأبو داود، وقال: هذا حديث منسوخ، ورواه النسائي أيضاً وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن بسر دون ذكر أخته. 14 - ورواه ابن خزيمة في صحيحه أيضاً عن عبد الله بن شقيق عن عمته الصماء أخت بسر أنَّّها كانت تقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنْ صيام يومِ السَّبتِ ويقول: إنْ لمْ يجدْ أحدكمْ إلا عوداً أخضر فليفطر عليه. (اللحاء) بكسر اللام وبالحاء والمهملة ممدودا: هو القشر. (قال الحافظ): وهذا النهي إنما هو عن إفراده بالصوم لما تقدم من حديث أبي هريرة: لا يصوم أحدكمْ يوم الجمعةِ إلا أنْ يصوم يوماً قبله، أوْ يوماً بعدهُ فجاز إذا صومه. 15 - وعنْ أمِّ سلمةَ رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ¬

(¬1) معناه لابد من الإفطار، ولو بمص عود كرم. يضع في فمه أي شيء حتى لا يمتنع عن الأكل فيه. وفيه النهي عن مشاركة النصارى في أعيادهم أو تعظيمها، أو عمل شيء فيها يدل على العناية والفرح. وإني انتقد المسلمين الذين يبتهجون ويفيرحون يوم شم النسيم، ويتخذونه لهواً ولعباً، فهذا حرام. فليتنبه المسلمون، ولا يجاروا الأجانب في أعيادهم، ولا يتحملون بأنواع الزينة يومي السبت والأحد، ولا يظهرون أي سرور فيهما اتقاء مشاركتهم، ويجب العمل فيهما، وعدم إقفال الدكاكين، وإبطال المصانع (ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون) 232 البقرة (ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل الله عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم) 231 من سورة البقرة. الكتاب والحكمة: القرآن والسنة، أفردهما بالذكر إظهاراً لشرفهما أهـ بيضاوي.

الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم، وهو صوم داود عليه السلام

ما كان يصومُ من الأيَّام يوم السبتِ، ويوم الأحد، كان يقول: إنَّهما يوما عيدٍ (¬1) للمشركين، وأنا أريد أنْ أخالفهمْ. رواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره. (الترغيب في صوم يوم وإفطار يوم وهو صوم داود عليه السلام) 1 - عنْ عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّك لتصوم الدَّهر وتقومُ الليلَ؟ قُلْتُ: نعمْ. قال: إنَّك إذا فعلْتَ ذلك هجمتْ له العين (¬2)، ونفهت له النَّفس (¬3)، لا صامَ منْ صامَ الأبد (¬4)، صوم ثلاثة أيامٍ من الشهر صوم الشَّهر كلِّهِ (¬5) قُلْتُ: فإني أطيق أكثر من ذلك؟ قال: فصُمْ صومَ داود عليه السَّلام كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، ولا يفرُّ إذا لاقى (¬6). وفي روايةٍ: ألم أخبرْ أنَّك تصوم ولا تفطر، وتصلِّي الليل، فلا تفعلْ، فإنَّ لعينك حظا (¬7) ولنفسك حظاً، ولأهلك حظا، فصمْ وأفطرْ وصلِّ ونمْ، وصمْ منْ كلِّ عشرة أيامٍ يوما، ولك أجر تسعةٍ. قال: إني أجد أقوى من ذلك يا نبيَّ الله؟ قال: فصُمْ صيام داود عليه السلام، قال: وكيف كان يصوم يا نبيَّ الله؟ قال: كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، ولا يفرُّ إذا لاقى. ¬

(¬1) كذا ط وع ص 358، وفي ن: عيد المشركين. يفطر صلى الله عليه وسلم يومي السبت والأحد ليخالف النصارى. (¬2) أي غارتودخلت في موضعها، ومنه الهجوم على القوم: الدخول عليهم أهـ نهاية. أي مرضت من كثرة الجوع، وعدم التغذية. (¬3) أعيت وكلت، وضعفت عن القيام بعملها. (¬4) نفى صلى الله عليه وسلم الصوم الصحيح كثير الثواب لمن أعجز نفسه بكثرة الصوم طول حياته لأن الإنسان في حاجة إلى تغذية وراحة، ولا بد من الإطعام، ومن خالف الطبيعة طلب المحال، وأضعف قوته فلن يصل إلى الثواب والأجر الجزيل، وقديماً قالوا: (إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهراً أبقى)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا). فيه الترغيب بالرأفة على النفس والشفقة بها، وعدم إجهادها، والسير جهد الطاقة في العبادة، بل وفي كل الأعمال, والدين يسر لا عسر، وما الحياة سوى طاعة الله، وعبادته مع عمله الذي احترف به وأتقنه وكسب منه عيشه. وما الحياة بأنفاس ترددها إن الحياة حياة العلم والعمل (¬5) الذي يحافظ على ثلاثة أيام من كل شهر يعطيه الله ثواب صوم الشهر كله: الحسنة بعشر أمثالها، وفضل الله لا حد له. (¬6) يستعد للجهاد، وينازل الأعداء، ويرد كيد الخصوم، ويحارب في سبيل الله تعالى. (¬7) نصيباً من الراحة.

وفي أخرى: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا صومَ فوقَ صومِ (¬1) داود عليهِ السَّلام: شطْرَ الدَّهْرِ (¬2)، صمْ يوماً، وأفطر يوماً. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 2 - وفي روايةٍ لمسلمٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: صُمْ يوماً، ولك أجرُ ما بقي. قال: أنا أطيق أفضل من ذلك؟ قال: صمْ ثلاثة أيامٍ، ولك أجْرُ ما بقي قال: إني أطيق أفضل من ذلك؟ قال صُمْ أفضل الصِّيام عند الله صوم داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. 3 - وفي رواية لمسلم، وأبي داود قال: صُمْ يوماً وأفطرْ يوماً، وهو أعدل الصِّيام، وهو صيام داود عليه السلام. قلتُ: إنِّي أطيق أفضل من ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أفضلَ من ذلك. 4 - وفي رواية للنسائي: صُمْ أحبَّ الصِّيام إلى الله عزَّ وجلَّ، صوم داود: كان يصوم يوماً، ويفطرُ يوماً. 5 - وفي رواية لمسلم قال: كُنْتُ أصوم الدَّهْرَ، وأقرأ القرآن كلَّ ليلةٍ. قال: فإمَّا ذكرتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإمَّا أرسل إلىَّ، فأتيْتُهُ، فقال ألمْ أخبرْ أنَّك تصوم الدَّهر، وتقرأ القرآن كلَّ ليلةٍ؟ فقلت: بلى (¬3) يا نبيَّ الله، ولمْ أردْ بذلك إلا الخير. قال: فإنَّ بحسبك (¬4) أنْ تصوم منْ كلِّ شهر ثلاثة أيامٍ، فقلتُ: يا نبيَّ الله إنِّي أطيق أفضل من ذلك؟ قال: فإنَّ لزوجك عليك حقا (¬5)، ولزورك (¬6) عليك حقا، ولجسدكَ ¬

(¬1) كذا ط وع ص 358، وفي ن د صيام. (¬2) نصفه: يرغب صلى الله عليه وسلم في صوم التطوع، يرتاح الصائم يوماً ويصوم يوماً لينال من الله جزيل الأجر ويكسب الرضا. (¬3) جواب للنفي، يريد أقرأ. (¬4) بكفايتك. (¬5) كثرة الصيام تضعف واجب الزوجة ومؤانستها، والقرب منها لزيادة النسل، ولتعففها، وزيادة ورعها، وإيفاء حقها. (¬6) الزائر أو الزوار: الضيوف، وفي النهاية: الزور: الزائر، وهو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم كصوم ونوم بمعنى صائم ونائم، وقد يكون الزور جمع زائر كراكب وركب أهـ. يريد صلى الله عليه وسلم أن يعلم الكرم والجود: وحسن الضيافة واللياقة، ورعاية الأدب والذوق: أ - يؤدي واجب المرأة. ب - يكرم الضيف الطارق نهاراً. جـ - يتمتع الجسم براحته، ويأخذ ما يقويه من الطعام والشراب، لينمو، ويزداد صحة ونضارة هذا لباب الدين أيها المسلمون عمسى ألا تتغالوا، ولا تفرطوا ولا تقصروا، ولا تكثروا من العبادة فتملوا =

ترهيب المرأة أن تصوم تطوعا وزوجها حاضر إلا أن تستأذنه

عليك حقا؟ قال: فصمْ صوم داود نبي الله عليه السَّلام فإنَّه كان أعبد النَّاس. قال: قُلْتُ يا نبيَّ الله وما صوم داود؟ قال: كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً. قال: واقرأ القرآن في كلِّ شهر. قال: قُلْتُ: يا رسول الله: إنِّي أطيق أفضل من ذلك؟ قال: فأقرأة في كلِّ عشرين. قال: قُلْتُ يا نبيَّ الله: إنِّي أطيق أفضل من ذلك؟ قال: فاقرأه في كلِّ عشرين. قال: قُلْتُ يا نبيَّ الله: إنِّي أطيق أفضل من ذلك؟ قال: فاقرأه في كلِّ عشرةٍ. قال قُلْتُ يا نبيَّ الله: إنِّي أطيق أفضلَ من ذلك؟ قال: فاقرأه في كلِّ سبعٍ (¬1)، ولا تزدْ على ذلك، فإنَّ لزوجك عليك حقا، ولزوْرِك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا. 6 - وعنْهُ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: أحبُّ الصِّيامِ إلى الله صيام داود، وأحبُّ الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل، ويقوم ثُلُثهُ، وينام سُدسه، وكان يُفْطر يوماً ويصوم يوماً. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والنسائي وابن ماجه. (هجمت العين) بفتح الهاء والجيم: أي غارت وظهر عليها الضعف. (ونفهت النفس) بفتح النون، وكسر الفاء: أي كلت وملت وأعيت. (الزور) بفتح الزاي: هو الزائر الواحد، والجمع فيه سواء. (ترهيب المرأة أن تصوم تطوعا وزوجها حاضر إلا أن تستأذنه) 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحلُّ لامرأةٍ أن تصوم (¬2)، وزوجها شاهدٌ (¬3) إلا بإذنهِ ولا تأذن (¬4) في بيتهِ إلا بإذنه. ¬

= يتخذ العاقل الحد الوسط في أعماله، ويكمل نفسه بصيام التطوع ما استطاع، ثم يفطر ليجدد نشاطه، ويحسن إلى زواره بمشاركتهم في الأكل. (¬1) يرغب صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن كل شهر مرة من أوله إلى آخره، أو في عشرين يوما، أو في عشرة، أو في أسبوع، لأن القرآن غذاء العقول، ومصدر الأنوار الإلهية، ومعين الهداية، وشمس السعادة. (¬2) صوم التطوع. (¬3) حاضر غير مسافر، أو بعيد منها طول يومه رجاء أن تستعد ليتمتع بها في كل وقت، ولا يمنعها صوم النفل لله تعالى. فيه طلب طاعة المرأة لزوجها، وتحري رضاه والاجتهاد في إسعاده. (¬4) لا تعطي ولا تتصدق، ولا تسمح بدخول أحد بيتها إلا بإذن زوجها. منهج رابطة الصفاء: أ - السعي لرضا زوجها. ب - عدم فعل شيء مطلقاً إلا برضاه واستشارته لتدوم المودة وتشرق المحبة، وتتبادل عواطف الإحسان والمحامد والثقة.

ترهيب المسافر من الصوم إذا كان يشق عليه وترغيبه في الإفطار

رواه البخاري ومسلم وغيرها، ورواه أحمد بإسناد حسن، وزاد: إلا رمضان: وفي بعض روايات أبي داود: غير رمضان. 2 - وفي رواية للترمذي وابن ماجه: لا تصمِ المرأة وزوجها شاهد يوماً من غيرِ شهر رمضان إلا بإذنهِ. ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما بنحو الترمذي. 3 - وعنْهُ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّما امرأةٍ صامتْ بغير إذن زوجها فأرادها (¬1) على شيء فامْتنَعَتْ عليهِ، كتب الله عليها ثثلاثاً من الكبائر. رواه الطبراني في الأوسط من رواية بقية، وهو حديث غريب، وفيه: نكارة، والله أعلم. 4 - وروي الطَّبراني حديثاً عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفيه: من حقِّ الزِّوج على الزَّوجة أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنهِ، فإنْ فعلتْ جاعتْ وعطشتْ (¬2)، ولا يقبلُ منها، ويأتي بتمامهِ في النِّكاح إن شاء الله تعالى. (ترهيب المسافر من الصوم إذا كان يشق عليه) وترغيبه في الإفطار 1 - عنْ جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتحِ (¬3) إلى مكَّة في رمضان حتى بلغ كراع الغميم فصام وصام الناس، ثمَّ دعا بقدحٍ (¬4) من ماء فرفعهُ حتى نظر النَّاس إليه، ثمَّ شرب، فقيل له: بعد ذلك إن بعض الناس قدْ صام ¬

(¬1) فأرادها كذا د وع ص 359، وفي ن ط: فآذاها. والمعنى من تغلب في صومها، وزوجها غير راض عن صومها، ثم تقرب إليها ليلامسها، ويقضي إربته فامتنعت لأنها تتطوع بالصوم ارتكبت ثلاث موبقات كبائر تسبب لهذا العذاب الأليم، وفيه طلب استعداد المرأة لزوجها واستشارته في عملها. (¬2) أي حرمها الله من الأجر لصومها بلا إذن زوجها، ولم تنل من صومها إلا العطش والجوع، وذهب صومها بلا فائدة، بل سبب لها وزراً. (¬3) فتح مكة في السنة الثامنة لعشر خلون من رمضان أول يناير سنة 630 م، وكان في جيشه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الذي أسلم في تلك السنة هو وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة بن عبد الدار، والزبير، وأبو عبيدة ابن الجراح. (¬4) إناء مثل الكوب.

فقال: أولئك العُصاة (¬1). وفي روايةٍ، فقيل له: إنَّ بعض الناس قد صام، فقال، أولئك العصاة، أولئك العصاةُ. وفي روايةٍ، فقيل له: إنَّ بعض الناس قد شقَّ عليهم الصِّيام، وإنما ينظرون فيها فعلْتَ، فدعا بقدحٍ من ماءٍ بعد العصْرِ الحديث. رواه مسلم. (كراع) بضم الكاف. (الغيم) بفتح الغين المعجمة: وهو موضع على ثلاثة أميال عن عسفان. 2 - وعنه رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فرأى رجلاً قد اجتمع النَّاس عليه وقد ظلِّل عليه (¬2)، فقال: ما له؟ قالوا: رجلٌ صائمٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليسَ البرُّ (¬3) أن تصوموا في السَّفرِ. زاد في رواية: وعليكمْ رخصة الله التي رخَّص لكمْ. وفي رواية: ليْس من البرِّ الصوم في السفر. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. 3 - وفي رواية للنسائي: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجلٍ في ظل شجرةٍ يُرشُّ عليه الماء، قال: ما بال صاحبكمْ؟ قالوا يا رسول الله: صائم قال: إنَّه ليْس من البرِّ أن تصوموا في السفر، وعليكمْ برخصة الله عزَّ وجلَّ التي رخص لكمْ فاقبلوها. 4 - وعنْ عمَّار بن ياسرٍ رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منْ غزوةٍ فسرنا في يوم شديد الحرِّ، فنزلنا في بعض الطريق فانطلق رجلٌ منَّا فدخل تحت شجرةٍ، فإذا أصحابه يلوذون به (¬4) وهو مضْطَجِعٌ كهيئةِ الوجعِ (¬5)، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما بال (¬6) صاحبكمْ؟ قالوا: صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليْس من البرِّ أن تصوموا في السفر، عليكمْ ¬

(¬1) المخالفون أوامر الله، لأن التغالي يجر إلى العصيان. صلى الله عليه وسلم (بالمؤمنين رؤوف رحيم) كما وصفه الله جل وعلا، أراد ألا يؤلمهم، أو يضعفهم، أو يفتت من قواهم، وقد تكرم ربه فأعطاه رخصة. قال تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر). (¬2) صار الناس حوله كظلة: أي التفوا حوله، وأحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم لضفه وشده جوعه، وانتهاك قواه. (¬3) ليس البر كذا ط وع ص 360، وفي ن د ليس من البر: أي ليس من طاعة الله تعالى، وفعل الخير، وطلب الأجر: الصيام في السفر، لأن الله تعالى أباح الإفطار لحكمة جليلة، العمل بها يزيد المفطر ثوابا ليقوى ويجدد نشاطه، في ن ع: مر برجل. (¬4) يصحبونه ويرافقونه. (¬5) المريض. (¬6) ما شأنه.

الرُّخصة التي أرْخص (¬1) الله لكم فاقْبَلوها. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. 5 - وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل بأصحابه، وإذا ناس قدْ جعلوا عريشاً على صاحبهمْ وهو صائم فمرَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما شأن صاحبكم، أوجعٌ؟ قالوا: يا رسول الله، ولكنَّه صائم، وذلك في يومٍ حرورٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا برَّ أنْ يُصام في سفرٍ. رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 6 - وعنْ كعْبِ بن عاصمٍ الأشعريِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليْس من البرِّ الصِّيام في السَّفر. رواه النسائي وابن ماجه بإسناد صحيح، وهو عند أحمد بلفظ: ليْسَ من أمْ برِّ أمْ صيامُ في أم سفر، ورجال رجال الصحيح. 7 - وعنْ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صائم رمضان في السَّفر كالمفطر في الحضرِ (¬2). رواه ابن ماجه مرفوعا هكذا والنسائي بإسناد حسن إلا أنه قال: كان يقال: الصِّيام في السَّفر كالإفطار في الحضر. وفي روايةٍ: الصائم في السفر كالمفطر في الحَضَرِ. (قال الحافظ) قول الصحابي: كان يقال كذا هل يلتحق بالمرفوع أو الوقوف؟ فيه خلاف مشهور بين المحدثين والأصوليين ليس هذا موضع بسلطة لكن الجمهور على أنه إذا لم يصفه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم يكون موقوفا، والله أعلم. 9 - وعنْ أبي طعْمةَ قال: كُنْتُ عند ابن عمر فجاءهُ رجل فقال: يا أبا عبد الرَّحمن ¬

(¬1) أرخص كذا د وع، وفي ن ط: رخص: أي الذي سهل فيه وليس فيه تشديد. (¬2) معناه أن الصائم المخالف الذي أصابه ضرر كبير من جراء صومه وهو مسافر صفر طاعة، أو كان غازيا مجاهداً محاربا فعقابه عند الله شديد مثل الذي تجارأ وأفطر وهو مقيم في وطنه، وارتكب ذنوبا، وفعل خطأ واستحق جهنم.

إنِّي أقوى على الصِّيام في السفر، فقال ابن عمر رضي الله عنه: إنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: من لمْ يقبلْ رخصة الله عزَّ وجلَّ كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة (¬1). رواه أحمد والطبراني في الكبير. وكان شيخنا الحافظ أو الحسن رحمه الله يقول: إسناد أحمد حسن، وقال البخاري في كتاب الضعفاء: هو حديث منكر، والله أعلم. 10 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى يحبُّ أن تؤتي رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته (¬2). رواه أحمد بإسناد صحيح، والبزار والطبراني في الأوسط بإسناد حسن، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. وفي رواية لابن خزيمة قال: إنَّ الله يحبُّ أن تؤتى رخصه كما يُحِبُّ أن تترك معصيته. 11 - وروي الطبراني في الأوسط أيضاً والكبير عن عبد الله بن يزيد بن آدم قال: حدثني أبو الدرداء، وواثلة بن الأسقع، وأبو أمامة، وأنس بن مالك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ اله يحبُّ أن تقبلَ رخصهُ كما يحبُّ العبدُ مغفرة ربِّهِ. 12 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحبُّ أن تؤتى رخصه كما يحبُّ أن تؤتي عزائمه، رواه البزار بإسناد حسن والطبراني، وابن حبان في صحيحه. 13 - وعنْ أنس رضي الله عنه قال: كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر (¬3) فمنَّا الصَّائم، ومنَّا المفطر، قال: فنزلنا منزلا في يوم حارٍ، أكثرنا ظلا صاحب ¬

(¬1) معناه من لم يفعل ما أباحه الله اتباعا لأمره، وانقيادا لشرعه عصى الله وحمل ذنوباً جمة، وعقابها صارم، وحرم من رضوان الله ورحمته وتخفيف شرعه. (¬2) يريد الله من عباده أمرين ليتجلى عليهم بالإحسان والغفران والنعيم. أ - تتبع أوامره التي أباح فيها ما كان صعباً. ب - تجتنب مناهيه، ويكره العاصين، ويريد هجران مجالسهم، ونبذ صحبتهم. (¬3) يخبر سيدنا أنس رضي الله عنه عن سفرة ميمونة جليلة مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر كثير القيظ، ويستظل الأصحاب بملابسهم، فضعف الصوام فأغمي عليهم، وخدمهم المفطرون، وأقاموا لهم العمد والظلل، وقدموا لهم الماء، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المفطرين في هذه السسفرة نالوا أجر جزيلا، وكسبوا ثواباً عظيما، وهم الفائزون برحمة الله ورضاه. والمدار على النية الصالحة لله. طائفة رأت أن الإفطار يساعد على الفوز، ويعين على التقدم، ويطرد الكسل، ويبعد الضعف، فأعطاهم الله والثواب أكثر =

الكساءِ، فمنَّا منْ يتَّقي الشَّمس بيده. قال: فسقط الصُّوَّامُ، وقام المفطرونَ: فضربوا الأبنية، وسقوا الرِّكاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر، رواه مسلم. 14 - وعنْ أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لستَّ عشرة (¬1) مضتْ من رمضان، فمنَّا منْ صام ومنَّا منْ أفطر، فلمْ يعب الصَّائ على المفطرِ ولا المفطر على الصائم. وفي رواية: يرون أن منْ وجد قوَّةً فصام فإنَّ ذلك حسن، ويرون أنَّ من وجدَ ضعفاً فأفطر ذلك حسن. رواه مسلم وغيره. (قال الحافظ): اختلف العلماء أيما أفضل في السفر: الصوم أو الفطر؟ فذهب أنس ابن مالك رضي الله عنه إلى أن الصوم أفضل، وحكى ذلك أيضاً عن عثمان بن أبي العاصي، وإليه ذهب إبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، والثوري، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وقال مالك، والفضيل بن عياض، والشافعي: الصوم أحبّ إلينا لمن قوى عليه. وقال عبد الله ابن عمر، وعبد الله بن عباس، وسعيد بن المسيب، والشعبي، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل ¬

= من الصوام. فيه أن الإنسان يتتبع سنن الشرع، ويجتهد في السير على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم. (¬1) في اليوم السادس عشر من شهر رمضان كان المسلمون يحابون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختلفوا: أ - فريق رأي القدرة على الصوم، والاستمرار في الغزو فصام لله تعالى الفرض. ب - فريق آخر رأى الإفطار في رمضان، والاخذ بالرخصة، والعمل بما يسره الله لهم (وكل ميسر لما خلق له) فهذا له أجره وأعانه الله تعالى، والطائفة الأخرى لها ثوابها بافطارها، ونيتها الصادقة في الله، وطاعته وطاعة رسوله ولم يعب أحد غيره. كلاهما حسن. (فقه الباب) أولا: أثناء حرب المسلمين أفطروا في رمضان اتقاء الضرر، وابتعاد الأذى، ومنع المشقة، ومن خالف عصى الله ورسوله. ثانياً: المسافر في طاعة وتجارة، ومصلحة، إذا رأى الضرر في صومه أفطر، ويعمل بتيسير دين الله ورسوله. ثالثاً: العاصي في سفره لا يفطر. رابعاً: المسافر الذي حصلت له الأضرار من الصوم، واستمر في صومه ارتكب أوزاراً كالجبال لا يكفره إلا التوبة والإفطار. خامساً: ترك الحرية للمجاهد في رمضان إن شاء صام، وإن شاء أفطر (سمعت وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) من سورة البقرة. سادساً: قال الجمهور فسبهم إلى العصيان لأنه عزم عليهم فخالفوا (العصاة). سابعاً: ليس من البر الصوم في حق من شق عليه الصوم. ثامناً: الفطر أفضل عملا بالرخصة.

الترغيب في السحور سيما بالتمر

وإسحاق بن راهوية: الفطر أفضل، وروي عن عمر بن عبد العزيز، وقتادة، ومجاهد: أفضلهما أيسرهما على المرء، واختار هذا القول الحافظ أبو بكر بن المنذر، وهو قول حسن، والله أعلم. (الترغيب في السحور سيما بالتمر) 1 - عنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: تسحَّروا، فإنَّ في السحور بركةً، رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 2 - وعنْ عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: فصْل (¬1) ما بين صيامنا، وصيامِ أهل الكتاب أكْلة (¬2) السَّحَرِ. رواه مسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة. 3 - وعنْ سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة في ثلاثةٍ: في الجماعة، والثَّريدِ، والسُّحورِ (¬3). رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات، وفيهم أبو عبد الله البصري لا يدري من هو. 4 - وعنِ ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله وملائكتهُ يُصَلُّون على المتسحِّرين (¬4). رواه الطبراني في الأوسط، وابن حبان في صحيحه. 5 - وعنِ العرْباضِ بن سارية رضي الله عنه قال: دعاني رسول الله صلى الله ¬

(¬1) الفارق والمميز بين صيامنا وصيامهم السحور فإنهم لا يتسحرون، ونحن يستحب لنا السحور، وأكلة السحر هي السحور. أهـ نووي. (¬2) المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشية، وإن كثر المأكول فيها، والأكلة يضم الهمزة: اللقمة والصواب فتح الهمزة أهـ نووي. (¬3) معناه الخير الجم، والفضل الزائد في ثلاثة: أ - الاتحاد وملازمة الجماعة، وصفاه الأفراد. ب - الأكل الطري (الفت) لأنه سهل الهضم، فيه مادة الغذاء الدسمة في مرق اللحم. جـ - أكل وقت السحر قبيل الفجر ليقوي الصائم على الصوم، ويزداد نشاطا وصحة، ويعمر أوقاته في طاطعة الله وذكره. (¬4) أي يدعون ويطلبون من الله المغفرة والرضوان للذين يقومون فيأكلون لإزالة ظمأ وعطش النهار، ولا يغفلون عن الله.

عليه وسلم إلى السحور في رمضان، فقال: هلمَّ إلى الغذاء المبارك (¬1). رواه أبو داود والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما. (قال المملي) رضي الله عنه: رووه كلهم عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن العرباض، والحارث لم يروعنه غير يونس بن سيف، وقال: أبو عمر النميري مجهول يروي عن أبي رهم حديثه منكر. 6 - وعنْ أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الغداء (¬2) المبارك، يعني السَّحور. رواه ابن حبان في صحيحه. 7 - وعنِ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: استعينوا (¬3) بطعام السَّحر (¬4) على صيام النَّهار، والقيْلولة على قيام الليل. رواه ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والبيهقي كلهم من طريق زمعة بن صالح عن سلمة هو ابن وهرام عن عكرمة عنه إلا أن ابن خزيمة قال: وبقيْلولة النَّهار على قيام الليل. 8 - وعنْ عبد الله بن الحارث عنْ رجلٍ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: دخلْتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يتسحَّر فقال: إنَّها بركة أعطاكم الله إيَّاها فلا تدعوه. رواه النسائي بإسناد حسن. ¬

(¬1) أي أقبل على أكلة فيها الصحة والنضارة، وجالبة الخير ورضوان الله، ومسببة السعادة. قال في الفتح: لأن المراد بالبركة الأجر والثواب فيناسب الضم (للسين) لأنه مصدر، أو البركة كونه يقوي على الصوم وينشط له، ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح (للسين) لأنه اسم لما يتسحر به. أهـ. وفيه دليل على مشروعية التحسر، وأقل ما يتسحر به ما يتناوله المؤمن من مأكول أو مشرب، ولو جرعة من ماء أهـ نيل الأوطار ص 189 جـ 4. (¬2) هو الغداء كذا د وع ص 363، وفي ن ط هلم. أخبر صلى صلى الله عليه وسلم أن ما يتناوله الصائم قبيل الفجر سحرا فيه الشفاء والصحة والقوة والإعانة على الصوم، ومذكر العبادة والاستغفار. (¬3) خذوا وقت السحر شيئا يمنع عنكم الجوع في بياض النهار. قال النووي: فيه الحث على السحور، وأجمع العلماء على استحبابه وأنه ليس بواجب، وأما البركة التي فيه فظاهرة لأنه يقوي على الصيام وينشط له وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام لخفة المشقة فيه على المتسحر. فهذا هو الصواب المعتمد في معناه، وقيل لأنه يتضمن الاستيقاظ، والذكر والدعاء في ذلك الوقت الشريف، وقت تنزل الرحمة، وقبول الدعاء والاستغفار وربما توضأ صاحبه وصل أو أدام الاستيقاظ للذكر والدعاء والصلاة. أو التأهب لها حتى يطلع الفجر أهـ ص 206 جـ 7. (¬4) السحر كذا د وع، وفي ن ط السحور .. معناه طلب الاستعانة: أ - بالصوم على الأكلي سحراً. ب - بنومة الظهر على التهجد.

الترغيب فيتعجيل الفطر وتأخير السحور

9 - وروي عن عبد الله بن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة ليْس عليهمْ حساب فيما طعموا إنْ شاء الله تعالى إذا كان حلالاً (¬1): الصَّائمُ، والمتسحِّرُ، والمرابط في سبيل الله. رواه البزار والطبراني في الكبير. 10 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السُّحور كلُّه بركة فلا تدعوه ولوْ أن يجرع أحدكمْ جرْعةً من ماءٍ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ وملائكته يُصلُّون على المتسحرين. رواه أحمد، وإسناده قوي. 11 - وعنْ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسحَّروا ولوْ بجرعةٍ من ماء (¬2). رواه ابن حبان في صحيحه. 12 - وروي عن السَّائب بن يزيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعْمَ السَّحور التَّمر (¬3)، وقال: يرْحَمُ الله المتسحِّرين. رواه الطبراني في الكبير. 13 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعْم سحور المؤمن التَّمر. رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه. (الترغيب في تعجيل الفطر وتأخير السحور) 1 - عنْ سهل بن سعدٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال النَّاس بخيرٍ ما عجَّلوا الفطرَ (¬4). رواه البخاري ومسلم والترمذي. ¬

(¬1) أي أباح الله أنواع الطعام الحلال، والطيبات الفاخرة من الرزق لثلاثة: أ - الصائم ليزيل جوعه. ب - الأكل سحراً ليزيل جوع النهار. جـ - الغازي المجاهد ليقوى على أعدائه: هؤلاء إن استكثروا فلا سؤال يوم القيامة لأن الله تعالى يقول: (ولتسألن يومئذ عن النعيم) فيسأل الله جل وعلا عن كل صغيرة وكبيرة إلا هؤلاء فيسامحهم ويعفو عنهم لأنهم يتزودون للطاعة، ويتقوون ويتنشطون للعبادة. (¬2) معناه أن الصائم يستيقظ من نومه إن نام، ويتناول شيئا ولو جزءاً من ماء. (¬3) مدح صلى الله عليه وسلم التسحر بالتمر لأن فيه المادة الحلوة العذبة، والغذاء الكافي، وسهل الهضم، وفي هذا دليل على أن الصائم يقوم ويتناول ما تيسر له، أو يلائم صحته، ثم دعا صلى الله عليه وسلم، ودعاؤه مستجاب بالرحمة والرضوان للذين يأكلون أكلة السحر. والتمر: البلح المجفف في تنشيفه. (¬4) مدة تعجيلهم الفطر فهم في عز وسعادة. قال النووي: فيه الحث على تعجيله بعد تحقق غروب الشمس ومعناه لا يزال أمر الأمة منتظماً، وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنة، وإذا أخروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه. أهـ ص 208 جـ 7.

2 - وعنْهُ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لاتزال أمَّتي على سُنَّتي مالمْ تنْتظرْ بفطرها النُّجوم (¬1). رواه ابن حبان في صحيحه. 3 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عزَّ وجلَّ: إنَّ أحبَّ عبادي إليَّ أعجلهم فطراً (¬2). رواه أحمد والترمذي وحسنه، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما. 4 - وروي عنْ يعْلي بن مرَّةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة يحبُّها الله عزَّ وجلَّ (¬3): تعجيل الإفطار، وتأخير السُّحور، وضرْبُ اليدينِ إحداهما على الأخرى في الصلاة. رواه الطبراني في الأوسط. 5 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال الدِّين ظاهراً ما عجَّل النَّاس الفطر (¬4) لأن اليهود والنصارى يؤخرون. رواه أبو داود، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، وعند ابن ماجه: لا يزال النَّاس بخيرٍ. 6 - وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه ¬

(¬1) ما لم تتأخر حتى تظهر العتمة، والنجوم تتجلى في ظلمتها، وكان عبد الله بن مسعود يعجل الإفطار، ويعجل الصلاة. قالت عائشة: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬2) أقربهم من ثوابي ورضاي ورحمتي الذين لا يؤخرون الإفطار بعد غروب الشمس. (¬3) يرضى الله عن خصال ثلاث: أ - الميل إلى تعجيل الإفطار. ب - تأخير أكلة السحر. جـ - وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة لما في ذلك من الأدب والخضوع لله والتواضع، وإظهار الذلة وضياع الفخفخة والكبرياء. (¬4) يستمر دين الإسلام بالغاً قمة العز، وواصلا درجات القوة مدة عمل المسلمين بسنن خير المرسلين صلى الله عليه وسلم: ومنها السرعة في تعجيل الإفطار بعد تحري غروب الشمس، ومخالفة عوائد اليهود والنصارى في كل أعمالهم. قولة صادقة صادرة من حكيم مدرب مجرب. عاش صلى الله عليه وسلم وأصحابه متتبعين كتاب الله وسنة حبيبه فنالوا العزة والرفعة واكتسبوا المحامد ودانت لهم الدنيا فملكوها وصاروا سادة قادة، أما الآن فاتبع المسلمون خطوات الإفرنج وقلدوهم في أعمالهم، وفتنتهم مدنيتهم الكاذبة، وتبرج النساء فاستحقوا الذلة والضعة، وتحكم فيهم الأجنبي وفي رقابهم نير الاستعباد، فلا حول ولا قوة إلا بالله. قال سبحانه: (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون) 22 من سورة السجدة: أي لا أحد أظلم ممن تجلت آيات الله الواضحة ليعمل بها، ويتحلى باطاعتها لله، ثم أعرض عنها: أي لم يتفكر فيها.

الترغيب في الفطر على التمر فإن لم يجد فعلى الماء

وسلم قطُّ صلَّى صلاة المغربِ حتى يفطرَ، ولوْ على شربةٍ منْ ماء (¬1). رواه أبو يعلي وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما. (الترغيب في الفطر على التمر، فإن لم يجد فعلى الماء) 1 - عنْ سلمان بن عامرٍ الضَّبيِّ رضي الله عنهُ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) يروي سيدنا أنس رضي الله عنه حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعجيل الإفطار وصلاة المغرب، بمعنى أنه يفطر ولو بقليل الماء ثم يصلي، وفيه طلب أمته أن تقتدي به فتسرع في الإفطار ولو على الماء فمن كان في عمل يحتاج إلى زمن يأخذ قليلا من الطعام فيفطر ثم يتمم عمله، ولا يتأخر حتى لا يشابه النصارى واليهود قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله). (أكلة السحر خفيفة، والغرض منها الاعانة على طاعة الله وانتظار رحمته سبحانه) حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على السحور لما فيه من قيام الليل، ووجود فرصة لذكر الله وتسبيحه وتمجيده، والتهجد له، وقراءة القرآن، وصلاة الفجر وغير ذلك من أعمال رمضان الخيرية، وما أوقات رمضان إلا سوق نافقة تشري فيها المحامد، وتكتسب فيها المكارم، وتشاد فيها الصالحات، ولقد أسمع ممن ضعف إيمانهم أن السحور يجلب التخمة، ويورم العينين، ويبعث الغازات، وهكذا من إسرافهم في أنواع الأطعمة والأشربة، ونسوا قوله صلى الله عليه وسلم: أ - (نعم السحور التمر). ب - (نعم سحور المؤمن التمر) اجمع أيها المؤمن أساطين الحكماء، وفطاحل الأطباء، ومهرة العلماء في الكيمياء ليحللوا التمر وليبينوا غذاءه وما أودع فيه الخالق من الخفة والسهولة في الهضم، والقدر الكافي الذي يعنيه طبهب النفوس سيدنا وقرة عيونننا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشير صلى الله عليه وسلم من هذين الحديثين إلى أمرين جليلين: أ - خفة طعام السحور. ب - اليقظة في السحر حتى مطلع الفجر للعبادة (نعم) أي مبالغة في مدح التمر، والمعنى لو فصل الطعام نوعا نوعا لفضلهم التمر. يريد صلى الله عليه وسلم أن يعملوا بسنة أكل السحر، ويراعوا خفته وجودة نوعه ولا يسترسلوا في أطعمة التخمة، وما الحرص على ملذات الأطعمة والزيادة فيها إلا من صفات الكفرة الفسقة العصاة الغافلين عن ذكر الله كما قال تعالى: (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار، والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) 13 من سورة محمد (يتمتعون) ينتفعون بمتاع الدنيا حريصين غافلين من العاقبة. (مثوى) منزل ومقام، فيأيها الشاكون من تخمة السحور. الذنب ذنبكم، تسرفون في الأكل، وتكلفون المعدة فوق طاقتها، وتتغالون في كثرة الأطعمة وأنواعها، وآسف تأكلون وتنامون مباشرة، وهذا ليس من السنة. قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) وقد أثنى صلى الله عليه وسلم على سحور التمر أو ما يشبهه فعليك أخي بآداب الدين تفلح وتنجح وتربح: (الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم) 57 من سورة الحج.

إذا أفطر أحدكمْ فلْيُفْطرْ على تمرٍ فإنَّه بركة (¬1)، فإنْ لم يجد تمراً فالماء، فإنَّهُ طهور (¬2). رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 2 - وعنْ أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطرُ قبلَ أنْ يصلِّي على رطباتٍ (¬3)، فإنْ لمْ تكنْ رطبات فتمراتٌ (¬4)، فإنْ لمْ تكنْ حسا حسواتٍ من ماء (¬5). رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن. 3 - ورواه أبو يعلي قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحبُّ أن يفطر على ثلاث تمراتٍ، أو شيء لمْ تصبهُ النَّار (¬6). ¬

(¬1) يفيد صلى الله عليه وسلم المسلمين بفائدة التمر: أي كل شيء حلو يغذي المخ ويذكي العمل، ويزيد في القوة. (¬2) منق للمعدة مطهرها من أدران التخمة ملين طارد للغازات مجدد الشهوة للطعام، باعث الصحة جالب العافية، منشط للأمعاء ومقويها ومحركها للقيام بعملها خير قيام، وقال علماء الفقهاء: يرد التمر أو الماء ما فقده الجسم أثناء الصوم. وأسمع من المترفين استحباب شيء سخن مثل حساء مرق، أو شربة عدس، أو كوب شاي، وهذا حسن لأنه نوع من السوائل، ولكن لو أخذ تمراً فشيئاً سخنا كان أحسن كما تشتهي نفسه وترتاح عليه معدته. (¬3) الرطب: ثمر النخل إذا أدرك ونضج فيه أن يتتمر، الواحدة رطبة، والجمع أرطاب، وأرطبت البسرة إرطابا: بدا فيها الترطيب، والرطب نوعان: أحدهما لا يتتمر وإذا تأخر أكله تسارع إليه الفساد، والثاني يتتمر ويصير عجوة وتمرا يابسا أهـ مصباح ص 273. (¬4) البلح اليابس الذي يترك على النخل بعد إرطابه حتى يجب أو يقارب ثم يقطع ويترك في الشمس حتى ييبس. (¬5) ملأ فمه، والحسوة بالضم ملء الفم مما يحسى: أي يشرب، والجمع حسى وحسوات. مثل مدية ومدى ومديات، والحسوة بالفتح قيل لغة وقيل مصدر، واستعمال حسا يريد قلة، وهي لغة رقيقة لطيفة في نهاية اللطف والأدب، والرقة والعفة. قال السرقطي: حسا الطائر الماء يحسوه حسوا، ولا يقال فيه شرب، ومن أمثالهم: يوم كحسو الطير. يشبه بجرع الطير الماء في سرعة انقضائه لقلته، وقال الأزهري: والعرب تقول: نومه كحسو الطير: إذا نام نوما قليلا. أهـ مصباح. قال الشاعر: لا أوق النوم إلا غروراً (1) ... مثل حسو (2) الطير ماء السماء (3) أبتغي إصلاح سعدي بجهدي ... هي وتسعى جهدها في فساد (¬6) معناه يختار الصائم ما لم تمسه النار لتقوى المعدة على استقباله: من تين أو عنب أو برتقال، وهكذا من الأشياء الحلوة اللذيذة الطعم، وإذا أردت الصحة والعافية فاعمل أيها المسلم بنصيحة طبيب النفوس، ومداوي الأفئدة الذي لا ينطق عن الهوى: أن تفطر على شيء (لم تصبه النار). =

4 - وعنهُ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ وجد ثمراً فليفطر عليهِ، ومنْ لم يجد فليفطر على الماء، فإنَّه طهور. رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما ¬

_ = (أسرار الصوم كما في إحياء علوم الدين للغزالي) أولا: غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره، وإلى كل ما يشغل القلب، ويلهي عن ذكر الله عز وجل. ثانيا: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب، والغيبة والنميمة، والفحش والحفاء، والخصومة والمراء، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن. ثالثاً: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت، فقال تعالى: أ - (سماعون للكذب أكالون للسحت)، وقال عز وجل. ب - (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت)، فالسكوت على الغيبة، وقال تعالى: جـ - إنكم إذا مثلهم). رابعاً: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل، وعن المكاره، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار. خامساً: ألا يكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ جوفه. سادساً: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء. إذ لا يدري أيقبل صومه فهو من المقربين، أو يرد عليه فهو من الممقوتين. أهـ ص 211 جـ 1. (بعض آيات استشهد بها الغزالي في فوائد الصوم) أولا: عند قوله صلى الله عليه وسلم: (كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)، وقد قال الله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الصوم نصف الصبر)، وقد جعل الغزالي منه الصوم ربع الإيمان. ثانيا: وقال وكيع في قوله تعالى: (كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفت في الأيام الخالية) هي أيام الصوم إذا تركوا فيها الأكل والشرب. أهـ، (وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم. (ونادى مناديا باغي الخير أكثر). ثالثاً: وقيل في قوله تعالى: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعلمون). قيل كان عملهم الصيام لأنه قال: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) فيفرغ للصائم جزاؤهم إفراغا، ويجازف جزافاً فلا يدخل تحت وهم وتقدير، وجدير بأن يكون كذلك لأن الصوم إنما كان له، ومشرفا بالنسبة إليه، وإن كانت العبادات كلها لله كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه، والأرض لها لله لمعنيين: أحدهما أن الصوم كف وترك وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد، وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى، والصوم لا يراه إلا الله عز وجل، فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد، والثاني أنه قهر لعدو الله عز وجل فإن وسيلة الشيطان (لعنة الله) الشهوات، وإنما تقوي الشهوات بالأكل والشرب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع)، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: (داومي قرع باب الجنة، قالت بماذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: بالجوع). فلما كان الصوم على الخصوص قمعا للشيطان وسدا لمسالكه، وتضييقاً لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل، ففي قمع عدو الله نصرة لله سبحانه وتعالى، وناصر الله تعالى موقوف على النصرة له: قال الله تعالى: =

الترغيب في إطعام الطعام

الترغيب في إطعام الطعام 1 - عنْ زيد بن خالدٍ الجهنيِّ رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: من فطَّرَ صائماً كان له مثْلُ أجرهِ غير أنَّه لا ينقص من أجرِ الصَّائمِ شيء (¬1). رواه الترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، وقال الترمذي: حديث صحيح. ولفظ ابن خزيمة والنسائي: من جهَّز (¬2) غازياً، أوْ جهَّز حاجًّا (¬3)، أو خلفهُ (¬4) في أهْلهِ، أو فطَّر صائماً كان له مثل أجورهمْ من غير أن ينقص من أجورهم شيء. 2 - وروي عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فطَّر صائماً على طعام وشرابٍ من حلالٍ صلَّتْ عليه الملائكة (¬5) في ساعات شهر رمضان وصلَّى عليه جبرائيل (¬6) ليلة القدر. رواه الطبراني في الكبير، وأبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب إلا أنه قال: وصافحهُ جبْرائيل ليلة القدرِ. وزاد فيه: ومنْ صافحهُ جبرائيل عليه السَّلام يرقُّ قلْبُهُ (¬7)، وتكثُرُ دموعهُ (¬8) قال: فقلتُ يا رسول الله: أفرأيت منْ لمْ يكن عندهُ؟ قال: فقبضةٌ من طعامٍ. قُلْتُ: ¬

= أ - (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) فالبداية بالجهد من العبد، والجزاء بالهداية من الله عز وجل، ولذلك قال تعالى: ب - (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وقال تعالى: جـ - (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وإنما التغيير تكثير الشهوات فهي مرتع للشياطين ومرعاهم فما دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم، وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه، وكان محجوبا عن لقائه، وقال صلى الله عليه وسلم: (لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات) فمن هذا الوجه صار الصوم باب العبادة وصار جنة. أهـ ص 208 جـ 1. (¬1) معناه الذي يفطر ضيفاً صائماً، أو فقيراً صائما يعطيه الله ثواباً جزيلا مثل ثواب الصائم هذا. (¬2) 0 قدم له عدة الحرب، وذخيرة الجهاد، ومئونة العيش. (¬3) ساعده. (¬4) قام بمصالحهم، وأدى شؤون بيته، وراعى واجبهم. كذا مفطر الصائم الفقير، أو المحتاج أو غيرهما، وفيه حث على الكرام والسخاء في رمضان، وتبادل المودة وبعث الإخاء والتزاور، وإطعام الطعام. (¬5) دعت له بالمغفرة والرضوان. (¬6) دعا له. (¬7) يزداد خشية من الله تعالى ويقبل على الخير والطاعات. (¬8) من خوف الله لزيادة إيمانه.

ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده

أفرّايت إنْ لمْ يكنْ عندهُ لقمةُ خبزٍ؟ قال: فمذْقةٌ من لبنٍ. قال: أفرأيت إنْ لم يكُنْ عنده؟ قال: فشربة من ماء. (القبصة) بالصاد المهملة: هو ما يتناوله الآخذ بأنامله الثلاث. وتقدم حديث سلمان الذي رواه ابن خزيمة في صحيحه، وفيه: من فطرَّ فيه صائماً، يعني في رمضان، كان مغفرةً لذنوبه، وعتق رقبة من النَّار، وكان له مثل أجرهِ من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: ليْسَ كلُّنا يجد ما يُفطِّر الصَّائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُعطي الله هذا الثَّواب من فطَّرَ صائماً على تمرةٍ، أوْ شربةِ ماءٍ، أوْ مذْقهِ لبن (¬1) الحديث. (ترغيب الصائم في أكل المفطرين عنده) 1 - عن أمِّ عمارة الانصاريَّةِ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقدَّمت إليه طعاماً، فقال: كلى، فقالتْ: إنِّي صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الصائم تُصَلِّي عليه الملائكة (¬2) إذا أكل عنده حتى يفرغوا، وربَّما قال: حتى يشبعوا: رواه الترمذي واللفظ له، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما، وقال الترمذيّ: حديث حسن صحيح. وفي رواية للترمذيِّ: الصَّائم إذا أكل عنده المفاطير صلَّتْ عليه الملائكة. 2 - وعنْ سليمان بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: الغداء يا بلال (¬3)؟ فقال: إنِّي صائمٌ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نأكل أرْزاقنا، وفضْل رزق بلال في الجنَّة (¬4) شعرْت (¬5) يا بلالُ أنَّ الصَّائم تسبِّح عظامه (¬6)، وتستغفر له الملائكة ما أكل عنده (¬7). رواه ابن ماجه والبيهقي. ¬

(¬1) معناه يجود الإنسان بما عنده، ويبذله للضيف إكراما له، لله تعالى ولو تمرة أو جرعة ماء أو شيئاً يفطر به. (¬2) تدعو له ملائكة الرحمة مدة إطعام الصوام، أو مدة شعبهم يستظل بعطف الله وإحسانه، ويكسب الدعوات المباركات. (¬3) أي تفضل الغداء واطلبه. (¬4) نعيم وجزاء. (¬5) عرفت وأحسست. (¬6) تكثر من ذكر الله وتحميده. (¬7) مدة أكل الزوار عنده ينال هذه الدعوات المجابة ويتجلى الله برضوانه ويكثر الثناء عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحث على الجود في رمضان، وكان صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة في رمضان، أي وفي غيره، =

ترهيب الصائم من الغيبة والفحش والكذب ونحو ذلك

كِلَاهُمَا من رِوَايَة بَقِيَّة حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن سُلَيْمَان، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن هَذَا مَجْهُول وَبَقِيَّة: مُدَلّس، وتصريحه بِالتَّحْدِيثِ لَا يُفِيد مَعَ الْجَهَالَة وَالله أعلم

_ = وهذا شاعره صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه يقول: لساني وسيفي صارمان (¬1) كلاهما ... ويبلغ ما لا يبلغ السيف مذودي (¬2) وإن أك ذا مال كثير أجد به ... وإن يهتصر (¬3) عودي على الجهد (¬4) يحمد فلا المال ينسيني حيائي ومفتي (¬5) ... ولا واقعات (¬6) الدهر يفللن (¬7) مبردي وإني لمعط ما وجدت وقائل ... لموقد ناري ليلة (¬8) الريح أوقد وإني لقوال لذي البث (¬9) مرحبا ... وأهلا إذا ما جاء من غير مرصد (¬10) وإني لحلو (¬11) تعتريني مرارة ... وإني لتراك لما لم أعوّد (1) يترك. (2) الكذب والضلال، والغيبة والنميمة، والحسد والشقاق، وهكذا من الألفاظ الجالبة غضب الله، والباعثة النفور، الموصلة إلى الفجور والفسق. (3) يترك. قال الشرقاوي: هو مجاز عن عدم الالتفات والقبول، فنفي السبب وأراد المسبب، وإلا فالله لا يحتاج إلى شيء، وقيل الحاجة بمعنى الإادة: أي ليس لله إرادة في صيام، وعدم الإرادة كناية عن الرد وعدم القبول. فيرجع لما قبله، وليس المراد بذلك أنه يترك صيامه إذا لم يترك قول الزور، وإنما معناه التحذير من ذلك القول. فهي كقوله عليه الصلاة والسلام: (من باع الخمر فليشقص الخنازير) أي يذبحها ويقطعها بالمشقص، وهو نصل السهم إذا كان طويلا غير غريض. فليس المراد أمره بتشقيصها، بل التحذير والتعظيم لإثم شارب الخمر. أهـ ص 147 جـ 2. ¬

رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعنده: منْ لمْ يدعْ قوْلَ الزُّور والجهل (¬1) والعمل به، وهو رواية للنسائي. ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أنس بن مالك، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ لم يدع الخنا والكذب (¬2) فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه. 2 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عزَّ وجلَّ: كلُّ عمل ابن آدم إلا الصِّيام فإليَّ، وأنا أجزي به، والصِّيام جنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكمْ فلا يرفث (¬3)، ولا يصخب (¬4)، فإنْ سابَّه أحد (¬5) أو قاتله فليقلْ: إني صائم إنِّي صائم (¬6)، الحديث. رواه البخاري، واللفظ له، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وتقدم بطرقه، وذكر غريبه في الصيام. 3 - وعنْ أبي عبيدة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصِّيام جنَّة (¬7) ما لمْ يخرقْها. رواه النسائي بإسناد حسن، وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة. وزاد: قيل وبم يخرقها؟ قال: بكذبٍ، أوْ غيبةٍ. 4 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) الوقوع في الدناءة والسباب وهتك أعراض الناس. (¬2) الفحش في المنطق، والحمهور على أن الكذب والغيبة ونحوها لا تفسد الصوم، بل تنقص ثوابه وتمنع كماله، لأنه ليس المقصود منه العدم المحض كما في المنهيات، لاشتراط النية فيه إجماعا، ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله، وأمر بالإمساك من المفطرات، ونبه العاقل بذلك على الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله، وأمر بالإمساك عن المفطرات، ونبه العاقل بذلك على الإمساك عن جميع المخالفات، وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده فيكون اجتناب المفطرات واجبا، واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات. أهـ شرقاوي. (¬3) لا يتكلم بالكلام الفاحش ولا يهذي، ولا يسرف في المزاح، ولا يداعب نساءه خشية أن يجر إلى الجماع. (¬4) لا يخاصم ولا يجادل، وفي نيل الأوطار: الصخب هو الرجة، واضطراب الأصوات للخصام، وفي ن ط: فلا حاجة لله أن لا يدع. قال القرطبي: لا يفهم من هذا أن غير يوم الصوم يباح فيه ما ذكر، وإنما المراد أن المنع من ذلك يتأكد بالصوم أهـ. (¬5) وجه إليه ألفاظ السباب والشتائم: أي جاء متعرضاً لمقاتلته ومشاتمته كأن يبدأه بقتل أو شتم، أو يقدم له أي أذى. (¬6) أي تشعر نفسه بتحليه بطاعة الله، ويقول بلسانه ليكون أقوى وأوعى إلى اجتناب ما يخالف صومه لله، ففائدة القول التذكير بأنه متلبس بطاعة، ورابح ثواب الله، ومؤمل الخير، ومنتظر البر، وإن بذاءة اللسان تحبط الثواب المرجو. (¬7) وقاية من المعاصي، وجالب الحسنات، وترس قوى من الوقوع في الخطايا مدة عدم إفحاشه ومشاتمته، فإن عصى الله بذلك بليت جنته، وفنيت وقايته، ووقع في شرك الذنوب، وضاع ثواب صومه.

ليْسَ الصيام من الأكل والشُّرب، إنَّما الصيام من اللغْوِ (¬1) والرَّفثِ، فإنْ سابَّك أحدٌ، أوْ جهل عليك (¬2)، فقلْ: إني صائم. إنِّي صائم. رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 5 - وفي رواية لابن خزيمة عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تُساب، وأنت صائم، فإنْ سابَّك أحد، فقلْ: إنِّي صائم، وإنْ كُنْتَ قائماً فاجْلسْ. 6 - وعنْهُ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربَّ (¬3) صائمٍ ليْسَ له من صيامهِ إلا الجوعُ، وربَّ قائمٍ ليْسِ له من قيامهِ إلا السَّهَرُ. رواه ابن ماجه واللفظ له، والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاريَّ، ولفظهما: ربَّ صائمٍ حظُّهُ من صيامهِ الجوع والعطشُ، وربَّ قائمٍ حظُّ من قيامه السَّهرُ. ورواه البيهقي، ولفظه: ربَّ قائمٍ حظُّه من القيام السَّهر، وربَّ صائمٍ حظُّهُ من الصِّيام الجوعُ والعطش. 7 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربَّ صائمٍ حظُّه من صيامهِ الجوع والعطش، وربَّ قائمٍ حظُّه من قيامهِ السَّهر. رواه الطبرانيُّ في الكبير، وإسناده لا بأس به. 8 - وعنْ عبيدٍ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ امرأتين صامتا، وأنَّ رجلاً قال: يا رسول الله إنَّ هاهنا امرأتين قد صامتا، وإنَّهما قد كادتا أن تموتا من العطشٍ، فأعرض عنه، أو سكت، ثمَّ عاد، وأراه. قال: بالهاجرة. قال: يا بنيَّ الله إنَّهما، والله قد ماتتا، أو كادتا أن تموتا؟ قال: ادعهما. قال: فجاءنا. قال فجيء بقدحٍ أو عسٍّ، فقال: لإحداهما: قيء فقاءتْ قيحاً ودماً وصديداً ولحماً حتى ملأت نصفَ ¬

(¬1) الإمساك عن ردئ الكلام وفحشه وبذيته. (¬2) فعل فعل الجهال كالصياح والسفه، وقلة الأدب، والتحدث بسير الناس وذمهم على حسد ونفاق. (¬3) رب للتقليل أو للتكثير. أي قد يوجد صائمون امتنعوا عن المفطرات فقط فاكتسبوا الجوع ولا ثواب لهم عند الله لارتكابهم المعاصي، والاسترسال في الغيبة والنميمة، وفعل الذنوب التي يجب أن يتباعد عنها الصائم الراجي غفران الله ورضوانه، وكذا رب متهجد تعب جسمه وشغل نفسه في طاعة، قلبها من ذكر الله خال، وهو مشغول عن عبادته بأحوال الدنيا، وحرم نفسه من الإخلاص في الطاعة، والتفرغ لمناجاة الله جل جلاله.

الترغيب في الاعتكاف

القَدحِ، ممَّ قال للأخرى: قييء فقاءتْ من قيحٍ وردمٍ وصديدٍ ولحمٍ عبيطٍ وغيره حتى ملأت القدح، ثمَّ قال: إنَّ هاتين صامتا عمَّا أحلَّ الله لهما، وأفطرنا على ما حرم الله عليهما جلستْ إحْداهما إلى لأخرى فجعلتا تأكلان من لحوم النَّاس (¬1). رواه أحمد واللفظ له، وابن أبي الدنيا، وأبو يعلي، كلهم عن رجل لم يسمّ عن عبيد، ورواه أبو داود الطيالسي، وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، والبيهقي من حديث أنس، ويأتي في الغيبة إن شاء الله. (العُس) بضم العين، وتشديد السين المهملتين: هو القدح العظيم. (والعبيط) بفتح العين المهملة بعدها باء موحدة ثم ياء مثناة تحت، وطاء مهملة: هو الطرئ. (الترغيب في الاعتكاف) 1 - روي عنْ عليِّ بن حسينٍ عن أبيه رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منِ اعتكفَ (¬2) عشر في رمضان كان (¬3) كحجَّتين وعمرتين. رواه البيهقي. 2 - وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّه كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجلٌ فسلَّم عليه ثم جلس، فقال له ابن عبَّاسٍ يا فلان: أراك مكتئباً (¬4) حزيناً؟ قال: نعمْ يا ابن عمِّ رسول الله، لفلانٍ عليَّ حقُّ ولاء (¬5)، وحرمةِ صاحب (¬6) هذا القبر ما أقدر عليه. قال ابن عباسٍ: ¬

(¬1) يبين صلى الله عليه وسلم حالة امرأتين صامتا وضعفتا من شدة الجوع حتى جاء وقت الظهر، فطلب صلى الله عليه وسلم إناء وداوى النفوس الآثمة بذكر سير الناس، وإرخاء العنان في الغيبة، وتعداد المساوي فتقايآ ليتجسم ذنبهما، وتتمثل خطيئتهما، وإنها لكبيرة وموبقة، ويظهر أنهما كانتا صائمتين صوم تطوع، وامتنعتا عن الطعام والشراب فضرانفسيهما، وقد أباح الله لهما الإفطار، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها (ولكن أفطرنا على هتك أعراض الناس وذمهم وتعداد عيوبهم) قال تعالى: في النهي عن الغيبه: أ - (ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه). ب - (ويل لكل همزة لمزة). جـ - (هماز مشاء بنميم). (¬2) لازم المسجد وأقام على العبادة فيه، وأكثر من طاعة الله وذكره وتسبيحه. يقال اعتكف: أقام على الشيء ينال ثواب حجتين وعمرتين. وفيه الترغيب في الاعتكاف، ووقوف النفس لطاعة الله وفراعها لها. (¬3) كان كذا ط وع ص 368، وفي ن د: كانت. (¬4) تظهر عليك علامة الحزن والكآبة. (¬5) صحبة ومودة ولكن يظهر بينهما نفور وشقاق، وهو حريص على إبقاء الإخوة. (¬6) وبحق صاحب هذا القبر وهو الرسول صلى الله عليه وسلم لا أتحمل هجره.

الترغيب في صدقة الفطر وبيان تأكيدها

أفلا أكلِّمهُ (¬1) فيك، فقال إنْ أحْببْتَ؟ قال: فانْتَعلَ (¬2) ابن عبَّاس، ثمَّ خرج منْ المسجد. فقال له الرَّجل: أنسيت ما كُنْتَ فيه؟ قال: لا ولكني سمعت صاحب هذا القبْرِ صلى الله عليه وسلم، والعهد به قريب فدمعتْ عيناه، وهو يقول: من مشي في حاجةِ أخيه (¬3)، وبلغ فيها كان خيراً لهُ من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكفَ يوماً ابتغاءَ وجه الله تعالى جعل الله بينهُ وبين النَّار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين (¬4). رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي واللفظ له، والحاكم مختصرا، وقال: صحيح الإسناد كذا قال. (قال الحافظ): وأحاديث اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم مشهورة في الصحاح وغيرها ليست من شرط كتابنا. (الترغيب في صدقة الفطر وبيان تأكيدها) 1 - عنِ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) أأحادثه في شأن صحبتك وهجره وبعده. (¬2) فانتعل كذا ط وع، وفي ن د فانتقل: أي لبس نعله. (¬3) سعي لمصلحة أخيه أو مشى للصلح بينهما، أو يشفع لقضاء الحاجات أعطاه الله ثوابا أكثرمن ثواب اعتكاف عشر سنين. (¬4) من جلس لعبادة الله طول يوم قاصدا إرضاء الله ورضوانه أبعد الله المسافة بينه وبين النار بعد ما بين المشرق والمغرب، أو بعد ما بين الأرض والسماء. وخوافق السماء: الجهات التي تخرج منها الرياح الأربع. وفي هذا الحديث بيان فضل قضاء حاجات المسلمين، والشفاعة لهم، والإصلاح بينهم، وعلو المنزلة، وزيادة الدرجات لمن يجيب رجاء الطالبين، ويكون غيثا للسائلين، ونصير المستضعفين، وأن الزمن الذي يصرف في ذلك يساوي أضعاف أضعاف غيره من ذكره وصلاة من أنواع العبادة. سيدنا ابن عباس يتطوع بالسؤال عن حال أخيه المسلم، ويسري عنه همومه، ويزيل أحزانه ويبعد ما شغله ثم يخرج عن اعتكافه شفيعاً له، ويذكر حكمة من في حبيبه، وابن عمه صلى الله عليه وسلم (من مشى في حاجة أخيه) لماذا؟ لانتظار ثواب الله، وثقة بوعد الله، واعتقادا بمضاعفة أجر الله، وهذا من ثمرات تعاليم الكتاب السنة، ومصداق ذلك قوله تعالى: أ - (أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين) 61 من سورة القصص (وعدا حسنا) وعدا بالجنة، فإن حسن الوعد بحسن الموعود (فهو لاقيه) مدركه لا محالة لامتناع الخلف في وعده (متاع الحياة الدنيا) الذي هو مشوب بالآلام، مكدر بالمتاعب، مستعقب بالتحصر على الانقطاع (من المحضرين) للحساب أو للعذاب. ب - (وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين) 57 من سورة آل عمران.

صدقةً الفطْرِ (¬1) طهرةً للصَّائم (¬2) من اللغْو (¬3) والرَّفثِ (¬4) وطُعْمة للمساكين (¬5)، فمنْ أدَّاها قبل الصلاة (¬6)، فهي زكاة مقبولة، ومنْ أدَّاها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصَّدقة. رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري. (قال الخطابي) رحمه الله: قوله فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، فيه بيان: أن صدقة الفطر فرض واجب كافتراض الزكاة الواجبة في الأموال، وفيه بيان أن ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما فرض الله لأن طاعته صادرة من طاعة الله، وقد قال بفريضة زكاة الفطر ووجوبها عامة أهل العلم، وقد عللت بأنها طهرة للصائم من الرَّفث واللغو، فهي واجبة على كل صائم غني ذي جدة، أو فقير يجدها فضلا عن قوته إذا كان وجوبها لعلة التطهير، وكل الصائمين محتاجون إليها، فإذا اشتركوا في العلة اشتركوا في الوجوب انتهى، وقال الحافظ أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض وممن حفظنا ذلك عنه من أهل العلم محمد بن سيرين، وأبو العالية، والضحاك، وعطاء، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وقال إسحاق: هو كالاجماع من أهل العلم انتهى. 2 - وعنْ عبد الله بن ثعلبة، أو ثعْلبةَ بن عبد الله بن أبي صُعيْرٍ عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صاعٌ منْ برٍ أوْ قمحٍ على كلِّ (¬7) صغيرٍ أوْ كبير، حرّ أوْ عبدٍ، ذكرٍ أوْ أنثى، غنيّ أو فقيرٍ، أمَّا غنيُّكمْ فيزكِّيهِ الله، وأما فقيركمْ فيردُّ الله عليه أكثر مما أعطى. رواه أحمد وأبو داود. (صعير) هو بالعين المهملة مصغرا. 3 - وعنْ جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صومُ ¬

(¬1) زكاة الفطر. (¬2) تنقية الذنوب وتطهيرا منها. (¬3) الكلام الذي لا فائدة فيه. (¬4) الفحش في القول وبالبذاءة فيه. (¬5) إطعاما للفقراء. (¬6) صلاة العيدين. إن الله تعالى فرض على المسلمين زكاة الفطر ليشمل الغني الفقير في يوم العيد، وليشعر بالسعادة، ويبعد عن الذلة، ويزول فقره، ولتنقي صحائف من الخطايا. فتصعد أعماله الصالحة مقبولة مشفوعة بالإخلاص والجود. إن الإنسان يميل إلى البخل، ويحن إلى الشح، ويخشى الفقر. ففرض الله الزكاة ليطهر العبد نفسه من أدران النقائص، وليعوده جلب المحامد، وليثق بربه الرزاق المخلف. (¬7) في ن د: كل امرئ.

كتاب العيدين والأضحية

شهْرِ رمضان مُعلَّق بين السَّماء والأرض، ولا يرْفعُ إلا بزكاة الفطر. رواه أبو حفص ابن شاهين في فضائل رمضان، وقال: حديث غريب حيد الإسناد. 4 - وعنْ كثير بن عبد الله المزنِّي رضي الله عنه عنْ أبيه عن جدِّهِ قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: قدْ أفْلحَ منْ تركِّي وذكر اسم ربَّهِ فصلى. قال: أنزلت في زكاة الفطر. رواه ابن خزيمة في صحيحه. (قال الحافظ): كثير بن عبد الله واهٍ. (كتاب العيدين والأضحية) الترغيب في إحياء ليلتي العيدين 1 - عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَامَ لَيْلَتي الْعِيدَيْنِ (¬1) محتسبا (¬2) لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب (¬3) رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَرُوَاته ثِقَات إِلَّا أَن بَقِيَّة مُدَلّس وَقد عنعنه 2 - وَرُوِيَ عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَحْيَا (¬4) اللَّيَالِي الْخمس وَجَبت لَهُ الْجنَّة: لَيْلَة التَّرويَة (¬5) وَلَيْلَة عَرَفَة وَلَيْلَة النَّحْر وَلَيْلَة الْفطر وَلَيْلَة النّصْف من شعْبَان رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيّ ¬

(¬1) عيدي الفطر والأضحي شغلهما فى طاعة وأقضي وقتيهما في ذکر وتسبيح وصلة أرحام ومودة صالحين وآنس أهله، ووصل أقاربه، وأحيا ليلتيهما يا أعبادة (¬2) طالبا ثواب الله وحده تعالى (¬3) أحيا الله قلبه: بمعنى أنه يحيا حياة سعيدة ويتنعم ويرزق الخير كله، وتعمه رحمة ربه (يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم) 120 من سورة المائدة. يوم اشتداد الهول (وتري الناس سکاري وما هم بسكاري ولکن عذاب الله شديد) 2 سورة الحج. وفيه الحث على اليقظة فئة ليلة ألعيد وكثرة ذكر الله وتمجيده وعبادته والصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم. (¬4) اجتهد أن يذهب وقتها في طاعة الله بفعل جميع الخيرات وأنواع الذكر. (¬5) الليلة الثامنة من ذى الحجة. وفي النهاية في حديث ابن عمر: كان يلى بالحج يوم التروية هو اليوم الثامن مان ذي الحجة. سمي به لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بعده: أي يسقون ويستقون. اهـ ص 113 وفيه اتخاذ ليالى الطاعات أعياداً وانتهاز فرصة دخولها. فيكثر الإنسان من عبادة الله وطاعته.

الترغيب في التكبير في العيد وذكر فضله

3 - وَرُوِيَ عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أَحْيَا لَيْلَة الْفطر وَلَيْلَة الْأَضْحَى لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْكَبِير الترغيب في التكبير في العيد وذكر فضله 1 - عنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زيِّنُوا أعيادكمْ بالتكبير (¬1). رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه نكارة. 2 - وعنْ سعد بن أوسٍ الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبوابِ الطُّرق فنادوْا: اغدوا يا معشر المسلمين (¬2) إلى ربِّ كريمٍ يمنُّ بالخير (¬3)، ثمَّ يُثِيب (¬4) عليه الجزيلَ لقدْ أمرْتُمْ بقيام الليل فقمتُمْ، وأمرْتم بصيام النَّهار فصمتمْ، وأطعتمْ ربِّكمْ فاقبضوا جوائزكم (¬5)، فإذا صلوا نادى منادٍ: ألا إنَّ ربَّكمْ قد غفر لكمْ فارجعوا راشدين إلى رحالكمْ فهو يوم الجائزة (¬6)، ويُسمَّى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة. رواه الطبراني في الكبير من رواية جابر الجعفي. وتقدَّم في الصِّيام ما يشهدُ له. الترغيب في الأضحية، وما جاء فيمن لم يضح مع القدرة، ومن باع جلد أضحيته 1 - عنْ عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما عمل آدميٌّ منْ عملٍ يومَ النَّحر أحبَّ إلى الله منْ إهراق الدَّم (¬7)، وإنَّه لتأتي يوم القيامة في فرشهِ بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدَّم ليقع من الله بمكانٍ قبل أن يقع من الأرض ¬

(¬1) اجعلوا كثرة التكبير شعاراً لأفراحكم في أعيادكم. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. (¬2) هلموا وأقبلوا لصلاة العيد. (¬3) يتفضل ويعطي. (¬4) ينعم ويكرم. (¬5) خذوا المكافأة الآن. (¬6) يوم البراءة من الذنوب، والطهارة من العيوب والنقاء من الأدناس والكروب. (¬7) إسالة وذبح.

فطيبوا بها نفساً. رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. (قال الحافظ): رووه من طريق أبي المثنى، واسمه سليمان بن يزيد عن هشام بن عروة عن أبيه عنها، وسلمان واهٍ، وقد وثق. قال الترمذي: ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: الأضحية لصاحبها بكلِّ شعْرةٍ حسنة. وهذا الحديث الذي أشار إليه الترمذي رواه ابن ماجه والحاكم، وغيرهما كلهم عن عائذ الله عن أبي داود عن زيد بن أرقم قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: سُنَّة أبيكمْ إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه. قالوا: فمالنا فيها يا رسول الله؟ قال: بكلِّ شعرةٍ من الصُّوف حسنة. قالوا: فالصُّوف قال: بكلِّ شعرةٍ من الصُّوف حسنة، وقال الحاكم صحيح الإسناد. (قال الحافظ): بل واهية. عائذ الله: هو المجاشعي، وأبو داود: هو نفيع بن الحارث الأعمى، وكلاهما ساقط. 2 - وعنِ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في يوم أحْحى: ما عمل آدميُّ في هذا اليوم أفضل من دمٍ يُهراق إلا أن يكون رحماً توصل (¬1) رواه الطبراني في الكبير، وفي إسناده يحيى بن الحسن الخشني لا يحضرني حاله. 3 - وعنْ أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة قومي إلى أضحيتكِ فاشهديها، فإنَّ لك بأوَّل قطرةٍ تقطرُ من دمها أنْ يُغفر لك ما سلفَ منْ ذنوبكِ، قالتْ: يا رسول الله ألنا خاصة أهل البيت، أوْ لنا وللمسلمينِ؟ قال: بل لنا وللمسلمين. رواه البزار، وأبو الشيخ بن حبان في كتاب الضحايا وغيره، وفي إسناده: عطية بن قيس وثق وفيه كلام. ورواه أبو القاسم الأصبهاني عن عليّ ولفظه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا فاطمة قومي فاشهدي أحضيتك، فإنَّ لك بأوَّل قطرةٍ تقطرُ من دمها مغفرةً لكلِّ ذنبٍ، أما إنه يجاء بلحمها ودمها توضع في ميزانكِ سبعين ضعفاً. قال أبو سعيدٍ: يا رسول الله هذا لآل محمدٍ خاصَّة، فإنَّهم أهل لما خصُّوا ¬

(¬1) تكرم، يعني أن صلة الأرحام ومودة الأقارب تزيد ثوابا عند الله

به من الخيرِ، أو للمسلمين عامَّة؟ قال: لآل محمَّدٍ خاصةً، وللمسلمين عامةً، وقدْ حسن بعض مشايخنا على هذا، والله أعْلمُ. 4 - وروي عن عليَّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس ضحُّوا (¬1) واحتسبوا (¬2) بدمائها، فإن الدَّم وإنْ وقع في (¬3) الأرض، فإنَّه يقع حرْز الله عزَّ وجلَّ رواه الطبراني في الأوسط. 5 - وروي عن حسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ ضحَّحى طيِّبة نفسه محتسبا لأضحيته كانت له حجاباً من النَّار (¬4). رواه الطبراني في الكبير. 6 - وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنفقت الورقُ (¬5) في شيء أحبَّ إلى الله من نحر ينْحرُ في يوم عيدٍ. رواه الطبراني في الكبير والأصبهاني. 7 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيرُ الأضحية الكبشُ، وخيرُ الكفن الحلَّةُ: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه إلا أنه قال: الكبْشُ الأقرنُ. رووه كلهم من رواية عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة. وقال الترمذي: حديث غريب. (قال الحافظ): عفير واهٍ. 8 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وجد سعةً لأن يضحِّي فلم يضحِّ: فلا يحضر مُصلانا (¬6). رواه الحاكم مرفوعا هكذا، وصححه، وموقوفا ولعله أشبه. 9 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) اذبحوا أضحية. (¬2) اطلبوا الثواب من الله جل وعلا. (¬3) وقع في، كذا ط وص 371 ون د: وقع على. (¬4) هذه الأضحية تكون سداً منيعاً بينه وبين صاحبها من النار تقيه عذابها، وتبعد عنه لهبا تفضلا من الله عز شأنه، ومعناه الله يحفظه شهادة زاكية لصاحب الذبيحة يوم القيامة. (¬5) الدراهم: والمعنى خير المال ما أنفق في شراء أضحية تذبح وتوزع على الفقراء والمساكن. (¬6) معناه الذي يجد مالا يشتري به أضحيته ويبخل فلا يقرب مسجدنا لأنه ناقص الثواب، وشحيح في طلب زيادة الأجر، وفيه الترغيب في الأضحية، والحث على فعلها.

الترهيب من المثلة بالحيوان ومن قتله لغير الأكل، وما جاء في الأمر بتحسين القتلة والذبحة

منْ باع جلد أضْحيتهِ فلا أضحية له (¬1) رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. قال الحافظ: في إسناده ع بدالله بن عياش القتباني المصري مختلف فيه، وقد جاء في غير ما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع جلد الأضحية. (الترهيب من المثلة بالحيوان ومن قتله لغير الأكل) وما جاء في الأمر بتحسين القتلة والذبحة عنْ شداد بن أوْس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الله كتب الإحسان على كلِّ شيءٍ، فإذا قتلتمْ فأحسنوا القتلةَ، وإذا ذبحتمْ فأحسنوا الذِّبحة، ولْيُحدَّ أحدكمْ شفرتهُ (¬2) وليرح ذبيحته (¬3). رواه مسلم، وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجلٍ واضعٍ رجلهُ على صفْحةِ شاةٍ، وهو يحدُّ شفْرتهُ، وهي تلحظ إليه ببصرها قال: أفلا قبْل هذا؟ أو تريد أن تميتها موْتتين (¬4). رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجا ¬

(¬1) فليس له ثوابها الكامل. (¬2) يجعلها حادة مسرعة القطع. (¬3) وليضجعها مرتاحة بسهولة. (¬4) موتتين: كذا ع ص 372، وفي ن ط، موتات (فصل في صلاة العيدين كما قال الفقهاء) وهي سنة مؤكدة تطلب من المقيم والمسافر، والحر والعبد، وهي ركعتان (ويدخل وقتها بطلوع الشمس) شمس يومها إلى الزوال. ويسن تأخيرها حتى ترتفع قدر رمح، ويصح فعلها في الصحراء وكونها في المسجد أفضل، ولا يسن لها أذان ولا إقامة، بل ينادي لها: الصلاة جامعة (وسنتها) أن تصلى جماعة لغير الحاج ويكبر في الركعة الأولى سبعاً بعد الافتتاح وقبل التعوذ، وفي الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام، وأن يرفع يديه حذو منكبيه في كل تكبيرة، وأن يقول بين كل تكبيرتين: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولو نسى التكبير وابتدأ بالقراءة لم يعد إليه، وأن يقرأ بعد الفاتحة في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية الغاشية وأن يجهر في القراءة، ويسن أن يخطب إمام جامعة بعد صلاتها خطبتين كخطبتي الجمعة في أركانهما وسنتهما، ويسن أن يكبر في الأولى تسعا، وفي الثانية سبعاً، ويعلمهم في خطبة الفطر حكم زكاة الفطر، وفي الأضحى الأضحية، ويسن الغسل للعيدين والتطيب، والتزين بأحسن الثياب. ويسن أن يذهب من طريق طويل ويرجع من آخر قصير، وأن يأكل قبل صلاتها في الفطر وأن يكون ما يأكله تمراً ووتراً، وأن يمسك في الأضحى حتى يصلى وأن يجعل الصلاة في الأضحى ويؤخر قليلا في الفطر، ويسن التكبير لغير الحاج من أول ليلتي العيدين إلى دخول الإمام لصلاة العيد إرسالا، وأن يرفع صوته بالتكبير في الأسواق والطرق والمنازل وغيرها وأن يكبر =

رجال الصحيح، ورواه الحاكم إلا أنه قال: ¬

_ = عقب صلاة فرضاً أو نفلا من صبح يوم عرفة إلى عقب عصر آخر أيام التشريق، والحاج يكبر من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق أيضاً، ويقدم التكبير على أذكارها في المقيد. أما المرسل، فيسن تأخيره عن الأذكار. وصيغته: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعيد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم صلى على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً. ومن سنن يومي العيدين تهنئة الناس بعضهم لبعض. قال ابن حجر: إنها مندوبة مشروعة، واحتج له بأن البخاري عقد لذلك بابا فقال: باب ما روي في قول الناس بعضهم لبعض في العيد: تقبل الله منا ومنكم، وساق ما ساق من آثار وأخبار، ثم قال: ويحتج بعموم التهنئة بما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة بمشروعية سجود الشكر والتعزية، وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة توبته لما تخلف عن غزوة تبوك أنه لما بشر بقبول توبته، ومضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إليه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فهنأه. وتسن مصافحة الرجلين والمرأتين، وتحرم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عن غير حائل، وكذا الأمرد الجميل. وتكره مصافحة من به عاهة: كالأبرص والأجذم ونحوهما، وتكره المعانقة إلا لقادم من سفر فانه سنة كما روي عن أبي ذر (قيل له: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفاحكم إذا لقيتموه؟ قال: وما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلى ذات يوم فلم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلى فأتيته وهو على سريره فالتزمني، وكانت أجود وأجود) رواه الإمام أحمد في الأوسط والطبراني من حديث أنس: (كانوا إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا). وفي حديث عائشة رضي الله عنها: (لما قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فقرع الباب فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم عيرانا يجر ثوبه. فاعتنقه وقبله). قال الترمذي حديث حسن، ويسن تقبيل اليد لصلاح ونحوه كعلم وزهد، ففي حديث أسامة بن شريح عند أبي داود بسند قوي. (قال فقمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يديه، وفي حديث يزيد في قصة الأعرابي والشجرة. فقال يا رسول الله ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك أذن له، ويكره ذلك لغني وذي بدعة، قال البخاري في كتاب الأدب المفرد: حدثنا أبو عوانة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليل عن ابن عمر قال: (كنا في غزوة فحاص الناس حيصة. قلنا كيف نلقى النبي صلى الله عليه وسلم وقد فررنا فنزلت (إلا متحرفا لقتال) أي منعطفاً بأن يريهم أنه منهزم خداعا ثم يكر عليهم (أو متحيزاً) أي منضما وصائرا (إلى فئة) أي جماعة أخرى من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها يستنجد بها فقلنا: لا نقدم المدينة فلا يرانا أحد، فقلنا: لو قدمنا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة الفجر. قلنا: نحن الفرارون. قال أنتم: المكارون: أي الكرارون فقبلنا يديه. قال أنا فئتكم) وروي أيضاً فيه حدثنا ابن أبي مريم. قال: حدثنا عاطف بن خالد. قال حدثني عبد الرحمن بن رزين. قال: مررنا بالزبدة فقيل لنا: ههنا سلمة بن الأكوع فأتيته فسلمنا عليه فأخرج يديه فقال بايعت بهاتين نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخرج كفا له ضخمة كأنها كف بعير فقمنا إليها فقبلناها وروي فيه أيضاً. حدثنا عبد الله بن محمد. قال: حدثنا ابن عيينة عن ابن جدعان. قال ثابت لأنس أمسست النبي صلى الله عليه وسلم بيدك؟ قال نعم فقبلها، وروي فيه أيضا أن الوازع بن عامر قال: (قدمنا فقيل ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذنا بيديه ورجليه نقبلها)، وفيه أيضاً من صهيب قال: (رأيت عليا يقبل يدي العباس ورجليه) ويسن أيضاً القيام لأهل الفضل إكراما لا رياء قياساً على المصافحة، والتقبيل الوارد لهما ما تقدم على أنه ورد في الحديث الصحيح (قوموا لسيدكم سعد) أهـ من تنوير القلوب ص 196. =

أتريد أنْ تميتها موْتاتٍ (¬1) هلا أحْددْتَ شفرتكَ قبل أن تضْجعها، وقال: صحيح على شرط البخاري. 3 - وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بحدِّ الشِّفار. وأن توارى عن البهائم (¬2)، وقال: إذا ذبح أحدكم فلْيجْهزْ رواه ابن ماجه. (الشفار) جمع شفرة: وهي السكين، وقوله: فليجهز، هو بضم الياء، وسكون الجيم وكسر الهاء، وآخره زاي: أي فليسرع ذبحها ويتمه. 4 - وعنِ ابن عمر أيضاً رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما منْ إنسانٍ يقتلُ عصفوراً، فما فوقها بغير حقِّها إلا يسْأله الله عزَّ وجلَّ عنهما. قيل يا رسول الله وما حقُّها؟ قال: أن يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها، ويرمي بها (¬3) رواه النسائي والحاكم وصححه. 5 - وعنِ الشَّرِّيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ قتلَ عصفوراً عبثاً (¬4) عجَّ (¬5) إلى يوم القيامة يقول: يا ربِّ إنَّ فلاناً ¬

= (ما يريده النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين ليلتي العيد ويوميه) يحب صلى الله عليه وسلم أن يقابل العيد بالبشر والسرور، والتوبة لله تعالى، والندم على الخطايا، وتكميل النفس بآداب الله، وتجميلها بالمحامد، والإقبال على ذكر الله وتمجيده واستغفاره، والصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم، ومصالحة الخصوم والأخذ بناصر المظلوم، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الفقراء، وزيارة الأقارب، وصلاة الفرض جماعة في المسجد، ومؤانسة الأهل، والتهجد، وإحياء الليلة بالإكثار عن العبادة والذكر رجاء أن الله يحفظ محيي ليلة العيد من أهوال القيامة: ويقيه شرها، ويعطيه ثباتا وقوة تتحمل شدائدها ويعده من الذين قال فيهم سبحانه: (لا يحزنهم الفرع الأكبر) ويستظل برحمته في ظله سبحانه (يوم تموت القلوب) فيحيا حياة السعداء، ويبكر صباحا إلى المسجد، ويكبر كثيراً، ويكثر من الصدقة، ويقول قولا حسناً طيباً ليناً، ويذبح أضحية ويوزعها على الفقراء، ولا يأكل منها إلا قليلا بركة طالباً ثواب الله تعالى فقط، ويبتعد عن الرياء والتشاحن، والتساب والتشاؤم، ويهجر مجالس اللهو والفسق، ويحضر مجالس الصالحين، وأهل العلم، ويزور القبور: ويتجمل بأفخر الثياب، وينفق على أهله بسعة وجود، ويطعم الطعام، ويود أهل الخير، ويتزاور ويتباش، ويتحاب ويؤنس ويبسم ثغره، ويشرح صدره للإسلام. (¬1) أتود أن تظهر لها علامة الخوف. وتكرر لها الموت مراراً تراه. (¬2) تختفي: أي لا يراها حيوان تذبح كي لا يرى الموت أمامه والذبح بعينيه شفقة ورأفة ورحمة بخلق الله. (¬3) فيه صيد هذا الحيوان لذبحه وأكله حلال، والنهي عن التمثيل به، والنكاية وقطع رأسه بلا ذكاة شرعية. (¬4) لهواً ولعباً. وفي النهاية: والمراد أن يقتل الحيوان لعباً لغير قصد الأكل، ولا على جهة التصيد للانتفاع. (¬5) رفع صوته علانية.

قتلني عبثاً ولمْ يقْتُلني منفعةً (¬1). رواه النسائي وابن حبان في صحيحه. 6 - وعن ابن سيرين أنَّ عمر رضي الله عنه رأى رجلاً يسْحَبُ شاةً برجلها ليذْبحها، فقال له: ويْلك (¬2) قدْها (¬3) إلى الموت قوْداً جميلاً. رواه عبد الرزاق في كتابه موقوفاً. 7 - ورواه أيضاً مرفوعاً عن محمد بن راشد عن الوضين بن عطاء قال: إنَّ جزَّاراً فتح باباً على شاةٍ ليذبحها فانفلتتْ منه حتى جاءت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فاتَّبعها فأخذها يسْحبها برجلها، فقال لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: اصبري لأمرْ الله، وأنت يا جزَّار فسقها سوقاً رفيقاً (¬4) وهذا مُعْضل، والوضين فيه كلام. 8 - وعنْ أبي صالحٍ الحنفيِّ عنْ رجلٍ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم رآه ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مثَّلَ (¬5) بذي روحٍ، ثمَّ لمْ يتبْ مثَّل الله به يوم القيامة (¬6). رواه أحمد ورواته ثقات مشهورون. 9 - وعن ما لك بن نضلة رضي الله عنه قال: أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: هل تنتجُ (¬7) إبل قوْمك صحاحاً فتعمدُ إلى المرسى فتقطع آذانها، وتشقُّ جلودها وتقول هذه صرْم فتحرِّمها عليك، وعلى أهلك؟ قلتُ: نعم. قال: فكلُّ ما آتاك الله حلٌّ، ساعد الله أشدُّ من ساعدك (¬8)، وموسى (¬9) الله أشدُّ من موساك. رواه ابن حبان. ¬

(¬1) لطلب فائدة يجنيها مني. (¬2) واد في جهنم لك على هذه القسوة والفظاظة. ما هذه الشدة؟ (¬3) جرها، من قاد البعير واقتاده: جره خلفه: وفيه الرأفة بالحيوان عند ذبحه وعدم تألمه. (¬4) فخذها واذهب بها برحمة. (¬5) أي أظهرها أمامه وعذبها ونصبها كالهدف يرمي بها. وفيه النهي أن يمثل بالدواب: أي تنصب فترمى، وتقطع أطرافها: وهي حية. يقال مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه، وشوهت به: ومثلت بالقتيل: إذا جدعت أنفه أو أذنه، أو مذاكيره، أو شيئاً من أطرافه، والاسم المثلة: وأما مثل بالتشديد للمبالغة. أهـ نهاية. (¬6) عذبه الله بأنواع العذاب الشديد. (¬7) تتولى نتاجها على جعل الفاعل أنت: ويصح تنتج إبل: الفاعل إبل بمعنى تخرج صحيحة لم يقطع شيء، وكل أجزائها حلال: ولكن اليد هي التي تغير ما أحل الله. (¬8) الخالق القوي القادر أقوى منك: وخلق الحادثة هكذا فلا تغير شيئاً منها. (¬9) قدرته النافذة، وإرادته الصارمة: أوجد النتاج هكذا فلا تقطع شيئاً ما (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) 31 من سورة الروم. هذا تمثيل للاقبال والاستقامة على دين الله والاهتمام به (فطر الناس عليها) خلقهم عليها وهي =

في صحيحه، وسيأتي في باب الشفقة والرحمة إن شاء الله. ¬

_ = قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه (لا تبديل لخلق الله) لا يقدر أحد أن يغيره أو ما ينبغي أن يغيره (القيم) المستقيم الذي لا عوج فيه. لقد انقاد ذلك الصحابي الجليل إلى تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واهتدى بآدابه: وتثقف بتهذيبه: واستضاء بأنواره وعلم الحق فاتبعه: ولم يقطع آذان النتاج: وعمل بكلام خير الخلق صلى الله عليه وسلم، وإن شاهدنا (لا تبديل لخلق الله) وهذه الآية خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وأمته عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى: (منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين) 32 من سورة الروم. المسلمون أتباع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ - يتوبون إلى الله تعالى راجعين إليه، ومنقطعين إلى عبادته بعد أداء عملهم في الحياة. ب - يخافونه ويتقونه. جـ - يؤدون الصلاة. د - يجتنبون الأعمال التي تؤدي إلى الشرك، ويتحرون إخلاص العبادة لله وحده. وقال البيضاوي: (فأقم وجهك) الآية خطاب للرسول وللأمة، غير أنها صدرت بخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيما له. أنعم بدين الله تعالى الذي يدعو إلى الرأفة بالحيوان والشفقة عليه، والأدب عند ذبحه. يحث على راحته وعدم أذاه. ووجود آلة حادة تجهز عليه بسرعة حتى لا يطول ألمه، ويكثر عذابه، ويرفق بها ويريحها ويبعدها عن رؤية الحيوانات الأخرى، ولا يتركها لعبة في أيدي الأطفال يتلهبون بها ويمزقون أعضاءها أو يمثلون بأطرافها، أو يشدها شداً عنيفاً: وأوعد ذلك القاسي بانتقام منه أشد انتقام، والتمثيل به يوم القيامة حتى يذوق أمر الآلام. بل يعذبه الله في حياته، ويرزقه من يؤذيه، ويسلط على أطرافه الأمراض والآلام من جراء عدم رحمته بخلق الله، والحمد لله رب العالمين. (فصل في الأضحية) فأما الأضحية فسنة مؤكدة لا تجب إلا بالنذر، وأول وقتها بعد مضى قدر ركعتين، وخطبتين خفيفتين من طلوع الشمس يوم عيد الأضحى، وهي سنة كفاية في حق أهل بيت تعددوا، وإلا فسنة عين. وآخر وقتها غروبالشمس من آخر أيام التشريق، فمن لم يضح حتى مضى الوقت. فان كان تطوعا لم يذبح بقصد التضحية، وإن كان منذوراً لزمه أن يضحي قضاء، وتكون بذبح جذعة ضأن لها سنة: وطعنت في الثانية، أو ستة أشهر وسقط بعض أسنانها، أو ثنية معزلها سنتان وطعنت في الثانية: ومن الإبل ما له خمس سنين وطعن في السادسة. ومن البقر ما له سنتان وطعن في الثالثة، والبدنة تجزئ عن سبع، وكذا البقر. وأما الشاة فلا تجزئ إلا عن واحد من أهل بيته، ولا تجزئ العوراء البين عورها، ولا العرجاء التي ظهر عرجها ولا الهزيلة ولا مكسورة القرن إن ضر بلحمها، ولا مقطوعة الأذن كلا أو بعضاً ولو خلقة ولا مقطوعة الذنب ولا اللسان، ولا يضر الكي ولا الخصاء، ولا شق الأذن ولا خرقها ما لم يذهب جزء منها وإلا ضر، ويشترط أن يعطي الفقراء من لحمها جزءا ولا يسيرا بشرط أن يكون نيئاً، ويندب التصدق بالجميع إلا لقماً يأكلها تبركا فإن نذر أضحية معينة زال ملكه عنها، ولم يجز بيعها، وله أن يركبها. فان ولدت ذبح معها ولدها وجوبا، وله أن يشرب من لبنها ما فضل عن ولدها، وإن كان صوفها يضر بها إلى وقت الذبح جاز له أن يجزه وينتفع به ولا يأكل من لحمها شيئاً، وكذا من تلزمه نفقته، ولا يجوز بيع جلد الأضحية ولا جعله أجرة للجزار وإن كانت تطوعا بل يتصدق به، فان تلفت المنذرة قبل يوم النحر بلا تقصير، أو فيه قبل التمكن من ذبحها لم يضمها، وإن أتلفها أو تلفت بعد التمكن من ذبحها ضمنها بأكثر الأمرين من قيمتها أو أضحية مثلها، فإن القيمة زادت على مثلها تصدق بالفضل. فإن ذبح قبل الوقت المعين لزمه التصدق به ولا يجوز له الأكل منها، ويلزمه ذبح مثلها في الوقت المعين، =

(الصرم) بضم الصاد المهملة، وسكون الراء: جمع الصريم وهو الذي صرم منه: أي قطع. ¬

_ = وإن ذبح بعده فقضاء. والأفضل أن يذبح الأضحية بنفسه. فإن لم يحسن ذبح مسلم عالم بشروطها وحضر ذبحها، ويقول: الذابح: اللهم إن هذا منك وإليك فتقبل مني كما تقبلت من محمد نبيك وإبراهيم خليلك. وأما العقيقة للمولود فهي سنة موكدة تذبح وقت طلوع الشمس في اليوم السابع، ويقول عند الذبح: بسم الله والله أكبر. اللهم هذا منك وإليك. اللهم هذه عقيقة فلان. فإن كان غلاما ذبح عنه شاتين، أو جارية ذبح عنها شاة، ويششترط أن تكون الذبيحة مجزئة في الأضحية، ويسن أن لا يكسر العظم، بل تفصل الأعضاء تفاؤلا بسلامة أعضاء الود: ويسن أن تطبخ كسائر الولائم إلا رجلها اليمنى إلى أصل الفخذ فتعطي نيئة للقابلة (أي الداية) تفاؤلا بأن الولد يعيش ويمشي، وأن تطبخ بحلو تفاؤلا بحلاوة أخلاق الولد، وأن تطعم للفقراء كالأضحية، وبعثها إليهم أولى من أن يدعوهم، وحكم العقيقة في التصدق والأكل وامتناع البيع، وتعيينها بالنذر كالأضحية. لكن لا يجب التصدق بشيء من لحمها نيئاً، ويكره لطخ الرأس بدم العقيقة، ويسن عقب الذبح أن يحلق رأس المولود، ويتصدق بوزن شعره ذهباً. فإن لم يتيسر ففضة، ذكراً أو أنثى، ويسميه باسم حسن، وتكره التسمية بالأسماء القبيحة كبغل، وبكل ما يتشاءم بنفيه أو إثباته (كفرج أو شيطان) فإنه يتشاءم إذا قيل ذهب فرج وجاء شيطان، وتحرم بما أضيف إليه لفظ إلى غير أسمائه تعالى كعبد الكعبة إلا عبد النبي فتكره التسمية به على المتعمد، وتحرم التسمية أيضاً بنحو عبد العاطي لما فيه من تغيير أسمائه تعالى، وبما يوهم نقصا في حقه تعالى كجدار الله، ويجب تغيير الأسماء المحرمة، ويستحب تغيير المكروهة. ويسن أن يؤذن في أذن المولود اليمنى، ويقيم في اليسرى عقب الولادة بخبر ابن السني: (من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان). وليكون التوحيد أول ما يقرع سمعه حين قدومه إلى الدنيا، أو يحنك المولود بتمر عقب الولادة فإن لم يكن فيحلو، وأن يهنأ الوالد بالولد. أهـ 246 تنوير القلوب. وشاهدنا في العقيقة إراقة دم حبا في ثواب الله، ووضع البركة في نعمائه، ورعاية هذه الوالدة والمولود، وتوسعة على الفقراء ليشعروا بزيادة الرزق، ويتمتعوا بخيرات الله. (أدلة الحج من الآيات القرآنية) أولا: (وأتمنوا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذارجعتم تلك ع شرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب) 196 البقرة. ثانياً: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب. ليس ع ليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين. ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق. ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب. واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر تفلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) 102 من سورة البقرة. خلاق: نصيب (في الدنيا حسنة) الصحة والكفاف والتوفيق =

كتاب الحج

كتاب الحج الترغيب في الحج والعمرة وما جاء فيمن خرج يقصدهما فمات 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ العملِ أفضل (¬1)؟ قال: إيمانٌ بالله ورسولهِ (¬2). قيل: ثمَّ ماذا؟ قال: الجهاد في سبيلِ الله (¬3). قيل: ثمَّ ماذا؟ قال حجٌ مبرورٌ. رواه البخاريّ ومسلم. ورواه ابن حبان في صحيحه، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضلُ الأعمالِ عندَ الله تعالى إيمانٌ لا شكَّ فيه، وغزوٌ لا غلول فيهِ (¬4)، وحجٌّ مبرورٌ. قال أبو هريرة: حجَّة تُكفِّرُ خطايا سنةٍ. (المبرور): قيل هو الذي لا يقع فيه معصية، وقد جاء من حديث جابر مرفوعا: إنَّ برَّ الحجِّ: إطعام الطَّعام، وطيب الكلام، وعندَ بعضهمْ: إطعام الطَّعام، وإفشاء السلام. وسيأتي. ¬

= إلى الخير (وفي الآخرة حسنة) الثواب والرحمة (وقنا عذاب النار) بالعفو والمغفرة، وقال علي رضي الله عنه: الحسنة في الدنيا: المرأة الصالحة، وفي الآخرة الحوراء، وعذاب النار: المرأة السوء، وقال الحسن: الحسنة في الدنيا العلم والعبادة، وفي الآخرة الجنة، وقنا عذاب النار: احفظنا من الشهوات والذنوب المؤدية إلى النار (أيام معدودات) ذكره في أدبار الصلاة، وعند ذبح القرابين ورمي الجمار، وغيرها من أيام التشريق (فمن تعجل) فمن استعجل النفر أهـ بيضاوي، وقال تعالى: ثالثاً: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير 28 ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطفوا بالبيت العتيق 29 ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) الآية من سورة الحج. رابعاً: قال تعالى (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون 36 لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الهل على ما هداكم وبشر المحسنين) 37 من سورة الحج. (¬1) أكثر ثوابا عند الله تعالى. (¬2) الاعتقاد الجازم بوجوده سبحانه وتعالى، والتصديق برسوله صلى الله عليه وسلم، وعقد النية على الطاعة، وتجديد العزيمة على العمل بالكتاب والسنة. (¬3) حرب أعداء الدين لنصر دين الله وحده. (¬4) حرب الكفار ولا سرقة في المغنم، ولا طمع فيما يؤخذ من ديار الكفار.

2 - وعنْهُ رضي الله عنه قال: سمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ حجَّ، فلمْ يرفثْ، ولم يفسُقْ رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمُّهُ. رواه البخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه والترمذي إلا أنه قال: غُفر له ما تقدَّم من ذنبهِ. (الرَّفث) بفتح الراء والفاء جميعا. روي عن ابن عباس أنه قال: الرفث: ما روجع به النساء. وقال الأزهري: الرّفث: كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة. (قال الحافظ) الرّفث: يطلق ويراد به الجماع، ويلق ويراد به الفحش، ويطلب ويراد به خطاب الرجل المرأة فيما يتعلق بالجماع، وقد نقل في معنى الحديث كل واحد من هذه الثلاثة عن جماعة من العلماء، والله أعلم. 3 - وعنْهُ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العمْرةُ إلى العمرة كفَّارة لما بينهما، والحجُّ المبرور ليْس له جزاء إلا الجنة. رواه مالك والبخاريّ ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والأصبهاني. وزاد: وما سبَّح منْ تسْبيحةٍ، ولا هلَّل من تهْليلةٍ، ولا كبَّر منْ تكبيرةٍ إلا بشِّرَ بها تبشيرةً. 4 - وعن ابن شمَّاسة رضي الله عنه قال: حضرنا عمرو بن العاص، وهو في سياقه الموْت فبكى طويلاً، وقال: فلمَّا جعل الله الإسلام في قلْبي أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ يا رسول الله: ابْسُطْ يمينك لأبايعك فبسط يده فقبضتُ يدي، فقال: مالك يا عمرو؟ قال أردت أن أشترط. قال: تشترط ماذا؟ قال: أن يغفر لي. قال: أما علمْتَ يا عمرو أنَّ الإسلام يهدم ما كان قبله، وأنَّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأنَّ الحجَّ يهدم ما كان قبله (¬1). رواه ابن خزيمة في صحيحه هكذا مختصراً، ورواه مسلم وغيره أطول منه. ¬

(¬1) يعني أن الحج يسبب غفران الذنوب، ويزيل الخطايا إلا حقوق الآدمي فإنها تتعلق في الذمة حتى يجمع الله أصحاب الحقوق ليأخذ كل حقه، ومن الجائز أن الله تعالى يتكرم فيرضي صاحب الحق بما أعده له من النعيم وحسن الجزاء فيسامح المدين المدين تفضلا وتكرما، ولابد من أداء حقوق الآدميين، وحقوق الله مبينة على تسامح الكريم الغفور الرحيم.

5 - وعن الحسن (¬1) بن عليٍّ رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي جبانٌ، وإنِّي ضعيفٌ، فقال: هلمَّ إلى جهادٍ لا شوْكة فيه: الحجُّ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورواته ثقات، وأخرجه عبد الرازق أيضاً. 6 - وعنْ عائشة رضي الله عنها، قالتْ: قُلْتُ يا رسول الله: نرى الجهاد أفضلَ الأعمال أفلا نجاهد؟ فقال: لكنَّ أفضل الجهاد حجٌّ مبرور (¬2). رواه البخاري وغيره وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه قالت: قُلْتُ: يا رسول الله هلْ على النساء من جهادٍ؟ قال: عليهنَّ جهاد لا قتال فيه، الحجُّ العمرةُ. 7 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جهادُ الكبير والضَّعيف والمرأة: الحجُّ والعمرة. رواه النسائي بإسناد حسن. 8 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في سؤال جبرائيل عليه السَّلام إيَّاه عن الإسلام؟ فقال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزَّكاة، وتحجَّ، وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأنْ تُتِمَّ الوضوء، وتصوم رمضان. قال: فإذا فعلتُ ذلك فأنا مسلم؟ قال: نعمْ. قال: صدقْتَ. رواه ابن خزيمة في صحيحه، وهو في الصحيحين وغيرهما بغير هذا السياق. وتقدم في كتاب الصلاة والزكاة أحاديث كثيرة تدل على فضل الحج، والترغيب فيه وتأكيد وجوبه لم نعدّها لكثرتها فليراجعها من أراد شيئاً من ذلك. 9 - وعنْ أمِّ سلمة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجُّ جهاد كلِّ ضعيفٍ. رواه ابن ماجه عن أبي جعفر عنها. 10 - وعنْ عمرو بن عبسةً رضي الله عنه قال: قال رجلٌ يا رسول الله: ما الإسلام؟ قال: أن يُسْلمَ لله قلبكَ، وأنْ يسلمَ المسلمون من لسانك ويدك، قال: فأيُّ الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان. قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكتهِ ¬

(¬1) وعن الحسن كذا ع ص 375، وفي ن ط عن الحسين. (¬2) يشير صلى الله عليه وسلم إلى زمن فيه هدنة وليس فيه جهاد لنصر الإسلام. فالكامل الصالح من جاهد نفسه وأدبها وحج وبعد الحج عمل صالحاً واستقام، ولم يفعل خطيئة صغيرة أو كبيرة. وتلزم السيدات بيتهن أو يحجبن عن طهورهن الرجال الأجانب.

وكُتُبهِ ورسلهِ والبعثِ بعد الموت. قال: فأيُّ الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة. قال: وما الهجرة؟ قال: أن تهجر السُّوء. قال: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد. قال: وما الجهاد؟ قال أن تقاتل الكفَّار إذا لقيتهم. قال: فأيُّ الجهاد أفضل؟ قال: منْ عقر جواده وأهريق دمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثمَّ عملان هما أفضل الأعمال إلا منْ عمل بمثلهما: حجَّة مبرورة، أو عمرة مبرورة. رواه أحمد بإسناد صحيح، ورواته محتج بهم في الصحيح والطبراني وغيره، ورواه البيهقي عن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه. 11 - وعنْ ماعزٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: برَّة تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشَّمس إلى مغربها. رواه أحمد والطبرانيّ، ورواة أحمد إلى ماعز رواة الصحيح، وما عز هذا: صحابي مشهور غريب منسوب. 12 - وعنْ جابر رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: الحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنَّة. قيل: وما برُّه؟ قال: إطعام الطعام، وطيب الكلام. رواه أحمد والطبراني في الأوسط بإسناد حسن، وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي والحاكم مختصراً وقال: صحيح الإسناد. وفي رواية لأحمد والبيهقيّ: إطعام الطَّعام، وإفْشاء السَّلام. 13 - وعنْ عبد الله، يعني ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تابعوا بين الحجِّ والعمرة (¬1)، فإنَّهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير (¬2) خبث الحديد والذَّهب والفضَّة (¬3)، وليس للحجَّة المبرورة ثواب إلا الجنَّة. رواه الترمذيّ وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه والبيهقي من حديث عمر، وليس عندهما: والذَّهب إلى آخره. وعند البيهقي: ¬

(¬1) أي أدوا حجة، ثم افعلوا عمرة. (¬2) منفاخ الحداد، وقيل: هو المبني من الطين، وقيل الزق الذي ينفخ به النار، والمبني: الكور أهـ نهاية. (¬3) ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أُذيبا، ومعناه أعمال الحج والعمرة تزيل الذنوب، وتنقي الصحائف، وتطهرها من أدر أن المعاصي كما تصبر النار معدني الذهب والفضة، وتزيل القذارة والأشياء العالقة بها.

فإنَّ متابعةً بينهما يزيدان في الأجل، وينفيان الفقر والذُّنوبَ كما ينفي الكير الخبيث. 14 - وروي عن عبد الله بن جرادٍ الصَّحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حجُّوا (¬1)، فإنَّ الحجَّ يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدَّرن (¬2). رواه الطبراني في الأوسط. 15 - وعنْ أبي موسى رضي الله عنه، رفعه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: الحاجُّ يشفعُ في أربعمائةٍ من أهل بيتٍ (¬3)، أو قال: من أهل بيتهِ، ويخرج منْ ذنوبهِ كيومَ ولدته أمُّهُ. رواه البزار، وفيه راوٍ لم يستم. 16 - وعنِ ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ما ترفعُ إبل الحاجِّ رجلاً، ولا تضع يداً إلا كتب الله له بها حسنةً، أوْ محا عنْهُ سيئةً، أوْ رفع بها درجةً رواه البيهقي وابن حبان في صحيحه في حديث يأتي إن شاء الله. 17 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: من جاء يومُّ البيت الحرام فركب بعيره فما يرفع البعير خُفًّا، ولا يضع خفًّ إلا كتب الله له بها حسنةً، وحطَّ عنه بها خطيئةً، ورفع له بها درجةً حتى إذا انتهى إلى البيت فطاف وطاف بين الصَّفا والمروة، ثمَّ حلق، أو قصَّر إلا خرج منْ ذنوبه كيوم ولدته أمُّهُ فهلمَّ نستأنف العمل فذكر الحديث، رواه البيهقي. 18 - وعنْ زاذان رضي الله عنه قال: مرض ابن عبَّاس مرضاً شديدا، فدعا ولده فجمعهم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حجَّ من مكَّة ماشياً (¬4) حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكلِّ خطوة سبعمائة حسنةٍ، كلُّ حسنة مثل حسنات الحرم. قيل له: وما حسنات الحرم؟ قال: بكلِّ حسنةٍ مائة ألف حسنةٍ. رواه ¬

(¬1) أدوا فريضة الحج. (¬2) الأقذار: أي يطهر الحج صحائف الحاج. (¬3) يتفضل عليه الله فيطلب المغفرة لجيرانه. (¬4) ذاهبا إلى مكة قاصداً السفر، والدين دين يسر. فإذا كان غنيا وأمكن أن يركب. فالأفاضل عند الله أن يركب، ويدفع أجرة راحته لصاحب الدابة أو السيارة، وأما الفقير غير القادر على الركوب فيضاعف الله ثوابه بقدر مشقته، وعزيمته القوية في تحمل الآلام ابتغاء رضاه. ففيه الترغيب بالذهاب إلى مكة لينال الحسنات الجمة راكباً، أو ماشياً.

ابن خزيمة في صحيحه والحاكم كلاهما من رواية عيسى بن سوادة، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال ابن خزيمة: إن صحّ الخبر، فإن في القلب من عيسى بن سوادة. (قال الحافظ) قال البخاريّ: هو منكر الحديث. 19 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ آدم عليه السَّلام أتى البيت ألف أتيةٍ لمْ يرْكب قطُّ فيهنَّ من الهند على رجليهِ (¬1). رواه ابن خزيمة في صحيحه أيضاً، وقال: في القلب من القاسم بن عبد الرحمن. (قال الحافظ): القاسم هذا واهٍ. 20 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجَّاج والعمَّارُ: وفد الله دعاهمْ فأجابوه، وسألوه فأعطاهم. رواه البزار، ورواته ثقات. 21 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: الغازي في سبيل الله، والحاجُّ والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهمْ. رواه ابن ماجه واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، كلاهما من رواية عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب. 22 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجَّاج والعمَّار وفد الله، إنْ دعوهُ أجابهمْ، وإن استغفروه غفر لهمْ. رواه النسائي وابن ماجاه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، ولفظهما قال: وفد الله ثلاثة: الحاجُّ، والمعتمر، والغازي. وقدّم ابن خزيمة: الغازي. 23 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغفرُ للحاجِّ، ولمن استغفر له الحاجُّ. رواه البزار والطبراني في الصغير، وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، ولفظها قال: اللهمَّ اغفرْ للحاجِّ، ولمن استغفر له الحاجُّ (2)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، قال مسلم. (قال الحافظ): في إسناده شريك القاضي، ولم يخرِّج له مسلم إلا في المتابعات، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله. ¬

(¬1) سيدنا آدم أصح الله جسمه، وأعطاه قوة على المشي لعدم وجود وسائل الراحة حينئذ، والمدار الآن على إخلاص النية لله، وكثرة الإنفاق، وعقد التوبة، والرجوع إلى الله، وحسن الإنابة.

24 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استمتعوا بهذا البيت (¬1) فقد هدم مرَّتينِ، ويرفعُ في الثَّالثةِ. رواه البزار والطبراني في الكبير، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما، والحاكم، وقال صحيح الإسناد. قال ابن خزيمة قوله: ويرفع في الثالثة، يريد بعد الثالثة. 25 - وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لما أهبط الله آدم عليهِ السلام من الجنَّة قال: إنِّي مُهْبط معك بيتاً، أو منزلاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلي عنده كما يصلي عند عرشي، فلمَّا كان زمن الطوفان رفع، وكان الأنبياء يحجُّونه، ولا يعْلمون مكانه فبوَّأه لإبراهيم عليه الصلاة والسلام فبناه من خمسة أجبلٍ: حراء، وثبير، ولبنان، وجبل الطُّورِ (¬2)، وجبل الخير، فتمتَّعوا منه ما استطعتم (¬3). رواه الطبراني في الكبير موقوفاً، ورجال إسناده رجال الصحيح. 26 - وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعجَّلوا إلى الحجِّ (¬4)، يعني الفريضة، فإنْ أحدكمْ لا يدري ما يعرض له. رواه أبو القاسم الأصبهاني. 27 - وروي عنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أوْحي الله تعالى آدم عليه السلام: أن يا آدم، حجَّ هذا البيت قبل أن يحدث بك حدث الموتِ. قال: وما يحدث عليَّ يا ربهَ؟ قال: مالا تدري وهو الموْت. قال: وما الموت؟ قال: سوف تذوق. قال: ومن أستخلفُ في أهلي؟ قال: اعرضْ ذلك على السَّموات والأرض والجبال، فعرض ذلك على السَّموات فأبت، وعرض على الأرض فأبتْ، وعرض على الجبالِ فأبت، وقبله ابنه قاتل أخيه، فخرج آدم عليه السلام: من أرض الهندِ حاجًّا، فما نزل منزلاً أكل فيه وشرب إلا صار عمراناً بعده وقرى ¬

(¬1) انهضوا وحجوا وتمتعوا بهذه البنية الطاهرة قبل زوالها. (¬2) الطور: كذا د وع ص 378، وجبل الخمر، وفي ن ط: وجبل الطير وجبل الخير. (¬3) استطعتم. كذا د وع، وفي ن ط: اسطعتم. (¬4) اقصدوا السرعة في الذهاب إلى الحج خشية أن ي عرض ما يعوقكم، أو يأتي أجلكم، وفيه طلب البدار وعدم التسويف إذا سنحت الفرصة، ويسر الله للمستطيع، وأزال الموانع.

حتى قدم مكَّة فاستبلته الملائكة، فقالوا: السلام عليك يا آدم برَّ حجُّك، أما إنَّا قدْ حجبنا هذا البيت قبلك بألفي عامٍ. قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والبيت يومئذ ياقوتة حمراء جوفاء لها بابان من يطوف يرى منْ في جوف البيت، ومنْ في جوفِ البيتِ يرى من يطوف، فقضى آدم نسكه، فأوحى الله تعالى إليه يا آدم قضيتَ نسكك؟ قال: نعم يا ربِّ. قال: فسلْ حاجتك تعط؟ قال: جلُّ حاجتي: أتغفر لي ذنوبي وذنب ولدي، قال أمَّا ذنبك يا آدم فقد غ فرنا حين وقعت بذنبك، وأمَّا ذنب ولدك، فمن عرفني، وآمن بي، وصدَّق رُسلي وكتابي غفرنا له ذنبه. رواه الأصبهاني أيضاً. 28 - وروي عنْ أبي جعفر مُحمَّد بن عليٍّ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ عبدٍ ولا أمةٍ يضنَّ بنفقةٍ ينفقها فيما يرضي الله إلا أنفق أضعافها فيما يسْخط الله، وما من عبدٍ يدع الحجَّ لحاجٍ منْ حوائج الدنيا إلا رأي المخلفين (¬1) قبل أن يقضي تلك الحاجة (¬2) يعني حجَّة الإسلام، وما من عبدٍ يدع المثْنى في حاجة أخيه المسلمِ قضيتْ أوْ لمْ تُفْضَ إلا ابتلي بمعونة من يأثم عليه، ولا يؤجر فيه. رواه الأصبهاني أيضاً، وفيه نكارة. (يضنُّ) بالضاد المعجمة: أي يبخل، ويشحّ. 29 - وروي عنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الكعبة لها لسان وشفتان، ولقد اشتكتْ فقالتْ: يا ربِّ قلَّ عوَّادي، وقلَّ زوَّاري، فأوْحى الله عزَّ وجلَّ: إنِّي خالق بشراً خشعاً سُجداً يحنُّون إليك كما تحنُّ الحمامة إلى بيضها. رواه الطبراني في الأوسط. 30 - وروي عنْ أبي ذرٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ دواوَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إلهي ما لعبادك عليك إذا همْ زاروك في بيتك؟ ¬

(¬1) المخلفين. كذا د وع ص 397، وفي ن ط: محقه. (¬2) الحاجة. كذا ط وع، وفي ن د: الحجة.

قال: لكلِّ زائرٍ حقٌّ على المزورِ (¬1) حقا يا داود إنَّ لهمْ علىَّ أن أعافيهم (¬2) في الدنيا، وأغفر لهمْ إذا لقيتهمْ. رواه الطبراني في الأوسط أيضاً. 31 - وروي عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما راح (¬3) مسلم في سبيل الله مجاهداً (¬4)، أوْ حاجا مهلاً (¬5)، أو ملبِّيا إلا غربتِ الشَّمسُ بذنوبهِ (¬6)، وخرج منها. رواه الطبراني في الأوسط أيضاً. 32 - وروي ابن عمر رضي الله عنهما قال: كُنْتُ جالسا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مسجد منى، فأتاه رجل من الأنصار، ورجل من ثقيفٍ، فسلما ثمَّ قالا: يا رسول الله جئنا نسألك، فقال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه، فعلتُ، وإنْ شئتما أن أمسك وتسألاني فعلتُ؟ فقال أخبرنا يا رسول الله، فقال: الثَّقفيُّ للأنصاريِّ سلْ، فقال: أخبرني يا رسول الله، فقال: جئتني تسألني عن مخرجِكَ من بيتك تؤُّمُّ البيت الحرام، وما لك فيه، وعنْ ركعتيك بعد الطَّواف وما لك فيهما، وعنْ طوافك بين الصفا والمروة ومالك فيه، وعنْ وقوفك عشية عرفة وما لك فيه، وعنْ رميك الجمار وما لك فيه، وعن نحرك وما لك فيه مع الإفاضة، فقال: والذي بعثك بالحقِّ لعنْ هذا جئت أسألك. قال: فإنَّك إذا خرجْتَ من بيتك تؤُّمُّ (¬7) البيت الحرام لا تضع ناقتك خُفا (¬8)، ولا ترْفعهُ إلا كتب الله لك به حسنةً، ومحا عنْكَ خطيئةً، وأمَّا ركعتاك بعد الطَّواف كعتقِ رقبةٍ منْ بنى إسماعيل عليه السلام، وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشيَّة عرفة، فإنَّ الله يهبط (¬9) إلى سماء الدُّنيا فيباهي بكمُ الملائكة يقول: عبادي جاءوني شعثاً (¬10) من كلِّ فجٍّ (¬11) عميقٍ يرجونَ ¬

(¬1) الذي يزار ويقصد، وليس على الله حق، وإنما تفضل جل وعلا أن يعلم عباده الصالحين زيادة فضله وبدائع كرمه، ولطيف حلمه أن يمتعهم بالصحة في الدنيا، ويزيدهم قوة وغنى وسعادة، ويحط خطاياهم يوم القيامة، ويتجلى عليهم بالرضوان. (¬2) إن لهم على أن أعافيهم. كذا ع، وفي ن ط: إن لهم علي حقاً، وفي ن د: حذف علي. (¬3) ذهب. (¬4) محاربا في سبيل الله. (¬5) يكثر التهليل والتكبير والتلبية. (¬6) تذهب ذنوبه مع بياض النهار. (¬7) تقصد. (¬8) خطواتها لك حسنات وذهاب سيئات. (¬9) تنزل رحمته. (¬10) شعورهم متفرقة متلبدة عليهم علائم الزهد والورع، ولم يحلقوا شعورهم. (¬11) طريق واسع.

جنَّتي (¬1)، فلو كانتْ ذنوبكمْ كعدد الرَّمل، أوْ كقطْرِ المطر، أوْ كزبد البحرِ لغفرتها ¬

(¬1) في ن د: رحمتي. (الحج والعمرة) كما قال الفقهاء وبيان الأركان والواجبات وما يحرم، والدماء الواجبة. ذكر السنن والأدعية. يجبان في العمر مرة. قال الله تعالى: (وأتِموا الحجَّ والعمرة لله). أي ائتوا بهما تامين، وقال تعالى: (ولله على النَّاس حجُّ البيتِ من استطاعَ إليه سبيلاً) (1) وهو يكفر الصغائر والكبائر حتى التبعات على المعتمد إن مات قبل تمكنه من أدائها. أما إن عاش بعد التمكن فلا تسقط عنه فيجب عليه قضاء الصلاة، وأداء الدين الذي عليه ونحو ذلك، والتكفير بالنسبة للآخرة. أما بالنسبة لأمور الدنيا فلا حتى لو ثبت عليه الزنا ثم حج لا تقبل شهادته إلا بعد الاستبراء بسنة، ولا يحد قاذفه، والحج المكفر لما ذكر هو المبرور وهو المستوفي للأركان والشروط الذي لم يخالطه ذنب من الإحرام إلى التحلل. (2) وهو لغة القصد، وشرعاً قصد البيت الحرام للنسك الذي هو الأركان الآتية مع الإتيان بها، والعمرة لغة الزيارة لأي مكان، وشرعاً كتعريف الحج، وشروط وجوبهما خمسة: الإسلام والعقل والبلوغ، والحرية والاستطاعة، وتتحقق بأمن الطريق، وإمكانالسير، ووجود الزاد والراحة، وأن يكون ذلك فاضلا عن دنه ومؤنة عياله مدة ذهابه وإيابه. (أركان الحج ستة) والمراد بالركن: ما لا يتم الحج أو العمرة إلا به، ولا يجبر تركه بشيء. أولاً: الإحرام: وهو نية الدخول في الحج، ويشترط فيه أن يقع في أشهر الحج، وهي من شوال إلى فجر يوم النحر وهي: (الميقات الزماني للحج). ثانيا: الوقوف بعرفة: أي المكث بها، ويشترط فيه أن يكون في لحظة من زوال اليوم التاسع من ذوي الحجة إلى فجر اليوم العاشر منه، وأن يكون الواقف أهلا للعبادة فلا يجزيء من مجنون، أو مغمي عليه، أو سكران. ثالثاً: طواف الإفاضة، ويشترط فيه أن يبدأ بالحجر الأسود، وأن يجعل البيت عن يساره، وأن يمر تلقاء وجهه، وأن يكون داخل المسجد، وأن يكون طاهراً من الحدث الأكبر والأصغر والبدن والثوب والمكان من النجاسة، وأن يستر عورته، ؤأن يوكن بعد الوقوف بعرفة، وأن يطوف سبع طوفات، وأن يجعل جميع بدنه خارجا من جميع البيت. فلو طاف ويده على حائط حجر إسماعيل أو علي الشاذروان الذي في جدار البيت. أو دخل من إحدى فتحتى الحجر لم يصح طوافه، ويشترط في الطواف أيضاً النية إن كان مستقلا بأن لم يكن في ضمن نسك من حج أو عمرة. (تنبيه): من قبل الحجر الأسود أو اسمل الركن اليماني يوكن جزء بدنه في هواء الشاذروان فيلزمه أن يقر قدميه في محلهما حال التقبيل أو الاستلام حتى يفرغ منهما، ويعتدل قائما ثم يجعل البيت عن يساره ثم يسير. رابعاً: السعي بين الصفا والمروءة، ويشترط فيه أن يكون بعد طواف قدوم أو إفاضة، وأن يبدأ بالصفا وهو طرف جبلي أبي قبيس ويختم بالمروة، وهو طرف جبل قينقاع بمكة، ومقدار ما بين الصفا والمروة سبعمائة وسبعة وسبعون ذراعا بذراع اليد، وأن يكون سبع مرات ويحسب الذهاب مرة والعود مرة أخرى. =

أفيضو عبادي مغفوراً لكمْ، ولمنْ شفعتمْ له، وأمَّا رميك الجمار فلك بكلِّ حصاةٍ ¬

_ = خامساً: إزالة شعر بأن يزيل شعوات من رأسه بحلق أو غيره بشرط أن يكون بعد الوقوف بعرفة، وبعد النصف من ليلة النحر. سادساً: ترتيب معظم الأركان بأن يقدم النية على جميع الأركان، ويقدم الوقوف بعرفة على إزالة الشعر. وأما أركان العمرة فكأركان الحج ما عدا الوقوف، ولكن يجب الترتيب في جميع أركانها بأن يأتي بالإحرام أولا، ثم بالطواف، ثم بالسعي، ثم الحلق أو التقصير. (واجبات الحج) واجبات الحج خمسة، والمراد بالواجب: ما يتم النسك بدونه ويجب بتركه الفدية. أولا: كون الإحرام من الميقات المكاني، وأما الإحرام نفسه فركن. والميقات نوعان: زماني ومكاني فالزماني للحج ما تقدمه ذكره في أركانه، وللعمرة جميع السنة، والمكاني للحج في حق من بمكة، ولو غريباً نفس مكة، وللمتوجه من المدينة المنورة (ذو الحليفة) وهو المحل المعروف بأبيار علي، ولأهل مصر والشام والمغرب (الجحفة) وهي المشهورة الآن برابغ، وإنما تكون الجحفة ميقاتا لأهل الشام حيث لم يمروا على المدينة فإن مروا عليها كما هي عادتهم الآن فميقاتهم ميقات أهلها، وللمتوجه من تهامة اليمن (يلملم) وهو موضع على مرحلتين من مكة، وللمتوجه من نجد اليمن ونجد الحجاز (قرن) وهو جبل على مرحلتين من مكة، وللمتوجه من المشرق الشامل للعراق وغيره (ذات عرق) وهي قرية على مرحلتين من مكة، ومن مر بميقات من هذه المواقيت من غير أهلها فهو ميقاته، ومن كان مسكنه بين ميقات من هذه المواقيت فميقاته مسكنه، ومن لم يكن في طريقه ميقات. فإن حاذى في سيره ميقاتا فميقاته الموضع الذي حاذى فيه الميقات، وإن حاذى ميقاتين فميقاته موضع محاذاة الأقرب إليه منهما، وإن لم يحاذ في طريقه ميقاتا أصلا فميقاتا الموضع الذي بينه وبين مكة مرحلتان، والمكاني للعمرة لمن كان خارج الحرم (ميقات الحج) ولمن بالحرم أدنى الحل فيلزمه الخروج له، والإحرام بها منه. ثانياً: المبيت بالمزدلفة بأن يستقر فيها بعد نصف ليلة النحر، ولو ساعة يسيرة ثالثاً: المبيت بمنى ليالي أيام التشريق. رابعاً: رمي الجمار الثلاث. خامساً: اجتناب محرمات الإحرام. وأما واجبات العمرة، فكون الإحرام من الميقات المكاني، والتحرز عن محرمات الإحرام. (فصل) ويحرم بالإحرام عشر أشياء: أولها: لبس المحيط لرجل مما يعتاد لبسه ولو لعضو، بخلاف غير المخيط كإزار ورداء، وله أن يأتزر ويشتمل بعباءة، وأن يتلقد بسيف، وأن يشد على وسطه الهميان أو المنطقة، وأن يلبس الخاتم، وأن يربط على ذكره نحو خرقة للاستبراء, وأن يشد إزاره بنحو تكة. وثانيها: ستر الرأس أو بعضه لرجل بما يسمى ساتراً سواء كان من مخيط وغيره كقلنسوة أو خرقة أو عصابة أو طين، بخلاف ما لا يعد ساتراً كاستظلال بمظلة أو محمل وإن مسه، وتغطية رأسه بكفيه أو بكف غيره فإنه لا يضر. =

رميتها تكفير كبيرةٍ من الموبقات، وأمَّا نحرْك فمذخور عند ربك، وأما حلاقك ¬

_ = وثالثها: ستروجه المرأة ولو بعضه بما يعد ساترا، ويحرم عليها لبس القفازين في يديها كما يحرم على الرجل ولها ستر رأسها ولبس المخيط، وأن تسدل على وجهها ثوباً متجافياً منه بنحو خشبة أو عود. فلو أصاب الساتر وجهها بغير اختيارها ودفعته حالا لا يحرم. أما لو كان عمداً فعليها الفدية. فلو خالف الرجل فلبس المخيط أو ستر رأسه، أو خالفت المرأة فسترت وجهها، أو لبست القفازين بغبر عذر حرم عليهما ولزمتهما الفدية، فإن كان لعذر كبرد أو حر أو مرض فلا حرمة، وعليهما الفدية. ورابعها: التطييب عن كل من الرجل والمرأة لبدنه أو ثوبه أو فراشه بما يعد طيبا، وهو ما يظهر فيه قصد التطيب كالمسك والعنبر والكافور، والعود والصندل، والزعفران والورس، والياسمين والريحان، بخلاف ما لا يظهر فيه قصد ذلك كالسفرجل والتفاح، والأترج والدار صيني والقرنفل وسائل الأبراز. فلا يحرم شيء منها، ولا فدية عليه، ولو تطيب ناسياً لإحرامه، أو جاهلا أو مكرها فلا حرمة ولا فدية عليه، ولا يكره غسل بدنه أو ثوبه بنحو صابون لإزالة الأوساخ. وخامسها: دهن شعر الرأس واللحية، وباق شعور الوجه على كل من الرجل والمرأة بدهن كزيت وسمن وزبد ودهن جوز ولوز ونحوها، ولو دهن الأقرع رأسه بالدهن، وليس فيه شعر، والأمرد وجهه فلا إثم ولا فدية عليهما، ولو دهن محلوق شعر الرأس حرم عليه وعليه الفدية، ويجوز استعمال الأدهان في جميع البدن غير الرأس والوجه، ولو كان في رأسه شجة فجعل الدهن في باطنها فلا يضر. وسادسها، وسابعها: إزالة الشعر من الرأس وغيره، وتقليم الأظفار على كل من الرجل والمرأة ولو بعض شعرة أو ظفر، ويحرم تمشيط لحيته ورأسه إن أدى إلى نتف شيء من الشعر. فإن لم يؤد كره. فإن تمشط فانتتفت ثلاث شعرات فأكثر لزمه الفدية، وتلزم الفدية الناسي والجاهل، أما إذا كان لعذركما لو كثر قمل رأسه أو كان به جراحة فأدى إلى حلق الشعر فلا حرمة وعليه الفدية، ولو نبتت له شعرة فأكثر داخل جفنه وتأذى بها جاز له نتفها ولا فدية عليه، أو طال شعر حاجبيه وغطى عينيه قطع المغطي ولا فدية، أو انكسر بعض ظفره قطع المنكسر ولا فدية، وفي إزالة شعرة أو بعضها أو ظفراً وبعضه مد، وفي اثنين من كل منهما مدان، وفي ثلاثة فأكثر ولاء فدية كاملة. وثامنها: عقد النكاح على كل منهما: بأن يزوج أو يتزوج، وكل نكاح كان الولي فيه محرما أو الزوج فهو باطل، وتجوز الرجعة للمحرم مع الكراهة، ويجوز أن يكون الشاهد محرما في نكاح الحلالين، وفكر خطبة المرأة في الإحرام. وتاسعها: الجماع على كل منهما في قبل أو دبر أوبهيمة، وكذا مقدماته بشهوة كالمفاخذة والتقبيل واللمس ولو كان جائزاً كما لو كان ليد حليلته، والاستمناء، ويفسد النسك بالجماع فقط إن كان قبل التحلل الأول، ومع العلم والعمد والاختيار. وعاشرها: التعرض لكل صيد بري وحشي مأكول، ولكل مستولد منه ومن غيره ولو لجزئه كبيضه ولبنه في الحرم وغيره بصيد أو تنفير أو دلالة عليه أو نحوها، فإن تلف بتعرضه له ضمنه كما يأتي، وما ذبحه منه فهو ميتة يحرم عليه وعلى غيره، ولا يجوز أكل المحرم مما صيد له من ذلك ولو كان الصائد حلالا. أما إذا صاده حلال لا لأجل محرم فيجوز للمحرم الأكل منه، وإذا عم الجراد المسالك جاز له المشي عليه ولا ضمان وإذا تلف البيض لزمه قيمته، ويحرم على الحلال التعرض لما ذكر في الحرم، ويلزم بإتلافه ضمانه، ويحرم على المحرم والحلال التعرض لشجر الحرم وحشيشه، وهو كل نبات رطب شأنه أن ينبت بنفسه بقطع أو قلع أو غيره، ويجوز أخذه لعلف الدواب، ويحرم تسريحها في شجره وحشيشه، وأخذ ما يصلح منه للغذاء أو الدواء كالرجلة والسنا المكي، وإزالة ما يؤذي من شجر وحشيش، وأخذ الإذخر ولو لبيع، ومن أتلف ما حرم التعرض له =

رأسك فلك بكلِّ شعرة حلقتها حسنة، ويمحى عنك بها خطيئة، وأمَّا طوافك بالبيت ¬

_ = مما ذكر فعليه ضمانه، وحرم المدينة ووج، وهو واد بالطائف كحرم مكة في حرمة التعرض للصيد وما بعده، مما مر لا في ضمانه. (فائدة) اعلم أن الحج والعمرة يؤديان على ثلاثة أوجه. الأول: وهو الأفضل الإفراد: بأن يحرم بالحج ثم بعد الفراغ منه يأتي بالعمرة في عامه. الثاني: التمتع بأن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويأتي بها ثم يحج. الثالث: القرآن، وهو أن يحرم بهما معا أو بالعمرة، ثم قبل الشروع في طوافها يحرم بالحج في أشهره، وعلى كل من المتمتع والقارن دم. (فصل) والدماءا لواجبة في الحج على أربعة أنواع. الأول: دم تقدير وترتيب، وله تسعة أسباب: التمتع بأن يأتي بالعمرة في أشهر الحج، ويحج من عامه، والقرآن بأن يحرم بالحج والعمرة إن لم يعد كل من المتمتع والقارن إلى ميقات ولم يكن مسكنه دون مرحلتين من الحرم، وفوات الوقوف بعرفة، وترك الرمي، وترك المبيت بمنى، وترك المبيت بمزدلفة، وترك الميقات من غير إحرام، وترك طواف الوداع، ومخالفة النذر كأن نذر المشي إلى الحج فركب، ففي كل واحد منها شاة تفرق بعد ذبحها في الحرم، فإن لم يجدها صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى وطنه. الثاني: دم ترتيب وتعديل وله سببان: الإحصار والجماع المفسد للنسك فمن أحصر عن دخوله مكة يتحلل بذبح شاة حيث أحصر، فإن لم يجدها قومها واشترى بقيمتها طعاما وأطعمه للفقراء حيث أحصر فإن لم يجد صام حيث شاء عن كل مد يوما. ومن أفسد حجه أو عمرته بجماع يجب عليه إتمام ذلك النسك وقضاؤه فورا فرضا كان أو نفلا، وعليه بدنة، فإن لم يجدها فبقرة، فإن لم يجدها فسبع شياه، فإن لم يجدها قوم البدنة بسعر مكة، واشترى بقيمتها طعاما، وتصدق به على فقراء الحرم. فإن لم يجد صام عن كل مد يوما. الثالث: دم تخيير وتعديل، وله سببان أيضا (إتلاف) الصيد المحرم، وهو صيد المحرم للحيوان البري الوحشي المأكول مطلقا، وصيد الحلال لذلك في الحرم، وقطع شيء من أشجار الحرم أو حشيشه فيجب على من فعل واحداً منهما أحد ثلاثة أشياء. أن يذبح مثله من النعم بأن كان المتلف مما له مثله أو لا مثل، وفيه نقل فيتصدق به على مساكين الحرام، أو يقومه بقيمة مثله بمكة فيشتري بقيمته طعاماً ويتصدق به على مساكين الحرم، أو يصوم حيث شاء عن كل مد يوما. ففي إتلاف النعامة بدنة، وفي بقر الوحش أو حماره بقرة، وفي الغزال معز، وفي اليربوع جفرة، وفي الضبع كبش، وفي الحمامة شاة، وفي الشجرة الكبيرة بقرة، وفي الصغيرة شاة. فإن كان الذي أتلفه لا مثل له ولا نقل فيه كالجراد والحشيش الرطب أخرج بقيمته طعاما، أو صام عن كل مد يوماً. الرابع: دم تخيير وتقديره، وله ثمانية أسباب: حلق الرأس، وتقليم الظفر، ولبس المخيط، ودهن الشعر والتطيب، ومقدمات الجماع كتقبيل ولمس بشهوة، والوطء الذي يقع بعد الوطء المفسد والوطء بعد التحلل الأول أي بعد فعل اثنين من ثلاثة أشياء، وهي: ر مي جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة، فيجب في كل منها شاة أو صوم ثلاثة أيام، أو التصدق بثلاثة آصع على ستة مساكين من مساكين الحرم لكل مسكين نصف صاع، والصاع قدحان بالكيل المصري، وتكمل الفدية بإزالة ثلاث شعرات ولاء، أو بثلاثة أظفار ولاء، وفي شعرة أو ظفر مد، وفي شعرتين =

بعد ذلك، فإنَّك تطوف ولا ذنب لك، يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول: ¬

_ = أو ظفرين مدان، ولا فرق بين الناس وغيره فيهما، بخلاف لبس المخيط وستر الرأس والدهن والتطيب والجماع، ونحو التقبيل، فلا شيء على الناسي. (سننه) أن يتجرد عن المخيط قبل النية، وأن يغتسل، وإذا تعسر عليه تيمم، ويلبس إزارا، ورداء أبيضين أو مغسولين، ويصلي ركعتين سنة الإحرام، وأن يتلفظ بالنية، فيقول بقلبه ولسانه: نويت الحج، وأحرمت به لله تعالى، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأن يكثر من التلبية سرا وجهرا، جماعة وفرادى، وإذا أراد الإحرام بالعمرة قال: نويت العمرة وأحرمت بها لله تعالى، لبيك اللهم لبيك الخ، فإذا فرغ من التلبية صلى الله عليه وسلم وسلم، وسأل الله تعالى رضوانه والجنة، واستعاذ به من النار، وإذا رأى ما يعجبه قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة، وإذا أراد الدخول لمكة استحب له أن يغتسل، فإذا تعسر عليه الغسل تيمم، والأفضل أن يدخل نهاراً، فإذا رأى الكعبة قال: اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيما وتكريماً ومهابة، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه واعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريما وبرا، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام، وأن يطوف طواف القدوم، ويقف على جانب الحجر الأسود الذي لجهة الركن اليماني بحيث يكون الحجر عن يمينه، ومنكبه الأيمن عند طرف الحجر، ثم يقول: نويت أن أطوف سبع مرات طواف القدوم، الله أكبر، ويستلم الحجر الأسود بيده أول طوافه، وأن يقبله، ويضع جبهته عليه فإن عجز عن التقبيل لزحمة استلمه بيده، وإلا فبنحو عود، ثم يقبله، وأن يقول عند استلامه أول طوافه: باسم الله، والله أكبر، اللهم إيمانا بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباع السنة نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعند الباب مواجهة الباب: اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار، وعند الانتهاء إلى الركن العراقي يقول: اللهم إني أعوذك بك من الشك والشرك والشقاق والنفاق، وسوء الأخلاق في الأهل والمال والولد، وعند الانتهاء إلى الميزاب يقول: اللهم إني أظلني في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك، واسقني بكأس نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هنيئا مريئا لا أظمأ بعده أبداً يا ذا الجلال والإكرام، وبين الركن الشامي واليماني يقول: اللهم اجعله حجا مبروراً وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً وعملا مقبولا، وتجارة لن تبور، يا عزيز يا غفور، وبين اليمانيين: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) ويسن أن يرمل الذكر في الأشواط السبعة في طواف فيه الرمل بأن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، وطرفيه على منكبه الأيسر، وأن يقرب الرجل في طوافه من البيت، وأن يوالي طوافه، وأن يصلي بعد الطواف ركعتين خلف المقام إن تيسر، وإلا ففي الحجر، وإلا ففي بقية المسجد، فإذا فرغ من الصلاة رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه وقبله، ووضع جبهته عليه، ثم يقول: الله أكبر ثلاثاً، ثم ينتقل إلى الملتزم، وهو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة ويضع صدره عليه، ويدعو بما شاء لأن الدعاء مستجاب في هذا الموضع ثم يخرج إلى السعي من باب الصفا فيرقى عليها الذكر قدر قامة، بخلاف الأنثى والخنثى، فإذا رقي استقبل القبلة، ثم قال: نويت أن أسعى بين الصفا والمروة سعي الحج أو العمرة سعبة أشواط لله تعالى، الله أكبر ثلاثاً، لا إله إلا الله والله أكبر, الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحانه الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون اللهم صلى الله على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى =

اعملْ فيما تستقبل فقد غفر لك ما مضى. رواه الطبراني في الكبير والبزار واللفظ له، وقال: وقد ¬

_ = أصحاب سيدنا محمد، وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، ثم يدعو بما يحب من أمر الدنيا والآخرة، ثم ينزل إلى المسعى، ويمشي على هينة قائلا: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، حتى يبقى بينه وبين الميل الأخضر المعلق بركن المسجد على يساره قد ستة أذرع فيسعى سعياً شديداً حتى يتوسط بين الميلين الأخضرين: أحدهما بركن المسجد والآخر متصل بدار العباس، ثم يمشي على هينة حتى يصل إلى المرورة, فيفعل عليها ما فعل على الصفا، فهذه مرة، ثم يعود من المروة إلى الصفا ويمشي في موضع مشيه في مجيئه، ويسعى في موضع سعيه. فإذا وصل إلى الصفا فعل كما فعل أولا، وهذه مرة ثانية، وهكذا حتى تكمل سبع مرات بخلاف الأنثى فإنها تسعى على هينة، ومثلها الخنثى. فإذا فرغ من سعيه فإذا كان معتمراً حلق رأسه أو قصر، وصار حلالا، وإذا أراد الحج بعد ذلك أحرم به كما تقدم، وإن كان حاجا استمر على حاله، ويخرج في اليوم الثامن من ذي الحجة إلى منى، ويستحب أن يبيت بها ويستمر حتى تطلع الشمس. فإذا طلعت سار متوجها إلى عرفات، فإذا وصل نمرة أقام بها حتى تزول الشمس، ثم يذهب إلى مسجد إبراهيم فيصلي به الظهر والعصر جمع تقديم، ويقصرهما إن كان مسافرا سفر قصر، ثم يسير إلى الموقف (وعرفات كلها موقف) والأفصل موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عند الصخرات الكبار المفروشة في أسفل جبل الرحمة، ويتأكد الإكثار من الاستغفار، والتوبة من جميع المخالفات، وأن يكثر الذكر والدعاء والابتهال، والخضوع والخشوع، والتذلل والبكاء، والتلبية والتهليل، ومن قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ومن قراءة قل هو الله أحد. وعن ابن عباس مرفوعاً: (من قرأ: قلْ هو الله أحد. ألف مرةٍ يوم عرفة أعطي ما سأل) ويستمر إلى الغروب. فإذا غربت الشمس أخر صلاة المغرب إلى المزدلفة بنية الجمع مع العشاء، ثم سلك في طريقه إلى المزدلفة بين المأزمين، وهو مضيق بين الجبلين ملبياً ماشياً على هينة بسكينة ووقار. فإن وجد فرجة أسرع وحرك دابته، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا دخل مزدلفة بادر بالصلاتين قبل عشائه وحط رحلات وبات بها، ويسن أن يأخذ منها سبع حصيات ليلا لجمرة العقبة بقدر نواة، ويأخذ الباقي، وهو ثلاث وستون حصاة من وادي محسرة، أو من منى، ولا يأخذ من المرمى لأنه قيل إن ما بقي من الحصيات في المرمى مردود غير مقبول، ويسن تقديم الضعفاء بعد نصف الليل، ويبقى غير من ذكر حتى يصل الصبح ثم يسير إلى المشعر الحرام، وهو جبل في آخر المزدلفة، يقال له قرح، ويقف هناك ويستقبل القبلة ويذكر اسم الله تعالى إلى طلوع الشمس، ثم يسير إلى منى بسكينة ووقار، فإذا وصل وادي محسر أسرع هناك حتى يقطع عرض الوادي، ويدخل منى بعد طلوع الشمس، ويبدأ برمي جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة ويقول: الله أكبر ثلاثا، لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، ثم يذبح إن كان معه هدي منذور، ثم يحلق رأسه أو يقصر، ثم يسير إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة، ثم يسعى إن لم يكن سعي بعد طواف القدوم، وقد حل له كل شيء حتى النساء، ثم يرجع للمبيت إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق، ويرمي في أيامها كل يوم الجمرات الثلاث سبع حصيات، ويجب أن يرمي بما يسمي حجراً، وأن يكون بحيث يسمى رمياً، فلا يكفي وضع الحجر في المرمى بغير رمي، وأن يكون الرمي بعد الزوال، ويبدأ بالجمرة التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم العقبة، ومن فاته شيء من الرمي نهاراً تداركه ليلا، وفي باقي أيام التشريق. فإذا فرغ من أعمال الرمي رجع إلى مكة فيطوف طوال الوداع عند إرادة سفره ولا يمكث بعده، ويحرم عليه أن يصحب شيئاً من فخار مكة الذي يعمل من طين الحرم، ويسن أن يشرب من ماء زمزم، ويدخل البيت بسكينة ووقار. فإن لم يتيسر دخل الحجر. فإذا فرغ من نسكه سار إلى المدينة المنورة لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مؤكدة مطلوبة كزيارته حياً، وهو في حجرته حي، =

روي هذا الحديث من وجوه، ولا نعلم له أحسن عن هذا الطريق. (قال المملي) رضي الله عنه: وهي طريق لا بأس بها، رواتها كلهم موثَّقون، ورواه ابن حبان في صحيحه، ويأتي لفظه في الوقوف إن شاء الله تعالى. 33 - ورواه الطبراني في الأوسط من حديث عبادة بن الصامت، وقال فيه: فإن لك من الأجر إذا أمَّمت (¬1) البيتَ العتيق ألا ترفع قدماً، أو تضعها أنت ودابَّتك إلا كتبتْ لك حسنة، ورفعتْ لك درجة، وأمَّا وقوفك بعرفة (¬2)، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول لملائكته: يا ملائكتي ما جاء بعبادي؟ قالوا: جاءوا يلتمسون رضوانك والجنَّة، فيقول الله عزَّ وجلَّ: فإني أشهد نفسي وخلقي أني قد غفرتْ لهمْ، ولوْ كانتْ ذنوبهمْ عدد أيَّام الدَّهر (¬3)، وعدد رمل عالجٍ (¬4) , وأمَّا رميك الجمار. قال الله عزَّ وجلَّ: فلا تعْلم نفس ما أخفى لهمْ من قرَّة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون (¬5). وأمَّا حلقك رأسك، فإنَّه ليس من شعرك شعرة تقع في الأرض إلا كانت لك نوراً يوم القيامة (¬6) وأمَّا طوافك بالبيتِ: إذا ودَّعت فإنَّك تخرجُ من ذنوبك كيومَ ولدتك أمُّك (¬7). ¬

= ويرد على من سلم عليه السلام، وهي من أنجح المساعي وأهم القربات، وأفضل الأعمال، وأزكي العبادات. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (منْ زار قبري، وجبت له شفاعتي). وأن يكثر في طريقه من الصلاة والسلام عليه. فإذا دخل المسجد قصد الروضة الشريفة، وهي ما بين قبره ومنبره، وصلى تحية المسجد بجانب المنبر، ثم يقف تجاه المقصورة مستدبرة القبلة مستقبل الوجه الشريف، ويبعد عنه قدر أربعة أذرع فارغ القلبم من تعلقات الدنيا، ويسلم بلا رفع صوت، وأقله: السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، ثم يتأخر صوب عينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر: ثم يتأخر قدر ذراع فيسلم على عمر رضي الله عنهما، ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه النبي صلى الله عليه وسلم ويتوسل به في حق نفسه، ويستشفع به إلى ربه، وإذا أراد السفر ودع المسجد بركعتين، وأتى القبر الشريف وأعاد نحو الأول أهـ تنوير القلوب ص 244. (¬1) قصدت التوجه إلى أداء الحج أو العمرة. (¬2) تتوجه في اليوم التاسع من ذي الحجة، وتلبي وتذكر الله هناك في هذا الفضاء الواسع فتشعر بالسرور وتظللك رحمة الله تعالى ورعايته. (¬3) الله تعالى يغفر ذنوب الواقفين بعرفة ولو كثرت. (¬4) ما تراكم من الرمل ودخل بعض في بعض. (¬5) الله تعالى يمده بنعيم وخيرات لا عداد لها، ولا تقدير لحسنها جزاء أعمالهم الصالحة. (¬6) تكون له نبراسا مضيئا، يبعد عنه العذاب، ويقيه شر الأهوال والظلمات، وتنجلي عنه الكروب. (¬7) تنقي صحيفتك من كل ذنب.

ورواه أبو القاسم الأصبهاني من حديث أنس بن مالك نحوه إلا أنه قال فيه: وأمَّا وقوفك بعرفاتٍ، فإنَّ الله تعالى يطلع على أهل عرفاتٍ فيقول: عبادي أتوني شعثاً (¬1) غبرا (¬2) أتوني من كلِّ فجٍ عميقٍ (¬3)، فيباهي بهم الملائكة، فلوْ كان عليكَ من الذنوب مثل رمل عالجٍ، ونجوم السَّماء، وقطر البحر والمطر غفر الله لك، وأمَّا رميك الجمار: فإنه مدخور لك عند ربك أحوج ما تكون إليه (¬4)، وأما حلقك رأسك: فإن لك بكل شعرة تقع منك نورا يوم القيامة، وأما طوافك بالبيت: فإنَّك تصدر، وأنت من ذنوبك كهيئة يوم ولدتك أمُّك. 34 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاجِّ إلى يوم القيامة، ومنْ خرج معتمراً فمات كتب له أجرُ المعتمر إلى يوم القيامة، ومنْ خرج غازيا فمات كتب له أجرُ الغازي إلى يوم القيامة (5). رواه أبو يعلي من رواية محمد بن إسحاق، وبقية رواته ثقات. 35 - وروي عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ خرج في هذا الوجهِ لحجٍ أو عمرةٍ، فمات فيه لمْ يعرضْ ولمْ يحاسبْ، وقيل له: ادخلِ الجنة قالتْ: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله يباهي بالطائفين. رواه الطبراني وأبو يعلي، والدارقطني، والبيهقي. 36 - وروي عن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ هذا البيت دعامة من دعائم الإسلام، فمنْ حجَّ البيت، أو اعتمر فهو ضامن على الله، فإنْ مات أدخله الجنَّة، وإنْ ردَّه أهله ردَّه بأجر وغنيمةٍ. رواه الطبراني في الأوسط. ¬

(¬1) غير معتنين بملابسهم، وحلق شعورهم المتلبدة، وفي المصباح: شعث الشعر شعثا فهو شعث، من باب تعب: تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن، ورجل أشعث، وامرأة شعثاء أهـ. (¬2) عليهم أثر الغبار، وبقايا التراب من عدم عنايتهم بأنفسهم، وميلهم إلى الترف. أي جاءوا وقصدهم رضاي غير ملتفتين إلى ملذات أنفسهم، وأنواع الزينة والتراف والذبح. وفي النهاية في حديث أويس: (أكون في غير الناس أحب إلي). أي أكون مع المتأخرين لا المتقدمين المشهورين، وهو من الغابر: الباقي، وجاء في رواية في (غبراء الناس) بالمد: أي فقرائهم ومن قيل للمحاويج بنو غبراء، كأنهم نسبوا إلى الأرض والتراب. أ. هـ. (¬3) من كل جهة. (¬4) يكنز حسنات هذا العمل عند الله عند الحاجة.

الترغيب في النفقة في الحج والعمرة، وما جاء فيمن أنفق فيهما من مال حرام

(الدعامة) بكسر الدال: هي عمود البيت والخباء. 37 - وروي عنه أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ مات في طريق مكَّة ذاهباً، أوْ راجعاً لمْ يعرضْ ولمْ يحاسبْ، أوْ غفر له. رواه الأصبهاني. 38 - وعنِ ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عنْ راحلتهِ فأقصعته (¬1)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدرٍ، وكفِّنوه بثوبيهِ، ولا تخمِّروا (¬2) رأسه، ولا تحنِّطوه، فإنَّه يُبْعَثُ يوم القيامة ملبياً (¬3) رواه البخاري ومسلم، وابن خزيمة. وفي رواية لهم: أنَّ رجلا كان مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم فوقصتهُ ناقته وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيبٍ، ولا تخمِّروا رأسه، فإنَّه يبعث يوم القيامة ملبياً. 39 - وفي رواية لمسلم: فأمرهمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنْ يُغَسِّلوهُ بماء وسدرٍ، وأنْ يكشفوا وجههُ، حسبتهُ. قال: ورأسه، فإنَّه يبعث وهو يهلُّ. (وقصته ناقته): معناه: رمته ناقته فكسرت عنقه. (وكذلك فأقصعته). (الترغيب في النفقة في الحج والعمرة) وما جاء فيمن أنفق فيهما من مال حرام 1 - عنْ عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في عمرتها: إنَّ لك من الأجر على قدر نصبك (¬4) ونفقتك (¬5). رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. وفي رواية له وصححها: إنَّما أجركِ في عمرتك على قدر نفقتكِ. ¬

(¬1) فأقصعته، كذا ط وع: ص 382، وفي ن د: فأقصعته، وفيه الترغيب في الحج والاعتماد على الله في السفر، وإذا اعترض موت فالله كريم يهب له الثواب كله كأنه حج واعتمر على حسب نيته. (¬2) لا تغطوا. (¬3) قائلا، لبيك اللهم لبيك. (¬4) الشدائد، والأهوال التي قاساها الحاج في سفره. (¬5) بذل المال في الصدقة، والأعمال الصالحة، وتشييد المكرمات.

(النَّصب): هو التعب وزنا ومعنى. 2 - وعنْ بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النَّفقة في الحج كالنَّفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعفٍ (¬1). رواه أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي، وإسناد أحمد حسن. 3 - وروي الطبراني في الأوسط أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النَّفقة في الحجِّ كالنَّفقة في سبيل الله: الدِّرهم بسبعمائةٍ. 4 - وروي عن عمرو بن شعيبٍ عنْ أبيه عنْ جدِّه رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحجَّاج والعمَّار وفد الله (¬2): إن سألوا أعطوا، وإنْ دعوا أجيبوا وإنْ أنفقوا أخلف لهمْ (¬3)، والذي نفسُ أبي القاسم بيده: ما كبَّر مكبِّرٌ على نشزٍ، ولا أهلَّ مهل على شرفٍ (¬4) من الأشراف إلا أهلَّ ما بين يديهِ، وكبَّر حتى ينقطع منه منقطع التراب. رواه البيهقي. (النشر) بفتح النون، وإسكان الشين المعجمة، وبالزاي: هو المكان المرتفع. 5 - وروي عنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجَّاج والعمَّار وفد الله عزَّ وجلَّ يعطيهم ما سألوا، ويستجيب لهمْ ما دعوا، ويخْلفُ عليهمْ ما أنفقوا، الدَّرهم ألف ألفٍ. رواه البيهقي. 6 - وعنْ جابر بن عبد الله عنهما رفعه قال: ما أمعر حاجٌّ قطُّ. قيل لجابر: ما الإمعار؟ قال: ما افتقر. رواه الطبراني في الأوسط والبزار، ورجاله رجال الصحيح. 7 - وروي عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خرج الحاجُّ حاجا بنفقةٍ طيبةٍ (¬5)، ووضع رجله في الغرزِ فنادى: لبيك اللهمَّ لبيك. ناداه منادٍ من السماء لبيك (¬6) وسعديك، زادك حلال (¬7)، ¬

(¬1) توازي الصدقة في الحج وفي أي شيء خيري مثل: الغزو، والحرب لنصر دين الله. (¬2) قاصدوا الله، وطالبوا إحسانه، وعباده الصالحون. (¬3) ضاعف لهم الأحر. (¬4) مكان مرتفع أيضاً، وقلعة حصينة: أي كل جهة تشهد له بالفوز وتقر بعبادته وذكره. (¬5) ينفق من كسب حلال ملال، خال من الغش والخدع والحرام، بعيد عن الشبه، غير مغصوب أو مسروق. (¬6) أجاب الله حجك، وقيل عملك، وأحاط برحمته، وإجابة لدعائك بعد إجابة. (¬7) طعامك من كسب طيب، والإنفاق على الدابة من حلال مقبول مبارك.

الترغيب في العمرة في رمضان

وراحلتك حلال، وحجُّك مبرور (¬1) غير مأزورٍ، ورذا خرج بالنَّفقة الخبيثة (¬2) فوضع رجله في الغرزِ، فنادى: ناداه منادٍ من السماء: لا لبَّيك ولا سعديك (¬3). زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجُّك مأزور غير مبرورٍ (¬4): رواه الطبراني في الأوسط، ورواه الأصبهاني من حديث أسلم مولى عمر بن الخطاب، مرسلاً مختصراً. (الغرز) بفتح الغين المعجمة، وسكون الراء بعدها زاي: هو ركاب من جلد. (الترغيب في العمرة في رمضان) 1 - عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجِّ، فقالت امرأة لزوجها: أحججني (¬5) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندي ما أحجِّجُكِ (¬6) عليه، فقالتْ أحججني على جملك فلانٍ؟ قال: ذاك حبيس (¬7) في سبيل الله عز وجلَّ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله، وإنَّها سألتني الحجَّ معك، فقلت: ما عندي ما أحججك (¬8) عليه قالت أحججني على جملك فلانٍ، فقلتُ: ذاك حبيسٌ في سبيل الله عزَّ وجلَّ، فقال: أما إنَّك لو أحْججتها عليه كان في سبيل الله (¬9). قال: وإنَّها أمرتني أن أسألك ما يعدلُ حجَّة معك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرئها السلام (¬10) ورحمة الله وبركاتهِ وأخبرها أنها تعدل حجَّة معي عمرةً في رمضان. رواه أبو داود، وابن خزيمة في صحيحه كلاهما بالقصة، واللفظ لأبي داود، وآخره عندهما سواء. ¬

(¬1) مقبول مطهر من الآثام بعيد عن الذنوب. (¬2) المال الحرام، اغتصب ماله، أو نماه من طرق غير شريفة، أو جمعه من ربا أو سرقة، أو من غش، أو من دناءة ودعارة. (¬3) لا إجابة لدعائك، ولا رحمة تحوط بك. (¬4) جلب عليك الوزر، وأقعك في الذنب، وزادك سخطا وغضباً، ومدك بنقمة. (¬5) اجعلني مصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج. وفي ن د: حججني. وفي ط وع: أحججني ص 384. (¬6) أحججك: كذا د وع. وفي ن ط أحجك. (¬7) قصر على الجهاد، خاص بالغزو. الله أكبر هذا صحابي وقف جمله للغزو في سبيل نصر دين الله، وعزة الإسلام، وهكذا رجال الصدر الأول. ولما ترك المسلمون الجهاد في سبيل الله ذلوا، واستعبدوا بعد أن كانوا سادة وقاد. (¬8) أحججك: كذا د وع: وفي ن ط: أحجك. (¬9) بمعنى أنك لو أجبت طلبها فركبته، كان ذلك أيضاً جهاداً في سبيل الله تعالى، وكان هذا زمن هدنة وعدم حرب. (¬10) أوصلها سلام الله ودعواته، وتساوي حجة معي عمرة في رمضان.

2 - ورواه البخاري والنسائي وابن ماجه مختصرا: عمرة فيرمضان تعدل حجَّةً. ومسلم ولفظه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لامرأةٍ من الأنصار، يقال لها أمُّ سنانٍ: ما منعك أت تحُجِّي (¬1) معنا؟ قالتْ: لم يكن لنا إلا ناضحان، فحجَّ أبو ولدها وابنها على ناضحٍ (¬2)، وترك لنا ناضحاً ننضحُ عليه. قال: فإذا جاء رمضان فاعتمري فإنَّ عمرةً في رمضان تعدل حجَّة. وفي رواية له: تعدل حجَّة، أو حجة معي. 3 - وعنه رضي الله عنه قال: جاءت أمُّ سليمٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: حجَّ أبو طلحة وابنه وتركاني؟ فقال: يا أمَّ سليم عمرة في رمضان تعدل حجَّة معي. رواه ابن حبان في صحيحه. 4 - وعنْ أمِّ معقلٍ رضي الله عنها قالتْ: لما حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجَّة والوداع، وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله. قالتْ: وأصابنا مرضٌ، وهلك أبو معقلٍ. قالتْ: فلمَّا قفل (¬3) رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجِّهِ فقال: يا أمَّ معقلٍ ما منعك أن تخرجي معنا؟ قالتْ: يا رسول الله لقد تهيَّأنا، فهلك أو معقلٍ، وكان لنا جملٌ هو الذي نحجُّ عليه فأوصي به أو معقلٍ في سبيل الله (¬4). قال: فهلا خرجت عليه، فإنَّ الحجَّ في سبيل الله (¬5) , فإما إذا فتتك هذه الحجَّة فاعتمري في رمضان فإنَّها كحجَّةٍ. رواه أبو داود والترمذي مختصرا عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عمرة في رمضان تعدل حجَّة. رواه أبو داود والترمذي مختصرا عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عمرةٌ في رمضان تعدل حجَّة. وقال: حديث حسن غريب، وابن خزيمة باختصار إلا أنه قال: عمرة في رمضان تعدل حجَّة. وقال: حديث حسن غريب، وابن خزيمة باختصار إلا أنه قال: إنَّ الحجَّ والعمرة في سبيل الله، وإنَّ عمرة في رمضان تعدل حجَّة، أو تجزي حجةً. 5 - وفي رواية لأبي داود والنسائي عنها أنها قالت: يا رسول الله إنِّي امرأة قدْ ¬

(¬1) أن تحجي، كذا د وع ص 384، وفي ن ط: تجيبي. أي أن تذهبي لأعمال الحج معنا. (¬2) جمل يستقي عليه، والجمع نواضح. أي جمل نقضي عليه مصالح بيتنا. (¬3) رجع. وفي ن ط: حجة الوداع فحسبناه. (¬4) هذا الجمل وقفه صاحبه أبو معقل للغزو، والحرب لنصر دين الله. فماذا وقف المسلمون من أموالهم الآن في سبيل نصر دين الله؟ أين الأغنياء لتشييد معاهد العلم للوعاظ والمرشدين ليردوا شبه المضلين الضالين. (¬5) أخبرها صلى الله عليه وسلم: أنها لو خرجت وركبته حاجة كأنها تجاهد في سبيل الله، وأن الحج نوع من الجهاد، وتعظيم شعائر الله وعبادته، ثم أرشدها صلى الله عليه وسلم إلى إدراك ما فاتها بعمل عمرة في رمضان.

الترغيب في التواضع في الحج والتبذل ولبس الدون من الثياب اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام

كبِرْتُ وسقمتُ فهل من عملٍ يجزي عنِّي من حجَّتي. قال: عمرة في رمضان تعدل حجَّةً. (قفل) محركة: أي رجع من سفره. 6 - وعنْ أبي معقل رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: عمرة في رمضان تعدل حجَّة. رواه ابن ماجه. 7 - ورواه البزار والطبراني في الكبير في حديث طويل بإسناد جيد عن أبي طليقٍ أنه قال للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: فما يعدل الحجَّ معك؟ قال: عمرة في رمضان. (قال المملي) رضي الله عنه أبو طليق: هو أبو معقل، وكذلك زوجته أمّ معقل تكني أمّ طليق أيضاً، ذكره ابن عبد البر النمري. الترغيب في التواضع في الحج والتبذل ولبس الدون من الثياب اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام 1 - روي عن أنس بن ما لكٍ رضي الله عنه قال: حجَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم على رجلٍ رثٍ (¬1) وقطيفةٍ خلقةٍ تساوي (¬2) أربعة دراهم، أو لا تساوي، ثمَّ قال: اللهمَّ حجَّة لا رياء فيها، ولا سمعة (¬3). رواه الترمذي في الشمائل، وابن ماجه والأصبهاني إلا أنه قال: لا تساوي أربعة دراهم، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس. (القطيفة): كساء له خمل. 2 - عن ثمامة رضي الله عنه قال: حجَّ أنس على رجلٍ ولمْ يكنْ شحيحاً (¬4) وحدَّث أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حجَّ على رحلٍ، وكانت زاملته (¬5). رواه البخاري. ¬

(¬1) خلق بال عتيق لم تظهر عليه علامة الترف. (¬2) تسوي: كذا ع ص 385 من باب تعب لغة قليلة، ومنعها أبو زيد. فقال: يقال يساويه، ولا يقال يسواه. قال الأزهري: وقولهم لا يسوي ليس عربيا صحيحا. أهـ مصباح تساوي: كذا ط ود. (¬3) اللهم اقبل هذه الحجة خالية من كل خيلاء، ومظاهر كاذبة وتفاخر، واجعلها خالصة من شوائب الفخر، وفي هذا الترغيب بالخروج إلى الحج طالبا تواب الله فقط، مجتنبا كل خيلاء وعجب، وترف وزينة. (¬4) متناسبا في الطول والعرض .. معناه رحل أنس على قدر ضرورة الركوب فقط، بعيد عن كل زينة. (¬5) معناه أنه حج على بعير حمل عليه طعامه ومتاعه فوق هذا الرحل، وفي النهاية في حديث ابن رواحة أنه =

3 - وعنْ قدامة بن عبد الله، وهو ابن عمَّار رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النَّحر على ناقةٍ صهباء (¬1) لا ضرب (¬2)، ولا طرْد، ولا إليك إليك. رواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره. 4 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم بين مكَّة والمدينة فمررنا بوادٍ فقال: أي وادٍ هذا؟ قالوا: وادي الأزرق. قال: كأنَّي أنظر إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فذكر من طول شعره (¬3) شيئاً، لا يحفظه داود، واضعاً إصبعه في أذنه له جؤار (¬4) إلى الله بالتلبية مارًّا بهذا الوادي. قال: ثمَّ سرنا حتى أتينا على ثنيةٍ (¬5)، فقال: أي ثنيةٍ هذه؟ قالوا: ثنية هرشي، أو لفتٍ. قال: كأني أنظر إلى يونس صلى الله عليه وسلم على ناقة حمراء عليه جُبَّةُ صوفٍ وخطام ناقته خلبة مارا بهذا الوادي ملبياً (¬6). رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة، واللفظ لهما. 5 - ورواه الحاكم بإسناد على شرط مسلم، ولفظه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على وادي الأرزق، فقال: ما هذا؟ قالوا: وادي الأزرق، فقال: كأنِّي أنظر إلى موسى عليه السلام مهبطاً له جؤار (¬7) إلى الله بالتكبير، ثمَّ أتى على ثنيةٍ، فقال: كأنِّي أنظر إلى يونس عليه السلام على ناقةٍ حمراء جعدةٍ (¬8) خطامها ليف، وهو يلبِّي، وعليه جُبَّةُ صوفٍ. (هرشي) بفتح الهاء، وسكون الراء بعدهما شين معجمة مقصورة: ثنية قريب الجحفة. (ولفت) بكسر اللام، وفتحها أيضاً: هو ثنية جبل قديم بين مكة والمدينة. ¬

= غزا مع ابن أخيه على زاملة. الزاملة: البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع كأنها فاعلة، من الزمل: الحمل أهـ. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحج كغيره حجا عاديا على بعير يحمل كل شيء له بتواضع ورضا تاركا زينة الدنيا وأبهة الملك. (¬1) شقرة فيها حمرة يعلوها سواد. (¬2) تمشى بتؤدة لا يحثها على سرعة السير، ولا يأمرها بالتنحي عن كذا، أو الابتعاد عن كذا. (¬3) معناه أن سيدنا موسى تارك أنواع الزينة. (¬4) رافعاً صوته مستغيثاً، ومنه حديث: (لخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله). (¬5) طريق عال في الجبل، أو كالعقبة فيه شاقة الصعود، وفي خطبة الحاج: (أنا ابن جلا وطلاع الثنايا) هي جمع ثنية، أراد أنه جلد يرتكب الأمور العظام أهـ نهاية. (¬6) مر سيدنا موسى بناقته الحمراء وهو نبي عظيم. يلبس جبة صوف، وحبل قيادة ناقته من ليف دواضا لله، وتركا لزينة الحياة الفانية. (¬7) رفع صوته تضرعا واستغاثة (¬8) أي مجتمعة الخلق شديدة كما في النهاية.

(والخلبة) بضم الخاء المعجمة، وسكون اللام: هي الليف كما جاء مفسراً في الحديث. 6 - وعنْهُ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليهوسلم: صلَّى في مسجدِ الخيف (¬1) سبعون نبياً، منهمْ: موسى صلى الله عليه وسلم كأني أنظرُ إليه، وعليه عباءتان قطوا نيتان، وهو محرم على بعيرٍ منْ إبل شنوءة (¬2) مخطوم بخطام ليفٍ له صفيرتان (¬3). رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. (قطوان) بفتح القاف والطاء المهملة جميعاً: موضع بالكوفة تنسب إليه العبى والأكسية. 7 - وعنْهُ رضي الله عنه قال: لمَّا مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حجَّ. قال يا أبا بكرٍ: أيُّ وادٍ هذا؟ قال: وادي عسفان. قال: لقد مرَّ به هودٌ وصالح على بكراتٍ (¬4) خطمها (¬5) الليف، أزُرُهم العباء، وأرْديتُهُم النِّمار يحجون البيت العتيق. رواه أحمد والبيهقي كلاهما من رواية زمَّعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، ولا بأس بحديثهما في المتابعات، وقد احتجّ بهما ابن خزيمة وغيره. (عسفان) بضم العين، وسكون السين المهملتين: موضع على مرحلتين من مكة. (والبكرات) جمع بكرة، بسكون الكاف: وهي الفتية من الإبل. (والنمرات) بكسر الميم: جمع نمرة وهي: كساء مخطط. 8 - وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حجَّ عليه اسلام على ثورٍ أحمر عليه عباءة قطوانية. رواه الطبراني من رواية ليث بن أبي سليم، وبقية رواته ثقات. 9 - وعنْ أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقدْ مرَّ بالروحاء (¬6) سبعون نبيا فيهمْ نبيُّ الله موسى عليه السلام حقا عليهم العباءة يؤمُّون (¬7) ¬

(¬1) مسجد منى يسمى مسجد الخيف لأنه في سفح جبلها. والخيف: ما ارتفع عن مجرى السيل، وانحدر عن غلظ الجبل. (¬2) تعرف بهذا الاسم فيها شي من النفور. (¬3) تارك شعر رأسه وراءه ضفيرتين. (¬4) إبل يستقي عليها، والمفرد بكرة كسجدة. (¬5) خطمها، كذا ع وط، وفي ن د: خطامها. (¬6) موضع بين مكة والمدينة على وزن حمراء أيضاً: كذا في المصباح. (¬7) يقصدون الطواف والشاهد (حفاة) ما شين بغير نعل ولا خف، والمفرد حاف كقاض، والحفاة بالكسر: اسم منه، وحفي من كثرة المشي حتى رقت قدماه حفي فهو حف من باب تعب: أي يمشون متواضعين لله، زاهدين في زينة الدنيا وترفها، مخشوشنين طالبين الورع والقناعة والزهادة.

بيت الله العتيق. رواه أبو يعلي والطبراني، ولا بأس بإسناده في المتابعات، ورواه أبو يعلي أيضاً من حديث أنس بن مالك. 10 - وعنْ عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى موسى بن عمران عليه السلام في هذا الوادي (¬1) محرماً بين قطوانيَّتين. رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط بإسناد حسن. 11 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رجلا قال: لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من الحاجُّ؟ قال: الشَّعث (¬2) التَّفل (¬3). قال: فأيُّ الحجِّ أفضل؟ قال: العجُّ (¬4) والثَّجُّ (¬5). قال: وما السبيل (¬6)؟ قال: الزَّاد، والرَّحالة. رواه ابن ماجه بإسناد حسن. ¬

(¬1) هذا الوادي: كذا ط وع ص 387، وفي ن د في الوادي ص 219. (¬2) الذي يترك شعره فيتلبد: معناه الزاهد الورع التارك الشعر في الإحرام، ولم يبال بأدوات الترف والنعيم حبا في شعائر الله. ف يالمصباح: شعث الشعر شعثا من باب تعب: تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن، ورجل أشعث وامرأة شعثاء أهـ. (¬3) الذي يترك التطيب، ويهجر أنواع البذخ، وفي المصباح: تفلت المرأة تفلا فهي تفلة من باب تعب إذا أنتن ريحها لترك الطيب والأدهان، والجمع تفلات، وكثر فيها متفال مبالغة، وتفلت إذا تطيبت من الأضداد أهـ والمعنى أنه لا يحب التزين لزهده وحرصت على التقشف، وهجره كل أنواع الملذات لله، وإخلاصا لله، وحبا في الله, ومناه رضاه الله، واجتهاده في ذكر الله، وأداء الواجبات، والأركان والسنن. وفي النهاية على هذا الحديث: التفل الذي قد ترك استعمال الطيب، من التفل، وهي الريح الكريهة أهـ. (¬4) رفع الصوت بالتلبية، وقد عج يعج عجاً: فهو عاج وعجاج. أهـ نهاية. (¬5) سيلان دم الهدي والأضاحي. يقال: ثجه يثجه ثجا. أي أفضل الأعمال في الحج وأكثرها ثوابا كثرة الذكر، والإكثار من قول: لبيك، والصدقة والإنفاق، والجود وبذل الطعام، وإراقة الدماء لله ليشبع الفقير ويجد له غذاء طيبا. (¬6) كيف الوصول إلى ذلك فأجاب صلى الله عليه وسلم، إذا توفر اثنان: أ - مال للانفاق. ب - تيسير الطريق، ووجود الأمن فيها. قال تعالى: (إن أول بيت وضع للناس الذي بمكه مباركا وهدي للعالمين 97 فيه آيات بينات مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمناً، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فان الله غني عن العالمين) 98 من سورة آل عمران (للذي ببكة) للبيت الذي في مكة. قال البيضاوي: روي أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن أول بيت وضع للناس؟ فقال: المسجد الحرام، ثم بيت المقدس، وسئل كم بينهما. قال أربعون سنة، وقيل: أول من بناه إبراهيم، ثم هدم فبناه قوم من جرهم، ثم العمالقة، ثم قريش. وقيل هو أول بيت بناء آدم فانطمس في الطرفان، ثم بناء إبراهيم، وقيل: أول بيت بالشرف لا بالزمان (مباركا) كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره، واعتف دونه، وطاف حوله (فيه آيات بينات) كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الأعصار، وأن ضواري السباع تخالط الصيود =

وعند الترمذيِّ عنه: جاء رجلٌ، فقال: يا رسول الله ما يوجب الحجَّ؟ قال: الزَّاد والرَّحلة، وقال: حديث حسنٌ. 12 - وتقدم في حديث ابن عمر: وأمَّا وقوفك عشية عرفة، فإنَّ الله يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول: عبادي جاءوني شعثاً من كلِّ فجٍ عميق يرجون جنَّتي، فلوْ كانت ذنوبكم كعدد الرَّمل، أوْ كقطرِ المطر، أو كزبدِ البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكمْ، ولمنْ شفعتمْ له. الحديث. 13 - وفي رواية ابن حبان قال: فإذا وقف بعرفة، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ ينزلُ إلى السماء الدنيا فيقول: انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً، اشهدوا أنِّي قد غفرت لهمْ ذنوبهم وإنْ كانت عدد قطرِ السماء ورمل عالج. الحديث. (الشعث) بكسر العين: هو البعيد العهد بتسريح شعره، وغسله. ¬

_ = في الحرم، ولا تتعرض لها، وأن كل جـ بار قصده بسوء قهره بسوء قهره الله كأصحاب الفيل، ومنها (مقام إبراهيم) أي أثر قدمه في الصخرة الصماء وغوصها فيها إلى الكعبين، وتخصيصها بهذه الإلانة من بين الصخار: وإبقاؤه دون أثر الأنبياء عليه السلام، وحفظه مع كثرة أعدائه ألوف سنة، ويؤيده أنه قرئ آية بينة على التوحيد، وسبب هذا الأثر: أنه لما ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكن من رفع الحجارة. فغاصت فيه قدماه (حج البيت) قصده للزيارة، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بالزاد والراحلة، وهو يؤيد قول الشافعي رضي الله عنه أنها بالمال، ولذلك أوجب الاستنابة على الزمن إذا وجد أجرة من ينوب عنه. وقال مالك رحمه الله تعالى: إنها بالبدن فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطريق، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: أنها بمجموع الأمرين والضمير في (إليه) للبيت أو الحج، وكل ما أتى إلى الشيء فهو سبيله (ومن كفر) وضع كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه، وتغليظا على تاركه. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (من مات ولم يحج، فليمت إن شاء يهوديا، أو نصرانيا). وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر، وإبرازه في الصورة الاسمية، وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله تعالى في رقاب الناس، وتعميم الحكم أولا، ثم تخصيصه ثانيا. فإنه كإيضاح بعد إبهام، وتثنية وتكرير للمراد، وتسمية ترك الحج كفرا من حيث إنه فعل الكفرة، وذكر الاستغناء. فإنه في هذا الموضع مما يدل على المقت والخذلان، وقوله: (عن العالمين) يدل عليه لما فيه من مبالغة التعميم، والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان، والإشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس، وإتعاب البدن، وصرف المال، والتجرد من الشهوات، والإقبال على الله تعالى. روي أنه لما نزل صدر الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباب المال فخطبهم، وقال إن الله كتب عليكم الحج فحجوا. فآمنت به ملة واحدة، وكفرت به خمس. فنزل ومن كفر. قال تعالى: (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله؟ والله شهيد على ما تعملون) أي بآياته السمعية والعقلية الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما يهديه من وجوب الحج وغيره. أهـ بيضاوي.

الترغيب في الإحرام والتلبية ورفع الصوت بها

(والتفل) بفتح التاء المثناة فوق، وكسر الفاء: هو الذي ترك الطيب والتنظيف حتى تغيرت رائحته. (والعجّ) بفتح العين المهملة، وتشديد الجيم: هو رفع الصوت بالتلبية، وقيل: بالتكبير. (والثَّجّ) بالمثلثة: هو نحر البدنِ. 14 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله يبااهي بأهل عرفاتٍ ملائكة السماء فيقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء جاءوني شعثاً غبرا. رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، وسيأتي أحاديث من هذا النوع في الوقوف إن شاء الله تعالى. (الترغيب في الإحرام والتلبية ورفع الصوت بها) 1 - عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تابعوا بين الحجِّ والعمرة، فإنَّهما ينفيان الفقر والذُّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذَّهب والفضَّة، وليس للحجَّة المبرورة ثواب إلا الجنَّة، وما من مؤمنٍ يظلُّ يومه محرماً إلا غابت الشمس بذنوبه (¬1). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وليس في بعض نسخ الترمذي: وما منْ مؤمنٍ، إلى آخره، وكذا هو في النسائي، وصحيح ابن خزيمة بدون الزيادة. وزاد رزين فيه: وما من مؤمنٍ يلبِّي لله بالحجِّ إلا شهد له ما على يمينه وشماله إلى منقطع الأرض، ولمْ أر هذه الزيادة في شيء من نسخ الترمذيّ، ولا النسائي. 2 - وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما منْ ملبٍ يُلبيِّ إلا لبَّى ما عنْ يمينهِ وشماله (¬2) من حجرٍ، أو شجرٍ، أوْ مدرٍ حتى تنقطع الأرض منْ هاهنا وهاهنا عن يمينهِ وشمالهِ. رواه الترمذيّ، وابن ماجه، ¬

(¬1) فيه الترغيب بفعل الحج والعمرة، وهما يجلبان الخير، ويزيدان الرزق، ويسببان سعة العيش ورغده وبيان فائدة الإحرام للعزم على طاعة الله، وتلبية ندائه، وترك زخارف الدنيا. (¬2) أجاب كل شيء معه في التلبية.

والبيهقي كلهم من رواية إسماعيل بن عياش عن عمارة بن غزية عن أبي حازم عن سهل، ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن عبيدة، يعني ابن حميد، حدثني عمارة بن غزية عن أبي حازم عن سهل، ورواه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. 3 - وعنْ خلاد بن السَّائبِ عنْ أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبرائيلُ فأمرني أصحابي أنْ يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتَّلبية. رواه مالك، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن خزيمة في صحيحه، وزاد ابن ماجه: فإنَّها شعار الحجِّ. 4 - وعنْ زيد بن خالدٍ الجهنيِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاءني جبرائيل عليه السلام فقال: مرْ أصحابك فليرفعوا أصواتهمْ بالتَّلبية، فإنَّها من شعار الحجِّ. رواه ابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 5 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ما أهلَّ مهلُّ قطُّ، ولا كبر مكبر قطُّ إلا بشر. قيل يا رسول الله: بالجنَّة؟ قال: نعمْ. رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين رجال الصحيح، والبيهقي إلا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أهلَّ مهلُّ قطُّ إلا آبت الشَّمس بذنوبهِ. (أهلّ) الملبي: إذا رفع صوته بالتلبية. 6 - وعنْ أبي بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: العجُّ والثَّجُّ: رواه ابن ماجه والترمذي، وابن خزيمة في صحيحه كلهم من رواية محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع، وقال الترمذي: لم يسمع محمد ابن عبد الرحمن. ورواه الحاكم وصححه، والبزار إلا أنه قال: ما برُّ الحجِّ؟ قال: العجُّ، والثَّجُّ. قال وكيعٌ: يعني بالعجِّ: العجيجَ بالتلبية، والثَّجِّ: نحر البدنِ, وتقدَّم. 7 - وروي عن جابر بن عبد الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ محرمٍ يُضحِّي لله يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه، فعاد

الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى

كما ولدته أمُّه. رواه أحمد، وابن أحمد، وابن ماجه واللفظ له، ورواه الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه. وتقدم حديث سهل بن سعد في الباب الأول، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما راح مُسْلمٌ في سبيل الله مجاهداً، أوْ حاجا، مُهلاً، أوْ ملبياً إلا غربت الشَّمسُ بذنوبهِ، وخرج منها. رواه الطبراني في الأوسط. (الترغيب في الإحرام من المسجد الأقصى) 1 - عنْ أمِّ حكيمٍ بنتِ أبي أميَّة بن الأخنس عن أمِّ سلمة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ أهل (¬1) بعمرةٍ من بيت المقدس غفر له. رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. وفي روايةٍ له قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أهلَّ بعمرةٍ منْ بيتِ المقدس كانتْ كفَّارةً لما قبلها من الذنوب، قالتْ: فخرجتْ أمِّي من بيت المقدس بعمرةٍ. 2 - ورواه ابن حبان في صحيحه، ولفظه قالتْ: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أهلَّ من المسجد الأقصى بعمرةٍ غفر له ما تقدَّم من ذنبه. قال: فركبتْ أمُّ حكيم إلى بيت المقدس حتى أهلَّت منه بعمرةٍ. 3 - ورواه أبو داود والبيهقي، ولفظهما: من أهلَّ بحجَّةٍ، أوْ عمرةٍ من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدَّم من ذنبهِ، وما تأخَّر، أو وجبتْ له الجنَّة. شك الراوي أيتهما. 4 - وفي رواية للبيهقي قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ أهلَّ بالحجِّ والعمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرامِ، غُفر له ما تقدَّم من ذنبهِ، وما تأخَّر، ووجبتْ له الجنَّة. ¬

(¬1) أي نوى فعل عمرة وابتدأ إحرامها من بيت المقدس.

الترغيب في الطواف واستلام الحجر الأسود والركن اليماني، وما جاء في فضلهما وفضل المقام ودخول البيت

الترغيب في الطواف واستلام الحجر الأسود والركن اليماني، وما جاء في فضلهما وفضل المقام ودخول البيت 1 - عنْ عبد الله بن عبيد بن عُميرٍ رضي الله عنه: أنَّه سمع أباه يقول لابن عمر رضي الله عنهما: مالي لا أراك تستلم إلا هذين الركنين: الحجر الأسود، والرُّكن اليماني؟ فقال ابن عمر: إن أفعل فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ استلامها يحطُّ الخطايا (¬1). قال: وسمعته يقول: من طاف أسبوعاً يحصيه، وصلى ركعتين كان كعدلِ رقبةٍ. قال: وسمعتهُ يقول: ما رفع رجل قدماً لا وضعها إلا كتب له عشر حسناتٍ، وحطَّ عنه عشر سيِّئات، ورفع له عشر درجاتٍ. رواه أحمد، وهذا لفظه، والترمذي، ولفظه: إنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن مسحهما كفَّارة للخطايا، وسمعتهُ يقول: لا يضع قدماً، ولا يرفع أخرى إلا حطَّ الله عنه بها خطيئةً، وكتب له بها حسنةً. 2 - ورواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه قال: إنْ أفعلْ فإنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَسْحُهُما يحطُّ الخطايا، وسمعتهُ يقول: من طاف بالبيت لمْ يرفع قدماً، ولمْ يضع قدماً إلا كتب الله له حسنة، وحطَّ عنه خطيئةً، وكتب له درجةً، وسمعتهُ يقول: منْ أحصى أسبوعاً كان كعتقِ رقبةٍ. 3 - ورواه ابن حبان في صحيحه مختصراً: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: مسْحُ الحجر، والرُّكن اليمانيِّ يحط الخطايا حطًّا. (قال الحافظ): رووه كلُّهم عن عطاء بن السائب عن عبد الله. 4 - وعنْ محمد بن المنكدرِ عنْ أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ طاف بالبيتِ أسبوعاً لا يلغو فيه (¬2) كان كعدل رقبةٍ يعتقها. رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات. ¬

(¬1) يبين صلى الله عليه وسلم فائدة استلامهما. يحصيه: يعد ويراعي مرات الطواف السبع مع الخشوع. أ - زيادة عشر حسنات، وإزالة عشر سيئات. ب - كثرة الطواف تزيد في الثواب: كمن أعتق رقبة لله تعالى وأعطاها الحرية. (¬2) لا يقول فيه كلاما لا فائدة فيه، ولا يفحش ولا يسب، بمعنى أنه يكثر من ذكر الله وتحميده وتمجيده.

5 - وعنْ حميد بن أبي سويَّة رضي الله عنه قال: سمعتُ ابن هشام يسأل عطاء ابن أبي رباحٍ: عن الرُّكن اليمانيِّ، وهو يطوف بالبيت، فقال عطاء: حدَّثني أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: وكل به سبعون ملكاً، فمن قال: اللهمَّ إنِّي أسألك العفو (¬1) والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النَّار. قالوا: آمين: فلمَّا بلغ الرُّكن الأسود قال: يا أبا محمَّدٍ ما بلغك في هذا الرُّكن الأسود؟ فقال عطاء: حدثني أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ييقول: من فاوضه فإنما يفاوض يد الرحمن. قال له ابن هشامٍ: يا أبا محمدٍ! فالطواف؟ قال عطاء: حدثني أبو هريرة أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم: من طاف بالبيت سبعاً، ولا يتكلم إلا بسبحان (¬2) الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله محيتْ عنهُ عشر سيئاتِ، وكتبت له عشرُ حسناتٍ، ورفع له بها عشر درجاتٍ، ومن طاف فتكلم وهو في تلك الحال خاض في الرحمة برجليه كخائض الماء برجليه. رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن عياش، حدثني حميد بن أبي سوية، وحسَّنه بعض مشايخنا. 6 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُنزَّل الله كلَّ يومٍ على حجَّاج بيته الحرام عشرين ومائة رحمةٍ (¬3): ستين للطائفين، وأربعين للمصلين، وعشرين للناظرين. رواه البيهقي باسناد حسن. 7 - وعن ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: الطَّواف حول البيت صلاة إلا أنَّكم تتكلَّمون فيه، فمنْ تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخيرٍ. رواه الترمذي، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه. قال الترمذي: وقد روي عن ابن عباس موقوفا، ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن السائب. 8 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طاف ¬

(¬1) الغفران والنجاة. (¬2) يكثر تسبيح الله والثناء عليه، لكسب الدرجات، وزيادة الحسنات، وإزالة الخطايا، وتدركه رحمة الله تعالى وعنايته به، ويتجلى عليه برضوانه. أما من شغل قلبه بغير التسبيح ولفظ بغيره ولغا وخلط تاء، وبعد من تجل الرحمة، وخاض فيها مغامرا غيرمعتن محروما من البركات. (¬3) عبارة عن تقسيم رحماته على عباده الطائعين، وتخصيص كل واحد بجزء من فضله وبره وإحسانه.

بالبيت خمسين مرَّة خرج من ذنوبه به كيوم ولدته أمُّه. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب، سألت محمدا، يعني البخاري عن هذا الحديث، فقال إنما يروي عن ابن عباس من قوله. 9 - وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ طاف بالبيت، وصلى ركعتين كان كعتق رقبةٍ. رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه، وتقدم. 10 - وعنه أيضا رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من طاف بالبيتِ أسبوعاً لا يضع قدماً، ولا يرفع أخرى إلا حطَّ الله عنه بها خطيئةً، وكتب لها بها حسنةً، ورفع له بها درجةً. رواه ابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان، واللفظ له. 11 - وروي عن عبد الله بنع مرو بن العاص رضي الله عنهما قال: من توضَّأ فأسبغ الوضوء، ثمَّ أتى الرُّكن يستلمهُ (¬1) خاض في الرَّحمة، فإذا استلمه فقال: بسمِ الله، والله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله غمرتهُ الرَّحمة (¬2)، فإذا طاف بالبيت كتب الله له بكلِّ قدمٍ سبعين ألف حسنةٍ، وحطَّ عنه سبعين ألف سيئةٍ، ورفع له سبعين ألف درجةٍ، وشُفِّعَ في سبعين من أهل بيته، فإذا أتى مقام إبراهيم فصلى عنده ركعتين إيماناً واحتساباً كتب الله له عتق أربعةٍ محررةٍ من ولد إسماعيل، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّهُ. رواه أبو القاسم الأصبهاني موقوفا. 12 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الحجر: والله ليبعثنَّه الله يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق (¬3). رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما. ¬

(¬1) في طوافه. (¬2) أغدق عليه ربه رضوانه وجزاه خيرا. (¬3) أي الله تعالى يجعله شهيدا يوم القيامة على من أحسن في طوافه، أو أساء، يشفع للمحسن بالجنة، ويذم المسيء ويسخط عليه، ويطلب إبعاده من رحمة الله فيقرب من عذابه. فيه طلب الطهارة والوضوء، والإقبال على الله بالذكر والدعاء والتضرع، وتعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى.

13 - ورواه الطبراني في الكبير، ولفظه: يبعث الله الحجر الأسود، والرُّكن اليماني يوم القيامة، ولهما عينان، ولسانان، وشفتان يشهدان لمن استلمهما بالوفاء. 14 - وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: يأتي الرُّكن اليماني يوم القيامة أعظم من أبي قبيسٍ له لسانان (¬1) وشفتان. رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني في الأوسط. وزاد: يشهدُ لمن استلمه بالحقِّ، وهو يمين الله عزَّ وجلَّ يصافح بها خلقهُ. وابن خزيمة في صحيحه. وزاد: يتكلَّم عمَّن استلمه بالنيَّة، وهو يمين الله التي يصافح بها خلقهُ. 15 - وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهدوا (¬2) هذا الحجر خيراً، فإنَّه يوم القيامة شافع يشفع، له لسانان وشفتان، يشهد لمن استلمه. رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات إلا أن الوليد بن عباد مجهول. 16 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزل الحجر الأسود من الجنَّة، وهو أشدُّ بياضاً من اللبن فسوَّدته خطايا (¬3) بني آدم، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: أشدُّ بياضاً من الثلج. 17 - ورواه الطبراني في الأوسط والكبير بإسناد حسن، ولفظه قال: الحجرُ الأسود من حجارة الجنَّة، وما في الأرض من الجنَّة غيره، وكان أبيض كالمها، ولولا ما مسَّه من رجس الجاهلية ما مسَّه ذو عاهةٍ إلا برأ. 18 - وفي رواية لابن خزيمة قال: الحجر الأسود ياقوتة بيضاء منْ يواقيت الجنة، وإنما سوَّدته خطايا المشركين يبعث يوم القيامة مثل أحدٍ، يشهد لمن استلمه، وقبَّلهُ من أهل الدنيا. ¬

(¬1) كذا د وع ص 392، وفي ن ط: له لسان، والمعنى أن الله ينطقه بحسن أعمال الطائف به. (¬2) قدموا له أعمالا صالحة ليذكركم بخير شاهد عدل، وشفيعاً مقبولة شفاعته راجيا مجابا. (¬3) يظهر أن من قبل حجه زالت خطاياه وقت الطواف، وتحملها هذا الحجر الأسعد. لأن تعظيمه من شعائر الله، وهو دليل الريمان بالله، وصدق النية في الأعمال الصالحة لله.

19 - ورواه البيهقيّ مختصرا قال: الحجرُ الأسود من الجنَّة، وكان أشدَّ بياضاً من الثَّلج، حتى سوَّدته خطايا أهل الشركِ. (المها) مقصورا: جمع مهاة، وهي البلورة. 20 - وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: نزل الرُّكن الأسود من السماء فوضع على أبي قبيْسٍ كأنَّه مهاة بيضاء فمكث أربعين سنةً، ثمَّ وضع على قواعد إبراهيم. رواه الطبراني في الكبير موقوفا بإسناد صحيح. 21 - وعنْهُ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مسنده ظهره إلى الكعبة (¬1) يقول: الرُّكن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنَّة، ولولا أنَّ الله تعالى طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب. رواه الترمذي، وابن حبان في صحيحه، كلاهما من رواية، رجاء بن صبيح والحاكم، ومن طريقه البيهقي. 22 - وفي رواية للبيهقي قال: إنَّ الركن والمقام من ياقوت الجنَّة، ولولا ما مسَّهُ من خطايا بني آدم لأضاء ما بين المشرق والمغرب، وما مسَّهما من ذي عاهةٍ (¬2)، ولا سقمٍ (¬3) إلا شفي. 23 - وفي أخرى له رضي الله عنه أيضا رفعه، قال: لولا ما مسَّه من أنجاس (¬4) الجاهلية ما مسَّه ذو عاهةٍ إلا شفي، وما على الأرض شيء من الجنَّة غيره. 24 - وعنِ ابن عمر رضي الله عنهما قال: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر، ثمَّ وضع شفتيهِ عليه يبكي طويلاً، ثمُّ التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي فقال يا عمر: هاهنا تسكب (¬5) العبرات. رواه ابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وصححه، ومن طريقه البيهقي، وقال: تفرَّد به محمد بن عون. (قال الحافظ) ولا نعرفه إلا من حديثه، وهو متروك. 25 - وعنْ جابرِ بن عبد الله رضي الله عنهما قال: فدخلنا مسكَّة ارتفاع الضُّحى ¬

(¬1) الكعبة. كذا د وع ص 393، وفي ن ط: الكرمة. (¬2) نقص في الجسم دائم مشوه له. (¬3) مريض رلا برأ بإذن الله تعالى. (¬4) عقائدهم الفاسدة، وشركهم بالله. (¬5) يقشعر الإنسان من الله خوفا وإجلالا، ويخشاه ويتذكر سؤاله، ويرجو رحمته، ويدعوه رغبا ورهبا ويندم على ما فعل، وتدمع عيناه على ما اقترف، ويجدد الإنابة إلى الله والرجوع إليه سبحانه.

فأتى، يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ (¬1) راحلته، ثمَّ دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه، وفاضت عيناه بالبكاء، فذكر الحديث، قال: ورمل (¬2) ثلاثاً، ومشى أربعاً حتى فرغ، فلما فرغ قبَّل الحجر، ووضع يديهِ عليه، ثمَّ مسح (¬3) بهما ¬

(¬1) بركها. (¬2) هرول ومشى بسرعة. (¬3) تبرك به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل، ثقة بالله تعالى، ورجاء شمول رحمة الله. فلنا أن نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ونقبله ونعظمه إشارة إجلال لله، ونسمح به وجوهنا تبركا رجاء إحسان الله وفضله. وقال علي رضي الله عنه في فائدة الحجر الأسود: يشهد للمؤمن بالوفاء، ويشهد على الكافر بالجحود حينما أخذ الله الميثاق على الذرية وألقمه هذا الحجر، ويعجبني ما كتبه الغزالي رحمه الله: كان بعض السلف في هذا الموضع يقول لمواليه: تنحوا عني حتى أقر لربي بذنوبي. أهـ إحياء، وقد كتب في فضيلة الحج. قال الله عز وجل: أ - (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍ عميق. ليشهدوا منافع لهم) قيل التجارة في الموسم، والأجر في الآخرة، ولما سمع بعض السلف هذا. قال غفر لهم ورب الكعبة، وقيل في تفسير قوله عز وجل: ب - (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) أي طريق مكة يقعد الشيطان عليها ليمنع الناس منها، وذكر بعض المقربين من المكاشفين أن إبليس لعنة الله عليه ظهر له في صورة شخص بعرفة. فإذا هو ناحل الجسم مصفر اللون، باكي العين، مقصود الظهر. فقال له: ما الذي أبكى عينك؟ قال: خروج الحاج إليه بلا تجارة. أقول: قد قصدوه، أخاف أن لا يخيبهم فيحزنني ذلك. قال: فما الذي أنحل جسمك؟ قال: صهيل الخيل في سبيل الله عز وجل. قال: فما الذي غير لونك؟ قال: تعاون الجماعة على الطاعة. قال: فما الذي قصف ظهرك؟ قال: قول العبد: أسألك حسن الخاتمة. أقول: يا ويلتي متى يعجب هذا بعمله، أخاف أن يكون قد فطن. أهـ ص 215 جـ 1. (ترتيب أعمال الحاج الظاهرة من أول سفره إلى رجوعه إلى بيته) كما قال الغزالي رحمه الله أولا: في المال ينبغي أن يبدأ بالتوبة، ورد المظالم، وقضاء الديون، وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع، ويرد ما عنده من الودائع، ويستصحب من المال الحلال الطيب ما يكفيه لذهابه وإيابه من غيره تقتير. بل على وجه يمكنه معه التوسع في الزاد والرفق بالضعفاء والفقراء، ويتصدق بشيء قبل خروجه. ثانياً: في الرفيق: ينبغي أن يلتمس رفيقاً صالحاً محباً للخير معيناً عليه إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه وإن جبن شجعه، وإن عجز قواه، وإن ضاق صدره صبره، ويودع رفقاءه المقيمين، وإخوانه وجيرانه، وإن الله تعالى جاعل في أدعيتهم خيرا، والسنة في الوداع أن يقول: أستودع الله دينك وآمانتك، وخواتيم عملك، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لمن أراد السفر: في حفظ الله وكنفه: زودك الله التقوى، وغفر ذنبك ووجهك للخير أينما كنت. ثالثاً: في الخروج من الدار. يصلي ركعتين يقرأ بعد الفاتحة: قل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الإخلاص ثم يدعو الله. =

وجههُ. رواه ابن خزيمة في صحيحه، واللفظ له، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم: ¬

_ = رابعاً: إذا حصل على باب الدار يقول: باسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. رب إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أذل أو أذل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل على. خامساً: إذا ركب الراحلة يقول: باسم الله وبالله والله أكبر، توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. سادساً: أن الله لا ينزل حتى يحمي النهار، ويكون أكثر سيره بالليل. سابعاً: ينبغي أن يحتاط بالنهار فلا يمشي منفرداً. ثامناً: مهما علا نشزا من الأرض في الطريق. فيستحب أن يكبر ثلاثا، ثم يقول: اللهم لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حال، ومهما هبط سبح، ومهما خاف الوحشة في سفره قال: سبحانه الله اللك القدوس رب الملائكة والروح جللت السموات بالعزة والجبروت أهـ ص 223 جـ 1 باختصار. (خلاصة ما يفعله الحاج كما قال صلى الله عليه وسلم) أولا: أن تكون الهجرة لله والنية خالصة لوجهه الكريم: أ - يتواضع في الحج ويتبذل. ب - يترك الزينة ويبعد عن الترف غير مائل إلى أسباب التفاخر والتكاثر. خشية أن يكتب في ديوان المتكبرين المترفهين، ويخرج عن حزب الضعفاء والمساكين الصالحين، قال تعالى: (ثم ليقضوا ثفثهم) والتفث: الشعث والاغبرار، وقضاؤه بالحق، وقص الشارب والأظفار، وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد: اخلولقوا واخشوشنوا: أي ألبسوا الخلقان، واستعملوا الخشونة في الأشياء، وحسبك أنه صلى الله عليه وسلم (حج على رحل رث وقطيفة خلقة) ويقول الله تعالى: (انظروا إلى زوار بيتي قد جاءوني شعثاً غبرا). وضرب لنا صلى الله عليه وسلم مثلا أعلى بحج ساداتنا الأنبياء المرسلين صلى الله عليه وسلم أجمعين في التقشف والزهد. ثانياً: أن تكون النفقة حلالا، وتكون اليد خالية من تجارة تشغل القلب. بل لا شيء يصرفه عن ذكره تعالى وتعظيم شعائره. ثالثاً: الاجتهاد في طلب بر الحج، وأعني به: أ - طيب الكلام. ب - وإطعام الطعام فيتوسع في الزاد، ويطلق يده في الإنفاق، ويبذل عن طيب نفس. لأن بذل الزاد في طريق الحج نفقة في سبيل الله عز وجل، وحسبك (الدرهم بسعمائة درهم). رابعاً: يلين الحاج جانبه، ويخفض جانحه للسائرين إلى بيت الله عز وجل: ويتحمل الأذى، ويترك الخصومة والمهاراة، ويدعو إلى التآلف والتآزر، والتعاون والتوادد، ويهذب قوله، ويترك فحشه، قال تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) 197 من سورة البقرة (معلومات) معروفات، وهي شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة بليلة النحر ع ندنا، والعشر عند أبي حنيفة رحمة الله تعالى عليه. وذو الحجة كله عند مالك (فمن فرض فيهن الحج) فمن أوجبه على نفسه بالإحرام فيهن عندنا، أو بالتلبية أو سوق الهدي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وهو دليبل على ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى، وأن من أحرم بالحج لزمه الإتمام .. أهـ بيضاوي. =

الترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة وفضله

26 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ دخل البيت دخل في حسنةٍ، وخرج من سيِّئةٍ مغفورا له. رواه ابن خزيمة في صحيحه من رواية عبد الله بن المؤمل. الترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة وفضله 1 - عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله عزَّ وجلَّ: من هذه الأيام. يعني أيَّام العشر قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ (¬1) خرج بنفسهِ وما لهِ، ثمَّ لمْ يرجعْ من ذلك بشيء. رواه البخاري والترمذي، وأبو داود وابن ماجه، والطبراني في الكبير بإسناد جيد، ولفظه قال: ما من أيَّامٍ أعظم عند الله، ولا أحبُّ إلى الله العمل فيهنَّ من أيام العشر فأكثروا فيهنَّ من التَّسبيح، والتَّحميد، والتَّهليل، والتكبيرِ. 2 - وفي رواية للبيهقي قال: ما منْ عملٍ أزكى عند الله، ولا أعظم أجراً من خيرٍ يعملهُ في عشر الأضحى. قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه ومالهِ فلمْ يرجعْ من ذلك بشيءٍ، فقال: فكان سعيد بن جُبيرٍ إذا دخل أيَّام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدرُ عليه. 3 - وعنْ عبد الله، يعني ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

= خامساً: أن يتقرب إلى الله تعالى بإراقة الدم وإن لم يكن واجبا عليه، ويجتهد أن يكون من سمين النعم ونفيسه، وليأكل منه إن كان تطوعاً، ولا يأكل منه إن كان واجباً. قيل في تفسير قوله تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله) إنه تحسينه وتسمينه، وسوق الهدي من الميقات أفضل إن كان لا يجهده ولا يكده. سادساً: أن يتابع بين الحج والعمرة. سابعاً: أن يكثر من ذكر الله تعالى وتسبيحه وتمجيده واستغفاره، والصلاة على حبيبه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬1) إلا رجل. كذا ط وع ص 394، وفي ن د: إلا رجلا. والمعنى أن الأيام العشرة من أول ذي الحجة مباركة عند الله، والأعمال الصالحة مضاعف ثوابها فيها.

ما من أيَّامٍ العمل الصَّالح فيها أفضل من أيَّام العشر. قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله. رواه الطبراني بإسناد صحيح. 4 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل أيام الدنيا العشر. يعني عشر ذي الحجَّة. قيل: ولا مثْلُهنَّ في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهنَّ في سبيل الله إلا رجلٌ (¬1) عفِّر (¬2) وجههُ بالترابِ، الحديث. رواه البزار بإسناد حسن، وأبو يعلي بإسناد صحيح، ولفظه قال: ما منْ أيامٍ أفضل عند الله من أيَّام عشر ذي الحجَّة. قال فقال رجلٌ: يا رسول الله! هنَّ أفضل أمْ عدَّتهنَّ جهاداً في سبيل الله؟ قال: هنَّ أفضلُ من عدَّتهنَّ جهاداً في سبيل الله إلا عفيرٌ يُعَفَّرُ (¬3) وجههُ في التراب. الحديث، ورواه ابن حبان في صحيحه، ويأتي بتمامه إن شاء الله. 5 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ما منْ أيَّام أحبُّ إلى الله أنْ يتعبدَّ لها فيها منْ عشر ذي الحجَّة يعدل صيام كلِّ يومٍ منها بصيام سنةٍ، وقيام كلِّ ليلة منها بقيام ليلة القدر. رواه الترمذي، وابن ماجه، والبيهقي، وقال الترمذي: حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل عن النهاس بن قهم، وسألت محمداً، يعني البخاري عن هذا الحديث، فلم يعرفه من غير هذا الوجه. (قال الحافظ): روي البيهقي وغيره، عن يحيى بن عيسى الرملي حدثنا يحيى بن أيوب البجلي عن عديّ بن ثابت، وهؤلاء الثلاثة ثقات مشهورون تكلَّم فيهم. 6 - وعنْ سعيد بن جبيرٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما من أيَّامٍ أفضل عند الله، ولا العمل فيهنَّ أحبُّ إلى الله عزًّ وجلَّ من هذه الأيام، يعني من العشر، فأكثروا فيهنَّ من التَّهليل والتكبير، وذكر الله، وإن صيام يوم منها يعدل بصيام سنةٍ، والعمل فيهنَّ يضاعف بسبعائة ضعفٍ. ¬

(¬1) إلا رجل. كذا ط وع ص 395، وفي ن د: رجلا. (¬2) أي جاهد في سبيل الله. (¬3) عفير يعفر. كذا ط وع , وفي ن د: معفر.

الترغيب في الوقوف بعرفة والمزدلفة وفضل يوم عرفة

7 - وعنْ أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان يقال في أيَّام العشرِ بكلِّ يومٍ ألف يومٍ، ويوم عرفة عشرة آلاف يومٍ. قال يعني: في الفضل. رواه البيهقي والأصبهاني، وإسناد البيهقي لا بأس به. 8 - وعن الأوزاعيِّ رضي الله عنه قال: بلغني أنَّ العمل في اليوم من أيَّام العشر كقدرِ غزوة في سبيل الله، يصام (¬1) نهارها، ويحرس ليلها إلا أنْ يختصَّ امرؤ بشادةٍ. قال الأوزاعي: حدثني بهذا الحديث رجل من بني مخزوم، عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البيهقي. (الترغيب في الوقوف بعرفة والمزدلفة، وفضل يوم عرفة) عنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ أيَّامٍ عند الله أفضل من عشر ذي الحجَّة، قال فقال رجلٌ: يا رسول الله: هنَّ أفضل أمْ منْ عدَّتهنَّ جهاداً في سبيل الله؟ قال: هُنَّ أفضل من عدَّتهنَّ جهاداً في سبيل الله، وما من يومٍ أفضلُ عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السَّماء (¬2) الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي جاءوني شُعْثاً غبراً ضاحين جاءوا من كلِّ ¬

(¬1) يصام. كذا ط وع، وفي ن د: بصيام، والمعنى أن الأعمال في عشرة أيام يساوي ثوابها الغزو، والجهاد في سبيل نصر دين الله. تنتهي بصيام أيامها، وسهر لياليها لحراسة المسلمين من هجوم أعداء الدين، ولعظيم ثوابها أقسم بها سبحانه فقال تعالى: (والفجر وليال عشر) أقسم سبحانه بالصبح أو فلقه، أو بصلاته وعشر ذي الحجة (والشفع والوتر) أي الأشياء كلها شفعها ووترها أو الخلق (والليل إذا يسر) والليل إذا يمضي دلالة على كمال قدرته، ووفور نعمته (هل في ذلك قسم لذي حجر؟) لذي عقل: أي يحجر عما لا ينبغي. (خلاصة الباب) يدعو النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين لاستقبال هذه الأيام بالتوبة، وطاعة الله، وكثر الأعمال الصالحة فيها، والإكثار من الاستغفار، والتكبير والتهليل، وذكر الله وتسحبيه، وحضور مجالس العلم، والتهجد وفعل البر، وتشييد المكارم والجود، ويفوز بالأجر الكثير من قابل الشدائد. واخشوشن وزهد وعكف على طاعة الله واستبسل وقاسى الأهوال (عفر وجهه بالتراب). (¬2) السماء. كذا ط وع ص 396، وفي ن د: سماه، والمعنى أن الله تعالى يتفضل فينزل رحمته ويعمم نعماءه، ويغدق من بركاته، ويزداد بره في هذه الأيام، وتستجاب الدعوات، سبحانه ينجي من عذاب النار ملايين من المسلمين تكرما. قال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء).

فجٍ عميق يرجون رحمتي ولمْ يروا عذابي فلمْ يرَ يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة. رواه أبو يعلي والبزار، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحه واللفظ له. والبيهقي ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم عرفة، فإنَّ الله تبارك وتعالى يباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين من كلِّ فجِّ عميقٍ، أشهدكم أنِّي قد غفرت لهم، فتقول الملائكة: إنَّ فيهم فلاناً مرهَّقاً وفلاناً. قال: يقول الله عزَّ وجلَّ: قد عفرْتَ لهمْ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ يومٍ أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة، ولفظ ابن خزيمة نحوه لم يختلفا إلا في حرف، أو حرفين. (المرهَّق): هو الذي يغشى المحارم، ويرتكب المفاسد. (قوله ضاحين): هو بالضاد المعجمة، والحاء المهملة. أي بارزين للشمس غير مستترين منهام، يقال: لكل من برز للشمس من غير شيء يظله ويكنّه: إنه لضاحٍ. 2 - وعن طلحة بن عبيد الله بن كريز رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مارؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر، ولا أدحر، ولا أحقر، ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما يرى فيه من تنزلُّ الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا مأ رأى (¬1) يوم بدرٍ، فإنَّه رأى جبرائيل عليه السلام يزع (¬2) الملائكة. رواه مالك والبيهقي من طريقة وغيرها، وهو مرسل. (أدحر) بالدال والحاء المهملتين بعدهما راء: أي أبعد وأذلّ. 3 - وعنْ عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم عرفة: أيها الناس إنَّ الله عزَّ وجلَّ تطوَّل عليكم في هذا اليوم، فغفر لكمْ إلا التَّبعات (¬3) فيما بينكم، ووهب مسيئكمْ لمحسنكمْ، وأعطي لمحسنكمْ ما سألَ ¬

(¬1) كذا د وع، وفي ن ط: رؤى. (¬2) في هامش النسخة العماري يزع: أي يدفع، وهي هنا بمعنى يصفهم ويرتبهم، ويدفع بعضهم بعضاً أن يتقدم على بعض. أهـ ص 396. (¬3) ما يتبع المال من نوائب الحقوق، وهو من تبعت الرجل، بحقي، والتبيع: الذي يتبعك بحق يطالبك به، والمعنى أن الله تعالى يغفر الذنوب كلها رلا حقوق الآدميين المتعلقة بالذمة المطالب بها حقا، وهناك يخسا إبليس ويتحسر، ويزداد غيظاً من هذا الغفران الجم، والخير الأعم.

فادفعوا باسم الله، فلمَّا كان بجمعٍ. قال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ: قدْ غفر لصالحيكمْ، وشفَّع صالحيكمْ في طالحيكمْ (¬1) تنزل الرَّحمة فتعمُّهُمْ، ثمَّ تفرَّق المغفرة في الأرض فتقع على كلِّ تائبٍ ممنْ حفظ لسانه ويده، وإبليس وجنوده على جبال (¬2) عرفاتٍ ينظرون ما يصْنع (¬3) الله بهمْ، فإذا نزلت الرَّحمة دعا إبليس وجنوده بالويل والثُّبور. رواه الطبراني في الكبير، ورواته محتجّ بهم في الصحيح، إلا أن فيهم رجلاً لم يسمّ. 4 - ورواه أبو يعلي من حديث أنس، ولفظه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ الله تطوَّل على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة، يقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً، أقبلوا يضربون إليَّ من كلِّ فجٍّ عميق، فأشْهد كمْ أنِّي قد أجبت دعاءهمْ، وشفَّعتُ رغبتهمْ، ووهبت مسيئهمْ لمحسنهمْ، وأعطيت لمحسنهم جميع ما سألوني غير التَّبعات التي بينهمْ، فإذا أفاض القوم إلى جمعٍ، ووقفوا وعادوا في الرَّغبة والطلب إلى الله تعالى، فيقول يا ملائكتي: عبادي وقفوا فعادوا في الرَّغبة، والطلب فأشهدكمْ أنِّي قد أجبت دعاءهمْ، وشفَّعْتُ رغبتهمْ، ووهبتُ مسيئهم لمحسنهمْ، وأعْطيتُ محسنيهمْ جميع ما سألوني، وكفلتُ عنهم التَّبعات التي بينهمْ. 5 - وعنْ عباس بن مدراسٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشيَّة عرفة، فأجيب أني قد غفرتْ لهمْ ماخلا المظالم، فإنِّي آخذ للمظلوم منه. قال: أي ربِّ إنْ شئت أعطيت المظلوم الجنَّة، وغفرت للظالم فلمْ يجبْ عشية عرفة، فلمَّا أصبح بالمزدلفة أعاد، فأجيب إلى ما سأل. قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال تبسَّم، فقال له أبو بكرٍ وعمر رضي الله عنهما: بأبي أنت وأمي إنَّ هذه لساعة ما كنت تضحكُ فيها، فما الذي أضحكك؟ أضحك الله سنَّك. قال: إنَّ عدوَّ الله إبليس لما علم أنَّ الله قد استجاب دعائي، وغفر لأمتي أخذ التراب فجعل يحثوه على ¬

(¬1) ضعفاء الأعمال الصالحة: المهازيل في البر، والمقصرين في أوامر الله. من طلح: أي أعيا، وجعل طليح: أي معي. (¬2) جبال. كذا ط وع، وفي ن د حْبل. (¬3) يصنع. كذا د وع، وفي ن ط: صنع، والمعنى أن الله تعالى تفضل على الحجاج الواقفين بعرفة بالغفران والرضوان، والقبول والإحسان، والعفو والخير الجزيل.

رأسه، ويدعو بالويلِ (¬1) والثُّبورِ فأضحكني ما رأيت من جزعهِ. رواه ابن ماجه عن عبانة بن عباس بن مرداس أن أباه أخبره عن أبيه. 6 - ورواه البيهقي، ولفظه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشيَّة عرفة لامَّته بالمغفرة والرَّحمة فأكثر الدعاء، فأوحى الله إليه أنِّي فعلتُ إلا ظلم بعضهم بعضاً، أمَّا ذنوبهم فيما بيني وبينهمْ فقدْ غفرْتها، فقال: يا ربِّ إنَّك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيراً من مظلمتهِ، وتغفر لهذا الظالم فلمْ يجبهُ تلك العشيَّة، فلمَّا كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأجابه الله أني قد غفرت لهمْ. قال: فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله! تبسَّمت في ساعة لمْ تكن تتبَسَّمُ؟ قال: تبسَّمت من عدوِّ الله إبليس، إنَّه لما علم أن الله قد استجاب لي في أمَّتي أهوي يدعو بالويل والثُّبور، ويحثوا التراب على رأسه. رواه البيهقي من حديث ابن كنانة ابن العباس بن مر داس السُّلمي، ولم يسمه عن أبيه عن جده عباس، ثم قال: وهذا الحديث له شواهد كثيرة، وقد ذكرناها في كتاب البعث، فإن صح بشواهده ففيه الحجة، وإن لم يصح فقد قال الله تعالى: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وظُلْمَ بعضهم بعضا دون الشرك. انتهى. 7 - وروي ابن المبارك عنْ سفيان الثَّوريِّ عن الزُّبير بن عديٍ عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: وقف النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعرفاتٍ، وقد كادت الشَّمس أن تؤوب، فقال: يا بلال أنصت لي الناس، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنصت الناس فقال: معشر الناس أتاني جبرائيل عليه السَّلام آنفاً فأقرأني من ربِّي السلام، وقال: إن الله عزَّ وجلَّ: غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر، وضمن عنهمُ التَّبعات، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله: هذا لنا خاصة؟ قال: هذا لكمْ، ولمنْ أتى من بعدكمْ إلى يوم القيامة، فقال عمرُ ابن الخطاب رضي الله عنه كثر خير الله، وطاب. 8 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) النار والهلاك.

إنَّ الله يباهي بأهل عرفاتٍ أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثاً غبراً. رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. 9 - وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يباهي ملائكته عشيَّة عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي شعْثاً غبراً. ورواه أحمد الطبراني في الكبير والصغير، وإسناد أحمد لا بأس به. 10 - وعنْ عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما منْ يومٍ أكثر من أنْ يعتق الله فيه عبيداً من النَّار من يوم عرفة، وإنَّه ليدنو يتجلَّى، ثمَّ يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ رواه مسلم والنسائي، وابن ماجه. وزاد رزين في جامعه فيه: اشهدوا ملائكتي أنِّي قدْ غفرتُ لهمْ. 11 - وعنْ عد العزيز بن قيسٍ العبديِّ قال: سمعتُ ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كان فلانٌ ردفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهنَّ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن أخي، إنَّ هذا يوم من ملك فيه سمعهُ وبصرهُ ولسانه غفر له. رواه أحمد بإسناد صحيح والطبراني، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصَّمت، وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي، وعندهم: كان الفضل ابن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث. 12 - ورواه أبو الشيخ بن حبان في كتاب الثواب، والبيهقي أيضاً عن الفضل ابن العباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مختصراً، قال: من حفظ لسانه وسمعه وبصره يوم عرفة غفر له من عرفة إلى عرفة. 13 - وروي عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو يعلم أهل الجمعِ بمن حلُّوا لاستبشروا بالفضل بعد المغفرة. رواه الطبراني والبيهقي. 14 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم:

يا رسول الله! كلمات أسأل عنهنَّ، فقال صلى الله عليه وسلم: اجْلسْ، وجاء رجلٌ من ثقيفٍ، فقال: يا رسول الله، كلمات أسأل عنهنَّ، فقال صلى الله عليه وسلم: سبقك الأنصاريُّ، فقال الأنصاريُّ: إنَّه رجل غريب، وإن للغريب حقا فابدأ بهِ، فأقبل على الثَّقفي فقال: إن شئتَ أنبأتك عمَّا كنْتَ تسألني عنهُ، وإنْ شئت تسألني عن الركوع والسجود، والصلاة والصوم، فقال: والذي بعثك بالحقِّ ما أخطأتِ مما كان في نفسي شيئاً، قال: فإذا ركعتَ فضعْ راحتيك على ركبتيك، ثمَّ فرِّج أصابعك، ثمَّ اسكنْ حتى يأخذ كلُّ عضو مأخذه، وإذا سجدت فمكِّنْ جبهتك، ولا تنقر نقراً، وصلِّ أوَّل النهار وآخره، فقال: يا نبي الله فإن أنا صلَّيت بينهما؟ قال: فأنت إذاً مصلٍ، وصمْ من كل شهر ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، فقام الثقفي، ثمَّ أقبل على الأنصاري فقال: إن شئت أخبرتك عمَّا جئت تسألني، وإن شئت تسألني وأخبرك، فقال: لا يا نبيَّ الله، أخبرني بما جئت أسألك، قال: جئت تسألني عن الحاجِّ ماله حين يخرج من بيتهِ، وماله حين يقوم بعرفاتٍ، وما له حين يرمي الجمار، وما له حين يحلق رأسه، وما له حين يقضي آخر طوافٍ بالبيت، فقال: يا نبي الله! والذي بعثك بالحق ما أخطأت مما كان في نفسي شيئاً، قال: فإنَّ له حين يخرج من بيته أن راحلته لا تخطو خطوةً إلا كتب الله له بها حسنً، أوْ حطَّ عنها بها خطيئةً، فإذا وقف بعرفاتٍ (¬1) فإنَّ الله عزَّ وجلَّ ينزل إلى سماء الدنيا فيقول: انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً، اشهدوا أنِّي قدْ غفرتُ لهم ذنوبهمْ، وإنْ كانت عدد قطر السَّماء ورمل عالجٍ، وإذا رمى الجمار لا يدري أحد ماله حتى يتوفَّاه الله يوم القيامةِ، وإذا قضى آخر طوافٍ (¬2) بالبيت خرجَ من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه. رواه البزار والطبراني، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له. 15 - وعنْ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) بعرفات. كذا دو ع ص 400، وفي ن ط: بعرفة. (¬2) طواف .. كذا د وع، وفي ن ط: الطواف.

عليه وسلم: ما من مسلمٍ عشيَّة عرفة بالموقف فيستقبل القبلة بوجههِ، ثمَّ يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيى ويميتُ، وهو على كل شيء قديرٌ، مائة مرَّةٍ، ثمَّ يقرأ: قل هو الله أحد مائة مرةٍ، ثم يقول: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صلين على إبراهيم وآل وإبراهيم إنَّك حمد مجيد، وعلينا معهمْ مائة مرة إلا قال الله تعالى: يا ملائكتي: ما جزاء عبدي هذا سبحني، وهللني، وكبرني، وعظمني، وعرفني، وأثنى عليَّ، وصلَّى على نبيِّّ. اشهدوا ملائكتي (¬1): أني قد غفرت له، وشفَّعتهُ في نفسه، ولو سألني عبدي هذا لشفعته في أهل الموقف. رواه البيهقي، وقال: هذا متن غريب، وليس في إسناده من ينسب إلى الوضع، والله أعلم. 16 - وعنْ أبي سليمان الدَّاراني قال: سئل عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه عن الوقوف بالجبل، ولم لمْ يكن في الحرم. قال: لأن الكعبة بيت الله، والحرم باب الله، فلمَّا قصدوه وافدين أوقفهمْ بالباب يتضرَّعون. قيل: يا أمير المؤمنين فالوقوف بالمشعر الحرام؟ قال: لأنه لما أذن لهمْ بالدخول إليه، وقفهم (¬2) بالحجاب الثاني، وهو المزدلفة، فلمَّا أن طال تضرُّعهم أذن لهمْ بتقريب قربانهم بمنى. فلما أن قضوا تفثهم، وقرَّبوا قربانهم فتطهروا بها من الذنوب التي كانت عليهم أذن لهمْ بالزِّيارة إليه على الطهارة. قيل: يا أمير المؤمنين: فمن أين حرِّم الصيام أيام التشريق؟ قال: لأنَّ القوم زوَّار الله، وهمْ في ضيافتهِ، ولا يجوز للضَّيف أن يصوم دون إذن من أضافه. قيل: يا أمير المؤمنين فتعلُّق الرَّجل بأستار الكعبة لأي معنى هو؟ قال: هو مثل الرَّجل بينه وبين صاحبهِ جناحية فيتعلَّق بثوبهِ، ويتنصَّل (¬3) إليه، ويتخدَّع (¬4) له ليهب له جنايته. رواه البيهقي وغيره هكذا منقطعا، ورواه أيضا عن ذي النون من قوله: وهو عندي أشبه، والله أعلم. ¬

(¬1) اشهدوا يا ملائكتي. كذا د وع، وفي ن د: ملائكتي. (¬2) وقفهم. كذا د وع ص 401، وفي ن ط: أوقفهم. (¬3) يتبرأ: أي يخضع، ويتوب ويلجأ إلى الله بالإنابة. (¬4) ويتخدع. كذا وع، وفي ن د: يتخاذع.

الترغيب في رمي الجمار، وما جاء في رفعها

الترغيب في رمي الجمار، وما جاء في رفعها (قال الحافظ) تقدم في الباب قبله في حديث ابن عمر الصحيح: وإذا رمي الجمار لا يدري أحد ماله حتَّى يتوَّفَّاه الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة. لفظ ابن حبان، ولفظ البزار: وأمَّا رميك الجمار فلك بكلِّ حصاةٍ رميْتها تكفير كبيرةٍ من الموبقات. وتقدم في حديث عبادة بن الصامت: وأمَّا رميك الجمار، قال الله عزَّ وجلَّ: فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهمْ من قرَّة أعينٍ جزاء بما كانوا يعْملون. 1 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رجلا سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عنْ رمي الجمار ما لنا فيه؟ فسمعته يقول: تجد ذلك عند ربِّك أحوج ما تكون إليه. رواه الطبراني في الأوسط والكبير من رواية الحجاج بن أرطاة. وتقدم في حديث أنس رضي الله عنه: وأما رميك الجمار، فإنَّه مذخور لك عند ربك أحوج ما تكون إليه. 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، رفعه إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: لما أتى إبراهيم خليل الله صلوات الله عليه وسلامه المناسك عرض له الشَّيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبعِ حصياتٍ حتى ساخ في الأرض، ثمَّ عرض له عند الجمرة الثانية, فرماه بسبع حصيات حتى ساخ (¬1) في الأرض, ثم عرض له عند الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصاتٍ حتى ساخ في الأرض. قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: الشيطان ترْجمون (¬2)، وملَّة أبيكمْ إبراهيم تتَّبعون. رواه ابن خزيمة في صحيحة، والحاكم واللفظ، وقال: صحيح على شرطهما. 3 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رميْتَ الجمار كان لك نوراً يوم القيامة. رواه البزار من رواية صالح مولى التوأمة. 4 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله هذه الجمار ¬

(¬1) غاص في الأرض. (¬2) أي ترمون إبليس بالحصيات متبعين سنة سيدنا إبراهيم عليه السلام أهـ.

الترغيب في حلق الرأس بمنى

التي ترمي كلَّ سنةٍ فنحْسب أنها تنقص قال: ما تقبِّل منها رفع، ولولا ذلك رأيتموها مثل الجبال. رواه الطبراني في الأوسط والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. (قال المملي) رحمه الله: وفي إسنادهما يزيد بن سنان التميامي مختلف في توثيقه. (الترغيب في حلق الرأس بمنى) 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهمَّ اغفر للمحلِّقين. قالوا: يا رسول الله وللمقصرين. قال: اللهمَّ اغفر للمحلقين. قالوا: يا رسول الله وللمقصرين. قال: اللهمَّ اغفرْ للمحلقين. قالوا: يا رسول الله وللمقصرين؟ قال: وللمقصرين (¬1). رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما. 2 - وعنْ أمِّ الحصين رضي الله عنها أنَّها سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع دعا للمحلِّقين ثلاثاً، وللمقصِّرين مرَّة واحدةً. رواه مسلم. 3 - وعنْ مالك بن ربيعة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: اللهمَّ اغفر للمحلقين. اللهمَّ اغفر للمحلقين. قال: يقول رجلٌ من القوم: وللمقصِّرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الثالثة أو الرَّابعة: وللمقصرين ثمَّ قال: وأنا يومئذٍ محلوق الرَّأس فما يسرُّني بحلق رأسي حمر (¬2) النَّعم. رواه أحمد ¬

(¬1) دعاؤه صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة واحدة تصريح بتفضيل الحلق، وقد أجمع العلماء على أن الحلق من التقصير، وعلى أن التقصير يجزي. قال النووي: ووجه فضيلة الحلق على التقصير أنه أبلغ في العبادة، وأدل على صدق النية في التذلل لله تعالى، ولأن المقصر مبق على نفسه الشعر الذي هو زينة، والحاج مأمور بترك الزينة. بل هو أشعث أغبر، والله أعلم، واتفق العلماء على أن الأفضل في الحلق والتقصير أن يكون بعد رمي جمرة العقبة، وبعد ذبح الهدي إن كان معه، وقبل طواف الإفاضة، وسواء كان قارنا أو مفرداً، وأقل ما يجزي من الحلق والتقصير عند الشافعي ثلاث شعرات، وعند أبي حنيفة ربع الرأس، وعند أبي يوسف نصف الرأس، وعند مالك وأحمد أكثر الرأس، وعند مالك رواية كل الرأس وأجمعوا أن الأفضل حلق جميعه أو تقصير جميعه، ويستحب أن لا ينقص في التقصير عن قدر الأنملة من أطراف الشعر. فإن قصر دونها جاز لحصول اسم التقصير، والمشروع في حق النساء التقصير، ويكره لهن الحلق. فلو حلقن حصل النسك، ويقوم مقام الحلق والتقصير النتف والإحراق والقص، وغير ذلك من أنواع إزالة الشعر. أهـ ص 50 جـ 9. (¬2) أي لا يوازي ملك الإبل الكثيرة والنعم العظيمة مثل عملي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلق رأسي رجاء الفوز بهذا الدعاء المستجاب.

الترغيب في شرب ماء زمزم، وما جاء في فضله

والطبراني في الأوسط بإسناد حسن. (قال الحافظ): وتقدم في حديث ابن عمر الصحيح: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصاريِّ: وأما حلاقك رأسك فلك بكلِّ شعرةٍ حلقتها حسنة، وتمْحى عنك بها خطيئة. وتقدم أيضاً في حديث عبادة بن الصامت: أمَّا حلقُكَ رأسك فإنَّه ليس منْ شعرك شعرة تقع في الأرض إلا كانت لك نوراً يوم القيامة (¬1). (الترغيب في شرب ماء زمزم، وما جاء في فضله) 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير (¬2) ما على وجه الأرض: ماء زمزم (¬3) فيه طعام الطُّعمِ (¬4)، وشفاء السُّقم (¬5)، وشرُّ ماء على وجه الأرض: ماء بوادي برهوت بقيَّةٍ بحضرموت كرجل الجراد تصبح تتدفَّق وتمسى لا بلال فيها. رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات، وابن حبان في صحيحه. (برهوت) بفتح الباء الموحدة والراء، وضم الهاء، آخره تاء مثناة. (وحضرموت) بفتح الحاء المهملة: اسم بلد. قال أهل اللغة: وهما اسمان جعل اسماً واحداً، إن شئت بنيت حضر على الفتح وأعربت موت إعراب ما لا ينصرف، وإن شئت أضفت الأول إلى الثاني فأعربت حضراً وخفضت موت. 2 - وعنْ أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زمزمُ طعام طعمٍ، وشفاء سُقْمٍ. رواه البزار باسناد صحيح. قوله: طعام طعمٍ. بضم الطاء وسكون العين: أي طعام يشيع من أكله. ¬

(¬1) أو خطر عظيما. كذا د وعص 402، وفي ن ط: حذفها. أي أو أنال درجة عظيمة ومركزاً سامياً. (¬2) أحسن وأبدع وأشفي. (¬3) عين معين في بئر يخرج الماء منها بالإدلاء فيشربها الإنسان فيرى طعماً لذيذاً، وبرءا يمشي في مفاصله وصحة، ولقد شعرت بذلك ورب الكعبة فأصابني إسهال في منى من جراء شربة (كازوزة) ولما أتممنا أيام منى والحمد لله ذهبت إلى مكة فشربت من ماء زمزم، ثم ذهبت لأسعى بين الصفا والمروة، وفي الشوط الثالث شفيت والحمد لله، وزال العنا وألبسني الله ثوب العافية، وأحسست بالصحة والسرور. (¬4) أي يشبع الإنسان إذا شرب ماءها كما يشبع من الطعام. أهـ نهاية. (¬5) ومزيلة المرض بإذن الله تعالى.

3 - وعنْ أبي الطُّفيل عن عباس رضي الله عنهما قال: سمعتهُ يقول: كنَّا نسمِّيها شبَّاعةً، يعني زمزم، وكنَّا نجدها نعم العون على العيال (¬1). رواه الطبراني في الكبير، وهو موقوف صحيح الإسناد. 4 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماء زمزم لما شرب له، إنْ شربتهُ تستشفي شفاك الله، وإنْ شربتهُ لشبعك (¬2) أشبعك الله، وإنْ شربته لقطع ظمئك (¬3) قطعه الله، وهي: هزمة جبرائيل عليه السلام (¬4) وسقيا الله إسماعيل عليه السلام. رواه الدارقطني والحاكم. وزاد: وإنْ شربتهُ مستعيذاً أعاذك الله، وكان ابن عباسٍ رضي الله عنه إذا شرب ماء زمزم قال: اللهمَّ إنِّي أسألك علما نافعاً، ورزقا واسعاً، وشفاءً من كلِّ داء، وقال: صحيح الإسناد، إن سلم من الجارود، يعني محمد بن حبيب. (قال الحافظ): سلم منه فإنه صدوق، قال الخطيب البغدادي وغيره لكن الراوي عنه محمد ابن هشام المروزي لا أعرفه، وروي الدارقطني: دعاء ابن عباس مفردا من رواية حفص بن عمر العدني. (الهزمة) بفتح الهاء، وسكون الزاي: هو أن تغمز موضعا بيدك، أو رجلك فتصير فيه حفرة. 5 - وعنْ سويد بن سعيدٍ رضي الله عنه قال: رأيت عبد الله بن المباركِ بمكَّة أتى ماء زمزم واستسقى (¬5) منه شربةً (¬6)، ثمَّ استقبل الكعبة فقال: اللهمَّ إنَّ ابن أبي المولى حدثنا عن محمد بن المكندر عن جابر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ماء زمزم لما شرب له، وهذا أشربه لعطش يوم القيامة، ثمَّ شرب. رواه أحمد بإسناد صحيح، والبيهقي، وقال: غريب من حديث ابن أبي الموالي عن ابن المنكدر تفرَّد به سويد ¬

(¬1) معناها يشربها الأهل فيضع الله الشبع والقناعة، ويرزقهم الصحة، ويزيل عنهم جشع الأكل ونهمته. (¬2) لشبعك. كذا ط وع ص 403، وفي ن د: يشبعك. (¬3) لإزالته. (¬4) جاء سيدنا جبريل للسيدة هاجر بينما تتردد بين الصفا والمروة، ومد برجله فحفر حفرة نبع الماء منها، وفي حديث البخاري. قال صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله هاجر لولا أنها عجلت لكان زمزم عيناً معيناً) أي أحاطت الماء بكومة من الأتربة. (¬5) واستسقى أي شرب كذا في د، وفي هامش العمارية ولعل صوابه استقى، ولكن في ن ط: واستسقى. (¬6) في ن د: شربة وشرب زيادة.

ترهيب من قدر على الحج فلم يحج، وما جاء في لزوم المرأة بيتها بعد قضاء فرض الحج

عن ابن المبارك عن هذا الوجه عنه انتهى، وروي أحمد وابن ماجه المرفوع منه عن عبد الله ابن المؤمل: أنه سمع أبا الزبير يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول فذكره، وهذا إسناد حسن. 6 - وعن السَّائب رضي الله عنه أنَّه كان يقول: اشربوا من سقاية العبَّاس (¬1) فإنَّه من السُّنَّة. رواه الطبراني في الكبير، وفي إسناده رجل لم يسمَّ، وبقيته ثقات. (ترهيب من قدر على الحج فلم يحج) (وما جاء في لزوم المرأة بيتها بعد قضاء فرض الحج) 1 - رُوي عنْ عليٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ ملكَ زاداً وراحلةً تُبَلِّغه إلى بيت الله الحرام (¬2) فلمْ يحجَّ فلا عليه أن يموت يهوديا، أوْ نصرانيا، وذلك أنَّ الله يقول: ولله على الناس حجُّ البيت من استطاع إليه سبيلاً. رواه الترمذي والبيهقي من رواية الحارث عن عليّ، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. 2 - ورواه البيهقي أيضاً عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: منْ لم تَحْبِسْهُ حاجة ظاهرة، أو مرضٌ حابسٌ، أو سلطانٌ جابر (¬3)، ولم يحجهَ فليمتْ إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانيا. 3 - وتقدَّم حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) السقاية: إناء يشرب فيه. (¬2) معناه القادر على الحج، وتوفرت شروطه، ووجد ما ينفق منه يتزود، وراحلة توفر عليه مشقة السفر وجب عليه الحج وإلا انهدم ركن إسلامه، لا يبعد عليه سوء الخاتمة ويخشى من تهويده أو تنصيره، وما أقرب موتته على هذه الحال، لأنه مقصر في ركن الإسلام، لأنه مستطيع، والطريق مذللة معبدة، والأمن عم، وانتشر الرخاء والطمأنينة الآن، والحمد لله والشكر له. (¬3) معناه ثلاثة أعذار فقط ترخص للمستطيع الصبر على أداء الحج: أ - عذر قاهر. ب - أو مرض مانع. جـ - ملك ظالم حرم الذهاب إلى الحج. فإذا ذهبت هذه فيجب على المستطيع أيحج، وإلا فياخيبته ويا ضيعته. يقرب من انقلاب حالته من إسلام إلى كفر، والله تعالى مقلب القلوب وفيه أن الحج يدل على حسن الخاتمة والسعادة والموت على الإسلام.

الإسلام ثمانية أسهمٍ: الإسلام سهم، والصلاة سهمٌ، والزَّكاة سهمٌ، وحجُّ البيتِ سهمٌ (¬1)، والأمر بالمعروف سهمٌ، والنَّهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم، وقد خاب من لاسهم له. رواه البزار. 4 - وعنْ أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عزَّ وجلَّ. إنَّ عبداً صحَّحْتُ له جسمه، ووسَّعْتُ عليه في المعيشةِ (¬2) تمضي عليه خمسة أعوامٍ لا يفد إليَّ لمحروم (¬3). رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي، وقال: قال علي بن المنذر: أخبرني بعض أصحابنا، قال: كان حسن بن حُيي يعجبه هذا الحديث وبه يأخذ، ويحبُّ للرَّجل الموسر الصحيح أن لا يترك الحجَّ خمس سنين. 5 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لنسائهِ عام حجَّة الوداع: هذه، ثمَّ ظهور الحصْرِ. قال: وكنَّ كلُّهنَّ ويحججنَ إلا زينب بنت جحشٍ، وسودة بنت زمعة رضي الله عنهنَّ، وكانتا تقولان: والله لا تحرِّ كنا دابة بعد إذ سمعنا ذلك من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقال إسحاق في حديثه قالتا: والله لا تحرِّ كنا دابة بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه ثمَّ ظهور الحصْرِ (¬4). رواه أحمد ¬

(¬1) عد صلى الله عليه وسلم الحج من الأسهم التي يتسابق إليها المؤمنون، ويحصلها المجدون، ويفوز بها المسلمون. (¬2) جمعت له الصحة والقوة وفرة المال، ولم يرحل إلى مشاهدة أماكني المقدسة المجاب فيها الدعاء المشمولة برحمتي، الجالبة الحسنات الجمة، والمحبطة السيئات. (¬3) لمحروم من الأجر ومطرد من رضوان الله. (¬4) أمر صلى الله عليه وسلم النساء أن يحججن: أي يؤدين فريضة الحج، ويذهبن لمناسكه فقط، ثم يلزمن بيوتهن، ويقرن في منازلهن فلا يخرجن لسوى أعمال الحج ويجلسن على الحصر. مسألة اجتماعية عمرانية يقررها رسول الله الرحمة وطبيب النفوس صلى الله عليه وسلم أن يبيح للسيدات الذهاب إلى أداء الحج فقط، وغير ذلك يحافظن على الجلوس على ظهور الحصر خوف الفتنة، ومنعا للاختلاط، وتقريراً لسعادة الزوجين، وجلباً لصفاء مودتهما، وتقول الفاضلتان الورعتان: السيدة زينب والسيدة سودة: (والله لا تحركنا دابة بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه ثم ظهور الحصر) بخ بخ أدب نبوي، وكمال فطري يدعو إليهما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تلزم المرأة بيتها، وتحفظ عرضها، وتصون سيرتها، وتستكن في خدرها إلا لأداء الحج فتخرج تحوطها المهابة، ويشملها الإجلال، ويغمرها إحسان الله ورعايته. ولعل قومي في زماننا هذا يقرءون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمنعون خروج النساء وتبرجهن. فقد اختلط الحابل بالنابل، وأصبحت الأخلاق في فوضى، وانتهكت حرمات الله بتمزيق الحجاب، وقد روي لك عن النبي صلى الله عليه وسلم خمس مرات: (هذه ثم ظهور =

الترغيب في الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة وبيت المقدس وقباء

وأبو يعلي، وإسناده حسن. رواه عن صالح مولى التوءمة بن أبي ذئب، وقد سمع منه قبل اختلاطه. 6 - وعنْ أمِّ سلمةَ رضي الله عنها قالتْ: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع: هي هذه الحجَّة، ثمَّ الجلوس على ظهور الحصْرِ في البيوت. رواه الطبراني في الكبير، وأبو يعْلي، ورواته ثقات. 7 - ورواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما حجَّ بنسائه قال: إنما هي هذه، ثمَّ عليكمْ بظهور الحصرِ. 8 - وعنِ ابنٍ لأبي واقدٍ الليثيِّ عنْ أبيه رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه في حجَّة الوداع: هذه، ثمَّ ظهور الحصرِ. رواه أبو داود، ولم يسمِّ ابن أبي واقد. الترغيب في الصلاة في المسجد الحرام ومسجد المدينة وبيت المقدس وقباء 1 - عنْ ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا أفضل منْ ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام (¬1). رواه مسلم والنسائي وابن ماجه. ¬

= الحصر) أي أطلب من الفضليات اللائي يخفن ويخشين عقابه، ويرجون ثوابه، أن يلزمن بيتهن ويجلسن بعيدات عن التبرج مستكنات: أ - الحج. ب - وقرن في بيوتكن والزمن خدركن. لعمري هذا دستور سعادة الحياة، ومنهج النساء الأبرار. قال تعالى: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله) 32 من سورة الأحزاب. أولا: العز. ثانيا: عدم التبرج. ثالثا: الصلاة. رابعاً: الزكاة. خامساً: الطاعة. (¬1) معناه الركعة في مسجده صلى الله عليه وسلم يضاعف ثوابها إلى ألف حسنة في غير مسجده عليه الصلاة والسلام، ثم استثنى صلى الله عليه وسلم مسجد مكة البيت الحرام لفضله عند الله، وعظيم درجته، وكثرة ثواب العبادة فيه. قال النووي: مذهب الشافعي وجمهور العلماء أن مكة أفضل من المدينة، وأن مسجد مكة أفضل من مسجد المدينة، وعكسه مالك وطائفة. فعند الشافعي والجمهور معناه إلا المسجد الحرام. فإن الصلاة فيه أفضل =

2 - وعنْ عبد الله بن الزُّبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألفِ صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل منْ مائة صلاةٍ في هذا. رواه أحمد وبان خزيمة وابن حبان في صحيحه، وزاد: يعني في مسجد المدينة، والبزار ولفظه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فإنَّه يزيد عليه مائة صلاة، وإسناده صحيح أيضا. 3 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي أفضلُ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرامِ أفضل من مائة ألف صلاةٍ فيما سواه. رواه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين. 4 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام. رواه البخاري واللفظ له، ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 5 - وروي البزَّار عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء أحقُّ المساجد أن يزار. وتشدَّ إليه الرَّواحل المسجد الحرام، ومسجدي، وصلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام. 6 - وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: منْ ¬

_ = من الصلاة في مسجدي، وعند مالك وموافقيه إلا المسجد الحرام. فإن الصلاة في مسجدي تفضله بدون الألف. قال القاضي: أجمعوا على أن موضع قبره صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض، وأن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض، واختلفوا في أفضلهما ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وسلم. فقال عمرو بعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين: المدينة أفضل، وقال أهل مكة والكوفة، والشافعي وابن وهب وابن حبيب المالكيان: مكة أفضل، والتفضيل يعم الفرض والنفل، والصلاة في مسجد المدينة تزيد على فضيلة الألف فيما سواه إلا المسجد الحرام لأنها تعادل. بل هي زائدة على الألف كما صحرت به الأحاديث أفضل من ألف صلاة وخير من ألف صلاة ونحوه. قال العلماء: وهذا فيما يرجع إلى الثواب. فثواب صلاة فيه يزيد على ثواب ألف فيما سواه. واعلم أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده. فينبغي أن يحرص المصلي على ذلك ويتفطن. أهـ باختصار ص 166 جـ 9.

صلَّى في مسجدي أربعين صلاةً لا تفوته صلاة كتبتْ له براءة من النار (¬1)، وبراءة من العذاب، وبريءَ من النِّفاق (¬2). رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح، والطبراني في الأوسط، وهو عند الترمذي بغير هذا اللفظ. 7 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرَّجلِ في بيته بصلاةٍ، وصلاته في مسجد القبائل بخمسِ وعشرين صلاةً، وصلاة في المسجدِ الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاةٍ، وصلاة في المسجد الأقصى (¬3) بخمسين ألف صلاةٍ، وصلاة في مسجدي بخمسين ألف صلاةٍ، وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاةٍ. رواه ابن ماجه، ورواته ثقات إلا أن أبا الخطاب الدمشقي لا تحضرني الآن ترجمته، ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة أحد إلا ابن ماجه، والله أعلم. 8 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائهِ، فقلتُ: يا رسول الله أيُّ المسجدين الذي أسِّس على التَّقوى؟ فأخذ كفًا من حصباء، فضرب به الأرض، ثمَّ قال: هو مسجدكم هذا، لمسجد المدينة (¬4). رواه مسلم والترمذي والنسائي، ولفظه قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسِّس على التقوى من أوَّل يوم، فقال رجلٌ: هو مسجد قباء، وقال رجلٌ: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو مسجدي هذا. 9 - وعنْ سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: اختلف رجلان في المسجد الذي أسِّس على التقوى. فقال أحدهما: هو مسجد المدينة، وقال الآخر: هو مسجد قباء فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هو مسجدي هذا. رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) إجازة ونجاة، وفيه الترغيب بكثرة الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم، وطيب المقام هناك، والحث على أداء الفرائض فيه. صلى الله عليه وسلم يا رسول الله. لن يوجد أفضل من يحاورك، ويقيم بمدينتك ويحافظ على صلاته في مسجدك، وإني أتضرع إلى الله تعالى أن يمن وعلى المسلمين بالتوفيق، وإدراك هذا الثواب إنه معين وهاب. (¬2) أبعد عنه الخداع والكذب. (¬3) مسجد بيت المقدس. (¬4) هذا نص بأن المسجد الذي أسس على التقوى المذكور في القرآن ورد كما يقول بعض المفسرين أنه مسجد قباء، وأما أخذه صلى الله عليه وسلم الحصباء وضربة الأرض. فالمراد به المبالغة في الإيضاح لبيان أنه مسجد المدينة. والحصباء كذا ع ص 406 بالمد: الحصي الصغار. أهـ نووي ص 169 جـ 9.

10 - وعنْ أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاةٍ، والصَّلاة في مسجدي بألف صلاةٍ، والصلاة في بيت المقدس بخمائة صلاةٍ. رواه الطبراني في الكبير، وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه قال: صلاة في المسجد الحرام أفضل مما سواه من المساجد بمائة ألف صلاةٍ، وصلاة في مسجد المدينة أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه، وصلاة في مسجد بيت المقدس أفضل مما سواه من المساجد بخمسمائة صلاةٍ. ورواه البزار، ولفظه قال: فضلُ الصلاة في المسجد الحرام على غيره بمائة ألف صلاةٍ، وفي مسجدي ألف صلاةٍ وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاةٍ، وقال البزار: إسناده حسن، كذا قال. 11 - وروي عن بلال بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رمضان بالمدينة خير من ألف رمضان فيما سواها من البلدان، وجمعة بالمدينة خير من ألف جمعةٍ فيما سواها من البلدان. رواه الطبراني في الكبير. 12 - وعنْ عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما فرغ سليمان بن داود عليهما السلام من بناء بيت المقدس سأل الله عزَّ وجلَّ ثلاثاً: أنْ يؤتيه (¬1) حكماً يصادف حكمه، وملكا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، وأنَّّ لا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمَّا اثنتين فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة. رواه أحمد والنسائي، وابن ماجه، واللفظ له، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم أطول من هذا، وقال: صحيح على شرطهما، ولا علة له. 13 - وعنْ أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي خير من ألف صلاةٍ فيما سواه من المساجد إلا المسجد الأقصى. رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح. ¬

(¬1) أن يؤتيه. كذا وع ص 407، وفي ن ط: أن يعطيه. فيه الترغيب في الصلاة في مسجد بيت المقدس رجاء غفران الذنوب كلها.

14 - وعنْ أبي ذرٍ رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيت المقدس أفضل، أو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلواتٍ، ولنعمَ المصلي، هو أرض المحشرِ والمنشرِ، وليأتينَّ على الناس زمان، ولقيد سوطٍ، أو قال: قوس الرَّجل حيث يرى منه بيت المقدس خير له، أو أحبُّ إليه من الدنيا جميعاً. رواه البيهقي بإسناد لا بأس به. وفي متْنه غرابة. 15 - وعنْ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصَّلاة في مسجدي هذا أفضل من ألفِ صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، والجمعة في مسجدي هذا أفضل من ألف جمعةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وشهر رمضان في مسجدي هذا أفضل من ألف شهرِ رمضان فيما سواه إلا المسجد الحرام. رواه البيهقي ورواه أيضاً هو وغيره من حديث ابن عمر بنحوه، وتقدم حديث بلال مختصراً. 16 - وعنْ أسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنه، وكان من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم يحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: صلاة في مسجد قباء كعمرةٍ. رواه الترمذي، وابن ماجه، والبيهقي، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. (قال الحافظ): ولا نعرف لأسيد حديثاً صحيحاً غير هذا، والله أعلم. 17 - وعنْ سهل بن حنيفٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ تطهَّر في بيته، ثمَّ أتى مسجد قباء، فصلَّى (¬1) فيه صلاة كان له كأجر عمرةٍ. رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، واللفظ له، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد والبيهقي، وقال: رواه يوسف بن طهمان عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن النبي صلى الله ¬

(¬1) فصلى. كذا ط وع ص 408، وفي ن د: فيصلى، وقباء: موضع بقرب مدينة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الجنوب نحو ميلين، وهو بضم القاف، يقصر ويمد، ويصرف ولا يصرف. أهـ مصباح. قال النووي: وهو قريب من المدينة من عواليها، وفي هذه الأحاديث بيان فضله وفضل مسجده، والصلاة فيه وفضيلة زيارته، وأنه تجوز زيارته راكبا وماشيا، وهكذا جميع المواضع الفاضلة تجوز زيارتها راكبا وماشيا، وفيه أن يستحب أن تكون صلاة النفل بالنهار ركعتين كصلاة الليل، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وفيه خلاف أبي حنيفة. أهـ ص 171 جـ 9.

عليه وسلم بمعناه، وزاد: ومنْ خرج على طهرٍ لا يريد إلا مسجدي هذا، يريد مسجد المدينة ليصلي فيه كانتْ بمنزلة حجَّةٍ. (قال الحافظ): انفرد بهذه الزيادة يوسف بن طهمان، وهو واهٍ، والله أعلم. 18 - وروي الطَّبراني في الكبير عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من توضَّأ فأحسن الوضوء، ثمَّ دخل مسجد قباء، فيركع فيه أربع ركعاتٍ كان ذلك عدل رقبةٍ (¬1). 19 - وروي عن كعب بن عجرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ توضَّأ فأسبغ الوضوء ثمَّ عمد إلى مسجد قباء لا يريد غيره، ولا يحمله على الغدوِّ إلا الصلاة في مسجد قباء، فصلَّى فيه أربع ركعاتٍ يقرأ في كلِّ ركعةٍ بأمِّ القرآن كان له كأجرِ المعتمر إلى البيت الله تعالى. رواه الطبراني في الكبير، وهذه الزيادة في الحديث منكرة. 20 - وعنِ ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يزور قباء، أوْ يأتي قباء راكباً وماشياً. زاد في رواية: فيصلِّي فيه ركعتين. رواه البخاري ومسلم. 21 - وفي رواية للبخاري والنسائي: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد (¬2) قباء كلَّ سبتٍ راكباً وماشياً، وكان عبد الله يفعله. 22 - وعن عامر بن سعدٍ، وعائشة بنت سعدٍ سمعا أباهما رضي الله عنه يقول: لأن أصلِّي في مسجد قباء أحبُّ إليَّ منْ أن أصلِّي في مسجد بيت المقدس. رواه الحاكم، وقال: إسناده صحيح على شرطهما. 23 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه شهد جنازةً بالأوساط في دار سعد بن عبادة فأقبل ماشياً إلى بني عمرو بن عوف بفناء الحارث بن الخزرج، فقيل له، أينَ ¬

(¬1) ثواب من أعتق رقبة. (¬2) يأتي مسجد. كذا د وع، وفي ن ط: يأتي في مسجد.

الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات، وما جاء في فضلها وفضل أحد ووادي العقيق

تؤمُّ يا أبا عبد الرَّحمن؟ قال: أوْم هذا المسجد في بني عمرو بن عوف، فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى فيه كان كعدل (¬1) عمرة. رواه ابن حبان في صحيحه. 24 - وعنْ جابر، يعني ابن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثاً: يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصَّلاتين فعرف البشر فيوجهه. قال جابر: فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخَّيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة. رواه أحمد والبزار وغيرهما، وإسناد أحمد جيِّد. (الترغيب في سكنى المدينة إلى الممات وما جاء في فضلها) وفضل أُحُد، ووادي العقيق (قال الحافظ) تقدم في الباب قبله مما ينتظم في سلكه، ويقرب منه حديث بلال بن الحارث رمضان (¬2) بالمدينة خيرٌ من ألفِ رمضانٍ فيما سواها من البلدان، وجمعة بالمدينة خير من ألف جمعةٍ فيما سواها البلدان، وحديث جابر أيضا، وفيه: إلا المسجد الحرام. 1 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يصبر على لأواء المدينة وشدَّتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة، أوْ شهيداً (¬3). رواه مسلم والترمذي وغيرهما. ¬

(¬1) يساوي ثواب عمرة. (¬2) إن تعبد الله وتطعمه، وتعمل صالحا في رمضان بالمدينة. يضاعف الثواب، ويزداد الأجر، وكذا زيادة ثواب إدراك الجمعة بالمدينة لأن الله تعالى فضلها، واختارها قبرا لحبيبه صلى الله عليه وسلم، وفيها أنواره وبهاؤه، وهناك يتجلى الإيمان، وتخشع القلوب لله جل وعلا، ثم استثنى صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام. فإن ثواب العبادة فيه مضاعفة الأجر. (¬3) قال النووي: قال القاضي: أو هنا للتقسيم، ويكون شهيدا لبعض أهل المدينة، وشفيعاً لبقيتهم. إما شفيعا للعاصين، وشهيداً للمطيعين، وإما شهيداً لمن مات في حياته، وشفيعاً لمن مات بعده أو غير ذلك. قال القاضي: وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين أو للعاملين في القيامة، وعلى شهادته على جميع الأمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد: (أنا شهيد على هؤلاء) فيكون لتخصيصهم بهذا كله مزيد، أو زيادة منزلة وخطوة. =

2 - وعنْ أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يصبر أحد على لأوائها إلا كنت له شفيعاً، أو شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً. رواه مسلم. (اللأواء) مهموزا ممدودا: هي شدة الضيق. 2 - وعن سعدٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنِّي أحرِّمُ ما بين لابتي المدينة: أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها، وقال: المدينة خير لهمْ لوْ كانوا يعلمون لا يدعها أحد رغبة إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبتُ أحد لعى لأوائها وجهدها إلا كنتُ له شفيعاً، أو شهيداً يوم القيامة. زاد في رواية: ولا يريد أحد أهل (¬1) المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوْبَ الرَّصاص، أوْ ذوْب الملح في الماء. رواه مسلم. ¬

= قال وقد تكون أو بمعنى الواو. فيكون لأهل المدينة شفيعاً وشهيداً إلى أن قال: فاختصاص أهل المدينة بهذا مع ما جاء من عمومها، وادخارها لجميع الأمة. إن هذه شفاعة أخرى غير العامة التي هي لإخراج أمته من النار، ومعافاة بعضهم منها بشفاعته صلى الله عليه وسلم في القيامة، وتكون هذه الشفاعة لأهل المدينة بزيادة الدرجات، أو تخفيف الحساب، أو بما شاء الله من ذلك، أو بإكرامهم يوم القيامة بأنواع من الكرامة كإيوائهم إلى ظل العرش، أو كونهم في روح وعلى منابر، أو الإسراع بهم إلى الجنة، أو غير ذلك من خصوص الكرامات الواردة لبعضهم دون بعض والله أعلم. أهـ ص 137 جـ 9. رب إني أحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأود أن أسكن المدينة. فهل تتفضل علي بإجابة طلبي؟ رب هب لي المتاب، واغفر ذنوبي، وأرني النبي صلى الله عليه وسلم لأحظى بمشاهدة محياه السني في حياتي صلى الله عليه وسلم. رب أنفعني بسنته، ووفقني للعمل بشريعته، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين. (¬1) أحد أهل. كذا ط وع ص 410، وفي ن د: لأهل. قال القاضي هذه الزيادة: وهي قوله في النار تدفع إشكال الأحاديث التي لم تذكر فيها هذه الزيادة، وتبين أن هذا حكمه في الآخرة. قال: وقد يكون المراد به من أرادها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. كفى المسلمون أمره، واضمحل كيده كما يضمحل الرصاص في النار. قال: وقد يكون في اللفظ تأخير وتقديم: أي أذابه الله ذوب الرصاص في النار ويكون ذلك لمن أرادها في الدنيا فلا يهمله الله، ولا يمكن له سلطانا. بل يذهبه عن قرب كما انقضى شأن من حاربها أيام بني أمية مثل مسلم ابن عقبة فإنه هلك في منصرفه عنها، ثم هلك يزيد بن معاوية مرسله على أثر ذلك، وغيرهما ممن صنع صنيعهما. قال: وقيل قد يكون المراد من كادها اغتيالا، وطلباً لغرتها في غفلة. فلا يتم له أمره، بخلاف من أتى ذلك جهاراً كأمراء استباحوها. أهـ ص 138 جـ 9 شرح النووي، وذلك مشاهد. فإن الله تعالى حفظها من كيد الأعداء وأحاطها بسياح الأمن العام، والطمأنينة التامة، والبركة، وطيب الهواء العليل البليل، والصحة الكاملة، والنعمة الشاملة، ووالله زاملنا في الطريق أخ صالح وصاحبنا مدة أعمال الحج، ولما انتهينا فارقنا بجدة، وأراد الذهاب إلى المدينة المنورة، وإن به حمى شديدة، وبعينيه رمد وألم، وأخذ به الضعف كل مأخذ، ويبكي كثيرا شوقا =

(لابتا المدينة) بفتح الباب مخففة: هو حرّتاها، وطرفاها. (والعضاه) بكسر العين المهملة، وبالضاد المعجمة، وبعد الألف هاء، جمع عضاهة: وهي شجرة الخمط، وقيل: بل كل شجرة ذات شوك، وقيل: ما عظم منها: 4 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأتينَّ على أهل المدينة زمان ينطلق الناس منها إلى الأرياف يلتمسون الرَّخاء فيجدون رخاءً، ثمَّ يأتون فيتحمَّلون بأهليهم إلى الرَّخاء، والمدينة (¬1) خير لهمْ لو كانوا يعملون. رواه أحمد والبزار واللفظ له، ورجاله رجال الصحيح. (الأرياف) جمع ريف، بكسر الراء، وهو: ما قارب المياه في أرض العرب، وقيل: هو الأرض التي فيها الزرع والخصب، وقيل غير ذلك. 5 - وعن سفيان بن أبي زهيرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تفتحُ اليمن، فيأتي قوم يبسُّون (¬2) فيتحمَّلون بأهْليهمْ، ومنْ أطاعهمْ، والمدينة خير لهمْ لوْ كانوا يعلمون، وتفتح الشَّام: فيأتي قوم يبسُّون فيتحملون بأهليهم ومنْ أطاعهمْ، والمدينة خير لهمْ لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم بيسُّون فيتحمَّلون بأهليهمْ ومن أطاعهم، والمدينة خيرٌ لهمْ لوْ كانوا يعلمون. رواه البخاري ومسلم. (البسّ) السَّوْق الشديد، وقيل: البسّ: سرعة الذهاب. 6 - وعن أبي أسيدٍ السَّاعديِّ رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله ¬

= إلى زيارة قبره الشريف عليه الصلاة والسلام. فأجاب الله بغيته، وأعانه على طلبته فتمتع بمشاهدة الأنوار المحمدية. وجاء لنا سليما معافي يحوطه البهاء، وتعلوه المهابة، ويزفه الفوز والنجاح، وشفي الله عينه وأصح جسمه، وأكسبه النضارة والهناء ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬1) الإقامة بالمدينة خير لهم، وفيه الترغيب بحب المدينة، واختيار المقام فيها حبا في كثرة الثواب، ومجاورة الرسول صلى الله عليه وسلم. (¬2) يبسون بضم الباء وكسرها: أي ينتشرون في اليمن طالبين الخيرات الكثيرة، ويزجرون أهليهم على متابعتهم والسيل على منوالهم طمعاً في كثرة الرزق وسعة العيش، وفي النهاية يقال: بست الناقة، وأبسستها: إذا سقتها وزجرتها وقلت لها: بس بكسر الباء وفتحها، وفي المصباح: بس الإبل، وأبسها: زجرها، وقال لها: بس بس، ثم ذكر الحديث، والمعنى ستتسع أملاك السملمين، ويزداد العمران فتطمع الناس في الإقامة في غير المدينة جلباً للأموال الوفيرة، ويحثون أهليهم على اللحوق بهم ويزجرونهم، ولكن المدينة خير لهم مسكناً وجواراً، وطاعة وعبادة، ورزقا حلالا وقناعة، وأنواراً، وبهاء وجمالاً.

عليه وسلم على قبر حمزة بن عبد المطلب فجعلوا يجرُّون النَّمرة على وجههِ فتنكشف قدماه ويجرُّونها على قدميهِ فينكشف وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها على وجههِ، واجعلوا على قدميه من هذا الشَّجرِ. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فإذا أصحابه يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف فيصبون منها مطعماً (¬1) وملبساً ومركباً، أوْ قال: مراكب فيكتبون إلى أهليهمْ: هلمَّ إلينا، فإنَّكم بأرض حجازٍ جدوبة، والمدينة خيرٌ لهمْ لوْ كانوا يعلمون. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. (النمرة) بفتح النون، وكسر الميم: وهي بردة من صوف تلبسها الأعراب 7 - وعنْ عمر رضي الله عنه قال: غلا السَّعرُ بالمدينة فاشتدَّ الجهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصبروا وأبشروا، فإنَّي قد باركت على صاعكمْ ومدِّكمْ، وكُلوا ولا تتفرَّقوا، فإنَّ طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الخمسة والسِّتَّة، وإن البركة في الجماعة، فمنْ صبر على لأوائها وشدَّتها كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة، ومنْ خرج عنْها رغبةً عمَّا (¬2) فيها أبدل الله به منْ هو خير منها فيها، ومنْ أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء رواه البزار بإسناد جيِّد. ¬

(¬1) منها مطعما. كذا د وع ص 411، وفي ن ط: فيها مطعماً. تنبأ صلى الله عليه وسلم بالانتشار الإسلام، واتساع بلاده، وزيادة أرزاق أهله. فيحثون أهليهم على الهجرة من المدينة إلى حيث النعيم المقيم والخيرات الجمة، والنعم العديدة. صلى الله عليك يا رسول الله. نعم إن الإقامة بالمدينة خير. فيها أنوارك المشرقة والإيمان بالله ورسوله المتدفق، والطاعة التامة لله ورسوله، والنفس المطمئنة الراغبة عن الدنيا المائلة إلى تشييد الصالحات، المكثرة من ذكر الله تعالى واستغفاره، والصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم الدائبة في التحلي بالمكارم المجتهدة في التكميل والتجميل، والتحصيل المتشرفة بزيارة قبرك الشريف. المصلية في روضة من رياض الجنة كما أخبرت يا رسول الله. هذا إلى بعدهما من الشيطان وغوايته. قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) 24 من سورة هود (وأختبوا) أي أطمأنوا إليه وخشعوا له، من الخبت وهو الأرض المطمئنة (خالدون) دائمون. أهـ. بيضاوي. ولا تجد أدعى إلى غرس الإيمان، والباعث على زيادة الطاعات مكانا غير المدينة المنورة المباركة. (¬2) كرها عما فيها وزهدا فيها، وانتظار مكان أحسن منها. ساق الله إلى المدينة من هو أحسن من الراحل وأفضل وأخيرا منه.

8 - وعنْ أفلح موْلى أبي أيُّوب الأنصاري أنَّه مرَّ بزيد بن ثابتٍ، وأبي أيُّوب رضي الله عنهما، وهما قاعدان عند مسجد الجنائز، فقال أحدهما: لصاحبه تذكر حديثاً حدَّثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد الذي نحن فيه؟ قال: نعمْ، عن المدينة سمعتهُ، بزعمُ أنه سيأتي على الناس زمانٌ تفتح فيه فتحات الأرض فتخرج إليها رجالٌ يصيبون رخاء وعيشا وطعاماً، فيمرُّون على إخوانٍ لهمْ حجَّاجاً، أو عمَّاراً، فيقولون: ما يقيمكمْ في لأواء العيش، وشدَّة الجوع؟ فذاهب وقاعد، حتى قالها مراراً، والمدينة خير لهم (¬1) لا يثبت بها أحد فيصبر على لأوائها وشدَّتها حتى يموت إلا كنتُ له يوم القيامة شهيداً أوْ شفيعاً. رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد، ورواته ثقات. 9 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استطاع أن يموت (¬2) بالمدينة فليمتْ بها، فإنِّي أشفع (¬3) لمن يموت بها. رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والبيهقي، ولفظ ابن ماجه: من استطاع منكمْ أن يموت بالمدينة فليفعلْ، فإنِّي أشهد لمن مات بها. 10 - وفي رواية للبيهقي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكمْ أن يموت بالمدينة فليمتْ فإنَّه من مات بالمدينة شفعتُ له يوم القيامة. 11 - وعن الصُّميتة امرأةٍ من بني ليثٍ رضي الله عنها أنَّها سمعتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من استطاع منكمْ أن لا يموت إلا بالمدينة فليمتْ بها فإنه من يمتْ بها نشفع له، أو نشهد له، رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي. 12 - وفي رواية للبيهقي: أنَّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من استطاع أن يموت بالمدينة فليمتْ، فمن مات بالمدينة كنتُ له شفيعاً أو شهيداً. 13 - وعن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استطاع منْكمْ أن يموت بالمدينة فليمتْ، فإنَّه لا يموت بها أحد إلا كنت له ¬

(¬1) في ن د زيادة (لو كانوا يعلمون). (¬2) استطاع أن يموت. كذا د وع ع، وفي ن ط: زيادة منكم. (¬3) أرجو له النجاة من الأهوال، وأتضرع إلى المولى جل وعلا أن يغفر له.

شفيعاً، أو شهيداً يوم القيامة. رواه الطبراني في الكبير، ورواته محتجّ بهم في الصحيح إلا عبد الله بن عكرمة، روي عنه جماعة ولم يخرجه أحد، وقال البيهقي: هو خطّاءٌ، وإنما هو عن صميتة كما تقدم. 14 - وعن امرأةٍ يتيمةٍ كانتْ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقيفٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استطاع منْكمْ أن يموت بالمدينة فليمتْ، فإنَّه من مات بها كنْتُ له شهيداً، أو شفيعاً يوم القيامة. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. 15 - وعنْ حاطبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ زارني بعد موتي فكأنَّما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين (¬1) بُثَ من الآمنين يوم القيامة: رواه البيهقي عن رجل من آل حاطب له يسمه عن حاطب. 16 - وعن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من زار قبري، أو قال: من زارني كنت له شفيعاً، أو شهيداً يوم القيامة، ومنْ مات في أحدِ الحرمين بعثه الله في الآمنين (¬2) يوم القيامة. رواه البيهقي وغيره عن رجل من آل عُمر لم يسمه عن عمر. 17 - وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في أحد الحرمين. بعث من الآمنين يوم القيامة، ومنْ زارني مُحتسباً (¬3) إلى المدينة كان في حواري يوم القيامة. رواه البيهقي أيضاً. (قال المملي) الحافظ رحمه الله، وقد صح من غير ما طريقٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الوباء والدّجال لا يدخلانها، اختصرت ذلك لشهرته. ¬

(¬1) بمكة أو المدينة أحياء الله آمنا من الأهوال، ناجيا مطمئنا لأن الله تعالى غفر له ذنوبه، وعفا عنه إكراما لهذه الأراضي المقدسة. (¬2) في الآمنين. كذا ط وع ص 413، وفي ن د: من الآمنين، وفيه الترغيب في الإقامة بمكة أو المدينة وجاء حسن الخاتمة، وإخلاص العمل لله، والانتفاع بطهارة هذه البقع المباركة التي وطئتها أقدام الأنبياء والأولياء. (¬3) طالبا الأجر من الله تعالى، مشتاقا لمشاهدة أنواري، مهاجراً لله ورسوله: طلب محبتي.

18 - وعنْ أبي قتادة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضَّأ، ثمَّ صلى بأرض سعدٍ بأرض الحرَّة عند بيوت السُّقيا، ثمَّ قال: اللهمَّ إنَّ إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعاك لأهل مكَّة، وأنا محمَّدٌ عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك به إبراهيم لمكَّة، ندعوك أن تبارك لهمْ في صاعهم ومدِّهمْ وثمارهم (¬1). اللهمَّ حبِّبْ إلينا المدينة كما حبَّبْت إلينا مكَّة، واجعل ما بها من وباء نجمٍ. اللهمَّ إني حرَّمت (¬2) ما بين لا بتيها (¬3) كما حرَّمت على لسان إبراهيم الحرم. رواه أحمد، ورجال إسناده رجال الصحيح. (خم) بضم الخاء المعجمة، وتشديد الميم: اسم غيضة بين الحرمين قريباً من الجحفة لا يولد بها أحد فيعيش إلى أن يحتلم إلا أن يرتحل عنها لشدة ما بها من الوباء والحمى بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأظن غدير خمْ مضافاً إليها. 19 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: كان الناس إذا رأوا أوَّل الثَّمر جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: اللهمَّ بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا (¬4)، وبارك لنا في صاعنا ومدِّنا. ¬

(¬1) يطلب صلى الله عليه وسلم وضع البركة في زراعة أهل المدينة ومحصولاتها: وأثمارها وقوتها، وقد أجاب الله الدعاء: رزق أهلها القناعة والرضا، وبارك في خيراتها، وجعلها شفاء من كل داء. قال النووي: هذا دليل لمن يقول إن تحريم مكة إنما هو كان في زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم، والصحيح أنه كان يوم خلق الله السماوات والأرض، وذكروا في تحريم إبراهيم: أ - حرمها بأمر الله تعالى له بذلك لا باجتهاده. ب - دعا لها فحرمها الله تعالى بدعوته فأضيف التحريم إليه لذلك. أهـ ص 134 جـ 9. (¬2) قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني حرمت) قال النووي: هذه الأحاديث حجة ظاهرة للشافعي ومالك وموافقيهما في تحريم صيد المدينة وشجرها، وأباح أبو حنيفة ذلك، واحتج له بحديث: (يا أبا عمير ما فعل النغير) وأجاب أصحابنا بجوابين: أحدهما: يحتمل أن يحديث النغير كان قبل تحريم المدينة، والثاني: يحتمل أنه صاده من الحل لا من حرم المدينة. والمشهور من مذهب مالك والشافعي والجمهور أنه لا ضمان في صيد المدينة وشجرها. بل هو حرام بلا ضمان. أهـ ص 134 جـ 9. (¬3) يريد المدينة. واللابتان الحرتان، واحدتهما لابة ولوبة ونوبة، وجمع القلة لابات، والكثرة لاب ونوب. أهـ نووي ص 135 جـ 9، والمراد تحريم المدينة ولايتيها. (¬4) قال العلماء: كانوا يفعلون ذلك رغبة في دعائه صلى الله عليه وسلم في الثمر، وللمدينة والصاع، والمد، وإعلاما له صلى الله عليه وسلم بابتداء صلاحها لما يتعلق بها من الزكاة وغيرها، وتوجيه الخالصين. أهـ نووي ص 146 جـ 9. =

اللهمَّ إنَّ إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإنِّي عبدك ونبيك وإنَّه دعاك لمكة، وإنِّي أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكَّة ومثله معه. قال: ثمَّ يدعو أصغر وليدٍ يراه فيعطيه ذلك الثَّمر (¬1). رواه مسلم وغيره. (قوله في صاعنا ومدّنا) يريد في طعامنا المكيل بالصاع والمد، ومعناه أنه دعا لهم بالبركة في أقواتهم جميعاً. 20 - وعنْ عائشة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهمَّ حبِّبْ إلينا المدينة كحُبِّنا مكَّة أو أشدَّ، وصصْها لنا، وبارك لنا في صاعها ومدِّها، وانقلُ حمَّاها فاجعلها بالجحفة (¬2). رواه مسلم وغيره، قيل إنما دعا بنقل الحمى إلى الجحفة لأنها كانت إذ ذاك دار اليهود. 21 - وعنْ عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنَّا عند السُّقيا التي كانت لسعدٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

= وماذا نصنع الآن؟ نكثر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ونقبل على العمل بشريعته صلى الله عليه وسلم ونكثر من ذكر الله وطاعته، ونزكي ليضع لنا البركة في مدنا وصاعنا وبلدنا: أ - (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون). ب - (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب. الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) 30 من سورة الرعد. (تطمئن) تكن إليه (طوبى) فعل من الطيب كبشرى وزلفى، ولهم خير عاقبة وأحسن نتيجة. ذكرت هاتين الآيتين استدلالا على أن العمل بكتاب الله وسنة رسوله يجلبان الخير، ويدفعان الضر ويسوقان البركة في الذرية والرزق، كما كان الصحابة يتبركون برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته نتبرك به صلى الله عليه وسلم وسلم أيضاً الآن، ونتقرب إلى الله تعالى ورسوله بالعكوف على الاستقامة كما استقامة أصحابه صلى الله عليه وسلم في عصره، واتباع تعاليمه، والعمل بإرشاده. فهو صلى الله عليه وسلم حي في قبره يفرحه صلاحنا، ويسره إقامة شرعه كما أمر الله تعالى. (¬1) فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق، وكمال الشفقة والرحمة، وملاطفة الكبار والصغار، وخص بهذا الصغير لكونه أرغب فيه، وأكثر تطلعاً إليه، وحرصاً عليه. أهـ نووي. (¬2) طلب صلى الله عليه وسلم من الله جل وعلا أن يحول أمراضها في مكان بعيد من المدينة رأفة بسكانها ومحبة فيهم. قال النووي: فيه دليل للدعاء على الكفار بالأمراض، والأسقام والهلاك، وفيه الدعاء للمسلمين بالصحة، وطيب بلادهم والبركة فيها، وكشف الضر والشدائد عنهم، وهذا مذهب العلماء كافة. وفي هذا الحديث علم من أعلام نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم. فإن الجحفة من يؤمئذ مجتنبه، ولا يشرب أحد من مائها إلا حم أهـ ص 150 جـ 9.

وسلَّم: اللهمَّ إنَّ إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهلِ مكَّة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك، وإنِّي أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهمْ في صاعهم ومدِّهم مثل ما باركت لأهل مكَّة، واجعل مع البركة بركتينِ. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد قوي. 22 - وعنْ أبي سعيدٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهمَّ بارك لنا في مدينتنا. اللهمَّ اجعلْ مع البركة بركتين، والذي نفسي بيده ما من المدينة شيء، ولا شعْبٌ (¬1) ولا نقْبٌ (¬2) إلا عليه ملكان يحرسانها. رواه مسلم في حديث. 23 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهمَّ اجعَلْ بالمدينة ضعفي ما جعلتَ بمكَّةَ من البركة. رواه البخاري ومسلم. 24 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: دعا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهمَّ بارك لنا في صاعنا ومدِّنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا، فقال رجلٌ من القومِ: يا نبيَّ الله وعراقنا؟ قال: إن بها قرن الشَّيطان، وتهيُّج الفتنِ، وإنَّ الجفاء بالمشرق. رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات. (قرن الشيطان) قيل معناه: أتباع الشيطان، وأشياعه، وقيل: شدته وقوته، ومجل ملكه وتصريفه، وقيل: غير ذلك. 25 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت في المنام امرأةً سوداء ثائرة الرَّأس خرجتْ حتى قامتْ بمهيعة، وهي: الجحفة، فأوَّلتُ أنَّ وباء المدينة نقل إلى الجحفة. رواه الطبراني في الأوسط، ورواة إسناد ثقات. ¬

(¬1) فرجة نافذة بين الجبلين. (¬2) طريق في الجبل. قال الأخفش: أنقاب المدينة: طرقها وفجاجها: قال النووي: فيه بيان فضيلة المدينة وحراستها في زمنه صلى الله عليه وسلم، وكثرة الحراس، واستيعابهم الشعاب زيادة في الكرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. أهـ ص 148 جـ 9. وأقول: إن الله حافظها وحارسها إكراما لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يزال يتفضل بحراستها سبحانه من كيد الأعداء، ويحيطها برعايته ولن يصيبها - والحمد لله ضير، ولن يلحقها أذى ما دامت السماوات والأرض وكثيرا ما صد عنها هجمات الملحدين، وأبعدها عن حملات الزنادقة الطاغين الظالمين. (فالله حافظاً وهو أرحم الراحمين).

(مهيعة) بفتح الميم، وإسكان الهاء بعدها ياء مثناة تحت، وعين مهملة مفتوحتين: اسم لقرية قديمة قديمة كانت بميقات الحج الشامي على اثنين وثلاثين ميلا من مكة، فلما أخرج العماليق بني عبيل إخوة عاد من يثرب نزولها فجاءهم سيل الجحاف بضم الجيم فجحفهم، وذهب بهم فسميت حينئذ الجحفة، بضم الجيم، وإسكان الحاء المهملة. 26 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المدينة قبَّة الإسلام (¬1)، ودار الإيمان، وأرض الهجرةِ (¬2) ومثوى الحلال والحرام. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به. 27 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيرُ ما ركبتْ إليه الرَّواحل مسجد إبراهيم (¬3) صلى الله عليه وسلم، ومسجدي (¬4). رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: مسجدي هذا، والبيت المعمور. وابن حبان في صحيحه، ولفظه: إنَّ خير ما ركبتْ إليه الرَّواحل مسجدي هذا، والبيت العتيق. (قال الحافظ). وقد صح من غير ما طريقٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشدُّ الرَّواحل إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى. 28 - وعنْ سعدٍ رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك تلقَّاه رجالٌ من المتخلِّفين من المؤمنين فأثار غباراً فخمَّر (¬5) بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفه، فأزال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللِّثام عن وجههِ، وقال: والذي نفسي بيدهِ إنَّ في غبارها (¬6) شفاء من كلِّ داء. قال: وأراه ذكر، ومن الجذم، والبرص. ذكره رزين العبدري في جامعة، ولم أره في الأصول. 29 - وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: التمس لي غلاماً من غلْمانكم يخدمني، فخرج أبو طلحة يرد فني وراءه ¬

(¬1) بيت مستدير، والمراد أنها مأوى الأعمال الصالحة، وفيها تقام أركان الإسلام ويتمثل فيها العمل الصالح. (¬2) مكان إقامة. (¬3) البيت الحرام. (¬4) مسجد المدينة. (¬5) فغطى. (¬6) معناه استنشاق نسيمها يشفي العليل، وبريحها يبرأ السقيم، وجوها صحي، وغبارها مسكي.

فكنت أخدمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّما نزل. قال: ثمَّ أقبل حتى إذا بدا له أحد قال: هذا جبل يحبُّنا ونحبُّه (¬1) فلما أشرف على المدينة قال: اللهمَّ إني أحرِّم ما بين جبليها مثل ما حرَّم إبراهيم مكَّة ثمَّ قال: اللهمَّ بارك لهمْ في مدِّهم وصاعهمْ. رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. (قال الخطابي): في قوله: هذا جبل يحبنا ونحبه، أراد به أهل المدينة وسكانها، كما قال تعالى: واسئل القرية: أي أهل القرية. قال البغوي: والأولى إجراؤه على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء والأولياء، وأهل الطاعة كما حنت الاسطوانة على مفارقته صلى الله عليه وسلم، حتى سمع القوم حنينها إلى أن سكنَّها، وكما أخبر أن حجراً كان يسلم عليه قبل الوحي، فلا ينكر عليه، ويكون جبل أحد، وجمع أجزاء المدينة تحبه، وتحنّ إلى لقائه حالة مفارقته إياها. (قال الحافظ) وهذا الذي قال البغوي حسن جيِّد، والله أعلم. 30 - وقد روي الترمذي من حديث الوليد بن أبي ثور، عن السدي عن عبادة ابن أبي يزيد، عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمكِّة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجرٌ إلا وهو يقول: السَّلام عليك يا رسول الله. وقال الترمذي: حديث حسن غريب. 31 - وعنْه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أحدٌ جبلٌ ¬

(¬1) الصحيح المختار أن معناه أن أحداً يحبنا حقيقة، جعل الله تعالى فيه تمييزا يحب به كما قال سبحانه وتعالى (وإن منها لما يهبط من خشية الله) وكما حن الجذع اليابس، وكما سبح الحصى، وكما فر الحجر بثوب موسى صلى الله عليه وسلم، وكما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي)، وكما دعا الشجرتين المفترقتين فاجتمعتا، وكما رجف حراء فقال: (اسكن حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق) الحديث. وكما كلمه ذراع الشاة، وكما قال سبحانه وتعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) والصحيح في معنى هذه الآية كل شيء يسبح حقيقة بحسب حاله ولكن لا نفقه، وقيل يحبنا أهله. أهـ ص 140 جـ 9. أي أخي إذا كان الجبل ميزة الله بإدراك يحب خير الخلق صلى الله عليه وسلم. فما بالك أيها العاقل تقصر في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن علامة المحبة أن تعمل بشريعته، وتكثر من ذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتشوق لزيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم مع أداء فريضة الحج، وتقبل على طاعة الله سبحانه وتعالى.

يُحبُّنا ونُحبهُ، فإذا جئتموه فكلوا من شجرهِ (¬1) ولوْ منْ عاضهِ. رواه الطبراني في الأوسط من رواية كثير بن زيد. 32 - ورواه ابن ماجة من رواية محمد بن اسحق عن عبد الله بن مكنف عن أنس، وهذا إسناد واهٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ جبل (¬2) أحدٍ يُحبنا ونحبُّه، وهو على ترعةٍ من ترع الجنَّة، وعير على ترْعةِ من ترعِ النَّار. (قال المملي) رضي الله عنه: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ما طريقٍ وعن جماعة من الصحابة أنه قال لأحدٍ: هذا جبلٌ يُحبنا ونحبُّه. والزيادة على هذا عند الطبراني غريبة جدا. (العضاه) تقدم (والترعة) بضم التاء المثناة فوق، وسكون الراء بعدها عين مهملة مفتوحة: هي الروضة، والباب أيضا، وهو المراد في هذا الحديث. فقد جاء مفسرا في حديث أبي عنبس ابن جبر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأحدٍ: ¬

(¬1) أي خذوا من أشجاره بركة عسى الله أن يشملكم برضاه، ويرحمكم تفضلا جزاء، تبرككم به. فلا مانع من التبرك بالصالحين، واقتفاء آثارهم ومصاحبتهم، وأخذ شيء منهم تبركا ومحبة لله المعطي، وقد صح عن الترمذي رحمه الله تعالى: تسليم الجبل والشجر عليه صلى الله عليه وسلم. لا شك أن كل شيء خلقه الله يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشرح صدره لذكر اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل مشاهدة محياه، ورؤية طلعته البهية، والمسلمون الآن مقصرون في واجب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعرفوا عظيم مقداره، وأرجوا أن نوفق للعمل بشريعته، والإكثار من الصلاة عليه عسى أن نبلغ بمحبته الدرجات العالية إن شاء الله تعالى. (¬2) الجبل الذي بالمدينة، وفي النهاية (إذا أراد الله بعد شر أمسك عليه بذنوبه حتى يوافيه يوم القيامة كأنه عير). بالعير: الحمار الوحشي، وقيل أراد الجبل الذي بالمدينة اسمه عير، شبه عظم ذنوبه به. أهـ. فأنت ترى أمكنة مباركة يتيمن بها، وأمكنة قذرة خبيثة يتباعد عنها. وفي الحديث (حرم ما بين عير إلى ثور) أي جبلين بالمدينة، وقيل ثور بمكة، وفي النهاية، وقيل بمكة جبل يقال له عبر أيضاً. ولقد صدقت أن فيه أمكنة طاهرة صالحة للتبرك بها، وأنها لا تضر ولا تنفع. بل تكسبني مهابة في الله، وإجلالا في الله ومحبة في الله. لأنها شرفت بأقدام الأنبياء والمرسلين، والأولياء المتقين مشوا فيها وساروا فيها وجلسوا فيها، وحاربوا فيها، وعبدوا الله فيها. ودفنوا فيها مثل جبل أحد. كما أن فيه أمكنة فيها الشر، ومنبع الضير، ومعين الضرر، والبعد عنها غنيمة، وهجرها نجاح مثل عير والجحفة وأمثالهما، وأعتقد أن أرضاً ضمت: جدث ولي صالح وعابد متق لمباركة لأن الله تعالى كما وعد بإكرام عباده المتقين يكرم من التجأ إليه زائرا قبره متبعاً سنة رسوله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور، وأعتقد أن أضرحة الصالحين والمساجد التي يذكر فيها اسم الله يبقى أثرها في الجنة (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات) فعليك أخي بزيارة الصالحين والجلوس في مجلس العلم لتربح.

الترهيب من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء

هذا جبل يحبُّنا ونحبُّه، على بابٍ من أبواب الجنَّةِ، وهذا عير: جبل يبغضنا ونبغضه، على بابٍ منْ أبواب النَّار. رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط. 33 - وروي عنْ سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحد ركن من أركان الجنَّة. رواه أبو يعلي والطبراني في الكبير. 34 - وعنْ سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كُنتُ أرمي الوحش وأصيدها وأهدي لحمها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما لوْ كنْتَ تصيدها بالعقيق لشيَّعْتك إذا ذهبتَ، وتلقيتك إذا جئت، فإنَّي أحبُّ العقيق (¬1). رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. 35 - وعنْ عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني آتٍ وأنا بالعقيق فقال: إنَّك بوادٍ مباركٍ (¬2). رواه البزار بإسناد جيد قويّ. 36 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حدَّثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني الليلة آتٍ من ربِّي، وأنا بالعقيق: أن صلِّ في هذا الوادي المبارك رواه ابن خزيمة في صحيحه. (الترهيب من إخافة أهل المدينة أو إرادتهم بسوء) 1 - عنْ سعدٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: لا يكيد أهل المدينة أحد (¬3) إلا انماع (¬4) كما ينماع الملح في الملح. رواه البخاري ومسلم. 2 - وفي رواية لمسلم: ولا يريد أحد أهل المدينة بسوءٍ إلا أذابه الله في النَّارِ ¬

(¬1) واد من أودية المدينة مسيل للماء، وإنه واد مبارك. أهـ نهاية. (¬2) كثير الخير تشمل أهله رحمة الله، وسبقته دعوة مستجابة من ساكنيه الصالحين، والعمل فيه مضاعف الثواب. (¬3) أي لا يفعل بهم كيدا من مكر وحرب وغير ذلك من وجوه الضرر بغير حق أهـ شرقاوي ص 140 جـ 2. (¬4) ذاب كما يذوب ملح الطعام في الماء. والمعنى أن الله تعالى تفضل فحفظ أهل المدينة من كل أذى، ووقاهم ربهم شر الأشرار، ورد كيدهم في نحرهم محبة في حبيبه صلى الله عليه وسلم. فيهنأ مجاوروه، وليسعدوا فالله عنهم راض وخير واق. ما أطيب هواءها، وما أعذب ماءها، وما أشد كرم أهلها. هذا إلى وعد الله بارتفاع سكانها، وعظم أمنهم، وطرد الباغي الظالم فيها.

ذوْبَ الرَّصاص، أوْ ذوْبَ الملح في الماء. وقد روي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة في الصحاح وغيرها. 3 - وعنْ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن أميراً من أمراء الفتنةِ قدم المدينة، وكان قد ذهب بصرُ جابرٍ، فقيل لجابر: لوْ تنحَّيْتَ عنه فخرج يمشي بين ابنيهِ فانكبَّ (¬1)، فقال: تعسَ من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابناه أوْ أحدهما: يا أبتاه: وكيف أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مات؟ فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبيَّ (¬2). رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 4 - ورواه ابن حبان في صحيحه مختصرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ أخاف أهل المدينة أخافه الله (¬3). 5 - وعنْ عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: اللهمَّ من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (¬4)، ولا يُقبل منه صرف، ولا عدلٌ. رواه الطبراني في الأوسط والكبير بإسناد جيد. ¬

(¬1) فانكب: أي عثر وانكب لوجهه. يقال تعس يتعس: وهو دعاء عليه بالهلاك، ومنه حديث الإفك: تعس مسطح. (¬2) الذي يؤلم أهل المدينة يؤلمه صلى الله عليه وسلم في قبره، ومن أدخل عليهم الرعب والفزع أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفزع قلبه، وأزال اطمئنانه، وأعلن الحرب عليه صلى الله عليه وسلم: أي خرج من الدين وضل وبغى فحاز غضب الرسول صلى الله عليه وسلم. (¬3) سلط عليه الأعداء، وأوجد عنده الرعب، وأصابه الفزع. فيه ترغيب الولاة والحكام باستعمال العدل والرأفة، والسي على منهج الله ورسوله، والحق يتبع، والظلم يجتنب. (¬4) استحق أن الله يطرده من رحمته، ويقصيه من جنته، ويبعده من رضوانه وكذا تلعنه الملائكة، وتطلب من الله عذابه وشدة عقابه. قال القاضي: واستدلوا بهذا على أن سذلك من الكبائر لأن اللعنة لا تكون إلا في الكبيرة، ومعناه أن الله تعالى يلعنه، وكذا تلعنه الملائكة والناس أجمعون، والمراد باللعن العذاب الذي يستحقه على ذنبه، والطرد عن الجنة أول الأمر، وليست هي كلعنه الكفار الذي يبعدون من رحمة الله تعالى كل الإبعاد، والله أعلم. أهـ ذووي ص 141 جـ 9. خلاصة فضائل المدينة المنورة والأماكن المقدسة أولا: مضاعفة الثواب في مساجدها وكثرة الحسنات فيها إلى ألف. ثانياً: في حديث أحمد الصحيح المحفظة على أربعين صلاة في مسجد المدينة يكسب جائزة من النار، ونجاة من الأهوال، وسلامة من الخداع والكذب والذبذبة والإلحاد. =

6 - وروي النسائي والطبراني عن السائب بن خلاد رضي الله عنه عن رسول الله ¬

_ = ثالثاً: الإقامة في المدينة تضمن شفاعة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم. رابعاً: انهزام من لم يعدل ويتبع الحق وكسر شوكته وردعه وزجره وإهلاكه وذهاب أثره (انماع). خامساً: إخباره صلى الله عليه وسلم بكثرة الفتوح وزيادة الخير. فيرغب المسلمون في النزوح عن المدينة ويحثون أهليهم على الهجرة معهم لزيادة وبسط العيش (يبسون). سادساً: وضع البركة في محصولات المدينة وشفاء جوها، وحسن بيئتها وملاءمة مناخها صيفا وشتاء. سابعاً: زيارتها يمن وسعادة، والإقامة فيها يسر وطاعة، وهناءة عيش وراحة ضمير، وشعور بسرور وحبور لفوزها بمسير الأنبياء والأولياء فيها، وقديماً عبدوا الله فيها وذكروه جل وعلا، وسبحوه وأطاعوه فيلزمنا أن نترسم خطاهم، ونتبع مشيهم، ونتبرك بآثارهم لتشملنا رحمة الله ونفوز برضاه. ثامناً: تجنب الإقامة في الأمكنة الخبيثة كعير والجحفة، وكل أمكنة الدعارة والفسق وما فيها من المحارم والموبقات ودور الكفار والفجرة. آداب الحج الآداب: أولاً: أن ينوي الحج ويؤديه خالياً من الرياء والسمعة، وأمور الدنيا كالتجارة وأشباعها. ثانياً: أن يتوجه إلى الله يقلب خالص، ويقطع علائقه من وطنه وما فيه من أهل وولد وصحب ومال. ثالثاً: أن يتوب إلى الله تعالى، ويرد المظالم إلى أهلها، ويهجر المعاصي. رابعاً: أن يختار زادا من طيب حلال، وخير الزاد: التقوى. خامساً: أن يسبح الله تعالى، ويشكره كلما صعد شرفا أو ركب مركباً أو دخل مكانا. سادساً: أن يتذكر عند شرائه ثوبي الإحرام كفنه. سابعاً: أن يلاحظ عند مفارقة وطنه امتثال أمر ربه وإجابة نداء خليله ورؤية بيته. ثامناً: أن يستحضر بمخاوف طريق الحج مخاوف طريق الآخرة. تاسعاً: أن يحمد الله عند دخوله مكة حرماً آمنا أن يؤمنه الله من النار. عاشراً: أن يتذكر عظمة الله وعظمة بيته، ولا يتهاون بحرمة البيت. بل يخشع ويتضرع ويرجو المغفرة والرضوان. الحادي عشر: أن يوقن عند طواف البيت أن المقصود طواف القلب بحضرة الرب متذكراً جلاله وهيبته. الثاني عشر: أن يبايع الله عز وجل على التزام طاعته، وترك عصيانه عند استلام الحجر الأسود. الثالث عشر: أن نقصد عند لزوم الملتزم، وتعلقه بأستار الكعبة التقرب من البيت وربه شوقاً إليهما واستعاذة بهما من النار، موقنا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ولا منجا من حرمانه إلا كرمه وفضله. الرابع عشر: أن يتشبه في تردده بين الصفا والمروة بعبد طلب رضا مولاه وتردد مظهرا إخلاصه. الخامس عشر: أن يذكره عند ازدحام عرفة بالناس: حشر الناس يوم القيامة، طالبا من الله النجاة في عرصات القيامة في الموقف الهائل، راجيا دخوله في شفاعة سيد الأنبياء والمرسلين، وحشره في عباد الله الصالحين وأو ليائه المقربين. السادس عشر: أن ينوي يرمي الجمار: الانقياد لأمر الله تعالى، والتشبه بسيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام حين عرض له الشيطان ليفتنه ويلهيه عن القيام بأمر ربه فرماه بالحجارة. السابع عشر: أن يتخير هديه الذي يقربه امتثالا لأمر ربه. =

صلى الله عليه وسلم قال: اللهمَّ من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخِفْهُ، وعليه لعنةُ الله ¬

_ = الثامن عشر: أن يخشع عند رؤية المدينة المنورة ويتذكر أنها دار هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أعز الله فيها الإسلام، ويستحضر في ذهنه قيامه عليه الصلاة والسلام بين أصحابه الأعلام آمرا بما أمر الله ناهيا عما نهى، شارحا ما أوحي إليه من ربه جل وعلا، ويزداد خشوعه عند زيارة قبره عليه الصلاة والسلام بدون أن يقترب من القبر الشريف ممثلا في خياله صورته الكريمة إزاءه في اللحد محضراً في قلبه عظيم رتبته وجليل قدره. التاسع عشر: أن يكثر خوفه من الله جل وعلا بعد أداء الحج خشية رد حجه عليه، ويزداد رغبة ورهبة. أهـ ص 144 من أسرار الشريعة الإسلامية باختصار. أسرار الحج أولا: حمل النفس على تذكر الله تعالى وخشوعها لعظمته وجلاله. ثانياً: تذكير المؤمنين بيوم الحشر الأكبر. ثالثاً: إيجاد أسباب نيل الرحمة من الله تعالى بكثرة تضرع الصالحين ووجود المحسنين. رابعاً: نيل الموحدين فضل الرهبانية لمفارقة الحجاج لذاتهم وترك شهواتهم. خامساً: تقليل ظلم النفوس، وكبح جماحها بما تتركه أعمال الحج في نفوس الحج من حب العدل، وخوف الله جل وعلا. سادساً: إرشادهم بما يعانونه من ألم البع، وعناء السفر، ومزايلة اللذات إلى نعم الله عليهم من رفاهة الإقامة والأنس بالأوطان والأهل والأخدان. سابعاً: غرس الرقة والرحمة في قلوب الحجاج بما يقاسونه أثناء ذهابهم من مشاق السفر ووحشة الغربة. ثامناً: إيجاد التعاضد والتآلف للمسلمين. أهـ من أسرار الشريعة. زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أولا: أعتقد أن زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة جالبة للحسنات، مكفرة للسيئاتوسبب الأنوار وزيارة الإيمان، ومصدر الإحسان، ومعين اليمن والسعادة لقوله تعالى: أ - (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) 64 من سورة النساء. أي بسبب إذنه في طاعته وأمره المبعوث إليهم بأن يطيعوه، وكأنه احتج بذلك على أن الذي لم يرض بحكمة وإن أظهر الإسلام كان كافراً مستوجب القتل (ظلموا أنفسهم بالنفاق) أو التحاكم إلى الطاغوت (جاءوك) تائبين من ذلك (فاستغفروا الله) بالتوبة والإخلاص (واستغفروا لهم الرسول) واعتذروا إليك حتى انتصبت لهم شفيعاً (لوحدوا الله) لعلموه قابلا لتوبتهم متفصلا عليهم بالرحمة. أهـ بيضاوي. فالاستغفار يبعد العذاب. إن الذين يقصدون زيارته صلى الله عليه وسلم قلوبهم مشتاقة للمثول أمام قبره الشريف متضرعين إلى الله جل وعلا أن يقبلهم سبحانه، وأن يغفر ذنوبهم، وأن يزيل آلامهم، وأن يزيد إيمانهم، وأن يحفظ إسلامهم، وأن يشملهم برحمته وعطفه، وأن يوفقهم للعمل بمنهج صاحب الشريعة الغراء رسول الهداية السمحاء، ونور الحق ومصدر الخير والبركات صلى الله عليه وسلم. قال الشوكاني في نيل الأوطار ص 80 جـ 5: ووجه الاستدلال بها أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره بعد موته كما في حديث: (الأنبياء أحياء في قبورهم) وقد صححه البيهقي =

والملائكة والنَّاس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. ¬

_ = وألف في ذلك جزءا. قال الأستاذ أبو منصور البغدادي: قال المتكلمون المحققون من أصحابنا: إن نبينا صلى الله عليه وسلم حي بعد وفاته. انتهى. ويؤيد ذلك ما ثبت أن الشهداء أحياء ويرزقون في قبورهم، والنبي صلى الله عليه وسلم منهم، وإذا ثبت أنه حي في قبره كان المجيء إليه بعد الموت كالمجيء إليه قبله، ثم ذكر حديث: (من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي) واستدلوا ثانياً بقوله تعالى: ب - (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) الآية، والهجرة إليه في حياته: الوصول الى حضرته، كذلك الوصول بعد موته لكن في الوصول الى حضرته: أ - النظر إلى ذاته الشريفة. ب - تعلم أحكام الشريعة. جـ - الجهاد بين يديه، واستدلوا بالأحاديث الواردة في مشروعية زيارة القبور على العموم، والنبي صلى الله عليه وسلم داخل في ذلك دخولا أوليا، وكذا الأحاديث الثابتة من فعله صلى الله عليه وسلم في زيارتها ومنها: أحاديث خاصة بزيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم، أخرج الدارقطني. أولا: (من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي). ثانياً: وعن ابن عمر حديث آخر عن الدارقطني بلفظ (من زار قبري وجبت له شفاعتي). ثالثاً: وعن ابن عمر عند ابن عدي والدرقطني: (من حج ولم يزرني فقد جفاني). رابعاً: وعن أنس عند ابن أبي الدنيا بلفظ: (من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعاً وشهيدا يوم القيامة). خامساً: وعن عبد الله بن مسعود عن أبي الفتح الأزدي بلفظ: (من حج حجة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى في بيت المقدس لم يسأله الله فيما افترض عليه). سادساً: وعن ابن عباس في مسند الفردوس بلفظ: (من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان). سابعاً: وعن علي بن أبي طالب عليه السلام عند ابن عساكر: (من زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جواره) ولكن درجات هذه الأحاديث ضعيفة. ثامناً: قال الحافظ: وأصح ما ورد في ذلك ما رواه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة مرفوعا: (ما من أحد يسلم على إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام). تاسعاً: روي عن بلال أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بداريا يقول: (ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني. قال العلماء: والجفاء للنبي صلى الله عليه وسلم محرم، فتجب الزيارة لئلا يقع في المحرم. عاشراً: قال عبد الحق: زيارة قبره صلى الله عليه وسلم من السنن الواجبة، واحتج أيضاً من قال: بالمشروعية بأنه لم يزل دأب المسلمين القاصدين للحج في جميع الأزمان على تباين الديار، واختلاف المذاهب الوصول إلى المدينة المشرفة لقصد زيارته، ويعدون ذلك من أفضل الأعمال، ولم ينقل أن أحدا أنكر ذلك عليهم فكان إجماعا. الحادي عشر: سيدنا مالك في الموطأ، رودي عن عبد الله بن عمر (أنه كان إذا دخل المسجد قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام ع ليك يا أبت ثم ينصرف). الثاني عشر: في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي أينما كنتم فإن صلاتكم تبلغني). =

7 - وفي رواية للطبراني قال: من أخاف أهل المدينة أخافه الله يوم القيامة ¬

_ = الثالث عشر: لما كره الصحابة أن يتخذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسجدا دفنوه في حجره السيدة عائشة، بخلاف ما اعتادوا من الدفن في الصحراء لئلا يصلى أحد على قبره ويتخذه مسجدا ويتخذ قبره وثنا. أهـ من نيل الأوطار بتصرف ص 82 جـ 5. ذكرت ذلك لا ميلا لرأي الجمهور أن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم مندوبة بل يعجبني رأي بعض المالكية أنها واجبة، والحنفية أنها قريبة من الواجبات، وأميل إلى رأي الرجوب للقادر المستطيع يحج ويزور أو يزور ويحج صنوان لا زمان، وأمران محتمان ليكمل دين المرء، ويتم إيمانه بالله ورسوله، وتقوي أركان إسلامه وعزيمته في طاعة الله، وأنعم بأرض وطئتها أقدام خير الخلق. النبي صلى الله عليه وسلم متواضع، ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أن ذكر فضل مدينته، وكثرة ثواب الأعمال فيها، والصلاة في مسجد صلى الله عليه وسلم. وفي الأحاديث الصحيحة: أ - (كنت له شفيعاً) رواه مسلم والترمذي. ب - (فيتحملون بأهليهم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم) رواه أحمد والبزار. جـ - صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواء إلا المسجد الحرام، متفق عليه. قال الغزالي: وكذا كل عمل بالمدينة بألف. وبعد مدينته صلى الله عليه وسلم الأرض المقدسة، فإن الصلاة فيما بخمسمائة صلاة فيما سواها إلا المسجد الحرام، وكذلك سائر الأعمال. أهـ. د - لا تشد الرحال إلا ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى. قال الغزالي: وقد ذهب بعض العلماء إلى الاستدلال بهذا الحديث في المنع من الرحلة لزيارة المشاهد، وقبور العلماء والصلحاء. وما تبين لي أن الأر كذلك، بل الزيارة مأمور بها. قال صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولا تقولوا هجراً). والحديث إنما ورد في المساجد، وليس في معناها المشاهد لأن المساجد بعد المساجد الثلاثة متماثلة، ولا بلد إلا وفيه مسجد فلا معنى للرحلة إلى مسجد آخر، وأما المشاهد فلا تتساوى بل بركة زيارتها على قدر درجاتهم عند الله عز وجل. نعم لو كان في موضع لا مسجد فيه، فله أن يشد الرحال إلى موضع فيه مسجد، وينتقل إليه بالكلية إن شاء، ثم ليت شعري هل يمنع هذا القائل من شد الرحال إلى قبور الأنبياء عليهم السلام: (مثل إبراهيم وموسى ويحيى وغيرهم عليهم السلام، فالمنع من ذلك في غاية الإحالة. فإذا جوز هذا فقبور الأولياء والعلماء والصلحاء في معناها. فلا يبعد أن يكون ذلك من أغراض الرحلة كما أن زيارة العلماء في الحياة من المقاصد. أهـ ص 219 جـ 1. نحن الآن في زمن يذهب به المترفون إلى أوروبا ترويحاً للنفس واستنهاضا للهمم، وهكذا من دواعي البذخ والإنفاق فيما لا يبقى ثوابه، ولكن المتقين الصالحين يذهبون إلى المدينة المنورة، ويشدون الرواحل إلى الصلاة في مسجدها، وزيارة الساعد الأشد، والسراج المنير، والكوكب المتلألئ صلى الله عليه وسلم ليجمع بين نضرة النعيم، وسعادة الحياة في الدنيا والآخرة. فقد روي لنا البخاري رحمه الله عن أبي حميد رضي الله عنه قال أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك (غزوة سنة تسع من هجرته صلى الله عليه وسلم) حتى أشرفنا على المدينة فقال صلى الله عليه وسلم هذه طابة أهـ قال الشرقاوي: وفي رواية طيبة ولها أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، وسميت بذلك لطيب رائحتها، وأمورها كلها، ولطهارتها من الشرك، وحلول الطيب بها صلى الله عليه وسلم، ولطيب العيش بها، ولكونها تنفي خبثها وينصع طيبها، ولطيب شرابها وهوائها. كما هو مشاهد من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا يكاد يجدها في غيرها، ومن أسمائها بيت الرسول صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) أي من المدينة لاختصاصها به اختصاص =

وغضب عليه، ولم يقبلْ منه صرفاً، ولا عدلاً. ¬

_ = البيت بسكانه، والحرم لتحريمها، والحبيبة لحبه صلى الله عليه وسلم لها ودعائه به، وحرم الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه الذي حرمها. وروي الزبير في أخبار المدينة أن لها أربعين اسما أهـ ص 138 جـ 2. وهل غاب عن أهل المدينة الحديثة في عصرنا هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال). الله أكبر حراس حفظه مهرة مؤيدون بروح الله، محاطون بعناية الله، مزودون بتقوى الله، واقفون على مداخل المدينة وأبوابها، وفوهات طرقها يمنعون الموت الذريع الفاشي (الطاعون) ويصدون الهواء القذر الذي يجلب التخمة ومباءة الحميات. قال الشرقاوي: أي لا يكون بها مثل ما يكون بغيرها كالذي وقع في طاعون عمواس، وهو أول طاعون وقع في الإسلام في خلافة عمر (قرية من قرى بيت المقدس) والعياذ بالله، ووقع بعده طاعون الجاروف، وقد أظهر الله تعالى صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم ينقل قط أنه دخلها الطاعون ولا يدخلها (الدجال) الكذاب الضال الفتان لطرد الملائكة التي على الأنقاب له. أهـ ص 140 جـ 2. لقد اندحرت مصايف لبنان ورأس البر، واسكندرية وأوروبا إزاء هذه النعمة الجليلة التي وهبها الله لمددينة الرسول صلى الله عليه وسلم من طيب الإقامة، وعليل النسيم، وهضم طعامها، ولذة عيشها، وحسن بيئتها على أنها مبعث الإيمان اللصحيح، ووطنه القديم الذي أسس على تقوى من الله ورضوان. كما روي البخاري رضي الله عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها. قال الشرقاوي: (ليأرز) لينضم ويجتمع أي إن أهل الإيمان لتنضم وتجتمع (كما تأرز الحية) أي كما أن الحية تنتشر من جحرها في طلب ما تعيش به. فإذا راعها شيء رجعت إلى جحرها كذلك أهل الإيمان انتشروا من المدينة، وكل مؤمن له من نفسه سائق إليها لمحبته في ساكنها، وهذا شامل لجميع الأزمنة. أما زمنه عليه الصلاة والسلام فللتعلم منه، وأما زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم فللاقتداء بهم، وأما ما بعدهم فلزيارة قبره المنيف، والصلاة في مسجده الشريف، والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه. رزقنا الله الرجوع إلى هناك مرة أخرى بمنه وكرمه آمين. أهـ ص 140 جـ 2. يا أخي يسألونك عن اشتداد الأزمة. قل للمسلمين لضعف إيمانكم بالله، ولضياع التوكل على الله، ولنزع البركة في العمل. والدواء الشافي: التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والندم على ما فعل، وتوطيد العزيمة على حب الله ورسوله، وأعني بذلك: أ - العمل بكتابه. ب - وسنة حبيبه. جـ - شد الرحال إلى بيته الحرام ومسجده صلى الله عليه وسلم، ووالله ما ضيع المسلمين إلا هجر آداب الدين والتقليد الأعمى للأفرنج، وإنفاق المال في الملذات، وخلو الصحيفة من حسنات، ومكرمات ومحامد. لماذا؟ لانشغال القلب عن الله، ولغفلة الناس عن قائد الشرع، وعدم معرفة السيد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم التعلق بزيارة قبره، وشد الرحال لمسجده صلى الله عليه وسلم، ويعجبني معنى حديث تقدم في الحج أن الذي لا ينفق ماله في وجوه البر يفتح الله على ما له أبواب الشرور، ويسلط على هلكته المصائب فيصرف في الأمراض والقضايا والمشاكسة، ومن أنفق في طاعة الله أبعد الله عنه الأضرار والسوء. وأنا أسلم أن موقع المدينة في المنطقة الحارة، والشمس في الصيف شديدة الحرارة جدا، وهذا حسن. فليستكن الإنسان في عقر داره نهاراً أو يستظل بظله إذا مشى، ويحذر وهج الشمس بقد ما استطاع، وبذا يأمن على نفسه، ولا يخشى أضرار الحر، وبعد العصر وفي الليل وفي الصبح. وما أبدع هواها وما أطيبه، وأعد هذا من كرامة الله ورضوانه لساكنها عليه أفضل الصلاة وأجل السلام، والحمد لله لا يزال أهلها وزوارها يتمتعون بهذه المبرة والميزة مدى الحياة، ويشعرون =

(الصرف): هو الفريضة. (العدل): التطوع. قال سفيان الثوري، وقيل: هو ¬

_ = بلذة العيش هناك، ورخائه وهناءته، ويثنون الجميل ويشكرون الشكر الجزيل للذي أنارها وأضاء ربوعها، وشرف ديارها، وأزال وباءها، ومحبة في رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا وانقل حماها إلى الجحفة) وقالت السيدة عائشة: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله. قالت: فكان بطحان يجري نجلا: تعني ماء آجنا أهـ بخاري. قال الشرقاوي: (بطحان) واد في صحراء المدينة (نجلا) على وجه الأرض (آجنا) متغيرا، وغرض عائشة بذلك بيان السبب في كثرة الوباء بالمدينة لأن الماء الذي هذا صفته يحدث عنه المرض، والله تعالى أعلم. أهـ. قال البوصيري يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم: محمد سيد الكونين والثقلين ... والفريقين من عرب ومن عجم نبينا الآمر الناهي فلا أحد ... أبر في قول لا منه ولا نعم هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ... لكل هول من الأهوال مقتحم دعا إلى الله فالمستمسكون به ... مستمسكون بجبل غير منفصم فاق النبيين في خلق وفي خلق ... ولم يدانوه في علم ولا كر وكلهم من رسول الله ملتمس ... غرفا من البحر أو رشفاً من الديم وواقفون لديه عند حدهم ... من نقطة العلم أو من شكلة الحكم زيارة المدينة المنورة كما قال النووي رحمه الله تعالى ومما جاء في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسجده والسلام عليه وعلى صاحبيه: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا). رواه البخاري ومسلم، وهذا ما قاله شراح هذا الحديث فما قاله العيني على البخاري ذكر معنى حديث أبي هريرة قوله: (لا تشد الرحال) على صيغة المجهول بلفظ النفي: بمعنى النهي بمعنى لا تشدوا الرحال، ونكتة العدول عن النهي إلى النفي لإظهار الرغبة في وقوعه أو لحمل السامع على الترك أبلغ حمل بألطف وجه، وقال الطبري: النفي أبلغ من صريح الهي كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذا البقاع لاختصامها بما اختصت به، ووقع في رواية لمسلم: (تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد) فذكره من غير حصر، وليس في هذه الرواية منع شد الرحال لغيرها إلا على القول بحجية مفهوم العدد، والجمهور على أنه ليس بحجة، ثم التعبير بشد الرحال خرج مخرج الغالب في ركوب المسافر وكذلك في بعض الروايات (لا يعمل المطي) وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل، والبغال والحمير، والمشي في هذا المعنى، ويدل عليه قوله في بعض طرقه في الصحيح: (إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد) والرحال بالحاء المهملة جمع رحل وهو للبعير كالسرج للفرس، وهو أصغر من القتب، وشد الرحل كناية عن السفر لأنه لازم للسفر، والاستثناء مفرغ. فتقدير الكلام لا تشد الرحال إلى موضع أو مكان. فإن قيل فعل هذا يلزم أن لا يجوز السفر إلى مكان غير المستثنى حتى لا يجوز السفر لزيارة إبراهيم الخليلي صلوات الله تعالى وسلامه عليه ونحوه لأن المستثنى منه في المفرغ لابد أن يقدر أعم العام وأجيب بأن المراد بأعم العام ما يناسب المستثنى نوعا ووصفا. كما إذا قلت: ما رأيت إلا زيدا كان تقديره ما رأيت رجلا، أو واحدا إلا زيدا، لا ما رأيت شيئاً، أو حيوانا إلا زيداً، فههنا تقديره: لا تشد إلى مسجد إلا إلى الثلاثة. انتهى المقصود من الحديث بالجزء السابع صحيفة 252. وهذا ما قاله ابن حجر في فتح الباري الجزء صحيفة 42. قال: واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا، وإلى المواضع الفاضلة =

النافلة، والعدل: الفريضة، وقيل: الصرف التوبة، والعدل: الفدية. قال مكحول، وقيل: ¬

_ = لقصد التبرك بها والصلاة فيها. فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر هذا الحديث وأشار القاضي حسين إلى اختياره، وبه قال عياض وطائفة، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار نضرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور، وقال له لو أدركت قبل أن تخرج ما خرجت، واستدل بهذا الحديث فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة، والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد، بخلاف غيرها، فإنه جائز، وقد وقع في رواية لأحمد بلفظ لا ينبغي للمعطي أن تعمل وهو لفظ ظاهر في غير التحريم. ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة. فإنه لا يجب الوفاء به. قاله ابن بطال، وقال الخطابي: اللفظ لفظ الخبر، ومعناه الإيجاب فيما نذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي يتبرك بها. أي لا يلزم الوفاء بشيء من ذلك غير هذه المساجد الثلاثة. ومنها أن المراد حكم المساجد فقط، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة، وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب، أو طلب علم، أو تجارة أو نزهة فلا يدخل في النهي ويؤيده ما روي أحمد من طريق شهر بن حوشب قال: سمعت أبا سعيد، وذكرت عنده الصلاة في الطور فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد تبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام، والمسجد الأقصى ومسجدي) وشهر حسن الحديث، وإن كان فيه بعض الضعف. ومنها أن المراد قصدها بالاعتكاف فيما حكاة الخطابي عن بعض السلف أنه قال: لا يعتكف في غيرها، وهو أخص من الذي قبله: ولم أر عليه دليلا واستدل به على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد لزمه ذلك، وبه قال مالك وأحمد الشافعي والبويطي، واختاره أبو إسحاق المروزي، وقال أبو حنيفة: لا يجب مطلقاً، ثم ذكر بعد تحقيق في النذر، وأقوال المذاهب فيه ما وقع من ابن تيمية، ومن جملة ما استدل به على دفع ما ادعاء غبره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ما نقل من مالك أنه كره أن يقول: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ أدبا لا أصل الزيارة فإنها من أفضل الأعمال، وأجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال، وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع والله الهادي إلى الصواب. قال بعض المحققين قوله: إلا إلى ثلاثة مساجد المستثنى منه محذوف. فأما أن يقدر عاما فيصير لا تشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان إلا إلى الثلاثة، أو أخص من ذلك، لا سبيل إلى الأول لإفضائه إلى سد باب السفر للتجارة وصلة الرحم، وطلب العلم وغيره، فتعين الثاني، والأولى أن يقدر ما هو أكثر مناسبة وهو لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه إلا إلى الثاثة فيبطل بذلك قول من منع شد الرحال إلى زيارة القبر الشريف وغيره من قبور الصالحين، والله أعلم. ثم قال النووي رضي الله عنه: واعلم أن زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهم القربات، وأنجح المساعي. فإذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مكة استحب لهم استحبابا متأكداً أن يتوجهوا إلى المدينة لزيارته صلى الله عليه وسلم، وينوي الزائر مع الزيارة التقرب، وشد الرحل إلى المسجد والصلاة فيه، وإذا توجه فليكثر من الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم، وسأل الله تعالى أن ينفعه بهذه الزيارة، وأن يقبلها منه، ويستحب أن يغتسل قبل دخوله، ويلبس أنظف ثيابه، ويستحضر في قلبه شرف المدينة، =

الصرف الاكتساب، والعدل: الفدية، وقيل: الصرف الوزن، والعدل: الكيل، ¬

_ = وأنها أفضل الأرض بعد مكة عند بعض العلماء، وعند بعضهم أفضلها مطلقا، وأن الذي شرفت به صلى الله عليه وسلم خير الخلائق، وليكن من أول قدومه إلى أن يرجع مستشعرا لتعظيمه ممتلئ القلب من هيبته كأنه يراه فإذا وصل باب مسجده صلى الله عليه وسلم. فليقل الذكر المستحب في دخول كل مسجد، وهو: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم الحمد لله، اللهم صل وسلم على محمد، وعلى آل محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، ثم يقول: بسم الله ويقدم رجله اليمنى في الدخول ويقدم اليسرى في الخروج. ذكر هذا الدعاء في كتابه الأذكار، وعزا حديثه إلى مسلم وأبي داود، والنسائي وابن ماجه وغيرهم، ثم قال: فإذا دخل قصد الروضة الكريمة وهي ما بين القبر والمنبر فيصلى تحية المسجد بجنب المنبر. وفي إحياء علوم الدين أنه يستحب أن يجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن، ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه. فذلك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وسع المسجد بعده صلى الله عليه وسلم. وفي كتاب المدينة أن ذرع ما بين المنبر ومقام النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه حتى توفي أربعة عشر ذراعا وشبرا، وأن ذرع ما بين القبر والمنبر ثلاثة وخمسون ذراعا وشبرا فإذا صلى التحية في الروضة أو غ يرها شكر الله تعالى على هذه النعمة وسأله إتمام ما قصده، وقبول زيارته، ثم يأتي القبر الكريم فيستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر، ويبعد من رأس القبر نحو أربع أذرع، ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه، ويقف ناظراً إلى أسفل ما يستقبله من جدار القبر غاض الطرف في مقام الهيبة والإجلال، فارغ القلب من علائق الدنيا، مستحضرا في قلبه جلالة موقفه ومنزلة من هو بحضرته، ثم يسلم ولا يرفع صوته. بل يقتصد فيقول: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا خيرة الله السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين السلام عليك يا خير الخلائق أجمعين السلام عليك وعلى آلك وأهل بيتك وأزاجك وأصحابك أجمعين السلام عليك وعلى سائر النبيين وجميع عباد الله الصالحين، جزاك الله يا رسول الله عنها أفضل ما جزى نبيا ورسولا عن أمته، وصل عليك كلما ذكرك ذاكر، وغفل عن ذكرك غافل، وأكمل ما صلى على أحد من الخلق أجمعين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده. اللهم آته الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمود الذي وعدته وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، ومن طال عليه هذا كله اقتصر على بعضه، وأقله السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجاء عن ابن عمر وغيره من السلف الاقتصار جدا، فعن ابن عمر ما ذكرناه قريباً، وعن مالك يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وإن كان قد أوصى بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم. قال السلام عليك يا رسول الله من فلان ابن فلان، وفلان بن فلان يسلم عليك يا رسول الله ونحو هذه العبارة، ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع للسلام على أبي بكر رضي الله عنه لأن رأسه عند منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول السلام عليك يا أبا بكر صفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثانيه في الغار جزاك الله عن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع للسلام على عمر رضي الله عنه، ويقول السلام عليك يا عمر الذي أعز الله به الإسلام جزاك الله عن أمة نبيه صلى الله عليه وسلم خيرا، ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتوسل به في حق نفسه، ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أحسن ما يقال ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال: كنت جالساً عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله. سمعت الله يقول: =

وقيل غير ذلك. 8 - وروي عنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ آذى أّل المدينة آذاه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين، ولا يقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ رواه الطبراني في الكبير. ¬

_ = (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشأ يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم انصرف فغلبتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال يا عتبى الحق الأعرابي فبشره بأن الله تعالى قد غفر له) ثم يتقدم إلى رأس القبر الشريف فيقف بين الاسطوانة ويستقبل القبلة ويحمد الله تعالى، ويمجده. ويدعو لنفسه بما شاء ولوالديه، ومن شاء من أقاربه ومشايخه وإخوانه وسائر المسلمين، ثم يرجع إلى الروضة فيكثر فيها من الدعاء والصلاة ويقف عند المنبر ويدعو. أهـ من المجموع شرح المهذب ص 272 جـ 8 نقلها لنا الأخ الصالح (محمد أفندي الشرنوبي). وصف المدينة المنورة مقتبس من الرحلة الحجازية كانت المدينة في القرن الأول للهجرة في غاية الرقي، بساتينها تملأ الفضاء المحيط بها، وكان للقوم بها رياض ظاهرة، وقصور باهرة في وادي العقيق الذي كان يفور ماؤه، ويبهر رواؤه، وتزهو أرجاؤه، ويكثر زهره، ويفوح عطره، ويجني ثمره، وأسواقها مشحونة بالمتاجر الواردة إليها من الهند والسند والشام وبلاد العجم من ثياب القطن والحرير والصوف والبسط. وتجارة التمر فيها أكبر التجارات وأوسعها، لأن أرضها فيها كثير من المزارع والبساتين، ونخيلها تنتج نحو سبعين صنفا من التمر، ممتاز بينها العنبري بشدة حلاوته. وكانت أبنية المدينة في أول القرن الثامن الهجري محصورة في سور بناه حولها الأمير جمال الدين وزير صاحب الموصل في منتصف القرن السادس وهو باقي إلى الآن، وعلى محيطه المزاغل والأبراج المشحونة بالمدافع والذخائر الحربية لصد هجمات الأعراب الذين كثيرا ما كانوا ولا يزالون يعتدون على حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخارج هذا السور سور آخر درست معالمه ولم يبق منه إلا جدر مقوضة مهدمة، وينزل ركب المحمل المصري بين السورين في فضاء اسمه المناخة. وفي المدينة وأرباضها أماكن أثرية ألبستها ذكرى مجدها الغابر شرفا وجلالا وهيبة تكاد تتنزه عن النظير، وأشهرها مسجد قباء ويبعد عن المدينة بمسافة خمسة كيلومترات، وهو أول مسجد بني في الإسلام. بناء رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وفد إليها في هجرته. وأهل المدينة يشربون من الآبار والماء يجري إليها من العيون الزرقاء في أنابيب تتفرع وتتشعب في أنحاء البلد. ومناخها معتدل، وهواؤها طيب، ولعل ذلك كان من الأسباب التي ساعدت على رقة أهلها، ولطافة أمزجتهم مع ما هم عليه من الصلاح والتقوى، والأدب وحسن المعاشرة. حتى قيل إنهم أحسن أهل بلاد العرب في مكارم الأخلاق، ولا عجب فجاورتهم للسيد الرسول صلى الله عليه وسلم ألبستهم كثيراً من أخلاقه الكاملة. على أن من ييفكر في أنه عليه الصلاة والسلام اختصهم بالهجرة إلى بلدهم يحكم بأن مكارم الأخلاق فيهم من زمن بعيد، وحسبك أنه أعلن في حجة الوداع أنه لا يود الموت إلا بين أظهر الأنصار، وهؤلاء أعقابهم اليوم على سنتهم فرضي الله عنهم أجمعين. أهـ. قال البوصيري رحمه الله يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب المدينة: =

كتاب الجهاد

9 - وعنْ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ اكفهمْ من دهمهم ببأسٍ، يعني أهل المدينة، ولا يريدها أحد بسوء إلا أذابه الله كما يذوب الملح في الماء، رواه باسناد حسن، وآخر في الصحيح بنحوه وتقدم. (دهمهم) محركة: أي غشيهم بسرعة، والله أعلم. (كتاب الجهاد) الترغيب في الرباط في سبيل الله عز وجل 1 - وعنْ سهلِ بن سعدٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رباط يومٍ في سبيل الله (¬1) خير من الدنيا (¬2)، وما عليها (¬3)، وموضع سوط أحدكم (¬4) من الجنَّة خير من الدنيا وما عليها. والرَّوْحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة (¬5) خير من الدنيا وما عليها (¬6). رواه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم. ¬

= فهو الذي تم معناه وصورته ... ثم اصطفاه حبيباً بارئ النسم منزه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم وكيف يدرك في الدنيا حقيقته ... قوم نيام تسلوا عنه بالحلم فمبلغ العلم فيه أنه بئر ... وأنه خير خلق الله كلهم وكل آي أتى الرسل الكرام بها ... فإنما اتصلت من نوره بهم فإنه شمس فضل هم كواكبها ... يظهرن أنوارها للناس في الظلم أكرم بخلق نبي زانه خلق ... بالحسن مشتمل بالبشر متسم لا طيب يعدل تربا ضم أعظمه ... طوبى لمنتشق منه وملتثم (¬1) الإقامة على جهاد العدو في الحرب، وارتباط الخيل، وإعدادها للغزو ولنصر دين الله. (¬2) ثوابها عند الله يبقى من ملك الدنيا بحذافيرها لأن الدنيا فانية، ولا ينفع الإنسان إلا كثرة الحسنات. (¬3) وما عليها. كذا د وع ص 418، وفي ن ط: وما فيها. (¬4) أي وملك موضع يساوي مساحة سوط: أي آلة الضرب، وخشبة تحريك الشيء استعملها في زجر الأعدا وقمع كيدهم. قال تعالى: (سوط عذاب) أي ألم سوط عذاب. (¬5) أي لخرجة واحدة في الجهاد من أول النهار إلى آخره. (¬6) أي ثواب ذلك الزمن القليل في الجنة خير من الدنيا وما اشتملت عليه، لأن الإنسان يشعر بنعيم الله وإحسانه بعد موته إذا عمل صالحاً، والجهاد لرفعة دين الله من العمل الصالح، ونعيم الدنيا زائل، ونعيم الآخرة باق.

(الغدوة) بفتح الغين المعجمة: هي المرّة الواحدة من الذهاب. (والرّوحة) بفتح الراء: المرة الواحدة من المجيء. 2 - وعنْ سلمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رباط يومٍ وليلة خير من صيام شهرٍ وقيامه، وإنْ مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأجرى عليه رزقه، وأمن من الفُتَّان (¬1). رواه مسلم واللفظ له والترمذي والنسائي والطبراني، وزاد: وبعث يوم القيامة شهيداً. 3 - وعن فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلُّ ميتٍ يختم على عملهِ إلا المرابط في سبيل الله، فإنَّه يُنمَّى له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وابن حبان في صحيحه. وزاد في آخره قال: وسمعتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المجاهد من جاهد نفسه لله عزَّ وجلَّ، وهذه الزِّيادة في بعض نسخ الترمذي. 4 - وعن أبي الدَّرداء رضي الله عنه عنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رباط شهر خيرٌ من صيام دهرٍ، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر (¬2)، وغدى عليه برزقهِ (¬3)، وريح من الجنَّة، ويجرْى عليه أجر المرابط (¬4) حتى يبعثه الله عزَّ وجلَّ. رواه الطبراني، ورواته ثقات. 5 - وعن العرباضِ بن سارية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلُّ عملٍ ينقطع عنْ صاحبهِ إذا مات إلا المرابط في سبيل الله، ¬

(¬1) جمع فاتن: الذين يضلون الناس عن الحق ويفتنونهم. والمعنى المجاهد يسلم من منكر ونكير في قبره، يسلم من وساوس الشياطين وغوايتهم. والفتان بفتح الفاء: الشيطان. (¬2) سلم من أهوال وشدائد القيامة. (¬3) مده الله بزيادة وسمعة غذاء جيد، وفي المصباح: الطعام الصبي يغذوه من باب علا: إذا نجح فيه وكفاه، وغذوته باللبن أغذوه أيضاً فاغتذى به، وغذيته مبالغة فتغذي. أهـ وهذا كناية عن غاية نعيمة وإدراك رفاهيته. (¬4) المنتظر والمقيم في الجهاد.

فإنَّه يُنمَّي له عمله (¬1)، ويجري عليه رزقه (¬2) إلى يوم القيامة. رواه الطبراني في الكبير بإسنادين، رواة أحدهما ثقات. 6 - وعنْ أمِّ الدَّرداء رضي الله عنها ترْفع الحديث قال: من رابط في شيء منْ سواحل المسلمين (¬3) ثلاثة أيَّامٍ أجزأت عنه رباط سنةٍ. رواه أحمد من رواية إسماعيل ابن عياش عن المدنيين، وبقية إسناده ثقات. 7 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ مات مرابطاً في سبيل الله أجرى عليه أجر عملهِ الصَّالح الذي كان يعمل، وأجرى عليه رزقه، وأمن منْ الفتَّانِ، وبعثه الله يوم القيامة آمناً من الفزع الأكبرِ. رواه ابن ماجه بإسناد صحيح والطبراني في الأوسط أطول منه، وقال فيه: والمرابط إذا مات في رباطهِ كتبَ له أجرُ عملهِ إلى يوم القيامة، وغدى عليه، ورويح برزقهِ، ويزوَّج سبعين حوراء، وقيل له: قف اشفعْ إلى ¬

(¬1) عمله الصالح في زيادة دائماً وثوابه مضاعف. (¬2) يحييه الله تعالى حياة صحيحة ليمده بخيرات الجنة حتى يشعر بنعيمها. قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون 169 فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) 170 من سورة آل عمران. نزلت في شهداء أحد، وقيل في شهداء بدر، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لكل أحد (بل أحياء) بل هو أحياء، وقرئ بالنصب على معنى بل أحسبهم أحياء (عند ربهم) ذوو زلفى منه (يرزقون) من الجنة (من فضله) وهو شرف الشهادة والفوز بالحياة الأبدية، والقرب من الله تعالى والتمتع بنعيم الجنة، و (يستبشرون) يسرون بالبشارة بإخوانهم المؤمنين الذين لم يقتلوا فيلحقوا بهم (من خلفهم) أي الذين من خلفهم زماناً أو رتبة، والمعنى أنهم يستبشرون بما تبين لهم من أمر الآخرة، وحال من تركوا من خلفهم من المؤمنين، وهو أنهم إذا ماتوا أو قتلوا كانوا أحياء حياة لا يكدرها خوف وقوع حزن وفوات محبوب. والآية تدل على أن الإنسان غير الهيكل المحسوس، بل هو جوهر مدرك بذاته لا يفنى بحزاب البدن، ولا يتوقف عليه إدراكه وتألمه والتذاذه، ويؤيد ذلك قوله تعالى في آل فرعون: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) الآية، وما روي ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال (أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوى إلى قناديل معلقة في ظل العرش) ومن أنكر ذلك ولم ير الروح إلا ريحاً وعرضاً قال هم أحياء يوم القيامة، وإنما وصفوا به في الحال لتحققه ودنوه، أو أحياء بالذكر، أو بالإيمان. وفيه حث على الجهاد وترغيب في الشهادة، وبعث على ازدياد الطاعة، وإخماد لمن يتمنى لإخوانه مثل ما أنعم عليه، وبشرى للمؤمنين بالفلاح. أهـ بيضاوي ص 121. (¬3) معناه انتظار الغزو ثلاثة أيام يكتب الله ثواب ذلك جهاد سنة.

أن يفرغ من الحساب (¬1). وإسناده مقارب. 8 - وعنْ واثلة بن الأسقعِ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: منْ سنَّ سنةً حسنة فله أجرها ما عمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك، ومنْ سنَّ سنَّة سيئة فعليه إثما (¬2) حتى تترك، ومن مات مرابطاً في سبيل الله جرى عليه عمل المرابط في سبيل الله حتى يُبعث يوم القيامة (¬3). رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به. 9 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر الرِّباط فقال: من رابط ليلة حارساً من وراء المسلمين كان له أجرُ منْ خلفهُ ممنْ صام وصلَّى. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد. 10 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رابط يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النَّار سبع خنادق (¬4) كلُّ خندقٍ كسبعِ سمواتٍ، وسبع أرضين. رواه الطبراني في الأوسط وإسناده لا بأس به إن شاء الله، ومتنه غريب. 11 - وروي عن أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لرباط يومٍ في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسباً من غير شهر رمضان أعظم أجراً من عبادة مائة سنةٍ صيامها وقيامها، ورباط يومٍ في سبيل الله من وراء عورات (¬5) المسلمين محتسباً من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجراً، أراه قال: أفضل منْ عبادة ألفي سنةٍ صيامها وقيامها، فإنْ ردَّه الله إلى أهله سالما لمْ تكتبْ عليه سيئة ألف سنةٍ، وتكتب له الحسنا، ويجرى له أجر الرِّباط إلى يوم القيامةِ رواه ابن ماجه، وآثار الوضع ظاهرة عليه، ولا عجب فراويه عمر بن صبيح الخراساني، ولولا ¬

(¬1) ينتهي ويتمم. (¬2) ذنبها. (¬3) يحييه الله حياة دائمة للحساب. (¬4) حفرات عميقة. والمعنى وجود الإنسان في الحرب مجاهدا مقيما على الغزو باعد الله بينه وبين النار مسافات عميقة. (¬5) عورات. كذا د وع ص 421، وفي ن ط: من وراء عورة. والمعنى والله أعلم توطد العزيمة القوية، والقيام في الغزو مدة يوم صادا أعداء الله مزيلا ضعف المسلمين وساترا عوراتهم، وسادوا الثغرة التي يخشى أن تظهر في صفوف المجاهدين طالبا ثواب الله وحده، ونصر دينه القويم، وكان هذا اليوم في رمضان زاد في الأجر عنا عبادة ألفي سنة.

أنه في الأصول لما ذكرته. 12 - وعنْ مجاهدٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه كان في الرِّباط ففزعوا إلى الساحل، ثمَّ قيل: لا بأس فانصرف النَّاس ووقف أبو هريرة فمرَّ به إنسان فقال: مايُوِ قُفكَ يا أبا هريرة؟ فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: موقفُ ساعةٍ في سبيل الله (¬1) خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود. رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهما. 13 - وعنْ عثمان بن عفَّان رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رباط يومٍ في سبيل الله خير من ألف يومٍ فيما سواه من المنازلِ (¬2). رواه النسائي والترمذي، وقال: حديث حسن غريب. 14 - ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم، وزاد: فلْينتظرْ كلُّ امرئ لنفسه، وهذه الزِّيادة مدرجةٌ من كلام عثمان غير مرفوعةٍ، كذا جاءتْ مبينة الترمذي، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاريّ. 15 - ورواه ابن ماجه إلا أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رابط ليلةً في سبيل الله كانت كألفِ ليلةٍ ليلة صيامها وقيامها. 16 - وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة (¬3) ونفقة الدِّينار والدِّرْهم منه أفضل منْ سبعمائة دينارٍ ينفقه في غيره. رواه البيهقي. 17 - وروي أبو الشيخ وغيره من حديث أنس: إنَّ الصلاة بأرض الرباط بألفي ألف (¬4) صلاة، وفيه نكارة. ¬

(¬1) انتظار الغزو ساعة في الجهاد يزيد حسابها في الثواب عن الاعتكاف في المسجد الحرام، والطواف واستلام الحجر الأسود. (¬2) من الدرجات العالية التي وعد الله بها في الأعمال الصالحة: من حج، أو صوم، أو صلاة. (¬3) صلاة المجاهد تساوي في الحسنات خمسمائة من غيرها، وثواب الإنفاق يساوي سبعمائة درجة من إنفاق غيره. (¬4) بألفي ألف. كذا ط وع، وفي ن د: بألف.

18 - وعنْ عتبةَ بن المنذر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا انتاط (¬1) غزوكمْ، وكثرت العزائمُ، واستُحلَّتِ الغنائم فخير جهادكم الرِّباط (¬2). رواه ابن حبان في صحيحه. 19 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: تعسَ عبد الدِّينار، وعبد الدِّرهم، وعبد الخميصة. زاد في رواية: وعبد القطيفة إنْ أعطى رضي، وإنْ لمْ يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبدٍ آخذٍ بعنان فرسهِ في سبيل الله أشعث رأسه مغبرَّة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسةِ، وإنْ كان السَّاقة كان في السَّاقة، إن استأذن لمْ يؤذن له، وإن شفع لمْ يشفَّع. رواه البخاري. (القطيفة): كساء له خمل يجعل دثارا. (والخميصة) بفتح الخاء المعجمة: ثوب معلم من خزّ، أو صوف. (وانتكس): أي انقلب على رأسه خيبة، وخسارا. (وشيك) بكسر، الشين المعجمة، وسكون الياء المثناه تحت: أي دخلت في جسمه شوكة، وهي واحدة الشوك، وقيل: الشوكة هنا السلاح، وقيل: النكاية في العدوّ. (والانتقاش) بالقاف والشين المعجمة: نزعها بالمنقاش. وهذا مثل معناه: إذا أصيب فلا انجبر. (وطوبى): اسم الجنة، وقيل: اسم شجرة فيها، وقيل: فعلى من الطيب، وهو الأظهر. 20 - وعنْه رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من خير معاش النَّاس لهمْ رجل يمسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنهِ كُلَّما سمع هيعةً، أوْ فزعة طار على متنهِ يبتغي القتل، أو الموت مظانَّه، ورجلٌ في غنيمةٍ في شفعةٍ منْ هذه الشَّعفاء، وبطن وادٍ منْ هذه الأودية، بقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد ربَّه حتى يأتيه اليقين ليْس من الناس إلا في خيرٍ. رواه مسلم والنسائي. (متن الفرس): ظهره. (والهيعة) بفتح الهاء، وسكون الياء: كل ما أفزع من جانب العدو من صوت أو خبر. (والشعفة) بالشين المعجمة والعين المهملة مفتوحين: هي رأس الجبل. ¬

(¬1) انتاط. في ع: فسرها في الهامش: بمعنى بعد، وفي ن د: تباطأ، وفي ن ط: انتاط أيضاً. (¬2) انتظار العدو الدفاع عن الدين والوطن. الغنائم. كذا د وع، وفي ن ط: الغرائم.

الترغيب في الحراسة في سبيل الله تعالى

21 - وعنْ أمِّ مالكٍ البهزيَّة رضي الله عنها قالتْ: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنةً فقرَّبها؟ قالتْ: يا رسول الله من خيْرُ الناس فيها؟ قال: رجل في ماشيةٍ يؤدِّي حقَّها (¬1) ويبعدُ ربَّه، ورجل آخذ برأس فرسهِ يخيف العدوَّ ويخيفونه (¬2)، رواه الترمذي عن رجل عن طاوس عن أمّ مالك، وقال: حديث غريب من هذا الوجه، ورواه ليث بن أبي سليم عن طاوس عن أم مالك انتهى. 22 - ورواه البيهقي مختصراً من حديث أم مبشر تبْلغُ به النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: خيرُ النَّاس منزلة رجلٌ على متن فرسهِ يخيف العدوَّ ويخيفونه. (الترغيب في الحراسة في سبيل الله تعالى) 1 - عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عينان لا تمسُّهما النَّار: عين بكت من خشية الله (¬3)، وعين باتت تحرس في سبيل الله (¬4). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. 2 - وعنْ معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه عنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حرس منْ وراء المسلمين (¬5) في سبيل الله تبارك وتعالى متطوعاً لا يأخذه سُلْطان (¬6) لم ير النار بعينه (¬7) إلا تحلَّة القسم (¬8) فإنَّ الله تعالى يقول: وإنْ منكمْ إلا واردها. رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني، ولا بأس بإسناده في المتابعات. (تحلة القسم). هو بفتح التاء المثناه فوق، وكسر الحاء المهملة، وتشديد اللام بعدها تاء تأنيث معناه: تكفير القسم، وهو اليمين. ¬

(¬1) في عمله يتقنه، ويجتنب الفتن، ويؤدي حقوق الله. (¬2) ويخيفونه. كذا ط وع ص 422، وفي ن د: ويخوفونه. (¬3) تذكر صاحبها جلال الله وعظمته فبكى لتقصيره وقلة زاده أمام الله سبحانه. (¬4) ظلت طول ليلها مستيقظة تحرس المجاهدين حباً في ثواب الله، وتخشى هجوم الأعداء لتفتك بالمسلمين. (¬5) يشد أزرهم، ويحمي ظهورهم، ويرد كيد أعدائهم، ويمدهم بالمدد والذخيرة. (¬6) معناه ذاهب ابتغاء وجه الله تعالى لم يقهره حاكم، ولم يجبره وال. بل جاهد لنصر دين الله وإعلاء كلمته رغبة لا رهبة. (¬7) بعينه. كذا د وع ص 422، وفي ن ط: بعينيه. (¬8) أي الله تعالى أقسم (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا 71 ثم تنجي الذين اتقوا ونذر =

3 - وروي عنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: سمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حرس ليلةٍ في سبيل الله أفضل منْ صيام رجلٍ وقيامهِ في أهله ألف سنةٍ السَّنة ثلاثمائة يومٍ وستُّون يوماً، اليوم كألفِ سنةٍ. رواه ابن ماجه ويشبه أن يكون موضوعاً. 4 - ورواه أبو يعلي مختصرا قال: منْ حرس ليلةً على ساحل البحرِ (¬1) كان أفضل من عبادتهِ في أهلهِ ألف سنةٍ. 5 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عينانِ لا تمسُّهما النَّار أبداً: عينٌ باتتْ تكلأ في سبيل الله (¬2)، وعينٌ بكتْ من خشية الله (¬3). رواه أبو يعلي، ورواته ثقات، والطبراني في الأوسط إلا أنه قال: عينانِ لا تريان النَّار. (تكلأ مهموزاً): أي يحفظ ويحرس. 6 - وعنْ معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترى أعينهمُ النَّار: عينْ حرست في سبيل الله، وعين بكتْ من خشية الله، وعينٌ كفَّتْ عن محارم الله (¬4). رواه الطبراني ورواته ثقات إلا أن أبا الحبيب العبقري لا يحضرني حاله. 7 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكمْ ¬

= الظالمين فيها جثيا) 72 من سورة مريم (إلا واردها) إلا واصلها وحاضر دونها يمر بها المؤمنون، وهي خامدة وتنهار بغيرهم. وعن جابر رضي الله عنه (أنه عليه الصلاة والسلام سئل عنه؟ فقال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض: أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار؟ فيقال لهم قد وردتموها وهي خامدة). وأما قوله تعالى: (أولئك عنها مبعدون) فالمراد عن عذابها، وقيل ورودها الجواز على الصراط فإنه ممدود عليها (حتما) كان ورودهم واجباً أوجبه الله على نفسه، وقضي به بأن وعد به وعدا لا يمكن خلفه، وقيل أقسم عليه (ثم تنجي الذين اتقوا) فيساقون إلى الجنة (جثيا) منهارا بهم كما كانوا، وهو دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها، وأن المؤمنين يفارقون الفجرة إلى الجنة بعد تجاثيهم، وتبقى الفجرة فيها منهارا على هيئاتهم. أهـ بيضاوي ص 43. (¬1) أي مهاجما غازيا في ميدان الحرب متحملا آلام البرد. (¬2) ظلت طول ليلها تسهر في حفظ الله حبا في ثواب الله. (¬3) إنسان تذكر جلال الله فبكى لتقصيره في الصالحات، وأكثر الخوف من الوقوف بين يدي الله فتزود بالتقوى وأقبل على الطاعات واجتنب المنهيات. (¬4) ابتعد عن المعاصي صاحبها خوفا من الله، وتحلي بالمكارم، واتبع أوامر الله، وعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ليْلة أفضل من ليلة القدر، حارس حرس في أرض خوفٍ لعَّله أن لا يرجع إلى أهله. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري. 8 - وعنْ عثمان رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حرس (¬1) ليلةٍ في سبيل الله أفضل من ألف ليلةٍ يقام ليلها، ويصام نهارها. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 9 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة أعين لا تمسُّها النار: عينٌ فقئت في سبيل الله، وعين حرستْ في سبيل الله، وعين بكتْ من خشية الله. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. (قال المملي) رضي الله عنه: بل في إسناده عمر بن راشد اليماني. 10 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حرَّم على عينين أن تنالهما النَّار: عين بكتْ منْ خشية الله، وعين باتت تحرس الإسلام وأهله من الكفر. رواه الحاكم، وفي إسناده انقطاع. 11 - وعنْ أبي ريحانة رضي الله عنه قال: كُنَّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ فأتيننا ذات يومٍ على شرفٍ فبتنا عليهِ فبتنا عليه فأصابنا برد شديدٌ حتى رأيتُ منْ يحفر في الأرض حفرةً يدخل فيها، ويلْقى عليه الحجفة يعني التُّرس، فلمَّا رأي ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس قال: منْ يحرسنا الليلة، وأدْعو له بدعاء يكون فيه فضلٌ؟ رجلٌ من الأنصار: أنا يا رسول الله، قال: ادنُهْ فدنا، فقال: من أنت؟ ¬

(¬1) حرس. كذا ط وع ص 423، وفي ن د: حارس، وفي غريب القرآن: الجهاد والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو. والجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس، وتدخل ثلاثتها في قوله تعالى: أ - (وجاهدوا في الله حق جهاده). ب - (وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله). جـ - (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله). د - وقال صلى الله عليه وسلم (جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم) والمجاهدون تكون باليد واللسان. هـ - قال صلى الله عليه وسلم (جاهدوا الكفار بأيديكم وألسنتكم) أهـ ص 100.

فتسمَّى له الأنصاريُّ، ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدُّعاء فأكثر منه. قال أبو ريحانة: فلمَّا سمعت مادعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أنا رجل آخر قال: ادنهْ فدنوْتُ، فقال: منْ أنتَ؟ فقلت: أبو ريحانة فدعا لي بدعاء، وهو دون ادعا للأنصاري، ثمّ قال: حرِّمت النَّار على عين دمعتْ، أو بكتْ من خشية الله، وحرِّمت النار على عينٍ سهرت في سبيل الله عز وجلَّ، وقال: حرِّمت النار على عينٍ أخرى ثالثةٍ لمْ يسمعها محمد بن شميرٍ. رواه أحمد واللفظ له، ورواته ثقات للنسائي ببعضه والطبراني في الكبير، والأوسط والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 12 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلُّ عينٍ باكية يوم القيامة إلا عين غضَّت عن محارم الله، وعينٌ سهرتْ في سبيل الله، وعينٌ خرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله. رواه الأصبهاني. 13 - وعنْ سهلِ بن الحنظليَّة رضي الله عنه أنَّهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنينٍ فأطنبوا السير حتى كان عشيةً، فحضرتُ صلاة الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقتُ بين أيديكمْ حتى طلعت على جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهمْ ونعمهمْ ونسائهمُ اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله تعالى، ثم قال: من يحرسنا الليلة؟ قال أنس بن أبي مرثدٍ الغنويُّ: أنا يا رسول الله. قال: ارْكبْ فركب فرساً له، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقبلْ هذا الشِّعْب (¬1) حتى تكون ¬

(¬1) الشعب بالكسر: طريق في الجبل والجمع شعاب. وبالفتح. ما انقسمت فيه قبائل العرب، والجمع شعوب مثل فلس وفلوس. هذه نهاية الشجاعة والإخلاص لله ولرسوله. رجل يفدي نفسه ويضحي براحته في سبيل حراسة المسلمين من الأعداء، ويظل طوال ليلته مستيقظاً وسط الجبل يرقب حركات اعداء الإسلام، ولا يخشى إلا الله تعالى، ولا يرجو ثوابا إلا من الله تعالى، وقد سأله صلى الله عليه وسلم: (هل نزلت الليلة) أي هل أمضيت المدة على ظهر جوادك مترقباً؟ فأجاب رضي الله عنه نعم. إلا متهجدا أو مزيل ضرورة. بخ بخ هذه خلال المؤمنين يفدون أنفسهم في سبيل نصر دين الله، والله يحفظهم ويرعاهم. وتكرم الله: أ - بحراسته في حياته. ب - كسب نعيم الجنة بعد مماته. لماذا؟ لأن تعاليم الله أثمرت في حدائقهم، وأينعت في بساتينهم، ووجدت =

في أعلاه، ولا تُغرَّنَّ من قبلك الليلة، فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين، ثم قال: هل أحسستم فارسكمْ؟ قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه فثوِّب بالصلاة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي، وهو يلتفت إلى الشعبِ حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبشروا فقد جاء فارسكم، فجعلنا ننظر إلى خلال الشَّجر في الشِّعبِ، فإذا هو قدْ جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشِّعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحت اطَّلعت الشعبين كلاهما فنظرت فلمْ أر أحداً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلْ نزلتَ الليلة؟ قال لا: إلا مصليا أوْ قاضي حاجةٍ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قدْ أوْ جببتَ فلا عليك أن لا تعمل بعدها. رواه النسائي، وأبو داود واللفظ له. (أوجبت): أي أتيت بفعل أوجب لك الجنة. ¬

_ = قلوبا فترعرعت وشبت على طاعة الله ورسوله، وطاب غرسه صلى الله عليه وسلم حينما يتلو عليه قوله تعالى: (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنت تعلمون) 41 من سورة التوبة (خفافا) لنشاطكم له (وثقالا) عند لمشقته عليكم، أو لقلة عيالكم ولكثرتها، أو ركبانا ومشاة، أو خفافا وثقالا من السلاح، أو صحاحا ومراضا، ولذلك لما قال ابن أم مكتوم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى أن أنفر؟ قال نعم. حتى تنزل: (ليس على الأعمى حرج). فكر في حال المسلمين الآن واقرأ في تاريخ الصدر الأول وتفانيهم لأجل نصر دين الله، وقد قال الإمام علي: (أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة) وحنين واد بين مكة والطائف حارب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وكانوا اثني عشر ألفاً: العشر الذين حرضوا فتح مكة، وألفان انضموا إليهم من الطلقاء هوازن وثقيفاً، وكانوا أربعة آلاف. فلما التقوا قال رجل من المسلمين كما روى يونس بن بكير عن الربيع بن أنس: (لن نغلب اليوم من قلة) إعجابا بكثرتهم، واقتتلوا قتالا شديداً، فأدرك المسلمين إعجابهم واعتمادهم على كثرتهم فانهزموا حتى بلغ فلهم مكة وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مركزه ليس معه إلا عمه العباس آخذا بلجامه، مه أبو سفيان ابن الحارث، وناهيك بهذا شهادة على تناهي شجاعته. فقال للعباس وكان صيتا صح بالناس، فنادى يا عبد الله يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، فكروا عنقاً واحدا يقولون: لبيك لبيك، ونزلت الملائكة فالتقوا مع المشركين. فقال صلى الله عليه وسلم: هذا حين حمى الوطيس، ثم أخذ كفاً من تراب فرماهم، ثم قال انهزموا ورب الكعبة فانهزموا. أهـ بيضاوي ص 278. وقال تعالى: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين 25 ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين 26 ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم) 27 من سورة التوبة.

الترغيب في النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة وخلفهم في أهلهم

الترغيب في النفقة في سبيل الله وتجهيز الغزاة وخلفهم في أهلهم 1 - عنْ خريمْ بن فاتكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ أنفقَ نفقة في سبيل الله كتبتْ بسبعمائة ضعفٍ (¬1). رواه النسائي والترمذي، وقال: حديث حسن، وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال صحيح الإسناد. 2 - وروي البزار حديث الاسراء من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية، أو غيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بفرسٍ يجعلُ كلَّ خطوٍ منه أقصى بصرهِ (¬2) فسار وسار معه جبرائيل عليه السلام فأتى على فومٍ يزرعون في يومٍ، ويحصدون (¬3) في يوم كلما حصدوا عاد كما كان، فقال: يا جبرائيل منْ هؤلاء؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنات بسبعمائة ضعفٍ وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه (¬4) فذكر الحديث بطوله. 3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزلتْ: مثل الذين ينفقون أموالهمْ في سبيل الله كمثل حبَّةٍ أنبتتْ سبع سنابل في كلِّ سنبلةٍ مائة حبةٍ والله يضاعف لمنْ يشاء والله واسع عليم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رب زد أمَّتي، فنزلتْ: إنما يوفَّى الصابرون أجرهمْ بغير حساب. رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي. 4 - وعن الحسن بن علي بن أبي طالب، وأبي الدرداء، وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وعمران بن حصين رضي الله عنهم، كلهم يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أرسل نفقةً في سبيل الله، وأقام في بيته فله بكلِّ درهمٍ سبعمائة درهمٍ، ومنْ غزا بنفسه في سبيل الله، وأنفق في وجهه ذلك فله بكلِّ درهمٍ سبعمائة ألف درهمٍ، ثمَّ تلا هذه الآية: والله يضاعف لمن يشاء. رواه ابن ماجه عن الخليل بن عبد الله، ولا يحضرني فيه جرح. ولا عدالة عن ¬

(¬1) معناه مضاعفة الثواب للمنفقين في الجهاد لإعلاء كلمة الله، ونصر الحق، والدفاع عن الباطل، والأمر بالمعروف. (¬2) مدى ونهاية نظره. (¬3) معناه ينبت الله لهم الخير حالا ويبارك في عملهم فينتج ويثمر. (¬4) يعطيهم الجزاء ويرزقهم البدل المضاعف.

الحسن عنهم، ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن عن عمران فقط. (قال الحافظ): والحسن لمن يسمع من عمران، ولا من ابن عمر، وقال الحاكم: أكثر مشايخنا على أن الحسن سمع من عمران انتهى. والجمهور على أنه لم يسمع من أبي هريرة أيضاً وقد سمع من غيرهم، والله أعلم. 5 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: طوبى (¬1) لمنْ أكثر في الجهاد في سبيل الله من ذكر الله، فإنَّ له بكلِّ كلمة سبعين ألف حسنةٍ، كلُّ حسنة منها عشرة أضعافٍ مع الذي له عند الله من المزيد (¬2). قيل يا رسول الله: النَّفقة؟ قال: النفقة على قدر ذلك. قال عبد الرحمن، فقالت لمعاذٍ: إنَّما (¬3) النفقة بسبعمائة ضعفٍ، فقال معاذ: قلَّ فهْمك، إنما ذاك إذا أنفقوها وهمْ مقيمون في أهليهم غير غزاةٍ، فإذا غزوا، وأنفقوا خبأ الله (¬4) لهمْ من خزائن رحمته ما ينقطع عنه علم العباد وصفتهم (¬5) فأولئك حزب الله، وحزب الله هم الغالبون. رواه الطبراني في الكبير، وفي إسناده راو لم يسم. 6 - وعنْ زيد بن خالدٍ الجهنيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جهَّز (¬6) غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومنْ خلف غازياً في أهله بخيرٍ (¬7) فقد غزا. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي. 7 - ورواه ابن حبان في صحيحه، ولفظه: منْ جهَّز غازياً في سبيل الله، أوْ خلفه في أهله كتب الله له مثل أجره حتى إنَّه لا ينقص من أجر الغازي شيء. ورواه ابن ماجه بنحو ابن حبان لم يذكر: خلفه في أهله. 8 - وروى ابن ماجه أيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعتُ ¬

(¬1) شجرة في الجنة يسير في ظلها الراكب خمسمائة عام. (¬2) الزيادة. (¬3) إنما. كذا ط وع ص 326، وفي ن د: إن. (¬4) حفظ وكنز. (¬5) وصفتهم فأولئك كذا د وع، وفي ن ط: وصفتهم بأولئك. (¬6) مده بالمال وإعطاء الذخيرة وعدة الحرب، ومنحه الزاد وسهل له الجهاد. (¬7) ساعدهم وراعي أعمالهم، وقضى مآربهم، وسد حاجاتهم.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من جهَّز غازيا حتى يستقلَّ (¬1) كان له مثل أجره حتى يموت، أو يرجع. 9 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لحيان: ليخرجْ من كلِّ رجلين رجلٌ، ثمَّ قال: للقاعد أيُّكم خلف الخارج في أهله فله مثل أجرهِ. رواه مسلم، وأبو داود وغيرهما. 10 - وعنْ زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: منْ جهَّز غازياً في سبيل الله فله مثل أجره، ومنْ خلف غازياً في أهله بخير، أو أنفق على أهله فله مثل أجرهِ. رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. 11 - وعنْ عبد الله بن سهل بن حنيفٍ رضي الله عنه أن سهلا رضي الله عنه حدَّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعان مجاهداً في سبيل الله، أو غارماً (¬2) في عسرته أو مكاتباً (¬3) في رقبته أظلَّه يوم لا ظل إلا ظله. رواه أحمد والبيهقي كلاهما عن عبد الله بن عقيل عنه. 12 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ أظلَّ (¬4) رأس غازٍ أظله الله يوم القيامة، ومن جهَّز غازيا في سبيل الله فله ¬

(¬1) يكتفي بما أخذ، وتوجد عنده الأقوات والعدد. (¬2) مديناً أعطاه فسد دينه. (¬3) عبدا فك ذله ودفع ما اتفق عليه مع سيده أن يدفعه ليعتقه. (¬4) وفر له المأوى، وأبعد عنه الضيق، وزوده بآلات الدفاع، وأعطاه خيمة تقيه الحر والبرد. ومنحه لباساً. (آيات الجهاد في سبيل الله) قال الله تعالى: أ - (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين 10 واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين. الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين) - 190 من سورة البقرة. ب - وقال تعالى: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيما 75 وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء =

مثل أجره وَمن بنى لله مَسْجِدا يذكر فِيهِ اسْم الله بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة ¬

_ = والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا 75 الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) 76 من سورة النساء. جـ - وقال تعالى: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً. وإن منكم لمن ليبطئن) 71، 72 من سورة النساء. د - وقال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير 39 وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير) 41، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون 45 وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) 46 من سورة الأنفال. (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون. وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين. وألف بين قلوبهم أو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم. يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين. يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبون ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون) 60 - 65 من سورة الأنفال. هـ - (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير إلا تنصروه فقد نصره الله) 38 - 40 سورة التوبة. (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله الآية) 111 من سورة التوبة. وقال تعالى: و- أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرون الله من ينصره إن الله لقوى عزيز) 39، 40 من سورة الحج. ز - قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) 10، 11 من سورة الصف، وقال تعالى: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) 4، من سورة الصف. ح - وقال تعالى: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون 21 يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم. خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم) 20 - 22 من سورة التوبة (أعظم درجة) أعلى رتبة وأكثر كرامة (الفائزون) بالثواب ونيل الحسنى عند الله. ط - وقال تعالى: (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين اووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم) 74 من سورة الأنفال. =

رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ. ¬

_ = قال البيضاوي: لما قسم المؤمنين ثلاثة أقسام بين أن الكاملين في الإيمان منهم هم الذين حققوا إيمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة والجهاد، وبذل المال ونصرة الحق، ووعد لهم الوعد الكريم (لهم مغفرة ورزق كريم) لا تبعة لهم ولا منة فيه، ثم أحلق بهم في الأمرين من سيلحق بهم ويتسم بسمتهم. فقال: (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم) أي من جملتكم أيها المهاجرون والأنصار. أهـ ص 273. أنواع الجهاد في سبيل الله تعالى إن أسمى درجة في الجهاد: أولا: محاربة الكفار لأجل نصر دين الله، وذب الأعداء عن الهجمات في الدين، والتفاني في خدمته، والتضحية في إعلاء كلمته سبحانه، وإعزاز إسلامه، والرباط لانتظار الدفاع في حومة الوغي. ثانياً: محاربة المارقين، ومخاصمة الملحدين، وإقناعهم بالحجة الدامغة حتى يبوءوا بالخزي المبين. ثالثاً: دعوة الناس إلى الحق، وحثهم على العمل بكتاب الله تعالى وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم. رابعاً: مجاهدة النفس بالتحلي بالمكارم والتخلي عن الرذائل، وتعلم أمور الدين، والسير على منهج خير المرسلين، ثم العمل بأحكام الشريعة الغراء حتى يينع ثمرتها في دوحته. خامساً: مجاهدة الشيطان بدفع ما يأتي به من الشبهات. وما يزينه من الشهوات. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم) 21 من سورة النور (خطوات الشيطان) طرقه الزينة للموبقات، والداعية إلى المعاصي، وإشاعة الفاحشة، والغيبة والنميمة، والبغضاء والغواية، و (الفحشاء) ما أفرط قبحه (والمنكر) ما أنكره الشرع (ورحمته) بتوفيق التوبة الماحية للذنوب وشرع الحدود المكفرة لها. (ما أزكى): ما طهر من دنسها (يزكى) يحمله على التوبة وقبولها (سميع) لمقالهم (عليم) بنياتهم. سادساً: ترك مجالس السوء، وهجر صحبة الأشرار، ونبذ مودة العاصين، وقطع كل صلة بالفاسقين، وإعلان الحرب على الضالين المضلين الغاوين. سابعاً: نصيب العالم كله للارشاد والوعظ، والهداية والنصيحة، وتفهيم الناس الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والأحكام الفقهية، والسيرة النبوية، وتاريخ أبطال الإسلام وحماته. ثامناً: الإقبال على النصيحة والعمل بها، والسعي لجني ثمارها، ومحبة الصالحين وزيارة المتقين، ومودة العاملين والاستضاءة بأنوارهم والاقتداء بأفعالهم. قال تعالى: 1 - (للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد) 18 من سورة الرعد (الحسنى) الاستجابة الحسنى والمثوبة بالجنة، وهذا مثل المؤمنين الصالحين (والذين لم يستجيبوا له) هذا مثل العصاة، وقال البيضاوي: ووهم الكفرة واللام متعلقة بيضرب. بقوله تعالى: (كذلك يضرب الله الأمثال) على أنه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين ضرب المثل لهما، وقيل للذين استجابوا خير الحسنى وهي المثوبة أو الجنة (سوء الحساب) المناقشة فيه بأن يحاسب الرجل بذنبه لا يغفر منه شيء (ومأواهم) مرجعهم (النار وبئس المهاد) ذم المستقر. أهـ.

الترغيب في احتباس الخيل للجهاد لا رياء ولا سمعة، وما جاء في فضلها، والترغيب فيما يذكر منها والنهي عن قص نواصيها لأن فيها الخير والبركة

13 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الصَّدقات ظلُّ فُسطاطٍ في سبيل الله، ومنحة خادمٍ في سبيل الله، أوْ طروقة فحلٍ في سبيل الله. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. (طروقة الفحل) بفتح الطاء وبالإضافة: هي الناقة التي صلحت لطرق الفحل، وأقلّ سنها: ثلاث سنين، وبعض الرَّابعة، وهذه هي الحقة، ومعناه أن يعطي الغازي خادماً، أو ناقة هذه صفتها، فإن ذلك أفضل الصدقات. الترغيب في احتباس الخيل للجهاد لا رياء ولا سمعة، وما جاء في فضلها والترغيب فيما يذكر منها، والنهي عن قص نواصيها لأن فيها الخير والبركة 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتبسَ فرساً في سبيل الله (¬1) إيماناً بالله وتصديقاً بوعدهِ (¬2) فإنَّ شبعة (¬3) وريَّهُ (¬4) وروثه، وبوله في ميزانهِ يوم القيامة، يعني حسناتٍ (¬5). رواه البخاري والنسائي وغيرهما. 2 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله: فالخيل؟ قال: الخيل ثلاثة: هي لرجلٍ وزرٌ، وهي لرجلٍ سترٌ، وهي لرجلٍ أجرٌ، فأمَّا الذي هي له وزرٌ (¬6): فرجل ربطها رياء وفخراً، ونواء (¬7) لأهل الإسلام فهي له وزرٌ، وأمَّا التي هي له سترٌ: فرجل ربطها في سبيل الله، ثمَّ لمْ ينس حق الله في ظهورها، ولا رقابها فهي له ستر، وأما التي هي له أجرٌ: فرجل ربطها في سبيل الله تعالى لأهلِ الإسلام في مرجٍ (¬8) أو روضةٍ (¬9) فما أكلتْ من ذلك المرج أو الرَّوضة من شيء إلا كتب الله له ¬

(¬1) وقفها للدفاع عن بيضة الإسلام. (¬2) بنيل نعيمه. (¬3) ما يشبع به. (¬4) ما يرويه من الماء. هذه الأشياء كلها ثواب له في ميزانه، وتكون في كف ميزانه مثل المسك الأذفر وتنقى صحائفه وتضيء أمامه. قال صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ مسلم ينقي لفرسه شعيراً ثم يعلقه عليه إلا كتب الله له بكل حبة حسنة) رواه الإمام أحمد في مسنده ص 306 شرقاوي. (¬5) كل شيء يفعله فيه يكنز ثوابه حسنات. (¬6) ذنب. (¬7) عداء. (¬8) مزارع، وفي المصباح أرض ذات نبات ومرعي. (¬9) والروضة: الموضع المعجب بالزهور. يقال نزلنا أرضا أريضة. قيل سميت بذلك لاستراضة المياه السائلة إليها. أي لسكونها بها. أهـ.

عدد ما أكلت حسناتٍ، وكتب له عدد أرواثها (¬1) وأبوالها حسناتٍ، ولا تقطع طوالها فاستنَّتْ شرفاً، أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها وأروثها حسناتٍ، ولا مرَّ بها صاحبها على نهرٍ فشربتْ منه ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله تعالى له عدد ما شربتْ حسناتٍ. رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وهو قطعة من حديث تقديم بتمامه في منع الزكاة. 3 - ورواه ابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: فأمَّا الذي هي له أجرٌ: فالذي يتخذها في سبيل الله (¬2)، ويعدها له لا تغيِّب في بطونها شيئاً إلا كتب له بها أجرٌ، ولوْ عرض مرجاً، أومرجينِ (¬3) فرعاها صاحبها فيه كتب له بما غيَّبت في بطونها أجر ولو استنَّذت شرفاً، أو شرفين تب له بكلِّ خطوة خطاها أجر، ولوْ عرض نهراً فسقاها به كانت (¬4) له بكلِّ قطرة غيبَّبت في بطونها منه أجر حتى ذكر الأجر في أوراثها وأبوالها. وأما التي هي له سترٌ: فالذي يتخذها تعففاً وتجملاً وتستراً، ولا يحبسُ حق ظهورها وبطونها في يسرها وعسرها: وأما الذي عليه وزرٌ: فالذي يتخذها أشراً وبطراً وبذخاً عليهم، الحديث. 4 - ورواه البيهقي مختصرا بنحو لفظ ابن خزيمة، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخيل (¬5) معقود في نواصيها (¬6) الخير إلى يوم القيامة، والخيل ثلاثةٌ: خيل ¬

(¬1) ثفل طعامها. (¬2) أي بنية جهاد العدو لا لقصد الزينة والترفه، والتفاخر إيمانا بالله: أي ربطه خالصاً لله تعالى وامتثالا لأمره. (¬3) أظهر لها مزرعة. (¬4) كانت. كذا د وع ص 428، وفي ن ط: كان. (¬5) الخيل المعدة للجهاد. (¬6) ملازم لها كأه معقود فيها، ويجوز أن يشبه الخير لظهوره، وملازمته بشيء محسوس على مكان مرتفع ليكون منظوراً للناس ملازما تنظره، والعقد تخييل لأنه لازم المشبه به، والناصية تجريد، والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل من مقدم الرأس، وقد يكني بالناصية عن جميع ذات الفرس. قال الولي ابن العراقي ويمكن أنه أشير بذكر الناصية إلى أن الخير إنما هو في مقدمها للاقدام به على العدو دون مؤخرها لمافيه من الإشارة إلى الإدبار. أهـ شرقاوي ص 305. وقد فسر صلى الله عليه وسلم الخير بقوله في رواية البخاري (الأجر والمغنم). أ - أي الثواب في الآخرة. ب - أي الغنيمة في الدنيا. قال الشرقاوي: وفي الحديث مع مجاوزة لفظه من البلاغة والعذوبة ما لا مزيد عليه في الحسن مع الجناس الذي بين الخيل والخير. قال ابن عبد البر: وفيه تفضل الخيل على سائر الدواب لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأت عنه في غيرها مثل هذا القول، وروي النسائي عن أنس: (لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل) وروي (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: =

أجرٍ، وخيل وزرٍ، وخيل سترٍ، فأمَّا خيل سترٍ: فمن اتَّخذها تعففاً وتكرُّما وتجملا، ولم ينس حقَّ ظهورها (¬1) وبطونها (¬2) في عسْرهِ ويسرهِ، وأما خيل الأجر فمن ارتبطها في سبيل الله، فإنَّها لا تغيب في بطونها شيئاً إلا كان له أجرٌ حتى ذكر أرواثها وأبوالها، ولا تعدو في وادٍ شوطاً أو شوطين إلا كان في ميزانهِ، وأما خيل الوزرِ، فمن ارتبطها تبذُّخا على الناس، فإنَّها لا تغيِّبُ في بطونها شيئاً إلا كان وزراً حتى ذكر أرْواثها وأبوالها، ولا تعدو في وادٍ شوطاً أو شوطين إلا كان عليه وزرٌ. (النواء) بكسر النون وبالمد: هو المعاداة. (الطِّوال) بكسر الطاء، وفتح الواو: هو حبل تشدّ به الدابة، وترسلها ترعى. (واستنت) بتشديد النون: أي جرت بقوة. (والشرف) بفتح الشين المعجمة، والراء جميعا: هو الشوط، ومعناه جرت بقوة شوطاً، أو شوطين كما جاء مفسراً في لفظ البيهقي. (البذخ) بفتح الباء الموحدة، وسكون الذال المعجمة آخره خاء معجمة: هو الكبر، والتبذخ التكبر، ومعناه أنه اتخذ الخيل تكبراً وتعاظماً، واستعلاء على ضعفاء المسلمين وفقرائهم. 5 - وعنْ أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

= (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا) الآية: من هم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هم أصحاب الخيل، ثم قال: إن المنفق على الخيل كباسط يده بالصدقة لا يقبضها وأبوالها وأرواثها كذكي المسك يوم القيامة). وروي (أن الفرس إذا التقت الفئتان تقول: سبوح قدوس رب الملائكة والروح) وهي أشد الدواب عدوا، وفي طبعه الخيلاء في مشيه، والسرور بنفسه، والمحبة لصاحبه، وربما عمر الفرس إلى سبعين سنة. أهـ شرقاوي. (¬1) أي يقدمها للجهاد فينتفع بقوتها ويركب على ظهورها. (¬2) وبطونها: أي يحافظ على زكاة نتائجها، والمعنى أن وجودها عنده لله، ويؤدي فيها حقوق الله، والله تعالى أعلم. ولقد مدح الله جل وعلا في محكم كتابه سيدنا سليمان الذي كان يعتني بمراقبة خيله للغزو، ويراعي واجبها (ردوها على فطفق مسحاً بالسوق والأعناق) فأخذ يمسح بيده الشريفة بسوقها وأعناقها. روي أنه عليه الصلاة والسلام غزا دمشق ونصيين وأصاب ألف فرس، وقيل أصابها أبوه من العمالقة فورثها منه. فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس. فغفل عن ورد كان له فاغتم لما فاته. قال عز وجل: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب 30 إذا عرض بالعشي الصافنات الجياد 31 فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب) 32 من سورة ص. قائد الجيوش عليه السلام يستعرض عدد حربه ومطاياها عناية بالجهاد في سبيل الله تعالى، لأنها سبب النصر ولذا سماها خيرا لتعلق الخير بها.

الخيل في نواصيها الخير معقود أبداً إلى يوم القيامة، فمن ارتبطها عدَّة في سبيل الله وأنفق عليها احتساباً في سبيل الله، فإنَّ شعبها وجوعها وريَّها وظمأها وأرْواثها وأبوالها فلاحٌ في موازينهِ (¬1) يوم القيامة، ومن ارتبطها رياءً وسمعة ومرحاً وفرحاً، فإن شعبها وجوعها وريها وظمأها، وأرواثها وأبوالها خسرانٌ (¬2) في موازينه يوم القيامة. رواه أحمد باسناد حسن. 6 - وروي عن خبَّابِ بن الأرتِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخيل ثلاثة: ففرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشَّيطان، فأمَّا فرس الرَّحمن فما اتُّخذ في سبيل الله، وقتل عليه أعداء الله، وأما فرس الإنسان فما استبطنَ وتجمِّل (¬3) عليه، وأمَّا فرس الشيطان: فما روهن عليه، وقومر عليه. رواه الطبراني وهو غريب. 7 - وعن رجلٍ من الأنصار رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: الخيل ثلاثة: فرس يرتبطه الرَّجل في سبيل الله عزَّ وجلَّ فثمنه أجرٌ، وركوبه أجرٌ، وعاريَّته أجرٌ، وفرس يغالق (¬4) عليه الرجل ويراهن: فثمنه وزرٌ، وركوبه به وزرٌ، وفرسٌ للبطنة: فعسى أن يكون سداد من الفقر إن شاء الله. رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 8 - وعنْ عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الخيل ثلاثةٌ: فرس (¬5) للرَّحمن (¬6)، وفرس للإنسان (¬7)، وفرس للشَّيطان (¬8)، فأما فرس الرَّحمن: فالذي يرتبط (¬9) في سبيل الله عز وجلَّ فعلفه وبوله وروْثهُ، وذكر ¬

(¬1) حسنات. (¬2) نقص وسيئات. (¬3) وتجمل. كذا د وع ص 429، وفي ن ط: وتحمل. (¬4) يراهن، والمغلق: سهام الميسر، واحدها مغلق بالكسر كأنه كره الرهان في الخيل إذا كان على رسم الجاهلية، ومنه الحديث: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) في أي في إكراه لأن المكره لأن المكره لأن المكره مغلق عليه في أمره ومضيق عليه فيتصرفه كما يغلق الباب على الإنسان. أهـ نهاية ص 168. (¬5) فرس. كذا د وع ص 429، وفي ن ط: ففرس. (¬6) للجهاد في سبيله سبحانه. (¬7) البذخ والعز. (¬8) للرياء والكبرياء. (¬9) يحبس.

ما شاء الله، وأما فرس الشيطان: فالذي يقامر عليه ويراهن (¬1)، وأما فرس الإنسانِ: فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها (¬2)، فهي ستر من فقرٍ. رواه أحمد أيضا باسناد حسن. 9 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة: ومثل المنفق عليه كالمتكفِّفِ بالصدقةِ. رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، وهو في الصحيح باختصار النفقة. 10 - وروي ابن حبان في صحيحه شطره الأخير قال: مثل المنفقِ على الخيل كالمتكتفِّفِ بالصدقة، فقلت لعمر: ما المتكفِّف بالصَّدقة؟ قال الذي يعطي بكفِّهِ (¬3). 11 - وعنْ أبي كبشة رضي الله عنه صاحب النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: الخيل معقود في نواصيها الخير (إلى يوم القيامة) (¬4) وأهلها معانون عليها، والمنفق عليها كالباسط يده بالصَّدقة. رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 12 - وروي عن عريبٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: الخيل معقود في نواصيها الخير والنَّيْل إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، والمنفقُ عليها كالباسط (¬5) يده بالصَّدقة، وأبوالها وأرْواثها لأهلها عند الله يوم القيامة من مسكِ الجنة. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفي نكارة. 13 - وعنْ سهل بن الحنظلية، وهو سهل بن الرَّبيع بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المنفقُ على الخيل كالباسط يده بالصَّدقة لا يقبضها (¬6). رواه أبو داود. ¬

(¬1) يسابق عليه في الرهان. نعوذ بالله من مال يجلب لصاحبه الويل والثبور وينميه في حرام. (¬2) يربيها لينتفع بأولادها ونتاجها، ويقضي عليها حاجاته. (¬3) بكفه. كذا ط وع، وفي ن د بالله: أي الذي يجود بما عنده، وينفق من ذات يده كناية عن كرمه وكثرة إنفاقه، وضيق يده. فثوابه مضاعف لإيثار الجود عن البخل: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة). (¬4) إلى يوم القيامة ليست في ع. (¬5) أي المرخي ليده العنان فيتصف بكثرة الإنفاق. (¬6) لا يمر عليه بخل، والمعنى أنه سباق إلى جني المكارم، كثير الإحسان، وافر الصدقات لإنفاقه على الخيل =

14 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخيلُ معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. رواه مالك والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. 15 - وعنْ عروق بن أبي الجعدِ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: الخيل معقود في نواصيها الخير: الأجر والمغنم إلى يوم القيامة. رواه البخاري، ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. 16 - وعنْ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخيل معقود في نواصيها الخير والنَّيْلُ إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها فامْسحوا بنواصيها (¬1)، وأدْعوا لها بالبركة وقلِّدوها (¬2)، ولا تقلدوها الأوْتار. رواه أحمد باسناد جيد. 17 - وعنْ جريرٍ رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلْوي ناصية فرس بأصبعه، وهو يقول: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة. رواه امسلم والنسائي. 18 - وعن معقل بن يسارٍ رضي الله عنه قال: لمْ يكنْ شيء أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل ثمَّ قال: غفرانك النِّساء (¬3). رواه أحمد ورواته ثقات. 19 - ورواه النسائي من حديث أنس، ولفظه: ولفظه: لمْ يكن شيء أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النِّساء من الخيل. ¬

= التي تغزو في سبيل الله. (¬1) مدو أيديكم عليها تبركا ونظافة وشدة عناية. (¬2) أي قلدوها: طلب أوتار الجاهلية، وذحولها التي كانت بينكم، والأوتار جمع وتر بالكسر: وهو الدم، وطلب الثأر. يريد: اجعلوا ذلك لازما بها في أعناقهم لزوم القلائد للأعناق، وقيل أراد بالأوتار جمع وتر القوس: أي لا تجعلوا في أعناقها الأوتار فتختنق. لأن الخيل ربما رعت الأشجار فنشبت الأوتار ببعض شعبها فشنقتها، وقيل إنما نهاهم عنها لأنهم كانوا يعتقدون أن تقليد الخيل بالأوتار يدفع عنها العين والأذى فتكون كالعوذة لها فنهاهم وأعلمهم أنها لا تدفع ضررا ولا تصرف حذرا. أهـ نهاية ص 272. (¬3) أي أطلب غفرانك اللهم، ثم يعقب ذلك محبة النساء. النبي صلى الله عليه وسلم يحب أمرين جليلين عليهما عماد الحياة، ونظامها وعزها وصفائها. أ - الخيل للجهاد وللغزو، ولمحاربة أعداء الدين، ولإعلاء كلمة الله تعالى. ب - النساء للنسل ولانتظام المعيشة، ولتوفير أسباب الراحة، ولوجود الهناءة: وبزوغ شموس المسرة، وقرة العيون.

20 - وعنْ أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ فرسٍ عربي إلا يؤذن له عند كلِّ سحرٍ (¬1) بكلمات يدعو بهنَّ: اللهمَّ خوَّلتني (¬2) منْ خوَّلتني (¬3) من بني آدم، وجعلتني له فاجعلني أحبَّ (¬4) أهلهِ ومالهِ، أوْ منْ أحبِّ أهله وماله إليه. رواه النسائي. 21 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البركة في نواصي الخيل. رواه البخاري ومسلم. 22 - وعنْ عقبة بن عبدٍ السُّلميِّ رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقصوا نواصي الخيل، ولا معارفها (¬5)، ولا أذنابها، فإن أذنابها مذابُّها (¬6) ومعارفها دفؤها (¬7) ونواصيها (¬8) معقود فيها الخير. رواه أبو داود، وفي إسناده رجل مجهول. 23 - وعنْ عقبة بن عامر، وأبي قتادة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الخيلِ الأدْهم الأقرح (¬9) الأرْثم (¬10) المحجَّلُ (¬11) طلق اليد اليُمنى. قال يزيد، يعْني ابن أبي حبيبٍ، فإنْ لمْ يكن أدهم فكميتٌ على هذه الشِّية. رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) قبيل الصبح. (¬2) ملكتني وجعلتني له من خدمه، والخول: حشم الرجل وأتباعه، ومنه الحديث (هو إخوانكم وخولكم). (¬3) من التمليك، وقيل من الرعاية. (¬4) أحب أهله. كذا د وع ص 431، وفي ن ط: أحب إلى أهله. أي أطلب منك يا رب أن تكون محبته لي أكثر من أهله وماله ليرعاني، ويستعملني فيما يرضيك، وأكون سبب الخير والنصر. (¬5) جمع معرفة بفتح الراء: الشعر النابت على رقبتها، وفي حديث ابن جبير: (ما أكلت لحماً أطيب من معرفة البرذون): أي منيت عرفه من رقبته. أهـ. (¬6) الدفاعات عنها: المزيلات عنها أي ضرر يلحقها، المفرد مذبة. (¬7) التي تجلب لها الدفء، وتقيها البرد، وتمنع عنها الألم. (¬8) الشعر الذي في مقدم الرأس فوق الجبهة لأنها سبب العز والفخر والفتح. (¬9) هو ما كان في جبهته قرحة بالضم: وهي بياض يسير فيوجه الفرسن دون الغرة. (¬10) الذي أنفه أبيض وشفته العليا. (¬11) هو الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد، ويجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين لأهما مواضع الأحجال: وهي الخلاخيل والقيود، ولا يكون التحجيل باليد واليدين ما لم يكن معها رجل أو رجلان. أهـ نهاية ص 204.

24 - ورواه الترمذي، وابن ماجه والحاكم عن أبي قتاده وحده، ولفظ الترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيْرُ الخيلِ الأدْهمُ الأقرح والأرْثم، ثمَّ الأقرح المحجَّل طلق اليد اليمنى، فإنْ لم يكنْ أدْهم فكميتٌ على هذا الشِّية. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. (الأقرح): هو الفرس يكون في وسط جبهته قرحة، وهي بياض يسير. (والأرثم) بفتح الهمزة، وثاء مثلثة مفتوحة: هو الفرس يكون به رثم محرّكاً ومضموم الرّاء ساكن الثاء، وهو بياض في شفته العليا، والأنثى رثماء. (وطلق اليمنى) بفتح الطاء، وسكون الزام وبضمها أيضاً: إذا لم يكن بها تحجيل. (والكميت) بضم الكاف، وفتح الميم: هو الفرس الذي ليس بالأشقر ولا الأدهم، بل يخالط حمرته سواد. (والشية) بكسر الشين المعجمة، وفتح الياء مخففة: هو كل لون في الفرس يكون معظم لونها على خلافه. 25 - وعنْ عقبة رضي الله عنه أيضاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا أردْت أن تغزو فاشتر فرساً أغرَّ محجَّلا مطلق اليمنى (¬1) فإنَّك تغنم (¬2) وتسلم (¬3). رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. 26 - وعنْ أبي وهبٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكمْ من الخيلِ بكلِّ كميتٍ (¬4) أغرَّ (¬5) محجِّلٍ، أوْ أشقر أغرَّ محجَّلٍ، أوْ أدهم أغرَّ مجَّلٍ رواه أبو داود، واللفظ له، والنسائي أطول من هذا. 27 - وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمنُ الخيل في شقرها. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب. (اليمن) بضم الياء: هو البركة والقوَّة. ¬

(¬1) اليمنى. كذا ط وع ص 432، وفي ن د: اليمين. والمعنى أن يكون واسع الخطا قويا على الحركة، وشدة العدو متين الأرجل. (¬2) تربح وتنال الفوز. (¬3) تنجو من الأعداء. (¬4) بين اللون الأسود والأحمر. قال أبو عبيد: ويفرق بين الكميت والأشقر بالعرف والذنب، فإن كانا أحمرين فههو أشقر، وإن كانا أسودين فهو الكميت، وهو تصغير أكمت على غير قياس، والاسم الكمتة. أهـ مصباح. (¬5) في جبهته بياض، فرس أغر ومهرة غراء.

ترغيب الغازي والمرابط في الإكثار من العمل الصالح من الصوم والصلاة والذكر ونحو ذلك، وتقدم في باب النفقة في سبيل الله

ترغيب الغازي والمرابط في الاكثار من العمل الصالح من الصوم والصلاة والذكر ونحو ذلك، وتقدم في باب النفقة في سبيل الله 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به أتى على قومٍ يزرعون في يومٍ، ويحصدون في يوم كلَّما حصدوا عاد كما كان، فقال يا جبرائيل: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهمْ الحسنة بسبعمائة ضعفٍ، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه (¬1). رواه البزار. 2 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ عبدٍ يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً (¬2). رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 3 - وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام يوما في سبيل الله في غير رمضان بُعِّد من النار مائة عام سير المضمَّر (¬3) الجواد (¬4). رواه أبو يعلي من طريق زبان بن فائد. 4 - وعنْ أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام يوماً في سبيل الله جعل بينه وبين النَّار خندقاً (¬5) كما بين السماء والأرض. رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد حسن. 5 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: منْ صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النَّار خندقاً كما بين السماء والأرض. رواه الترمذي عن الوليد بن جميل عن القاسم عنه، وقال: حديث غريب. 6 - وعنْ عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) يزيده حسنات وبركة. (¬2) أي يتطوع بنافلة يجعل الله مكانه بعيداً عن النار مسيرة سبعين سنة سيرا مسرعا. والمعنى يقربه إلى الجنة، ويقيه عذاب جهنم من جراء جهاده، وتنفل صومه لله. (¬3) الذي دق وقل لحمه. يقال أضمرته: أعددته للسباق، وهو أن تعلفه قوتا بعد السمن فهو ضامر وخيل ضامرة وضوامر، والمضمار: الذي تضمر فيه الخيل. (¬4) سريع الجري قوي الوثب. (¬5) حصنا حصيناً ومكانا مكينا.

من صام يوماً في سبيل الله بعِّدتْ منه (¬1) النَّار مسيرة مائة عامٍ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد لا بأس به. ورواه في الكبير من حديث أبي أمامة إلا أنه قال فيه: بعَّدَ الله وجهه عن النَّار مسيرة مائة عامٍ ركض الفرسِ (¬2) الجواد المضمَّرِ. ورواه النسائي من حديث عقبة لم يقل فيه: ركض الفرس إلى آخر. 7 - وعنْ سهلِ بن معاذٍ عنْ أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الصلاة والصيام والذِّكر يضاعف على النَّفقة في سبيل الله بسبعمائةِ ضعفٍ (¬3) رواه أبو داود من طريق زبان عنه. 8 - وعنْ معاذ بن جبلٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: طوبى (¬4) لمنْ أكثر في الجهاد في سبيل الله من ذكر الله، فإنَّ له بكلِّ كلمةٍ سبعين ألف حسنةٍ، كلُّ حسنةٍ منها عشرة أضعاف مع الذي له عند الله من المزيد، الحديث. رواه الطبراني في الكبير، وفيه رجل لم يسمّ. 9 - وروي عن معاذٍ رضي الله عنه عنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ رجلاً سأله فقال: أيُّ المجاهدين أعظم أجراً؟ قال: أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكراً، الحديث. رواه أحمد والطبراني، ويأتي بتمامه إن شاء الله. 10 - وعنْ سهل بن معاذٍ عن أبيه رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ آية في سبيل الله كتبه الله مع النبيين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين. رواه الحاكم من طريق زبان عنه، وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) منه. كذا ط وع ص 432، وفي ن د: عنه. والمعنى يقربه الله من نعيم الجنة، ويقيه حر جهنم على مسافة سير مائة سنة. (¬2) جرى. يقال ركضت الفرس: إذا ضربته ليعدو، ثم كثر حتى أسند الفعل إلى الفرس. قال أبو زيد: يستعمل لازما ومتعديا. فيقال ركض الفرس وركضته. (¬3) معناه ثواب هذه الأشياء الثلاثة في الجهاد في سبيل الله، وفي حومة الوغي مضاعف ثوابها: زائد أجرها. (¬4) شجرة في الجنة ينال الذاكر مقدار ظلها سعة وملكا وتنعما. وفيه الحث على ذكر الله وعبادته في الغزو.

الترغيب في الغدوة في سبيل الله والروحة، وما جاء في فضل المشي والغبار في سبيل الله والخوف فيه

(قال المملي) رضي الله عنه: والظاهر أن المرابط أيضاً في سبيل الله فيضاعف عمله الصالح كما يضاعف عمل المجاهد. 11 - وقد روي عن أنس رضي الله عنه يرفعه قال: صلاة في مسجدي تُعْدلُ بعشرةِ آلاف صلاةٍ، وصلاة في المسجد الحرام تعدل بمائة ألف صلاةٍ، والصلاة بأرض الرباط بألفي ألف صلاةٍ، الحديث. رواه أبو الشيخ بن حبان في كتاب الثواب. 12 - وروي البيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاةٍ، ونفقة الدِّينار والدِّرهم منه أفضل منْ سبعمائة دينارٍ ينفقه في غيره، والله أعلم. الترغيب في الغدوة في سبيل الله والروحة، وما جاء في فضل المشي والغبار في سبيل الله والخوف فيه 1 - عنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لغدوة في سبيل الله، أوْ روْحة خيرٌ من الدُّنيا وما فيها، ولقاب (¬1) قوْس أحدكمْ من الجنَّة، أو موضع قيدٍ (¬2) يعني سوطه، خير من الدُّنيا وما فيها، ولوْ أنَّ امرأةً من أهل الجنة اطَّلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهماولملأته ريحاً ولنصيفها (¬3) على رأسها خير من الدنيا وما فيها. رواه البخاري ومسلم وغيرها. (الغدوة) بفتح الغين المعجمة: هي المرّة الواحدة من الذهاب. (والرّوحة) بفتح الراء: هي المرَّة الواحدة من المجيء. 2 - وعنْ أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عيله وسلم: غدوةٌ في سبيل الله، أوْ روْحة خير مما طلعتْ عليه الشَّمس، أو غربت (¬4). روراه مسلم والنسائي. ¬

(¬1) مقدار رمح. (¬2) موضع قيد. كذا ط وع ص 431، وفي ن د: قيده. (¬3) الخمار، وقيل المعجر: أي غطاء الرأس. قال الشاعر: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقنا باليد بمخصب رخص البنان كأنه ... . . . . . . . . . . (¬4) الذهاب صباحا للهجوم على الأعداء وغاراتهم، ثم الإياب والكرة مساء أفضل عند الله وأكثر ثوابا. =

3 - وعنْ سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رباط يومٍ في سبيل الله خير من الدُّنيا وما عليها، وموضع سوْط أحدكمْ من الجنَّة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والرَّوحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة خير من الدُّنيا وما عليها. رواه البخاري، ومسلم والترمذي، وابن ماجه، وتقدم. 4 - وروي عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما راح (¬1) مسلم في سبيل الله مجاهدا، أوْ حاجاً مهلا (¬2)، أوْ ملبيِّاً إلا غربت الشمس بذنوبهِ (¬3). رواه الطبراني في الأوسط. 5 - وعن ابن عمر رضي عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الغازي في سبيل الله، والحاجُّ إلى بيت الله والمعتمر: وفد الله دعاهم فأجابوه. رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه، واللفظ كلاهما عن عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب عن مجاهد عنه، والبيهقي من هذه الطريق فوقفه ولم يرفعه، ورواه بنحوه من حديث أبي هريرة النسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه، وقال ابن ماجه في آخره: إنْ دعوة أجابهمْ، وإن استغفروه غفر لهمْ. 6 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تضمَّن الله لمنْ خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادٌ في سبيلي، وإيمان بي، وتصديقٌ برسلي فهو ضامنٌ (¬4) أن أدخله الجنَّة، أوْ أرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلا (¬5) ما نال من أجرٍ، أوْ غنيمةٍ، والذي نفس محمدٍ بيدهِ: ما كلْم يكلمُ في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم (¬6) لوْنه لون دمٍ، وريحه ريح مسكٍ، والذي نفس محمدٍ بيدهِ ¬

= وأبقى أجراً من الدنيا كلها. (¬1) ذهب: راح يروح روحا، وتروح مثله: بمعنى الغدو، وبمعنى الرجوع، وقد طابق بينهما في قوله تعالى: (غدوها شهر ورواحها شهر). (¬2) رافعاً صوته بالتلبية عند الإحرام، وكل من رفع صوته فقد أهل أهلالا. (¬3) مضى اليوم والله غفر له. (¬4) فهو ضامن. كذ ط وع ص 434، وفي ن د: فأنا ضامن. (¬5) مكتسبا صحة وثوابا وخيرا كثيرا. (¬6) كلم. كذا د وع، وفي ن ط: يكلم.

لولا أن أشقَّ على المسلمين ما قعدتُ خلاف سريةٍ (¬1) تغزو في سبيل الله أبدا، ولكنْ لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعةً، ويشقُّ عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفسُ محمدٍ بيده: لوددتُ أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثمَّ أغزو فأقتل، ثمَّ أغزو فأقتل. رواه مسلم واللفظ له. رواه مالك والبخاري والنسائي، ولفظهم: تكفَّل الله لمن جاهد في سبيلهِ لا يخرجهُ من بيته إلا الجهاد في سبيله، وتصديق بكلماتهِ أن يدخله الجنَّة، أوْ يردَّه إلى مسكنه بما نال من أجرٍ، أوْ غنيمةٍ، الحديث. (الكلم) بفتح الكاف، وسكون اللازم: هو الجرح. 7 - وعنْ أبي مالكٍ الأشعريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من فصلَ في سبيل الله فمات أوْ قتل فهو شهيدٌ، أو وقصه فرسهُ، أوْ بعيرهُ، أوْ لدغته هامَّة، أوْ مات على فراشه بأيِّ حتفٍ شاء الله مات فإنَّه شهيدٌ، وإنَّ له الجنَّة. رواه أبو داود من رواية بقية بن الوليد عن ابن ثوبان، وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، ويأتي الكلام على بقية، وعبد الرحمن. (فصل) بالصاد المهملة محركا: أي خرج. (وقصه) بالقاف والصاد المهملة محركا: أي رماه فكسر عنقه. (الحتف) بفتح المهملة، وسكون المثناه فوق: هو الموت ¬

(¬1) قطعة من الجيش. فعلية بمعنى فاعلة لأنها تسري في خفية، والجمع سرايا وسريات، ولكثرة ثواب المجاهدين في حرب نصر الدين تمنى صلى الله عليه وسلم القتل غازيا، ثم يرد الله حياته صلى الله عليه وسلم فيغزو ثم يقتل، وهكذا حتى يزداد درجات، وما من كمال إلا وعند الله أكمل منه. قال تعالى: أ - (لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد) 20 من سورة الزمر (غرف) علالي بعضها فوق بعض (مبنية) بنيت بناء المنازل على الأرض تجري الأنهار من تحت تلك الغرف، والخلف نقص، وهو على الله محال. أهـ بيضاوي. ب - (قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) 10 من سورة الزمر: الزمر طاعته (للذين أحسنوا) بالطاعات في الدنيا مثوبة حسنة في الآخرة، وقيل معناه للذين أحسنوا حسنة في الدنيا: وهي الصحة والعافية (وأرض الله واسعة) فمن تعسر عليه التوفر على الإحسان فيوطنه فليهاجر إلى حيث يتمكن منه (الصابرون) على مشاق الطاعات من احتمال البلاء، ومهاجرة الأوطان لها، والذود عن حرمات الدين، والدفاع عن الحق. وفي الحديث أنه ينصب الموازين يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج. فيوفون بها أجورهم، ولا ينصب لأهل البلاء، بل يصب عليهم الأجر صبا. يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقايض مما يذهب به أهل البلاد من الفضل).

8 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خرج حاجا (¬1) فمات كتب الله له أجر الحاجِّ إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كتب الله له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومنْ خرج غازياً (¬2) فمات كتب الله له أجر الغازي إلى يوم القيامة. رواه أبو يعلي من رواية محمد بن إسحاق، وبقية إسناده ثقات. 9 - وعنْ معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خمسٍ من فعل واحدةً منهنَّ كان ضامناً على الله عزَّ وجلَّ: من عاد مريضا، أو خرج مع جنازةٍ، أوْ خرج غازياً في سبيل الله، أو دخل على إمام يريد بذلك تعزيزه (¬3) وتوقيره (¬4)، أو قعد في بيتهِ (¬5) فسلم وسلم الناس منه. رواه أحمد، واللفظ له والبزار والطبراني وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما. 10 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربِّه قال: أيُّما عبدٍ من عبادي خرج مجاهداً في سبيلي ابتغاء مرضاتي (¬6) ضمنت له إنْ رجعتهُ أرْجعهُ بما أصاب من أجرٍ أو غنيمةٍ، وإنْ قبضتهُ (¬7) غفرتُ له. رواه النسائي. 11 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلج (¬8) النَّار رجلبكى منْ خشية الله حتى يعود اللبن في الضَّرع (¬9)، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنَّم. رواه الترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب صحيم. والنسائي والحاكم والبيهقي إلا أنهم قالوا: ولا يجتمع غبارٌ في سبيل الله، ودخان جهنَّم في منخريْ مسلمٍ أبداً. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) بنية أداء أعمال الحج. (¬2) محاربا عدو الدين. (¬3) تأديبه بآداب الله، وتزويده بنصوص الدين إن حاد ليعمل، أو يريد نصرته وتعظيمه لأنه رآه على حق. (¬4) تعظيمه، من الوقار. (¬5) اعتكف عن شرور الناس. (¬6) طلباً لرضاي. (¬7) توفيته. (¬8) لا يدخل. (¬9) معناه مستحيل أن يذوق العذاب من خاف الله فبكى لتقصيره، ولشدة ورعه استصغر أعماله الصالحة بجانب فضل الله ورحمته، وسلطانه، والتزكية له: ما أصابه في الجهاد من الغبار، وتحمل مشاق الحرب في سبيل الله تعالى.

12 - وعنْ عبد الرَّحمن بن جبرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اغبرَّتْ قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسَّه النَّار. رواه البخاري واللفظ له. ورواه النسائي والترمذي في حديث، ولفظه: من اغبرَّت قدماه في سبيل الله فهما حرام على النار. 13 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: لا يجتمعانِ في النار اجتماعاً يضرُّ أحدهما الآخر: مسلم قتل كافراً، ثمَّ سدّد (¬1) المسلم وقارب (¬2)، ولا يجتمعان في جوف عبدٍ: غبار في سبيل الله ودخان جهنَّم، ولا يجتمعان في قلب عبدٍ: الإيمان (¬3) والشُّحُّ (¬4). رواه النسائي والحاكم، واللفظ له وهو أتم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال النسائي: الإيمان والحسد، وصدر الحديث في مسلم. 14 - وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ما منْ رجلٍ يغبرُّ (¬5) وجهه في سبيل الله إلا آمنه الله دخان النار يوم القيامة، وما منْ رجلٍ تغْبرُّ قدماه في سبيل الله إلا آمن الله قدميه النَّار يوم القيامة. رواه الطبراني والبيهقي. 15 - وعنْ أبي الدرداء رضي الله عنه يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجمع الله عزَّ وجلَّ في جوف عبدٍ غباراً في سبيل الله، ودخان جهنم، ومن اغبرَّت قدماه في سبيل الله باعد الله منه النار يوم القيامة مسيرة ألف عامٍ للراكب المستعجل، ومنْ جرح جراحةً في سبيل الله ختم (¬6) له بخاتم الشُّهداء، له نور يوم القيامة لونها مثل لونِ الزَّعفران، وريحها مثل ريح المسكِ يعرفه بها الأولون والآخرون يقولوا: فلان عليه طابع (¬7) الشهداء، ومنْ قاتل ¬

(¬1) مشى على سنن الشرع وتحرى السداد، وفعل الصواب. (¬2) سلك مناهج الصالحين، وحضر مجالسهم واقتدى بفعالهم، وتخلق بأخلاقهم. وفي النهاية: (سددوا وقاربوا) أي اقتصدوا في الأمور كلها، واتركوا الغلو فيها والتقصير. يقال قارب فلان في أموره: إذا اقتصد. (¬3) التصديق بالله ورسوله وكنبه واليوم الآخر. (¬4) التقصير في حقوق الله. (¬5) يصاب وجهه بآثار تراب الحرب، والمعنى جاهد فأخلص وتحمل مشاق الدفاع. (¬6) ختم له كذا ط وع ص 436، وفي ن د. ختم الله له. (¬7) علامة وميزة.

في سبيل الله فواق ناقةٍ (¬1)، وجبت له الجنَّة. رواه أحمد، ورواة إسناده ثقات إلا أن خالد بن دريك لم يدرك أبا الدرداء. 16 - وروي الطبرانيَّ في الأوسط عن عمرو بن قيس الكندي قال: أنا مع أبي الدرداء منصرفين من الصَّائفة، فقال يا أيها الناس: اجتمعوا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اغبرَّتْ قدماه في سبيل الله حرَّم الله سائر جسده على النار. (قوله) من الصائفة: أي من غزوة الصائفة، وهي غزوة الروم، سميت بذلك لأنهم كانوا يغزونهم في الصيف، خوفاً من البرد والثلج في الشتاء. 17 - وعنْ ربيع بن زيادٍ رضي الله عنه أنَّه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير إذا هو بغلامٍ منْ قريش معتزلٍ (¬2) من الطريق يسير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس ذاك فلان؟ قالوا: بلى. قال: فادعوه، فدعوه. قال: ما بالك اعتزلت الطريق (¬3)؟ قال: يا رسول الله كرهت الغبار. قال: فلا تعتزله، فو الذي نفس محمَّدٍ بيده إنَّه لذريرة (¬4) الجنَّة: رواه أبو داود في مراسيله. 18 - وعنْ أبي المصبِّح المقرائي رضي الله عنه قال: بينما نحن نسير بأرض الرُّوم في طائفةٍ عليها مالك بن عبد الله الخشعميُّ إذا مرَّ مالك بجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهو يقود بغلاله، فقال له مالك: أي أبا عبد الله ارْكبْ فقد حملك الله؟ فقال جابر: أصلحُ (¬5) دابتي وأستغنى عن قومي، وسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النَّار، فسار حتى إذا كان حيث يسمعه الصوت نادي بأعلى صوته: يا أبا عبد الله اركب فقد حملك الله، فعرف جابر الذي يريد، فقال: أصلح دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اغتبرت قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النَّار، فتواثب الناس (¬6) ¬

(¬1) مقدار حلبها. (¬2) معتزل. كذا ط وع، وفي ن د: منعزل: أي وحده. (¬3) اجتنبت مسلك الناس العام. (¬4) نوع من الطيب مجموع من أخلاط: كذا في النهاية في حديث عائشة رضي الله عنها: (طيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه بذريرة) والمعنى أن من تحمل غبار الجهاد كان له مسك أذقر ورائحة طيبة يوم القيامة بتقربه من نعيم الجنة. (¬5) أجهز اللازم لركوبها. (¬6) قفز، من وثب وثوبا: قفز. يريدون المشي رضي الله عنهم حبا في ليل =

عن دوابِّهمْ، فما رأيت يوماً أكثر ماشياً منهُ. رواه ابن حبان في صحيحه، واللفظ له. 19 - ورواه أبو يعلي بإسناد جيد إلا أنه قال: عنْ سليمان بن موسى قال: بينا نحن نسير، فذكره بنحوهِ، وقال فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما اغبرَّتْ قدما عبدٍ في سبيل الله إلا حرم الله عليهما النَّار، فنزل مالك، ونزل الناس يمشون، فما روي يوماً أكثر ماشياً منهُ. (المصبح) بضم الميم، وفتح الصاد المهملة، وكسر الباء الموحدة. (والمقرائ) بضم الميم وقيل بفتحها، والضم أشهر، وبسكون القاف بعدها راء وألف ممدود، نسبة إلى قرية بدمشق. 20 - وعنْ عائشة رضي الله عنها قالتْ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما خالط قلْب امرئٍ رهجٌ في سبيل الله إلا حرَّم الله عليه النار. رواه أحمد، ورواته ثقات. (الرّهج) بفتح الراء، وسكون الهاء، وقيل بفتحها: هو ما يداخل باطن الإنسان من الخوف والجزع ونحوه. 21 - وروي عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رجف قلْب المؤمن في سبيل الله تحاتَّتْ عنه خطاياه (¬1) كما يتحاثُّ عذق النَّخلة. رواه الطبراني في الكبير والأوسط. (العذق) بكسر العين المهملة، وإسكان الذال المعجمة، بعدها قاف: هو القنو، وهو المراد هنا، وبفتح العين: النخلة. 22 - وعنْ أمِّ مالكٍ البهزية رضي الله عنها قالتْ: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقرَّبها. قالتْ: قُلْتُ يا رسول الله: من خير النَّاس فيها؟ قال: رجلٌ في ماشيةٍ (¬2) يؤدي حقها (¬3)، ويعبد ربه (¬4)، ورجل أخذ برأس فرسهِ يخيف (¬5) العدوَّ ¬

= مشقة الجهاد، ورجاء تغيير القدمين عاملين بقول خير البرية صلى الله عليه وسلم. (¬1) تساقطت وزالت. يبين صلى الله عليه وسلم أن الخوف في الغزو مزيل السيئات وجالب الحسنات. تتناثر الذنوب كما يتساقط التمر وورق الشجر. (¬2) الإبل والبقر أو الغنم. (¬3) زكاتها ويراعي طعامها ويرأف بها. (¬4) يؤدي مأموراته ويجتنب منهياته. (¬5) يدخل الرعب في قلوب الكفار والملحدين مع خوفه منهم.

الترغيب في سؤال الشهادة في سبيل الله تعالى

ويخيفونه. رواه الترمذي عن رجل عن طاوس عن أم مالك، وقال: حديث غريب، وتقدم. الترغيب في سؤال الشهادة في سبيل الله تعالى 1 - عنْ سهل بن حنيفٍ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الله (¬1) الشهادة بصدقٍ، بلَّغة الله منازل الشُّهداء، وإنْ مات على فراشهِ. رواه مسلم وأبو داود والترمذيُّ والنسائي وابن ماجه. 2 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طلب الشهادة صادقاً أعطيها، ولوْ لمْ تصبهُ. رواه مسلم وغيره، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 3 - وعنْ معاذِ جبلٍ رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ قاتل في سبيل الله فواق ناقةٍ، فقدْ وجبتْ له الجنَّة، ومنْ سأل الله القتل من نفسهِ (¬2) صادقاً، ثمَّ مات، أو قتل، فإنَّ له أجر شهيدٍ، ¬

(¬1) في ن ط: الله تعالى: أي نوى الجهاد في سبيل الله إذا طلب ولم يقصر. (¬2) من نفسه. كذا ط وع ص 438، وفي ن د: لنفسه. ومعناه الإنسان يخلص لربه نيته، ويوطد العزيمة على الجهاد في سبيله إن سنحت الفرص، ويدافع عن الحق وينصر المظلوم، ويرد البدع المنكرة ويأمر بالمعروف ويعمل بآداب الشرع. إن كل شيء يفعله المرء لله يثاب عليه، وقد بين تعالى في محكم كتابه: أن ثواب الأعمال جليلها وحقيرها مدخر. قال تعالى: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئنون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين 120 ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون) 121 من سورة التوبة. (ولا يرغبوا) ولا يصونوا أنفسهم عما لم يصن نفسه عنه. روي أن أب خيثمة بلغ بستانه، وكانت له زوجة حسناء، فرشت له في الظل، وبسطت له الحصير، وقربت إليه الرطب، والماء البارد، فنظر فقال: ظل ظليل، ورطب يانع، وماء بارد، وامرأة حسناء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح، ما هذا بخير. فقام فرحل ناقته، وأخذ سيفه ورمحه، ومر كالريح، فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفه إلى الطريق فإذا براكب يزهاه السراب. فقال: كن أبا خيثمة، فكان. ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم واستغفر له (ذلك) إشارة إلى النهي عن التخلف، أو وجوب المعايشة (ظمأ) شيء من العطش (نصب) تعب (مخمصة) مجاعة و (ولا يطئون موطئاً) ولا يدوسون مكانا يغضب الكفار وطئوه (نيلا) كالقتل والأسر والنهب إلا استوجبوا به الثناء، وذلك مما يوجب المشايعة (نفقة صغيرة) واو علاقة (ولا كبيرة) مثل ما أنفق عثمان رضي الله تعالى عنه في جيش العسرة (ولا يقطعون واديا) في مسيرهم، وهو كل منعرج ينقذ فيه السيل، اسم فاعل من ودي: إذا سأل، فشاع بمعنى الأرض (إلا كتب لهم) إلا أثبت لهم ذلك جزاء أحسن أعمالهم. أهـ بيضاوي.

الترغيب في الرمي في سبيل الله وتعلمه، والترهيب من تركه بعد تعلمه رغبة عنه

ومنْ جُرح جرحاً في سبيل الله (¬1)، أوْ نكب نكبةً، فإنَّها تجيء يوم القيامة فأغزر (¬2) ما كانتْ، لونها لونُ الزَّعفران، وريحها ريح المسك، فذكر الحديث. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه بنحوه إلا أنه قال فيه: ومنْ سأل الله الشهادة مخلصاً (¬3) أعطاه الله أجر شهيدٍ، وإنْ مات على فراشهِ رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. (فواق الناقة) بضم الفاء، وتخفيف الواو: هو ما بين رفع يدك عن الضرع حال الحلب ووضعها، وقيل: هو ما بين الحلبتين. (الترغيب في الرمي في سبيل الله وتعلمه والترهيب من تركه بعد تعلمه رغبة عنه) 1 - عنْ عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: وأعدُّوا لهمْ ما استعتمْ من قوةٍ. ألا إنَّ القوَّة الرَّمي، ألا إنَّ القوَّة الرَّمي (¬4) ألا إنَّ القوَّة الرَّمي. رواه مسلم وغيره. 2 - وعنْه رضي الله عنه قال: سمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ ¬

(¬1) (ومن جرح جرحاً في سبيل الله) كذا د وع، وفي ن ط: ومن خرج حاجاً في سبيل الله: أي الذي أصابه ألم أو دمي أو نكب، ومعنى نكب: نالته الحجارة، أو تألم أو أوذي. والنكبة: ما يصيب الإنسان من الحوادث ومنه حديث: أنه نكبت أصبعه: أي نالتها الحجارة. وفيه الترغيب في الجهاد، وأن كل صغيرة أو كبيرة يقاسيها المجاهد حسنات مدخرة له عند العظيم الغني مالك يوم الدين جل جلاله. (¬2) أوفر وأكثر. (¬3) الموت على الإيمان في الجهاد في سبيل نصر دينه، ونوي الاستبسال، وحسن الدفاع. (¬4) الاستعداد للحرب، وتعلم الفروسية، وإصابة المرمى، ووجود الذخائر مع الشجاعة، والغلظة على الأعداء كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين) 134 من سورة التوبة (يلونكم). قال البيضاوي: أمروا بقتال الأقرب منهم فالأقرب كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا بإنذار عشيرته الأقربين. فإن الأقرب أحق بالشفقة والاستطلاع. وقيل هم يهود حوالي المدينة: كقريظة والنضير وخيبر، وقيل الروم فإنهم كانوا يسكنون الشام، وهو قريب من المدينة. أهـ. وشاهدنا (فيكم غلظة) أي شدة وصبر على القتال (واعلموا أن الله مع المتقين) بالحراسة والإعانة والمدد والإحسان.

الله يدخل بالسَّهم الواحد ثلاثة نفرٍ الجنَّة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرَّامي به ومنبلهُ. وارْموا وارْكبوا، وأنْ ترموا أحبُّ إليَّ من أن تركبوا. ومن ترك الرَّمي بعد ما علمه (¬1) رغبةً عنه (¬2)، فإنَّها نعمة تركها، أو قال: كفرها (¬3). رواه أبو داود، واللفظ لهوالنسائي، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، والبيهقيُّ من طريق الحاكم وغيرها. 3 - وفي رواية للبيهقيِّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يدخلُ بالسهْمِ الواحدِ ثلاثة نفرٍ (¬4) الجنَّة: صانعه الذي يحتسب في صنعتهِ الخير (¬5)، والذي يجهِّز به (¬6) في سبيل الله، والذي يرمي به في سبيل الله (¬7). ¬

(¬1) تعلم فنون الحرب وإصابة الهدف، والتمرن على إطلاق السلاح. يقال رميت بالسهم رميا، وارتميت وتراميت تراميا، وراميت مراماة: إذا راميت بالسهام عن القسي، وقيل خرجت أرتمي: إذا رميت القنص، وأترمي: إذا خرجت ترمي الأهداف أهـ نهاية. (¬2) كراهته فيه. (¬3) جحدها لأنها تعلمه الفروسية وحسن الدفاع. (¬4) أشخاص. (¬5) يطلب ثواب الله في عمله. (¬6) يعد من آلات الدفاع، وعدد حرب الأعداء. (¬7) مستعمله المجاهد. ومعناه أن الله تعالى تكرم فأثاب الثلاثة، وأجزل أجرم، ليكون الإقبال على صنع لسلاح للحرب متوافرا، وهذه تعاليم الله من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم أجمعين، فإنهم كانوا غزاة مهرة، وقادة بررة، في الجهاد في سبيل الله. ومن تعاليمه تعالى للمسلمين: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثائق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم 4 سيهديهم ويصلح بالهم، ويدخلهم الجنة عرفها لهم 6 يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم 7 والذين كفروا فتعساً لهم وأضل أعمالهم 8 ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) 9 من سورة القتال. (لقيتم) في المحاربة فاضربوا الرقاب ضربا، وهذا شاهدنا، ولا يتأتى إلا بتعليم الرمي وإصابة الهدف وانتهاز الفرص لقتال العدو والكيد منه و (الحرب خدعة) (أثخنتموهم) أكثرتم قتلهم وأغلطتموه (فشدوا الوثائق) فأسروهم واحفظوهم، والوثائق بالفتح والكسر: ما يوثق به فإما تمنون منا، أو تفدون فداء، والمراد التخيير بعد الأسرين المن والإطلاق، وبين أخذ الفداء (أوزارها) آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكزاع: أي تنقضي الحرب ولم يبق إلا مسلم أو مسالم، وقيل آثامها. والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم (لانتصر) لانتقم منهم بالاستئصال، ولكن أمركم بالقتال ليبلوا المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوهم فيستوجبوا الثناء والثواب العظيم، والكافرين بالمؤمنين بأن يعالجهم على أيديهم ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر (فلن يضل) فإن يضيع ثواب أعمالهم، وسيثبت هدايتهم (إن تنصروا الله) تنصروا دينه ورسوله (ينصركم) على عدوكم (ويثبت أقدامكم) في القيام بحقوق الإسلام، والمجاهدة مع الكفار. أهـ بيضاوي.

(منبله) بضم الميم، وإسكان النون، وكسر الباء الموحدة. قال البغوي: هو الذي يناول الرامي النبل، وهو يكون على وجهين: أحدهما يقوم بجنب الرامي، أو خلفه يناوله النبل واحدا بعدو احد، حتى يرمي. والآخر: أن يرد النبل المرمي به، ويروي والممدّ به، وأي الأمرين فعل، فهو ممدّ به، انتهى. (قال الحافظ) عبد العظيم: ويحتمل أن يكون المراد بقوله منبله: أي الذي يعطيه للمجاهد، ويجهز به من ماله، وإمدادا له وتقوية، ورواية البيهقي تدل على هذا. 4 - وعنْ سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قومٍ ينتضلون (¬1)، فقال: ارْموا بني إسماعيل (¬2)، فإنَّ أباكم كان راميا، ارْموا وأنا مع بني فلانٍ فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالكمْ لا ترمون؟ قالوا: كيف نرمي وأنت معهمْ. قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ارْموا وأنا معكم كلِّكمْ. رواه البخاري وغيره والدارقطني، إلا أنه قال فيه: ارْموا وأنا مع بني الأدرع فأمْسك القومُ، وقالوا: من كنتَ معه فأنَّي يغلب؟ قال: ارْموا وأنا معكم كلِّكم، فرموا عامة يومهمْ فلمْ يفضلْ أحدهمُ الآخر، أوْ قال: فلمْ يسبقْ أحدهمُ الآخر، أو كما قال. 5 - وعنْ سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه رفعه قال: عليكمْ بالرَّمي (¬3) فإنَّه خيرٌ، أوْ من خير لهولكمْ. رواه البزار والطبراني في الأوسط وقال: فإنَّه من خير لعبكمْ، وإسنادهما جيد قوي. ¬

(¬1) يغلبون في الرمي. (¬2) سلالة سيدنا إسماعيل ابن سيدنا إبراهيم الخليل عليهما السلام. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد الأعلى في الشجاعة، والجهاد. يحث المسلمين على الرمي والنضال، وجاراهم في عملهم ليشب الأبناء على القوة والرياضة، وحب الدفاع والغزو. إن تاريخ كل نبي مملوء بالأخبار الحربية في الجهاد، ونصر دين الله، ورد المعتدي: وكبح جماح الظالم، واندحار الأعداء. (¬3) تعلم فنون الحرب، وضرب السلاح واستعماله، وكل أنواع الهجوم والهروب، ووسائل الدفاع. فإن هذا مفيد، وأنجع من حضور مجالس اللهو واللعب. ماذا يعمل المسلمون الآن؟ يقضون أوقات فراغهم في المقاهي ونوادي السمر ولو هجم لص على أكبر إنسان لم يستطع أن يدافع عن نفسه لأنه لم يعلم بقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالرمي).

6 - وروي عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: من مشى بين الغرضين كان له بكلِّ خطوة حسنة. رواه الطبراني. 7 - وعنْ عطاء بن أبي رباح قال: رأيت جابر بن عبد الله، وجابر بن عميرٍ الأنصاري رضي الله عنهم يرتميان، فملَّ أحدهما فجلس، فقال له الآخر: كسلْت؟ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلُّ شيء ليس من ذكر الله (¬1) عزَّ وجلَّ فهو لهو، أو سهو إلا أربع خصالٍ: مشي الرَّجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة. رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد. (الغرض) بفتح الغين المعجمة، والراء بعدها ضاد معجمة: هو ما يقصد الرماة بالإصابة. 8 - وعنْ عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ستفتح عليكم أرضون، ويكفيكم الله فلا يعجز أحدكمْ أن يلهو بأسمهِ (¬2). رواه مسلم وغيره. 9 - وعنْ أبي نجيحٍ عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ بلغ (¬3) بسهمٍ، فهو له درجة في الجنَّة فبلغتُ يومئذٍ ستَّة عشر سهماً. رواه النسائي. 10 - وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ رمى بسهمٍ في سبيل الله، فهو له عدل محرَّرٍ (¬4). رواه أبو داود في حديث، والترمذي ¬

(¬1) أخبر صلى الله عليه وسلم أن لا يغفل الإنسان من ذكر الله، وإلا يسأل يوم القيامة: كيف أضاع زمنه؟ فيحسب عليك الأوقات. فإن صرفت في طاعة الله فخير. وإلا فلهو وغفلة. إلا في أربعة يحسب زمنها في طاعة وجهاد. أ - التمرين على الرمي. والاستعداد لقتال أعداء الوطن. ب - تعليم فرسه وتهذيبه. جـ - مؤانسة أهله ومداعبتهم والتفكه معهم وتأدية واجبهم. د - الإجادة في تعليم العوم والقفز وكل أعمال البحر. (¬2) أنبأ صلى الله عليه وسلم بسر برخاء المسلمين، وبسطة عيشهم، وسعة ملكهم، ونهاهم أن لا يجيدو الرمي، ويتحلوا بالشجاعة والنجدة، وأن لا يغفل أحد عن المران وإجادة الرمي، ولا يهلو البذخ والترف عن استحضار عدد الحرب. (¬3) وصل، من بلغ الكتاب بلاغا وبلوغاً: أي من أحسن الرمية مرة فهو له درجة. (¬4) أي قدر ثواب عبد عتق الله وحرر من الذل.

وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه. 11 - وعنه رضي الله عنه أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شاب شيبةً في الإسلام كان له نوراً يوم القيامة، ومنْ رمى بسهمٍ في سبيل الله فبلغ به (¬1) العدوَّ، أوْ لمْ يبلغْ كان له كعتق رقبةٍ، ومنْ أعتق رقبة مؤمنةً كانت فداءه من النار عضواً بعضوٍ. رواه النسائي بإسناد صحيح، وأفراد الترمذي منه ذكر الشيب، وأبو داود ذكر العتق، وابن ماجه ذكر الرمي، ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رمى العدوَّ بسهمٍ، فبلغ سهمه أصاب، أوْ أخطأ فعدل رقبةٍ (¬2) ورويالحاكم ذكر الرمي في حديث، والعتق في آخر. 12 - وعنْ كعب بن مرَّة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بلغ العدوَّ بسهمٍ رفع الله له درجةً، فقال له عبد الرَّحمن بن النَّحَّام: وما الدَّرجة يا رسول الله؟ قال: أما إنها ليستْ بعتبة أمِّك (¬3)، وما بين الدرجتين مائة عامٍ (¬4). رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه. (النحام) بفتح النون، وتشديد الحاء المهملة: هو الكثير النحم، والتنحنح. 13 - وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ رمى بسهمٍ في سبيل الله كان كمن رقبةً. رواه ابن حبان في صحيحه. 14 - وعنْ معدان بن أبي طلحة رضي الله عنه، قال: حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فسمعته يقول: من بلغ بسهمٍ في سبيل الله فهو له درجة في الجنَّة. قال: فبلغت يومئذٍ ستة عشر سهماً. رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) فبلغ به. كذا ط وع ص 440، وفي ن د: يبلغ: أي أجاد الرمي مرة بسهم. نال ثواب من أعتق عبداً لوجه الله. وقد بين صلى الله عليه وسلم ثواب ذلك النجاة من النار والسلامة من العذاب. (¬2) أي له ثواب قيمة عتق شخص. (¬3) أمك. كذا ط وع ص 441. أي ليست مساحتها تساوي مساحة عتبة دار أمك، وفي نسخة دار الكتب: بابك: أي عتبة بابك، والله سبحانه وتعالى أعلم. (¬4) مسيرة مائة سنة حتى يصل المرتفع بداية المكان الذي ناله رامي السهم لله.

15 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شاب شيبةً في الرسلام كانتْ له نوراً يوم القيامة، ومن رمى بسهمٍ في سبيل الله، أخطأ أوْ أصاب، كان له بمثل رقبةٍ من ولد إسماعيل. رواه الطبراني بإسنادين رواة أحدهما ثقات. 16 - وعنْ عقبةبن عبدٍ السُّلميِّ رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: قوموا فقاتلوا، قال: فرمى رجلٌ بسهمٍ، فقال النَّبيُ صلى الله عليه وسلم: أوْجب هذا (¬1). رواه أحمد بإسناد حسن. (أوجب): أي أوجب لنفسه الجنة بما فعل. 17 - وعنْ أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رمي رميةً في سبيل الله قصَّر أو بلغ، كان له مثل أجر أربعة أناسٍ من بني إسماعيل أعتقهم. رواه البزار عن شبيب بن بشر عن أنس. 18 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رمى بسهمٍ في سبيل الله كان له نوراً يوم القيامة. رواه البزار بإسناد حسن. 19 - وروي عن محمد بن حنيفة قال: رأيت أبا عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وكان بدرياً عقبياً أحديا (¬2)، وهو صائ يتلوَّى من العطش، وهو يقول لغلامه: ويحك ترِّسني (¬3) فترَّسه الغلام حتى نزع بسهمٍ نزعاً ضعيفاً، حتى رمى بثلاثة أسهمٍ، ثمَّ ¬

(¬1) أي نال بهذه الرمية دخول الجنة، ووعد الله حق. (¬2) شاهد هذه الغزوات: بدرا، وأحدا، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة. (¬3) اعمل ترساً لي لأستعد للرمي فأقوي. الله أكبر، نفس عالية جاهدت في الله حق جهاده تحضر الحروب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتنقل بالصوم وتتحمل الجوع حبا في ثواب الله تعالى، ومع هذا الضعف المتناهي تجرى في ميدان الجهاد شوطاً بعيداً، وتقول لخادمها: (ترسني) حتى فاز رضي الله عنه برمي ثلاثة أسهم. هذا أبو عمرو الأنصاري الذي عمل صالحاً لله، وجمع بين العبادة الروحية والبدنية: أ - الصوم. ب - الجهاد. قال تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم) 31 من سورة محمد. ب - (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غيرآسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم) 15 من سورة محمد: أي نصف لك صفات الجنة العجيبة يا محمد لنبين لك الناس صنفين: =

الترغيب في الجهاد في سبيل الله تعالى، وما جاء في فضل التكلم فيه والدعاء عند الصف والقتال

قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ رمى بسهمِ في سبيل الله قصرَ أوْ بلغ كان لهُ نوراً يوم القيامة، فقتل قبل غروب الشمس رضي الله عنه. رواه الطبراني. 20 - وعنْ عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ علم الرَّمي ثمَّ تركه فليْسَ منَّا (¬1)، أوْ فقدْ عصى (¬2). رواه مسلم وابن ماجه إلا أنه قال: منْ تعلَّم الرَّمي، ثمَّ تركه فقد عصاني. 21 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: من تعلَّم تعلَّم الرَّمي، ثمَّ نسيه فهي نعمة جحدها (¬3). رواه البزار والطبراني في الصغير والأوسط بإسناد حسن، وتقدم في أول الباب حديثه عقبة بن عامر، وفيه: ومنْ ترك الرَّمي بعد ما علمه رغبةً عنه، فإنَّها نعمة تركها، أو قال: كفرها. الترغيب في الجهاد في سبيل الله تعالى، وما جاء في فضل التكلم فيه والدعاء عند الصف والقتال 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ ¬

= أ - المجاهدون الأبرار، وجزاؤهم النعيم. ب - الكفار والفساق وعاقبتهم العذاب والجحيم كما قال جل شأنه: (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) 16 من سورة محمد (غير آسن) أي حادث، وآسن، من أسن الماء بالفتح: إذا تغير طعمه وريحه، وبالكسر على معنى الحدوث (لم يتغير طعمه) لم يصر قارصاً ولا حازراً (خمر لذة) لذيذة لا يكون فيها كراهة طعم وريح، ولا غائلة سكر (عسل مصفى) لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيري ذلك تمثيل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا بالتجريد عما ينقصها وينغصها، والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها. أهـ بيضاوي ص 702. لو كان في المسلمين الآن مثل أبي عمرو الأنصاري في الاستقامة والعبادة وانتهاز الفرص لإعلاء كلمة الله ما ذلوا وما رأوا أزمة ونزع بركة، ونعوذ بالله العليم. قال تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) 17 من سورة محمد. (¬1) ليس على طريقتنا، أوليس على ديننا الكامل، أوليس من الصالحين. (¬2) فقد عصى الله ورسوله، وقصر في واجب الجهاد. يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعد المسلمون للجهاد ويعلموا أبناءهم الفروسية وركوب الخيل والعدو، وحيل الحرب وخدع القتال، والتحلي بالنجدة والشجاعة، ونبذ الجبن والخنوثة والترف. (¬3) تركها ونسى فضلها: وهي نعمة الفوز والنصر، وإعلاء دين الله، وما يترتب على ذلك من الثواب وسعة الملك والبطش، وعدم الذل والأسر، وطرد الاستبعاد. ويفسر ذلك أن تتصفح تاريخ أبطال الإسلام وحماته لتعرف مدى ما وصلوا إليه رضي الله عنهم من الفتوح.

العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله (¬1). قيل: ثمَّ ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله (¬2). قيل: ثمَّ ماذا؟ قال: حجٌ مبرور (¬3). رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الأعمال عند الله إيمان لا شكَّ فيه: وغزوٌ غلول فيه (¬4) وحجُّ مبرورٌ. 2 - وعنْ أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله، الحديث. رواه البخاري ومسلم. 3 - وعنْ أبي سعيد الخدرِّ رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيُّ النَّاس أفضل؟ قال: مؤمنٌ يجاهد بنفسهِ وبمالهِ (¬5) في سبيل الله تعالى، قال: ثمَّ منْ؟، قال: ثمَّ مؤمن في شعبٍ (¬6) من الشِّعاب يعبد الله، ويدع (¬7) الناس من شرِّه. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم بإسناد على شرطهما، ولفظه قال: عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه سئل: أيُّ المؤمنين أكمل (¬8) إيماناً؟ قال: الذي يجاهد بنفسه ومالهِ، ورجلٌ يعبد الله في شعبٍ من الشعاب، وقدْ كفى (¬9) الناس شرَّه. 4 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهمْ، وهمْ جلوسٌ في مجلسٍ لهمْ، فقال: ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: رجل أخذ برأس فرسهِ (¬10) في سبيل الله حتى يموت أوْ يقتل، ¬

(¬1) التصديق بهما والعمل بشرعهما. (¬2) الحرب لنصر دين الله. (¬3) أداء أعمال الحج، من مال حلال مع الاستقامة بعده. (¬4) لا سرقة فيه ولا طمع في مغنم. (¬5) يغزو ويحارب وينفق قال القسطلاني: لما فيه من بذلهما لله مع النفع المتعدي. (¬6) الشعب: ما انفرد من الجبلين، وهذا مثل للعزلة والانفراد فكل مكان بعيد من الناس فهو داخل في هذا المعنى: كالمساجد والبيوت، وفيه فضل العزلة لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو ونحوهما، وهو مقيد بوقوع الفتنة. أما عند عدم الفتنة فمذهب الجمهور أن الاختلاط أفضل، لحديث الترمذي: (المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم). أهـ جواهر البخاري شرح القسطلاني. (¬7) يترك ليأمن الناس أذاء. (¬8) أكثر وأزيد. (¬9) منع. (¬10) جاهد بجواده باذلا أقصى جهده.

ألا أخبركمْ بالذي يليهِ؟ قلنا: بلى يا رسول الله صلى الله. قال: امرؤٌ معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويعتزل (¬1) شرور الناس، أو أخبركمْ بشرِّ الناس؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الذي يسأل بالله ولا يعطي (¬2) رواه الترمذي، وقال: حديث غريب، والنسائي وابن حبان في صحيحه، واللفظ لهما، وهو أتمّ، ورواه مالك عن عطاء ابن يسار مرسلاً. 5 - وعنْ سبرة بن الفاكهِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان قعد (¬3) لابن آدم بطريق الإسلام، فقال: تُسلم وتذر (¬4) ودينك ودينك آبائك فعصاه فأسْلم فغفر له فقعد له بطريق الهجرة، فقال له: تُهاجر وتذر دارك وأرضك وسماءك فعصاه فهاجر فقعد بطريق الجهاد، فقال: تجاهد وهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة، ويقسم المال، فعصاه فجاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمنْ فعل ذلك فمات، كان حقا على الله أنْ يدخله الجنَّة، وإنْ غرق كان حقا على الله أنْ يدخله الجنَّة، وإن وقصته دابَّة (¬5) كان حقاً على الله أن يدخله الجنَّة. رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه، والبيهقي. 6 - وعنْ فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا زعيم - والزَّعيم الحميل (¬6) لمنْ آمن بي، وأسلم وهاجر، ببيتٍ في ربض الجنَّة، وببيتٍ في وسط الجنَّة، وأنا زعيم لمنْ آن بي وأسلم وجاهد في سبيل الله ببيتٍ في ربض الجنَّةِ (¬7)، وببيتٍ في وسط الجنَّة، وببيت في أعلى غرف الجنَّة، فمنْ فعل ذلك لمْ يدعْ للخير مطلباً (¬8)، ولا من الشرِّ مهرباً (¬9) يموت حيث شاء أن يموت. رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) يترك. (¬2) يأتي إليه فقير ويطلب من فضل الله فيحرمه. (¬3) راقب وانتظر. (¬4) تترك. (¬5) رمته فوقع. دابة. كذا د وع ص 443، وفي ن ط: دابته. (¬6) الذي يتحمل الآلام: الكفيل الذي يضمن الأجر ودخول الجنة. (¬7) ما حولها خارجها عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع. أهـ نهاية. (¬8) طلبا للبر. (¬9) فرارا من الأذى: أي مآله دخول الجنة لجليل صفاته، وعلو أفعاله الصالحة.

7 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: مرَّ رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعبٍ فيه عينة من دماء عذبة فأجبته، فقال: لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشِّعْبِ، ولنْ أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تفعل (¬1) فإنَّ مقام أحدكمْ في سبيل الله (¬2) تعالى أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً، ألا تحبُّون أن يغفر الله لكمْ، ويدخلكم الجنَّة؟ اغزوا في سبيل الله، منْ قاتل في سبيل الله فواق ناقةٍ، وجبتْ له الجنَّة. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. رواه أحمد من حديث أبي أمامة أطول منه، إلا أنه قال: ولمقام (¬3) أحدكمْ في الصفِّ خيرٌ من صلاته ستِّين سنةً. (فواق الناقة): هو ما بين رفع يدك عن ضرعها وقت الحلب ووضعها، وقيل: هو ما بين الحلبتين. 8 - وعنْ عمران بن حصينٍ رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مقام الرَّجل في الصفِّ في سبيل الله أفضل عند الله من عبادة الرَّجل ستِّن سنةً. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري. 9 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) لا تفعل. كذا د وع، وفي ن ط: فلا تفعل. (¬2) في الجهاد لإعلاء كلمة الله أفضل من العزلة، والاختلاط مع الناس يجلب الثواب الكثير لتحمل أداهم، ثم أمره صلى الله عليه وسلم بأكثر من العزلة ثوابا: بالغزو المسبب دخول الجنة. (¬3) الوقوف والإقامة في أول صف للمجاهدين أكثر ثوابا من عبادة ستين سنة كاملة. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم 33 إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم 34 فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم. ولن يتركم أعمالكم) 35 من سورة محمد صلى الله عليه وسلم. (ولا تبطلوا) بما أبطل به هؤلاء: كالكفر والنفاق، والعجب والرياء، والمن والأذى ونحوها (فلا تهنوا) فلا تضعفوا (وتدعوا إلى السلم) ولاتدعوا إلى الصلح خوراً وتذللا (الأعلون) الأغلبون (والله معكم): أي ناصركم (ولن يتركم) ولن يضيع أعمالكم، من وترت الرجل إذا قتلت متعلقاً به من قريب أو حميم. فأفردته منه من الوتر: شبه به تعطيل ثواب العمل وإفراده منه. أهـ بيضاوي ص 704.

أفضل الأعمال عند الله تعالى: إيمان لا شكَّ فيه (¬1)، وغزو لا غلول فيه، وحجٌ مبرورٌ. رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما، وهو في الصحيحين وغيرهما بنحوه، وقد تقدم. 10 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قيل يا رسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: لا تستطيعونه فأعادوا عليه مرَّتين أوْ ثلاثاً، كلُّ ذلك يقول: لا تستطيعونه، ثمَّ قال: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصَّائم القائم (¬2) القانت (¬3) بآيات الله لا يفتر منْ صلاةٍ ولا صيامٍ، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله. واه البخاري ومسلم، واللفظ له. 11 - وفي رواية البخاري: أنَّ رجلاً قال يا رسول الله: دلَّني على عملٍ يعدل الجهاد (¬4). قال: لا أجده، ثمَّ قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر. قال: ومنْ يستطيع ذلك؟ فقال أبو هريرة: فإنَّ فرس المجاهد ليستنُّ يمرح في طولهِ (¬5) فيكتب له حسناتٌ. ورواه النسائي نحو هذا (استن الفرس): عدا. (والطِّوَل) بكسر الطاء وفتح الواو: هل الحبل الذي يشد به الدابة، ويمسك طرفه لترعى. 12 - وعنه رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ في الجنة مائة درجةٍ أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدَّرجتين كما بين السماء والأرض (¬6). رواه البخاري. 13 - وعنْ معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس قبل غزوة تبوك، فلمَّا أن أصبح صلى بالناس صلاة الصُّبح، ثمَّ إنَّ الناس ركبوا فلما أن طلعتِ الشمس نعس الناس على إثر الدُّجْلة (¬7) ولزم معاذ رسول الله، صلى الله ¬

(¬1) يقين ثابت بوجود الله، والعمل به خالصاً مع الإيمان بالرسل، والعمل بشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم. (¬2) المتجهد المصلى ليلا، الذاكر الله في السحر. (¬3) العامل: وفي النهاية: يرد القنوت بمعان متعددة: كالطاعة والخشوع، والصلاة، والدعا، والعبادة والقيام، وطول القيام والسكوت (وقوموا لله قانتين) في حديث ابن أرقم: (كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت) أهـ. (¬4) يوازي ثوابه. (¬5) في ن د: في مرج في طوله. كذا ن ط وع. (¬6) المسافة بين الدرجتين كبعد المسافة بين السماء والأرض. والمعنى: أن نعيم المجاهد لا حد له، ولا نهاية لكثرته وفضله. (¬7) سير الليل كله: أي من شدة تعبهم من طول السير ليلا.

عليه وسلم يتلو إثره (¬1)، والنَّاس تفرَّقتْ بهم ركابهم على جواد (¬2) الطريق تأكل وتسير فبينا (¬3) معاذ على إثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناقته تأكل مرَّةً، وتسير أخرى عثرت (¬4) ناقة معاذٍ فحنَّكها بالزمام (¬5) فهبَّتْ، حتى نفرتْ منها ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف عنه قناعة فالتفت، فإذا ليْس في الجيش أدنى إليه من معاذٍ فناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معاذ! فقال: لبيك يا رسول الله. قال: ادن دونك، فدنا منه حتى لصقتْ راحلتاهما إحداهما بالأخرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كنت أحسب الناس منا بمكانهم (¬6) من البعد، فقال معاذ: يا نبي الله نعس الناس فتفرقتْ ركابهم ترتع وتسير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا كنت ناعساً، فلمَّا رأى معاذ بشر (¬7) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلوته له، فقال: يا رسول الله ائذن لي أسألك عن كلمة أمرضتني وأسقمتني وأحزنتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل عمَّا شئت، قال يا نبي الله حدِّثني بعملٍ يدخلني الجنَّة لا أسألك عن شيء غيره؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخٍ (¬8) بخٍ بخٍ. لقدْ سألت لعظيمٍ. لقد سألت لعظيمٍ ثلاثاً، وإنَّه ليسير على من أراد الله به الخير، وإنَّه ليسير على من أراد الله به الخير، وإنَّه ليسير على من أراد الله به الخير، فلمْ يحدِّثه بشيء إلا أعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مراتٍ حرصاً لكيما يتقنه عنه، فقال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله واليوم الآخر، وتقيم الصَّلاة، وتؤتي الزَّكاة، وتعبد الله وحده لا تشرك به شيئاً حتى تموت، وأنت على ذلك. قال: يا رسول الله: أعد لي فأعادها ثلاث مرَّاتٍ، ثمَّ قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت يا معاذ حدَّثتك برأس هذا الأمر، وقوام هذا الأمر، وذروة السَّنام؟ فقال معاذ: بلى يا رسول الله حدثني بأبي أنت وأمي، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ رأس هذا ¬

(¬1) يتتبعه. (¬2) أطراف معشبة مخصبة. (¬3) فبينا ط د وع ص 445، وفي ن د: فبينما. (¬4) اصطدمت بشيء وارتطم خفها. (¬5) شدها بالخطام. (¬6) لم أظن الناس بعيدين منا هكذا. (¬7) بشر: كذا ط وع، وفي ن د: بشه. (¬8) كلمة استحسان.

الأمر: أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وإنَّ قوام هذا الأمر: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإنَّ ذروة السَّنام منه الجهاد في سبيل الله، إنَّما أمرتُ أن أقاتل الناس، حتى يقيموا الصَّلاة، يؤتوا الزَّكاة، ويشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهمْ وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمدٍ بيده ما شحب (¬1) وجه، ولا اغبرَّت قدم (¬2) في عملٍ تبتغي به درجاتُ الآخرة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله، ولا ثقَّل ميزان عبدٍ كدابةٍ تنفقُ (¬3) في سبيل الله، أوْ يحمل عليها (¬4) في سبيل الله رواه أحمد، والبزار من رواية شهر ابن حوشب عن معاذ، ولا أراه سمع منه، ورواه أحمد أيضاً والترمذي وصححه والنسائي، وابن ماجه كلهم من رواية أبي وائل عنه مختصراً، ويأتي في الصمت إن شاء الله تعالى. 14 - وعنْ أبي سعيدٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ رضي بالله ربَّا، وبالاسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً، وجبتْ له الجنة. فعجب لها أبو سعيدٍ، فقال: أعدها عليَّ رسول الله فأعادها عليه، ثمَّ قال: وأخرى يرفع الله بها للعبد (¬5) مائة درجةٍ في الجنَّة ما بين كلِّ درجتين كما بين السماء والأرض قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله. رواه وأبو داود والنسائي. 15 - وروي عنْ أبي أمامة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ذروة سنام الإسلام الجهاد لا يناله إلا أفضلهمْ. رواه الطبراني. 16 - وروي عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: من قاتل في سبيل الله فواق ناقةٍ حرَّم الله على وجهه النار. رواه أحمد. 17 - وعن أبي المنذر رضي الله عنه: أنَّ رجلاً جاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إنَّ فلانا هلك فصلِّ (¬6) عليه، فقال عمر: إنَّه فاجر فلا تصلِّ عليهِ ¬

(¬1) تغير. (¬2) أصابها غبار. (¬3) تموت. (¬4) تكون عدة لنقل الذخيرة والمدد والميرة. (¬5) للعبد. كذا ط وع ص 446، وفي ن د: العبد. (¬6) في ن د فصلى.

فقال الرَّجل: يا رسول الله ألم تر الليلة التي صبِّحتَ (¬1) فيها في الحرس، فإنَّه كان فيهمْ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه، ثمَّ تبعه حتى جاء قبره قعد حتى إذا فرغ منه حتى عليه ثلاث حثياتٍ، ثمَّ قال: يثنى عليك الناس شرا، وأنثى عليك خيراً، فقال عمر: وما ذاك يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعنا منك يا ابن الخطاب، من جاهد في سبيل الله، وجبت له الجنَّة. رواه الطبراني وإسناده لا بأس به إن شاء الله تعالى. 18 - وعنْ عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيلهِ، حجٌّ مبرور، فلما ولى الرَّجل. قال وأهون عليك من ذلك: إطعام الطعام، ولينُ الكلام، وحسن الخلق، فلمَّا ولى الرَّجل. قال وأهون عليك من ذلك: لا تتَّهم الله على شيء قضاه عليك (¬2). رواه أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما حسن واللفظ له. 19 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة حق على الله عونهم (¬3) المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء (¬4)، والناكح الذي يريد العفاف (¬5). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 20 - وعنْ مكحولٍ رضي الله عنه قال: كثر المستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) صبحت د وع 446، وفي ن ط: أصبحت: أي وجد فيها مع الحرس صباحا. إن هذا الرجل صادفته عناية الله وحرس الليلة مع المجاهدين حباً في ثواب الله فقبل الله حراسته فغفر له، وأطلع حبيبه صلى الله عليه وسلم على أن وجود هرس الليلة حتى أصبح سبب الغفران والنعيم. (¬2) معناه إذا أصابك مكروه فاصبر وتحمل واحمد الله سبحانه، ولا تغير نيتك سوءا نحو خالقك المنعم خشية الإلحاد والزندقة، فإن مع العسر يسرا، ومع الشدة الفرج، وبعد الحزن الفرح. فنهاه صلى الله عليه وسلم أن يضجر، وأن يبطر، وأن يجحد نعمة الله، وأن يكفر بفضله وإحسانه من جراء مكروه حل به. (¬3) مساعدتهم ووصولهم إلى بغيتهم. (¬4) عبد استكتبه سيده على جمع مال كذا ليعتقه، فالله يساعده على وجود ما يعتقه. (¬5) طالب الزواج الفقير الذي يريد أن يتحصن، ويبتعد عن الفحشاء، الله يعاونه في جمع مهره، ويساعده على الإنفاق.

إلى الحجِّ يوم غزوة تبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غزوة (¬1) لمنْ قدْ حجَّ أفضل من أربعين حجَّة. رواه أبو داود في المراسيل من رواية إسماعيل بن عياش. 21 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: حجَّة خيرٌ من أربعين غزوة، وغزوة خير من أربعين حجَّة يقول: إذا حجَّ الرَّجل حجَّة الإسلام، فغزوة خير له من أربعين حجَّة، وحجَّة الإسلام خير له من أربعين غزوةً. رواه البزار. ورواته ثقات معروفون. (وعنبسة بن هبيرة): وثقة ابن حبان، ولم أقف فيه على جرح. 22 - وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حجَّة لمنْ لم يحجَّ خير من عشر غزواتٍ، وغزوة لمن قد حجَّ خير من عشر حججِ، الحديث رواه الطبراني والبيهقي، ويأتي بتمامه في غزاة البحر إن شاء الله. 23 وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت أبي وهو بحضرة العدوِّ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أبواب الجنَّة تحت ظلال السيوف (¬2)، فقام رجلٌ رثُّ الهيئة، فقال: يا أبا موسى أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال: نعم، فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام ثم كسر جفن سيفهِ فألقاه، ثمًّ مشى بسيفه إلى العدوِّ فضرب به حتى قتل. رواه مسلم والترمذي وغيرهما. (جفن) السيف، بفتح الجيم، وإسكان الفاء: هو قرابه. 24 - وعن البراء رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل مقنَّع بالحديد، فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلمُ؟ قال: أسلمْ (¬3) ثمَّ قاتل، فأسلم ثمَّ قاتل فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمل قليلاً (¬4)، وأجر كثيرا. رواه البخاري واللفظ له ومسلم. ¬

(¬1) الحاج الغازي ينال ثواب أكثر من أربعين حجة بلا غزو، وفيه الحث على الغزو، والترغيب في الجهاد، وتأمل في الاحتراس البديع لمن قد حج: أي أدى ركن الإسلام ثم بعد ذلك يحارب ويجاهد لإعلاء دين الله. (¬2) معناه من قبض على سيفه ثم ذهب يحارب مجاهداً في سبيل الله فمات دخل الجنة. (¬3) أنطق بالشهادتين، ثم أدخل في زمرة المسلمين عاملا مجاهداً. (¬4) مضى عليه زمن قليل في الإسلام، ولكن الله تعالى أغدق عليه الثواب مدرارا وأعطاه نعيما فائزا.

25 - وروى مسلم عن جابرٍ رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ من بني النَّبيت قبيل من الأنصار، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّك عبده ورسوله، ثمَّ تقدَّم فقاتل حتى قتل، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: عمل هذا يسيرا (¬1) وأجر كثيراً. (مقنع) بضم الميم، وفتح النون المشددة: أي متغطّ بالحديد. وقيل: على رأسه خوذة وقيل: غير ذلك. 26 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدرٍ، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتقدَّمنَّ أحد منكمْ إلى شيء حتى أكون أنا دونه فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى جنَّةٍ عرضها السموات والأرض. قال عمير ابن الحمام: يا رسول الله: جنَّة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم. قال: بخٍ (¬2) بخٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ؟ فقال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال: فإنَّك من أهلها فأخرج تمراتٍ من قرنهِ، فجعل يأكل منهنَّ، ثمَّ قال: إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياةٌ ¬

(¬1) قليلا، أسلم. ثم دخل في حرب المسلمين لينصر دين الله سبحانه وتعالى. (¬2) كلمة استحسان، وفي النهاية: كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء وتكرر للمبالغة، وهي مبنية على السكون، فإن وصلت جرت ونونت فقلت: بخ بخ وربما شددت. أهـ. قال تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين 133 الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين 134 والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون 135 أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين) 136 من سورة آل عمران. (وجنة عرضها) أي ع رضها كعرضهما، وذكر العرض للمبالغة لوصفها بالسعة على طريقة التمثيل لأنه دون الطول، وعن ابن عباس: كسبع سموات وسبع أرضين لو وصل بعضهما ببعض (في السراء والضراء) حالتي اليسر والشدة (والكاظمين) الممسكين على الغيظ: الكافين عن إمضائه مع القدرة، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملء الله قلبه أمناً وإيماناً) (والعافين) التاركين عقوبة من استحقوا مؤاخذة (فاحشة) قبيحة كالزنا (أو ظلموا أنفسهم) أذنبوا أي ذنب كان، وقيل الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة، ولعل الفاحشة ما يتعدى وظلم النفس ما ليس كذلك (ذكروا الله) تذكروا وعيد الله فأظهروا الندم والتوبة.

طويلة فرمى بما كان معه من التَّمر. ثمَّ قاتلهمْ رضي الله عنه. رواه مسلم. (القرن) بفتح القاف والراء: هو جعبة النشاب. 27 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لايجتمع كافرٌ، وقاتله (¬1) في النَّار أبداً. رواه تمسلم وأبو داود، ورواه النسائي والحاكم أطول منه، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث معاذ بن جبل. 28 - وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعني يقول الله عزَّ وجلَّ: المجاهد في سبيلي هو عليَّ ضامنٌ (¬2) إن قبضتهُ أورثته الجنَّة، وإنْ رجعتهُ، رجعته بأجرٍ، أوْ غنيمةٍ. رواه الترمذي، وقال حديث غريب صحيح، وهو في الصحيحين وغيرهما بنحوه من حديث أبي هريرة، وتقدم. 29 - وعنْ معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جاهد في سبيل الله كان ضامناً (¬3) على الله، ومن عاد (¬4) مريضاً كان ضامناً على الله، ومنْ غدا (¬5) إلى المسجد، أوْراح (¬6) كان ضامناً على الله، ومنْ دخل على إمامٍ يعزِّوه (¬7) كان ضامناً على الله، ومن جلس في بيته لم يغتب إنساناً كان ضامناً على الله. رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، واللفظ لهما. ¬

(¬1) المجاهد في سبيل الله عز وجل. (¬2) أعطيه العهد والميثاق. أ - إن مات في الحرب تمتع بنعيم الجنة. ب - فاز وظفر ورجع سالماً بالثواب الجزيل، وما يأخذه، وما يأخذه من الأعداء غنيمة. (¬3) آخذا على الله العهد والميثاق أن ينعمه بجنته. (¬4) زار. (¬5) ذهب. (¬6) رجع. (¬7) يؤنبه على ظلمه، أو يرشده أو ينصره، ويعظمه لعدله أو على الحق يعينه. أفعال خمسة سبب النجاة من النار، والفوز بكثرة الحسنا، والظفر بدخول الجنة. أولاً: الجهاد في سبيل الله. ثانياً: زيارة المريض لله. ثالثاً: التبكير إلى صلاة الجماعة في المسجد. رابعاً: الأمر بالمعروف للامام. والنهي عن المنكر، ونصر العادل، وتأييد من اتبع الحق، وهجر الظالم الفاسق. خامساً: الابتعاد عن مجالس الفسوق، وأحاديث الزور والباطل، والغيبة والنميمة، وهجر صحبة الأشرار ونبذ مودة العصاة.

ورواه أبو يعلي بنحوه، وعنده: أوْ خرج مع جنازةٍ بدل: ومنْ غدا إلى المسجد. ورواه أحمد والطبراني، وتقدم لفظهما، وهو عند أبي داود من حديث أبي أمامة: إلا أنَّ عنده الثالثة، ورجل دخل بيته بسلامٍ (¬1) فهو ضامن على الله. 30 - وعنْ عبد الله بن حُبْشيٍّ الخثعميِّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سئل: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: إيمان لا شكَّ فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجَّة مبرورة. قيل: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقلِّ (¬2). قيل: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: منْ هجر ما حرَّم الله (¬3). قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بنفسهِ ومالهِ. قيل: فأيُّ القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه (¬4)، وعقر جواده (¬5). رواه أبو داود والنسائي، واللفظ وهو أتمّ. 31 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاهدوا في سبيل الله، فإنَّ الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنَّة ينجِّي الله تبارك وتعالى به من ألهمِّ والغمِّ (¬6). رواه أحمد واللفظ له، ورواته ثقات والطبراني في الكبير والأوسط والحاكم، وصحح إسناده. 32 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصَّائم لا يفتر صلاة ولا صياماً حتى يرجعه الله إلى أهله بما يرجعه إليهم من أجرٍ، أو غنيمة، أوْ يتوَّفاه فيدخله الجنَّة. رواه ابن حبان في صحيحه عن شيخه عمرو بن سعيد بن سنان. قال: وكان قدْ صام النَّهار، وقام الليل ثامنين سنةً غازياً ومرابطاً. (قال المملي) رحمه الله: وهو في الصحيحين وغيرهما بنحوه أطول منه وتقدم. 33 - وفي رواية للنسائي في هذا الحديث: مثل المجاهد في سبيل الله، والله أعلم. ¬

(¬1) أوى إلى بيته ولم يؤذأ حدا ولم يضيع حقوق أحد. (¬2) الانفاق قدر الطاقة مع القلة، بمعنى أنه يجود بشيء هو في حاجة إليه. (¬3) من ترك المحارم واجتنب المناهي. (¬4) سال دمه في الجهاد. (¬5) ضرب فرسه. (¬6) يبتعد المجاهد عن ذلك الأعداء، وأسر الكفار لأنه يقاتل بشجاعة وشهامة فإن انتصر، وإن قتل دخل الجنة.

بمن جاهد في سبيله كمثل الصَّائم القائم الخاشع (¬1) الرَّاكع السَّاجد. 34 - وعنْ معاذ بن أنس رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ امرأةً أتتهُ، فقالتْ: يا رسول الله انطلق زوجي غازياً، وكنتُ أقتدي بصلاته إذا صلىَّ وبفعلهِ كلِّه فأخبرني بعملٍ يبلغني عمله حتى يرجع. قال لها: أتستطيعين أن تقومي ولا تقعدي، وتصومي ولا تفطري، وتذكري الله تعالى ولا تفتري، حتى يرجع؟ قالت: ما أطيق هذا يا رسول الله، فقال: والذي نفسي (¬2) بيده: لو أطقته (¬3) ما بلغت العشور منْ عملهِ. رواه أحمد من رواية رشدين بن سعد، وهو ثقة عنده، ولا بأس بحديثه في المتابعات والرقائق. (العشور): جمع عشر، وهو الواحد من عشرة أجزاء. 35 - وعن النُّعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصَّائم نهاره القائم ليله حتى يرجع متى يرجع (¬4) رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجال أحمد محتج بهم في الصحيح. 36 - وعنْ معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: منْ قاتل في سبيل الله من رجلٍ مسلمٍ فواق ناقةٍ، وجبتْ له الجنَّة، ومنْ جرح جرحاً في سبيل الله، أوْ نكب نكبةً فإنَّها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانتْ، لونها لون الزَّعفران، وريحها ريح المسك. رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجه، وقال: الترمذي: حديث حسن صحيح، وصدره في صحيح ابن حبان. 37 - وعنْه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جرح جرْحاً في سبيل الله جاء يوم القيامة ريحه كريح المسك، ولونه لون الزَّعفران عليه طابع الشُّهداء، ومن سأل الله الشهادة مخلصاً أعطاه الله أجر شهيدٍ وإن مات على فراشهِ. رواه ابن في صحيح واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. ¬

(¬1) الخائف المستكين المتذلل الخاضع. (¬2) في ن د: والذي نفس محمد بيده، وكذا ط وع ص 450. (¬3) في ن ع: لوصوقته، وفي ن د: لو طقتيه، وفي ن ط: لو أطلقته. (¬4) في أن زمن يرجع.

38 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ مكْلومٍ يُكلمُ في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة، وكلمه يدمي، واللون لون دمٍ والرِّيح ريح مسك. وفي روايةٍ: كلُّ كلمٍ يكلم في سبيل الله يكون يوم القيامة كهيئتها يوم طعنتْ تفجَّر دما. اللون لون دمٍ، والعرف عرف مسكٍ. رواه البخاري ومسلم، ورواه مالك والترمذي والنسائي بنحوه. (الكلم) بفتح الكاف، وإسكان اللام: هو الجرح. (والعرف) بفتح العين المهملة، وإسكان الراء: هو الرائحة. 39 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ليْس شيء أحبَّ إلى الله من قطرتين وأثرين، قطرة دموعٍ من خشية الله، وقطرة دمٍ تهراق في سبيل الله، وأمَّا الأثران: فأثر (¬1) في سبيل الله، وأثر في فريضةٍ من فرائض الله رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. 40 - وعنْ سهل بن سعدٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ساعتان تفتح فيهما (¬2) أبواب السماء، وقلَّما تردُّ على داعٍ دعوته عند حضور (¬3) النِّداء والصفِّ في سبيل الله، وفي لفظٍ ثنتان لا تردَّان، أو قال ما تردَّان: الدُّعاء ع ند النِّداء (¬4)، وعند البأس (¬5) حين يُلحمُ بعض بعضاً. رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه. وفي رواية لابن حبان: ساعتان لا تردُّ على داعٍ دعوته حين تقام الصَّلاة، وفي الصَّفِّ في سبيل الله. (يلحم) بالمهملة: معناه ينشب بعضهم ببعض في الحرب. ¬

(¬1) عمل ووجود فعل من أنواع الخير: أ - الجهاد. ب - أداء الصلوات الخمس والفرائض كلها من زكاة وصوم وحج. (¬2) تدرك فيهما رحمات الله وبركاته، وتتفتح أبواب رضوانه ونعيمه. (¬3) بين الأذان والإقامة، وتلبية المؤذن، والذهاب إلى الصلاة، ووجود المجاهد في الصف الأول فينتهز المسلم الدعاء بعد الأذان حين استعداده لصلاة التفل، وكذا الإنسان في حومه الوغي يدعو الله فيستجيب له لشدة إخلاصه، ومشاهدة الصف الأول. (¬4) أي بعد إتمام الأذان، وفي وقت الأذان يقول مثل المؤذن إلا في الحيعلتين فيحوقل. (¬5) التحام الصفوف، وشدة الحروب، وكثرة المناضلة وقوة الدفاع. حين كذا د وع ص 351، وفي ن ط حتى. قال الله تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم) 11 من سورة التغابن: أي بتقدير الله وإرادته (يهد قلبه) بالثبات والاسترجاع عند حلوها (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول).

الترغيب في إخلاص النية في الجهاد، وما جاء فيمن يريد الأجر والغنيمة والذكر وفضل الغزاة إذا لم يغنموا

الترغيب في إخلاص النية في الجهاد وما جاء فيمن يريد الأجر والغنيمة والذكر، وفضل الغزاة إذا لم يغنموا 1 - عنْ أبي موسى رضي الله عنه أنَّ أعرابيا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله الرَّجل يقاتل للمغنم (¬1)، والرَّجل يقاتل ليذكر (¬2)، والرَّجل يقاتل ليرى مكانه (¬3) فمنْ في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 2 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلا قال: يا رسول الله رجل يريد الجهاد، وهو يريد عرضاً من الدنيا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أجر له فأعظم ذلك الناس، وقالوا للرَّجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلعلَّك لمْ تُفهمه (¬4)، فقال الرَّجل: يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغي عرض الدُّنيا (¬5)؟ قال: لا أجر (¬6) له، فأعظم ذلك الناس، وقالوا: عد (¬7) لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الثالثة: رجلٌ يريد الجهاد وهو يبتغي عرضاً من الدُّنيا؟ فقال لا أجر له. رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه والحاكم باختصار وصححه. (العرض) بفتح العين المهملة والراء جميعاً: هو ما يقتني من مال وغيره. 3 - وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أنه قال: يا رسول الله أخبرني عن الجهاد (¬8) والغزو (¬9)؟ فقال: يا عبد الله بن عمرو إنْ قاتلتَ صابراً (¬10) ¬

(¬1) ليأخذ غنيمة. (¬2) ليتحدث الناس بشجاعته وسيرته. (¬3) ليتبوأ مركزه اللائق به، وليظهر عظمته بين أصحابه، وقوته بين قببيلته. (¬4) أفصح قولك وبين طلبك. (¬5) عرضاً، من الدنيا. كذا د وع ص 451، وفي ن ط: من عرض الدنيا. (¬6) لا ينال شيئا من الثواب لأن نيته أخذ شيء من الغنيمة. (¬7) عد في ن د وع، وط: أعد: أي أرجع. (¬8) الحرب لنصر دين الله وإعلاء كلمته. (¬9) الحرب والهجوم على الأعداء. (¬10) متحملا شدائد الحرب متكلفا الصبر لله.

مُحتسبا (¬1) بعثك الله صابرا محتسباً، وإنْ قاتلتَ مرائياً (¬2) مكاثراً (¬3) بعثك الله مرائيا مكاثراً، يا عبد الله بن عمرو على أيِّ حال قاتلت، أوْ قُتلت بعثك الله على تلك الحال. رواه أبو داود. 4 - وعنْ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الآمال بالنِّيَّة (¬4). وفي روايةٍ: بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى (¬5) فمن كانت هجرته (¬6) إلى الله ورسولهِ (¬7)، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا (¬8) يصيبها، أو امرأةٍ ينكحها (¬9) ¬

(¬1) طالباً الثواب من الله وحده. (¬2) مظهراً الرياء والإشراك في عملك. (¬3) طالباً الكثرة من الغنيمة والفوز بحطام الدنيا. (¬4) بحسب الاعتقاد الثابت في القلب. ففيه من يقاتل لإعلاء كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ترفرف على ربوع الناس، وتنطق بها ألسنتهم، وتقر بها قلوبهم. وفيه من يقاتل للشهرة ولإظهار العظمة والحمية، والغضب بدفع المضرة وجلب المنفعة. قال الشرقاوي: نعم لو حصل الغير مناً لا أصلا ومقصودا لم يخل. قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إن كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه أهـ. والأعمال تشمل الأقوال وأفعال الأعضاء. والنية: القصد، وعرفت في الشرع بأنها الإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضا الله وامتثال حكمه. (¬5) قصد. (¬6) أي نية عمله، واستعملت في لسان الشرع في ترك دار الخوف إلى دار الأمن كما فعل بعض الصحابة في تركهم مكة إلى الحبشة أول الأمر، وفي ترك الكفر إلى دار الإسلام فرارا بالدين كما فعل المسلمون في مغادرتهم مكة إلى المدينة لما انتشر الإسلام فيها وهاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ترك ما نهى الله عنه. (¬7) يقصد بهذه خدمة الدين وإعلاء كلمة الله بتعلم كتابة، وسنة رسوله والعمل بهما. (¬8) طلبه نيل سعة الرزق أو إدراك شيء. (¬9) يتزوجها. والمعنى: الناس مختلفون في طلب أعمالهم. أ - هذا يحسن ليحظى بمكانه عند الناس. ب - وآخر يحسن ليمتثل أمر الله فقط، ويبتغي ثواب الله جل وعلا. فاختلف الباعث، فالأول قصد منفعة دنيوية شخصية، والثاني قصد حب الله وملأ قلبه إيمانا به ومحبة خير للناس ابتغاء مرضاة ربه جل وعلا. وقد كتب الشيخ عبد العزيز الخولي رحمه الله في معنى هذا: شخص يصل ليرائى الناس فيسموه بالصلاح، أو يكلوا له عملا ماليا يطلق فيه يده بالاختلاس، وآخر يصل قياما بالواجب، وتطهيرا لنفسه، وإرضاء لربه أصلاتهما بدرجة واحدة؟ لا: بل كاتب أو شاعر، أو خطيب يدعو إلى مصلحة عامة والباعث له وظيفة يرجوها، أو حظوة عند ذي سطان. أتكون درجته كآخر يدعو إلى ذلك؟ لأن فيه خير الأمة، ولأن هذا وحي قلبه المخلص لبلده، لا يستويان. فإن الأول إذا لم يصل لبغيته حطم قلمه، أما الثاني فإنه دائب على الدعوة، ولولا في سبيل ذلك الصعاب، وقيل صحة الأعمال بالنية: أي إنها لا تكون معتبرة في نظر الشارع مترتبة عليها آثارها إلا بالنية، =

فهجرته إلى ما هاجر إليه (¬1). رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي. 5 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجرَ (¬2)، والذِّكر ماله (¬3)؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، فأعادها ثلاث مرَّاتٍ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، ثمَّ قال: إنَّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه (¬4). رواه أبو داود والنسائي. (قوله) يلتمس الأجر والذكر: يعني يريد أجر الجهاد، ويريد مع ذلك أن يذكره الناس بأنه غاز أو شجيع، ونحو ذلك. 6 - وعنْ أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بشِّرْ هذه الأمَّة بالتَّيسير (¬5)، والسَّناء، والرِّفعة بالدين، والتَّمكين في البلاد والنَّصر، فمنْ عمل منهمْ بعمل الآخرة للدُّنيا فليْس له في الآخرة من نصيبٍ (¬6). رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي واللفظ له، وتقدم في الرياء هو وغيره. 7 - وتقدم أيضا حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما منْ عبدٍ يقوم في الدُّنيا مقام سُمعةٍ ورياءٍ إلا سمع الله به على رؤوس. ¬

= فالوضوء أو التيمم مثلا لا يعتبران شرعا بحيث تؤدي بها الصلاة، أو يباح بهما مس المصحف إلا إذا سبقتهما أو صاحبتهما النية. أما بدون النية فلا عبرة بهما. فالنية على هذا التقدير لابد منها في المقاصد: كالصلاة والحج والوسائل: كالضوء والتيمم. أهـ ص 6. (¬1) يطلب صحة ورفاهية، أو مناخا طيبا يريد الإقامة فيه، أو يف من غريم أو من شرير أثيم، أو من حاكم ظلوم، أو ملك غشوم، فليس له إلا ما قصده، ولا ثواب له عند الله تعالى. وفي الحديث: أ - الرغبة في معالي الأمور. ب - الإخلاص في العمل لله تعالى. جـ - الحث على خدمة الدين والتحلي بالمكارم. د - الهجرة للإرشاد والدعوة إلى الله تعالى. (¬2) حارب يطلب الثواب والسيرة. (¬3) أي شيء له؟ فنفى صلى الله تعليه وسلم أي أجر له. (¬4) قصد به وجه الله وثوابه، وبعد عن الرياء والصيت. (¬5) الرخاء وزيادة الأرزاق، والسعة في العيش الرغد. (¬6) أجر.

الخلائق يوم القيامة (¬1). رواه الطبراني بإسناد حسن. 8 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغزو غزوان: فأمَّا من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة (¬2)، وياسر الشَّريك، واجتنب الفساد، فإنَّ نومه وتنبُّهه أجرٌ كله، وأمَّا من غزا فخرا ورياء، وسمعةً وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنَّه لن يرجع بالكاف رواه أبو داود وغيره. (قوله) ياسر الشريك، معناه عامله باليسر والسماحة. 9 - وعن عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من غزا في سبيل الله ولمْ ينو إلا عقالا فله ما نوى. رواه النسائي وابن حبان في صحيحه. 10 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل: يا رسول الله إني أقف الموقف أريد وجه الله، وأريد أن يرى موطني فلمْ يردَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: فمن كان يرجو لقاء ربِّه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحداً. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين. 11 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ أوَّل الناس يقضي عليه يوم القيامة رجل استشهد (¬3)، فأتى به فعرَّفه نعمته فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت ولكن قاتلتَ لأن يقال هو جريء (¬4)، فقد قيل: ثمَّ أمر به فحسب على وجهه حتى ألقى في النَّار، الحديث. رواه مسلم واللفظ له والنسائي والترمذي وابن خزيمة في صحيحه. 12 - وعند الترمذي حدَّثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله تبارك وتعالى: إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهمْ، وكلُّ جاثية فأوَّل من يدعو به رجلٌ جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجلٌ كثير المال، فذكر الحديث إلى أنْ قال، ويؤتي بالذي قتل في سبيل الله، فيقول الله له فيما ذا قتلتَ؟ ¬

(¬1) يفضحه تعالى أمام الناس لأنه عمل رياء ونفاقا. (¬2) أجاد بيده السخية نفائس ما عنده. (¬3) مات في حومة الوغي. (¬4) شجاع، وقد حرمه من الأجر لأن نيته الرياء، وأن يتحدث الناس ببسالته، ولم يخطر بباله حب ثواب الله.

فيقول: أي ربِّ أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلتُ حتى قُتلتُ، فيقول الله له: كذبت وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقال فلان جريء، فقد قيل ذلك، ثمَّ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيَّ، فقال: يا أبا هريرة أولئك الثَّلاثة أوَّل خلق اله تسعَّر بهم النَّار يوم القيامة. وتقدم بتمامه في الرياء. (جريء): هو بفتح الجيم، وكسر الراء، وبالمد: أي شجاع. 13 - وعنْ شدَّاد بن الهاد رضي الله عنه أنَّ رجلاً من الأعراب جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فآمن به واتَّبعه، ثمَّ قال: اهاجر معك فأوصي به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فلمَّا كانت غزاته (¬1) غنم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهمْ، فلمَّا جاء دفعوه إليه، فقال ما هذا؟ قالوا: قسم قسمة لك النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه، فجاء به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال: قسمْتهُ لك. قال: ما على هذا اتَّبعتك، ولكن اتَّبعتك على أنْ أرْمي إلى هاهنا، وأشار إلى حلقهِ بسهمٍ. فأموت فأدخل الجنَّة، فقال: إنْ تصدق الله يصدقك فلبثوا قليلاً، ثمَّ نهضوا (¬2) إلى قتال العدوِّ، فأتى به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهمٌ حيث أشار، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟ قال: نعمْ. قال: صدق الله فصدقه، ثمَّ كفَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبَّتِه التي عليه، ثمَّ قدَّمه فصلى عليه، وكان مما ظهر من صلاته، اللهمَّ هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، فقتل شهيداً أنا شهيد على ذلك. رواه النسائي. 14 - وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ غازيةٍ، أو سريَّةٍ تغزو في سبيل الله يسلمون (¬3)، ويصيبون (¬4) إلا تعجلوا ثلثي أجرهم (¬5)، وما من غازيةٍ، أوْ سريَّة تخفق وتخوَّف، وتصاب إلا تمَّ أجرهمْ (¬6). ¬

(¬1) غزاة. كذا د وع ص 454، وفي ن ط: غزاته. (¬2) نهضوا إلى. كذا د ع و، وفي ن ط: نهضوا في. (¬3) ينالون السلامة. (¬4) يكسبون الغنائم. (¬5) أي أخذوا ثلثي الأجر: أ - السلامة. ب - النفائس. (¬6) أخذوا الأجر كاملا إذ صبروا في الحروب، ونالوا الشدائد، ورجعوا بلا غنيمة.

الترهيب من الفرار من الزحف

وفي روايةٍ: من غازيةٍ، أوْ سريَّةٍ تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجَّلوا ثُلثيْ أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثُّلثُ وإنْ لم يصيبوا غنيمةً ثمَّ لهمْ أجرهمْ. رواه مسلم، وروي أبو داود والنسائي وابن ماجه الثانية. (يقال) أخفق الغازي إذا غزا ولم يغنم، أو لم يظفر. (الترهيب من الفرار من الزحف) 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجْتنبوا السَّبع الموبقات (¬1). قالوا: يا رسول الله وما هنَّ؟ الإشراك (¬2) بالله، والسِّحْر (¬3)، وقتل النَّفس التي حرم الله إلا بالحقِّ، وأكل الربِّا (¬4)، وأكل مال اليتيم (¬5)، ¬

(¬1) المهلكات، والاجتناب معناه: الابتعاد. (¬2) أن تجعل لله ندا. العمل بنية إظهاره للناس، وغير خالص لوجه الله الكريم. (¬3) ما يخدع العيون كالذي يفعله المشعوذ يصرف به الأبصار عما يفعله بخفة يده وسرعة حركته (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) قال القرطبي: السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب، غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس ومادته الوقوف على خواص الأشياء، والعلم بوجود تركيبها وأوقاته، وأكثرها تخيلات بغير حقيقة، وإبهامات بغير ثبوت فيعظم عند من لا يعرف ذلك كما قال تعالى في سحرة فرعون: (وجاءوا بسحر عظيم) مع أن حبالهم وعصيهم لا تخرج عن كونها حبالا وعصيا، والحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرا في القلوب كالحب والبغض، وإلقاء الخير والشر، وفي الأبدان بالألم والسقم. وإنما النكور أن الجهاد ينقلب حيوانا أو عكسه بسحر الساحر ونحو ذلك، والمراد به الضربان الأخيران، أما الأول فإنه السحر الحلال. أهـ. قال تعالى: (واتبعوا ما قتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين بابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منها ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق لبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون) 102 من سورة البقرة. إنما نبذوا كتاب الله، واتبعوا كتب السحر التي تتبعها الشياطين من الجن والإنس على عهد سليمان إذ فشا ذلك في عصره، وعلم الملكان السحر تمييزا بينه وبين معجزة الأنبياء عليهم الصلاة (بابل) من سواد الكوفة. (¬4) الزيادة على رأس المال من وجه خاص. (¬5) من فقد أباه، ولم يبلغ مبلغ الرجال.

والتَّولِّي يوم الزَّحف (¬1) وقذف (¬2) المحصنات الغافلات (¬3) المؤمنات. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والبزار، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكبائر سبع أو لهنَّ: الإشراك بالله، وقتل النَّفس بغير حقها، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والفرار يوم الزَّحف، وقذفُ المحصنات، والانتقال إلى الأعراب (¬4) بعد هجرته. 2 - وروي عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا ينفع معهنَّ عمل: الشرك بالله، وعقوق الوالدين (¬5)، والفرار من الزَّحف. رواه الطبراني في الكبير. 3 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ لقى الله عزَّ وجلَّ لا يشرك به شيئاً، وأدَّى زكاة ماله طيِّبة بها نفسه محتسباً، وسمع وأطاع فله الجنَّة، أو دخل الجنَّة، وخمس ليس لهنَّ كفارة: الشرك بالله، وقتلُ النفس بغير حقٍ، وبهْتُ مؤمنٍ (¬6)، والفرار من الزَّحف، ويمين صابرة (¬7) يقتطع ¬

(¬1) الفرار والهرب من محاربة أعداء الدين، وزحف الجيش: سار إلى محاربة الأعداء في ثقل لكثرته وشدة بأسه. (¬2) سب، والمراد الرمي بالزنا، والمحصنات العفيفات اللاتي أحصن نفوسهن من الخط: مأخوذ من الحصن، وهو المكان المنيع إذ نفوسهن في حصن من العفاف، وتقال للحرائر، وللمتزوجات لأن الحرية والزواج من دواعي العفة والابتعاد عن الفاحشة. (¬3) اللاتي لم تخطر الفاحشة على بالهن البعيدات عن المنكرات لطهارة قلوبهن فهن ساهيات عن المعاصي، ولسانهن رطب بذكر الرحمن، وصرفهن كل جوارحهن في العمل الصالح، وهمهن تدبير بيتهن، وتربية ولدهن، وتطهير أنفسهن. قال تعالى: أ - (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون 4 إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) 5 من سورة النور. ب - (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون 19 ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم) 20 من سورة النور. جـ - (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم 23 يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون 24 يؤمئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين 25 الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولن لهم مغفرة ورزق كريم) 26 من سورة النور. (¬4) سكان البادية الكافرين. (¬5) عصيان أوامرهما وعدم برهما. (¬6) تكذيبيه والافتراء عليه. (¬7) ألزم بها وحبس عليها، وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم، وقيل لها مصبورة، وإن كان صاحبها =

بها مالا بغير حقٍ. رواه أحمد، وفيه بقية بن الوليد. 4 - وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: لا أقسم لا أقسم، ثمَّ نزل فقال: أبشروا وأبشروا، منْ صلي الصَّلوات الخمس، واجتنب الكبائر دخل من أيِّ أبواب الجنة شاء. قال المطَّلب: سمعت رجلاً يسأل عبد الله بن عمر أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرهنَّ؟ قال: نعمْ عقوق الوالدين، والشِّرك بالله، وقتل النَّفس (¬1)، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم والفرار من الزَّحف، وأكل الرِّبا (¬2). رواه الطبراني، وفي إسناده مسلم بن الوليد ابن العباس لا يحصرني فيه جرح ولا عدالة. ¬

= في الحقيقة هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها: أي حبس فوصفت بالصبر، وأضيفت إليه مجازا. أهـ نهاية. والمعنى رجل كذاب أقسم بالله على شيء ليغر ويخدع، ويضيع حقا ثابتاً. (¬1) إزهاق الروح البريئة، وإراقة الدماء الطاهرة الذكية فتلك جريمة شنعاء ترفع الأمن وتجلب الفساد، وتنشر الخوف، وتزلزل أركان الطمأنينة، وتفتك بأبناء الأمة الوادعين، وتضعف الثقة والتبادل، وتقع روابط الإخاء بينها. لماذا؟ لأنها مدمرة مخربة مرملة للنساء، ميتمة للأطفال، زراعة الإحن والعداوات. قال تعالى: أ - (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً). 32 من سورة المائدة. ب - (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) 93 من سورة النساء. تهديد عظيم حتى قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تقبل توبة قاتل المؤمن عمدا. والجمهور على أنه مخصوص بمن لم يتب. قال تعالى: (وإني لغفار لمن تاب). جـ - (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ) أي لا تخطر هذه الجريمة الشنعاء بقلب مؤمن، ولا تمر بجأش مسلم صالح، ولا تطاوعه نفسه على هذه الوحشية المنكرة، ويشمل قتل النفس. أولاً: قتل العدوان. ثانياً: قتل الأولاد خشية الإملاق. ثالثاً: وأد البنات مخافة العار. فالنفس الإنسانية محترمة، إلا إن كانت نفساً شريرة مجرمة مفسدة فإن دواءها إراحة المجتمع منها فالقاتل يقتل: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) 179 من سورة البقرة. والزاني التي تحت يده امرأة تعفه إذا انتهك عرض المرأة، واقترف الفاحشة يرجم. والتارك لدينه المفارق للجماعة، المحارب لله ورسوله يقتل. (¬2) إخراج المال بفائدة وهذا ظلم، وأكل مال بالباطل، ومحاربة لله ورسوله، وموجب للخلود في النار كما حكى القرآن. يستحق آكل الربا اللعن والذم والطرد من رحمة الله لأنه ينتهز فرصة الإعسار، وشدة الفقرة وخلو اليد من المال فيخرج ماله بفائدة. قال تعالى (يمحق الله الربا ويربي الصدقات). أي يمحق المال ويذهب البركة، وينزع الرحمة من قلوب عباده ليعاملوه بالقوسة والغلظة، وهذا مشاهد فكم نال =

5 - وعن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزمٍ رضي الله عنه عنْ أبيه عن جده أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتابٍ فيه الفرائض والسُّنن والدِّيات فذكر فيه: وإنَّ أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحقِّ، والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم (¬1)، الحديث. رواه ابن حبان في صحيحه. 6 - وعنْ عبيدٍ بن عميرٍ الليثيِّ عنْ أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع: إنَّ أولياء الله المصلُّون، ومن يقيم الصَّلوات الخمس التي كتبهنَّ الله عليه، ويصوم رمضان، ويحتسب صومه، ويؤتي الزكاة محتسباً طيبةً بها نفسه، ويجتنب الكبائر التي نهى الله عنها، فقال رجلٌ من أصحابه: يا رسول الله وكم الكبائر؟ قال: تسع أعظمهنَّ: الإشراك بالله، وقتل المؤمن بغير حق، والفرار من الزَّحف، وقذف المحصنة، والسحر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكمْ أحياء وأمواتاً، ولا يموت رجلٌ لم يعمل هؤلاء الكبائر، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة إلا رافق محمداً صلى الله عليه وسلم في بحبوحة جنةٍ أبوابها مصاريع الذَّهب. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. (بحبوحة) المكان بحاءين مهملتين وباءين موحدتين مضمومتين: هو وسطه. (قال الحافظ) كان الشافعي رضي الله عنه يقول: إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو وحرم عليهمْ أن يولوا إلا محترفين لقتالٍ، أو متحيِّزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحبَّ لهمْ أن يولوا، ولا يستوجبون السخط عندي من الله لوْ ولَّوْا عنهمْ على غير التحرُّف للقتال، أو التحيز إلى فئة، وهذا مذهب ابن عباس المشهور عنه. ¬

= المرابي ازدراء مواطنيه وتحقيرهم والكيد له وإذلاله أذله الله. إن الربا. موجب للعداء، سبب السخط، ووجود هذه الأزمة العالمية لأن الله تعالى أمر بالصدقة والقرض، والمحبة والمودة، والمعاونة والمساعدة، والربا هادم ذلك. (¬1) استحلال ماله، وانتهاز فرصة صغره فيأخذونه لهم لأن نفوسهم خبيثة شرهة نهمة. قالت تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) 10 من سورة النساء، وقد اطلعت على الأدب النبوي ص 81 فاقتبست منه بعض جمل والله أعلم.

الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر

الترغيب في الغزاة في البحر وأنها أفضل من عشر غزوات في البر 1 - عنْ أنس رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أمِّ حرامٍ بنتِ ملحان فتطعمه، وكانت أمُّ حرامٍ تحت (¬1) عبادة بن الصامت رضي الله عنه، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته، ثمَّ جلستْ تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ استيقظ وهو يضحك. قالت فقلت: يا رسول الله ما يضحكك؟ قال: ناسٌ من أمَّتي عرضوا عليَّ غزاةً في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة (¬2)، أو مثل الملوك على الأسرَّة. قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها، ثمَّ وضع رأسه فنام، ثمَّ استيقظ وهو يضحك. قالتْ، فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمَّتي عرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى. قالتْ، فقلتُ: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني منهمْ؟ قال: أنت من الأوَّلين فركبتْ أمُّ حرامٍ بنت ملحان البحر في زمن معاوية فصرعت (¬3) عنْ دابَّتها حين خرجتْ من البحر فهلكتْ رضي الله عنها. رواه البخاري ومسلم واللفظ له. (قال المملي) رضي الله عنه: كان مع اوية رضي الله عنه قد أغزى عبادة بن الصامت قبرس، فركب البحر غازيا وركبت معه زوجته أم حرام. (ثبج البحر): هو بفتح الثاء المثلثة، والباء الموحدة بعدهما جيم: معناه وسط البحر ومعظمه. 2 - وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حجَّة لمنْ لمْ يحجَّ خير من عشر غزواتٍ، وغزوة لمن قد حجَّ خير منْ عشر حججٍ، وغزوة في البحر خير من عشر غزوات في البرِّ، ومنْ أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلَّها، والمائد فيه كالمتشحِّط في دمهِ، رواه الطبراني في الكبير والبيهقي كلاهما من رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث. ¬

(¬1) زوج. (¬2) يتمتعون بنعيم الملوك. (¬3) وقعت فماتت وأجاب الله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وجعلها منها، وفيه الترغيب في ركوب البحر غزوا، وتحمل شدائده لله، والصبر على آلامه جزاء نعيم الله سبحانه وتعالى.

الترهيب من الغلول والتشديد فيه، وما جاء فيمن ستر على غال

وروي الحاكم منه: غزوة في البحرِ خيرٌ من عشر غزواتٍ في البرِّ إلى آخره، وقال: صحيح على شرط البخاري، وهو كما قال، ولا يضر ما قيل في عبد الله بن صالح، فإن البخاري احتج به. (المائد): هو الذي يدوخ رأسه، ويميل من ريح البحر، والميد: الميل. 3 - وروي عنْ عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ غزا في سبيل الله غزوة في البحر، والله أعلم بمن يغزو في سبيله، فقد أدَّى إلى الله طاعته كلها، وطلب الجنَّة كلَّ مطلبٍ، وهرب من النار كلَّ مهربٍ. رواه الطبراني في معاجيمه الثلاثة. 4 - وعن أمِّ حرامٍ رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيدٍ، والغريق له أجر شهيدٍ. رواه أبو داود. 5 - وروي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ فاته الغزو معي فليغز في البحر: رواه الطبراني في الأوسط. (الترهيب من الغلول والتشديد فيه، وما جاء فيمن ستر على غال) 1 - عنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال. قال على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يُقال له كرْكرة فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قدْ غلَّها (¬1). رواه البخاري، وقال: قال ابن سلام كركرة، يعني بفتحهما. (الثقل محركا): هو الغنيمة. (وكركرة): ضبط بفتح الكافين وبكسرهما، وهو أشهر. (والغلول): هو ما يأخذه أحد الغزاة من الغنيمة مختصا به، ولا يحضره إلى أمين الجيش ليقسمه بين الغزاة سواء قل أو كثر، وسواء كان الآخذ أمين الجيش، أو أحدهم. واختلف العلماء في الطعام والعلوفة، ونحوهما اختلافا كثيرا ليس هذا موضع ذكره. 2 - وعنْ عبد الله بن شقيقٍ أنَّه أخبره من سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو ¬

(¬1) سرقها من المغنم.

بوادي القري، وجاءه رجل، فقال: استشهد مولاك، أوْ قال غلامك فلان قال: بلْ يجرُّ (¬1) إلى النَّار في عباءة غلَّها. رواه أحمد باسناد صحيح. 3 - وعنْ زيد بن خالدٍ رضي الله عنه أنَّ رجلا من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم توفي في يوم خيبر، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: صلُّوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: إنَّ صاحبكمْ غلَّ في سبيل الله، ففتَّشْنا متاعه، فوجدنا خرزاً من خرزٍ يهود لا يساوي درهمين (¬2). رواه مالك وأحمد وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. 4 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال حدَّثني عمر رضي الله عنه، قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيدٌ، وفلان شهيدٌ حتى مرُّوا على رجلٍ، فقالوا: فلانٌ شهيدٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا (¬3) إنِّي رأيته في النار في بردةٍ غلَّها (¬4)، أو عباءة غلَّها، ثمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن الخطاب اذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنَّة إلا المؤمنون. رواه مسلم والترمذي وغيرهم. 5 - وعنْ حبيب بن مسلمة رضي الله عنه قال: سمعتُ أبا ذرٍ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنْ لمْ تغلَّ أمَّتي لمْ يقمْ لهمْ عدو أبداً (¬5). قال أبو ذرٍ: لحبيب بن مسلمة هل يثبت لكم العدوُّ حلب شاةٍ (¬6)؟ قال: نعم، وثلاث شياهٍ غزرٍ (¬7). قال أبو ذرٍ: غللتمْ (¬8)، وربِّ الكعبة: رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد ليس فيه ما يقال إلا تدليس بقية بن الوليد، فقد صرح بالتحديث. 6 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) يسحب على وجهه ويعذب. (¬2) سرق شيئا تافها فحرم من صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم. (¬3) ردع وزجر، وإبطال لقول القائل، وذلك نقيض أي في الاثبات. قال تعالى: (لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا). (¬4) أخذها خفية، وكانت هذه داعية إلى موته على غير الاسلام لخيانته ونكثه وغدره. (¬5) إن لم يسرق الغزاة المحاربون يهزم العدو بسرعة. (¬6) مقدار حلبها، وأخذ اللبن من ضرعها. (¬7) لبنها كثير، بمعنى أنه يأخذ زمنا في الحرب أكثر من زمن شياء أضراعها كثيرة اللبن ملأى. (¬8) سرقتم في المغنم.

ذات يومٍ، فذكر الغلول فعظَّمه وعظم أمره حتى قال: لا ألفينَّ أحدكمْ يجيء يوم القيامة على رقبتهِ بعير له رغاء، فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفينَّ أحدكمْ يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، فيقول: يا رسول الله أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول: يا رسول الله أغثني. فأقول: لا أملك شك شيئا قد أبلغتك، لا ألفينَّ أحدكمْ يجيء يوم القيامة على رقبتهِ نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفينَّ أحدكمْ يجيء يوم القيامة على رقبتهِ رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا قدْ أبلغتك، لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامتٌ، فيقول: يا رسول الله أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك (¬1). رواه البخاري ومسلم واللفظ له. (لا ألفين) بالفاء: أي لا أجدنّ. (والرغاء) بضم الراء، وبالغين المعجمة والمد: هو صوت الإبل وذوات الخفّ. (والحمحمة) بحاءين مهملتين مفتوحتين: هو صوت الفرس. (والثغاء) بضم المثلثة وبالغين المعجمة والمد: هو صوت الغنم (والرقاع) بكسر الراء جمع رقعة: وهو ما تكتب فيه الحقوق. (وتخفق): أي تتحرك وتضطرب. 7 - وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالاً فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسهُ، ويقسمه، فجاء رجلٌ يوما بعد النِّداء بزمامٍ من شعر، فقال: يا رسول الله تهذا كان فيما أصبناه من الغنيمة، فقال: أسمعت بلالاً ينادي ثلاثاً؟ قال: نعم. قال: فما منعك أن تجيء به، فاعتذر إليه، فقال: كنْ أنت تجيء به يوم القيامة فلنْ أقبله عنك (¬2) رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) يحذر صلى الله عليه وسلم المجاهدين أن يأخذوا شيئا خفية وإلا يعذبوا به: يحملونه على رءوس الأشهاد يوم القيامة، ويقاسون فضيحته، ويعذبون بسببه، وفيه طلب الأمانة، والتحلي بالكمال: والدفاع عن الدين لله تعالى. (¬2) لأنه سرقه، ولم يظهره عند نداء بلال رضي الله عنه.

8 - وعنْ أبي هريرة رضنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، ففتح الله علينا فلمْ نغنمْ ذهباً ورقاً، غنمنا المتاع والطعام والثِّياب، ثمَّ انطلقنا إلى الوادي: يعني وادي القرى، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له وهبه له رجلٌ من (¬1) جذامٍ يدْعى رفاعة بن يزيد من بني الضَّبِّيب، فلما نزلنا الوادي قام عبدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلُّ رحْله فرمى بسهمٍ، فكان فيه حتفه (¬2)، فقلنا هنيئاً له الشَّهادة يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا (¬3)، والذي نفس محمَّدٍ بيده: إنَّ الشَّمْلةً لتلتهب (¬4) عليه ناراً، أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم. قال: ففزع (¬5) الناس، فجاء رجل بشراكٍ أو شراكين، فقال: أصبت يوم خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شراك من نارٍ، أو شراكان من نارٍ. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والنسائي. (الشملة): كساء أصغر من القطيفة يتَّشح بها. 9 - وعنْ أبي رافع رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدَّث عندهم حتى ينحدر للمغرب. قال أبو ارفعٍ. فبينا (¬6) النبيُّ صلى الله عليه وسلم يسرع إلى المغرب مررنا بالبقيع، فقال: أفٍ (¬7) لك، أُفٍ لك، أُفٍ. قال: فكبر ذلك في ذرعي، فاستأخرتُ، وظننت أنه يريدني، فقال: مالك؟ أمش: قلت: وحدثَ حدثٌ؟ فقال: ما ذاك؟ قلت: أففْتَ بي. قال: لا، ولكنْ هذا فلان بعثتهُ ساعياً على بني فلان، فغلَّ نمرةً، فدرع مثلها من نارٍ. رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحه. (البقيع) بالباء الموحدة: مواضع بالمدينة. منها بقيع الخيل، وبقيع الخنجمة بفتح الخاء المعجمة والجيم، وبقيع الغرقد، وهو المراد هنا، كذا جاء مفسراً في رواية البزار، وقوله كبر في ذرعي. هو بالذال المعجمة المفتوحة بعدها راء ساكنة: أي عظم عندي موقعه. ¬

(¬1) من جذام. كذا د وع ص 459، وفي ن ط من بني جذام. (¬2) موته ووجود منيته. (¬3) حرف ر د ع وزجر: تنفي الشيء. (¬4) لتوقد وتستعر. (¬5) فخاف. (¬6) فبينا. كذا د وع، وفي ن ط فبينما. (¬7) أتوجع وأتضجر.

الترغيب في الشهادة، وما جاء في فضل الشهداء

(والنمرة) بفتح النون، وكسر الميم: بردة من صوف تلبسها الأعراب. وقوله (فدرع) بالدال المهملة المضمومة: أي جعل له درع مثلها من نار. 10 - وعنْ ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جاء يوم القيامة بريئاً من ثلاثٍ دخل الجنَّة: الكبر (¬1)، والغلول (¬2)، والدين (¬3). رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 11 - وعنْ أبي حازمٍ رضي الله عنه قال: أتى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بنطعٍ (¬4) من الغنيمة، فقيل: يا رسول الله هذا لك تستظلُّ به من الشَّمس؟ قال: أتحبُّون أن يستظلَّ نبيكمْ بظلٍ من نارٍ؟. رواه أبو داود في مراسيله، والطبراني في الأوسط وزاد: يوم القيامة. 12 - وعنْ يزيد بن معاوية رضي الله عنه أنَّه كتب إلى أهل البصرة: سلامٌ عليكمْ، أمَّا بعد: فإنَّ رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم زماماً (¬5) من شعرٍ منْ مغنمٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألتني زماماً من نارٍ لمْ يكنْ لك أن تسألنيهِ ولمْ يكن لي أن أعطيه. رواه أبو داود في المراسيل أيضاً. 13 - وعنْ سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: أما بعد. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يكتمْ غالاً فإنَّه مثله. رواه أبو داود. (يكتم غالا): أي يستر عليه. (الترغيب في الشهادة، وما جاء في فضل الشهداء) 1 - عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أحدٌ يدخل الجنَّة يحبُّ أنْ يرجع إلى الدنيا، وإنَّ له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد (¬6) فإنَّه ¬

(¬1) الخيلاء والغطرسة والتجبر. (¬2) السرقة في الغنائم. (¬3) أخذ أموال الناس ولا يسدها، ويريد عدم أدائها. (¬4) أخذ أموال الناس ولا يسدها، ويريد عدم أدائها. (¬5) حبل من ليف كزمام الناقة تقاربه. (¬6) المجاهد الميت في ساحة الحرب.

يتَمَنَّى أَن يرجع إِلَى الدُّنْيَا فَيقْتل عشر مَرَّات لما يرى من الْكَرَامَة (¬1) وَفِي رِوَايَة: لما يرى من فضل الشَّهَادَة. رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ 2 - وَعنهُ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله يُؤْتى بلرجل من أهل الْجنَّة فَيَقُول الله لَهُ يَا بن آدم كَيفَ وجدت مَنْزِلك فَيَقُول أَي رب خير منزل فَيَقُول سل وتمنه فَيَقُول وَمَا أَسأَلك وأتمنى أَسأَلك أَن تردني إِلَى الدُّنْيَا فأقتل فِي سَبِيلك عشر مَرَّات لما يرى من فضل الشَّهَادَة رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم 3 - وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَن أغزو فِي سَبِيل الله فأقتل ثمَّ أغزو فأقتل ثمَّ أغزو فأقتل رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي حَدِيث تقدم 4 - وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يغْفر للشهيد كل ذَنْب إِلَّا الدّين (¬2) رَوَاهُ مُسلم 5 - وَعَن أبي قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ فيهم فَذكر أَن الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَالْإِيمَان بِاللَّه أفضل الْأَعْمَال فَقَامَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن قتلت فِي سَبِيل الله تكفر عني خطاياي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم إِن قتلت فِي سَبِيل الله وَأَنت صابر (¬3) محتسب (¬4) مقبل (¬5) غير مُدبر (¬6) ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ قلت قَالَ أَرَأَيْت إِن قتلت فِي سَبِيل الله أتكفر عني خطاياي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم إِن قتلت وَأَنت صابر محتسب مقبل غير مُدبر إِلَّا الدّين فَإِن جِبْرَائِيل قَالَ لي ذَلِك رَوَاهُ مُسلم وَغَيره 6 - وَعَن ابْن أبي عميرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ¬

_ (¬1) فضل الله ونعيمه وزيادة إحسانه. (¬2) حقوق الناس فتستقر في ذمته حتى يفصل الله يوم القيامة. (¬3) متحمل الشدائد لله. (¬4) طالب الثواب من الله. (¬5) هاجم. (¬6) فار من الجهاد: تعطيهم ظهرك. وفيه أن الجهاد يغسل الذنوب، ويطهر صحيفة المجاهد، ويكثر من الحسنات ورفع الدرجات.

مَا من نفس مسلمة يقبضهَا (¬1) رَبهَا تحب أَن ترجع إِلَيْكُم وَإِن لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا غير الشَّهِيد قَالَ ابْن أبي عميرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن أقتل فِي سَبِيل الله أحب إِلَيّ من أَن يكون لي أهل الْوَبر والمدر رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَالنَّسَائِيّ وَاللَّفْظ لَهُ (أهل الْوَبر) هم الَّذين لَا يأوون إِلَى جِدَار من الْأَعْرَاب وَغَيرهم (وَأهل الْمدر) أهل الْقرى والأمصار والمدر محركا هُوَ الطين الصلب المستحجر 7 - وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ غَابَ عمي أنس بن النَّضر عَن قتال بدر فَقَالَ يَا رَسُول الله غبت عَن أول قتال قَاتَلت الْمُشْركين (¬2) لَئِن أشهدني الله قتال الْمُشْركين ليرين الله مَا أصنع فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد وانكشف الْمُسلمُونَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أعْتَذر إِلَيْك مِمَّا صنع هَؤُلَاءِ يَعْنِي أَصْحَابه وَأَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا صنع هَؤُلَاءِ يَعْنِي الْمُشْركين ثمَّ تقدم فَاسْتَقْبلهُ سعد بن معَاذ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ يَا سعد بن معَاذ الْجنَّة وَرب النَّصْر إِنِّي أجد رِيحهَا دون أحد قَالَ سعد فَمَا اسْتَطَعْت يَا رَسُول الله أصنع مَا صنع قَالَ أنس فَوَجَدنَا بِهِ بضعا وَثَمَانِينَ ضَرْبَة بِالسَّيْفِ أَو طعنة بِرُمْح أَو رمية بِسَهْم ووجدناه قد قتل وَقد مثل بِهِ الْمُشْركُونَ فَمَا عرفه أحد إِلَّا أُخْته ببنانه (¬3) فَقَالَ أنس كُنَّا ¬

_ (¬1) يتوفاها. (¬2) يذكر أسفه على عدم مشاهدة حرب بدر، وأبلى بلاء حسنا في غزوة أحد، وهكذا يكون الإخلاص لله. (¬3) بأصبعه. قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا. 21 ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما 22 من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا 23 ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما) 24 من سورة الأحزاب. (أسوة) خلصة (حسنة) من حقها أن يؤتسى بها كالثبات في الحرب، ومقاساة الشدائد، أو هو في نفسه قدوة يحسن التأسي به لمن يرجو ثواب الله أو لقاء ونعيم الآخرة (صدقوا ما عاهدوا الله عليه) من الثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والمقاتلة لإعلاء الدين (نحبه) نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير، وأنس ابن النضر. والنحب: النذر، واستعير للموت (ومنهم من ينتظر) الشهادة كعثمان وطلحة رضي الله عنهما، وما بدلوا العهد، وما غيروه. روي أن طلحة ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى أصيبت يده فقال عليه الصلاة والسلام أوجب طلحة، وفيه تعريض لأهل النفاق، ومرض القلب بالتبديل.

نرى أَو نظن أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِيهِ وَفِي أشباهه {من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} إِلَى آخر الْآيَة رَوَاهُ البُخَارِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ (الْبضْع) بِفَتْح الْبَاء وَكسرهَا أفْصح وَهُوَ مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع وَقيل مَا بَين الْوَاحِد إِلَى أَرْبَعَة وَقيل من أَرْبَعَة إِلَى تِسْعَة وَقيل هُوَ سَبْعَة 8 - وَعَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت اللَّيْلَة رجلَيْنِ أتياني فصعدا بِي الشَّجَرَة فأدخلاني دَارا (¬1) هِيَ أحسن وَأفضل لم أر قطّ أحسن مِنْهَا قَالَا لي أما هَذِه فدار الشُّهَدَاء رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي حَدِيث طَوِيل تقدم 9 - وَعَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ جِيءَ بِأبي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مثل بِهِ فَوضع بَين يَدَيْهِ فَذَهَبت أكشف عَن وَجهه فنهاني قومِي فَسمع صَوت صائحة (¬2) فَقيل ابْنة عَمْرو أَو أُخْت عَمْرو فَقَالَ لم تبْكي أَو لَا تبْكي مَا زَالَت الْمَلَائِكَة تظله بأجنحتها رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم 10 - وَعنهُ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما قتل عبد الله بن عَمْرو بن حرَام يَوْم أحد، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا جَابر أَلا أخْبرك مَا قَالَ الله لابيك قلت بلَى قَالَ مَا كلم الله أحدا إِلَّا من وَرَاء حجاب وكلم أَبَاك كفاحا (¬3) فَقَالَ ¬

_ (¬1) قصرا فخما. (¬2) صائحة. كذا د وع ص 462، وفي ن ط: صارخة. (¬3) مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول، وفيه أعطيت محمدا صلى الله عليه وسلم كفاحا: أي كثيرا من الأشياء من الدنيا والآخرة. أهـ نهاية. قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون 169 فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون 170 يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين 171 الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتفقوا أجر عظيم 172 الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل 173 فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم 174 إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) 175 من سورة آل عمران نزلت في شهداء أحد، وقيل في شهداء بدر والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. (يرزقون) من الجنة، فرحين بشرف الشهادة، والفوز بالحياة الأبدية القرب من الله تعالى، والتمتع بنعيم الجنة. روي أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا فبلغوا الروجاء ندموا وهموا بالرجوع، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب أصحابه للخروج في طلبه، وقال: لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس فخرج عليه الصلاة والسلام =

يَا عبد الله تمن عَليّ أعطك قَالَ: يَا رب تحييني فأقتل فِيك ثَانِيَة قَالَ: إِنَّه سبق مني أَنهم إِلَيْهَا لَا يرجعُونَ قَالَ: يَا رب فأبلغ من ورائي، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء} آل عمرَان 961 الْآيَة كلهَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد حسن أَيْضا وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد 11 - وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ ملكا يطير فِي الْجنَّة ذَا جناحين يطير مِنْهَا حَيْثُ شَاءَ مقصوصة (¬1) قوادمه بالدماء رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا حسن ¬

_ = مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد، وهي على ثمانية أميال من المدينة، وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت: (الذين قال لهم الناس) يعني الركب الذين استقبلوهم من عبد قيس، أو نعيم بن مسعود الأشجعي، وأطلق عليه الناس لأنه من جنسهم (فاخشوهم) يعني أبا سفيان وأصحابه. روي أنه نادى عند انصرافه من أحد: يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت. فقال عليه الصلاة والسلام: إن شاء الله تعالى، فلما كان القابل خرج في أهل مكة حتى نزل بمر الزهران فأنزل الله الرعب في قلبه، وبدا له أن يرجع فمر به ركب من عبد قيس يريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب إن ثبطوا المسلمين. وقيلي لقي نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فسأله ذلك، والتزم له عشرا من الإبل فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم: أتوكم في دياركم فلم يفلت منكم أحد إلا شريدا فترون أن تخرجوا، وقد جمعوا لكم ففتروا فقال عليه الصلاة والسلام، والذي نفسي بيده لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد فخرج في سبعين راكبا وهم يقولون: حسبنا الله (فزادهم إيمانا) والمعنى أنهم لم يلتفتوا إليه، ولم يضعفوا بل ثبت به يقينهم بالله، وازداد إيمانهم وأظهروا حمية الإسلام، وأخلصوا النية عنده، وهو دليل على أن الإيمان يزيد وينقص ويعضده قول ابن عمر رضي الله عنهما: (قلنا يا رسول الله الإيمان يزيد وينقص؟ قال: نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة، وينقص حتى يدخل صاحبه النار) (وقالوا حسبنا الله) محسبنا، وكافينا من أحسبه إذا كفاه (ونعم الوكيل) ونعم ألموكول إليه (فانقلبوا) فرجعوا من بدر (نعمة من الله) عافية وثبات على الإيمان وزيادة فيه (وفضل) وربح في التجارة فإنهم لما أتوا بدرا وافوا بها سوقا فاتجروا وربحوا (لم يمسسهم سوء) من جراحة وكيد عدو (واتبعوا رضوان الله) الذي هو مناط الفوز بخير الدارين بجراءتهم وخروجهم (والله ذو فضل عظيم) قد تفضل عليهم بالتثبيت، وزيادة الإيمان، والتوفيق للعبادة، والمبادرة إلى الجهاد، والتصلب في الدين، وإظهار الجراءة على العدو، وبالحفظ عن كل ما يسوءهم، وإصابة النفع مع الأجر حتى انقلبوا بنعمة من الله وفضل، وفيه تحسير للمتخلف، وتخطئة رأيه حيث حرم نفسه ما فازوا به (الشيطان) يريد به المثبط نعيما أو أبا سفيان - أو إنما ذلكم قول الشيطان، يعني إبليس عليه اللعنة (يخوف أولياءه) القاعدين عن الخروج مع الرسول، أو يخوفكم أولياءه الذين هم سفيان وأصحابه (إن كنتم مؤمنين) فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله تعالى على خوف الناس. أهـ بيضاوي ص 122. (¬1) مقصوصة. كذا د وع ص 463، وفي ن ط: مضرجة، والقوادم للطير: مقاديم الريش في كل جناح عشر، الواحدة قادمة وقدامى 172: 4 قاموس.

12 - وَعَن سَالم بن أبي الْجَعْد رَضِي الله عَنهُ قَالَ أريهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَرَأى جعفرا ملكا ذَا جناحين مضرجين (¬1) بالدماء وَزيد مُقَابِله رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَهُوَ مُرْسل جيد الْإِسْنَاد (قَالَ الْحَافِظ) كَانَ جَعْفَر رَضِي الله عَنهُ قد ذهبت يَدَاهُ فِي سَبِيل الله يَوْم مُؤْتَة فأبدله بهما جناحين فَمن أجل ذَلِك سمي جعفرا الطيار 13 - وَعَن عبد الله بن جَعْفَر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَنِيئًا لَك يَا عبد الله أَبوك يطير مَعَ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن 14 - وَعَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ فِي غَزْوَة مُؤْتَة قَالَ فالتمسنا جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فوجدناه فِي الْقَتْلَى فَوَجَدنَا بِمَا أقبل من جسده بضعا وَتِسْعين بَين ضَرْبَة ورمية وطعنة وَفِي رِوَايَة فعددنا بِهِ خمسين طعنة وضربة لَيْسَ مِنْهَا شَيْء فِي دبره رَوَاهُ البُخَارِيّ 15 - وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زيدا وجعفرا وَعبد الله بن رَوَاحَة وَدفع الرَّايَة إِلَى زيد فأصيبوا جَمِيعًا قَالَ أنس فنعاهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يَجِيء الْخَبَر فَقَالَ أَخذ الرَّايَة زيد فأصيب ثمَّ أَخذهَا جَعْفَر فأصيب ثمَّ أَخذهَا عبد الله بن رَوَاحَة فأصيب ثمَّ أَخذ الرَّايَة سيف من سيوف الله خَالِد بن الْوَلِيد قَالَ فَجعل يحدث النَّاس وَعَيناهُ تَذْرِفَانِ (¬2) وَفِي رِوَايَة قَالَ وَمَا يسرهم أَنهم عندنَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره 16 - وَعَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَي الْجِهَاد أفضل قَالَ أَن يعقر (¬3) جوادك ويهراق (¬4) دمك رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عَمْرو بن عبسة قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت فَذكره 17 - وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ¬

_ (¬1) ملطخين به. (¬2) تدمعان. (¬3) يجرح. عقر البعير: ضرب قوائمه، عقره: نحره فهو عقير، وجمال عقري، وعقرت المرأة: انقطع حملها (وامرأتي عاقر). (¬4) يسيل.

مَا يجد الشَّهِيد من مس الْقَتْل إِلَّا كَمَا يجد أحدكُم من مس القرصة (¬1) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح 18 - وَعَن كَعْب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أَرْوَاح (¬2) الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر تعلق من ثَمَر الْجنَّة أَو شجر الْجنَّة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح (تعلق) بِفَتْح الْمُثَنَّاة فَوق وَعين مُهْملَة وَضم اللَّام أَي ترعى من أعالي شجر الْجنَّة 19 - وَعَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الشَّهِيد (¬3) يشفع فِي سبعين من أهل بَيته رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه 20 - وَعَن عتبَة بن عبد السّلمِيّ رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْقَتْلَى ثَلَاثَة رجل مُؤمن جَاهد بِنَفسِهِ وَمَاله فِي سَبِيل الله حَتَّى إِذا لَقِي الْعَدو وَقَاتلهمْ حَتَّى يقتل فَذَلِك الشَّهِيد الممتحن (¬4) فِي جنَّة الله تَحت عَرْشه لَا يفضله النَّبِيُّونَ إِلَّا بِفضل دَرَجَة النُّبُوَّة وَرجل فرق على نَفسه من الذُّنُوب والخطايا جَاهد بِنَفسِهِ وَمَاله فِي سَبِيل الله حَتَّى إِذا لَقِي الْعَدو قَاتل حَتَّى يقتل فَتلك ممصمصة محت ذنُوبه وخطاياه إِن السَّيْف محاء للخطايا وَأدْخل من أَي أَبْوَاب الْجنَّة شَاءَ فَإِن لَهَا ثَمَانِيَة أَبْوَاب ولجهنم سَبْعَة أَبْوَاب وَبَعضهَا أفضل من بعض وَرجل مُنَافِق جَاهد بِنَفسِهِ وَمَاله حَتَّى إِذا لَقِي الْعَدو قَاتل فِي سَبِيل الله ¬

_ (¬1) ضغط الأصبعين أي لسعهما الجرح، والمعنى أن الله تعالى يحفظ الشهيد فلا يتألم من القتل ولا يصيبه أي أذى إلا بمقدار جرح بسيط في جسمه، وفيه إظهار كرامة الله للمجاهدين لله. (¬2) جمع روح الذي يقوم به الجسد وتكون به الحياة. (¬3) الذي يموت مجاهدا في حومة الوغي تكون له كرامة عند ربه يرجو نجاة سبعين من أقاربه وأحبابه. (¬4) المختبر الذي أبلى بلاء حسنا، وأسفرت النتيجة بنجاحه وإخلاصه لله. قال تعالى: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) 3 من سورة الحجرات. (امتحن الله) جرب الله قلوبهم للتقوى ومرنها عليها، أو عرفها كائنة للتقوى خالصة لها. فإن الامتحان سبب المعرفة، أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها، أو أخلصها للتقوى، من امتحن الذهب إذا أذابه وميز إبريزه من خبثه (لهم مغفرة) لذنوبهم (يغضون) يخفضون أصواتهم مراعاة للأدب، أو مخافة من مخالفة النهي. قيل كان أبو بكر وعمر بعد ذلك يسران حتى يستفهما. أهـ بيضاوي.

عز وَجل حَتَّى يقتل فَذَلِك فِي النَّار إِن السَّيْف لَا يمحو النِّفَاق رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ وَالْبَيْهَقِيّ (الممتحن) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة هُوَ المشروح صَدره وَمِنْه {أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبهم للتقوى} أَي شرحها ووسعها وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: فَذَلِك المفتخر فِي خيمة الله تَحت عَرْشه وَلَعَلَّه تَصْحِيف (وَفرق) بِكَسْر الرَّاء أَي خَائِف وجزع (والممصمصة) بِضَم الْمِيم الأولى وَفتح الثَّانِيَة وَكسر الثَّالِثَة وبصادين مهملتين هِيَ الممحصة المكفرة 21 - وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشُّهَدَاء ثَلَاثَة (¬1) رجل خرج بِنَفسِهِ وَمَاله فِي سَبِيل الله لَا يُرِيد أَن يُقَاتل وَلَا يقتل يكثر سَواد الْمُسلمين فَإِن مَاتَ أَو قتل غفرت لَهُ ذنُوبه كلهَا وأجير من عَذَاب الْقَبْر ويؤمن من الْفَزع ويزوج من الْحور الْعين وحلت عَلَيْهِ حلَّة الْكَرَامَة وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار والخلد وَالثَّانِي خرج بِنَفسِهِ وَمَاله محتسبا يُرِيد أَن يقتل وَلَا يقتل فَإِن مَاتَ أَو قتل كَانَت ركبته مَعَ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن عَلَيْهِ السَّلَام بَين يَدي الله تبَارك وَتَعَالَى {فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر} وَالثَّالِث خرج بِنَفسِهِ وَمَاله ¬

_ (¬1) بيَّن صلى الله عليه وسلم أصناف المجاهدين، ودرجاتهم في الثواب بحسب نياتهم. الأول: خرج بنفسه وماله ولكن يريد السلامة لنفسه، والنجاة من القتل، والرجوع إلى وطنه، ولي إطاعة لله سبحانه وتعالى، وموافقة للجمهور، يكثر جملتهم ويساعدهم ولا يقصر ولا يجبن، ولايتأخر ولا يرى أو يفل من عزيمته كان ثوابه عند الله تعالى: أ - غفران ذنوبه. ب - سلم من عذاب القبر. جـ - لا يخشى أهوال القيامة. د - تزف له النساء الحسان. هـ - يغمر بكرامة الله ورضوانه. و- يتوج بتاج القبول، ويتسم بنضارة ألنعم. الثاني: خرج بنفسه وماله بنية أن يقتل، ويخوض غ مار الحرب مجاهداً مقاتلا، ويتمنى النجاة، ويود السلامة والرجوع إلى أهله قرير العين مثلوج الفؤاد كان جزاؤه: أ - قربه لسيدنا إبراهيم الخليل، ومجاورة مكانه له عليه السلام يتجلى عليه رضوان الله، ويتمتع برؤية جلال الله وعظمته. الثالث: خرج بنفسه وماله ووهب نفسه لله مستعدا للشهادة في الحرب مستبسلا شجاعا لا يخشى الموت كان جزاؤه حياة صحيحة بعيدة عن كل سؤال آمنا من الأهوال. يبعث فيرى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد (جاثون على الركب) ولكن يمر عليهم كالكوكب المتلألئ وضاح الجبين ينادي نداء الظافر والفائز (ألا افسحوا لنا) هذا أفضل الثلاثة. لماذا؟ لأنه أخلص لربه في جهاده، وكان مثلا أعلى في التضحية، وإنكار الذات، واستعداده لتكون نفسه فداء لنصر دين الله وإعلاء كلمة الله.

محتسبا يُرِيد أَن يقتل وَيقتل فَإِن مَاتَ أَو قتل جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة شاهرا سَيْفه وَاضعه على عَاتِقه وَالنَّاس جاثون على الركب يَقُول أَلا أفسحوا لنا فَإنَّا قد بذلنا دماءنا وَأَمْوَالنَا لله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو قَالَ ذَلِك لإِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن عَلَيْهِ السَّلَام أَو لنَبِيّ من الْأَنْبِيَاء لزحل لَهُم عَن الطَّرِيق لما يرى من وَاجِب حَقهم حَتَّى يَأْتُوا مَنَابِر من نور تَحت الْعَرْش فيجلسوا عَلَيْهَا ينظرُونَ كَيفَ يقْضى بَين النَّاس لَا يَجدونَ غم (¬1) الْمَوْت وَلَا يغتمون فِي البرزخ (¬2) وَلَا تفزعهم الصَّيْحَة (¬3) وَلَا يهمهم الْحساب وَلَا الْمِيزَان وَلَا الصِّرَاط ينظرُونَ كَيفَ يقْضى بَين النَّاس وَلَا يسْأَلُون شَيْئا إِلَّا أعْطوا وَلَا يشفعون فِي شَيْء إِلَّا شفعوا فِيهِ ويعطون من الْجنَّة مَا أَحبُّوا ويتبوؤون (¬4) من الْجنَّة حَيْثُ أَحبُّوا رَوَاهُ الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ والأصبهاني وَهُوَ حَدِيث غَرِيب (زحل) بالزاي والحاء الْمُهْملَة كَذَا فِي رِوَايَة الْبَزَّار وَقَالَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي رِوَايَته لتنحى لَهُم عَن الطَّرِيق وَمعنى زحل وَتَنَحَّى وَاحِد 22 - وَعَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا وقف الْعباد لِلْحسابِ جَاءَ قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دَمًا فازدحموا على بَاب الْجنَّة فَقيل من هَؤُلَاءِ قيل الشُّهَدَاء كَانُوا أَحيَاء مرزوقين رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي حَدِيث يَأْتِي بِتَمَامِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَإِسْنَاده حسن 23 - وَعَن نعيم بن عمار رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الشُّهَدَاء أفضل قَالَ الَّذين إِن يلْقوا (¬5) فِي الصَّفّ لَا يلفتون (¬6) وُجُوههم حَتَّى ¬

_ (¬1) شدائده وسكراته. (¬2) ولا يحصل لهم كدر في قبرهم. (¬3) ولا تقلق مضاجهم نفخة الحشر. قال تعالى، (ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين) 87 من سورة النمل. الصور أو القرن. قيل إنه تمثيل لانبعاث الموتى بانبعاث الجيش إذا نفخ في البوق (إلا من شاء الله) أي لا يفزع من الهول أولئك الذين استثناهم سبحانه وتعالى، والشهيد منهم، وقيل لهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وقيل الحور والخزنة وحملة العرش، وقيل الشهداء، وقيل موسى عليه الصلاة والسلام لأه صعق مرة (داخرين) صاغرين. أهـ بيضاوي. (¬4) يملكون أمكنة. (¬5) في رواية: إن تلقوا. (¬6) لا يلفتون. كذا ط وع ص 446، وفي ن د: لا يلتفتون.

يقتلُوا أُولَئِكَ ينطلقون فِي الغرف الْعلَا من الْجنَّة ويضحك إِلَيْهِم رَبهم (¬1) وَإِذا ضحك رَبك إِلَى عبد فِي الدُّنْيَا فَلَا حِسَاب عَلَيْهِ رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى ورواتهما ثِقَات 24 - وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْجِهَاد عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة الَّذين يلتقون (¬2) فِي الصَّفّ الأول فَلَا يلفتون وُجُوههم حَتَّى يقتلُوا أُولَئِكَ يتلبطون فِي الغرف من الْجنَّة يضْحك إِلَيْهِم رَبك وَإِذا ضحك إِلَى قوم فَلَا حِسَاب عَلَيْهِم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن (يتلبطون) مَعْنَاهُ هُنَا يضطجعون وَالله أعلم 25 - وَعَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أول ثَلَاثَة يدْخلُونَ (¬3) الْجنَّة الْفُقَرَاء الْمُهَاجِرُونَ الَّذين تتقى بهم المكاره (¬4) إِذا أمروا (¬5) سمعُوا وأطاعوا وَإِن كَانَت لرجل مِنْهُم حَاجَة (¬6) إِلَى السُّلْطَان لم تقض لَهُ حَتَّى يَمُوت وَهِي فِي صَدره (¬7) وَإِن الله عز وَجل ليدعو يَوْم الْقِيَامَة الْجنَّة فتأتي بزخرفها وَزينتهَا فَيَقُول أَيْن عبَادي الَّذين قَاتلُوا فِي سبيلي وَقتلُوا وأوذوا وَجَاهدُوا فِي سبيلي ادخُلُوا الْجنَّة فيدخلونها بِغَيْر حِسَاب وَتَأْتِي الْمَلَائِكَة فيسجدون فَيَقُولُونَ رَبنَا نَحن نُسَبِّح بحَمْدك اللَّيْل وَالنَّهَار ونقدس لَك من هَؤُلَاءِ الَّذين آثرتهم (¬8) علينا فَيَقُول الرب عز وَجل هَؤُلَاءِ عبَادي الَّذين قَاتلُوا فِي سبيلي وأوذوا فِي سبيلي فَتدخل عَلَيْهِم ¬

_ (¬1) كناية عن الرضا والإحسان إليهم، والضحك من صفات الحادث، والله منزه عنه، وهذا التعبير ليوضح صلى الله عليه وسلم للناس أن الله تعالى يغدق نعيمه على الشهيد، ويكرمه ويزيد في رفاهته. (¬2) ويلتقون. كذا د وع، وفي ن ط: يلقون. معناه يزجون أنفسهم في الصف الأول، المحارب المجاهد وهمهم الدفاع عن الدين ولو قتلوا. (¬3) يدخلون. كذا ع، وفي ن ط: يدخل، ود: تدخل. (¬4) يجتنب بهم السوء، ويدفع بسببهم الشر. (¬5) أمرهم الحكام وأولياء الأمور. (¬6) طلب من ذوي النفوذ فلا يعتنون بقضاء حاجاتهم فيصبرون لله ولا يحركون فتنا، ولايكونون أداة فساد وإجرام، ويكلون أمرهم لله سبحانه وتعالى مع التفويض المطلق له عز شأنه. (¬7) لم يشك لأحد. (¬8) اخترتهم وفضلتهم. قال تعالى: (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيآتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) 195 من سورة آل عمران. (هاجروا) هجروا الشرك أو الأوطان، والعشائر للدين (في سبيلي) بسبب إيمانهم بالله (وقاتلوا) الكفار (وقتلوا) في الجهاد (لأكفرن) لأمحونَّ ذنوبهم، إثابة من عند الله وتفضلا منه على الطاعات وهو قادر على ذلك سبحانه.

الْمَلَائِكَة من كل بَاب سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيّ بِإِسْنَاد حسن لَكِن مَتنه غَرِيب 26 - وَرُوِيَ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم عَن الأجود الأجود الله الأجود الأجود وَأَنا أَجود ولد آدم وأجودهم من بعدِي رجل علم علما فنشر علمه (¬1) يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة أمة وَحده وَرجل جاد بِنَفسِهِ لله عز وَجل حَتَّى يقتل رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ 27 - وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل حَدِيث قبله وَمَتنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن للشهيد عِنْد الله سبع خِصَال أَن يغْفر لَهُ فِي أول دفْعَة من دَمه وَيرى مَقْعَده من الْجنَّة ويحلى حلَّة الْإِيمَان ويجار من عَذَاب الْقَبْر ويأمن من الْفَزع الْأَكْبَر وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار الياقوتة مِنْهُ خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ويزوج ثِنْتَيْنِ وَسبعين زَوْجَة من الْحور الْعين ويشفع فِي سبعين إنْسَانا من أَقَاربه (¬2) رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَإسْنَاد أَحْمد حسن 28 - وَعَن الْمِقْدَام بن معديكرب رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للشهيد عِنْد الله سِتّ خِصَال يغْفر لَهُ فِي أول دفْعَة وَيرى مَقْعَده من الْجنَّة ويجار من عَذَاب الْقَبْر ويأمن من الْفَزع الْأَكْبَر وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار الياقوتة مِنْهُ خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ويزوج اثْنَتَيْنِ وَسبعين من الْحور الْعين ويشفع فِي سبعين من أَقَاربه رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث صَحِيح غَرِيب الدفعة بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء وَهِي الدفقة من الدَّم وَغَيره 29 - وَعَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ ¬

_ (¬1) عممه، وألف فيه وألقى نفائسه على الناس، ووعظ وأرشد. (¬2) يبين صلى الله عليه وسلم ميزات الشهيد: أولا: غفران ذنوبه ثانيا: مشاهدة مكانه في الجنة ثالثا: يتكمل بلباس التقوى رابعا: يأمن عذاب القبر خامسا: يمتع بالحسان سادسا: على مفرقه إكليل الهيبة والجلال سابعا: ينفع وقت الشدة، ويرجو الله أن ينجي من يحب من عذابه سبحانه

شَيْء أحب إِلَى الله من قطرتين وأثرين قَطْرَة دموع من خشيَة الله وقطرة دم تهراق فِي سَبِيل الله وَأما الأثران فأثر فِي سَبِيل الله وَأثر فِي فَرِيضَة من فَرَائض الله رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب 30 - وَعَن مُجَاهِد عَن يزِيد بن شَجَرَة وَكَانَ يزِيد بن شَجَرَة رَضِي الله عَنهُ مِمَّن يصدق قَوْله فعله خَطَبنَا فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم مَا أحسن نعْمَة الله عَلَيْكُم ترى من بَين أَخْضَر وأحمر وأصفر وَفِي الرِّجَال مَا فِيهَا وَكَانَ يَقُول إِذا صف النَّاس للصَّلَاة وصفوا لِلْقِتَالِ فتحت أَبْوَاب السَّمَاء وأبواب الْجنَّة وغلقت أَبْوَاب النَّار وزين الْحور الْعين واطلعن فَإِذا أقبل الرجل قُلْنَ اللَّهُمَّ انصره وَإِذا أدبر احْتَجِبْنَ مِنْهُ وقلن اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ فانهكوا وُجُوه الْقَوْم فدى لكم أبي وَأمي وَلَا تخزوا الْحور الْعين فَإِن أول قَطْرَة تنضح من دَمه تكفر عَنهُ كل شَيْء عمله وَينزل إِلَيْهِ زوجتان من الْحور الْعين يمسحان التُّرَاب عَن وَجهه ويقولان فدانا لَك (¬1) وَيَقُول فدانا لَكمَا ثمَّ يكسى مائَة حلَّة من نسج (¬2) بني آدم وَلَكِن من نبت الْجنَّة لَو وضعن بَين أصبعين لوسعن وَكَانَ يَقُول نبئت أَن السيوف مَفَاتِيح الْجنَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيقين إِحْدَاهمَا جَيِّدَة صَحِيحَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْبَعْث إِلَّا أَنه قَالَ فَإِن أول قَطْرَة تقطر من دم أحدكُم يحط الله عَنهُ (¬3) بهَا خطاياه كَمَا يحط الْغُصْن من ورق الشّجر وتبتدره اثْنَتَانِ من الْحور الْعين وتمسحان التُّرَاب عَن وَجهه ويقولان فدانا لَك وَيَقُول فدانا لَكمَا فيكسى مائَة حلَّة لَو وضعت بَين أُصْبُعِي هَاتين لوسعتاهما لَيست من نسج بني آدم وَلكنهَا من نَبَات الْجنَّة مكتوبون عِنْد الله بأسمائكم وسماتكم الحَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا عَن يزِيد بن شَجَرَة مَرْفُوعا مُخْتَصرا وَعَن جدان أَيْضا مَرْفُوعا وَالصَّحِيح الْمَوْقُوف مَعَ أَنه قد يُقَال إِن مثل هَذَا لَا يُقَال من قبل الرَّأْي فسبيل الْمَوْقُوف فِيهِ سَبِيل الْمَرْفُوع وَالله أعلم (وَيزِيد بن شَجَرَة) بالشين الْمُعْجَمَة وَالْجِيم مفتوحتين قيل لَهُ صُحْبَة وَلَا يثبت وَالله أعلم ¬

_ (¬1) فدانا لك فدانا لكما: كذا من ن د، وفي ط وع ص 468: قد أنالك، قد أنالكما. (¬2) نسج. كذا د وع، وفي ن ط: نسيج. (¬3) عنه. كذا د وع. وط: منه.

(انهكوا وُجُوه الْقَوْم) هُوَ بِكَسْر الْهَاء بعد النُّون أَي أجهدوهم وابلغوا جهدهمْ والنهك الْمُبَالغَة فِي كل شَيْء 31 - وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ ذكر الشَّهِيد عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا تَجف الأَرْض من دم الشَّهِيد حَتَّى تبتدره زوجتاه كَأَنَّهُمَا ظئران أظلتا فصيليهما فِي براح من الأَرْض وَفِي يَد كل وَاحِدَة مِنْهُمَا حلَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة شهر بن حَوْشَب (الظِّئْر) بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا همزَة سَاكِنة هِيَ الْمُرْضع وَمَعْنَاهُ أَن زوجتيه من الْحور الْعين تبتدرانه وتحنوان عَلَيْهِ وتظلانه كَمَا تحنو النَّاقة الْمُرْضع على فصيلها وَيحْتَمل أَن يكون أضلتا بالضاد فَيكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شبه بدارهما إِلَيْهِ باللهفة والحنو والشوق كبدار النَّاقة الْمُرْضع إِلَى فصيلها الَّذِي أضلته وَيُؤَيّد هَذَا الِاحْتِمَال قَوْله فِي براح من الأَرْض وَالله أعلم (والبراح) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة هِيَ الأَرْض المتسعة لَا زرع فِيهَا وَلَا شجر 32 - وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الشُّهَدَاء أَرْبَعَة رجل مُؤمن جيد الْإِيمَان لَقِي الْعَدو فَصدق الله حَتَّى قتل فَذَاك الَّذِي يرفع النَّاس إِلَيْهِ أَعينهم يَوْم الْقِيَامَة هَكَذَا وَرفع رَأسه حَتَّى وَقعت قلنسوته فَلَا أَدْرِي قلنسوة عمر أَرَادَ أم قلنسوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَرجل مُؤمن جيد الْإِيمَان لَقِي الْعَدو فَكَأَنَّمَا ضرب جلده بشوك طلح من الْجُبْن أَتَاهُ سهم غرب فَقتله فَهُوَ فِي الدرجَة الثَّانِيَة وَرجل مُؤمن خلط عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا لَقِي الْعَدو فَصدق الله حَتَّى قتل فَذَلِك فِي الدرجَة الثَّالِثَة وَرجل مُؤمن أسرف على نَفسه لَقِي الْعَدو فَصدق الله حَتَّى قتل فَذَلِك فِي الدرجَة الأولى رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن غَرِيب (القلنسوة) هُوَ مَا يلبس فِي الرَّأْس (والطلح) بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام نوع من الْأَشْجَار ذِي الشوك (والجبن) بِضَم الْجِيم وَإِسْكَان الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ الْخَوْف وَعدم الْإِقْدَام (وَسَهْمٌ غربٌ) و (سهمُ غربٍ) بِالْإِضَافَة أَيْضا وبسكون الرَّاء وتحريكها فِي كليهمَا أَيْضا أَرْبَعَة وُجُوه هُوَ الَّذِي لَا يدرى راميه وَلَا من أَيْن جَاءَ

33 - وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشُّهَدَاء على بارق نهر بِبَاب الْجنَّة فِي قبَّة خضراء يخرج عَلَيْهِم رزقهم من الْجنَّة بكرَة وعشيا (¬1) رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم 34 - وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أُصِيب إخْوَانكُمْ جعل الله أَرْوَاحهم فِي جَوف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة تَأْكُل من ثمارها (¬2) وتأوي إِلَى قناديل من ذهب معلقَة فِي ظلّ الْعَرْش فَلَمَّا وجدوا طيب مَأْكَلهمْ وَمَشْرَبهمْ وَمَقِيلهمْ (¬3) قَالُوا من يبلغ إِخْوَاننَا عَنَّا أَنا أَحيَاء فِي الْجنَّة نرْزق لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَاد وَلَا ينكلُوا عَن الْحَرْب فَقَالَ الله تَعَالَى أَنا أبلغهم عَنْكُم قَالَ فَأنْزل الله عز وَجل {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} إِلَى آخر الْآيَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد (ينكلُوا) مُثَلّثَة الْكَاف أَي يجبنوا ويتأخروا عَن الْجِهَاد 35 - وَعَن رَاشد بن سعد رَضِي الله عَنهُ عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله مَا بَال الْمُؤمنِينَ يفتنون (¬4) فِي قُبُورهم إِلَّا الشَّهِيد؟ ¬

_ (¬1) صباحا ومساء. (¬2) هذا نعيم لا يكيف، يحيي الله الشهداء حياة تستلذ بالنعم، وتتمتع بصنوف الخير. (¬3) مكان القيلولة، واستراحة الظهر، بمعنى أن الله تعالى يظهر للشهداء أصناف التمتع ظهرا وليلا كما كانوا في الدنيا. - مكان القيلولة، واستراحة الظهر، بمعنى أن الله تعالى يظهر للشهداء أصناف التمتع ظهرا وليلا كما كانوا في الدنيا. (¬4) يسألهم منكر ونكير عن ربهم عز وجل ونبيهم صلى الله عليه وسلم ابتلاء وامتحانا، فالمؤمن الصالح يجيب جوابا حسنا. (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) 27 من سورة إبراهيم. (الثابت) الذي ثبت بالحجة عندهم، وتمكن في قلوبهم (في الحياة الدنيا) فلا يزالون إذا فتنوا في دينهم كزكريا ويحيى عليهما السلام، وجرجيس وشمعون، والذين فتنهم أصحاب الأخدود (وفي الآخرة) فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم في الموقف، ولا تدهشم أهوال يوم القيامة. وروي (أنه صلى الله عليه وسلم ذكر روح المؤمن فقال: ثم تعاد روحه في جسده. فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له من ربك، وما دينك، ومن نبيك؟ فيقول ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم فينادى مناد من السماء أن صدق عبدي فذلك قولي: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) (الظالمين) الذين ظلموا أنفسهم بالاقتصار على التقليد فلا يهتدون إلى الحق، ولا يثبتون في مواقف الفتن. سبحانه لا اعتراض عليه يثبت بعضها ويضل آخرين. رب إني آمنت بك وبنبيك وأعترف بدينك الحق فثبتني والمسلمين وأجرني والمسلمين من الخزي والهوان والعذاب الأليم، فإني ضعيف وعاجز ومقصر، ولكن أحب الله ورسوله حبا جما وهذه المحبة بضاعتي أرجو أن تربح فأظفر برضاك إنك غفور رحيم.

قَالَ كفى ببارقة السيوف على رَأسه فتْنَة (¬1) رَوَاهُ النَّسَائِيّ 36 - وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا أسود أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي رجل أسود منتن الرّيح قَبِيح الْوَجْه لَا مَال لي (¬2) فَإِن أَنا قَاتَلت هَؤُلَاءِ حَتَّى أقتل فَأَيْنَ أَنا قَالَ فِي الْجنَّة فقاتل حَتَّى قتل فَأَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قد بيض الله وَجهك (¬3) وَطيب رِيحك وَأكْثر مَالك وَقَالَ لهَذَا أَو لغيره لقد رَأَيْت زَوجته من الْحور الْعين نازعته جُبَّة لَهُ من صوف تدخل بَينه وَبَين جبته رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم 37 - وَعَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بخباء أَعْرَابِي وَهُوَ فِي أَصْحَابه يُرِيدُونَ الْغَزْو فَرفع الْأَعرَابِي نَاحيَة من الخباء (¬4) فَقَالَ من الْقَوْم فَقيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه يُرِيدُونَ الْغَزْو فَقَالَ هَل من عرض الدُّنْيَا يصيبون قيل لَهُ نعم يصيبون الْغَنَائِم ثمَّ تقسم بَين الْمُسلمين فَعمد إِلَى بكر (¬5) لَهُ فاعتقله وَسَار مَعَهم فَجعل يدنو ببكره إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجعل أَصْحَابه يذودون (¬6) بكره عَنهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعوا لي النجدي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه لمن مُلُوك (¬7) الْجنَّة قَالَ فَلَقوا الْعَدو فاستشهد فَأخْبر بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ فَقعدَ عِنْد رَأسه مُسْتَبْشِرًا أَو قَالَ مَسْرُورا يضْحك ثمَّ أعرض عَنهُ فَقُلْنَا يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك مُسْتَبْشِرًا تضحك ثمَّ أَعرَضت عَنهُ فَقَالَ أما مَا رَأَيْتُمْ من استبشاري أَو قَالَ سروري (¬8) فَلَمَّا رَأَيْت من كَرَامَة روحه على الله عز وَجل ¬

_ (¬1) يتحمل الجهاد، ولا يخشى القتل وثبت في دفاعه فثبته الله، ووقاه فتنة القبر. (¬2) لا مال لي. كذا د وع ص 470، وفي ن ط: الله لي. (¬3) جعل الله وجهه أبيض ناصعا، ورائحته زكية طيبة، وأكثر حسناته، وبارك فيما أنفقه، إذ نال هذا النعيم ألمقيم، والسيدة الحسناء تمازحه وتداعبه ونتسابق للتحلي بمحبته بهاء وصفاء وجمالا، وفيه الترغيب في الجهاد وقد بدل الله حال ذلك الأسود المنتن إلى جمال وبداعة ورشاقة. (¬4) الخباء: ما يعمل من وبر أو شعر أو صوف، والجمع أخبية، ويكون على عمودين أو ثلاثة وما فوق ذلك فهو بيت. (¬5) فتي من الإبل، ومنه أبو بكر الصديق، والجمع أبكر، والأنثى بكرة والجمع أبكار. (¬6) يدفعون. (¬7) عظمائها. (¬8) في ن ط: من سروري. رجل يسكن في البادية، ويبتعد عن مظاهر المدينة فيمر عليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع راية الجهاد، وقائد الخ ير وفاتح البر فيطمع ذلك الأعرابي في الغنائم، وتشرف =

وَأما إعراضي عَنهُ فَإِن زَوجته من الْحور الْعين الْآن عِنْد رَأسه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن 38 - وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن أم الرّبيع بنت الْبَراء رَضِي الله عَنْهَا وَهِي أم حَارِثَة بنت سراقَة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا تُحَدِّثنِي عَن حَارِثَة وَكَانَ قتل يَوْم بدر فَإِن كَانَ فِي الْجنَّة صبرت وَإِن كَانَ غير ذَلِك اجتهدت عَلَيْهِ بالبكاء فَقَالَ يَا أم حَارِثَة إِنَّهَا جنان فِي الْجنَّة وَإِن ابْنك أصَاب الفردوس الْأَعْلَى (¬1) رَوَاهُ البُخَارِيّ 39 - وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عجب رَبنَا (¬2) تبَارك وَتَعَالَى من رجل غزا فِي سَبِيل الله فَانْهَزَمَ يَعْنِي أَصْحَابه فَعلم مَا عَلَيْهِ فَرجع حَتَّى أهريق دَمه فَيَقُول الله عز وَجل لملائكته انْظُرُوا إِلَى عَبدِي رَجَعَ رَغْبَة فِيمَا عِنْدِي وشفقة مِمَّا عِنْدِي حَتَّى أهريق دَمه (¬3) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عَطاء بن السَّائِب عَن مرّة عَنهُ 40 - وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَتقدم لَفظهمْ فِي قيام اللَّيْل وَتقدم فِيهِ أَيْضا حَدِيث أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة يُحِبهُمْ الله ويضحك إِلَيْهِم (¬4) ويستبشر بهم الَّذِي إِذا انكشفت فِئَة (¬5) قَاتل وَرَاءَهَا بِنَفسِهِ لله عز وَجل فإمَّا أَن يقتل وَإِمَّا أَن ينصره الله ويكفيه فَيَقُول انْظُرُوا إِلَى عَبدِي هَذَا كَيفَ صَبر لي بِنَفسِهِ (¬6) الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن ¬

_ = بالصحبة فنظر له صلى الله عليه وسلم نظرة إجلال واحترام، وتفرس في وجهه نصر دين الله، وإخلاص النية لربه في الغزو فأخبر أنه من فضلاء الجنة، وقد صدق الله رسوله إذ حارب حتى استشهد فأحاط الله روحه برضوانه، وزفت إليه الحور العين تنعما وتكرما. هذه حال رجال الصدر الأول لتعرف مقدار شجاعتهم واستبسالهم. (¬1) أعلى درجة في الجنة. (¬2) عظم ذلك عنده وكبر لديه، وقيل رضي وأثاب، والمعنى أنه دافع دفاع الأبطال ولم يكترث بالموت. (¬3) استشهد. (¬4) يحبهم ويرضي عن فعلهم. (¬5) ظهرت مولية أمام العد. (¬6) حارب معتمدا علي ولم يخش الموت.

41 - وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ أنَاس إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ابْعَثْ (¬1) مَعنا رجَالًا يعلمونا الْقُرْآن وَالسّنة فَبعث إِلَيْهِم سبعين رجلا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُم الْقُرَّاء فيهم خَالِي حرَام يقرؤون الْقُرْآن وَيَتَدَارَسُونَهُ (¬2) بِاللَّيْلِ يتعلمون وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يجيئون بِالْمَاءِ فيضعونه فِي الْمَسْجِد ويحتطبون (¬3) فيبيعونه ويشترون بِهِ الطَّعَام لاهل الصّفة (¬4) وللفقراء فبعثهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم فعرضوا لَهُم فَقَتَلُوهُمْ قبل أَن يبلغُوا الْمَكَان فَقَالُوا اللَّهُمَّ أبلغ عَنَّا نَبينَا أَنا قد لقيناك فرضينا عَنْك ورضيت عَنَّا (¬5) قَالَ وأتى رجل حَرَامًا خَال أنس من خَلفه فطعنه بِرُمْح حَتَّى أنفذه فَقَالَ حرَام فزت وَرب الْكَعْبَة (¬6) فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن إخْوَانكُمْ قد قتلوا وَإِنَّهُم قَالُوا اللَّهُمَّ أبلغ عَنَّا نَبينَا أَنا قد لقيناك فرضينا عَنْك ورضيت عَنَّا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ 42 - وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ أنزل فِي الَّذين قتلوا ببئر مَعُونَة قُرْآن قرأناه ثمَّ نسخ بعد بلغُوا قَومنَا أَنا قد لَقينَا رَبنَا فَرضِي عَنَّا ورضينا عَنهُ 43 - وَعَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَأَلنَا عبد الله عَن هَذِه الْآيَة {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} فَقَالَ أما أَنا فقد سَأَلنَا عَن ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَرْوَاحهم (¬7) فِي جَوف طير ¬

_ (¬1) أرسل. (¬2) يشرحون معناه ويفسرون مبهمه. (¬3) يجمعون الحطب. (¬4) قوم عكفوا على عبادة الله. (¬5) استشهدنا فرأينا نعيم الشهداء. (¬6) نلت الشهادة والله، وقد أطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فأخبر أصحابه صلى الله عليه وسلم، وهذه معجزة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬7) المعنى أن الله تعالى أحياهم وأعطاهم القدرة على التمتع بثمار الجنة، والتفكة بها، والتنقل من زهرة إلى زهرة، ومن شجرة إلى شجرة (في جوف طير خضر). قال تعالى: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) 154 من سورة البقرة. هم أموات بل هم أحياء (ولكن لا تشعرون) ما حالهم، وهو تنبيه على أن حياتهم ليست بالجسد، ولا من جنس ما يحس به من الحيوانات وإنما هي أمر لا يدرك بالعقل بل بالوحي. وعن الحسن إن الشهداء أحياء عند ربهم تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوا =

خضر لَهَا قناديل معلقَة بالعرش تسرح من الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت ثمَّ تأوي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل فَاطلع عَلَيْهِم رَبهم اطلاعة فَقَالَ هَل تشتهون شَيْئا قَالُوا أَي شَيْء نشتهي وَنحن نَسْرَح من الْجنَّة حَيْثُ شِئْنَا فَفعل ذَلِك بهم ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا رَأَوْا أَنهم لن يتْركُوا من أَن يسْأَلُوا قَالُوا يَا رب نُرِيد أَن ترد أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نقْتل فِي سَبِيلك مرّة أُخْرَى فَلَمَّا رأى أَن لَيْسَ لَهُم حَاجَة تركُوا رَوَاهُ مُسلم وَاللَّفْظ لَهُ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا 44 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه سَأَلَ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن هَذِه الْآيَة {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} من الَّذين لم يشإ الله أَن يصعقهم قَالَ هم شُهَدَاء الله رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد 44 - ورواه ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل بن عياش أطول منه، وقال فيه: "هم الشهداء يَبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه، فأَتاهم ملائكة من المحشر بنجائب (¬1) من ياقوت، أَزِمَّتُها الدرُّ الأَبيض، برحال الذهب (¬2)، أعنَّتُها (¬3) السندس والإِستبرق، ونمارقها (¬4) أَلْيَنُ من الحرير، مَدُّ خُطاها مدّ أبصار الرجال، يسيرون في الجنة على خيول، يقولون عند طول النزهة: انطلقوا بنا ننظر كيف يَقضي الله بين خلقه (¬5)، يضحك الله إليهم (¬6)، وإذا ضحك الله إلى عبدٍ في موطنٍ فلا حساب عليه". 46 - وَعَن عَامر بن سعد رَضِي الله عَنهُ عَن أَبِيه أَن رجلا جَاءَ إِلَى الصَّلَاة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فَقَالَ حِين انْتهى الصَّفّ اللَّهُمَّ آتني أفضل مَا تؤتي عِبَادك ¬

_ = وعشيا فيصل إليهم الألم والوجع. والآية نزلت في شهداء بدر، وكانوا أربعة عشر، وفيه دلال على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن تتبقي بعد الموت داركة، وعليه جمهور الصحابة والتابعين، وبه نطقت الآيات والسنن، وعلى هذا فتخصيص الشهداء لاختصاصهم بالقرب عن الله تعالى، ومزيد البهجة والكرامة. أهـ بيضاوي ص 53. (¬1) نوق مسرعة لونها مثل الياقوت بديعة المنظر. (¬2) لجامها ومدير حركتها اللؤلؤ، ورحلها مصبوغ من الذهب. (¬3) بطائنها. (¬4) مساندها (¬5) نرى: نتمتع برؤية الله تعالى حين يحكم بين عباده. (¬6) يرضى عنهم.

الترهيب من أن يموت الإنسان ولم يغز ولم ينو الغزو، وذكر أنواع من الموت تلحق أربابها بالشهداء، والترهيب من الفرار من الطاعون

الصَّالِحين فَلَمَّا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة قَالَ من الْمُتَكَلّم آنِفا فَقَالَ الرجل أَنا يَا رَسُول الله قَالَ إِذا يعقر (¬1) جوادك وتستشهد رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم التَّرْهِيب من أَن يَمُوت الْإِنْسَان وَلم يغز وَلم ينْو الْغَزْو وَذكر أَنْوَاع من الْمَوْت تلْحق أَرْبَابهَا بِالشُّهَدَاءِ والترهيب من الْفِرَار من الطَّاعُون 1 - عَن أبي عمرَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنَّا بِمَدِينَة الرّوم فأخرجوا إِلَيْنَا (¬2) صفا عَظِيما (¬3) من الرّوم فَخرج إِلَيْهِم من الْمُسلمين مثلهم أَو أَكثر وعَلى أهل مصر عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ وعَلى الْجَمَاعَة فضَالة بن عبيد رَضِي الله عَنهُ فَحمل رجل من الْمُسلمين على صف الرّوم حَتَّى دخل بَينهم فصاح النَّاس وَقَالُوا سُبْحَانَ الله يلقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة فَقَامَ أَبُو أَيُّوب فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِنَّكُم لَتَأَوَّلُون هَذَا التَّأْوِيل (¬4) وَإِنَّمَا نزلت هَذِه الْآيَة فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام، وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعضٍ سراً دون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أَمْوَالنَا قد ضَاعَت وَإِن الله تَعَالَى قد أعز الْإِسْلَام وَكثر ناصروه فَلَو (¬5) أَقَمْنَا فِي أَمْوَالنَا وأصلحنا مَا ضَاعَ مِنْهَا فَأنْزل الله تَعَالَى على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يرد علينا مَا قُلْنَا وللفقراء فِي سَبِيل الله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} (¬6) وَكَانَت التَّهْلُكَة الْإِقَامَة ¬

_ (¬1) يجرح حصانك في الجهاد، وتطلب الشهادة مع المجاهدين لإعلاء كلمة الله تعالى. (¬2) إلينا. كذا ط وع ص 427، وفي ن د: لنا. (¬3) جيشاً كثيرا. (¬4) في ن ط فقط هذه الآية. (¬5) كذا في ط: وصوابه في ع: فلو، وفي ن د: فلما. (¬6) بالكف عن الغزو، والإنفاق فيه، فإن ذلك يقوي العدو، ويسلطهم على إهلاككم، أو بالإسراف وحب المال، ولذا سمي البخل هلاكا، وهو في الأصل انتهاء الشيء بالفساد والإلقاء طرح الشيء، عدى بالي لتضمن معنى الانتهاء والباء زائدة، والمراد بالأيدي الأنفس: أي لا توقعوا أنفسكم في الهلاك، وقيل معناه لا تجعلوها آخذة بأيديكم، أولا تلقوا بأيديكم أنفسهكم إليها (وأحسنوا) أعمالكم وأخلاقكم، وتفضلوا على المحاويج. أهـ بيضاوي. والآية قوله تعالى: (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) 195 من سورة البقرة. =

على الْأَمْوَال وإصلاحها، وَتَركنَا الْغَزْو فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوب شاخصا فِي سَبِيل الله حَتَّى دفن بِأَرْض الرّوم (¬1) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب صَحِيح 2 - وَعَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تبايعتم بالعينة (¬2) وأخذتم أَذْنَاب الْبَقر (¬3) ورضيتم بالزرع وتركتم الْجِهَاد سلط الله عَلَيْكُم ذلا (¬4) لَا يَنْزعهُ حَتَّى ترجعوا إِلَى دينكُمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره من طَرِيق إِسْحَاق بن أسيد نزيل مصر ¬

_ = (وأنفقوا) لا تمسكوا كل الإمساك، وفي تفسير الشيخ الصاوي رحمه الله (إلى التهلكة) أي إلى الهلاك أي إلى أسبابه، وأسباب الهلاك إمساك الأموال والأنفس عن الجهاد لأن به يقوي العدو، وتكثر المصائب في الدين، والذي لأهله كما هو مشاهد. ومن أنفق أمواله ونفسه في سبيل الله فقد ألقى بنفسه إلى العز الدائم في الدنيا والآخرة (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) أهـ ص 75 جـ 1. حقا إن القرآن معجزة خالدة لك يا سيدي يا رسول الله فقد شفي صدورنا الآن معرفة سبب أسر المسلمين وذلهم واستعبادهم لأن أجدادهم نبذوا الجهاد في سبيل الله وتركنا (الغزو). (¬1) مقيما ببلاد العجم، وفي السنة التاسعة غزا المسلمون الروم وفتحوا بعض بلادهم: (ويومئذ يفرح المؤمنون 4 ينصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم 5 وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون 6 يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) 7 من سورة الروم. (ويومئذ) ويوم تغلب الروم. فانظر أيها المسلم إلى صدر الإسلام لتعلم فضل الأبرار المجاهدين الذين جادوا بأنفسهم وأموالهم في سبيل نصر دين الإسلام، ولتعد نفسك مقصرا ذليلا إذا لم تفكر فيما يرقى دينك، ويخدم وطنك، ويقدم بلادك، ولم توجد أي فكرة لإعلاء دين الله وكلمته، ولم تبذل المال في ترقية شؤونه بل قصرت حياتك لجمع المال والترف والبذخ والتمتع بالشهوات، ولم تساعد في مشروعات الإسلام، فالروم أهل كتاب غلبتها فارس وليسوا أهل كتاب بل يعبدون الأوثان ففرح كفار مكة بذلك، وقالوا للمسلمين نحن نغلبكم كما غلبت فارس الروم (في أدنى الأرض) الجزيرة، وفي سنة 7 غلبت الروم فارس ففرح المسلمون بذلك، وعلموا به يوم وقوعه يوم بدر ينزل جبريل عليه السلام. (¬2) المال الحاضر من النقد: أي إذا وجهتم هممكم للبيع والشراء، وكسب المال وجلب الخير، والمشي في الأسواق، وتركتم الغزو وأبطلتم الجهاد. وفي النهاية في حديث ابن عباس (أنه كره العينة، وهي أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به فان اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها، ثم باعها المشترى من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن. فهذه أيضا عينة، وهي أهون من الأولى، وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة لأن العين هوه المال الحاضر من النقد والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه معجلة. أهـ ص 146. (¬3) معناه اتخذتم الماشية للحرث والري، وسقي النبات وتربية نتاجها وعكفتم على الأعمال التجارية. (¬4) ذلا: أي ضعفاً وامتهانا. قال المناوي: (حتى ترجعوا) أي إلى الاهتمام بأمور دينكم، جعل ذلك بمنزلة الردة، والخروج عن الدين لمزيد الزجر والتهويل. أهـ. =

3 - وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ وَلم يغز (¬1) وَلم يحدث بِهِ نَفسه (¬2) مَاتَ على شُعْبَة من النِّفَاق (¬3) رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ 4 - وَعَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من لم يغز أَو يُجهز غازيا (¬4) أَو يخلف غازيا فِي أَهله (¬5) بِخَير أَصَابَهُ الله تَعَالَى بقارعة (¬6) قبل ¬

_ = يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحث المسلمين على الييقظة والاستعداد عند الأخطار، وأخذ العدة لهجوم العدو الألد، والانتباه إلى الجهاد، وأن التجارة والزراعة والصناعة في حال الأمن والرخاء فقط مع الحذر عند الطوارئ. ومن كلام الإمام على رضي الله عنه: أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرءوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى القتال فولهوا وله اللقاح إلى أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا وصفا صفا. بعض هلك وبعض نجا، لا يبشرون بالأحياء، لا يعزون بالموتى. مره العيون من البكاء خمص البطون من الصيام ذبل الشفاء عن الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين أولئك إخواني الذاهبون. وقد فسر المرحوم الشيخ محمد عبده (الأحياء) أي إذا قيل لهم نجا فلان فبقى حيا لا يفرحون لأن أفضل الحياة عندهم الموت في سبيل الحق ولا يحزنون. إذا قيل لهم مات فلان فإن الموت عندهم حياة السعادة الأبدية (مره) جمع أمره: من مرهت عينه إذا فسدت أو ابيضت حماليقها (خمص البطون) ضوامرها (ذبل) ذبلت: شفته جفت ويبست لذهاب الريق. أهـ ص 134 جـ 1 نهج البلاغة. تلك أو صاف من جملة صفات المجاهدين في سبيل الله الذين ملأ الإيمان قلوبهم فجاهدوا في الله حق جهاده فعاشوا أعزاء كرماء: وماتوا موتة الشرفاء الأتقياء، وانتفعوا بسنة خير الأنبياء عليه الصلاة وأزكى السلام. (¬1) ولم يجاهد لنصر دين الله، ولم يدافع عن الحق ولم يأمر بالمعروف. (¬2) ولم يفكر في العدة التي يتخذها لإعلاء دين الله! ولم يساعد في مشروعات البر. (¬3) دخل في قلبه شيء من النفاق والتذبذب، وقلة الحياء في الله، ونقص إيمانه بالله لأنه مذبذب مقصر في ألدفاع عن دين الله، وعن الأخذ بيد الضعيف، وسكوته عن الباطل، والإلحاد والزندقة، والكفر الصراح، وعدم دفاعه ما استطاع. (¬4) يمده بمساعدة، ويقدم له الزاد والعدد الحربية، والمال اللازم له. (¬5) يقوم برعاية مصالحه، وقضاء حاجات أهله من م عايش. (¬6) أي بداهية تهلكه. يقال قرعه أمر: إذا أتاه فجأة وجمعها قوارع. أهـ نهاية ص 245. انتبهوا أيها المسلمون فذلك إنذار من السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم، اعملوا صالحاً، جاهدوا، وأنفقوا، وابذلوا المعروف، اتقوا الله وإلا أرسل الله لكم صواعق، أو مدمرات تهلك الحرث والنسل في الدنيا، وفي يوم القيامة يبعث عليكم الأهوال الشداد. فكما أن المقصر في الجهاد تحيط به القارعة، كذلك المقصر في حدود الله، والساهي عن واجب الله، والناسي حقوق الله ينزع الله البركة من ماله وأولاده، ويعذبه في حياته بالأمراض والأسقام، والخوف من الأعداء، ويأخذ أخذ عزيز مقتدر، وينتقم الله منه انتقاما مراً. قال تعالى: (بل من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين 76 الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) 77 من سورة آل عمران. =

يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة 5 - وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لَقِي الله بِغَيْر أثر من جِهَاد لَقِي الله وَفِيه ثلمة (¬1) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه كِلَاهُمَا من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن رَافع عَن سمي عَن أبي صَالح عَنهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث غَرِيب 6 - وَعَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ترك قوم الْجِهَاد إِلَّا عمهم الله بِالْعَذَابِ (¬2) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن ¬

_ = التقوى ملاك الأمر، وهو يعم الوفاء وغيره من أداء الواجبات، والاجتناب عن المناهي (يشترون) يستبدلون (بعهد الله) مما عاهدوا الله عليه من الإيمان بالرسول، والوفاء بالأمانات (وأيمانهم) وبما حلفوا به من قولهم: والله لنؤمن به ولننصره، فلا ينتفعون بكلمات الله كناية عن غضبه عليهم. أ - والآية نزلت في أحبار التوراة وبدلوا نعت محمد صلى الله عليه وسلم، وحكم الأمانات وغيرها، وأخذوا على ذلك رشوة. ب - وقيل نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد اشتراها بما لم يشترها به. جـ - وقيل نزلت في ترافع كان بين الأشعث بن قيس، ويهودي في بئر أو أرض، وتوجه الحلف على اليهودي أهـ بيضاوي، ولكن شاهدي في الاستدلال بالمتقين الصالحين الأبرار الذين جاهدوا (أوفوا بعهد الله واتقوا) ويلحقهم في الثواب العاملون بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الآن المجاهدون في إزالة البدع الفاشية المتحلون بآداب رسول الله صلى الله عليه وسلم الداعون إلى التخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، والتاركون صحبة الأشرار الملحدين في عصرنا هذا، الذين نكثوا بعهودهم، ولم يقيموا حدود الله كما أمر، واتبعوا المدنية الكاذبة، وجرفهم تيارهم، وانغمسوا في ملذاتها، وأولوا آيات الله كما يفهم علقهم السقيم. فمن الجهاد إقناعهم وإلزامهم الحجة الواضحة، وتنوير سبل الحق أمامهم لعلهم يفقهون، وتيسير سبل الوعظ والإرشاد للمسلمين كي تستنير قلوبهم بأنوار الدين، وتشرق شموس الهداية في ربوع المهتدين فترفرف شارة السعادة، ويعم الخير والبركة. قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) 85 من سورة آل عمران. أي غير التوحيد والانقياد لحكم الله (الخاسرين) الواقعين في الخسران، والمعنى أن المعرض عن الإسلام والطالب لغيره فاقد للنفع، واقع في الخسران بابطال الفطرة السليمة التي فطر عليها الناس. أهـ بيضاوي. (¬1) موضع كسر منه: معناه الذي يقابل ربه يوم القيامة، وليس في صحيفته غزو في سبيل نصر دين الله أو جهاد في الحق، أو دفاع في الخير والبر؛ وما يُرقي شئون الدين نقص قصر إسلام، وقل رکن دينه. أي يحشر وأركان إسلامة ناقصة، فيها شق أو ثغرة منقوضة ولبنة متروكة. (¬2) بالذل والاستعباد والأسر، تحكم أعداء الدين في رقابهم. قال تعالى أ - {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)} [آل عمران]

فصل في الشهداء .. الخ

فصل 7 - عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تَعدونَ الشُّهَدَاء (¬1) فِيكُم قَالُوا يَا رَسُول الله من قتل فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد (¬2) قَالَ إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل قَالُوا فَمن يَا رَسُول الله قَالَ من قتل فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد وَمن مَاتَ فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد (¬3) وَمن مَاتَ فِي الطَّاعُون (¬4) فَهُوَ شَهِيد وَمن مَاتَ من الْبَطن (¬5) فَهُوَ شَهِيد قَالَ ابْن مقسم أشهد على أَبِيك يَعْنِي أَبَا صَالح أَنه قَالَ والغريق (¬6) شَهِيد رَوَاهُ مُسلم 8 - ورواه مالك والبخاري والترمذي، ولفظهم -وهو رواية لمسلم أيضاً في حديث-: أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الشهداءُ خمسةٌ: المطعونٌ، والمبطونٌ، والغريقٌ، وصاحبُ الهدمِ (¬7)، والشهيدُ في سبيل الله". 9 - وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ قَالَ دَخَلنَا على عبد الله بن رَوَاحَة ¬

_ ب - {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)} [النساء] أي إن تثبطوا وتركوك وحدك فقاتل لا تضرك مخالفتهم، وتقاعدهم فتقدم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد فإن الله ناصرك لا الجنود. وروي "أنه عليه الصلاة والسلام دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج فكرهه بعضهم فنزلت، فخرج عليه الصلاة والسلام وما معه إلا سبعون لم يلو على أحد " (تنكيلا) تعذيبا، وهو تقريع لمن لم يتبعه اهـ بيضاوي هذا شاهدنا في تكليف الله تعالى لحبيبه أن يجاهد ولو يخرج بنفسه والله يساعده، فكذلك كل مسلم بجهاد نفسه وعدوه، واتباع الحق ونبذ الباطل بيان أنواع الشهداء (¬1) ما تحسبون وجودهم. استفهام منه صلى الله عليه وسلم عن عدد الشهداء. (¬2) جاهد الأعداء وقتل في حومة الوغي يجالد ويضارب، ويساهم ويرمي ويذب. (¬3) وجد مع الجيش في ميدان الحرب، ولكن توفي بلا قتال ونزال. (¬4) المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان، وفيه (فناء أمتي بالطعن والطاعون) أراد أن الغالب على فناء الأمة بالفتن التي تسفك بها الدماء والوباء. أهـ نهاية ص 39. (¬5) شدة الإسهال. (¬6) الذي مات غرقا، والمعنى أن هؤلاء ينالون ثوابا عظيما ودرجات سامية من الله جل وعلا جزاء ما نكبوا به فصبروا على تحمله لله. (¬7) الذي وقع عليه جدار.

نعوده فَأُغْمِيَ (¬1) عَلَيْهِ فَقُلْنَا رَحِمك الله إِن كُنَّا لنحب أَن تَمُوت على غير هَذَا وَإِن كُنَّا لنَرْجُو لَك الشَّهَادَة فَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن نذْكر هَذَا فَقَالَ وفيم تَعدونَ الشَّهَادَة فأرم الْقَوْم وتحرك عبد الله فَقَالَ أَلا تجيبون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَجَابَهُ هُوَ فَقَالَ نعد الشَّهَادَة فِي الْقَتْل فَقَالَ إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل إِن فِي الْقَتْل شَهَادَة وَفِي الطَّاعُون شَهَادَة وَفِي الْبَطن شَهَادَة وَفِي الْغَرق شَهَادَة وَفِي النُّفَسَاء يَقْتُلهَا وَلَدهَا جمعا شَهَادَة رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَاللَّفْظ لَهُ ورواتهما ثِقَات (أرم الْقَوْم) بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْمِيم سكتوا وَقيل سكتوا من خوف وَنَحْوه وَقَوله يَقْتُلهَا وَلَدهَا جمعا مُثَلّثَة الْجِيم سَاكِنة الْمِيم أَي مَاتَت وَوَلدهَا فِي بَطنهَا يُقَال مَاتَت الْمَرْأَة بِجمع مُثَلّثَة الْجِيم إِذا مَاتَت وَوَلدهَا فِي بَطنهَا وَقيل إِذا مَاتَت عذراء أَيْضا 10 - وَعَن ربيع الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاد ابْن أخي جبر الْأنْصَارِيّ فَجعل أَهله يَبْكُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم جبر لَا تُؤْذُوا (¬2) رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَصْوَاتِكُمْ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعْهُنَّ (¬3) يبْكين مَا دَامَ حَيا فَإِذا وَجب فليسكتن (¬4) فَقَالَ بَعضهم مَا كُنَّا نرى أَن يكون موتك على فراشك حَتَّى تقتل فِي سَبِيل الله مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أو ما الْقَتْل (¬5) إِلَّا فِي سَبِيل الله إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل إِن ¬

_ (¬1) غشي عليه وأصابه الإغماء، واعترته دوخة. (¬2) لا تجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألم من هذا الصوت المنكر. اصبروا واحبسوا أنفسكم أن تشكوا، وهو فائد الشرع صلى الله عليه وسلم. (¬3) اتركهن يبكين فيزلن ما عندهن من الألم والتألم لمريضهن. ولا بأس بالبكاء لتخفيف حزن النفس، وإزالة جزعها (وهذه رحمة وضعها الله في قلوب من شاء من عباده، ولا يرحم إلا الرحماء). (¬4) تنفيذا لقضاء الله، وليزلن الجزع، وليصبرن على حكم الله. (¬5) استفهم بمعنى القصر: أي ليس القتل المعدود شهادة محصورا على الجهاد في سبيل نصر دين الله الذي ينال تصاحبه الدرجات القصوى في النعيم، ولكن يليه في الأجر المصاب بالمرض المعدي الفتاك، ثم الإسهال، والميتة بسبب جنيها في بطنها، أو من أصابه غرق أو حرق، أو أصيب بمرض في جنبه، وكثرث غازات معدته ورياح طعامه فتسمم جسمه فمات، والنبي صلى الله عليه وسلم رسول رحمة يحفف عن الناس ويلاتهم، ويهون مصائبهم ويسري عن آلامهم بنعيم الجنة وكثرة الثواب من الوهاب سبحانه. قال: تعالى (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم 26 والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما 27 يريد الله أن يحفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) 28 من سورة النساء. =

الطعْن شَهَادَة والبطن شَهَادَة والطاعون شَهَادَة وَالنُّفَسَاء بِجمع شَهَادَة والحرق شَهَادَة وَالْغَرق شَهَادَة وَذَات الْجنب (¬1) شَهَادَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح (قَوْله بِجمع) تقدم قبله (إِذا وَجب) أَي إِذا مَاتَ 11 - وَعَن رَاشد بن حُبَيْش رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ يعودهُ فِي مَرضه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتعلمون من الشَّهِيد من أمتِي فأرم الْقَوْم فَقَالَ عبَادَة ساندوني فَأَسْنَدُوهُ فَقَالَ يَا رَسُول الله الصابر الْمُحْتَسب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن شُهَدَاء أمتِي إِذا لقَلِيل الْقَتْل فِي سَبِيل الله عز وَجل شَهَادَة والطاعون شَهَادَة وَالْغَرق شَهَادَة والبطن شَهَادَة وَالنُّفَسَاء يجرها وَلَدهَا بسرره إِلَى الْجنَّة قَالَ وَزَاد أَبُو الْعَوام سَادِن بَيت الْمُقَدّس والحرق والسل رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَرَاشِد بن حُبَيْش صَحَابِيّ مَعْرُوف (أرم الْقَوْم) تقدم (والسادن) بِالسِّين وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ الْخَادِم (والسل) بِكَسْر السِّين وَضمّهَا وَتَشْديد اللَّام هُوَ دَاء يحدث فِي الرئة يؤول إِلَى ذَات الْجنب وَقيل زكام أَو سعال طَوِيل مَعَ حمى عَادِية وَقيل غير ذَلِك 12 - وَعَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خمس من قبض فِي شَيْء مِنْهُنَّ فَهُوَ شَهِيد الْمَقْتُول فِي سَبِيل الله شَهِيد والغريق فِي سَبِيل الله شَهِيد والمبطون فِي سَبِيل الله شَهِيد والمطعون فِي سَبِيل الله شَهِيد وَالنُّفَسَاء فِي سَبِيل الله شَهِيد رَوَاهُ النَّسَائِيّ ¬

_ = (سنن) مناهج من تقدمكم من أهل الرشد لتسلكوا طرقهم، ويغفر لكم ذنوبكم، أو يرشدكم إلى ما يمنعكم من المعاصي، ويحثكم على التوبة، أو إلى ما يكون كفارة لسيئاتكم والله عليم بها حكيم في وضعها (يتبعون الشهوات) الفجرة (يخفف) شرع لكم الشريعة الحنفية السمحة السهلة (ضعيفا) لا يصبر عن الشهوات ولا يتحمل مشاق الطاعات، وإن شاهدي تفضل الله سبحانه وتعالى، فقبل المصاب بهذه الأمراض شهيدا تخفيفا منه ورحمة واطمئنانا وبشرى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بكثرة نعيمها في الجنة، ووافر خبراتها، ومحو ذنوبها (يريد الله (ليبين لكم). (¬1) هي الدبيلة والدمل الكبيرة التي تظهر في باطن الجنب، وتتفجر إلى داخل وقلما يسلم صاحبها، وذو الجنب الذي يشتكي جنبه بسبب الدبيلة. أهـ ص 181. ما أحسن دين الإسلام يسوق النبي صلى الله عليه وسلم البشري والطمأنينة للمريض ليصبر لله فينال ثوابا عظيما مثل أو أقل من المجاهد في سبيل الله.

13 - وَعَن جَابر بن عتِيك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ يعود (¬1) عبد الله بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ فَوَجَدَهُ قد غلب عَلَيْهِ فصاح بِهِ فَلم يجبهُ فَاسْتَرْجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ غلبنا عَلَيْك يَا أَبَا الرّبيع فصاحت النسْوَة وبكين وَجعل ابْن عتِيك يسكتهن فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعْهُنَّ (¬2) فَإِذا وَجب فَلَا تبكين باكية قَالُوا وَمَا الْوُجُوب يَا رَسُول الله قَالَ إِذا مَاتَ قَالَت ابْنَته وَالله إِنِّي لأرجو أَن تكون شَهِيدا فَإنَّك كنت قد قضيت جهازك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله قد أوقع أجره على قدر نِيَّته وَمَا تَعدونَ الشَّهَادَة قَالُوا الْقَتْل فِي سَبِيل الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّهَادَة سبع سوى الْقَتْل فِي سَبِيل الله المبطون شَهِيد والغريق شَهِيد وَصَاحب ذَات الْجنب شَهِيد والمطعون شَهِيد وَصَاحب الْحَرِيق شَهِيد وَالَّذِي يَمُوت تَحت الْهدم شَهِيد وَالْمَرْأَة تَمُوت بِجمع شَهِيد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه 14 - وَعَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الطَّاعُون شَهَادَة لكل مُسلم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم 15 - وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الطَّاعُون فَقَالَ كَانَ عذَابا يَبْعَثهُ الله على من كَانَ قبلكُمْ فَجعله الله رَحْمَة للْمُؤْمِنين مَا من عبد يكون فِي بلد فَيكون فِيهِ فيمكث (¬3) لَا يخرج صَابِرًا (¬4) محتسبا (¬5) يعلم أَنه لَا يُصِيبهُ إِلَّا مَا كتب الله لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مثل أجر شَهِيد رَوَاهُ البُخَارِيّ 16 - وَعَن أبي عسيب رَضِي الله عَنهُ مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَانِي جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام بالحمى والطاعون فَأَمْسَكت ¬

_ (¬1) يزور. (¬2) اتركهن يظهرن بعض ما عندهن من الشفقة والرأفة والرحمة، وهو بكاء بلا صوت يغضب الرب جل وعلا (العين تدمع والقلب يشعر بالخوف من الفراق). (¬3) ينتظر مسلما أمره لله. (¬4) حابسا نفسه عن الشكوى. (¬5) طالبا الثواب من الله جل وعلا مفوضا أمره لله بارئ النسيم وخالق الإنسان. ومزيل الأمراض ومصح الجسم.

الْحمى بِالْمَدِينَةِ وَأرْسلت الطَّاعُون إِلَى الشَّام فالطاعون شَهَادَة لامتي ورجز على الْكَافِر رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير ورواة أَحْمد ثِقَات مَشْهُورُونَ (الرجز) الْعَذَاب 17 - وَعَن أبي منيب الأحدب رَضِي الله عَنهُ قَالَ خطب معَاذ بِالشَّام فَذكر الطَّاعُون فَقَالَ إِنَّهَا رَحْمَة بكم ودعوة نَبِيكُم وَقبض الصَّالِحين قبلكُمْ اللَّهُمَّ اجْعَل على آل معَاذ نصِيبهم من هَذِه الرَّحْمَة ثمَّ نزل عَن مقَامه ذَلِك فَدخل على عبد الرَّحْمَن بن معَاذ فَقَالَ عبد الرَّحْمَن {الْحق من رَبك فَلَا تكونن من الممترين} فَقَالَ معَاذ {ستجدني إِن شَاءَ الله من الصابرين} رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد 18 - وَعَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ستهاجرون إِلَى الشَّام فتفتح لكم وَيكون فِيكُم دَاء كالدمل أَو كالخزة يَأْخُذ بمراق الرجل يستشهد الله بِهِ أنفسهم ويزكي (¬1) بِهِ أَعْمَالهم اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن معَاذًا سَمعه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعطه هُوَ وَأهل بَيته الْحَظ الأوفر مِنْهُ فَأَصَابَهُمْ الطَّاعُون فَلم يبْق مِنْهُم أحد فطعن فِي أُصْبُعه السبابَة فَكَانَ يَقُول مَا يسرني أَن لي بهَا حمر النعم رَوَاهُ أَحْمد عَن إِسْمَاعِيل بن عبيد الله عَن معَاذ وَلم يُدْرِكهُ 19 - وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنَاء أمتِي بالطعن (¬2) والطاعون فَقيل يَا رَسُول الله هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُون قَالَ وخز أعدائكم من الْجِنّ وَفِي كل شَهَادَة رَوَاهُ أَحْمد بأسانيد أَحدهَا صَحِيح وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ (الوخز) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بعْدهَا زَاي هُوَ الطعْن 20 - وَعَن أبي بكر بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ قَالَ ذكر الطَّاعُون ¬

_ (¬1) يطهر ويكون سبب محو السيئات. (¬2) بكثرة الغزو ووجود الفتن، والطمع في المال والملك فيكثر الموت، هذا وأن يجاهد المسلمون لنصر دين الله. يسلط الله عليهم الأمراض فتحصد النفوس حصدا، ينبه المسلمين النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرصوا على قتال أعداء الدين لإعلاء كلمته، وكل نفس ذائقة الموت. والأجل محدود ومقدر. فإن قصروا في الجهاد أصابهم الطاعون والأمراض الفتاكة جزاء تقاعدهم وكسلهم، وإهمالهم واجب الدفاع عن الحق وعن الدين ولكل أجل كتاب.

عِنْد أبي مُوسَى فَقَالَ سَأَلنَا عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ وخز أعدائكم الْجِنّ وَهُوَ لكم شَهَادَة رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم 21 - وَعَن أبي بردة بن قيس أخي أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اجْعَل فنَاء أمتِي قتلا فِي سَبِيلك بالطعن (¬1) والطاعون رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَرَوَاهُ الْحَاكِم من حَدِيث أبي مُوسَى وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد 22 - وَعَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يخْتَصم الشُّهَدَاء والمتوفون على فرشهم إِلَى رَبنَا فِي الَّذين يتوفون فِي الطَّاعُون فَيَقُول الشُّهَدَاء قتلوا كَمَا قتلنَا وَيَقُول المتوفون على فرشهم إِخْوَاننَا مَاتُوا على فرشهم كَمَا متْنا فَيَقُول رَبنَا تبَارك وَتَعَالَى انْظُرُوا إِلَى جراحهم (¬2) فَإِن أشبهت جراح ¬

_ (¬1) الغزو والجهاد، وكان في الصدر الأول. والآن قتال الفتح للدنيا، وزيادة الملك، وما يبقى يسلط الله عليه والوباء إن لم يتق الله، ويستقم ويعمل صالحاً. قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم 9 والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) 10 من سورة المائدة. وشاهدنا أن الناس صنفان: أ - فريق يتفانى في طاعة الله وفي الجهاد في سبيله، ويستعذب الموت حبا في نصر دينه، ويتسابق إلى الطعن والطعان والتبرز في حلبة الميدان حائزا صفات الإيمان. ب - الفريق الآخر قصر في الجهاد، وتكامل عن الصالحات، وأرخى العنان لنفسه في الموبقات ففسق وعصى وكذب وغوي وجحد وهوي، فسلط الله عليه الأمراض. قال البيضاوي: فيه مزيد وعد للمؤمنين، وتطيب لقلوبهم أهـ. هذه تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم أيها المسلمون لتجتهدوا في الجهاد والدفاع عن دينكم لتصيروا أعزة ولتتبوءوا المركز اللائق بكم في الحياة ولتعيشوا سادة قادة، فما ترك قوم الجهاد إلا ضعفت نفوسهم وذات، وباءوا بالخزي والاستبعاد. قال تعالى مبينا فضله صلى الله عليه وسلم على جميع الأمم: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين 15 يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم) 16 من سورة المائدة: يعني بأهل الكتاب اليهود والنصارى. تخفون بعث محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم في التوراة، وبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام بمحمد أحمد عليه الصلاة والسلام في الإنجيل، وجاءكم القرآن الكاشف لظلمات الشك والضلال والكتاب الواضح الإعجاز، وقيل يريد بالنور محمدا صلى الله عليه وسلم (سل السلام) طريق السلامة من العذاب، أو سل الله، وشاهدنا (ويخرجهم من الظلمات إلى النار) ينقدهم من أنواع الكفر إلى الإسلام، ويرشدهم إلى أسباب سعادة الحياة من الترغيب. في الجهاد والتحلي بالأعمال الصالحة الجالبة كل خير وبر. (¬2) يبين صلى الله عليه وسلم مناظرة بين من جاهد في سبيل الله فقتل أثناء الكفاح، وبين من مرض بالوباء. =

المقتولين فَإِنَّهُم مِنْهُم وَمَعَهُمْ فَإِذا جراحهم قد أشبهت جراحهم رَوَاهُ النَّسَائِيّ 23 - وَعَن عتبَة بن عبد رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَأْتِي الشُّهَدَاء والمتوفون بالطاعون فَيَقُول أَصْحَاب الطَّاعُون نَحن شُهَدَاء فَيَقُول انْظُرُوا فَإِن كَانَت جراحهم كجراح الشُّهَدَاء تسيل دَمًا كريح الْمسك فهم شُهَدَاء فيجدونهم كَذَلِك رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ فِيهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش رِوَايَته عَن الشاميين مَقْبُولَة وَهَذَا مِنْهَا وَيشْهد لَهُ حَدِيث الْعِرْبَاض قبله 24 - وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تفنى أمتِي إِلَّا بالطعن والطاعون قلت يَا رَسُول الله هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُون قَالَ غُدَّة كَغُدَّة الْبَعِير الْمُقِيم بهَا كالشهيد والفار (¬1) مِنْهُ كالفار من الزَّحْف رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ 25 - وَفِي رِوَايَة لأبي يعلى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وخزة تصيب أمتِي من أعدائهم من الْجِنّ كَغُدَّة الْإِبِل من أَقَامَ عَلَيْهَا (¬2) كَانَ مرابطا وَمن أُصِيب بِهِ كَانَ شَهِيدا وَمن فر مِنْهُ كَانَ كالفار من الزَّحْف (¬3) رَوَاهُ الْبَزَّار وَعِنْده قلت يَا رَسُول الله هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُون قَالَ يشبه الدمل يخرج فِي الآباط والمراق وَفِيه تَزْكِيَة (¬4) أَعْمَالهم وَهُوَ لكل مُسلم شَهَادَة (قَالَ المملي) رَضِي الله عَنهُ: أَسَانِيد الْكل حسان 26 - وَعَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله ¬

_ = يقول الأول: رب إن هذا مات في وطنه، وعلى فراشه، وبين أهله، ويقول المطعون: رب أصابنا هذا المرض القتال فصبرنا ومتنا على فراشنا كما مات غيرنا فيرشد الله جل وعلا الشهداء لينظروا إلى جراحهم ومصدر ألمهم، وانفجار الدم منه. هذا تطمينا للمطعون، وترغيبا في كثرة ثوابه، وترضية لأولئك الأبرار المجاهدين، وتجليا منه جل وعلا عليهم بالرضا والرحمة. (¬1) الساخط الغضبان المنتقل من بلد إلى بلد فرارا من اللحوق به. يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطمئن المطعون، ويبشره بكثرة النعم وجزيل الأجر، ويحذره أن ينتقل من جهة موبوءة إلى جهة أخرى سليمة كيلا ينشر العدوى، ويحثه على الصبر، والرضا بقضاء الله وقدره فلا يزمجر ولا يبطر، ولا يقول ما يغضب الرب جل وعلا. (¬2) سلم نفسه لخالقه، وصبر واحتسب، وطلب من الله الشفاء. (¬3) كالهارب من القتال: الفار من الأعداء، وعذابه أليم وعقابه صارم. (¬4) طهارة لهم من السيئات

عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الطَّاعُون الفار مِنْهُ كالفار من الزَّحْف وَمن صَبر فِيهِ (¬1) كَانَ لَهُ أجر شَهِيد رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَإسْنَاد أَحْمد حسن 27 - وَعَن أبي إِسْحَاق السبيعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ سُلَيْمَان بن صرد لخَالِد بن عرفطة أَو خَالِد بن سُلَيْمَان رَضِي الله عَنهُ أما سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من قَتله بَطْنه (¬2) لم يعذب فِي قَبره فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه نعم (¬3) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ خَالِد بن عرفطة من غير شكّ (عرفطة) بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَالْفَاء جَمِيعًا بعدهمَا طاء مُهْملَة 28 - وَعَن سعيد بن زيد رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد (¬4) وَمن قتل دون دَمه (¬5) فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون دينه (¬6) فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون أَهله (¬7) فَهُوَ شَهِيد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح 29 - وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد (¬8) رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ 30 - وَفِي رِوَايَة لِلتِّرْمِذِي وَغَيره قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من أُرِيد مَاله (¬9) بِغَيْر حق فقاتل فَقتل فَهُوَ شَهِيد وَفِي رِوَايَة للنسائي من قتل دون مَاله مَظْلُوما (¬10) فَهُوَ شَهِيد ¬

_ (¬1) فيه. كذا ط وع ص 478، وفي ن د: له: أي حبس نفسه عن الجزع، وفوض أمره لربه أعطاه الله أجر المجاهد في سبيل الله من أنواع النعيم في الجنة، ودمه ذكي كالمسك الأذفر يوم القيامة. (¬2) أي من أصابه مرض البطن فصبر حتى توفى، وقاء الله فتنة القبر وآلامه. (¬3) نعم حرف جواب، أي هذا صحيح، أو نعم فعل ماض: أي أمدح هذا المرض، وأثنى على من مات به صابرا محتسبا نائلا جزيل الأجر. (¬4) أي تعدي عليه إنسان يريد أن يسرقه أو يسلبه، أو يجرده من ماله فعارضه ومانعه فقتله هذا اللص فله أجر المجاهد في سبيل الله، لأنه يدافع عن ماله، ويذب عن نفسه، ويطرد الأذى عنه. (¬5) أي قاتله أحد فدافع عن نفسه. (¬6) أي جاهد لنصر دينه ودافع عن الحق ما استطاع فقتل. (¬7) أي دافع عن عرضه وذب عن زوجه، وأخته وعمته دفاعا يبعد عن المحارم، ويزيل المعصية. فقيه فضل المدافع عن ماله وعن نفسه، وعن دينه وعن أهله، وقال علي كرَّم الله وجهه: بني الإيمان على أربع دعائم: اليقين والصبر والجهاد والعدل. وقد جد في رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إلى أبي موسى الأشعري: عليك ب الصبر. واعلم أن الصبر صبران: أحدهما أفضل من الآخر. الصبر في المصيبات حسن، وأفضل منه الصبر عما حرم الله تعالى. واعلم ان الصبر ملاك الإيمان وذلك بأن التقوى أفضل البر، والتقوى بالصبر. (¬8) معناه من اعتدى عليه وأراد سرقة ماله ونهبه فدافع عنه حتى مات فأجره جزيل، وثوابه كثير مثل ثواب المقاتل في سبيل الله تعالى. (¬9) يطلب ماله بالقوة. (¬10) بلا حق.

31 - وَعَن سُوَيْد بن مقرن رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل دون مظلمته (¬1) فَهُوَ شَهِيد رَوَاهُ النَّسَائِيّ 32 - وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن جَاءَ رجل يُرِيد أَخذ مَالِي قَالَ فَلَا تعطه مَالك قَالَ أَرَأَيْت إِن قاتلني قَالَ قَاتله قَالَ أَرَأَيْت إِن قتلني قَالَ فَأَنت شَهِيد قَالَ أَرَأَيْت إِن قتلته قَالَ هُوَ فِي النَّار (¬2) رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَلَفظه قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن عدي (¬3) على مَالِي قَالَ فانشد بِاللَّه (¬4) قَالَ فَإِن أَبَوا عَليّ (¬5) قَالَ فانشد بِاللَّه قَالَ فَإِن أَبَوا عَليّ قَالَ فانشد بِاللَّه قَالَ فَإِن أَبَوا عَليّ قَالَ فقاتل فَإِن قتلت فَفِي الْجنَّة وَإِن قتلت فَفِي النَّار (¬6) ¬

_ (¬1) له حق وراءه يدافع عنه وأمامه واجب يدافع عنه. (¬2) لأنه ظالم مهاجم سارق لص متعد. (¬3) حصل تعد. (¬4) أقسم عليه بالله تعالى أن يذهب سالماً بلا أخذ شيء، وعرض الله سبحانه وتعالى أن يتركك لله، وفي النهاية: نشدتك الله والرحم: أي سألتك بالله وبالرحم. يقال نشدتك الله، وأنشدك الله وبالله، وناشدتك الله وبالله: أي سألتك وأقسمت عليك. (¬5) فإن استمروا في سرقتهم وتعديهم. (¬6) وإن تسببت لأولئك اللصوص في القتل فعذابهم أليم في جهنم. خلاصة فوائد الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الحق أولا: أوجب الله تعالى للمجاهد الجنة بفضله وكرمه سبحانه وتعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) الآية. لماذا؟ لأنه خرج مؤمنا بالله مخلصا له طالبا إعلاء دينه. ثانياً: ينال المجاهد خيرا. أ - إما أن يستشهدوا فيدخل الجنة. ب - وإما أن يرجع بأجر وغنيمة. قال النووي: والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته أن يكون معه شاهد فضيلته، وبذل نفسه في طاعة الله تعالى. أهـ ص 25 جـ 13 والله أعلم بمن يكلم في سبيله. قال النووي: هذا تنبيه على الإخلاص في الغزو، وأن الثواب المذكور لمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. قالوا: وهذا الفضل وإن كان ظاهره أنه في قتال الكفار فيدخل فيه من خرج في سبيل الله في قتال البغاة وقطاع الطريق، وفي إقامة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ونحو ذلك والله أعلم أهـ ص 22 جـ 13. رابعاً: يرى الشهيد درجاته فيتمنى أن يحيا ويرجع ليقاتل (لما يرى من الكرامة) أي شهد عند خروج روحه ما أعده الله له من الثواب والكرامة فهو حي. خامساً: ثواب الغدوة والروحة في سبيل الله خير من نعيم الدنيا كلها لو ملكها إنسان، وتصور تنعمه بها كلها لأنه زائل ونعيم الآخرة باق. سادساً: يجعل الله روح المؤمن كالطائر المتنقل ليتنعم بأزاهير الحنة. قال الأطباء: الروح البخار اللطيف الساري في البدن، وقيل الحياة، وقيل أجسام لطيفة مشابهة للجسم يحيي لحياته، أجرى الله تعالى العادة بموت الجسم… =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ = عند فراقه، وقيل هو بعض الجسم، ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم، وهذه صفة الأجسام لا المعاني وقال بعض متقدمي أئمتنا: هو جسم لطيف متصور على صورة الإنسان داخل الجسم، وقال بعض مشايخنا وغيرهم: إنه النفس الداخل والخارج، وقال آخرون: هو الدم. هذا بعض ما نقله القاضي. وقال النووي: والأصح عند أصحابنا أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن فإذا فارقته مات. قال القاضي: واختلفوا في النفس والروح. فقيل هما بمعنى، وهما لفظان لمسمى واحد، وقيل إن النفس هي النفس الداخل والخارج، وقيل هي الدم، وقيل: هي الحياة، والله أعلم. أهـ ص 33 جـ 13. سابعاً: رضي الله عنه الشهداء بطاعتهم لله ورضوا عنه بما أكرمهم به، وأعطاهم إياه من الخيرات من الله تعالى والرضا، وإفاضة البر والإحسان والرحمة (اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا). (خطبة للإمام علي رضي الله عنه في الحث على الجهاد) أما ب عد: فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التتقوى ودرع الله الحصينة وجنته (1) الوثيقة. فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشملة البلاء، وديث (2) بالصغار والقماء (3) وضرب على قلبه بالأسداد، وأديل (4) الحق منه بتضييع الجهاد، ومنع النصف (5) ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا، وسر إعلانا، وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم. فوالله ما غزى قوم قط في عقر (6) دارهم إلا ذلوا فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم، وملكت عليكم الأوطان، وهذا أخو غامد (7) قد وردت خيله الأنبار (8) وقد قتل حسان بن حسان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها (9) ولقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها (10) وقلبها (11) وقلائدها ورعائها (12) ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع (13) والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين (14) ما نال رجلا منهم كلم (15) ولا أريق لهم دم. فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا. فياعجبا عجبا والله يميت القلب، ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم فقبحا لكم، وترحاً (16) حين صرتم غرضاً يرمي: يغار عليكم ولا تغيرون، ولا تغزون ولا تغزون ويعصي الله وترضون. فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم هذه حمارة (17) القيظ أمهلنا ينسلخ (18) عنا الحر وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم هذه صبارة القر أمهلنا ينسلخ عنا البرد. كل هذا فرارا من الحر والقر (19) فأنتم والله من السيف أفر، يا أشباه الرجال، ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال (20) لوددت أني لم أركم ولم أعفركم، معهرفة والله جرت ندما وأعقبت سدما (21) قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب (22) التهما أنفاسا، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان حتى قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب. لله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراساً، وأقدم فيها مقاما مني. لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين وها أنا قد ذرفت (23) على الستين، ولكنه لا رأي لمن لا يطاع. أهـ ص، 37 جـ 1 نهج البلاغة. [شرح الكلمات] (1) بالضم وقايته. (2) ديثه: ذلله. (3) القماء: التحقير من قما يقمو. (4) أي صارت الدولة للحق بدله. (5) والنصف بالكسر: العدل. (6) عقر دارهم: وسطها وأصلها. (7) هو سفيان بن عوف من بني غامد بعثه معاوبة لشن الغارة على أطراف العراق. (8) بلدة على الشاطئ الشرقي للفرات. (9) مسالحها مسلحة: الثغر حيث يخشى طروق الأعداء. (10) حجلها بالكسر: خلخالها. (11) قلبها بالضم: سوارها. (12) ورعاثها جمع رعثة القرط. (13) ترديد الصوت بالبكاء. (14) وافرين: لم ينقص عددهم. (15) جرح. (16) هماً وحزنا أو فقراً. (17) حمارة القيظ: شدته. (18) التسبيخ بالخاء: التخفيف والتسكين. (19) شدة البرد. (20) النساء. (21) هما مع أسف أو غيظ. (22) جمع نغبة: الجرعة، والتهمام الهم. (23) ذرفت: زدت اهـ شرح الشيخ محمد عبده.

كتاب قراءة القرآن

كتاب قراءة القرآن الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وفضل تعلمه وتعليمه والترغيب في سجود التلاوة 1 - عنْ عثمان بن عفَّان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيركمْ من تعلَّم القرآن وعلَّمه - أي أفضلكم الذي جاهد نفسه في حفظ القرآن، وفهم معناه وتفسير آياته، ثم يعلمه ويوضح مجمله، ويدعو الناس إلى العمل به. وذكره بعد باب الجهاد ليحث على أن التفقه في الدين، والبحث في معضلاته وشرح آياته من الجهاد في سبيل الله، وفي الحديث الحث على تعليم القرآن، وقد سئل الثوري عن الجهاد، وإقراء القرآن؟ فرجح الثاني، واحتج بهذا الحديث - قاله في الفتح. قال الشرقاوي: لا ريب أن الجامع بين تعلم القرآن، وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي. لا يقال إن من لازم هذا أفضلية المقرى على الفقيه، لأن المخاطين بذلك كانوا فقهاء الناس بذلك. إذ كانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر من دراية من بعدهم بالاكتساب. فإن قلت: يلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم عناء في الإسلام بالمجاهدة، والرباط والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. أجيب بأن ذلك دائر على النفع المتعدي. فمن كان عنده حصوله أكثر كان أفضل. فلعل من مضمرة في الحديث بعد أن. أهـ ص 218 جـ 3. يرغب النبي صلى الله عليه وسلم في الوعظ والإرشاد، ويدعو العلماء إلى تعليم المسلمين، والعمل بأحكام الدين، والجهاد في تفهيم الضالين، والإقناع بالحجة وكثرة الاطلاع (¬1). رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجه وغيرهم. 2 - وعنْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم ¬

(¬1) أي أفضلكم الذي جاهد نفسه في حفظ القرآن، وفهم معناه وتفسير آياته، ثم يعلمه ويوضح مجمله، ويدعو الناس إلى العمل به. وذكره بعد باب الجهاد ليحث على أن التفقه في الدين، والبحث في معضلاته وشرح آياته من الجهاد في سبيل الله، وفي الحديث الحث على تعليم القرآن، وقد سئل الثوري عن الجهاد، وإقراء القرآن؟ فرجح الثاني، واحتج بهذا الحديث - قاله في الفتح. قال الشرقاوي: لا ريب أن الجامع بين تعلم القرآن، وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره، جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي. لا يقال إن من لازم هذا أفضلية المقرى على الفقيه، لأن المخاطين بذلك كانوا فقهاء الناس بذلك. إذ كانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر من دراية من بعدهم بالاكتساب. فإن قلت: يلزم أن يكون المقرئ أفضل ممن هو أعظم عناء في الإسلام بالمجاهدة، والرباط والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. أجيب بأن ذلك دائر على النفع المتعدي. فمن كان عنده حصوله أكثر كان أفضل. فلعل من مضمرة في الحديث بعد أن. أهـ ص 218 جـ 3. يرغب النبي صلى الله عليه وسلم في الوعظ والإرشاد، ويدعو العلماء إلى تعليم المسلمين، والعمل بأحكام الدين، والجهاد في تفهيم الضالين، والإقناع بالحجة وكثرة الاطلاع.

حرف، ولكنْ ألف حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ (¬1). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب. 3 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلتْ عليهم السَّكينة (¬2)، وغشيتهم الرَّحمة (¬3)، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمنْ عنده (¬4). رواه مسلم وأبو داود وغيرهما. ¬

(¬1) معناه: أن الله تعالى يعطي ثوابا للقارئ بكل حرف من حروف كلماته حسنة وفيه فضل قراءة القرآن وكثرة حسناته وزيادة أجره. (¬2) الطمأنينة والوقار، والسعادة والقبول. (¬3) عمتهم وأحاطت بهم. قال النووي: وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور. وقالت مالك: يكره، وتأوله بعض أصحابه، ويلحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة الاجتماع في مدرسة ورباط ونحوهما إن شاء الله تعالى، ويدل عليه الحديث المطلق الذي يتناول جميع المواضع (لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة) الحديث. أهـ ص 22 جـ 17. (¬4) أثنى عليهم سبحانه في الملأ الأعلى تنويها بعلو درجتهم، وزيادة ثوابهم، وإخلاصهم لعبادة ربهم وذكره جل وعلا. وفيه: المكروب يقرأ القرآن ليفرج الله كربه، والمعسور ليزيل عسيره لأن ذلك أدعى للإجابة وأقرب لنزول رحمة الله. يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهاز الفرص لإجابة الدعاء أن تذهب وتتوضا وتصلى ركعتين لله تعالى تم تجلس مع صالحين تذکرون الله وتتلون کتابه، وتفهمون تفسير آياته، نم تستكثرون من الاستغفار والصلاة على المختار صلى الله عليه وسلم وحينئذ ينتظر إغداق إحسان الله ونزول رحماته وشمول بركاته. وقد مر صلى الله عليه وسلم بحلقة من أصحابه فقال: ما أجلسك؟ قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا فقال صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة» قال النووى: معناه يظهر فضلك لهم، ويريهم حسن عملكم ويثني عليكم عندهم. وأصل البهاء: الحسن واجمال وفلان يباهي بماله: أي يفخر به ويتجمل به على غيره، ويظهر حسنه. اهـ ص 23 ج 17. فاتقوا الله أيها المسلمون واحرصوا على تعليم القرآن، وربوا أبناءكم على حفظ آياته تربحوا وتنجحوا. فهو الذي أخرج الناس من ظلمات الجهل والغي والفساد إلى نور العلم والاستقامة والصلاح، وسطع نور هديه في الأ کوان، وظهرت آثار عدله ورحمته في كل مكان. قال تعالى: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حکيم حميد) 42 من سورة فصلت، نزل به الروح الأمين على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فمحا الران عن القلوب وفتحت به نوافذ الفطن وأزال الغشي عن الأبصار وعنت لعظمته وجوه الفصحاء وتطاحنت لسحر بيانه عزة البلغاء فأذعنوا له صاغرين، وخروا لآيات بلاغته ساجدين، وأيقنوا أنه تنزيل من رب العالمين.

4 - وعنْ عُقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله

_ في شرف القرآن ومدحه للإمام البوصيري دَعْنيِ وَوَصْفِي آيَاتٍ لَهُ ظَهَرَتْ ... ظُهُورَ نَارِ القِرَى لَيْلًا عَلَى عَلَمِ فَالدُّرُّ يَزْدَادُ حُسْنًا وَهُوَ مُنْتَظِمٌ ... وَلَيْسَ يَنْقُصُ قَدْرًا غَيْرَ مُنْتَظِمِ فَمَا تَطَاوُلُ آمَالِ المَديحِ إِلىَ ... مَا فِيهِ مِنْ كَرَمِ الأَخْلاَقِ وَالشِّيَمِ آيَاتُ حَقٍّ مِنَ الرَّحْمَنُ مُحْدَثَةٌ ... قَدِيمَةُ صِفَةُ المَوْصُوفِ بِالقِدَمِ لَمْ تَقْتَرِنْ بِزَمِانٍ وَهِيَ تُخْبِرُنَا ... عَنْ المَعَادِ وَعَنْ عَادٍ وَعَنْ إِرَمِ دَامَتْ لَدَيْنَا فَفَاقَتْ كُلَّ مُعْجِزَةً ... مَنَ النَّبِيِّينَ إِذْ جَاءَتْ وَلَمْ تَدُمِ مُحْكَّمَاتٌ فَمَا تُبْقِينَ مِنْ شُبَهٍ ... لِذِي شِقَاقٍ وَمَا تَبْغِينَ مِنْ حَكَمِ مَا حُورِبَتْ قَطُّ إِلاَّ عَادَ مِنْ حَرَبٍ ... أَعْدَى الأَعَادِي إِلَيْهَا مُلْقِيَ السَّلَمِ رَدَّتْ بَلاَغَتُهَا دَعْوَى مُعَارِضِهَا ... رَدَّ الغَيْورِ يَدَ الجَانيِ عَنِ الْحَرَمِ لَهَا مَعَانٍ كَمَوْجِ البَحْرِ فيِ مَدَدٍ ... وَفَوْقَ جَوْهَرِهِ فيِ الْحُسْنِ وَالقِيَمِ فَمَا تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى عَجَائِبُهَا ... وَلاَ تُسَامُ عَلَى الإِكْثَارِ بِالسَّأَمِ قَرَّتْ بِهَا عَيْنُ قَارِيهَا فَقُلْتُ لَهُ ... لَقَدْ ظَفِرْتَ بِحَبْلِ اللهِ فَاعْتَصِمِ إِنْ تَتْلُهَا خِيفَةً مِنْ حَرَّ نَارِ لَظَى ... أَطْفَأْتَ حَرَّ لَظَىَ مِنْ وِرْدِهَا الشَّبِمِ كَأَنَّهَا الحَوْضُ تَبْيَضُّ الوُجُوهُ بِهِ ... مِنَ العُصَاةِ وَقَدْ جَاءُوهُ كَالحُمَمَ أ - قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)} من سورة البينة. (أهل الكتاب) اليهود والنصارى كفروا بالإلحاد في صفات الله تعالى (والمشركين) عبدة الأصنام، جُاءهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالقرآن الموضح للحق، المبين معجزته عليه الصلاة والسلام بأخلاقه الكريمة، وبخامه من تحدى به (مطهرة) من الباطل مبعدة من الزيق، وهو صلى الله عليه وسلم أى كالتالى لها ولا بمسمها إلا المطهرون (قيمة) مكتوبات مستقيمة ناطقة بالحق. ب - {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)} من سورة المدثر. طلب الكفار قراطيس تنشر وتقرأ وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لن نتبعك حتى تأتي کلا منَّا بكتاب من السماء فيه: من الله إلى فلان اتبع محمدًا. (كلا) ردع هم عن اقترحاتهم الآيات، وزجر لهم عن اعتراضهم، وتذکير لهم بمشيئة الله تعالى، وفعل العبد خاضع لإرادة الله جل جلاله (هو أهل التقوى) الله جل جلاله حقيق بأن يتقى عقابه، وبأن يغفر لعباده سيما المتقين منهم. ج - {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)} من سورة الجن. (نفر) من ثلاثة إلى عشرة (الجن) أجسام عاقلة خفية تغلب عليهم النارية أو الهوائية، واتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته فسمعوها فأخبر الله تعالى به رسوله عليه الصلاة والسلام (عجبا) بديعا مباينا لكلام الناس في حسن نظمه ودقة معناه (الرشاد) الحق والصواب (بخسا) نقصًا في الجزاء (رهقا) ظلما وذلة، لأن من حق المؤمن بالقرآن أن يجتذب ذلك.

عليه وسلم ونحن في الصُّفَّة، فقال أيُّكم يحبُّ أن يغدو كلَّ يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثمٍ ولا قطيعة رحمٍ؟ فقلنا: يا رسول الله كلُّنا نحبُّ ذلك. قال: أفلا يغدو أحدكمْ إلى المسجد فيتعلَّم، أو فيقرأ آيتين منْ كتاب الله عزَّ وجلَّ خيرٌ له من ناقتين، ثلاثٍ، وأربع خير له من أربعٍ، ومن أعدادهنَّ من الإبل. رواه مسلم وأبو داود، وعنده: كوماوين زهراوين بغير إثمٍ لله عزَّ وجلَّ، ولا قطيعة رحمٍ. قالوا: كلنا يا رسول الله. قال: فلأن يغدو أحدكمْ كلَّ يومٍ إلى المسجد فيعلم آيتين من كتاب الله خير له من نا قتين، وإن ثلاثٌ فثلاثٌ مثل أعدادهنَّ (¬1) (بطحان) بضم الباء، وسكون الطاء: موضع بالمدينة (والكوماء) بفتح الكاف، وسكون الواو، وبالمد: هي الناقة العظيمة السنام. 5 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استمع (¬2) إلى آيةٍ من كتاب الله كتبتْ له حسنةٌ مضاعفةٌ، ومن تلاها (¬3) كانتْ له نورًا يوم القيامة. رواه أحمد عن عبادة بن ميسرة. واختلف في توثيقه عن الحسن عن أبي هريرة، والجمهور على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة. 6 - وعنْ أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الرَّبُّ تبارك وتعالى: منْ شغله (¬4) القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين (¬5)، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله (¬6) على خلقهِ رواه ¬

(¬1) معناه: أن من أقبل على تعليم كتاب الله ثوابه مضاعف على شريطة ألا يقطع مودة أقاربه، ولا يرتكب ذنبا. وفيه الدعوة إلى تحفيظ القرآن وتعليمه. (¬2) أنصت وصغى وفرغ جوارحه وحواسه، وخشع لله تعالى وأعرض عن اللغو. (¬3) قرأها تتجسم القراءة وتكون له مصباحا وهاجا تزيل ظلمة الوحشة، وتطرد شدائد الأهوال فيشعر بالنور والنعيم جزاء قراءته. (¬4) معناه - الله أعلم: من عكف على قراءة كلامي وحادثني بألفاظي، واستغرق في تلاوة قرآني وغفل عن طلب شيء مني وقر في نفسه، منحته ما يريد، ووهبت له ما يتمنى، وقضيت حاجاته، وسهلت عسيرة وأنلته آماله. وفيه من أراد النجاح في أعماله فليكثر من تلاوة القرآن، والله عليم بصير خبير يجيب دعواته، وفي الفتح علق على (باب فضل القرآن على سائر الكلام) هذا الحديث: (من شغله القرآن عن ذكرى وعن مسألتي) ص 54 جـ 9. (¬5) معناه: أغدقت عليه جليل النعم، وأحطته بسياج الحفظ والرعاية، ومتعته بفضل وشملته رحمتي. (¬6) تشبيه مع الفارق وإن فيه فرقا بين الخالق والمخلوق. فالخالق متصف بالعظمة والإجلال والقدرة =

الترمذي، وقال: حديث غريب. 7 - وعنْ أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجَّة (¬1): ريحها طيِّب، وطعمها طيِّب، ¬

= وجميع صفات الكمال، والعبد مخلوق حادث ضعيف لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ومعناه أن كلام الله جل وعلا مكتسب كل صفات الكمال، ومفضل على كلام البشر، وإذا نظرت إلى العالم وجدته ممتعا بخيرات الله وإحسانه معترفا بعجزه وتقصيره أمام خالقه جل وعلا كثير المنح واهب الخيرات لعباده. قال تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) أي لا تحصروها، ولا تطيقوا عد أنواعها، فضلا عن أفرادها فإنها غير متناهية (إن الإنسان لظلوم كفار) أي يظلم النعمة بإغفال شكرها، أو يظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان، بشديد النكران لها والكفران، وقيل ظلوم في الشدة يشكو ويجزع، كفار في النعمة يجمع ويمنع. أهـ بيضاوي ص 368. فكثرة العطاء دليل الفضل، والاحتجاج والعجز دليل الذلة. قال تعالى: أ - (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا) 174 من سورة النساء. ب - (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير 63 له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد) 64 من سورة الحج. جـ - (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة) 20 من سورة لقمان. عني بالبرهان المعجزات، وبالنور القرآن. أي قد جاءكم دلائل العقل وشواهد النقل، ولم يبق لكم عذر ولا علة، وقيل البرهان الدين، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو القرآن. أهـ بيضاوي ص 165. (¬1) التي تجمع طيب الطعم والريح: التفاحة، وفي الفتح: أن التمثيل وقع بالذي يقرأ القرآن ولا يخالف ما اشتمل عليه من أمر، ونهي لا مطلق التلاوة. أهـ. وفيه فضيلة القرآن، والدعوة إلى العمل به. وفي عمدة القارئ: اعلم أن هذا التشبيه، والتمثيل في الحقيقة وصف اشتمل على معنى معقول صرف لا يبرزه عن مكنونه إلا تصويره بالمحسوس المشاهد، ثم إن كلام الله المجيد له تأثير في باطن العبد وظاهره، وإن العباد متفاوتون في ذلك، فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير، وهو المؤمن القارئ، ومنهم من لا نصيب له البتة، وهو المنافق الحقيقي، ومنهم من تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي أو بالعكس وهو المؤمن الذي لم يقرأه، وإبراز هذه المعاني وتصويره في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث، ولم يجد ما يوافقها ويلايمها أقرب، ولا أحسن ولا أجمع من ذلك لأن المشبهات والمشبه بها، واردة على تقسيم الحاضر، لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن. والثاني إما منافق صرف أو ملحق به، والأول إما مواظب عليها. فعلى هذا قس الثمار المشبه بها، ووجه التشبيه في المذكورات مركب منتزع من أمرين محسوسين طعم وريح، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل بما تنبته الأرض ويخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال، فإنها من ثمرات النفوس، فخص ما يخرجه الشجر من الأترجة والتمرة بالمؤمن، وبما تنبته الأرض من الحنظلة والريحانة بالمناطق تبنيها على علو شأن المؤمن، وارتفاع علمه، ودوام ذلك، وتوقيفاً على ضعة شأن المنافق، وإحباط عمله وقلة جدواه. أهـ عيني ص 38 جـ 20. شيء بديع يكسب القارئ القرآن: نفحات صمدية. وبركات إلهية صادرة من تلاوة كلام رب العالمين، وللقرآن فضل أقوى ومكانة سامية منحها القارئ فأصابه شذاها. وما أحسن هذا التشبيه المحسوس: (قارئ القرآن كالأترجة). اختار صلى الله عليه وسلم هذه الفاكهة مثلا واضحا لكبر جرمها، وحسن منظرها، وطيب مطعمها =

ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التَّمرة لا ريح لها وطعمها حلوٌ، ومثل المنافق (¬1) الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيحانة (¬2) ريحها طيِّب، وطعمها مرٌّ، ومثل المنافق الذي ¬

= ولين ملمسها. تأخذ الأبصار صبغة ولونا: فاقع لونها تسر الناظرين، تتوق إليها النفس قبل التناول. تفيد آكلها بعد الالتذاذ بذوقها: طيب نكهة، ودباغ معدة، وهضم، واشتراك الحواس الأربع: البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها، ثم إن أجزاءها تنقسم على طبائع قشرها: حار يابس، ولحمها حار رطب، وحماضها بارد يابس، وبزرها حار مجفف أهـ. فأفاد صلى الله عليه وسلم أن قارئ القرآن رائحته ذكية، ومنافعه جليلة، وقربه رحمة، ومصاحبته طاعة ومودته رضوان وكلامه مثمر. وفيه الحث على الإنصات والاستماع، وتخلق القارئ بمكارم الأخلاق، وإذا قرأ العاصي القرآن فكالوردة رائحتها ذكية ولاتؤكل فتمر نفحات عطرية من فيه وهو غير عامل بما يقرأ، فيستفيد السامع المنصت فقط، ومن يرضى أن يكون ريحانة لغيره محروما من شمها، فاقدا عطرها، بعيدا عن ثمرها، وكذا العاصي الذي لا يقرأ ولا يسمع، فكالشجرة المرة كريهة الطعم، معدومة الرائحة، فلا حول ولا قوة إلا بالله. فعليك أخي بالإنصات إلى القرآن، والتأمل في آياته، وأن تقرأ ما تيسر منه عسى أن تشملك رحمة الله جل جلاله. قال تعالى. أ - (فاقرءوا ما تيسر من القرآن). ب - (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) 1 من سورة الزمر. وفي الفتح خص صفة الإيمان بالطعم وصفة التلاوة بالريح لأن الإيمان ألزم للمؤمن من القرآن، إذ يمكن حصول الإيمان بدون القراءة، وكذلك الطعم ألزم للجوهر من الريح فقد يذهب ريح الجوهر ويبقى طعمه. وقيل إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج فيناسب أن يمثل به القرآن الذي لا تقربه الشياطين، وغلاف حبه أبيض فيناسب قلب المؤمن. أهـ ص 54 جـ 9. (¬1) الفاجر الفاسق، أي الذي يخالف ظاهره باطنه، الذي يتحلى بآداب الدين رياء، وهو مصمم على عصيان الله تعالى وانتهاك محارمه، وغشيان الملاهي. أ - (ليعذب الله المنافقين والمنافقات). ب - (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) 145 من سورة النساء. وفي النهاية، وفي حديث حنظلة: نافق حنظلة، أراد أنه إذا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم أخلص، وزهد في الدنيا، وإذا خرج عنه ترك ما كان عليه ورغب فيها. فكأنه نوع من الظاهر والباطن ما كان يرضى أن يسامح به نفسه، وفيه: (أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها). أراد بالنفاق ههنا الرياء، لأن كليهما إظهار غير ما في الباطن. أهـ ص 166 جـ 2. (¬2) كل بنت طيب الريح من أنواع الشموم، ومنه حديث: (إذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده). ومنه الحديث (قال لعلي رضي الله عنه: أوصيك بريحانتي خيراً في الدنيا قبل أن ينهد ركناك) فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا أحد الركنين. فلما ماتت فاطمة رضي الله عنها قال هذا الركن الآخر، وأراد بريحانيته: الحسن والحسين رضي الله عنهما. أهـ نهاية. ومعناه: الفاجر الفاسق قارئ القرآن غير العامل يفيد غ يره وينسى نفسه بمواعظه، ويكون عطرا ومسكا زكيا للسامعين، وهو غافل عن طاعة أوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فجوفه خاو من الخير، وطعمه مر، محروم من ثواب القرآن. إن المدار على القبول ورضا الله، وداعية العمل الصالح: والتخلق بأخلاق القرآن، وعار على قارئ القرآن أن يكون بوقار مزمارا لا يعي ما يقول، ولا يعمل بما ينطق.

لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة (¬1) ليس لها ريح، وطعمها مرٌّ. وفي روايةٍ: مثل الفاجر، بدل المنافق. رواه البخاري ومسلم، والنسائي وابن ماجه. 8 - وعنْ أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجَّة ريحها طيِّب، وطعمها طيِّب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التَّمرة لا ريح لها، وطعمها طيِّب، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الرَّيحانة ريحها طيِّب، وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مرٌّ، ولا ريح لها، ومثل الجليس الصَّالح كمثل صاحب المسك (¬2) إنْ لمْ يصبك منه شيءٌ أصابك من ريحهِ (¬3)، ومثل الجليس السُّود (¬4) كمثل صاحب الكبير (¬5) إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانهِ. رواه أبو داود. 9 - وعنْ عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السَّفرة (¬6) الكرام البررة، والذي يقرأ ويتتعتع فيه، وهو عليه شاقٌ له أجرانِ. ¬

(¬1) نبت مر، وكتب النووي في شرح مسلم: فيه فضيلة حافظ القرآن، واستجاب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد ص 84 جـ 6. فيا قارئ القرآن اتق الله واعمل صالحاً، واجلس في أماكن نظيفة، واقرأ لمن يستمع، واتبع أوامر الله، واجتنب مناهبه، وحذار أن تكون آلة إذاعة لا يعي ما يقول. (¬2) بائع العطر. (¬3) شذاه. (¬4) الفاسق الظالم. (¬5) المبنى من الطين، وقيل الزق الذي تنفخ به النار: والمبنى الكور، ومنه الحديث (المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها) أهـ نهاية. وفيه الحث على اختيار الأصحاب، ونبذ مودة الأشرار. إن هذا حق مشاهد بمرورك على الحد نرى دخانه قاتما فتتضايق، وإذا مررت على بائع العطر تشم رائحة جميلة وهكذا الصحبة: عن المرء لا تسل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي (¬6) قال النووي: السفرة جمع سافر ككاتب وكتبة، والسافر: الرسوم، والسفرة: الرسل، لأنه يسفرون إلى الناس برسالات الله، وقيل السفرة: الكتبة والبررة المطيعون، ومن البر وهو الطاعة، والماهر: الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة بجودة حفظه وإتقانه. قال القاضي: يحتمل أن يكون معنى كونه من الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السفرة لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى. قال ويحتمل أنه يراد أنه عامل بعملهم، وسالك مسلكهم، وأما الذي يتتعتع فيه فهو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران: أجر بالقراءة، وأجر بتعتعته في تلاوته ومشقته. قال القاضي وغيره من العلماء: وليس معناه الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل وأكثر أجرا لأنه مع السفرة، وله أجور كثيرة ولم يذكر هذه المنزلة لغيره، وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله وحفظه وإتقانه، وكثرة تلاوته، =

وفي رواية: والذي يقرؤه، وهو يشتدُّ عليه له أجران. رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه. 10 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أوْصني؟ قال: عليك بتقوى الله (¬1) فإنَّه رأس الأمر كلِّه. قلت: يا رسول الله زدني (¬2). قال: عليك بتلاوة القرآن (¬3)، فإنَّه نورٌ (¬4) لك في الأرض، وذخرٌ لك في السماء (¬5) رواه ابن حبان في صحيحه في حديث طويل. 11 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: القرآن شافع مشفَّعٌ، وما حلٌ مصدقٌ، من جعله أمامه (¬6) قاده (¬7) إلى الجنَّة، ومنْ جعله خلف ظهره (¬8) ساقه إلى النار. رواه ابن حبان في صحيحه. (ما حل) بكسر الحاء المهملة: أي ساعٍ، وقيل: خصم مجادل. 12 - وعنْ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرءوا القرآن، فإنَّه يأتي يوم القيامة شفيعاً (¬9) لأصحابهِ. الحديث رواه مسلم، ويأتي بتمامه إن شاء الله. 13 - وعنْ سهل بن معاذٍ عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ القرآن، وعمل به ألبس والده تاجاً (¬10) يوم القيامة ضوؤه أحسن ¬

= وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه، والله أعلم ص 85 جـ 6. (¬1) طاعته والعمل بكتابه وسنة حبيبه. (¬2) زدني. كذا ط وع ص 481، وفي ن د: أوصني. (¬3) قراءته وتأمل آياته. (¬4) نور: أي مرشد وناصح أمين, وواعظ ومهد إلى الخير, ومبعد عن الشر مشفع. معناه: يلتجأ إليه في الشفاعة, مقبول رجاؤه, ومشمول بالنجاح, اسم مفعول من أشفع الناس القرآن. (¬5) نور: أي مرشد وناصح أمين، وواعظ ومهد إلى الخير، ومبعد عن الشر مشفع. معناه: يلتجأ إليه في الشفاعة، وكنوز من ثوب الله مدخرة لك يوم القيامة، وسبب البهاء والبهجة، وداع إلى محبة الله والناس. (¬6) أي قدوته عاملا بأوامره. (¬7) ساقه، وضمن له نعيم الله ورضوانه. (¬8) ترك القراءة فيه وأهمله ولغا عند اسماعه، وشرب الدخان في مجلسه، ولعب النرد أكثر من اللغو، وحديث الشيطان عند قراءته. (¬9) أي يطلب من الله جل وعلا أن يصفح عن ذنوبه، ويستر سيئاته، ويغمره جل وعلا بإحسانه جزاء إقباله على قراءته حيا وتلاوته في دنياه، والسعي وراء نفهم معانيه. (¬10) إكليلا: أي جعل على رأسيهما دوررا لماعة، متألئة وهاجة، بديعة المنظر بسبب عنايتهما بتعليم ابنهما القرآن في صغره فكبر فعمل بما قرأ.

من ضوء الشَّمس في بيوت الدنيا، فما ظنُّكم بالذي عمل بهذا (¬1). رواه أبو داود والحاكم، كلاهما عن زبان عن سهل، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 14 - وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما أذن الله لع بدٍ في شيء أفضل (¬2) من ركعتين يصلِّيهما، وإنَّ البرَّ ليذرُّ (¬3) على رأس العبد ما دام في صلاته، وما تقرَّب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه، يعني القرْآن (¬4). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. 15 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول القرآن: ياربِّ حلِّهِ (¬5) فيلبس تاج الكرامة ثمَّ يقول: يا ربِّ زده فيلبس حالة الكرامة، ثمَّ يقول: يا ربِّ ارض عنه فيرض عنه، فيقال له: اقرأ وارق، ويزداد بكلِّ آيةٍ حسنةً: رواه الترمذي، وحسنه وابن خزيمة، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 16 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق (¬6)، ورتِّل (¬7) كما كنت ترتل في الدنيا، فإنَّ منزلك عند آخر آيةٍ تقرؤها. رواه الترمذي، وأبو داود وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي حديث حسن صحيح. (قال الخطابي): جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج (¬8) الجنَّة، فيقال للقارئ ارق في الدَّرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن، فمن استوفى قراءة ¬

(¬1) أي الذي قرأ القرآن وعمل به أكسبه الله تاجا أبهى وثوابا أكثر. (¬2) معناه: ايتباح إذن الله، وحاز أفضلية أكثر بصلاة نافلة له سبحانه. (¬3) معناه: الخير والحسنات لتنصب وتغدق بكثرة فينالها المصلي مدة صلاته. (¬4) إن خير وسيلة لارضاء الرب جل وعلا قراءة القرآن. (¬5) ألبسه حلة. هذا رجاء القرآن. (¬6) اصعد إلى الدرجات العالية. (¬7) ورتل القراءة: أي تأن فيها وتمهل، وتبين الحروف والحركات تشبيها بالثغر المرتل، وهو المشبه بنور الأقحوان. يقال رتل وترتل. (¬8) طريق، والجمع أدراج مثل السلم الذي تصعد عليه إلى أعلى. والمعنى أن الله تعالى يوصلك إلى منازل النعيم والعز بقدر قراءتك لكلامه سبحانه. وفيه طلب الكثرة من استماعه وقراءته وفهم آياته.

جميع القرآن استولى على أقصى (¬1) درج الجنَّة في الآخرة، ومن قرأ جزءا منه كان رقيُّة في الدَّرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة. 17 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في (¬2) اثنتين: رجل آتاه الله هذا الكتاب، فقام به آناء الليل وآناء النَّهار. ورجل أعطاه الله مالا فتصدَّق به آناء الليل وآناء النَّهار. رواه البخاري ومسلم. 18 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا حسد إلا في اثنتين: رجلٍ علَّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النَّهار فسمعه جار له، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتى فلان فعملتُ مثل ما يعمل. ورجلٍ آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحقِّ، فقال رجلٌ: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، رواه البخاري. (قال المملي): والمراد بالحسد هنا الغبطة، وهو تمنى مثل ما للمحسود، لا تمنى زوال تلك النعمة عنه، فإن ذلك الحسد المذموم. 19 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يهولهم الفزع (¬3) الأكبر، ولا ينالهم الحساب (¬4)، همْ على كثيبٍ (¬5) منْ مسكٍ حتى يفرغ (¬6) من حساب الخلائق: رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله (¬7)، وأمَّ به قوما، وهمْ به راضون (¬8). وداعٍ (¬9) يدعو إلى الصلوات ابتغاء وجه الله. وعبدٌ أحسن فيما بينه وبين ربِّه، وفيما بينه وبين مواليه (¬10). رواه الطبراني في الأوسط، والصغير بإسناد لا بأس به. ¬

(¬1) أبعد. (¬2) إلا في. كذا د وع ص 482، وفي ن ط: إلا على، ورواية البخاري في الفتح إلا على أيضا في باب: (اعتباط صاحب القرآن) أي بما أعطيه من العمل بالقرآن تلاوة وطاعة ص 60 جـ 9. معناه: واجتهد أيها المسلم أن تكون مثل اثنين. أ - عامل بكلام الله تعال، مكثر من تلاوته صباح مساء. ب - جواد محسن يشيد الصالحات بصدقاته. (¬3) يخوفهم الهول. (¬4) ولا يصيبهم العقاب. (¬5) قطعة كبيرة من الرائحة الذكية. وفي النهاية. الكثيب: الرمل المستطيل المحدوب ص 9 ص جـ 4. (¬6) ينتهي. (¬7) طلب ثواب الله تعالى. (¬8) صلى بهم إماما متصفا بالكمال متحليا بالأخلاق الفاضلة فرضوا عنه. (¬9) مؤذن أو مرشد، أو واعظ. (¬10) مخدوميه، وأصحاب العمل الذي يؤديه لهم.

ورواه في الكبير بفحوه، وزاد في أوله قال ابن عمر رضي الله عنه: لوْ لمْ أسمعه منْ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرَّة ومرَّة حتى عدَّ سبع مرَّاتٍ لما حدَّثت به. 20 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً (¬1) وهمْ ذوو عددٍ فاستقرأهم (¬2) فاستقرأ كلَّ رجلٍ منهمْ يعني مامعه من القرآن (¬3)، فأتى على رجلٍ من أحدثهمْ سنًّا، فقال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا وكذا، وسورة البقرة، فقال: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم. قال: اذهبْ فأنت أميرهم (¬4)، فقال رجل من أشرافهم: والله ما منعني أن أتعلم البقرة إلا خشية ألا أقوم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعلَّموا القرآن واقرءوه، فإنْ مثل القرآن لمنْ تعلَّمه فقرأه كمثل جرابٍ (¬5) محشو مسكاً يفوح ريحه في كلِّ مكانٍ، ومنْ تعلَّمه فيرقد وهو في جوفه فمثله كمثل جرابٍ، أوكئ (¬6) على مسكٍ. رواه الترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن، وابن ما جه مختصراً، وابن حبان في صحيحه. 21 - وعنْ عبد الله بن عمرٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ القرآن فقد استدرج (¬7) النُّبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحي (¬8) إليه لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد (¬9) مع منْ وجد، ولا يجهل (¬10) مع من جهل، وفي جوفهِ (¬11) كلام الله. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) جماعة، من باب تسمية المفعول بالمصدر: أي المبعوثين. (¬2) طلب منهم قراءة القرآن. (¬3) في ن ط زيادة قال. (¬4) كبيرهم وسيدهم. (¬5) جيب القميص، وجربان غمد السيف، أو جراب: بئر قديمة كانت بمكة. (¬6) عقد وشد، ومنه حديث (اعرف وكاءها وعفاصها). الوكالة: الخيط الذي تشد به الصرة والكيس وغيرهما وحديث: (العين وكاء اله) جعل اليقظة للاست كالوكاء للقربة، وفيه الأمر بتعلم القرآن وقراءته ليكون حامله ذكي الرائحة، طيب النكهة، عطر يقظا أو نائما. (¬7) أخذ في وجودها. (¬8) لا يذهب إليه سيدنا جبريل بالوحي كالأنبياء والمرسلين، لكنه حصل على تعاليم الله سبحانه وتعالى. (¬9) يغضب ويشتم ويذم، وفي حديث الإيمان (إني سائلك فلا تجد على): أي لا نغضب من سؤالي. يقال وجد عليه وجداً وموحدة غضب. أهـ نهاية ص 196 جـ 4. (¬10) يفسق، والمعنى والله أعلم: أن قارئ القرآن ينخلق بأخلاق الصالحين، ويتكمل ويتجمل فلا يعصي الله ولا يغضبه، ولا تشذ أخلاقه. (¬11) قلبه.

22 - وعنه رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصيام والقرآن يشفعان (¬1) للعبد يقول الصيام: ربِّ إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني (¬2) فيه ويقول القرآن: ربِّ منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان. رواه أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع، والطبراني في الكبير والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح على شرح مسلم. 23 - وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن أسيدَ بن حضيرٍ بينما هو في ليلة يقرأ في مربده (¬3) إذ جالت (¬4) فرسه، فقرأ ثمَّ جالت أخرى، فقرأ ثم جالتْ أخرى أيضاً. قال أسيدٌ: فخشيت أن تطأ يحيى فقمت إليها، فإذا مثل الظُّلَّةِ فوق رأسي فيها أمثال السُّرج عرجت (¬5) في الجو حتى ما أراها قال: فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله بينما أنا الباحة في جوف الليل أقرأ في مربدي إذا جالت (¬6) فرسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ (¬7) ابن حضيرٍ. قال فقرأت ثمَّ جالت أيضاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضيرٍ. قال فقرأت، ثمَّ جالت أيضاً، ثمً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير، قال: فانصرفت وكان يحيى (¬8) قريباً منها خشيت أن تطأه، فرأيت مثل الظُّلَّةِ فيها أمثال السُّرج (¬9) ¬

(¬1) يرجو أن له الثواب. (¬2) أعطي إذنا أن آمل العفو له فيتكرم الله جل وعلا أن يسمح لهما بالرجاء. قال تعالى: أ - (لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له). ب - (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه). (¬3) أي في المكان الذي فيه التمر، وبين: ظرف مكان زيدت فيها ما. (¬4) من الجولان. وهو الاضطراب الشديد، وكان في ذلك الوقت الفرس قريب منه: أي فرسطه مربوط إلى جانبه. (¬5) صعدت إلى أعلى. (¬6) اضطربت. (¬7) أمره صلى الله عليه وسلم بالقراءة في الاستقبال، والحض عليها: أي كان ينبغي أن تستمر على القراءة وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة. (¬8) ابنه رضي الله عنه خاف أن تطأه: أي تمشي عليه بأظلافها، وفي العيني في جواز رؤية بني آدم الملائكة فالمؤمنون يرونهم رحمة، والكفار عذابا، لكن بشرط الصلاح وحسن الصوت، والذي في الحديث إنما نشأ عن قراءة خاصة من سورة خاصة بصفة خاصة، ولو كان على الإطلاق لحصل ذلك لكل قارئ، وفيه فضيلة أسيد وفضيلة قراءة سورة البقرة في صلاة الليل وفضل سورة الكهف. أهـ ص 36 جـ 20. قال الكرماني: لعله قرأهما. يعني السورتين: الكف وسورة البقرة. (¬9) المصابيح.

عرجت في الجو حتى ما أراها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الملائكة تستمع لك، ولوْ قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهمْ. رواخ البخاري ومسلم، واللفظ له. ورواه الحاكم بنحوه باختصار، وقال فيه: فالتفتُّ فإذا أمثال المصابيح، قال مدلاة بين السماء والأرض، فقال: يا رسول الله ما استطعت أن أمْضي، فقال: تلك الملائكة نزلت لقراءة القرآن، أما إنَّك لو مضيت لرأيت العجائب. وقال: صحيح على شرط مسلم. (الظلة) بضم الظاء المعجمة، وتشديد اللام: هي الغاشية، وقيل: السحابة. 24 - وعنْ أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه يعني القرآن. رواه الحاكم وصححه، ورواه أبو داود في مراسيله عن جبير بن نفير. 25 - وعنْ عبد الله، يعني ابن مسعودٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قا ل: إنَّ هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتمْ، إنَّ هذا القرآن حبل الله، والنور المبين، والشفاء النافع عصمة لمن تسمك به، ونجاة لمن اتَّبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوجُّ فيقوم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق (¬1) من كثرة الرَّدِّ، اتلوه فإنَّ الله يأجركمْ (¬2) على تلاوته كل حرفٍ عشر حسناتٍ، أما إني لا أقول آلم حرفٌ، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف. رواه الحاكم من رواية صالح بن عمر عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص) عنه، وقال: تفرد به صالح بن عمر عنه، وهو صحيح. 26 - وعنْ أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ للهِ أهلين من الناس. قالوا: منْ همْ يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن همْ أهل الله (¬3) وخاصَّته. رواه النسائي وابن ماجه والحاكم كلهم عن ابن مهدي، حدثنا عبد الرحمن بن بديل عن أبيه عن أنس، وقال الحاكم: يروى من ثلاثة أوجه عن أنس هذا أجودها. (قال المملي) الحافظ عبد العظيم: وهو إسناد صحيح. ¬

(¬1) يبلى ويفنى. من باب سهل ونصر. (¬2) يعطيكم ثوابا. وفي ن د: ناجزكم، وكل حرف من ألفاظه يكسب قارئه أجرا. (¬3) الذي رضي عنهم سبحانه، ومدهم بإحسانه، وأعلى درجاتهم في جنته.

27 - وعنْ عمران بن حصينٍ رضي الله عنهما أنَّه مرَّ على قارئٍ يقرأ، ثمَّ سأل فاسترجع (¬1) ثمَّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنَّه سيجيء أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. 28 - وعنْ بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ قرأ القرآن، وتعلَّم وعمل به (¬2) ألبس والده يوم القيامة تاجاً (¬3) من نورٍ ضوؤه مثل ضوء الشِّمْس، ويُكْسى والده حلَّتين لا يقوم لهما الدنيا، فيقولان بم كسينا هذا؟ فيقال بأخذ ولد كما القرآن. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. 29 - وروي عنْ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ القرآن فاستظهره (¬4) فأحلَّ حلاله، وحرَّم حرامه أدخله الله به الجنَّة وشفَّعه في عشرةٍ من أهل بيته (¬5) كلُّهمْ قد وجبت لهمُ النار. رواه ابن ماجه والترمذيّ، واللفظ له، وقال: حديث غريب. 30 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من قرأ القرآن لمْ يردَّ إلى أرذل العمر (¬6)، وذلك قوله تعالى: (ثمَّ رددْناهُ أسفل سافلين إلا الذين آمنوا. قال: الذين قرءوا القرآن. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 31 - وعنْ أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذرٍ لان تغدو فتعلَّم آية من كتاب الله خير لك من أن تُصلِّي مائة ركعة، ولأن تغدو فتُعلم بابا من العلم عمل به أوْ لمْ يعمل به خيرٌ من أن تصلِّي ألف ركعةٍ. رواه ابن ماجه بإسناد حسن. ¬

(¬1) طلب من الناس وأعاد قراءته. فأراد سيدنا عمران أن يقرأ القارئ لله، ويطلب من الله وهو المعطي وسيدنا عمران استرجع. أي قال: (إنا لله وإنا إليه راجعون) ونهى ان يعرض القرآن للابتذال، وحرام على القارئ الشحاذة به. (¬2) اتبع أوامره، واجتنب مناهيه. (¬3) إكليلي الفخار والبهاء على رأسهما يسطع ضوؤهما أبهج وألمع من ضوء الشمس. جزاء تحفيظ ولده القرآن. (¬4) أجاد حفظه وأتقن أحكامه. (¬5) أذن له سبحانه أن يرجو لهم عسى أن الله يعفو عنهم. (¬6) لم يبلغ كبر الهرم والخرف والضعف. بل يتكرم الله عليه بنضارة الصحة، وتمام القوة، وكمال العقل.

32 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ عشر آيات في ليلةٍ لم يكتبْ من الغافلين. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. 33 - وعنْه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حافظ على هؤلاء الصَّلوات المكتوبات لمْ يكتب من الغافلين، ومن قرأ في ليلةٍ مائة آيةٍ كتب من القانتين. رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم، واللفظ له، وقال: صحيح على شرطهما. (قال الحافظ): وقد تقدم في صلاة الليل أحاديث نحو هذا. 34 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قرأ ابن آدم السَّجدة، فسجد اعتزل الشَّيطان يبكي يقول: يا ويله. وفي روايةٍ: يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنَّة، وأمرت بالسُّجود فأبيت فلي النّار. رواه مسلم وابن ماجه، ورواه البزار من حديث أنس. ورواه الطبراني عن أبي إسحاق عن ابن مسعود موقوفاً قال: إذا رأي الشيطان ابن آدم ساجداً صاح، وقال: يا ويله يا ويل الشَّيطان، أمر الله ابن آدم أن يسجد وله الجنَّة فأطلع، وأمرني أن أسجد فعصيت فلي النَّار. 35 - وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنه رأى رؤيا: أنه يكتب ص فلمَّا بلغ إلى سجدتها قال: رأى الدَّواة والقلم وكلَّ شيء بحضرته انقلب ساجداً. قال: فقصصها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يسْجُدُ بها (¬1). رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح. 36 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنِّي رأيت في هذه الليلة فيما يرى النائم كأنِّي أصلِّي خلف شجرةٍ، فرأيت كأنِّي قرأت سجدةً، فرأيت الشجرة كأنَّها تسجد لسجودي (¬2) ¬

(¬1) حكاية صحابي رأي في منامه كتابة سورة ص. فلما وصل إلى قوله تعالى: (فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب) ورأى سجود الدواة والقلم. الله أكبر، لقد وضع الله الطاعة في الجمادات تسجد لربها. قال تعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم). (¬2) لسجودي. كذا د وع ص 486، وفي ن ط: بسجودي.

فسمعتها وهي ساجدة (¬1)، وهي تقول: اللهمَّ اكتب لي بها عندك أجراً، واجعلها لي عندك ذخراً (¬2) وضع عنِّي وزراً (¬3)، واقبلها مني كما تقبَّلت من عبدك داود. قال ابن عباسٍ: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ السَّجدة، فسمعته، وهو ساجد يقول: مثل ما قال الرَّجل عن كلام الشَّجرة. رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له. (قال الحافظ) رووه كلهم عن محمد بن يزيد بن خنيس. عن الحسن بن محمد بن عبيد الله ابن أبي يزيد. عن ابن جريج. عن عبيد الله بن أبي يزيد. عن ابن عباس، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى، والحسن، قال بعضهم: لم يرو عنه غير محمد ابن يزيد، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه. 37 - ورواه أبو يعلي والطبراني من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: رأيت فيما يرى النَّائم كأني تحت شجرةٍ، وكأن الشجرة تقرأ ص، فلما أتتْ على السَّجدة سجدتْ، فقالتْ في سجودها: اللهمَّ اغفر لي بها. اللهمَّ حطَّ (¬4) عنِّي بها ¬

(¬1) واضعة جبهتها على الأرض، متجهة للقبلة تتضرع إلى ربها عز وجل. (¬2) كنوز ثواب. (¬3) ذنبا يمحى. وسيدنا عليه السلام تقدمت له قضية أخوين بالدين أو بالصحبة، وكان أحدهما قوى الحجة: جاء بحجاج لم يقدر الثاني على رده. فقال: (أكفلنيها وعزني في الخطاب) أي ملكني نعجتك الواحدة وضمها إلى التسعة والتسعين، وغلبني في مخاطبته إياي محاجة. قال تعالى حكاية عنه: (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب 24 فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) 25 من سورة ص. (فتناه) أي ابتليناه بالذنب، أو امتحناه بتلك الحكومة. هل يتنبه بها؟ فأكثر من الاستغفار (وأناب) أي رجع إلى الله بالتوبة (ذلك) ما استغفر عنه (لزلفى) لقربه (مآب) مرجع في الجنة (الخلطاء) الشركاء الذين خلطوا أموالهم، جمع خليط. (قال لقد ظلمك) جواب قسم محذوف قصد به المبالغة في إنكار فعل خليطه، وتهجين، طمعه، ولعله قال ذلك بعد اعترافه، أو على تقدير صدق المدعي، والسؤال مصدر مضاف إلى مفعوله، وتعديته إلى مفعول آخر بإلى لتضمنه معنى الإضافة. أهـ ص 603. انظر إلى درجة الخوف من الله تعالى المتناهية، إذ أخذ عليه السلام حجة خصم واحد فحكم: (قال لقد ظلمك) ولم ينتظر الحجة الثانية فعد هذا ذنبا فسجد إلى الله رجاء المغفرة فغفر الله له. اللهم اغفر لي. (¬4) أزل واغفر.

وزرا، وأحدثْ لي بها شكراً (¬1)، وتقبَّلها مني كما تقبَّلت من عبدك داود سجدته فغدوت (¬2) على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: سجدت يا أبا سعيدٍ؟ قُلْتُ: لا، قال: فأنت حقٌّ بالسجود من الشَّجرة، ثمَّ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة ص، ثمَّ أتى على السجدة فسجد وقال في سجوده ما قالت الشَّجرة في سجودها. وفي إسناده يمان بن نصر، لا أعرفه. 38 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كتبتْ عنده سورة النَّجم، فلمَّا بلغ السجدة سجد وسجدنا معه، وسجدت الدَّواة والقلم. رواه البزار بإسناد جيد. ¬

(¬1) تحدثنا بنعماتك وحمدا لك. (¬2) فذهبت إليه صلى الله عليه وسلم مبكرا. (خلاصة ثمرات قراءة القرآن كما أخبر الذي لا ينطق عن الهوى، صلى الله عليه وسلم) أولا: إن قارئ القرآن في مصاف العظماء ومن أفضل الناس وأسماهم درجة (خيركم). ثانياً: يكتسب عن كل حرف جملة حسنات، ويزداد عند الله تعالى درجات (من قرأ حرفا). ثالثاً: تشمل القارئ ظلة الرحمة، ويحاط بملائكة الرحمة، وتتنزل عليه السكينة. رابعاً: يضيء الله قلب القارئ، ويقيه ظلمات القيامة، ويبعد عنه الشدائد (كانت له نورا). خامساً: القارئ رائحته زكية، ومذاقه حلو (كالأترجة) وهو جليس صالح يقترب إليه الصالحون العاملون ليشموا عنه عطره، وإذا أتقن قراءته، وأجاد حفظه نال درجة الملائكة الأبرار، وحشره الله في زمرتهم (مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) لأنه (ماهر بالقرآن). سادسا: قارئ القرآ لا يحزنه الفزع الأكبر لأنه في حماية الله، وكان كلامه تعالى قائده في دنياه (شافع مشفع). سابعاً: سبب رحمة والديه، وإغداقهما بالنعيم، ويمدهما الله بالأنوار المتلألئة جزاء قراءة أبنهما (ألبس والده تاجا). ثامناً: رقي القارئ إلى قمة المعالي في الجنة، ويصعد إلى ذروة النعيم (اقرأ وارق). تاسعاً: يغبطه الصالحون، ويتمنون أن يكونوا في درجته السامية عند الله تعالى، ويودون أن يعملوا مثله (لا حسد إلا في اثنتين). عاشراً: تسببت القراءة وجود الملائكة حول القارئ يدعون له بالإكراه والمغفرة. الحادي عشر: يستمسك بالعروة الوثقى، ويتمتع بالشفاء الناجع، ويعصم من الزيغ، وينجو من الشدائد (لا يعوج فيقوم). الثاني عشر: يعد القارئ من المتقربين إلى الله جل وعلا، وأهله وخاصته، ومن العاملين اليقظين المشغولين في طاعة الله تعالى القانتين.

الترهيب من نسيان القرآن بعد تعلمه، وما جاء فيمن ليس في جوفه منه شيء

الترهيب من نسيان القرآن بعد تعلمه وما جاء فيمن ليس في جوفه منه شيء 1 - عنْ ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الذي ليس في جوفهِ شيء من القرآن كالبيت الخرب (¬1). رواه الترمذي والحاكم كلاهما من طريق قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه عن ابن عباس، وقال الحاكم: صحيح الإسناد وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 2 - وعنْ عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: إن أصغر البيوت (¬2) بيت ليس فيه شيء من كتاب الله. رواه الحاكم موقوفاً، وقال: رفعه بعضهم. 3 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عرضتْ عليَّ أجور أمَّتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت عليّ ذنوب أمَّتي فلم أر ذنبا أعظم من سورةٍ من القرآن، أو آيةٍ أوتيها رجل ثمَّ نسيها (¬3) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه، كلهم من رواية المطالب بن عبد الله بن حنطب عن أنس. (قال الحافظ) وتقدم الكلام عليه في تنظيف المساجد. 4 - وعنْ سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من امرئٍ يقرأ القرآن، ثمَّ ينساه إلا لقي الله أجذم (¬4). رواه أبو داود عن يزيد ابن أبي زياد. عن عيسى بن فائد. عن سعد. (قال الحافظ) ويزيد بن أبي زياد: هو الهاشمي مولاهم، كنيته أبو عبد الله، يأتي الكلام عليه، ومع هذا فعيسى بن فائد إنما روي عمن سمع سعدا. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره. (قال الخطابي) قال أبو عبيد: الأجذم، المقطع اليد، وقال ابن قتيبة: الأجذم ها هنا: ¬

(¬1) يشبه الله صلى الله عليه وسلم قلب الرجل الذي لا يحفظ شيئا من القرآن بالبيت المظلم القذر الخرب الخالي من العمران المهدم الأركان. (¬2) أحقرها وأقلها بركة، وفيه الحث على قراءة القرآن في البيت. (¬3) ترك التلاوة فيها: وفيه التحذير من الغفلة عن استذكار القرآن، والدعوة إلى قراءة ما تيسر. (¬4) أي مقطوع اليد، من الجذم، وهو القطع. أهـ نهاية ص 151 جـ 1. أي يأتي: مصابا بأمراض منقصة لبهاء جسمه.

الترغيب في دعاء يدعى به لحفظ القرآن

المجذوم، وقال ابن الأعرابي: معناه أنه يلقى الله تعالى خالي اليدين من الخير، كني باليد عما تحويه اليد، وقال آخر: معناه لا حجة له، وقد رويناه عن سويد بن غفلة. (الترغيب في دعاء يدعى به لحفظ القرآن) 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينهما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ جاءه عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه فقال: بأبي أنت تفلَّت (¬1) هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحسن أفلا أعلِّمك كلماتٍ ينفعك الله بهنَّ، وينفع بهنَّ من علَّمته، ويثبِّت ما تعلَّمت في صدرك؟ قال: أجل (¬2) يا رسول الله فعلمني. قال: إذا كان ليلة الجمعة، فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر، فإنها ساعة مشهودة، والدعاء فيها مستجاب (¬3) فقد قال أخي يعقوب لبنيه: سوف أستغفر لكمْ ربِّي (¬4)، يقول حتى تأتي ليلة الجمعة، فإنْ لم تستطع: فقمْ في وسطها، فإنْ لم تستطع: فقمْ في أوَّلها، فصلِّ أربع ركعاتٍ تقرأ في الرَّكعة الأولى: بفاتحة الكتاب، وسورة يس، وفي الرَّكعة الثانية: بفاتحة الكتاب، وحم الدُّخان، وفي الرَّكعة الثالثة: بفاتحة الكتاب، وألم تنزيل السَّجدة، وفي الرَّكعة الرابعة: بفاتحة الكتاب، وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله، وأحسن الثناء على الله، وصلِّ عليَّ وأحسنْ، وعلى سائر النبيين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات، ولإخوانك الذين سبقون بالإيمان، ثم قل في آخر ذلك: اللهمَّ ارحمني بترك المعاصي أبداً ما أبقيتني (¬5)، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عنِّي. اللهمَّ بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام، والعزَّة التي لا ترام (¬6) أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك. ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علَّمتني وارزقني أن أتلوه على النَّحو الذي يرضيك عني اللهمَّ بديع (¬7) السموات ¬

(¬1) فر. (¬2) نعم علمني. (¬3) يقبله الله جل وعلا وينفذه. (¬4) سأنتهز فرصة الأوقات الصافية لمناجاة الخالق جل وعلا: هي أوقات السحر التي يفتح الله فيها أبواب رحماته وتجلياته. (¬5) مدة حياتي. (¬6) لا تشابه ولا تدرك. (¬7) هامش ع ص 488 بديع صوابه، وفي ن د: فاطر.

الترغيب في تعاهد القرآن وتحسين الصوت به

والأرض ذا الجلال والإكرام، والعزَّة التي لا ترام. أسألك يا ألله يا رحمن بجلالك، ونور وجهك أن تنوِّر (¬1) بكتابك بصري، وأن تطلق به لساني، وأن تفرِّج به عنْ قلبي وأن تشرح به صدري، وأن تستعمل به بدني، فإنه لا يعينني على الحقِّ غيرك، ولا يؤتينيه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أبا الحسن تفعل ذلك ثلاث جمعٍ (¬2)، أوْ خمسا، أو سبعاً تجاب (¬3) بإذن الله، والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمناً قطُّ. قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: فوالله ما لبث عليٌّ إلا خمساً، أو سبعاً حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك المجلس، فقال يا رسول الله: إني كنت فيما خلا (¬4) لا آخذ إلا أربع آيات ونحوهن, فإذا قرأتهن على نفسي تفلتن, وأنا أتعَلَّمُ اليوم أربعين آية ونحوها، فإذا قرأتهنَّ (¬5) على نفسي فأكنما كتاب الله بين عينيَّ (¬6) ولقد كنت أسمع الحديث، فإذا ردَّدْته تفلَّت (¬7)، وأنا اليوم أسمع الأحاديث، فإذا تحدَّثت بها لمْ أخرم منها حرفاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: مؤمن وربِّ الكعبة، يا أبا الحسن. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم. ورواه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، إلا أنه قال: يقرأ في الثانية بالفاتحة، وألم السَّجدة، وفي الثالثة: بالفاتحة والدُّخان، عكس ما في الترمذي، وقال في الدعاء: وأنْ تشغل به بدني مكان، وأن تستعمل، وهو كذلك في بعض نسخ الترمذي، ومعناهما واحد، وفي بعضها، وأن تغسل. (قال المملي) رضي الله عنه: طريق أسانيد هذا الحديث جيدة، ومتنه غريب جدا، والله أعلم. (الترغيب في تعاهد القرآن وتحسين الصوت به) 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّما مثلُ ¬

(¬1) تضيء عيني فأنظر إلى الحلال الطيب. (¬2) أسابيع. (¬3) تدرك طلبتك بإذن الله الله وتيسيره. (¬4) خلا: سبق. (¬5) قرأتهن. كذا د وع ص 489، وفي ن ط: قرأتها. (¬6) متمثل أمامي فلا أخطئ ولا أنسى. (¬7) التفلت، والإفلات، والانفلات: التخلص من الشيء فجأة من غير تمكث.

صاحب القرآن كمثل الإبل المعقَّلة (¬1) إنْ عاهد عليها أمسكها، وإنْ أطلقها ذهبتْ. رواه البخاري ومسلم. وزاد مسلم في رواية: وإذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره (¬2)، وإذا لم يقم به نسيه. 2 - وعنْ عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئسما لأحدهم يقول: نسيت آية (¬3) كيتَ وكيْتَ، بلْ هي نسِّيَ، استذْكروا القرآن، فلهو أشدُّ تفصِّيا (¬4) من صدور الرِّجال من النَّعمِ بعقلها. رواه البخاري هكذا، ومسلم موقوفاً. 3 - وعنْ أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: تعاهدوا القرآن، فوالذي نفس محمدٍ بيده لهو أشدُّ تفلتاً من الإبل في عقلها. رواه مسلم. 4 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ما أذن (¬5) الله لشيء كما أذن لنبيٍ حسن الصَّوت يتغنَّى (¬6) بالقرآن يجهر به. رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وأبو داود النسائي. (قال الحافظ) أذن بكسر الذال. أي ما استمع لشيء من كلام الناس كما استمع ¬

(¬1) التي تعقل: أي يوضع في رجليها العقال: الحبل الذي يربطها ويحكم حفظها. قال النووي: فيه الحث على تعاهد القرآن وتلاوته والحذر من تعريضه النسيان، قال القاضي: ومعنى صاحب القرآن، أي الذي ألفه، والمؤالفة: المصاحبة أهـ ص 77 جـ 6. (¬2) يتعاهده ويكثر من تلاوته، وفيه الحث على قراءة القرآن رجاء (أن الله يبقي هذه النعمة محفوظة في صدره القارئ). (¬3) أي ذم ذلك الغافل الذي يسند لنفسه نسيان كلام الله تعالى. بل الذي أنساه ربه سبحانه، ونسي فعل ماضي مبني للمجهول والفاعل في الحقيقة هو الله تعالى. قال النووي: فيه كراهة قول: نسيت آية كذا، وهي كراهة تنزيه، وأنه لا يكره قول أنسيتها، وإنما نهي عن نسيتها لأنه يتضمن التساهل فيها، والتغافل عنها، وقد قال الله تعالى: (أتتك آياتنا فنسيتها) وقال القاضي عياض: أولى ما يتأول عليه الحديث: أن معناه ذم الحال لا ذم القول: أي نسيت الحالة: حالة من حفظ القرآن فغفل عنه حتى نسيه. (¬4) انفصالا، والنعم تذكرو تؤنث، والمراد بروايته بالباء كما قال النووي من كما في قوله الله تبارك وتعالى (عيناه يشرب بها عباد الله). (¬5) أذن: استمع، ويستحيل على الله الاستماع. بل هو مجاز معناه الكناية عن تقريبه القارئ وإجزال ثوابه، لأن سماع الله تعالى لا يختلف فوجب تأويله. أهـ ص 78 جـ 6. (¬6) قال الشافعي وموافقوه: معناه تخزين القراءة وترقيقها.

الله إلى من يتغنى بالقرآن: أي يحسِّن به صوته، وذهب سفيان بن عيينة وغيره إلى أنه من الاستغناء، وهو مردود. 5 - وروي ابن جرير الطبري هذا الحديث بإسناد صحيح، وقال فيه: ما أذن الله لشيء ما أذن لنبيٍ حسن التَّرنّمِ (¬1) بالقرآن. 6 - وروي الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم والبيهقي عن فضالة بن عبيد: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لله أشدُّ أذناً للرجل الحسن الصَّوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينتهِ. وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. (القينة) بفتح القاف، وإسكان الياء المثناة تحت بعدها نون: هي الأمة المغنِّية. 7 - وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زيِّنوا القرآن بأصواتكمْ. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. (قال الخطابي) معناه: زيِّنوا (¬2) أصواتكم بالقرآن. هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث، وزعموا أنه من باب المقلوب كما قالوا: عرضت الناقة على الحوض: أي عرضت الحوض على الناقة، وكقولهم إذا طلعت الشعري، واستوى العود على الحرباء. أي استوت الحرباء على العود، ثم روي بإسناده عن شعبة. قال: نهاني أيوب أن أحدث: زينوا القرآن بأصواتكمْ. قال. رواه معمر عن منصور عن طلحة، فقدّم الأصوات على القرآن، وهو الصحيح أخبرناه محمد بن هاشم، حدثنا الديري. عن عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن منصور، عن طلحة، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: زيِّنوا أصواتكمْ بالقرآنِ، والمعنى: اشغلوا أصواتكم بالقرآنِ، والهجوا به، واتخذوه شعاراً، وزينةً. انتهى. 8 - وروي عن سعدٍ بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى ¬

(¬1) الترنم: الترطيب والتغني، وتحسين الصوت بالتلاوة، ويطلق على الحيوان والجماد. يقال ترنم الحمام والقوس. أهـ نهاية. الله تعالى يقبل برحمته وإحسانه ورضوانه على ذلك القارئ المرتل المجيد الألفاظ، كثير الخشية والرغبة أشد من إقبال السيد المقبل على سماع صوت جاريته، وهذا مجاز ليفهم القارئ أنه في كنف الله وإحاطته إذا أجاد تلاوته، وأحسن قراءته. (¬2) أجيدوا.

الله عليه وسلم يقول: إنَّ هذا القرآن نزل بحزنٍ (¬1)، فإذا قرأتموه فابكوا، فإنْ لمْ تبكوا، فتباكوا وتغنَّوا به، فمنْ لم يتغنَّ بالقرآن فليس منَّا، رواه ابن ماجه. 9 - وروي عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ منْ أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه (¬2) يخشى الله. رواه ابن ماجه أيضاً. 10 - وعن ابن أبي مليكة قال: قال عبيد الله بن أبي يزيد رضي الله عنهما: مرَّ بنا أبو لبابة فاتَّبعناه حتى دخل بيته فدخلنا عليه، فإذا رجلٌ رثُّ الهيئة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس منَّا من لمْ يتغنَّ بالقرآن. قال: فقلتُ لابن أبي مليكة: يا أبا محمدٍ: أرأيت إنْ لمْ يكنْ حسن الصَّوْتِ؟ قال: يحسِّنُه (¬3) ¬

(¬1) لشدائد ومهام أعمال، وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزنه أمر صلى: أي أوقعه في الحزن. أقرأ بالتحزين أرق صوته به. (¬2) ظننتموه. قال صالح المري: قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي يا صالح هذه القراءة فأين البكاء؟ وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا قرأتم سجدة سبحان فلاتعجلوا بالسجود حتى تبكوا، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه، وإنما طريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد، والمواثيق والعهود، ثم يتأمل تقصيره في أوامره وزواجره فيحزن لا محالة ويبكي، فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر أرباب القلوب الصافية فليبك على فقد الحزن والبكاء فإن ذلك أعظم المصائب. أهـ ص 249 جـ 1 إحياء الغزالي. (¬3) يرتل بتؤدة، ويكفر في معنى ما يقرأ، ويجتنب الهذرمة الاستعجال، وقد نعتت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن أقرأ البقرة وآل عمران أرتلهما وأتدبرهما أحب من أن أقرأ القرآن كله هذرمة. ونقل الإجماع استجاب سماع القرآن من ذي الصوت الحسن. وأخرج أبو داود من طريق بن أبي مسجعة قال (كان عمر يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم) ص 74 جـ 9 فتح. (فقه الباب) أولا: الذي يداوم على قراءة القرآن يذلل الله على لسانه، ويسهل على قراءته. فإذا هجره ثقلت عليه القراءة وشقت عليه. ثانياً: شبه صلى الله عليه وسلم درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الشراد. فما زال التعاهد موجودا فالحفظ موجودا، كما أن البعير ما دام مشدودا بالعقال فهو محفوظ، وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفورا. ثالثاً: بئسما. بئس فعل ماض الذم، ومان كرة مصوفة، وأن يقول مخصوص بالذم: أي بئس شيئاً قول الرجل. رابعاً: نسي. قال القرطبي: التثقيل معناه أنه عوقب بوقوع النسيان تعليه لتفريطه في معاهدته، واستذكاره =

الترغيب في قراءة سورة الفاتحة، وما جاء في فضلها

ما استطاع: ورواه أبو داود، والمرفوع منه في الصحيحين من حديث أبي هريرة. الترغيب في قراءة سورة الفاتحة، وما جاء في فضلها 1 - عن أبي سعيد بن المعلَّي رضي الله عنه قال: كنْتُ أصلِّي بالمسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمْ أجبهُ، ثمَّ أتيتهُ فقلتُ: يا رسول الله إنِّي كنْتُ أصلِّي، ¬

_ = قال: ومعنى التخفيف أن الرجل تركه غير ملتفت إليه، وهو كقوله تعالى: (نسوا الله فنسيهم) أي تركهم في العذاب، أو تركهم من الرحمة. أهـ فتح ص 65 جـ 9. فقيه الإشعار بعدم الاعتناء بالقرآن إذ لا يقع النسيان إلا بترك التعاهد، وكثرة الغفلة، فلو تعاهده بتلاوته والقيام به في الصلاة لدام حفظه وتذكره. خامساً: الاجتهاد في ترتيل القرآن، وإتقان قراءته، وإظهار حروفه. سادساً: إغداق الله تعالى القارئ بحسناته ورضوانه. سابعاً: أن يخشى القارئ الله، ويخاف عذابه، ويعمل به، ويتحلى بمكارم الأخلاق. (الأعمال الباطنة في تلاوة القرآن، كما في الإحياء للإمام الغزالي) أولا: فهم عظمة الكلام وعلوه، وفضل سبحانه وتعالى، ولطفه بخلقه في نزوله عن عرش جلاله إلى درجة إفهام خلقه. ثانياً: التعظيم للمتكلم، ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر، وباطن قلب القارئ يتطهر عن كل رجس، ويستنير بنور التعظيم والتوقير (لا يمسه إلا المطهرون) 79 من سورة الواقعة. ثالثاً: حضور القلب وترك حديث النفس. رابعاً: التدبير. قال علي رضي الله عنه: لا خير في عبادة لا فقه لها، ولا في قراءة لا تدبر فيها. خامساً: التفهم أي يستوضح معانيه الدالة على صفاته وكماله. سادساً: التخلي عن موانع الفهم. سابعاً: التخصيص: أي يقدر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن: أي هو المأمور المنهي، الموعود المهدد بالوعيد، ويعتبر بقصص الأنبياء. ثامناً: أن يتأثر قلبه، ويخشى الله تعالى، قال الحسن: والله ما أصبح اليوم عبد يتلو القرآن، يؤمن به إلا كثر حزنه، وقل مزحه، وكثر بكاؤه، وقل ضحكه، وكثر نصبه وشغله، وقلت راحته وبطالته. تاسعاً: الترقي. أ - كأن العبد يقرأ على الله عز وجل واقفاً بين يديه. ب - يشهد بقلبه كأن الله يراه، ويخاطبه بألطافه، ويناجيه بإنعنامه وإحسانه. فمقامه الحياة والتعظيم، والإصغاء والفهم. جـ - يرى في الكلام المتكلم، وفي الكلمات الصفات. فيستغرق في مشاهدة الله جل جلاله. عاشراً: التبري: أي يتبرأ من حوله وقوته، والالتفاف إلى نفسه بعين الرضا والتزكية فيشهد ويتشوف إلى الصالحين، ويؤنب نفسه المقصرة، ولذا كان ابن عمر رضي الله عنه يقول: اللهم إني أستغفرك لظلمي وكفري فقيل له: هذا الظلم، فما بال الكفر؟ فتلا قوله عز وجل: (إن الإنسان لظلوم كفار) أهـ بتصرف 259 جـ 1.

فقال: ألم يقل الله تعالى: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكمْ، ثمَّ قال: لا علِّمنَّك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد فأخذ بيدي، فلمَّا أردنا أن نخرج. قلت يا رسول الله: إنَّك قلت لا علِّمنَّك أعظم سورة في القرآن. قال الحمد لله ربِّ العالمين: هي السِّبع المثاني (¬1)، والقرآن العظيم الذي أوتيته. رواه البخاري، وأبو داود والنسائي وابن ماجه. (قال الحافظ): أبو سعيد هذا لا يعرف اسمه، وقيل: اسمه رافع بن أوس، وقيل: الحارث بن نفيع بن المعلي، ورجحه أبو عمر النَّمري، وقيل: غير ذلك، والله أعلم. 2 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علي أبي بن كعبٍ، فقال يا أبيُّ: وهو يصلِّي، فالتفت أبيٌّ فلم يجبه، وصلَّى أبي فخفف (¬2)، ثمَّ انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام، ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك؟ فقال: يا رسول الله: إنِّي كنت في الصلاة. قال: فلم تجد فيما أوْحى الله إليَّ: أن استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكمْ لما يحييكمْ؟ قال: بلى، ولا أعود إن شاء الله. قال: أتحبُّ أنْ ¬

(¬1) الفاتحة. سميت بذلك لأنها تثني في كل صلاة: أي تعاد. أهـ نهاية. قال تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم 87 لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين 88 وقل إني أنا النذير المبين) 89 من سورة الحجر. (من الثاني) بيان للسبع، والمثاني من التثنية أو الثناء. فإن كل ذلك مثني تكرر قراءته أو ألفاظه، أو قصصه ومواعظه، أو مثنى عليه بالبلاغة والإعجاز، أو مثنى على الله بما هو أهله من صفاته العظمى، وأسمائه الحسنى، ويجوز أن يراد بالمثاني القرآن، أو كتب الله كنها فتكون من للتعيض (لا تمدن عينيك) لا تطمح ببصرك طموح راغب (أزواجا) أصنافا من الكفار. فإنه مستحضر بالإضافة إلى ما أوتيته فإنه كمال مطلوب بالذات مفض إلى دوام اللذات، وفي حديث أبي بكر رضي الله عنه (من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي، فقد صغر عظيما وعظم صغيراً). وروي أنه عليه الصلاة والسلام وافي بأذرعات سبع قوافل ليهود بني قريظة، والنضير فيها أنواع البز والطيب والجواهر وسائر الأمتعة. فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في سبيل الله. فقال لهم صلى الله عليه وسلم: لقد أعطيتم سبع آيات هي خير من هذه القوافل السبع. أهـ ص 277. حوت الفاتحة اسم الله والثناء على الله وصفاته الدالة على الرأفة والقدرة، ثم قصرت العبادة عليه سبحانه وتعالى والاستعانة منه جل وعلى، والدعاء يطلب الهداية وسلوك مناهج الصالحين، لا المجرمين الضالين. (¬2) أي صلى صلاة خفيفة تامة الأركان والسنن، ولم يقرأ سورة كبيرة مثل البقرة في ركعاته.

أعلِّمك سورةً لمْ ينزل في التَّوراة (¬1) ولا في الإنجيل (¬2) ولا في الزَّبور (¬3)، ولا في الفرقان (¬4) مثلها؟ قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تقرأ في الصلاة؟ قال: فقرأ أمَّ القرآن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيدهِ ما أنزل الله في التَّوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزَّبور، ولا في الفرقان مثلها، وإنها سبعٌ من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما، والحاكم باختصار عن أبي هريرة عن أبي. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. 3 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه: قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مسير (¬5)، فنزل ونزل رجلٌ إلى جانبه، قال: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أخبرك بأفضل القرآن؟ قال: بلى، فتلا: الحمد ربِّ العالمين. رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. 4 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ماسأل. وفي روايةٍ: فنصفها لي ونصفها لعبدي، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين. ¬

(¬1) كتاب سيدنا موسى عليه السلام. (¬2) كتاب سيدنا عيسى عليه السلام. (¬3) كتاب سيدنا داود عليه السلام. (¬4) الكتاب المنزل عليه صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) 24 من سورة الأنفال. استجيبوا بالطاعة، والصلاة إجابة، وإجابته صلى الله عليه وسلم لا تقطع الصلاة كما في البيضاوي (لما يحييكم) من العلوم الدينية فإنها حياة القلب، والجهل موته. قال: لا تعجبن الجهول حلته ... فذاك ميت وثوبه كفن أو مما يورثكم الحياة الأبدية في النعيم الدائم من العقائد والأعمال، أو من الجهاد فإنه سبب بقائكم. إذ لو تركوه لغلبهم العدو وقتلهم، أو الشهادة لقوله تعالى: (بل أحياء عند ربهم يرزقون) (يحول) تمثيل لغاية قربة تعالى من العبد (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وتنبيه على أنه مطلع على مكنونات القلوب مما عسى يغفل عنها صاحبها، أو حث على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها قبل أن يحول الله بينه وبين قلبه بالموت أو غيره، أو تصوير وتخييل لتملكه على العبد قلبه فيفسخ عزائمه، ويغير مقاصده، ويحول بينه وبين الكفر إن أراد سعادته، وبينه وبين الإيمان إن قضي بشقاوته (تحشرون) تنشرون فيجمعكم ليجازيكم بأعمالكم ص 256. (¬5) في سيره، وفي ن د: مسيره.

أعطيت مكان التوراة السبع الخ) قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: الرَّحمن الرحيم قال: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين. قال: مجدني (¬1) عبدي، فإذا قال: إيَّاك نعبد (¬2) وإياك نستعين (¬3). قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل (¬4)، فإذا قال: أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمتَ عليهمْ غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل: رواه مسلم: (قوله) قسمت الصلاة: يعني القراءة بدليل تفسيره بها، وقد تسمي القراءة صلاة لكونها جزءا من أجزائها، والله أعلم. 5 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: بينما جبرائيل عليه السلام قاعدٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح لم يفتح قطُّ إلا اليوم فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قطُّ إلا اليوم، فسلَّم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لمْ يؤتهما نبيُّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة (¬5) لن تقرأ بحرفٍ منهما إلا أعطيته. رواه مسلم والنسائي، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. (النقيض) بالمعجمة: هو الصوت (¬6). 6 - وعنْ واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت مكان التَّوراة السَّبع، وأعطيت مكان الزَّبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضِّلتُ بالمفصل رواه أحمد، وفي إسناده عمران القطان. ¬

(¬1) عظمني. (¬2) نقصر العبادة والطاعة عليك. (¬3) نطلب العون ولا نسأل سواك. (¬4) طلب. (¬5) قوله تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) 286 من سورة البقرة. (¬6) صوتا كصوت فتح الباب. قال العلماء: أول القرآن السبع الطوال، ثم ذوات المئين: وهو ما كان في السورة منها مائة ونحوها، ثم المثاني، ثم المفصل من القتال، أو من الحجرات، أو من ق. أهـ نووي ص 107 جـ 6.

الترغيب في قراءة سورة البقرة وآل عمران، وما جاء فيمن قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها

الترغيب في قراءة سورة البقرة وآل عمران وما جاء فيمن قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر (¬1) إنَّ الشيطان يفرُّ من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم والنسائي والترمذي. 2 - وعنْ معقل بن يسار رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البقرة سنام (¬2) القرآن وذروته نزل مع كلِّ آيةٍ منها ثمانون ملكاً، واستخرجت: الله لا إله إلا هو الحيُّ القيوم من تحت العرش فوصلت بها، أوْ فوصلتْ بسورة البقرة، ويس قلْب (¬3) القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدَّار الآخرة إلا غفر له. رواه أحمد عن رجل عن معقل، وروي أبو داود والنسائي وابن ماجه منه ذكر يس. 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبرائيل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقهِ فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح لمْ يفتحْ قطُّ إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قطُّ إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أو تيتهما لمْ يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرفٍ منهما إلا أعطيته. رواه مسلم والنسائي والحاكم وتقدم. 4 - وعن أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرءوا القرآن، فإنَّه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه. اقرءوا الزَّهْراوين (¬4): البقرة، وسورة آل عمران، فإنَّهما يأتيان يوم القيامة ¬

(¬1) أماكن مهجورة من العبادة والذكر، والمعنى اتلوا ما تيسر من القرآن في منازلكم رجاء أن يفر الشيطان منها، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم فائدة سورة البقرة: نفور الشيطان الخناس، وذهابه إذا تليت. (¬2) سنام كل شيء: أعلاه. (¬3) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبرائيل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقهِ فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح لمْ يفتحْ قطُّ إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قطُّ إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أو تيتهما لمْ يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرفٍ منهما إلا أعطيته. رواه مسلم والنسائي والحاكم وتقدم. (¬4) قال النووي: قالوا سمينان الزهراوين لنورهما وهدايتهما، وعظيم أجرهما، وفيه جواز قوله سورة =

كأنهما غمامتانِ (¬1) أو غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صوافَّ تحاجَّان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة، فإنَّ أخذها بركة وتركها حسرةٌ، ولا تستطيعها البطلة. قال معاوية بن سلامٍ: بلغني أنَّ البطلة السَّحرة. رواه مسلم. (الغايتان) مثنى غياية بغين معجمة، وياءين مثناتين تحت، وهي: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه كالسحابة والغاشية ونحوهما. (وفرقان): أي قطعتان. 5 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكلِّ شيءٍ سنامٌ، وإنَّ سنام القرآن سورة البقرة، وفيها آية هي سيدة (¬2) آي القرآن، رواه الترمذي، عن حكيم بن جبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وقال: حديث غريب. ورواه الحاكم من هذه الطريق أيضاً، ولفظه: سورة البقرة فيها آية سيِّدة آي القرآن لا تقرأ في بيتٍ وفيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسيِّ. وقال صحيح الإسناد. 6 - وعنْ سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ لكلِّ شيء سناماً (¬3)، وإنَّ سنام القرآن سورة البقرة من قرأها في بيته ليلاً لمْ يدخل الشَّيطان بيته ثلاث ليالٍ، ومنْ قرأها نهاراً لمْ يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيَّامٍ. رواه ابن حبان في صحيحه. 7 - وعنْ عبد الله رضي الله عنه قال: اقرءوا سورة البقرة في بيوتكم، فإنَّ الشيطان لا يدخل بيتاً يقرأ فيه سورة البقرة. رواه الحاكم موقوفاً هكذا، وقال: صحيح على شرطهما ورواه عن زائدة عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي الأحوص عن عبد الله فرفعه. ¬

= آل عمران، وسورة النساء، وسورة المائدة وشبهها، ولا كراهة في ذلك، وبه قال الجمهور، وكرهه بعض المتقدمين أهـ ص 90 جـ 6. (¬1) الغمامة، والغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه. قال العلماء: والمراد أن ثوابهما يأتي كغمامتين، أو يأتي الأجر مثل قطيع الطير وجماعته. (¬2) رئيسة جليلة: المعنى تلاوتها جمة الفائدة، مانعة للشيطان، يتجلى الله على قارئها بالحفظ والصون، وطرد اللصوص، ومنع الشر، وآيات القرآن كلها جليلة الفوائد، والنبي صلى الله عليه وسلم يرغب في قراءة آية الكرسي لما فيها من اسم الله الأعظم وصفاته السامية، وأنه الملك القادر القاهر. سبحانه وتعالى. (¬3) ارتفاعا، وفي شعر جسان: وإن سنام المجد من آل هاشم ... بنو بيت مخزوم ووالدك العبد أي أعلى المجد، والمعنى سورة البقرة ثوابها عظيم عند الله تعالى لقارئها، وتفضل الله أن يحصن المنزل من الشيطان إذا تليت فيه، كما قال صلى الله عليه وسلم سيد الاستغفار لعظيم ثوابه وجزيل أجره.

(قال الحافظ): وهذا إسناد حسن بما تقدم، والله أعلم. 8 - وعن أسيد بن حُضْيرٍ رضي الله عنه قال: يا رسول الله بينما أنا أقرأ الليلة سورة البقرة إذ سمعت وجبةً (¬1) منْ خلفي فظننتُ أنَّ فرسي انطلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ أبا عتيكٍ (¬2) فالتفتُّ، فإذا مثل المصباح مُدلي (¬3) بين السماء والأرض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أقرأ أبا عتيكٍ، فقال: يا رسول الله فما استطعت أن أمضي (¬4)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الملائكة تنزَّلتْ لقراءة سورة البقرة، أما إنَّك لو مضيت (¬5) لرأيت العجائب. رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد بنحوه وتقدم. 9 - وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يؤتي بالقرآن يوم القيامة، وأهله الذين كانوا يعملون (¬6) به في الدنيا تقدمه (¬7) سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثالٍ مانسيتهنَّ (¬8) بعد قال: كأنَّهما غمامتان، أو ظلَّتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما فرقان من طيرٍ صوافَّ يحاجَّان عن صاحبهما. رواه مسلم والترمذي، وقال: حديث حسن غريب. ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم أنه يجيء ثواب قراءته، كذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث، وما يشبه من الأحاديث أنه يجيء ثواب قراءة القرآن، وفي حديث نواس: يعني هذا ما يدل على ما فسروا إذ قال: وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، ففي هذا دلالة على أنه يجيء ثواب العمل، انتهى. ¬

(¬1) أسيد صحابي جليل في القاموس كزبير أو كأمير. سقط مع هدة، وفي حديث سعيد (لولا أصوات السافرة لسمعتم وجبة الشمس): أي سقوطها مع المغيب. أهـ نهاية: أي سمعت جلبة وضجة. (¬2) معلق يتدلى كالنور الوضاء. (¬3) أي اقرأ يا أبا عتيك. صحابي جليل. (¬4) لم أقدر أن أتمم من شدة الضوء الوهاج. (¬5) استمررت، ومثله كما في الفتح (اقرأ يابن حضير) أي كان ينبغي أن تستمر على قراءتك لتستمر لك البركة بنزول ملائكة الرحمة، واستمالتها لقراءتك، وفهم أسيد ذلك فأجاب بعذره (خفت أن تطأ يحيى) أي خشيت إن استمررت على القراءة أن تطأ الفرس ولدي، ودل سياق الحديث على محافظة أسيد على خشوعه في صلاته، وأبو عتيك: كنية أسيد ص 52 جـ 9. (¬6) يتحملون بآدابه. (¬7) تكون في الطليعة، وتسبقه وتتبختر. قال تعالى: (يقدم قومه يوم القيامة). (¬8) ما نسيتهن. كذا ط وع ص 494، وفي ن د: يشتبهن.

(قوله بينهما شرق) هو بفتح المعجمة، وقد تكسر، وبسكون الراء بعدهما قاف: أي بينهما فرق يضيء. 10 - وعن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه مرفوعاً: تعلَّموا البقرة وآل عمران فإنَّهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فرقانْ منْ طيرٍ صوافَّ. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. 11 - وعن النُّعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عامٍ أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار ثلاث ليالٍ فيقربها شيطان. رواه الترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب والنسائي، وابن حبان في صحيحه، والحاكم إلا أن عنده: ولا يقرآن في بيت فيقر به شيطان ثلاث ليالٍ. وقال صحيح على شرط مسلم. 12 - وعنْ أبي ذرٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيها من كنزه الذي تحت العرش فتعلَّموهنَّ وعلِّموهنَّ نساءكمْ وأبناءكم فإنَّها: صلاة وقرآن ودعاء. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري. (قال الحالفظ): معاوية بن صالح لم يحتج به البخاري، إنما احتج به مسلم، ويأتي الكلم عليه، ورواه أبو داود في مراسليه عن جبير بن نفير. 13 - وعنْ عبيد بن عميرٍ رضي الله عنه أنه قال لعائشة رضي الله عنها: أخبرنا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فسكتتْ، ثمَّ قالت، لما كان ليلة من الليالي. قال يا عائشة: ذريني أتعبَّد الليلة لربي. قلت: والله إني أحبُّ قربك، و، أحب ما يسرُّك. قالتْ: فقام فتطهر، ثمَّ قام يصلي. قالتْ: فلمْ يزلْ يبكي حتى بلَّ حجره. قالت: وكان جالسا فلمْ يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بلَّ لحيته. قالت: ثم بكى حتى بلَّ الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي. قال: يا رسول الله تبكي. وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون

الترغيب في قراءة آية الكرسي وما جاء في فضلها

عبداً شكوراً. لقدْ نزلتْ (¬1) عليَّ الليلة آية: ويل (¬2) لمنْ قرأها. ولمْ يتفكَّر فيها: إنَّ في خلق السَّموات والأرض الآية كلَّها. رواه ابن حبان في صحيحه وغيره. 14 - وروي ابن أبي الدنيا عن سفيان يرفعه قال: منْ قرأ آخر آل عمران (¬3)، ولمْ يتفكر فيها ويله، فعدَّ بأصابعهِ عشراً. الترغيب في قراءة آية الكرسي وما جاء في فضلها 1 - عنْ أبي أيوب الأنصاريِّ رضي الله عنه أنَّه كانت له سهوة (¬4) فيها تمرٌ، ¬

(¬1) نزلت. كذا د وع. وفي ن ط: أنزلت. (¬2) واد في جهنم أعده الله للذين لم يتدبروا معاني هذه الآيات، وكتب النووي على قوله صلى الله عليه وسلم (الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه) قيل: معنا كفتاه عن قيام الليل، وقيل من الشيطان، وقيل من الآفات ويحتمل من الجميع. أهـ ص 92 جـ 6. (¬3) هي الآيات المذكورة في قوله عز شأنه: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب 190 الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار 191 ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار 193 ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد 194 فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فاللذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب 195 لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد 196 متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد 197 لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار 198 وإن من أهل الكتاب لم يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب 199 يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) صدق الله العظيم 200 من سورة آل عمران. أي الدلائل واضحة على وجود الصانع ووحدته، وكمال علمه، وقدرته لذوي العقول السليمة (هاجروا) الشرك، والأوطان، والعشائر لنصر الدين (وقاتلوا) الكفار (وقتلوا) في الجهاد (نزلا) إكراما من عند الله من أصناف نعيم الطعام والشراب (وإن من أهل الكتاب) نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه، وقيل في أربعين من بجران، واثنين وثلاثين من الحبشة، وثمانية من الروم كانوا نصارى فأسلموا (وما أنزل إليكم) من القرآن (إليهم) من الكتابين. (¬4) السهوة بيت صغيرة منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع والخزانة، وقيل هو كالصفة تكون بين يدي البيت، قيل شبيه بالرف أو الطاق: يوضع فيه الشيء، وفيه أنه دخل على عائشة في البيت سهوة عليها ستر. أهـ ونهاية ص 197 جـ 2.

وكانت تجيء الغول فتأخذ منه. قال: فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: اذهبْ فإذا رأيتها فقلْ: باسم الله أجيبي رسول الله، قال: فأخذها فحلفتْ أن لا تعود فأرسلها، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما فعل أسيرك؟ قال: حلفتْ أنْ لا تعود. قال: كذبت وهي معاودة للكذب. قال: فأخذها مرَّة أخرى فحلفتْ أن لا تعود فأرسلها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: ما فعل أسيرك؟ قال: حلفتْ أن لا تعود، فقال: كذبت وهي معاودة للكذب فأخذها، فقال: ما أنا بتاركك حتى أذهب بك إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالتْ: إني ذاكرة لك شيئا آية الكرسيِّ اقرأها في بيتك فلا يقر بك شيطان ولا غيره، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما فعل أسيرك؟ قال: فأخبره بما قالتْ: قال صدقتْ وهي كذوبٌ رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب، وتقدم حديث أبي هريرة فيما يقوله إذا أوى إلى فراشه، وستأتي أحاديث في فضلها فيما يقوله دبر الصلوات إن شاء الله. (السهوة) بفتح السين المهملة: هي الطاق في الحائط يوضع فيها الشيء، وقيل هي: الصُّفَّة، وقيل: المخدع بين البيتين، وقيل: هو شيء شبيه بالرفِّ، وقيل: بيت صغير كالخزانة الصغيرة. (قال المملي) كل واحد من هؤلاء يسمي السهوة، ولفظ لحديث يحتمل الكل، ولكن ورد في بعض طرق هذا الحديث ما يرجح الأول. (والغول) بضم الغين المعجمة: هو شيطان يأكل الناس، وقيل: هو من يتلون من الجن. 2 - وعنْ أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه أنَّ أباه أخبره أنَّه كان لهم جرينٌ فيه تمرٌ، وكان مما يتعاهد فيجده ينقص فحرسه ذات ليلةٍ، فإذا هو بدايةٍ كهيئة الغلام المحتلم قال: فسلم فردَّ عليه السلام، فقلتُ ما أنت، جنٌّ أم إنس؟ قال: جنٌّ، فقلت ناولني يدك، فإذا يد كلبٍ، وشعر كلب (¬1)، فقلتُ: هذا خلق الجنِّ، فقال: لقدْ علمت الجنُّ أن ما فيهم من هو أشدُّ مني، فقلت: ما يحملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنَّك الصَّدقة فأحْببتُ أن أصيب من طعامك، فقلت: ما الذي يحرزنا ¬

(¬1) ليس في د (وشعر كلب)

الترغيب في قراءة سورة الكهف أو عشر من أولها أو عشر من آخرها

منكمْ؟ قال هذه الآية، آية الكرسي. قال: فتركته، وغدا أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال صدق الخبيث. رواه ابن حبان في صحيحه وغيره. (الجرين) بفتح الجيم وكسر الراء: هو البيدر. 3 - وعنْ أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا المنذر أيُّ آيةٍ من كتاب الله معك أعظم؟ قُلت: الله لا إله إلا هو الحيُّ القيُّوم (¬1). قال فضرب في صدري وقال: ليهنِّك (¬2) العلمُ أبا المنذر. رواه مسلم وأبو داود. ورواه أحمد وابن أبي شيبة في كتابه بإسناد مسلم، وزاد: والذي نفسي بيده إنَّ لهذهِ الآية لساناً وشفتين تقدِّس الملك عند ساق العرشِ. وتقدم حديث أبي هريرة: لكلِّ شيء سنامٌ، وإنَّ سنام القرآن سورة البقرة، وفيها آية هي سيدة آية آي القرآن. ولفظ الحاكم: سورة البقرة فيها آية سيِّدة آي القرآن لا تقرأ في بيتٍ، وفيه شيطانٌ إلا خرج منه: آية الكرسيِّ. الترغيب في قراءة سورة الكهف أو عشر من أولها أو عشر من آخرها 1 - عنْ أبي الدَّرداء رضي الله عنه أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ ¬

(¬1) قال القاضي عياض: فيه حجة للقول بجواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وتفضيله على سائر كتب الله تعالى. قال: وفيه خلاف للعلماء. فمنع منه أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني، وجماعة من الفقهاء والعلماء، لأن تفضيل بعضه يقتضي نقص المفضول، وليس في كلام الله نقص به، وتأول هؤلاء ما ورد من إطلاق أعظم وأفضل في بعض الآيات والسور بمعنى عظيم وفاضل، وأجاز ذلك إسحاق بن راهوية وغيره من العلماء والمتكلمين قالوا: وهو راجع إلى عظم أجر قارئ ذلك، وجزيل ثوابه، والمختار جواز قول: هذه الآية أو السورة أعظم أو أفضل، بمعنى أن الثواب المتعلق بها أكثر، وهو معنى الحديث، والله أعلم. قال العلماء: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة، وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات، والله أعلم ص 94 جـ 6 نووي. (¬2) أي فلتهنأ بهدية العلم وليفرحك الله به. قال النووي: فيه منقبة عظيمة لأبي المنذر، ودليل على كثرة علمه، وفيه تبجيل العالم فضلاء أصحابه وتكنيتهم، وجواز مدح الإنسان في وجهه إذا كان فيه مصلحة ولم يخف عليه إعجاب ونحوه لكمال نفسه ورسوخه في التقوى.

الترغيب في قراءة سورة يس وما جاء في فضلها

حفظ عشر آياتٍ من أوَّل سورة الكهف عصم (¬1) من الدَّجَّال. رواه مسلم واللفظ له وأبو داود والنسائي، وعندهما: عصم من فتنة الدَّجَّال، وهو كذا في بعض نسخ مسلم. وفي رواية لمسلم وأبي داود: من آخر سورة الكهف. وفي رواية للنسائي: من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف. ورواه الترمذي، ولفظه: من قرأ ثلاث آياتٍ من أوَّل الكهف عصم من فتنة الدَّجَّال (¬2). 2 - وعنْ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ الكهف كما أنزلت كانت له نورا (¬3) يوم القيامة من مقامهِ إلى مكَّة، ومنْ قرأ عشر آياتٍ من آخرها ثمَّ خرج الدجال لمْ يسلَّطْ عليه، ومن توضَّأ ثمَّ قال: سبحانك اللهمَّ وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، كتب فيرقٍ (¬4)، ثمَّ طبع بطابعٍ، فلمْ يكْسرْ إلى يوم القيامة: رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وذكر أن ابن مهدي وقفه على الثوري عن أبي هاشم الرمان. (قال الحافظ): وتقدم باب في فضل قراءتها يوم الجمعة وليلة الجمعة في كتاب الجمعة. (الترغيب في قراءة سورة يس وما جاء في فضلها) 1 - عنْ معقل بن يسارٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلبُ القرآن يس لا يقرؤها رجلٌ يريد الله والدَّار الآخرة إلا غفر الله له، اقرءوها على موتاكمْ (¬5). رواه أحمد وأبو داود والنسائي واللفظ له، وابن ماجه والحاكم وصححه. ¬

(¬1) حفظ. قال النووي: وفي رواية من آخر الكهف، قيل سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات. فمن تدبرها لم يفتتن بالدجال، وكذا في آخرها قوله تعالى: (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي). أهـ ص 93 جـ 6. (¬2) والمعنى أن الله تعالى يحفظه، ويمنع عنه كل كذاب خداع ملبس عليه أمره، ويقيه الباطل وأهله، والدجال هو الذي يظهر في آخر الزمان يدعى الألوهية، وفعال من أبنية المبالغة: أي يكثر منه الكذب والتلبيس. أهـ 13 جـ 1 نهاية. (¬3) سراجا وهاجا يضيء له الظلمات. (¬4) جلد يكتب فيه. قال تعالى: (والطور 1 وكتاب مسطور 2 في ر ق منشور 3) استعير لما كتب فيه الكتاب وتنكيرهما للتعظيم، والمعنى أن الله تعالى يكتب ثواب قوله ويدخره له يوم القيامة. (¬5) أمر صلى الله عليه وسلم أن تتلى سورة يس على الموتى، أو على المحتضر ليتذكر توحيد الله وحسابه: وقلباً أي خالصاً صافياً من قلب النخلة لبها، وخلاصته معاني القرآن في يس، ومجمل رسالته صلى الله عليه وسلم، وثمرات تبليغه فيها.

الترغيب في قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك

2 - وروي عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ لكلِّ شيء قلباً، وقلبُ القرآن يس، ومنْ قرأ يس كتب الله بقراءتها قراءة القرآن عشر مرَّاتٍ. زاد في رواية: دون يس. رواه الترمذي، وقال حديث غريب. 3 - وعنْ جندبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ يس في ليلةٍ ابتغاء وجه الله غفر له. رواه ملك، وابن السني، وابن حبان في صحيحه. (قال المملي) رضي الله عنه: ويأتي في باب ما يقوله بالباب والنهار غير مختص بصباح ولا مساء ذكر سورة الدخان. (الترغيب في قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك) 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ سورةً في القرآن ثلاثون آية شفعت (¬1) لرجلٍ حتى غفر له، وهي: تبارك الذي بيده الملك. رواه أبو داود والترمذي وحسنه واللفظ له، والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وقال صحيح الإسناد. 2 - وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضرب بعض أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خباءه على قبرٍ وهو لا يحسب أنه قبرٌ، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ضربت خبائي على قبرٍ، وأنا لا أحسب أنَّه قبرٌ، فإذا قبرٌ إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي المانعة (¬2). هي المنجِّية (¬3) تنجيهِ (¬4) من عذاب القبر. رواه الترمذي وقال: حديث غريب. 3 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددت (¬5) أنَّها في قلب كلِّ مؤمنٍ: يعني تبارك الذي بيده الملك. رواه الحاكم، وقال: هذا إسناده عند اليمانيين صحيح. ¬

(¬1) طلبت من الله جل وعلا أن يستر ذنوبه ويمحو خطاياه، وقد أجاب الله سبحانه شفاعتها. (¬2) المبعدة العذاب: الواقية الحافظة. (¬3) المزيلة الخوف المطمئنة. (¬4) تؤمنه وتسلمه. (¬5) رجوت أن كل مؤمن يحفظها من ظهر قلب.

الترغيب في قراءة إذا الشمس كورت وما يذكر معها

4 - وعنْ عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: يؤتي الرَّجل في قبره فتؤتى رجلاه، فتقول: ليس لكم على ما قبلي سبيل كان يقرأ سورة الملك، ثمَّ يؤْتي منْ قبل صدره أو قاله بطنه، فيقول: ليس لكمْ على ما قبلي سبيل كان يقرأ في سورة الملك، ثمَّ يؤتي من قبل رأسه، فيقول: ليس لكمْ على ما قبلي سبيل كان يقرأ في سورة الملك، فهي المانعة تمنع عذاب القبر، وهي في التوراة سورة الملك من قرأها في ليلةٍ فقد أكثر (¬1) وأطيب (¬2). رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وهو في النسائي مختصر: من قرأ تبارك الذي بيدهِ الملك كلَّ ليلة منعه الله عزَّ وجلَّ بها من عذاب القبر، وكنَّا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسميها المانعة، وإنها في كتاب الله عزَّ وجلَّ سورة من قرأ بها في كل ليلة فقد أكثر وأطاب. (الترغيب في قراءة إذا الشمس كورت وما يذكر معها) 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ سرَّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنَّه رأى العين (¬3) فليقرأ إذا الشَّمس كوِّرت (¬4)، وإذا السَّماء انفطرت (¬5)، وإذا السماء انشقَّت (¬6). رواه الترمذي وغيره. (قال المملي) رضي الله عنه: لم يصف الترمذي هذا الحديث بحسن، ولا بغرامة وإسناده متصل، ورواته ثقات مشهورون، ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. (الترغيب في قراءة إذا زلزلت وما يذكر معها) 1 - عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا زلزلتْ: تعدل نصف القرآن (¬7)، وقلْ هو الله أحد: تعدل ثلث القرآن (¬8)، ¬

(¬1) جلب الحسنات الكثيرة. (¬2) أحسن وأصاب. (¬3) في ن د: رأي عين. (¬4) لفت، من كورت العمامة: إذا لففتها بمعنى رفعت: أي لف ضوؤها فذهب انبساطه في الآفاق وزال أثره أو ألقيت عن فلكها من طعنه فكوره إذا ألقاه مجتمعا. (¬5) انشقت. (¬6) بالغام كقوله تعالى: (ويوم تشقق السماء بالغمام) وعن علي رضي الله عنه: تنشق من المجرة. (¬7) قراءتها تعدل ثواب قراءة نصف القرآن، لأنها تدل على النفخة الأولى للمحشر، وإخراج ما في جوفها من الدفائن، وسؤال الكافر عن سبب هذا الاضطراب (ما لها). (¬8) أي ثواب قراءتها يساوي ثلث القرآن قراءة.

الترغيب في قراءة ألهاكم التكاثر

وقلْ يا أيها الكافرون: تعدل ربع القرآن. رواه الترمذي والحاكم كلاهما عن يمان بن المغيرة العنزي، حدثنا عطاء عن ابن عباس، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 2 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ منْ أصحابه: هل تزوجت (¬1) يا فلا؟ قال: لا والله يا رسول الله، ولا عندي ما أتزوَّج به. قال: أليس معك قلْ هو الله أحد (¬2) قال: بلى. قال: ثلث القرآن (¬3). قال أليس معك: إذا جاء نصر الله والفتح؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن. قال أليس معك: إذا جاء نصر الله والفتح؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن. قال أليس معك إذا زلزلت الأرض؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن تزوَّج تزوَّج (¬4). رواه الترمذي عن سلمة ابن وردان عن أنس، وقال: هذا حديث حسن انتهى، وقد تكلم في هذا الحديث مسلم في كتاب التمييز، وسلمة يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. (الترغيب في قراءة ألهاكم التكاثر) 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يستطيع أحدكمْ أن يقرأ ألف آيةٍ كلَّ يومٍ؟ قالوا: من يستطيع ذلك؟ قال: أما يستطيع أحدكم أن يقرأ لها كم التكاثر (¬5). رواه الحاكم عن عقبة بن محمد بن نافع عن ابن عمر، ورجال إسناده ثقات إلا أن عقبة لا أعرفه. ¬

(¬1) دخلت على امرأة في نكاح حلال. شأن الرئيس الرءوف برعيته أن يسأل عن أحوال أفرادها. (¬2) ألست تحفظ هذه السورة. (¬3) كأنك فهمت معاني ثلث القرآن، وحويت ثواب تلاوته. (¬4) أمره صلى الله عليه وسلم بالزواج، وجعل مهر عروسه هذا القدر من المهر. (¬5) هذه السورة تشمل قراءتها ثواب من قرأ آية في غيرها لما فيها من اليقظة، وترك الغفلة، والأخذ في الانتباه في العمل الصالح في الدنيا خشية الموت، فلا يجد الغافل العاصي شيئا يقيه من عذاب الله (ألهاكم) شغلكم التباهي بالكثرة حتى متم مضيعين أعماركم في طلب عما هو أهم لكم، وهو السعي لأخراكم، والخطاب مخصوص بكل من ألهته دنياه عن دينه والنعيم بما يشغله.

الترغيب في قراءة قل هو الله أحد

الترغيب في قراءة قل هو الله أحد 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رجلاً يقرأ: هو الله أحد. الله الصَّمد. لمْ يلدْ ولم يولدْ. ولمْ يكن له كفوا أحد (¬1). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبتْ، فسألته ماذا يا رسول الله؟ فقال: الجنَّة، فقال أبو هريرة: فأردتُ أن أذهب إلى الرَّجل فأبشِّره، ثمَّ فرقت أنْ يفوتني الغداء (¬2) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ ذهبت إلى الرَّجل فوجدته قدْ ذهب. رواه مالك واللفظ له والترمذي، وليس عنده قول أبي هريرة فأردت إلى آخره، وقال: حديث حسن صحيح غريب والنسائي، والحاكم وقال صحيح الإسناد. (فرقت) بكسر الراء: أي خفت. 2 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احشدوا (¬3) فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن فحشد منْ حشد، ثمَّ خرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقرأ: قل هو الله أحد ثمَّ دخل. فقال بعضنا لبعض: إنَّا نرى هذا (¬4) خبراً جاءه من السماء فذلك الذي أدخله، ثمَّ خرج نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي قلتُ لكمْ سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلثَ القرآن. رواه مسلم والترمذي. 3 - وعنْ أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: أيعجز أحدكمْ أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن. قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: قل هو الله أحدٌ. تعدل ثلث القرآن. وفي رواية قال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ جزَّأ القرآن بثلاثة أجزاء، فجعل: قلْ هو الله أحدٌ جزءا من أجزاء القرآن. رواه مسلم. ¬

(¬1) قال القاضي. قال المازري: قيل معناه أن القرآن على ثلاثة أنحاء: قصص، وأحكام، وصفات لله تعالى، وقل هو الله أحد متمحضة للصفات، فهي ثلث وجزء من ثلاثة أجزاء، وقيل معناه أن ثواب قراءتها يضاعف بقدر ثواب قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف. أهـ نووي ص 95 جـ 6. (¬2) تناول الطعام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬3) اجتمعوا. (¬4) في رواية مسلم: (إني أرى هذا خير خبر).

4 - وعنْ أبي أيُّوب رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيعجز أحدكمْ أن يقرأ في ليلةٍ ثلث القرآن، من قرأ: الله الواحد الصَّمد. فقد قرأ ثلث القرآن. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. 5 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ رجلاً سمع رجلاً يقرأ: قلْ هو الله أحد يردِّدها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكان الرَّجل يتقالها (¬1)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنها لتعدلُ ثلث القرآن. رواه مالك والبخاري، وأبو داود والنسائي. (قال الحافظ): والرجل القارئ هو قتادة بن النعمان أخو أبي سعيد الخدري من أمه. 6 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ من أصحابه: هل تزوجت؟ قال: لا والله يا رسول الله وما عندي ما أتزوَّج به. قال: أليْس معك قلْ هو الله أحدٌ؟ قال: بلى. قال: ثلثُ القرآن. رواه الترمذي، وقال حديث حسنٌ، وتقدَّم. 7 - وروي عن معاذ بن أنسٍ الجهنيِّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ: قلْ هو الله أحدٌ. حتى يختمها عشر مراتٍ بني الله له قصراً في الجنَّة، فقال عمر ابن الخطَّاب: إذا نستكثر يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله، أكثر وأطيب (¬2). رواه أحمد. 8 - وعنْ عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرَّيةٍ (¬3)، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحدٌ: فلمَّا رجعوا ذكروا ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه (¬4) لأيِّ شيء يصنع ذلك؟ فسألوه. فقال: لأنَّها صفة الرَّحمن، وأنا أحبُّ أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه (¬5) رواه البخاري ومسلم والنسائي. ¬

(¬1) يعدها قليلة بالنسبة لما قرأ. (¬2) أي زد وأحسن واستكثر فالله جدير بكل ثناء وفضله عميم. (¬3) طائفة من الجنة نحو 4000 جندي. (¬4) اسألوه. (¬5) قال المازري: محبة الله تعالى لعباده إرادة ثوابهم وتنعيمهم، وقيل محبته لهم: نفس الإثابة والتنغيم لا الإرادة. قال القاضي: وأما محبهم له سبحانه فلا يبعد فيها الميل منهم إليه سبحانه، وهو متقدس عن الميل =

الترغيب في قراءة المعوذتين

9 - ورواه البخاري أيضاً والترمذي عن أنس أطول منه، وقال في آخره: فلمَّا أتاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال: يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة في كلِّ ركعةٍ؟ فقال: إنِّي أحبها، فقال حُبُّك إيَّاها أدخلك الجنَّة. (قال الحافظ): وفي باب ما يقوله دبر الصلوات وغيره أحاديث من هذا الباب، وتقدم أيضاً أحاديث تتضمن فضلها في أبواب متفرقة. (الترغيب في قراءة المعوذتين) 1 - عنْ عقبة بن عامرٍ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ¬

_ = قال: وقيل محبتهم له استقامتهم على طاعته، وقيل الاستقامة ثمرة المحبة، وحقيقة المحبة له ميلهم إليه لاستحقاقه سبحانه وتعالى المحبة من جميع وجوهها. أهـ ص 96 جـ 6. قال القرطبي: اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أوصاف الكمال لم يوجدوا في غيرها مسور: وهما الأحد والصمد. لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف المال، وبيان ذلك أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه الذي انتهى إليه سؤدده فكان مرجع الطلب منه وإليه، ولايتم ذلك على وجه التحقيق رلا لمن حاز جميع خصال الكمال، وذلك لا يصلح إلا لله تعالى، فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثلثا. أهـ. وقال غيره: تضمنت هذه السورة توجيه الاعتقاد وصدق المعرفة، وما يجب إثباته لله من الأحدية المنافية لمطلق الشركة، والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص، ونفى الولد والوالد المقرر لكمال المعنى، ونفى الكفء المتضمن لنفي الشبيه والنظير، وهذه مجاميع التوحيد الاعتقادي، ولذلك عدلت ثلث القرآن لأن القرآن خبر وإنشاء، والإنشاء أمر ونهي وإباحة، والخبر خبر عن الخالق وخبر عن خلقه فأخلصت سورة الإخلاص الخبر عن الله، وخلصت قارئها عن الشرك الاعتقادي، ومنهم من حمل المثلية على تحصيل الثواب. فقال معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب يحصل للقارئ مثل ثواب من قرأ ثلث القرآن. أهـ. فتح ص 50 جـ 9. وفي البخاري باب قوله (الله الصمد) والعرب تسمى أشرافها الصمد. قال أبو وائل: هو السيد الذي انتهى سؤدده، وفي العيني أشار بهذا إلى أن المعنى الصمد عند العرب الشرف، ولهذا يسمون رؤساءهم الأشراف بالصمد، وعن ابن عباس: هو السيد الذي قد تكمل بأنواع الشرف والسؤدد، وقيل هو السيد المقصود في الحوائج. كفؤا، وكفيئا على وزن فعيل، وكفاء بالكسر على وزن وفعال بمعنى واحد، والكفؤ: المثل والنظير، وليس لله عز وجل كفو ولا مثيل، وقال الثعلبي: أي ليس له أحد كفوا. أهـ ص 9 جـ 20.

(ألم تر آياتٍ أنزلت الليلة لمْ يرَ مثلهنَّ (¬1): قل أعوذ بربِّ الفلقِ، وقُل أعوذ ¬

(¬1) في زيادة الأجر وجليل الفائدة، إذ فيها الاستعاذة بالخالق رب الصبح. قال البيضاوي: وتخصيصه لما فيه من تغير الحال وتبدل وحشة الليل بسرور النور، ومحاكاة فاتحة يوم القيامة، والإشعار بأن من قدر أن يزيل به ظلمة الليل عن هذا العالم قدر أن يزيل عن العائذ به ما يخالفه، وفيها الاستعاذة به سبحانه من جميع خلقه الإنس والجن، وإحراق النار وإهلاك السموم، والكفر، والظلم (غاسق) ليل عظيم ظلامه (وقب) دخل ظلامه في كل شيء (النفاثات) السواحر، أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها، والنفث النفخ مع ريق، وتخصيصه لما روي أن يهوديا سحر النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة في وتر دسه في بئر فمرض النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت المعوذتان، وأخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بموضع السحر فأرسل عليا رضي الله عنه فجاءه به فقرأهما عليه فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد بعض الخفة، ولا يوجد ذلك صدق الكفرة في أنه مسحور لأنهم أرادوا به أنه مجنون بواسطة السحر، وقيل المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعاد من تليين العقد بنفث الريق ليسهل حلها، وإفرادها بالتعريف لأن كل نفاثة شريرة بخلاف كل حاسد وغاسق (حسد) أظهر حسده وعمل بمقتضاه. فإنه لا يعود ضرر منه قبل ذلك إلى المحسود، بل يخص به لاغتمامه بسروره وتخصيصه. لأنه العمدة في إضرار الإنسان بل الحيوان غيره (رب الناس) استعاذ من المضار البدنية، والأضرار التي تعم الإنسان وغيره، وكذا استعاذ بالأضرار التي تعرض للنفوس البشرية فإنه سبحانه يملك أمور الناس ويستحق عبادتهم (الوسواس) الوسوسة (الخناس) الذي عادته أن يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه أهـ. قال النووي: وفيه بيان عظم فضل هاتين السورتين ص 96 جـ 6، وعن أبي هريرة: الفلق جب في جهنم مغطى، وعن كعب: الجب بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل النار من شر حره، وفي البخاري، ويذكر عن ابن عباس: الوسواس إذا ولد المولود خنسه الشيطان. فإذا ذكر الله عز وجل ذهب، وإذا لم يذكر الله ثبت على قلبه. خنسه: أخره، وأزاله عن مكانه لشدة نخسه، وطعنه في خاصرته. أهـ عيني ص 11 جـ 20. والمعوذات: الإخلاص، والفلق، والناس، وفي الفتح، وقد أخرج أصحاب السنن الثلاثة، وأحمد وابن خزيمة وابن حبان من حديث عقبة بن عامر. قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، تعوذ بهن فإنه لم يتعوذ بمثلهن، وفي لفظ: اقرأ المعوذات دبر كل صلاة فذكرهن. أهـ ص 51 جـ 9، وفي البخاري حديثا السيدة عائشة رضي الله عنها. أ - (كان إذا اشتكى صلى الله عليه وسلم يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلماذا اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها). ب - (كان صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات) أهـ. وتقدمت أسماء السور: الكهف. الملك. يس. البقرة. آل عمران، ولنذكر لك غيرها: آية الكرسي. (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم). (سورة الزلزلة) (إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها. بأن ربك أوحى لها. يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). =

برب الناس. رواه مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود، ولفظه قال: ¬

_ = (سورة الكافرون) وقال عز شأنه: (قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين). (سورة التكوير) (إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت. وإذا الجبال سيرت. وإذا العشار عطلت. وإذا الوحوش حشرت. وإذا البحار سجرت. وإذا النفوس زوجت. وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت. وإذا الصحف نشرت. وإذا السماء كشطت. وإذا الجحيم سعرت. وإذا الجنة أزلفت. علمت نفس ما أحضرت. فلا أقسم بالخنس. الجوار الكنس. والليل إذا عسعس. والصبح إذا تنفس. إنه لقول رسول كريم. ذي قوة عند ذي العرش مكين. مطاع ثم أمين. وما صاحبكم بمجنون. ولقد رآه بالأفق المبين. وما هو على الغيب بضنين. وما هو بقول شيطان رجيم. فأين تذهبون. إن هو إلا ذكر للعالمين. لمن شاء منكم أن يستقيم. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين). (سورة التكاثر) (ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر. كلا سوف تعلمون. ثم كلا سوف تعلمون. كلا لو تعلمون علم اليقين. لترون الجحيم. ثم لترونها عين اليقين. ثم لتسألن يومئذ عن النعيم). (سور المعوَّذات) (قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا أحد). (قل أعوذ برب الفلق. من شر ما خلق. ومن شر غاسق إذا وقب. ومن شر النفاثات في العقد. ومن شر حاسد إذا حسد). (قل أعوذ برب الناس. ملك الناس. إله الناس. من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس. من الجنة والناس). قال تعالى: أ - (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا يهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم 52 صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصبر الأمور) 53 من سورة الشورى. ب - (إنه لقرآن كريم 77 في كتاب مكنون 78 لا يمسه إلا المطهرون 79 تنزيل من رب العالمين) 80 من سورة الواقعة. (روحا) القرآن الذي تحيا به القلوب، وتطمئن إليه النفوس، وتستضيء به العقلاء المهتدون (تصير) ترجع كل الأشياء بيد الله القادر المالك. اللهم أهدنا إلى الحق وفقهنا في الدين. (قراءة القرآن كلها منافع، وقراءة سورة يس على الموتى) قد مر عليك فوائد سورة الفاتحة والبقرة، وآل عمران وآية الكرسي وغير أولئك، ونذكر لك نبذة من شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا يس على موتاكم) رواية سيدنا معقل بن يسار رضي الله عنه. رواه أبو داود والنسائي وأحمد. =

كُنتُ أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في السَّفر، فقال يا عقبة: ألا أعلِّمكَ ¬

_ = أي الذين حضرهم الموت فيستأنسون بها لما فيها من ذكر الله، وأحوال البعث والقيامة، والجنة والنار، وما اشتملتا عليه، والتحذير من فتنة الشيطان، ولأنها قلب القرآن كما يأتي في فضل القرآن: أي فالقراءة مشروعة على المحتضر فقط، وليست مشروعة على الأموات. كذا قال جماعة تبعا لعمل السلف الصالح، وهو ظاهر كلام مالك والشافعي وجمهور المذهبين، وقال الإمام أحمد وبعض المالكية، وبعض الحنفية، وبعض الشافعية: إن القراءة مشروعة على الأموات، وينتفعون بها لعموم الحديث، ولعمل الأمة الآن، وهذا هو الظاهر الذي ينبغي الاعتماد عليه الأمور الآتية: أولا: أن لفظ الموتى في الحديث نص فيمن مات فعلا، وتناوله للحي المحتضر مجاز، ولا يأتي المجاز إلا بقرينة ولا قرينة هنا. كذا قاله الشوكاني، وقال المحب الطبري: إن العمل بعموم الحديث هو الظاهر. بل هو الحق لحديث الدارقطني (من دخل القبور فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، ثم وهب ثوابها للأموات أعطى من الأجر بعدد الأموات). ثانيا: أن من حكم القراءة التخفيف، وهو كما يطلب للمحتضر يطلب الميت، ففي مسند الفردوس (ما من ميت يموت فيقرأ عنده يس إلا هون عليه)، وقال الإمام أحمد: كانت المشيخة يقولون إذا قرئت يس لميت خفف الله عنه بها. وثالثا: القياس على قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة وإلا كان تحكما. ورابعا: (السلام) القياس على السلام المطلوب للموتى في زيارة القبور الآتية. فإذا كان الميت يأنس بالسلام الذي هو من كلام البشر، فكيف لا يأنس ويسر بكلام الرحمن جل شأنه؟ وخامسا: أن السكينة والرحمة ينزلان في محل قراءة القرآن، والميت والمحتضر. بل كل مخلوق في أشد الحاجة إلى رحمة الله تعالى. وسادساً: القياس على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل الخلق وأكملهم يرتقي في الكمالات بسبب صلاة الأمة عليه. فكيف لا ينفع الأوات بقراءة القرآن. وسابعا: ما يأتي في فضل القرآن: من أن رجلا كان في سفر مع رفقة، فضرب خباءة على قبر وهو لا يشعر فسمع فيه إنسانا يقرأ (تبارك الذي بيده الملك) حتى ختمها. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر (انظر ص 372) فإذا ثبت قراءة القرآن من الميت في قبره فكيف نمنعها من الحي على القبر؟ بل هو أولى لأفضليته فضلا عما تقدم. فالمانع ليس له دليل، ومعلوم في الشرع أن النفي والإثبات لا بد لهما من دليل ولا دليل له، ولعل مالكا والشافعي لم يصح عندهما هذا الحديث: (اقرءوا يس على موتاكم) وإلا لقالا به لما اشتهر عن الشافعي: إن صح الحديث فهو مذهبي. بل وعمل السلف لا يخصص عموم الحديث، وهذا كله ما لم يوهب ثواب القراءة للميت، وإلا كان نوعا من الدعاء الذي ينتفع به الميت قطعاً لما يأتي في سؤال القبر (استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) ولا يرد قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سمي) لأنها في السابقين، أو هي من العام المخصوص بغير ما ورد كالصدقة والدعاء والقراءة، أو هي في الكافر، وفي هذا إقناع لمن أراد الإنصاف، ومن أراد تأييد مذهب فليذهب كما يشاء. أهـ من كتاب التاج للشيخ منصور ناصف في باب الذكر والدعاء والقرآن عند المحتضر ص 368 جـ 1. وورد في تفسير الشيخ الصاوي قوله صلى الله عليه وسلم: أ - (وما من ميت يقرأ عليه يس إلا هون الله عليه). ب - (إن في القرآن لسورة تشفع لقارئها وتغفر لمستمعها ألا وهي سورة يس، تدعى في التوراة المعمة. قيل =

خير سورتين قرئتا فعلَّمني: قل أعوذ بربِّ الفلق، وقل أعوذ برب الناس، فذكر الحديث.

_ = يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال تعم صاحبها بخير الدنيا، وتدفع عنه أهوال الآخرة، وتدعى أيضاً الدافعة والقاضية قيل: يا رسول الله، وكيف ذلك؟ قال: تدفع عن صاحبها كل سوء، وتقضي له كل حاجة. جـ - (من قرأ يس حين يصبح أعطي يسر يومه حتى يمسي، ومن قرأها في صدر ليلة أعطى يسر ليلة حتى يصبح) أي بتكرارها تصفو مرآة القلب، وترق طبيعته لأنها اشتملت على الوحدانية والرسالة والحشر، والإيمان بذلك متعلق بالقلب فلذلك سميت قلبا، ومن هنا أمر بقراءتها عند المحتضر، وعلى الميت لكونه القلب قد أقبل على الله ورجع عما سواه فليقرأ عنده به قوة ويقيناً. أهـ ص 254 جـ 4. اللهم اجعل القرآن لنا نوراً وشفيعاً، وفهمنا أحكامه ووفقنا للعمل به. (أسماء سورة الإخلاص) أولا: الإخلاص. ثانياً: التنزيل. ثالثاً: التجريد، من تعلق بها تجرد عن الأغيار. رابعاً: التوحيد. خامساً: النجاة، تنجي قارئها من النار. سادساً: الولاية، من تعلق بها أعطاه الله الولاية. سابعاً: الجمال، لدلالتها على جمال الله تعالى: (أي اتصافه بالكمالات، وتنزيهه عن النقائص. ثامناً: المعرفة، من فهمها عرف الله تعالى. تاسعاً: المقشقشة: المبرئة من الشرك والنفاق. عاشراً: المعوذة: المحصنة لقارئها من فتن الدنيا والآخرة. الحادي عشر: الصمد. الثاني عشر: النسبة لقول المشركين انسب لنا ربك. الثالث عشر: الأساس لأنها أصل الدين. الرابع عشر: المانعة: تمنع فتنة القبر وعذاب القبر. الخامس عشر: المحتضر، لأن الملائكة تحضر لاستماعها إذا قرئت. السادس عشر: المنفرة، لأن الشياطين تنفر عند قراءتها. السابع عشر: البراءة لأنها براءة من الشرك. الثامن عشر: المذكرة، تذكر العبد خالص التوحيد. التاسع عشر: النور، لأنها تنور القلب. العشرون: الإنسان: لأنه لا غنى لأحد عنها أهـ صاوي. (القرآن الكريم وأثره في اللغة) القرآن: (كاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) فيه آيات بينات، ودلائل واضحات، وأخبار صادقة، ومواعظ رائعة، وشرائع راقية، وآداب عالية بعبارات تأخذ بالألباب، وأساليب ليس لأحد من البشر بالغاً ما بلغ من الفصاحة والبلاغة أن يأتي بمثلها، أو يفيكر في محاكاتها فهو آية الله الدائمة، وحجته الخالدة (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكم حميد) أنزله الله على رسوله ليبلغه قومه، وهم فحول البلاغة وأمراء الكلام، وأباة الضيم، وأرباب الأنفة والحمية. فبهرهم بيانه، وأذهلهم افتنانه، فاهتدى به من صح نظره واستحصف. (¬1) عقله، ولطف ذوقه وصد عنه (¬2) أهل العناد والمكابرة واللجاج (¬3). فتحداهم. (¬4) أن يأتوا بمثله فنكصوا. (¬5) ثم بعشر سور مثله فعجزوا ثم بسورة من مثله فانقطعوا (¬6) فحق عليهم إعجازه (¬7). = ¬

2 - وفي رواية لأبي داود قال: بينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ = قال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) (¬1) 88 من سورة الإسراء، وقد علمت مما تقدم في حالة اللغة ما كان له من الأثر البين في توحيد اللغة ونشرها، وترقيتها من حيث أغراضها ومعانيها، وألفاظها وأساليبها، ونزيد هنا أنه قد أثر فيها ما لم يؤثره أي كتاب سماوية كان، أو غير سماوي في اللغة التي كانت بها. رذ ضمن لها حياة طيبة وعمرا طويلا وصانها من كل ما يشوه خلقها، ويذوي (¬2) غضارتها (¬3) فأصبحت، وهي اللغة الحية الخالدة من بين اللغات القديمة التي انطمست آثارها، وصارت في عداد اللغات التاريخية الأثرية، وأنه قد أحدث فيها علوما جمة وفنونا شتى لولاه لم تخطر على قلب، ولم يخطها قلم: منها اللغة، والنحو والصرف، والاشتقاق، والمعاني والبديع والبيان، والأدب، والرسم، والقراءات، والتفسير، والأصول، والتوحيد والفقه. (إعجاز القرآن) أجمع المسلمون على أن القرآن معجز، وسلكوا إلى بيان إعجازه طرقا شتى، ونشير هنا إلى نقطة من بحر مما قالوه فهو معجز. أولا: من جهة أغراضه ومقاصده فتجده في كل غرض، وموضوع غ اية من الإبانة والجلاء، ونهاية في الإصابة واطراد الأحكام. فمن تشريع خالدة، وتهذيب بارع وتعليم جامع، وأدب بالغ، وإرشاد شامل، وقصص واعظ، ومثل سائر، وحكمة بالغة، ووعد ووعيد، وإخبار بمغيب إلى غير ذلك من الأغراض والمقاصد، وقد كان فحول البلاغة لا يبرز أحدهم إلا في فن واحد من أنواع القول. فمن يبرع في الخطابة لا ينبغ في الشعر، ومن يحسن الرجز لا يجيد القصيد، ومن يستعظم منه الفخر لا يستعذب منه النسيب، ولأمر ما ضربوا المثل بامرئ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب، والنابغة إذا رهب. ثانياً: من جهة ألفاظه وأساليبه. فلا تجد منه إلا عذوبة في اللفظ، ودمائه في الأساليب، وتجاذبا في التراكيب، وليس فيها وحشي متنافر ولا سوق مبتذل، ولا تعبير عويص، ولا فواصل مستعملة على شيوع ذلك في كلام المفلقين، وأهل الحيطة المتروين حتى إنك لترى الجملة المقتبسة منه في كلام أفصح الفصحاء منهم تكسبه جمالا، وتشمله نورا، وتكسوه روعة وجلالا، إلى إجمال في خطاب الخاصة، وتفصيل في إفهام العامة، وتكنية العربي وتصريح للأعجمي، وغير هذا مما يقصر عن إحصائه الإلمام، ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام. ثالثاً: من جهة معانيه، فإنك تجدها من غير معين العرب الذي منه يستقون لا طراد صدقها وقرب تناولها واطمئنان النفوس إليها، وابتكارها البديع على غير مثال معهود من حجج باهرة، وبراهين قاطعة، وأحكام مسلمة، وتشبيهات رائعة على نماذج وتواصل، وبراءة من التقاطع والتدابر، وهو في جملته نزهة النفوس، وشفاء الصدور. وهو الكتاب الخالدة الذي لا تبديل لكلماته، ولا ناسخ لأحكامه ولا ناقض لحكمه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) 9 من سورة الحجر. (جمع القرآن وكتابته) نزل القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجما على حسب الوقائع ومقتضيات الأحوال في بضع وعشرين سنة، وكان عليه الصلاة والسلام يأمر كتاب وحيه بكتابة ما ينزل فكانوا يكتبونه بين يديه = ¬

بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ = في عسب (¬1) أو لخاف (¬2) أو أكناف (¬3) وهو يرشدهم إلى موضع كل آية من السورة التي ينبغي أن تكون فيها، وفي صحيح البخاري: أن جبريل كان يعارض (¬4) النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن كل عام مرة، وأنه عارضه به مرتين في العام الذي توفي فيه، وفي الإتقان (¬5) للسيوطي: أن زيد بن ثابت أكبر كتاب الوحي. شهد العرضة الأخيرة التي بين فيها ما نسخ وما بقي، وكتبها للرسول صلى الله عليه وسلم وقرأها عليه، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمع القرآن، وولاه عثمان كتابه المصاحف. وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن كله مكتوب، وفي صدور الصحابة محفوظ، وإن لم يتفقوا في حفظه وترتيبه لأسباب شتى، ولما رأى عمر رضي الله عنه أن القتل قد استحرّ (¬6) بالحفاظ في وقعة اليمامة (¬7) حتى قتل منهم سبعمائة أشفق من ضياع القرآن. فذهب إلى أبي بكر وأخبره الخبر، وبعد أخذ ورد اتفقا على جمع القرآن وكتابته، وعهدا بذلك إلى زيد بن ثابت فجمعه من العسب واللخاف، والأكتاف والصدور، وكتبه صحفا، فكانت تلك الصحف عند أبي بكر حياته، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر. وفي مدة عثمان كثرت الفتوح وانتشر القراء في الأمصار، وقرءوا القرآن بلغاتهم على تعددها، وأدى ذلك إلى تخطئة بعضهم بعضا فخشي عثمان تفاقهم (¬8) أمر فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوا تلك الصحف في مصحف واحد مرتب السور، واقتصر فيه من جميع اللغات على لغة قريش لنزوله بلغتهم. أهـ ص 100 من الوسيط في الأدب العربي، وتاريخه تأليف أستاذي الشيخ أحمد الأسكندري والشيخ مصطفى عناني. وقد قال القرطبي في مقدمة تفسير القرآن: جعل الله أمثاله عبرا لمن تدبرها، وأوامره هدى لمن استبصرها، وشرح فيه واجبات الأحكام، وفرق فيه بين الحلال والحرام، وكرر فيه المواعظ والقصص للأفهام، وضرب فيه الأمثال، وقص فيه غيب الأخبار. فقال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) خاطب به أولياءه ففهموا وبين لهم فيه مراده فعلموا. فقراء القرآن حملة سر الله المكنون، وحفظة علمه المخزون، خلفاء أنبيائه، وأمناؤه وهم أهله فيه مراده فعلموا. فقراء القرآن حملة سر الله المكنون، وحفظه علمه المخزون، خلفاء أنبيائه، وأمناؤه وهم أهله وخاصته، وخيرته وأصفياؤه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أهلين منا. قالوا يا رسول الله من هم؟ قال: هم أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) أخرجه ابن ماجه في سننه، وأبو بكر البزار في مسنده. فما أحق من علم كتاب الله أن يزدجر بنواهيه، ويتذكر ما شرح له فيه، ويخشى الله ويتقيه ويراقبه ويستحييه. فإنه قد حمل أعباء الرسل، وصار شهيدا في القيامة على من خالف من أهل الملل. قال الله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) ألا وإن الحجة على من علمه فأغفله أوكد منها على من قصر عنه وجهله، ومن أوتي علم القرآن فلم ينتفع، وزجرته نواهيه فلم يرتدع، وارتكب من المآثم قبيحا، ومن الجرائم فضوحا كان القرآن حجة عليه وخصما لديه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (القرآن حجة لك أو عليك) أخرجه مسلم. فالواجب على من خصه الله بحفظ كتابه أن يتلوه حتق تلاوته، ويتدبر حقائق عبارته، ويتفهم عجائبه ويتبين غرائبه. قال الله تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته) وقال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) جعلنا الله ممن يرعاه حق رعايته. = ¬

يتعوَّذ بأعوذ بربِّ الفلق، وأعوذ بربِّ الناس ويقول: يا عقبة تعوَّذْ بهما، فما تعوَّذ ¬

_ = ويتدبره حق تدبره، ويقوم بقسطه ويوفي بشرطه، ولا يلتمس الهدى في غيره، وهدانا لأعلامه الظاهرة وأحكامه القاطعة الباهرة، وجمع لنا به خيري الدنيا والآخرة. فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة، ثم جعل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان ما كان منه مجملا، وتفسير ما كان منه مشكلا، وتحقيق ما كان منه محتملا ليكون له مع تبليغ الرسالة ظهور الاختصاص به ومنزلة التفويض إليه. قال الله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) ثم جعل إلى العلماء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم استنباط ما نبه على مانيه، وأشار إلى أصول ليتوصلوا بالاجتهاد فيه إلى علم المراد. فيمتازوا بذلك عن غيره، ويختصوا بثواب اجتهادهم. قال الله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) فصار الكتاب أصلا، والسنة له بيانا، واستنباط العلماء إيضاحا وتبيانا. أهـ ص 6 جـ 1. (قارئ القرآن وواجباته عند القراءة) أولاً: (يتغنى بالقرآن) أي يمد في قراءته ويرتلها، أو يستغني به عما سواه كما ذهب إليه البخاري. قال تعالى: (أو لم يكفهم أنا أنزلنا الكتاب يتلى عليهم) وقيل معنى (يتغنى به) يتحزن به: أي يظهر على قارئه الحزن الذي هو ضد السرور عند قراءته وتلاوته، ولذا كان صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره أزير كأزير المرجل من البكاء. الأزيز: صوت الرعد وغليان القدر. ثانياً: الترتيل في القراءة: التأني فيها والتمهل، وتبيين الحروف والحركات تشبيها بالنغم المرتل، وهو المشبه بنور الأقحوان، وهو المطلوب في قراءة القرآن: قال الله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا) 4 من سورة المزمل. ثالثاً: اجتناب الرياء وتحذير أهل القرآن والعلم منه. أ - قال سفيان بن عيينة بلغنا عن ابن عباس أنه قال: (لو أن حملة القرآن أخذوه بحقه وما ينبغي لأحبهم الله، ولكن طلبوا به الدنيا فأبغضهم الله وهانوا على الناس. ب - وروي عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله تعالى: (فكبكبوا فيها هم والغاوون) قال قوم وصفوا الحق والعدل بألسنتهم وخالفوه إلى غيره ص 17 جـ 1 قرطبي. رابعاً: ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه بقراءة القرآن في ليله ونهاره في الصلاة، أو في غير الصلاة لئلا ينساه (كالإبل المعلقة) ويصون نفسه عن الشبهات، ويتواضع للفقراء، ويتحلى بالحلم والوقار، والرفق والأدب، ويؤمن شره ويرجي خيره، ويتعلم أحكام القرآن. قال تعالى: (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب) ولذا قال الضحاك: حق على كل من تعلم القرآ أن يكون فقيها ص 18 جـ 1. (ما يلزم قارئ القرآن وحامله من تعظيم القرآن وحرمته، كما ذكرها القرطبي) ألا يمسه القارئ إلا طاهرا، وأن يقرأ وهو على طهارة، وأن يستاك ويتخلل فطيب فاه، وأن يلبس كما يلبس للدخول على الأمير لأنه مناج، وأن يستقبل القبلة لطهارته، وأن يتمضمض كلما تنخع، وإذا تثاءب يمسك عن القراءة لأنه إذا قرأ فهو مخاطب ربه ومناج، والتثاؤب من الشيطان، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند ابتدائه للقراءة، ويقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وإذا أخذ في القراءة لم يقطعها ساعة فساعة بكلام الآدميين من غير ضرورة، وأن يخلو بقراءته حتى لا يقطع عليه أحد بكلامه فيخلطه بجوابه، وأن يقرأ على تؤدة وترسل وترتيل، وأن يستعمل ذهنه وفهمه حتى يعقل ما يخاطب به، وأن يقف على آية الوعد فيرغب إلى الله تعالى =

متعوِّذ بمثلهما. قال: وسمعته يؤُمُّنا بهما في الصلاة. ¬

_ = ويسأله من فضله، وأن يقف على آية الوعيد فيستجير بالله منه، وأن يتأمل في أمثاله فيمتثلها، وأن يلتمس غرائبه وأن يؤدي بكل حرف حقه من الأداء حتى يبرز الكلام باللفظ تماما فإن له بكل حرف عشر حسنات، وإذا انتهت قراءته يصدق ربه، ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويشهد على ذلك أنه حق فيقول: صدقت ربنا، وبلغ رسولك، ونحن على ذلك من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط، ثم يدعو بدعوات، وإذا قرأه لا يلتقط الآي من كل سورة فيقرأ (أي يقرأ على السور) وإذا وضع الصحيفة لا يتركه منشورا، ولا يضع فوقه شيئاً من الكتب حتى يكون أبدا عاليا، وأن يضعه في حجره إذا قرأه، أو على شيء بين يديه ولا يضعه بالأرض، وألا يمحوه من اللوح بالبصاق بل يغسله بالماء ويتوفى النجاسات، وكان السلف الصالح يستشفي بغسالته، وألا يتخذ الصحيفة وقاية للكتاب، وألا يخلي يوما من أيامه من النظر في المصحف مرة، وأن يعطي عينيه حظهما منه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطوا أعينكم حظها من العبادة. قالوا يا رسول الله وما حظها من العبادة؟ قال: النظر في المصحف والتفكير فيه والاعتبار عند عجائبه) وألا يتأوله عندما يعرض له شيء من أمر الدنيا: أي إذا جاءك أحد فلا تقل (جئت على قدر يا موسى) أو (كانوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) وألا يتلى منكوسا كفعل معلمي الصبيان، وألا يقعر في قراءته، وألا يقرأه بألحان الغناء كلحون أهل الفسق، ولا بترجيع النصارى ولا نوح والرهبانية وأن يجلل تخطيطه إذا خطه، وألا يجهر بعض على بعض في القراءة فيفسد عليه حتى يبغض إليه ما يسمع كهيئة المغالبة، وألا يماري أو يجادل فيه في القراءات، وألا يقرأ في الأسواق ولا في مواطن اللغط واللغو ومجمع السفهاء. ألاترى أن الله تعالى ذكر عباد الرحمن، وأثنى عليهم بأنهم رذا مروا باللغو مروا باللغو مرورا كراما هذا لمروره بنفسه فكيف إذا مر بالقرآن الكريم تلاوة بين ظهراني أهل اللغو ومجمع السفهاء، وألا يتوسد المصحف ولا يعتمد عليه، ولا يرمي به إلى صاحبه إذا أراد أن يناوله، وألا يصغر المصحف (مصيحف كمسيجد) وألا يخلط فيه ما ليس منه، وألا يحلى بالذهب ولا يكتب بالذهب فتخلط به زينة الدنيا. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدبار عليكم): الدبار الهلاك، وألا يكتب على الأرض ولا على حائط كما يفعل بهذه المساجد المحدثة. مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب في أرض. فقال لشباب من هذيل: ما هذا؟ قال من كتاب الله كتبه يهودي. فقال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من فعل هذا لا تضعوا كتاب الله إلا موضعه) ورأى عمر بن عبد العزيز ابناً له يكتب القرآن على حائط فضربه، وأن يفتتحه كلما ختمه حتى لا يكون كهيئة المهجور كما كان صلى الله عليه وسلم إذا ختم يقرأ من أول القرآن قدر خمس آيات لئلا يكون في هيئة المهجور، ويستحب له إذا ختم القرآن أن يجمع أهله (أي دعا) وألا يكتب التعاويذ منه، ثم يدخل في الخلاء به إلا أن يكون في غلاف من أدم: أي جلد أو فضة أو غيره فيكون كأنه في صدرك، وإذا كتبه وشربه سمي الله تعالى على كل نفس وعظم النية فيه. فإن الله تعالى يعطيه على قدر نيته، وعن أبي جعفر قال: من وجد في قلبه قساوة فليكتب يس في جام بزعفران ثم يشربه. أهـ ص 26 جـ 1. قال تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) وفي صفحة 77 جـ 1 من كتاب الترغيب والترهيب كتبت في الفتح الجديد ما فهمته من فقه الأحاديث الواردة، وأرجو أن أرضي ربي جل وعلا، وحبيبه صلى الله عليه وسلم، ومعاذ الله أن أحرم حلالا أو أحلل حراما، ولأذكر ما أتحفنا به أصحاب الفضيلة السادة العلماء: أ - من محاضرة أستاذنا العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية سابقاً. =

3 - ورواه ابن حبان في صحيحه، ولفظه: قلت يا رسول الله: أقرئني آياً من سورة ¬

_ = قال حفظه الله تعالى: قد علمت أن الذي يسمع من الكلام بواسطة تلك الآلة المسماة بالراديو ألفاظ وكلمات حقيقة، وليست صدى كلمات كالذي يسمع في الجبال وغيرها. فإن الصدى هو انعكاس سماع المسموع فيسمع مرة ثانية كانعكاس أشعة البصر التي بها تبصر الصورة في المرأة وحينئذ إذا كانت الألفاظ المسموعة ألفاظا قرآنية فهي قرآن حقيقة، وهي كلام الله كالذي سمعه موسى عليه السلام بلا واسطة، أو بواسطة الشجرة، وإنما كانت كلام الله، لأن الكلام إنما ينسب للمتكلم باعتبار ترتبه إياه أزلا بلا حرف ولا صوت، إما في نفسه كما في كلام البشر. فإن الإنسان يرتب كلام نفسه بلا حرف ولا صوت بملكته التي تسمي كلام أيضا، وهي ضد الجرس الباطني، ثم يتكلم به أو يكتبه لأجل التفهيم والتفهم حتى لو اطلع غيره على ما في نفسه لفهم معنى الكلمات التي في نفسه دون حاجة إلى تكلم، ولا كتابة ولا غير ذلك مما يحتاج إليه في التفهيم والتفهم، وإما في علمه أزلا كما في كلام الله تعالى فإنه أزلا رتب كلامه الأزلي في علمه بلا حرف ولا صوت بصفته الأزلية المسماة كلاما أيضا، وهي صفة واحدة ذاتية له تعالى يقال فيها ما قيل في سائر الصفرات من القدرة والإرادة الخ، ثم يبرزه كلمات لفظية مرتبة على وفق ترتيب الكلمات النفسية لأجل التفهيم والتفهم. فالحادث هو اللفظ لا الملفوظ. فكان أن كلام زيد الذي رتبه في نفسه ينسب إليه بهذا الاعتبار ولو تكلم به غيره، كذلك كلام الله ينسب إليه تعالى باعتبار أنه رتبه في علمه أزلا ولو تكلم به ألف متكلم وتلك الكلمات اللفظية هي التي نزل بها جبريل عليه السلام، وأقرأها لمحمد صلى الله عليه وسلم باعتبار أن الله تعالى أجراها على لسان جبريل عليه السلام بدون تدخل في ذلك لأحد ليكون ذلك دليلا على الكلمات الأزلية النفسية. يفهم منها ما يفهم من الكلمات النفسية فهي كلام الله تعالى أيضا، وهي القرآن بقطع النظر عمن صدرت عنه أو سمعت منه، ومتى علمت أن الذي يسمع من ألفاظ القرآن بواسطة الراديو هو قرآن حقيقة، وهو كلام الله تعالى بلا شك. نقول إذا صدرت تلك الكلمات القرآنية بواسطة الراديو هو قرآن حقيقة، وهو كلام الله تعالى بلا شك. نقول إذا صدرت تلك الكلمات القرآنية بواسطة الراديو مستوفية للشروط وأحكام التجويد من مد وغنة: وتفخيم وترقيق، وإخفاء وإظهار، وفك وادغام، ووصل ووقف بحيث تخرج الحروف من مخارجها، ويستعمل ذلك في موضعه دون إسراع، وإفراط في المد، وإشباع الحركات حتى يتولد من الفتحة ألف، ومن الضمة واو، ومن الكسرة ياء، أو إدغام في غير موضعه. نقول إذا صدرت تلك الكلمات القرآنية بواسطة الراديو دون خلل في القراءة، ومع مراعاة أحكام التجويد، ولو لم يقصد القارئ التعبد بتلاوتها، وإسماعيل للعظة والاعتبار والتدبر، وفي محل غير ممتهن. فلا شك في الجواد، وفي أن كلا من القراءة والسماع عبادة. أما إذا اختلت حروف تلك الكلمات ولم تصدر مستوفية لما ذكرناه، أو قصد بقراءتها وإسماعيل اللهو واللعب، والعبث والتلهي مثلا، أو كانت في محل ممتهن كالخمارات والقهاوي، وأماكن الرقص ومواضع الملاهي، وفي كل موطن لا يليق قراءة القرآن فيه ولا سماعه. فلا شك في منع ذلك وعدم جوازه لأن ذلك استهزاء وإخلال بكلمات الله جل شأنه، ولما كان المسموع من الراديو هو صوت إنسان ذي قصد وشعور: والمسموع هو القرآن دون محاكاة، ولا صدى لصوته. فله كل حكم يتعلق بسماع القرآن بغير راديو وحينئذ يجب على سامع آية السجدة أو يسن له سجود التلاوة يفعله متى أمكنه ذلك. وبالجملة فوجوب سجود التلاوة عند سماع آية السجدة، أو سنيته يتوقف بعد كون المسموع قرآنا على شروط قد تكفلت ببسطها كتب الفقه الإسلامية، وقد يقال: قد لا يجب سجود التلاوة إذا سمعت آية السجدة من مكان بعيد لم تجر العادة بسماع الصوت منه قياسا على رؤية هلال رمضان حيث لا يجب الصوم إذا رآه حاد البصر جدا وإنما يجب إذا رآه معتدل البصر وهو وجه وجيه، إلا أن الأحوط أن يسجد عند الإمكان وهو الأفضل، وحيث كانت القراءة =

هودٍ، وآياً من سورة يوسف، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: يا عقبة بن عامر، إنَّك لن تقرأ سورة أحبَّ إلى الله، ولا أبلغ عنده من أن تقرأ: قلْ أعوذ برب الفلق. فإن استطعت أن لا تفوتك في الصلاة فافعلْ. ورواه الحاكم بنحو هذه. صحيح الإسناد، وليس عندهما ذكر: قلْ أعوذ بربِّ الناس. ¬

_ = صحيحة على الصورة المتقدمة. فإن الاستماع حينئذ يكون عبادة يثاب عليها المستمع فحينئذ يطلب الاستماع من كل إنسان مكلف لقوله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعكلم ترحمون) أي أقصدوا سماعه مع إنصات وعدم كلام، ولعب وشرب دخان في مجلسه. إذ أن مجلس قراءة القرآن أو سماعه هو مجلس مناجاة العبد لربه، والمخلوق لخالقه الذي له ملك السماوات والأرض، وقال في ص 35: وأما الخلل الذي يقع في الراديو فيؤثر على القراءة سواء كان مصدره الاضطرابات الجوية، أو سواء أدب التالي أو سوء قصد المذيع والمستعمل للجهاز، أو جاء من ناحية المستمع، أو تسبب عنه امتهان للقرآن الكريم. فهو منكر تجب إزالته، ويدخل حكمه تحت باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهما فريضتان على جماعة المسلمين: فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الطلب عن الباقين، وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع وارتكب كل فرد وزرا ومعصية. تلك كلمة نقلتها من مجلة الإرشاد لسان حال أئمة المساجد والوعاظ للسنة الأولى غرة ربيع الثاني سنة 1352 هـ العدد الثاني عشر صفحة 230. (سماع القرآن من الراديو كما في باب الفتاوى والأحكام) إن الذي يسمع من الكلام بواسطة الراديو هو كلام المتكلم وصوت القارئ، وليس صدى كلمات كالذي يسمع في الجبال والصحاري وغيرها، وعلى هذا يكون المسموع من الراديو قرآنا حقيقة، فمتى كان القارئ جالسا في محل غير ممتهن، وكان في قراءته مراعيا ما تجب مراعاته، مستوفيا شروط القراءة، وليس في قراءته خلل كانت قراءته جائزة، والمسموع منه قرآنا سماعه جائز ومثاب عليه. أما إذا لم يستوف الشروط كأن جلس في محل ممتهن، أو أخل بشرط من القراءة، أو قصد من قراءته اللهو واللعب فلا تجوز: ولا يضر القارئ متى كان مستوفيا الشروط، مراعيا أحكام التجويد، وكان على الوصف الذي قدمنا أن يسمع صوته في محل لا يجوز القراءة فيه، وعلى السامع أن يستمع، وإذا وجد من يشوش نهاه عن التشويش، ومثل القراءة غيرها في أن المسموع هو نفس المتكلم. فإن كان مغنيا فحكمه حكم الغناء، وإن تكلم بما هو مباح فحكمه الإباحة، وإن تكلم بمحرم كان ذلك محرما والله أعلم. أهـ من مجلة نور الإسلام ص 358 المجلد الرابع سنة 1352 لفضيلة الأستاذ المرحوم الشيخ طه حبيب رحمه الله تعالى. وفي كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك تأليف الشيخ أحمد الصاوي على شرح سيدي أحمد الدردير نفعنا الله ببركتهما، وأعاد علينا من نفحاتهما ص 142 جـ 1 إرشاد السيد الملطي بك مدير الضرائب. أما قراءة القرآن على الأبواب وفي الطريق قصدا لطلب الدنيا فحرام، ولا يجوز الاعطاء لفاعل ذلك لما فيه من الإعانة على المحرم. لا سيما في مواضع الأقذار. فكادت أن تكون كفروا، والرضا بها من أولى الأمر ضلال مبين. أهـ. وإني أريد أن يحترم المسلمون كتابهم العزيز، ويقبلوا على تعاليمه ليعلموا، ويتحلوا بآدابه، ويهجر واللغو أثناء قراءته عسى الله أن يرحمنا جميعا، ويظلنا بالسكينة ويرأف ويرأف بنا ويوفقنا. وأقول كما قال القرطبي: فالحمد لله الذي جعل صدورنا أوعية كتابه، وآذاننا موارد سنن نبيه، وهممنا مصروفة إلى تعلمهما، والبحث عن عرائبهما. طالبين بذلك رضا رب العالمين، ومتدرجين به إلى علم الملة والدين.

كتاب الذكر والدعاء

4 - وعنْ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ يا جابر، فقلتُ: وما أقرأ بأبي أنت وأمي؟ قال: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ بربِّ النَّاس فقرأتهما، فقال: اقرأ بهما، ولنْ تقرأ بمثلهما. رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه، وسيأتي ذكرهما في غير هذا الباب إن شاء الله تعالى. (كتاب الذكر والدعاء) (الترغيب في الإكثار من ذكر الله سرَّا وجهرا والمداومة عليه وما جاء فيمن لم يكثر ذكر الله تعالى) 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: أنا عند ظنِّ عبدي بي (¬1)، وأنا معه (¬2) إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه (¬3) ذكرته في نفسي (¬4) وإنْ ذكرني في ملأ (¬5) ذكرته في ملأٍ (¬6) خير منهمْ، وإن تقرَّب إليَّ شبراً (¬7) تقرَّبت إليه ذراعاً (¬8)، وإن تقرَّب إليَّ ذراعاً ¬

(¬1) أي مع اعتقاد عبدي بي: قال الشرقاوي: فإن ظن أن أعفو عنه وأغفر له فله ذلك، وإن ظن أني أعاقبه وأؤاخذه فكذلك، وفيه إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف، وقيده أهل التحقيق بالمحتضر، وأما قبل ذلك فأقوال: ثالثها الاعتدال، فينبغي للمرء أن يجتهد بقيام وظائف العبادات موقنا بأن الله تعالى يقبله ويغفر له لأنه وعد بذلك، وهو لا يخلف الميعاد. فإن اعتقد أو ظن خلاف ذلك فهو آيس من رحمة الله تعالى، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وكل إلى ظنه. وأما ظن المغفرة مع الإصرار على المعصية فذلك فحض الجهل والغرة. أهـ ص 387 جـ 3. (¬2) بالتقديس سرا والتنزيه والإجلال. (¬3) بالتقديس سرا والتنزيه والإجلال. (¬4) ذكرته بالثواب والرحمة سرا. (¬5) جماعة يذكرون الله جل وعلا. (¬6) الملأ الأعلى. قال الشرقاوي: ولا يلزم منه تفضيل الملائكة على بني آدم لاحتمال أن يكون المراد بالملأ الذين هم خير من ملأ الذاكرين الأنبياء والشهداء فلم ينحصر ذلك في الملائكة، وأيضا فإن الخيرية إنما حصلت بالذاكر والملأ. فالجانب الذي فيه رب العزة خير من الملأ الذي لليس فيه بلا ارتياب، فالخيرية حصلت بالمجموع على المجموع أهـ. (¬7) مقدار شبر. (¬8) مقدار ذواع. والمراد تفسير درجة قرب الله تعالى ورحمته.

تقرَّبت إليه باعاً (¬1)، وإن أتاني يمشي أتيته هرولةً (¬2). رواه البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي وابن ماجه. ورواه أحمد بنحوه بإسناد صحيح، وزاد في آخره قال قتادة: والله أسرع بالمغفرة. 2 - وعن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله جلَّ ذكره: لا يذكرني عبد في نفسه إلا ذكرته في ملأٍ من ملائكتي (¬3)، ولا يذكرني في ملأٍ إلا ذكرته في الملأ الأعلى (¬4) رواه الطبراني بإسناد حسن. 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إذا ذكرتني خاليا (¬5) ذكرتك خاليا (¬6)، وإذا ذكرتني في ملأٍ ذكرتك في ملأٍ خير من الذين تذكرني فيهمْ رواه البزار بإسناد صحيح. 4 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني، وتحرَّكتْ بي شفتاه. رواه ابن ماجه، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه. 5 - وعنْ عبد الله بن بسرٍ رضي الله عنه: أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله إنَّ شرائع الإسلام قد كثرتْ فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث به؟ قال: لا يزال لسانك رطباً (¬7) من ذكر الله. رواه الترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. (أتشبث به): أي أتعلق. ¬

(¬1) مقدار باع، وهو طول ذراعي الإنسان وعضديه وعرض صدره. (¬2) إسراعا. قال الشرقاوي: يعني من تقرب إلى بطاعة قليلة جازيته بمثوبة كثيرة، وكلما زاد في الطاعة زدت في ثوابه، وإن كان كيفية إتيانه بالطاعة على التأني فإتياني له بالثواب على السرعة والتقرب، والهرولة مجاز على سبيل المشاكلة، أو الاستعارة، أو قصد إرادة لوازمها، وإلا فهذه الإطلاقات، وأشباهها مستحيلة على الله تعالى على سبيل حقيقة، وفي الحديث جواز إطلاق النفس على الذات فهو إذن شرعي في إطلاقها عليها، أو يقال هو بطريق المشاركة، لكن يعكر عليه قوله تعالى: (ويحذركم الله نفسه). أهـ. (¬3) الأبرار المطهرون الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. (¬4) في الملأ الأعلى ص 501، وفي ن ط: في الرفيق الأعلى، وفي ن د: في الرفيق الأعلى، وفي النهاية: يريد الملائكة المقربين. والملأ: أشراف الناس ورؤساؤهم ومقدموهم الذين يرجع إلى قولهم والجمع أملاء. (¬5) في مكان وحدك بعيدا عن الناس. (¬6) أحسنت إليك وحدك وغمرتك بنعمي. (¬7) مبللا لا ينفك. يذكر الله جل وعلا، والمعنى كثير المرور على لسانك لا يغفل قلبك عن ذكر الله لحظة.

6 - وعنْ مالك بن يخامر أنَّ معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال لهمْ: إنَّ آخر كلامٍ فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قُلتُ: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني واللفظ له، والبزار إلا أنه قال: أخبرني بأفضل الأعمال، وأقر بها إلى الله. وابن حبان في صحيحه. 7 - وعنْ أبي المخارق رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسري بي برجلٍ مغيَّبٍ في نور العرش. قلتُ من هذا؟ أهذا ملك: قيل: لا، قُلتُ: نبيٌّ؟ قيل لا. قلت: من هو؟ قال: هذا رجلٌ كان في الدنيا لسانه رطب من ذكر الله، وقلبه معلَّق بالمساجد (¬1)، ولمْ يسْتسب (¬2) لوالديه. رواه ابن أبي الدنيا هكذا مرسلاً. 8 - وعنْ سالم بن أبي الجعد رضي الله عنه قال: قيل لأبي الدَّرداء رضي الله عنه: إنَّ رجلاً أعتق مائة نسمةٍ قال: إن مائة نسمةٍ من مال رجلٍ لكثيرٌ، وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار، وأن لا يزال لسان أحدكمْ رطباً من ذكر الله. رواه ابن أبي الدنيا وموقوفاً بإسناد حسن. 9 - وعنْ أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبِّئكمْ بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككمْ، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ من إنفاق الذَّهب والورق، وخيرٍ لكمْ من أن تلقوا عدوَّكمْ فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكمْ؟ قالوا: بلى قال: ذكر الله. قال معاذ بن جبلٍ: ما شيءٌ أنجي منْ عذاب الله من ذكرِ الله. رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا والترمذي، وابن ماجه والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ورواه أحمد أيضاً من حديث م عاذ بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعا. 10 - وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه ¬

(¬1) محب عمرانها يعني يصل الفرائض في أوقاتها، ويعتكف فيه، ويحافظ على جماعته ويصلح شئونه. (¬2) لم يسب ولم يشتم، ولم يعق.

كان يقول: إنَّ لكلِّ شيءٍ صقالة (¬1)، وإن صقالة القلوب ذكر الله، وما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولوْ أنْ يضرب بسيفهِ حتى ينقطع. رواه ابن أبي الدنيا، والبيهقي من رواية سعيد بن سنان، واللفظ له. 11 - وروي عنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيُّ العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال الذَّاكرون الله كثيراً. قال: قلت يا رسول الله: ومن الغازي (¬2) في سبيل الله؟ قال: لو ضرب بسيفهِ في الكفار والمشركين حتى ينكسر، ويختضب (¬3) دما لكان الذاكرون الله كثيرا أفضل منه درجةً. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب. ورواه البيهقي مختصراً. قال: قيل يا رسول الله أيُّ الناس أعظم درجة؟ قال الذاكرون الله. 12 - وعن ابن عباس رضي الله عنما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عجز منكمْ عن الليل أن يكابده (¬4)، وبخل (¬5) بالمال أن ينفقه، وجبن (¬6) عن العدوِّ أن يجاهده فليكثر ذكر الله. رواه الطبراني والبزار واللفظ له، وفي سنده أبو يحيى القتات، وبقيته فليكثرْ ذكر الله. رواه الطبراني والبزار واللفظ له، وفي سنده أبو يحيى القتات، وبقيته محتجّ بهم في الصحيح، ورواه البيهقي من طريقه أيضاً. 13 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما عمل آدميٌّ عملاً أبحى له من العذاب من ذكر الله تعالى (¬7) قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع. رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورجالهما رجال الصحيح. 14 - وعن الحارث الأشعريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله أوْحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلماتٍ أن يعمل بهنَّ، ويأمر ¬

(¬1) جلاء ونظافة. وفي المصباح: صقلت السيف صقلا وصقالا: جلوته. وفي النهاية، ويروي بالسين عن الإبدال من الصاد. كذ ع ص 502، وفي ن د، وفي ن ط: صقالة، والمعنى الاكثار من حمد الله وتكبيره وتوحيده، يزيل صدأ القلب، ويجلو رانه ويبعد ضلاله. (¬2) المجاهد. (¬3) يبل، على طريق الاستعارة: أراد المبالغة بسيلان دمه بكثرة، من شجاعته وهجرته على أعدائه لا يخشى الموت. (¬4) يتهجد ويعبد الله في السحر. (¬5) منع المال في تشييد الخيرات بالإنفاق. (¬6) لم يحارب في سبيل الله. (¬7) ذكر الله تعالى يمنع عنه العذاب.

بني إسرائيل أن يعملوا بهنَّ فكأنَّما أبْطأ بهنَّ، فأتاه عيسى فقال: إنَّ الله أمرك بخمس كلماتٍ أن تعمل بهنَّ، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنَّ، فإمَّا أن تخبرهمْ، وإما أن أخبرهم، فقال: يا أخي لا تفعل فإنِّي أخاف إنْ سبقتني بهنَّ أن يخسف بي، أوْ أعذَّب (¬1). قال: فجمع بني إسرائيل بيت المقدس حتى امتلأ المسجد، وقعدوا على الشُّرفات ثمَّ خطبهمْ فقال: إنَّ الله أوحى إليَّ بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمر بني إسرائيل أن يعملوا بهنَّ، أولهنَّ: لا تشركوا بالله شيئاً (¬2)، فإنَّ مثل من أشرك بالله كمثل رجلٍ اشترى عبداً من خالص ماله بذهبٍ أو ورقٍ، ثمَّ أسكنه داراً. فقال: اعمل وارفعْ إليَّ فجعل يعمل ويرفع إلى غير سيده، فأيُّكم يرضي أن يكون عبده كذلك، فإنَّ الله خلقكمْ ورزقكم فلا تشركوا به شيئاً، وإذا قمْتمْ إلى الصلاة فلا تلتفتوا (¬3)، فإن الله يقبل بوجههِ إلى وجه عبدهِ مالمْ يلتفتْ، وأمركمْ بالصيام، ومثل ذلك كمثل رجلٍ في عصابةٍ معه صُّرَّة (¬4) مسكٍ، كلُّهم يحبُّ أن يجد ريحها، وإنَّ الصِّيام أطيب عند الله من ريح المسك. وأمركم بالصَّدقة، ومثل ذلك كمثل رجل أسرهُ (¬5) العدوُّ فأوْثقوا (¬6) يده إلى عنقه، وفرَّبوه ليضربوا عنقه، فجعل يقول: هلْ لكمْ أن أفدىَ نفسي منكمْ، وجعل يعطي القليل والكثير حتى فدى نفسه (¬7). وأمركمْ بذكر الله كثيراً، ومثل ذلك كمثل رجلٍ طلبه العدوُّ سراعاً في أثره حتى أتى حصناً حصيناً فأحرز نفسه (¬8) فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله، الحديث. رواه الترمذي والنسائي ببعضه، وابن خزيمة في صحيحه واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم: قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ¬

(¬1) أعذب. كذا ع ود، وفي ن ط: أعاب. (¬2) اطلبوا توحيده جل وعلا، ولا تجعلوا له شريكا في العبادة أو في قضاء الحاجات، والجئوا إليه وحده في مهام أموركم جليلها وحقيرها سبحانه. (¬3) لا تتحركوا يمينا وشمالا. (¬4) قطعة من عطر ذكي الرائحة. (¬5) ملكه. (¬6) ربطوها بحبال متينة. (¬7) أعتق نفسه من الأسر فسلم. (¬8) حصنها ومنعها من الهلكة. كذلك ذكر الله ينجي من عذابه ..

15 - وعنْ ثوبان رضي الله عنه قال: لما نزلتْ: والذين يكنزون الذَّهب والفضَّة قال: كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفارهِ، فقال بعض أصحابه: أنزلتْ في الذَّهب والفضَّة؟ لو علمنا أي المال خير فنتخذه. فقال: أفضله لسان ذاكرٌ (¬1)، وقلب شاكرٌ، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه. رواه الترمذي الترمذي واللفظ له، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن. 16 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرْبعٌ من أعطيهنَّ، فقد أعطى خيري الدنيا والآخرة: قلباً شاكراً (¬2)، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً (¬3)، وزوجةً لا تبغيهِ حوباً (¬4) في نفسها ومالهِ رواه الطبراني بإسناد جيد. 17 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليذكرنَّ الله أقوامٌ في الدنيا على الفرش (¬5) الممهَّدة يدخلهم الدَّرجات (¬6) العلى. رواه ابن حبان في صحيحه من طريق درّاج عن أبي الهيثم. 18 - وعنْ أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: مثل الذي يذكر (¬7) ربَّه، والذي لا يذكر الله، مثل الحي والميت. رواه البخاري ومسلم، ¬

(¬1) يكثر من حمد الله وتسبيحه وتحميده وتكبيره. (¬2) اعتقادا جازما أن الله المعطي فيشكر ويحمده، ويعظم ويعبد، ويقصده وحده. (¬3) حابسا نفسه من الجزع والسخط. (¬4) لا تطلبه حوبا. كذا في ع ص 503 وط، والمعنى لا تقع في ذنب بسبب عصيانها أوامره، أو إضاعة ماله، أو لا تطلبه لحاجة في نفسها، بمعنى أن زوجها موجود لقضاء شؤونها والتمتع به فقط، وتأخذه لماله. بل الزوجة الصالحة التي تطلب زوجها للعفاف والطاعة، ووجود النسل، وهكذا من رغبات الشرع في الزواج، وفي النهاية: اتقوا لله في الحوبات. يريد النساء المحتاجات اللاتي لا يستغنين عمن يقوم عليهن ويتعهدهن ولا بد في الكلام من حذف مضاف تقديره ذات حوبة وحوبات، والحوبة: الحاجة، ومنه حديث الدعاء: إليك أرفع حوبتي: أي حاجتي، وفيه أن أبا أيوب أراد أن يطلق أم أيوب. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (إن طلاق أم أيوب لحوب: لو لوحشة وإثم، وإنما أثمه بطلاقها لأنها كانت مصلحة له في دينه. رب تقبل توبتي واغسل حوبتي: أي إثمي أهـ ص 267. والمراد بإحدى الأربعة: المرأة الصالحة التقنية التي ترعى حقوق زوجها في عرضها وفي ماله. (¬5) على غطائهم الوثير اللين، وفي عقر دارهم ولكن يذكرون الله كثيرا. (¬6) يوصلهم ربهم إلى أسمى المناصب في الجنة. (¬7) شبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة وباطنه بنور المعرفة. وغير الذاكر الذي ظاهره عاطل وباطنه باطل، وقيل موقع التشبيه بالحي والميت لما في الحي من النفع لمن يواليه، والضر لمن يعاديه، وليس ذلك في الميت. قال في الفتح: والمراد بالذكر هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات، وهي: سبحان الله والحمد ولا إله إلا الله والله أكبر، وما يلتحق بها من =

إلا أنه قال: مثل البيت الذي يذكر الله فيه. 19 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنونٌ. رواه أحمد وأبو يعلي وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 20 - وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذكروا الله ذكراً يقول المنافقون: إنَّكم مراءون. رواه الطبراني، ورواه البيهقي عن أبي الجوزاء مرسلاً. 21 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكَّة، فمرَّ علي جبلٍ يقال له جمدان، فقال: سيروا هذا جمدان سبق المفرِّدون. قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً. رواه مسلم واللفظ له، والترمذي، ولفظه: يا رسول الله: وما المفرِّدون؟ قال: المستهترون بذكر الله يضع الذِّكر عنهمْ أثقالهمْ فيأتون الله يوم القيامة خفافاً. (المفردون) بفتح الفاء، وكسر الراء. (والمستهترون) بفتح التاءين المثناتين فوق: هم المولعون بالذكر، المداومون عليه. لا يبالون ما قيل فيهم، ولا ما فعل بهم. 22 - وروي عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ¬

_ = الحوقلة والبسملة، والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة، ويطلق ذكر الله أيضا، ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه، أو ندب إليه كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والتنقل لاة، ثم الذكر يقع تارة باللسان ويؤجر عليه الناطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط ألا يقصد به غير معناه، وإن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل. فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى، ونفي النقائص عنه ازداد كمالا. فإن وقع ذلك في عمل صالح مهما فرض: من صلاة أو جهاد، أو غيرها ازداد كمالا. فإن صحيح التوجه وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال. وقال الفخر الرازي: المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد، والتمجيد. والذكر بالقلب: التفكير في أدلة الذات والصفات، وفي أدلة التكاليف من الأمر والنهي حتى يطلع على أحكامها وفي أسرار مخلوقات الله .. والذكر بالجوارح هو أن تصير مستغرقة في الطاعات، ومن ثم سمي الله الصلاة ذكرا فقال: (فاسعوا إلى ذكر الله) ونقل عن بعض العارفين قال: الذكر سبعة أنحاء: ذكر العينين بالبكاء، وذكر الأذنين بالاصغاء، وذكر اللسان بالثناء، وذكر اليدين بالعطاء، وذكر البدن بالوفاء، وذكر القلب بالخوف والرجاء وذكر الروح بالتسليم والرضاء، والمراد بذكر الله الذكر الكامل، وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكير في المعنى واستحضار عظمة الله تعالى، وأن الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلا من غير استحضار لذلك. أهـ ص 163 جـ 11.

إنَّ الشَّيطان واضعٌ خطمهُ على قلب ابن آدم، فإنْ ذكر الله خنس، وإنْ نسى التقم قلبه رواه ابن أبي الدنيا، وأبو يعلي والبيهقي. (وخطمه) بفتح الخاء المعجمة، وسكون الطاء المهملة: هو فمه. 23 - وروي عن أبي ذرٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ما منْ يوم وليلة إلا ولله عزَّ وجلَّ فيه صدقة يمنُّ بها على من يشاء من عبادهِ، ومنَّ الله على عبيد بأفضل من أن يلهمه ذكره. رواه ابن أبي الدنيا. 24 - وروي عن معاذٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ رجلاً سأله فقال: أيُّ المجاهدين أعظم أجراً؟ قال: أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكراً، قال: فأي الصالحين أعظم أجراً؟ قال: أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكراً، ثمَّ ذكر الصلاة، والزكاة، والحجَّ، والصدقة، كلُّ ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكراً، فقال أبو بكر لعمر: يا أبا حفصٍ ذهب الذَّاكرون بكلِّ خيرٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجلْ. رواه أحمد والطبراني. 25 - وعنْ أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنَّ رجلاً في حجره دراهم يقسمها، وآخر يذكر الله كان الذَّاكر لله أفضل. وفي رواية: ما صدقة أفضل من ذكر الله. رواهما الطبراني، رواتهما حديثهم حسن. 26 - وعنْ أمِّ أنسٍ رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله أوصني قال: اهجُرِي (¬1) المعاصي، فإنها أفضل الهجرة، وحافظي على الفرائض (¬2)، فإنَّها أفضل الجهاد، وأكثري من ذكر الله، فإنَّك لا تأتين الله بشيء أحبَّ إليه منْ كثرة ذكره. رواه الطبراني بإسناد جيد. وفي رواية لهما عن أمِّ أنس: واذكري الله كثيراً، فإنَّه أحبُّ الأعمال إلى الله أنْ تلقاه بها. قال الطبراني: أم أنس هذه، يعني الثانية ليست أم أنس بن مالك. 27 - وعنْ معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) اتركي الفسوق، وما يغضب الله جل وعلا. (¬2) الصلوات الخمس. وجميع الحقوق الواجبة.

الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى

ليس يتحسَّر أهل الجنة إلا على ساعةٍ مرَّت بهمْ لمْ يذكروا الله تعالى فيها. رواه الطبراني عن شيخه محمد بن إبراهيم الصوري، ولا يحضرني فيه جرح ولا عدالة، وبقية إسناده ثقات معروفون، ورواه البيهقي بأسانيد أحدها جيدة. 28 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ لمْ يكثر ذكر الله فقد برئ من الإيمان. رواه الطبراني في الأوسط والصغير وهو حديث غريب. 29 - وروي عنه رضي الله عنه أيضاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله يقول: يا ابن آدم! إنَّك إذا ذكرتني شكرتني، وإذا نسيتني كفرْتني (¬1). رواه الطبراني في الأوسط. 30 - وروي عن عائشة رضي الله عنها أنَّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منْ ساعةٍ تمرُّ بابن آدم لمْ يذكر الله فيها بخيرٍ إلا تحسَّر (¬2) عليها يوم القيامة. رواه أبي أبي الدنيا، والبيهقي وقال: في هذا الإسناد ضعف غير أن له شواهد من حديث معاذ المتقدم. (قال الحافظ): وسيأتي باب فيمن جلس مجلسا لم يذكر الله فيه إن شاء الله تعالى. (الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى) 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله ملائكة (¬3) يطوفو (¬4) في الطُّرُق يلتمسون أهل الذِّكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكمْ فيحفُّونهمْ (¬5) بأجنحتهمْ إلى السَّماء الدُّنيا. قال ¬

(¬1) جحدت نعمي وأنكرت إحساني. (¬2) ندم على ضياعها لا ذكر الله تعالى. (¬3) قال العلماء: زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق لا وظيفة لهم إلا حلق الذكر. (¬4) يتبعون مجالس الذكر. (¬5) يدنون بأجنحتهم حول الذاكرين، وفي رواية سهل: قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملئواما بينهم، وبين سماء الدنيا. قال الشرقاوي: في الحديث فضل مجالس الذكر والذاكرين، وفضل الاجتماع على ذلك، وأن جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم إكراما لهم، ولو لم يشاركهم في أصل الذكر، وفيه محبة الملائكة لبني آدم واعتناؤهم بهم، وفيه أن السؤال قد يصدر من السائل وهو أعلم =

فيسألهمْ ربهُّمْ، وهو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟ قال يقولون: يُسبحون ويكبرونك ويحمدونك ويمجِّدونك. قال فيقول: هل رأوني؟ قال فيقولون: لا والله يا ربِّ ما رأوك قال فيقول: كيف لو رأوني؟ قال يقولون: فما يسألوني؟ قال يقولون: يسألونك الجنَّة، قال فيقول: هل رأوها؟ قال فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال يقولون: لو أنَّهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال. ثم يتعوَّذون؟ قال: يتعوَّذون من النار. قال فيقول: هل رأوها؟ قال يقولون: لا والله ما رأوها. قال فيقولون: فكيف لو رأوها؟ قال يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا (¬1)، وأشدَّ لها مخافةً. قال فيقول: أشهدكم أني قد غفرت (¬2) لهمْ، قال يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهمْ إنما جاء لحاجةٍ (¬3). قال: هُمُ القوْمُ لا يشقى (¬4) بهم جليسهمْ. رواه البخاري واللفظ له، ومسلم. ولفظه قال: إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلاء (¬5) يبتغون مجالس الذِّكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهمْ، وحفَّ بعضهمْ بعضاً، بأجنحتهمْ حتى يملئوا ما بينهمْ وبين السماء، فإذا تفرَّقوا عرجوا (¬6) وصعدوا إلى السماء. قال: فيسألهم الله عزَّ وجلَّ وهو أعلم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهلِّلونك ويحمدونك ويسألونك. قال: فما يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنَّتك. قال: ¬

= بالمسؤول عنه من المسؤول لإظهار العناية بالمسؤول عنه، والتنويه بقدره، والإعلان بشرف منزلته، وقيل إن في خصوص سؤال الله الملائكة عن أهل الذكر الإشارة إلى قولهم (أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) فكأنه قيل لهم: انظروا إلى ما حصل منهم من التسبيح والتقديس مع ما سلط عليهم من الشهوات ووساوس الشيطان، وكيف عالجوا ذلك وضاهوكم في التسبيح والتقديس، وقيل إنه يؤخذ من هذا الحديث أن الذكر الحاصل من بني آدم أعلى وأشرف من الذكر الحاصل من الملائكة لحصول ذكر الآدميين مع كثرة، الشواغل، ووجود الصوارف وصدوره في عالم الغيب بخلاف الملائكة في ذلك كله، وفيه بيان كذب من ادعى من الزنادقة أنه يرى الله تعالى جهرة في دار الدنيا. أهـ ص 166 جل وعلا. (¬1) نفورا وهروبا. (¬2) سترت ذنوبهم ومحوتها تفضلا منه جل وعلا. (¬3) لطلب قضاء مصلحة من ذاكر. (¬4) لا يعد شقيا مبعداً من رحمة الله جل وعلا. (¬5) عددهم وفير زائدون على الحفظة يبحثون عن الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ليدعوا لهم ويستغفروا. (¬6) ذهبوا إلى أعلى.

وهل رأواجنَّتي؟ قال: يا ربِّ. قال: وكيف لو رأوا جنَّتي؟ قالوا: ويستجيرونك (¬1) قال: وممَّ يستجيروني؟ قالوا: من نارك يا ربِّ. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا يا ربِّ. قال: فكيف لوْ رأوا ناري؟ قال: ويستغفرونك قال فيقول: قد غفرتُ لهمْ وأعطيتهم ما سألوا، وأجرْتهمْ مما استجاروا قال يقولون: ربِّ فيهمْ فلان عبد خطَّاء (¬2) إنما مر فجلس معهم؟ قال فيقول: وله غفرتُ (¬3) هم القوم لا يشقى بهم جليسهمْ. 2 - وعنْ معاوية رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقةٍ من أصحابه، فقال: ما أجْلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنَّ به علينا. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال: أما إنِّي لمْ أستحلفكم تهمةً لكمْ، ولكنَّه أتاني جبرائيل فأخبرني أن الله عزَّ وجلَّ يباهي بكم الملائكم. رواه مسلم والترمذي والنسائي. 3 - وعنْ أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة: سيعلمُ أهل الجمع من أهل الكرم، فقيل: ومن أهل الكرم يا رسول الله؟ قال: أهل مجالس الذِّكر. رواه أحمد وأبو يعلي، وابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهم. 4 - وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرَّجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعال نؤمن بربِّنا ساعةً، فقال ذات يومٍ لرجلٍ فغضب الرجل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عنْ إيمانك إلى إيمان ساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله ابن رواحة إنَّه يحبُّ المجالس التي تتباهى بها الملائكة. رواه أحمد بإسناد حسن. 5 - وعنه أيضا رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما منْ قومٍ اجتمعوا يذكرون الله عزَّ وجلَّ لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهمْ منادٍ من السماء أو قوموا مغفوراً لكمْ قدْ بُدِّلتْ سيِّئاتكمْ حسناتٍ رواه أحمد ورواته محتج بهم ¬

(¬1) يطلبون منك سبحانك الاستعاذة والنجاة. (¬2) كثير الذنوب فاسق عاص. (¬3) عفوت عنه، فمنحه رضاه وصادفته العناية وحفته الرحمة.

في الصحيح إلا ميمون المرائي، وأبو يعلي والبزار والطبراني، ورواه البيهقي من حديث عبد الله ابن مغفل. 6 - ورواه الطبراني عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله عزَّ وجلَّ فيه فيقومون حتى يقال لهمْ: قوموا قد غفر الله لكمْ، وبدَّلت سيِّئاتكم حسناتٍ. 7 - وروي عنْ أنس رضي الله عنه أيضا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفُّوا بهمْ، ثم يقفون وأيديهم إلى السماء إلى ربِّ العزة تبارك وتعالى، فيقولون: ربنا أتينا على عباد منْ عبادك يعظمون آلاءك، ويتلون كتابك، ويصلُّون على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ويسألونك لآخرتهم ودنياهمْ، فيقول الله تبارك وتعالى: غشُّوهمْ رحمتي، فهم الجلساء لا يشفى بهم جليسهمْ. رواه البزار. 8 - وروي عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن رواحة وهو يذكِّرُ أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنَّكم الملأ الذين أمرني الله أن أصبر (¬1) نفسي معكمْ، ثم تلا هذه الآية: واصبرْ نفسك مع الذين يدعون ربِّهُمْ بالغداة والعشيِّ (¬2) إلى قوله وكان أمره فرطاً. أما إنَّه ما جلس ¬

(¬1) أحبس نفسي تعبد الله في هذه المجالس. (¬2) في جميع أوقاتهم أو في طرفي النهار (يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) 28 من سورة الكهف. (وجهه) رضا الله وطاعته (ولا تعد) ولا تجاوز نظرك إلى غيرهم (أغفلنا) جعلنا قلبه غافلا كأمية بن خلف في دعائه إلى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش، وفيه تنبيه على أن الداعي له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات وانهماكه في المحسوسات حتى خفي عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد، وأنه لو أطاعه كان مثله في الغباوة (فرطا) أي تقدما على الحق ونبذا له وراء ظهره. أهـ بيضاوي ص 418. كلام جميل يدعو العاقل إلى اليقظة والانتباه إلى ذكر الله ليجد له في الصالحات مكانا مكينا، وليتبوأ جنة الله مع المهتدين العاملين، وليذم العصاة على ترك ذكر الله، وهجرهم واجباته سبحانه وتعالى. وإني أعجب للاستمرار على اتباع اللهو واللعب والتسويف في الطاعة، والصلاة. والحياة فانية، ولا بد من يوم يسأل فيه المرء عما اقترفت يداه قال الله تعالى: أ - (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) 13 من سورة القيامة. =

عدَّتُكمْ إلا جلس معهمْ عدَّتهمْ من الملائكة إنْ سبحوا الله تعالى سبَّحوه، وإن حمدوا الله حمدوه، وإن كبروا الله كبروه، ثمًّ يصعدون إلى الرَّبِّ جلَّ ثناؤه وهو أعلم بهم، فيقولون: يا ربنا عبادك سبَّحنا، وكبَّروك فكبَّرْنا، وحمدوك فحمدنا، فيقول ربنا جلَّ جلاله: يا ملائكتي أشهدكمْ أني قد غفرتُ لهم، فيقولون فيهم فلان وفلان: الخطَّاء، فيقول: همُ القوم لا يشقى بهم جليسهمْ. رواه الطبراني في الصغير. 9 - وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله: ما غنيمة (¬1) مجالس الذكر؟ قال: غنيمة مجالس الذِّكر الجنَّة. رواه أحمد بإسناد حسن. 10 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس: إنَّ الله سرايا من الملائكة تحلُّ وتقف على مجالس الذكر في الأرض فارتعوا في رياض الجنَّة، قالوا: وأين رياض الجنَّة؟ قال: مجالس الذكر فاغدوا (¬2)، أوْ روحوا في ذكر الله، وذكروه (¬3) أنفسكمْ، من كان يحبُّ أن يعلم منزلته (¬4) عند الله فلينظر كيف منزلة الله (¬5) عنده، فإنَّ الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسهِ رواه ابن أبي الدنيا، وأبو يعلي والبزار، والطبراني والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. (قال المملي) رضي الله عنه: في أسانيدهم كلها عمر مولى عفرة، ويأتي الكلام عليه، وبقية أسانيدهم ثقات مشهورون محتجّ بهم، والحديث حسن، والله أعلم. ¬

= وقال تعالى: ب - (علمت نفس ما قدمت وأخرجت) وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره ربه جل وعلا بالثبات على ذكر الله، والمداومة على تسبيح الله وتنزيهه، وقد تكرم سبحانه فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلتقتد به أيها المسلمون، ونكثر من ذكر الله رجاء الفلاح. (¬1) فوز وأجر وكسب. إنك تكد في هذه الحياة لتنال عيشاً رغدا فيرشدك صلى الله عليه وسلم إلى أن أجرة ذكر الله دخول الجنة، والتمتع بنعيمها ورضوان الله عز شأنه. (¬2) بكروا وأقبلوا، واذهبوا وتعالوا. (¬3) اجعلوا أنفسكم دائما في ذكره سبحانه. (¬4) درجته. (¬5) بحسب كثرة ذكره، وانشغال القلب به عز شأنه. تمثيل بديع: يبين لك صلى الله عليه وسلم رحمة الله بك بقدر استذكارك له جل وعلا: (من أحب شيئاً أكثر من ذكره) ولقد تفانى الصوفيون في ذكر ربهم ومعرفتهم.

(الرتع): هو الأكل والشرب في خصب، وسعة. 11 - وعنْ عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عنْ يمين الرَّحمن، وكلتا يديه يمين: رجال ليسوا بأنبياء، ولا شهداء يغشى (¬1) بياض وجوههمْ نظر النَّاظرين يغبطهم (¬2) النبيُّون والشهداء، بمقعدهمْ وقربهمْ من الله عزَّ وجلَّ. قيل: يا رسول الله من همْ؟ قال: همْ جمَّاع من نوازع القبائل يجتمعون على ذكر الله فينتقون أطايب الكلام كما ينتقي آكل التَّمرِ طايبهُ. رواه الطبراني، وإسناده مقارب لا بأس به. (جماع) بضم الجيم، وتشديد الميم: أي أخلاط من قبائل شتى، ومواضع مختلفة. (ونوازع): جمع نازع، وهو الغريب، ومعناه أنهم لم يجتمعوا لقرابة بينهم، ولا نسب، ولا معرفة، وإنما اجتمعوا لذكر الله لا غير. 12 - وعنْ أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليبعثنَّ (¬3) الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء، ولا شهداء. قال: فجثا (¬4) أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله: حلَّهم (¬5) لنا نعرفهمْ؟ قال هم المتحابُّون (¬6) في الله من قبائل شتَّى، وبلادٍ شتَّى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه. رواه الطبراني بإسناد حسن. 13 - وعن أبي هريرة، وأبي سعيدٍ رضي الله عنهما أنَّهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: لا يقعد قومٌ يذكرون الله إلا حفَّتهمُ (¬7) الملائكة وغشيتهم (¬8) الرَّحمة، ونزلتْ عليهم السَّكينة (¬9)، وذكرهم الله فيمن عنده (¬10) رواه مسلم والترمذي وابن ماجه. ¬

(¬1) يغطي ويعم. (¬2) يتمنون أن يكونوا مثلهم في النعيم. (¬3) ليحيين وليخرجن. (¬4) جلس. (¬5) صفهم وعرفنا نزلهم. (¬6) الذين يتواددون ابتغاء طاعة الله جل وعلا. (¬7) أحاطت بهم يدعون لهم. (¬8) عمتهم. (¬9) الوقار والرضوان. (¬10) من الملائكة المقربين. =

14 - وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

_ = (فوائد ذكر الله جلّ وعلا من فقه الأحاديث) أولا: شمول الذاكر برحمة الله وإعانته، وطلب حسن الظن به سبحانه مع العمل الصالح المتقن: (أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه). ثانيا: يذكر الله اسمه في الجو الهادئ أمام العباد الأصفياء المخلصين (ذكرته في الملأ الأعلى). ثالثا: أن يشغل الذاكر قلبه دائما بربه: (لسانك رطب من ذكر الله). رابعاً: أن العكوف على ذكر الله أفضل من كثرة الإنفاق، ومن الدفاع عن الوطن بلا إخلاص (وأنجى من عذاب الله). خامساً: ذكر الله وقاية من وساوس الخناس، وحصن متين من الوقوع في المعاصي (العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله). سادساً: ذكر الله أحد الأربعة التي تجلب سعادة الدنيا والآخرة، وتعطي الذاكر الثقة التامة، وتحليه بالاستقامة وحب الخير، والسداد في عمله والصواب في تفكيره: (ولسانا ذاكرا) سابعاً: ذكر الله يوصل إلى الدرجات السامية في الجنة، ويرفع الذاكر إلى أعلى عليين وهو في الفرش الممهدة. ثامناً: ذكر الله ينير القلب، ويحييه ويزيل رانه، ويهديه إلى الحق، ويجعل الذاكر حيا، وغير الذاكر قلبه خرب ومظلم وهو ميت (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر). تاسعاً: الذاكر اتبع أوامر النبي صلى الله عليه وسلم وحظي بالسعادة (أكثروا ذكر الله). عاشراً: الذاكر الله يأتي يوم القيامة معززا مبجلا مكرما (لا يأتين الله بشيء أحب إليه من كثرة ذكره). الحادي عشر: من لم يذكر الله يندم ويتألم من التقصير (ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة لا ذكر فيها). الثاني عشر: صفوة من الأخبار حراس الذاكرين، وجملة من الأبرار يبحثون عنهم اصطفاهم الله، وهذه منتهم (إن لله ملائكة). الثالث عشر: يتباهى الله بالذاكرين أما السفر البررة (فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم). الرابع عشر: يسعد العاصي بصحبة الذاكرين، وينعم الشقي بمحبتهم، ويتجلى الله على الفاجر الذي يودهم ويحضر مجالسهم، ولو سأل شيئا من عرض الدنيا يعطاه (هم القوم لا يشقى جليسهم). الخامس عشر: الذاكرون أهل الإحسان أصحاب السعادة جماع الخير فعال البر (أهل مجالس الذكر). السادس عشر: الذاكرون يضمنون الغفران، ويعتقدون برضا الله جل وعلا، ولا ينصرفون عن الذكر إلا إذا امتلئت صحائفهم حسنات، وتجلى الله عليهم بإنعامه (قوموا مغفورا لكم) (غشوهم رحمتي). السابع عشر: الغافلون عن ذكر الله فجار فساق عصاة يجب نبذ صحبتهم وترك مودتهم، وبذا أمر الله حبيبه صلى الله عليه وسلم لتتأسى به أمته (ولا تطع عن أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه). الثامن عشر: الأذكار دوحة ثمرتها النعيم (غنيمة مجالس الذكر الجنة). التاسع عشر: من رام أن يعرف درجته عند ربه فليسبر غور قلبه بمقدار ذكر الله جل وعلا له (وذكروه أنفسكم). العشرون: الذاكرون في درجات سامية قريبة من رحمة الله واحسانه يود النبيون والمجاهدون أن يدركوها مبالغة في إرضاء الله عز وجل، تتلألأ وجوهم نورا ونفوسهم بشراً وسروراً (يغبطهم النبيون والشهداء). =

إذا مررتمْ برياض افارتفعوا. قالوا: وما رياض الجنَّة؟ قال: خلق الذِّكر. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. ¬

_ = (الآيات الوارد في الذكر) قال تعالى: أ - (يا أيها الذين آمنوا ذكروا الله ذكرا كثيرا 41 وسبحوه بكرة وأصيلا 42) من سورة الأحزاب. ب - وقال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله زلا بذكر الله تطمئن القلوب 28 الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) 29 من سورة الرعد. جـ - وقال تعالى: (أتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون) 45 من سورة العنكبوت - أي وللصلاة أكثر من سائر الطاعات -. د - وقال تعالى: (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا 29 ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) 30 من سورة النجم. فأعرض عن دعوته والاهتمام بشأنه. فان من غفل عن الله وأعرض عن ذكره، وانهمك في الدنيا بحيث كانت منتهى همته، ومبلغ علمه لا تزيده الدعوة إلا عنادا، وإصرارا على الباطل (ذلك مبلغهم) أي أمر الدنيا أو كونها شهية. لا يتجاوز علمهم (بمن ضل) إنما يعلم الله من يجيب ممن لا يجيب. فلا تتعب نفسك في دعوتهم، إذا ما عليك إلا البلاغ، وقد بلغت. إن شاهدنا المثل السوء للاحجام عن ذكر الله، وطلب الله تعالى إعراض الرسول عن أولئك الطغاة الغافلين عن عبادة الله وذكره. وقد مر الحديث: مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت) فكما أن الحي يتزين ظاهره بنور الحياة وإشراقها فيه، وبالتصرف التام فيما يريده، وباطنه بنور العلم والمعرفة فقلبه مستقرة في حظيرة القدس، وسره في مخدع الوصل، وغير الذاكر عاطل ظاهره، وباطل باطنه، قاله في شرح المشكاة. أهـ شرقاوي ص 369 ولذا روي في سبب نزول قول الله تبارك وتعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) أن أهل مكة كانوا مجدين، ولما هاجر المؤمنون منهم أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت هذه الآية: أي لم يأت وقته (الحق) القرآن. قال البيضاوي: ويجوز أن يراد بالذكر أن يذكر الله تعالى أهـ. وفي غريب القرآن: ومن الذكر بالقلب واللسان معا قوله تعالى: هـ - (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا) وقوله تعالى: (فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم). قال بعض العلماء في الفرق بين قوله: (فاذكروني أذكركم، وبين قوله: اذكروا نعمي: إن قوله اذكروني مخاطبة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين حصل لهم فضل قوة بمعرفته تعالى فأمرهم بأن يذكروه بغير واسطة وقوله تعالى: (اذكروا نعمتي مخاطبة لبني إسرائيل الذين لم يعرفوا الله إلا بآلائه فأمرهم أن يتصروا نعمته فيتوصلوا بها إلى معرفته. أهـ ص 179. و- وقال تعالى: (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي بالليل والنهار في البر والبحر، والسفر والحضر، والغني والفقر، والمرض والصحة، والسر والعلانية، وقال تعالى في ذم المنافقين: (ولا يذكرون الله إلا قليلا) وقال عز وجل: (واذكروا ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) 205 من سورة الأعراف. =

الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلسا لايذكر الله فيه ولا يصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلساً لا يذكر الله فيه ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ما جلس قوْمٌ مجلسا لمْ يذكروا الله فيه ولمْ يصلُّوا على نبيِّهم إلا كان عليهم ترةٌ، فإن شاء عذَّبهمْ، وإنْ شاء غفر لهمْ. رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن، ورواه بهذا اللفظ ابن أبي الدنيا والبيهقي. ولفظ أبو داود قال: من قَعدَ مقعداً لمْ يذكر الله فيه، كان عليه من الله ترةٌ، ومن اضطجع (¬1) مضجعا لا يذكر الله فيه كانتْ عليهِ من الله ترةٌ، وما مشى أحدٌ ¬

_ = قال الغزالي: ولأجل شرف ذكر الله عز وجل عظمت رتبة الشهادة لأن المطلوب الخاتمة، ونعني بالخاتمة وداع الدنيا، والقدوم على الله تعالى والقلب مستغرق بالله عز وجل منقطع العلائق من غيره. فإن قدر عبد على أن يجعله همه مستغرقا بالله عز وجل، فلا يقدر على أن يموت على تلك الحالة إلا في صف القتال، فإنه قطع الطمع من مهجته وأهله وماله وولده. بل من الدنيا كلها فإنها يريدها لحياته، وقد هون على قلبه حياته في حب الله عز وجل وطلب مرضاته، فلا تجرد لله أعظم من ذلك، ولذلك عظم أمر الشهادة، ولما استشهد عبد الله بن عمرو الأنصاري يوم أحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر: (ألا أبشرك يا جابر؟ قال: بلى، بشرك الله بالخير. قال: إن الله عز وجل أحيا أباك فأقعده بين يديه وليس بينه وبينه ستر. فقال تعالى: (تمن عليَّ عبدي ما شئت أعطيكه. فقال يا رب أن تردني إلى الدنيا حتى أقتل فيك وفي نبيك مرة أخرى فقال عز وجل: سبق القضاء مني بأنهم إليها لا يرجعون) ثم القتل سبب الخاتمة على مثل هذه الحالة. أهـ ص 273 جـ 1. يذكرني هذا قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبعض قواده: (أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال. فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب، وأن تكون أنت ومن معك أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة وإلا ننصر عليهم بطاعتنا لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم) فكر في هذا الكلام العذب البديع والنصائح الثمينة الغالية. يدعو عمر رضي الله عنه إلى ذكر الله وخشيته رجاء غوثه ورحمته، وتلك لعمري غاية الفوز وثمرة النجاح وقد بين الله المؤمنين (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) وذكر صلى الله عليه وسلم أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله (رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه). (¬1) نام على مضجعه عد مقصرا غافلا عن ذكر الله، وحرم من ثواب الذكر

الترغيب في كلمات يكفرن لغط المجلس

ممشى لا يذكر الله (¬1) فيه إلا كان عليه من الله ترة. ورواه أحمد، وابن أبي الدنيا، والنسائي، وابن حبان في صحيحه، كلهم بنحو أبي داود. (الترة) بكسر التاء المثناة فوق، وتخفيف الراء: هي النقص، وقيل: التبعة. 2 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قعد قوم مقعداً لمْ يذكروا الله عزَّ وجلَّ فيه، ويصلُّون على النبيِّ صلى الله عليه وسلم (¬2) إلا كان عليهمْ حسرة يوم القيامة، وإنْ دخلوا الجنَّة للثَّواب. رواه أحمد بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري. 3 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ قومٍ يقومون من مجلسٍ لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفةِ (¬3) حمارٍ، وكان عليهمْ حسرةً (¬4) عليهم يوم القيامة. رواه الطبراني في الكبير، والأوسط والبيهقي، ورواه الطبراني محتج بهم في الصحيح. (الترغيب في كلمات يكفرن لغط المجلس) 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ ¬

(¬1) لا يذكر الله. كذا د وع ص 507. (¬2) أي نسوا ذكر الله جل جلاله، والصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعقابهم على الغفلة الندامة على ضياع فرصة جني الحسنات وكثرة الثواب، وفيه الحث على الإكثار من ذكر الله جل وعلا، ومن الصلاة على السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم. (¬3) الجيفة. جثة الميت إذا أنتن. يقال جافت الميتة وجيفت. والمعنى أن المجلس الذي يخلو من طاعة الله تعالى وذكره، والصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم ينتن وييقذر، وينصفر الجلاس عن ريحه نتنة رديئة كريهة، ويتذكرون هذا المجلس يوم القيامة فيندمرون ويتألمون على غفلتهم في دنياهم. (¬4) تلهفاً وتأسفاً. حسرت على الشيء حسراً من باب تعب، والحسرة اسم منه، فعليك أخي بالمحافظة على ذكر الله، ولا يفتر قلبك لحظة عن ذكره، والتلذذ خشية تقييد أوقات الغفلات عليك وتندم على تفريطك.

جلس مجلسا كثر فيه لغطه (¬1)، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسهِ ذلك (¬2). رواه أبو داود والترمذي واللفظ له والنسائي، وابن حبان في صحيح، والحاكم وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. 2 - وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس مجلسا يقول بآخره إذا أراد أن يقوم من المجلس: سبحانك اللهمَّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك، فقال رجل: يا رسول الله إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى، فقال: كفَّارة (¬3) لما يكون في المجلس. رواه أبو داود. 3 - وعنْ عائشة رضي الله عنه قالتْ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس مجلساً، أو صلى تكلَّم بكلمات، فسألته عائشة عن الكلمات، فقال: إن تكلَّم بخيرٍ كان طابعا عليهنَّ إلى يوم القيامة، وإن تكلَّم بشرٍ كان كفَّارة له: سبحانك اللهمَّ وبحمدك لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك. رواه ابن أبي الدنيا والنسائي، واللفظ لهما، والحاكم البيهقي. 4 - وعنْ جبير بن مطعمٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال سبحان الله وبحمده، سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك، فقالها في مجلس ذكر كان كالطابع يطبع عليه، ومن قالها في مجلس لغو (¬4) كان كفارة له. رواه النسائي والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 5 - ورواه ابن أبي الدنيا، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس أحدكمْ في مجلس فلا يبرحنَّ منه حتى يقول ثلاث مرَّاتٍ: سبحانك اللهمَّ وبحمدك. ¬

(¬1) كلام فيه جلبة واختلاط، لغط لغطا من باب نفع، وألغط لغة. (¬2) تلاوة هذه الصيغة تخفف ذنوب اللغو، وفيها تنزيه الله عن كل نقص، وحمده جل وجلاله، والإقرار بأنه واحد، وطلب الغفران والرجوع إلى الله جل وعلا. (¬3) مزيلة، أصل الكفر تغطية الشيء تستهلكه. أي تمحي ذنوب ما اقترف في هذا الجمع. (¬4) لغا: تكلم بالمطرح من القول وما لا يعني، وألغى إذا أسقط.

الترغيب في قول لا إله إلا الله، وما جاء في فضلها

لا إله إلا أنت، اغفر لي وتب عليَّ، فإنْ كان أتى خيرا كان كالطابع عليه، وإن كان مجلس لغوٍ كان كفَّارة لما كان في ذلك المجلس. 6 - وعنْ رافع بن خديجٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخرهِ إذا اجتمع إليه أصحابه، فأراد أن ينهض، قال: سبحانك اللهمَّ وبحمدك. أشهد أن لا إله إلا أنت. أستغفرك وأتوب إليك. عملتٌ سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت. قال قلنا: يا رسول الله إن هذه كلمات أحدثهنَّ؟ قال: أجل، جاءني جبرائيل، فقال: يا محمد هنَّ كفَّارات المجلسِ. رواه النسائي واللفظ له، والحاكم وصححه، ورواه الطبراني في الثلاثة باختصار بإسناد جيد. (بأخره) بفتح الهمزة، والخاء المعجمة جميعا غير ممدود: أي بآخر أمره. 7 - وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: كلمات لا يتكلم بهنَّ أحد في مجلس حقٍ، أو مجلس باطلٍ عند قيامه ثلاث مرَّاتٍ إلا كفر بهنَّ عنه، ولاي قولهنَّ في مجلس خير ومجلس ذكرٍ إلا ختم الله له بهنَّ كما يختم بالخاتم على الصحيفة: سبحانك اللهمَّ وبحمدك. لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه. (الترغيب في قول: لا إله إلا الله وما جاء في فضلها) 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت في حرصك على الحديث: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله (¬1) خالصا من قبلهِ أو نفسه. رواه البخاري. 2 - وعنْ عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: منْ ¬

(¬1) أي نطق بالشهادتين معتقدا صحتهما متبعاً أوامر الله تعالى مجتنبا نواهيه عاملا بشرعه مستقيما.

شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ عبده ورسوله، وأنَّ عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، والجنَّة حقٌّ، والنار حق أدخله الله الجنَّة على ما كان من عملٍ. زاد حباذة: من أبواب الجنَّة الثمانية أيها شاء رواه البخاري واللفظ له، ومسلم. ؛3 - وفي رواية لمسلم والترمذي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: منْ شهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدا رسول الله حرَّم (¬1) الله عليه النار. 4 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومعاذ رديفهُ على الرَّحل قال: يا معاذ بن جبلٍ؟ قال لبيك (¬2) يا رسول الله وسعديك ثلاثاً. قال: ما منْ أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرَّمه الله على النار. قال: يا رسول الله أفلا أخبربهِ الناس فيستبشروا؟ قال إذا يتَّكلموا، وأخبر بها معاذٌ عند موتهِ تأثماً (¬3) رواه البخاري ومسلم. (تأثما): أي تحرّجا من الإثم، وخوفا منه أن يلحقه إن كتمه. (قال المملي) عبد العظيم: وقد ذهب طوائف من أساطين أهل العلم إلى أن مثل هذه الإطلاقات التي وردت فيمن قال: لا إله إلا الله دخل الجنَّة، أو حرَّم الله عليه النار. ونحو ذلك إنما كان في ابتداء الإسلام، حين كانت الدعوة إلى مجرد الإقرار بالتوحيد، فلما فرضت الفرائض، وحدت الحدود نسخ ذلك، والدلائل على هذا كثيرة متظاهرة، وقد تقدم غير ما حديث يدل على ذلك في كتاب الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ويأتي أحاديث أخر متفرقة إن شاء الله، وإلى هذا القول ذهب الضحاك، والزهري، وسفيان الثوري وغيرهم وقال طائفة أخرى: لا احتياج إلى ادعاء النسخ في ذلك، فإن كل ما هو من أركان الدين، وفرائض الإسلام هو من لوازم الإقرار بالشهادتين، وتتماته، فإذا أقرّ ثم امتنع عن شيء من الفرائض جحدا، أو تهاونا على تفصيل الخلاف فيه حكمنا عليه بالكفر، وعدم دخول الجنة، ¬

(¬1) أبعد عنه العقاب. (¬2) إجابة بعد إجابة، وإسعاداً بعد إسعاد، والمعنى أنا سامع ملب مطيع. (¬3) أي خوفا من الوقوع في الذنب. خاف سيدنا معاذ رضي الله عنه أن يعتمد الناس على هذه الرخصة: البشرى: ويقصروا في تشييد الأعمال الصالحة، وخشي رضي الله عنه كتمان العلم.

وهذا القول أيضا قريب، وقالت طائفة أخرى: التلفظ بكلمة التوحيد سبب يقتضي دخول الجنة والنجاة من النار، بشرط أن يأتي بالفرائض، ويجتنب الكبائر، فإن لم يأت بالفرائض، ولم يجتنب الكبائر لم يمنعه التلفظ بكلمة التوحيد من دخول النار، وهذا قريب مما قبله، أو هو هو. وقد بسطنا الكلام على هذا، والخلاف فيه في غير ما موضع من كُتبنا، والله سبحانه وتعالى أعلم. 5 - وروي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنَّة. قيل: وما إخلاصها؟ قال: أنْ تحجزه (¬1) عن محارم الله. رواه الطبراني في الأوسط، وفي الكبير إلا أنه قال: أن تحجزه عمَّا حرَّم الله عليه. 6 - وعنْ رفاعة الجهنيِّ رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنَّا بالكيد (¬2)، أو بقديد فحمد الله، وقال خيراً، وقال أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأنِّي رسول الله صدقاً من قبلهِ، ثمَّ يسدِّد (¬3) إلا سلك في الجنة. رواه أحمد بإسناد لا بأس به، وهو قطعة من حديث. 7 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال عبد: لا إله إلا الله قطُّ مخلصاً: إلا فتحت له أبواب السماء حتى يفضي (¬4) إلى العرش ما اجتنبت (¬5) الكبائر. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. 8 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهرهِ يصيبهُ قبل ذلك ما أصابه (¬6). رواه الطبراني، وروا رواة الصحيح. ¬

(¬1) أي تمنعه وتبعده عن ارتكاب المعاصي وغشيان الفجور. (¬2) كانوا في جماعة، أن الغبار كان يثور من مشيهم. والكديد: التراب الناعم. فإذا وطئ ثار غباره، ومنه حديث إسلام عمر: (فأخرجنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفين له كديد ككديد الطحين). (¬3) يتحرى السداد، ويقصد العمل بالكتاب والسنة. (¬4) يذهب ثواب نطقه. (¬5) مدة الابتعاد عن الذنوب المهلكة. (¬6) ما لحق به من الأهوال تقيه الشهادة.

9 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال موسى صلى الله عليه وسلم: يا ربِّ علِّمني شيئاً أذكرك به، وأدعوك به؟ قال قلْ: لا إله إلا الله. قال: يا ربِّ كلُّ عبادك يقول هذا؟ قال قلْ: لا إله إلا الله. قال: إنما أريد شيئاً تخصُّني به؟ قال: يا موسى لوْ أنَّ السموات السَّبع والأرضين السبع في كفةٍ، ولا إله إلا الله في كفةٍ مالتْ بهم (¬1) لا إله إلا الله. رواه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم، كلهم من طريق دراج عن أبي الهيثم عنه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 10 - وعن جابرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله. رواه ابن ماجه، والنسائي وابن حبان في صحيحه، والحاكم، كلهم من طريق طلحة بن خراش عنه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 11 - وعنْ يعلي بن شدَّاد قال: حدَّثني أبي شداد بن أوسٍ رضي الله عنه، وعبادة بن الصامت حاضر يصدِّقه، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل فيكمْ غريبٌ، يعني أهل الكتاب؟ قلنا: لا يا رسول الله، فأمر بغلق الباب وقال: ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله، فرفعنا أيدينا ساعةً، ثمَّ قال: الحمد لله، اللهمَّ إنك بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنَّة، وأنت لا تخلف الميعاد، ثمَّ قال: أبشروا فإنَّ الله قد غفر لكمْ. رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني وغيرهما. 12 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جدِّدوا إيمانكمْ. قيل يا رسول الله: وكيف نجدِّد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول: لا إله إلا الله. رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن. 13 - وعنْ عبد الله رضي الله عنه من جاء بالحسنة؟ قال: من جاء بلا إله إلا الله، ومن جاء بالسَّيئة؟ قال: من جاء بالشِّرك: رواه الحاكم موقوفاً، وقال: صحيح على شرطهما. 14 - وعن عمرو رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ¬

(¬1) رجع ثوابهما، وزاد أجرها.

إنِّي لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقًّا من قلبه فيموت على ذلك الإحرام على النَّار: لا إله إلا الله. رواه الحاكم. وقال: صحيح على شرطهما، وروياه بنحوه. 15 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا من شهادة أن لا إلا الله قبل أن يحال (¬1) بينكم وبينها. رواه أبو يعلي بإسناد جيد قويّ. 16 - وروي عن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفاتيح الجنَّة شهادة أن لا إله إلا الله. رواه أحمد والبزار. 17 - وروي عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ عبدٍ قال: لا إله إلا الله في ساعةٍ من ليل أوْ نهارٍ إلا طمستْ (¬2) ما في الصَّحيفة من السيئات، حتى تسكن (¬3) إلى مثلها من الحسنات. رواه أبو يعلي. 18 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ لله تبارك وتعالى عموداً (¬4) من نورٍ بين يدي العرش، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله اهتز ذلك العمود، فيقول الله تبارك وتعالى: اسكنْ، فيقول: كيف أسكن ولمْ تغفرْ لقائلها؟ فيقول: إني قد غفرت له، فيسكن عند ذلك. رواه البزار، وهو غريبْ. 19 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليْس عل أهل لا إله إلا الله وحشةٌ (¬5) في قبورهم، ولا منشرهمْ (¬6)، وكأني أنظر إلى أهل لا إله إلا الله، وهمْ ينفضون التراب عن رؤوسهمْ ويقولون: الحمد لله الذي أذهب عنَّا الحزن (¬7). ¬

(¬1) قبل أن تمرضوا وتحتضروا فلا يفيد قولها، لأن العقل قد ذهب، وحرية العمل فقدت والله يحاسب على الاختيار (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت). (¬2) محت. (¬3) تدبج وتنقش الثواب بكثرة ذكر الله جل جلاله. (¬4) معناه أن ذلك النور المتلألئ يدعو الله جل جلاله أن يعفو عن ذكره سبحانه. (¬5) نفور وخوف. (¬6) في حياتهم ثانية. (¬7) همهم من خوف العاقبة، أو همهم من أجل المعاش وآفاته، أو من وسوسة إبليس وغيرها. قال تعالى: (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير 33 وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور، 3 الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب) 35 من سورة فاطر. (نصب) تعب (لغوب) كلال. إذ لا تكليف فيها ولا كد.

وفي روايةٍ: ليْس على أهل لا إله إلا الله وحشةٌ (¬1) عند الموتِ، ولا عند القبر. رواه الطبراني، والبيهقي كلاهما من رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني، وفي متنه نكارة. 20 - وعنْ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركمْ بوصيَّة نوحٍ ابنه؟ قالوا: بلى. قال: أوصى نوحٌ ابنه فقال لابنه: يا بنيَّ إنِّي أوصيك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: أوصيك بقول: لا إله إلا الله، فإنَّها لو وضعت (¬2) في كفَّةٍ، ووضعت السماوات والأرض في كفةٍ لرجحت بهنَّ، ولوْ كانت حلقة لقصمْتُهنَّ (¬3) حتى تخلص إلى الله، فذكر الحديث. رواه البزار، ورواته محتج بهم في الصحيح إلا ابن إسحاق، وهو في النسائي عن صالح بن سعيد رفعه إلى سليمان ابن يسار إلى رجل من الأنصار لم يسمِّه. ورواه الحاكم عن عبد الله، وقال: صحيح الإسناد، ولفظه قال: وآمر كما بلا إله إلا الله، فإنَّ السماوات والأرض، وما فيهما لوْ وضعت في كفةٍ، ووضعت لا إله إلا الله في الكفة الأخرى كانت أرجح منهما، ولوْ أنَّ السماوات والأرض، وما فيها كانتْ حلقة فوضعتْ لا إله إلا الله عليهما لقصمتهما، وآمرُ كما بسبحان الله وبحمده، فإنَّها صلاة كلِّ شيءٍ، وبها يرزق كلُّ شيء. 21 - وروي الترمذي عنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: التسبيح (¬4) نصف الميزان، والحمد لله تملؤه، ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجابٌ (¬5) حتى تخلص إليه، وقال الترمذي: حديث غريب. 22 - وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله يستخلص رجلاً من أمَّتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشرُ عليه تسعةً وتسعين سجلاًّ (¬6) كلُّ سجلٍ مثل مدِّ البصر، ثمَّ يقول: أتنكر من هذا ¬

(¬1) نفور وذلة، وقشعريرة وخوف أثناء الاحتضار. يتجلى الله برضوانه تعالى على العبد الموحد المخلص، ويحفظه من عاديات القبر وأهواله. (¬2) ثواب قولها. (¬3) لكسرتهن وقطعتهن. (¬4) سبحان الله ثوابها يملأ نصف الميزان أجرا. (¬5) يذهب ثوابها إلى الله بلا مانع. (¬6) كتاباً: أي متسعا جدا بعيد المدى.

الترغيب في قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له

شيئاً، أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: أفلك عذرٌ؟ فقال: لا ياربِّ، فيقول الله تعالى: بلى إنَّ لك عندنا حسنة، فإنَّه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة (¬1) فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، فيقول: احضرْ وزنك، فيقول: يا ربِّ ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: فإنَّك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفةٍ، والبطاقة في كفَّةٍ، فطاشت السّجلات، وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، (الترغيب في قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له) 1 - عنْ أبي أيوب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيء قدير عشر مرَّاتٍ كان كمنْ أعتق (¬2) أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. ورواه أحمد والطبراني فقالا: كنَّ له عدْل عشر رقابٍ، أو رقبة على الشَّكِّ فهي، وقال الطبراني في بعض ألفاظه: كنَّ له كعدل عشر رقابٍ من ولد إسماعيل عليه السلام من غير شكٍ. 2 - وعنْ يعقوب بن عاصم رضي الله عنه عنْ رجلين من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهما سمعا النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ما قال عبد قطُّ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. مخلصا بها روحه مصدِّقا بها قلبهُ، ناطقاصا بها لسانه إلا فتق الله عزَّ وجلَّ له السَّماء فتقاً حتى ينظر إلى قائلها من الأرض، وحقَّ لعبدٍ نظر (¬3) الله إليه أن يعطيه سؤلهُ. رواه النسائي. ¬

(¬1) ورقة كتبت فيها الشهادتان اللتان قالهما العبد في حياته وحفظهما الملك عتيد له. (¬2) أطلقهم أحرارا لوجه الله الكريم، وأزال عنهم العبودية، وفك أسرهم ابتغاء ثواب ربه. (¬3) فتح، والمعنى نظر الله إليه نظرة رحمة ورأفة، وقبل توحيده وشكره، وأجاب طلبه وقضي حاجته.

3 - وعنْ أبي أيُّوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير كان كعدلِ (¬1) محرَّرٍ، أوْ محررَّين. رواه الطبراني، ورواته ثقات محتج بهم. 4 - وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من منح (¬2) منيحة ورقٍ (¬3)، أو منيحة (¬4) لبنٍ، أو هدى زقاقاً (¬5) فهو كعتاق نسمةٍ (¬6)، ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قديرٌ، فهو كعتق نسمفةٍ (¬7). رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح وهو في الترمذي باختصار التهليل، وقال: حديث حسن صحيح، وفرقة ابن حبان في صحيحه في موضعين فذكر المنيحة في موضع، والتهليل في آخر. 5 - عنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير لمْ يسبقها (¬8) عملٌ ولم يبق معها سيِّئة. رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح، وسليم بن عثمان الطائي، ثم الفوزي يكشف حاله. 6 - وعنْ عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: خير الدُّعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلتُ أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. (قال المملي) وفي أذكار المساء والصباح، وما يقوله بعد الصبح والعصر والمغرب وما يقوله إذا دخل السوق، وغير ذلك أحاديث كثيرة من هذا الباب. ¬

(¬1) قال الفراء: العدل بالفتح: ما عدل الشيء من غير جنسه، وبالكسر المثل: أي كثواب فك أسير ذليل أو أسيرين. (¬2) أعطى عطية. (¬3) قال المناوي: وهي القرض الحسن. (¬4) بأن يعيره ناقة أو شاة ليحلبها مدة ثم يردها. (¬5) الطريق. يريد من دل ضالا أو أعمى على طريق. (¬6) وهي كل ذي روح، والمراد هنا رقبة عبد أو أمة. أهـ جامع صغير ص 359 جـ 3. (¬7) إزالة عبودية إنسان. (¬8) لم يوجد عمل صالح مثلها.

الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد على اختلاف أنواعه

(نوع منه) 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو الحيُّ الذي لا يموت بيدهِ الخير وهو على كلِّ شيء قدير لا يريد بها إلا وجه الله أدخله الله بها جنَّات النَّعيم. رواه الطبراني من رواية يحيى من عبد الله البابلتي. (نوع آخر منه) 1 - رُوي عن عبد الله بن أبي أوْفي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحداً صمداً لمْ يلدْ يُولد ولمْ يكن له كفواً أحدٌ كتب الله له ألفي ألفِ (¬1) حسنة. رواه الطبراني. (الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد على اختلاف أنواعه) 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلمتانِ (¬2) خفيفتان على اللِّسان، ثقيلتان في الميزان، وحبيبتان إلى الرَّحمن: سبحانَ ¬

(¬1) كذا ط وع ص 512، وفي ن د: ألفي حسنة. (¬2) قال الشرقاوي: كلمتان خبر مقدم، وما بعده صفة بعد صفة والمبتدأ سبحان الله، وإن كانا منصوبين على الحكاية فهما في محل رفع، وقدم الخبر ليشوق السامع إلى المبتدأ فيكون أوقع في النفس وأدخل في القبول، لأن الحاصل بعد الطلب أعز من المنساق بلا تعب كقوله: ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر (حبيبتان) المراد محبوبية قائلهما، ومحبة الله تعالى لعبده إيصال الخير له والتكريم، وخص اسم الرحمن لذكره في المكان اللائق به كقوله تعالى: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا) (خفيفتان) للين حروفهما وسهولة خروجهما فالنطق بهما سريع (ثقيلتان) حقيقة لكثرة الأجور المدخرة، والحسنات المضاعفة لذاكريهما. فالموزون نفس الكلمات لأن الأعمال تجسم، وقيل صحائفها لحديث البطافة المشهور. ومعنى سبحانه الله: تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص. أي أسبحه متلبساً بحمدي له من أجل توفيقه لي للتسبيح، والباء للملابسة، وقيل للاستعانة: أي أسبحه بما حمد به نفسه، وقيل للسببية: أي أسبح الله وأثنى عليه بحمده. قال الخطابي: المعنى وبمعونتك التي هي نعمة توجب على حمدك سبحتك لا بحولي وقوتي (سبحان الله العظيم) ليجمع بين مقامي الرجاء من (الرحمن) المنعم المحسن، والخوف من (العظيم) أي من هيبته تعالى، وفي الحديث من علم البديع: المقابلة =

الله وبحمده سبحان الله العظيم. رواه البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي، وابن ماجه. 2 - وعنْ أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك بأحبِّ الكلام إلى الله؟. قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال: إن أحبَّ الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده. رواه مسلم والنسائي والترمذي إلا أنه قال: سبحان ربِّي وبحمده. وقال حديث حسن صحيح. 3 - وفي رواية مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيُّ الكلام أفضل: قال: ما اصطفى (¬1) الله لملائكتهِ، أو لعبادهِ: سبحان الله وبحمده. 4 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: من قال سبحان الله وبحمده، كتب له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنةٍ، ومنْ قال: لا إله إلا الله كان له بها عهد عند الله يوم القيامة. رواه الطبراني بإسناد فيه نظر. زاد في رواية له عن أيوب بن عتبة عن عطاء عنه بنحوه، فقال رجل: كيف نهْلكُ بعد هذا يا رسول الله؟ قال: إنَّ الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبلٍ لأثقله فتقوم النِّعمة من نعم الله تكاد أن تستنفد (¬2) ذلك كله إلا أن يتطوَّل (¬3) الله برحمته. 5 - ورواه الحاكم من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن جده. ¬

= والموازنة في السجع لأنه قابل الخفة على اللسان بالثقل في الميزان، ومن علم البيان الاستعارة (خفيفتان) شبه سهولة جريانهم على اللسان بخفة المحول من الأمتعة، واشتق من ذلك خفيفتان بمعنى سهلتا الجري على اللسان لقلة حروفهما ورشاقتهما، وأمل الثقل فهو حقيقة عند السنة، وفي حث على المواظبة عليهما. روي أن ع يسى عليه الصلاة والسلام سئل: ما بال الحسنة تثقل والسيئة تخف؟ فقال إن الحسنة حضرة مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها، والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفت عليك فلا يحملنك على فعلها خفتها فإن بذلك تخف الموازين يوم القيامة. أهـ ص 392 جـ 3. وقال الطيبي: الخفة مستعارة للسهولة، شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يخف على الحامل من بعض المحمولات فلا يشق عليه، فذكر المشبه وأراد المشبه به، وأما الثقل فعلى حقيقته لأن الأعمال تتجسم. وفيه حث على المواظبة على هذا الذكر، وتحريض على ملازمته لأن جميع التكاليف شاقة على النفس وهذا سهل، ومع ذلك يقل في الميزان (الرحمة) تنبيه على سعة رحمة الله تعالى حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل أهـ فتح ص 162 جـ 11. (¬1) اختار ورضى. (¬2) تذهب. (¬3) يتفضل وينعم ويسامح، وفيه الإكثار من ذكر الله.

ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله دخل الجنَّة، أوْ وجبتْ له الجنَّة، ومنْ قال: سبحان الله وبحمدهِ مائة مرَّة كتب الله له مائة ألف حسنةٍ وأربعاً وعشرين ألف حسنةٍ. قالوا: يا رسول الله إذا لا يهملك منَّا أحدٌ؟ قال: بلى إنَّ أحدكم ليجيء بالحسنات لوْ وضعت على جبلٍ أثقلته، ثمَّ تجيء النعم فتذهب بتلك، ثمَّ بتطاول الرَّبُّ بعد ذلك برحمته، قال: الحاكم: صحيح الإسناد. 6 - وعنْ عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال سبحان الله وبحمده غرستْ له نخلةٌ في الجنَّة. رواه البزار بإسناد جيد. 7 - وعنْ جابرٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلةٌ في الجنَّة. رواه الترمذي وحسنه، واللفظ له والنسائي إلا أنه قال: غرست له شجرة في الجنَّة، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في موضعين بإسنادين قال في أحدهما: على شرط مسلم، وقال في الآخر: على شرط البخاري. 8 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هاله (¬1) الليل أن يكابده، أوْ بخل بالمال أن ينفقه، أو جبن عن العدوِّ أن يقاتله فليكثر (¬2) من: سبحان الله وبحمده، فإنها أحبُّ إلى الله من جبل ذهبٍ ينفقه (¬3) في سبيل الله عزَّ وجلَّ. رواه الفريابي والطبراني واللفظ له، وهو حديث غريب، ولا بأس بإسناده إن شاء الله. 9 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن قال سبحان الله وبحمدهِ، في يومٍ مائة مرَّةٍ غفرت له ذنوبه، وإنْ كانت مثل زبد البحر (¬4) رواه مسلم والترمذي، والنسائي في آخر حديث يأتي إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) هاله: شق عليه، صعب عليه قيام الليل للعبادة. (¬2) فليدم على هذه الصيغة. (¬3) يصرفه، والمعنى ينال ثوابا جليلا مثل إنفاق هذا الجبل. (¬4) كناية عن المبالغة في الكثرة. قال عياض قوله: (حطت عنه خطاياه) - وقوله في التهليل: (محيت عنه مائة سيئة) قد يشعر بأفضلية التسبيح على التهليل: يعني لأن عدد زبد البحر أضعاف أضعاف المائة لكن تقدم في التهليل (ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به) فيحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون التهليل أفضل، وأنه بمزيد من رفع الدرجات وكتب الحسنات، ثم ما جعل مع ذلك من فضل عتق الرقاب قد يزيد على فضل التسبيح، وتكفيره جميع الخطايا لأنه قد جاء (من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار) فحصل بهذا العتق =

وفي رواية للنسائي من قال: سبحان الله وبحمده حطَّ (¬1) الله عنه ذنوبه، وإنْ كانتْ أكثر من زبد البحر. لمْ يقلْ في هذه في يومٍ، ولمْ يقل مائة مرَّةٍ، وإسنادهما متصل، ورواتهما ثقات. 10 - وعنْ سليمان بن يسار رضي الله عنه عن رجل من الأنصار أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: قال نوح لابنهِ: إني موصيك بوصيَّةٍ وقاصرها لكيْ لا تنساها، أوصيك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: أما اللتان أوصيك بهما: فيستبشر الله بهما، وصالح خلقهِ، وهما يكثران الولوج على الله، أوصيك بلا إله إلا الله، فإنَّ السموات والأرض لو كانتا حلقة قصمتهما، ولوْ كانتا في كفَّةٍ وزنتهما، وأصيك: سبحانه الله وبحمده، فإنهما صلاة الخلق، وبهما يرزق الخلق، وإن من شيء إلا يسبِّح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهمْ إنه كان حليما غفوراً. وأما اللتان أنهاك عنهما: فيحتجب الله منهما، وصالح خلقهِ: أنهاك عن الشِّرك (¬2) والكبر (¬3) رواه النسائي، واللفظ له والبزار والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. (الولوج) الدخول. 11 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أستغفر الله وأتوب إليه من قالها كتبت له كما قالها، ثمَّ علِّقت بالعرش لا يمحوها ذنب عمله صاحبها حتى يلقى الله يوم القيامة وهي مختومة كما قالها. رواه البزار، ورواته ثقات إلا يحيى بن عمر بن مالك النكري. 12 - وعنْ مصعب بن سعدٍ رضي الله عنه قال: حدَّثني أبي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيعجز أحدكمْ أن يكسب كلَّ يوم ألف حسنةٍ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة ¬

= تكفيره جميع الخطايا عموما بعد حصر ما عدد منها، خصوصاً مع زيادة مائة درجة، وما زاده في عتق الرقاب الزيادة على الواحدة، ويؤيده الحديث (أفضل الذكر التهليل، وأنه أفضل ما قاله هو والنبيون من قبله) وهو كلمة التوحيد والإخلاص، وقيل إنه اسم الله الأعظم. أهـ ص 160 جـ 11. (¬1) محا ذنوبه وإن كثرت. (¬2) أن تجعل لله شريكا في ذاته، أو في صفاته أو في أفعاله. (¬3) العظمة والغطرسة، والعجب بالنفس، وقلة الأدب، وعدم الذوق في المعاملة، واحتقار الناس، والتقصير في واجباتهم ازدراء يشين.

فتكتب له ألف حسنةٍ، أو تحطُّ عنه ألف خطيئةٍ. رواه مسلم والترمذي، وصححه. والنسائي. قال الحميدي رحمه الله: كذا هو في كتاب مسلم في جميع الروايات، أو تحطُّ. قال البرقاني: ورواه شعبة، وأبو عوانة، ويحيى القطان عن موسى الذي رواه مسلم من جهته، فقالوا: وتحطُّ بغير ألفٍ انتهى. (قال الحافظ) هكذا رواية مسلم، وأما الترمذي والنسائي، فإنهما قالا: وتحطُّ بغير ألفٍ، والله أعلم. 13 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس. رواه مسلم والترمذي. 14 - وعنْ سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرُّك بأيِّهِنَّ بدأت. رواه مسلم وابن ماجه والنسائي، وزاد: وهنَّ من القرآن ورواه النسائي أيضاً، وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة. 15 - وعنْ رجلٍ من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الكلام سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. رواه أحمد، ورواته محتجّ بهم في الصحيح. 16 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ به وهو يغرس غرساً، فقال: يا أبا هريرة، ما الذي تغرس؟ قلت غراساً. قال: ألا أدللك على غراسٍ خير من هذا؟ سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تغرس لك بكل واحدةٍ شجرة في الجنة. رواه ابن ماجه بإسناد حسن، واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 17 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي، قال يا محمَّد: أقرئ أمَّتك مني السلام،

وأخبرهمْ أنَّ الجنَّة طيِّبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان (¬1) وأنَّ قيعان (1)، وأنَّ غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. رواه الترمذي والطبراني في الصغير والأوسط وزاد: ولا حول ولا قوَّة إلا بالله. وروياه عن عبد الواحد بن زياد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم عن أبيه عن ابن مسعود، قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. (قال الحافظ) أبو القاسم: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن هذا لم يسمع من أبيه، وعبد الرحمن بن إسحاق هو أبو شيبة الكوفي واهٍ. ورواه الطبراني أيضاً بإسناده واهٍ من حديث سلمان الفارسي، ولفظه: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ في الجنَّة قيعانا فأكثروا منْ غرسها. قالوا: يا رسول الله وما غرسها؟ قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. 18 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر غرس له بكلٍ واحدة منهنَّ شجرةٌ في الجنَّة. رواه الطبراني وإسناده حسن لا بأس به في المتابعات. 19 - وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من هلَّل مائة مرَّة، وسبح مائة مرَّةٍ، وكبَّر مائة مرَّة كان خيرا له من عشر رقابٍ يعتقهنَّ، وستِّ بدناتٍ (¬2) ينحرهنَّ. ¬

(¬1) أمكنه مستوية منبسطة واسعة في وطأة من الأرض يعلوها ماء السماء: أي المطر فتمسكه، ويستوي نباتها، القيعان: جمع قاع (إنما هي قيعان أمسكت الماء) الحديث. أهـ نهاية. المعنى أرض مخصبة مثمرة منتجة. قال تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) 46 - من سورة الكهف. الباقيات: أي أعمال الخيرات والصلوات، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر والكلام الطيب. (¬2) جمع بدنة، وإنما سميت بها الإبل لعظم بدنها. قال تعالى: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون) 36 من سورة الحج. شعائر من أعلام دينه التي شرعها الله تعالى (خير) منافع دينية (صواف) قائمات: أي صوافي خوالص لوجه الله تعالى (وجبت جنوبها) سقطت على الأرض كناية عن الموت (القانع) الراضي بما عنده وبما يعطي من غير مسألة (المعتر) المعترض بالسؤال (تشكرون) إنعامنا عليكم بالتقرب والإخلاص. أهـ بيضاوي.

وفي روايةٍ: وسبع بدناتٍ. رواه ابن أبي الدنيا عن سلمة بن وردان عنه، وهو إسناد متصل حسن. 20 - وعنْ أمِّ هانئ رضي الله عنها قالت: مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقلت: يا رسول الله قدْ كبرتْ سنِّي، وضعفت، أو كما قالتْ: فمرني بعملٍ أعمله وأنا جالسة؟ قال: سبِّحي الله مائة تسبيحةٍ، فإنها تعدل لك مائةرقبةٍ تعتقينها من ولد إسماعيل، واحمدي الله مائة تحميدةٍ، فإنها تعدل لك مائة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله، وكبِّري الله مائة تكبيرة، فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلَّدة متقبلةٍ، وهلِّلي الله مائة تهليلة: قال أبو خلف: أحسبه قال تملأ ما بين السماء والأرض، ولا يرفع يومئذٍ لأحد عمل أفضل مما يرفع لك إلا أن يأتي بمثل ما أتيت. رواه أحمد بإسناد حسن، واللفظ له والنسائي، ولم يقل: ولا يرفع. إلى آخره، والبيهقي بتمامه ورواه ابن أبي الدنيا فجعل ثواب الرِّقاب في التحميد، ومائة فرس في التسبيح، وقال فيه: وهالي الله مائة تهليلةٍ لا تذر ذنباً، ولا يسبقها عملٌ. ورواه ابن ماجه بمعناه باختصار، ورواه الطبراني في الكبير بنحو أحمد، ولم يقل: أحسبهُ ورواه في الأوسط بإسناد حسن إلا أنه قال فيه: قلتُ يا رسول الله قد كبرت سني، ورقَّ عظمي فدلَّني على عملٍ يدخلني الجنة، قال: بخٍ بخٍ لقدْ سألت، وقال فيه وقولي: لا إله إلا الله مائة مرَّةٍ، فهو خير لك مما أطبقتْ عليه السماء والأرض، ولا يرفع يومئذٍ عمل أفضل مما يرفع لك إلا من قال مثل ما قلتِ، أو زاد. ورواه الحاكم بنحو أحمد، وقال: صحيح الإسناد، وزاد قولي: ولا حول ولا قوَّة إلا بالله لا تترك ذنبا، ولا يشبهها عمل. 21 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ قال: سبحان الله وبحمده كان مثل مائة بدنةٍ إذا قالها مائة مرَّةٍ، ومن قال: الحمد لله مائة مرَّة كان عدل مائة فرس مسرج ملجمٍ في سبيل الله، ومن قال: الله أكبر مائة مرَّة كان عدل مائة بدنةٍ تنحر بمكَّة. رواه الطبراني، ورواة إسناده رواة الصحيح خلا

سليم بن عثمان الفوزي يكشف حاله فإنه لا يحضرني الآن فيه جرح ولا عدالة. 22 - وعنْ أبي هريرة وأبي سعيدٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله اصطفى من الكلام أربعاً: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمن قال: سبحان الله كتب له عشرون حسنة، وحطَّت عنه عشرون سيِّئة، ومن قال: الله أكبر فمثل ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله فمثل ذلك، ومن قال: الحمد لله ربِّ العالمين من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنةً. وحطَّت عنه ثلاثون سيئة. رواه أحمد، وابن أبي الدنيا، والنسائي واللفظ له، والحاكم بنحوه، وقال: صحيح على شرط مسلم، والبيهقي، وفي آخره: ومنْ أكثر ذكر الله فقد برئ من النِّفاق. 23 - وعن أبي مالكٍ الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطهور (¬1): شطر الإيمان، والحمد لله: تملأ الميزان، وسبحانه الله والحمد لله: تملآن الميزان أوْ تملأ ما بين السماوات والأرض (¬2)، والصلاة: نورٌ (¬3)، والصَّدقة: برهان (¬4)، ¬

(¬1) الأكثرون على ضم الطاء: أي الأجر ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان، وقيل الإيمان يجب ما قبله من الخطايا وكذا الوضوء، لأن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر، وقيل المراد بالإيمان هنا الصلاة كما قال الله تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر، وقيل الإيمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر، وهما شطر الإيمان والطهارة متضمنة الصلاة فهي انقياد في الظاهر والله أعلم أهـ نووي ص 101 جـ 3. (¬2) لو قدر ثوابهما جسما لملأ ما بين السماوات والأرض، وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله الحمد لله والله أعلم. (¬3) تمنع من المعاصي، وتنهي عن الفحشاء، والمنكر، وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به، وقيل معناه يكون أجرها نورا لصاحبها يوم القيامة، وقيل لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف، وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها، وإقباله إلى الله تعالى بظاهره وباطنه، وقد قال الله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة) وقيل تكون نورا ظاهرا على وجهه في الآخرة، وفي الدنيا يتجلى على وجهه البهاء والصفاء بخلاف من لم يصل والله أعلم. (¬4) قال صاحب التحرير: معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين .. كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين، ويجوز أن يوسم المتصدق بسيماء يعرف بها فيكون برهانا له على حاله، ولا يسأل عن مصرف ماله، وقال غيره: الصدقة حجة على إيمان فاعلها فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه والله أعلم.

والصبر (¬1): ضياء، والقرآن: حجة لك، أو عليك (¬2) كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها (¬3) رواه مسلم والترمذي والنسائي. 24 - وعن رجل من بني سليمٍ قال: عدَّهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في يدي: أو في يده. قال: التسبيح (¬4): نصف الميزان، والحمد لله: تملؤه، والتكبير (¬5): يملأ (¬6) ما بين السماء والأرض، والصوم (¬7): نصف الصبر، والطهور: نصف الإيمان. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. ¬

(¬1) حبس النفس على طاعة الله تعالى، وإبعادها عن معصيته، وعدم الجزع عند النائبات وأنواع المكاره. ولا يزال الصابر محمودا مستضيئا، مهتديا مستمرا على الثبات، متحليا بمكارم الأخلاق لا يعرف للجزع سبيلا. قال ابراهيم الخواص: الصبر هو الثبات على الكتاب والسنة، وقال ابن عطاء: الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب، وقال الأستاذ أبو على الدقائق رحمه الله تعالى: حقيقة الصبر أن لا يعترض على المقدور، فأما إظهار البلاء لأعلى وجه الشكوى فلا ينافي الصبر. قال الله تعالى في أيوب عليه السلام: (إنا وجدناه صابرا نعم العبد) مع أنه قال: (إني مسني الضر) والله أعلم. (¬2) أي تنتفع به إن تلوته وعملت به، وإلا فشاهد على تقصيرك. (¬3) أي كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها: أي يهلكها. أهـ نووي ببعض تصرف ص 102 جـ 3. إن هذا الحديث جمع خلال الخير وأنواع البر، يدعو إلى النظافة، ويحث على طهارة الظاهر من الدنس والباطن من الحسد والغل والحقد والأذى، ويطلب العمل الصالح وإجابة أوامر الله، والمحافظة على الصلوات تامة كاملة، ويطلب الزكاة والكرام، والانفاق في إقامة مشروعات الخير، وإعانة الفقراء والضعفاء، ويدعو إلى تحلي الأمة بالصبر لتحيا ولتجاهد، ولتعمل ولتنعم ولتتقدم وتجابه الحوادث بعزيمة صارمة شامخة، وإرادة قوية تستهزئ بالمصاعب، وتسخر من الكوارث رجاء فلاحها وحسن عاقبتها (العاقبة للتقوى) ويدعو إلى إرشاد المسلمين إلى كتابهم العزيز، والاصغاء إلى نصائحه، والعمل بأوامر، والتخلي عن مناهيه، وإلا فشاهد عدل وحجة على إهمالهم. قال تعالى: أ - (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الأباب) 29 من سورة ص. ب - (والكتاب المبين 2 إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون 3 وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين) 5 من سورة الزخرف. لكي تفهموا معانيه وتعملوا به (أم الكتاب) اللوح المحفوظ (لدينا) محفوظا عن التغيير عندنا (لعلي) رفيع الشأن معجز ذو حكمة بالغة، أو محكم لا ينسخه غيره (أفنضرب) أي أنهملكم فنضرب عنكم الذكر حالة كونكم صافحين معرضين عنه، لأن كنتم. أسأل الله السلامة والهداية، ووفقنا يا رب للعمل به ما حيينا، ولاتباع سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬4) تنزيه الله وتقديسه بالاكثار من ذكر الله وتسبيحه، ويملأ نصف ميزان المسبح ثوابا وحسنات. (¬5) الثناء عليه والشكر له وتبجيله. (¬6) تعظيم الله يملؤهما أجرا. (¬7) حبس النفس عن المفطرات طول يومه حبا في ثواب الله جل وعلا ولذلك تكفل الله وحده باغداق =

ورواه أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بنحوه، وزاد فيه: ولا إله إلا الله ليْس لها دون الله حجابٌ حتى تخلص إليه. 25 - وعنْ أبي ذرٍ رضي الله عنه أنَّ ناساً من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ذهب أهل الدُّثور بالأجور يصلُّون كما نصلِّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهمْ، قال: أو ليس قد جعل الله لكمْ ما تصدًّقون به؟ إن بكلِّ تسبيحة صدقةً، وكلُّ تكبيرة صدقة، وكل تحميدةٍ صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجرٌ (¬1)؟ قال: أرأيتم لوْ وضعها في حرام (¬2) كان علي وزرٌ (¬3) فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ. رواه مسلم وابن ماجه. (الدثور) بضم الدال: جمع دثر بفتحها، وهو المال الكثير. (والبضع) بضم الموحدة: هو الجماع، وقيل هو الفرج نفسه. 26 - وعنْ أبي سلمى رضي الله عنه راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بخٍ بخٍ (¬4) لخمس ما أثقلهنَّ (¬5) في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه (¬6) رواه النسائي واللفظ له، وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه ورواه البزار بلفظه من حديث ثوبان، وحسن إسناده، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث سفينة، ورجاله رجال الصحيح. ¬

= الأجور على الصائم. قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) قال تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصوم ثوابه نصف ثواب الصبر ليحث على كبح جماح النفس في الاسترسال في الشهوات والترف، وحسبك قوله صلى الله عليه وسلم: (من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا). (¬1) ثواب: معناه قصد الزنا وهتك الأعرض، وتمزق حجاب العفاف. (¬2) ذنب فيه الحث على كثرة التسبيح، والتحميد، وقربان الرجل زوجه، واجتناب المحارم وتقديم النصائح وبث الهداية، والحض على ترك الرذائل. (¬3) ذنب فيه الحث على كثرة التسبيح, والتحميد والتكبير, وقربان الرجل زوجه, واجتناب المحارم وتقديم النصائح وبث الهداية, والحض على ترك الرذائل. (¬4) كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء وتكرر للمبالغة والإحسان. (¬5) ترجح كفتها ويكثر أجرها. (¬6) يطلب من الله العوض، ويسلمه ذخيرة عند ربه ولا يجزع، ولا يقول ما يغضب الرب تبارك وتعالى.

27 - وعنْ عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خلق كلُّ إنسان من بني آدم على ستِّين وثلاثمائة مفصلٍ (¬1). فمن كبَّر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعزل (¬2) حجراً عن طريق المسلمين، أو شوْكة أوع ظماً عن طريق المسلمين، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر عدد تلك السِّتين والثلثمائة، فإنَّه يمسى يؤمئذ، وقد زحزح - نحى: قال تعالى: (فمن زحزح عن النار) أي أزيل عن مقره فيها. أهـ غريب (¬3) نفسه عن النار. قال أبو توبة: وربما قال: يمشي، يعني بالشين المعجمة. رواه مسلم والنسائي. 28 - وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: قال أعرابي: يا رسول الله إنِّي قد عالجت (¬4) القرآن، فلمْ استطعه فعلِّمني شيئا يجزئ (¬5) من القرآن، قال قلْ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فقالها وأمسكها بأصابعهِ، فقال: يا رسول الله هذا لربي فمالي؟ قال تقول: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني، واحسبه قال واهدني، ومضى الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذهب الأعرابي وقد ملأ يديه خيراً. رواه ابن أبي الدنيا عن الحجاج بن أرطاة عن إبراهيم السكسكي عنه، ورواه البيهقي مختصرا، وزاد فيه. ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإسناده جيد. 29 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: علمني كلاما أقوله، قال قلْ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله ربِّ العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم. قال: هؤلاء لربي فما لي؟ قال قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني، وزاد من حديث أبي مالك الأشجعي: وعافني. وفي رواية قال: فإنَّ هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك. رواه مسلم. 30 - وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ بدويٌّ إلى ¬

(¬1) أي عضو متحرك ما بين كل أنملتين. (¬2) أبعده من طريق الناس. (¬3) نحى: قال تعالى: (فمن زحزح عن النار) أي أزيل عن مقره فيها. أهـ غريب. (¬4) أخذت في تلاوته فصعبت على قراءته قراءة تامة. (¬5) يعطيني ثوابا جزيلا كأني قرأت من القرآن.

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني خيرا. قال قلْ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. قال: وعقد بيده أربعاً، ثمَّ ذهب فقال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثمَّ رجع فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم، وقال تفكَّر البائس، فقال: يا رسول الله سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، هذا كله لله فمالي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قلت سبحان الله. قال الله: صدقت، وإذا قلت: الحمد لله قال الله: صدقت، وإذا قلت: لا إله إلا الله. قال الله: صدقت، وإذا قلت: الله أكبر قال الله: صدقت، فتقول: اللهم اغفر لي فيقول الله: قد فعلت، فتقول: اللهمَّ ارحمني، فيقول الله: قد فعلتُ، وتقول: اللهم ارزقني، فيقول الله: قد فعلت. قال: فعقد الأعرابي سبعا في يده. رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي، وهو في المسند وسنن النسائي من حديث أبي هريرة بمعناه. 31 - وعنْ سلمى أمِّ بني أبي رافعٍ رضي الله عنها مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالتْ: يا رسول الله أخبرني بكلماتٍ، ولا تكثر عليَّ؟ فقال: قولي الله أكبر عشر مرَّات. يقول الله: هذا لي، وقولي: سبحان الله عشر مرَّات يقول الله: هذا لي، وقولي. اللهمَّ اغفر لي، يقول: قد فعلت، فتقولين عشر مرَّاتٍ، ويقول قد فعلت. رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح. 32 - وعنْ أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استكثروا من الباقيات (¬1) الصالحات (¬2). قيل: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل، والتسبيح، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. رواه أحمد، وأبو يعلي والنسائي، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) الدائم ثوابها ونعيمها. (¬2) المقبول ذكر الله بها، الداعية إلى تبجيل الله وتقديسه، والاعتماد عليه سبحانه، والفويض له جل وعلا، فلا تحول على الطاعة، ولا قدرة على اتباع أوامر الشرع إلا بتوفيقه عز شأنه. قال في النهاية: المعنى لا حركة ولا قوة إلا بمشيئة الله تعالى، وقيل الحول: الحيلة، والأول أشبه أهـ.

33 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خذوا جنَّتكم. قالوا: يا رسول الله عدوٌّ حضر؟ قال: لا، ولكن جنَّتكم من النار. قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنَّهنَّ يأتين يوم القيامة مجتَّنبات ومعقِّباتٍ، وهنَّ الباقيات الصالحات. رواه النسائي واللفظ له، والحاكم والبيهقي وقال: الحاكم: صحيح على شرط مسلم. (جنتكم) بضم الجيم، وتشديد النون: أي ما يستركم، ويقيكم. (ومجنبات) بفتح النون: أي مقدمات أمامكم، وفي رواية الحاكم منجيات بتقديم النون على الجيم، وكذا رواه الطبراني في الأوسط، وزاد: ولا حول ولا قوَّة إلا بالله. ورواه في الصغير من حديث أبي هريرة فجمع بين اللفظين فقال: ومنجيات، ومجنبات. وإسناده جيد قوي. (ومعقبات) بكسر القاف المشددة: أي تتعقبكم، وتأتي من ورائكم. 34 - وعنْ أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنَّهنَّ الباقيات الصالحات، وهنَّ يحططن (¬1) الخطايا كما تحط الشجرة ورقها، وهي منْ كنوز الجنة. رواه الطبراني بإسنادين أصلحهما فيه عمر بن راشد، وبقية رواته محتج بهم في الصحيح، ولا بأس بهذا الإسناد في المتابعات، ورواه ابن ماجه من طريق عمر أيضا باختصار. 35 - وعن النُّعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ مما تذكرون من جلال الله: التسبيح، والتهليل والتحميد ينعطفن (¬2) حول العرش لهنَّ دوي (¬3) كدويِّ النحل تذكر بصاحبها، أو يحبُّ أحدكم أن يكون له، أوْ لا يزال له من يذكر به. رواه ابن أبي الدنيا، وابن ماجه واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 36 - وعنْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إذا حدَّثتكم بحديثٍ أتيناكمْ بتصديق ذلك في كتاب الله: إن العبد إذا قال سبحان الله، والحمد لله، ¬

(¬1) تزيلها وتلقيها. وفيه: (من ابتلاء الله ببلاء في جسده فهو له حطة) أي تحط عنه خطاياه وذنوبه، وهي فعلة، من حط الشيء يحطه: إذا أنزله وألقاه. أهـ نهاية. (¬2) يملن. (¬3) صوت.

ولا إله إلا الله، والله أكبر، وتبارك الله قبض عليهنَّ ملك فضمَّهنَّ تحت جناحهِ، وصعد بهنَّ لا يمرُّ بهنَّ على جمعٍ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهنَّ حتى يحيا بهنَّ وجه الرَّحمن ثمَّ تلا عبد الله: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه (¬1). رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. (قال الحافظ) كذا في نسختي يحيا بالحاء المهملة، وتشديد المثناة تحت، ورواه الطبراني فقال: حتى يجيء بالجيم، ولعله الصواب. 37 - وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما على الأرض أحد يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولاقوَّة إلا بالله إلا كفَّرت (¬2) عنه خطاياه: ولوْ كانتْ مثل زبد البحر. رواه النسائي والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن، وروي شعبة هذا الحديث من أبي بلج بهذا الإسناد نحوه. ولم يرفعه. انتهى، ورواه ابن أبي الدنيا والحاكم، وزادا: وسبحان الله، والحمد لله، وقال الحاكم: حاتم ثقة، وزيادته مقبولة: يعني حاتم ابن أبي صغيرة. 38 - وعنْ أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ غصناً فنفضه (¬3) فلمْ ينتفضْ، ثمَّ نفضه فلم ينتفض، ثمَّ نفضه فانتفض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ سبحان الله: والحمد لله، ولا له إلا الله، والله أكبر تنفض الخطايا كما تنفض (¬4) الشجرة ورقها. رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، والترمذي ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بشجرة يابسة الورق فضربها بعصا فتتناثر ورقها ¬

(¬1) بيان لما يطلب به العزة، وهو التوحيد والعمل الصالح، وصعودها إليه مجاز عن قبوله إياهما، أو صعود الكتبة بصحيفتهما، والمستكن في (يرفعه) الكلم. فإن العمل لا يقبل إلا بالتوحيد، ويؤيده أنه نصب العمل، أو العمل، فإنه يحقق الإيمان ويقويه، أو لله، وتخصيص العمل بهذا الشرف لما فيه من الكلفة، وقرئ يصعد على البناءين، والمصعد: هو الله، أو المتكلم به أو الملك، وقيل الكلم الطيب يتناول الذكر والدعاء وقراءة القرآن، وعنه عليه الصلاة والسلام هو: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فإذا قالها العبد عرج به الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن. فإذا لم يكن عمل صالح لم تقبل. قال تعالى: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور) 10 من سورة فاطر. (يبور) يفسد ولا ينفذ. أهـ بيضاوي. من أراد العزة فليطع العزيز. (¬2) سترت ومحت ولو كثر عددها. (¬3) هزه وحركه. (¬4) ترمي.

فقال: إنَّ الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر لتساقط من ذنوب العبد كما تساقط ورق هذه الشجرة. وقال: حديث غريب، ولا نعرف للأعمش سماعاً من أنس إلا أنه قد رآه، ونظر إليه انتهى. (قال الحافظ): لم يروه أحمد من طريق الأعمش. 39 - وعن معاذ بن عبد الله بن رافعٍ رضي الله عنهم قال: كنت في مجلس فيه عبد الله بن عمر، وعبد الله بن جعفرٍ، وعبد الله بن أبي عميرة رضي الله عنهم، فقال ابن أبي عميرة: سمعت معاذ بن جبل يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلمتان إحداهما ليس لها ناهية دون العرش، والأخرى تملأ ما بين السماء والأرض: لا إله إلا الله، والله أكبر، فقال ابن عمر لابن أبي عميرة: أنت سمعته يقول: كلمتان إحداهما ليس لها ناهية دون العرش، والأخرى تملأ ما بين السماء والأرض: لا إله إلا الله، والله أكبر، فقال ابن عمر لابن أبي عميرة: أنت سمعته يقول ذلك؟ قال: نعم، فبكى عبد الله بن عمر حتى اختضبت (¬1) لحيته بدموعه، وقال: هما كلمتان نعلِّقهما ونألفهما (¬2) رواه الطبراني، ورواته إلى معاذ بن عبد الله ثقات سوى ابن لهيعة، ولحديثه هذا شواهد. (نعلقهما): أي نحبهما ونلزمها. 40 - وروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: من قال لا إله إلا الله، والله أكبر أعتق الله ربعه من النار، ولا يقولها اثنتين إلا أعتق الله شطره من النار، وإن قالها أربعاً أعتقه الله من النار. رواه الطبراني في الكبير والأوسط. 41 - وعن عمران، يعني ابن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يستطيع أحدكمْ أن يعمل كلَّ يوم مثل أحدٍ عملاً؟ قالوا: يا رسول الله ومن يستطيع أن يعمل كلَّ يومٍ عملاً مثل أحدٍ؟ قال: كلكمْ يستطيعه. قالوا: يا رسول الله ماذا؟ قال: سبحان الله أعظم (¬3) من أحدٍ، ولا إله إلا الله أعظم منْ أحدٍ، والحمد لله أعظم من أحد، والله أكبر أعظم من أحدٍ. رواه ابن أبي الدنيا والنسائي، والطبراني والبزار، كلهم عن الحسن عن عمران، ولم يسمع منه، وقيل: سمع، ورجالهم رجال الصحيح إلا شيخ النسائي عمرو بن منصور، وهو ثقة. ¬

(¬1) ابتلت وغمرت. (¬2) نحفظهما ونكثر من ذكر الله بهما. (¬3) ثوابها أكبر عند الله وأثقل من جبل أحد.

42 - وعنْ عبد الله، يعني ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: إنَّ الله قسم بينكمْ أخلاقكمْ كما قسم بينكم أرْزاقكمْ، وإنَّ الله يؤتي المال من يحبُّ ومن لا يحبُّ، ولا يؤتي الإيمان إلا من أحبَّ، فإذا أحبَّ الله عبدا أعطاه (¬1) الإيمان، فمن ضمنَّ بالمال أن ينفقه، وهاب العدوَّ أن يجاهده، والليل أن يكاد بده، فليكثر من قول: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله (¬2). رواه الطبراني، ورواته ثقات وليس في أصله رفعه. (ضنَّ) بالضاد المعجمة: أي بخل. 43 - وعنْ أبي المنذر الجهنيِّ الله عنه قال: قلت يا نبيَّ الله علمني أفضل الكلام؟ قال: يا أبا المنذر قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، ويحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير مائة مرة في كل يومٍ فإنك يومئذ أفضل الناس عملا إلا من قال مثل ما قلت، وأكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها سيد الاستغفار (¬3)، وإنها ممحاة (¬4) للخطايا، أحسبه قال: موجبة (¬5) للجنَّة. رواه البزار من رواية جابر الجعفي. 44 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، كتب له بكلِّ حرفٍ عشر حسناتٍ. رواه ابن أبي الدنيا بإسناد لا بأس به. 45 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: من قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قال الله: أسلم (¬6) عبدي واستسلم (¬7). رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد ¬

(¬1) في ن د: آتاه. (¬2) معناه الإكثار من التسبيح والتحميد، والتكبير يزيد في حسنات الذاكر مثل الجاهد والمتهجد. (¬3) أعظم صيغة عند الله جليلة الأجر، ورئيسة الأوراد. (¬4) مزيلة. (¬5) مسببة دخول الجنة حتما. (¬6) انقاد وأطاع. (¬7) فوض أمره إلى، وأجاد في الإخلاص، واعتمد على فأنا القادر المجازي المعطي. (ثمرات المحافظة على ذكر: لا إله إلا الله من فقه الأحاديث النبوية) أولاً: إذا تلوت: (سبحانك اللهم وبحمدك ..) تزيل ما ارتكبته أثناء حديثك في المجلس وتكفر الخطايا. =

46 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

_ = ثانياً: تثبت لك براءة من النار، وإجازة المرور بسلام يوم اشتداد الأهوال (كالطابع) أو الخاتم. ثالثاً: الإكثار من ذكر لا إله إلا الله محمد رسول الله يضمن شفاعة خير الخلق، صلى الله عليه وسلم (من أسعد الناس الخ) وتدخله الجنة، وتحرم جسده على النار. رابعاً: علامة قبول ذاكر الله بها بعده عن المعاصي، وتحليه بالمكارم (أن تحجزه عن محارم الله). خامساً: ذكرها يهيئ له الرحمات، ويجلب له الخير والبركات (وتفتح له أبواب السماء). سادساً: ذكرها يدخرها ثواباً فيظهر عند حاجته إلى من يغيثه ويقيه عاديات المحشر (نفعته يوما من دهره). سابعاً: ثوابها يثقل في الميزان عن السموات والأرض وتميل كفة الذاكر الله كثيرا (سألت بهم لا إله إلا الله). ثامناً: هي أفضل الذكر. تاسعاً: سبب الغفران لمن قالها (أبشروا). عاشراً: أمر بذكر الله بها صلى الله عليه وسلم بسرعة خشية موت الفجأة فلا ينفع شيء وقتئذ (قبل أن يحال بينكم وبينها) أي يأتي الموت بغتة. فأسرعوا في ملء صحائفكم حسنات بتلاوتها مع الفكر والتأمل في معناها. الحادي عشر: أبواب الجنة مقفلة إلا على ورادها الذاكرين الله (مفاتيح الجنة). الثاني عشر: ذكرها يمحو السيئات، ويطمس الذنوب ويضع مكانها حسنات (إلا طمست ما في الصحيفة). الثالث عشر: من دلائل قدرته تلألأ أنوار عرش الله جل وعلا، وترجو شفاعة لذاكر الله (اهتز فلك العمود). الرابع عشر: ذكر لا إله إلا الله يؤنس الذاكر في قبره، ويفسح له ويزيده بهاء ونضارة وينيره وتمنع عنه العذاب (ليس على على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم). الخامس عشر: ذكر الله بهما يصعد إلى الله تعالى: (ولو كانت حلقة لقصمتهن) أي قطعتهن ووصلت الى القادر جل وعلا ليحيط صاحبها بالقول، ويحفه بالرحمات، ويكشف عنه الأنوار الصمدية (ليس لها دون الله حجاب). السادس عشر: كنز مدخر لتاليها يوم يحاسب الله الخلائق فيظهر هذا في صحيفة الذاكر (فطاشت السجلات وثقلت البطاقة) بمعنى أنها رجحت على جميع ذنوبه المحسوبة عليه. فعليك أخي بتوحيد الله في ذاته وصفاته وأفعاله واشغل قلبك بها دائما، ولسانك لا يفتر عن ذكر الله عسى ربك أن يسدد خطاك ببركة توحيده. (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) أولا: يعطي الله ثواب قارئها عشر مرات مثل من حرر أعبرة أنفس من الذل والأسر لوجه الله. ثانياً: إذا صدق بها قلبه، وساعد التلفظ بها تجلى الله عليه بأنواره فأزال ظلمات الجهالة، ونظر إليه تعالى نظر رحمة ورأفة وإحسان. فلا يعذب أبدا ولا يشقى، ويقبل عمله ويرجى دعاؤه، ويدرك الولاية ويحاط بالقبول (فتق الله عز وجل له السماء فتقا حتي ينظر إلى قائلها). ثالثاً: تلاوتها تحبط الذنوب وتزيل العيوب (ولم يبق معها سيئة). رابعاً: هي أفضل ورد يعتني به الذكر (وخير ما قلت أنا والنبيون). خامساً: توصل تاليها إلى الجنة وتملأ صحائفه حسنات. فضل سبحان الله وبحمده أولا: محبة عند الله جل وعلا. ثانياً: تجلب آلاف الحسنات لذاكر الله بها، وتكاد تؤدي شكر المنعم على إنعامه، وتقوم بواجب شكر إحسانه فترجح كفة قائلها أمام وزن ما أنعم الله به على عباده إن شاء غفر له وسامحه وعفا عنه (ثم تجيء النعم فتذهب بتلك). ثالثاً: تغرس له نخلة في الجنة. =

إذا مررتمْ برياض الجنَّة فارتعوا. قلتُ: يا رسول الله وما رياض الجنَّة؟ قال: المساجد قلت: وما الرَّتع؟ قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. رواه الترمذي وقال: حديث غريب (قال الحافظ): وهو مع غرابته حسن الإسناد. 48 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَّل من يدعى إلى الجنة الذين يحمدون الله عزَّ وجلَّ في السراء والضراء. رواه ابن أبي الدنيا، والبزار والطبراني في الثلاثة بأسانيد أحدها حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 49 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التأني من الله، والعجلة من الشيطان، وما أحدٌ أكثر معاذير من الله، وما من شيءٍ أحبَّ رلى الله من الحمد. رواه أبو يعلي، ورجاله رجال الصحيح. 50 - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنعم الله على عبدٍ من نعمةٍ، فقال الحمد لله، إلا أدَّى شكرها، فإنْ قالها ثانياً جدَّد الله له ¬

_ = رابعاً: الفقير يكثر من تسبيح الله تعالى بها رجاء أن يشيد له في الصالحات مكانا عليا (أحب إلى من جبل ذهب ينفقه). خامساً: تسبب غفران الخطايا وإن كثر عددها (مثل زبد البحر). سادساً: سبب بسطة الرزق وسعته، وإزالة الضيق وتفريج الكروب (صلاة الخلق وبها يرزق). سابعاً: ثوابها يكنز بجوار العرش يدخر لطالبه (لا يمحوها ذنب عمله صاحبها). ثامناً: أحب صيغة اختارها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحب إلى مما طلعت عليه الشمس). تاسعاً: غراس الجنة بكل كلمة شجرة (غراسها سبحان الله). عاشراً: الإكثار من تسبيح الله بها تتحرر عشرة نفوس ذليلة، ونحر إبل في الإنفاق لله تعالى (من هلل مائة مرة). الحادي عشر: بكل تسبيحة صدقة وذكر الله بها يؤدي الصدقات عن 360 مفصلا، وهي الدروع الحصينة المانعة عذاب الله (جنبتكم مجنبات ممحاة للخطايا). الثاني عشر: تلاوتها تنبئ عن تفويض العبد كل أعماله لربه ظاهرها وباطنها، والشعور بالذلة والانقياد له والضعف والاستكانة، وأنه وحده الفعال المنفذ القادر القهار (أسلم عبدي واستسلم). الثالث عشر: بقدر تلاوتها ثمرات الجنة تدخر لذاكر الله (فارتعوا). الرابع عشر: الذاكرون أول زمرة يقدم لهم نعيم الله (أول من يدعى إلى الجنة). الخامس عشر: الذاكرون أعمالهم كاملة وأجورهم وافية، والغافلون أعمالهم ناقصة قليلة البركة (فهو أجذم). السادس عشر: تلاوتها. هذه الصيغ محمودة ومحبوبة، وزائدة الثواب، ومرجوة القبول لأنها من ألفاظ سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى).

الترغيب في جوامع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

ثوابها، فإنْ قالها الثالثة غفر الله له ذنوبه. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. (قال الحافظ): في إسناده عبد الرحمن بن قيس أبو معاوية الزعفراني، واهي الحديث، وهذا الحديث مما أنكر عليه. 51 - وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنعم الله عزَّ وجلَّ على عبدٍ نعمة فحمد الله عزَّ وجلَّ عليها إلا كان ذلك أفضل من تلك النَّعمة، وإنْ عظمتْ رواه الطبراني، وفيه نكارة. 52 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل كلامٍ لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم. رواه أبو داود، واللفظ له، وابن ماجه والنسائي وابن حبان في صحيحه، إلا أنهما قالا: كلُّ أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه بحمد الله، فهو أقطع. (قال الحافظ): وفي الباب بعده أحاديث في الحمد. (الترغيب في جوامع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير) 1 - عنْ جويرية رضي الله عنها: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها، ثمَّ رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلتِ على الحال التي فارقتك عليها؟ قالتْ: نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مراتٍ لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنَّ: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضاء نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. رواه مسلم، وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. وفي رواية لمسلم: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضاء نفسه، سبحان الله زنة عرشة، سبحان الله مداد كلماته. زاد النسائي في آخره: والحمد لله كذلك. وفي رواية له: سبحان الله وبحمده، ولا إله إلا الله، والله أكبر عدد خلقهِ، ورضاء نفسه، وزنة عرشهِ، ومداد كلماته. ولفظ الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ عليها وهي في المسجد، ثمَّ مرَّ بها وهي في المسجد قريب نصف النهار، فقال: ما زلت على حالك؟ فقالت: نعم، فقال:

ما جاء في فضل أنواع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير) أعلِّمكِ كلماتٍ تقولينها: سبحان الله عدد خلقهِ، سبحان الله عدد خلقهِ، سبحان الله عدد خلقه ثلاث مراتٍ، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، ثلاث مراتٍ، وذكر زنة عرشهِ، ومداد كلماته ثلاثاً ثلاثاً. وقال: حديث صحيح. وفي رواية للنسائي: تكرار كلِّ وحدةٍ واحدةٍ ثلاثاً أيضاً. (نوع آخر) 1 - عن عائشة بنت سعد بن أبي وقَّاص عن أبيها رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأةٍ وبين يديها نوى، أو حصى تسبِّحُ به، فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا، أو أفضل؟ فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، سبحان الله عدد ما خلق في الأرض، سبحان الله عدد ما بين ذلك، سبحان الله عدد ما هو خالقٌ، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله مثل ذلك. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب من حديث سعد، والنسائي وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 2 - وروى الترمذي والحاكم أيضاً عن صفيَّة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وبين يديها أربعة آلاف نواةٍ تسبِّح بهنَّ، فقال: ألا أعلمك بأكثر مما سبحتِ به؟ فقالتْ: بلى علِّمني، فقال: قولي سبحان الله عدد خلقه. وقال الحاكم: قولي: سبحان الله عدد ما خلق من شيء. وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، وليس إسناد بمعروف. (نوع آخر) 1 - عنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أحرِّك شفتيَّ، فقال لي: بأيِّ شيء تحرك شفتيك يا أبا أمامة؟ فقلت: أذكر الله يا رسول الله، فقال: ألا أخبرك بأكثر وأفضل من ذكرك بالليل والنهار؟ قلتُ بلى يا رسول الله. قال تقول: سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق،

سبحان الله عدد ما في الأرض، سبحان الله ملء ما في الأرض والسماء، سبحان الله عدد ما أحْصى كتابه، سبحان الله ملء ما أحصى كتابه، سبحان الله عدد كلِّ شيءٍ، سبحان الله ملء كلِّ شيء، الحمد لله عدد ما خلق، والحمد لله ملء ما خلق، والحمد لله عدد ما في الأرض والسماء، والحمد لله ملء ما في الأرض والسماء، والحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله ملء ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيءٍ. رواه أحمد، وابن أبي الدنيا واللفظ له، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما باختصار، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين. ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن، ولفظه قال: أفلا أخبرك بشيء إذا قلته، ثمَّ دأبت الليل والنهار لمْ تبلغه؟ قلتُ: بلى. قال تقول: الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله ملء ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد ما أحصى خلقه، والحمد لله ملء مافي خلقه، والحمد لله ملء سماواته وأرضه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله على كلِّ شيءٍ، وتسبيح مثل ذلك وتكبِّر مثل ذلك. (نوع آخر) 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّثهم أن عبدا من عباد الله قال: يا ربِّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، ولعظيم سلطانك فعضلتْ بالملكين فلمْ يدريا كييف يكتبانها فصعدا إلى السماء، فقال يا ربنا: إن عبدك قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها؟ قال الله، وهو أعلم بما قال عبده: ماذا قال عبدي؟ قالا: يا ربِّ: إنه قد قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، ولعظيم سلطانك، فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجازيه بها. رواه أحمد وابن ماجه، وإسناده متصل، ورواته ثقات إلا أنه لا يحضرني الآن في صدقة بن بشير مولى العمريين جرح، ولا عدالة. (عضلت بالملكين) بتشديد الضاد المعجمة: أي اشتدت عليها، وعظمت واستغلق عليهما معناها.

(نوع آخر) 1 - روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال: الحمد لله ربِّ العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على كلِّ حالٍ، حمداً يوافي نعمه، ويكافئ مزيده ثلاث مراتٍ، فتقول الحفظة: ربنا لا نحسن كنه ما قدَّسك عبدك هذا وحمدك، وما ندري كيف نكتبه؟ فيوحي الله إليهم أن اكتبوه كما قال عبدي. رواه البخاري في الضعفاء. (نوع آخر) 1 - عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال أبيُّ بن كعبٍ: لأدخلنَّ المسجد فلأصلِّينَّ ولأحمدن الله بمحامد لم يحمده بها أحد، فلما صلى وجلس ليحمد الله ويثني عليه، فإذا هو بصوت عالٍ تمن خلقه يقول: اللهمَّ لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره. لك الحمد إنَّك على كل شيءٍ قدير، اغفر لي ما مضى من ذنوبي، واعصمني فيما بقي من عمري، وارزقني أعمالاً زاكية (¬1) ترضى بها عني، وتبْ عليَّ. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصَّ ع ليه فقال ذاك جبرائيل عليه السلام. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الذكر، ولم يسمّ تابعيه. 2 - وعنْ مصعب بن سعدٍ عن أبيه رضي الله عنه أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء لعلَّ الله ينفعني به. قال قل: اللهم لك الحمد كله، وإليك يرجع الأمر كله. رواه البيهقي من رواية أبي بلج، واسمه يحيى بن سليم، وابن أبي سليم. 3 - وروي عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الدعاء خير أدعو به في صلاتي؟ قال: نزل جبرائيل عليه الصلاة والسلام فقال: إنَّ خير الدعاء أن تقول في الصلاة: اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، ولك الخلق كله، وإليك يرجع الأمر كله، أسألك من الخير كله، وأعوذ بك من الشر كله. رواه البيهقي أيضا. ¬

(¬1) نامية طاهرة.

(نوع آخر) 1 - روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قال: الحمد لله الذي تواضع كلُّ شيء لعظمته، والحمد لله الذي ذلَّ كلُّ شيءٍ لعزته، والحمد لله الذي خضع كل شيء لملكه، والحمد لله الذي استسلم كل شيء لقدرته، فقالها يطلب بها ما عند الله كتب الله له بها ألف حسنةٍ، ورفع له بها ألف درجة، ووُكِّل به سبعون ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة. رواه الطبراني. (نوع آخر) 1 - عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركا فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صاحب الكلمة؟ فسكت الرجل، ورأى أنه قد هجم من رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء يكرهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هو؟ فإنه لم يقل إلا صوابا، فقال الرجل: أنا قلتها يا رسول الله أرجو بها الخير، فقال: والذي نفسي بيده لقد رأيت ثلاثة عشر ملكاً يبتدرون (¬1) كلمتك، أيهم يرفعها إلى الله تبار وتعالى؟. رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني بإسناد حسن واللفظ له، والبيهقي. 2 - وعنْ أنس رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في الحلقة إذ جاء رجل فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم والقوم، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد النبي صلى الله عليه وسلم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فلما جلس الرجل قال: الحمد لله حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا أن يحمد وينبغي له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ فرد عليه كما قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد ابتدرها عشرة أملاكٍ كلهم حريصٌ على أن يكتبها فما دروا كيف يكتبونها حتى رفعوها إلى ذي العزة، اكتبوها ¬

(¬1) يسرعون أن يأخذوها ليقيدوها، بدر إلى الشيء بدورا، وبادر إليه مبادرة وبدارا: أسرع.

الترغيب في قول لا حول ولا قوة إلا بالله

كما قال عبدي. رواه أحمد، ورواته ثقات، والنسائي وابن حبان في صحيحه إلا أنهما قالا: كما يحب ربنا ويرضى. (نوع آخر) 1 - عن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل: الحمد لله كثيرا فأعظمها الملك أن يكتبها فراجع فيها ربَّة عزَّ وجلَّ، فقال: اكتبها كما قال عبدي. رواه الطبراني بإسناد فيه نظر. 2 - وروي أبو الشيخ، وابن حبان من طريق عطية عن أبي سعيد مرفوعا أيضاً: إذا قال العبد الحمد لله كثيرا. قال الله تعالى: (اكتبوا لعبدي رحمتي كثيرا. (نوع آخر) عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه جبرائيل عليه السلام، فقال: يا محمد إذا سرَّك أن تعبد الله ليلة حق عبادته، أو يوماً، فقل: اللهمَّ لك الحمد حمداً كثيراً خالداً مع خلودك، ولك الحمد حمداً لا منتهى له دون علمك، ولك الحمد حمداً لا منتهى له دون مشيئتك، ولك الحمد حمداً لا آخر لقائله إلا رضاك. رواه البيهقي، وقال: لم أكتبه إلا هكذا وفيه انقطاع بين عليّ ومن دونه. (الترغيب في قول: لا حول ولا قوة إلا بالله) (قال المملي) رضي الله عنه قد تقدم قريبا في أحاديث كثيرة ذكر: لا حول ولا قوة إلا بالله. منها حديث أبي هريرة، وحديث أم هانئ، وحديث أبي سعيد، وحديث عبد الله بن عمرو، وحديث أبي المنذر وغيرها، فأغنى قربها عن إعادتها. 1 - وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنَّة. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي، والنسائي وابن ماجه.

2 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإنها من كنز الجنة. قال مكحول: فمن قال: لا حول ولا قوة إلا بالله: ولا ملجأ من الله إلا إليه، كشف الله عنه سبعين باباً من الضُّرِّ أدناهنَّ الفقر. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث إسناده ليس بمتصل. مكحول لم يسمع من أبي هريرة. ورواه النسائي والبزار مطولا، ورفعا: ولا ملجأ من الله إلا إليه، ورواتهما ثقات محتج بهم. ورواه الحاكم، وقال: صحيح ولا علة له، ولفظه: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أعلمك، أوْ ألا أدلك على كلمةٍ من تحت العرش من كنز الجنة؟ تقول: لا حول ولا قوَّة إلا بالله، فيقول الله: أسلم عبدي واستسلم. وفي رواية له وصححها أيضا، قال يا أبا هريرة: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت بلى يا رسول الله، قال تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا ملجأ، ولا منجي من الله إلا إليه. ذكره في حديث. 3 - وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال: لا حول ولا قوة إلا بالله كان دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها ألهمُّ. رواه الطبراني في الأوسط، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. (قال الحافظ) بل في إسناده بشر بن رافع أبو الأسباط، ويأتي الكلام عليه. 4 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ قال: وما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنَّة، وإسناده صحيح إن شاء الله، فإن عطاء بن السائب ثقة، وقد حدث عنه حماد بن سلمة قبل اختلاطه. 5 - وعن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه أن أباه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه قال: فأتى علي نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، وقد صليت ركعتين

فضربني برجله وقال: ألا أدلك على بابٍ من أبواب الجنة؟ قلت: بلى. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 6 - وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مرَّ على إبراهيم عليه السلام فقال: من معك يا جبرائيل؟ قال: هذا محمد، فقال له إبراهيم عليه الصلاة والسلام يا محمد: مر أمَّتك فليكثروا من غراس الجنة، فإنَّ تربتها طيبة، وأرضها واسعة. قال: وما غراس الجنَّة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا، وابن حبان في صحيحه. ورواه ابن أبي الدنيا في الذكر، والطبراني من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا من غ راس الجنة، فإنه عذْبٌ ماؤها، طيب ترابها فأكثروا من غراسها. قالوا: يا رسول الله وما غراسها؟ قال: ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله. 7 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت أمشي خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا أبا ذرٍ ألا أدلك على كنزٍ من كنوز الجنة؟ قلت بلى قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. رواه ابن ماجه، وابن أبي الدنيا، وابن حبان في صحيحه. 8 - وروي عن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنعم الله عليه نعمة، فأراد بقاءها فليكثرْ من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله. رواه الطبراني. 9 - وعن محمد بن إسحاق رضي الله عنه قال: جاء مالك الأشجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أسر ابني عوفٌ، فقال أرسل إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فأتاه الرسول فأخبره فأكبَّ عوف يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القدُّ عنه فخرج، فإذا هو بناقةٍ لهم فركبها فأقبل، فإذا هو بسرح القوم فصاح بهم. فأتبع آخرها أوَّلها، فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب، فقال أبوه: عوف وربِّ الكعبة، فقالت أمه: واسوأتاه وعوفٌ كئيب بألم ما فيه من القدِّ ما ستبق الأب والخادم إليه،

الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء

فإذا عوف قد ملأ الفناء إبلا فقصَّ على أبيه أمره الإبل، فأتى أبوه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بخير عوف وخبر الإبل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنع بهاما أحببت، وما كنت صانعاً بإبلك، ونزل: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه. رواه آدم ابن أبي إياس في تفسيره، ومحمد بن إسحاق لم يدرك مالكاً. (الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء) 1 - عن أبي مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود، والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة. (كفتاه): أي أجزأتاه عن قيام تلك الليلة، وقيل: كفتاه ما يكون من الآفات تلك الليلة، وقيل: كفتاه من كل شيطان فلا يقربه ليلته، وقيل: معناه حسبه بهما فضلا وأجراً، وقال ابن خزيمة في صحيحه: باب ذكر أقل ما يجزئ من القراءة في قيام الليل ثم ذكره، وهذا ظاهر، والله أعلم. 2 - وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ يس في ليلةٍ ابتغاء وجه الله (¬1) غفر له. رواه ابن السني، وابن حبان في صحيحه. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ عشر آيات في ليلة لمْ يكتب من الغافلين. رواه ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم. ¬

(¬1) لأنها جمعت صفات الكمال لله سبحانه وتعالى، وتأكيد رسالته صلى الله عليه وسلم (على صراط مستقيم) (من اتبع الذكر وخشي الرحمن) (نحيي الموتى) (أصحاب القرية) (اتبعوا المرسلين) (آمنت بربكم) (يا حسرة على العباد) (دينا محضرون) (الأرض الميتة أحييناها) (الليل) (والشمس) (والقمر) (حملنا ذريتهم) (ما ينظرون إلا صيحة) (ونفخ في الصور) (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) (إن أصحاب الجنة) (سلام قولا من رب رحيم) (اليوم نختم على أفواههم) (إن هو إلا ذكر) (خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما) (خلقناه من نطفة) (من يحيي العظام) (جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً) (كن فيكون) جمعت هذه السورة معاني جمة من أفعال الله جل وعلا، وآياته ودلائل قدرته ولذا سميت: (قلب القرآن) وتسبب إزالة الذنوب، والله تعالى أعلم.

4 - وروي الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ عشر آيات في ليلةٍ لمْ يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آيةٍ كتب له قنوت (¬1) ليلةٍ، ومن قرأ مائتي آيةٍ كتب من القانتين (¬2)، ومن قرأ أربعمائة آية كتب من العابدين، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من الحافظين، ومن قرأ ستمائة آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثمانمائة آية كتب من المخبتين (¬3)، ومن قرأ ألف آية أصبح له قنطار، والقنطار: ألف ومائتا أوقيةٍ، والأوقية: خير مما بين السماء والأرض، أو قال: خير مما طلعت عليه الشمس، ومن قرأ ألفي آية كان في الموجبين (¬4). 5 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أيعجز أحدكمْ أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة فشقَّ ذلك عليهمْ، وقالوا: أيُّنا يطبق ذلك يا رسول الله؟ فقال: الله الواحد الصَّمد ثلث القرآن. رواه البخاري ومسلم والنسائي. 6 - وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ كلَّ يوم مائتي مرة: قل هو الله أحد محى عنه ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين (¬5). رواه الترمذي، وقال: حديث غريب من حديث ثابت عن أنس. 7 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: من قرأ تبارك الذي بيده الملك كلَّ ليلةٍ منعه الله عزَّ وجل بها من عذاب القبر، وكنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسميها المانعة، وإنها في كتاب الله عز وجل سورة من قرأ بها في ليلة فقدْ أكثر وأطاب. رواه النسائي، واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 8 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ في ليلة: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحداً (¬6) ¬

(¬1) تهجد وطاعة وذكر. (¬2) العابدين المخلصين. (¬3) الخاشعين المطيعين، والإخباث: الخشوع والتواضع. (¬4) المستحقين رحمة الله تفضلا الواصلين إلى النعيم: الداخلين الجنة. (¬5) شيء مستقر في ذمته لأحد ما. فيؤجل حتى يسد دينه وتبرأ ذمته، ويأخذ كل ذي حق حقه. فمعناه تلاوة هذه الأذكار تزيد الحسنات وتمحو السيئات، ولكن لا تسقط حقوق الآدميين. (¬6) أي الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، ولا يعطي ثوابا إلا للمخلصين: بل يكفيهم كل شيء للدنيا والأخرى لحديث: (اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها).

كان له نورٌ من عدن أبين (¬1) إلى مكة حشوه (¬2) الملائكة. رواه البزار، ورواتهلا أن أبا فروة الأسدي لم يرو عنه فيما أعلم غير النضر بن شميل. 9 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ كل ليلة سورة الواقعة لم تصبه فاقة (¬3)، وفي المسبِّحات آية كألف آيةٍ. ذكره رزين في جامعه، ولم أره في شيء من الأصول، وذكره أبو القاسم الأصبهاني في كتابه بغير إسناد. 10 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ سورة الدخان في ليلة أصبح يستغفر (¬4) له سبعون ألف ملكٍ. رواه الترمذي والدارقطني. وفي رواية للدارقطني: من قرأ سورة يس في ليلةٍ أصبح مغفورا له، ومن قرأ الدُّخان ليلة الجمعة أصبح مغفورا له. 11 - وعن أبي المنذر الجهني رضي الله عنه قال: قلت يا نبي الله علِّمني أفضل ¬

(¬1) أوضح وأبهج من مسافة هذين البلدين. (¬2) وسطه ملائكة الرحمة يدعون ويستغفرون لمن قرأها، وما أكثر ثواباً ممن حافظ على قراءة هذه الآيات عند نومه: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا 107 خالدين فيها لا يبغون عنها حولا 108 قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا 109 قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) 110 من سورة الكهف. (الفردوس) أعلى درجات الجنة (حولا) تحولا. إذ لا يجدون أطيب منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم (مدادا) ما يكتب به (لكلمات ربي) لكلمات علمه وحكمته (لنفد البحر) لنفد جنس البحر بأسره لأن كل جسم متناه (قبل أن تنفد كلمات ربي) فإنها غير متناهية لا تنفد كعلمه جل وعلا (مددا) زيادة ومعونة، وسبب نزولها أن اليهود قالوا في كتابكم: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) وتقرءون (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (بشر) لا أدعي الإحاطة على كلماته (يرجو) يؤمل حسن لقائه أو يخاف سوء لقائه (عملا صالحا) يرتضيه الله جل وعلا (ولا يشرك) بأن يرائيه أو يطالب منه أجرا. روي أن جندب بن زهير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعمل العمل لله، فإذا اطلع عليه سرني. قال إن الله لا يقبل ماشورك فيه فنزلت تصديقا له، وعنه عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء) والآية جامعة لخلاصتي العلم والعمل، وهما التوحيد والإخلاص في الطاعة. أهـ بيضاوي ص 429. (¬3) لم يلحقه فقر، بل يوسع الله عليه رزقه. (¬4) يطلبون له المغفرة والرضوان.

الكلام يا أبا المنذر، قلْ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير مائة مرة في يوم، فإنك يومئذٍ أفضل الناس عملا إلا من قال مثل ما قلت، الحديث. رواه البزار من رواية جابر الجعفي. 12 - وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال: لا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرة في كل يوم لمْ يصبه فقرٌ أبدا. رواه ابن أبي الدنيا عن أسد بن وداعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواته ثقات إلا أسدا. 13 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كلِّ شيءٍ قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقابٍ، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك، حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. وزاد مسلم والترمذي والنسائي: ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطَّت خطاياه ولوْ كانت مثل زبد البحر. 14 - وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كلِّ شيءٍ قدير مائتي مرة في يوم لمْ يسبقه أحد كان قبله ولمْ يدركه أحد بعده إلا من عمل بأفضل من عمله. رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني. 15 - وروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس من عبدٍ يقول: لا إله إلا الله مائة مرة إلا بعثه (¬1) الله يوم القيامة، وجهه كالقمر ليلة البدر، ولمْ يرفع يومئذ لأحدٍ عمل أفضل من عمله إلا من قال مثل قوله أو زاد. رواه الطبراني. 16 - وعن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نزل عليه ¬

(¬1) أحياء حياة المستبشرين الذين عليهم البهجة ونضرة النعيم.

الترغيب في آيات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات

جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد إن سرَّك أن تعبد الله ليلة حقَّ عبادته فقل: اللهمَّ لك الحمد حمداً خالداً مع خلودك، ولك الحمد حمداً دائماً لا منتهى له دون مشيئتك وعند كل طرفه عين، أو تنفسِ نفسٍ. رواه الطبراني في الأوسط، وأبو الشيخ ابن حبان. ولفظه قال: يا محمد إن سرَّك أن تعبد الله ليلا حقَّ عبادته، أو يوماً فقل: اللهم لك الحمد حمدا خالداً مع خلودك، ولك الحمد حمدا لا جزاء لقائلهِ إلا رضاك، ولك الحمد عند كلِّ طرفة عينٍ، أو تنفُّسِ نفس. وفي إسنادهما عليُّ بن الصَّلت العامري لا يحضرني حاله، وتقدم بنحو عند البيهقي، والله أعلم. (الترغيب في آيات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات) 1 - عن أبي هريرة رضية الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم. قال: وما ذاك؟ قال: يصلون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصوم، ويتصدَّقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلِّمكم شيئا تدركون به من سبكمْ وتسبقون به من بعدكمْ، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر (¬1) كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين مرَّة. قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. قال سميٌّ: فحدث بعض أهلي بهذا الحديث، فقال: وهمت: إنما قال لك: تسبح ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وتكبِّر أربعاً وثلاثين. قال: فرجعت إلى أبي صالحٍ، فقلت له ذلك فأخذ بيدي فقال: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد، حتى يبلغ من جميعهنَّ ثلاثاً وثلاثين. رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. ¬

(¬1) عقب.

2 - وفي رواية لمسلم أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سبِّح في دبر كل صلاةٍ وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، ثمَّ قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير غفرت له خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر. رواه مالك وابن خزيمة في صحيحه بلفظ هذه إلا أن مالكاً قال: غفرت له ذنوبه ولوْ كانت مثل زبد البحر. ورواه أبو داود، ولفظ قال أبو هريرة قال أبو ذرّ: يا رسول الله، ذهب أصحاب الدُّثورِ بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهمْ فضل أموال يتصدقون بها، وليس لنا مالٌ نتصدق به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذرٍّ، ألا أعلمك كلماتٍ تدرك بها من سبقك، ولا يلحقك من خلفك إلا من أخذ بمثل عملك؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: تكبر الله دبر كلِّ صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، وتحمده ثلاثاً وثلاثين، وتسبِّحه ثلاثاً وثلاثين، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير غفر ذنوبك، ولوْ كانت مثل زبد البحر. رواه الترمذي وحسنه، والنسائي من حديث ابن عباس نحوه. وقالا فيه: فإذا صلَّيْتمْ فقولوا: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرَّةً، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرَّةً، والله أكبر أربعاً وثلاثين مرَّة، ولا إلا الله عشر مرَّاتٍ، فإنكم تدركون من سبقكمْ، ولا يسبقكمْ من بعدكم. (الدثور) بضم الدال المهملة: جمع دثر، وهو المال الكثير. 3 - وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: معقِّبات (¬1) لا يخيب، قائلهنَّ، أوْ فاعلهنَّ دبر كلِّ صلاة مكتوبةٍ: ثلاث وثلاثون تسبيحةً، وثلاثٌ وثلاثون تحميدةً، وأربع وثلاثون تكبيرةً. رواه مسلم والترمذي والنسائي. ¬

(¬1) المتكررات المذكورات. قال في النهاية: سميت معقبات لأنها عادت مرة بعد مرة، أو لأنها تقال عقب الصلاة، والمعقب من كل شيء ما جاء عقب ما قبله. أهـ ص 112.

4 - وعن عليٍّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا زوَّجة فاطمة بعث معها بخميلةٍ، ووسادةٍ من أدمٍ حشوها ليفٌ، ورحيين، وسقاء، وجرَّتين، فقال عليٌّ رضي الله عنه لفاطمة رضي الله عنها ذات يومٍ: والله لقدْ سنوت حتى اشتكيتُ صدري، وقد جاء الله أباك بسبيٍ فاذهبي فاستخدميه، فقالتْ: وأنا والله لقد طحنت حتى مجلتْ يداي، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال، ما جاء بك أيْ بنيَّةُ؟ قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعتْ، فقال علي: ما فعلتِ؟ قالت: أستحييت أن أسأله، فأتيا جميعاً النبي صلى الله عليه وسلم، فقال علي: يا رسول الله لقد سنوْتُ حتى اشتكيت صدري، وقال فاطمة: قد طحنت حتى مجلتْ يداي، وقدْ جاءك الله بسبي وسعةٍ فأخدمنا، فقال: والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهمْ، ولكن أبيعهم وأنفق عليهمْ أثمانهم، فرجعا فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم، وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطَّت رءوسهما تكشف أقدامهما، وإذا غطت أقدامهما تكشفت رءوسهما فثارا، فقال مكانكما، ثمَّ قال: ألا أخبركما بخيرٍ مما سألتماني؟ قالا: بلى. قال: كلمات علَّمنيهنَّ جبرائيل، فقال: تسبِّحان الله في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدان عشراً، وتكبران عشراً، فإذا أويتما إلى فراشكما فسبِّحا ثلاثاً وثلاثين، وأحمد أثلاثاً وثلاثين، وكبر أربعاً وثلاثين. قال عليٌّ - كرَّم الله وجهه - فوالله ما تركتهنَّ منذ سمعتهنَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقال له ابن الكوا: ولا ليلة صِفِّين، فقال قاتلكمُ الله يا أهل العراق، ولا ليلة صفِّينَ. رواه أحمد واللفظ له، ورواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي، وتقدم فيما يقول: إذا أوى إلى فراشهِ بغير هذا السياق، وفي هذا السياق ما يستغرب، وإسناده جيد، ورواته ثقات، وعطاء بن السائب ثقة، وقد سمع منه حماد بن سلمة قبل اختلاطه، والله أعلم. (الخميلة) بفتح الخاء المعجمة، وكسر الميم: كساء له خمل يجعل غالباً - وهو القطيفة أيضاً - (من أدم) بفتح الألف والدال: أي من جلد، وقيل: من جلد أحمر. (رحيين) بفتح الراء والحاء، وتخفيف الياء مثنى رحى، وقوله. (سنوت) بفتح السين المهملة والنون: أي استقيت

من البئر فكنت مكان السانية، وهي الناقة التي تسقي عليها الأرضون. وقوله: (فاستخدميه): أي اسأليه خادماً، وكذلك قوله. (فأخدمنا) بكسر الدال: أي أعطنا خادما، وقوله. (مجلت يداي) بفتح الجيم وكسرها: أي تقطعت من كثرة الطحن. 5 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خصلتان لا يحْصيهما عبد إلا دخل الجنَّة، وهما يسيرٌ، ومن يعمل بهما قليلٌ: يسبح الله أحدكمْ دبر كل صلاة عشراً، ويحمده عشراً، ويكبره عشراً فتلك مائة وخمسون باللسان، وألف وخمسمائةٍ في الميزان، وإذا أوى إلى فراشه يسبح ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبِّرأربعاً وثلاثين فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأيُّكم يعمل في يومهِ وليلته ألفين وخمسمائة سيئةٍ؟ قال عبد الله: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدهنَّ بيدهِ. قال قيل يا رسول الله: كيف لا تحصيها؟ قال: يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته، فيقول له: اذكرْ كذا، اذكرْ كذا، ويأتيه عند منامهِ فينوِّمهُ. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له. (قال المملي) رووه كلهم عن حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله. 6 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ آية الكرسي دبرَ كل صلاةٍ لمْ يمنعهُ من دخول الجنَّة إلا أنْ يموت. رواه النسائي والطبراني بأسانيد أحدها صحيح. وقال شيخنا أبو الحسن: هو على شرط البخاري وابن حبان في كتاب الصلاة وصححه. وزاد الطبراني في بعض طرقه: وقلْ هو الله أحدٌ: وإسناده بهذه الزيادة جيد أيضا. 7 - وعن الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ آية الكرسيِّ في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى. رواه الطبراني بإسناد حسن. 8 - وعنْ أبي كثير موْلى بني هاشم أنه سمع أبا ذرٍ الغفاري رضي الله عنه

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلماتٌ من ذكرهنَّ مائة مرَّةٍ دبر كلِّ صلاةٍ: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا حول ولا قوة إلا الله إلا بالله، ثمَّ لوْ كانتْ خطاياه مثل زبد البحر لمحتْهُنَّ. رواه أحمد، وهو موقوف. 9 - وروي عن عبد الله بن أرقم عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال دبر كلِّ صلاةٍ: سبحان الله ربك ربِّ العزَّة عما يصفون وسلامٌ على المرْسلين والحمد لله ربِّ العالمين، فقد اكْتَالَ بالجريب الأوفى من الأجر. رواه الطبراني. 10 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ قال دبر الصلاة: سبحان الله العظيم وبحمده لا حول ولا قوة إلا بالله قام مغفوراً له. رواه البزار عن أبي الزهراء عن أنس، وسنده إلى أبي الزهراء جيد، وأبو الزهراء لا أعرفه. 11 - وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: منْ دعا بهؤلاء الكلماتِ، أو الدعوات في دبر كلِّ صلاة مكتوبةٍ حلت له الشفاعة مني يوم القيامة: اللهمَّ أعطِ محمداً الوسيلة، واجعلْ في المصطفين محبَّتهُ، وفي العالين درجته، وفي المقرَّبين داره. رواه الطبراني، وهو غريب. 12 - وروي عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال دبر كلِّ صلاةٍ: أستغفر الله وأتوب إليه غفر له، وإنْ كان فرَّ من الزَّحف. رواه الطبراني في الصغير والأوسط. 13 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدهِ يوماً، ثمَّ قال: يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك، فقال له معاذٌ: بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله، وأنا والله أحبك. قال: أوصيك يا معاذ لا تدعنَّ في دبر كلِّ صلاةٍ أن تقول: اللهمَّ أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، وأوصى بذلك معاذٌ الصَّنابحيَّ، وأوصى بها الصَّنابحيُّ أبا عبد الرحمن، وأوصى به عبد الرحمن عقبة بن مسلمٍ. رواه أبو داود والنسائي، واللفظ له، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين.

الترغيب فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكره

الترغيب فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكره 1 - عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: إذا رأى أحدكمْ الرُّؤيا يكرهها فليبصقْ عن يسارهِ ثلاثاً وليستعذْ بالله من الشيطان الرجيم (¬1) ثلاثاً وليتحوَّلْ عن جنبهِ الذي كان عليه. رواه مسلم، وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 2 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنَّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأى أحدكمُ الرُّؤيا يحبها فإنها هي من الله فليحْمدِ الله عليها، وليحدِّثْ بما رأى، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنَّما هي من الشيطان فليستعذْ بالله منْ شرِّها، ولا يذكرها لأحدٍ فإنَّها لا تضره رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. 3 - وعنْ أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الرُّؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فمن رأى شيئاً يكرهه فلينفثْ من شمالهِ ثلاثاً، وليتعوذْ بالله من الشيطان، فإنَّها لا تضرُّه. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي رواية للبخاري ومسلم عن أبي سلمة: وإذا رأى ما يكره فليتعوَّذ بالله من شرِّها وشرِّ الشيطان، وليتفُلْ عن يساره ثلاثاً، ولا يحدِّث بها أحداً فإنَّها لن تضرَّهُ. وروياه أيضاً عن أبي هريرة، وفيه: فمن رأى شيئاً يكرههُ فلا يقصُّه على أحدٍ، وليقمْ فليصلِّ. (الحلم) بضم الحاء، وسكون اللام، وبضمها: هو الرؤيا. وبالضم والسكون فقط: هو رؤية الجماع في النوم، وهو المراد هنا. (وقوله فليتفل) بضم الفاء وكسرها: أي فليبزق وقيل: التفل أقلّ من البزق، والنفث أقل من التفل. (الترغيب في كلمات يقولهن من يأرق أو يفزع بالليل) 1 - عنْ عمرو بن شعيبٍ رضي الله عنه عن أبيه عن جدِّهِ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا فزع أحدكمْ في النَّوْمِ، فليقُلْ: أعوذ بكلمات الله التَّامَّات منْ ¬

(¬1) في ن د: الشيطان الرحيم، وفي ن ط: مكانه، وفي ن د ر ع: جنيه ص 533.

غضبهِ وعقابهِ، وشرِّ عبادهِ، ومنْ همزاتِ الشياطين، وأن يحضرون، فإنَّها لنْ تضرَّهُ. قال: وكان عبد الله بن عمرٍ ويلقِّنها من عقل من ولدهِ، ومنْ لمْ يعقلْ كتبها في صكٍ، ثمَّ علِّقها في عنقهِ. رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، والنسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وليس عنده تخصيصها بالنوم. 2 - وفي رواية للنسائي قال: كان خالد بن الوليد رجلاً يفزعُ في منامه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اضْطَجعْتَ، فقلْ: بسم الله أعوذ بكلمات الله التَّامَّة فذكر مثله. وقال مالكٌ في الموطإ: بلغني أنَّ خالد ابن الوليد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنِّي أروَّع في منامي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلْ، فذكر مثله. ورواه أحمد عن محمد بن يحيى بن حبان عن الوليد بن الوليد أنه قال: يا رسول الله إني أجد وحشةً. قال: إذا أخذت مضجعك فقلْ. فذكر مثله، ومحمد لم يسمع من الوليد. 3 - وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: حدَّث خالد بن الوليد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهاويل يراها بالليل حالت بينه وبين صلاة الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد بن الوليد ألا أعلَّمك كلماتٍ تقولهنَّ، ولا تقولهنَّ ثلاث مرَّات حتى يذهب الله عنك ذلك: قال: بلى يا رسول الله بأبي أنت وأمي، فإنما شكوت هذا إليك رجاء هذا منك قال: قل: أعوذ بكلمات الله التَّامَّةِ من غضبهِ وعقابهِ وشرِّ عبادهِ، ومن همزات الشيطان، وأن يحضرونِ. قالت عائشة رضي الله عنها: فلمْ ألبث إلا ليالي حتى جاء خالد بن الوليد، فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، والذي بعثك بالحقِّ ما أتمَمْتُ الكلمات التي علَّمتني ثلاث مرَّاتٍ حتى أذهب الله عني ما كنت أجد، ما أبالي لوْ دخلتُ على أسدٍ في خيستهِ بليلٍ. رواه الطبراني في الأوسط. (خيسة الأسد) بكسر الخاء المعجمة: هو موضعه الذي يأوى إليه. 4 - وعنْ أبي التَّيَّاح قال: قُلتُ لعبد الرحمن بن خنبشٍ التَّميميِّ رضي الله عنه وكان كبيراً: أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعمْ. قُلتُ: كيف صنعَ

الترغيب فيما يقول إذا خرج من بيته إلى المسجد وغيره وإذا دخلهما

رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة كادتْهُ الجنُّ. قال: إن الشياطين تحدَّرتْ تلك الليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية والشعابِ، وفيهم شيطان بيده شغلة منْ نارٍ يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهبط إليه جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد قلْ، قال: ما أقول؟ قال قلْ: أعوذ بكلمات الله التَّامة من شرِّ ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شرِّ ما ينزل من السماء، ومن شرِّ ما يعرج فيها، ومن شرِّ فتن الليل والنهار، ومن شرِّ كل طارقاً يطرق بخيرٍ يا رحمن. قال: فطفئتْ نارهمْ، وهزمهم الله تبارك وتعالى. رواه أحمد وأبو يعلي، ولكل منهما إسناد جيد محتج به، وقد رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد مرسلاً، ورواه النسائي من حديث ابن مسعود بنحوه. (خنبش) هو بفتح الخاء المعجمة بعدها نون ساكنة، وباء موحدة مفتوحة وشين مع جمة. 5 - وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنَّه أصابه أرقٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلِّمك كلماتٍ إذا قُلْتهُنَّ نمتَ، قل اللهمَّ ربِّ السماوات السبع وما أظلَّت، ورب الأرضين وما أقلَّتْ، ورب الشياطين وما أضلَّتْ، كنْ لي جاراً من شرِّ وما أظلَّتْ، وربِّ الأرضين وما أقلَّتْ، ورب الشياطين وما أضلَّتْ، كنْ لي جاراً من شرِّ خلقك أجمعين أن يفرط عليَّ أحد منهمْ أوْ أو يطغى، عزَّ جارك وتبارك اسمك. رواه الطبراني في الكبير والأوسط واللفظ له، وإسناده جيد إلا أن عبد الرحمن بن سابط لم يسمع من خالد. وقال في الكبير: عزَّ جارك، وجلَّ ثناؤك، ولا إله غيرك. ورواه الترمذي من حديث بريدة بإسناد فيه ضعف، وقال في آخره: عزَّ جارك، وجلَّ ثناؤك، ولا إله غيرك، لا إله إلا أنت. (الترغيب فيما يقول إذا خرج من بيته إلى المسجد وغيره وإذا دخلهما) (قال الحافظ): كان الأليق بهذا الباب أن يكون عقيب المشي إلى المساجد لكن حصل ذهولٌ عن إملائه هناك، وفي كلّ خير. 1 - عنْ أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا خرج

الرَّجل من بيتهِ فقال: بسم الله توكَّلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله يقال له: حسبكَ هديتَ وكفيت ووقيت، وتنحَّى عنه الشيطان. رواه الترمذي وحسنه، والنسائي وابن حبان في صحيحه. ورواه أبو داود، ولفظه قال: إذا خرج (¬1) الرَّجل من بيتهِ، فقال: بسم الله توكَّلت (¬2) على الله، لا حول ولاقوَّة إلا بالله، يقال له حينئذٍ هديت (¬3) وكفيت (¬4) ووقيت، وتنحى عنه (¬5) الشيطان، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجلٍ هدى وكفى ووقى. 2 - وعنْ عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ مسلمٍ يخرج من بيتهِ يريد سفراً أو غيره، فقال حين يخرج: آمنتُ بالله، اعتصمتُ بالله، توكَّلَّتُ على الله، لا حول ولا قوَّة إلا بالله إلا رزق (¬6) خير ذلك المخرجِ. رواه أحمد عن رجل لم يسمه عن عثمان، وبقية رواته ثقات. 3 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قا ل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إنِّي أسألك بحقِّ السَّائلين عليك، وبحقِّ خروجي إليك إنك تعلم أنه لم يخرجني أشرٌ (¬7)، ولا بطرٌ (¬8)، ولا سُمْعَةٌ (¬9)، ولا رياء (¬10) خرجت هرباً وفراراً من ذنوبي إليك (¬11)، خرجت رجاء رحمتك وشفقاً من عذابك، خرجت اتِّقاء (¬12) سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار برحمتك، وكل الله به سبعين ألف ملكٍ يستغفرون له، وأقبل الله عليه بوجههِ حتى ¬

(¬1) قصد سفرا أو غيره. (¬2) اعتمدت على الله تعالى وسلمت له أموري. (¬3) هداك الله وأرشدك. (¬4) وقاك الله الردي وجنبك السوء. (¬5) كذا د وع، وفي ن ط: فيتنحى له. (¬6) أعطى سلامة الذهاب، وجاء معافي مسروراً ومنح بركات الخروج. (¬7) كفر نعمة وجحود وعصيان، وحق بمعنى بمحبة وكرامة ومنزلة. (¬8) طغيان ع ند النعمة وطول الغنى: والتجبر والتكبر عن الحق فلا يقبله. (¬9) شهرة وسمعة: أي أخشى أن أنسب إلى نفسي عملا صالحا لم أفعله وأدعي خيرا لم أصنعه وأسمع الناس لأحمد. (¬10) مراءاة وتشيعا وتفاخرا (يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا). (¬11) هرب: بمعنى فر ونفر، وشفقا: خوفا. (¬12) اجتناب، بمعنى أتخذ العدة وأتحصن من غضبك بالطاعة والالتجاء إلى تسبيحك.

يفرغ من صلاته: ذكره رزين، ولم أره في شيء من الأصول التي جمعها، إنما رواه ابن ماجه بإسناد فيه مقال، وحسنه شيخنا الحافظ وأبو الحسن رحمه الله. ولفظه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهمَّ إني أسألك بحقِّ السَّائلين عليك، وبحقِّ ممشاي هذا، فإنِّي لمْ أخرجْ أشراً، ولا بطراً، ولا رياءً، ولا سمعةً، وخرجتُ اتِّقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك أسألك أن تعيذني (¬1) من النار وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أقبل الله إليه بوجههِ. واستغفر له سبعون ألف ملكٍ. 4 - وعن حيوة بن شريحٍ قال: لقيت عقبة بن مسلمٍ فقلتُ له: بلغني أنَّك حدَّثك عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل المسجد: أعوذ بالله العظيم، وبوجههِ الكريم، وسلطانهِ القديم (¬2) من الشيطان الرَّجيم. قال: أقطِ (¬3)؟ قُلتُ: نعم. قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر ذلك اليوم. رواه أبو داود. 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خرج من بيتهِ إلى المسجد فقال: أعوذ بالله العظيم، وسلطانهِ القديم من الشيطان الرَّجيم، ربي الله، توكلت على الله، فوَّضت أمري إلى الله، لا حول ولا قوَّة إلا بالله، قال له الملك: كفيت وهديت ووقيت. ذكره رزين. 6 - وعن جابر رضي الله عنه أنَّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه (¬4). قال الشيطان لا مبيت (¬5) لكمْ، ولا عشاء (¬6)، وإذا دخل فلمْ يذكر الله عند دخوله. قال الشيطان: أدركتم ¬

(¬1) تبعدني وتجيرني وتنقذني. (¬2) بقدرته التامة التي لا أول لها. (¬3) أقط. كذا ط وع ص 536، والمعنى أحسب، الهمزة للاستفهام، وقط بمعنى حسب: أي أكاف، وفي حديث أبي: (وسأل زر بن حبيش عن عدد سورة الأحزاب. فقال: إما ثلاثا وسبعين أو أربعاً وسبعين فقال أقط بألف الاستفهام: أي أحسب) أهـ نهاية ص 262، وفي ن د: أقض. (¬4) قال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ واستعاذ به. (¬5) لا مسكن لكم هنا الليلة. (¬6) ولا ملجأ تأوون إليه ولا طعام الليلة.

المبيت، وإذا لمْ يذكر الله عند طعامهِ قال الشيطان. أدركتم المبيت والعشاء. رواه مسلم وأبو داود، والترمذي والنسائي وابن ماجه. 7 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بنيَّ إذا دخلت على أهلك فسلِّم (¬1) فتكون بركة عليك وعلى أهل بيتك. رواه الترمذي عن علي بن زيد عن ابن المسيب عنه، وقال: حديث حسن صحيح غريب. 8 - وروي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سرَّهُ أن لا يجد الشيطان عنده طعاماً، ولا مقيلاً (¬2)، ولا مبيتاً (¬3) فلْيسلمْ (¬4) إذا دخل بيته، وليسمِّ على طعامهِ. رواه الطبراني. 9 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة كلُّهُمْ ضامنٌ على الله عزَّ وجلَّ: رجل خرج غازياً في سبيل الله عزَّ وجلَّ فهو ضامنٌ على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة بما نال من أجر أو غنيمةً، ورجل راح إلى المسجد فهو ضامنٌ على الله حتى يتوفَّاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ، ورجلٌ دخل بيته بسلامٍ فهو ضامن (¬5) على الله عزَّ وجلَّ. رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) أي قل: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) رجاء إدراك البركة والرحمة من الله جل وعلا. (¬2) القيلوية، والجلوس من الحر ظهرا: بمعنى لا مكان لكم اليوم تستظلون فيه. (¬3) ولا مكان تقضون فيه ليلتكم. (¬4) يقل السلام ويذكر اسم الله. (¬5) بمعنى أنه ينال ثواب الله الجزيل، ويحظى بوعده الكريم في كسب النعيم والخير (ضامن) تعهد الله بثوابه. (فوائد ذكر الله من فقه أحاديث الباب) أولا: من سمى الله وفوض أمره إليه وأسند له قوة تصريف الأفعال اكتسب الهداية ونال الكفاية والمعونة وذهب عنه الشيطان (حسبك، هديت). ثانياً: يصد الشيطان أخاه ويزجره إن تعرض للذاكر (كيف لك برجل هدى). ثالثاً: ذكر الله يضمن لك السلامة في الذهاب والأوبة المحمودة. لماذا؟ لقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي (وأنا معه حين يذكرني) قال النووي: أي معه بالرحمة، والتوفيق، والهداية، والرعاية (أتيته هرولة) أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود، والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه. أهـ ص 4 جـ 17. رابعاً: ذكر الله. أ - يرتب لك موظفين يدأبون ليل نهار في طلب الرحمة لك والمغفرة. ب - يسبب تجل الله على الذاكر بشموله بإحسان الله، والنظر إليه نظر محبة وقبول (وأقبل الله عليه بوجهه). =

الترغيب فيما يقوله من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها

ولفظه قال: ثلاثة كلهم ضامن على الله إن عاش رزق وكفى، وإن مات دخل الجنة رجل دخل بيته بسلامٍ فهو ضامنٌ على الله، فذكر الحديث. (الترغيب فيما يقوله من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها) 1 - عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ أحدكمْ يأتيه الشيطان فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله، فيقول من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم، فلييقلْ: آمنت (¬1) بالله ورسوله، فإنَّ ذلك يذهب عنه. رواه أحمد بإسناد جيد وأبو يعلي والبزار، ورواه الطبراني في الكبير، والأوسط من حديث عبد الله بن عمرو. 2 - ورواه أحمد أيضاً من حديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه، وتقدم في الذكر وغيره حديث الحارث الأشعري، وفيه: وآمركمْ بذكر الله كثيراً، ومثل ذلك كمثل رجلٍ طلبه العدوُّ سراعاً في أثرهِ حتى أتى حصنا حصيناً فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله (¬2). رواه الترمذي، وصححه وابن خزيمة، وابن حبان وغيرهما. 2 - وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: تمنَّيْتُ أن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يُنجينا مما يلقي الشيطان من أنفسنا، فقال أبو بكر. رضي الله عنه ¬

= خامساً: الاستعاذة بالله: حصن منيع متين من وسوسة الشيطان وأذاه (أقط). سادساً: ذكر الله يمنع الشيطان من المنزل فلا يفرخ ولا يعشش، ولا يأوى إليه. سابعاً: ذكر السلام. أ - يجلب البركة في الذرية وفي الرزق (فليسلم). ب - بطاقة مملوءة حسنات تكرم بها الله جل وعلا يحفظها للذاكر المسلم (ضامن على الله تعالى) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وذكر الله ضربان ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وذكر القلب نوعان: أحدهما وهو أرفع الأذكار وأجلها: الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله، وجبروته، وملكوته وآياته في سمواته وأرضه، ومنه الحديث: (خير الذكر الخفي) والمراد به هذا، والثاني: ذكره بالقلب عند الأمر والنهي فيمتثل ما أمر به ويترك ما نهى عنه ويقف عما أشكل عليه، وأما ذكر اللسان مجردا فهو أضعف الأذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث، والمراد بذكر اللسان مع حضور القلب، فإن كان لاهيا فلا، واحتج من رجح ذكر القلب بأن عمل السر أفضل، ومن رجح ذكر اللسان. قال لأن العمل فيه أكثر فإن زاد باستعمال اللسان اقتضى زيادة أجر. أهـ نووي ص 16 جـ 17. (¬1) صدقت بالله جل وعلا وبرسالة حبيبه صلى الله عليه وسلم. (¬2) ذكر الله يذهب كيد الشيطان.

قد سألته عن ذلك فقال: يُنجيكم منه ما أمرت به عمِّي أن يقوله فلم يُقْلهُ. رواه أحمد، وإسناده جيد حسن، عبد الرحمن بمن معاوية أبو الحويرث: وثقة ابن حبان، وله شواهد. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكمْ فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربَّك؟ فإذا بلغه فليستعذْ بالله ولينتهِ. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. وفي رواية لمسلم: فليقلْ: آمنت بالله ورسوله. وفي رواية لأبي داود والنسائي. فقولوا: الله أحدٌ، الله الصَّمد، لمْ يلدْ ولمْ يولد ولم يكن له كفواً أحدٌ، ثمَّ ليتفلْ عن يساره ثلاثاً، وليستعذْ بالله من الشيطان. وفي رواية للنسائي: فليستعذْ بالله منه، ومنْ فتنهِ. 4 - وعنْ أبي زميل سماك بن الوليد رضي الله عنه قال: سألت ابن عباسٍ فقلت: ما شيء أجده في صدري. قال: ما هو: قلت: والله لا أتكلم به. قال فقال لي: أشيء من شكٍ (¬1)؟. قال: وضحك، قال: مانجا (¬2) من ذلك أحدٌ. قال: حتى أنزل الله عز وجل (¬3): فإن كنت في شكٍ (¬4) مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك (¬5) لقد جاءك الحقُّ من ربِّك فلا تكوننَّ ¬

(¬1) هل يوجد عندك قليل من شك ووسوسة. (¬2) لم يسلم أحد من وساوس الشيطان وأرشده إلى تعلم العلم والتحصن بذكر الله تعالى والاستعاذة به. (¬3) قبل هذه الآية (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) 93 من سورة يونس: (بوأنا) أنزلنا (مبوأ صدق) منزلا صالحا مرضيا، وهو الشام ومصر (الطيبات) اللذائذ فما اختلفوا في أمر دينهم إلا من بعد ما قرءوا التواراة وعلموا أحكامها، أو في أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاته (يختلفون) يميز ربك المحق من المبطل بالانجاء والإهلاك. (¬4) من القصص على سبيل الفرض. (¬5) فانه محقق عندهم ثابت في كتبهم على نحو ما ألقينا إليك، والمراد تحقيق ذلك والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة، وأن القرآن مصدق لما فيها، أو وصف أهل الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إليه، أو تهييج الرسول صلى الله عليه وسلم، وزيادة تثبيته لا إمكان وقوع الشك له، والملك قال عليه الصلاة والسلام: (لا أشك ولا أسأل) وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد أمته صلى الله عليه وسلم: أو لكل من يسمع: أي إن كنت أيها السامع في شك مما نزلنا على لسان نبينا إليك، وفيه تنبيه على أن كل ما خالحته شبهة في الدين أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم (الحق) واضحا أنه لا مدخل للمرية فيه بالآيات القاطعة (الممترين) بالتزلزل عما أنت عليه من الجزم واليقين. أه بيضاوي ص 314. =

من الممترين. قال فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً، فقل هو: الأوَّل (¬1)، والآخر (¬2)، والظاهر (¬3)، والباطن، وهو بكل شيء عليم (¬4). رواه أبو داود. 5 - وعن عثمان بن العاصي رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنَّ الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يُلبِّسها عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوَّذ بالله واتفُلْ (¬5) ¬

= أفهم سيدنا ابن عباس أن الإنسان عرضة لوسوسة الشيطان، ولكن يجلوه العلم وذكر الله. (¬1) السابق على سائر الموجودات من حيث إنه موجدها ومحدثها. (¬2) الباقي في فنائها ولو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر من غيرها، أو هو الأول تبتدأ منه الأسباب، وتنتهي إليه المسببات. أو الأول خارجا، والآخر ذهنا. (¬3) الظاهر وجوده لكثرة دلائله، والباطن حقيقة ذاته فلا تكتهها العقول، أو الغالب على كل شيء والعالم بباطنه. (¬4) مستوى عنده الظاهر والخفي. أهـ بيضاوي. (¬5) اتفل عن كذا في ط وع ص 537، وفي ن د. اتفل على: أي ابصق وارم على يسارك جزءا من لعابك رجاء ردعه وزجره وطرده. (فقه الأحاديث) أولا: تصدق بالله وتوحده وتخلص له، وتعمل بشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم (آمنت بالله ورسوله) لتذهب عنك وسوسة الشيطان، ويزول عنك خبل العقل والشك وزعزعة العقيدة. ثانيا: الوقاية المانعة من هجوم الشيطان: الإكثار من ذكر الله (أتى حصنا). ثالثا: تزويد النفس بمسائل العلوم الشرعية، ومصاحبة العلماء وفهم الكتاب والسنة والعمل بهما نجاة من كل سوء (فأسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) قال الله تعالى: أ - (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون) 2 من سورة الأنفال. ب - (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله) من سورة النساء. جـ - (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين 36 وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) 37 من سورة الزخرف. يعش: يتعام، ويعرض عنه لفرط اشتغاله بالمحسوسات وانهماكه في الشهوات. كأن الغافل عن الله مطرود من رحمة الله، ألعوبة في يد الشيطان (نقيض) نهيء له صديقا مجرما مثله يوسوسه ويغويه دائما (عن السبيل) عن الطريق الذي من حقه أن يسبل، ويسلك فيها لينجح وينعم: أي أن الشياطين سبب الضلال المبين يمنعون الناس عن الهدى ويعتقدون أنهم يدعون إلى الحق لغواية الناس وفتنتهم. فالعاقل من ذكر الله وأطاعه ليقيه شرهم ولذا قال تعالى في سورة الكهف: (واذكر ربك إذا نسيت) قال البيضاوي: ويجوز أن يكون المعنى واذكر ربك بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت. الاستثناء مبالغة في الحث عليه، أو اذكر ربك، وعقابه إذا تركت بعض ما أمرك به ليبعثك على التدارك، أو اذكره إذا اعتراك نسيان ليذكرك المنسي. أهـ. =

عن يسارك ثلاثاً. قال: ففعلتُ ذلك فأذهبه الله عنِّي. رواه مسلم. ¬

_ = والآية: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا 23 إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) 24 من سورة الكهف. نهى تأديب من الله تعالى لنبيه حين قالت اليهود لقريش سلوه عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين فسألوه فقال: ائتوني غدا أخبركم، ولم يستثن فأبطأ عليه الوحي بضعة عشر يوما حتى شق عليه وكذبته قريش، والاستثناء من النهي، أي ولا تقولن لأجل شيء تعزم عليه اني فاعله فيما يستقبل إلا بأن يشاء الله: أي إلا متلبسا بمشيئته قائلا إن شاء الله، أو إلا وفت أن يشاء الله أن تقوله، بمعنى أن يأذن لك فيه (واذكر ربك) مشيئة ربك، وقل إن شاء الله كما روي أنه لما نزل: قال عليه الصلاة والسلام: إن شاء الله (إذا نسيت) إذا فرط منك نسيان لذلك ثم تذكرته. وعن ابن عباس: ولو بعد سنة ما لم يحنث، ولذلك جوز تأخير الاستثناء عنه وعامة الفقهاء على خلافه لأنه لو صح ذلك لم يتقرر إقرار ولا طلاق ولا عتاق، ولم يعلم صدق ولا كذب. أهـ بيضاوي ص 417. (لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة) قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى، واعتراف بالاذعان له وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره، وأن العبد لا يملك شيئا من الأمر، ومعنى الكنز أنه ثواب مدخر في الجنة، وهو ثواب نفيس كما أن الكنز أموالكم. قال أهل اللغة: الحول الحركة والحيلة: أي لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى، وقيل معناه لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير إلا الله، وقيل لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وحكى هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه، وكله متقارب. أهـ نووي في باب الاستكثار من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله ص 26 جـ 17. وقال ابن عباس في قوله تعالى: أ - (فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) أي بالليل والنهار في البر والبحر والحضر وللسفر، والغنى والفقر، والمرض والصحة، والسر والعلانية. وقال تعالى في ذم المنافقين. ب - (ولا يذكرون الله إلا قليلا) وقال عز وجل. جـ - (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) 205 من سورة الأعراف. فالله تعالى يدعو الإنسان إلى ذكره مع حضور القلب رجاء أن يرحمنا ويفرج كروبنا. (يتمثل الحب في ذكر الله أنيسا ونورا في القبر ونعيما كما في إحياء علوم الدين) قال الغزالي: الذكر ثمرة العبادات العملية، والذكر أول وآخر، فأوله يوجب الأنس والحب: وآخره يوجبه الأنس والحب، ويصدر عنه المطلوب ذلك الأنس والحب. فإن المريد في بداية أمره قد يكون متكلفا بصرف قلبه ولسانه من الوسواس إلى ذكر الله عز وجل فان وفق للمداومة أنس به وانغرس في قلبه حب المذكور إلى أن قال: فأول الذكر متكلف إلى أن يثمر الأنس بالمذكور والحب له ثم يمتنع الصبر عنه آخرا فيصير الموجب موجبا، والمثمر مثمرا، وهذا عنى قول بعضهم: كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة: ولا يصدر التنعم إلا من الأنس والحب، ولا يصدر الأنس إلا من المداومة على المكابدة والتكلف مدة طويلة حتى يصير التكلف طبعا (هي النفس ما عودتها تتعود). ثم إذا حصل الأنس بذكر الله سبحانه انقطع عن غير ذكر الله، وما سوى الله عز وجل، وهو الذي يفارقه =

(خنزب) بكسر الخاء المعجمة، وسكون النون، وفتح الزاي بعدها باء موحدة. ¬

_ = عند الموت فلا يبقى معه في القبر أهل، ولا مال ولا ولد ولا ولاية ولا يبقى إلا ذكر الله عز وجل. فإن كان قد أنس به تمتع به وتلذذ بانقطاع العوائق الصارفة عنه إذ ضرورات الحاجات في الحياة الدنيا تصدر عن ذكر الله عز وجل. ولا يبقى بعد الموت عائق فكأنه خلى بينه وبين محبوبه فعظمت غبطته، وتخلص من السجن الذي كان ممنوعا فيه عما به أنسه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (إن روح القدس نفث في روعي: أحبب ما أحببت فأنت مفارقه) أراد به كل ما يتعلق بالدنيا فإن ذلك يفنى في حقه بالموت: فـ (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وإنما تفنى الدنيا بالموت في حقه إلا أن تفنى في نفسها عند بلوغ الكتاب أجله، وهذا الأنس يتلذذ به العبد بعد موته إلى أن ينزل في جوار الله عز وجل ويترقى من الذكر إلى اللقاء وذلك بعد أن يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، ولا ينكر بقاء ذكر الله عز وجل معه بعد الموت فيقول إنه أعدم فكيف يبقى معه ذكر الله عز وجل فانه لم يعدم عدما يمنع الذكر بل عدما من الدنيا، وعالم الملك والشهادة لا من عالم الملكوت، وإلى ما ذكرناه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: (القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة) وبقوله صلى الله عليه وسلم: (أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر) وبقوله صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر من المشركين: (يا فلان يا فلان فقال عمر: يا رسول الله كيف يسمعون وأني يجيبون وقد جيفوا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لكلامي منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا) والحديث في الصحيح. قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحيانا عند ربهم يرزقون 169 فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خلفهم ألا خوف عليه ولا هم يحزنون) 170 من سورة آل عمران. ولأجل ذكر الله عز وجل عظمت رتبة الشهادة لأن المطلوب الخاتمة، ونعى بالخاتمة وداع الدنيا، ولم يساعده حاله فأمره في مشيئة الله عز وجل، ولا يؤمن في حقه الخطر، ولذلك فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم قول لا إله إلا الله على سائر الأذكار، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم الصدق والإخلاص: (من قال لا إله إلا الله مخلصا) ومعنى الإخلاص مساعدة الحال للمقال. أهـ بتصرف ص 273 جـ 1. (صفات الله جل وعلا من معنى لا إله إلا الله) جعل الشرع الشريف شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ركنا من أركان الإسلام. إذ معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق سوى الله، ومعنى الألوهية: استغناء الإله من كل ما سواه وافتقار كل ما عداه إليه. أ - استغناء الإله عن كل ما سواه يوجب له تعالى الوجود، والقدم والبقاء. ومخالفته تعالى للحوادث، وقيامه تعالى بنفسه، وتنزهه سبحانه وتعالى عن النقائص، ويدخل في ذلك وجوب السمع له والبصر، والكلام ويؤخذ منه تنزهه تعالى عن الأغراض وأحكامه، ولا يجب عليه فعل شيء من الممكنات أو تركه. ب - وافتقار كل ما عداه إليه سبحانه وتعالى يوجب له عز وجل الحياة، وعموم القدرة والإرادة والعلم، ويوجب له تعالى الوحدانية في ذاته، وفي صفاته وفي أفعاله، ويؤخذ منه حدوث العالم بأسره، وأن لا تأثير لشيء من الكائنات في أثر ما. (محمد رسول الله) يدخل فيه الإيمان بسائر الأنبياء والملائكة، والكتب السماوية، واليوم الآخر، =

الترغيب في الاستغفار

الترغيب في الاستغفار 1 - عن أبي ذرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله عزَّ وجلَّ: يا ابن (¬1) آدم كلكم مذنبٌ (¬2) إلا من عافيت (¬3) فاستغفروني (¬4) أغفر لكمْ، وكلكمْ فقيرٌ إلا من أغنيت فأسألوني (¬5) أعطكمْ وكلكمْ ضالٌ (¬6) إلا من هديت (¬7)، فأسألوني الهدي (¬8) أهدكمْ، ومن استغفرني، وهو يعلم أني ذو قدوة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي، ولوْ أنَّ أوَّلكم وآخركم، وحيَّك وميتكم ورطبكمْ ويابسكم اجتمعوا على قلب أشقى رجلٍ واحدٍ منكم ما نقص من ذلك من سلطاني مثل جناح بعوضةٍ، ولوْ أنَّ أوَّلكمْ وآخركمْ، وحيَّكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على اتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زادوا في سلطاني ¬

= واتصاف الرسل عليهم الصلاة والسلام، بالصدق، والأمانة، والتبليغ. والفطانة الخ. أهـ من النهج السعيد في علم التوحيد ص 87. قال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين وللمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم) 19 من سورة محمد صلى الله عليه وسلم. أي إذا علمت سعادة المؤمنين، وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس باصلاح أحوالها وأفعالها، وهضمها بالاستغفار لذنبك (وللمؤمنين والمؤمنات) ولذنوبهم بالعاء لهم، والتريض على ما يستدعي غفرانهم. وفي إعادة الجار، وحذف المضاف إشعار بفرط احتياجهم وكثرة ذنوبهم وأنها جنس آخر، فإن الذنب له ما له تبعة ما يترك بالأولى (متقلبكم) في الدنيا فانها مراحل لابد من قطعها (ومثواكم) في العقبى فإنها دار إقامتكم فاتقوا الله واستغفروه وأعدوا لمعادكم. أهـ بيضاوي ص 702. اللهم إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمدا رسول الله صلى الله فتجل علينا بالرضوان، ومدنا بالاحسان والغفران ووفقنا وأصلح أحوالنا إنك غفور رحيم قدير. (¬1) يا ابن: كذا د وع ص 537، وفي ن ط: يا بني، وفي ن د: فقراء، مازاروني. (¬2) مرتكب إثما، ومقصر في حقوق الله إزاء ما أنعمت عليه وغمرته ياحساني. (¬3) سامحت. (¬4) اطلبوا مني المغفرة والعفو: أي أكثروا من الدعاء بطلب الهداية والإقالة من الذنوب. عسى أن أرحمكم وأقبل عملكم وأثيبكم. (¬5) اطلبوا مني قضاء حاجاتكم أجبكم إلى ما تدعون. (¬6) حائد عن الطريق المستقيم: أي غير موفق إلى الصواب إلا من أرشدته وعصمته، ويقال الضلال لكل عدول عن النهج السوي، عمدا كان أو سهوا يسيرا كان أو كثيرا، وفي قوله تعالى: (ووجدك ضالا فهدى) أي غير مهتد لما سيق إليك من النبوة. والمعنى الإنسان يستلهم السداد من الله، ويلجأ إلى تعاليم أحكام كتابه العزيز رجاء أن يوفق إلى الحكمة. (¬7) وفقت: أي خلقت فيه قدرة الطاعة ليسلك الصراط المستقيم، وأعماله تكون مسددة صائبة. (¬8) اطلبوا مني التوفيق.

مثل جناح بعوضةٍ، ولوْ أنَّ أوَّلكمْ وآخركمْ، وحيَّكمْ وميتكمْ ورطبكمْ ويابسكمْ سألوني حتى تنتهي مسألة كلِّ واحد منهم فأعطيتهم ما سألوني ما نقص دائما مما عندي كمغرز إبرةٍ (¬1) لو غمسها أحدكمْ في البحر، وذلك أني جواد (¬2) ماجد (¬3) واحد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كنْ فيكون. رواه مسلم والترمذي وحسنه، وابن ماجه والبيهقي واللفظ له وفي إسناده شهر ابن حوشب، وإبراهيم بن طهمان، ولفظ الترمذي نحوه إلا أنه قال: يا عبادي: ويأتي لفظ مسلم في الباب بعده إن شاء الله. 2 - وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله: يا ابن آدم إنَّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لوْ ذنوبك عنان السماء، ثمَّ استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثمَّ لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرةً. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. (العنان) بفتح العين المهملة: هو السحاب. (وقراب الأرض) بضم القاف: ما يقارب ملأها. 3 - وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال إبليس: وعزَّتك لا أبرح أغوي (¬4) عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال: ¬

(¬1) مكان تثبيتها في النسيج: أي طرفها الذي يوضع فيه الخيط، والمعنى شيء قليل جدا لا قيمة له. (¬2) كريم محسن. (¬3) عزيز عظيم المجد في الأعالي. وفي كتابي (مختار الامام مسلم شرح النووي) (كلكم ضال) وصفهم بما كانوا عليهم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهواته والراحة وإهمال النظر لضوا، وفي الحديث (كل مولود يولد على الفطرة) فالمهتدي من هداء الله وبهدي الله اهتدى وبارادة الله تعالى ذلك وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباده وهم المهتدون ولم يرد هداية الآخرين ولو أرادها لاهتدوا. الله أهدنا ووفقنا ص 442 جـ 2. معنى الحديث: يطلب ربك جل وعلا أن تلجأ إليه سبحانه بالتوبة والندم على ما فعلت وتكثر من الاستغفار وتثق بأنه عز شأنه الرزاق المعطي فتسأله وحده جل وعلا وتتوجه إليه بالذل والانكسار وتطلب منه الهداية وتعتقد أنه تعالى على كل شيء قدير لاتنفذ خزائنه ولا ينقص منها شيئ مهما أعطى صبحانه (جواد ماجد. عطائي كلام وعذابي كلام) معناه: قدرتي تامة وإردتي نافذة عند الأمر كن فيكون لا عجز ولا فقر ولا تقصير سبحانه عظمت قدرته، وجلت إرادته لا يمنعه مانع ولا يصده صاد. (¬4) أضل.

وعزَّتي وجلالي لا أزال أغفر لهمْ ما استغفروني (¬1). رواه أحمد والحاكم من طريق درَّاج، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 4 - وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على داءكم الذنوب، ودواءكم (¬2) الاستغفار. رواه البيهقي، وقد روي عن قتادة من قوله، وهو أشبه بالصواب. 5 - وعنْ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كلِّ همٍّ فرجاً (¬3)، ومن كلِّ ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب (¬4). رواه أبو داود والنسائي، وابن ماجه، والحاكم والبيهقي، كلهم من رواية الحكم بن مصعب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 6 - وعن عبد الله بن بسرٍ رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: طوبى (¬5) لمن وجد في صحيفته استغفار كثيرٌ. رواه ابن ماجه بإسناد صحيح والبيهقي. ¬

(¬1) أي يستمر غفراني وعفوي مدة دوام استغفارهم إياي. (¬2) الذي يشفي الإنسان من أخطائه ملازمة الاستغفار. (¬3) رخاء وعزاً ويزيل ما كدره وآلمه. (¬4) يزيده خيرات جمة ليست في حسابه ولا يعلم بها، بمعنى أن الاستغفار يجلب النعم ويبسط به الله الأرزاق قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) وعنه صلى الله عليه وسلم (إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم) (ومن يتق الله) فما زال يقرؤها ويعيدها. وروي أن عوف بن مالك الأشجعي أسره العدو فشكا أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: اتق الله وأكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله) ففعل فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها. وفي رواية (رجع ومعه غنيمات ومتاع). قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا) 3 من سورة الطلاق. (¬5) شجرة في الجنة تظلل مسافة طويلة من أمكنتها، وأصلها فعلى من الطيب، والمعنى ينال المستغفر مكاناً ساميا في الجنة ذا رائحة طيبة زكية يفوحشذاها من صحيفته الثابتة له قال تعالى: (فأما من أوتي كتابه بيمينه 7 فسوف يحاسب حساباً يسيرا 8 وينقلب إلى أهله مسرورا 9 وأما من أوتي كتابه وراء ظهره 10 فسوف يدعو ثبورا 11 ويصلى سعيرا 12 إنه كان في أهله مسرورا 13 إنه ظن أن لن يحور 14 بلى إن ربه كان به بصيراً) 15 من سورة الانشقاق. (يسيراً) سهلا لا يناقش فيه (إلى أهله) إلى عشيرته المؤمنين، أو أهله في الجنة من الحور (وراء ظهره) من وراء ظهره، قيل: تغل يمناه إلى عنقه، وتجعل يسراه وراء ظهره (ثبوراً) يتمنى الهلاك يقول: يا ثبوراه (في أهله) في الدنيا بطراً بالمال والجاء فارغاً من الآخرة (لن يحور) لن يرجع إلى الله تعالى بصيراً عالماً بأعماله فلا يهمله بل يرجعه ويجازيه. إن شاهدنا الصحيفية النقية الطاهرة لمن دبج الكتبة البررة فيها استغفارا كثيرا.

7 - وعن الزُّبير رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحبَّ أن تسرَّه صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار. رواه البيهقي بإسناد لا بأس به. 8 - وعن أمِّ عصمة العوصيَّة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ مسلم يعمل ذنباً إلا وقف الملك ثلاث ساعاتٍ، فإن استغفر من ذنبه لمْ يكتبه عليه، ولم يعذِّبهُ الله يوم القيامة. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ العبد إذا أخطأ نكتت (¬1) في قلبه نكتة، فإن هو نزع واستغفر صقلتْ، فإنْ عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، فذلك الرَّان الذي ذكر الله تعالى: كلا بل رَانَ على قُلوبهمْ ما كانوا يكسبون. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 10 - وروي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن للقلوب صدأ كصدإ النُّحاس (¬2) وجلاؤها الاستغفار. رواه البيهقي. 11 - وعن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله به بما شاء أن ينفعني، وإذا حدَّثني أحدٌ من أصحابه استحلفته (¬3)، فإذا حلف لي صدقته، وقال: وحدَّثني أبو بكر رضي الله عنه ¬

(¬1) أي أثرت قليلا كالنقطة، شبه الوسخ في المرآة، والسيف ونحوهما قال تعالى: (كلا إن كتاب الفجار ففي سجين 7 وما أدراك ما سجين 8 كتاب مرقوم 9 ويل يومئذ للمكذبين 10 الذين يكذبون بيوم الدين 11 وما يكذب به إلا كل معتد أثيم 12 إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين 13 كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون 14 كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون 15 ثم إنهم لصالوا الجحيم 16 ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون) 17 من سورة المطففين. (مرقوم) مسطور بين الكتابة أو معلم يعلم من رآه (معتد) متجاوز عن النظر غال في التقليد حتى استقصر قدرة الله تعالى وعلمه فاستحال منه الإعادة (أثيم) منهمك في الشهوات (ران) صدأ على قلوبهم فعمى عليهم معرفة الحق والباطن وغلب عليهم حب المعاصي بالانهماك فيها (لمحجوبون) لا يرون الله، بخلاف المؤمنين (لصالو) ليدخلون النار (يقال) أي يقول الزبانية أهـ بيضاوي. (¬2) هو أن يركبها الرين بمباشرة المعاصي والآثام فيذهب بجلائها كما يعلو الصدأ وجه المرآب والسيف ونحوهما أهـ نهاية. المعنى أن الذاكر الله المستغفر يزيل الغفلة عن قلبه، وكثرة الاستغفار تضيء القلب بنور الله وخشيته فيزداد من الطاعة. (¬3) طلبت منه القسم.

وصدق (¬1) أبو بكر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبدٍ يذنب (¬2) ذنباً فيحسن الطهور، ثمَّ يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر له ثم قرأ هذه الآية: والذين إذا فعلوا فاحشةً (¬3) أو ظلموا أنفسهم (¬4). إلى آخر الآية. رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وليس عند بعضهم: ذكر الركعتين، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وذكر أن بعضهم وقفه. 12 - وعن بلال بن يسار بن زيدٍ رضي الله عنه قال: حدَّثني أبي عن جدِّي أنه سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من قال: استغفر الله الذي لا إله إلا هو (¬5) الحيَّ (¬6) القيوم (¬7) وأتوب إليه غفر له، وإن كان فرَّ (¬8) من الزحف. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (قال الحافظ): وإسناده جيد متصل متصل فقد ذكر البخاري في تاريخه الكبير أن بلالا سمع من أبيه يسار، وأن يساراً سمع من أبيه زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في يسار والد بلال: هل هو بالباء الموحدة، أو بالياء المثناة تحت، وذكر البخاري في تاريخه أنه بالموحدة، والله أعلم. ورواه الحاكم من حديث ابن مسعود، وقال: صحيح على شرطهما إلا أنه قال: يقولها ثلاثاً. ¬

(¬1) وصدق أبو بكر. كذا د وع ص 539. (¬2) يفعل خطأ يغضب الله، ثم تاب وأناب، وتوضأ وتنفل. (¬3) فعلة بالغة في القبح كالزنا. (¬4) ارتكبوا المعاصي، وحملوا أنفسهم فوق طاقتها بهجر أوامر الله. قال البيضاوي: بأن أذنبوا أي ذنب كان، وقيل الفاحشة الكبيرة، وظلم النفس الصغيرة، ولعل الفاحشة ما يتعدى، وظلم النفس ما ليس كذلك (ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) تذكروا وعيده أو حقه العظيم أو لحكمته فندموا وتابوا (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) أي ولم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة). والمعنى: (من أخطأ وتاب إلى ربه، وأقبل عن عبادته بالركعتين ثم استغفر محا الله ذنوبه وستر عيوبه، وأزال آثامه، وطهر صحيفته. ومن شروط قبول الاستغفار أن يقلع المستغفر عن الذنب، وإلا فالاستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب. (¬5) لا يستحق العبادة سواء ولا يوجد إله غيره. (¬6) الذي اتصف بالحياة الكاملة لا يعتريه سبحانه فناء. قال البيضاوي: الذي يصح أن يعلم ويقدر، وكل ما يصح له فهو واجب لا يزول لامتناعه عن القوة والإمكان. أهـ. (¬7) الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه المحيط بصيانته. (¬8) يمحو الله سيئات القاتل، وإن ذهب ليجاهد فرأى العدو ففر وقت الهجوم وقرب الأعداء.

13 - وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره فقال: استغفروا الله، فاستغفرنا فقال: أتموها سبعين مرَّة، يعني فأتممناها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد، ولا أمةٍ (¬1) يستغفر الله في يوم سبعين مرَّة إلا غفر الله له سبعمائة ذنبٍ، وقد خاب (¬2) عبد أوْ أمة عمل في يومٍ وليلةٍ أكثر من سبعمائة ذنبٍ. رواه بن أبي الدنيا والبيهقي والأصبهاني. 14 - وعن أنس أيضا رضي الله عنه في قوله عزَّ وجلَّ: فتلقى (¬3) آدم من ربه كلماتٍ فتاب (¬4) عليه إنه هو التواب (¬5) الرحيم (¬6)، قال قال: سبحانك اللهمَّ ¬

(¬1) أي ذكر أو أنثى. (¬2) أي خسر من ترك الاستغفار، والمعنى أن كثرة الاستغفار تزيل الذنوب ولو تضاعف عددها. فكأن المرة الواحدة من الاستغفار تمحو عشر سيئات. قال الشاعر: لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه ... من جود كفيك ما علمتني الطلبا أي إن إرادتك العظيمة يا ب محو ذنوب من وفقته للاستغفار، فالاستغفار نعمة أبقاها الله جل وعلا ليتطهر به العبد، وليكثر من طلب غ فرانه. فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم عصمهم الله تعالى من الأخطاء الكبيرة والصغيرة، ولكن هم أشد الناس اجتهادا في العبادة. وفي حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أما والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) فاستغفاره صلى الله عليه وسلم كما في الفتح تشريع لأمته، أو من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم. أهـ ص 79 جـ 11. قال عياض. الاستغفار لإظهار العبودية لله والشكر لما أولاه، وقيل هي حالة خشية وإعظام، والاستغفار شكرها، ومن ثم قال المحاسبي: خوف المتقربين خوف إجلال وإعظام. قال تعالى: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) 39 من سورة المائدة. (¬3) استقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها حين عملها. (¬4) رجع عليه بالرحمة وقبول التوبة، وإنما رتبه بالفاء على تلقي الكلمات لتضمنه معنى التوبة، وهو الاعتراف بالذنب والندم عليه، والعزم على أن لا يعود إليه، واكتفى بذكر آدم لأن حواء كانت تبعا له في الحكم، ولذلك طوى ذكر النساء في أكثر القرآن والسنن. (¬5) الرجاع على عباده بالمغفرة، أو الذي يكثر إعانتهم على التوبة. وأصل التوبة: الرجوع، فإذا وصف بها العبد كان رجوعها من المعصية، وإذا وصف بها البارئ تعالى أريد بها الرجوع عن العقوبة إلى المغفرة. (¬6) المبالغ في الرحمة، وفي الجميع بين الوصفين وعد للتائب بالاحسان مع العفو. أهـ بيضاوي ص 26. قال تعالى: أ - (ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا) فكأن الذكر سعادة، وتركه شقاوة. ب - (إن للمتقين مفازا 31 حدائق وأعنابا 32 وكواعب أترابا 33 وكأسا دهاقا 34 لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا 35 جزاء من ربك عطاء حسابا 36 رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن =

وبحمدك عملت سوءا (¬1) نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين (¬2) لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءاً، وظلمت نفسي فارحمني إنَّك أنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسي فتبْ عليَّ إنك أنت التواب الرحيم، وذكر أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن شكَّ فيه. رواه البيهقي، وفي إسناده من لا يحضرني حاله. 15 - وعن محمد بن عبد الله بن محمد بن جابرٍ بن عبد الله رضي الله عنه عن أبيه عن جدِّه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: واذنوباه (¬3) واذنوباه، فقال هذا القول مرَّتين أو ثلاثاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: اللهمَّ (¬4) مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي، فقالها ثمَّ قال: عد فعاد، ثمَّ قال: عدْ فعاد، ثمَّ قال: قمْ فقد غفر الله لك. رواه الحاكم، وقال: رواته مدنيون لا يعرف واحد منهم بجرح. 16 - وعن البراء رضي الله عنه قال له رجلٌ: يا أبا عمارة، ولا تلقوا بأيديكمْ إلى التهلكة، أهو الرجل يلقي العدوَّ فيقاتل حتى يقتل؟ قال: لا، ولكن هو الرَّجل يذنب الذنَّب، فيقول: لا يغفره (¬5) الله. رواه الحاكم موقوفاً، وقال: صحيح على شرطهما. ¬

= لا يمكلون منه خطابا 37 يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا 38 ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) 39 سورة النبأ. (مفازا) فوزا (حدائق) بساتين (كواعب) نساء حسانا (دهاقا) ملآنا شرابا لذيذا (حسابا) كافيا (الروح) سيدنا جبريل وأصحابه، الذين هم أفضل الخلائق وأقربهم من الله. إن شاهدنا (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) أي تاب ورجع إلى الله، وغرس الصالحات ليجني ثمراتها بعد موته، وقد علم الله سيدنا آدم صيغة تسبيحه وتحميده، وتبجيله رجاء غفران خطاياه. قال تعالى: (إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) 40 من سورة النبأ. (¬1) ذنبا. (¬2) العافين: ساتري الخطايا، سبحانه. (¬3) يندب كثرة خطاياه، ويشكو زيادتها ويخشى الله كثيرا، فأمر صلى الله عليه وسلم ذلك المقصر المستغيث بصيغة رجاء أن الله يفرج كربه، ويزيل غمه، ويمحو سيئاته. (¬4) أي يا الله غفر أنك أوسع من تقصيري وارتكابي الآثام، ورأفتك بي أكثر رجاء وفوزا من عمل هذا الذي أعده بجانب نعمك، وفضلك حقيرا دنيئا وإنك غفور رحيم، فكرر هذا الدعاء ذلك الرجل مرتين أو ثلاثا فما قام من مجلسه الا وتكرم الله عليه بالعفو والغفران. (¬5) معناه أن باب الرجاء مفتوح على مصراعيه تفضلا من الله جل وعلا أن يعفو عن المسيء إذا استغفر قال تعالى: (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) 70 =

الترغيب في كثرة الدعاء، وما جاء في فضله

الترغيب في كثرة الدعاء وما جاء في فضله 1 - عنْ أبي ذرٍّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عنْ ¬

_ = ومن تاب وعمل صالحاً فانه يتوب إلى الله متابا) 71 من سورة الفرقان. استثنى الله تعالى من تاب وعرف ربه، وأناب وأحسن في عمله، وأطاع الله وخشيه. فوائد الاستغفار من فقه أحاديث الباب) أولا: فضل الله واسع وخزائنه لا تنفد، وعطاؤه جزيل لا ينقصه أي عطاء وإن جل. ثانياً: إرادة الله النافذة وأمره صارم، فلا يحصل خير إلا بأمره (كن فيكون). ثالثاً: الاستغفار هادم غوايات إبليس ومحطم إضلاله (لا أبرج أغوي). رابعاً: البلسم الشافي لإزالة الآثام: الاستغفار. خامساً: يزيل الاستغفار الكروب ويوسع الأرزاق ويقضي الله به الحاجات (جعل الله له من كل هم فرجا). سادساً: جهة معينة في الجنة للمستغفر (طوب). سابعاً: الاستغفار يطهر صحيفة العبد من الأخطاء (من أحب أن ت سره (صحيفته). ثامناً: إذا أذنب العبد يمهله كاتب السيئات رجاء لاستغفار فإذا استغفر ربه (لم يوقفه عليه). تاسعاً: الاستغفار ينغلف القلب من الغفلة ويجلوه من صدأ النسيان ويبعد الران الذي يحجب أنوار الله. عاشراً: الاستغفار قربان إلى الله ووصلة لمناجاته وإقدام على تنقية وحيلة المخلصين (ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم). الحادي عشر: الإكثار منه يمجد الله ويدعوه بأسمائه العظمى، وبذا يغفر الله للمستغفر (وإن كان فرض الزحف). الثاني عشر: كل مرة يكفر الله بها عشرة ذنوب الواحد بعشر سيئات، وقد خسر المذنب الغافل عن الاستغفار (وقد خاب). الثالث عشر: الاستغفار سبب قبول التوبة وحسن الخاتمة (فتلق آدم من ربه كلمات فتاب عليه). الرابع عشر: عدم الاستغفار تهلكه ودمار ويجلب سوء العاقبة ويدعو إلى اليأس من رحمة الله والعياذ بالله، وتركه مصيبة وكارثة على الغافل عن الله (الرجل يذنب فيقول لا يغفره الله) قال تعالى: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى 123 ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى 124 قال رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا 125 قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم ننسى 126 وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) 127 عن سورة طه. إن شاهدنا (أعرض عن ذكرى) وتلك لعمري التهلكة قاصمة الظهر، جالبة الضير، مسببة الويل، وأحسب الاستغفار إحسانا كما قال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين). (آيات الاستغفار من كتاب الله جل وعلا) في صحيح البخاري: باب الاستغفار وقوله تعالى: (استغفروا ربكم). قال في الفتح: وكأن المصنف لمح بذكره هذه الآية إلى أثر الحسن البصري: أن رجلا شكا إليه الجدب فقال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = استغفر الله، وشكا إليه آخر الفقر فقال: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال: استغفر الله، وشكا إليه آخر عدم الولد. فقال: استغفر الله، ثم تلا عليهم هذه الآية أهـ ص 76 جـ 11. أولا: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا 10 يرسل السماء عليكم مدرارا 11 ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) 12 من سورة نوح. أي يا قوم توبوا إلى الله واعبدوه واتقوا ليجلب لكم المنح. أي يا قوم توبوا إلى الله واعبدوه واتقوه ليجلب لكم المنح. أ - ليرسل لكم المطر كثير الدرور والانهطال فيشرب منه الإنسان والحيوان والنبات. ب - يبارك في أولادكم ويكثر في أرزاقكم. جـ - تتمتعون برغد العيش والبساتين النضرة. والمياه العذبة. ثانيا: وقالتعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) 25 من سورة الأنفال. (وأنت فيهم) أي بلدهم، فان خرجت منها أنت والمؤمنون عذبهم الله على أيديكم عذابا خاصاً بهم، ولا يعذبهم الله جل وعلا، والحال أنهم يستغفرون أهـ صاوي. فقد جعل الله الآن مأمنا للمسلمين من عذابه، وهو الاستغفار الذي ينجي من عقابه سبحانه. وقد سئل ابن الجوزي: أأسبح أو استغفر؟ فقال الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور. والاستغفار استفعال من الغفران، وأصله الغفر، وهو إلباس الشيء ما يصونه عما يدنسه، وتدنيس كل شيء بحسبه، والغفران من الله للعبد أن يصونه عن العذاب، والتوبة في الشرع ترك الذنب لقبحه، والندم على فعله، والعزم على عدم العود، ورد المظلمة إن كانت، أو طلب البراءة من صاحبها، وهي أبلغ ضروب الاعتذار. أهـ فتح ص 80 جـ 11. روي أن الإمام عليا قال: ثنتان يؤمنان من العذاب، وقد رفعت إحداهما وبقيت الثانية، وتلا رضي الله عند هذه الآية، ثم قال: العجب ممن يهلك، ومعه النجاة. قيل وما هي؟ قال الاستغفار، وقال: ما ألهم الله سبحانه عبدا الاستغفار، وهو يريد أن يعذبه. ص 263 جـ 1 إحياء. ثالثاً: (كتاب أحكمت اياته ثم فصلت من لدن حكميم خبيرا (ألا تعبدوا إلا الله إني لكم منه نذير وبشير 2 وأن استغفرا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل قضله) من سورة هود. توسلوا إلى مطلوبكم بالتوبة يعيشكم في أمن ودعة وسعة (ويؤت) ويعط (كل ذي فضل) في دينه جزاء فضله في الدنيا والآخرة، وهو وعد للموحد التائب بخير الدارين. رابعاً: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين) 53 من سورة هود. اطلبوا مغفرة الله بالإيمان. ثم توسلوا إليها بالتوبة ليضاعف قوتكم بالتناسل. خامساً: (وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب) 62 من سورة هود. (أنشأكم) كونكم منها وعمركم فيها معمري دياركم، وربي قريب الرحمة، مجيب داعيه. =

ربِّه عزَّ وجلَّ أنَّه قال: يا عبادي إني حرّمت الظُّلم (¬1) على نفسي، وجعلتهُ بينكمْ ¬

_ = سادساً: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا 3 من سورة النصر). سابعاً: (والمستغفرين بالأسحار) 170 من سورة آل عمران. ثامناً: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك ولا تكن للخائنين خصيما 105 واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما) 106 سورة النساء. تاسعاً: (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما 110 ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما 111 ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتانا وإثماً مبيناً) 112 سورة النساء. عاشراً: لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم 117 وعلى الثلاثة الذي خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) 118 من سورة التوبة. قال البيضاوي: (لقد تاب الله) من إذنه للمنافقين في التخلف أو برأه عن علقة الذنوب كقوله تعالى: (ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) وقيل هو بعث على التوبة، والمعنى ما من أحد إلا وهو محتاج الى التوبة حتى النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار، لقوله تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون) إذ ما من أحد إلا وله مقام يستنقص دونه ما هو فيه، والترقي إليه توبة من تلك النقيصة وإظهار لفضلها بأنها مقام الأنبياء والصالحين من عباده (ساعة العسرة) في وقتها، وهي حالهم في غزوة تبوك، كانوا في عسرة الظهر، يعتقب العشرة على بعير واحد، والزاد حتى قيل إن الرجلين كانا يقتسمان تمرة، والماء حتى شربوا الفرث (الثلاثة) كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع تخلفوا عن الغزو (لا ملجأ من الله إلا إليه) أي لا نجاة من سخطه إلا إلى استغفاره (ثم تاب عليهم) بالتوفيق للتوبة، أو أنزل قبول توبتهم ليعدوا من جملة التائبين، أو رجع عليهم بالقبول والرحمة مرة بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم، سبحانه المتفضل عليهم بالنعم أهـ. إن شاهدنا ذكر هؤلاء الأبطال في الجهاد في سبيل الله ثم شرح الله صدورهم بالإيمان، وطاعة الله ثم هداهم إلى الاستغفار فصار وصلة بين العبد وربه، وسبب الفوز برضوان الله، فأريد اليوم أن يكثر المسلمون من الاستغفار رجاء التوفيق والهداية إلى أقوم طريق. الحادي عشر: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) 116 من سورة النساء. قيل جاء شيخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال إني شيخ منهمك في الذنوب إلا أني لم أشرك بالله شيئاً منذ عرفته وآمنت به، ولم أتخذ من دونه وليا، ولم أوقع المعاصي جرءة، وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هربا، وإني لنادم تائب فما ترى حالي عند الله سبحانه وتعالى؟ فنزلت أهـ بيضاوي. أرجو التوبة والندم والعزيمة على طاعة الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وكثرة الاستغفار. (هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين) 128 سورة آل عمران. (¬1) قال النووي: قال العلماء: معناه تقدست عنه وتعاليت، والظلم مستحيل في حق الله سبحانه وتعالى. كيف يجاوز سبحانه حدا وليس فوقه من يطيعه؟ وكيف يتصرف في غير ملك، والعالم كله في ملكه وسلطانه؟ وأصل التحريم في اللغة المنع، فسمى تقدسه عن الظلم تحريما لمشابهته للممنوع في أصل عدم الشيء. اهـ ص 132 ج 16

محرَّما فلا تظالموا (¬1) يا عبادي: كلكمْ ضالُّ (¬2) إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي: كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكمْ. يا عبادي: كلُّكمْ عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكمْ. يا عبادي: إنكم لن تبلغوا ضرِّي فتضرَّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي: لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإسنكمْ وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي: لوْ أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما نقص من ملكي شيئا. يا عبادي: لو أن أوَّلكم وآخركمْ وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر (¬3) يا عبادي: إنما هي أعمالكمْ أحصيها لكمْ، ثمَّ أوفيكمْ إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه. قال سعيد: كان أبو إدريس الخولانيُّ إذا حدَّث بهذا الحديث جثا على ركبتيه. رواه مسلم واللفظ له. ورواه الترمذي، وابن ماجه عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عنه، ولفظ ابن ماجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى يقول: يا عبادي كلُّكم مذنبٌ إلا من عافيته فأسألوني المغفرة أغفر لكمْ، ومن علم منكم أني ¬

(¬1) لا تظالموا: أي لا يظلم بعضكم بعضاً. (¬2) قال المازري: ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلال إلا من هداه الله تعالى، وفي الحديث المشهور: (كل مولود يولد على الفطرة) قال: فقد يكون المراد بالأول، وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الراحة والشهوات، وإهمال النظر لضلوا، وهذا الثاني أظهر. قال النووي: وفي هذا دليل لمذهب أصحابنا وسائر أهل السنة أن المهتدي هو من هداه الله، وبهدى الله اهتدى وبإرادة الله تعالى ذلك، وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباد وهم المهتدون ولم يرد هداية الآخرين، ولو أرادها لاهتدوا خلافا للمعتزلة في قولهم الفاسد: أراد هداية الجميع، جل الله أن يريد ما لا يقع أو يقع مالا يريد. أهـ ص 134 جـ 16. (¬3) البحر من أعظم المرئيات عيانا، والإبرة من أصغر الموجودات، وصقيلة لا يتعلق بها ماء، ولكن هذا تقريب إلى الأفهام: أي لا ينقص شيئاً أصلاً (لا يغيضها نفقة) ويدخل النقص في المحدود الفاني، وعطاء الله سبحانه وتعالى من رحمته وكرمه، وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص. أهـ نووي.

ذو قدرةٍ على المغفرة، واستغرني بقدرتي غفرتُ له، ولكُّكم ضالُّ إلا من هديت فاسألوني الهدى أهدكمْ، وكلُّكمْ فقير إلا من أغنيت فاسألوني أرزقكمْ، ولو أنَّ حيَّكم وميتكم، وأوَّلكم وآخركمْ، ورطبكمْ ويابسكمْ اجتمعوا فكانوا على قلب أتقى عبدٍ من عبادي لم يزد في ملكي جناح بعوضةٍ، ولو اجتمعوا فكانوا على قلب أشقى عبدٍ من عبادي لم ينقصْ من ملكي جناح بعوضةٍ، ولوْ أنَّ حيكمْ وميتكمْ وأوَّلكمْ وآخركمْ، ورطبكم ويابسكمْ اجتمعوا فسأل كلُّ سائل منهمْ ما بلغت أمنيته ما نقص من ملكي إلا كما لو أنَّ أحدكم مرَّ بشفة البحر فغمس فيها إبرةً، ثمَّ نزعها، ذلك بأنِّي جوادٌ ماجدٌ، عطائي كلامٌ، إذا أرادت شيئاً فإنما أقول له كنْ فيكون، ورواه البيهقي بنحو ابن ماجه، وتقدم لفظه في الباب قبله. (المخيط) بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الياء المثناة تحت: هو ما يخاط به الثوب كالإبرة ونحوها. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: أنا عند ظنَّ عبدي (¬1) بي، وأنا معه (¬2) إذا دعاني. رواه البخاري ومسلم واللفظ له والترمذي، والنسائي وابن ماجه. 3 - وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدعاء هو العبادة، ثمَّ قرأ: وقال ربكم ادعوني (¬3) أستجبْ لكمْ إنَّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنَّم داخرين. رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 4 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) قال القاضي: قيل معناه بالغفران له إذا استغفر، والقبول إذا تاب والإجابة إذا دعا، والكفاية إذا طلب الكفاية، وقيل المراد به الرجاء وتأميل العفو، وهذا أصح. أهـ نووي ص 2 جـ 17. (¬2) معه بالرحمة والتوفيق، والهداية والرعاية (وهو معكم أينما كنتم) أي بالعلم والإحاطة. قال تعالى: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين) 66 من سورة المؤمن. لا موجد سواه سبحانه المتفرد بالعطاء. (¬3) اسألوني، والاستكبار الصارف عند منزلة الاستكبار عن العبادة للمبالغة. فيه الحث على الرجاء والتضرع إلى الله عز وجل في جميع الحاجات.

منْ سرَّهُ أن يستجيب الله له عند الشَّدائد فليكثر من الدعاء في الرَّخاء. رواه الترمذي والحاكم من حديثه، ومن حديث سلمان، وقال في كل منهما: صحيح الإسناد. 5 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس شيء أكرم على الله من الدُّعاء في الرَّخاء. رواه الترمذي، وقال: غريب، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 6 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: يا ابن آدم إنَّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، الحديث رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وتقدم بتمامه في الاستغفار. 7 - وعنْ عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوةٍ إلا آتاه الله تعالى إياها، أو صرف عنه من السُّوء مثلها ما لم يدع بإثمٍ، أوْ قطيعة رحمٍ، فقال رجلٌ من القوم: إذا نكثر. قال: الله أكثر. رواه الترمذي واللفظ، والحاكم كلاهما من رواية عبد الرحمن بن ثابت ابن ثوبان، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد قال الجراحي، يعني الله أكثر إجابة. 8 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منْ مسلم ينصب وجهه لله عزَّ وجلَّ في مسألةٍ إلا أعطاها إياها: إما أن يعجلها (¬1) له، وإما أن يدَّخرها (¬2) له في الآخرة. رواه أحمد بإسناد لا بأس به. 9 - وعنْ أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثم (¬3)، ولا قطيعة رحمٍ (¬4) إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاثٍ: إما أن يعجِّل له دعوته، وإمَّا أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السُّوء (¬5) مثلها. قالوا: إذاً نكثر. قال: الله أكثر (¬6). رواه أحمد البزار. ¬

(¬1) يعطيه يجيبه في حياته. (¬2) أو يحفظ ثواب هذا الدعاء كنزا له. (¬3) ذنب. (¬4) أقارب. (¬5) يبعد عنه من المصائب. (¬6) فضله أعم، وكنوزه لا تنفد، وعطاياه لاتحد. واسع الجود سبحانه وتعالى.

وأبو يعلي بأسانيد جيدة، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 10 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه، فيقول: عبدي إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن أستجيب لك، فهلْ كنت تدعوني؟ فيقول: نعم يا ربِّ، فيقول: أما إنك لم تدعني بدعوةٍ إلا استجبت لك، أليس دعوتني يوم كذا وكذا لغمٍّ نزل بك أن أفرِّج عنك ففرَّجت عنك؟ فيقول: نعم يا ربِّ. فيقول إني عجَّلتها لك في الدنيا، ودعوتني يوم كذا وكذا لغمٍ نزل بك أن أفرِّج عنك فلمْ تر فرجا. قال: نعم يا ربِّ، فيقول: إني ادَّخرت لك بها في الجنَّة كذا وكذا، ودعوتني في حاجةٍ أقضيها لك في يوم كذا وكذا فقضيتها، فيقول: نعم يا ربِّ، فيقول: إني عجَّلتها لك في الدنيا، ودعوتني يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك فلمْ تر قضاءها؟ فيقول: نعم يا ربِّ، فيقول: إني ادَّخرت لك بها في الجنة كذا وكذا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا يدع الله دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بين له إما أن يكون عجَّل له في الدنيا، وإمَّا أن يكون ادَّخر له في الآخرة. قال فيقول المؤمن في ذلك المقام يا ليته (¬1) لمْ يكنْ عجِّل له شيء من دعائهِ. رواه الحاكم. 11 - وعنْ أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعجزوا في الدعاء، فإنَّه لنْ يهلك مع الدعاء أحد. رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 12 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدِّين، ونور السماوات والأرض. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ورواه أبو يعلي من حديث عليّ. 13 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فتح له منكمْ باب الدُّعاء فتحت له أبواب الرَّحمة، وما سئل الله شيئاً يعني ¬

(¬1) كنت أتمنى أن لا يجيب في حياتي لتنفعني اليوم في آخرتي. فأكثر يا أخي من التذلل لربك، واسأله الرضا وإصلاح الحال والهداية وبلوغ الآمال عسى أن تسلك الصراط السوي.

أحبَّ إليه من أن يسأل العافية (¬1)، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدعاء ينفع مما نزل (¬2) ومما لمْ ينزلْ فعليْكمْ (¬3) عباد الله بالدعاء. رواه الترمذي، والحاكم كلاهما من رواية عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وهو ذاهب الحديث عن موسى بن عقبة عن نافع عنه، وقال الترمذي: حديث غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 14 - وعنْ سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله حيى (¬4) كريمٌ يستحيي إذا رفع الرَّجل إليه يديه أن يردَّهما صفراً خائبتين. ¬

(¬1) السلامة من الأسقام والبلايا، وهي الصحة وضد المرض. أهـ نهاية. أي اطلبوا منه سبحانه النجاة في الدين والدنيا، وسعادة الحياة وخلوها من شوائب الأقذار. (¬2) يلطف الله، ويخفف ما قدر جل وعلا. (¬3) التجئوا يا عباد الله إلى التضرع إلى ربكم عز شأنه. وفي مقدمة جواهر البخاري: وأدعو الله مغفرة وعفوا ... وإحسانا وعيشاً في يسار ويقبل ما كتبت بحسن قصد ... وإخلاص ويرضي عن (عمار) ويحشر (مصطفى) كرما وفضلا ... مع الأبرار في نزل الجوار (¬4) (حيي) كناية عن فضل الله المدرار الذي يصب انصبابا لسائله، يجيب الطلب كما يريد الداعي، وفي الغريب: يقال حيي فهو حيي، وقيل استحى فهو مستح. قال تعالى: أ - (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) وقال عز وجل: ب - (والله لا يستحي من الحق). وروي (إن الله تعالى يستحي من ذي الشيبة المسلم أن يعذبه (فليس يراد به انقباض النفس إذ هو تعالى منزه عن الوصف بذلك، وإنما المراد به ترك تعذيبه، وعلى هذا ما روي: (إن الله حيي): أي تارك للقبائح، فاعل للمحاسن أهـ ص 140. فأنت تجد هذا التعبير الجميل (حيي كريم) يصور لك نهاية الجود والإحسان يتكرم الله فلا يخيب من دعاه قال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستحييوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) 186 من سورة البقرة. أي فقل لهم إني قريب، وهو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم. روي أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فمنزلت (أجيب دعوة الداع) تقرير للقرب، ووعد للداعي بالإجابة (فليستحيبوا لي) إذا دعوتهم للإيمان والطاعة كما أجيبهم إذا دعوني لمهماتهم (وليؤمنوا بي) أمر بالثبات والمداومة عليه (يرشدون) راجين إصابة الرشد وهوه إصابة الحق أهـ بيضاوي. سبحانه وتعالى خبير بأحوال الناس، سميع لأقوالهم: مجيب لدعائهم، مجازيهم على أعمالهم. شكرا لك يا رب أنعمت وأفضت الخير على العالم فنحمدك ونرجو أن تعفو عنا وترضي عنا وتبسط لنا الرزق وتوفقنا.

رواه أبو داود والترمذي وحسنه واللفظ له، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين. (الصفر) بكسر الصاد المهملة، وإسكان الفاء: هو الفارغ. 15 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله رحيمٌ كريمٌ يستحيي (¬1) من عبده أن يرفع إليه يديه، ثمَّ لا يضع فيهما خيراً. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وفي ذلك نظر. 16 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نزلتْ به فاقة (¬2) فأنزلها بالناس لمْ تسدَّ فاقته، ومنْ نزلتْ به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزقٍ عاجلٍ، أو آجلٍ. رواه أبو داود والترمذي، والحاكم وصححه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح ثابت. (يوشك) بكسر الشين المعجمة: أي يسرع وزنه ومعناه. 17 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يردُّ القدر إلا الدعاء (¬3)، ولا يزيد في العمر إلا البرُّ (¬4)، وإنَّ الرجل ليحرم الرِّزق بالذنب (¬5) يذنبه. رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) المراد به الترك اللازم للانقباض. كما أن المراد من رحمته إصابة المعروف، ومن غضبه إصابة المكروه اللازمين لمعنييهما، ونظيره قول من يصف إبلا: إذا ما استحين الماء يعرض نفسه ... كرعن بسبت في إيناء من الورد وإنما عدل عن الترك لما فيه من التمثيل والمبالغة. والحياء انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم: وهو الوسط بين القباحة والوقاحة، والجراءة في الشر وعدم المبالاة، وبين الخجل الذي هو انحصار النفس عن الفعل مطلقاً، وهذا المعنى مستحيل على الله جل وعلا. (¬2) فقر وحاجة: أي طلب من أحد إزالتها، ولم يلجأ إلى ربه وحده، وأما من طلب من الله أن يزيد رزقه، أو يفرج كربه أجاب دعاءه، ويدل عسره يسرا وهمه فرجا. (¬3) معناه التضرع إلى الله يدعو إلى رحمته سبحانه فيخفف في قضائه فتقل المصائب ويزول الألم. فإذا دعا الله داع، وقدر الله جل وعلا مثلا أن ينزل صاعقة على جهة كذا فتنزل الصاعقة كما هو مقدر سبحانه، ولكن يفتتها ويخفف وقعها، وتكون يردا وسلاما على أصحابها، أو يقدر مرضاً مثلا فتأتي دورة المرض خفيفة، وتقل وطأته فيمر دور النقاهة سهلا. اللهم الطف بنا في قضائك وقدرك لطفا يليق بكرمك يا أرحم الراحمين. (¬4) فعل الخير وتشييد الصالحات والصدقة وصلة الرحم، تبارك في العمر وتنميه وتجلب الصحة والسعادة للبار المحسن. (¬5) معناه أن الآثام تضيق الرزق وتنزع البركة منه، والله تعالى يحرم العاصي من رضاه وخيراته وقديماً قالوا: إن المعاصي تزيل النعم. قال تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم) وشكر النعم طاعة الله، والاقبال على العمل بالكتاب والسنة.

18 - وعنْ عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغْني حذرٌ (¬1) من قدرٍ، والدُّعاء ينفع مما نزل ومما لمْ ينزلْ، وإنَّ البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. رواه البزار والطبراني، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. (يعتلجان): أي يتصارعان ويتدافعان. 19 - وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يردُّ القضاء إلا الدُّعاء، ولا يزيد في العمر إلا البرُّ. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. 20 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله من فضله (¬2)، فإنَّ الله يحبُّ أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج (¬3) رواه الترمذي وابن أبي الدنيا، وقال الترمذي: هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث، وحماد ابن واقد ليس بالحفاظ. وروي أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح. 21 - وروي عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدُّعاء مخُّ (¬4) العبادة. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب. ¬

(¬1) لا ينفع الاحتياط واليقظة في منع ما أراده الله: أي الإنسان عرضة لكل شيء قدره سبحانه، والتضرع إلى الله جل وعلا يخفف وطأة المصاب، ويزيل من شدة وقعه المر فيلطف الله في قدره. (¬2) اطلبوا من فيض الله وتضرعوا إليه يعطكم من كرمه لأن الله تعالى عظيم جواد يرضى عن المكثر الدعاء. (¬3) أن تسأل الله، وتعتقد أنه يجيب طلبك ويزيل كربك، ويبسط رزقك. (¬4) مخ الشيء: خالصه، وإنما كان مخها لأمرين: أحدهما امتثال أمر الله تعالى حيث قال: (ادعوني أستجب لكم) فهو محض العبادة وخالصها. الثاني إذا رأى أن نجاح الأمور من الله قطع أمله عما سواه، ودعاه لحاجته وحده، وهذا هو أصل العبادة، ولأن الغرض من العبادة الثواب عليها وهو المطلوب بالدعاء أهـ نهاية ص 82. يبين لك صلى الله عليه وسلم أن فائدة الدعاء التقرب إلى مولاك جل وعلا: وهو أصل الطاعة ومحور القبول، ومعين الرضوان ومنبع الإحسان لأن فيه الشعور بالضعف والاعتقاد بالحاجة فترجو الله جل وعلا، لأنه وحده الذي يسأل، وغيره سبحانه لا يضر ولا ينفع. ولقد أخبر الله تعالى عن سيدنا يعقوب عليه السلام فقال عز شأنه: (قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون 86 يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) 87 من سورة يوسف. الله أكبر، سيدنا يعقوب يدعو الله وحده. (بثي) همي الذي لا أقدر الصبر =

22 - روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدُلكمْ على ما ينجيكمْ (¬1) من عدوِّكُمْ، ويدرُّ (¬2) لكمْ أرْزاقكم؟ تدعون الله في ليلكمْ ونهاركمْ، فإنَّ الدعاء سلاح (¬3) المؤمن. رواه أبو يعلي. ¬

= عليه (إلى الله) لا إلى أحد من أولاده أو من غيرهم فخلوني وشكايتي (وأعلم من الله) من صنعه ورحمته، فإنه لا يخيب داعيه، ولا يدع الملتجئ إليه، أو من الله بنوع من الإلهام (ما لا تعلمون) من حياة يوسف، قيل رأى ملك الموت في المنام فسأله عنه فقال هو حي، وقيل علم من رؤيا يوسف أنه لا يموت حتى يخر له إخوته سجدا (ولا تيأسوا من روح الله) ولا تقنطوا من فرجه وتنفيسه، والعارف المؤمن لا يقنط من رحمته، وقد تكرم الله عز شأنه فتقابلا. وكان من دعاء سيدنا يوسف عليه السلام (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين) 101 من سورة يوسف (وليي) ناصري ومتولي أمري (توفني) قبضني. (¬1) يبعدكم من أذى الأعداء. (¬2) يبسط. (¬3) قوة دفاعه وما به يتحصن، فأكثروا عباد الله من التضرع لمولاكم تربحوا وتفرزوا، قال تعالى: (والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) 153 من سورة الأعراف. (السيئات) المكفر والمعاصي (وآمنوا) أي اشتغلوا بالإيمان وعملوا الأعمال الصالحة، وبذا يقبل الله توبتهم ويجيب دعاءهم. سبحانه يقدم طلب التوبة وفعل الخير مقدمة للاستجابة رجاء أن يسلك الداعون هذا المسلك نظافة وتطهيراً لصحائفهم، والله أعلم. (مزايا الدعاء من فقه أحاديث الباب) أولاً: طلب الهداية من الله تعالى والتوفيق (فاستهدوني أهدكم). ثانياً: طلب بساطة الرزق وسعته والإقبال على الله بالتضرع رجاء الصحة والعافية (فاستطعموني أطعمكم). ثالثاً: الطلب من القادر العظيم الذي لا تنفد خزائنه، وما أقرب رحمته، وعطاؤه نافذ (كن فيكون). رابعاً: تحيط رحمة الله بالداعي، ويتوجه إليه إحسانه وعنايته (وأنا معه إذا دعاني). خامساً: من دعا الله أطاعه، وترك الدعاء معصية واستكبار يؤدي إلى دخول جهنم (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين): سادساً: كثرة الدعاء في حال السعة والصحة يدخر وقت المرض والضيق (عند الشدائد). سابعاً: إن الله يحب من عبده كثرة الدعاء. ثامناً: الدعاء مطلقا يجلب خيرا أو يدفع ضيرا (إذا نكثر، قال صلى الله عليه وسلم: الله أكثر). تاسعاً: يجني الداعي ثمرة دعائه في حياته أو يحفظ فضلها بعد مماته. عاشراً: كل دعوة تحفظ عند الله. أ - إما أن يجيب طلب الداعي (عجلتها لك في الدنيا). ب - أو يسجل هذا الطلب كنزا مدخرا (يوم لا ينفع مال ولا بنون - وترى الناس سكارى وما هم بسكاري) (يا ليته لم يكن عجل له شيء من دعائه). الحادي عشر: الدعاء وقاية من البلاء، وحصن منيع من نزول المصائب ومدافع قوي يصد وطأة الكوارث (ينفع مما نزل ومما لم ينزل). الثاني عشر: أنك تطلب من الذات العلية المتصفة بكل كمال المنزهة عن كل نقص أن يجيب من دعاه (حي كريم). الثالث عشر: الدعاء يصد هجمات الكوارث، ويخفف قدر الله (لا يرد القدر إلا الدعاء). الرابع عشر: عراك عنيف بين القضاء والدعاء (يعتلجان). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الخامس عشر: الدعاء نهاية التذلل للقادر، ومصدر العطف من الرحيم، ودليل الإخلاص للأحد الصمد (الدعاء مخ العبادة). السادس عشر: الدعاء يرد كيد الخصوم ويحبط تدابيرهم، ويزيل كل هم وغم وسبب قضاء الحاجات وتيسير الصعاب، ومذلل العسير (ينجيكم من أعدائكم ويدر لكم أرزاقكم) فكأن الدعاء صندوق توفير يودع عند رب الأمانات وحكيمها ومنميها فيأخذ منه الداعي على قدر ما يريد الله له من الخير إن عاجلا وإن آجلا. قال تعالى: (الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز. من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب) 20 من سورة الشورى. أي يرزقه كما يشاء فيخص كلا من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته (القوي) الباهر القدرة (العزيز) المنيع الذي لا يغلب (حرث الآخرة) ثوابها، شبهه بالزرع من حيث إنه فائدة تحصل بعمل الدنيا ولذلك قيل الدنيا مزرعة الآخرة (نزد له في حرثه) فنعطه بالواحد ع شرا إلى سبعمائة فما فوقها (نصيب) حظ. (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) إن شاهدنا طلب سؤال الله يغرس الصالحات عنده سبحانه بالتضرع إليه في كل لحظة عسى أن نحظى بسعادة الدنيا والآخرة. (آداب الدعاء) أولا: أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة المحبوبة كيوم عرفة ورمضان، ويوم الجمعة ووقت السحر. قال تعالى (وبالأسحار هم يستغفرون) 18 من سورة الذاريات. ثانياً: أن يغتنم الأحوال الشريفة كزحف الصفوف في الجهاد أو في إقامة الصلاة أو بين الأذان والإقامة أو خلف الصلوات أو في السجود. ثالثاً: أن يدعو مستقبل القبلة، ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه. رابعاً: خفض الصوت بين المخافتة والجهر. خامساً: أن لا يتكلف السجع في الدعاء، فإن حال الداعي ينبغي أن يكون بتضرع، والتكلف لا يناسبه قال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) 55 من سورة الأعراف. سادساً: التضرع، والخشوع، والرغبة، والرهبة قال الله تعالى: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) 90 من سورة الأنبياء. سابعاً: أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه. ثامناً: أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثا. قال ابن مسعود: كان عليه الصلاة والسلام إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً. تاسعاً: أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل فلا يبدأ بالسؤال. واستفتح صلى الله عليه وسلم (سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب) ثم يصلي الداعي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بحمد الله والصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم (فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما). عاشراً: التوبة ورد المظالم والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة والطهارة وصفاء القلب من المعاصي والإكثار من الطاعة والصدقة والإحسان أهـ. قال عز وجل: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعو فله الأسماء الحسنى، ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) 110 من سورة الإسراء، نزلت حين سمع المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا الله يا رحمن فقالوا: إنه ينهانا أن نعبد إلهين، وهو يدعو إلاهاً آخر (الحسنى) لدلالتها على صفات الجلال والإكرام (وابتغ) واطلب بين الجهر والمخافتة وسطاً، فإن الاقتصاد في جميع الأمور محبوب. روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت ويقول: أناجي ربي، وقد علم حاجتي، وعمر رضي الله عنه كان يجهر ويقول: أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، فلما نزلت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يرفع =

الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء وبعض ما جاء في اسم الله الأعظم

الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء وبعض ما جاء في اسم الله الأعظم 1 - عنْ عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهمَّ إني أسألك بأني أشهد أنَّك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد (¬1) الذي لم يلد ولم يولد (¬2) ولمْ يكنْ له كفواً أحد (¬3)، فقال: لقد سألت الله بالاسمِ الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه والحاكم إلا أنه قال فيها: لقد سألت الله باسمه الأعظم. وقال صحيح على شرطهما. [قال المملي] قال شيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي: وإسناده لا مطعن فيه، ولم يرد في هذا الباب حديث أجود إسنادا منه. 2 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: سمع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً وهو يقول: ياذا الجلال (¬4) والإكرام، فقال: قد استجيب لك فسلْ (¬5). رواه الترمذي وقال: حديث حسن. ¬

= قليلا، وعمر أن يخفض قليلا. وقيل معناه لا تجهز بصلاتك كلها، ولا تخافت بها بأسرها، خذ الإخفات نهاراً، والجهر ليلا) أهـ بيضاوي. وقد حكى الله تعالى عن سيدنا يعقوب عليه السلام حين طلب أولاده الصفح عنهم (قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم (98) من سورة يوسف أخره إلى السحر، أو إلى صلاة الليل، أو إلى ليلة الجمعة تحريا لوقت الإجابة أو إلى أن يستحل لهم من يوسف، أو يعلم أنه عفا عنهم، فإن عفو المظلوم شرط المغفرة، ويؤيده ماروي أنه استقبل القبلة قائماً يدعو وقام يوسف خلفه يؤمن، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين حتى نزل جبريل عليه السلام، وقال إن الله قد أجاب دعوتك في ولدك، وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة أهـ بيضاوي ص 351. وقال تعالى (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم) 54 من سورة الأنعام، هم الذين يدعون ربهم المواظبون على العبادة، أمره سبحانه بالتسليم عليهم ويبشرهم بسعة رحمة الله تعالى وفضله وتقبل توبة المسيء ودعاء الراجي عفو ربه متلبسا بفعل الجهالة لا يعلم ما يضره. (¬1) هو السيد الذي انتهى إليه السودد، وقيل هو الدائم الباقي، وقيل هو الذي لا جوف له، وقيل هو الذي يصمد إليه في الحوائج: أي يقصد أهـ نهاية. (¬2) لا ولد له، ولا أب، ولا أم. (¬3) شبيه أو مثيل. (¬4) صاحب العظمة، كامل الصفات والجود الجم. (¬5) اطلب من الله.

3 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ لله ملكاً موكَّلاً بمن يقول: يا أرحم الراحمين، فمن قالها ثلاثاً. قال الملك: إنَّ أرْحم الرَّاحمين قد أقبل عليك فسلْ. رواه الحاكم. 4 - وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأبي عياشٍ زيد بن الصامت الزُّرقي، وهو يصلِّي وهو يقول: اللهم إني أسألك بأنَّ لك الحمد لا إله إلا أنت، يا حنَّان (¬1) يا منَّان (¬2)، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد سألت الله باسمهِ الأعظم الذي إذا دعى به أجاب، وإذا سئل به أعطى. رواه أحمد واللفظ له، وابن ماجه. ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وزاد هؤلاء الأربعة: يا حيُّ يا قيوم، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وزاد الحاكم في رواية له: أسألك الجنَّة، وأعوذ بك من النَّار. 5 - وعن السريِّ بن يحيى رضي الله عنه عن رجل من طييءٍ، وأثنى عليه خيرا قال: كنت اسأل الله عز وجل أن يريني الاسم الذي إذ ادعى به أجاب فرأيت مكتوباً في الكواكب في السماء، يا بديع (¬3) السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام. رواه أبو علي، ورواته ثقات. 6 - وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من دعا بهؤلاء الكلمات الخمس لمْ يسأل الله شيئاً إلا أعطاه: لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن. 7 - وعنْ أسماء بنتِ يزيد رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين، وإلهكمْ إله واحدٌ (¬4)، لا إله إلا هو (¬5) ¬

(¬1) يا رحيما بعباده، فعال من الرحمة للمبالغة يعطي قبل أن يسأل. (¬2) يا منعم، ومعط، من المن وهو العطاء، لا من المنة. (¬3) البديع: هو الخالق المخترع لا عن مثال سابق، فعيل بمعنى مفعل، يقال أبدع فهو مبدع. (¬4) المستحق منكم العبادة واحد لا شريك له يصح أن يعبد أو يسمى إلهاً. (¬5) تقرير للوحدانية وإزاحة لأن يتوهم أن في الوجود إلهاً، ولكن لا يستحق منهم العبادة.

الرَّحمن الرَّحيم (¬1)، وفاتحة سورة آل عمران: الله لا إله إلا هو الحيُّ القيوم (¬2). رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. [قال المملي عبد العظيم] رووه كلهم عن عبيد الله بن أبي زياد القداح عن شهر ابن حوشب عن أسماء، ويأتي الكلام عليهما. 8 - وعنْ عائشة رضي الله عنها قالتْ: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهمَّ إني أسألك باسمك الطاهر الطيِّب المبارك الأحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وإذا استرحمت (¬3) به رحمت، وإذا استفرجت (¬4) به فرَّجت. قُلتُ: فقال يوماً: يا عائشة هلْ علمتِ أنَّ الله قدْ دلَّني على الاسم الذي إذا دعى به أجاب؟ قالت: فقلتُ بأبي أنت وأمي يا رسول الله فعلِّمنيه؟ قال: إنه لا ينبغي لك يا عائشة. قالتْ: فتنحَّيتُ، وجلست ساعة، ثمَّ قمت فقبَّلتُ رأسه، ثم قلت: له يا رسول الله علمنيه، قال: إنه لا ينبغي لك يا عائشة أن أعلمك، إنه لا ينبغي أن تسألي به شيئا للدنيا. قلت: فقمت فتوضَّأت، ثمَّ صلَّيت ركعتين، ثمَّ قلت: اللهم إني أدعوك الله، وأدعوك الرَّحمن، وأدعوك البرَّ الرَّجيم، وأدعوك بأسمائك الحسنى كلها ما علمتُ منها وما لمْ أعلمْ، أن تغفر لي وترحمني. قال فاستضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ قال: إنه لفي الأسماء التي دعوت بها. رواه ابن ماجه. 9 - وعنْ فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجلٌ فصلَّى، فقال: اللهمَّ اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجلت أيُّها المصلي إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصلِّ عليَّ، ثمَّ ادعه (¬5) قال: ثمَّ صلَّى رجل آخر بعدك فحمد الله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أيها المصلي ادع تجبْ. رواه أحمد، وأبو داود ¬

(¬1) مولى النعم كلها أصولها وفروعها لم يستحق العبادة غيره سبحانه. (¬2) المتصف بالحياة القائم بتدبير خلقه، روي أنه عليه الصلاة والسلام قال (ان اسم الله الأعظم في ثلاث سورة في البقرة: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، وفي طه (وعنت الوجوه للحي القيوم) وآل عمران (الله لا إله إلا الله الحي القيوم). (¬3) طلب منك الرحمة. (¬4) طلب منك الفرج وإزالة الضيق. (¬5) معناه يبدأ الداعي بحمد الله والثناء عليه عز وجل ثم يصل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يسأله ما شاء.

الترغيب في الدعاء في السجود ودبر الصلوات وجوف الليل الأخير

والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن، والنسائي. وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما. 10 - وعنْ سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوة ذي النون (¬1) إذ دعاه وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قطُّ إلا استجاب الله له. رواه الترمذي واللفظ له، والنسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وزاد في طريق عنده، فقال رجل: يا رسول الله: هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسمع إلى قول الله عزَّ وجلَّ: فنجيناه من الغمِّ وكذلك ننجي المؤمنين. 11 - وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قال العبد: يا ربِّ يا ربِّ يا ربِّ. قال الله: لبَّيك عبدي (¬2) سل تعط (¬3). رواه ابن أبي الدنيا مرفوعا هكذا، وموقوفا على أنس. وروي الحاكم وغيره عن أبي الدرداء وابن عباس أنهما قالا: اسم الله الأكبر ربِّ ربِّ. الترغيب في الدعاء في السجود ودبر الصلوات وجوف الليل الأخير 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقرب ما يكون العبد من ربه عزَّ وجلَّ وهو ساجد (¬4)، فأكثروا الدعاء. رواه مسلم. وأبو داود والنسائي. ¬

(¬1) سيدنا يونس بن متي عليه السلام، قال تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 87 فاستجبننا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) 88 من سورة الأنبياء. (مغاضباً) لقومه: أغضبهم بالهجرة لخوفهم لحوق العذاب عندهم (لن نقدر) لن نضيق عليه أو لن نقضي عليه بالعقوبة (الظلمات) بطن الحوت والبحر والليل (سبحانك) تنزيها لك من أن يعجزك شيء (الظالمين) لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة، وعن النبي صلى الله عليه وسلم (ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له). (نجيناه) قذفه الحوت إلى الساحل بعد أربع ساعات، والغم غم الالتقام أو غم الخطيئة، وكذلك ينجي الله كل من يدعو بالإخلاص مع الطاعة والتقوى. اللهم أصلح حالنا ووفقنا وأزل كربنا يا رب. (¬2) إجابة بعد إجابة يا عبدي. أنعم بهذه النسبة، تكرم الله فأضاف إلى نفسه تعالى من دعاه ورجاه. (¬3) اسأل تسعد وتنعم. (¬4) معناه: الله يجيب دعاء الساجد لتذلله وشدة إخلاصه لربه، وقد قصر الله أجل العبادة على السجود.

2 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل (¬1) ربنا كلَّ ليلةٍ إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني، فأغفر له؟. رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم. وفي رواية لمسلم: إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من سائل فيعطي، هلْ من داعٍ فيستجاب له، هلْ من مستغفر يغفر له؟ حتى ينفجر الصُّبح. 3 - وعنْ عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل: فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكنْ. رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 4 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله أيُّ الدعاء أسمع (¬2)؟ قال: جوف الليل الأخير، ودبر (¬3) الصلوات المكتوبات. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. ¬

(¬1) تتفتح أبواب رحمة الله، وينهمر عطاؤه في هذا الوقت ويتجلى الله على عباده في السحر فيجيب من دعاه ويقضي مأرب الطالب، ويغفر ذنوب التائب. قال ابن بطال: هو وقت شريف خصه الله بالتنزيل فيه فيتفضل على عباده باجابة دعائهم وإعطاء سؤلهم وغفران ذنوبهم، وهو وقت غفلة وخلوة واستغراق في النوم واستلذاذ له، ومفارقة اللذة والدعة صعب لا سيما أهل الرفاهية، وفي زمن البرد، وكذا أهل التعب، ولاسيما في قصر الليل فمن آثر القيام لمناجاة ربه، والتضرع إليه مع ذلك دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه فلذلك نبه الله عباده على الدعاء في هذا الوقت الذي تخلو فيه النفس من خواطر الدنيا وعلقها ليستشعر العبد الجد والإخلاص لربه أهـ فتح ص 102 جـ 11. والنزول محال على الله، لأن حقيقة الحركة من جهة العلو إلى السفل وقد دلت البراهين القاطعة على تنزيه عن ذلك فليتأول ذلك بأن المراد نزول ملك الرحمة أو يفوض مع اعتقاد التنزيه أهـ. قال تعالى: (يا أيها المزمل 1 قم الليل إلا قليلا 2 نصفه أو انقص منه قليلا 3 أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا 4) من سورة المزمل ليعلم أمته صلى الله عليه وسلم الالتجاء إلى ربه في أوقات السحر. (¬2) أرجى عند الله جل وعلا وينتظر منه سبحانه التفضل والتكرم. (¬3) يبين صلى الله عليه وسلم أن أقرب الاجابة بعد أداء فرائض الصلاة.

الترهيب من استبطاء الإجابة، وقوله دعوت فلم يستجب لي

الترهيب من استبطاء الإجابة، وقوله دعوت فلم يستجب لي 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل (¬1) يقول: دعوت فلم يستجب لي. رواه البخاري، ومسلم وأبو داود والترمذي، وابن ماجه. وفي رواية لمسلم والترمذي: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثمٍ (¬2)، أوْ قطيعة (¬3) رحيمٍ، ما لمْ يستعجل. قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوتُ، وقدْ دعوتُ فلمْ أر يستجب لي فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء. [فيستحسر]: أي يملّ ويعي فيترك الدعاء. 2 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال العبد بخيرٍ ما لمْ يستعجلْ. قالوا: يا نبيَّ الله: وكيف يستعجل؟ قال يقول: قد دعوت ربي فلمْ يستجب لي. رواه أحمد واللفظ له وأبو يعلي، ورواتها محتجٌّ بهم في الصحيح إلا أبا هلال الراسي. ¬

(¬1) مدة عدم عجلته، وبين ذلك صلى الله عليه وسلم قول الداعي (طلبت فلا شيء) هذا يأس، والمطلوب كثرة التضرع وزيادة التقرب إلى السميع العليم. قال ابن بطال: المعنى أنه يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمان بدعائه أو أنه أتى من الدعاء ما يستحق به الإجابة فيصير كالمبخل فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا تعجزه الإجابة ولا ينقصه العطاء أهـ. وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أنه يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار، حتى قال بعض السلف: لأنا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة. قال ابن الجوزي: اعلم أن دعاء المؤمن لا يرد غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة أو يعوض بما هو أولى له عاجلا أو آجلا، فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه فإنه متعبد بالدعاء كما هو متعبد بالتسليم والتفويض أهـ هذا إلى تحري الأوقات الفاضلة كالسجود، وعند الأذان، وتقديم الوضوء والصلاة، واستقبال القبلة ورفع اليدين وتقديم التوبة، والاعتراف بالذنب، والإخلاص، وافتتاحه بالحمد، والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسؤال بالأسماء الحسنى أهـ فتح ص 110 جـ 11 وقال تعالى: (وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون من عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون) 20 من سورة الأنبياء أي لا يتعظمون عنها ولا يعيون منها (من عنده) الملائكة الأبرار. (¬2) ذنب أو كيد أو مصيبة لأحد، وهكذا من أمور الشرور. (¬3) قتل قريب أو أذاه أو ضره.

الترهيب من رفع المصلي رأسه إلى السماء وقت الدعاء، وأن يدعو الإنسان وهو غافل

الترهيب من رفع المصلي رأسه إلى السماء وقت الدعاء وأن يدعو الإنسان وهو غافل 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لينتهينَّ أقوامٌ عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء، أو ليخطفنَّ (¬1) الله أبصارهم. رواه مسلم والنسائي وغيرهما. 2 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القلوب أوعيةٌ، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله عزَّ وجلَّ يا أيها الناس، فاسألوه، وانتم موقنون (¬2) بالإجابة، فإنَّ الله لا يستجيب لعبدٍ دعاه (¬3) عن ظهر قلبٍ ¬

(¬1) لينزعن. (¬2) واثقون جازمون ملتجئون إلى كريم يده ملأى سحاء الليل والنهار، لا تغيضها نفقة؟ وفيه الشعور بالحاجة وعظيم قدرة المجيب سبحانه قال تعالى: أ - (أدعو ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين 55 ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين) 56 من سورة الأعراف. ب - (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز 2 يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض، لا إله إلا الله هو فأني تؤفكون) 3 من سورة فاطر (من رحمة) كنعمة وأمن، وصحة وعلم ونبوة (فلا ممسك لها) يحبسها (وما يمسك فلا مرسل له) يطلقه، واختلاف الضميرين، لأن الموصول الأول مفسر بالرحمة، والثاني مطلق يتناولها ومغضب وفي ذلك إشعار بأن رحمته سبقت غضبه (العزيز) الغالب على ما يشاء ليس لأحد أن ينازعه فيه (الحكيم) لا يفعل إلا بعلم وإتقان (اذكروا نعمة الله) احفظوها بمعرفة حقه والاعتراف بها وطاعة موليها. (¬3) دعاء كذا ط وع ص 459 وفي ن د: دعاء، قال تعالى: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا) أي ويدعو الله تعالى عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله، أو يدعوه بما يحسبه خيراً، وهو شر (دعاءه بالخير) مثل دعائه بالخير (عجولا) يسارع إلى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته. وقيل: المراد آدم عليه الصلاة والسلام، فإنه لما انتهى الروح إلى سرته ذهب لينهض فسقط، وروي أنه عليه السلام دفع أسيرا إلى سودة بنت زمعة فرحمته لأنينه فأرخت كتافه فهرب فدعا عليها بقطع اليد ثم ندم، فقال عليه السلام: اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة له فنزلت، ويحوز أن يراد بالإنسان الكافر، وبالدعاء استعجاله بالعذاب استهزاء كقول النضر بن الحارث: اللهم انصر خير الحزبين، اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية، فأجيب له فضرب عنقه صبرا يوم بدرا انتهى بيضاوي. (ما يقوله الداعي ليستجيب الله دعاءه من فقه أحاديث الباب) أولا: يفتتح بحمد الله جل وعلا ويناديه بأسمائه الحسنى (الأحد الصمد) (يا أرحم الراحمين) وهكذا من صبغ المدح والثناء والتعطف والإجلال. =

غافلٍ. رواه أحمد بإسناد حسن. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنَّ الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ (¬1) لاهٍ (¬2). ¬

= ثانياً: ينتهز فرصة سجوده لربه ويتذلل له سبحانه (أقرب ما يكون الخ) يختار أوقات السحر لمناجاة ربه (ينزل ربنا). ثالثاً: كذا بعد أداء الصلوات والصدقات وفعل الخير (أي الدعاء أسمع). رابعاً: (يطلب برفق وعزيمة قوية واعتقاد ثابت بالإجابة (ما لم يعجل). خامساً: (يتجنب الانتقام والإيقاع بالمسلمين، وكذا أنواع المعاصي والأذى. سادساً: يكثر من السؤال، ولا يسأم ولا يمل، وينتظر فرج الله ونصره (ولا يستحسر). سابعاً: برفع يديه بخشوع وأدب ويحذر أن يرفع بصره جهة السماء، لأن الله تعالى في كل مكان (الله نور السموات والأرض). ثامناً: يستيقظ ويحضر قلبه في الدعاء ويترك السهو والاشتغال بغير مولاه (وأنتم موقنون). تاسعاً: يبعد من السخط وكثرة الغضب، وبذاءة اللسان، ورداءة الأقوال، والسخب والشقاق والنفور والدعاء على أسرته أو ماله (لا تدعوا على أنفسكم). عاشراً: يرضي والديه ويطلب دعاءهما، وكذا يرجو المسافر أن يدعو له يخير ويتجنب غضب المظلوم، فان دعوة الظالم لا ترد، وكثيرا ما تفنن الشعراء في النهي عن الظلم ومودة الظالمين: مخطئ من ظن يوما ... أن للظالم ديناً إن للظالم صدراً ... يشتكي من غير علة والخلاصة أن الدعاء لابد أن يسبقه طهارة، ووضوء وتذلل وخشوع، فبلقيس (قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت من سليمان لله رب العالمين) فقدمت تضرعها واعترفت بتقصيرها وأقرب بذنبها، وسيدنا موسى عليه السلام (قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم 16 قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيراً للمجرمين) 17 من سورة القصص. أقر بذنبه واستغفر وأردف الاستغفار بالثناء على الله وتبجيله والاعتقاد الجازم أنه الغفور لذنوب عباده الرءوف بهم، ثم أقسم بإنعامك سبحانك على بالمغفرة لأتوبن، ولأكونن عضدا للمتقين، ومعينا للمحسنين، وسأكون عدواً لدوداً للمسيئين (فلن أكون) قال البيضاوي: أي بحق إنعامك على اعصمني فلن أكون معيناً لمن أدت معاونته إلى جرم. أو بما أنعمت على من القوة أعين أو لياءك، ولن أستعملها في مظاهرة أعدائك أهـ. ففيه التوبة والنية على الطاعة. (¬1) غير ذاكر ربه، وهو ناس حقوقه سبحانه، ومقصر في واجباته. (¬2) ساه: أي قلبه مشتغل بغير الله، والمعنى أن المعاصي تكون سبب رد الدعاء، وذكر الله أدعى إلى الاجابة. فاتقوا الله عباد الله واستيقظوا واتركوا نسيان الطاعة، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون 18 ولا تكونوا كالذين نسوا الله نأساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) 19 من سورة الحشر، إن شاهدنا (نسوا الله) أي نسوا حقه نجعلهم سبحانه ناسين لها حتى لم يسمعوا ما ينفعها ولم يفعلوا ما يخلصها، أو أراهم سبحانه من الهول ما أنساهم أنفسهم ولم تجب دعوتهم (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، أصحاب الجنة هم الفائزون) 20 من سورة الحشر. يطلب منك النبي صلى الله عليه وسلم أن تحضر قلبك عند الدعاء وتشعر بالذل والخضوع لله، وتقدر عظمته وجلاله، ولا تجعل للغفلة على قلبك سبيلا، وللنسيان طريقاً.

الترهيب من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله

رواه الترمذي، والحاكم وقال: مستقيم الإسناد، تفرّد به صالح المري، وهو أحد زهاد البصرة. [قال الحافظ]: صالح المري لا شك في زهده، لكن تركه أبو داود والنسائي. الترهيب من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله 1 - عنْ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا (¬1) على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولاتدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً (¬2) يسأل فيها عطاء فيستجيب لكمْ. رواه مسلم وأبو داود، وابن خزيمة في صحيحه وغيرهم. 2 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعواتٍ لا شكَّ في إجابتهنَّ (¬3): دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولدهِ. رواه الترمذي وحسّنه. 3 - وروي ابن ماجه عن أم حكيم (¬4) عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ¬

(¬1) ينهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن لا يطلقوا ألسنتهم بالدعوات السيئة، ولا يطلبوا المصائب والكوارث والأذى أن تلحق بأنفسهم أو تمر على بنيهم أو حشمهم أو على النعمة المتصلة بهم، قال تعالى: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون) 11 من سورة يونس: أي ولو يسرعه إليهم سبحانه لأميتوا أو أهلكوا، ولكن لا نعجل. ولا نقضي فنذرهم إمهالا واستدراجاً. (¬2) خشية أن تفتح أبواب رحمات الله أثناء الدعاء فيجيب الله الطلب ويحل به، ولقد شاهدت سيدة تكثر من الدعاء على وحيدها فقصفته المنون قصفاً ولمس الناس ضرر حنق الأم وأذى غيظها. (¬3) إجابتهن محققة وتفتح لهن أبواب السماء رحمة ورأفة: أ - دعوة الذي أصابه الأذى وحل به الضرر. ب - دعوة المسافر سفر طاعة الذاهب إلى الغربة المتجه إلى الخير والبر. جـ - دعوة الأب أو الأم اللذين تحملا ألم التربية وذاقا صنوف العذاب حتى ترعرع غصنه وأينع زهره وأورق شجره. (¬4) بنت وداع الخزاعية. قال الشيخ: حديث صحيح أهص 263 جـ 2 جامع صغير. والمعنى أن الابن يتقي غيظ أبويه ويحذر غضبهما فدعاؤهما يعلو إلى الخالق جل وعلا، ولا يعوقه عائق وسرعان الإجابة، ولذا قرن سبحانه وتعالى إكرام الوالدين بعد توحيده. قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) وقال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض) المضطر: الذي أحوجه شدة ما به إلى اللجأ إلى الله تعالى من الاضطرار (ويكشف) ويدفع عن الإنسان ما يسوءه (خلفاء) ورثكم سكناها، والتصرف فيها ممن قبلكم.

الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والترهيب من تركها عند ذكره صلى الله عليه وسلم

دعاء الوالد (¬1) يفضي (¬2) إلى الحجابِ. ويأتي في باب دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب أحاديث فيها ذكر دعاء الوالد. الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والترهيب من تركها عند ذكره، صلى الله عليه وسلم كثيراً دائماً 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ صلى (¬3) عليَّ صلاةً واحدة صلَّى (¬4) الله عليه عشراً. رواه مسلم، وأبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان في صحيحه. وفي بعض ألفاظ الترمذي: من صلَّى عليَّ مرَّةً واحدة كتب الله له بها عشر حسناتٍ. 2 - وعنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: منْ ذكرت (¬5) عنده فيصلِّ عليَّ، ومن صلَّى عليَّ مرَّة صلى الله عليه بها عشراً. وفي رواية: من صلَّى عليَّ، ومن صلَّى عليَّ مرَّة صلى الله عليه بها عشراً. وفي رواية: منْ صلَّى عليَّ صلاة واحدةً صلى الله عليه عشر صلواتٍ، ويحُطُّ (¬6) عنه بها عشر سيئاتٍ، ورفعه بها عشر درجاتٍ (¬7). رواه أحمد والنسائي، واللفظ له، ¬

(¬1) أي الأصل لفرعه من أب أو جد إلى ابنه. (¬2) أي يصعد ويصل إلى حضرة القبول فلا يحول بينه وبين الاجابة حائل. والحجاب: المحجوب هو الله سبحانه وتعالى، بمعنى أن دعاء الوالد يوصل توصيلا جيداً إلى أنوار الله ويفتق الحجب الكثيفة التي تحجبه عن رحماته. (¬3) أي طلب ودعاء لي بزيادة القرب منه تعالى، فما من كمال إلا وعند الله أكمل منه. (¬4) أي تجلي عليه سبحانه فرحمه عشر رحمات وأمده بنعمه أضعافاً وأحسن إليه مرارا. وفي الجامع الصغير قال العلقمي: قال ابن العربي: إن قيل قال الله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) فما فائدة هذا الحديث؟ قلنا أعظم فائدة، وذلك أن القرآن اقتضى أن من جاء بحسنة تضاعف عشرة. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حسنة بمقتضى القرآن أن يعطي عشر درجات في الجنة فأخبر أن الله تعالى يصل على من صل على رسوله عشرا، وذكر الله العبد أعظم من الحسنة مضاعفة، قال: ويحقق ذلك أن الله تعالى لم يجعل جزاء ذكره إلا ذكره، وكذلك جعل جزاء ذكر نبيه ذكره لمن ذكره. قال العراقي: ولم يقتصر على ذلك حتى زاده كتابة عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفعه عشر درجات كما ورد في الأحاديث. وقال القاضي: معناه رحمته وتضعيف أجره كقوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) وقد تكون الصلاة على وجهها وظاهرها، تشريفاً له بين الملائكة كما في الحديث (وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه) أهـ ص 340 جـ 3، وانظر إلى دعاء سيدنا موسى عليه السلام (قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين) فأعقب الدعاء بالثناء والاعتراف بأنه تعالى أرحم بنا منا على أنفسنا، وضم أخاه له ترضية ودفعاً للشماتة. (¬5) مرت سيرتي وتلى اسمي فليقل: اللهم صلى على سيدنا محمد، أو بأي صيغة. (¬6) يمحو. (¬7) أعطاه عشر درجات من أبواب العز والرقي وزيادة النعم.

وابن حبان في صحيحه، والحاكم ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلَّى عليَّ واحدةً صلَّى الله عليه عشر صلواتٍ وحطَّ عنه عشرة خطيئاتٍ. 3 - والطبراني في الصغير والأوسط، ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلَّى عليَّ صلاة واحدة صلَّى الله عليه عشراً، ومن صلَّى عليَّ عشراً صلَّى الله عليه مائةً، ومن صلَّى عليَّ مائة كتب الله بين عينيه براءة (¬1) من النِّفاق، وبراءةً من النار، وأسكنه الله يوم القيامة مع الشهداء (¬2). وفي إسناده إبراهيم بن سالم بن شبل الهجعي لا أعرفه بجرح، ولا عدالة. 4 - وعنْ عبد الرَّحمن بن عوفٍ رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتَّبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود حتى خفتُ، أو خشيت أن يكون الله قد توفَّاه أو قبضه. قال: فجئت أنظر فرفع رأسه فقال: مالك يا عبد الرَّحمن؟ قال: فذكرت ذلك له، قال: فقال: إن جبريل عليه السلام قال لي: ألا أبشرك (¬3) إن الله عزَّ وجلَّ يقول: من صلى عليك صلَّيتٌ عليه، ومن سلم عليك سلَّمت عليه. زاد في روايةٍ: فسجدت الله شكراً. رواه أحمد، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 5 - ورواه ابن أبي الدنيا وأبو يعلي، ولفظه قال: كان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم منا خمسة، أو أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ينوبه (¬4) منْ حوائجه بالليل والنهار. قال: فجئته وقد خرج فاتَّبعته، فدخل حائطاً (¬5) من حيطان الاشراف فصلى فسجد فأطال السجود فبكيت وقلت: قبض الله روحه، قال: فرفع رأسه فدعاني فقال: مالك؟ فقلت: يا رسول الله أطلت السجود، وقلت: قبض الله روح رسوله لا أراه أبداً. قال: سجدت شكراً لربي فيما أبلاني في أمتي، من صلى عليَّ ¬

(¬1) إجازة: أي سلم من التذبذب، والخداع، والإلحاد، والمروق من الدين. (¬2) الأبرار الصالحين. (¬3) أبشرك: كذا ود ع ص 550، وفي ن ط يسرك: أي أقدم لك البشري الطيبة المفرحة ويسرك، ألا يفرحك. (¬4) يعتريه من قضاء بعض طلباته: أي هم رضي الله عنهم ملازمون النبي صلى الله عليه وسلم لييسروا ما يحتاج اليه ويوفروا عليه مشاق التعب في إنجاز حاجاته. (¬5) بستاناً.

صلاة من أمتي كتب الله له عشر حسناتٍ، ومحاعنهُ عشر سيئاتٍ. لفظ أبي يعلي، وقال ابن أبي الدنيا: من صلَّى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشراً، وفي إسنادهما موسى بن عبيدة الزبذي. [قوله فيما أبلاني] أي فيما أنعم عليَّ، والإبلاء: الإنعام. 6 - وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى عليَّ مرَّةً كتب الله له عشر حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيئاتٍ، ورفعه بها عشر درجاتٍ، وكنَّ له عدل (¬1) عشر رقابٍ. رواه ابن أبي عاصم في كانت الصلاة عن مولى للبراء لم يسمه عنه. 7 - وعنْ أبي بردة بن نيارٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلَّى عليَّ من أمتي صلاة مخلصاً (¬2) من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلواتٍ، ورفعه بها عشر درجاتٍ، وكتب له بها عشر حسناتٍ، ومحا عنه بهر عشر سيئاتٍ، رواه النسائي والطبراني والبزار. 8 - وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذِّن - معلن الأذان: أي الإشعار بدخول وقت الفريضة (¬3) فقولوا مثل ما يقول، ثمَّ صلوا عليَّ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً، ثمَّ سلوا لي الوسيلة (¬4) فإنها منزلة من الجنَّة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلَّتْ (¬5) له الشفاعة. رواه مسلم وأبو داود والترمذي. ¬

(¬1) قدر ثواب عتق عشرة أشخاص، وإزالة عبوديتهم وإطلاق حريتهم. (¬2) قاصدا نبيه معظما حبيبه بيقظة. (¬3) معلن الأذان: أي الإشعار بدخول وقت الفريضة. (¬4) قال أهل اللغة: الوسيلة المنزلة عند الملك، وقد فسرها صلى الله عليه وسلم بأنها منزلة في الجنة. (¬5) أي وجبت، وقيل: نالته. قال النووي: وفيه استجاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من متابعة المؤذن، واستحباب سؤال الوسيلة له صلى الله عليه وسلم، واستحباب قول سامع المؤذن مثل ما يقول إلا في الحيعلتين، (حي على الصلاة حي على الفلاح) فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويستحب أن يقول السامع كل كلمة بعد فراغ المؤذن مها، ولا ينتظر فراغه من كل الأذان. وفيه يستحب أن يقول بعد قوله: أشهد أن محمدا رسول الله، وأنا أشهد أن محمداً رسول الله، رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام ديناً، وفيه أن يستحب لمن يرغب غيره في خير أن نذكر له شيئا من دلائله لينشطه لقوله صلى الله عليه وسلم (فإن من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ومن س أل لي الوسيلة حلت له الشفاعة) وفيه أن الأعمال يشترط لها القصد والإخلاص لقوله صلى الله عليه وسلم (من قلبه). وأعلم أنه يستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة فمن أسباب المنع أن يكون في الخلاء أو جماع أهله أو نحوهما، ومنها أن يكون في صلاة أهـ. ص 88 جـ 4.

9 - وعنه رضي الله عنه قال: من صلَّى علي النبيِّ صلى الله عليه وسلم واحدةً صلَّى الله عليه وملائكته سبعين صلاةً. رواه أحمد بإسناد حسن. 10 - وعنْ أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً طيِّب النفس يرى في وجهه البشر. قالوا: يا رسول الله! أصبحت اليوم طيِّب النفس يرى في وجهة البشر. قالوا: يا رسول الله! أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر؟ قال: أجل: أتاني آتٍ من ربِّي عزَّ وجلَّ، فقال: من صلَّى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيئاتٍ، ورفع له عشر درجاتٍ، وردَّ عليه مثلها. رواه أحمد والنسائي. وفي رواية لأحمد: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذلك يوم السروري ويرى في وجهه، فقالوا: يا رسول الله! إنا لنرى السرور في وجهك؟ فقال: إنه أتاني الملك، فقال: يا محمد! أما يرضيك أنَّ ربك عزَّ وجلَّ يقول: إنه لا يصلي عليك أحد من أمَّتك إلا صليت (¬1) عليه عشراً، ولا يسلِّم عليك أحد من أمتك إلا سلمتُ عليه عشراً؟ قال: بلى: ورواه ابن حبان في صحيحه بنحو هذه، ورواه الطبراني، ولفظه: قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسارير (¬2) وجهه تبرقُ، فقلت: يا رسول الله: ما رأيتك أطيب نفساً، ولا أظهر بشراً من يومك هذا. قال: وما لي (¬3) ¬

(¬1) شملته برحمتي، وحللت عليه رضواني وأمنته وضاعفت له الأجر. (¬2) الخطوط التي تجتمع في الجبهة وتتكسر واحدها سر أو سرر وجمعها أسرار وأسرة، وجمع الجمع أسارير قال الشاعر: أسرة وجه المرء عند كلامه ... تفصل من أسراره كل مجمل والمعنى ظهرت عليه صلى الله عليه وسلم علامات السرور والانشراح في محياة المشرق. (¬3) أي شيء يمنع من هذا الفرح العظيم والبهجة، وقد يربح الفائز الذاكر المصلي علي: أ - كسب عشر حسنات. ب - إزالة مثلها من الذنوب. جـ - السمو والرقي عشر درجات. وهذه بشرى عظيمة تدعو المسلمين إلى كثرة الصلاة عليه، وصلى الله عليه وسلم رجاء القبول، ووعد الله تعالى لا يتخلف، هذا إلى أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تحببك إلى العمل بشريعته، والهدى بهديه، والاقتداء به واتباع سنته. قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) 31 من سورة آل عمران. المحبة ميل النفس إلى الشيء لكمال أدركته فيه بحيث يحملها إلى ما يقربها إليه، والعبد إذا علم أن الكمال الحقيقي ليس إلا الله، وأن كل ما يراه كمالا من نفسه أو من غير فهو من الله وبالله وإلى الله لم يكن حبه إلا لله وفي الله، وذلك يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقربه إليه، فذلك فسرت المحبة بإرادة الطاعة وجعلت مستلزمة =

لا تطيب نفسي، ويظهر بشرى؟ وإنما فارقني جبريل عليه السلام الساعة، فقال: يا محمد! منْ صلَّى عليك من أمَّتك صلاة كتب الله له بها عشر حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيئاتٍ، ورفعه بها عشر درجاتٍ، وقال له الملك: مثل ما قال لك. قلت: يا جبريل! وما ذاك الملك؟ قال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ، وكلَّ ملكاً من لدنْ خلقك إلى أن يبعثك لا يصلي عليك أحدٌ من أمَّتك إلا قال: وأنت صلى الله عليك. 11 - وعنْ أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة، فإنَّه أتاني جبريل آنفاً (¬1) عن ربِّه عزَّ وجلَّ، فقال: ما على الأرض (¬2) من مسلم يصلِّي عليك مرَّة واحدة، إلا صليت أنا وملائكتي عليه عشراً. رواه الطبراني عن أبي ظلال عنه، وأبو ظلال وثِّق، ولا يضر في المتابعات. 12 - وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى عليَّ مرَّة صلى الله عليه عشراً، ملك موكَّلٌ بها حتى يبلغنيها. رواه الطبراني في الكبير. 13 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله ملائكة سيَّاحين (¬3) يبلِّغوني عن أمتي السلام رواه النسائي وابن حبان في صحيحه. 14 - وعن الحسن بن علي رضي الله عنما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حينما كنتمْ فصلُّوا عليَّ، فإنَّ صلاتكم تبلغني (¬4). رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. 15 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلَّى عليَّ بلغتني صلاته وصلَّيت (¬5) عليه، وكتب له سوى ذلك عشر ¬

= لاتباع الرسول في عبادته والحرص على مطاوعته أهـ (يحببكم الله) يرض عنكم ويكشف الحجب عن قلوبكم بالتجاوز عما فرط منكم فيقربكم من جناب عزه ويبوئكم في جوار قدسه، عبر عن ذلك بالمحبة على طريق الاستعارة أو المقابلة. (¬1) في أول وقت يقرب مني. (¬2) ليس على الأرض مسلم يذكرك يا رسول الله مصلياً عليك إلا دعوت له وقربته من رحمتي ورضيت عنه. (¬3) طوافين يمرون على الخلق ليوصلوا الصلاة والسلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوها. (¬4) ترد إلى بنصها وفصها، وفيه الحث على الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في أي مجلس، وفي أي وقت رجاء زيادة الحسنات ومحبته صلى الله عليه وسلم. (¬5) دعوت له، وفاز برضاي، ونور الله قلبه بالإيمان وشرح الله صدره للصالحات، وهيأ له الصواب، ووفقه وألهمه الرشاد هذا إلى تدريج عشر حسنات في صحيفته.

حسنات. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به. 16 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما منْ أحدٍ يسلم عليَّ إلا ردَّ الله إليَّ روحي (¬1) حتى أردَّ عليه السلام. رواه أحمد وأبو داود. 17 - وعنْ عمَّار بن ياسرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وكل (¬2) بقبري ملكاً أعطاه الله أسماء الخلائق فلا يصلِّي عليَّ أحدٌ إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه: هذا فلان بن فلان قد صلَّى عليك. رواه البزار وأبو الشيخ ابن حبان، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله تبارك وتعالى ملكاً أعطاه أسماع الخلائق فهو قائم (¬3) على قبري إذا متُّ (¬4) فليْس أحد يصلي عليَّ صلاة إلا قال: يا محمد صلَّى ¬

(¬1) أي رد على نطقي لأنه صلى الله عليه وسلم حي دائما، وروحه لا تفارقه لأن الأنبياء أحياء في قبورهم أهـ عزيزي في الجامع الصغير ص 256 جـ 3. وقال الحفني (ما من أحد) أي مؤمن يسلم الخ. ظاهره، ولو بعيداً عن القبر لكن خصه بعض الأئمة بالقريب منه، أما البعيد فيبلغه الملك، وأراد بالروح النطق من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم: أي فهو صلى الله عليه وسلم في البرزخ مشغول بالمشاهدة كما كان في الدنيا إلا أنه تعالى أعطاه قوة في الدنيا على تبليغ الأحكام والاشتغال بالخلق ظاهرا مع شغل باطنه بشهود مولاه، وفي البرزخ لا شغل له بالخلق أصلا، بل بالشهود فلا ينطق بالكلام إلا إذا سلم عليه شخص فيرد عليه إكراماً له، فنطقه صلى الله عليه وسلم موجود بالقوة، فلما لم يوجد بالفعل لشغله بحضرة القدس صار كالممنوع عن النطق فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: (رد الله على روحي) أي نطقي، أو يقال رد النطق كناية عن الالتفات من مقام الشهود إلى مخاطبة المسلم، فالله تعالى لما صيره ملتفتاً لذلك كأنه رد عليه نطقه أهـ هامش. صلى الله عليه وسلم يا سيدي يا رسول الله في الرفيق الأعلى، وفي الدرجات العالية، وتتعلق بأمتك، وتدعو أفرادها إلى عبادة الله تعالى وطاعته بالصلاة عليك، وتحثهم على السلام عليك رجاء أن تدعو لهم بخير وبتوفيق، وتسلم عليهم وترجو لهم الأمن والطمأنينة، يعلم رسول الله أمته أن تتعلق به وتعتصم بحبله، وتكثر من ذكره بعد ذكر الله سبحانه وتعالى رجاء أن الله يأذن له فيرد على المسلم السلام. (2) أسند الاعتماد عليه وجعله نائبا وعرفه أسماء الناس ليبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه الحث على الصلاة والترغيب في فعلها وإحصاء ما يقوله العبد. (¬2) أسند الاعتماد عليه وجعله نائبا وعرفه أسماء الناس ليبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه الحث على الصلاة والترغيب في فعلها وإحصاء ما يقوله العبد. (¬3) حفيظ مراقب مشاهد موظف. (¬4) التحق بالرفيق الأعلى، وفيه إخبار النبي صلى الله عليه وسلم في حياته أن الله تعالى يكرمه بإغداق الحسنات على من يصلي عليه حيا، ويوصل الملك صلاة المصلي بعد مماته صلى الله عليه وسلم، فالله يحصي كل شيء. أ - قال تعالى (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير) 29 من سورة آل عمران. ب - (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير) 284 من سورة البقرة. إن شاهدنا (قدير) أي يقدر على إحياء الملك أن يرتبه موظفاً يوصل رسائل السلام لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ويزيد الله تعالى المصلي من فيض كرمه وجليل إحسانه.

عليك فلان بن فلان. قال: فيصلي الرَّبُّ تبارك وتعالى على ذلك الرَّجل بكلِّ واحدةٍ عشراً. ورواه الطبراني في الكبير بنحوه. [قال الحافظ] رووه كلهم عن نعيم بن ضمضم، وفيه خلاف عن عمران بن الحميري، ولا يعرف. 18 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة (¬1). رواه الترمذي، وابن حبان في صحيحه، كلاهما من رواية موسى بن يعقوب الزمعي. 19 - وعن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: من صلى عليَّ صلاة لم تزل (¬2) الملائكة تصلِّي عليه ما صلَّى عليَّ فليقل عبد من ذلك أو ليكثر. رواه أحمد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن ماجه كلهم عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر، وعاصم وإن كان واهي الحديث فقد مشاه بعضهم وصحح له الترمذي، وهذا الحديث حسن في المتابعات، والله أعلم. 20 - وعن أبي بن كعبٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل. قام فقال: يا أيها الناس! اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الرَّاجفة (¬3) تتبعها الرَّادفة (¬4) جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه. قال أبيُّ بن كعبٍ: فقلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة: فكم أجعل لك من صلاتي؟ (¬5). قال: ما شئت (¬6) قال: قلت: الرُّبُعَ. قال: ما شئْتَ، وإنْ زدت فهو خير لك؟ قال: فقلت: ¬

(¬1) أي أحق الناس بشفاعتي من كروب يوم القيامة الذين أكثروا من الصلاة علي في حياتهم عند الشدائد، ينفع العمل الصالح، ومنه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشفاعة العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم. فأكثر يا أخي من الصلاة والسلام على خير البرية رجاء أن تلحظك عناية البارئ جل وعلا فيشفع لك البشير النذير الحبيب (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد) 30 من سورة آل عمران. (¬2) أي تستمر الملائكة تدعو له بالبركة والرحمة والعفو والمغفرة مدة صلاته علي. والمصلي حر إن شاء قلل أو أكثر، فمن شاء الاستزادة من دعوات الملائكة المقربين المستجابة فليزدد من الصلاة عليَّ. (¬3) الأجرام الساكنة التي تشتد حركتها حينئذ كالأرض والجبال لقوله تعالى (يوم ترجف الأرض والجبال) أو الواقعة التي ترجف الأجرام عندها، وهي النفخة الأولى. (¬4) التابعة وهي السماء والكواكب تنشق وتنتشر وتنتشر، أو النفخة الثانية قال تعالى: (يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة) آية 6 - 9 من سورة النازعات. (¬5) كم من الزمن استغرقه في صلاتي. (¬6) بحسب رضاك وانشراح صدرك وشوقك واستزادتك من الحسنات.

فثلثين؟. قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلتُ: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك. قال: أجعل لك صلاتي كلها؟، قال: إذاً يكفي همُّك (¬1)، ويغفر لك ذنبك. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وفي رواية لأحمد عنه: قال رجل: يا رسول الله أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: إذاً يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمَّك (¬2) من دنياك وآخرتك، وإسناد هذه جيد. قوله: أكثر الصلاة فكم أجعل لك من صلاتي؟. معناه أكثر الدعاء فكمْ أجعل لك من دعائي صلاة عليك. 21 - وعنْ محمد بن يحيى بن حبَّان عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه: أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله أجعل ثلث صلاتي عليك؟ قال: نعم إن شئت. قال: الثلثين؟ قال: نعمْ إن شئت. قال: فصلاتي كلها؟. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذاً يكفيك الله ما أهمَّك من أمْر دنياك وآخرتك. رواه الطبراني بإسناد حسن. 22 - وروي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلَّى عليَّ في يومٍ ألف مرَّةٍ (¬3) لمْ يمتْ (¬4) حتى يرى مقعده من الجنَّة. رواه ¬

(¬1) يقيك الله شرور الهموم، ويزيل عنك الغموم، ويفرج الكروب وتمحي سيئاتك. (¬2) أي يحفظك الله من هموم حياتك، وبعد مماتك (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) معناه: الذي يكثر من الصلاة على رسول الله يوسع الله رزقه عليه ويبسطه ويزيده فرحاً، ويفرج كربه ويزيل عسره ويقيه شر المصائب والكوارث ويدخر له حسنات تملأ صحيفته فتمنع عنه عذاب القيامة. (¬3) معناه الذي يصلي عليه صلى الله عليه وسلم عدد ألف وحافظ على ذلك نور الله قلبه وشرح صدره وأزال عنه ظلمات الضلال، وهداه وأفرحه برؤيا سارة مبشرة بقبوله فيرى نعيم الله، وما أعده للصالحين المتقين المصلين على المصطفى المجتبي قال تعالى: أ - (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط) أي بالعدل، أو لقيامهم بالعدل في أمورهم أو بإيمانهم لأنه العدل القويم، كما أن الشرك ظلم عظيم، ومن الإيمان كثرة الصلاة على سيد ولد عدنان، صلى الله عليه وسلم. ب - (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) 62 - 64 من سورة يونس (أولياء الله) الذين يتواونه بالطاعة، ومنها الصلاة على المختار، صلى الله عليه وسلم، ويتولاهم سبحانه بالكرامة (البشرى) الرؤيا الصالحة، وما يسنح لهم من المكاشفات وبشرى الملائكة عند النزع (وفي الآخرة) بتلقي الملائكة إياهم مسلمين مبشرين بالفوز والكرامة (لا تبديل) لا تغيير لأقواله، ولا إخلاف لمواعيده، أهـ بيضاوي. (¬4) أي يحيا حتى يرى مكانه الذي أعده الله له سبحانه في الجنة.

أو حفص بن شاهين. 23 - وروي عن أبي كاهلٍ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا كاهلٍ من صلى عليَّ كلَّ يومٍ ثلاث مراتٍ (¬1)، وكل ليلة ثلاث مرات حبا وشوقاً إليَّ (¬2) كان حقا (¬3) على الله أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة، وذلك اليوم. رواه ابن أبي عاصم والطبراني في حديث طويل، إلا أنه قال: كان حقا على الله أن يغفر له بكلِّ مرَّة ذنوب حولٍ (¬4)، وهو بهذا اللفظ منكرٌ، وأبو كاهل أحمسيّ، وقيل: بجليٌّ، يقال اسمه عبد الله بن مالك، وقيل: قيس بن عائد، وقيل: غير ذلك، والله أعلم. 24 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيُّما (¬5) رجلٍ مسلم لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللهمَّ صلِّ على محمد عبدك ورسولك، وصلِّ على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، فإنها زكاة (¬6) وقال: لا يشبع مؤمن خيراً (¬7) حتى يكون منتهاه (¬8) الجنَّة. رواه ابن حبان في صحيحه من طريق دراج عن أبي الهيثم. 25 - وعنْ أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) كذا ط وع ص 554، وفي ن د كل يوم ثلاث مرات حباً وشوقاً إلي. والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد المصلي عليه صباح مساء بغفران الله خطاياه في ذلك اليوم والليلة، وفيه إشارة إلى أن المسلم يكثر من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ليعفو الله عنه ويسامحه ويرزقه التوفيق ويقيه المعاصي ويبعد عنه الرذائل فيسلم عن غوائل يوم وليلته، قال تعالى: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) وشاهدنا (ويزكيهم) والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم الآن طهارة ومغفرة للمسلمين ونعمة جالبة للسعادة. (¬2) أي يصل لزيادة محبته صلى الله عليه وسلم واشتياقاً لذاته المصونة المحفوفة بالإجلال. (¬3) أي تكرم الله وجعل جزاءه الغفران. قال تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة) يعني به ما قدره من الحكمة. (¬4) خطايا سنة فعلها المصلي عليه في اليوم ثلاثاً، وفي الليلة ثلاثاً. (¬5) ما زائدة: أي كل مسلم فقير أو مسلمة يحبان ثواب الصدقة فليكثرا في تلاوة هذه الصيغة. (¬6) طهرة من الذنوب وجالية حسنات جمة. (¬7) مؤمن خيراً، كذا د وع ص 554، وفي ن ط: المؤمن من خير. (¬8) عاقبته الحسنى، والمعنى أن المؤمن يحب في حياته أن يزداد خيراً حتى ينال حسن الخاتمة. ويحظى بنعيم الله فعليك أخي بالإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، لتغرس الصالحات في حياتك فتثمر السعادة وتدخل الجنة بسلام.

أكثروا (¬1) عليَّ من الصلاة كلَّ يوم الجمعة فإنه مشهود (¬2) تشهده (¬3) الملائكة، وإنَّ أحداً لنْ يصلِّي عليَّ إلا عرضت عليَّ صلاته حتى يفرغ (¬4) منها، قال قلت: وبعد الموت (¬5)؟ قال: إن الله حرَّم (¬6) على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. رواه ابن ماجه بإسناد جيد. 26 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا عليَّ من الصلاة في كل يوم الجمعة، فإنَّ صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم عليَّ صلاة كان أقربهم منِّي منزلة (¬7) رواه البيهقي بإسناد حسن إلا أن مكحولا قيل: لم يسمع من أبي أمامة. 27 - وعن أوسِ بن أوسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أفضل أيَّامكم يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه قبض (¬8)، وفيه النَّفخة (¬9)، ¬

(¬1) أمر صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يزيدوا عدد مرات الصلاة عليه في يوم الجمعة لأنها عيد المؤمنين. ومصدر الإحسان، وباب الخير. (¬2) تحضره ملائكة الرحمة وتنزل فيه وتقيم سرادق للزينات ابتهاجا بالمطيعين، وتكب أجر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم للمصلين، وكفى بهم شهوداً عدولا. (¬3) تنزل فيه وتدعو بالبركات وعموم الخيرات للطائعين المصلين. (¬4) ينتهي. (¬5) وبعد موتك يا رسول الله صلى الله عليك، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه حي في قبره يسمع صلاة المصلي فيأذن الله تعالى له أن يرد عليه السلام. (¬6) حفظ أجسادهم صلوات الله وسلامه عليهم، ومنع الأرض أن تبليها أو تأكلها. (¬7) يرفع الله درجاته في الجنة، ويجعل مكانه قريباً بجوار الحضرة النبوية. وفي حديث البخاري (إن في الجنة مائة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس) والفردوس أعلى مكان في الجنة. (¬8) يكني بالقبض عن الموت. (¬9) النفخ: نفخ الريح في الشيء. قال تعالى (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فاذا هم قيام ينظرون) 68 من سورة الزمر (ونفخ) يعني المرة الأولى (فصعق) خر ميتاً أو مغشياً عليه (إلا من شاء الله) قيل جبريل، وميكائيل، وإسرافيل (قيام) قائمون من قبورهم أو متوقفون (ينظرون) يقلبون أبصارهم في الجوانب كالمبهوتين، أؤ ينتظرون ما يفعل بهم. أهـ بيضاوي. يا أخي، رسول الله يرشدك إلى انتهاز فرصة يوم الجمعة لتكثر من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقيك الله من شدة البعث والنشور، وحسبك حفظا أن يعرضا بررة عليه، صلى الله عليه وسلم، ويقيد لك ثوابها فتبيض صحيفتك، ويبقى كتابك ويدخر لك كنزا عند الله جل وعلا. قال تعالى: أ - (ما عندكم وما عند الله باق) 96 من سورة النحل. ب - (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون) 61 من سورة الزمر. =

وفيه الصَّفقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ. قالوا يا رسول الله: وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمت يعني بليت:؟ فقال: إن الله عزَّ وجلَّ حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والحاكم وصحيحه. [أرمت] بفتح الهمزة والراء وسكون الميم، وروي بضم الهمزة وكسر الراء. 28 - وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال جزى الله عنَّا محمداً ما هو أهله أتعب سبعين كاتباً ألف صباحٍ (¬1). رواه الطبراني في الكبير والأوسط. 29 - وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبدين متحابين (¬2) يستقبل أحدهما صاحبه، ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم، لمْ يتفرَّقا حتى يغفر لهما ذنوبهما ما تقدَّم منهما وما تأخَّر (¬3). رواه أبو يعلي. 30 - وعن رويفع بن ثابتٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ، وأنزله له المقعد (¬4) المقرَّب عندك يوم ¬

= (بمفازتهم) بفلاحهم، مفعلة من الفوز، وتفسيرها بالنجاة: تخصيصها بأهم أقسامه بالسعادة، والعمل الصالح إطلاق لها على السبب. أهـ بيضاوي. وإن الصلاة على سيد رسول الله صلى الله عليه وسلم معين النجاح، وراية الفلاح وعنوان الإخلاص لله ولباب العمل الصالح. والبعث: إحياء الأبدان من القبور، وذلك أنه بعد موت الخلائق بالنفخة الأولى، وهي نفخة الصعق، وبين النفختين أربعون عاما. والنشر: يأمر الله تعالى سيدنا إسرافيل فيأخذ الصور وهو قرن من نور كهيئة البوق الذي يزمر به لكنه عظيم كعرض السماء والأرض. والحشر: سوق الناس إلى المحشر (الموقف) والحساب: توقيف الله تعالى العباد قبل انصرافهم من المحشر فيرفع عنهم سبحانه الحجاب. قال تعالى: (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون). والصحائف: الكتب التي كتبت فيها الملائكة أعمال العباد في الدنيا. (¬1) والمعنى يقوم أولئك اليررة بتقييد حسنات قائل هذه الصيغة في صحيفته مدة ألف يوم. (¬2) إنسانين متصافيين متوادين. (¬3) يتقابلان فيصليان على خير الخلق فلم ينصرفا إلا بغفران الله، وفي ن د. يغفر الله لهما، وفيه التعاهد على الطاعة والتعاون على البر. (¬4) المكان والمقام المحمود المحفوف بالكرامة.

القيامة وجبتْ له شفاعتي. رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط، وبعض أسانيدهم حسن. 31 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذ صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة فإنكم لا تدرون لعلَّ ذلك يعرض عليه. قال: فقالوا له: فعلِّمنا، قال قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين محمد ع بدك ورسولك، إمام الخير، وقائد الخير، ورسول الرحمة، اللهمَّ ابعثه مقامًا محمودًا (¬1) يغبطه (¬2) به الأولون والآخرون. اللهمَّ صلِّ على محمد، وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلي آل إبراهيم، إنك حميد (¬3) مجيد (¬4)، اللهمَّ بارك على محمدٍ، وعلي آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد. رواه ابن ماجه موقوفًا بإسناد حسن. 32 - وعن علي رضي الله عنه قال: كلُّ دعاء محجوب (5) حتى يصلي على محمدٍ صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني في الأوسط موقوفًا، ورواته ثقات، ورفعه بعضهم، والموقوف أصحّ. 33 - ورواه الترمذي عن أبي قرة الأسدي عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب موقوفًا قال: إنَّ الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) يستحق الثناء الشفاعة: أي مقاما يحمده القائم فيه، وكل من عرفه، وهو مطلق في كل مقام يتضمن كرامة. (¬2) يتمنى مثله السابقون واللاجئون. قال تعالى: (ومن الليل فتهجد به انافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) 79 من سورة الإسراء. (¬3) فاعل ما يستوجب به الحمد. كثيره. صيغة مبالغة. (¬4) كثير الخير والإحسان. قال تعالى: (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) 73 من سورة هود والمعنى أن هذه الصيغة اختارها سيدنا رسول الله صلاة وسلاما عليه وعلمناها رجاء أن يتبعها المحسنون المتقون. (¬5) ممنوع أن يصعد به إلى الله جل وعلا حتى يتبعه الصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم، وهذا دليل على فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وأنها سبب إجابة الدعاء. قال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بأن الدعاء محبوس بين السماء والأرض معلق وواقف لا يذهب مناه شيء إلى حضرة الذات العلية القدسية، ويستمر وقفه حتى يصل الداعي على حضرة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فكأن الصلاة عليه الموصل الجيد، والمذياع الناقل إلى الملكوت الأعلى ليجيب الله من ناده.

34 - وعنْ كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احضروا فحضرنا، فلما ارتقى درجة (¬1) قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال: آمين، فلما نزل قلنا: يا رسول الله: لقد سمعنا منك اليوم شيئًا ما كنَّا نسمعه؟ قال: إن جبريل عرض لي فقال: بعد من أدرك رمضان فلمْ يغفر له (¬2). قلت: آمين، فلما رقيت الثانية. قال: بعد (¬3) من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك، فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة قال: بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنَّة. قلت: آمين. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 35 - وعن مالك بن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فلما رقى عتبةً. قال: آمين، ثمَّ ¬

(¬1) صعد سلما. (¬2) أي صام أيامه فلم يكتسب غفران الذنوب. (¬3) طرد من رحمة الله، وحرم من الخير ذلك الجاف الخشن الفظ الذي سمع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يصل عليه. كذا الموجود مع والديه ولم يبرهما، ولم يحسن إليهما ولم يسببا له دخول الجنة. والمعنى خسر ثلاثة وباءوا بذنوب جمة: أ - مفطر رمضان. ب - غير المصلي على السيد المصطفى عند شذى سيرته الذكية. جـ - عاق والديه مؤذيهما، غير مطيع لأوامرهما، وقد أمن صلى الله عليه وسلم على ذلك، والله سميع مجيب سبحانه وتعالى. فليحذر العصاة والفسقة ضياع هذها لفرص السانحة، وليقبلوا على التوبة والاستغفار، والإكثار من الصلاة على المختار جزاء المغفرة والرضوان. قال الله تعالى: أ - (إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى 74 ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلا 75 جنات عدن تجري عن تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى) 76 من سورة طه. (مجرما) يموت على كفره وعصيانه (الصالحات) في الدنيا، ومنها الصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم (الدرجات) المنازل الرفيعة (تزكى) تطهر من أدناس الكفر والمعاصي. ب - يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا 45 وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا 46 وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) 47 من سورة الأحزاب. (شاهدا) على من بعث إليه بتصديقهم وتكذيبهم، ونجاتهم وضلالهم (بإذنه) بتيسيره (سراجا) يستضاء به عن ظلمات الجهالات، ويقتبس من نوره أنوار البصائر (فضلا) على سائر الأمم أو على جزاء أعمالهم أهـ بيضاوي. إن شاهدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم مصدر البركات، والصلوات عليه رحمات وقربان وطاعات، وموصلة إلى الجنة، وبها يستظل المصلى عند الصعوبات.

رقى أخرى، فقال آمين، ثمَّ رقى عتبة ثالثةً، فقال آمين، ثمَّ قال: أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد: من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، فقلت: آمين. قال: ومن أدرك والديه أوْ أحدهما، فدخل النار فأبعده الله، فقلت: آمين. قال: ومن ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك فأبعده الله. قل: آمين، فقلتُ: آمين. رواه ابن حبان في صحيحه. 36 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ارتقى (¬1) على المنبر فأمَّن (¬2) ثلاث مرَّاتٍ، ثمَّ قال: أتدرون لم أمَّنت؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم. قال: جاءني جبريل عليه السلام، فقال: إنه من ذكرت عنده، فلمْ يصلِّ عليك فأبعده (¬3) الله، وأسحقه (¬4). قلت: آمين. قال: ومن أدرك أبويه، أو أحدهما فلمْ يبرَّهما (¬5) دخل النار فأبعده الله وأسحقه. قلت: آمين، ومن أدرك رمضان فلمْ يغفر له دخل النار فأبعده الله وأسحقه، فقلت: آمين. رواه الطبراني بإسناد لين. 37 - وروي عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزَّبيديِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، وصعد المنبر، فقال. آمين آمين آمين، فلمَّا انصرف (¬6) قيل: يا رسول الله رأيناك صنعت شيئاً ما كنت تصنعه، فقال: إنَّ جبريل تبدَّى لي أوَّل درجةٍ (¬7)، فقال: يا محمد من أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة فأبعده الله، ثمَّ أبعده، فقلت: آمين ثم قال لي في الدرجة الثانية: ومن أدرك شهر رمضان فلمْ يغفر له فأبعده الله، ثمَّ أبعده، فقلت: آمين، ثمَّ تبدي (¬8) لي في الدرجة الثالثة، فقال: ومن ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك فأبعده الله، ثمَّ أبعده فقلت: آمين. رواه البزار والطبراني. 38 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال: آمين. آمين. آمين قيل: يا رسول الله صلى إنَّك صعدت المنبر، فقلت: ¬

(¬1) صعد وسما. (¬2) قال آمين. (¬3) طرده من رحمته وأقصاه. (¬4) رماه في النار مذموماً مدحوراً. (¬5) يطعمهما ويحسن إليهما ويكرمهما. (¬6) ذهب. (¬7) مرقي ومصعد وسلم. (¬8) ظهر. صلى الله عليه وسلم عليك يا رسول الله ونفحنا رضاك.

آمين. آمين. آمين، فقال: إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلمْ يغفرْ له، فدخل النار فأبعده الله. قلْ: آمين، فقلت: آمين. ومن أدرك أبويْه، أو أحدهما فلم يبرَّهما، فمات فدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت: آمين، ومن ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك فمات، فدخل النار فأبعده الله. قلْ: آمين، فقلت: آمين. رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له. 39 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجلٍ ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثمَّ انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجلٍ أدرك عنده أبواه الكبر، فلمْ يدخلاه الجنَّة. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. [رغم] بكسر الغين المعجمة: أي لصق بالرغام، وهو التراب ذلا وهوانا، وقال ابن الأعرابي: هو بفتح الغين، ومعناه: ذل. 40 - وعنْ حسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ذكرتُ عنده فخطئ (¬1) الصلاة عليَّ خطئ (¬2) طريق الجنَّة. رواه الطبراني وروي مرسلا عن محمد بن الحنفية. 41 - وفي رواية لابن أبي عاصم عن محمد بن الحنفية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ذكرت عنده فنسي الصلاة على خطئ طريق الجنة. 42 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نسي الصلاة على خطئ (¬3) طريق الجنة. رواه ابن ماجه والطبراني وغيرهما عن جبارة المغلس ¬

(¬1) تعمد تركها، وضل عن النطق بها. (¬2) ضل وتاه ومشي بلا هداية هائما على وجهه. وفيه أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم نبراس مضيء سبيل النعيم، موصل إلى الجنة، وتاركها أعمى لا يدري أني يذهب وكيف يسير (فنسي) أي تركها. (¬3) (خطئ) بمعنى تعمد أن يسلك طريق النار، وسبيل العصيان عمدا أو سهوا، ويقال أخطأ لمن لم يتعمد وفي الجامع الصغير، يقال خطئ وأخطأ: إذا سلك سبيل الخطأ، ومن أخطأ. قال الدميري: فإن قيل هذا الحديث: إن حمل على ظاهره أشكل، فإن الظاهر أنه ذم للناسي، والنسيان لا يترتب عليه ذلك للحديث الحسن المشهور: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) ولما تقرر أن الناسي غير مكلف، وغير المكلف لا لوم عليه. فالجواب أن المراد بالناسي التارك كقوله تعالى: (نسوا الله فنسيهم) وكقوله: (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم ننسى). =

وهو مختلف في الاحتجاج به، وقد عد الحديث من مناكيره. 43 - وعن حسين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البخيل (¬1) ¬

= قال الهروي: فالأولى معناه تركوا أمر الله فتركهم من رحمته، (وكذلك اليوم تنسى): أي تترك في النار، ولما كان التارك لها لا صلاة له والصلاة عماد الدين، فمن تركها حق له ذلك. أهـ ص 360 جـ 3. وفيه التشديد على كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وطلب الانتباه للترنم بذكره صلى الله عليه وسلم فإن عدم الصلاة عليه ضلال، ويظلم القلب، ويزيل نور الإيمان، ويبعد بهاء الحق وبهجة الإسلام، ويترك الشخص يوم القيامة يتخبط في دياجير الشدائد والعذاب. (¬1) الموصوف بالبخل والتقتير، والدناءة والشح. ذلك الذي مر عليه اسمي ولم يصل عليه، إنه لجبان وجماد، وجلمود صخر، ومقصر في كسب الحسنات ونيل الدرجات. لماذا؟ لأن السيرة الذكية نفحت وعبرت وعبق شذاها، ولم يشمها، ولم يلفظ لسانها بالصلاة والسلام على صاحبها. قال تعالى: أ - (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أي في الأمور كلها فإنه لا يأمرهم، ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم، بخلاف النفس فلذلك أطلق فيجب عليهم أيكون أحب إليهم من أنفسهم، وأمره أنفذ عليهم من أمرها وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها. أهـ بيضاوي. وقال تعالى: ب - (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) 56 من سورة الأحزاب. (يصلون) يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه (صلوا عليه) اعتنوا أنتم أيضا فانكم أولى بذلك، وقولوا: اللهم صل على محمد (وسلموا) وقولا السلام عليك أيها النبي، وقيل: وانقادوا لأوامره، والآية تدل على وجوب الصلاة والسلام عليه في الجملة، وقيل تجب الصلاة كما جرى ذكره. قال صلى الله عليه وسلم: (من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله) وتجوز الصلاة على غيره تبعا وتكره استقلالا لأنه في العرف صار شعار ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك كره أن يقال محمد عز وجل، وإن كان عزيزا وجليلا أهـ بيضاوي صلى الله عليه وسلم يا خير الورى، ونفعنا الله بك وأمدنا بنعمة وتوفيقه. وقال الصاوي: هذه الآية فيها أعظم دليل على أنه صلى الله عليه وسلم مهبط الرحمات، وأفضل الخلق على الإطلاق، إذ الصلاة من الله على نبيه رحمته المقرونة بالتعظيم، ومن الله على غير النبي مطلق الرحمة لقوله تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور) فانظر الفرق بين الصلاتين والفضل بين المقامين، والمراد بالملائكة جميعهم، والصلاة من الملائكة الدعاء للنبي بما يليق به، وهو الرحمة المقرونة بالتعظيم وحينئذ فقد وسعت رحمة النبي كل شيء تبعا لرحمة الله فصار بذلك مهبط الرحمات ومنبع التجليات (صلوا عليه) أي ادعوا له بما يليق به، وحكمة صلاة الملائكة والمؤمنين على النبي تشريفهم بذلك حيث اقتدوا بالله في مطلق الصلاة وإظهار تعظيمه صلى الله عليه وسلم ومكافأة لبعض حقوقه على الخلق لأنه الواسعة العظمى في كل نعمة وصلت لهم، وحق على من وصل له نعمة من شخص أن يكافئه، فصلاة جميع الخلق عليه مكافأة لبعض ما يجب عليهم من حقوقه. إن قلت إن صلاتهم طالب من الله أن يصلي عليه، وهو مصل عليه مطلقا طلبوا أولا. أجيب بأن الخلق لما كانوا عاجزين عن مكافأته صلى الله عليه وسلم طلبوا من القادر المالك أن يكافئه ولا شك أن الصلاة الواصلة للنبي صلى الله عليه وسلم من الله لا تقف عند حد فكلما طلبت من الله زادت على نبيه فهي دائمة بدوام الله. وعند مالك تجب الصلاة والسلام في العمر مرة، وعند الشافعي تجب في التشهد الأخير من كل فرض، وعند غيرهما تجب في كل مجلس مرة، وقيل تجب عند ذكره، وقيل يجب الاكثار منها من غير تقييد بعدد، وبالجملة فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمرها عظيم وفضلها جسيم، وهي من أفضل الطاعات وأجل =

من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ. رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وصححه الترمذي، وزاد في سنده عليّ بن أبي طالب، وقال: حديث حسن صحيح غريب. 44 - وعنْ أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: خرجت ذات يومٍ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركمْ بأبخل النَّاس؟ قالوا: بلى (¬1) يا رسول الله. ¬

= القربات حتى قال بعض العارفين: أنها توصل إلى الله تعالى من غير شيخ لأن الشيخ والسند فيها صحيح لأنها تعرض عليه ويصلى على المصلي، بخلاف غيرها من الأذكار فلا بد فيها من الشيخ العارف وإلا دخلها الشيطان ولم ينتفع صاحبها بها وصيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة وأفضلها ما ذكر فيها لفظ الآل والصحب، فمن تمسك بأي صيغة منها حصل له الخير العظيم. أهـ ص 220 جـ 4. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة تقربنا إلى الله تعالى وتحشرنا مع الصالحين وتطهرنا من الذنوب. وتكسبنا درجات الجنة يا رب. (¬1) نعم أخبرنا جزاك الله عنا ما هو أهله، فأنبأهم صلى الله عليه وسلم أنه الجبان المقصر في المحامد الظالم نفسه بتضييع فرص كثيرة الحسنات وزيادة الدرجات لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده فغفل، فذلك أبخل وأشجع. قال تعالى: أ - (من يطع الرسول فقد أطاع الله) والذي لا يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ع اص مهمل مقصر متعمد الإجرام. وقال تعالى: ب - (إنا أرسلناك شاهدا، ومبشراً ونذيراً 8 لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا 9 إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً) 10 من سورة الفتح. (شاهدا) على أمتك (ومبشراً) على الطاعة (ونذيراً) على المعصية، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته عسى أن تسلك منهجه، وتحذو حذو سنته، وتكثر من الصلاة عليه، والعمل بشريعته عليه الصلاة والسلام (وتعزروه) وتقووه بتقوية دينه ورسوله (وتوقووه) وتعظموه (وتسبحوه) وتنزهوه، أو تصلوا له (بكرة وأصيلا) غدوة وعشيا أو دائماً، وهذا شاهدنا المطلوب الإقبال على تعاليم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثرة الصلاة عليه، وعقد النية على الهداية بأنواره، وشد أزر العزيمة على الكتاب والسنة، وهذا عهد الله وبيعته (نكث) نقض العهد (فإنما ينكث على نفسه) أي فلا يعود ضرر نقض العهد وجموده عند ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا على نفسه: أي يؤخرها عن كسب المحامد، ويبعدها عن الدرجات العالية. جـ - وقال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين 81 فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) 82 من سورة آل عمران. إنه تعالى أخذ الميثاق من النبيين وأممهم، وقيل المراد أولاد النبيين (إصرى) عهدي فليشهد بعضكم على بعض بالاقرار، وقيل الخطاب فيه للملائكة (الفاسقون) المتمردون من الكفرة، وإن شاهدنا إقرار الله وملائكته وأنبيائه على تعظيمه والصلاة عليه، ولقد أخذ الله العهد على أنبيائه وأتباعهم بالإيمان بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصره، والدعوة إلى صدقه. ليكثر المحسنون من الصلاة والسلام عليه، ولقبلوا على تعاليمه الصحيحة (قالوا أقررنا) قال تعالى: (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف =

قال: من ذكرتُ عنده فلمْ يصلِّ عليَّ، فذلك أبخل الناس. رواه ابن أبي عاصم ¬

_ = عليهم ولا هم يحزنون 48 والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون) 49 من سورة الأنعام. (مبشرين) المؤمنين بالجنة (ومنذرين) الكافرين بالنار، ولم نرسلهم ليقترح عليهم ويتلهى بهم (وأصلح) ما يجب إصلاحه على ما شرع لهم (يفسقون) بسبب خروجهم عن التصديق والطاعة. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم اعتراف برسالته وتصديق بنبوته، وسبب دخول الجنة. وعمل صالح باق في صحيفته لا يفيوت ثوابا ويمنع عقابا، وترك الصلاة فسق وجالب ع ذاب الله. ويقلل الرزق. وفي كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر اللهم إلا أن يحمل الوعيد فيها على من ترك الصلاة على وجه يشعر بعدم تعظيمه صلى الله عليه وسلم وكأن يتركها لاشتغاله بلهو ولعب ومحرم فهذه الهيئة الاجتماعية لا يبعد أن يقلل إنه حفها من القبح والاستهتار بحقه صلى الله عليه وسلم ما اقتضى أن الترك حينئذ لما اقترن به كبيرة مفسق أهـ. ليحلل. أ - رأى جمع من الشافعية والمالكية، والحنفية، والحنابلة أنه تجب الصلاة عليه صلى الله وسلم كلما ذكر. ب - ويوفق بين من قال إنه مخالف للإجماع قبل هؤلاء على أنها لا تجب مطلقا في غير الصلاة. فعلى القول بالوجوب يمكن أن يقال إن ترك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند سماع ذكره كبيرة، وأما ما عليه الأكثرون من عدم الوجوب فهو مشكل مع هذه الأحاديث الصحيحة. اللهم إلا أن يحمل على قصد الازدراء به صلى الله عليه وسلم. أهـ بتصرف ص 95 جـ 1. وأنا أميل إلى الرأي الأول الداعي إلى وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما من ذكره وفاحت سيرته الذكية، ونفح شذاه، وذاع عطره، وانتشر طيبة عسى أن تدرك المصلى عليه رحمة الله تعالى فينفح بمحبته وفي المدخل لابن الحاج في باب (كراهة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأجل البيع) ص 101 جـ 4 وبعضهم تكون سلعته رديئة فيمدحها ويثنى عليها، وبعضهم يزيد على ذلك فيصل على النبي صلى الله عليه وسلم حين ندائه على سلعته وبيعها وشرائها، وقد قال علماؤنا رحمة الله عليهم: إن فاعل ذلك ينهي عنه ويؤدب ويزجر لأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إنما تكون على ما شرعت عليه من التعبد لا أنها تذكر على السلع حين بيعها وشرائها، وليس هذا خاصا به. بل هو عام فيما اعتاده بعضهم أو أكثرهم من أنه إذا رأى شيئاً يعجبه يقول: صلى الله عليك يا رسول الله، وكذلك إذا سمع المؤذن يعرض عن حكاية المؤذن بقوله صلى الله عليك يا رسول الله، وكذا إذا أراد أن يفسح له في الطريق ويقول: صلوا على محمد إلى غير ذلك، والذي يتعين من ذلك توقير النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه وتعظيمه بأن لا يذكر اسمه، ولا يصلى عليه إلا على سبيل التعبد لا على سبيل العوائد المتخذة المخالفة للسلف الماضين رضي الله عنهم أجمعين. أ - عدم إعانتهم. ب - الإنكار عليهم. الثمرات المرجوَّة، والكنوز المدخرة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أولا: أخبرنا صلى الله عليه وسلم في أحاديثه أن فائدة الصلاة عليه مرة يقبل الله على المصلى برحماته، ويغدق عليه بخيراته، ويزيده من نعمائه المرء بعشر أمثالها من الله جل وعلا (صلى الله عليه عشرا). =

في كتاب الصلاة من طريق علي بن يزيد عن القاسم. ¬

_ = ثانيا: الصلاة عليه تكسب الحسنات، وترفع الدرجات وتمحو السيئات. قال تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها). ثالثاً: المصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة مرة حاز شهادة الإيمان الكامل، ونال إجازة الصالحين، واطمأن على مستقبله السعيد دنيا وأخرى، وبشر بالخير ونجح في حياته (وكتب الله بين عينيه براءة من النفاق ومن النار). رابعاً: تارك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم خسران، وندمان ومضيع، وظالم نفسه بجحوده، ومبعد مسكنه من جوار الصالحين. خامسا: المصلى والمسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد في صفوف المقربين الذين رضي الله عنهم وصلح أن يحشره في زمرتهم، وأخذ من الله وعدا صادقاً (ومن سلم عليك سلمت عليه). سادساً: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم توازي ثواب فك الحريات وطلق الأسارى وطرد الاستعمار وشذى الاستقلال في بلاد الإسلام (وكن له عدل عشر رقاب). سابعاً: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تضمن شفاعته عليه الصلاة والسلام للمصلي، وتجلب له الاطمئنان وتكنز له الثواب (ثم صلوا علي ثم سلوا الله لي الوسيلة). ثامناً: المصلى عليه صلى الله عليه وسلم يصحبه ملك الرحمة يرافقه في غدواته وروحاته يدعو له ويتمنى له الخير ويطلب له السعادة ما دام يصلي على سيد رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان ملكا من لدن خلقك إلى أن يبعثك). تاسعاً: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلم يقوم بها ملك خاص يبلغها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ملائكة سياحين يبلغوني). عاشراً: المصلى والمسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يتشرف بمحادثة الذات النبوية، ويسمو بمخاطبة الحضرة المصطفية، ويأذن الله لحبيبه عليه الصلاة والسلام أن يرد عليه السلام بنفسه، ويعطيه سبحانه قدرة النطق كما كان في الحياة، ويهب له المشافهة، ويمتعه بأن يرد على أحد أفراد أمته وينقله سبحانه عن الاستغراق في المحامد، ومشاهد الذات العلية إلى رد السلام على المسلم (رد الله إلى روحي). الحادي عشر: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرج الكروب، وتزيل الغموم، وتبعد الهموم، وتوسع الأرزاق، وتحط الخطايا (إذا يكفي همك ويغفر لك ذنبك). الثاني عشر: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ألف مرة تشرح الصدر، وتنير القلب بالإيمان، وتدعو إلى الإكثار من طاعة الله سبحانه، والاستكثار من الصالحات (حتى يرى مقعده من الجنة). الثالث عشر: الورد من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم يغسل الذنوب وبمحوها (من صلى على كل يوم ثلاث مرات). الرابع عشر: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تغني عن الصدقات، وتقوم مقام الإحسان وفعل البر (مسلم لم يكن عنده صدقة). الخامس عشر: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يضاعف ثوابها وتحضرها ملائكة الرحمة (فانه مشهود). السادس عشر: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم تقرب جوارك لرسول الله، وتجعل مسكنك في الجنة قريبا منه، ويحفك الله برحماته ويزيدك من إنعامه (كان أقربهم مني منزلة). السابع عشر: أرشدك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صيغة تحافظ عليها وردا صباح مساء لتسخر جملة من الكتبة البررة يكتبون ثوابها عند الله تعالى في صحيفتك (جزى الله عنا محمدا ما هو أهله). الثامن عشر: يرشدك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستقبل صاحبك فتحمدا الله، وتصليا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون ذلك سبب غفران ذنوبكما (متحابين يستسقبل أحدهما صاحبه ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم). =

[قال الحافظ المملي]: من هذا الكتاب أبواب متفرقة، وتأتي أبواب أخر إن شاء الله ¬

_ = التاسع عشر: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلم الدعاء الذي يصعد به إلى الرب سبحانه وتعالى ليجيبه (الدعاء موقوف). العشرون: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقت بها دعوة مستجابة للمصلى أن يغفر الله له، ومن لم يصل فلن يغفر الله له، وهذا وعد الله الذي لا يختلف. جاء به جبريل عليه السلام (من ذكرت عنده فلم يصل ع ليك فقلت آمين). الحادي والعشرون: تارك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتار يوم القيامة (خطئ طريق الجنة). الثاني والعشرون: تارك الصلاة جماد شحيح في كسب الحسنات مقصر في حقوق النبي صلى الله عليه وسلم (أبخل الناس). قال تعالى: أ - (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) 33 من سورة الأنعام. اعترف الكفار بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكنهم يجحدون بآيات الله ويكذبونها. فوضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على أنهم ظلموا بجحودهم، أو جحدوا لتمرنهم على الظلم، والباء لتضمين الجحود معنى التكذيب. روي أن أبا جهل كان يقول: ما نكذبك، وإنك عندنا لصادق، وإنما نكذبك ما جئتنا به فنزلت أهـ بيضاوي. ب - قال تعالى: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين) 34 من سورة الأنعام. فيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأس بهم يا محمد واصبر، وفيه إيماء بوعد النصر للصابرين، وكلمات الله: مواعيده. جـ - وقال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) 80 من سورة النساء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحقيقة مبلغ، والآمر هو الله سبحانه وتعالى، والتشحيح: المعدوم الخير منه خالف أمر الله تعالى (صلوا عليه). روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: من أحبني فقد أحب الله، ومن أطاعني فقد أطاع الله، فقال المنافقون لقد قارف الشرك، وهو ينهى عنه، ما يريد إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى ربا، فنزلت أهـ. (حفيظا) تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم. د - قال تعالى: (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) 40 من سورة الرعد. هـ: قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) 107 من سورة الأنبياء. أي لأن ما بعثت به سبب لإسعادهم، وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم، وقيل كونه رحمة للكفار أمنهم به من الخسف، والمسخ وعذاب الاستئصال. أهـ بيضاوي. قال الصاوي: أي أنه صلى الله عليه وسلم نفس الرحمة لما ورد أن الأنبياء خلقوا من الرحمة ونبينا عين الرحمة لما في الحديث: (إنما أنا رحمة مهداة) أهـ. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم للبر والفاجر، وللمؤمن والكافر. و- قال تعالى: (قل إنما يوحي إليَّ أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون 108 فإن تواوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما تعودون 109 إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون 110 =

فتقدم: ما يقوله من خاف شيئاً من الرياء في باب الرياء، وما يقوله بعد الوضوء في كتاب ¬

_ = وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين 111 قال رب أحكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون) 112 من سورة الأنبياء. إن شاهدنا أمر الله تعالى لنبيه الذي ندعو المسلمين إلى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: أن نوحده، وأن نسلم: أي نخلص العبادة له وحده على مقتضى الوحي المصدق بالحجة، ودليل ذلك الإقبال على طاعة لله ورسوله وثمرتها العمل بشريعته وزيادة محبته (احكم) أي اقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل المقتضي لاستعجال العذاب، التشديد عليهم بالنكال رجاء التوبة والاستغفار، والعمل لإرضاء الجبار القهار، ونخشى الآن أن نعذب، ورأينا آثار ذلك في نزع البركة من الزروع والثمار، والوظائف والصنائع. فاتقوا الله عباد الله، وأقبلوا على دين (الرحمن): أي كثير الرحمة على خلقه (المستعان): أي المطلوب منه المعونة. نحن الآن نشكو من الأمراض وكثرتها، ومن آفات الحاصلات ورخصها ومن الأزمة، وعلاج ذلك ثلاثة: أ - التوبة. ب - كثرة الاستغفار، والذكر والصلاة والسلام على المختار. جـ - العمل بكتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما 111 ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما) 112 من سورة طه. إن شاهدنا ألا يخاف المحسن، المصلى على النبي صلى الله عليه وسلم زيادة سيئات ظلما أو نقص حسنات هضما، فالله عدل، وأن تذل الوجوه وتخضع خضوع العتاة الأسارى في يد الملك القهار. وقال تعالى: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى 123 ومن أعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى 124 قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا 125 قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى 126 وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) 127 من سورة طه. فلا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة (ذكرى) الهدي الذاكر لي، والداعي إلى عبادتي، ومنها الصلاة على حبيب الله صلى الله عليه وسلم (ضنكا) ضيقا (أعمى) البصر أو القلب. فجاءتك آياتنا واضحة نيرة سهلة التكاليف عذبة فتركتها غير منظور إليها (تنسى) تترك في العمى والعذاب وشدة الظلام (من أسرف) بالانهماك في الشهوات والإعراض عن الآيات، وترك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال النسفي: لما توعد المعرض عن ذكره بعقوبتين: المعيشة الضنك في الدنيا، وحشره أعمى في العقبى نختم آيات الوعيد بقوله: (ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) أي للحشر على العمى الذي لا يزول أبدا أشد من ضيق العيش المنقضي، وورد في (ضنكا) عن ابن جبير: يسلبه القناعة حتى لا يشبع فمع الدين التسليم والقناعة، والتوكل فتكون حياته طيبة، ومع الاعراض والحرص والشح. فعيشه ضنك، وحاله مظلمة كما قال بعض المتصوفة: لا يعرض أحدكم عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته، وتشوق عليه رزقه أهـ. آمنت بالله، وفهمت أن الصلاة على رسول الله جلاء البصر ونور الهدى يضيء القلوب فتطيع الله: اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتفضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات، وعلى آله وصحبه وسلم. (إثبات الانشراح لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع ذكره) قال تعالى: (ألم نشرح لك صدرك 1 ووضعنا عنك وزرك 2 الذي أنقض ظهرك 3 ورفعنا لك ذكرك) =

الطهارة، وما يقوله بعد الأذان، وما يقوله بعد صلاة الصبح والعصر والمغرب والعشاء في كتاب ¬

_ = (نشرح) فسحناه بما أودعناه من العلوم والحكم حتى وسع هموم النبوة ودعوة الثقلين، وأزلنا عنه الضيق والحرج الذي يكون مع العمى والجهل. وعن الحسن: مليء حكمة وعلما. سبحانه رفع ذكره صلى الله عليه وسلم أن قرن بذكر الله في كلمة الشهادة، والأذان الإقامة، والخطب والتشهد، وفي غير موضع من القرآن: أ - (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول). ب - (ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) 71 من سورة الأحزاب. جـ - (والله ورسوله أحق أن يرضوه) وفي تسميته رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبي الله، ومنه ذكره في كتب الأولين أهـ. نسفي. (نشرح) قال الصاوي: المراد هنا توسعة الصدر بالنور الإلهي ليسع مناجاة الحق ودعوة الخلق. فصار مهبط الرحمات ومنبع البركات. روي أن جبريل عليه السلام: أتاه وهو عند مرضعته حليمة وهو ابن ثلاث سنين أو أربع فشق صدره وأخرج قلبه وغسله، ونقاء وملأه علما وإيمانا، ثم رده في صدره، وحكمة ذلك لينشأ على أكمل حال، ولا يعيث كالأطفال، وشق أيضاً عند بلوغه عشرين سنين، ليأتي عليه البلوغ وهو على أجمل الأخلاق وأطيبها، وعند البعثة ليتحمل القرآن والعلوم، وليلة الإسراء ليتهيأ لملاقاة أهل الملأ الأعلى، ومناجاة الحق جل جلاله، ومشاهدته، وتلقيه عنه فمرأت الشق أربع زيادة في تنظيفه وتطهيره ليكون كاملا مكملا، لا يعلم قدره غير ربه. قال البوصيري: ما مضت فترة من الرسل إلا ... بشرت قومها بك الأنبياء قال البيضاوي: (ألم نشرح) ألم نفسحه حتى وسع مناجاة الحق، ودعوة الخلق. فكان غائبا حاضرا، أو لم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم، وأزلنا عنه ضيق الجهل، أو بما يسرنا لك تلقي الوحي بعد ما كان يشق عليك، وقيل إنه إشارة إلى ما روي: أن جبريل عليه الصلاة والسلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صباه، أو يوم الميثاق فاستخرج قلبه، ثم ملأه إيمانا وعلما، ولعله إشارة إلى نحو ما سبق، ومعنى الاستفهام إنكار نفي الانشراح مبالغة في إثباته (ورفعنا لك ذكرك) بالنبوة وغيرها، وأي رفع مثل أن قرن اسمه باسمه تعالى في كلمتي الشهادة وجعل طاعته طاعته، وصلى عليه ملائكته، وأمر المؤمنين بالصلاة عليه، وخطابه بالألقاب. أهـ. لا إله إلا الله محمد رسول الله. والخلاصة التي أنشدها: أن يكثر المسلمون من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يمنحهم ربهم برضوانه، وينفحهم بنفحات مصطفاه. فهو سبحانه اختاره صدره صلى الله عليه وسلم كان قال الشيخ محمد عبده بإخراجه من تلك الحيرة التي كان يضيق لها صدره بما كان يلاقيه في سبيله من جمود قومه وعنادهم. فكان يلتمس الطريق لهدايتهم. فعلمه الله كيف يسلك إلى نفوسهم، وهداه بالوحي إلى الدين الذي ينقذهم به من الهلكة التي كانوا أشرفوا عليها، وقد كان ما يهمه من أمرهم حملا ثقيلا عليه. فوضعه الله عنه وأراحه من ثقله بقيادة الله له في سبيل نجاتهم، وتعهده بالوحي كلما التبس عليه أمر، أو ضاق عليه مذهب فبهذه الهداية التي تكفل الله بها قد وضع ذلك العبء الثقيل كما قال: (ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) 3 من سورة الشرح. هداه الله إلى إنقاذ أمة، بل أمم كثيرة من ورق الأوهام وفساد الأحلام، ورجع بهم إلى الفطرة السليمة: حرية العقل والإرادة والإصابة في معرفة الحق، ومعرفة من يقصد بالعباد فاتحدت كلمتهم في الاعتقال بالإله الواحد فاستخلصوا حياة كانت في مخالب الموت كما قال: (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم) فمن كان هذا عماه فأي ذكر أرفع من ذكره، وأي شأن أعلى من شأنه؟ هذا إلى ما فرض الله من الإقرار بنبوته، =

الصلاة، وما يقول حين يأوى إلى فراشه في كتاب النوافل، وكذلك ما يقول إذا استيقظ ¬

_ = والاعتراف برسالته بعد بلوغ دعوته، وجعلها شرطا في دخول جنته. فهذا هو قوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك) أهـ ص 117. وقال تعالى مبينا كرامته حبيبه صلى الله عليه وسلم (ما ودعك ربك وما قلى 3 وللآخرة خير لك من الأولى 4 ولسوف يعطيك ربك فترضى) 5 من سورة الضحى. أي ما قطعك قطع المودع، وما تركك وما أبغضك ردا على قول المشركين في تأخير الوحي مرة (إن محمدا ودعه ربه وقلاه) ثم بين سبحانه وتعالى أنه لا يزال يواصله بالوحي من الكرامة في الدنيا، وأعد له ما هو أعلى وأجل من ذلك في الآخرة، أو لنهاية أمرك خير من بدايته. فإنه صلى الله عليه وسلم لا يزال يتصاعد في الرفعة والكمال (فترضى) وعد شامل لما أعطاه من كمال النفس وظهور الأمر، وإعلاء الدين، ولما ادخره له مما لا يعرف كنهه سواه، واللام للابتداء (ولـ) أنت (سوف يعطيك) وجمعها مع سوف للدلالة على أن الإعطاء كائن ولا محالة، وإن تأخر لحكمة. أهـ بيضاوي. وقال الشيخ محمد عبده: (ولسوف يعطيك) من توارد الوحي عليك بما فيه إرشاد لك ولقومك، ومن ظهور دينك وعلو كلمتك، وإسعاد قومك بما تشرع لهم، وإعلائك وإعلائهم على الأمم في الدنيا والآخرة (فترضى) بما تراه من تلك النعم التي ليس وراءها مطلب لطالب. كأنه عليه الصلاة والسلام كان يجد في نفسه أن للأمر تتمة لم تأت بعد، وكان في الفترة إبطاء بتلك التتمة، وهو شغف بحصولها. فلم تكن نفسه راضية دون أن يبلغ ما أعده له من إكمال دينه. فأكد له الوعد بأنه سيعطيه مما تتطلع نفسه إليه، ولا يزال يعطيه حتى يرضى ويعلن عباده المؤمنين بقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) من سورة المائدة. وقد كان ذلك في أكثر من عشرين سنة. أهـ ص 110. وقيل عطاؤه هو الشفاعة العظمى. فأنت ترى وعد الله الذي لا حد له في إكرامه صلى الله عليه وسلم وإرضائه. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا لا أرضى وواحد من أمتي في النار). قال الصاوي: أي الموحدين، فالمراد أمة الإجابة وقد أشار لذلك بعض العارفين بقوله: قرأنا في الضحى ولسوف يعطي ... فسر قلوبنا ذاك العطاء وحاشا يا رسول الله ترضى ... وفينا من يعذب أو يساء إن شاهدنا ثبوت الشفاعة للسيد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأنه جدير بكل ثناء واحترام عسى أن يشفع لنا، ولقد ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تبارك وتعالى في إبراهيم صلى الله عليه وسلم: (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني) الآية وقال عيسى صلى الله عليه وسلم (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فرفع يديه وقال: أمتي أمتي وبكى. فقال الله عز وجل: (يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك) فأتاه جبريل عليه السلام فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم. فقال الله تعالى: (يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك). وقال النووي: الحكمة في إرسال جبريل إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه بالمحل الأعلى فيسترضي ويكرم بما يرضيه والله أعلم (لا نسوءك) لا نحزنك وننجي الجميع من النار. وفي هذا الحديث بشارة عظيمة لهذه الأمة، وبيان عظيم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله عز وجل، وعظيم لطفه وكمال شفقة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأمته واهتمامه بأمرهم. أهـ ص 172 مختار الإمام مسلم، وشرح النووي. أرأيت رأفة أكثر من هذه المحبة؟ يتعلق صلى الله عليه وسلم بأمته ويحن إليها، ويبكي رجاء رحمة الله لها =

من الليل، وما يقول إذا أصبح وأمسى، ودعا الحاجة فيه أيضاً، ويأتي إن شاء الله في كتاب ¬

_ = والله تعالى وعده أن يرضيه ولا يغضبه، ويزيده فرحاً ويقر عينه، ويدخل أمته الجنة بفضلة سبحانه، وصلى الله على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون. (خلاصة أقوال العلماء) سيدنا عمر بن الخطاب يبين فضيلة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضله. روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ويقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله. لقد كان جذع تخطب الناس عليه، فلما كثر الناس اتخذت منبرا لتسمعهم. فحن الجذع لفراقك حتى جعلك يدك عليه فسكن، فأمتك كانت أولى بالحنين إليك لما فارقتهم بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن جعل طاعتك طاعته .. فقال عز وجل: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أخبرك بالعفو عنك قبل أن يخبرك بالذنب. فقال تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن بعثك آخر الأنبياء وذكرك في أولهم فقال عز وجل. (وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم). بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا قد أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون: يقولون: يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان موسى بن عمران أعطاه الله حجرا تتفجر منه الأنهار. فماذا بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء صلى الله عليه وسلم. بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان سليمان بن داود أعطاه الله الريح غدوها شهر ورواحها شهر. فماذا بأعجب من البراق حين سريت عليه إلى السماء السابعة، ثم صليت الصبح من ليلتك بالأبطح صلى الله عليك. بأبي أنت وأمي يا رسول الله لئن كان عيسى بن مريم أعطاه الله إحياء الموتى. فماذا بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك وهي مشوية فقالت لك الذراع: لا تأكلني فإني مسمومة: بأبي أنت وأمي يا رسول الله. لقد دعا نوح على قومه فقال: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) 26 من سورة نوح. ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا كلنا. فلقد وطئ ظهرك، وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيرا، فقلت: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. بأبي أنت وأمي يا رسول الله: لقد اتبعك في قلة سنك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحا في كثرة سنه وطول عمره، ولقد آمن بك الكثير وما آن معه إلا القليل. بأبي أنت وأمي يا رسول الله لو لم تجالس إلا كفؤا لك ما جالستنا، ولو لم تنكح إلا كفؤا لك ما نكحت إلينا، ولو لم تواكل إلا كفؤا لك وما واكلتنا. فلقد والله جالستنا ونكحت إلينا، وواكلتنا ولبست الصوف وركبت الحمار وأردفت خلفك، ووضعت طعامك على الأرض، ولعقت أصابعك تواضعاً منك. صلى الله عليه وسلم أهـ ص 280 جـ 1 إحياء الغزالي. وفي الفتح في باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ص 118 جـ 11. (خلاصة أقوال العلماء في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم) فحاصل ما وقفت عليه من كلام العلماء فيه عشرة مذاهب: أولاً: قول ابن جرير الطبري: إنها من المستحبات، وادعى الإجماع على ذلك. ثانياً: نقل ابن القصار وغيره الإجماع على أنها تجب في الجملة بغير حصر، لكن أقل ما يحصل به الإجزاء مرة. ثالثاً: تجب في العمرة في صلاة أو في غيرها، وهي مثل كلمة التوحيد قاله أبو بكر الرازي من الحنفية وابن حزم وغيرهما. =

البيوع: ذكر الله في الأسواق، ومواطن الغفلة، وما يقوله المديون والمكروب والمأسور، ¬

_ = رابعاً: تجب في القعود آخر الصلاة بين قول التشهد وسلام التحلل، قاله الشافعي ومن تبعه. خامساً: تجب في التشهد وهو قول الشعبي وإسحاق بن راهويه. سادساً: تجب في الصلاة من غير تعيين لمحل: وهو عن أبي جعفر الباقر. سابعاً: يجب الاكثار منها من غير تقييد بعدد، قاله أبو بكر بن بكير من المالكية. ثامناً: كلما ذكر. قاله الطحاوي وجماعة من الحنفية، والحليمي وجماعة من الشافعية، وقال ابن العربي من المالكية: انه الأحوط وكذا قال الزمخشري. تاسعاً: في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره مرارا، حكاه الزمخشري. عاشراً: في كل دعاء حكاه أيضا. أهـ. معنى صلاة الله وملائكته على رسول الله صلى الله عليه وسلم) ومعنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته. ومعنى صلاة الملائكة عليه الدعاء له، وعند ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: صلاة الله مغفرته، وصلاة الملائكة الاستغفار، وعن ابن عباس: أن معنى صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار. وقال المبرد: الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة رقة تبعث على استدعاء الرحمة، وتعقب بأن الله غاير بين الصلاة والرحمة في قوله: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) وعن أبي العالية أن معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم عليه، طلب ذلك له من الله تعالى، والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة، ونقل عياض عن أبي بكر القشيري قال: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الله تشريف وزيادة تكرمة، وعلى من دون النبي رحمة، وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سائر المؤمنين حيث قال الله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) وقال قبل ذلك في السورة المذكورة (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) ومن المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أرفع مما يليق بغيره، والإجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في غيرها، وقال الحليمي في الشعب: معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه فمعنى قولنا: اللهم صل على محمد: عظم محمدا، والمراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته، وإيداء فضيلته بالمقام المحمود وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى (صلوا عليه) ادعوا ربكم بالصلاة عليه. أهـ. ولا يعكر عليه عطف آله وأزواجه وذريته عليه. فإنه لا يمتنع أن يدعي لهم بالتعظيم، إذ تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به أهـ ص 121. (صيغة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أولا: اللهم صلي على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته، وأهل بيته، عند أبي داود من حديث أبي هريرة. ثانياً: وقال النووي في شرح المهذب: ينبغي أن يجمع ما في الأحاديث الصحيحة فيقول: (اللهم صلي على محمد النبي الأمي وعلى آله محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك مثله وزاد: في العالمين إنك حميد مجيد). =

وفي كتاب اللباس: ما يقوله من لبس ثواباً جديداً. وفي كتاب الطعام: التسمية، وحمد الله ¬

_ = ثالثاً: وعن ابن مسعود: (اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك) الحديث أخرجه ابن ماجه، والمراد بالبركة هنا الزيادة من الخير والكرامة وقيل المراد التطهير من العيوب والتزكية، وقيل المراد ذلك واستمراره (حميد) فعيل من الحمد بمعنى محمود، وأبلغ منه وهو ما حصل له من صفات الحمد وأكملها، وقيل هو بمعنى الحامد: أي يحمد أفعال عباده (مجيد) من المجد: وهو صفة من كمل في الشرف، وهو مستلزم للعظمة والجلال، كما أن الحمد يدل على صفة الإكرام، ومناسبة ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العظيمين. أن المطلوب تكريم الله لنبيه وثناؤه عليه والتنويه به، وزيادة تقريبه، وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد، والمعنى أنت فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المترادفة. كريم بكثرة الإحسان إلى جميع عبادك. أهـ ص 128. رابعاً: في البخاري: حدثنا آدم حدثنا شعبة، حدثنا الحكم قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى: قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسفم عليك فكيف نصلي عليك؟ قالوا قولوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. خامساً: وفي رواية أبي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي؟ قال قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، وآل محمد: ذريته وأتباعه في الدين. قال الحليمي: سبب هذا التشبيه أن الملائكة قالت في بيت إبراهيم: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، وقد علم أن محمد وآل محمد من أهل بيت إبراهيم. فكأنه قال أجب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك في محمد وآل محمد كما أجبتها عندما قالوها في آل إبراهيم الموجودين حينئذ، ولذلك ختم بما ختمت به الآية، وهو قوله: إنك حميد مجيد، وقال ابن القيم أحسن منه أن يقال: هو صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم، وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) قال محمد من آل إبراهيم. فكأنه أمرنا أن نصلي على محمد وعلى آل محمد خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عموما فيحصل لآله ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له، وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم قطعا، ويظهر حينئذ فائدة التشبيه، وأن المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ. ولسيدي مجد الدين الشيرازي عن بعض أهل الكشف: أي اجعل من أتباعه من يبلغ النهاية في أمر الدين كالعلماء بشرعه بتقريرهم أمر الشريعة كما صليت على إبراهيم بأن جعلت في أتباعه أنبياء يقررون الشريعة، والمراد بقوله، وعلى آل محمد اجعل من أتباعه ناسا محدثين بالفتح يخبرون بالمغيبات كما صليت على آل إبراهيم بأن جعلت فيهم أنبياء يخبرون بالمغيبات، والمطلوب حصول صفات الأنبياء لآل محمد وهم أتباعه في الدين كما كانت حاصلة بسؤال إبراهيم أهـ ص 127. (وللإمام البوصيري نفعنا الله بحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أبان مولده عن طيب عنصره ... يا طيب مبتدأ منه ومختتم جاءت لدعوته الأشجار ساجدة ... تمشي إليه على ساق بلا قدم ما سامني الدهر ضيما واستجرت به ... إلا ونلت جواراً منه لم يضم =

بعد الأكل. وفي كتاب القضاء: ما يقوله من خاف ظالماً. وفي كتاب الأدب: ما يقول من ركب دابته، ومن عثرت به دابته، ومن نزل منزلا، ودعا المرء لأخيه بظهر الغيب. وفي كتاب الجنائز: الدعاء بالعافية، وما يقوله من رأى مبتلى، وما يقوله من آلمه شيء من جسده، وما يدعي به للمريض، وما يدعو به المريض، وما يقول من مات له ميت. وفي كتاب صفة الجنة والنار: سؤال الجنة والاستعاذة من النار، من الله نسأل التيسير والإعانة. ¬

_ = ولا التمست غني الدارين من يده ... إلا استلمت الندى من خير مستلم كم أبرأت وصبا باللمس راحته ... وأطلقت أربا من ربقة اللمم وأحيت السنة الشهباء دعوته ... حتى حكت غرة في الأعصر الدهم بشرى لنا معشر الاسلام إن لنا ... من العناية ركنا غير منهدم لما دعا الله داعينا لطاعته ... بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم ومن تكن برسول الله نصرته ... إن تلقه الأسد في آجامها تجم ولن ترى من ولي غير منتصر ... به ولا من عدو غير منفصم أحل أمته في حرز ملته ... كالليث حل مع الأشبال في أجم كفاك بالعلم في الأمي معجزة ... في الجاهلية والتأديب في اليتم ان آت ذنبا فما عهدي بمنتقض ... من النبي ولا حبل بمنصرم فإن لي ذمة منه بتسميتي ... محمدا وهو أوفى الخلق بالذمم إن لم يكن في معادي آخذا بيدي ... فضلا وإلا فقل يا زلة القدم حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه ... أو يرجع الجار عنه غير محترم ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه ... وجدته لخلاصي خير مغتزم ولن يفوت الغني منه يدا تربت ... إن الحيا يثبت الأزهار في الأكم يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم ولن يضيق رسول الله جاهك بي ... إذا الكريم تحل باسم منتقم فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك اللوح والقلم يا رب واجعل رجائي غير منعكس ... لديك واجعل حسابي غير منخرم والطف بعبدك في الدارين إن له ... صبرا متى تدعه الأهوال ينهزم وأذن لسحب صلاة منك دائمة ... على النبي الأهوال ومنسجم اللهم صلى عليه وعلى آله وأصحابه، فهو بشارة الخير ومصدر الإحسان والهداية. قال تعالى: آمرا له (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) 188 من سورة الأعراف. رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد مرسل لإنذار الناس، وهدايتهم فجدير بالصلاة والسلام عليه رجاء الانتفاع به صلى الله عليه وسلم وبالعمل بشريعته (لو كنت أعلم الغيب) أي لو كنت أعلمه لخالفت حالي ما هي علمه من استكثار المنافع واجتناب المضار حتى لا يمسني السوء (يؤمنون) يصدقون وينتفعون بالذي جئت به.

كتاب البيوع وغيرها

كتاب البيوع وغيرها الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره 1 - وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أكل (¬1) أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً (¬2) من أن يأكل من عمل يده (¬3)، وإنَّ نبي الله ¬

(¬1) لم يأكل أحد من بني آدم أكلا أفضل عند الله من أكل اكتسبه من كد يمينه وعرق جبينه وسعيه إلى جلبه من وجوه الحلال. (¬2) خيرا صفة لطعام، وفي رواية الإسماعيل خير بالرفع، وهو جائز صفة لأحد، والمراد بالخيرية كما في الفتح ما يستلزم العمل باليد من الغني عن الناس. (¬3) وفي رواية (ما كسب الرجل أطيب من عمل يديه) رواه ابن ماجه من طريق عمر بن سعد عن خالد بن معدان، وفي فوائد هشام بن عمار عن بقية حدثني عمر بن سعد وزاد (من بات كالا من عمله بات مغفوراً له). وفي الحديث فضل العمل باليد، وتقديم ما يباشره الشخص بنفسه على ما يباشر بغيره، والحكمة في تخصيص داود بالذكر أن اقتصاره في أكله على ما يعمله لم يكن من الحاجة لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل، ولهذا أورد النبي صلى الله عليه وسلم قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد، وهذا بعد تقرير أن شرع من قبلنا شرع لنا، ولا سيما إذا ورد في شرعنا مدحه، وتحسينه مع عموم قوله تعالى: (فبداهم اقتده) وفي الحديث أن التكسب لا يقدح في التوكل، وأن ذكر الشيء بدليله أوقع في نفس سامعه أهـ ص 213 جـ 4: فتح. وأورد البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت لما استخلف أبو بكر الصديقي، قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، وأحترف للمسلمين فيه. قال ابن الأثير: أراد باحترافه للمسلمين نظره في أمورهم، وتمييز مكاسبهم وأرزاقهم، وكذا قال البيضاوي: المعنى أكتسب للمسلمين في أموالهم بالسعي في مصالحهم، ونظر أحوالهم. وقال المهلب: أحترف لهم: أي أتجر لهم في ما لهم حتى يعود عليهم من ربحه بقدر ما آكل أو أكثر، وليس بواجب على الإمام أن يتجر في مال المسلمين بقدر مؤنته إلا أن يطوع بذلك كما تطوع أبر بكر أهـ. رضي الله عنه، خرج تاجراً إلى بصري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون كان يشغلهم الصفق بالأسواق. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم، فكان يكون لهم أرواح، فقيل لهم لو اغتسلتم أي خدام أنفسهم، وكانوا يروحون إلى الجمعة فأمروا بالاغتسال. وأرواح جمع ريح، وأصله روح، كانوا يعملون فيعرقون، ويحضرون فتفوح تلك الروائح منهم، يعني لو اغتسلتم لذهب عنكم تلك الروائح الكريهة، وفيه ما كان عليه الصحابة من اختيارهم الكسب بأيديهم، وما كانوا عليه من التواضع أهـ. ووقع في المستدرك بسند واه، كان داود زراداً، وكان آدم حراثا، وكان نوح نجاراً، وكان إدريس خياطا، وكان موسى راعياً، وفي العيني. وقال أبو الزهراوية: كان داود عليه السلام يعمل القفاف ويأكل منها. قلت كان يعمل الدروع بنص القرآن. وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يأكل من سعيه الذي بعثه الله عليه في القتال، وكان يعمل طعامه بيده ليأكل من عمل يده. قيل لعائشة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في أهله؟ قالت كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة أهـ ص 187 جـ 11.

داود عليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري وغيره، وابن ماجه ولفظه قال: ما كسب الرَّجل كسبا أطيب (¬1) من عمل يده، وما أنفق الرَّجل على نفسهِ وأهله وولدهِ وخادمهِ فهو صدقة. 2 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يختطب أحدكمْ حزمةً على ظهره خير له من أي يسأل أحداً فيعطيه، أوْ يمنعهُ. رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 3 - وعن الزبير بن العوَّام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يأخذ أحدكمْ (¬2) أحْبُلَهُ (¬3)، فيأتي بحزمةٍ من حطب على ظهره فيبيعها فيكفَّ (¬4) الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أمْ منعوا. رواه البخاري. 4 - وعنْ أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى حلسٌ (¬5) نلبس بعضه، ونبسط بعضه وقعب (¬6) نشرب فيه من الماء، قال: ائتني بهما، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: من يشتري هاذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهمٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يزيد على درهمٍ مرَّتين، أو ثلاثاً؟ قال رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما ¬

(¬1) لم يوجد كسب أفضل من كد يده كما قال صلى الله عليه وسلم. أ - (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه) رواه النسائي. ب - (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم) رواه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب. وقال الماوردي: أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصناعة، وأيها أطيب؟ فيه ثلاثة مذاهب للناس وأشبهها مذهب الشافعي أن التجارة أطيب، والأشبه عندي أن الزراعة أطيب لأنها أقرب إلى التوكل. قال النووي: وحديث البخاري صريح في ترجيح الزراعة والصنعة لكونهما عمل يده لكن الزراعة أفضلهما لعموم النفع بها للآدي وغيره، وعموم الحاجة إليها أهـ عيني ص 186 جـ 11. (¬2) والله لأن يذهب أحدكم فيجمع عيدان الوقود فيبيعها بشيء يقيه ذل السؤال أفضل عند الله من الشحاذة والدناءة والحاجة. (¬3) جمع حبل مثل فلس وأفلس. قال ابن المنذر، إنما فضل عمل اليد على سائر المكاسب إذا نصح العامل قال صلى الله عليه وسلم: (خير الكسب تيد العامل إذا نصح). (¬4) فيمنع السؤال، ويبعد الفقر: ويلزم القناعة ويتحرى المروءة والهمة. (¬5) كساء يلي ظهر البعير تحت القتب شبهها به للزومها ودوامها، ومنه حديث أبي بكر رضي الله عنه (كن حلس بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية) أهـ. (¬6) إناء فخار.

إيَّاه، فأخذ الدِّرْهمين فأعطاهما الأنصاريَّ، وقال أشترِ بأحدهما طعاماً فنبذه (¬1) إلى أهلك، واشتر بالآخر قدماً (¬2) فائتني به، فأتاه به فشدَّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيدهِ، ثمَّ قال: اذهبْ فاحتطبْ وبعْ، ولا أرينَّك خمسة عشر (¬3) يوماً ففعل فجاء، وقد أصاب (¬4) عشرة دراهم، فاشتري ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً، فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة (¬5) في وجهك يوم القيامة، الحديث. رواه أبو داود واللفظ له والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن، وتقدم بتمامه في المسألة. 5 - وعن سعيد بن عميرٍ عن عمَّه رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الكسْبِ أطيب (¬6)؟ قال: عمل الرَّجل بيده، وكلُّ كسبٍ مبرورٍ. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. قال ابن معين: عمّ سعيد هو البراء. ورواه البيهقي عن سعيد ابن عمير مرسلاً، وقال: هذا هو المحفوظ، وأخطأ من قال عن عمه. 6 - وعنْ جميع بن عميرٍ عن خاله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنْ أفضل الكسب؟ فقال: بيع مبرورٌ (¬7)، وعمل الرَّجل بيدهِ. رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير باختصار، وقال: عن خالد أبي بردة بن نيار، وروي البيهقي عن محمد ابن عبد الله بن نمير، وذكر له هذا الحديث، فقال: إنما هو عن سعيد بن عمير. 7 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الكسب أفضل؟ قال: عمل الرجل بيده، وكلُّ بيعٍ مبرورٍ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورواته ثقات. ¬

(¬1) فقدمه إلى أولادك. (¬2) آلة نجارة. (¬3) أي انتظر مدة، واقنع، واكدح، واصنع لتربح. (¬4) ربح. (¬5) أي أثرا قليلا كالنقطة شبه الوسخ في المرآة والسيف ونحوهما أهـ نهاية. فأنت ترى رجلا أنصاريا سائلا خير الخلق وأجودهم، صلى الله عليه وسلم فيربيه على الاعتماد على النفس، وعلو الهمة، والسعي وراء رزقه بكده، والاقتصاد فباع رداء كان عنده فأطعمه أهله بجزء من ثمنه، والآخر اشترى به عدة النجارة فما رزقه ورغد عيشه، ثم علمه الحكمة في قوة العزيمة وشرف النفس، وإن الشحاذ يغبر وجهه ويسود وتنقش عليه علامات الكآبة، وذل السؤال. (¬6) أفضل وأحل وأقرب إلى الله وأكثر ثوابا. وفيه ذم البطالة، والدعوة إلى العمل بنشاط بلا فتور. (¬7) تجارة يتحرى فيها صاحبها وجوه الحلال.

8 - وعن رافع بن خديجٍ رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله: أيُّ الكسبِ أطيب؟ قال: عمل الرَّجل بيده، وكلُّ بيعٍ مبرورٍ. رواه أحمد والبزار، ورجال إسناده رجال الصحيح خلا المسعودي فإنه اختلط، واختلف في الاحتجاج به، ولا بأس به في المتابعات. 9 - وعنْ كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلدهِ (¬1) ونشاطهِ، فقالوا: يا رسول الله: لوْ كان هذا في سبيل الله (¬2)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على ولدهِ (¬3) صغاراً فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على أبوينِ شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على نفسه يعفُّها فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى رباء ومفاخرةً فهو في سبيل الشيطان. رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. 10 - وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحبُّ المؤمن المحترف (¬4). رواه الطبراني في الكبير والبيهقي. 11 - وروي عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أمسى كالاًّ (¬5) من عمل يدهِ، أمْسى مغفوراً له. رواه الطبراني في الأوسط ¬

(¬1) رأوا قوته. (¬2) في الحرب لنصر دين الله. (¬3) يكسب لينفق على ذريته ويطعم أهله، بين صلى الله عليه وسلم أن المجد لكسب رزقه وجلب قوته وقوت أهله عمل صالحا، وجاهد في طاعة الله، واكتسب ثوابا جليلا وعده كالدفاع في سبيل نصر دين الله، وكذا الإنفاق على الوالدين وجلب برها وإطاعتهما والإحسان إليهما، وكذا لينفق على نفسه، ويغتني عن الناس ويبعد عن سؤالهم ويتعفف، كل ذلك يضاعف الثواب، ويجعله في صفوف المجاهدين الذابين عن الدين، ثم بين صلى الله عليه وسلم سعى رجل للعز، والأبهة، والافتخار، والسمعة، والصيت، وهكذا من أعمال السفهاء الأدنباء المغرورين أتباع الشياطين فلا ثواب له في كده ولا أجر له في عمله لأنه لا يريد وجد الله تعالى. قال الله تعالى: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا 18 ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً) 19 من سورة الإسراء، هذه الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين ويغزون معهم، ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها (مدحورا) مطروداً من رحمة الله تعالى (مشكورا) مقبولا عند الله تعالى. (¬4) له مهنة وعمل. (¬5) تعبا عانيا. والمعنى جاءه الليل فأضناه شغله الكثير فعفا الله عنه لكده نهارا (أمسى) دخل في المساء (كالا) متعبا من كل السيف: لم يقطع. يبين لك النبي صلى الله عليه وسلم إعزاز النفس وحفظها من الامتهان ويمقت البطالة والتواكل والاستجداء =

والأصبهاني من حديث ابن عباس، وتقدم من هذا الباب غير ما حديث في المسألة أغنى عن إعادتها هنا. ¬

_ = ويحث على العمل، وكسب الرزق من الطرق المشروعة، ولو أدت إلى اقتحام المخاطر وركوب متن الأهوال، وأن الشحاذة مضرة تورث المذلة والاستكانة، وتسقط المروءة، وتدعو إلى ارتكاب الجرائم، والوقوع في مخالب الفقر، وحبائل الأشرار، ومدعاة إلى فساد الأخلاق، والعمل مفضل على نافلة الصلاة والصوم، وهو فضيلة، والفراغ رذيلة. إن الشباب والفراغ والجده ... مفسدة للمرء أي مفسده وقد كان صلى الله عليه وسلم يشتغل بالتجارة قبل بعثته، ويعيش عن ربحها، وكذلك الصحابة وعظام المسلمين بعده، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني لأرى للرجل فيعجبني. فأقول: أَّله حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني. وقال بعض الصالحين: ليست العبادة عندنا أن تصف قدميك، وغيرك يقوت لك، ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد، ومدح رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة الصلاة والصوم. فقال: من كان يمونه ويقوم به؟ قالوا كلنا. قال: كلكم أعبد منه. (ما يريده النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب) أولاً: الحث على العمل والأكل من ثمرته. ثانياً: الأسوة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام في اختيار العمل وإيجاد حرفة. ثالثاً: عدم البطالة، وذم الرجل الخالي من العمل. رابعاً: الثواب الكثير لمن سعى في الأرض يبتغي الإنفاق على أهله وأقاربه. خامساً: ذم الشحاذة والتنفير من السؤال. سادساً: فتح أبواب التجارة أو الصناعة، والضرب في الزراعة (واشتر بالآخر قدوماً). سابعاً: اغبرار وجوه السائلين الأدنياء، وذهاب الحياء والأدب منهم. ثامناً: السعي في طلب الرزق كالجهاد في سبيل الله تعالى. تاسعاً: الشراهة في الدنيا والكد فيها بلا قناعة مع البخل، والشح يبعد عن الله تعالى ويقرب إلى الشيطان الخناس. عاشراً: يرضي الله عن صاحب العمل المختار مهنة. الحادي عشر: التعب في العمل يكفر الذنوب، ويمحو الخطايا، ويجلب غفران الله تعالى وإحسانه (من أمسى كالا) في اكتسابه لنفسه وعياله من حلال. (الآيات الواردة في طلب السعي للرزق) أولاً: قال الله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) والنبي صلى الله عليه وسلم بعث والناس يتعاملون بالبيع فأقرهم عليه، والإجماع منعقد على شرعيته، والبيع مبادلة المال بالمال على سبيل التراضي. وركنه الإيجاب والقبول. وشرطة أهلية المتعاقدين. ومحله المال. وحكمه ثبوت الملك للمشتري في المبيع. وللبائع في الثمن إذا كان تاما، وعند الإجازة إذا كان موقوفا، وحكمته: أ - اتساع أمور المعاش والبقاء. ب - إطفاء نار المنازعات، والنهب، والسرق، والخيانات، والحيل المكروهة. جـ - بقاء نظام المعاش، وبقاء العالم لأن المحتاج يميل إلى ما بيد غيره فبغير المعاملة يفضي إلى التقاتل والتنازع وفناء العالم واختلال نظام المعاش، وغير ذلك أهـ. عيني ص 159 جـ 11. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ثانياً: وقال تعالى (إلا أن تكون تجارة في تراض منكم) 29 سورة النساء وهذه قطعة من آية المداينة وهي أطول آية في القرآن، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) قال الثعالبي: أي لكن إذا كان تجارة، وهو استثناء منقطع: أي إلا التجارة، فإنها ليست بباطل إذا كان البيع بالحاضر يداً بيد فلا بأس بعدم الكتابة لانتفام المحذور في تركها. ثالثاً: وقال تعالى (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون 10 وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوا قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) 11 من سورة الجمعة. في العيني (قضيت) أديت، أو فرغ منها (فانتشروا) للتجارة، والتصرف في حوائجكم (من فضل الله) أي الرزق، ثم أطلق لهم ما حظر عليهم بعد قضاء الصلاة من الانتشار، وابتغاء الربح مع التوصية بإكثار الذكر، وأن لا يلهيهم شيء من التجارة ولا غيرها عنه. والأمر فيهما للإباحة والتخيير أهـ ص 160 جـ 11. من جابر بن عبد الله قال: (أقبلت عير ونحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة فانفض الناس إليها فما بقي غير اثني عشر رجلا، وأنا فيهم فنزلت). اللهو. الطبل والتصفيق (قائما) أي على المنبر. سبحان موجد الأرزاق فإياه فاسألوا، ومنه فاطلبوا، وعليه فتوكلوا. رابعاً: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) 29 من سورة النساء. (بالباطل) أي بغير حق، وقام الإجماع على أن التصرف في المال بالحرام باطل حرام سواء: أكان أكلا، أو بيعا، أو هبة، أو غير ذلك، والباطل اسم جامع لكل مالا يحل في الشرع كالربا، والغصب، والسرقة، والخيانة، وكل محرم ورد الشرع به (من تراض منكم) أي يرضى كل واحد منكم بما في يده، وقال أكثر المفسرين: هو أن يخبر كل واحد من البائعين صاحبه بعد العقد عن تراض، والخيار بعد الصفقة، ولا يحل لمسلم أن يغش مسلماً. وقد ذكر البخاري هذه الآيات في إباحة التجارة إلا قوله: وإذا رأوا تجارة. فإنه عتب عليها ولو خلت من العارض الراجح (تركوك قائما) لم يدخل في العتب. قال العيني: وقد أباح الله التجارة في كتابه، وأمر الابتغاء من فضله، وكان أفاضل الصحابة رضي الله عنهم يتجرون ويحترفون في طلب المعاش، وقد نهى العلماء والحكماء عن أن يكون الرجل لا حرفة له ولا صناعة خشية أن يحتاج إلى الناس فيذل لهم. وقد روي عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه: يا بني خذ من الدنيا بلاغك، وأنفق من كسبك لآخرتك، ولا ترفض الدنيا كل الرفض فتكون عيالا، وعلى أعناق الرجال كلالا. أهـ ص 161 جـ 11. ثم نهى سبحانه وتعالى عن قتل النفس، وبخعها كما تفعله جهلة الهند، أو بإلقاء النفس إلى التهلكة أو باقتراف ما يذلها، ويرديها، ويوقعها في مخالف الفقر المدقع. قال البيضاوي فانه القتل الحقيقي للنفس، وقيل المراد بالأنفس ما كان من أهل دينهم، فإن المؤمنين كنفس واحدة، جمع في التوصية بين حفظ النفس والمال الذي هو شقيقها من حيث إنه سبب قوامها استبقاء لهم ريثما تستكمل النفوس وتستوفي فضائلها رأفة بهم ورحمة كما أشار إليه بقوله تعالى (إن الله كان بكم رحيما 29 ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه ناراً، وكان ذلك على الله يسيراً) 30 من سورة النساء (ذلك) إشارة إلى القتل أو ما سبق من المحرمات (عدوانا) إفراطا في التجاوز عن الحق وتعديا على الغير، وظلم النفس تعريضها لعقاب الله جل وعلا (يسيراً) سهلا لا عسر فيه ولا صارف عنه. خامساً: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال 36 رجالا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة) 37 من سورة النور، وفي حديث البخاري. وقال قتادة: كان القوم يتابعون ويتجرون ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = إلى الله. قال العيني: أراد بالقوم الصحابة، فإنهم كانوا إذا كانوا في بيعهم وشرائهم إذا سمعوا إقامة الصلاة يتبادرون إليها لأداء حقوق الله، ويؤيد هذا ما أخرجه عبد الرزاق من كلام ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت فذكر الآية، وقال ابن بطال: ورأيت في تفسير الآية قال كانوا حدادين وخرازين، فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الأشفى فسمع الأذان لم يخرج الأشفي من الغرزة، ولم يوقع المطرقة ورمي بها وقام إلى الصلاة، وفي الآية نعت تجار الأمة السالفة، وما كانوا عليه من مراعاة حقوق الله والمحافظة عليها والتزام ذكر الله في حال تجاراتهم وصبرهم على أداء الفرائض وإقامتها وخوفهم سوء الحساب والسؤال يوم القيامة، قيل التجارة في السفر والبيع في الحضر، وقيل التجارة الشراء، وأيضا البيع في الإلهاء أدخل لكثرته بالنسبة إلى التجارة أهـ ص 174 جـ 11. سادساً: (وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله) 12 من سورة فاطر. ومن سورة النحل (وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) 14 أي من سعة رزقه بركوبها للتجارة وتعرفون نعم الله تعالى فتقومون بحقها، وفي البخاري (باب التجارة في البحر) وقال مطر: لا بأس به. قال العيني: أي أن الآية سيقت في موضع الامتنان، واستدل به - مطر بن طهمان أبو رجاء الخراساني سكن بالبصرة - على الإباحة وهو استدلال حسن لأنه تعالى جعل البحر لعباده لابتغاء فضله من نعمه التي عددها لهم وأراهم في ذلك عظيم قدرته وسخر الرياح باختلافها لحملهم وترددهم أهـ ص 178 جـ 11. سابعاً: قال تعالى: (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) 267 من سورة البقرة أي من حالات كسبكم، وعن مجاهد المراد بها التجارة. (الحكماء والشعراء يطلبون العمل ويمقتون الكسل) للبارودي: سواي بتحنان الأغاريد يطرب ... وغيري باللذات يلهو ويلعب وما أنا ممن أسر الخمر لبه ... ويملك سمعيه اليراع المثقب ولكن أخوهم إذا ما ترجحت ... به سورة نحو العلا راح يدأب إذا أنا لم أعط المكارم حقها ... فلا عزني خال ولا ضمني أب ومن تكن العلياء همة نفسه ... فكل الذي يلقاه فيها محبب ولبشار بن برد: وخل الهويني للضعيف ولا تكن ... نئوما فإن الحر ليس بنائم وإنك لا تستطرد الهم بالمنى ... ولا تبلغ العليا بغير المكارم وللإمام الشافعي رضي الله عنه: سافر تجد عوضا عمن تفارقه ... وانصب فإن لذيذ العيش في النصب ولأبي العلاء: ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل ... عفاف وإقدام وحزم ونائل ولعبيد بن الأبرص: إذا أنت طالبت الرجال نوالهم ... فعف ولا تطلب بجهد فتنكد عسى سائل ذو حاجة إن منعته ... من اليوم سؤلا أن يسرك في غد ولا تقعدن عن سعي ما ورثته ... وما اسطعت من خير لنفسك فازدد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ولتقي الدين أبي بكر الحموي: وموجب الصداقة المساعده ... ومقتضى المودة المعاضده والحزم والتدبير روح العزم ... لا خير في عزم بغير حزم والحزم كل الحزم في المطاوله ... والصبر لا في سرعة المزاوله وفي الخطوب تظهر الجواهر ... ما غلب الأيام إلا الصابر لا تيأسن من فرج ولطف ... وقوة تظهر بعد ضعف فربما جاءك بعد الياس ... روح بلا كد ولا التماس ينال بالرفق والتأني ... ما لم ينل بالحرص والتعني ما أحسن الثبات والتجلدا ... وأقبح الحيرة والتبلدا ليس الفتى إلا الذي طرقه ... خطب تلقاه بصبر وثقه ولصلاح الدين الصفدي: الجد في الجد والحرمان في الكسل ... فانصب تصب عن قريب غاية الأمل واصبر على كل ما يأتي الزمان به ... صبر الحسام بكف الدارع البطل إن الفتى من بماضي الحزم متصف ... وما تعود نقص القول والعمل ولا يقيم بأرض طالب مسكنها ... حتى يقد أديم السهل والجبل ولا يضيع ساعات الزمان فلن ... يعود ما فات في أيامه الأول ولا يصد عن التقوى بصيرته ... لأنها للمعالي أوضح السبل فمن تكن حلة التقوى ملابسه ... لم يخش في دهره يوما من العطل ولحسام الدين الواعظي: من ضيع الحزم في أفعاله ندما ... وظل مكتئبا والقلب قد سئما ما المرء إلا الذي طابت فضائله ... والدين زين يزين العاقل الفهما والعلم أنفس شيء أنت ذاخره ... فلا تكن جاهلا تستورث الندما وصد نفسك عن لهو ومن مرح ... وإن حضرت مقاما كنت فيه سما ولعبد القيس بن خفاف البرجمي: واستأن تظفر في أمورك كلها ... وإذا عزمت على الهدى فتوكل واستغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل وإذا افتقرت فلا تكن متخشعا ... ترجو الفواضل عند غير المفضل وإذا هممت بأمر سوء فاتئد ... وإذا هممت بأمر خير فاعجل ولمهذب الدين: وإذا الكريم رأى الخمول نزيله ... في منزله فالحزم أن يترحلا كالبدر لما أن تضاءل جد في ... طلب الكمال فحازه متنقلا سفها لحلمك إن رضيت بمشرب ... رنق ورزق الله قد ملأ الملا لا تحسبن ذهاب نفسك ميتة ... ما الموت إلا أن تعيش مذللا

الترغيب في البكور في طلب الرزق وغيره، وما جاء في نوم الصبحة

الترغيب في البكور في طلب الرزق وغيره وما جاء في نوم الصبحة 1 - عنْ صخر بن وداعة الغامديِّ الصحابي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهمَّ بارك لأمتي في بكورها (¬1)، وكان إذا بعث سريَّةً (¬2)، أو جيشاً بعثهمْ منْ أوَّل النهار، وكان صخرٌ تاجراً فكان يبعث تجارته من أوَّل النَّهار فأثرى (¬3) وكثر ماله. رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن، ولا يعرف لصخر الغامدي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث. [قال المملي] عبد العظيم: رووه كلهم عن عمارة بن حديد عن صخر، وعمارة بن حديد بجليٌّ، سئل عنه أبو حاتم الرازي، فقال: مجهول وسئل عنه أبو زرعة، فقال لا يعرف، وقال أبو عمر النمري: صخر بن وداعة الغامدي، وغامد في الأزد، سكن الطائف، وهو معدود في أهل الحجاز، روي عنه عمارة بن حديد، وهو مجهول لم يرو عنه غير يعلي الطائفي، ولا أعرف لصخر غير حديث: بورك لأمَّتي في بكورها، وهو لفظ رواه جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى كلامه. [قال المملي] رحمه الله، وهو كما قال أبو عمر: قد رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم. منهم: عليّ، وابن عباس، وابن مسعود، وابن عمر، وأبو هريرة، وأنس ابن مالك، وعبد الله بن سلام، والنواس بن سمعان، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد الله وبعض أسانيده جيد، ونبيط بن شريط، وزاد في حديثه: يوم خميسها، وبريدة، وأوس ابن عبد الله، وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وفي كثير من أسانيدها مقال، وبعضها حسن، وقد جمعتها في جزء، وبسطت الكلام عليها. 2 - وروي عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) التبكير واليقظة وانتهاز فرصة أول الوقت. (¬2) طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو جمعها السرايا وسموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية. (¬3) كثر ثراؤه وغناه.

باكروا (¬1) الغدوَّ في طلب الرِّزق، فإنَّ الغدوَّ (¬2) بركة ونجاحٌ. رواه البزار والطبراني في الأوسط. 3 - وروي عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نوم (¬3) الصبحة يمنع الرزق. رواه أحمد والبيهقي وغيرها، وأوردها ابن عديّ في الكامل وهو ظاهر النكارة. 4 - وروي عن فاطمة بنت محمدٍ صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها قالتْ: مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجعة متصبِّحة (¬4) فحرَّكني برجله، ثمَّ قال: يا بنيَّة قومي اشهدي (¬5) رزق ربك، ولا تكوني من الغافلين، فإن الله عزَّ وجلَّ ¬

(¬1) باكروا الغدو في طلب الرزق، فإن الغدو بركة ونجاح. هكذا في ن ط، وفي د ع ص 560: باكروا في طلب الرزق. (¬2) سير أول النهار، نقيض الرواح، والغدوة المرة منه، وقد غدا يغدو غدوا. والغدوة: ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس. معناه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام صباحاً رجاء السعي للرزق. فإن التبكير يجلب الخير ويكثر الربح، ويزيد في إنجاز الأعمال، وفي إتمامها. وفيه الحث على اليقظة صبحاً والتبكير إلى الأعمال. (¬3) الغفلة وقت الصبح تؤخر الكسب وتعطل السير في العمل وتدعو إلى الكسل والفتور، وتضيع فرصة التقدم والاتفاق على بدء العمل والسير فيه. (¬4) دخلت في وقت الصبح، وفي ن د: مصبحة. (¬5) احضري توزيع الأرزاق وأنت يقظة مجدة عاملة مستعدة للعمل ذاكرة الله سبحانه وتعالى. (النبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على اليقظة في الفجر والتبكير في العمل) أولاً: دعا صلى الله عليه وسلم لكل رجل موفق تنسم نسيم الصبح وبكر في عمله (اللهم بارك). ثانياً: كل عمل ابتدئ به أتقن وتم، وتقدم وراج وانتشر، وصاحبه يسعد (فأثرى). ثالثاً: أخبر صلى الله عليه وسلم أن التبكير في كل شيء يعقبه الفوز والفلاح وكثرة الربح وتقدم العمل (الغدو بركة) ويفسر بأول النهار مثل البكرة، يقال: بكر فلان بكورا. وبكر، وابتكر، وباكر مباكرة وتصور منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر أوقات النهار فقيل لكل متعجل في الأمر بكر. قال الشاعر: بكرت تلومك بعد وهن في الندى ... بل عليك ملامتي وعتابي رابعاً: لقد ضرب الله الغفلة على من تأخر في النوم حتى أشرقت الشمس، وجمد فكره، وخمدت قريحته، وضل تدبيره، وتأخر عمله، وحرم من نسيم الصبح العليل البليل ومن سعة الرزق وبسطته (نوم الصبحة). خامساً: لقد أيقظ صلى الله عليه وسلم ابنته ليعلم أمته اليقظة في البكور، والانتباه في الصبح، واستقبال اليوم من أوله بثغر باسم، وصدر منشرح، وعزيمة قوية، ونفس فتية ندية سخية، وثابة (اشهدي رزق ربك). سادساً: حذر صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتأخروا في القيام من النوم ونهى، وكل هذا ليعود المسلمين العمل، كما قال المأمون: الناس أربعة: إمارة، وتجارة، وصناعة، وزراعة، فمن لم يكن منهم صار عيالا عليهم.

الترغيب في ذكر الله تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة

يقسم أرزاق النَّاس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشَّمس. رواه البيهقي. 5 - ورواه أيضا عن عليٍّ رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة بعد أن صلَّى الصُّبح، وهي نائمة فذكره بمعناه. 6 - وروي ابن ماجه من حديث علي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النَّوم قبل طلوع الشمس. (الترغيب في ذكر الله تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة) 1 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دخل السوق (¬1) فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيى ويميت وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ. كتب الله له ألف ألف حسنةٍ، ومحاعنه ألف ألف سيئةٍ ورفع له ألف ألف درجةٍ. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب. (قال المملي): وإسناده متصل حسن، ورواته ثقات أثبات، وفي أزهر بن سنان خلاف وقال ابن عديّ: أرجو أنه لا بأس به، وقال الترمذي في رواية له مكان: ورفع له ألف ألف درجةٍ، وبني (¬2) له بيتاً في الجنة. ورواه بهذا اللفظ ابن ماج، وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه كلهم من رواية عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده، ورواه الحاكم أيضا من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً أيضاً، وقال: صحيح الإسناد كذا قال، وفي إسناده مرزوق بن المرزبان يأتي الكلام عليه. 2 - وعنْ أبي قلابة رضي الله عنه قال: التقى رجلان في السُّوق، فقال أحدهما للآخر: تعالى (¬3) نستغفر الله في غفلة الناس ففعل فمات أحدهما، فلقيه الآخر في النوم ¬

(¬1) السوق: كل مكان للبيع والشراء. معناه الذي يذكر الله بهذه الصيغة ينال: أ - حسنات جمة. ب - تزال عنه الخطايا الكثيرة. جـ - ويقرب من منازل الصالحين ويصعد إلى العز والعلا درجات قدرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف ألف. (¬2) أنشأ الله له قصراً عظيماً فخماً. (¬3) أقبل نتذاكر خوف الله الآن ونتحد على طاعته، ونطلب منه المغفرة.

فقال: علمت أن الله غفر لنا عشية التقينا (¬1) في السوق. رواه ابن أبي الدنيا وغيره. 3 - وعن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلٍ: لا تزال مصليا قانتاً (¬2) ما ذكرت الله قائماً،، أو قاعداً، أو في سوقكَ، أوْ في ناديك (¬3). رواه البيهقي مرسلا، وفيه كلام. 4 - وعنْ مالكٍ رضي الله عنه قال: بلغني أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل (¬4) خلف الفارِّين، وذاكر الله في الغافلين كغصن أخضر في شجرٍ يابسٍ (¬5). وفي رواية: مثل الشجرة الخضراء في وسط الشجر اليابس، وذاكر الله في الغافلين مثل مصباح (¬6) في بيت مظلمٍ، وذاكر الله في الغافلين يريه الله مقعده من الجنَّة وهو حيٌّ (¬7)، وذاكر الله في الغافلين يغفر له بعدد كلِّ فصيحٍ وأعجم. (والفصيح) بنو آدم، والأعجم البهائم، ذكره رزين، ولم أره في شيء من نسخ الموطأ، إنما رواه البيهقي في الشعب عن عباد بن كثير، وفيه خلاف عن عبد الله بن دينار عن عبد الله ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بنحوه. ورواه أيضاً عن عباد بن كثير عن محمد بن جحادة عن سلمة بن كهيل عن ابن عمر، وزاد فيه: وذاكر الله في الغافلين ينظر الله إليه نظرةً لا يعذِّبه بعدها أبداً، وذاكر الله في السُّوق له بكلِّ شعرةٍ نورٌ يوم القيامة. قال البيهقي: هكذا وجدته ليس بين سلمة، وبين ابن عمر أحد، وهو منقطع الإسناد غير قويّ. 5 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ذاكرُ ¬

(¬1) تقابلنا كان هذا الاجتماع سبب غفران الذنوب. (¬2) خاشعاً طائعاً مدة ذكر الله في أي مكان، وعلى أي حالة. (¬3) مكان اجتماعك مع الناس. (¬4) كالمدافع المجاهد وراء الجبناء الفارين من القتال لشجاعته، يهاجمهم ويتعقبهم. (¬5) ذاكر الله تعالى يشبه الدوحة المثمرة الزاهرة، بمعنى أن الذاكر قلبه حي، وغيره أموات. (¬6) يعني أنه نور وهاج أضاء قلبه بذكر الله تعالى. (¬7) يبشره الله برحمة منه ورضوان، ونعيم مقيم ورؤيا مفرحة تدل على فوزه.

الترغيب في الاقتصاد في طلب الرزق والاجمال فيه، وما جاء في ذم الحرص وحب المال

الله في الغافلين بمنزلة الصابر (¬1) في الفارِّين. رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط بإسناد لا بأس به. 6 - وروي عن عصمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحبُّ العمل إلى الله عزَّ وجلَّ سبحة الحديث، وأبغض الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ التحريف فقلنا: يا رسول الله وما سبحة الحديث؟ قال: يكون القوم يتحدثون، والرَّجل يسبح (¬2) قلنا: يا رسول الله وما التحريف؟ قال: القوم يكونون بخيرٍ فيسألهم الجار والصاحب، فيقولون: نحن بشرٍ (¬3). رواه الطبراني. الترغيب في الاقتصاد في طلب الرزق والإجمال فيه وما جاء في ذمّ الحرص وحب المال 1 - عن عبد الله بن سرجسٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) الذي يحبس غيظه ويكتم ألمه حبا في سبيل الله تعالى. ويقف في ميدان الجهاد وحده. يذكر الله تعالى وسط أولئك الناسين الساهين الذين حرمهم الله نعمة ذكره، والتلذذ باسمه سبحانه، وأن هذا الذاكر له أجر المجاهد الشجاع، دون زملائه الفارين من القتال. (¬2) القوم في المجلس يشكرون اللغط واللهو، والرجل يذكر الله تعالى ولا يعتني بحديثهم. (¬3) الذين لم يحمدوا الله على ما أنعم وتفضل. بل يذكرون السخط وينكرون نعمة الله من صحة ورغد عيش وخيرات متصلة بهم، وفيه أن الإنسان لا يغفل عن ذكر الله لحظة، ويجتهد أن يسبحه ويحمده ويكبره، ويهجر لغو المجلس، وإذا سئل عن حاله يشكر لله فضائله، ويحمده ويثني عليه، ولا يضجر ولا يبطر، ولا ييأس. (صفات الصالحين المتحلين برضوان الله، والساعين لرزقهم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم) أولاً: يوحدون الله، ويسبحونه ويثنون عليه أول ابتداء عملهم في أسواقهم (لا إله إلا الله). ثانياً: يتعاون التقي مع أخيه على طاعة الله، وطلب المغفرة منه سبحانه وتعالى (نستغفر). ثالثاً: مثلهم مثل الغصن النضير، والنبراس المضيء لأن لسانهم رطب دائما بذكر الله وسط العصاة القساة الغافلين عن الله. رابعاً: لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة (يريه الله مقعده من الجنة). خامساً: يتصفون بالجلد في ذكر الله، والجهاد والاستقامة، وتذكير الغافلين طاعة الله وحبه (بمنزلة الصابر من الفارين). سادساً: أعمالهم مشمولة بحب الله تعالى لها وإحاطته، وعليهم مسحة السعادة والهداية (سبحة الحديث).

السَّمْتُ (¬1) الحسن، والتؤدة (¬2)، والاقتصاد (¬3) جزء من أربعةٍ وعشرين جزءا من النبوَّة. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، ورواه مالك وأبو داود بنحوه من حديث ابن عباس إلا أنهما قالا: من خمسة وعشرين. 2 - وعنْ جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تستبطئوا (¬4) الرِّزق، فإنه لم يكن عبدٌ ليموت حتى يبلغ آخر رزقٍ هو له فأجملوا (¬5) في الطَّلب: أخذ الحلال، وترك الحرام. رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 3 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس اتَّقوا الله، وأجملوا في الطلب، فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإنْ أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حلَّ ودعوا ما حرم. رواه ابن ماجه واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 4 - وعنْ أبي حميدٍ السعيدِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أجملوا في طلب الدنيا، فإنَّ كلا ميسَّر (¬6) لما خل رواه ابن ماجه واللفظ له، وأبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب، والحاكم إلا أنهما قالا: فإنَّ كلا ميسَّرٌ لما كتب له منها، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. 5 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس من عملٍ يقرِّب من الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عملٍ يقرِّب من النار إلا وقدْ نهيتكمْ عنه فلا يستبطئن أحد منكم رزقه، فإنَّ جبريل ألقى في روعي أنَّ أحداً منكمْ لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل (¬7) رزقه، فاتقوا الله أيُّها الناس: ¬

(¬1) زي الصالحين، وهيئة الخير كما في المصباح وحسن النحو والتخلق بالكمال. (¬2) التأني والتثبت. (¬3) الإنفاق بلا بخل أو تقتير. والمعنى هذه خصال الأنبياء. (¬4) ينهي النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يضجروا وبيأسوا فيقولوا: سعينا فتأخر رزقنا فكل شيء مقدر، ويسوق الله الأرزاق لأصحابها كما يريد جل وعلا. (¬5) فاقتصدوا وتحروا الحلال واجتنبوا الحرام. (¬6) مساق وذاهب وموجه سفينته إلى دفة المقدر له. (¬7) يستوفى.

وأجملوا في الطَّلب، فإن استبطأ أحدٌ منكمْ رزقه فلا يطلبه بمعصية الله، فإنَّ الله لا ينال فضله (¬1) بمعصيته. رواه الحاكم. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيُّها الناس: إن الغني ليس عن كثرة العرض، ولكنَّ الغني غنى النفس، وإن الله عزَّ وجلَّ يؤتي عبده ما كتب له من الرِّزق فأجملوا في الطَّلب، خذوا ما حلَّ ودعوا ما حرم. رواه أبو يعلي، وإسناده حسن إن شاء الله. 7 - وعنْ حذيفة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم فدعا الناس، فقال: هلمُّوا إليَّ فأقبلوا إليه فجلسوا، فقال: هذا رسول ربِّ العالمين جبريل صلى الله عليه وسلم نفث (¬2) في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فإنْ أبطأ (¬3) عليها فاتَّقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنَّكمُ استبطاء الرِّزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإنَّ الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته (¬4). رواه البزار، ورواته ثقات إلا قدامة بن زائدة ابن قدامة، فإن لا يحضرني فيه جرح، ولا تعديل. 8 - وعنْ أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرِّزق ليطلب (¬5) العبد كما يطلبه أجله (¬6). رواه ابن حبان في صحيحه والبزار، ورواه الطبراني بإسناد جيد إلا أنه قال: إنّ الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله. 9 - وروي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر يوم غزوة تبوك (¬7)، فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال: يا أيُّها الناس ¬

(¬1) رحمته ورزقه وكثرة خيراته. (¬2) ألقى وأوحى، من النفث بالفم، وهو شبيه بالنفخ، وهو أقل من التفل. لأن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق. أهـ نهاية. (¬3) تأخر. (¬4) التقرب إليه بالعبادة والطاعة. قال تعالى: أ - (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) 36 من سورة الأحزاب. ب - (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) 16 من سورة الجن. جـ - (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) 96 من سورة الأعراف. د - (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) 24 من سورة الأنفال. (¬5) يسعى إليه ويحصله. (¬6) الموت، والمعنى أن ما كتبه الله للإنسان من الخير لابد أن يناله، ويغدق عليه ويتمتع به. (¬7) بلد. =

إنِّي ما آمركمْ إلا بما أمركم الله، ولا أنهاكمْ إلا عمَّا نهاكم الله عنه فأجملوا (¬1) في الطلب، فوالذي نفس أبي القاسم بيده إن أحدكمْ ليطلبه رزقه كما يطلبه أجله، فإن تعسَّر عليكمْ شيء منه فاطلبوه بطاعة الله (¬2) عزَّ وجلَّ رواه الطبراني في الكبير. 10 - وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتلو هذه الآية: ومنْ يتقِ الله يجعلْ له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب. فجعل يردِّدها حتى نعسْتُ، فقال يا أبا ذرٍّ: لوْ أن الناس أخذوا بها لكفتهمْ. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 11 - وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو فرَّ (¬3) أحدكم من رزقه أدركه (¬4) كما يدركه الموت. رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد حسن. 12 - وروي عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعْجلنَّ إلى شيء تظنُّ أنك إن استعجلت إليه أنَّك مدركه إن كان لم يقدَّر لك ذلك، ولا تستأخرنَّ عن شيء تظنُّ أنك إن استأخرتْ عنه أنَّه مدفوعٌ عنك إن كان الله قدره عليك. رواه الطبراني في الكبير والأوسط. 13 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى تمرةً عابرةً (¬5) فأخذها فناولها (¬6) سائلا: فقال: أما إنَّك لوْ لمْ تأتها لأتتك. رواه الطبراني بإسناد جيد، وابن حبان في صحيحه والبيهقي. 14 - وعنْ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

= أمر صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتجهزوا لغزو الروم. فتأهب لها صلى الله عليه وسلم في زمن عسرة، وشدة من الحر وجدب في البلاد، وأنفق سيدنا عثمان عشرة آلاف دينار، وحمل على تسعمائة بعير ومائة فرس وجهز ركابا، وتصدق أبو بكر بجميع ماله فسار عليه الصلاة والسلام في جيش كبير حتى وصل تبوك، وهي آخر غزوة غزاها صلى الله عليه وسلم. (¬1) اقتصدوا في طلباتكم. (¬2) التجئوا إلى الله بالطاعة: التوبة، وبالصلاة النافلة وبالذكر والتسبيح، وبقراءة القرآن أو سماعه. (¬3) هرب. (¬4) لحقه. (¬5) غابرة: أي ساقطة ملقاة على الأرض قديمة. (¬6) فأعطاها فقيرا، وقال صلى الله عليه وسلم: هي تبحث عنك، ولا بد أن تصل إليك، فليطمئن الإنسان ويعمل ويكد، ورزقه يسعى إليه كما قدر.

ما خلق الله من صباحٍ يعلمُ ملكٌ من السماء، ولا في الأرض ما يصنع الله في ذلك اليوم، وإنَّ العبد له رزقه، فلو اجتمع عليه الثَّقلان الجنُّ والإنس أن يصدُّوا (¬1) عنه شيئاً من ذلك ما استطاعوا (¬2). رواه الطبراني بإسناد لين، ويشبه أن يكون موقوفاً. 15 - وعنْ حبَّة وسواءا بنيْ خالدٍ رضي الله عنهما أنَّهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعمل عملاً يبني بناءً، فلمَّا فرغ دعانا فقال: لا تنافسا في الرِّزق ما تهزهزتْ رءوسكما، فإنَّ الإنسان تلده أمُّه أحمر ليس عليه قشرٌ، ثمَّ يعطيه الله ويرزقه. رواه ابن حبان في صحيحه. 16 - وعن أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما طلعت شمس قطُّ إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين يا أيها الناس: هلمُّوا (¬3) إلى ربكم، فإنَّ ما قلَّ وكفى خيْرٌ مما كثر وألهى (¬4)، ولا آبتْ (¬5) شمس قطُّ إلا بعث بحنبتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: اللهمَّ أعط منفقاً خلقاً، وأعط ممسكاً تلفاً. رواه أحمد بإسناد صحيح واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وصححه. 17 - وعنْ سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير الذكر الخفيُّ، وخير الرِّزق ما يكفي (¬6). رواه أبو عوانة وابن حبان في صحيحهما. 18 - وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من انقطع (¬7) إلى الله عزَّ وجلَّ كفاه الله كلَّ مؤنةٍ ورزقه من حيث لا يحتسب، ¬

(¬1) يمنعوا. (¬2) لم يقدروا. (¬3) أقبلوا. 564 ع. (¬4) شغل عن طاعته. (¬5) بزغت. والمعنى وظيفة ملكين من ملائكة الرحمة يطلبان من العباد الاقبال على الله تعالى بأداء أوامره واجتناب مناهيه والتخلق بالكرم، والانفاق في مشروعات الخير، وإشادة المكارم الخالدة والصالحات الباقي ثوابها، ويدعو ان للمنفق بالعوض وزيادة الأجر، وعلى البخيل الشحيح بالخراب والدمار، ونزع البركة من أمواله. (¬6) ما يقوم بأداء الواجبات، ويمنع ذل السؤال، ويغني عن الناس. (¬7) تبتل إلى الله تعالى، واستقام وفوض أمره إليه جل وعلا، وتوكل عليه وعمل، مده الله بالنعم، ويسر عليه أرزاقه، وألهمه الصواب والحكمة، وساق له الربح.

ومن انقطع إلى الدنيا (¬1) وكله (¬2) الله إليها. رواه الشيخ في كتاب الثواب والبيهقي كلاهما من رواية الحسن عن عمران، وفي إسناده إبراهيم بن الأشعث خادم الفضل، وفيه كلام قريب. 19 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ كانت الدنيا همَّته (¬3) وسدمهُ، ولها شخصٌ (¬4)، وإيَّاها ينوي (¬5) جعل الله الفقر بين عينيه، وشتَّتَ عليه ضيعته، ولميأته منها إلا ما كتب (¬6) له منها، ومن كانت الآخرة همَّته (¬7) وسدمه، ولها شخصٌ (¬8) وإياها ينوي (¬9) جعل الله عز وجلَّ الغني في قلبه، وجمع عليه ضيعته، وأتته الدنيا وهي صاغرة (¬10). رواه البزار والطبراني واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، ورواه الترمذي أخصر من هذا، ويأتي لفظه في الفراغ للعبادة إن شاء الله. (سدمه) بفتح السين، والدال المهملتين: أي همه، وما يحرص عليه، ويلهج به. (وقوله شتت عليه ضيعته) بفتح الضاد المعجمة: أي فرق عليه حاله وصناعته، وما هو مهتمّ به، وشعبه عليه. 20 - وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف (¬11) فحمد الله، وذكره بما هو أهلهُ، ثمَّ قال: منْ كانت ¬

(¬1) مشى فيها بالشر هو اطمع، وقصر في حقوق الله عز شأنه وجشع. (¬2) تركه الله تعالى بلا مساعدة، وسلط عليه مشاغل الدنيا وهمومها، وملأ قلبه طمعا وجزعا، وفزعا وخوفا من الفقر المدقع فأشقى نفسه، وأتعب بدنه، ولم يشبع بحطامها. (¬3) طلبه ورجاءه. (¬4) وهو لها هدف تلعب به لخلو قلبه من الإيمان بالله، والثقة به، يجعل كل أغراضه من حياته البذخ والترف وجمع المال. (¬5) يقصد خدمة الدنيا، ولم يسع إلى الآخرة. (¬6) ما قدره سبحانه له. (¬7) يعمل الأعمال الصالحة ادخارا ليوم القيامة: يوم الجزاء. (¬8) الدار الآخرة مقصده ونهاية آماله. (¬9) يطلب طاعة الله رجاء الآخرة. (¬10) ذليلة حقيرة. (¬11) موجود بمني.

الدنيا همَّه (¬1) فرَّق الله (¬2) شمْله، وجعل فقره بين عينيه، ولمْ يؤتهِ من الدُّنيا إلا ما كتب له. رواه الطبراني. 21 - وروي عن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصبح وهمه الدُّنيا (¬3) فليس من الله في شيء، ومنْ لم يهْتمَّ (¬4) بالمسلمين فليس منهمْ (¬5)، ومنْ أعطى الذِّلَّة (¬6) من نفسه طائعاً غير مكرهٍ فليس منَّا. رواه الطبراني. 22 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم إذ قضى الأمر وهمْ في غفلةٍ الذِّلة (¬7) من نفسه طائعاً غير مكرهٍ فليس منَّا. رواه الطبراني. 23 - وروي عنْ أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعة من الشِّقاء (¬8) جمود العين (¬9)، وقسوة القلب (¬10)، وطول الأمل (¬11)، والحرصُ ¬

(¬1) غرضه في جمع المال وارتكاب الشهوات وفعل الموبقات، والتباهي بحطامها الفاني. (¬2) أي شتت ما اجتمع من أمرهم كما يقال: جمع الله شملهم: أي ما تفرق من أمرهم. والمعنى خادم الدنيا لذاتها الفانية وضيع ذليل مصاب بهواجس وأفكار تزيده جشعا، وتبعده عن القناعة والرضا بما قسم الله تعالى له، ومهما يسع فلن يأتي شيئاً إلا ما قدره له مولاه جل وعلا. (¬3) غرضه التمتع بملذاتها وجمع خيراتها. (¬4) يخدمهم، ويسع لقضاء حاجاتهم جهد طاقته، ويحن إليهم، ويعطف عليهم ويواسيهم. (¬5) خرج من زمرة المسلمين لأنه قاسى القلب جامد الفكر، جاحد نعمة الجاه، ولم ينفع المسلمين، والشجرة التي لا تظل قطعها أحسن، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول. (اشفعوا فلتؤجروا). (¬6) الطمع والشره، وسؤال الناس، وعرض نفسه للعذلة والإهانة. (¬7) يشير إلى قول الله تبارك وتعالى: (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون 39 إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) 40 من سورة مريم. أي يوم يتحسر الناس: المسيء على إساءته، والمحسن على قلة إحسانه (إذ قضي الأمر) فرع من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار. كذا د وع ص 565، وزاد في د: وهم لا يؤمنون: أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين في الدنيا. سبحانه الملك الباقي وحده يتوفى الأرض ومن عليها بالإفناء والإهلاك، والدوام لذي الجلال والإكرام. (¬8) الجالب الدمار والعذاب. (¬9) لا تبكي لتقصيرها في طاعة الله، بمعنى أن صاحبها عاص. (¬10) جامد القلب لا يخشى الله تبارك وتعالى. فيتبجح ويعصي ويرتكب المعاصي، وحوله النذير البشير، والواعظ المرشد الأمين، ولا يستحيي ولا ينزجر، ولا يرعوي، ولا يفقه فيعمل صالحا لله. قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) 28 من سورة فاطر (ولمن خاف مقام ربه جنتان) 46 من سورة الرحمن. (¬11) إرخاء العنان للنفس أن تطمع في زهرات الدنيا، وتفسح لها الأفكار في ملك كيت، وفعل كذا، ونيل الدرجات، وهكذا من الأماني الفانية مع تقصيرها في تشييد الصالحات الخالدة.

على الدنيا (¬1). رواه البزار وغيره. 24 - وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا ترضينَّ أحداً بسخط (¬2) الله، ولا تحمدنَّ أحداً على فضل الله (¬3)، ولا تذمنَّ (¬4) أحداً على ما لمْ يؤتك الله، فإنَّ الله لا يسوقه إليك حرص حريصٍ، ولا يردُّه عنك كراهية كارهٍ، وإنَّ الله بقسطه وعدلهِ جعل الرَّوح والفرج في الرضا واليقين، وجعل الهمَّ والحزن في السَّخط. رواه الطبراني في الكبير. 25 - وعن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذئبان جائعان أرسلا في غنمٍ بأفسد لها من حرص المرء على المرء (¬5) والشرف لدينه. رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن. (قال المملي) رضي الله عنه: وسيأتي غير ما حديث من هذا النوع في الزهد إن شاء الله. 26 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) كنز المال وجمعه بلا إنفاقه في الخير، ووجود البر وحب التباهي بكثرته. (¬2) أي لا يكن رضا أحد بعمل ما يغضب الله جل وعلا. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. (¬3) ولا تشكرن أحدا تعتقد أنه ساق إليك نعمة فالحمد لله المتفضل المتكرم، المعطي الوهاب. قال تعالى: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) أي اعتقد أيها المسلم أن الذي أعطاك الخير هو الله وحده. فلا تقصر حمدك على مخلوق مثلك لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا. بل أحمد الله على ما وهب ووفق. (¬4) ينهي صلى الله عليه وسلم المسلم الذي يسخط ويذم إنسانا سعى إلى عمل له فلم يوفق، والمعنى الأعمال بيد الله تعالى يتمها ويقضيها، فلا تضجر أيها المؤمن، ولا تخصب ولا تسب، وسلم أمرك لله، فرزق الله لا يجلبه حريص نبيه، ولا يمنعه أحد مهما أعطى من القوة، وقد تفضل المولى فأعقب الخير واليسر لمن يرضي ويقنع وحول الهم والغم لمن يبطر وييأس. (¬5) يريد النبي صلى الله عليه وسلم غرس القناعة، والتسليم لله مع الحذر، فإن الحرص المشوب بالمعاصي أضر على مال الإنسان من إرسال ذئبين جائعين على ماشيته التي أخرج زكاتها، وأدى حقوق الله فيها: أي لا يفسد ذئبان جائعان اشية محصنة بالزكاة، وإن الذي يفسد المال البخل والشح في إخراج حقوق الله فيه. قال صلى الله عليه وسلم: (حصنوا أموالكم بالزكاة) وفي الجامع الصغير: ما بمعنى ليس بأفسد خبر ما والباء زائدة أي أشد فساد للغنم (من حرص المال) هو المفضل عليه لاسم التفضيل، والمراد بالشرف الجاه كأنه قيل بأفسد لأي شيء؟ قيل لدينه، والقصد أن الحرص على المال والشرف أكثر فسادا للدين من إفساد الذئبين للغنم أهـ. وعلى هامشه للشيخ الحنفي، أي ما الذئبان الجائعان بأشد إفسادا للغنم من إفساد المرء المذكور لدينه. فإن الحرص على المال والجاه يوقعان في البخل والبطر والكبر المفسدات لصاحبها أهص 248 جـ 3. وفيه الحث على الزكاة وحب الخير، والعمل بالشرع وترك الكبرياء، وحب الصيت الكاذب، والجاه الذي يشيد على أضداد الأخلاق الكاملة.

قلْبُ الشَّيخ شاب (¬1) على حبِّ اثنتين: حبِّ العيش، أو قال طول الحياة، وحبِّ المال. رواه البخاري ومسلم والترمذي إلا أنه قال: طول الحياة، وكثرة المال. 27 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهمَّ إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع (¬2)، ومن قلب لا يخشع (¬3)، ومن نفس لا تشبع (¬4)، ومن دعاء لا يسمع (¬5). رواه ابن ماجه والنسائي، ورواه مسلم والترمذي وغيرهما من حديث زيد بن أرقم، وتقدم في العلم. 28 - وعنْ أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لوْ كان لابن آدم واديان (¬6) من مالٍ لابتغى (¬7) إليهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب (¬8) ويتوب الله على من تاب (¬9). رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) كبر وشاخ وهرم على الرغبة. أ - في التنعم وحب الرخاء والترف. (ب) في جمع المال. (¬2) يعينني على أداء الواجبات، ولا يوصلني إلى العمل الصالح. (¬3) لا يخشى الله، ويخاف عقابه. (¬4) تطمع وتسترسل في جمع المال: حرامه وباطله. (¬5) لا يستجاب، يستعيذ صلى الله عليه وسلم من أربعة ليرشد أمته: أ - علم غير مثمر وغير مفيد يشغل عن الله ويقصي صاحبه من نعيم الجنة، ويجر إلى الإلحاد والفسوق، ويدعو إلى المروق من الدين كما قال تعالى في حق الجاهلين فضل الله: (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) أي ما يشاهدونه منها، والتمتع بزخارفها، ويدعو صلى الله عليه وسلم المؤمن أن يتفقه في دين الله، ويتبحر في شرع حبيبه صلى الله عليه وسلم. ب - قل لا يتأثر بالمواعظ فيتعظ وفؤاد لاه عن أوامر الله وعبادته. جـ - جشع النفس وطمعها في عرض الدنيا. د - من التوجه إلى الله وسؤاله عز وجل. فلا ينظر الله إلى الداعي لأنه غير مؤدب مع الله، وأنه مقصر في واجبات الله مرتكب المعاصي. (¬6) الوادي: مكان واسع المدى. (¬7) لطلب واديا آخر مملوءا ذهبا. (¬8) قال القسطلاني: أي لا يشبع من الدنيا حتى يموت. (¬9) من المعصية ورجع عنها، وبعد عن الشره المذموم، وجمع المال الحرام وكنزه، ثم أورد البخاري في هذا الباب قول الله تبارك وتعالى: (زين الناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسمومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا) 13 من سورة آل عمران. قال القسطلاني: المزين هو الله تعالى عند الجمور للابتلاء لقوله تعالى: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) المسمومة: المعلمة أو المرعية (الأنعام) الإبل، والبقر، والغنم يتمتع بها في الدنيا. ب - (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون 15 أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) 16 من سورة هود.

29 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو أنَّ لابن آدم وادياً من ذهبٍ لأحبَّ أن يكون إليه مثله، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب. ويتوب الله على من تاب. رواه البخاري مسلم. 30 - وعن ابن عباس بن سهل بن سعدٍ رضي الله عنهم قال: سمعت ابن الزبير على منبر مكَّة في خطبتهِ يقول: يا أيها الناس: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: لو أنَّ ابن آدم أعطى وادياً من ذهب أحبَّ إليه أحبَّ إليه ثانياً، ولو أعطى ثانياً أحبَّ إليه ثالثاً، ولا يسدُّ (¬1) جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. رواه البخاري. 31 - وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة: لو أن لابن آدم وادياً من ذهبٍ لابتغى إليه ثانياً، ولو أعطى ثانياً لابتغى إليه ثالثاً: ولايملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. رواه البزار بإسناد جيد. 32 - وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجاء بابن آدم كأنه بذبح فيوقف (¬2) بين يدي الله عزَّ وجلَّ، فيقول الله له: أعطيتك، وخوَّلتك (¬3)، وأنعمت عليك فما صنعت: فيقول: يا ربِّ جمعته، وثمَّرته فتركتهُ ¬

(¬1) ولا يملأ. (¬2) فيوقف ط وع ص 566، وفي د: فيقف .. (¬3) منحتك لتتعهدها. (معاني الأحاديث والآيات القرآنية التي تناسب هذا الباب) اعمل أيها المسلم وثق أن الأرزاق التي قدرها الله لك تساق إليك كما قال صلى الله عليه وسلم: أولاً: بين صلى الله عليه وسلم أن التوفير والتوسط في الإنفاق من شيم النبيين، صلوات الله وسلامه عليهم (جزء من النبوة). ثانياً: (نهى صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يضجروا أو يسأموا، أو يملوا، بل يجدوا ويكدوا ويسعوا (لا تستبطئوا الرزق). ثالثاً: دعا صلى الله عليه وسلم إلى طلب الحلال واجتناب الحرام. رابعاً: الإقبال على عمل الصالحات وفعل الطاعات (فإن الله لا ينال فضله بمعصيته). خامساً: ما شاء الله كان، وما قدره لك من الخير فلابد أن تناله وتدرك نعيمه. سادساً: لو اجتمع الإنس والجن على منع خير ساقه الله إليك لعجزوا عن رده (ما استطاعوا). سابعاً: كل يوم يطلب ملكان تحري العيش الكفاف، والعكوف على عبادة الله، وذكره وتسبيحه =

أكثر ما كان فارجعني آتك به، فيقول الله له: أرني ما قدَّمت، فيقول يا ربِّ جمعتهُ ¬

_ = وتحميده (هلموا إلى ربكم). ثامناً: تكفل الله جل وعلا للمطيع أن يسهل أمره، ويفرج كربه ويزيل عسره (كفاه الله كل مؤنة). تاسعاً: المنهمك على الدنيا ينزع من ماله البركة فيتعب، ويطمع ويذم، ويكبح والدنيا تسخره (وكله الله إليها). عاشراً: البخل والشح، والتقصير في واجبات الشرع لا تنمي الثروة ولا تزيد في المال، بل يجلبان التلف والدمار (رزق الله لا يسوقه إليك حرص حريص). الحادي عشر: السعادة والرخاء، وانشراح الصدر واطمئنان البال، ورغد العيش وهناءة الضمير في ثنتين: (الرضاء واليقين). الثاني عشر: لا يشبع الإنسان من جمع المال مهما كثر، ويتمنى المزيد منه دائما (لابتغى ثالثاً). الثالث عشر: كثرة المال تؤدي إلى النار إذا لم يشيد الغني مشروعات الخير الباقية بعد مماته الجالبة له الحسنات الكثيرة (فيمضي به إلى النار) لماذا؟ لأن الله امتحنه فأعطاه هذا المال، وجعله حر التصرف فيه مالكه كأنه أمانة، وهو قوام على إنفاقها فيما يرضيه جل وعلا (أعطيتك وخولتك). الرابع عشر: صاحب الأموال الجمة يساق يوم القيامة كالخروف الصغير الحمل لحقارته ودناءته، وينتهز فرصة غناه فينفق ماله في البر. السادس عشر: أهل الشقاوة الأغنياء المنصرفون إلى ملذاتهم، والمحرومون من العمل بالدين، واتبع خير المرسلين صلى الله عليه وسلم فيقدمون على ربهم المنعم، وليس لهم شيء مدخر (فإذا عبد لم يقدم خيرا). (الآيات الواردة في تفضل الله جّ وعلا بأرزاق كل ما هبّ ودبّ) قال تعالى: أ - (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 56 ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون 57 إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) 58 من سورة الذاريات. ب - (الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر). جـ - (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) 6 من سورة هود. د - (وفي السماء رزقكم وما توعدون 22 فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) 23 من سورة الذاريات. هـ - (قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله) من سورة سبأ. و- (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون) 254 من سورة البقرة. ز - (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون 31 فذلك الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأني تصرفون) 32 من سورة يونس عليه السلام. ح - (فنقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها =

وثمرَّته فتركته أكثر ما كان فارجعني آتك به، فإذا عبد لم يقدِّم خيراً فيمضي به ¬

_ = رزقا قال يا مريم أني لك هذا؟ قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) 36 من سورة آل عمران. المحراب المسجد، وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في زمن الصيف، وبالعكس. ط - (فلينظر الإنسان إلى طعامه 26 أنَّا صببنا الماء صبا 27 ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا 28 وعنبا وقضبا 29 وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا 30 وفاكهة وأبا 31 متاعا لكم ولأنعامكم) 33 من سورة عبس. (حبا) كالحنطة والشعير (وعنبا وقضبا) يعني الرطبة، والقضب كل نبت قطع فأكل طريا (غلبا) كثيفة عظاما (وأبا) مرعى يهيأ للرعي، أو فاكهة يابسة. ي - (أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها 27 رفع سمكها فسواها 28 وأغطش ليلها وأخرج ضحاها 29 والأرض بعد ذلك دحها 30 أخرج منها ماءها ومرعاها 31 والجبال أرساها 32 متاعا لكم ولأنعامكم) 33 من سورة النازعات. ك - (أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين 64 قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) 65 من سورة النمل. ل - (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادى رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون) 71 من سورة النحل. أي فمنكم غني ومنكم فقير، ومنكم موال يتولون رزقهم ورزق غيرهم، ومنكم مماليك حالهم غير ذلك (برادى رزقهم) أي بمعطي رزقهم على مماليكهم. فإن ما يردون عليهم رزقهم الذي جعله الله في أيديهم (فهم فيه سواء) أي فالموالي والمماليك سواء في أن الله رزقهم. إن هذه الآية تفسر الحديث القدسي (أعطيتك وخولتك) أي ملكتكه لترعاه، وتقوم بحقوقه فتستخدمه وتكون آلة في إنفاقه. فالخول: الخدم والحشم كما قال صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم خولكم). م - أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفروا 99 قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا) 100 من سورة الإسراء. أي ليسوا أشد خلقا منهن (أجلا) الموت (كفورا) جحودا (خزائن رحمة ربي) أي خزائن رزقه، وسائر نعمه (لأمسكتم) أي لبخلتم مخالفة النفاد بالإنفاق (قتورا) بخيلا: وللأستاذ الرصافي أشهر علماء العراق في آيات الخالق جلّ وعلا انظر لتلك الشجرة ... ذات الغصون النضرة كيف نمت من حبة ... وكيف صارت شجرة فابحث وقل من ذا الذي ... يخرج منها الثمر وانظر إلى الشمس ... جذوتها مستعرة فيها ضياء وبها ... حرارة منتشرة من ذا الذي أوجدها ... في الجو مثل الشررة انظر إلى الليل فمن ... أوجد فيه قمره وزانه بأنجم ... كالدرر المنتشرة =

الترغيب في طلب الحلال والأكل منه والترهيب من اكتساب الحرام وأكله ولبسه ونحو ذلك

إلى النار. رواه الترمذي عن إسماعيل بن مسلم المكي، وهو واهٍ، عن الحسن، وقتادة عنه، وقال: رواه غير واحد عن الحسن، ولم يسندوه. (قوله: البذخ) بباء موحدة مفتوحة، ثم ذال معجمة ساكنة، ثم جيم: هو ولد الضان شبه به لما يأتي فيه من الصَّغار، والذل، والحقارة. (قال الحافظ): وتأتي أحاديث كثيرة في ذم الحرص، وحب المال في الزهد وغيره إن شاء الله تعالى. الترغيب في طلب الحلال والأكل منه والترهيب من اكتساب الحرام وأكله ولبسه ونحو ذلك 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله طيِّب (¬1) لا يقيبل إلا طيباً (¬2)، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يا أيها الرُّسل كلوا من الطيّبات (¬3) واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليمٌ. وقال: يا أيها ¬

= وانظر إلى الغيم فمن ... أنزل منه مطره فصير الأرض به ... بعد اغبرار حضره وانظر إلى المرء وقل ... من شق فيه بصره من ذا الذي جهزه ... بقوة مفترة ذاك هو الله الذي ... أنعمه منهمرة ذو حكمة بالغة ... وقدره مقتدرة أهـ من كتاب المحفوظات المختارة (20 جـ 3). (¬1) منزه عن النقائص والخبائث، فيكون بمعي القدوس الذي تعالى عن كل صغيرة وكبيرة، سبحانه اتصف بكل كمال. وأورد النووي في شرح هذا الحديث قول عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أسألك باسمك المطهر الطاهر الطيب المبارك الأحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وإذا استرحمت به رحمت، وإذا استفرجت به فرجت) وقيل (طيب) أي طيب الثناء ومستلذ الأسماء عند العارفين بها، وهو طيب عباده لدخول الجنة بالأعمال الصالحة، وطيبها لهم والكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) أهـ. (¬2) أي حلالا بعيدا عن المحارم فلا يتقرب إليه بصداقة حرام. يكره التصدق بالرديء من الطعام كالحب العتيق والمسوس، وكذلك يكره التصدق بما فيه شبهة. قال الله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) 267 من سورة البقرة. سبحانه وتعالى لا يقبل إلا الخالص لوجهه الكريم البعيد من شائبة الرياء والعجب والسمعة المقصودية ثوابه جل وعلا. (¬3) المأخوذة من وجوه الحلال. قال النووي: في الحديث دليل على أن الشخص يثاب على ما يأكله إذا قصد به التقوى على الطاعة أو إحياء نفسه، وذلك من الواجبات، بخلاف ما إذا أكل طردا للشهوة والتنعم أهـ.

الذين آمنوا كلوا من طيِّبات ما رزقناكمْ. ثمَّ ذكر الرَّجل يطيل (¬1) السَّفر أشعث (¬2) أغبر يمدُّ يديه (¬3) إلى السماء: يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغذي (¬4) بالحرام، فأنَّي (¬5) يستجاب لذلك؟. رواه مسلم والترمذي. 2 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلب الحلال واجب على كلِّ مسلمٍ. رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن إن شاء الله. 3 - وروي عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: طلب الحلال فريضةٌ (¬6) بعد الفريضة. رواه الطبراني والبيهقي. 4 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل طيباً (¬7)، وعمل في سنَّةٍ (¬8)، وأمن الناس بوائقه (¬9) دخل الجنَّة. قالوا: يا رسول الله إنَّ هذا في أمتك اليوم كثيرٌ؟ قال: وسيكون في قرون (¬10) بعدي. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 5 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك (¬11) ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانةٍ، وصدق حديثٍ، وحسن خليفةٍ، وعفَّةٌ في طعمةٍ. رواه أحمد والطبراني، وإسنادهما حسن. ¬

(¬1) معناه يكثر من الكد في جلب المال، ويتعب، ويكد، ويعمل. (¬2) شعر رأسه متفرق: أي غير معتن بنظافته ونضارته تاركا ملاذه، في سبيل جمع المال، والمعنى تراه قذرا متنسكا زاهدا. (¬3) يدعو الله سبحانه وتعالى. (¬4) شبع. (¬5) من أين، وهو استبعاد عن حصول ما يرجو لأنه يأكل الحرام من غصب، ونهب: وسرقة، وخداع، ومكره، وحيلة، وغش. وفجور. وفيه أن المؤمن يطلب الحلال الطيب في غذائه ولباسه وشرابه. (¬6) واجب بعد أداء الصلاة المكتوبة. (¬7) حلالا. (¬8) أي متبعا من سنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث على اتباعه قولا أو فعلا أو تركا. (¬9) مصائبه وأذاه. (¬10) أزمان، والقرن مائة سنة. (¬11) فلا يصيبك شيء من حياتك يضرك ما دمت متحليا بخلال أربع: أولاً: أداء ما ائتمنت عليه. ثانياً: صدق القول وإخلاص العمل. ثالثاً: التحلي بمكارم الأخلاق، وحسن المعاملة، وكرم السجايا. رابعاً: العفاف وتحري الحلال في مطعمه.

6 - وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما رجلٍ اكتسب (¬1) مالا من حلالٍ فأطعم نفسه، أوْ كساها (¬2)، فمن (¬3) دونه من خلق الله كان (¬4) له به زكاةٌ. رواه ابن حبان في صحيحه من طريق درّاج عن أبي الهيثم. 7 - وعنْ نصيحٍ العنسيِّ عن ركبٍ المصريِّ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى (¬5) لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمتْ علانيتهُ وعزل عن النَّاس شرَّه، طوبى لمن عمل بعلمهِ، وأنفق الفضل (¬6) من ماله، وأمسك الفضل (¬7) من قوله. رواه الطبراني في حديث يأتي بتمامه في التواضع إن شاء الله. 8 - وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تليت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً. فقام سعد ابن أبي وقَّاص رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا سعد أطب مطعمك (¬8) تكنْ مستجاب الدعوة، والذي نفس محمَّد بيده: إنَّ العبد ليفذف (¬9) اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيُّما عمدٍ نبت لحمه من سحتٍ (¬10) فالنار أولى (¬11) به. ¬

(¬1) اكتسب ربح. (¬2) ألبسها. (¬3) أي فالذي هو غيره أنفق عليه بعد الله ما أخرج من ماله زكاة، والمعنى أن الغني يتمتع بخيرات الله، وما أنفقه على سواه صدقة وطهارة وثواب فيه كبير. (¬4) في ع ص 567 كان وكذا د، وفي ن ط: فإن. (¬5) شجرة في الجنة يأوى مكانها الذي تظله ذاك الذي صفا مكسبه، وكان حلالا وخلصت نيته من كل سوء، وسمت أفعاله الظاهرة الطيبة، وأبعد شروره عن الناس. (¬6) الزائد عن قوته وقوت أهله وأنفقه في البر والخير. (¬7) عقل لسانه عن الغيبة والنميمة وكل ما لا يعنيه، والمعنى يدخل الجنة العالم العامل بعلمه، وكذا الجواد الكريم والحافظ لسانه من كل ما يغضب الرب، نزلت في قوم حرموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس. (طيبا) يستطيبه الشرع أو الشهوة المستقيمة، وتمام الآية (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين 168 إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) 169 من سورة البقرة: أي لا تقتدوا به في اتباع الهوى فتحرموا الحلال وتحللوا الحرام. والسوء والفحشاء ما أنكره العقل واستقبحه الشرع وتجاوز الحد في الدناءة. (¬8) اجعل طعامك حلالا. (¬9) ليدخل الأكلة المجلوبة من حرام. (¬10) كل مال حرام لا يصح كسبه والرشوة في الحكم والشهادة. (¬11) أحق: أي يستحق أن يرمي في جهنم، لأن مال الذي يسعى إليه من باطل بعيد عن طاعة الله.

رواه الطبراني في الصغير. 9 - وروي عن عليٍّ رضي الله عنه قال: كنَّا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلع علينا رجلٌ من أهل العالية، فقال: يا رسول الله أخبرني بأشدِّ شيء في هذا الدِّين وألينهِ؟ فقال: ألينهُ شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، وأشدُّه يا أخا العالية: الأمانة (¬1) إنه لا دين لمن لا أمانة له، ولا صلاة له، ولازكاة له، يا أخا العالية: إنه من أصاب مالا من حرامٍ فلبس منه جلباباً، يعني قميصاً لم تقبل صلاته حتى ينحِّي ذلك الجلباب عنه، إن الله عزَّ وجلَّ أكرم وأجلُّ يا أخا العالية من أن يقبل عمل رجلٍ أو صلاته وعليه جلبابٌ (¬2) من حرامٍ. رواه البزار، وفيه نكارة. 10 - وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: من اشترى ثوباً بعشرة دراهم، وفيه درهم من حرامٍ لمْ يقبل الله عزَّ وجلَّ له صلاة ما دام عليه قال: ثمَّ أدخل أصبعيه في أذنيه، ثمَّ قال: صمَّتا (¬3) إن لم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم سمعته يقوله. رواه أحمد. 11 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى سرقةً (¬4)، وهو يعْلم أنها سرقة فقد اشترك في عارها (¬5) وإثمها. رواه البيهقي، وفي إسناده احتمال للتحسين، ويشبه أن يكون موقوفاً. 12 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حَبْلَهُ فيذهب به إلى الجبل فيحتطب، ثمَّ يأتي به فيحمله على ظهره فيأكل خير له من أن يسأل الناس، ولأن يأخذ تراباً فيجعله في فيه خيرٌ له من أن يجعل في فيه ما حرَّم الله عليه (¬6). رواه أحمد بإسناد جيد. ¬

(¬1) أداء الشيء على ما هو عليه: أي أسهل شيء على النفس توحيد الله، والإقرار به. والاعتراف برسالة حبيبه صلى الله عليه وسلم، وأصعب شيء على النفس - وفيها الجهاد - حفظ ما ائتمنت عليه. نفي صلى الله عليه وسلم كمال الدين، وتمام الإيمان عن الخائن الغشاش، ونفي عنه صلاته المقبولة، وزكاته التي فيها الثواب الجزيل. (¬2) مسحة، وثياب من وجوه الغصب والنهب وطرق الباطل. (¬3) أصيبتا بصمم ولم يسمعا. (¬4) شيئاً مسروقاً. (¬5) فضيحتها وذنبها. (¬6) المعنى يكد الإنسان، ويسعى إلى جلب رزقه من سبل العمل الشريف، وهذا أفضل من الشحاذة، وإساغة التراب طعاماً خير من أكل الحرام.

13 - وعنه رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أدَّيت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك، ومن جمع مالاً حراماً، ثمَّ تصدَّق به لمْ يكن له فيه أجرٌ وكان إصره عليه (¬1). رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما، وا لحاكم، كلهم من رواية دراج عن ابن حجيرة عنه. ورواه الطبراني من حديث أبي الطفيل، ولفظه قال: من كسب مالاً من حرامٍ، فأعتق منه، ووصل منه رحمه (¬2) كان ذلك إصراً (¬3) عليه. 14 - وروي أبو داود في المراسيل عن القاسم بن مخيمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اكتسب مالاً من مأتمٍ (¬4) فوصل به رحمه، أوْ تصدَّق به، أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك كلُّه جميعاً فقذف (¬5) به في جهنم. 15 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قسم بينكم أخلاقكمْ كما قسم بينكم أرزاقكمْ، وإن الله يعطي الدنيا من يحبُّ ومنْ لا يحبُّ، ولا يعطي الدين (¬6) إلا من يحبُّ، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبَّه، ولا والذي نفسي بيده لا يسلم (¬7) أولا يسلم عبد حتى يسلم، أو يسلم قلبه (¬8) ولسانه، ولا يؤمن حتى يؤمن جاره بوائقه، قالوا: وما بوائقه؟ قال: غشمه (¬9) وظلمه، ¬

(¬1) المتصدق من المال الحرام محروم من ثواب إنفاقه، وأصره: أي ذنبه عليه. (¬2) أي أعطى أقاربه وأنفق عليهم منه. (¬3) إثما وعقوبة وجلبا الدمار والعذاب الأليم. (¬4) طرق جالبة السيئات والآثام الجسام. (¬5) أي رمي به، والمعنى أن الأعمال التي شيدها جامع المال من حرام باطلة لا ثواب له فيها، ويقذف مع ماله في النار. وفيه أن الإنسان يكد ويأكل من عرق جبينه ويشيد الصالحات من ماله الحلال فقط، ويزيل الطمع والشره ويترك المال الحرام. (¬6) التقوى واتباع الشرع الشريف وعمل الصالحات. (¬7) لا ينقاد لأمور الشرع. (¬8) يخلص قلبه من الحسد، والمكر، واللؤم، ويصفو ويستنير بالقرآن، والسنة، ويبعد لسانه عن الفحش، والبذاءة، والنميمة، والدس، والكيد، والوقيعة، وهكذا من الإفساد والإغواء. (¬9) في القاموس الغشم الظالم. فالواو عطف تفسير، وقد غشمه يغشمه، وغشم الحاطب احتطب ليلا فقطع كل ما قدر عليه بلا نظر وفكر أهـ. وبوائقه: أي غوائله، وشروره، واحدها بائقة، وهي الداهية أهـ. نهاية. وأقول غشمه: أي أذاه، وتعديه وغفلته عن راحة جاره، ونسيان واجبات إكرامه.

ولا يكسب عبدٌ مالاً حراماً فيتصدَّق به فيقبل منه، ولا ينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده (¬1) إلى النار. إن الله تعالى لا يمحو السيء (¬2) بالسيء ولكن يمحو السيء (¬3) بالحسن، إن الخبيث (¬4) لا يمحو الخبيث. رواه أحمد من طريق أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد، وقد حسنها بعضهم، والله أعلم. 16 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأتي على الناس زمانٌ (¬5) لا يبالي المرء ما أخذ: أمن الحلال أم من الحرام. رواه البخاري والنسائي، وزاد رزين فيه: فإذ ذلك لا تجاب لهم دعوة. 17 - وعنه رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: الفَمْ (¬6)، والفرْجُ (¬7)، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: تقوى الله (¬8)، وحسن الخلق (¬9). رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح غريب. 18 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استحيوا من الله حقَّ الحياء (¬10). قال: قلنا يا نبيِّ الله إنا لنستحي، والحمد لله. قال: ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حقَّ الحياء أن تحفظ الرأس (¬11)، وما وعى، ¬

(¬1) أي طعامه ماله الحرام ويجرء إلى العذاب. (¬2) الباطل القذر المؤلم. (¬3) الردئ بالخير. (¬4) المال الحرام الباطل لا يزيل مثله. قال الخطابي: في قوله صلى الله عليه وسلم (مهر البغي خبيث وثمن الكلب خبيث وكسب الحجام خبيث) قد يجمع الكلام بين القرائن في اللفظ، ويفرق بينها في المعنى، ويعرف ذلك من الأغراض والمقاصد، فأما مهر البغي وثمن الكلب فيزيد بالخبيث فيهما الحرام لأن الكلب نجس والزنا حرام وبذل العوض عليه وأخذه حرام، وأما كسب الحجام فيزيد بالخبيث فيه الكراهة لأن الحجامة مباحة أهـ. نهاية. وخبيث النفس: ثقيلها كريه الحال (ولاداء) ولا خبثة ولا غائلة) أراد بالخبثة الحرام كما عبر عن الحلال بالطيب. (¬5) فيه وقت يقل الإيمان ويضعف الإسلام فيجمع الإنسان المال من أي طريق، وهذه معجزة للصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: فقيل الآن أهل الورع والزهد الذين يتحرون الحلال ويبتعدون عن الشبهات، وقد زاد الجشع وعم الطمع في نفوس ضعاف الدين فأقبلوا على حطام الدنيا بشراهة وقلة خوف الله جل وعلا. (¬6) يأكل حراما. (¬7) يقع في الزنا. (¬8) خوفه تعالى ومراقبته والعمل بكتابه جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. (¬9) مكارم الأخلاق كلالحم والعفو والمغفرة والجود والشجاعة والتحلي بآداب الدين، والتخلي عن الرذائل. (¬10) قال القسطلاني: الحياء في الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ويبعث على الخوف من فضيحة الدنيا والآخرة، فيأتمر الإنسان وينزجر. (¬11) أن تمنع العقل والأذن والبصر والفم من محارم الله تعالى.

وتحفظ البطن (¬1) وما حوى، ولتذكر الموت والبلى (¬2)، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حقَّ الحياء. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب، إنما نعرفه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد. (قال الحافظ) أبان والصباح مختلف فيهما، وقد ضعف الصباح برفعه هذا الحديث، وصوابه عن ابن مسعود موقوفاً عليه، ورواه الطبراني من حديث عائشة مرفوعاً. (قوله) تحفظ البطن وما حوى: يعني ما وضع فيه من طعام وشراب حتى يكونا من حلهما. 19 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغبطنَّ (¬3) جامع المال من غير حلِّه، أو قال: من غير حقِّه، فإنه إن تصدَّق به لم يقبل منه، وما بقي كان زاده (¬4) إلى النار. رواه الحاكم من طريق حنش، واسمه حسين ابن قيس، وقال: صحيح الإسناد. (قال المملي): كيف وحنش متروك. ورواه البيهقي من طريقه، ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يعجبنَّك رحب (¬5) الذراعين بالدم، ولا جامع المال من غير حلِّه، فإنه إن تصدق به لم يقبل منه، وما بقي كان زاده إلى النار. ورواه البيهقي أيضاً من حديث ابن مسعود بنحوه. 20 - وعن معاذٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تزال قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربعٍ: عن عمره فيم (¬6) أفناه؟ وعن شبابه (¬7) فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين (¬8) اكتسبه، وفيم أنفقه؟ وعن علمهِ (¬9) ماذا فيه؟ رواه ¬

(¬1) المعدة يدخل فيها الطعام الحلال يتبعه حفظ الفرج من الوقوع في الفاحشة. (¬2) الفناء، وأن كل شيء هالك إلا وجهه. (¬3) لا تتمن مثله. (¬4) يدخل معه المال في قبره، ويكون أفعى تؤذيه ويحاسبه الله على جمعه فيجره إلى النار. (¬5) رحب: بمعنى واسع، والمعنى لاتفرح بفعل القاتل فعذابه شديد، ولا بالغني الذي جمع ثروته من حرام فهما أنفق فلا ثواب له، وماله حطب جهنم يتقلد عليه يوم القيامة، ثنتان لا تسر بفعلهما: أ - المجرم الأثيم الذي يقتل النفس بغير حق. ب - الشره في جمع المال الحرام. (¬6) في أي شيء صرف أزمان حياته. (¬7) قوته وفتوته وصلاحه للعمل في أي شيء صرف هذه القوة المعطاة. (¬8) من أي طريق جمعه، وفي أي شيء صرفه. (¬9) معارفه التي وهبها الله له: أي شيء شيده وأوجده من وجوه الصالحات. فليحذر العاقل المسلم من =

البيهقي وغيره، ورواه الترمذي من حديث أبي برزة وصححه، وتقدم هو وغيره في العلم. 21 - وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدُّنيا خضرة (¬1) حلوة (¬2) من اكتسب فيها مالاً من حلِّهِ، وأنفقه في حقِّه (¬3) أثابه الله عليه، وأورده جنَّته، ومن اكتسب فيها مالاً من غير حلِّه، وأنفقه في غير حقه أحله الله دار الهوان (¬4)، وربَّ متخوِّضٍ (¬5) في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة يقول الله: كلما خبت (¬6) زدناهمْ سعيراً. رواه البيهقي. 22 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحمٌ (¬7) نبت من سحتٍ. رواه ابن حبان في صحيحه في حديث. 23 - وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

= ضياع أربعة بلا فائدة: حياته يجد في البر، وينتهز فرصة نضارة جسمه وعاقبته فيعمل صالحا، ويغتنم غناء فيجعل له يدا طول في المحامد والمكارم، ويعمل بعلمه كالشجرة المثمرة. (¬1) بهيجة ناضرة زاهرة منظرها بديع وشكلها جميل مثل الحديقة الغناء الفيحاء. (¬2) من حيث الذوق مقبولة تميل لها النفس. وفي النهاية: أي غضة ناعمة طريقة، ومنه حديث عمر رضي الله عنه: اغزوا، والغزو حلو خضر، أي طرى محبوب لما ينزل الله فيه من النصر ويسهل من الغنائم أهـ. والمعنى هذا الحياة ميدان، زينته فاخرة نضرة رشيقة. (¬3) واجبات الشرع ومندوباته. (¬4) العذاب الهون: المؤلم. (¬5) سابح في بحر النعم التي أغدقها الله عليه، وساقها له حب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي مال الله، ومال رسوله: أي يمكن أن المتخوض في نعم الله ورسوله له النار: أي يسحب إليها ويذوق العذاب الأليم من جراء بخله. (¬6) خبت النار تخبو: سكن لهبها، وصار عليها خباء من رماد: أي غشاء. قال البيضاوي: بأن أكلت جلودهم ولحومهم فتعود ملتهبة مستعمرة، كأنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الافناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الإعادة والإفناء أهـ. الله أكبر جزاء الأغنياء المتمتعين بالترف الزائد المنفقين أموالهم على ملذاتهم وشهواتهم، الذين ليست لهم أعمال صالحة اكتسبوها بالإنفاق في جهنم، ويقول الله تعالى هذه الآية (كلما خبث) قال تعالى (ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) 97 من سورة الإسراء. (أولياء) أنصارا يهدونهم (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) يسحبون على وجوههم أو يمشون بها. روى أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يمشون على وجوههم؟ قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم (عميا) لا يبصرون ما يقرأ عينهم (بكما) لا ينطقون بما يقبل منهم لأنهم في دنياهم لم يستبصروا بالآيات والعبر وتصاموا عن استماع الحق وأبوا أن ينطقوا بالصدق (صما) لا يسمعون ما يلذ مسامعهم. (¬7) ذات موصوفة بنموها من حرام.

الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور

وسلم يا كعب بن عجرة: إنه لا يدخل الجنة لحمٌ، ولا دمٌ نبتا على سحتٍ النار أولى به (¬1) يا كعب بن عجرة: الناس غاديان (¬2) فغادٍ في فكاك نفسه فمعنقها (¬3)، وغادٍ موبقها (¬4) رواه الترمذي. وابن حبان في صحيحه في حديث. ولفظ الترمذي: يا كعب بن عجرة إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به. (السحت) بضم السين، وإسكان الحاء وبضمهما أيضا: هو الحرام، وقيل: هو الخبيث من المكاسب. 24 - وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنَّة جسدٌ (¬5) غذِّي بحرامٍ. رواه أبو يعلي والبزار والطبراني في الأوسط، والبيهقي، وبعض أسانيدهم حسن. الترغيب في الورع وترك الشبهات وما يحوك في الصدور 1 - عن النُّعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه ¬

(¬1) جهنم أحق بصهر ذلك الجسم النامي على ما يغضب الله في طعامه وكسبه. (¬2) ذاهبان ومنطلقان يسعيان، من غدا غدوا، من باب قعد: ذهب غدوة، وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس الأول يجد في إطلاق نفسه من عذاب الله فيعمل صالحا ليزيل عنه الضيق والأسر. (¬3) مبعد عنها نار جهنم لكثرة الصالحات التي شيدها في حياته. (¬4) مهلكها لكثرة معاصيه وإجرامه وإسرافه في اقتراف السيئات. (¬5) جسم نما وشبع وترعرع في المعاصي، وكسب المال الحرام. إن الحياة مزارع ... فازرع بها ما شئت تحصد والناس لا يبقى سوى ... آثارهم والعين تفقد والمال إن أصلحته ... يصلح وإن أفسدته يفسد ولأبي فراس الحمداني: إن الغني هو الغني بنفسه ... ولو أنه عاري المناكب حاف ما كل ما فوق البسيطة كافيا ... وإذا قنعت فبعض شيء كاف وتعاف لي طمع الحريص فتوتي ... ومروءتي وقناعتي وعفافي ومكاري عدد النجوم ومنزلي ... مأوى الكرام ومنزل الأضياف

وسلم يقول: الحلال بيِّن (¬1)، والحرام بيِّنٌ، وبينهما مشتبهات (¬2) لا يعلمهنَّ (¬3) كثيرٌ من الناس، فمن اتَّقى (¬4) الشبهات استبرأ (¬5) لدينهِ وعرضهِ، ومنْ وقع في الشبهات (¬6) وقع في الحرام كالرَّاعي (¬7) يرعى حول الحمى (¬8) يوشك (¬9) أن يرتع فيه، ألا وإنَّ لكل ملكٍ حمى، ألا وإنَّ حمى الله محارمه، ألا وإنَّ في الجسد مضغة - مقدار ما يمضغ (¬10) إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدتْ الجسد كلُّه، ألا وهي القلب (¬11). رواه البخاري ومسلم والترمذي، ولفظه: ¬

(¬1) ظاهر: واضحة أحكامه. قال في الفتح: فيه تقسيم الأحكام إلى ثلاثة أشياء: إما أن ينص الشارع على طلبه مع الوعيد على تركه، أو ينص على تركه مع الوعيد على فعله. أولا ينص على واحد منهما، فالأول: الحلال البين، والثاني: الحرام البين، والثالث: مشتبه لخفائه فلا يدري هل حلال أو حرام؟ وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لأنه إن كان في نفس الأمر حراما، فقد برئ من تبعته، وإن كان حلالا فقد أجر على تركه بهذا القصد لأن الأصل في الأشياء مختلف فيه، هل الحظر أو الإباحة؟ أهـ. ص 205 جـ 4. (¬2) مشتبهات خافية على بعض الناس يعرفها العلماء. قال في الفتح: أي شبهت بغيرها ما لم يتبين به حكمها على التعيين أهـ. ص 94 جـ 1. (¬3) أي لا يعلم حكمها. (¬4) حذر منها. (¬5) من البراءة: أي برأ دينه من النقص، وعرضه من الطعن فيه. وفيه دليل على أن من لم يتوق الشبهة في كسبه ومعاشه، فقد عرض نفسه للطعن فيه، وفي هذا إشارة إلى المحافظة على أمور الدين ومراعاة المروءة. (¬6) فعل المعاصي. (¬7) ضرب على سبيل التمثيل، لأن ملوك العرب كان يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مختصة يتوعدون من يرعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديد .. فمثل لهم النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مشهور عندهم، فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه، فبعده أسلم له، ولو اشتد حذره، وغير الخائف المراقب يقرب منه، ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن تنفرد الفاذة فتقع فيه بغير اختياره أو يحمي المكان الذي هو فيه، ويقع الخصب في الحمى فلا يملك نفسه أن يقع فيه، فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقا، وحماه محارمه، والمراد بالمحارم فعل المنهي المحرم: أو ترك المأمور الواجب أهـ فتح ص 96 جـ 1. (¬8) أطلق المصدر على اسم المفعول: أي المكان المحمي. (¬9) يقرب أن ينزل فيه ويتمتع. قال تعالى (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) 12 من سورة يوسف. (غداً) إلى الصحراء نرتع. قال البيضاوي: نبتغ في أكل الفواكه ونحوها، من الرتعة، وهي الخصب أهـ. (¬10) مقدار ما يمضغ. (¬11) خالص ما في البدن، وخص القلب لتقلبه في الأمور، ولأنه أمير البدن، وبصلاح الأمير تصلح الرعية وبفساده تفسد، وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب، والحث على صلاحه، والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرا فيه، قال القسطلاني: وأشرف ما في الإنسان قلبه، فإنه العالم بالله تعالى، والجوارح خدم له، وقد أجمع العلماء على عظم موقع هذا الحديث، وأنه أحد الأحاديث الأربعة التي عليها مدار الإسلام المنظومة المنظومة في قول الشاعر: عمدة الدين عندنا كلمات ... مسندات من قول خير البريه اتق الشبه وازهدن ودع ما ... ليس يعنيك واعملن بنيه =

الحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّنٌ، وبين ذلك أمور مشتبهات لا يدري كثيرٌ من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام؟ فمن تركها استبرأ لدينهِ وعرضه فقد سلم، ومن واقع شيئاً منها يوشك أن يواقع الحرام كما أنه من يرعى حول الحمى أوشك أن يواقعه، ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه. وأبو داود باختصار، وابن ماجه. وفي رواية لأبي داود والنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمورٌ مشتهات، وسأضرب لكمْ في ذلك مثلاً: إن الله حمى حمى، وإن حمى ما حرَّم، وإنه من يرتع حول الحمى يوشك أن يخالطه، وإنَّ من يخالط الرِّيبة يوشك أن يخسر. وفي رواية للبخاري والنسائي: الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ماشيِّة عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أو شك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، ومنْ يرتع حوْل الحمى يوشك أن يواقعه. ورواه الطبراني من حديث ابن عباس. ولفظه: الحلال بيِّنٌ، والحرام بيِّنٌ، وبين ذلك شبهات، فمنْ أوقع بهنَّ فهو قمنٌ أن يأثم، ومن اجتنبهنَّ فهو أوفر لدينه كمرتعٍ إلى جنب حمى، وحمى الله الحرام. (رتع الحمى): إذارعي من حوله، وطاف به. (أوشك) بفتح الألف والشين: أي كاد، وأسرع. (واجترأ) مهموز: أي أقدم. (وقمن) في حديث ابن عباس: هو بفتح القاف، وكسر الميم: أي جدير وحقيق. 2 - وعن النَّوَّآس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

_ = وفي الفتح: المراد المتعلق به من الفهم الذي ركبه الله فيه، ويستدل به على أن العقل في القلب، ومنه قوله تعالى (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) 46 من سورة الحج. قال تعالى (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) 37 من سورة ق. قال المفسرون: أي عقل، وعبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره أهـ. يقظا يدرك بالفطنة ما فات وغابا ... هذبته فطنة العلم فما يخشى معايا عرف اللذة للبذل فأعطى وأثابا ... وإذا ما كرم الأصل زكا الفرع وطابا

البرُّ (¬1) حسن الخلق، والإثم (¬2) ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطَّلع (¬3) عليه الناس. رواه مسلم: (حاك) بالحاء المهملة والكاف: أي جال وتردد. 3 - وعن وابصة بن معبدٍ رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أريد أن لا أدع شيئاً من البرِّ والإثم إلا سألت عنه، فقال لي: ادن يا وابصة: فدنوت (¬4) منه حتى مسَّتْ ركبتي ركبته، فقال لي: يا وابصة: أخبرك عمَّا جئت تسأل عنه. قلت: يا رسول الله أخبرني. قال: جئت تسأل عن البرِّ والإثم؟ قلتُ: نعم، فجمعَ أصابعه الثلاث، فجعل ينكت (¬5) بها في صدري، ويقول: ياوابصة، ¬

(¬1) الإحسان. (¬2) الذنب. (¬3) يظهر. (¬4) قربت منه. (¬5) يضرب. وفيه (بينا هو ينكت إذا انتبه) أي يفكر ويحدث نفسه. قال ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوي حتى يدع ما حاك في الصدر. قال في الفتح المراد بالتقوى: وقاية النفس عن الشرك والأعمال السيئة والمواظبة على الأعمال الصالحة. حاك: تردد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذرا لما به البأس) وعن أبي الدرداء: تمام التقوى أن تتقي الله حتى تترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما. وقال ابن مسعود: اليقين الإيمان كله، ومراده أن اليقين أصل الإيمان. فإذا أيقن القلب انبعثت الجوارح كلها للقاء الله بالأعمال الصالحة حتى قال سفيان الثوري: لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطار اشتياقا إلى الجنة وهربا من النار. وقال صلى الله عليه وسلم في رواية أبي أمامة (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) وقد فسر الله جل وعلا البر بقوله عز وجل (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القرى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) 177 من سورة البقرة. ومن طريق مجاهد أن أباذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فلتا هذه الآية (ليس البر الخ) والمراد المتقون من الشرك والأعمال السيئة، فإذا فعلوا المأمورات وتركوا المحرمات فهم المؤمنون الكاملون، والأعمال مع انضمامها إلى التصديق داخله في مسمى البر، كما هي داخلة في مسمى الإيمان أهـ ص 37 جـ 1. ويعجبني تفسير الفتح: لقوله صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان) فقال شعبة: قطعة، والمراد الخصلة أو الجزء، والحياء في اللغة انكسار وتغير يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو من لوازمه. وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، ولهذا جاء في الحديث الآخر (الحياء خير كله) وإن الحيي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينزجر). ثم قال ابن حجر: ولقد لخصت مما أوردوه ما أذكره، وهو أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن، فأعمال القلب فيه المعتقدات والنيات، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة: الإيمان بالله، ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شيء واعتقاد حدوث ما دونه، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والقدر خير وشره. والإيمان باليوم الآخر. ويدخل فيه سؤال القبر، والبعث، والنشور، والحساب، والميزان، والصراط، والجنة، والنار، ومحبة الله، والحب والبغض فيه، ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاد تعظيمه. ويدخل فيه الصلاة عليه، =

استفتِ قلبك، البرُّ ما اطمأنَّت (¬1) إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب، وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. رواه أحمد بإسناد حسن. 4 - وعنْ أبي ثعلبة الخشنيِّ رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله أخبرني ¬

= واتباع سنته، والإخلاص. ويدخل فيه ترك الرياء، والنفاق، والتوبة، والخوف، والرجاء، والشكر، والوفاء، والصبر، والرضا بالقضاء، والتوكل، والرحمة، والتواضع. ويدخل فيه توقير الكبير، ورحمة الصغير، وترك الكبر، والعجب، وترك الحسد، وترك الحقد، وترك الغضب. وأعمال اللسان، وتشتمل على سبع خصال: التلفظ بالتوحيد، وتلاوة القرآن، وتعلم العلم وتعليمه، والدعاء، والذكر، ويدخل فيه الاستغفار، واجتناب اللغو. وأعمال البدن، وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة: منها ما يختص بالأعيان، وهي خمس عشرة خصلة التطهير حسا وحكما، ويدخل فيه اجتناب النجاسات، وستر العورة، والصلاة فرضا، ونفلا، والزكاة كذلك، وفك الرقاب. والجود، ويدهل فيه إطعام الطعام، وإكرام الضيف، والصيام فرضا ونفلا، والحج، والعمرة كذلك والطواف، والاعتكاف، والتماس ليلة القدر. والفرار بالدين، ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك، والوفاء بالنذر، والتحري في الإيمان، وأداء الكفارات. ومنها ما يتعلق بالاتباع، وهي ست خصال: التعفف بالنكاح، والقيام بحقوق العيال وبر الوالدين، وفيه اجتناب العقوق، وتربية الأولاد، وصلة الرحم، وطاعة السادة والرفق بالعبيد. ومنها ما يتعلق بالعامة، وهي سبع عشرة خصلة: القيام بالإمرة مع العدل، ومتابعة الجماعة، وطاعة أولى الأمر، والإصلاح بين الناس، ويدخل فيه قتال الخوارج، والبغاة، والمعاونة على البر، ويدخل فيه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، والجهاد، ومنه المرابطة، وأداء الأمانة، ومنه أداء الخمس والفرض مع وفائه، وإكرام الجار، وحسن المعاملة، وفيه جمع المال من حله، وإنفاق المال في حقه، ومنه ترك التبذير، والإسراف، ورد السلام، وتشميت العاطس، وكف الأذى عن الناس، واجتناب اللهو، وإماطة الأذى عن الطريق فهذه تسع وستون خصلة، ويمكن عدها تسعا وسبعين خصلة باعتبار أفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر والله أعلم أهـ. ص 40 جـ 1. (الآيات الواردة في الحث على الإنفاق من الطيب) أ - قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين 87 وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) 88 من سورة المائدة. ب - (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) 7 من سورة الحديد. أي من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها فهي في الحقيقة له سبحانه وتعالى لا لكم، أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تمسكها، والتصرف فيها. وفيه حث على الإنفاق، وتهوين له على النفس أهـ بيضاوي. جـ - (له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم) 12 من سورة الشورى أي خزائنهما يوسع ويضيق على وفق مشيئته سبحانه يفعل ما ينبغي. (¬1) مالت إليه، ووثقت بجماله، وأمنت العقاب منه.

ما يحلُّ لي ويحرم عليَّ؟ قال: البرُّ ما سكنت (¬1) إليه النفس واطمأن (¬2) إليه القلب والاثم مالمْ تسكنْ إليه النفس، ولمْ يطمئنَّ إليه القلب، وإن أفتاك المفتون (¬3). رواه أحمد بإسناد جيد. 5 - وعن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرةً في الطريق فقال: لولا أنِّي أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها (¬4). رواه البخاري ومسلم. 6 - وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك (¬5) إلى مالا يريبك (¬6) رواه الترمذي والنسائي، وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه الطبراني بنحوه من حديث واثلة بن الأسقع، وزاد فيه: قيل فمن الورع (¬7)؟ قال: الذي يقف عند الشبهة. 7 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه غلامٌ يخرج له الخراج، وكان أبو بكرٍ يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكرٍ، فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنَّتُ (¬8) لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني ¬

(¬1) ارتاحت إليه. (¬2) مال، وقد بين ذلك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فعليك أخي بالعكوف على العلم وتعليمه وجني ثماره ليبين لك طريق الحق الذي تزكن إليه وتهدأ. (¬3) المغرورون والكذابون غير العاملين البعيدون عن العلم العملي. (¬4) ترك صلى الله عليه وسلم الثمرة اتقاء للشبهة، وخشى صلى الله عليه وسلم أن تكون من الصدقة، ومال الصدقة عليه حرام. (¬5) بفتح الياء وضمها: أي اترك ما تشك في كونه حسنا أوقبيحا أو حلالا أو حراما. (¬6) إلى مالا تشك فيه يعني ما تتيقن حسنه أهـ. عزيزي. والمعنى اجتنب أيها المسلم كل شيء يوقعك في معصية والجأ إلى الحق وتحصن بالشرع، واعمل بالدين فالصدق طمأنينة: أي يطمئن القلب إلى الكامل الصحيح السليم ويسكن، وكل أمر مطابق للحق يدعو إلى هدوء البال وطمأنينة الضمير، وراحة البال. (¬7) سؤال عن الزاهد المتبع الحق، والجواب: هو الذي بعد عن كل شبهة. (¬8) فعلت فعل الكهان من معرفة الطالع، والكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعى معرفة الأسرار، وقد كان في العرب كهنة كشق، وسطيح، ومن يزعم أن له تابعا من الجن وراثيا يلقى إليه الأخبار، والعراف الذي يدعي أنه يعرف الشيء المسروق ومكان الضالة.

لذلك هذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكرٍ يده فقاء (¬1) كل شيء في بطنهِ رواه البخاري. (الخراج): شيء يرفضه المالك على عبده يؤديه إليه كل يوم مما يكتسبه، وباقي كسبه يأخذه لنفسه. 8 - وعن عطيَّة بن عروة السعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين (¬2) حتى يدع مالا بأس (¬3) به حذراً لما به بأسٌ. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وابن ماجه. والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 9 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم ما الإثم؟ قال: إذا حاك (¬4) في نفسك شيء فدعه. قال فما الإيمان؟ قال: ¬

(¬1) أخرج ما دخل في بطنه لأن فيه شبهة، ويريد رضي الله عنه أن يأكل حلالا ليقبل الله عمله ويرضى عنه. (¬2) الذين يخافون الله. قال تعالى (اتقوا الله حق تقاته) وحقيقة التقوى أن يقي نفسه تعاطي ما تستحق به العقوبة من فعل أو ترك. وتأتي في القرآن على معان (وألزمهم كلمة التقوى) أي التوحيد والتوبة (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا) أي تابوا (أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون) 2 من سورة النحل: أي خافون (وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله) أي ولا تعصوه (فإنها من تقوى القلوب) 32 من سورة الحج: أي إخلاصها، والمتقى اسم فاعل من وقاه الله فاتقي، والتقوى والتقى واحد أهـ عيني. (¬3) حرمة أو كراهة غير ظاهر حكمها خشية أن تكون محظورة ممنوعة، وليس لها حكم ظاهر في الشرع يقاس عليه. (¬4) قال النووي: حاك إذا وقع في قلبك شيء لا ينشرح لا صدرك وخفت الذنب فيه، وقال التيمي: حاك في الصدر ثبت، فالذي يبلغ حقيقة التقوى تكون نفسه متيقنة للإيمان سالمة من الشكوك، وقال الكرماني: حقيقة التقوى: الإيمان لأن المراد من التقوى وقاية النفس عن الشرك، وقال الجوهري: حاك السيف، وأحاك بمعنى يقال ضربه فما حاك فيه السيف إذا لم يعمل فيه، فالحيك أخذ القول في القلب أهـ ص 116 جـ 1 عيني. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى مائة خلق من أتى بخلق منها دخل الجنة) قال لنا أحمد: سئل إسحاق ما معنى الأخلاق؟ قال: يكون في الإنسان حياء، يكون فيه رحمة، يكون فيه سخاء، يكون فيه تسامح هذا من أخلاق الله عز وجل إن الذي يستحي أن يواجه بالحق فيترك أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر فلا يعد هذا حياء لقوله: (صلى الله عليه وسلم (الحياء خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير) بل هذا عجز، ومهانة وضعة، وأولى الحياء الحياء من الله تعالى، وهو أن لا يراك الله حيث نهاك، وذاك إنما يكون عن معرفة ومراقبة، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). وقال الجنيد: رؤية الآلاء: أي النعم ورؤية التقصير يتولد بينهما حالة تسمى الحياء. قال صلى الله عليه وسلم (المؤمن الذي يعمل حسنة فتسره ويرجو ثوابها، وإن عمل سيئة تسوءه، ويخاف عاقبتها) وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: (إن للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص أهـ بخاري. (فرائض) أعمال فريضة (شرائع) عقائد دينية (حدودا) =

إذا ساءتك (¬1) سيِّئتك، وسرَّنك حسنتك فأنت مؤمن. رواه أحمد باسناد صحيح. 10 - وروي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث مر كنَّ فيه أستوجب الثَّواب واستكمل الإيمان: خلقٌ (¬2) يعيش به في الناس، وورع يحجزه (¬3) عن محارم الله، وحلمٌ (¬4) يردُّ به جهل الجاهل. رواه البزار. 11 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل العبادة الفقه (¬5)، وأفضل الدين الورع (¬6). رواه الطبراني في معاجيمه الثلاثة، وفي إسناده محمد بن أبي ليلى. 12 - وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل العلم خيرٌ من فضل العبادة (¬7)، وخير دينكم الورع (¬8). رواه الطبراني في الأوسط والبزار بإسناد حسن. 13 - وروي عن واثلة عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنْ ورعاً (¬9) تكن أعبد (¬10) الناس، وكن قنعا (¬11) تكنْ ¬

= منهيات ممنوعة، وسننا: أي مندوبات. واعلم أن اليقين من الكيفيات النفسانية، وهو في الإدراكات الباطنة من قسم التصديقات التي متعلقها الخارجي لا يحتمل النقيض بوجه من الوجوه، وهو علم بمعنى اليقين. (¬1) أي إذا أغضبتك الهفوة، وآلمتك المعصية، وأفرحتك طاعة الله، وشرح صدرك ذكره وبره فعد نفسك من الصالحين الواثقين بالله، والمصدقين بوجوده العاملين له. قال تعالى (ويزداد الذين آمنوا وإيمانا) (وزدناهم) هدى 13 من سورة الكهف (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى، فاخشوهم فزادهم إيمانا). (¬2) أخلاق كاملة مرضية يعامل بها الناس. (¬3) الكف عن المحارم والتحرج منها، ثم استعير للكف عن المباح والحلال: أي ذوزهد وخوف يمناعنه من الوقوع في الشبهات. يحجزه: أي يبعده. (¬4) صفة تدعو إلى الكمال، والتأني، والسؤدة، والصبر، والتجمل يصد عنه الأذى، ويمنع عنه الشرور. والحلم: الأناة والتثبت في الأمور، وهو شعار العقلاء، والله تعالى حليم: أي لا يستفخه شيء من عصيان العباد ولا يستفزه الغضب عليهم. (¬5) صفة تدعو إلى الكمال، والتأني، والسؤدة، والصبر، والتجمل يصد عنه الأذى، ويمنع عنه الشرور. والحلم: الأناة والتثبت في الأمور، وهو شعار العقلاء، والله تعالى حليم: أي لا يستفخه شيء من عصيان العباد ولا يستفزه الغضب عليهم. (¬6) الزهد، وتحري الحلال، واجتناب كل شبهة. (¬7) قال المناوي: أي فضل العلم أفضل من فضل العمل، كما أن فضل العلم أفضل من فرض العمل. (¬8) أي من أرفع خصال دينكم الورع، والبحث عن الحلال. (¬9) زاهداً طالبا الحلال. (¬10) أكثر الناس طاعة لله، (رأس الحكمة مخافة لله). (¬11) راضيا باليسر قابلا القليل (القناعة كنز لا ينفد وعز من قنع، وذل من طمع).

أشكر النَّاس (¬1)، وأحب للنَّاس ما تحبُّ لنفسك تكنْ مؤمناً (¬2)، وأحسن مجاورة من جاورك تكنْ مسلماً (¬3)، وأقلَّ الضَّحك، فإنَّ كثرة الضحك تميت القلب (¬4). رواه ابن ماجه، والبيهقي في الزهد الكبير، وهو عند الترمذي بنحوه من حديث الحسن عن أبي هريرة، ولم يسمع منه. 14 - وروي عن نعيم بن همَّارٍ الغطفانيِّ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: بئس العبد عبد تجبَّر (¬5)، واختال، ونسي الكبير المتعالي. بئس العبدُ عبدٌ يختلُ الدنيا بالدين (¬6) بئس العبد عبدٌ يستحلُّ المحارم (¬7) بالشبهات، بئس العبد عبد هوى (¬8) يضُّله. بئس العبد عبد رغبة تذلُّه (¬9). رواه الطبراني ورواه الترمذي من حديث أسماء بنت عميس أطول منه، ويأتي لفظه في التواضع إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) أكثر الناس ثناء وحمدا ورضا وانشراح صدر. (¬2) كامل الإيمان. (¬3) عاملا بآداب الدين، متحليا بمظاهر الإسلام. (¬4) قال العزيزي: أي تصيره مغمورا في الظلمات بمنزلة الميت، ومعناه لا يتأثر بالمواعظ، ولا ينزجر ولا يرتدع. يحث صلى الله عليه وسلم على الورع، والقناعة ومحبة الخير للناس وحسن الجوار والإقلال من الهذار والسخرية والمزاح البارد. (¬5) ظلم وتكبر هذا الإنسان المذموم. (¬6) يطلب الدنيا بعمل الآخرة، يقال ختله يختله إذا خدعه وراوغه، وختل الذئب الصيد: إذا تخفى له. أهـ نهاية. (¬7) المعاصي والمكاره. (¬8) شهوة وميل يبعده عن الصواب للذاته. (¬9) كذا ط وع 573: أي شره وحرص على الدنيا، وفي ن د: رغبة كثرة السؤال، وقلة العفة. (الدين المعاملة يفسرها صلى الله عليه وسلم في أحاديث) أولاً: طلب صلى الله عليه وسلم والرضوان والسعادة لمن اتصف بالمرونة والمروءة، وتخلق بأخلاق الطاهرين في: أ - بيعه. ب - أو شرائه. جـ - أو طلب دينه (إذا اقتضى). ثانياً: النار بعيدة عن كل هاش باش لطيف رءوف رحيم مؤمن صادق (قريب هين سهل) ويحبه الله تعالى ويكرمه بجناته، ويغدق عليه نعيمه ويمتعه بخيراته لماذا؟ لأنه سمح القضاء). ثالثاً: يفرج الله كربات من أحسن الأداء، ووفى بوعده تمام الوفاء، واستعمل الأدب في طلب سداده (تجاوزا عن عبدي). رابعاً: الفاضل الذي يعطي ما أخذه وزيادة، رجاء فضل الله وإحسانه (خيركم أحسنكم قضاء). خامساً: مكارم الأخلاق، وخوف الله تعالى يظهران في المؤمن المتقي الوجل من الله يسعى جهده أن يخشى الله في طلبه وفي أفعاله فيكون (حسن القضاء حسن الطلب). سادساً: ضرب صلى الله عليه وسلم المثلى الأعلى في حسن الأداء، وأعطى ضعف ما أخذ (أربعين لسلفه). سابعاً: أرشد صلى الله عليه وسلم طالب الحق أن يرأف ويتعفف ويرضى (واف أو غير واف) والله تعالى عنده حسن الثواب وجزيل الأجر والعطاء. =

الترغيب في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضي والقضاء

الترغيب في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضي والقضاء 1 - عنْ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رحم (¬1) الله عبداً سمحاً (¬2) إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى (¬3). رواه البخاري، وابن ماجه واللفظ له، والترمذي، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غفر الله (¬4) لرجلٍ كان قبلكمْ، كان سهلاً إذا باع، سهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى. 2 - وعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدخل الله عزَّ وجلَّ رجلاً كان سهلاً، مشترياً وبائعاً، وقاضياً (¬5) ومقتضياً الجنَّة. رواه النسائي، وابن ماجه لم يذكر: قاضياً ومقتضياً. 3 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركمْ بمن يحرم (¬6) على النار، ومنْ تحرم عليه النَّار؟ على كلِّ قريبٍ ¬

= ثامناً: السالف ملزم برد ما أخذ كاملا ويحسن به الأداء مع القيام بشكر الله تعالى وحمده والثناء على المستسلف والدعاء له بالخير رجاء أن الله يشمل الاثنين برحماته (الوفاء والحمد)، وفي غريب القرآن. القضاء فصل الأمر كان ذلك قولا أو فعلا، والاقتضاء المطالبة بقضائه، ومنه قولهم: هذا يقضي كذا أهـ. (¬1) أحسن إليه وأكرمه، قال في الفتح يحتمل الدعاء، ويحتمل الخبر قال الكرماني قلما تعرف الأخبار لكن قرينة الاستقبال المستفاد من إذا تجعله دعاء، وتقديره رحم الله رجلا يكون كذلك وقد يستفاد العموم من تقييده بالشرط أهـ. ص 214 جـ 4. (¬2) أي سهلا: وهي صفة مشبهة تدل على الثبوت، والمراد المساهلة، والسمح: الجواد. (¬3) طلب قضاء حقه بسهولة وعدم إلحاف، وفي رواية ابن التين (وإذا قضى): أي أعطى الذي عليه بسهولة بغير مطل، وفيه الحض على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم أهـ. فتح. وفي شرح العيني: وفيه الحض على المسامحة، وحسن المعاملة، واستعمال محاسن الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة في البيع، وذلك سبب لوجود البركة لأنه صلى الله عليه وسلم لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم ديناً ودنيا، وأما فضله في الآخرة، فقد دعا صلى الله عليه وسلم وعلى آله بالرحمة والغفران لفاعله، فمن أحب أن تناله هذه الدعوة فليقتد به، وليعمل به، وقال ابن حبيب تستحب السهولة في البيع، والشراء، وليس هي ترك المطالبة فيه، إنما هي ترك المضاجرة، ونحوها أهـ. ص 189 جـ 11. (¬4) ستر عيوبه ومحاسيئاته. (¬5) طالبا حقه. (¬6) يبعد من العذاب.

هيِّن سهلٍ. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، والطبراني في الكبير بإسناد جيد، وزاد: ليِّنٍ. وابن حبان في صحيحه. وفي رواية لابن حبان إنما تحرم النَّار على كلِّ هيِّنٍ ليِّنٍ قريب سهلٍ. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: من كان هيِّناً ليِّناً قريباً حرَّمه الله على النار. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أنس، ولفظه: قيل يا رسول الله: من يحرم على النَّار؟ قال: الهيِّن الليِّن السَّهل القريب. ورواه في الأوسط أيضاً والكبير عن معيقب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرِّمتِ النار على الهيِّن اللِّين السَّهل القريب. 5 - وعنه رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله يحبُّ سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء. رواه الترمذي، وقال: غريب، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 6 - وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمح يسْمَحْ لك. رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح إلا مهديّ بن جعفر. 7 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفضل المؤمنين: رجلٌ سمح البيع، سمح الشِّراء، سمح الشِّراء، سمح القضاء، سمح الاقتضاء. رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات. 8 - وعن عبد الله بن عمرٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل رجلٌ الجنَّة بسماحته قاضياً ومقتضياً. رواه أحمد، ورواته ثقات مشهورون. 9 - وعنْ حذيفة رضي الله عنه قال: أتى الله بعبدٍ من عباده آتاه الله مالاً، فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال: ولا يكتمون الله حديثاً؟ قال يا ربِّ: آتيتني مالاً، فكُنت أبايع النَّاس، وكان من خلقي الجواز (¬1)، فكنت أيَسِّرُ على الموسر، ¬

(¬1) العفو، والتساهل، والتسامح.

وأنظر (¬1) المعسر، فقال الله تعالى: أنا أحقُّ بذلك منك، تجاوزوا (¬2) عن عبدي، فقال عقبة بن عامرٍ، وأبو مسعودٍ الأنصاريُّ: هكذا سمعناه منْ في رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم هكذا موقوفاً على حذيفة، ومرفوعاً عن عقبة وابن مسعود، وتقدمت بقية ألفاظ هذا الحديث في إنظار المعسر. 10 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ له فهمَّ به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه فإنَّ لصاحب الحقِّ مقالاً، ثمَّ قال: أعطوه سنا (¬3) مثل سنِّهِ. قالوا يا رسول الله: لا نجد إلا أمثل من سنِّه. قال: أعطوه فإنَّ خيركمْ أحسنكمْ (¬4) قضاء. رواه البخاري ومسلم والترمذي مختصراً ومطولاً، وابن ماجه مختصراً. 11 - وعن أبي رافعٍ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكراً (¬5) فجاءته إبلٌ من الصَّدقة. قال أبو رافعٍ، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضى الرَّجل بكره، فقلت: لا أجد في الإبل إلا جملاً خياراً (¬6) رباعياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطه إياه، فإنَّ خيار الناس أحسنهم قضاءً. رواه مالك ومسلم، وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه. 12 - وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، ثمَّ قام خطيباً، فذكر الحديث إلى أن قال: ألا وإن منهمْ حسن القضاء (¬7) حسن الطلب (¬8)، ومنهم سيء القضاء حسن الطلب، فتلك بتلك، ألا وإنَّ منهم السيء القضاء، السيء الطلب، ألا وخيرهم الحسن القضاء، الحسن الطَّلب، ¬

(¬1) أؤخر طلبه، وأعطيه مهلة حتى يتمكن من الأداء بسهولة. (¬2) اتركوا حسابه، فقد سامحته. (¬3) أي جملا يساوي زمن عمره، فقالوا فيه أكبر وأحسن. (¬4) أفضلكم الذي يؤدي الحق زائدا كاملا. (¬5) الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من الناس، والأنثى بكرة، وقد يستعار للناس أهـ. نهاية. (¬6) أي جملا أكبر منه سنا، وأحسن نضارة، فأخبره صلى الله عليه وسلم أن حسن الأداء إيمان يدعو إلى التحلي به، والعمل به. (¬7) الأداء. (¬8) السؤال.

ألا وشرُّهْم سيِّئ القضاء سيءٌ الطَّلبِ. رواه الترمذي في حديث يأتي في الغضب إن شاء الله تعالى، وقال: حديث حسن. 13 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: استسلف النبيُّ صلى الله عليه وسلم من رجلٍ من الأنصار أربعين صاعاً فاحتاج الأنصاريُّ فأتاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاءنا شيء، فقال الرَّجل: وأورد أن يتكلَّم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقل إلا خيرا، فإنه خير من تسلِّف فأعطاه أربعين فضلاً (¬1)، وأربعين لسلفهِ، فأعطاه ثمانين. رواه البزار بإسناد جيد. وروي ابن ماجه عنه قال: جاء رجل يطلب النبي صلى الله عليه وسلم بدينٍ فتكلَّم بعض الكلام، فهمَّ به بعض أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهْ (¬2) إنَّ صاحب الدين له سلطان (¬3) على صاحبه حتى يقضيه (¬4). 14 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ يتقاضاه قد استلف منه شطر وسقٍ، فأعطاه وسقاً، فقال: نصف وسق لك، ونصفُ وسقٍ من عندي، ثمَّ جاء صاحب الوسق يتقاضاه، فأعطاه وسقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وسق لك، ووسقٌ من عندي (¬5) رواه البزار، وإسناده حسن إن شاء الله. (شطر وسق): أي نصف وسقٌ. (الوسق) بفتح الواو، وسكون السين المهملة: ستون صاعا، وقيل: حمل بعير. 15 - وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طلب حقًّا فليطلبه في عفافٍ (¬6) وافٍ، أو غير وافٍ. رواه الترمذي ¬

(¬1) ي زيادة عن حقه تكرماً وتفضلاً بعد الأربعين المأخوذة، مكارم أخلاق ناضرة بهيجة أثمرت في خلالك يا رسول الله، تعطي السلف، وتمطى العطاء الجزيل والمضاعف سماحة، لتعلم أمنك الهداية، وحسن الأداء. (¬2) اكفف واسكت (اسم فعل مبني على السكون). (¬3) أي حكم وغلبة. (¬4) يؤديه، والمعنى لا تكلمه ودعه يطالب به، فصاحب الدين قوي في طلبه، وله الحق والسطوة والغلبة على المدين حتى ينال حقه. (¬5) أعطاه صلى الله عليه وسلم ما أخذه سلفه، ومثله هبة وعطاء، ليكون المثل الأعلى في حسن الأداء، وليعلم أمته سماحة النفس وطيب الفعل. (¬6) أي عما لا يحل أهـ. فتح. وفي العيني: العفاف الكف عما لا يحل. والموسر من عنده مؤونته ومؤونة =

الترغيب في إقالة النادم

وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرح البخاري. 16 - وروي ابن ماجه عن عبد الله بن ربيعة رضي الله عنه أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم استسلف منه حين غزا حنيناً ثلاثين، أوْ أربعين ألفاً قضاها إيَّاه، ثمَّ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك في أهلك ومالك، إنَّما جزاء السَّلف (¬1) الوفاء، والحمد. (الترغيب في إقالة النادم) 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أقال (¬2) مسلماً بيعته أقاله (¬3) الله عثرته يوم القيامة. رواه أبو داود، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 2 - وفي رواية لابن حبان: من أقال مسلماً عثرته أقاله الله عثرته يوم القيامة. 3 - وفي رواية لأبي داود في المراسيل: من أقال نادماً (¬4) أقاله الله نفسه يوم القيامة. ¬

= من تلزمه نفقته، وقال الشافعي يكون الشخص بالدرهم غنيا بكسبه، وقد يكون فقيرا بالألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله، وقيل الموسر من يملك نصاب الزكاة، وقيل من لا تحل له الزكاة أهـ. (¬1) المأخوذ سلفة رده كاملا مع الشكر والثناء: قال تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون) 280 من سورة البقرة. والسلم يقال له السلف، وهو بيع شيء موصوف في الذمة. قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) قال ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في السلم، وقال صلى الله عليه وسلم (من أسلم في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) رواه الشيخان. وأركانه مسلم ومسلم إليه ومسلم فيه، ورأس مال وصيغة. (¬2) أي وافقه على نقض البيع: أي أنقذه من بيعة ندم عليها. (¬3) رفعه من سقوطه يوم القيامة وغفر زلته لكونه فرج على أخيه المسلم، ومثله الذمى، والمعاهد والمؤمن. أهـ حفني. بخبر صلى الله عليه وسلم بفك الكروب يوم القيامة لمن يبعد الضرر عن أخيه ويفرج همومه في بيعة ما غش وخدع فيها. (¬4) وقع في بيعة وأراد النجاة منها، ففيه الحث على إنقاذ المسلم والعطف عليه وعدم إضراره، وفي النهاية: أي وافقه على نقض البيع وأجابه إليه، يقال أقاله يقيله إقالة وتقايلا إذا فسخا البيع وعاد المبيع إلى مالكه، والثمن إلى المشتري إذا كان قد ندم أحدهما أو كلاهما، وتكون الإقالة في البيعة والعهد أهـ. روي لنا الأبرار المؤرخون أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه اشترى من رجل أرضا فأبطأ عليه في تسلم الثمن، فقال له ما منعك من أن تقبض الثمن. قال إنك غبنتني. واشتريت مني الأرض رخيصة. وكلما قابلني رجل لامني على هذا البيع، فقال له أنت حرفي الرجوع فاختر ما تشاء الأرض أم الثمن. تدل هذه الحادثة على أنه رضي الله عنه كان شديد التسامح رءوفا بالناس كثير الخوف من الله تعالى، انظر ما قاله للبائع من أن البيع قد انعقد وأصبحت الأرض ملكاً له، أليس هذا هو منتهى التسامح والخوف من الله تعالى والرأفة بالناس أهـ. من =

الترهيب من بخس الكيل والوزن

2 - وعن أبي شريحٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أقال أخاه بيعاً أقاله الله عثرته يوم القيامة. رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات. (الترهيب من بخس الكيل والوزن) 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لمَّا قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث (¬1) الناس كيلاً، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: ويلٌ للمطففِّين فاحسنوا الكيل بعد ذلك (¬2) رواه ابن ماجه، وابن حبان في صحيحه والبيهقي. 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والوزن: إنكم قد وليتمْ أمراً فيه هلكتِ الأممُ السالفة ¬

= كتاب (صفوة رءوس الدين والأخلاق) لأستاذي الشيخ مصطفى عناني والشيخ عطية الأشقر ص 23 جـ 4. وإن شاهدنا أمير المؤمنين الصحابي الجليل الذي عاصر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتفع رضي الله عنه بأحاديث حبيبه، وعرض بطيب خاطر، وراحة ضمير وحسن نية، والسلعة لصاحبها إن أحب بلا طمع، وترك له الحرية المطلقة ادخارا لثواب الله تعالى، ورجاء رحمة، وتفريج كروبه، فلنقتد به رضي الله عنه، ولنقل النادم، ولنصفح، ولنزل الجشع شيئا نترك الرجاء، وحب المصلحة، وتتميم العمل على ضوء الخوف من الله تعالى، وطلب رضاه. (¬1) أنقص. خبث ضد طاب، والاسم الخباثة، ويطلق الخبيث على الحرام، وعلى الرديء المستكره طعمه أو ريحه كالثوم والبصل. قال تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) أي لا تخرجوا الردئ في الصدقة من الجيد: قال تعالى (ويل للمطففين 1 الذين اكتالوا على الناس يستوفون 2 وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون 3 ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون 4 ليوم عظيم 5 يوم يقوم الناس لرب العالمين) 6 من سورة المطففين. (ويل) واد في جهنم لأولئك الذين ينقصون الكيل أو الوزن، والتطفيف: البخس، وطفيف أي حقير (اكتالوا) أخذوا حقوقهم وافية إذا اكتالوا من الناس، وأبدل على بمن للدالة على اكتيالهم لما لهم على الناس أو اكتيال يتحامل فيه عليهم (كالوهم) كالوا لهم (ألا يظن) إنكار وتعجيب من حالهم، فإن من ظن ذلك لم يتجاسر على هذه القبائح، فكيف بمن أيقن؟، والمراد استعمال العدل، فلا تستعمل مكاييل غير مضبوطة، ولا صنج مغشوشة، والبيع والشراء ضرورة من ضرورات الحياة لا يمكن الاستغناء عنهما، وأنت ترى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرقت أنواره بالمدينة فزال الجهل، وعم العدل، وحسن الفعل، فأرشد أهل المدينة إلى استيفاء الوزن والكيل. (¬2) فإذا كالوا أو وزنوا لا يأخذون أكثر من حقهم، ولا يعطون الناس أقل من استحقاقهم، فإن التاجر إذا طفف في كيله أو وزنه بأن زاد على ما أخذ أو نقص مما أعطى تضعف ثقة الناس به وينصرفون من معاملته وينفضون من حوله فتخسر تجارته وتكسد سوقه، هذا إلى عذاب الله الأليم الذي أعده له والعاقبة الوخيمة (كلا) حرف ردع من التطفيف والغفلة عن البعث والحساب (كلا إن كات الفجار لفي سجين 7 وما أدراك ما سجين 8 كتاب مرقوم 9 ويل يومئذ للمكذبين 10 الذين يكذبون بيوم الدين 11 وما يكذب به إلا كان معتد أثيم 12 =

قبْلكمْ. رواه الترمذي، والحاكم كلاهما من طريق حسين بن قيس عن عكرمة عنه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. (قال الحافظ): كيف، وحسين بن قيس متروك، والصحيح عن ابن عباس موقوف، كذا قال الترمذي وغيره. 3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا معشر المهاجرين: خمسُ خصالٍ إذا ابتليتم (¬1) بهنَّ، وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ (¬2): لم تظهر الفاحشة (¬3) في قومٍ قطّ حتى يعلنوا بها إلا فشافيهم الطاعون (¬4) والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم (¬5) الذي مضوا، ولمْ ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين (¬6)، وشدَّة المئونة (¬7)، وجور (¬8) السلطان عليهم، ولمْ يمنعوا زكاة (¬9) أموالهمْ إلا منعوا القطر (¬10) من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا. ولمْ ينقضوا عهد الله (¬11) وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا (¬12) من غيرهمْ فأخذوا ¬

= إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين 13 كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون 14 كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون 15 ثم إنهم لصالوا الجحيم 16 ثم ييقال هذا الذي كنتم به تكذبون. كلا) 17 من سورة المطففين. (سجين) كتاب كامع لأعمال الفجرة من الإنس والجن (مرقوم) مسطور (معتد) متجاوز عن النظر غال في التقليد حتى اقتصر قدرة الله تعالى وعلمه فاستحال منه الإعادة وقصر في أوامره سبحانه وتعالى (أثيم) منهمك في الشهوات ناس حقوق الله عليه غافل عن ذكره بعيد عن طاعته من فرط جهله وعمايته عن الحق. غلب عليهم حب المعاصي حتى صار صدأ على قلوبهم كما قال صلى الله عليه وسلم (إن العبد كلما أذنب ذنبا حصل في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه) وهذا هو الرين، أي الصدأ (لمحجوبون) لا يرونه سبحانه، هم ممنوعون عن مشاهدة الذات العلية (عن ربهم أي من قرب ربهم). (¬1) اختبرتم. (¬2) طلب صلى الله عليه وسلم نجاة المؤمنين الصادقين العاملين منها. (¬3) الزنا واللواط. (¬4) الأمراض الوبائية الحاصدة الأرواح، المؤلمة المزعجة وحوادث اليوم تحقق صدق قوله صلى الله عليه وسلم. (¬5) الأمم السابقة والأجداد. (¬6) المجاعة، والقحط، وشدة الجدب، وذهاب البركة من الزروع، والأزمة الخانقة. (¬7) الأثقال، والهموم، والأحزان. (¬8) ظلم الحاكم. (¬9) المقدر إخراجها في الذهب والفضة والتجارة والزروع والمواشي وغيرها وكذا الصدقات، وأعمال البر. (¬10) المطر. (¬11) طاعته سبحانه، والعمل بشريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين 172 أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون 173 وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون) 174 من سورة الأعراف. أي أخرج سبحانه من أصلابهم نسلهم على ما يتاالدون قرنا بعد قرن ليشهدوا دلائل ربوبيته، وركب في عقولهم ما يدعوهم إلا الإقرار بها. فعهد الله طاعته. (¬12) أجنبيا وحاكما ليسلبوا نعمتهم وليحبسوا حريتهم وليغلوا أيديهم فيقعوا في الأسر والهوان، والذل.

بعض ما في أيديهمْ، وما لمْ تحكمْ أئمَّتهمْ (¬1) بكتاب الله تعالى، ويتخيَّروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم (¬2) بينمْ. رواه ابن ماجه، واللفظ له والبزار والبيهقي، ورواه الحاكم بنحوه من حديث بريدة، وقال: صحيح على شرط مسلم. ورواه مالك بنحوه موقوفاً على ابن عباس، ولفظه قال: ما ظهر الغلول (¬3) في قومٍ إلا ألقى الله في قلوبهم الرُّعب (¬4)، ولا فشا الزِّنا في قومٍ إلا كثر فيهم الموت (¬5) ولانقص قومٌ المكيال والميزان إلا قطع الله عنهم الرِّزق (¬6)، ولا حكم قومٌ بغير حقٍّ ¬

(¬1) أمراؤهم وعلماؤهم. (¬2) قتالهم وأوجد في قلوبهم النفور والشقاق والتباغض: ونزع منهم نعمة الألفة، والاتحاد والمودة. قال تعالى (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا، ويذيق بعضكم بأس بعض، انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) 65 من سورة الأنعام (من فوقكم) إنزال الصواعق كما فعل بقوم نوح ولوط، وأصحاب الفيل، أو سلط عليكم ظلم أكابركم وحكامكم (أو من تحت أرجلكم) أرسل عذابا من الأرض كما أغرق فرعون وخسف بقارون وانتقم من السلفة والعبيد وأشرار المجرمين (بلبسكم شيعا) يخلطكم فرقا متحزبين، على أقل شيء ينشب القتال وتتقد نانر العداوة، ويقاتل بعضكم بعضا. انظر إلى حال المسلمين يا أخي الآن سنة 1354 هـ. هل نحن متمسكون بآداب الدين. وهل نحن عاملون بكتاب الله وسنة حبيبه. أرجو أن نعمل، عسى الله أن يضم شعثنا ويقرب قلوبنا في الله ولله لنسمو، نذر خمسة نادى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر المهاجرين الذين نصروه واتبعوه وفارقوا أوطانهم في سبيل الذب عن دين الله تعالى ونصره. أ - يتبع المعاصي والمنكرات الأمراض الوبائية. ب - ويتبع الغش ونقص المكيال والميزان الأزمة الطاحنة وقلة المال، وظلم الحاكم الوالي عليهم. جـ - يتبع البخل والشح وعدم إخراج زكاة أموالهم منع الأمطار وجفاف الأنهار. د - يتبع عدم طاعة الله ورسوله الذي والأسر والوقوع في أيدي الأجانب يتحكمون في رقابهم وثروتهم وبلدهم. هـ - يتبع أحكام العلماء على غير مناهج القرآن والسنة الفتن الداخلية والشقاق والتنافر والتخاصم والتخاذل يحارب المسلمون بعضهم بعضا (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون). هذا نذير من النذر الأولى 56 أزفت الآزفة 57 ليس من دون الله كاشفة) 58. أي هذا القرآن إنذار من الإنذارات السابقة، أو هذا الرسول نذير من جنس المنذرين الأولين، وقد دنت الساعة (أفمن هذا الحديث تعجبون 59 وتضحكون ولا تبكون 60 وأنتم سامدون 61 فاسجدوا لله واعبدوا) 62 من سورة النجم، يعني القرآن، سامدون: لا هون أو مستكبرون: فاعبدوا الله أيها المسلمون واعملوا بشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم واحذروا عصيانه. (¬3) السرقة الخفية والخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة في الحرب قبل القسمة، وكل من خان في شيء خفية فقد غل، وفيه (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم) هو من الإغلال: الخيانة). (¬4) الفزع والخوف، والمعنى عدم الأمانة يجلب الشقاق والنفاق وينزع الأمن، ويجلب عدم الطمأنينة. (¬5) سلط عليهم الأوباء الحاصدة الناسفة المميتة. (¬6) الخير والبركات.

إلا فشافيهم الدَّم (¬1)، ولا ختر قومٌ إلا سلَّط الله عليهم العدوَّ (¬2). رفعه الطبراني وغيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم. (الختر) بالخاء المعجمة، والتاء المثناة فوق: هو الغدر، ونقض العهد. (والسنين) جمع سنة: وهي العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئا سواء وقع قطر أو لم يقع. 4 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: القتل في السبيل (¬3) الله يكفِّر (¬4) الذنوب كلها إلا الأمانة. ثمَّ قال: يؤْتي بالعبد يوم القيامة، وإن قتل في سبيل الله فيقال أدِّ أمانتك فيقول: يا ربِّ كيف وقد ذهبت الدنيا. قال فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية فينطلق به إلى الهاوية، وتمثَّل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه فيراها فيعرفها فيهوى في أثرها حتى يدركها فيحملها على منكبيه حتى إذا نظر ظنَّ أنه خارجٌ زلَّت عن منكبيه فهو يهوى في أثرها أبد الآبدين، ثمَّ قال: الصلاة أمانة، والوضوء أمانةٌ، والوزن أمانة. والكيل أمانة، وأشياء عدَّها، وأشدُّ ذلك الودائع. قال يعني: زاذان، فأتيت البراء بن عازبٍ فقلتُ: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعودٍ قال: كذا قال كذا. قال: صدق، أما سمعت الله يقول: إن الله يأمركم (¬5) أن تؤدُّوا الأمانات ¬

(¬1) كثرة القتل. والمعنى أن الحكام إذا لم يعدلوا انتزع الأمن وتعدى كل مظلوم على ظالمه وقتله وانتقم منه. (¬2) الأجنبي الظالم يتحكم فيهم. قال تعالى (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) 129 سورة الأنعام. وقال تعالى (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون 42 فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون 43 فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون 44 فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) 45 من سورة الأنعام. وقال. تعالى (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور 15 أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور 16 أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير) 17 من سورة الملك. شاهدنا تذليل الأرض في جوانبها وفي جبالها التماسا لنعم الله مع طاعته، والعمل بآداب دينه واعتقاد المرجع إليه جل وعلا، فيسأل سبحانه من شكر ما أنعم علينا ويطلب سبحانه وتعالى الاستقامة، ومنه وفاء الكيل والميزان وإلا سلط ملائكته الموكلين على تدبير هذا العالم على إفساد الجو فيملأ بالجراثيم والأمراض وتزلزل الأرض بمن فيها وتضطرب أو يمطر علينا حصباء مهلكة. نسأل الله السلامة. (¬3) الجهاد لأجل نصر دين الله. (¬4) يمحو. (¬5) خطاب يعم المكلفين، ويطلب الله تعالى أن ترد الأشياء المودعة في الذمة كما هي كاملة مستوفاة: أي =

الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره

إلى أهلها. رواه البيهقي موقوفاً، ورواه بمعناه هو وغيره ومرفوعاً، والموقوف أشبه. الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع وغيره 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حمل علينا السلاح فليْس منّا (¬1)، ومن غشَّنا فليْسَ منَّا. رواه مسلم. 2 - وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة (¬2) طعامٍ فأدخل يده فيها فنالتْ أصابعه بللاً (¬3)، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء (¬4) يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام (¬5) حتى يراه الناس، من غشَّنا فليس منَّا. رواه مسلم، وابن ماجه، والترمذي، وعنده: من غ شَّ فليْس منَّا، وأبو داود ولفظه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرَّ برجلٍ يبيع طعاماً فسأله كيف تبيع؟ فأخبره ¬

= المحافظة على كل ما يعهد إلى الإنسان القيام به من قول أو فعل أو عمل، وذلك كالمحافظة على تأدية الصلاة في أوقاتها وإعطاء الأمانة لأربابها، وقول الحق بلا خوف ووجل، وأداء الشهادة كما رأى، وتحقق بلا تغيير أو تحريف، ويظهر أثرهار: أ - في أداء الفرائض والواجبات في أوقاتها المحددة لها، وعلى النظام الذي وضع لها. ب - في تأديته الوديعة سالمة كاملة بلا تسويف، ولا مماطلة. جـ - في احترام الملك الخاص كملك الأفراد واحترام الملك العام كالشوارع، والمتنزهات فلا يعبث بها، ولا يتعدى عليها بنقص. د - في العلم: أي يقول ما يعلم، وإذا سئل عما لا يعلم. قال أدرى. هـ - في التبليغ، ينقل الرسالة كما كلف ويوصلها على وجهها بلا زيادة ولا نقصان، وحسن المعاملة، فالتاجر ينصح المشتري ويفي له كيله وميزانه ويصدق في وصف السلعة، ولم يغال في ثمنها، ويصدق الصانع في ميعاده ويتقن صنعته. (¬1) من حاربنا ومشى ضدنا فليس على طريقتنا، وقال العلقمي. قال في الفتح المراد من حمل عليهم السلاح لقتالهم لما فيه من إدخال الرعب عليهم، لا من حمله لحراستهم مثلا، فإنه يحمله لهم لا عليهم: أي ليس على طريقتنا وأطلق اللفظ مع احتمال إرادة أنه ليس على الملة للمبالغة في الزجر والثويف أهـ جامع صغير إن المسلم الكامل من سلم المسلمون من لسانه ويدة ونأى عن الغش، وبعد عن نقص الكيل والوزن. (¬2) الصبرة: الطعام المجتمع كالكومة، وجمعها صبر. (¬3) نديا مبللا. (¬4) المطر. (¬5) أي هل أظهرت هذا.

فأوحى الله إليه أن أدخل يدك فيه، فإذا هو مبلُولٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليْس منَّا منْ غشَّ (¬1). 3 - وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعامٍ، وقدْ حسَّنه (¬2) صاحبه، فأدخل يده فيه، فإذا طعامٌ ردئ فقال: بعْ هذا على حدةٍ (¬3)، وهذا على حدةٍ، فمنْ غشَّنا فليْس منَّا. رواه أحمد والبزار والطبراني، ورواه أبو داود بنحوه عن مكحول مرسلاً. 4 - عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق فرأى طعاماً مصبَّراً (¬4). فأدخل يده فأخرج طعاماً رطباً (¬5) قد أصابته السماء، فقال لصاحبها: ما حملك على هذا؟ قال: والذي بعثك بالحقّث إنه لطعامٌ واحدٌ. قال أفلا عزلْت الرَّطب على حدتهث (¬6) واليابس على حدتهث فتتبايعون (¬7) ما تعرفون، منْ غشَّنا فليْس منَّا. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد. 5 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليْس منَّا، والمكر، والخداع (¬8) في النار. رواه الطبراني في الكبير والصغير بإسناد جيد، وابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) الغش: ضد النصح من الغشش، وهو المشرب الكدر، وقوله: ليس منا: أي ليس من أخلاقنا، ولا على سنتنا أهـ نهاية. غش: لا يمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمره. (¬2) مدحه وزخرفه. (¬3) أي بع الجيد وحده، والصنف الردئ وحده، ولا تخلط لأن الإسلام يدعو إلى الأمانة وخوف الله وعدم التدليس. (¬4) مجففا يعيش زمنا. (¬5) لبنا نديا نزل عليه ماء. (¬6) حدته كذا ط د ع ص 578، وفي د حدة. يؤنبه صلى الله عليه وسلم ويزجره ويردعه ليعزل كل صنف: الرطب وحده، واليابس وحده، فيقدم المشتري، ويأخذ ما يريد بلا غش، ولا خديعة. (¬7) أي يحصل تبادل ومبايعة في الظاهر. (¬8) الخبث والحيل الجالبة الغش، مكر من باب قتل خدع، والخدع والخديعة: سوء النية مع اللؤم وجلب المنفعة في سوء طويلة، والحرب تخدع الرجال وتمنيهم. وفي غريب القرآن: المكر: صرف الغير عما يقصده بحيلة، وذلك ضربان: مكر محمود وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل وعلى ذلك قال (والله خير الماكرين) ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح. قال تعالى (ولا يحيق المكر السيء السيء إلا بأهله. وإذ يمكر بك الذين كفروا، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم) وقال بعضهم: من مكر الله إمهال العبد وتمكينه من أغراض الدنيا ولذلك. قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: من وسع عليه دنياه، ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله أهـ.

ورواه أبو داود في مراسيله عن الحسن مرسلا مختصرا قال: المكرُ، والخديعة، والخيانة (¬1) في النَّار. 6 - وعنْ قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه قال: مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم برجلٍ يبيع طعاماً، فقال يا صاحب الطعام: أسفل هذا مثل (¬2) أعلاه؟ فقال: نعمْ يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غشَّ المسلمين فليْس منهمْ. رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات. 7 - وعنْ صفوان بن سليمٍ أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه مرَّ بناحية الحرَّة، فإذا إنسان يحمل لبنا يبيعه فنظر إليه أبو هريرة، فإذا هو قدْ خلطه (¬3) بالماء، فقال له أبو هريرة: كيف بك إذْ قيل لك يوم القيمة خلص الماء من اللبن (¬4). رواه البيهقي والأصبهاني موقوفا بإسناد لا بأس به. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم: أنَّ رجلاً كان يبيع الخمر في سفينةٍ له، ومعه قردٌ في السفينة، وكان يشوب (¬5) الخمر بالماء فأخذ القرد الكيس فصعد (¬6) الذروة، وفتح الكيس فجعل يأخذ ديناراً فيلقيه في السنة، وديناراً في البحر حتى جعله نصفين. ورواه البيهقي أيضاً، ولا أعلم في رواته مجروحاً، وروي عن الحسن مرسلاً. وفي رواية للبيهقي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشوبوا اللبن للبيع (¬7)، ثم ذكر حديث المحفلة، ثم قال موصولا بالحديث: ألا وإنَّ رجلاً ممنْ كان قبلكمْ جلب خمراً إلى قريةٍ فشابها بالماء فأضعف أضعافا فاشترى قرداً فركب البحر حتى إذا لججَ ¬

(¬1) صفات ثلاث تجر إلى العذاب الشديد: خبث النية، وحيلة الأذى، وفعل الإجرام، والسرقة، ونقص الودائع وخفر الذمة، ونقض الأمانة. (¬2) استفاهم منه صلى الله عليه وسلم عن وسط هذا الكومة المختفي هل هو مثل الظاهر المشاهد؟. (¬3) وضع الماء في اللبن. (¬4) يعذب يوم القيامة بفصل ما غشه ونبذ الماء وإخراجه من وسط اللبن ولن يقدر أن يفعل فيستمر عذابه انتقاما منه حتى يعفو الله عنه. (¬5) يخلط. (¬6) ذهب إلى أعلى. (¬7) المراد أنه عصير يشرب ويباع، وسمي خمراً لتخمره بحسب ما يؤول إليه إذا ترك مدة (إني أراني أعصر خمرا) أي أعصر عنبا، فأنت ترى هذا الرجل يدلس ويدنس ويخلط ويغش في شرابه، فألهم الله القرد أن يضيع نصف ثروته جزاء غشه. أو يقال الخمر المحرم شربها وعاقبه الله بهذا لغشه ولو كان يبيع ما نهى الله عنه.

فيه ألهم الله صرَّة الدَّنانير فأخذها فصعد الدَّقل ففتح الصُّرَّة وصاحبها ينظر إليه فأخذ ديناراً فرمى به في البحري، وديناراً في السَّفينة حتى قسمها نصفين. وفي أخرى له أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ رجلاً كان فيمنْ كان قبلكمْ حمل خمراً، ثمَّ جعل في كلِّ رزقٍّ نصفاً ماء، ثمَّ باعه، فلمَّا جمع الثمن جاء ثعلبٌ فأخذ الكيس وصعد الدَّقل (¬1)، فجعل يأخذ ديناراً فيرمي به في السفينة، ويأخذ دينارا فيرمي به في الماء حتى فرغ ما في الكيس (¬2). 9 - وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: من غشنا فليْس منَّا. رواه البزار بإسناد جيد. (قال المملي) عبد العظيم: قد روي هذا المتن عن جماعة من الصحابة مهم: عبد الله ابن عباس، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وأبو بردة بن نيار وغيرهم، وتقدم من حديث ابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وقيس بن أبي غرزة. 10 - وعن أبي سباعٍ رضي الله عنه قال: اشْتريت ناقةً من دار واثلة ابن الأسقع، فلمَّا خرجت بها أدركني يجرُّ إزاره، فقال: اشتريت؟ قلت: نعم. قال: أبيِّن (¬3) لك ما فيها. قلت: وما فيها؟ قال: إنها لسمينة ظاهرة الصِّحَّة. قال: أردت بها سفراً، أو أردت بها لحما؟ قلتُ: أردت بها الحجِّ (¬4) قال: فارتجعها (¬5)، فقال صاحبها: ما أردت إلى هذا، أصلحك الله تفسد عليَّ؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحلُّ لأحد يبيع شيئاً إلا بين ما فيه، ولا يحلُّ لمنْ علم ذلك إلا بيَّنه رواه الحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ورواه ابن ماجه باختصار القصة إلا أنه قال: عن واثلة بن الأسقع قال: سمعتُ رسول ¬

(¬1) خشبة يمد ع ليها شراع السفينة وتسميها البحرية الصاري، والزق جلد يجز شعره ولا ينتف نتف الأديم. (¬2) انتهى ما في الصرة: أي إنه رمى نصف نقود الغاش جزاء خلطه، وتدليسه وباطله. (¬3) أظهر عيوبها. (¬4) أركبها، وأحمل عليها متاعي. (¬5) ردها لأنها تصلح للذبح وليست قادرة على السفر، فأنت ترى الإيمان الكامل يتبع المشتري، ويبين عيوبها وفائدتها، وهو حر في الشراء، راجيا من الله البركة وحسن المثوبة.

الله صلى الله عليه وسلم يقول: من باع عيباً لمْ يبيِّنْه لم يزل في مقت (¬1) الله، ولم تزل الملائكة تلعنه (¬2)، وروي هذا المتن أيضاً من حديث أبي موسى. 11 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلمُ أخو المسلم (¬3)، ولا يحلُّ لمسلم إذا باع من أخيه بيعا فيه عيبٌ أن لا يبينه (¬4) رواه أحمد، وابن ماجه والطبراني في الكبير، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، وهو عند البخاري موقف على عقبة لم يرفعه. 12 - وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون بعضهم لبعض نصحةٌ (¬5) وادُّون، وإنْ بعدتْ منازلهمْ وأبدانهم (¬6). والفجرة (¬7) بعضهم لبعض غششةٌ (¬8) متخاونون وإن اقتربت منازلهمْ وأبدانهمْ. رواه أبو الشيخ بن حبان في كتاب التوبيح. 13 - وعن تميمٍ الدَّاريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) غضبه. (¬2) تطلب طرده من رحمة الله. (¬3) بينهما رابطة الصداقة، والعروة الوثقى في المحبة والأخوة. قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة) أشد من رابطة النسب. (¬4) ألا يعرب عنه، وأن لا يظهر ما كتم من عيوبه. (¬5) ناصحون متوادون والأخوة رابطة بين الشخصين توجب لكل منهما على الآخرة حقوقا يجب الوفاء بها: منها عدم ظلمه، وعدم غشه، ونصره ونصيحته وقضاء حاجاته وتفريج كروبه وستر عيوبه وإرشاده إلى ما فيه صلاحه، وحب الخير له، وبعد الشر عنه. (¬6) أوطانهم وأجسامهم. (¬7) الفسقة العصاة. (¬8) مدلسون خائنون لا ذمة لهم، ولا أمانة، ولا خوف عندهم من الله يردعهم، قال الله تعالى: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون 9 في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون 10 وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون 11 ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) 12 من سورة البقرة. قال البيضاوي: الخداع أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه من المكروه لتنزيله عما هو فيه وعما هو بصدده والمراد مخادعة الرسول لأن معاملة الرسول معاملة الله من حيث إنه خليفته كما قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) وقال تعالى (في قلوبهم مرض) مجار في الأعراض النفسانية التي تخل كالجهل، وسوء العقيدة والحسد والضغينة وحب المعاصي لأنها مانعة من نيل الفضائل أو مؤدية إلى زوال الحياة الحقيقية الأبدية (لا تفسدوا) الفساد خروج الشيء من الاعتدال، والصلاح ضده، وكلاهما يعمان كل ضار ونافع. هذه الآيات في الكفار والمنافقين، وكان من فسادهم في الأرض هيج الحروب والفتن بمخادعة المسلمين وممالأة الكفار عليهم بإفشاء الأسرار إليهم، فإن ذلك يؤدي إلى فساد ما في الأرض من الناس والدواب والحرث، ومنه إظهار المعاصي والإهانة بالدين، فإن الإخلال بالشرائع والإعراض عنها مما يوجب الهرج والمرج ويخل بنظام العالم أهـ ص 12.

إن الدين (¬1) النصيحة (¬2). قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهمْ. رواه مسلم والنسائي. وعنده: إنما الدين النصيحة. وأبو داود، وعنده قال: إنَّ الدين النصيحة. إن الدين النصيحة. إن الدين النصيحة الحديث. ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة بالتكرار أيضاً، وحسَّنه. ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ثوبان إلا أنه قال: رأس الدين النَّصيحة، فقالوا: لمنْ يا رسول الله؟ قال: لله عزَّ وجلَّ، ولدينهِ، ولأئمة المسلمين وعامَّتهم. 14 - وعن زياد بن علاقة رضي الله عنه قال: سمعت جرير بن عبد الله يقول: يوم ماتَ المغيرة بن شعبة: أمَّا بعد فإني أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أبايعك على الإسلام فشرط عليَّ، والنُّصح لكلِّ مسلمٍ (¬3) فبايعته على هذا، وربِّ هذا المسجد (¬4) إني لكمْ لناصحٌ. رواه البخاري ومسلم. 15 - وعن جريرٍ أيضاً رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ¬

(¬1) أن معظمه وكامله. (¬2) إخلاص القول، والعمل. قال الخطابي: النصيحة كلمة جامعة معناها: حيازة الحظ للمنصوح له. وهي من وجيز الكلام، بل ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفي بها العبارة عن معنى هذه الكلمة. وهذا الحديث من الأحاديث التي قبل فيها إنها أحد أرباع الدين أهـ. وقال النووي: بل وحده محصل لغرض الدين كله لأنه منحصر في الأمور التي ذكرها، فالنصيحة لله وصفه بما هو له أهل، والخضوع له ظاهرا وباطنا والرغبة في محابه بفعل طاعته والرهبة من مساخطه بترك معصيته والجهاد في رد العاصين له أهـ. وروي الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة صاحب علي قال: قال الحواريون لعيسى عليه السلام: يا روح الله من الناصح لله؟ قال: الذي يقدم حق الله على حق الناصح، والنصيحة لكتاب الله تعلمه وتعليمه وإقامة حروفه في التلاوة وتحريرها في الكتابة وتفهم معانيه وحفظ حدوده والعمل بما فيه وذب تحريف المبطلين عنه. والنصيحة لرسوله وتعظيمه ونصره حيا وميتا وإحياء سنته بتعلمها وتعليمها وتعليمها والاقتداء به في أقواله وأفاعله ومحبته ومحبة أتباعه. والنصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حملوا القيام به وتنبيههم عند الغفلة وسد خلتهم عند الهفوة وجمع الكلمة عليهم ورد القلوب النافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن. ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد وتقع النصيحة لهم ببث علومهم ونشر مناقبهم وتحسين الظن بهم. والنصيحة لعامة المسلمين الشفقة عليهم والسعي فيما يعود نفعه عليهم وتعليمهم ما ينفعهم وكف وجوه الأذى عنهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه. وفي الحديث فوائد أخرى: منها أن الدين يطلق على النصيحة لكونه سمي النصيحة دينا. ومنها جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب من قوله: قلنا لمن؟ ومنها رغبة السلف في طلب علو الإسناد أهـ ص 103 فتح. (¬3) ومسلمة: قال في الفتح التقييد بالمسلم للأغلب، وإلا فالنصح للكافر معتبر بأن يدعي إلى الإسلام ويشار عليه بالصواب إذا استشار. واختلف العلماء في البيع على بيعه. (¬4) مشعر بأن خطبته كانت بالمسجد.

إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة (¬1) والنصح لكلِّ مسلم (¬2). رواه البخاري ومسلم والترمذي. ورواه أبو داود والنسائي، ولفظهما: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السَّمع (¬3) والطاعة (¬4)، وأن أنصح لكِّ مسلم، وكان إذا باع الشيء أو اشترى. قال: أما إن الذين أخذنا منك أحبُّ إلينا مما أعطاك فاختر (¬5). 16 - وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجلَّ: أحبُّ ما تعبَّد لي به عبدي النُّصح لي (¬6). رواه أحمد. 17 - وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لا يهتمُّ بأمر (¬7) المسلمين فليس منهمْ، ومنْ لمْ يصبحْ ويمس ناصحاً لله ولرسوله، ولكتابه، ولإمامهِ، ولعامَّة المسلمين فليس منهم رواه الطبراني من رواية عبد الله بن أبي جعفر. ¬

(¬1) قال القاضي عياض: اقتصر على الصلاة والزكاة لشهرتهما، ولم يذكر الصوم وغيره لدخول ذلك في السمع والطاعة. (¬2) هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه اتفق مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على القيام بثلاثة: أ - أداء الصلاة في أوقاتها تامة الأركان مستوفية الشروط والسنن. ب - إخراج زكاة الأموال والأبدان مع الصدقة جهد الطاقة. جـ - إسداء النصيحة الخالصة، وتقديم الاستشارة المسددة، والإرشاد إلى الصواب. (¬3) أن يصغي إلى أقواله صلى الله عليه وسلم، ويعمل بها. (¬4) طاعة الله ورسوله، ثم أظهر ما يدل على الورع، وكمال الإيمان: أن يترك الحرية إذا تسلم شيئاً من أحد، ويمدح ما أخذ، ويقول أيها البائع أو أيها المشتري اختر لنفسك ما يحلو، وإن ما أخذته جميل، ومحبب إلي وأخشى أن أظلمك. (¬5) أي اطلب ما تحب. وفي غريب: القرآن النصح تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه: (وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، ولكن لا تحبون الناصحين) آية 79 من سورة الأعراف. نصحت له: أي أخلصت له (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم) وناصح العمل خالصه أهـ. (¬6) الأمر بطاعتي، وتنفيذ أوامري، والقدوة الحسنة لغيره، والداعي إلى الخير، وعمل البر ومشيد الصالحات ابتغاء وجهي. (¬7) من لا ينظر إلى شئون المسلمين نظر رحمة، وعطف وحنان وإحسان، ويبذل قصارى جهده في قضاء حاجاتهم وتخفيف كروبهم، وإزالة آلامهم، فهو ناقص الإسلام غير محشور في زمرتهم بعيد من نعيم الله ورضوانه لأنه قاسي القلب، فاقد الشفقة: قال صلى الله عليه وسلم. أ - (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا). ب - (ترى المسلمين في تراحمهم وتوادهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر).

18 - وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن (1) (¬1) أحدكمْ ¬

(¬1) لقد فطر الله الإنسان يحب لنفسه الخير، ويكره لها الشر، فيجب أن يكون مطيعا لربه كريم الخلق صحيح الجسم ناجحا في أعماله غنيه عن غيره، آمنا على نفسه، وعرضه وماله وهكذا. وقد بين صلى الله عليه وسلم أن كامل الإيمان الذي يحب الخير لأخيه ويسعى إلى منفعته ويود تقدمه ويرجو الثروة له، ولا يتمنى ضررا يلحقه أو أذى يحيط به ليفيض عليهما نعم الله وفضله (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) وقد ضرب الله مثلا أعلى في الإيمان (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون 8 والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون 9 والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) 10 من سورة الحشر. ولممحمود باشا سامي البارودي يصف تحريف الوشاة وأهل الغدر ويصف نصفه بطهارة الذمة لمْ أجنِ في الحبِّ ذنباً أستحقُّ به ... عُتباً ولكنها تحريف أقوال ومن أطاع رواة السُّوء نضرَّة ... عن الصديق سماع القيل والقال أدهى المصائب غدرٌ قبله ثقةٌ ... وأقبح الظالم صدٌّ بعد إقبال لا عيب فيَّ سوى حرية ملكتْ ... أعِنَّتي من قبول الذُّلِّ بالمال تبعت خطَّة آبائي فسرت بها ... على وتيرة آباء وآسال فما يمرُّ خيال الغدر في خلدي ... ولا تلوح سمات الشرِّ في خالي قلبي سليمٌ ونفسي حرَّة ويدي ... مأمونة ولساني غير ختَّال لكنني في زمانٍ عشت مغترباً ... في أهله حين قلتْ فيه أمثالي بلوْت دهري فما أحمدت سيرته ... في سابق من لياليه ولاتال حلبت شطريه من يسرٍ ومعسرة ... وذقت طعميهِ من خصبٍ وإمحال فما أسفت لبؤسٍ بعد مقدرةٍ ... ولا فرحت بوفر بعد إملال عفافة نزَّهت نفسي فما علقتْ ... بلوْثةٍ من غبار الذمِّ أذيالي فاليوم لارسني طوع العباد ولا ... قلبي إلى زهرة الدنيا بميَّال =

حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنسفهِ. رواه البخاري، ومسلم وغيرها، ورواه ابن حبان ¬

_ = لمْ يبق لي أربٌ الدَّهر أطلبه ... إلا صحابة حرٍّ صادق الخال وأين أدرك ما أبغيه من وطرٍ ... والصدق في الدَّهر أعيا كلَّ محتال (خلاصة ما تدعو إليه هذه الأحاديث المحمدية) أولاً: دعا النبي صلى الله عليه وسلم للسمح في البيع والشراء (باع سمحا). ثانياً: رجل سبق الأمة المحمدية واستحق الجزاء من الله جل وعلا بالغفران رجاء سهولته. ثالثاً: رجل أيضا دخل الجنة بذلك. رابعاً: براءة من النار وتستحيل النار أن تصيب جسمه (قريب هين). خامساً: ضمان محبة الله والوثوق بنيلها (الله يحب سمح البيع). سادساً: يحسب من أخاير المؤمنين (وأفضلهم). سابعاً: وقف رجل للحساب ونجى (من خلق الجواز). ثامناً: من أحسن الناس الذي يؤدي الحق كاملا. تاسعاً: كن من صنف حسن القضاء والطلب فقط. عاشراً: النبي صلى الله عليه وسلم سلف، وأعطى ضعف ما أخذ تكرما (أربعين فضلا وأربعين لسلفه). الحادي عشر: حسن الأداء يفك ربقة الدين ويزيل الذل ويبعد عنه سلطة الدائن (صاحب الدين له سلطان). الثاني عشر: الأدب والأولى لطالب حقه الاستحياء، وحسن الطلب برفق ولين وانتهاز فرصة السد (في عفاف واف أو غير واف). (إقامة العدل، ووفاء الكيل والميزان يعمران ويجلبان السعادة والرخاء كما قال صلى الله عليه وسلم) أولا: النضارة وتمام الإيمان لسكان مدينة الرسول بعد أن أتموا الكيل والوزن (كانوا من أخبث الناس). ثانياً: إتمام الكيل والوزن يفرج الأزمة ويزيل الضيق ويضع البركة في الربح، ويجعل الوالي عادلا رءوفا رحيما عاملا بآداب الشرع (وإلا أخذوا بالسنين). ثالثاً: نقص الكيل والوزن يجلب الآفات في الزرع، ويمنع الرحمة من السماء فينتشر العمر ويعم الكرب (قطع الله عنهم الرزق). رابعاً: مؤمن كامل الإيمان باع ناقة، وأظهر عيوبها، وترك الحرية لشاريها خوفا من الله جل وعلا ورجاء البركة والربح الوفير في ثمنها، ولو لم تبع (أبين لك ما فيها) (فارتجعها). خامساً: بائع سلعته بغش ينزل عليه سخطه وغضبه وتدعو عليه ملائكة الرحمة بالطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى (لم يزل في مقت الله). سادساً: خلة المؤمنين صفاء المودة وإخلاص المشورة وحب الخير لأخيه، وخلة الفسقة الغش والخداع واللؤم والإيثار (المؤمنون نصحة، والفجرة غششة). سابعاً: لباب الدين العمل بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة الله، ومحبة الإسلام وحب العلماء العاملين والحكام العادلين ونبذ الظلمة العصاة، وتقديم الخير لعامة المسلمين. ثامناً: علامة الإيمان إخلاص المشورة للمسلم وإرشاده إلى طرق البر، والأخذ بيده إلى مراقي الفلاح وإزالة الجهالة والسوء منه (لناصح). =

في صحيحه، ولفظه: لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحبَّ للناس ما يحبُّ لنفسه. ¬

_ = تاسعاً: تعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين على إخلاص المودة، والمحبة وبذل النصيحة. عاشراً: إن الإسلام بعيد عن الغاش الكذاب المنافق الماكر اللئيم محب الخير لنفسه فقط (فليس منهم). الحادي عشر: إقامة الوعظ والإرشاد وتفهيم مسائل العلم مما يقربك إلى الله جل وعلا (النصح لي) ويزيدك محبة وإجلالا. كالنور أو كالسحر أو الكبدر أو ... كالوشي في برد عليه موشع وموجب الصداقة المساعده ... ومقتضى المودة المعاضده البغي داء ماله دواء ... ليس لملك معه بقاء والغدر بالعهد قبيح جداً ... شر الورى ما ليس يرعى عهداً الثاني عشر: راية الإيمان الخافقة المتلألئة محبة الخير لأخيك كنفسك. قال الإمام علي كرَّم الله وجهه: اجعل لنفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك. فأحب لغيرك ما تحب لنفسك وأكره له ما تكره لها. (الرسل عليهم الصلاة والسلام يأمرون بإتمام المكيال والميزان، وعدم الغش كما قال الله تعالى) أ - (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط 84 ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين 85 بقيت الله خير لكم إن كنت مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) 86 من سورة هود عليه السلام. أراد أولاد مدين بن إبراهيم عليه السلام، أو أهل مدين بلد بناه فسمي باسمه، ثم أمرهم بتوحيد الله جل وعلا ثم نهاهم من البخس المنافي للعدل المخل بحكمة التعارف (محيط) مهلك (وأحيط بثمره) (بالقسط) بالعدل والسوية من غير زيادة ولا نقصان، والعثو الإفساد، ويعم تنقيص الحقوق، وقيل السرقة وقطع الطريق والغارة وقيل المراد بالبخس المكس كأخذ العثور في المعاملات (بقيت الله) ما أبقاء لكم من الحلال بعد التنزه عما حرم عليكم، وقيل طاعته وتقواه التي تكف من المعاصي بشرط أن تصدقوا فتعملوا. ب - (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا 34 وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا) 35 من سورة الإسراء. أي ما عاهدكم الله به من التكاليف، ولا تبخسوا في الكيل وزنوا بالميزان السوي (تأويلا) عاقبة، من آل إذا رجع. جـ - (والسماء رفعها ووضع الميزان 7 ألا تطغوا في الميزان 8 وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) 9 من سورة الرحمن. (رفعها) خلقها (الميزان) العدل لئلا تعتدوا فيه، ولا تجاوزوا الانصاف (ولا تخسروا) ولا تنقصوا. قال الشاعر: ووف كل حقه ولتكن ... تكسر عند الفخر من حدتك والشر مهما استطعت لا تأته ... فإنه حور على مهجتك وأقن الوفاء ولو أخل ... بما اشتطرت وما اشترط وغدر الفتى في عهده ووفائه ... وغدر المواضي في نبو المضارب =

الترهيب من الاحتكار

الترهيب من الاحتكار 1 - عن معمرِ بن أبي معمرٍ، وقيل: ابن عبد الله بن نضلة رضي الله عنه قال: ¬

_ = د - (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قرى وبمعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون) 152 من سورة الأنعام. (بالقسط) أي بالعدل والتسوية (إلا وسعها) إلا ما يسعها ولا يعسر عليها (فاعدلوا) ولو كان المقول له أو عليه من ذوي قرابتكم (وبعهد الله) يعني ما عهد إليكم من ملازمة العدل وتأدية أحكام الشرع (تذكرون) تتعظون. هـ - (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين) 85 من سورة الأعراف. (الكيل آلة الكيل والوزن) (ولا تفسدوا) أي بالكفر والفسق والحيف بعدما أصلح الله أمرها بالأنبياء (خير) الزيادة وحسن الأحدوثة وجمع المال إذا عملوا بما أمرهم الله ونهاهم عنه. من عارض الأطماع باليأس رنت ... إليه عين العز من حيث رنا رنا: مال. (الويل للطغاة المطففين، والعذاب الشديد لمن يأكل أموال الناس بالباطل كما قال محمد عبده) كتب الشيخ محمد عبده في تفسير (ويل للمطففين) وإنما سمي من يبخس الكيل في حال ويملؤه في حال أو يزيد عليه مطففا لأنه يبلغ في كيله طفاف الكيل كسحاب: أي ما يقرب من ملئه، ولا يملؤه في الحالة الأولى ويبلغ الطفاف أو الطفافة، وهي ما فوق المكيال في الحالة الثانية ولأنه يطلب الغني بشيء طفيف، وهو ما يأخذه من البخس إذا اكتال منك، ومن الزيادة إذا اكتال عليك. والتطفيف من أنواع الفجور ولا يصدر إلا عن شخص لا يظن أنه يبعث يوم القيامة ويحاسب على عمله، ولو ظن البعث والحساب لما طفف الكيل، ولا بخس الميزان ولهذا تنزل حالة المطفف منزلة حال من يجهل ظنه بالحياة الآخرة فضلا عن اعتقاده فيها فيستفهم عنه كما قال تعالى (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم) أي قفون للعرض عليه ويطول بهم الموقف إعظاما لجلالته وإجلاله لمقامه جلّ شأنه، واعتبار المطفف كأنه لا يظن أنه يبعث للقيام بين يدي ربه وتنزيله منزلة المنكر للبعث اعتبار حق لا يجادل فيه إلا مغرور بالله أو جاهل بدينه، بل منكر لحقيقته وكيف يصر على إيذاء الناس والغض من حقهم من يظن بعض الظن أنه سيقوم بين يدي رب العالمين، وخالق الخلق أجمعين القاهر الجبار ليحاسب على النقير والقطمير والحبة والذرة (كلا) لا يقيم على ذلك إلا منكر لما أوعد به أو متأول فيما يدفع عنه العقاب، وينجيه من الحساب لا يبعد به تأوله من منزلة المنكر، بل يسقطه مع صاحبه في النار وبئس القرار، هذا ما ينذر الله به المطففين الراضين بالقليل من السحت، فما ظنك بأولئك الذين يأكلون أموال الناس بلا كيل ولا وزن، بل يسلبونهم ما بأيديهم ويغلبونهم على ثمار أعمالهم فيحرمونهم حق التمتع بها اعتمادا على قوة الملك أو نفوذ السلطات أو باستعمال طرق الحيلة، فهل يعد هؤلاء من الشاكين في يوم البعث فضلا عن الظنانين أو الموقنين؟ لا ريب أن =

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتكر (¬1) طعاماً فهو خاطئ (¬2). رواه مسلم وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه. ولفظهما قال: لا يحتكر إلا خاطئ. 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتكر طعاماً أربعين (¬3) ليلة فقد برئ (¬4) من الله، وبرئ الله منه، وأيُّما أهل عرصةٍ (¬5) أصبح فيهم أمرؤ جائعاً، فقد برئتْ منهمْ ذمَّة الله تبارك وتعالى رواه أحمد وأبو يعلي والبزار والحاكم، وفي هذا المتن غرابة، وبعض أسانيده جيد، وقد ذكر رزين شطره الأول، ولم أره في شيء من الأصول التي جمعها. ¬

= هؤلاء لا يحسبون إلا في عداد الجاحدين المنكرين، وإن زعموا بلسانهم أنهم من الموحدين المؤمنين. يروي أن أعرابيا قال لعبد الملك بن مروان (سمعت ما قال الله في المطففين) أراد بذلك أن قد حق الوعيد على المطفف على النحو الذي سمعت من التهويل والتعظيم فما ظنك بنفسك، وأنت تسلب وتنهب وتنتزع الأموال من أيدي أربابها بالقوة والقهر لا بالحيلة والخدعة استعظاءا لقوتك وغفلة من جبروت الله وتكبرا على الناس؟ ولا تكتفي من ذلك بالقليل كما هو شأن المطفف، ولا ترضى بما دون استئصال الأموال، ومسح ما يبقى من غبارها بأيدي أهلها فالويل كل الويل لك يوم يقوم الناس لرب العالمين أهـ ص 40. (¬1) حفظه عندي حتى تزداد قيمته ومنع الناس من الانتفاع به. وفي النهاية: احتكر طعاما أي اشتراه وحبسه ليقل فيغلو. والحكر والحكرة الاسم منه، ومنه الحديث أنه نهى عن الحكرة أهـ وفي كتب الفقه ويحرم الاحتكار وهو أن يشتري القوت وقت الغلاء ويتربص به للبيع بأكثر عند شدة الحاجة إليه أهـ. (¬2) أي مذنب. (¬3) أربعين ليلة كذا د وع ص 581 وفي ن ط: أربعين فقط. (¬4) بعد من الله وأقصاه الله إلى قاع جهنم، وقال الغزالي فبائع الطعام يدخر الطعام ينتظر به غلاء الأسعار. والاحتكار ظلم عام وصاحبه مذموم في الشرع. واعلم أن النهي مطلق ويتعلق النظر به في الوقت والجنس، أما الجنس فيطرد النهي في أجناس الأقوات أما ما ليس بقوت، ولا هو معين على القوت كالأدوية والعقاقير والزعفران وأمثاله فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعوما. وأما ما يعين على القوت كاللحم والفواكه، وما يسد مسدا يغني عن القوت في بعض الأحوال وإن كان لا يمكن المداومة عليه، فهذا في محل النظر، فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل والشيرج والجبن والزيت وما يجري مجراه. وأما الوقت فيحتمل أيضا طرد النهي في جميع الأوقات. ويحتمل أن يخصص بوقت قلة الأطعمة وحاجة الناس إليه حتى يكون في تأخير بيعه ضرر ما. فأما إذا اتسعت الأطعمة وكثرت واستغنى الناس عنها، ولم يرغبوا فيها إلا بقيمة قليلة فانتظر صاحب الطعام ذلك، ولم ينتظر قحطا فليس في هذا إضرار، ويعول في نفي التحريم وإثباته على الضرار، فإنه مفهوم قطعا من تخصيص الطعام وإذا لم يكن ضرار فلا يخلو احتكار الأقوات عن كراهية فإنه ينتظر مبادئ الضرار، وهو ارتفاع الأسعار، وانتظار مبادئ الضرار محذور كانتظار عين الضرار، ولكنه دونه وبالجملة للتجارة في الأقوات مما لا يستحب لأنه طلب ربح، والأقوات أصول خلقت قواما، والربح من المزايا ولذلك أوصى بعض التابعين رجلا، وقال لا تسلم ولدك في بيعتين ولا في صنعتين: بيع الطعام وبيع الأكفان فإنه يتمنى الغلاء وموت الناس، والصنعتان أن يكون جزار فإنها صنعة تقسي القلب، أو صواغا فإنه يزخرف الدنيا بالذهب والفضة أهـ ص 67 جـ 2 .. (¬5) البقعة الواسعة التي فيها بناء، وعرصة الدار: ساحتها، والمراد أي جهة.

3 - وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجالب (¬1) مرزوق، والمحتكر ملعونٌ. رواه ابن ماجه والحاكم كلاهما عن علي بن سالم ابن ثوبان عن عليّ بن يزيد بن جدعان، وقال البخاري: والأزدي لا يتابع عليّ بن سالم على حديثه هذا. (قال الحافظ) زكي الدين: لا أعم لعليّ بن سالم غير هذا الحديث، وهو في عداد المجهولين، والله أعلم. 4 - وعن الهيثم بن رافعٍ عن أبي يحيى المكِّيِّ عن فرُّوخٍ مولى عثمان ابن عفان رضي الله عنه أن طعاما ألقى على باب المسجد، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أمير المؤمنين يومئذٍ، فقال: ما هذا الطعام؟ فقالوا: طعام جلب إلينا، أو علينا فقال: بارك الله فيه وفيمنْ جلبه إلينا أو علينا، فقال له بعض الذين معه يا أمير المؤمنين: قد احتكر. قال: ومن احتكره؟ قالوا: احتكره فرُّوخٌ، وفلانٌ مولى عمر بن الخطاب، فأرسل إليهما فأتياه فقال: ما حملكما على احتكاركما طعام المسلمين؟ قالوا: يا أمير المؤمنين نشتري بأموالنا ونبيع، وقال عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس (¬2)، فقال عند ذلك فرُّوخٌ: أيا أمير المؤمنين فإني أعاهد الله، وأعاهدك ألا أعود في احتكار طعامٍ أبداً، فتحوَّل إلى مصر، وأما مولى عمر فقال: نشتري بأموالنا ونبيع، فزعم أبو يحيى أنه رأى مولى عمر مجذوماً (¬3) مشدوخاً (¬4). رواه الأصبهاني هكذا، وروى ابن ماجه المرفوع منه فقط عن يحيى بن حكيم حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الهيثم بن رافع حدثني أبو يحيى المكيّ. وهذا إسناد جيد متصل، ورواته ثقات، وقد أنكر على الهيثم روايته لهذا الحديث مع كونه ثقة، والله أعلم. 5 - وعن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بئس (¬5) العبد المحتكر إن أرخص الله الأسعار حزن (¬6)، وإن أغلاها فرح. ¬

(¬1) الذي يأتي بأصناف الأشياء ليبيعها للناس رابح، والخازن بعيد من رحمة الله ورضاه. (¬2) الفقر والخسارة، أفلس الرجل كأنه صار إلى حال ليس له فلوس، وحقيقته الانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر. (¬3) مقطع الأطراف مريضا بالجذام. (¬4) مكسر الأضلاع، من شدخ رأسه: كسره. والشدخ: كسر الشيء الأجوف. (¬5) فعل بمعنى ذم. (¬6) تكدر وغضب.

وفي رواية: إن سمع برخصٍ ساءه، وإن سمع بغلاء فرح، ذكره رزين في جامعه، ولم أره في شيء من الأصول التي جمعها، إنما رواه الطبراني وغيرها بإسناد واوهٍ. 6 - توعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أهل المدائن (¬1) هم الحبساء (¬2) في سبيل الله فلا تحتكروا عليهم الأقوات، ولا تغلوا عليهم الأسعار، فإنَّ من احتكر عليهمْ طعاما أربعين يوماً، ثم تصدَّق به لم تكن كفَّارة له (¬3). ذكره رزين أيضاً ولم أجده. 7 - وعنْ أبي هريرة ومعقل بن يسارٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يحشر الحاكرون (¬4)، وقتلة الأنفس (¬5) في درجةٍ، ومن دخل في شيء من سعر المسلمين يغلِّبه عليهمْ (¬6) كان حقا على الله أن يعذِّبه في معظم النار يوم القيامة. ذكره رزين أيضاً، وهو مما انفرد به مهنأ بن يحيى عن بقية بن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن أبي هريرة، وفي هذا الحديث والحديثين قبلة نكارة ظاهرة، والله أعلم. 8 - وعن الحسن قال: ثقل معقل بن يسار، فأتاه عبد الله بن زيادٍ رضي الله عنه يعوده فقال: هلْ تعلم يا معقل أني سفكتُ دماً حراماً. قال: لا أعلم. قال: هلْ علمت أني دخلت في شيء من أسعار المسلمين. قال: ما علمت؟ قال: أجلسوني، ثم قال: اسمع يا عبد الله حتى أحدِّثك شيئاً ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّة، ولا مرَّتين، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهمْ كان حقاً على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة. قال: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم غير مرَّةٍ ولا مرَّتين. ¬

(¬1) العواصم. (¬2) الجلساء في تعمير هذه الحواضر. (¬3) ليس هذا العمل ما حيا ذنوبه، ولا الإحسان يجلب له ثوابا وأجرا. لم يكن كفارة له كذا د وع ص 582، وفي ن ط: لم تكن له كفارة. (¬4) الحابسون الأشياء للغلاء. (¬5) الطغاة الأشرار وقتلة الأنفس يرميان في جهنم في جهة واحدة. (¬6) يزيد في سعره، والمعنى طالبو الأسعار الفاحشة مع سافكي الدماء، هذا يقتل الأرواح بالجوع، والميل إلى الأزمة والضيق، وهذا يعتدي على الأنفس ويريق الدماء.

ترغيب التجار في الصدق، وترهيبهم من الكذب والحلف وإن كانوا صادقين

رواه أحمد والطبراني في الكبير، والأوسط إلا أنه قال: كان حقا على الله تبارك وتعالى وأنْ يقذفه في معظم النار، والحاكم مختصرا، ولفظه قال: من دخل في شيء من أسعار المسلمين يغلي عليهمْ كان حقا على الله أن يقذفه في جهنَّم رأسه أسفله. رووه كلهم عن زيد ابن مرة عن الحسن، وقال الحاكم: سمعه معتمر بن سليمان وغيره من زيد. (قال المملي) الحافظ: ومن زيد بن مرة فرواته كلهم ثقات معروفون غيره فإني لا أعرفه، ولم أقف له على ترجمة، والله أعلم بحاله. 9 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: احتكار الطعام بمكة إلحاد. رواه الطبراني في الأوسط من رواية عبد الله بن المؤمل. 10 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتكر حكرةً يريد أن يغالي بها على المسلمين فهو خاطئ، وقد برئتْ منه ذمَّة الله. رواه الحاكم من رواية إبراهيم بن إسحاق الغسيلي، وفيه مقال، والله أعلم. ترغيب التجار في الصدق وترهيبهم من الكذب والحلف وإن كانوا صادقين 1 - عنْ أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التاجر الصدوق (¬1) الأمين مع النبيين والصِّدِّيقين والشهداء. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. ورواه ابن ماجه عن ابن عمر، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التاجر الأمين الصَّدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة. 2 - وروي عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة. رواه الأصبهاني وغيره. ¬

(¬1) المتصف بكثرة الصدق، وقول الحق، واتباع العدل، والمشتهر بالأمانة، وحفظ الوديعة، درجته بجوار الأنبياء، والأبرار، والمجاهدين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة مائة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض).

3 - وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ التاجر إذا كان فيه أربع خصالٍ طاب (¬1) كسبه: اذا اشترى لم يذمَّ، وإذا باع لمْ يمدحْ، ولمْ يدلِّس في البيع، ولمْ يحلف فيما بين ذلك. رواه الأصبهاني أيضاً، وهو غريب جداً. ورواه أيضا وهو البيهقي من حديث معاذ بن جبل، ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أطيب الكسيب كسب التجار الذين إذا حدَّثوا (¬2) لم يكذبوا، وإذا ائتمنوا لمْ يخونوا، وإذا وعدوا (¬3) لم يخلفوا، وإذا اشتروا لمْ يذمُّوا، وإذا باعوا لمْ يمدحوا، وإذا كان عليهم لمْ يمطلوا (¬4)، وإذا كان لهمْ لمْ يعسِّروا (¬5). 4 - وعن حكيم بن جزام رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البيعان (¬6) بالخيار مالمْ يتفرَّقا، فإن صدق (¬7) البيِّعان، وبيَّنا (¬8) بورك (¬9) لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا فعسى أن يربحا ربحاً، ويمحقا بركة بيعهما، اليمين الفاجرة (¬10) منفقة للسلعة ممحقة للكسب. رواه البخاري، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 5 - وعن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنهما أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلًّى فرأى الناس يتبايعون، فقال: يا معشر ¬

(¬1) نما وحل، والمعنى خصال أربعة تزيد التاجر ربحا وافرا. أ - يجتنب السخط والكراهة والذم: أي عند شرائه لا يبخس. ب - يجتنب الثناء وتحلية البضاعة عند بيعه. جـ - يبعد عن الغشب ويجتنب المكر والخداع. د - يجتنب الأيمان التي تروج البضاعة وتغر الشاري. (¬2) تكلموا. (¬3) أعطوا ميعادا. (¬4) يؤخروا السداد. (¬5) يطلبوا العسير ولم يضيقوا. (¬6) البائع والمشتري أحرار في تنفيذ البيع والشراء مدة عدم تفرقهما في المجلس. (¬7) صدق البائع في إخبار المشتري مثلا. وبين العيب إن كان في السلعة، وصدق المشتري في قدر الثمن مثلا وبين العيب إن كان في الثمن. (¬8) أظهروا العيوب وقيمة السلعة بما يرضى الله جل وعلا. قال في الفتح: وفيه فضل الصدق والحث عليه وذم الكذب، والحث على منعه، وأنه سبب لذهاب البركة، وأن عمل الآخرة يحصل خيري الدنيا والآخرة أهـ ص 226 جـ 4. (¬9) وضع الله البركة والخير. (¬10) الكاذبة، مروجة للشيء ونازعة ومزيلة الخير عنه.

التجار، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجَّاراً (¬1) إلا من اتَّقى الله وبرَّ وصدق. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 6 - وعن عبد الرحمن بن شبلٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ التجار همُ الفجَّار. قالوا: يا رسول الله أليْس قد أحلَّ الله البيع؟ قال: بلى، ولكنَّهم يحلفون فيأثمون، ويحدِّثون فيكذبون. رواه أحمد بإسناد جيد والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد. 7 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الحلف حنثٌ، أوْ ندمٌ. رواه ابن ماجه، وابن حبان في صحيحه. 8 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ. قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مراتٍ، فقلت: خابوا وخسروا، ومن هم يا رسول الله؟ قال: المسبل (¬2). والمنَّان (¬3)، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب (¬4) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه إلا أنه قال: المسْبلُ إزاره، والمنَّان عطاءه، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب. 9 - وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر (¬5) الله إليهم يوم القيامة: أشميط زانٍ (¬6)، وعائلٌ (¬7) مستكبرٌ، ورجلٌ جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه (¬8)، ولا يبيع إلا بيمينه. رواه الطبراني في الكبير، وفي الصغير والأوسط إلا أنه قال: فيهما ثلاثة لا يكلِّمُهمُ الله ولا يزكِّيهم، ولهمْ عذابٌ أليمٌ، فذكره. ورواته محتجٌ بهم في الصحيح. ¬

(¬1) أشرارا مجرمين. (¬2) الذي يجر إزاره خيلاء. (¬3) كثير المن ثرثار. (¬4) المروج بالأيمان الكاذبة: أي ليست عنده أمانة وزال منه خوف الله تعالى فيحلف بجلاله زورا وبهتانا ليبيع ما عنده. (¬5) لا يرحمهم، ولا يرعاهم رعاية رأفة. (¬6) فاسق عاص. (¬7) ذو عائلة وأولاد جمة متكبر متجبر عنده خيلاء وبطر وعجب وكبر. (¬8) بالحلف والقسم.

(أشميط): مصغر أشمط، وهو من ابيضّ بعض شعر رأسه كبرا، واختلط بأسوده (والعائل) الفقير. 10 - وروي عن عصمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله إليهم غداً: شيخٌ (¬1) زانٍ، ورجل اتَّخذ الأيمان بضاعته يحلف في كلِّ حق وباطلٍ، وفقير مختالٌ مزهوٌ. رواه الطبراني. (مزهوٌ) أي متكبر معجب فخور. 11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يكلِّمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهمْ، ولا يزكِّيهم، ولهمْ عذاب أليمٌ: رجلٌ على فضل (¬2) ماء بفلاةٍ يمنعه ابن السَّبيل، ورجلٌ بايع رجلاً بسلعتهِ (¬3) بعد العصر، فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا فصدَّقه فأخذها وهو على غير ذلك، ورجلٌ بايع إماماً (¬4) لا يبايعه إلا للدنيا، فإن أعطاه منها ما يريد وفي له، وإنْ لم يعطه لم يف. وفي رواية نحوه وقال: ورجلٌ حلف على سلعته لقد أعطي بها أكثر مما (¬5) أعطى وهو كاذبٌ، ورجلٌ حلف على يمينٍ كاذبةٍ (¬6) بعد العصر ليقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ ¬

(¬1) هرم كبير السن عجوز. (¬2) قليل ماء بصحراء ويطلبه المسافر سفر طاعة فيحرمه. قال ابن حجر: أي الفاضل عن حاجته. قال ابن بطال: فيه دلالة على أن صاحب البئر أولى من ابن السبيل عند الحاجة، فإذا أخذ حاجته لم يجز له منع بن السبيل أهـ ص 22 جـ 5. (¬3) أي التاجر رأى أن بضاعته كسدت وقرب أن ينتهي اليوم فحلف بالله كذبا ليروجها وأقسم غشما ليغر المشتري. (¬4) اتفق مع الحاكم وساعد الوالي لغرض وإدراك فائدة، فإن مده بخبراته وزاده من أمواله صفق له وهمال ومشي معه وساعده على ظلم الناس. وأكل حقوقهم بالباطل، وإلا خاصمه وأعلن حربه لأنه لم يستفد منه في حياته. والمعنى أن هؤلاء الثلاثة على أحط الخصال، وأبعد من رحمات الله، وعطفه ورعايته: أ - ذلك المانع سقي الماء الزائد عن حاجته وأهله للمحتاج. ب - التاجر الكذاب المدلس كثير الأيمان الباطلة. جـ - الطماع الشره الذي ليست له مبادئ ثابتة في الحق، وليست له قدم راسخة في حب الولاة العادلين المحسنين بل يميل إلى الطغاة الفجرة ليكسب منهم المال والجاه، وفي زماننا هذا كثير، تجار يحلفون: وأدنياء سماسرة وضيعون، وبخلاء لا ينفقون. نسأل الله السلامة والتوفيق. (¬5) أي جاء مشتر وثمنها بمبلغ أكثر، والحال أنه كاذب: أي قوله غير مطابق للواقع. لا ربحه الله يبيع دينه بدنياه ويتهاون باسم الله الأعظم ويلقيه جزافا خداعا ابتغاء عرض زائل، فلا حول ولا قوة إلا بالله. (¬6) قسمه بنية الرواج فقط، وهو غير صادق لماذا؟ لأن بضاعته كسدت وأزف الوقت وتنتهي السوق، وقال العلماء (بعد العصر) أي وقت صعود الملائكة بأعمال العباد إلى ربها، فيذهب معهم هذا الحنث، والفجور وإلقاء الأيمان على عواهنها خالية من خشية الله تعالى وبسطه رجاء نفاذها ورواجها خشية قرب المغرب.

ورجلٌ منع فضل ماءٍ، فيقول الله عزَّ وجلَّ له: اليوم أمنعك فضلي (¬1) كما منعت فضل (¬2) ما لمْ تعمل يداك. رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه، وأبو داود بنحوه. 12 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعة يبغضهم الله (¬3): البيَّاع الحلاف (¬4)، والفقير المختال (¬5)، والشَّيخ الزَّاني (¬6)، والإمام الجائر (¬7). رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه، وهو في مسلم بنحوه، دون ذكر البياع ويأتي لفظه في الترهيب من الزنا إن شاء الله. 13 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحبُّ ثلاثة، ويبغض ثلاثة، فذكر الحديث إلى أن قال: قلتُ: فمنٍ الثلاثة الذين يبغضهم الله؟ قال: الختال الفخور (¬8) وأنتم تجدونه في كتاب الله المنزل: إنَّ الله لا يحبُّ كل مختال فخورٍ. والبخيل المنَّان (¬9) والتاجر، أو البائع الحلاف. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحه بنحوه، وتقدم لفظهم في صدقة السر. 14 - وعنْ أبي سعيد رضي الله عنه قال: مرَّ أعرابي بشاةٍ، فقلت: تبيعها ¬

(¬1) زيادة نعمي وخيراتي وإحساني. (¬2) زيادة جاءت إليك بلا تعب منك، بل هي هبة من عندنا. فضل ما لم تعمل كذا ط وع ص 585، وفي ن د: حذف فضل. منعت مالم تعمل، قال تعالى (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) 47 من سورة الروم رياح الرحمة معها المطر والمنافع التابعة لها والخصب المنتج المثمر فتناولون نعم الله وتشكرونه. (¬3) يكرمهم ويبعدهم من رحمته. (¬4) كثير الأيمان الكاذبة. (¬5) كثير الكبر والبطر والخيلاء والعجب. (¬6) الفاسق العاصي مع وجود ضعف جسمه، وفقد الشهوة الجماعية الحيوانية لهرمه، ومع ذلك يجرم ويفعل الفاحشة. (¬7) الحاكم الظالم والمتولي أمور المسلمين ولا يعدل. (¬8) كثير الخيلاء والعجب والكبر والمن بنفسه: قال تعالى (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور 18 واقصد في مشيك واغضض من صوتك) من سورة لقمان. (ولا تصعر) أي ولا تمله عنهم، ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبرون (مرحا) فرحا يطرأ (واقصد) توسط فيه بين الدبيب والإسراع (واعضض) انقص منه واقصر. (¬9) الشحيح كثير البخل الذي يكثر من المن، والقول بحسانه وبمدح أعماله.

بثلاثة دراهم؟ فقال. لا والله (¬1)، ثمَّ باعها، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: باع آخرته بدنياه. رواه ابن حبان في صحيحه. 15 - وعنْ واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلينا وكنَّا تجَّاراً، وكان يقول: يا معشر التجار إياكم والكذب (¬2). رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به إن شاء الله. 16 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الحلف (¬3) منفقة (¬4) للسلعة (¬5) ممحقة (¬6) للكسب. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود إلا أنه قال: ممحقةٌ للبركة. 17 - وعن قتادة رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إياكم، وكثرة الحلف (¬7) في البيع، فإنه ينفق (¬8)، ثمَّ يمحق. رواه مسلم ¬

(¬1) أقسم الله ألا يبيعها، ومع ذلك حنث، ولم يبر بقسمه وباعها، ولم يتق الله في قسمه فحفظ ذلك له في آخرته ليحاسبه الله تعالى جزاء كذبه. (¬2) احذروا الباطل واجتنبوا الزور، ومخالفة الواقع واتقوا الله واصدقوا. قال أبو العتاهية: ألا إنما التقوى هو العز والكرم ... وحبك للدنيا هو الذل والعدم وليس على حر تقي نقيصة ... إذا أسس التقوى وان حاك أو جحم قال العيني: الحداد لا يضره مهنة صناعته إذا كان عدلا ص 210 جـ 11. وقال تعالى: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلا أولئك لأخلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) 77 من سورة آل عمران. أي بما عاهدوه من الأيمان والإقرار بوحدانيته (وأيمانهم) أي الكاذبة (ثمناً) أي عوضا يسيرا (الأخلاق) لا نصيب لهم في الآخرة، ولاحظ لهم من نعيمها (ولا يكلمهم) كلاما لطيفا (ولا ينظر إليهم) بعين الرحمة (ولا يزكيهم) ولا يطهرهم من الذنوب والأدناس، وقيل لا يثني عليهم، بل يأمر بهم إلى النار (أليم) موجع. فأنت تجد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث التجار على التحلي بالصدق، والتخلي عن الكذب رجاء الربح الحلال والفوز برضا المتعال سبحانه. (¬3) اليمين الكاذبة. (¬4) مروجة، والنقاق الرواج: ضد الكساد. (¬5) المتاع. (¬6) منقصة: مبطلة مزيلة للبركة. (¬7) احذروا كثرة الأيمان الكاذبة. (¬8) يروج، ثم ينزع البركة والخير الدائم. (خلاصة النتائج الوخيمة التي تعود على حافظ الأطعمة حتى يرتفع سعرها كما قال صلى الله عليه وسلم) أولا: هو مذنب متعمد (خاطئ). ثانياً: بعيد من رحمة الله وإحسانه وبره (بريء من الله). ثالثاً: يصاب بالأمراض القتالة القذرة التي تنفر الناس من رؤيته (مجذوما مشدوخا). =

والنسائي، وابن ماجه. ¬

_ = رابعاً: استحق الذم والسخط من الله تعالى وعباده (بئس العبد المحتكر). خامساً: يدخل على ماله الغش والسحت والحرام فلا تنفع صدقته، ولا يقبل عمله (ثم تصدق به لم تكن له كفارة). سادساً: المحتكر مجرم شرير مثل قاتل النفس في عقاب الذنوب الكبائر (يحشر الحاكرون والقتلة). سابعاً: يعذب بأقسا العذاب (يقذفه في معظم النار رأسه أسفله بعد ونفاق). ثامناً: يصيب المحتكر وهن في دينه وزيغ في عقيدته ومروق في إسلامه ونفاق (بمكة إلحاد). (الخلال الحميدة التي تتلألأ في جبين التاجر أنواراً وأرباحاً) أولاً: الصدق والأمانة والأدب والكمال وطيب القول ليجاور مكانه في الجنة مكان الأبرار المتقين مثل الأنبياء والشهداء. ثانياً: ترك ذم السلعة المباعة من غيره، ومدح سلعته واجتناب التدليس، والغش والخداع وحيل اللؤم ليطيب كسبه. ثالثاً: الوفاء بالوعد والشهامة والمروءة وإنجاز عمله وإتمامه قوله. قال الشاعر: إذا قلت في شيء نعم فأتمه ... فإن (نعم) دين على الحر واجب وإلا فقل (لا) تسترح وترح بها ... لئلا يقول الناس إنك كاذب رابعاً: إظهار عيوب السلعة للمشتري ليتنور غشها من سمينها. ويعرف أضرارها ويعجم سبر غورها (وبينا). خامساً: ترك الأيمان الكاذبة الفاجرة التي تدعو المشتري إلى الإقبال على بضاعته ثقة بصدقه. عود لسانك قول الصدق تحظ به ... إن اللسان لما عودت معتاد (فضل الكسب الحلال والحث عليه كما في إحياء علوم الدين للغزالي) من الكتاب قال تعالى: (وجعلنا النهار معاشا) فذكره في معرض الامتنان، وقال تعالى: (وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون) فجعلها ربك نعمة وطلب الشكر عليها، وقال تعالى (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) وقال تعالى (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) وقال تعالى (فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله). ومن الآثار: فقد قال لقمان الحكيم لابنه: يا بني استغن بالكسب الحلال عن الفقر، فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته، وأعظم من هذه الثلاث استخفاف الناس به. وقال عمر رضي الله عنه: لا يعقد أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا، ولا فضة. وكان زيد بن مسلمة يغرس في أرضه، فقال له عمر رضي الله عنه: أصبت، استغن عن الناس يكن أصون لدينك وأكرم لك عليهم كما قال صاحبكم أحيحة: فلن أزال على الزوراء أغمرها ... إن الكريم على الإخوان ذو المال وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم، وقال أبو سليمان الداراني: ليست العبادة عندنا أن تصف قدميك، وغيرك يقول لك، ولكن أبدأ برغيفيك فأحرزهما، ثم تعبد أهـ ص 58 جـ 2. (بيان العدل واجتناب الظلم في المعاملة كما في الإحياء) أولاً: الاحتكار. ثانياً: ترويج الزيف من الدراهم في أثناء النقد فهو ظلم إذ يستضر به المعامل إن لم يعرف وإن عرف فسيروجه على غيره فكذلك الثالث والرابع، ولا يزال يتردد في الأيدي ويعم الضرر ويتسع الفساد، ويكون وزر الكل ووباله راجعا إليه فإنه هو الذي فتح هذا الباب. =

الترهيب من خيانة أحد الشريكين الآخر

الترهيب من خيانة أحد الشريكين الآخر 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

_ = ثالثاً: العدل أن لا يضر أخاه، ويحب له ما يحب لنفسه. رابعاً: ألا يثني على السلعة بما ليس فيها، وأن لا يكتم من عيوبها وخفايا صفاتها شيئا أصلا، وأن لا يكتم في وزنها ومقدارها شيئا، وألا يكتم من سعرها مالو عرفه المعامل لامتنع عنه. خامساً: الإحسان في المعاملة سبب الفوز ونيل السعادة، وهو يجري من التجارة مجرى الربح. قال تعالى (وأحسن كما أحسن الله إليك) وقال عز وجل (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) وقال سبحانه (إن رحمة الله قريب من المحسنين): قال الغزالي ونعني بالإحسان فعل ما ينتفع به المعامل، وهو غير واجب عليه، ولكنه تفضل منه، فإن الواجب يدخل في باب العدل وترك الظلم. وتنال رتبة الإحسان: أولاً: في المغابنة فينبغي ألا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة. ثانياً: في احتمال الغبن. ثالثاً: في استيفاء الثمن وسائر الديون بالمساهلة أو الإمهال والمسامحة وحط البعض. رابعاً: في توفية الدين: أي حسن القضاء بأن يمشي إلى صاحب الحق، ولا يكلفه أن يمشي إليه يتقاضاه. خامساً: أن يقيل من يستقيله فإنه لا يستقيل إلا متندم مستضر بالبيع. سادساً: أن يقصد في معاملة جماعة من الفقراء بالنسيئة، وهو في الحال عازم على ألا يطالبهم إن لم تظهر لهم ميسرة أهـ ص 75 جـ 2. (شفقة التاجر على دينه فيما يخصه ويعم آخرته كما في الإحياء) يحفظ رأس ماله، ورأس ماله دينه وتجارته فيه: قال تعالى (ولا تنس نصيبك من الدنيا) أي فاعل صالحا في حياتك، فإن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها تكتسب الحسنات، وتتم شفقة التاجر بمراعاة سبعة أمور: أولاً: حسن النية والعقيدة من ابتداء التجارة فينوي الاستعفاف عن السؤال وكف الطمع عن الناس استغناء بالحلال وقياما بكفاية العيال، وينصح المسلمين، ويحب الخير لهم ويتبع العدل والإحسان ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. ثانياً: أن يقصد القيام في صنعته أو تجارته بفرض من فروض الكفايات فلو ترك العمل بطلت المعايش. ثالثاً: ألا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، وهي المساجد: قال تعالى (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة)، (في البيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه). رابعاً: أن يكثر من ذكر الله في سوقه ويشتغل بالتهليل والتسبيح، فذكر الله في السوق بين الغافلين أفضل. خامساً: ألا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة: أي أول داخل وآخر خارج. سادساً: ألا يقتصر على اجتناب الحرام بل يتقي مواقع الشبهات ومظان الريب، ولا ينظر إلى الفتاوي بل يستغني قلبه فإذا وجد فيه حزازة اجتنبه، وإذا حمل إليه سلعة رابه أمرها سأل عنها حتى يعرف، وإلا أكل الشبهة. سابعاً: يراقب جميع مجاري معاملة مع كل واحد من معامليه فانه مراقب ومحاسب فليعد الجواب ليوم الحساب والعقاب في كل فعلة وقولة أنه لم أقدم عليها؟ قال بعضهم رأيت بعض التجار في النوم فقلت ماذا فعل الله بك؟ فقال نشر على خمسين ألف صحيفة، فقلت هذه ذنوب كلها، فقال هذه معاملات الناس بعدد كل إنسان عاملته في الدنيا لكل إنسان صحيفة مفردة فيما بيني وبينه من أول معاملة إلى آخرها أهـ ص 79 جـ 2. قال تعالى (وقيل) للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم؟ قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار =

يقول الله عزَّ وجلَّ: أنا ثالث الشَّريكين (¬1) ما لمْ يخنْ أحدهما صاحبه، فإذا خان خرجت من بينهما (¬2). زاد رزين فيه: وجاء الشيطان. رواه أبو داود، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، والدارقطني، ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يد الله على الشَّريكين (¬3) ما لمْ يخنْ أحدهما ¬

_ = الآخرة خير ولنعم دار المتقين 30 جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين 31 الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) 33 من سورة النحل. روي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويبحثون عن حال القرآن، وحال محمد، فيجيب المؤمنون: أنزل خيراً، والكافرون: أساطير الأولين (فكل إناء بالذي فيه ينضح) (طيبين) أي طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي، وقيل فرحين ببشاره الملائكة إياهم بالجنة، أو طيبين بقبض أرواحهم لتوجيه نفوسهم بالكلية إلى حضرة القدس (سلام عليكم) لا يحيقكم بعد مكروه فاطمئنوا. قال النسفي: قيل إذا أشرف العبد المؤمن على الموت جاءه ملك، فقال: السلام عليك يا ولي الله. الله يقرأ عليك السلام، ويبشره بالجنة أهـ. إن شاهدنا (للذين أحسنوا) قال النسفي: أي آمنوا وعملوا الصالحات، أو قالوا: لا إله إلا الله أهـ. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للتجار الأبرار الأمناء. ثبت في التاريخ أن السيدة خديجة اختارت برأيها الثاقب سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم ليتاجر في مالها الوفير لشهرته صلى الله عليه وسلم إذ ذاك بالصدق، والأمانة، والمروءة، والشجاعة، والتحلي بالآداب السامية، وكانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال: في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وقد قال عمه أبو طالب يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، فهل لك أن أكلم خديجة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما أحببت؟ ففرحت خديجة بذلك، وكان جوابها: لو سألت ذلك لبعيد بغيض فعلنا فكيف، وقد سألته لحبيب قريب؟ واستطاع صلى الله عليه وسلم بحلو شمائله، وجمال عواطفه أن يكسب محبة ميسرة وإجلاله، وأن يجلب ما يفيد بني وطنه، ويدر بالأرباح الطائلة. (¬1) أي أنا معهم بالرحمة، والرأفة، والمساعدة مدة عدم خيانة الشريك لأخيه. (¬2) إذا سرق، وغش، وانتزعت الأمانة منه تركت عونهما فتسلط عليهم الشيطان فسلب من تجارتهم البركة. (¬3) عونه، وإغاثته، ولطفه، وفي الجامع الصغير قال المناوي: أي حفظه وكلاءته عليهم أهـ. فالشريكان في كنف الله، وإحاطته مدة الأمانة، وإلا زال عنهم عند الخيانة. فإذا خان أحدهما صاحبه كذا ط وع ص 586، وفي ن د فإن خان أحدهما بلا ذكر صاحبه. كذا ط وع ص 586، وفي ن د فإذا خان أحدهما بلا ذكرصاحبه. والشركة عقد يقتضي ثبوت الحق لاثنين، فأكثر، وهي أنواع: أولاً: شركة أبدان كشركة الدلالين، والحمالين، والمحترفين ليكون بينهما كسبهما متساويا. أو متفاوتاً. ثانياً: شركة مفاوضة: يشترك اثنان ليكون بينهما كسبهما بأموالهما، أو أبدانهما، وعليهما ما يعرض من نحو غرامة. ثالثاً: شركة وجوه من الوجاهة، والعظمة كأن يشترك، وجيه لا مال له: وخامل عديم الشهرة له مال، أو يشترك وجيه في ذمته، ويفوض بيعه لخامل، والربح بينهما، وكلاهما باطل إذ ليس بينهما مال مشترك. رابعاً: شركة عنان، أخذا من عنان الداية المانع لها من الحركة لمنع كل من الشريكين من التصرف بغير مصلحة: وهي صحيحة لسلامتها من أنواع الضرر، وأركانها عاقدان، ومعقود عليه. وصيغة، وعمل. =

صاحبه، فإن خان أحدهما (صاحبه) رفعها عنهما

_ = ومغزى هذا الباب الحث على الأمانة، وإنشاء شركات التعاون بين الأفراد، وبث روح الاتحاد لتصفو المودة، ويزداد الربح، وتنمو الثقة المتبادلة. قال تعالى: أ - (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) 103 من سورة آل عمران. وحيل الله دين الإسلام. والعمل بالقرآن والسنة، وثمرة هذه التعاليم الأمانة. ب - وقال تعالى: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) 7 من سورة المجادلة. هذه الآية دستور الشركة، ومنهج التعاون الاقتصادي بين الأفراد المتحابة. (رابعهم) سبحانه وتعالى يشاركهم في الاطلاع على الأسرار ويحاسبهم على الصغيرة والكبيرة. جـ - وقال تعالى (إنا أرسلناك شاهدا ومبشراً ونذيراً 8 لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا 9 إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً) 10 من سورة الفتح. (شاهداً) على أمتك (مبشراً) على الطاعة (ونذيراً) على المعصية (وتعزروه) وتقووه بتقوية دينه ورسوله (وتوقروه) وتعظموه وتنزهوه وتصلوا له غدوة وعشياً (نكث) نقض العهد، فلا يعود ضرر خيانته إلا عليه، فعليك أخي بالصدق والأمانة. د - وقال تعالى (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيباً واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون) 114 من سورة النحل. أمرهم بالحلال وشكر نعم ربهم رجاء طاعته. (شاعران يوضحان قوانين الشركة والتعاون من فقه السنة النبوية) أ - الصالح بن عبد القدوس: وصل الكرام وإن رموك بحفوة (¬1) ... فالصفح عنهم والتجاوز أصوب واختر قرينك واصطفيه تفاخراً (¬2) ... إن القرين إلى المقارن ينسب ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً ... إن الكذوب يشين حرا يصحب (¬3) وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ... ثرثارة (¬4) في كل ناد تخطب واحفظ لسانك واحترز من لفظه ... فالمرء يسلم باللسان ويعطب (¬5) والسر فاكتمه ولا تنطق به ... إن الزجاجة كسرها لا يشعب (¬6) لا تحرصن فالحرص (¬7) ليس بزائد ... في الرزق بل يشقى الحريص ويتعب وارع الأمانة والخيانة فاجتنب ... واعدل ولا تظلم يطيب المكسب (¬8) وإذا أصابك نكبة فاصبر لها ... من ذا مسلماً لا ينكب (¬9) = ¬

الترهيب من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه

الترهيب من التفريق بين الوالدة وولدها بالبيع ونحوه 1 - عنْ أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من فرَّ (¬1) بين والدةٍ وولدها فرَّق (¬2) الله بينه وبين أحبَّته يوم القيامة. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، والحاكم والدارقطني، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 2 - وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ملعون من فرَّق بين والدةٍ وولدها (¬3). قال أبو بكر، يعني ابن عياش: هذا مبهم، وهو عندنا في السبى والولد. رواه الدارقطني من طريق طليق بن محمد عنه، وطليق مع ما قيل فيه لم يسمع من عمران. ¬

= وإذا رميت من الزمان بريبة (1) ... أو نالك الأمر الأشق الأصعب فاضرع (2) لربك إنه أدنى لمن ... يدعوه من حبل الوريد (3) وأقرب واحذر مصاحبة اللئيم فإنه ... يعدى كما يعدى الصحيح الأجرب (4) واحذر من المظلوم سهماً (5) صائبا ... واعلم بأن دعاءه لا يحجب ب - وحسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وسلم نفسه: لساني وسيفي صارمان (6) كلاهما ... ويبلغ (7) ما لا يبلغ السيف مذودي وإن أك ذا مال كثير أجسد به ... وإن يهتصر عودي على الجهد (8) يحمد فلا المال ينسيني حيائي وعفتي ... ولا واقعات (9) الدهر يفللن مبردي وإني لمعط ما وجدت وقائل ... لموقد نار ليلة الريح (10) أوتد وإني لقوال لذي البث (11) مرحبا ... وأهلا إذا ما جاء من غير مرصد (12) وإني لحلو تعتريني مرارة (13) ... وإني لتراك لما لم أعود (¬1) أي أبعدو فصل بينهما بما يزيل الملك فالتفريق بين أمة وولدها بنحو بيع حرام قبل التمييز عند الشافعي، وقبل البلوغ عند أبي حنيفة، من الجامع الصغير ص 345. وقال الحفني: وإن رضيت الأم بذلك التفريق بأن قالت: بعني وحدي وولدي وحده فلا يعتبر رضاها. (¬2) كافأه الله بعزلته عن أحبابه وحرمه من نعيم قربهم. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث المسلمين على المحافظة على عدم فصل الابن من أبيه والولد من أمه وهذا زمن الرق فلا تباع الأمة بغير ابنها والآن لا تفرقة. (¬3) قال الحفني: أي الذي لم يستغن عنها أما التفريق بين الأخوين فلا يحرم عندنا ويحرم عند بعض الأئمة أهـ ص 281 والملعون المطرود من رحمة الله البعيد عن رضاه.

الترهيب من الدين وترغيب المستدين والمتزوج أن ينويا الوفاء والمبادرة إلى قضاء دين الميت

ورواه ابن ماجه والدارقطني أيضاً من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وقد ضعف عن طليق بن عمران عن أبي بردة عن أبي موسى قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فرَّق بين الوالدة وولدها، وبين الأخ وأخيه. الترهيب من الدين وترغيب المستدين والمتزوج أن ينويا الوفاء والمبادرة إلى قضاء دين الميت 1 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أعوذ بالله من الكفر (¬1) والدَّين (¬2)، فقال رجلٌ: يا رسول الله، أتعدل الكفر بالدين؟ قال: نعم (¬3). رواه النسائي والحاكم من طريق درّاج عن أبي الهيثم، وقال: صحيح الإسناد. 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدَّين راية الله في الأرض، فإذا أراد الله أن يذلَّ عبداً وضعه في عنقه. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. (قال الحافظ) بل فيه بشر بن عبيد الدارسي واهٍ. 3 - وروي عنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي رجلاً وهو يقول: أقلَّ من الذُّنوب يهنْ عليك الموتُ، وأقلَّ من الدين تعشْ حرًّا. رواه البيهقي. 4 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تخيفيوا أنفسكم بعد أمنها. قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: الدين. رواه أحمد واللفظ له، وأحد إسناديه ثقات، وأبو يعلي، والحاكم، والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 5 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فارق ¬

(¬1) الإشراك بالله وجحود نعمه. (¬2) الاستدانة وأخذ المال من الغير سلفة. وقد رهب صلى الله عليه وسلم من الدين حتى ساوى عقابه عقاب الكفر والطغيان. (¬3) أي الدين مثل الكفر يدعو إلى الذلة والمسكنة، ويجلب العار والدمار والشنار ويبعد المروءة والشهامة ويضع المستدين في سلاسل الأسر والتحقير. وفيه طلب الاقتصاد والرغبة في التوفير.

روحه جسده، وهو بريء من ثلاثٍ دخل الجنَّة: الغول (¬1) والدَّين (¬2)، والكبر (¬3). رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وتقدم لفظه. والحاكم، وهذا لفظ، وقال: صحيح على شرطهما. قال الترمذي: قال سعيد بن أبي عروبة: الكنز يعني بالزاي، وقال أبو عوانة في حديثه: الكبر يعني بالراء. قال: ورواية سعيد أصحّ، وقال البيهقي في كتابه عن أبي عبد الله يعني الحاكم: الكنز مقيد بالزاي، والصحيح في حديث أبي عوانة بالراء. 6 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً: من تداين بدينٍ، وفي نفس وفاؤه ثمَّ مات تجاوز (¬4) الله عنه، وأرضى غريمه (¬5) بما شاء، ومن تداين بدينٍ وليس في نفسه وفاؤه، ثمَّ مات اقتص (¬6) الله عزَّ وجلَّ لغريمه يوم القيامة. رواه الحاكم عن بشر ابن نمير، وهو متروك، عن القاسم عنه. ورواه الطبراني في الكبير أطول منه، ولفظه قال: من ادَّان (¬7) دينا وهو ينوي أنْ يؤديه (ومات) أدَّاه الله عنه يوم القيامة، ومن استدان ديناً وهو لا ينوي أن يؤدِّيه فمات قال الله عزَّ وجلَّ له يوم القيامة: ظننت أني لا آخذ لعبدي بحقِّه فيؤخذ من حسانتهِ فيجعل في حسنات الآخر، فإنْ لم يكن له حسنات أخذ من سيئات الآخر فيجعل عليه. 7 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أخذ أموال الناس (¬8) يريد أداءها أدَّى الله عنه (¬9)، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها (¬10) ¬

(¬1) السرقة من المغنم. (¬2) أخذ مال الغير استدانة. (¬3) الخيلاء، والبطر، والعجب، والكبرياء. هذه صفات ثلاثة ذميمة، من ابتعد عنها فاز بالجنة، وفي ن د وع ص 587: من فارق روحه جـ، وفي ن ط: من فارق الروح الجسد. (¬4) عفا الله عن ذنوبه التي ارتكبها من جراء ضياع حقوق غيره. (¬5) دائنه: بأن زاد في حسناته وكافأه وأغدق عليه من نعيمه جزاء ماله. (¬6) عذبه، لأنه أخذ وفي نفسه الغدر والنكث والخيانة، ففيه طلب حسن النية وعقد العزيمة على الوفاء عند الميسرة. (¬7) أي أخذ شيئا عن عرض الدنيا وحطامها سلفة. (¬8) أي تسلمها بوجه من وجوه التعامل كالقرض أو للحفظ وديعة لله أو غير ذلك حال كونه ينوي ردها. (¬9) أعانه الله على ردها وأدائها بالتي هي أحسن ووفقه وألهمه الرشد. (¬10) أي عدم ردها.

أتلفه الله (¬1). رواه البخاري، وابن ماجه وغيرهما. 8 - وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ حمل منْ أمَّتي ديناً، ثمَّ جهد في قضائه، ثمَّ مات قبل أن يقضيه فأنا وليُّه (¬2). رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو يعلي والطبراني في الأوسط. 9 - وعنها رضي الله عنها أنها كانت تداين، فقيل لها: مالك وللدَّين؟ ولك عنه مندوحةٌ (¬3) قالتْ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منْ عبدٍ كانت له نيَّة في أداء دينه إلا كان له من الله عون (¬4)، فأنا ألتمس ذلك العون. وفي رواية: من كان عليه دينٌ همَّة قضاؤه أو همَّ بقضائه لمْ يزلْ معه من الله حارسٌ (¬5). رواه أحمد، ورواته محتجّ بهم في الصحيح إلا أن فيه انقطاعا. ورواه الطبراني بإسناد متصل فيه نظر، وقال فيه: كان له من الله عون، وسبَّب له رزقاً (¬6). 10 - وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنهما قال: كانت ميمونة تدَّان فتكثر فقال لها أهلها في ذلك، ولاموها (¬7) ووجدوا (¬8) عليها، فقالت: لا أترك الدين، وقدْ سمعتُ خليلي وصفيِّي (¬9) صلى الله عليه وسلم يقول: ما منْ أحدٍ يدَّان ديناً يعلم الله أنَّه يريد قضاؤه إلا أدَّاه الله عنه في الدنيا. رواه النسائي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه. 11 - وعنْ صهيب الخير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) أي أتلف أمواله في الدنيا بكثرة المصائب ومحق البركة. أو المراد إتلاف نفسه في الدنيا أو تعذيبه في الآخرة أهـ جامع صغير، وفي الفتح: وظاهره يحيل المسألة المشهورة فيمن مات قبل الوفاء بغير تقصير منه كأن يعسر مثلا أو يفاجئه الموت وله مال مخبوء وكانت نيته وفاء دينه ولم يوف عنه في الدنيا، والظاهر أن لا تبعة عليه والحالة هذه في الآخرة بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين، بل يتكفل الله عنه لصاحب الدين (قوله أتلف الله) ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه، وهو علم من أعلام النبوة لما نراه بالمشاهد ممن يتعاطى شيئا من الأمرين، وقيل المراد بالإتلاف عذاب الآخرة قال ابن بطال: فيه الحض على ترك استئكال أمر الناس والترغيب في حسن التأدية إليهم عند المداينة وأن الجزاء قد يكون من جنس العمل. وقال الداودي: فيه أن من عليه دين لا يعتق ولا يتصدق وإن فعل رد أهـ وفي أخذ هذا من هذا بعد كثير، وفيه الترغيب في تحسين النية والترهيب من ضد ذلك، وأن مدار الأعمال عليها، وفيه الترغيب في الدين لمن ينوي الوفاء أهـ فتح ص 35 جـ 5. (¬2) أنا الذي أدفع عنه. (¬3) خلاص أو مهرب. (¬4) مساعد. (¬5) حافظ. (¬6) أرغد عيشه ووسع عليه من نعمه. (¬7) عتبوا عليها. (¬8) غضبوا. (¬9) في ن د: وحبيبي، ويداين.

أيُّما رجلٍ تديَّن ديناً، وهو مجمعٌ أن لا يوفِّيه (¬1) إياه لقى الله سارقاً. رواه ابن ماجه والبيهقي، وإسناده متصل لا بأس به إلا أن يوسف بن محمد بن صيفي بن صهيب قال البخاري: فيه نظر. ورواه الطبراني في الكبير، ولفظه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيُّما رجل تزوَّج أمرأة ينوي ألا يعطيها من صداقها شيئاً مات يوم يموت، وهو زانٍ (¬2) وأيُّما رجل اشترى من رجلٍ بيعا ينوي ألا يعطيه من ثمنه شيئاً مات يوم يموت، وهو خائنٌ (¬3) والخائن في النار. وفي إسناده عمر بن دينانر متروك. 12 - وعن القاسم مولى معاوية رضي الله عنه أنَّه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تديَّن بدينٍ وهو يريد أن يقضيه حريصٌ على أنَّ يؤديه فمات ولمْ يقض دينه، فإن الله قادرٌ على أن يرضي غريمه بما شاء من عنده ويغفر للمتوفي، ومن تدين بدينٍ وهو يريد ألا يقضيه فمات على ذلك ولم يقض دينه، فإنَّه يقال له: أظننت أنا لن نوفي فلاناً حقه منك فيؤخذ من حسناته فيجعل زيادة في حسنات ربِّ الدَّين، فإن لم يكن له حسناتٌ أخذ من سيئات ربِّ (¬4) الدَّين فجعلت في سيئات المطلوب. رواه البيهقي، وقال: هكذا جاء مرسلا. 13 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات وعليه دينارٌ، أو درهمٌ قضى (¬5) من حسناته، ليس ثم دينار (¬6) ولا درهم. رواه ابن ماجه بإسناد حسن، والطبراني في الكبير. ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدين دينان، فمن مات وهو ينوي قضاءه (¬7) ¬

(¬1) أي لا يرده إلى أصحابه. (¬2) عاص لم يستحل البضع بدفع المهر. (¬3) آكل أموال الناس بالباطل. (¬4) صاحب الأمانة المودعة. (¬5) أي أخذ من ثوابه المدخر له سدادا لدينه الذي كان عليه في حياته. (¬6) أي ليس يوم القيامة مال يدفع، وإنما هناك أخذ الأجر تنفيذا وقضاء. قال تعالى: (وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له أمرنا يسرا) وقال تعالى: (وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم). (¬7) أداءه.

فأنا وليُّه (¬1) ومن مات وهو لا ينوي قضاءه فذاك الذي يؤخذ من حسناته، ليْس يومئذٍ (¬2) دينارٌ ولا درهمٌ. 14 - وعن محمَّد بن عبد الله بن جحشٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً حيث توضع الجنائز فرفع رأسه قبل السماء، ثمَّ خفض بصره فوضع يده على جبهته، فقال: سبحان الله، سبحان الله، ما أنزل من التشديد. قال: فعرفنا وسكتنا حتى إذا كان الغد (¬3) سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: ما التشديد الذي نزل؟ قال: في الدين، والذي نفسي بيده لو قتل رجلٌ في سبيل الله، ثم عاش، ثم قتل، ثمَّ عاش، ثمَّ قتل وعليه دينٌ ما دخل الجنَّة حتى يقضي (¬4) دينه. رواه النسائي والطبراني في الأوسط، والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد. 15 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل أن يسلفه (¬5) ألف دينارٍ، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيداً (¬6) قال فائتني بالكفيل (¬7). قال: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت (¬8)، فدفعها إليه إلى أجلٍ مسمَّى (¬9) فخرج في البحر (¬10) فقضى حاجته، ثمَّ التمس (¬11) مرْكبا كبهُ، ويقدم عليه للأجل الذي أجَّله فلمْ يجد مرْكباً، فأخذ خشبةً فنقرها (¬12)، فأدخل فيها ألف دينارٍ، وصحيفةً (¬13) منه إلى ¬

(¬1) متولى أمره أدفع عنه وأقوم بسداد دينه قال تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) قال البيضاوي أي في الأمور كلها فإنه لا يأمرهم ولا يرضى عن همي إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم فيجب أن يكون أحب إليهم من أنفسهم وأمره أنفذ عليهم من أمرها وشفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها أهـ. وقال النسفي: أي أحق بهم في كل شيء من أمور الديني والدنيا وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، فعليهم أن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه، أو هو أولى بهم: أي أرأف بهم وأعطف عليهم وأنفع لهم كقوله: بالمؤمنين رءوف رحيم أهـ. ومن ذلك أن يقوم بسداد دين العاجز الفقير. يوم القيامة تنقطع معاملة الدنيا فلا ينفع المال. (¬2) اليوم الثاني. (¬3) اليوم الثاني. (¬4) يؤدي: والمعنى أن الماجد مهما أصاب وجاهد فلا يدخل الجنة حتى يسدد دينه. وفيه الترهيب من الدين وأن عقابه صارم ويدخل النار ولو كان المدين صالحاً مجاهدا. (¬5) يقرضه. (¬6) الله مطلع علينا ورقيب وتكفي شهادته وحده سبحانه وتعالى. (¬7) الضامن. (¬8) في رواية أبي سلمة فقال سبحان الله نعم. (¬9) موعد محدد. (¬10) في رواية أبي سلمة فركب الرجل البحر بالمال يتجر فيه فقدر الله أن حل الأجل وأريج البحر بينهما. (¬11) زاد في رواية أبي سلمة وغدا رب المال إلى الساحل يسأل عنه ويقول: اللهم اخلفني وإنما أعطيت لك. (¬12) حفرها. (¬13) في رواية أبي سلمة وكتب إليه صحيفة: من فلان إلى فلان إني دفعت مالك إلى وكيل الذي توكل بي.

صاحبها، ثمَّ زحَّج (¬1) موضعها، ثمَّ أتى بها البحر، فقال: اللهم إنك تعلمُ أني تسلفتُ فلاناً ألف دينارٍ فسألني كفيلاً، فقلت: كفى بالله كفيلا فرضي بك، وسألني شهيداً، فقلت: كفى بالله شهيداً فرضي بك، وإني جهدت (¬2) أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلمْ أقدرْ، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت (¬3) فيه، ثمَّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرَّجل الذي كان أسلفه ينظر لعلَّ مركباً قد جاء بماله، فإذا الخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطباً، فلما نشرها (¬4) وجد المال والصحيفة. ثمَّ الذي كان أسلفه، وأتى بالألف دينارٍ، فقال: والله ما زلت جاهداً في طلب مركبٍ لآتيك بمالك فما وجدت مركباً قبل الذي جئت ¬

(¬1) قال الخطابي: أي سوى موضع النقر وأصلحه، وهو من تزجيج الحواجب: وهو حذف زوائد الشعر، ويحتمل أن يكون مأخوذا من الزج، وهو النصل كأن يكون النقر في طرف الخشبة فشد عليه زجا ليمسكه، ويحفظ ما فيه، وقال عياض: معناه سمرها بمسامير كالزج، أو حشى شقوق لصاقها بشيء، ورقمه بالزج، وقال ابن التين: معناه أصلح موضع النقر. (¬2) اجتهدت، وفي حديث عبد الله بن عمرو: اللهم أد حمالتك. (¬3) دخلت فيه. رجل اقترض مبلغاً من آخر إلى زمن معلوم ولما آن أوان السداد ذهب إلى البحر فلم يجد مركبا فأتى بخشبة ووضع المبلغ فيها ورماها في البحر ثقة بالله تعالى وهو نعم الشهيد الكفيل، والدائن ينتظر مدينه على الميناء فرأى خشبة فأخذها للدفء فوجد في وسطها الأمانة والرسالة. هذه حادثة يرويها لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صالحين برين مؤمنين معتمدين على الله جل وعلا أشرق نور الإيمان بالله تعالى في قلوبهما وسطعت تعاليم نبيهما في ذلك الوقت، فهل فينا الآن هذا الإيمان وحب الخير والتوكل على الله وقضاء الحاجات ابتغاء ثواب الله والوفاء والصدق ورد الودائع وقد قال الله تعالى فينا (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) اكتسب الأمة الشرف العظيم والتفوق الباهر والخيرية من رسولها الصادق الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي حكى لنا فعل رجلين من بني إسرائيل رجاء أن نعمل مثلهما ونتقي الله ونثق به وندعوه رغبا ورهبا ونخشاه .. قال تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وفي البخاري في باب الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها فروي هذا الحديث. وفي الفتح عن عبد الله ابن عمرو بن العاص يرفعه: أن رجلا جاء إلى النجاشي فقال له أسلفني ألف دينار إلى أجل، فقال: من الحميل بك؟ قال: الله، فأعطاه الألف فضرب بها الرجل: أي سافر بها في تجارة فلما بلغ الأجل أراد الخروج إليه فحسبته الريح فعمل تابوتا فذكر الحديث. فالذي أقرض هو النجاشي فيجوز أن تكون نسبته إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع لهم، لا أنه من نسلهم أهـ ص 315 جـ 4. (¬4) قطعها بالمنشار فانتثرت الدنانير منها والصحيفة فقرأها وعرف ما فيها. وفي الفتح في الحديث جواز الأجل في القرض. ووجوب الوفاء به. وقيل لا يجب بل هو من باب المعروف. وفيه التحدث عما كان في بني إسرائيل وغيرهم من العجائب للاتعاظ والائتساء، وفيه جواز التجارة في البحر وجواز ركوبه، وفيه بداءة الكاتب بنفسه، وفيه طلب الشهود في الدين وطلب الكفيل به، وفيه فضل التوكل على الله تعالى وأن من صح توكله تكفل الله بنصره وعونه أهـ ص 316 جـ 4.

فيه. قال: هلْ كنت بعثت إليَّ بشيءٍ. قال أخبرك أنِّي لمْ أجد مرْكباً قبل الذي جئت فيه. قال: فإنَّ الله قدْ أدَّى عنك الذي بعثته في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشداً. رواه البخاري مغلقا مجزوما، والنسائي، وغيره مسنداً. (قوله زجج) بزاي وجيمين: أي طلي نقر الخشبة بما يمنع سقوط شيء منه. 16 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تزوَّج امرأة على صداقٍ (¬1)، وهو ينوي أن لا يؤدِّيه إليها، فهو زانٍ (¬2)، ومن أدان ديناً وهو ينوي أن لا يؤديه إلى ضاحبه أحسبه. قال: فهو سارق (¬3). رواه البزار وغيره. 17 - وعنْ ميمونٍ الكرديِّ عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما رجلٍ تزوَّج امرأةً على ما قلَّ من المهر، أو كثر ليْس في نفسه أن يؤدي إليها حقَّها خدعها (¬4)، فمات ولمْ يؤدِّ إليها حقها لقي الله يوم القيامة وهو زانٍ، وأيما رجلٍ استدان ديناً لا يريد أن يؤدي إلى صاحبه حقه خدعه حتى أخذ ماله، فمات ولمْ يؤدِّ إليه دينه، لقي الله وهو سارقٌ. رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورواته ثقات، وتقدم حديث صهيب بنحوه. 18 - وعنْ عبد الرَّحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يدعو الله بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يديه، فيقال يا ابن آدم: فيم أخذت هذا الدين، وفيم ضيَّعت حقوق الناس؟ فيقول يا ربِّ: إنك تعلم أنِّي أخذته، فلمْ آكلْ، ولم أشربْ، ولم ألبسْ، ولمْ أضيِّعْ، ولكنْ أتى عليَّ إما حرقٌ، وإما سرقٌ، وإما وضيعةٌ، فيقول الله: صدق عبدي، أنا أحقُّ من قضي عنك، فيدعو الله بشيءٍ، فيضعه في كفَّة ميزانه، فترجع حسناته على سيِّئاته، فيدخل الجنَّة بفضل رحمته (¬5). رواه أحمد، والبزار، والطبراني، وأبو نعيم، أحد أسانيدهم حسن. (الوضيعة): هي البيع بأقلّ عما اشترى به. ¬

(¬1) مهر. (¬2) مرتكب الفاحشة. (¬3) خائن مجرم يأكل أموال الناس بالباطل. (¬4) خانها وغشها. (¬5) لأنه أخذ الدين لحاجة وفي نيته الأداء إذا استطاع.

19 - وروي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الدَّين يقتصُّ من صاحبه يوم القيامة إذا مات إلا من تديِّن في ثلاث خلالٍ: الرَّجل تضعف قوَّته في سبيل الله، فيستدين يتقوَّى به على عدوِّ الله وعدوِّه، ورجل يموت عنده مسلم لا يجد بما يكفِّنه ويواريه إلا بدين، ورجلٌ خاف على نفسه العزبة فينكح خشيةً على دينه، فإنَّ الله يقض عن هؤلاء يوم القيامة (¬1). رواه ابن ماجه هكذا، والبزار. ولفظه: ثلاثٌ من تديَّن فيهنَّ، ثمَّ مات ولم يقض فإنَّ الله يقضي عنه: رجل يكون في سبيل الله فيخلق (¬2) ثوبه، فيخاف أن تبدو عورته (¬3)، أو كلمة نحوها فيموت، ولمْ يقض دينه، ورجلٌ مات عنده رجل مسلمٌ فلمْ يجد ما يكفِّنه به، ولا ما يواريه فمات ولمْ يقض دينه ورجلٌ تخاف على نفسه العنت فتعفَّف بنكاح امرأةٍ فمات ولمْ يقْضِ، فإنَّ الله يقضي عنه يوم القيامة. (العنت) بفتح العين والنون جميعا: هو الإثم والفساد. 20 - وعن عبد الله بن ججعفرٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله مع الدَّائن (¬4) حتى يقضي دينه مالمْ يكنْ فيما يكرهه الله. قال: وكان عبد الله بن جعفرٍ يقول لخازنه: اذهب فخذ لي بدينٍ (¬5) فإني أكره أن أبيت ليلة إلا ¬

(¬1) المعنى ثلاثة يرد الله عنهم غائلة الدين ويبعد عنهم عقاب المماطلة. أ - المستدين للجهاد في سبيل نصر دين الله وتكبيت أعداء الإسلام والذب عن حياض آدابه. ب - المدين لتكفين الفقير ودفنه. جـ - الأعزب الذي يستدين ليتزوج. (¬2) يبلي. (¬3) تظهر سوءته فاستدان ليتجمل وليخفي ما يجب ستره، والعورة للرجل من السرة إلى الركبة وللمرأة جميع جسمها، فإن الله يرضي الدائن ويغدق عليه بنعيمه فيرضي عن مدينه. (¬4) الذي يعطي المحتاج ويفرج كربة المضايق المهموم المحزون مدة إعطائه في حلال يرضي الله جل وعلا، يقال دنت الرجل: أخذت منه دينا، وأدنته جعلته دائنا وذلك بأن تعطيه دينا. قال أبو عبيدة: دنته أقرضته، ورجل مدين ومديون، ودنته: استقرضت منه. قال الشاعر: ندين ويقضي الله عنا وقد نرى ... مصارع قوم لا يدينون ضيعا قال تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) (من بعد وصية يوصى بها أو دين). (¬5) صحابي جليل يريد أن يكون له فضل على الناس بالقرض رجاء أن الله يشمله برحمته ورضوانه ورعايته قال تعالى: (إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم) 17 من سورة التغابن وقال تعالى: (وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) 29 من سورة الحديد.

والله معي (¬1) بعد إذ سمعته منْ رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه ابن ماجه باسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وله شواهد. 21 - وعنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: من حالتْ (¬2) شفاعته دون حدٍ من حدود الله، فقدْ ضادَّ الله (¬3) في أمره، ومن مات وعليه دينٌ، فليس ثمَّ (¬4) دينارٌ ولا درهمٌ ولكنَّها الحسنات والسَّيئات، ومن خاصم (¬5) في باطلٍ، وهو يعلم لمْ يزلْ في سخط (¬6) الله حتى ينزع (¬7)، ومن قال في مؤمن: ما ليْس فيه حبس في ردغة (¬8) الخبال حتى يأتي بالمخرج (¬9) مما قال. رواه الحاكم وصححه، ورواه أبو داود والطبراني بنحوه، ويأتي لفظهما إن شاء الله تعالى. 22 - وعن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هاهنا أحدٌ من بني فلانٍ؟ فلم يحبه أحدٌ، ثمَّ قال: هاهنا أحدٌ من بني فلان؟ فلمْ يحبه أحدٌ، ثمَّ قال: هاهنا أحدٌ من بني فلانٍ؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله فقال: من منعك أن تجيبني في المرَّتين الأوليين. قال: إني لم أنوِّهْ بكمْ إلا خيراً، ¬

(¬1) بعونه ورأفته وإحاطته. (¬2) منعت عقابا في الانتقام وتنفيذ أوامر الله. (¬3) كان لله عدوا وضدا وأعلن الحرب على الله تعالى لأنه ساعد المجرمين وضيع حقوق الله في وساطته قال تعالى (إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين 20 كتب الله لأغلبن أنا ورسولي إن الله قوي عزيز 21 لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) 22 من سورة المجادلة. أي الذين يحادون الله هم العصاة والفساق ووسطاء السوء وشفعاء الأشرار لذهاب معالم الحق وتفشي الباطل وضياع مظاهر العدل وإخفاء الأنوار المضيئة في البر والخير، فجند الله أنصار الحق (من حاد الله) أي خالفه وعاداه أي من الممتنع أن تجد قدما مؤمنين يوالون المشركين، والمراد أنه لا ينبغي أن يكون ذلك، وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال، مبالغة في الزجر عن مجانبه أعداء الله ومباعدتهم والاحتراز عن مخالطتهم ومعاشرتهم أهـ نسفي ص 179 وأنا أعد مساعدي المجرمين شركاء لهم في الذنب، وقال تعالى (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) 14 من سورة النساء. (¬4) يوم القيامة (يوم يؤخذ بالنواصي والأقدام). (¬5) جادل وفجر وشق عصا الطاعة. (¬6) غضبه. (¬7) يرجع، والمعنى أن الذي يميل إلى النفاق والباطل وعصيان الله يستمر غضب الله ينصب عليه حتى يتوب إلى الله ويعترف بالحق وينصره ويدافع عنه. (¬8) جاء تفسيرها في الحديث: أنها عصارة أهل النار، والردغة: طين ووحل كثير أهـ نهاية. (¬9) يصدق ويبعد عن الذم ويجتنب الغيبة والنميمة ويهجر الزور ويترك الباطل.

إن صاحبكم مأسورٌ بدينه فلقد رأيته أدِّى (¬1) عنه حتى ما أحد يطلبه بشيءٍ. رواه أبو داود، والنسائي، والحاكم إلا أنه قال: إن صاحبكم حبس على باب الجنَّة بدينٍ كان عليه. زاد في رواية: فإن شئتمْ فافدوه (¬2)، وإنْ شئتمْ فأسلموه إلى عذاب الله، فقال رجلٌ: عليَّ دينه فقضاه (¬3). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. (قال الحافظ) عبد العظيم: رووه كلهم عن الشعبيّ عن سمعان، وهو ابن مشنج عن سمرة، وقال البخاري في تاريخه الكبير: لا نعلم لسمعان سماعا من سمرة، ولا للعشبيّ سماعا من سمعان. 23 - وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صاحب الدين مأسورٌ (¬4) بدينهِ يشكو إلى الله الوحدة (¬5). رواه الطبراني في الأوسط، وفيه المبارك بن فضالة. 24 - وعن أبي موسى رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه بها عبدٌ بعد الكبائر التي نهي الله عنها: أن يموت رجلٌ وعليه دينٌ لايدع له (¬6) قضاء. رواه أبو داود والبيهقي. 25 - وعن شفيِّ بن ماتعٍ الأصبحيِّ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربعةٌ يؤذون (¬7) أهل النار على ما بهم من الأذى: يسعون ما بين الحميم (¬8)، والجحيم (¬9) يدعون بالويل والثُّبور (¬10) يقول بعض أهل النار لبعضٍ: ما بال (¬11) هؤلاء ¬

(¬1) الله تعالى تكرم وأرضى صاحب الدين بثوابه الجزيل حتى رضي وسامحه. (¬2) قدموه لورثة الدائن وادفعوا دينه سددا عنه لله تعالى جزاء فكه من عذاب الله وعتقه من الجحيم. (¬3) أعطاه لمستحقه حتى عفا عنه. (¬4) في سجن من جهنم وفي يديه سلاسل النار وأغلالها فيشعر بالذلة والعقاب. (¬5) العزلة والعذاب والحرمان من نعيم الجنة، وفيه الترهيب من الدين وعدم الوفاء بالسداد وعدم حسن الأداء. (¬6) لا يترك شيئاً يقوم بأدائه، والمعنى يبعثر جميع أمواله ويوزعها فراراً من أداء دينه. (¬7) الماء الشديد الحرارة قال تعالى (وسقوا ماء حميما) (يصيب من فوق رءوسهم الحميم). (¬8) الماء الشديد الحرارة قال تعالى (وسقوا ماء حميما) (يصيب من فوق رءوسهم الحميم). (¬9) النار: أي يمشون بين عذابين. ماء مغلي، ونار الله الموقدة. (¬10) بالعذاب والهلاك. (¬11) ما حال، أو ما شأن.

قدْ آذوْنا على ما بنا من الأذى. قال: فرجلٌ معلَّق عليه تابوت (¬1) من جمرٍ، ورجلٌ يجرُّ أمعاءه (¬2) ورجلٌ يسيل فوه (¬3) قيحاً ودماً، ورجلٌ يأكل لحمه، فيقال لصاحب التَّابوت: ما بال الأبعد قدْ آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إنَّ الأبعد مات، وفي ع نقه أموال الناس (¬4) لا يجد لها قضاءً، أو وفاءً. الحديث رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني بإسناد ليِّن، ويأتي بتمامه في الغيبة إن شاء الله تعالى. 26 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نفس المؤمن معلَّقة (¬5) بدينه حتى يقضي عنه. رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، ولفظه: قال: نفس المؤمن معلَّقة ما كان عليه دينٌ، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين. 27 - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: توفِّي رجل فغسَّلناه وكفَّنَّاه وحنَّطناه، ثمَّ أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقلنا: تصلِّي عليه فخطا خطوةً، ثم قال: أعليه دينٌ؟ قلنا: ديناران، فانصرف فتحمَّلهما أبو قتادة فأتيناه، فقال أبو قتادة: الدِّيناران عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منهما الميِّت؟ قال: نعم فصلَّى عليه، ثمَّ قال بعد ذلك بيومين: ما فعل الديناران؟ قلت: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه من الغد؟ فقال: قد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن بردتْ جلدته (¬6). رواه أحمد بإسناد حسن، والحاكم والدارقطني، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ورواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه باختصار. 28 - وروي عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بالجنازة (¬7) لمْ يسأل عن شيء من عمل الرَّجل، ويسأل عن دينه، فإن قيل عليه دينٌ كفَّ (¬8) عن الصلاة عليه، وإن قيل ليس عليه دين صلَّى عليه، فأتى بجنازةٍ، ¬

(¬1) صندوق من نار. (¬2) تخرج معدته. (¬3) يخرج فمه مادة قذرة. (¬4) المذموم البعيد من رحمة الله من تداين دينا لم يترك له سدادا. (¬5) مرهونة محبوسة بعيدة م عن نعيم الله مهما عملت صالحا حتى يؤدي ما عليها. (¬6) أي بمد دفع الدينارين لصاحبهما زال عنه العذاب وتنعم. (¬7) الميت على النعش، وفي النهاية والجنازة بالكسرة، وبالفتح الميت بسريره، وقيل بالكسر السرير، وبالفتح الميت أهـ. (¬8) امتنع.

فلمَّا قام ليكبِّر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل على صاحبكم دينٌ؟ قالوا: ديناران، فعدل عنه (¬1) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: صلُّوا على صاحبكم، فقال عليٌّ رضي الله عنه: هما عليَّ (¬2) يا رسول الله برئ منهما (¬3) فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى عليه، ثمَّ قال لعلي بن أبي طالبٍ: جزاك الله خيراً (¬4) فكَّ الله رهانك (¬5) كما فككت رهان أخيك. إنه ليس من ميت يموت وعليه دينٌ إلا وهو مرتهنٌ (¬6) بدينه، ومن فكَّ رهان ميِّت فك الله رهانه يوم القيامة، فقال بعضهم: هذا لعليّ خاصة أم للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامَّة (¬7). رواه الدارقطني ورواه أيضاً بنحوه عن طريق عبيد الله الوصافي عن عطية عن أبي سعيد. 29 - وروي عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بجنازةٍ ليصلي عليها قال: هل عليه دين؟ قالوا: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ جبريل نهاني (¬8) أن أصلِّي على من عليه دينٌ، فقال: إن صاحب الدين مرتهنٌ (¬9) في قبره حتى يقضي عنه دينه. رواه أبو يعلي، والطبراني، ولفظه قال: كنَّا عند النبي صلى الله عليه وسلم: فأتى برجل يصلِّي عليه، فقال: هل على صاحبكمْ دينٌ؟ قالوا: نعمْ. قال: فما ينفعكمْ أن أصلي على رجلٍ روحه مرْتهنٌ (¬10) في قبره لا تصعد روحه (¬11) إلى السماء، فلوْ ضمن (¬12) رجلٌ دينه قمت، فصلَّيت عليه، فإن صلاتي تنفعه. ¬

(¬1) بعد عن الصلاة. (¬2) أنا أدفعهما وفاء لدينه. (¬3) خلصت ذمته منهما وطهرت. (¬4) أحسن الله إليك وأعطاك الخير. (¬5) أطلقت من أسر العذاب. (¬6) محبوس في النار. (¬7) الثواب يشمل كل من فك عسر مسلم وأزال عنه حقوق دينه وأتمه ووفاه قال تعالى (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم 49 وأن عذابي هو العذاب الأليم) 50 من سورة الحجر، وقال تعالى (وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا) 88 من سورة الكهف. أي فعلة الحسنى (من أمرنا) مما نأمر به (يسرا) سهلا ميسرا غير شاق. (¬8) في أول الرسالة امتنع صلى الله عليه وسلم من الصلاة ترهيبا للذي يأخذ ولا يفي وستجد بعد ذلك أن هذا النهي زال. (¬9) محبوس لا يذهب إلى نعيم الجنة حتى يؤدي عنه دينه. (¬10) مرتهن كذا ط وع ص 592 وفي ن د مرتهنة. (¬11) لتسمو إلى أعلى فتشعر بنعيمها ومرافقة الأبرار الصالحين. (¬12) تعهد بالوفاء عنه. ترغيب منه صلى الله عليه وسلم في زيادة أجر المحسنين الذين يؤدون حقوق الله عن أصحابهم.

(قال الحافظ): قد صح النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلي على المدين، ثمَّ نسخ ذلك. فروى مسلم وغيره من حديث أبي هريرة وغيره أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتي بالرَّجل الميت عليه الدين، فيسأل (¬1) هل ترك لدينه قضاءً، فإن حدِّث أنه ترك وفاءً صلى الله عليه، وإلا قال: صلوا على صاحبكمْ، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمنْ توفي وعليه دينٌ فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثتهِ (¬2). ¬

(¬1) فيسأل، وفي ن د: يقال. (¬2) فلورثته كذا د وع، وفي ن ط فهو لورثته. قال الشيخ شرقاوي (قال لأصحابه صلوا عليه ولا يصلي هو) تحذيرا عن الدين وزجرا عن المماطلة ثم بعد ذلك صار يصلي على كل جنازة حضرها ويلتزم بالدين. ثم الذي يضمن أداء دين الميت هذا الضمان صحيح عند الجمهور من غير رجوع في مال الميت. وعن مالك للضامن أن يرجع إن قال ضمنت لأرجع فإن لم يكن للميت مال وعلم الضامن بذلك فلا رجوع له، وعند أبي حنيفة إن ترك الميت وفاء جاز الضمان بقدر ما ترك وإن لم يترك وفاء لم يصح، وصلاته عليه الصلاة والسلام عليه وإن كان الدين باقيا في ذمة الميت لكون صاحب الحق عاد إلى الرجاء بعد اليأس واطمأن بأن دينه صار في مأمن فخف سخطه وقرب من الرضا أهـ ص 207 جـ 3. وقد ذكر هذا الحديث في كتاب الحوالات. والحوالة لغة: التحول والانتقال، وشرعا عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة أخرى. وأركانها ستة: محيل ومحتال ومحال عليه ودين للمحتال على المحيل ودين المحيل على المحال إليه، وصيغة، وهي بيع دين بدين جوز للحاجة، ويشترط رضا المحيل والمحال وأن تكون الحوالة بدين لازم فلو أحال على من لا يدين له لم تصح الحوالة وإن رضي بها لعدم الاعتياض فإن تطوع بأداء دين المحيل كان قاضيا دين غيره ويشترط اتفاق الدينين جنسا وقدرا وحلولا وتأجيلا وصحة وتكسيرا وجودة ورداءة. (استعاذ صلى الله عليه وسلم من الدين لتبعد أمته عنه لأضرار: من فقه الأحاديث) أولاً: الدين يعادل في العقاب الكفر في الذلة والإهانة وغلبة الدائن وسلطته على المدين (أتعدل الكفر بالدين). ثانياً: الدين راية الضعف والمسكنة ترفرف على المدين بضعته. ثالثاً: عدم الدين يجلب السعادة وتنسم الحرية والشعور بالكرامة والمروءة (أقلل من الدين). رابعاً: عدم الاستدانة بشارة الاستقامة وعنوان الهداية وطريق الجنة. خامساً: ترك الدين في الرخاء أحسن خشية أن يستدين فلا يجد ما يؤدي به، وبذا يدخل جهنم بسبب دينه وتؤخذ حسناته للدائن وتطرح عليه سيئاته أيضاً انتقاماً منه وترضيه لصاحب الدين. سادساً: كثرة الاستدانة تجلب الفقر وتنزع البركة من المال وتنذر بالخراب والخسران (أتلفه الله). سابعاً: جواز الاستدانة عند الحاجة فقط على شريطة نبة الوفاء وحسن الأداء (التمس ذلك العون). ثامناً: قضاء حاجات الناس وفك كروبهم محمدة ومجلبة للخير ورضوان الله (كانت ميمونة تدان فتكثر). تاسعاً: من أخذ مال الناس بنية عدم الوفاء كالغصب والنهب (لقى الله سارقا (وهو خائن). عاشراً: الزوج إذا لم يدفع المهر لزوجته فهو آثم وعيشته معها محرمة وهو عاص ربه (زان). =

الترهيب من مطل الغني، والترغيب في إرضاء صاحب الدين

الترهيب من مطل الغني والترغيب في إرضاء صاحب الدين 1 - عنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مطل (¬1) الغنيِّ (¬2) ظلمٌ (¬3)، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبعْ (¬4). رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه. (أتبع) بضم الهمزة وسكون التاء: أي أحيل. (قال الخطابي): وأهل الحديث يقول: أتبع بتشديد التاء، وهو خطأ. 2 - وعنْ عمرو بن الشِّرِّيد عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليُّ الواجد يحلُّ عرضه وماله. رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. (ليّ الواجد) بفتح اللام، وتشديد الياء: أي مطل الواجد الذي هو قادر على وفاء دينه يحلّ عرضه: أي يبيح أن يذكر بسوء المعاملة، وعقوبته حبسه. 3 - وعنْ عليٍّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ¬

= الحادي عشر: لو مات المجاهد الذي أبلى بلاء حسنا في نصر دين الله (وعليه دين ما دخل الجنة). الثاني عشر: توطيد العزيمة على حسن الأداء سعادة ومحبة من الله وأدعى لرحمته وزيادة البركة في ماله (كفى بالله وكيلا). الثالث عشر: المستدين لحاجة يؤدي الله عنه دينه ويكرمه (صدق عبدي أنا أحق من قضي عنك). الرابع عشر: الدائن الذي يزيل كرب الناس مشمول بعز الله ورحمته (الله مع الدائن). فاحذر أخي من الدين ما استطعت واقتصد في إنفاقك وتوسط ولا تسرف. (¬1) تأخير الحق وتسويف دفعه للدائن. (¬2) أي القادر على وفاء الدين لربه بعد استحقاقه. (¬3) محرم عليه، وخرج بالغني العاجز عن الوفاء. قال الشرقاوي ولفظ المطل يشعر بتقدم الطلب فيؤخذ منه أن الغني لو أخر الدفع مع ع دم طلب صاحب الحق له لم يكن ظلما. حكى أصحابنا وجهين أن مطل الغني غريمه من إضافة المصدر للفاعل، وقيل من إضافته للمفعول، والمعنى أنه يجب وفاء الدين وإن كان مستحقه غنيا ولا يكون غناه سببا لتأخيره عنه، وإذا كان كذلك في حق الغني فهو في حق الفقير أولى. (¬4) فليحتل ندبا، لا وجوبا خلافا للحنابلة: أي إذا أحيل بالدين الذي له على موسر فليرض. وقوله ظلم يشعر بكونه كبيرة، والجمهور على أن فاعله يفسق، لكن هل يثبت فسقه بمرة واحدة أم لا؟ قال النووي: مقتضى مذهبنا التكرار. والراجح عند المتأخرين من الشافعية الأول فلا يكون كبيرة إلا بالتكرار ثلاث مرات فأكثر، ويدخل في المماطل كل من لزمه حق لزوجته والسيد لعبده والحاكم لرعيته والعكس أهـ ص 206 جـ 2.

لا يحبُّ الله الغني (¬1) الظلوم، ولا الشيخ الجهول، ولا الفقير المختال (¬2). وفي رواية: إنَّ الله يبغض الغني الظلوم، والشيخ الجهول، والعائل (¬3) المختال. رواه البزار والطبراني في الأوسط من رواية الحارث الأعور عن علي، والحارث وثّق، ولا بأس به في المتابعات. 4 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يحبُّهم الله، وثلاثة يبغضهم الله، فذكر الحديث إلى أن قال: والثلاثة الذين يبغضهم الله: الشيخ الزَّاني (¬4)، والفقير المختال، والغني الظلوم. رواه أبو داود، وابن خزيمة في صحيحه واللفظ لهما، ورواه بنحو النسائي، وابن حبان في صحيحه والترمذي والحاكم وصححاه. 5 - وروي عن خولة بنت قيسٍ امرأة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قدَّس (¬5) الله أمَّةً لا يأخذ ضعيفها الحق من قويها غير متعتع (¬6)، ثم قال: من انصرف غريمه (¬7) وهو عنه راضٍ، صلَّت (¬8) عليه دوابُّ الأرض، ونون الماء (¬9)، ومن انصرف غريمه وهو ساخطٌ (¬10) كتب (¬11) عليه في كلِّ يوم وليلة وجمعة وشهر ظلمٌ. رواه الطبراني في الكبير. 6 - وعنها رضي الله عنها قالتْ: كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسق من تمرٍ لرجلٍ من بني ساعدة فأتاه يقتضيه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأنصار أن يقضيه، فقضاه تمراً دون تمره فأبى (¬12) أن يقبله، فقال: أتردُّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ومن أحقُّ بالعدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فاكتحلتْ (¬13) عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدموعه، ثم قال: صدق، ¬

(¬1) صاحب الخيرات الجمة الذي يأكل حقوق الناس، وكبير السن الفاسق الذي يرتكب المعاصي. (¬2) الذي يعجب بنفسه ويتكبر. (¬3) الفقير المتصف بالغطرسة والكبرياء. (¬4) الذي يفعل الفاحشة مع أن قوة الشباب زالت منه ويلزمه الوقار والأدب. (¬5) ما رضي عنها وما طهرها، والمعنى أن الله تعالى يذل ويهين كل طائفة لا تساعد الفقير على أخذ الحق من الجبار المتكبر، وفيه الحث على نصر الحق وإغاثة الضعيف رجاء دوام عز الله ونصره لمحبي الحق والعدل. (¬6) غير ناقص متعب. (¬7) دائنه. (¬8) دعت له بالاستغفار وزيادة النعم. (¬9) حوت البحر. (¬10) غضبان. (¬11) تقيد في صفحاته سيئات تتكرر مدى الأيام حتى يؤدي ما عليه لأنه ظلمه بتسويفه ونقصه. (¬12) فامتنع. (¬13) امتلأت عيناه صلى الله عليه وسلم بالدموع واغرورقت.

ومن أحقُّ بالعدل منِّي، لا قدَّس (¬1) الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقَّة من شديدها (¬2)، ولا يتعتعه، ثمَّ قال: ويا خولة عدِّيه (¬3) وأقضيه، فإنه ليس من غريمٍ يخرج من عند غريمه راضياً إلا صلَّتْ عليه دوابُّ الأرض، ونون البحار، وليس من عبد يلوي غريمه وهو يجد إلا كتب الله عليه في كلِّ يوم وليلة إثماً (¬4). رواه الطبراني في الأوسط والكبير من رواية حبان بن عليّ، واختلف في توثيقه، ورواه بنحوه الأمام أحمد من حديث عائشة بإسناد قوي. (تعتعه) بتاءين مثناتين فوق، وعينين مهملتين: أي أقلقه وأتعبه بكثرة ترداده إليه ومطله إياه. (ونون البحار): حوتها. (وقوله يلوي غريمه): أي يمطله ويسوّفه. 7 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا قدِّستْ (¬5) أمة لا يعطى الضعيف فيها حقه غير متعتعٍ. رواه أبو يعلي، ورواته رواة الصحيح ورواه ابن ماجه بقصة، ولفظه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه ديناً كان عليه فاشتدَّ عليه حتى قال: أخرج عليك إلا قضيتني فانتهره أصحابه، فقالوا: ويحك (¬6) تدري (¬7) من تكلم؟ فقال: إني أطلب حقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلا (¬8) من صاحب الحق كنتم، ثمَّ أرسل إلى خولة بنت قيس، فقال لها: إن كان عندك تمرٌ فأقرضينا (¬9) حتى يأتينا تمر فنقضيك؟ فقالت: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فاقترضه فقضى (¬10) الأعرابي وأطعمه، فقال: أوفيت (¬11) أوْفى ¬

(¬1) لا عظم ولا أسبل نعمة عليها. (¬2) قويها. (¬3) احسبيه عن العد أو عديه من الوعد أعطيه وعدا بالوفاء والأداء. (¬4) ذنبا، والمعنى أن التأخير وبال وضرر عليه وذنوب تتجدد بتجدد الزمن. (¬5) لم يضع الله فيها البركة والإجلال. (¬6) كلمة رحمة واستعطاف الرأفة. (¬7) أتعلم من تحادث. (¬8) هلا للتحريض، أي أود أن تكونوا مع صاحب الحق تساعدونه. (¬9) أعطينا شيئا سلفة. والقرض تمليك شيء على أن يرد مثله. (¬10) أدى ما عليه صلى الله عليه وسلم للأعرابي وأكرمه وقدم له الغداء وأحسن ضيافته. (¬11) أتممت الأداء وزدت، زادك الله كمالا ورقياً، ثم مدح صلى الله عليه وسلم المحسنين. (ما يريده صلى الله عليه وسلم من المدين والدائن ونتائج اتباع نصائحه صلى الله عليه وسلم) أولاً: عدم المماطلة وترك التسويف إذا كان قادرا على الدفع. ثانياً: قبول الحوالة إذا رأى الدائن حفظ حقه وأدى دينه (فليتبع). =

الله لك، فقال: أولئك خيار الناس، إنه لا قدِّست أمَّة لا يأخذ الضعيف فيها حقَّه غير ¬

_ = ثالثاً: حسن معاملة الدائن ليتجنب المدين سبب عرضه وشتمه وغيبته (لي الواجد). رابعاً: كل من قدر على أداء ما اقترض ولم يف حشر مع الظالمين وعوقب معاقبة المجرمين المسيئين وحل عليه غضب الله وكراهته (الغني الظلوم). خامساً: المدين المماطل يجلب لأمته الدمار والوباء والخسران ويوقعها في الذنوب المهلكة ويبعدها من تطهير الله ورحمته ورأفته بها (ما قدس الله أمة) أي طهرها من الخطايا. سادساً: أداء الدين بسهولة يجلب رضا الله وإحشانه ويسبب الدعواته الصالحة من العالم أجمع (صلت عليه دواب الأرض) أي كل ما دب وفيه الحياة. سابعاً: المقصر في الأداء الذي هجر دائنه وأ غضبه سجلت عليه الآثام بكرور الأزمان (يلوي غريمه) ثم ضرب صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى لوفائه وحمله وحسن أدائه (يا خولة عديه واقضيه) ثم وسع خلقه ذلك الأعرابي الجاف الفظ الغليظ الذي اشتد عليه حتى قال (أخرج عليك إلا قضيتني) أي أعلن الحرب وأشق عصا طاعتك إن لم تؤد حقي. مسكين أيها الأعرابي. شيء قليل اقترضه منك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجئت وليس عنده شيء مطلقا، لكن أبي كرمه صلى الله عليه وسلم إلا أن يكرم وفادته ويغدق عليه بإحسانه ويرد ما أخذ مضاعفا، ثم دعا له صلى الله عليه وسلم الأعرابي (أوفيت أوفى الله لك) هكذا تكون مكارم الأخلاق حسن الأداء مع البشاشة واللطف والجود. وهنا درس مفيد وعظة بالغة لعلنا نعمل بها ونتخلق بأخلاق سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم. يريد أصحابه أن يردوا جهل ذلك الأعرابي ويفهموه درجة السيد الأعلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فحضهم صلى الله عليه وسلم على نصر الضعيف وجماراة الحق والأخذ بيد الضعيف (هلا مع صاحب الحق كنتم) أرأيت أبدع من هذا؟ يحض أصحابه صلى الله عليه وسلم أن يكونوا في صف صاحب الحق مهما سمت درجة المدين وقويت شوكته وعز سلطانه، والأبدع من هذا أن خير الخلق زاهد راغب عن حطام الدنيا مستغرق في طاعة الله فقرض من الأعرابي ثم قرض من خولة ما يؤدي به حق الأعرابي حتى أفرحه وأكسبه رضاه ولم يخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الا وهو مبتسم جذل فرح ترفرف عليه راية الوفاء وحسن الأداء وطيب القضاء ثم قال صلى الله عليه وسلم (أولئك خيار الناس) أي الذين يدافعون عن الحق وينضمون إلى أصحاب الحق ويساعدون على تنفيذه، وكذا دافع الحق بسهولة من صفات الأبرار الصالحين أفاضل الخلق وأطايبهم وأحسنهم فعليك أخي بحسن المعاملة ودفع ما عليك من الديون بالتي هي أحسن والتخلق بأخلاق نبيك ورسولك فتفي بوعدك وتنجز ما عاهدت عليه وتتقي الله وتخشاه وتحسن كما أحسن الله إليك قال تعالى (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له من الآخرة من نصيب). (الآيات الدالة على إحسان الله إلى المتقين المؤتمنين الذين يرعون حقوق الناس بالحق ويؤدونه) أ - قال تعالى: (وأوفوا بعده الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون) 91 من سورة النحل. يعني البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، ويؤخذ منها العمل بكتابة وتنفيذ أوامره واجتناب مناهيه ومنه رد الأمانة (بعد توكيدها) بعد توثيقها بذكر الله تعالى. (كفيلا) أي شهيدا شاهدا بتلك البيعة فإن الكفيل مراع لحال المكفول به رقيب عليه، وقد اطلعت أيها المسلم على حديث رجل من بني إسرائيل ورأيت حفظ الله لما له الذي رماه في البحر في خشبة. =

الترغيب في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور

مُتعتعٍ. ورواه البزار عن حديث عائشة مختصراً، والطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد جيد. (الترغيب في كلمات يقولهن المديون والمهموم والمكروب والمأسور) 1 - عن علي رضي الله عنه أن مكاتباً جاءه، فقال: إني عجزت عن مكاتبتي (¬1) فأعني (¬2)، فقال: ألا أعلِّمك كلمات علمنيهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لوْ كان عليك مثل جبل صبيرٍ ديناً أدَّاه الله عنك، قل: اللهم اكفني (¬3) بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك (¬4) عمَّن سواك. رواه الترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. ¬

= وقال تعالى: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون) 92 من سورة النحل. وقال تعالى: (ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون) 95 من سورة النحل. ب - قال تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) 34 من سورة الإسراء. جـ - وقال تعالى: (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون) 12 من سورة الروم. د - وقال تعالى: (وقد أفلح من زكاها 9 وقد خاب من دساها) 10 من سورة الشمس. (زكاها) أنماها بالعلم والعمل (دساها) نقضها وأخفاها بالجهالة والفسول والخيانة. هـ - وقال تعالى: (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون 131 ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون 132 وربك الغني ذو الرحمة) 133 من سورة الأنعام. (ذلك) إشارة إلى إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، لم يكن ربك مهلك أهل القرى بسبب ظلم فعلوه أو ملتبسين بظلم وهم غافلون لم ينبهوا برسول. سبحانه لا يخفى عليه عمل، بل قدر عليه ثوابا أو عقابا (الغني) عن العباد والعبادة، يترحم على عباده بالتكليف تكميلا لهم ويمهلهم على المعاصي. وفيه تنبيه على أن ما سبق ذكره من الإرسال والأوامر ليس لنفع الله بل لترحمه على العباد ورأفته بهم. و- وقال تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة نعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم) 53 من سورة الأنفال. أي مبدلا إياها بالنقمة لخيانتهم ومعاصيهم يزيل الخير ويحفهم بالضير سبحانه. ز - وقال تعالى: (وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) 3 من سورة الأنعام ح - وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)} [الحج] (¬1) عن دفع ما اتفقت به مع سيدي ليعتقني فأعيش حرا. (¬2) فأعطني إعانة. (¬3) اجعل الحلال كافيا. (¬4) وارزقني بنعمك وإحسانك عن غيرك.

2 - وعنْ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ المسجد، فإذا هو برجلٍ من الأنصار يقال له: أبو أمامة جالساً فيه، فقال: يا أبا أمامة مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت صلاةٍ؟ قال: هموم (¬1) لزمتني وديونٌ يا رسول الله. قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله عزَّ وجلَّ وهمك، وقضى عنك دينك؟ فقال: بلى يا رسول الله؟ قال قل: إذا أصبحت، وإذا أمسيت: اللهمَّ (¬2) إني أعوذك بك من الهمِّ والحزن، وأعوذ بك من العجز (¬3) والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذك بك من غلبة الدَّين، وقهر (¬4) الرِّجال قال: فقلت ذلك، فأذهب الله عزَّ وجلَّ همِّي، وقضى عني ديني. رواه أبو داود. 3 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ: ألا أعلمك دعاء تدعو به لوْ كان عليك مثل جبل أحدٍ ديناً لأدَّاه الله عنك؟ قلْ يا معاذ: اللهمَّ مالك (¬5) الملك تؤتي (¬6) الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعزُّ (¬7) من تشاء، وتذلُّ من تشاء بيدك الخير (¬8) إنك على كلِّ شيءٍ قديرٌ. رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك. رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد. 4 - وروي عن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم افتقده يوم الجمعة، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى معاذاً، فقال: يا معاذ مالي لمْ أرك؟ فقال: يا رسول الله، ليهوديِّ عليَّ أوقيَّةٌ من تبرٍ فخرجت إليك فحبسني عنك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معاذ ألا أعلِّمك دعاءً تدعو به، فلوْ كان عليك من الدين مثل صبيرٍ أدَّاه الله عنك. ¬

(¬1) كروب وغموم متصلة بي. (¬2) يا الله. (¬3) للضعف والفتور. (¬4) غلبة. (¬5) أنادي الذي يتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون. (¬6) تعطي منه ما تشاء من تشاء وتسترد، فالملك الأول عام والآخران بعض منه، وقيل المراد بالملك النبوة ونزعها: نقلها من قوم إلى قوم. (¬7) في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما بالنصر والإدبار والتوفيق والخذلان. (¬8) ذكر الخير وحده لأنه المقتضي بالذات، والشر مقضي بالعرض إذ لا يوجد شر جزئي ما لم يتضمن خيرا كليها أو لمراعاة الأدب في الخطاب.

(وصبير): جبلٌ باليمن، فادْع الله يا معاذ، قل: اللهمَّ مالك الملك تؤتي الملك منْ تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعزُّ من تشاء، وتذلُّ من تشاء بيدك الخير إنك على كلِّ شيء قديرٌ. تولج (¬1) الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتخرج الحيَّ من الميت، وتخرج الميت من الحيِّ، وترزق من تشاء بغير حسابٍ رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي من تشاء منهما، وتمنع من تشاء ارحمني رحمةً تغنيني بها عن رحمة من سواك. وفي روايةٍ قال معاذٌ: كان لرجلٍ عليَّ بعض الحقِّ فخشيته، فلبثت يومين لا أخرج، ثمَّ خرجت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا معاذ ما خلَّفك؟ قلت: كان لرجلٍ عليَّ بعض الحقِّ، فخشيته حتى استحييت وكرهت أن يلقاني. قال: ألا آمرك بكلماتٍ تقولهنَّ، لوْ كان عليك أمثال الجبال قضاه (¬2) الله؟ قلتُ: بلى يا رسول الله. قال قل: اللهمَّ مالك الملك، فذكر نحوه باختصار. وزاد في آخره: اللهمَّ أغنني من الفقر، واقض عنِّي الدين، وتوَّفني (¬3) في عبادتك، وجهادٍ (¬4) في سبيلك. رواه الطبراني. 5 - وعن عائشة رضي الله عنها قالتْ: دخل عليَّ أبو بكرٍ، فقال سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءاً علَّمنيه، قلت: ما هو؟ قال: كان عيسى ابن مريم يعلِّم أصحابه. قال: لوْ كان على أحدكم جبل ذهبٍ ديْناً فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه: اللهمَّ فارج الهمِّ (¬5)، وكاشف الغمِّ، ومجيب دعوة المضطرين (¬6). رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمني فارحمني برحمة تغنيني (¬7) بها عن رحمة من سواك. قال أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه: وكانت على بقية من الدين، وكنت للدين كارهاً، ¬

(¬1) تدخل عقب ذلك ببيان قدرته على معاقبة الليل والنهار والموت والحياة وسعة فضله دلالة على أن من قدر على ذلك قدر على معاقبة الذل والعز وإيتاء الملك ونزعه. والولوج الدخول في مضيق، وإيلاج الليل والنهار إدخال أحدهما في الآخر بالتعقيب أو الزيادة والنقص، وإخراج الحي من الميت وبالعكس إنشاء الحيوانات من موادها وإماتتها وإنشاء الحيوان من النطفة والنطفة منه، وقيل إخراج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. (¬2) أداء. (¬3) أمتني. (¬4) طاعة ومشقة وعمل. (¬5) مزيله. (¬6) المستغيثين، قال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء). (¬7) تكفيني.

فكنت أدعو الله بذلك، فأتاني الله بفائدة فقضى عنِّي ديني. قالت عائشة: كان لأسماء بنت عميس رضي الله عنها: على دينارٌ، وثلاثة دراهم، وكانت تدخل عليَّ فأستحيي أن أنظر في وجهها لأني لا أجد ما أقضيها فكنت أدعو بذلك الدعاء فما لبثت إلا يسيراً حتى رزقني الله رزقاً ما هو بصدقةٍ تصدِّق بها عليَّ، ولا ميراثٍ ورثته، فقضاه الله عني، وقسمت في أهلي قسما حسناً، وحلَّيت ابنة عبد الرحمن بثلاث أواقٍ من ورقٍ (¬1)، وفضل لنا فضلٌ حسنٌ. رواه البزار، والحاكم والأصبهاني، كلهم عن الحكم بن عبد الله الأيلي عن القاسم عنها، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. (قال الحافظ) عبد العظيم: كيف والحكم متروك متهم، والقاسم مع ما قيل فيه لم يسمع من عائشة. 6 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أصاب أحداً قطُّ همٌّ، ولا حزن فقال: اللهمَّ إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك ناصيتي (¬2) بيدك ماضٍ فيَّ (¬3) حكمك، عدلٌ قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سمَّيتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت (¬4) به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع (¬5) قلبي، ونور صدري، وجلاء (¬6) حزني، وذهاب همَّي إلا أذهب الله عزَّ وجلَّ همَّه، وأبدله مكان حزنه فرحاً. قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات؟ قال: أجل، ينبغي لمن سمعهنَّ أن يتعلمهن. رواه أحمد والبزار وأبو يعلي، وابن حبان في صحيحه، والحاكم كلهم عن أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن عن أبيه. (قال الحافظ): لم يسلم، وأبو سلمة الجهني يأتي ذكره. ¬

(¬1) فضة. (¬2) تصريف أموري وتوجيه أفكاري، قال تعالى: (ما من دابة إلا هو آخذر بناصيتها) أي متمكن منها، وفلان نصية قوم: أي خيارهم تشبيها بالنصي: أفضل المرعي. (¬3) نافذ في أمرك. (¬4) اخترت. (¬5) زهزهة ورعرعة ونماء. قال في النهاية جعله ربيعا له لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان ويميل إليه أهـ. (¬6) مزيلا ومبعداً صدأ، فيه التضرع إلى الله جل وعلا، وإسناد الأفعال له والتوسل به سبحان أن يزهو بقرآنه

وروي هذا الحديث الطبراني من حديث أبي موسى الأشعري بنحوه، وقال في آخره: قال قائلٌ: يا رسول الله إنَّ المغبون (¬1) لمنْ غبن هؤلاء الكلمات. قال: أجلْ (¬2) فقولوهنَّ وعلِّموهنَّ، فإنه من قالهنّ وعلَّمهن التماس ما فيهنَّ أذهب الله كربه، وأطال فرحه. 7 - وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلمات المكروب: اللهمّ رحمتك أربجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ (¬3)، وأصلحْ لي شأني كله. رواه الطبراني، وابن حبان في صحيحه. وزاد في آخره: لا إله إلا أنت. 8 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار (¬4) جعل الله له من كلِّ ضيقٍ مخرجاً، ومنْ كلِّ همٍّ فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب. رواه أبو داود واللفظ له، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، والبيهقي، كلهم من رواية الحكم بن مصعب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 9 - وروي عن ابن عباس أيضا رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: لا إله إلا الله قبل كل شيءٍ، ولا إله إلا الله يبقى ربُّنا ويفني كلُّ شيء عوفي (¬5) من الهمِّ والحزن. رواه الطبراني. 10 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قال: لا حول ولا قوة إلا بالله كان دواء من تسعةٍ وتسعين داء أيسرها الهمُّ. رواه الطبراني في الأوسط، والحاكم كلاهما من رواية بشر بن رافع أبي الأسباط، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 11 - وعن أسماء بنت عميسٍ رضي الله عنها قالتْ: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلِّمك كلماتٍ تقوليهنَّ عند الكرب، أو في الكرب: الله الله ربي ¬

(¬1) ناقص الأجر، غبنه في البيع: غلبه، وغبنه نقصه، أي إن ظالم نفسه الذي حرمها من تلاوة هذا الدعاء. (¬2) نعم. (¬3) أي أرجو رأفتك بي مدة لمح البصر. (¬4) اتخذه وردا وداوم عليه يسر الله له وأزال عسيره وفك ضيقه ووسع عليه. (¬5) عافاه الله وأبعد عنه الغم والأذى.

لا أشرك به شيئا. رواه أبو داود واللفظ له، والنسائي، وابن ماجه. ورواه الطبراني في الدعاء، وعنده فليقل ربي لا أشرك به شيئا ثلاث مراتٍ. وزاد: وكان ذلك آخر كلام عمر بن عبد العزيز عند الموت. 12 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولع ند الكرب: لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات والأرض، وربُّ العرش الكريم. رواه البخاري ومسلم والترمذي إلا أنه قال في الأولى: لا إله إلا الله العليُّ الحليم: والنسائي وابن ماجه إلا أنه قال: لا إله إلا الله الحليم الكريم. سبحان الله رب العرش العظيم. سبحان الله ربِّ السماوات السبع، ورب العرش الكريم. 13 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوة ذي النُّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا الله أنت سبحانك إني كنت من الظالمين (¬1)، فإنه لم يدع رجلٌ مسلم في شيء قطُّ إلا استجاب الله له. رواه الترمذي، واللفظ له والنسائي، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وزاد الحاكم في رواية له: فقال رجل يا رسول الله. هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسمع إلى قول الله عزَّ وجلَّ: ونجيَّناه (¬2) من الغم وكذلك ننجي المؤمنين. 14 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك الكلمات التي تكلم بها موسى عليه السلام حين جاوز (¬3) البحر ببني إسرائيل؟ فقلنا: بلى يا رسول الله. قال قولوا: اللهمَّ لك الحمد، وإليك المشتكى، وأن المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال عبد الله: فما تركتهنَّ منذ سمعتهنَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد. 15 - وعنْ أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نادى ¬

(¬1) لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة. (¬2) في ن فاستجبنا له ونجيناه من الغم (¬3) عبره بإذن الله تعالى.

الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس

المنادي فتحت له أبواب السماء، واستجيب الدعاء، فمن نزل به كربٌ، أو شدَّة فليتَّحين المنادي، فإذا كبَّر كبَّرَ، وإذا تشهَّد تشهَّد، وإذا قال: حي على الصَّلاة قال: حي على الصلاة، وإذا قال: حي على الفلاح قال: حي على الفلاح، ثم يقول: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوة التامة الصادقة المستجابة لها دعوة الحقِّ، وكلمة التَّقوى أحينا عليها، وأمتنا عليها، وأبعثنا عليها، وأجعلنا من خيار أهلها أحياء وأمواتاً، ثمَّ يسأل الله حاجته رواه الحاكم من رواية عفير بن معدان، وهو واهٍ، وقال: صحيح الإسناد. 16 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كَرَبَني أمرٌ إلا تمثَّل لي جبريل، فقال: يا محمد قل: توكلت على الحيِّ الذي لا يموت، والحمد لله الذي لم يتخذه ولداً، ولمْ يكن له شريك في الملك، ولمْ يكن له وليٌّ من الذلِّ، وكبِّره تكبيراً. رواه الطبراني، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وروي الأصبهاني عن إبراهيم، يعني ابن الأشعث قال: سمعت الفضيل يقول: إن رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرة العدوُّ، فأراد أبوه أن يفديه فأبوا عليه إلا بشيء كثير لم يطقه فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اكتب إليه فليكثر من قوله: توكلت على الحي الذي لا يموت، والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا إلى آخرها قال: فكتب بها الرَّجل إلى ابنه، فجعل يقولها، فغفل العدوُّ عنه فاستاق أربعين بعيراً، فقدم وقدم بها أإلى أبيه. (قال الحافظ): وهذا معضل، وتقدم في باب: لا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم. 17 - وعن محمد بن إسحاق رضي الله عنه قال: جاء مالك الأشجعيُّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أسر ابن عوفٍ، فقال له: أرسل إليه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تكثر من قول: لا حول ولا قوَّة إلا بالله، فذكر الحديث. (الترهيب من اليمين الكاذبة الغموس) 1 - عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على مالِ أمرئٍ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان. قال عبد الله: ثمَّ قرأ علينا

رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله عزَّ وجلَّ: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً. إلى آخر الآية. زاد في رواية بمعناه قال: فدخل الأشعث بن قيسٍ الكنديُّ، فقال ما يحدثكمْ أبو عبد الرحمن؟ فقلنا: كذا وكذا، قال صدق أبو عبد الرحمن، كان بيني وبين رجل خصومةٌ في بئرٍ، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شاهداك (¬1)، أوْ يمينة، قلت: إذاً يحلف ولا يبالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين صبرٍ (¬2) يقتطع بها مال امرئٍ مسلم هو فيها فاجرٌ (¬3) لقى الله وهو عليه غضبان، ونزلتْ: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهمْ ثمناً قليلاً. إلى آخر الآية رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه مختصرا. 2 - وعنْ وائل بن حجرٍ رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ من حضرموت، ورجلٌ من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الحضرميُّ: يا رسول الله، إنَّ هذا قد غلبني على أرضٍ كانت لأبي، فقال الكنديُّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليْس له فيها حقٌّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بيِّنة؟ قال: لا قال: فلك يمينه. قال: يا رسول الله إنَّ الرجل فاجرٌ لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورَّع عن شيءٍ، فقال: ليس لك منه إلا يمينه، فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لمَّا أدبر، لئن حلف على مالٍ ليأكله ظلماً ليقينَّ الله وهو عنه معرضٌ. رواه مسلم، وأبو داود والترمذي. 3 - وعن الأشعث بن قيس رضي الله عنه أن رجلا من كندة، وآخر من حضرموت اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض من اليمن فقال الحضرميُّ: يا رسول الله: إن أرضي اغتصبنيها أبو هذا، وهي في يده. قال: هل لك بيِّنةٌ؟ قال: ¬

(¬1) يشهد شاهداك أو يقسم خصمك. (¬2) أي ألزم بها وحبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم، وقيل لها مصبورة وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها: أي حبس فوصفت بالصبر وأضيفت إليه مجازا أهـ نهاية. (¬3) فاسق.

لا، ولكنْ أحلفه، والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه فتهيَّأ الكنديُّ لليمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقتطع أحدٌ مالاً بيمينٍ إلا لقي الله وهو أجذم (¬1)، فقال الكندي: هي أرضه. رواه أبو داود، واللفظ له، وابن ماجه مختصراً قال: من حلف على يمينٍ ليقتطع بها مال امرئٍ مسلمٍ هو فيها فاجرٌ لقي الله أجذم. 4 - وعنْ أبي موسى رضي الله عنه قال: اختصم رجلان إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أرضٍ أحدهما من حضرموت. قال: فجعل يمين أحدهما فضجَّ الآخر. قال: إذاً يذهب بأرضي، فقال: إن هو اقتطعها بيمينه ظلماً كان ممنْ لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكِّيه وله عذابٌ أليمٌ. قال: وورع الآخر فردَّها. رواه أحمد بإسناد حسن، وأبو يعلي والبزار والطبراني في الكبير، ورواه أحمد أيضاً بنحوه من حديث عديّ ابن عميرة إلا أنه قال: خاصم رجلٌ من كندة يقال له: امرؤ القيس بن عابس رجلاً منْ حضرموت، فذكره، ورواته ثقات. (قال الحافظ) عبد العظيم: وقد وردت هذه القصة من غير ما وجهٍ، وفيما ذكرناه كفاية. (ورع) بكسر الراء: أي تحرج من الإثم، وكف ع ما هو قاصده، ويحتمل أنه بفتح الراء: أي جبن، وهو بمعنى ضمها أيضاً، والأول أظهر. 5 - وعنْ عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس. وفي روايةٍ أنَّ أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله. قال: ثمَّ ماذا؟ قال: اليمين الغموس. قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئٍ مسلمٍ، يعني بيمينٍ هو فيها كاذبٌ. رواه البخاري والترمذي والنسائي. (قال الحافظ): سميت اليمين الكاذبة التي يحلفها الإنسان متعمداً يقتطع بها مال امرئ مسلم عالماً أن الأمر بخلاف ما يحلف. (غموسا) بفتح الغين المعجمة لأنها تغمس الحالف في الإثم في الدنيا، وفي النار في الآخرة. ¬

(¬1) مقطع الأطراف أبتر مريض بمرض الجذام كريه الرائحة.

6 - وعنْ عبد الله بن أنيسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق (¬1) الوالدين، واليمين الغموس، والذي نفسي بيده لا يحلف رجلٌ على مثل جناحِ بعوضة إلا كانت كيًّا (¬2) في قلبه يوم القيامة. رواه الترمذي وحسنه والطبرانيّ في الأوسط، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له والبيهقي إلا أنه قال فيه: وما حلف حالفٌ بالله يمين صبرٍ فأدخل فيها مثل جناح بعوضةٍ إلا جعلتْ نكتةٌ (¬3) في قلبه إلى يوم القيامة، وقال الترمذي في حديثه: وما حلف حالفٌ بالله يمين صبرٍ، فأدخل فيها مثل جناح بعوضةٍ إلا جعلتْ نكتةٌ في قلبه إلى يوم القيامة. 7 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: كنَّا نعدُّ من الَّنب الذي ليس له كفَّارة اليمين الغموس. قيل: وما اليمين الغموس؟ قال: الرجل يقتطع بيمينه مال الرَّجل. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. 8 - وعن الحارث بن البرصاء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجِّ بين الجمرتين، وهو يقول: من اقتطع مال أخيه بيمينٍ فاجرةٍ، فليتبوَّا مقعده من النار ليبلِّغ شاهدكمْ غائبكم مرتين، أو ثلاثاً. رواه أحمد، والحاكم وصححه، واللفظ له، وهو أتمّ. ورواه الطبراني في الكبير، وابن حبان في صحيحه إلا أنهما قالا: فليتبوَّأ بيتاً في النار. 9 - وعنْ عبد الرَّحمن بن عوفٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اليمين الفاجرة تذهب المال، أو تذهب بالمال. رواه البزار وإسناده صحيح لو صحّ سماع أبي سلمة من أبيه عبد الرحمن بن عوف. 10 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليْس مما عصى الله به هو أجل عقاباً من البغي (¬4)، وما من شيءٍ أطيع الله فيه أسرع ثواباً من الصِّلة (¬5)، واليمين الفاجرة تدع الدِّيار بلاقع (¬6). رواه البيهقي. ¬

(¬1) عدم طاعتمهما وأذاهما. (¬2) طابع نار. (¬3) بقعة سوداء. (¬4) الظلم. (¬5) الصدقة وزيارة الأقارب ومودة الصالحين. (¬6) خرابا يبابا دمارا.

من حلف على يمين مصبورة كاذبة فليتبوأ مقعده من النار) 11 - وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لقى الله لا يشرك به شيئاً، وأدَّى زكاة ماله طيِّبة بها نفسه محتسباً، وسمع وأطاع فله الجنَّة، أو دخل الجنَّة، وخمسٌ ليس لهنَّ كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حقٍّ، وبهتُ (¬1) مؤمنٍ، والفرار (¬2) من الزَّحف، ويمينٌ صابرةٌ يقتطع بها مالاً بغير حقٍّ. رواه أحمد، وفيه بقية ولم يصرح بالسماع. 12 - وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: من حلف علي يمينٍ مصبورة كاذبة فليتبوَّأ مقعده من النار. رواه أبو داود، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. (قال الخطابي) اليمين المصبورة: هي اللازمة لصاحبها من جهة الحكم فيصبر من أجلها إلى أن يحبس، وهي يمين الصبر، وأصل الصبر: الحبس، ومنه قولهم: قتل فلان صبراً. أي حبسا على القتل، وقهراً عليه. 13 - وعن عبد الله بن ثعلبة أنَّه أتى عبد الرحمن بن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه وهو في إزارٍ (¬3) خزّ ذي طاقٍ (¬4) خلقٍ قد التبب (¬5) به وهو أعمى يقاد قال: فسلَّمت عليه فقال: هل سمعت أباك يحدِّث بحديثٍ؟ قلت: لا أدري. قال سمعت أباك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بيمين كاذبةٍ كانتْ نكتةً سوداء في قلبه لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 14 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله جلَّ ذكره أذن لي أن أحدث عن ديكٍ قد فرَّقت رجلاه الأرض وعنقه مثنىُّ (¬6) تحت العرش، وهو يقول: سبحانك ما أعظمك ربَّنا، فيردُّ عليه: ما علم ذلك من حلف بي كاذباً (¬7). رواه الطبراني بإسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 15 - وعن جابر بن عتيكٍ رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) الكذب والافتراء عليه، وتسفيه رأيه بهزء وسخرية. (¬2) الهروب من الجهاد في سبيل الله. (¬3) ثوب خز. (¬4) بال. (¬5) لبسه. (¬6) مائل منثن. (¬7) الذي يحلف بالله كاذباً لا يعلم مقدار عظمة مولاه.

وسلم يقول: من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بيمينه حرَّم الله عليه الجنَّة، وأوجب له النار. قيل يا رسول الله: وإنْ كان شيئاً يسيراً. قال: وإن كان سواكاً (¬1). رواه الطبراني في الكبير، واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) وإن كان قليلا مثل السواك. (عقاب الكاذب في يمينه) أولا: يحل على الكاذب سخط الله. ثانياً: يحرم من عطفه ورحمته. ثالثاً: لاحظ له في الخير والنعم. رابعاً: يعرض الله عنه ويعذبه ولا يرأف به. خامساً: يبعث أكتع أجذم. سادساً: يرتكب كبيرة ويفعل موبقة. سابعاً: يكوي بميسم الأشرار المجرمين. ثامناً: يغطي قلبه الران. تاسعاً: تنزع البركة من ماله ونخرب داره ويزول عنه العمران والربح. عاشراً: يعد متهاونا متغافلا جاهلا عظمة ربه سبحانه. حادي عشر: أدخل نفسه في جهنم ولو حلف على شيء تافه: قال تعالى (ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما) 67 من سورة الإسراء. هيأ لكم ما تحتاجون إليه ويسر عليكم أسبابه وسهل ما تعسر. وقال تعالى: (وترى المجرمين يومين مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب) 52 من سورة إبراهيم. وقال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملتاهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) 71 من سورة الإسراء. (كرمنا) بحسن الصورة والمزاج الأعدل واعتدال القامة والتمييز بالعقل والإفهام بالنطق والإشارة والخط والتهدي إلى أسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض والتمكن من الصناعات وانسياق الأسباب والمسببات العلوية والسفلية إلى ما يعود عليهم بالمنافع (وحملناهم) على الدواب والسفن والقطر والسيارات والطيارات (وفضلناهم) بالغلبة والاستيلاء أو بالشرف والكرامة، فليتق الله ويعمل صالحاً ويصدق. (استنباط الفقهاء في حديث اليمين الفاجرة) قد علمت أن من حلف على شيء كاذبا ألجأته إليه الخصومة وحمله عليه الجحود والمكابرة في الحق انتقم الله منه وأقصاه من رحمته فصلي سعيره وقاسي جحيمه لأن أخوة الإسلام تستدعي الصدق والتزام الحق فلا يصح للمسلم أن يقلب الحقائق ويمتهن اسم الله المقدس إزاء سلعته. وفي كتاب الأدب النبوي ص 76 يؤخذ من هذا الحديث. أولاً: الأحكام تنبئ على الظاهر وإن كان المحكوم له مبطلا في نفس الأمر. ثانياً: حكم الحاكم لا يبيح للمرء ما ليس بحلال له. وقد خالف في ذلك أبو حنيفة وأبو سيف في مسائل الفروج دون الأموال. ثالثاً: البينة على المدعي واليمين على من أنكر. رابعاً: صاحب اليد أولى بالمدعي فيه. خامساً: يمين المدعي عليه تصرف عنه دعوى المدعي فقط. ولا تستوجب الحكم له بالمدعي فيه، فلا يمحكم له القاضي بملكيته أو حيازته، بل يقره على حكم يمينه. =

16 - وعنْ أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثيِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع حقَّ امرئٍ مسلم بيمينه، فقد أوجب له النار، وحرَّم عليه الجنَّة، قالوا: وإن كان شيئاً يسيرا يا رسول الله؟ فقال: وإن كان قضباً من أراكٍ. رواه مسلم والنسائي وابن ماجه. ورواه مالك إلا أنه كرَّر: وإن كان قضيباً منْ أراك ثلاثاً. 17 - وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلف عند هذا المنبر عبدٌ، ولا أمة على يمينٍ آثمةٍ، ولوْ على سواكٍ رطبٍ إلا وجبتْ له النار. رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. 18 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمينٍ آثمةٍ عند قبري هذا فليتبوَّأ مقعده من النار، ولوْ على سواكٍ أخضر. رواه ابن ماجه، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه لم يذكر السواك. (قال الحافظ) كانت اليمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنبر، ذكر ذلك أبو عبيد والخطابي، واستشهد بحديث أبي هريرة المتقدم، والله أعلم. 19 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الحلف حنْثٌ، أوْ ندمٌ. رواه ابن ماجه، وابن حبان في صحيحه أيضاً. 20 - وعنْ جبير بن مطعمٍ رضي الله عنه أنه افتدى يمينه بعشرة آلاف، ثمَّ قال: وربِّ الكعبة لوْ حلفت حلف صادقاً، وإنما هو شيء افتديت به يميني. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد. وروي فيه أيضاً عن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال: اشتريت يميني مرَّة بسبْعينَ ألفاً. ثم الجزء الثاني. ويليه الجزء الثالث. وأوله: الترهيب من الربا ¬

_ = سادساً: يمين الفاجر تسقط عنه الدعوى، ولا يؤثر في اعتبارها فجور. سابعاً: من أقام البينة قضى له بحقه من غير طلب يمين منه على صدق بينته. ثامناً: شرح طريقة القضاء، فالقاضي يسمع الدعوة أولا من الطالب ثم يسأل عنها المطلوب هل يقرأ أو ينكر؟ فإن أنكر طلب من المدعي البينة، فإن لم يقمها وجه اليمين إلى المدعي عليه. تاسعاً: يعظ الحاكم المطلوب إذا هم بالحلف لعله يرجع إلى الحق إن كان مبطلا ويدع اليمين الغموس أهـ. الغموس التي توقع صاحبها في الإثم لأن فيها ضياع حق وتهاونا في حق الله وجراءة عملية وقلة أدب. لماذا؟ لأنه يعلم الحق ويميل عنه ويكذب في قسمه مماراة ونفاقا وميلا إلى نصر الباطل.

الترهيب من الربا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اجتنبوا السبع الموبقات الترهيب من الربا 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله (¬1)، والسحر (¬2)، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف (¬3)، وقذف المحصنات (¬4) الغافلات المؤمنات. رواه البخاري ومسلم، وأبو داود، والنسائي. [الموبقات: المهلكات]. 2 - وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت الليلة رجلين (¬5) أتياني، فأخرجاني إلى أرضٍ مقدسةٍ (¬6)، فانطلقنا حتى أتينا على نهرٍ من دمٍ فيه رجل قائم، وعلى شط النهر رجلٌ بين يديه حجارةٌ، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجرٍ في فيه (¬7) فَرَدَّهُ حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيهِ بحجرٍ فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا الذي رأيته في النهر؟ قال: آكلُ الربا". رواه البخاري هكذا في البيوع مختصراً، وتقدم في ترك الصلاة مطولاً. لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه .. إلخ 3 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) أن تجعل لله مثيلاً وتأثيراً في شفائك أو في إعطاء رزقك أو قضاء حاجتك وهكذا، بل الأفعال كلها لله "وما تشاءون إلا أن يشاء الله". (¬2) صرف الشيء عن وجهه واستعمال طلاسم وتسخير الشياطين لأعمال دنيئة قال تعالى: "ومن شر النفاثات في العقد". (¬3) الهجوم على الأعداء. (¬4) سب العفيفات الطاهرات الملازمة خدرهن الصالحات، قال تعالى: "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم" (23 من سورة النور). (¬5) ملكين. (¬6) طاهرة. (¬7) ضربه في فمه ورماه بالحجارة ليعذبه، وأورد البخاري هذا الحديث في باب آكل الربا وكاتبه وشاهده، وقول الله تعالى: "الذين يأكلون الربا" (ص 217 جـ 4). قال ابن عباس: (ذاك حين يبعث من قبره، ومن طريق سعيد "تلك علامة أهل الربا يوم القيامة يبعثون وبهم خبل" وقيل معناه أن الناس يخرجون من الأجداث سراعاً لكن آكل الربا يربو الربا في بطنه فيريد الإسراع فيسقط فيصير بمنزلة المتخبط من الجنون، والوعيد حاصل لكل من عمل به سواء أكل منه أم لا). أ. هـ.

آكل الربا ومؤكله" رواه مسلم والنسائي، وأبو داود والترمذي وصححه، وابن ماجة، وابن حبان في صحيحه، كلهم من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع منه وزادوا فيه: وشاهديه وكاتبه. 4 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء" رواه مسلم وغيره. 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكبائر سبعٌ: أولهن الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم (¬1)، وفرار يوم الزحف (¬2)، وقذف المحصنات (¬3)، والانتقال إلى الأعراب (¬4) بعد هجرته" رواه البزار من رواية عمرو بن أبي شيبة، ولا بأس به في المتابعات. 6 - وعن عون بن أبي جُحَيفة عن أبيه رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة (¬5) والمستوشمة (¬6)، وآكل الربا، ومؤكله، ونهى عن ثمن الكلب (¬7) وكسب (¬8) البَغِيِّ، ولعنَ المصَوِّرِين (¬9) " رواه البخاري، وأبو داود. ¬

(¬1) الذي مات أبوه قال تعالى: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا" (10 من سورة النساء). (¬2) الجهاد في سبيل الله. (¬3) العفائف. (¬4) سكان البوادي الكفار بعد إسلامهم، والفرار منهم واختيار سكن غير سكن الكفرة العصاة، قوم يفارقون الكفرة الجهلة ويتبعون دين الإسلام ويصاحبون الأخيار الأبرار، فمن الكبائر الرجوع إلى وطن الكفرة. (¬5) فاعلة الوشم والموشومة مفعولة، والوشم أن يغرز يده أو عضواً من أعضائه بأبرة، ثم يذر عليها النيل ونحوه. (¬6) الذي وقع عليها الوشم. (¬7) قال الحسن وربيعة، وحماد بن أبي سليمان، والأوزاعي والشافعي وأحمد وداود ومالك في رواية "ثمن الكلب حرام" وقال ابن قدامة: لا يختلف المذهب في أن بيع الكلب باطل على كل حال، وكره أبو هريرة ثمن الكلب ورخص في كلب الصيد خاصة، وبه قال عطاء والنخعي، وقال بعض أصحاب مالك: الكلب المأذون في إمساكه يكره بيعه ويصح، ولا تجوز إجارته نص عليه أحمد، وهذا قول بعض أصحاب الشافعي، وقال بعضهم يجوز، وقال مالك في الموطأ: أكره ثمن الكلب الضاري وغير الضاري لنهيه صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب. أ. هـ (عيني). (¬8) أجرة الزانية حرام إجماعاً وكذا مهرها. (¬9) أي طلب من الله تعالى إبعاد المصورين من رحمة الله تعالى لأن عملهم حرام بالإجماع وفاعله يستحق اللعنة والطرد من رأفته، وجاء أنه يقال للمصورين يوم القيامة أحيوا ما خلقتم، وظاهر الحديث العموم ولكن خفف منه تصوير ما لا روح فيه كالشجر ونحوه. أ. هـ. (عيني). قال النووي قال العلماء: تصوير الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر وسواء صنعه لما يمتهن =

قال الحافظ: واسم أبي جحيفة: وهب بن عبد الله السوائي. أربع حقٌ على الله أن لا يدخلهم الجنة .. إلخ 7 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "آكل الربا ومؤكله (¬1)، وشاهداه، وكاتباه إذا علموا به، والواشمة والمستوشمة لِلْحُسْنِ (¬2)، ولاَوِي (¬3) الصدقة، والمرتد (¬4) أعرابياً بعد الهجرة ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم " رواه أحمد، وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما، وزاد في آخره: يوم القيامة (¬5). قال الحافظ: رووه كلهم عن الحارث، وهو الأعور عن ابن مسعود إلا ابن خزيمة فإنه رواه عن مسروق عن عبد الله بن مسعود. 8 - وعن أبي هريرة رضي اله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربعٌ حقٌ على الله أن لا يدخلهم الجنة، ولا يُذيقهم نعيمها: مُدمن الخمر (¬6)، وآكل (¬7) الربا، وآكل مال اليتيم (¬8) بغير حقٍ، والعاقُ لوالديه (¬9) " رواه الحاكم عن إبراهيم بن خيثم بن عراك، وهو واهٍ عن أبيه عن جده عن أبي هريرة، وقال: صحيح الإسناد. ¬

= أم لغيره سواء أكان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها، وأما تصوير ما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام. أ. هـ. ص 488 جواهر البخاري. (¬1) إطعامه غيره، ويقال المراد من الآكل آخذه كالمستقرض، ومن الموكل معطيه كالمقرض، والنهي في هذا كله عن الفعل والتقدير عن فعل الوشمة وفعل الموشومة وفعل الآكل وفعل الموكل وخص الأكل من بين سائر الانتفاعات لأنه أعظم المقاصد. أ. هـ. (عيني ص 203 جـ 11) (¬2) المغيرات خلق الله تعالى، وكذا كل من أدخل على جسمه تحسيناً أو تحلية في اعتقاده الكاذب "فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم". (¬3) مؤخر الصدقة، والمعرض عنها، من لوى رأسه وبرأسه: أماله، وقد يجعل بمعنى الإعراض. أ. هـ (مصباح)، وفي النهاية أن ابن الزبير لوى ذنبه يقال لوى رأسه وذنبه، وعطفه عنك إذا ثناه وصرفه، ويروى بالتشديد للمبالغة، وهو مثل لترك المكارم، والروغان عن المعروف وإيلاء الجميل، ويجوز أن يكون كناية عن التأخر، والتخلف لأنه قال في مقابله، وإن ابن أبي العاص مشي اليقدمية. أ. هـ. (¬4) الذي كان مسلماً ورجع إلى دين الكفر من سكان البادية. (¬5) مبعدون من رحمة الله تعالى، من لعنه لعنا طرده، وأبعده أوسبه. (¬6) الذي يشرب كثيراً، من أدمن إدماناً: لازمه وواظبه. (¬7) المتعامل بالفائدة الزائدة بلا عوض. (¬8) الذي مات أبوه. (¬9) عصيانهما ومخالفة أوامرهما، وعدم برهما، وترك الإحسان إليهما لأنه خالف أمر الله تعالى، "وبالوالدين إحسانا" وفي الجامع الصغير (مدمن) المداوم على شربها، قال المناوي قيد مال اليتيم (بغير حق) لأن أكل الربا لا يكون إلا بغير حق بخلاف مال اليتيم (العاق) قال العلقمي: وهو محمول على المستحل لذلك، أو مع الداخلين الأولين، زاد المناوي حتى يطهرهم بالنار. أ. هـ (ص 180). =

الربا سبعون باباً أدناها كالذي يقع على أمه 9 - وعن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الربا ثلاثٌ وسبعون باباً أيسرها مِثْلُ أن ينكح الرجل أمه (¬1) " رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، ورواه البيهقي من طريق الحاكم، ثم قال: هذا إسناد صحيح، والمتن منكر بهذا الإسناد، ولا أعلمه إلا وهما، وكأنه دخل لبعض رواته إسناد في إسناد. 10 - وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الربا بضعٌ (¬2) وسبعون باباً، والشركُ مثل ذلك" رواه البزار، ورواته رواة الصحيح، وهو عند ابن ماجة بإسناد صحيح باختصار: والشركُ مثل ذلك. 11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الربا سبعون باباً أدناها كالذي يقعُ على أمه" رواه البيهقي بإسناد لا بأس به، ثم قال: غريب بهذا الإسناد، وإنما يعرف بعبد الله بن زياد عن عكرمة، يعني ابن عمار. قال: وعبد الله بن زياد هذا منكر الحديث. 12 - وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدرهمُ يصيبهُ الرجلُ من الربا أعظمُ عند الله من ثلاثةٍ وثلاثين زنيةً يزنيها في الإسلام (¬3) " رواه الطبراني في الكبير من طريق عطاء الخراساني عن عبد الله، ولم يسمع منه، ورواه ابن أبي الدنيا والبغوي وغيرهما موقوفاً على عبد الله، وهو الصحيح. ¬

= وقال الحفني (أربع حق) أي من الخصال حق على الله تعالى أن يفعل بهم ذلك بطريق العدل: متناول الربا بأكل أو غيره، ومثله موكله وكاتبه وشاهده، ومتناول مال اليتيم ومستولٍ عليه سواء كان وليه أم لا، أما لو كان اليتيم غنياً ووليه مثلاً فقير، فإنه يأكل منه بالمعروف. (¬1) المعنى أن التعامل بالربا يكسب صاحبه ذنوب ثلاث وسبعين موبقة كبيرة أقلها عقاباً عند الله جل وعلا مثل عقاب الزاني في والدته، والمرتكب الفاحشة معها، وتلك نهاية الإجرام والفسوق، يصور لك النبي صلى الله عليه وسلم أخطاء من مد يديه للربا، وما يجنيه هذا من حلول غضب الله واكتساب الخطايا الفواحش وأسهلها ذنب المجرم الذي يطأ والدته والعياذ بالله تعالى، تصور رجلاً تجرد من الإنسانية، وغمس نفسه في حمأة الوحشة والهمجية، وأباح عرض من أرضعته وغذته بلبنها، وربته فعقابه بدني ومعنوي وحسي وأخروي، كذلك آكل الربا عمله سلسلة إجرام في إجرام، نسأل الله السلامة. (¬2) يستعمل البضع من الثلاثة إلى التسعة، وهو يساوي في العقاب أن تجعل لله شريكاً مماثلاً. (¬3) كأن أخذ درهم من الربا يسبب ذنوباً كثيرة وعقاباً صارماً أكثر من فعل ثلاث وثلاثين زنية فاحشة.

في أحد طرقه، قال عبد الله: الربا اثنان وسبعون حُوباً (¬1) أصغرها حُوباً كمن أتى أمهُ في الإسلام، ودرهمٌ من الربا أشد من بضعٍ وثلاثين زنيةً، قال: ويأذن الله بالقيامِ للبَرِّ (¬2) والفاجر يوم القيامة إلا آكل الربا، فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس (¬3). 13 - وروى أحمد بإسناد جيد عن كعب الأحبار قال: "لأن أزني ثلاثاً وثلاثين زنيةً أحبُّ إليَّ من أن آكل درهم رباً، يعلمُ الله أني أكلتهُ حين آكلتهُ رباً". 14 - وعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "درهم رباً يأكله الرجل وهو يعلم أشدُ من ستةٍ وثلاثين زنيةً (¬4) " رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح. قال الحافظ: حنظلة والد عبد الله، لُقب بغسيل الملائكة لأنه كان يوم أحدٍ جنباً، وقد غسل أحد شقي رأسه، فلما سمع الهيْعَةَ خرج فاستشهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت الملائكة تُغَسِّلُهُ. 15 - ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أمر الربا، وعظَّمَ شأنه، وقال: إن الدرهم يصيبهُ الرجلُ من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ستٍ وثلاثين زينةً يزنيها الرجلُ، وإن أربى الربا (¬5) عِرْضُ الرجل المسلم" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغيبة والبيهقي. 16 - وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) ذنباً. (¬2) الصالح. (¬3) الجنون: قال الإمام أبو بكر بن محمد بن إبراهيم بن المنذر بإسناده إلى سعيد بن جبير في الآية "يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق نفسه" وبإسناده إلى أبي حيان: "آكل الربا يعرف يوم القيامة كما يعرف المجنون في الدنيا"، وفي كتاب أبي الفضل الجوزي من حديث أبان عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يأتي آكل الربا يوم القيامة مخبلاً، يجر شقه ثم قرأ: لا يقومون الآية. أ. هـ. (عيني ص 200 جـ 11). (¬4) لشدة هول الربا لعظيم عقابه: مثل صلى الله عليه وسلم عقاب فاعله بستة وثلاثين جزءاً منها ذلك الجزء فعل الفاحشة، وعمل معصية الزنا، وهو شديد العذاب كثير الألم عليه الدمار، ويجر إلى الخراب. (¬5) زيادة المعاصي، إباحة سيرة المسلم، وغيبته وذكر عيوبه، ونميمته والتحدث بما يكرهه.

"مَنْ أعان ظالماً بباطلٍ لِيُدْحِضَ (¬1) به حقاً فقد بَرِئ (¬2) من ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أكل درهماً من رباً فهو مثل ثلاثةٍ وثلاثين زنية، ومن نبت لحمهُ مِنْ سُحْتٍ (¬3) فالنار أولى به (¬4) " رواه الطبراني في الصغير والأوسط والبيهقي لم يذكر: مَنْ أعان ظالماً، وقال: إن الربا نَيْفٌ وسبعون باباً: أهْوَنُهُنَّ باباً مِثْلُ مَنْ أتى أمهُ في الإسلام، ودرهمٌ من رباً أشد من خمسٍ وثلاثين زنيةً، الحديث. 17 - وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الربا اثنان وسبعون باباً أدناها مثل إتيان الرجل (¬5) أمهُ، وإن أربى الربا (¬6) استطالة الرجل في عرض أخيه" رواه الطبراني في الأوسط من رواية عمر بن راشد، وقد وثق. 18 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الربا سبعون حُوباً، أيسرها أن ينكح الرجل أمهُ" رواه ابن ماجة والبيهقي كلاهما عن أبي معشر، وقد وُثق عن سعيد المقبري عنه، ورواه ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن سعيد وهو واهٍ عن أبيه عن أبي هريرة، وتقدم بنحوه. [الحوب] بضم الحاء المهملة، وفتحها: هو الإثم. إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله 19 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُشترى الثمرةُ حتى تُطْعَمَ (¬7)، وقال: إذا ظهر الزنا والربا في قريةٍ فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله (¬8) " رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 20 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه ذكر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه: "ما ظهرَ في قومٍ الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله" رواه أبو يعلى بإسناد جيد. 21 - وعن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من قومٍ يظهرُ فيهم الربا إلا أُخذوا بالسَّنَةِ، وما من قومٍ يظهرُ فيهمُ الرِّشا (¬9) ¬

(¬1) ليبطل، من دحضت الحجة: بطلت وأدحضها. (¬2) برئ: بعد وخرج من دين الله ودين رسوله. (¬3) كل مال حرام لا يحل كسبه ولا أكله. (¬4) جهنم أحق به. (¬5) أقلها في العقاب الفاحشة في والدته، والزنا قبيح وعاقبته وخيمة، فما بالك في محرمه؟ (¬6) أكثر الفواحش وأكبرها غيبة أخيك المسلم، والسعي بالفساد، وإباحة التحدث بما يكرهه. (¬7) يتم نضجها ويبدو صلاحها. (¬8) سخطه وانتقامه، ونزع البركة. (¬9) جمع رشوة: ما يعطيه الشخص لحاكم، وغيره ليحكم له، أو يحمله على ما يريده، ورشوته رشواً: أعطيته رشوة فارتشى: أي أخذ.

إلا أُخِذوا بالرعب (¬1) " رواه أحمد بإسناد فيه نظر. [السنة]: العام المقحط سواء نزل فيه غيث، أو لم ينزل. 22 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ليلة أُسريَ بي لما انتهينا إلى السماء السابعة فنظرتُ فوقي، فإذا أنا برعدٍ وبرُوقٍ وصواعقَ، قال: فأتيت على قومٍ بطونهم كالبيوت فيها الحيات تُرى (¬2) من خارج بطونهم. قلتُ: يا جبريل مَنْ هؤلاء؟ قال: هؤلاء أكلةُ الربا" رواه أحمد في حديث طويل، وابن ماجة مختصراً والأصبهاني كلهم من رواية علي بن زيد عن أبي الصلت عن أبي هريرة. 23 - وروى الأصبهاني أيضاً من طريق أبي هارون العبدي، واسمه عمارة بن جوين وهو واهٍ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عُرجَ به إلى السماء نظر في سماء الدنيا، فإذا رجال بُطونهم كأمثال البُيوت العظام قد مالت بُطونهم وهم مُنَضَّدُونَ على سابلةِ آل فرعون يُوقَفُونَ على النار كُلَّ غداةٍ وعَشيٍ يقولون: ربنا لا تُقم الساعة أبداً، قلت: يا جبريل مَنْ هؤلاء؟ قال: هؤلاء أكلةُ الربا من أُمتك لا يقومون إلا كما يقومُ الذي يتخبطه الشيطان من المس". قال الأصبهاني قوله [منضدون]: أي طرح بعضهم على بعض، والسابلة: المارّة، أي يتوطؤهم آل فرعون الذين يُعرضون على النار كل غداة وعشي. انتهى. بين يدي الساعة يظهر الربا والزنا والخمر 24 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بين يَدَيِ الساعةِ يظهرُ الربا، والزنا، والخمر (¬3) " رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح. ¬

(¬1) الفزع، صدقت يا رسول الله لقد ظهرت الآن فئة كانت تمد يدها إلى الناس ففضحها الله، وأظهر عيوبها، وكشف مخبأها، وترتب على ذلك فصلها من عملها. (¬2) الأفاعي تظهر. (¬3) أي علامة قرب يوم القيامة تفشى ثلاثة: (أ) تعامل المسلمين بالربا. (ب) ذهاب الحياء من الذكور والإناث، وارتكاب الفاحشة. (جـ) تشرب الخمر، لقد كثر الآن انتشار تلك الموبقات، وعم وقعها، وزاد ضررها، ووقع فيها آلاف المسلمين فلا حول ولا قوة إلا بالله، كل يوم تسمع حوادث مؤلمة من تبرج السيدات، وإزالة سترهن بحجة المدنية الكاذبة، والحرية الملوثة بأدران الملذات القبيحة، وضعف إيمان المسلمين بالله، فوقعوا في شرك الربا والاستدانة من الأجانب، وزالت الثقة بالله وخشيته سبحانه، وهو تعالى الرقيب المطلع، وأغوى الأجانب المسلمين ويسروا لهم شرب الخمور جهاراً نهاراً بلا رادع ولا زاجر، نسأل الله السلامة.

25 - وعن القاسم بن عبد الواحد الوَرَّاقِ قال: "رأيت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما في السوق في الصيارفة (¬1)، فقال يا معشر الصيارفة: أبشروا، قالوا: بَشَّرَكَ الله بالجنة، بِمَ تُبشرنا يا أبا محمد؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا بالنار (¬2) " رواه الطبراني بإسناد لا بأس به. 26 - ورويَ عن عوف بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك والذنوب التي لا تُغفرُ: الغلول (¬3) فمن غَلَّ شيئاً أُتيَ بهِ يوم القيامة، وآكلُ الربا، فمن أكل الربا بُعِثَ يومَ القيامة مجنوناً يتخبطُ، ثم قرأ: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" رواه الطبراني والأصبهاني من حديث أنس، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي آكلُ الربا يوم القيامة مُخبلاً يَجُرُّ شِقَّيْهِ (¬4)، ثم قرأ: لا يقومون إلا كما يقومُ الذي يتخبطه الشيطان من المس. قال الأصبهاني [المخبل]: المجنون. 27 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحدٌ أكثر من الربا إلا كان عاقبةُ أمرهِ إلى قلةٍ (¬5) " رواه ابن ماجة، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وفي لفظ له قال: الربا وإن كَثُرَ، فإن عاقبتهُ إلى قُلٍ، وقال فيه أيضاً: صحيح الإسناد. ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا .. إلخ 28 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يبقى منهم أحدٌ إلا أكَلَ الربا (¬6)، فمن لم يأكله أصابهُ مِنْ غُبَارِهِ" رواه أبو داود، وابن ماجة كلاهما من رواية الحسن عن أبي هريرة، واختلف في سماعه، والجمهور على أنه لم يسمع منه. ¬

(¬1) في مكان تبادل العملة، وأخذ النقود، من صرفت الذهب بالدراهم: بعته، واسم الفاعل من هذا صيرفي وصيرف، وصراف للمبالغة. (¬2) لفعل الربا. (¬3) السرقة في المغنم. (¬4) وسطه، ويزحف كالمقعد. (¬5) إلى فقر، لأن الله تعالى ينزل البركة، ويزيل الرحمة، ويمنع الرأفة فيقل الخير. (¬6) أي يعم التعامل به، ويفشو وتزول الثقة بالله فيطمع الإنسان ويربو، ويجلس الناس في مجالس آكل الربا، ولا ينصحه أحد ولا ينهاه فيناله من ذنوبه، وتصيبه آثامه لأنه لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يقطع صحبة آكل الربا، ومعاملته ولو بغير قصد الربا.

ليبيتن ناس من أمتي على أشرٍ وبطرٍ ولعبٍ ولهوٍ .. إلخ 29 - وَرويَ عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لَيَبيتَنَّ أُناسٌ من أمتي على أشرٍ (¬1)، وبطرٍ (¬2)، ولعبٍ، ولهوٍ، فيصبحوا قِرَدَةً (¬3) وخنازير: باستحلالهم المحارمَ، واتخاذهمُ القيْناتِ (¬4) وشُربهمُ الخمر، وبأكلهم الربا، ولُبسهمُ الحرير (¬5) " رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائده. ¬

(¬1) جحود وكفران النعمة وعدم شكرها. (¬2) شدة زهو وغطرسة وكفران النعمة ولهو وترف. (¬3) مثل القردة، والخنازير: أي الحيوانات القذرة الجاهلة التي همها شهواتها. (¬4) القينة: الأمة البيضاء الجارية بلا وجه شرعي، والمراد المشي مع السيدات الفاجرات، وإباحة المكث معهن والتمتع بهن بلا نكاح شرعي، وأكتب الآن هذا وبجواري صحف يومية تبين صدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في زماننا هذا، فقد ضرب رجل نفسه برصاص لأن عشيقته أعرضت عنه، وهجرته بعد مصاحبته سنة، وهكذا من الحوادث المؤلمة التي تنبئ عن قلة الحياء، وذهاب معينه، وقد نضب، فيتخذ الإنسان حليلة صاحبه ويعاشرها رغبة في التمتع بها بلا عقد شرعي، وفشا هذا فلا حول ولا قوة إلا بالله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبه أولئك بالقردة والخنازير، وصاروا مجردين عن كل عقل يمنعهم عن الفاحشة، ويبعدهم من المعصية، ويرشدهم إلى الآداب السامية آداب الدين الإسلامي، يا عجباً، يسترسلون في الشهوات، ويرخون العنان لملذاتهم فيبيحون ما حرم الله تبجحاً، وقلة أدب، وسفاهة رأي، ودناءة، وحقارة، والنتيجة تكون عاقبتهم وخيمة: ينتحرون، ويفتقرون، ويجنون، ويطردون من أعمالهم، ويفصلون من وظائفهم، لماذا؟ لأنهم اتبعوا أهواءهم وضلوا عن سواء السبيل، ولم يعملوا بكتاب الله وسنة نبيه، فحذار أيها الآباء؛ وعلموا أبنائكم تعاليم الدين الإسلامي، واجعلوا نصب أعينكم مصائب الخروج عن الدين، واجتنبوا محارم الله، وغذوا أبناءكم بلبان القرآن والسنة، واهجروا المتبرجات العاصيات المائلات المميلات، واتركوا الخمر والربا. (¬5) من علامة غضب الله أن يلبس الرجل الحرير، قال تعالى: "ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة، ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى، فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا" (45 من سورة فاطر)، (بما كسبوا) من المعاصي (على ظهرها) على ظهر الأرض (من دابة) من نسمة تدب عليها بشؤم معاصيهم (بصيراً) مطلعاً مراقباً يجازيهم على أعمالهم. فأنت ترى حلم الله جل وعلا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم مهما أسرفوا في المعاصي يسامحهم في الدنيا ويؤجل عقابهم للآخرة (ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى) وقوله صلى الله عليه وسلم "فيصبحوا قردة وخنازير" أي أن أعمالهم المنكرة تستوجب مسخ صورهم، ولكن سبق وعد الله بالتأجيل فلا يؤاخذهم بذنوبهم في حياتهم كما آخذ الأمم السابقة، كما قال تعالى "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً" (47 - 48 من سورة النساء) (نطمس) نمحو تخطيط صورها، ونجعلها على هيئة أدبارها يعني الأقفاء، أو ننكسها إلى ورائها في الدنيا أو في الآخرة، وقيل من قبل أن نغير وجوهاً فنسلب وجاهتها وإقبالها ونكسوها الصغار والإدبار. أ. هـ (بيضاوي)، وهذا شاهدي في معنى "فيصبحوا قردة وخنازير" أي أن العصاة المجرمين المرتكبي الآثام يصبحون في ذل، وحقارة، ودناءة تعلوهم المسكنة، ويسلب الله منهم كل عز ورفعة وجاه، أو كما قال البيضاوي (من قبل أن نطمس وجوهاً) بأن نعمي الأبصار عن الاعتبار، ونصم الأسماع عن الإصغاء إلى الحق بالطبع ونردها عن الهداية إلى الضلالة. أ .. هـ (أو نلعنهم) أو نخزيهم بالمسخ كما أخزينا به أصحاب السبت، أو نمسخهم مسخاً مثل مسخهم، أو نلعنهم على لسانك كما لعناهم على لسان داود عليه السلام.

يبيت قوم من هذه الأمة على طعم وشرب ولهو ولعب .. إلخ 30 - ورويَ عن أبي أُمامةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يبيتُ (¬1) قومٌ من هذه الأمة على طُعْمٍ، وشُرْبٍ، ولهوٍ، ولعبٍ، فيصبحوا قدْ مُسِخُوا قردةً وخنازير، ولَيُصِيبنهم خَسْفٌ (¬2)، وقَذْفٌ (¬3) حتى يُصبح الناسُ، فيقولون: خُسِفَ الليلةَ ببني فُلانٍ (¬4)، وخُسفَ الليلة بدار فُلانٍ، ولَتُرسَلَنَّ عليهم حجارةٌ من السماء كما أُرسلت على قوم لوطٍ على قبائل فيها، وعلى دُورٍ، ولَتُرْسَلَنَّ (¬5) عليهم الريحُ العقيمُ التي ¬

(¬1) يستمرون طول الليلة في ملذاتهم ناسين الله جل وعلا مرتكبين الموبقات فيتنفس الصبح، وهم في حقارة ودناءة، قد زال عنهم الحياء والأدب، وانتزعت منهم السكينة والوقار، وباءوا بالخيبة، وشابهوا القردة، والخنازير في الخسة. (¬2) اهتزت أرضهم، وصار أعاليها أسافلها، وهدمت قصورهم، وضاعت أموالهم، وذهبت أرواحهم من جراء كثرة معاصيهم، يقال خسفه الله وخسف به، قال تعالى: "فخسفنا به وبداره الأرض، لولا أن من الله علينا لخسفنا بنا" (81 - 82 من سورة القصص). (¬3) رمى الحجارة من بعد قذف بالحجارة، من باب ضرب: رمى بها، وقذفته قذفاً من باب ضرب: اغترفته باليد، والاسم القذاف، وهو ما يملأ الكف ويرمى به. (¬4) لأنه عصى الله تعالى، قال تعالى في قوم لوط "فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد" (82 - 83 من سورة هود)، (من سجيل) من طين متحجر (منضود) نضد معد لعذابهم (مسومة) معلمة العذاب، وقيل معلمة ببياض وحمرة، فإنهم بظلمهم حقيقون بأن تمطر عليهم، وفيه وعيد لكل ظالم، وعنه عليه الصلاة والسلام "أنه سأل جبريل عليه السلام، فقال يعني ظالمي أمتك ما من ظالم منهم إلا وهو يعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة" أ. هـ (بيضاوي). (¬5) والله إن ذنوبهم كثرت، وزادت فسوقها فاستحقوا إرسال الريح المهلكة الشديدة التي تضر زرعهم، وتهلك ماشيتهم، وتهدم دورهم كما قال الله تعالى "وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم" (41 - 42 من سورة الذاريات)، (العقيم) سماها عقيماً لأنها أهلكتهم، وقطعت دابرهم، أو لأنهم لم تتضمن منفعة، وهي الدبور أو الجنوب أو النكباء. أ .. هـ (بيضاوي)، (أتت) مرت (كالرميم) كالرماد من الرم، وهو البلى والتفتت، "وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوماً فاسقين" (43 - 46 من سورة الذاريات)، (فعتوا) فاستكبروا عن امتثاله (فاسقين) خارجين عن الاستقامة بالكفر والعصيان، ولقد استحق المسلمون عقاب الله بهذا العذاب بسبب شرب الخمر وتمتعهم بالرفاهية والترف والإسراف بلبس الحرير، واستحلال الأقارب وهجرهم، وعدم الإحسان إليهم، فاتقوا الله عباد الله، واعملوا صالحاً، واهجروا المعاصي، وأكثروا من تشييد الصالحات، واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون، فإن الله تعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم بالتعاليم الصحيحة الجالبة كل سعادة والمانعة كل عذاب، ولكن هذه المعاصي تسبب انتقام الله جل وعلا عاجلاً كما قال عز وجل "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون" (65 من سوة الأنعام)، (من فوقكم) كما فعل بقوم نوح ولوط وأصحاب الفيل (أو من تحت أرجلكم) كما أغرق فرعون، وخسف بقارون، وقيل أكابركم =

[خلاصة الأضرار التي تلحق آكل الربا والمصائب التي تحل به] (¬1) أهلكت عاداً على قبائل فيها، وعلى دورٍ بِشُرْبهم الخمر، وَلبسهم الحرير، واتخاذهمُ ¬

= وحكامكم وسفلتكم وعبيدكم (أو يلبسكم) أو يخلطكم (شيعاً) متحزبين على بعض متفرقين على أهواء شتى فينشب القتال (ويذيق) يقاتل بعضكم بعضاً، انظر إلى حال المسلمين الآن ملأوا أصقاع المعمورة وكثر عددهم، ولكن تفرقت قلوبهم، لماذا؟ لأن العمل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قليل، والمعاصي فاشية، والمنكرات قائمة، والبدع منتشرة، والفواحش مرتكبة، والله تعالى يقول: "قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به؟ انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون" (46 - 49 من سورة الأنعام)، أي أصمكم وأعماكم وغطى على قلوبكم ما يزول به عقلكم أو فهمكم فلا أحد يزيل هذا إلا الله تعالى المعبود بحق الذي يطاع ويخاف (يصدفون) يعرضون عنها (يفسقون) بسبب خروجهم عن التصديق والطاعة. (¬1) خلاصة الأضرار التي تلحق آكل الربا والمصائب التي تحل به كما قال صلى الله عليه وسلم: أولاً: يصيبه الهلاك والأمراض لأن الربا من الموبقات. ثانياً: يستمر عذابه برمي الحجارة في فمه. ثالثاً: دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم باللعن والبعد عن رحمة الله تعالى ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم مستجاب، فلابد أن يطرد من حظيرة عناية الله ورأفته. رابعاً: ارتكب بعمله هذا كبيرة فعذاب عذاباً أليماً. خامساً: أوجب الله على نفسه أن لا يدخل آكل الربا الجنة. سادساً: آكل الربا يقع في جهنم فيرى درجات العذاب مجسمة ملموسة عددها ثلاث وسبعون أقل درجة في العذاب عقاب من وطئ أمه "23 بابا". سابعاً: الله أكبر، فعله في القبح والإجرام أعظم عند الله من عقاب ثلاث وثلاثين زنية، وناهيك بقبح الزنا وعاقبته الوخيمة كما قال تعالى: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا). ثامناً: فعل الربا نذير الخراب وباعث الدمار وجالب الخيبة ومسبب الفقر وتفشي الأمراض ونازع البركة والرحمة "أخذوا بالسنة". تاسعاً: فاعل الربا يرسل الله له الأفاعي تأوي إلى بطنه تغدو وتروح لتعذبه وتهلكه وتؤلمه "فيها الحيات". عاشراً: فعلة الربا يرمون في الطرق ليمر عليهم الكفار الذين يعذبون صباح مساء. حادي عشر: انتشار الربا من علامات قرب يوم القيامة "الساعة". ثاني عشر: يخرج آكل الربا من قبره للبعث مخبولاً مجنوناً "يتخبط". ثالث عشر: يصيب آكل الربا العرج والكساح وكسر الجسم "يجر شقيه". رابع عشر: مهما كثرت أموال آكل الربا تزول بسرعة ومآلها إلى قلة. خامس عشر: السعيد من بعد عن الربا، والشقي من أصابه رشاشه وحفته مكارهه ونال من إثمه فعل الربا من علامة استحقاق المسخ وزوال النعمة ونزول العذاب "فيصبحوا قردة وخنازير". قال تعالى: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" (82 من سورة الأنعام)، الظلم: الإشراك أو المعصية. =

الْقَيْنَاتِ، وأكلهمُ الربا، وَقطيعة الرحم، وَخَصْلَةٍ نَسِيَها جعفر" رواه أحمد مختصراً واللفظ له. [القينات]: جمع قينة وهي المغنية. ¬

= فقهاء الشريعة الإسلامية يفسرون معنى الربا: الربا: عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما، وهو من أكبر الكبائر ولم يحل في شريعة قط، ولم يؤذن الله في كتابه عاصياً بالحرب سوى آكله، وإن أكله علامة على سوء الخاتمة كإيذاء أولياء الله تعالى فإنه صح فيه الإيذان بذلك، وهو على ثلاثة أنواع: (ربا الفضل): وهو البيع مع زيادة أحد العوضين على الآخر، ومنه ربا القرض، وهو كل قرض اشترط فيه جر نفع للمقرض كأن شرط عليه أن يرد في قرض دينار دينارين، ومنه الغروقة المعروفة، فهي حرام باطلة. (وربا اليد): وهو البيع مع تأخير قبضها أو قبض أحدها. (وربا النساء): وهو البيع لأجل، والقصد من هذا بيان ما يصح من بيع الربوي مع الحل وما يفسد منه مع الحرمة، فإذا وجدت الشروط الآتي بيانها زيادة على ما مر في البيع كان العقد صحيحاً حلالاً، وإلا كان فاسداً حراماً وإنما يحرم الربا في ذهب وفضة ولو غير مضروبين كحلي وتبر وفيما قصد لطعم غالباً تقوتاً كبر وشعير وإن لم يؤكل إلا نادراً كثمر البلوط، أو تأدماً كسمن وجبن أو تفكهاً كعنب وتفاح أو تداوياً كزنجبيل ومصطكى فإن بيع ربوي بجنسه كذهب بذهب وبر ببر اشترط لصحته ثلاثة شروط: أن يكون العوضان حالين: أي يداً بيد في الجانبين وقبضهما في مجلس العقد قبل التفرق والمساواة بينهما يقيناً كيلاً في المكيل ووزناً في الموزون، فإن اختلفا في الجنس واتفقا في علة الربا كذهب بفضة وبر بشعير اشترط لصحته شرطان فقط أن يكون العوضان حالين، وقبضهما في المجلس قبل التفرق ولا تضر المفاضلة والزيادة في أحدهما وإن اختلفا جنساً وعلة كثمر بنقد أو ثوب أو حيوان جاز البيع بدون هذه الشروط. انتهى. (تنوير القلوب ص 271). الآيات الواردة في فعل الربا واجتناب معاملة هؤلاء العصاة: قال تعالى: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم" (275 - 276 من سورة البقرة)، (موعظة) أي من بلغه النهي عن الربا، (ما سلف) من المعاملة ولم يأمر الشارع برد الزيادات، وقال تعالى: "يا أيها الين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" (278 - 281 من سورة البقرة)، وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون" (130 - 132 من سورة آل عمران). قال ابن عباس: أي استيقنوا بحرب من الله ورسوله، وعن سعيد بن جبير قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب ثم قرأ "فإن لم تفعلوا" الآية، وعن ابن عباس فمن كان مقيماً على الربا لا ينزع منه فحق على إمام =

الترهيب من غصب الأرض وغيرها

" الترهيب من غصب الأرض وغيرها" 1 - عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ظَلَمَ قيدَ (¬1) شبر من الأرض طُوِّقَهُ مِنْ سَبْع أرَضين" رواه البخاري ومسلم. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه طُوِّقَهُ من شبع أرضين" رواه أحمد بإسنادين أحدهما صحيح، ومسلم إلا أنه قال: "لا يأخذ أحدٌ شبراً من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة" قوله: طُوِّقَهُ من سبع أرضين. قيل أرد طَوْقَ التكليف، لا طوق التقليد، وهو أن يُطَوَّقَ حملها يوم القيامة، وقيل: إنه أراد أنه يخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة في عنقه كالطوق. قال البغوي: وهذا أصح، ثم روى بإسناده عن سالم عن أبيه رضي الله عنهما قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أخذ من الأرض شبراً بغير حقه خُسِفَ (¬2) به يوم القيامة إلى سبع أرضين" وهذا الحديث رواه البخاري وغيره. 3 - وعن يعلى بن مُرَّةَ رضي الله عنه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أيما رجلٍ ظَلَمَ شبراً من الأرض كَلَّفَهُ الله عز وجل أن يحفره حتى يبلغ به سبع أرضين، ثم يُطَوَّقَهُ يوم القيامة حتى يقضي بين الناس" رواه أحمد والطبراني، وابن حبان في صحيحه ¬

= المسلمين أن يستتيبه فإن نزع وإلا ضرب عنقه، وعن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: والله إن هؤلاء الصيارفة لآكلة الربا، وإنهم قد أذنوا بحرب من الله ورسوله، ولو كان على الناس إمام لاستتابهم فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح (وإن تبتم) عن الربا فلا تأخذوا زيادة ولا تضيعوا رءوس أموالكم بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقصان منه (ذو عسرة) فقير، فالواجب الانتظار إلى وقت الميسرة، ثم اتقوا يوماً ترجعون فيه إلى حساب الله وجزائه (ثم توفى) تجازى (كل نفس ما كسبت) من الخير والشر، والله تعالى عادل لا ظلم عنده. (¬1) قيد: قدر أي الذي أخذ ظلماً وغصباً ونهباً توضع في عنقه الأرض ليحملها فيستمر عذابه على هذا النحو، قال الخطابي (طوقه) له وجهان أحدهما أنه يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر فيكون كالطوق في عنقه، والثاني أن يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين، وقال النووي: وأما التطويق فقالوا يحتمل أن معناه أن يحمل منه من سبع أرضين ويكلف إطاقته ذلك، أو يجعل له كالطوق في عنقه ويطول الله عنقه كما جاء في غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه، أو يطوق إثم ذلك ويلزمه كلزوم الطوق بعنقه، وقال ابن الجوزي: هو من تطويق التكليف لا من التقليد قال وليس ذلك بممتنع فإنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا ألفين أحدكم يأتي على رقبته بعير أو شاة". (¬2) وأما الخسف فأن يخسف به الأرض بعد موته، أو في حشره، وفيه دليل أن من ملك أرضاً ملك أسفلها إلى منتهاها وله أن يمنع من حفر تحتها سرباً أو بئراً، وفيه تهديد عظيم للغصاب وفيه دليل على أن الأرضين سبع "ومن الأرض مثلهن" أ. هـ. (عيني ص 298 جـ 12).

وفي رواية لأحمد والطبراني عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ أرضاً بغير حقها كُلِّفَ أن يحمل تُرابها إلى المحشر"، وفي رواية للطبراني في الكبير: "مَن ظَلَمَ مِنَ الأرض شبراً كُلِّفَ أن يحفره حتى يبلغ الماء، ثم يحملهُ إلى المحشر". من أخذ أرضاً بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر 4 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أخذ شيئاً من الأرض بغير حِلِّهِ طُوِّقَهُ من سبع أرضين لا يُقْبَلُ منه صَرْفٌ، ولا عدلٌ (¬1) " رواه أحمد والطبراني من رواية حمزة بن أبي محمد. 5 - وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله أي الظلم أظلم؟ فقال: ذراعٌ من الأرض ينتقصها المرء المسلم من حق أخيه فليس حصاةٌ من الأرض يأخذها إلا طُوِّقَهَا يوم القيامة إلى قعر الأرض، ولا يعلمُ قعرها إلا الله الذي خلقها" رواه أحمد والطبراني في الكبير، وإسناد أحمد حسن. 6 - وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعظمُ الغُلُول عند الله عز وجل ذراعٌ من الأرض، تجدون الرجلين جارين في الأرض، أو في الدار فيقتطع أحدهما من حظِّ صاحبه ذراعاً إذا اقتطعهُ طُوِّقَهُ من سبع أرضين" رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني في الكبير. 7 - وعن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ غصب رجلاً أرضاً ظُلماً لَقِيَ الله وهو عليه غضبان" رواه الطبراني من رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني. 8 - وعن الحكم بن الحارث السُّلَمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أخذ من طريق المسلمين شبراً جاء به يوم القيامة يحملهُ من سبع أرضين" رواه الطبراني في الكبير والصغير من رواية محمد بن عقبة السدوسي. 9 - وعن أبي حُمَيْدٍ الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) فرض، ولا نفل.

الترهيب من البناء فوق الحاجة تفاخرا وتكاثرا

لا يحل لمسلم أن يأخذ عصاً (¬1) بغير طيب نفسٍ منه. قال: ذلك لشدة ما حرَّم الله من مال المسلم على المسلم" رواه ابن حبان في صحيحه، قال الحافظ: وسيأتي في باب الظلم إن شاء الله تعالى. الترهيب من البناء فوق الحاجة تفاخراً وتكاثراً 1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجلٌ (¬2) شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفهُ منا أحدٌ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه (¬3)، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت فعجبنا له يسألهُ ويُصدِّقُهُ. قال: فأخبرني عن الإيمان (¬4)؟ قال: ¬

(¬1) ضرب صلى الله عليه وسلم مثلاً لأي شيء وأقلها عصا، فلا يصح للمسلم أن ينهب أي شيء من أخيه بمعنى أنه طرح في أسفل الأرضين السبع ومعه ذلك الشيء الذي أخذه من الأرض بغير حق، ففيه الترهيب من النهب وحفظ الزراع حدود أرضهم وتقوى الله في أخذ أقل شيء وإن حقر. وفي فقه الشافعية: الغصب الاستيلاء على حق الغير ولو منفعة قال تعالى: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" ومن غصب مال غيره وجب عليه رده على الفور عند التمكن ولو لزمه على رده أضعاف قيمته ولزمه أيضاً أرش نقص كمن غصب ثوباً لبسه فنقص بلبسه أو نقص بغير لبس كخرق أو حرق لبعضه ولزمه أيضاً أجرة مثل مدة إقامته تحت يده ولو لم يستعمله إن كان مما يصح استئجاره، وإن تلف ضمنه الغاصب بمثله إن كان مثلياً أو بقيمته إن كان متقوماً، والمثلي ما ضبط شرعاً بكيل أو وزن وجاز السلم فيه كالماء والتراب والدقيق وكالنحاس والمسك والقطن، والمتقوم ما ليس كذلك كالقماش والحيوان والغالية، ويبرأ الغاصب برد العين إلى المالك. أ. هـ. (¬2) ملك في صورة رجل تظهر عليه علامات السعادة والسرور والراحة. (¬3) أي إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، قال في الفتح: وهذا وإن كان ظاهراً من السياق لكن وضعه يديه على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم صنيع منبه للإصغاء إليه، وفيه إشارة إلى ما ينبغي للمسئول من التواضع والصفح عما يبدو من جفاء السائل، والظاهر أنه أراد بذلك المبالغة في تعمية أمره ليقوى الظن أنه من جفاة الأعراب ولهذا استغرب الصحابة صنيعه لأنه ليس من أهل البلد وجاء ماشياً ليس عليه أثر سفر، وعرف عمر أنه لم يعرفه أحد منهم من قول الحاضرين. أ. هـ. (¬4) ما حقيقته استفهام عن بيانه.

[من علامات الساعة تطاول الحفاة العراة في البنيان] أن تؤمن بالله (¬1)، وملائكته (¬2)، وكتبه (¬3)، ورسله (¬4)، واليوم الآخر (¬5)، وتؤمن بالقدر (¬6) خيره وشره، فقال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان (¬7)؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة (¬8)؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها (¬9)؟ قال: أن تلد الأمَةُ رَبَّتها (¬10)، وأن ترى الحُفاة العُراة (¬11) العالة رعاء ¬

(¬1) أن تصدق بوجوده وبصفاته الواجبة له تعالى. (¬2) جمع ملك: أي التصديق بوجودهم وأنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم أجسام علوية نورانية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة. (¬3) إن لله تعالى كتباً جمة: منها التوراة لسيدنا موسى، والإنجيل لسيدنا عيسى، والزبور لسيدنا داود، والقرآن لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. (¬4) الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. (¬5) يوم القيامة والانتقال إلى دار الجزاء. (¬6) قال الشرقاوي: والقدر مصدر قدرت الشيء قدراً إذا أحطت مراده، والمراد أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد وكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين. أ. هـ (ص 77 جـ 1)، وفي النهج السعيد: القضاء عند الأشاعرة إرادة الله الأشياء في الأزل على ما هي عليه فيما لا يزال، فهو من صفات الذات عندهم، والقدر عندهم إيجاد الله الأشياء على قدر مخصوص ووجه معين أراده الله تعالى فيرجع عندهم لصفة فعل، لأنه عبارة عن الإيجاد، وهو من صفات الأفعال. أ. هـ. (ص 69). (¬7) ما معناه المترتب عليه الثواب الجزيل مثل إتقان العمل وإيصال النفع للغير وإتقان العبادة: أي الإخلاص ومراعاة الخشوع والخضوع وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود حال أدائها، ثم تارة يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حتى كأنه يراه بعينه فيفعل العبادة حالة استغراقه في بحار المكاشفة والشهود كما قال صلى الله عليه وسلم "وجعلت قرة عيني في الصلاة" أي لحصول الاستلذاذ بالطاعة يسبب انسداد مسالك الالتفات إلى الغير باستيلاء أنوار الكشف عليه وامتلاء قلبه وسره من تجلى محبوبه، وتارة يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل وقال النووي: وتلخيص معناه أن تعبد الله تعالى عبادة من يرى الله تعالى ويراه الله تعالى فإنه لا يستبقي شيئاً من الخضوع والإخلاص وحفظ القلب والجوارح ومراعاة الآداب مادام في عبادته "فإن لم تكن تراه فإنه يراك" يعني أنك إنما تراعي الآداب إذا رأيته ورآك لكونه يراك. أ. هـ (شرقاوي ص 78 جـ 1). (¬8) في أي زمن يوم القيامة؟ والله تعالى استأثر بعلم وقت مجيئها. قال النووي: العالم إذا سئل عما لا يعلم يصرح بأنه لا يعلمه، ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته، بل يكون ذلك دليلاً على مزيد ورعه، وقال القرطبي: كف السامعين عن السؤال عن وقت الساعة لأنهم كانوا قد أكثروا للسؤال عنها. (¬9) علاماتها السابقة عليها كطلوع الشمس من مغربها. (¬10) المملوكة تلد سيدها ومالكها، بمعنى أن ابنها يرث ملك أبيه السيد، قيل هذا كناية عن اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك وسبي ذراريهم، فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها لأنه ولد سيدها، وكثر في زمن بني العباس. وقيل كناية عن فساد الأحوال فيكثر بيع أمهات الأولاد ويتداولهن الملاك، فيشتري الشخص أمه ولا يعلم، وقيل كناية عن الاستهانة بالأحكام الشرعية وكثرة عقوق الأبناء بأن يعامل الولد أمه معاملة الأمَةُ في الإهانة بالسب والضرب والاستخدام. (¬11) عبارة عن ارتفاع العبيد والسفلة الحمالين، وما أحسن قول بعضهم: =

الشاء يتطاولون (¬1) في البنيان. قال: ثم انطلق فلبثتُ ملياً (¬2)، ثم قال يا عمر: أتدري (¬3) مَنِ السائل؟ قُلتُ: الله ورسوله أعلم! قال: فإنه جبريل أتاكم يُعلمكم دينكم" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. من علامات الساعة أن ترى رعاء البهم يتطاولون في البنيان 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَلُونِي، فهَابُوهُ أن يسألوه، فجاء رجل فجلس عند ركبتيه، فقال يا رسول الله: ما الإسلام؟ قال: لا تشرك بالله شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان. قال: صدقت. قال يا رسول الله: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ورسله وتؤمن بالبعث (¬4) الآخر، وتؤمن بالقدر كله. قال: صدقت. قال يا رسول الله: ما الإحسان؟ قال: أن تخشى الله كأنك تراه، فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك. قال: صدقت قال: يا رسول الله: متى تقوم الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأُحدثُك عن أشراطها: إذا رأيت المرأة تلد ربها فذاك من أشراطها، وإذا رأيت الحفاة العُراة الصم البكم (¬5) مُلوك الأرض فذاك من أشراطها، وإذا رأيت رِعَاء البُهْمِ (¬6) يتطاولون في البنيان (¬7) فذاك من أشراطها" الحديث. رواه البخاري ومسلم واللفظ له. وهذا الحديث له دلالات كثيرة، ولم نذكره إلا في هذا المكان حسبما اتفق في الإملاء. 3 - وعن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خرج يوماً ونحن معه، فرأى قُبةً مُشرفَةً فقال: ما هذه؟ قال أصحابه: هذه لفلان: رجلٍ من الأنصار ¬

= إذا التحق الأسافل بالأعالي ... فقد طابت منادمة المنايا (¬1) يتفاخرون بإنشاء القصور واستكثارهم منها وتكثر أموالهم. (¬2) مدة أو زماناً واسعاً، ومنه (واهجرني مليا). (¬3) أتعلم. (¬4) القيام من القبور: أي التصديق بما يقع بعده من الحساب والميزان والجنة والنار. (¬5) غير النبهاء لا الأذكياء، أذنهم لا تعي ولسانهم غير فصيح بل ركيك ألكن (صم بكم عمي فهم لا يعقلون) والمعنى إذا ساد الجهلاء وعز الأغبياء واحتقر العلماء. (¬6) أي الرعاة السود لأن الغالب على ألوانهم الأدمة فهو جمع الأبهم، وهو الذي لا شبه له، وقال الخطابي: معناه الرعاة المجهولون الذين لا يعرفون، جمع البهيم ومنه أبهم هو الأمر فهو مبهم إذا لم تعرف حقيقته بضم الباء وبفتح الهاء: صغار الضأن والمعز: أي رعاة الغنم لحقارتهم في الحياة وجهلهم. (¬7) يتفاخرون بإنشاء القصور واستكثارهم منها وتكثر أموالهم.

[إن كل بناء وبال على صاحبه إلا مالا إلا مالا] فسكت وحَمَلهَا في نفسه حتى إذا جاء صاحبُها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسَلَّمَ عليه في الناس، فأعرَضَ عنه صَنَعَ (¬1) ذلك مراراً حتى عَرَفَ الرجل الغضب فيه، والإعراض (¬2) عنه فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: خَرجَ، فرأى قُبَّتَكَ، فرجعَ إلى قُبَّتِهِ، فَهَدَمَها (¬3) حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فلم يرها. قال: ما فعلتِ القُبةُ؟ قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه، فأخبرناه فهدمها، فقال: أما إن كلَّ بناءٍ وبالٌ (¬4) على صاحبه إلا مالا إلا مالا" رواه أبو داود واللفظ له، وابن ماجة أختصر منه، ولفظه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبةٍ على باب رجلٍ من الأنصار (¬5)، فقال: ما هذه؟ قالوا: قبة بناها فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلُّ ما كان هكذا فهو وبالٌ على صاحبه يوم القيامة فبلغ الأنصاري ذلك فوضعها (¬6)، فمر النبي صلى الله عليه وسلم بَعْدُ فلم يرها فسأل عنها فأخبر أنه وضعها لما بلغه، فقال: يَرْحَمُهُ الله. يرحمه الله (¬7). ورواه الطبراني بإسناد جيد مختصراً أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مرَّ بِبَنِيَّةٍ (¬8) قُبة لرجلٍ من الأنصار، فقال: ما هذه؟ قالوا: قُبةٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كُلُّ بناءٍ: وأشار بيده على رأسه، أكثر مِنْ هذا فهو وبالٌ على صاحبه يوم القيامة". قوله إلا مالا: أي إلا ما لابد للإنسان منه مما يستره من الحر والبرد والسباع ونحو ذلك. ¬

(¬1) فعل ذلك بكثرة صنع كذا. (ط وع ص 609)، وفي (ن د): فصنع. (¬2) الامتعاض منه وعدم الإقرار على عمله. (¬3) فأزالها حتى جعلها مساوية موازية لحجم الأرض بلا ارتفاع. (¬4) ضرر وفيه حساب شديد ودمار وهلاك، وإزالته حسنات لأن الله تعالى يسأل عن كل صغيرة وكبيرة ولا يفعل الإنسان إلا ما فيه الحاجة الشديدة للوقاية فقط (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) يقال: وبلت السماء وبلاً: اشتد مطرها، والوبيل: الوخيم، من وبل المرتع وبالاً ووبالة بمعنى وخم سواء كان المرعى رطباً أو يابساً، ولما كان عاقبة المرعى الوخيم إلى شر قيل في سوء العاقبة وبال، والعمل السيء وبال على صاحبه. (¬5) سكان المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأجل السلام. (¬6) فأزالها. (¬7) دعا صلى الله عليه وسلم له بالرحمة لأنه عمل بسنته صلى الله عليه وسلم في البنيان لقدر الحاجة فقط. (¬8) بمنشأة.

إذا أراد الله بعبد هواناً أنفق ماله في البنيان 4 - وعن واثلةً بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُ بُنيان وبالٌ على صاحبه إلا ما كان هكذا، وأشار بكفه، وكلُ علمٍ وبالٌ على صاحبه إلا مَنْ عَملَ به" رواه الطبراني، وله شواهد. 5 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبدٍ شراً خَضَّرَ (¬1) لهُ في اللَّبِنِ (¬2) والطين حتى يَبْنِيَ" رواه الطبراني في الثلاثة بإسناد جيد. 6 - وروى في الأوسط من حديث أبي بشير الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أراد الله بعبدٍ هواناً أنفق ماله في البنيان". 7 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بَنىَ فوق ما يكفيه (¬3) كُلَّفَ أن يحمله يوم القيامة" رواه الطبراني في الكبير من رواية المسيب بن واضح، وهذا الحديث مما أنكر عليه، وفي سنده انقطاع. 8 - وعن أبي العالية: "أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بَنَى غُرفةً (¬4)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اهدمها، فقال أهدمها، أو أتصدقُ بثمنها؟ فقال اهدمها" رواه أبو داود في المراسيل والطبراني في الكبير، واللفظ له، وهو مرسل جيد الإسناد. 9 - وعن جابر رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) زين وحبب وأمال. (¬2) الطوب المحمى عليه جمع لبنة، وقيل الطوب النئ والمراد ما يبنى به من نحو طوب وحجر وخشب فيشغله ذلك عن أداء الواجبات ويزين له الحياة وينسيه الممات، وهذا في بناء لم يرد به وجه الله وزاد على الحاجة. أ. هـ (جامع صغير ص 85 جـ 1)، وقال المناوي: إذا كان البناء لغير غرض شرعي وأدى لترك واجب أو لفعل حرام فهو حرام. أ. هـ. (¬3) للبذخ والترف والغطرسة والكبرياء، أما إذا بنى قصراً يأوى فيه وتتمتع أضيافه بزيارته، ويراعي حقوق الله في أمواله فهو من باب استعمال الطيبات. قال تعالى: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون" (32 من سورة الأعراف). (¬4) حجرة زائدة عن حاجته، وحاجة أهله وأضيافه. يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرف المسلمون أوقاتهم في النافع المثمر المفيد للعمل الصالح، وغير ذلك لا لزوم له خشية سؤال الله عنه يوم القيامة لم فعل؟

كلُ معروفٍ (¬1) صدقةٌ، وما أنفق الرجل على أهله كُتِبَ له صدقةٌ، وما وَفّى به المرء عِرْضَهُ كُتبَ له به صدقةٌ، وما أنفق المؤمن من نفقةٍ، فإن خَلَفَهَا على الله، والله ضامنٌ إلا ما كان في بُنيان، أو معصيةٍ" رواه الدارقطني والحاكم، كلاهما عن عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن محمد بن المنكدر عنه، وقال الحاكم صحيح الإسناد، وقال الحافظ: ويأتي الكلام على عبد الواحد. 10 - وعن حارثة بن مَضْرَبٍ قال: "أتينا خُبَاباً نَعُودُهُ، وقد اكتوى سبع كياتٍ، فقال: لقد تطاول مرضي، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تتمنوا الموت لتمنيتُ، وقال: يؤجر الرجلُ في نفقته كُلها إلا في التراب، أو قال: في البناء" رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح. النفقة كلها في سبيل الله إلا البناء فلا خير فيه 11 - ورويَ عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النفقة كلها في سبيل الله إلا البناء فلا خير فيه" رواه الترمذي. 12 - وعن عطية بن قيس رضي الله عنه قال: كان حُجَرُ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بِجَريدِ النخل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في مَغْزىً له، وكانت أم سلمة موسرة، فجعلت مكان الجريد لبناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قالت: أردتُ أن أكُفَّ عني أبصار الناس، فقال يا أم سلمة: إن شر ما ذهب فيه مالُ المرء المسلمُ البنيان" رواه أبو داود في المراسيل. 13 - وعن الحسن رضي الله عنه قال: "لما بَنَى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد. قال: ابنوهُ عَرِيشاً كَعَرِيشِ موسى، قيل للحسن: وما عريش موسى؟ قال: إذا رفع يده بلغ العريش، يعني السقف" رواه ابن أبي الدنيا مرسلاً، وفيه نظر. ¬

(¬1) عمل بر وفعل خير والجود والذب عن سيرة الإنسان وحفظ عرضه، هذه خصال تجلب الثواب الجزيل وتعطي الحسنات الجمة، والله تعالى المخلف المنفق الوهاب الذي يضاعف الأجور ويزيد في النعم ويبارك في المال (والله ضامن) ثم استثنى صلى الله عليه وسلم صرف الأموال في ثنتين: (أ) تشييد المنازل. (ب) ارتكاب المعاصي فالإنفاق عليهما غير معوض من الله جل وعلا، ويذهب مالهما سدى. لماذا؟ لأن الله تعالى نهى عن الإسراف وبذل المال من غير فائدة "ولا تبذر تبذيراً".

الترهيب من منع الأجير أجره، والأمر بتعجيل إعطائه

14 - وعن عمار بن عامر رضي الله عنه قال: "إذا رفع الرجل بناء فوق سبع أذرعٍ نُودي يا أفسَقَ الفاسقين إلى أين (¬1) ". رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً عليه، ورفعه بعضهم، ولا يصح. الترهيب من منع الأجير أجره والأمر بتعجيل إعطائه 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: ثلاثةٌ أنا خَصْمُهُمْ (¬2) يوم القيامة، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ (¬3): رجلٌ أعْطَى بي (¬4) ثُم غَدَرَ، ورجلٌ باعَ حُراً (¬5) فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيراً (¬6)، فاستوفى منه، وَلمَ يُعْطِهِ أجْرَهُ" رواه البخاري، وابن ماجة وغيرهما. 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطوا الأجير أجرهُ قبل أن يجف (¬7) عرقه" رواه ابن ماجة من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد وُثق. قال ابن عدي: أحاديث حسان، وهو ممن احتمله الناس وصدّقه بعضهم، وهو ممن يكتب حديث انتهى، وبقية رواته ثقات، ووهب بن سعيد بن عطية السلمي اسمه عبد الوهاب، وثقه ابن حبان وغيره. 3 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) إلى أي مكان تسمو ببنيانك؟ (¬2) أكون ضدهم وأعاقبهم. قال ابن المتين: هو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح. (¬3) قصمته وأهلكته. (¬4) أعطى يمينه بي: أي عاهد عهداً وحلف عليه بالله ثم نقضه. (¬5) اعتبد محرراً ثم نقده، قال الخطابي: اعتباد الحر يقع بأمرين: أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحد. والثاني أن يستخدمه كرهاً بعد العتق، والأول أشدهما. وقال المهلب: وإنما كان إثمه شديداً لأن المسلمين أكفاء في الحرية فمن باع حراً فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه الذل الذي أنقذه الله منه. وقال ابن الجوزي: الحر عبد الله فمن جنى عليه فخصمه سيده. (¬6) خدم عاملاً، قال في الفتح هو في معنى من باع حراً وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض وكأنه أكلها ولأنه استخدمه بغير أجره وكأنه استعبده. أ. هـ. (فتح ص 284 جـ 4). (¬7) ينشف ويذهب رشح عمله من مسام جسمه، يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يؤدوا حقوق العمال كاملة بلا توان وبلا تراخ قبل أن يجف عرقهم: أي بعد استيفاء العمل مباشرة فلا مماطلة ولا تسويف.

ترغيب المملوك في أداء حق الله تعالى وحق مواليه

"أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" رواه أبو يعلى وغيره، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث جابر، وبالجملة فهذا المتن مع غرابته يكتسب بكثرة طرقه قوة، والله أعلم. ترغيب المملوك في أداء حق الله تعالى وحق مواليه 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا نصح لسيده (¬1) وأحسن عبادةَ الله فله أجرهُ مرتين" رواه البخاري ومسلم وأبو داود. 2 - وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المملوك الذي يُحسن عبادة ربه، ويؤدي إلى سيده الذي عليه من الحق، والنصيحة والطاعة، له أجران" رواه البخاري. 3 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لهم أجران: رجلٌ من أهلِ الكتاب آمن بنبيه (¬2) وآمن بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك (¬3) إذا أدى حق الله، وحقَّ مواليه (¬4) ورجلٌ كانت له أمَةٌ (¬5) فأدَّبها، فأحسن تأديبها، وعَلَّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها (¬6) فتزوجها، فله أجران" رواه البخاري، ومسلم والترمذي وحسنه، ولفظه قال: ¬

(¬1) أخلص لمالكه خدم بجد: يدخل فيه كل خادم أخلص في عمله وأتقنه، وأدى حقوقه مستوفاة وحفظ ماله وغيبته واتبع ما يرضي رئيسه، ثم أدى حقوق الله تعالى، وأطاع ربه، فالله تعالى يؤتيه: (أ) ثواب إتقان عمله وإطاعة رئيسه وأمانته وإخلاصه. (ب) وثواب عبادته سبحانه وتعالى من ذكر وتسبيح واستغفار وصلاة وصوم وهكذا. (¬2) أي كان متبعاً شريعة نبي من الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم ثم اتبع شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فثوابه مضاعف: (أ) ثوابه اتباع نبيه. (ب) ثواب اتباع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬3) وكذا المملوك إذا أحسن لله في عبادته وأطاع سيده وحفظ ماله وأتقن عمله. (¬4) أسياده ومالكيه. (¬5) جارية. (¬6) أطلقها حرة فله أجران: (أ) ثواب تربيتها. (ب) ثواب زواجها، قال الله تعالى: "فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة" وفي الفتح العبد المملوك الصالح له أجران، واسم الصلاح يشمل شرطين: إحسان العبادة والنصح للسيد، ونصيحة السيد تشمل أداء حقه من الخدمة وغيرها. أ. هـ. (ص 108 جـ 13)، ووصف العبد بالمملوك لأن العبد أعم من أن يكون مملوكاً أو غير مملوك، فإن الناس كلهم عبيد الله.

ثلاثةٌ يؤتون أجرهم مرتين: عبدٌ أدى حق الله وحق مواليه، فذاك يُؤتى أجرهُ مرتين، ورجلٌ كانت عنده جاريةٌ وضيئةٌ فأدَّبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها، ثم تزوجها يبتغي بذلك وجه الله، فذلك يؤتى أجره مرتين، ورجلٌ آمن بالكتاب الأول، ثم جاء الكتاب الآخرُ فآمن به فذلك يؤتى أجره مرتين. [الوضيئة]: بفتح الواو، وكسر الضاد المعجمة ممدوداً: هي الحسنة الجميلة النظيفة. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للعبد المملوك المصلح (¬1) أجران، والذي نفسُ أبي هريرة بيده (¬2) لولا الجهاد في سبيل الله، والحج، وبرُّ أمي لأحببتُ أن أموت وأنا مملوك (¬3) " رواه البخاري ومسلم. 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عبدٌ أطاع الله، وأطاع مواليه أدخله الله الجنة قبل مواليه بسبعين خريفاً، فيقول السيد: رب ¬

(¬1) أي الصالح في عبادة الرب ونصح السيد. (¬2) هذا من كلام أبي هريرة (1). وذكر الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد وكذلك بر الأم قد يحتاج في بعض الأوقات إلى إذن سيده، بخلاف بقية العبادات البدنية، ولم يذكر المال لأنه فقير ليست عنده أموال ينفقها في القربات، أو أن العبد له أن يتصرف في ماله بغير إذن سيده. (¬3) قال الخطابي ولهذا المعنى امتحن الله عز وجل أنبياءه عليهم السلام، ابتلى يوسف عليه السلام بالرق، ودانيال حين سباه بختنصر وكذا ما روي عن الخضر عليه السلام حين سئل لوجه الله فلم يكن عنده ما يعطيه فقال: لا أملك إلا نفسي فبعني واستنفق ثمني ونحو ذلك. أ. هـ (عيني ص 110 جـ 13). وفي الفتح زاد مسلم في آخر طريق بن وهب قال يعني الزهري: وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصبحتها، ولأبي عوانة وأحمد من طريق سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أنه كان يسمعه يقول: "لولا أمران لأحببت أن أكون عبداً، وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما خلق الله عبداً يؤدي حق الله عليه وحق سيده إلا وفاه الله أجره مرتين" أ. هـ. (وقال ابن عبد البر): على العبد واجبان: طاعة ربه في العبادات، وطاعة سيده في المعروف فلو قام بهما جميعاً كان له ضعف أجر الحر المطيع لطاعته، لأنه قد ساواه في طاعة الله، وفضل عليه بطاعة من أمر الله بطاعته. أ. هـ. (وقال ابن التين): المراد أن كل عمل يعمله بضاعف له قال وقيل سبب التضعيف أنه زاد لسيده نصحاً وفي عبادة ربه إحساناً فكان له أجر الواجبين وأجر الزيادة عليهما، قال والظاهر خلاف هذا وأنه بين ذلك لئلا يظن ظان أنه غير مأجور على العبادة. أ. هـ. واستدل به على أن العبد لا جهاد ولا حج في حال العبودية وإن صح ذلك منه.

هذا كان عبدي في الدنيا؟ قال: جازيتهُ بعملهِ، وجازيتكَ بعملك" رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وقال: تفرّد به يحيى بن عبد الله بن عبدربه الصفَّار عن أبيه. [قال الحافظ]: لا يحضرني فيهما جرح ولا عدالة. 6 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عبداً دخل الجنة، فرأى عَبْدَهُ فوق درجتهِ، فقال يا رب: هذا عبدي فوق درجتي؟ قال: نعم جزيتهُ بعمله وجزيتكَ بعملك" رواه الطبراني في الأوسط. ما جاء في المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عُرِضَ عليَّ أولُ ثلاثةٍ يدخلون الجنة: شهيد (¬1)، وعفيفٌ (¬2) مُتَعففٌ، وعَبدٌ أحسن عبادة الله، ونصح لمواليه (¬3) " رواه الترمذي وحسنه واللفظ له، وابن حبان في صحيحه. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نِعِماً (¬4) لأحدكم أن يطيع الله عز وجل، ويؤدي حق سيده، يعني المملوكَ" رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح. 9 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثةٌ على كُثبان المسك (¬5) أرَاهُ. قال يوم القيامة: عبدٌ أدى حق الله وحق مواليه، ورجلٌ أمَّ قوماً (¬6) وهم به راضون، ورجلٌ يُنادي (¬7) بالصلوات الخمس في كل يومٍ وليلةٍ" رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب، ورواه الطبراني في الأوسط والصغير، ولفظه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يَهُولُهُمُ (¬8) الفزعُ الأكبر، ولا ينالهمُ الحساب (¬9)، هم على كَثِيبٍ من مسك حتى يُفرَغَ ¬

(¬1) مجاهد في سبيل نصر دين الله تعالى. (¬2) ذو قناعة وعفاف وعزة نفس، يقال عف الشيء يعف من باب ضرب عفة وعفافاً: امتنع عنه فهو عفيف، واستعف عن المسألة مثل عف، ورجل عف وامرأته عفة، وتعفف كذلك، ومنه متعفف: أي يتكلف القناعة ويلزم العفاف ليعفه الله إعفافاً. (¬3) مخدوميه وأصحاب العمل. (¬4) قال الزجاج ما بمعنى الشيء فالتقدير نعم الشيء. أ. هـ.، وميم نعم مدغمة في ما، كما قال تعالى: "إن الله نعما يعظكم به" أي أمدح عمل شخص عبد الله وأخلص في عمله. (¬5) قطع الطيب: أي على مكان ذي الرائحة. (¬6) صلى بهم إماماً. (¬7) يؤذن ويدعو الناس إلى الله. (¬8) لا يخوفهم هول يوم القيامة. (¬9) ولا يلحق بهم عذاب.

ترهيب العبد من الإباق من سيده

من حساب الخلائق: رجلٌ قرأ القرآن ابتغاء وجه الله، وأمَّ به قوماً وهم به راضون، وداعٍ يدعو إلى الصلاة ابتغاء وجه الله، وعبدٌ أحسن فيما بينه وبين ربه، وفيما بينه وبين مواليه" ورواه في الكبير بنحوه إلا أنه قال في آخره: ومملوك لم يمنعه رقُّ الدنيا من طاعة ربه. 10 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول سابقٍ إلى الجنة مملوكٌ أطاع الله وأطاع مواليه" رواه الطبراني في الأوسط. أول من يقرع باب الجنة المملوكون إذا أحسنوا فيما بينهم وبين الله عز وجل 11 - وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة بخيلٌ (¬1)، ولا خَبٌّ، ولا خائنٌ سيئُ المَلَكَةِ (¬2)، وأولُ من يقرعُ باب الجنة المملوكون إذا أحسنوا فيما بينهم وبين الله عز وجل، وفيما بينهم وبين مواليهم" رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن، وبعضه عند الترمذي وغيره. [الخب]: بفتح الخاء المعجمة وتكسر، وبتشديد الباء الموحدة: هو الخدّاع المكار الخبيث. ترهيب العبد من الإباق من سيده 1 - عن جرير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما عبدٍ أبقَ (¬3)، فقد برئت منه الذمة (¬4) " رواه مسلم. ¬

(¬1) جبان غير كريم لم ينفق في الخير. (¬2) خبيث الطوية ردئ الأفكار باعث الشرور لنيته الفاسدة، وأورد البخاري في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: العبيد إخوانكم فاطعموهم مما تأكلون لقوله تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً". قال العيني: ففيها يأمر الله تعالى بعبادته وحده لا شريك له، فإنه الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الأحوال ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين واليتامى لأنهم فقدوا من يقوم بمصالحهم ومن ينفق عليهم والمحاويج من ذوي الحاجات الذين لا يجدون ما يقوم بكفايتهم فأمر الله تعالى بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم وتزول به ضرورتهم، والجار القريب والبعيد أو الجار المسلم واليهودي والنصار، وقيل المرأة والرفيق في السفر (وابن السبيل) الضيف أو الذي يمر عليك مجتازاً السفر (وما ملكت) أوصى بالأرقاء لأن الرقيق ضعيف الجثة أسير في أيدي الناس ولهذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وصى أمته في مرض الموت يقول: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، وهذا مراد البخاري بذكر الآية (مختالاً) في نفسه معجباً متكبراً (فخوراً) على الناس يرى أنه خير منهم فهو في نفسه كبير وهو عند الله حقير، وعند الناس بغيض. أ. هـ (ص 107 جـ 13). (¬3) هرب من سيده من غير خوف ولا كد عمل. (¬4) بعد منه عهد الله بإكرامه.

إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة 2 - وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أبق العبدُ لم تُقبل له صلاة (¬1) "، وفي رواية: فقد كفر حتى يرجع إليهم. رواه مسلم. 3 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يقبلُ الله لهم صلاة، ولا تصعد (¬2) لهم إلى السماء حسنةٌ: السَّكران حتى يصحو (¬3)، والمرأة السَّاخط عليها (¬4) زوجها، والعبد الآبقُ حتى يرجعَ فيضع يده في يد مواليه (¬5) " رواه الطبراني في الأوسط من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل، واللفظ له، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما من رواية زهير بن محمد. 4 - وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا تسأل عنهم: رجلٌ فارق (¬6) الجماعة، وعصى إمامه (¬7)، وعبدٌ أبق من سيده فمات مات عاصياً، وامرأةٌ غاب عنها زوجها وقد كفاها مؤونة الدنيا فخانته (¬8) بعده، وثلاثةٌ لا تسأل عنهم: رجلٌ نازع (¬9) الله عز وجل رداءه، فإن رداءه الكبر (¬10) وإزاره العِزُّ، ورجلٌ في شكٍ (¬11) من أمر الله، والقانطُ (¬12) من رحمة الله" رواه ابن حبان في صحيحه، وروى الطبراني والحاكم شطره الأول، وعند الحاكم: فتبرجت بعدهُ بدل: فخانتهُ، وقال في حديثه: وأمَةٌ أو عبدٌ أبق من سيده، وقال صحيح على شرطهما ولا أعلم له علة. ¬

(¬1) زال عنه قبول الله لعمله. (¬2) تسمو. (¬3) يفيق ويشعر ويرد إليه عقله. (¬4) الغضبان. (¬5) مخدوميه وأسياده. (¬6) شد وخالف اجتماع الناس على أمر ونفر وشق عصا الطاعة. (¬7) ولي أمره وحاكم بلده. (¬8) فرطت في عرضهما وارتكبت الفاحشة. (¬9) شابه، من نزع إليه في الشبه إذا أشبهه بمعنى أنه غطرس وتكبر وتجبر واستعمل الخيلاء والعجب. (¬10) والكبرياء لله وحده وهو المختص بالعظمة والإجلال، كناية عن اتصاف الله بصفتي العظمة والعز، ومعنى المتكبر والكبير أي العظيم ذو الكبرياء، وقيل المتعالى عن صفات الخلق، وقيل المتكبر على عتاة خلقه، والتاء فيه للتفرد والتخصيص، لا تاء التعاطي والتكلف، والكبرياء والعظمة والملك، وقيل هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود، ولا يوصف بها إلا الله تعالى. أ. هـ (نهاية) كناية عن أنه تعالى ذو عزة أي قوة وشدة وغلبة، والمعز هو الذي يهب العز لمن يشاء من عباده، والعزيز القوي الذي لا يغلب. (¬11) أي موسوس في قدرته متحير في فعله غير معتقد قوته وقهره غير جازم بإسناد الفعل له سبحانه وتعالى. (¬12) اليائس من يسره ونعيمه غير منتظر فرجه.

الترغيب في العتق، والترهيب من اعتباد الحر أو بيعه

أيما عبد مات في إباقته دخل النار وإن قتل في سبيل الله 5 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثنان لا تجاوزُ صلاتهما رءوسهما: عبدٌ أبقَ من مواليه حتى يرجعَ، وامرأةٌ عصت زوجها حتى ترجع (¬1) " رواه الطبراني في الأوسط، والصغير بإسناد جيد، والحاكم. 6 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبدُ الآبقُ حتى يرجع، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخطٌ (¬2)، وإمامُ قومٍ وهم له كارهون (¬3) " رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب. 7 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما عبدٍ (¬4) مات في إباقته (¬5) دخل النار، وإن قتل (¬6) في سبيل الله" رواه الطبراني في الأوسط من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل، وبقية رواته ثقات. الترغيب في العتق والترهيب من اعتباد الحر أو بيعه 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجلٍ أعتقَ (¬7) امرأً مُسلماً استنقذ (¬8) الله بكل عضوٍ منه عُضواً منه منَ النار. قال سعيد بنُ مرجانة: فانطلقتُ به إلى عليِّ (¬9) بن الحسين فَعَمَدَ (¬10) عليُ بن الحسين إلى عبدٍ له ¬

(¬1) تتوب وترضيه. (¬2) غضبان. (¬3) غير راضين عنه لسوء سيرته وعدم استقامته وظلمه وبطشه. (¬4) أي عبد. إنسان مضاف إليه وما زائدة. (¬5) هربه ونفوره وجموحه. (¬6) وإن صادف الهرب أنه كان مجاهداً في سبيل نصر دين الله، والعتق في الشرع عبارة عن إزالة الملك عن الآدمي، لا إلى مالك تقرباً إلى الله تعالى. (¬7) أطلقه حرا، يقال أعتقت العبد أعتقته عتقاً وعتاقة، أي حررته فصار حراً. (¬8) أخرج، يعني أن فكاك الأسير من أسره والعتيق من عنقه يسبب نجاة المعتق من النار، وفي العيني: أي نجى الله وخلص بكل عضو منه من النار، وعند أبي الفضل الجوزي حتى أنه ليعتق اليد باليد والرجل بالرجل، والفم بالفم. قال الخطابي: ينبغي أن يكون المعتق كامل الأعضاء، وفيه فضل العتق، وأنه من أرفع الأعمال، وربما ينجي الله به من النار، وفيه أن المجازات قد تكون من جنس الأعمال فجوزى المعتق للعبد بالعتق من النار، وفيه عتق المسلم أفضل من عتق الكافر. (¬9) وهو زين العابدين على بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وكان سعيد بن مرجانة منقطعاً إليه فعرف بصحبته. أ. هـ (ص 79 جـ 13). (¬10) أي قصد إلى عبد له واسمه مطرف.

قد أعطاه (¬1) عبد الله بن جعفر فيه عشرةَ آلاف درهمٍ، أو ألف دينارٍ فأعتقه (¬2) " رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وفي رواية لهما، وللترمذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أعتق رقبةً مُسلمةً أعتق الله بكل عضوٍ منه من النار حتى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ". من أعتق رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار 2 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرئ مسلمٍ أعتق امرَأً مُسلماً كان فِكاكَهُ من النار يَجْزِى كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنْهُ، وأيما امرِئٍ مسلمٍ أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزي كل عضوٍ منهما عُضواً منه" رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجة من حديث كعب بن مرة، أو مرة بن كعب، ورواه أحمد وأبو داود، بمعناه من حديث كعب بن مرة السلمي، وزاد فيه: "وأيما امرأة مسلمة أعتقتِ امرأةً مسلمةً كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضوٍ من أعضائها عُضواً من أعضائها". 3 - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق رقبةً مؤمنةً فهي فكاكه (¬3) من النار" رواه أحمد بإسناد صحيح واللفظ له، وأبو داود والنسائي في حديث مرَّ في الرمي، وأبو يعلى والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ولفظه قال: "من أعتق رقبةً فك اللهُ بكل عُضوٍ من أعضائه عُضواً من أعضائه من النار". 4 - وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: "كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك (¬4) فإذا نفرٌ من بني سليم، فقالوا: إن صاحبنا قد أوجب، ¬

(¬1) أي قد أعطى علي بن الحسين به، أي في مقابلة عبده وعبد الله بن جعفر مرفوع لأنه فاعل أعطاه ابن أبي طالب، وهو ابن عم والد علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم، وهو أول من ولد للمهاجرين بالحبشة، وكان آية في الكرم، ويسمى ببحر الجود، وله صحبة، ومات سنة ثمانين من الهجرة. (¬2) في رواية إسماعيل بن الحكيم، فقال: اذهب أنت حر لوجه الله تعالى. أ. هـ (عيني). (¬3) إطلاقه وإزالة أغلاله. (¬4) بلد نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أرضاً لا عمارية فيها وفي هذا الوقت أزمة شديدة وأصاب الناس عسر وجدب واشتد الحر فأمر عليه السلام بغزو الروم وبعث إلى مكة واستنفر قبائل العرب وحث الموسرين على تجهيز المعسرين فأنفق عثمان بن عفان عشرة آلاف دينار وأعطى ثلثمائة بعير بأحلامها وأقتابها =

فقال: أعتقوا عنه رقبةً يُعتِقِ اللهُ بكل عضوٍ منها عضواً منه من النار" رواه أبو داد وابن حبان في صحيحه، والحاكم قول صحيح على شرطهما. [أوجب]: أي أتى بما يوجب له النار. من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار 5 - وعن شعبة الكوفي قال كنا عند أبي بُردة بن أبي موسى فقال: "أي بَنِيَّ ألا أحدثكم حديثاً؟ حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق رقبةً أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه في النار" رواه أحمد، ورواته ثقات. 6 - وعن مالك بن الحارث رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من ضَمَّ يتيماً من أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغنى (¬1) عنه وجبت له الجنةُ البتة (¬2)، ومن أعتق امرأً مسلماً كان فكاكه من النار يجزي بكل (¬3) بكل عضوٍ منه عضواً من النار" رواه أحمد من طريق علي بن زيد عن زرارة بن أبي أوفى عنه. 7 - وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: "سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الليل أسمعُ؟ قال: جوف الليل الآخر، ثم الصلاة مقبولة حتى تطلع الشمس، ثم لا صلاة حتى تكون الشمس قيد (¬4) رُمحٍ، أو رمحين، ثم الصلاة مقبولة حتى يقوم الظل قيام الرمح، ثم لا صلاة حتى تزول الشمس قيد رمح أو رمحين، ثم الصلاة مقبولة، ثم لا صلاة حتى تغيب الشمس، قال ثم أيما امرئٍ مسلم أعتق امرأً مسلماً، فهو فكاكه من النار، يجزي بكل عظمٍ منه عظماً منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة فهي فكاكها من النار يجزي بكل عظمٍ منها عظماً منها، وأيما امرئٍ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين فهما فكاكه من النار، يجزي بكل عظمين من ¬

= وخمسين فرساً فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم ارض عن عثمان، وجاء أبو بكر رضي الله عنه بكل ماله وهو أربعة آلاف درهم فقال صلى الله عليه وسلم: هل أبقيت لأهلك شيئاً فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، وجاء عمر بن الخطاب بنصف ماله، وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائة أوقية، وجاء العباس وطلحة بمال كثير، وتصدق عاصم بن عدي بسبعين وسقاً من تمر، وأرسلت النساء بكل ما يقدرن عليه من حليهن، وقدم عليه صلى الله عليه وسلم يوحنا صاحب أيلة وصحبته أهل جرباء (قرية في جنوب الشام) فصالح يوحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إعطاء الجزية. (¬1) تعهد تربية اليتيم حتى أينع ثمره وأورق شجره وترعرع زهره وكبر حتى يمكنه أن يستقل بأمور معاشه. (¬2) لزاماً. (¬3) يجزى بكل كذا (ط وع ص 610) وفي (ن د) يجزى كل. (¬4) قدر.

عظامها عظماً منه" رواه الطبراني، ولا بأس برواته إلا أن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه. من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار 8 - وعن أبي نجيحٍ السُّلَمِي رضي الله عنه قال: حاصرنا (¬1) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما رجلٍ مسلم أعتق رجلاً مسلماً، فإن الله عز وجل جاعلٌ وفاء (¬2) كل عظمٍ من عظامه عظماً من عظام مُحرره (¬3)، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امراة مسلمة، فإن الله عز وجل جاعلٌ وفاء كل عظمٍ من عظامها عظماً من عظام مُحررتها من النار" رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه، وفي رواية لأبي داود والنسائي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار" [قال الحافظ]: أبو نجيح هو عمرو بن عبسة. 9 - وعن البراء عازب رضي الله عنه قال: "جاء أعرابيٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني عملاً يدخلني الجنة؟ قال: إن كنت أقصرت الخُطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك (¬4) الرقبة. قال: أليستا واحدةً؟ قال لا. عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك لارقبة أن تُعطيَ في ثمنها، والمنحةُ (¬5) الوكوف (¬6) والفيء (¬7) على ذي الرحم القاطع (¬8)، فإن لم تُطِقْ ذلك، فأطعم الجائع، واسقِ الظمآن (¬9)، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تُطق ذلك فكف (¬10) لسانك ¬

(¬1) غزونا أهل ثقيف وهوازن، وجعل صلى الله عليه وسلم على مقدمته خالد بن الوليد ومر عليه السلام بحصن لعوف بن مالك النصري فأمر بهمه، واستمر الحصار ثمانية عشر يوماً، ومن دعائه صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد ثقيفاً وائت بهم المسلمين. (¬2) كل ما وقيت به شيئاً وقاء ككتاب، ووقاه الله السوء: حفظه. (¬3) معتقه. (¬4) أبعد عنها الذل والاستعباد. (¬5) الناقة أو الشاة يعطيها صاحبها رجلاً يشرب لبنها، ثم يردها إذا انقطع اللبن، ثم كثر استعماله حتى أطلق على كل عطاء. أ. هـ (مصباح). (¬6) التي تدر اللبن، وتعطي الخير، وفي النهاية من منح وكوفاً: أي غزيرة اللبن، وقيل التي لا ينقطع لبنها سنتها جميعها. أ. هـ. (¬7) الصدقات، وفعل الإحسان، والفيء ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد، والمراد هنا عمل البر. (¬8) القريب التي لا تحصل منه مودة، كثير الجفاء. (¬9) العطشان. (¬10) امنع.

فصل منه

إلا عن خير" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه واللفظ له والبيهقي وغيره. 10 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمسٌ من عملهن في يومٍ كتبهُ الله من أهل الجنة: من عاد مريضاً، وشهد جنازةً، وصام يوماً، وراح إلى الجمعة، وأعتق رقبةً" رواه ابن حبان في صحيحه. فصل 11 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا تُقبل منهم صلاةٌ: من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجلٌ أتى الصلاة دِبَاراً: والدِّبارُ أن يأتيها بعد أن تفوته، ورجلٌ اعْتَبَدَ مُحررهُ (¬1) " رواه أبو داود، وابن ماجة من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عمران المعافري عنه. [قال الخطابي]: واعتبار المحرر يكون من وجهين: أحدهما أن يعتقه، ثم يكتم عتقه أو ينكره، وهذا أشر الأمرين، والثاني: أن يعتقله بعد العتق فيستخدمه كرهاً. 12 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: ثلاثةٌ أنا خَصْمُهُمْ يوم القيامة، ومن كنت خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ: رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حُراً وأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيراً فاستوفى، ولم يُوفِهِ أجره" رواه البخاري، وابن ماجة وغيرهما. راجعت على النسخة المعمارية المؤرخة 22 من شهر ربيع الأول سنة 849 هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام غفر الله لي ولوالدي ولجميع المسلمين. ¬

(¬1) حراً كان عبداً له، والمعنى أنه استبد بمن كان عبداً له، وخدمه وملكه مع أنه أعتقه، محرره كذا دع ص 616، وفي (ن ط) محرراً. أ. هـ.

كتاب النكاح وما يتعلق به

كتاب النكاح وما يتعلق به ابتداء الجزء الثاني من النسخة المعمارية المخطوطة المحفوظة الترغيب في غض البصر والترهيب من إطلاقه ومن الخلوة بالأجنبية ولمسها 1 - عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني عن ربه عز وجل: "النظرة (¬1) سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته (¬2) إيماناً يجد حلاوته في قلبه" رواه الطبراني، والحاكم من حديث حذيفة، وقال: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: خرّجاه من رواية عبد الرحمن بن إسحق الواسطي، وهو واهٍ. 2 - وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلمٍ ينظرُ إلى محاسن امرأة، ثم يغض (¬3) بصرهُ إلا أحدث الله له عبادةً يجدُ حلاوتها في قلبه" رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: ينظر إلى امرأةٍ أول رَمْقَةٍ، والبيهقي وقال: إنما أراد إن صح، والله أعلم: أن يقع بصرهُ عليها من غير قصدٍ فيصرفَ بصره عنها تورعاً. 3 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُ عينٍ باكيةٌ (¬4) يوم القيامة إلا عينٌ غضتْ (¬5) عن محارم الله، وعينٌ سهرت (¬6) في سبيل الله، وعينٌ خرج منها مثل رأس الذباب (¬7) من خشية الله" رواه الأصبهاني. ¬

(¬1) الاطلاع بالعين إلى الأجنبية يبعث شعاعاً من أشعة إبليس المهلكة. (¬2) جعلت بدله إيماناً يشعر بلذاته في قلبه. (¬3) يمنعه خوفاً من الله. (¬4) متألمة بشدة البكاء من هول الموقف. (¬5) امتنعت من المعاصي. (¬6) باتت تحرس يقظة طيلة ليلها. (¬7) تدمع ويسيل من غربها خوفاً من عذابه.

4 - وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا ترى أعْيُنُهُمُ النار: عينٌ حرست في سبيل الله، وعينٌ بكتْ من خشية الله، وعينٌ كَفَّتْ عن محارم الله" رواه الطبراني، ورواته ثقات معروفون إلا أن أبا حبيب النعقري ويقال له القنوي لم أقف على حاله. 5 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اضمنوا لي سِتاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا (¬1) إذا حدَّثتم، وأوفوا (¬2) إذا وعدتم، وأدوا الأمانة (¬3) إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم (¬4)، وغضوا (¬5) أبصاركم وكفوا (¬6) أيديكم" رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عنه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: بل المطلب لم يسمع من عبادة، والله أعلم. يا علي لا تتبع النظرة النظرة 6 - وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا عليُّ إن لك كنزاً في الجنة، وإنك ذو قَرْنيْها فلا تُتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة (¬7) " رواه أحمد. ورواه الترمذي، وأبو داود من حديث بُريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرةُ"، وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. قوله صلى الله عليه وسلم لعليٍ: "وإنك ذو قَرْنَيْها: أي ذو قَرْنَيْ هذه الأمة، وذاك لأنه كان له شَجَّتَانِ في قرني رأسه إحداهما من ابن مُلجَمٍ لعنه الله، والأخرى من عمرو بن وُدٍ، وقيل معناه: إنك ذو قرني الجنة: أي ذو طرفيها ومَلِيكُهَا المُمَكَّنُ فيها الذي يسلك جميع نواحيها كما سلك ¬

(¬1) قولوا الصدق، وتحروا الحق، الموافق للواقع، والخبر الصحيح. (¬2) أتموا الميعاد، وحافظوا عليه. (¬3) راعوا الودائع. (¬4) لا تفعلوا الفاحشة. (¬5) لا تنظروا إلى الأجنبيات. (¬6) امنعوا أيديكم من الأذى، والسرقة والتعدي. (¬7) إرسال النظرة الثانية، واستمرار العين تطلع، ع.

الإسكندر جميع نواحي الأرض شرقاً وغرباً فَسُمِّيَ ذا القرنين على أحد الأقوال، وهذا قريب، وقيل: غير ذلك، والله أعلم. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، فهو مُدركٌ ذلك لا محالة، العينان: زناهما (¬1) النظر، والأذنان: زناهما الاستماع (¬2)، واللسان: زناه الكلام (¬3)، واليد: زناها البطش، والرِّجْلُ: زناها الخطى (¬4)، والقلبُ يَهْوَى (¬5) وَيتمنى، ويُصَدِّق ذلك الفَرْجُ، أو يُكذبه (¬6) " رواه مسلم والبخاري باختصار، وأبو داود والنسائي، وفي رواية لمسلم، وأبي داود: واليدان تزنيان، فزناهما البطشُ، والرِّجْلاَنِ تزنيان، فزناهما المشي، والفمُ يزني فزناه القُبَلُ. 8 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العينان تزنيان، والرجلان تزنيان، والفرج يزني" رواه أحمد بإسناد صحيح والبزار وأبو يعلى. 9 - وعن جرير رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفُجَاءةِ، فقال: اصرف (¬7) بصرك" رواه مسلم، وأبو داود والترمذي. ما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع 10 - وعن عبد الله، يعني ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإثم حَوَّازُ القلوب، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع (¬8) " ¬

(¬1) المعنى أن الله تعالى يعذب العين بالنار يوم القيامة لتطلعها إلى محرم بقصد بلا فجاءة. (¬2) سماع صوت المرأة. (¬3) التحدث بالفسوق، وفعل الفاحشة. (¬4) المشي إلى المعصية. (¬5) يميل ويرجو. (¬6) والوقوع في حمأة الزنا، وارتكاب هذه الموبقة من هذا العضو، فهذه أعضاء الجسم تسبب صغائر، ولكن عضوا التناسل إذا حصل منهما التقاء الختانين فقد زنيا. وفي جواهر البخاري شرح القسطلاني: كتب: أي قدر، ونصيبه حظه بما قدره الله عليه (لا محالة) أي لا حيلة له في التخلص من إدراك ما كتب عليه، ولابد له منه فزنا العين النظر بشهوة، وزنا اللسان النطق بما يستلذ به من محادثة ما لا يحل له، قال ابن بطال سمى النظر والنطق زنا لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي. أ. هـ. ص 507، والمراد أن العاقل يحفظ جوارحه من كل صغيرة، ولا يسترسل في مقدمات الفاحشة خشية غواية الشيطان، والوقوع في شركه، وفي الحكم (من العصمة أن لا تجد) وعد الشيخ القسطلاني النظرة، والقبلة، واللمسة، والغمزة من الصغائر في شرح قول ابن عباس رضي الله عنهما (ما رأيت شيئاً أشبه باللمم). (¬7) بمجرد وقوعه على شيء تكرهه حوله ووجهه إلى جهة أخرى. (¬8) رجاء وأمل لأنه مفسد يتتبع الأخطاء.

رواه البيهقي وغيره، ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً، لكن قيل صوابه الوقوف. [حوّاز القلوب]: بفتح الحاء المهملة، وتشديد الواو، وهو ما يحوزها، ويغلب عليها حتى ترتكب ما لايحسن، وقيل: بتخفيف الواو، وتشديد الزاي: جمع حازة، وهي الأمور التي تحزّ في القلوب، وتحك وتؤثر، وتتخالج في القلوب أن تكون معاص، وهذا أشهر. 11 - ورويَ عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَتَغُضُّنَّ (¬1) أبصاركم، وَلتَحْفَظُنَّ فُرُوجكم، أو لَيَكْسِفَنَّ اللهُ وجوهكم" رواه الطبراني. ويل للرجال من النساء وويل للنساء من الرجال 12 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من صباح إلا وَمَلَكَانِ يُنَاديانِ: ويلٌ (¬2) للرجال من النساء، وويلٌ للنساء من الرجال" رواه ابن ماجة، والحاكم وقال صحيح الإسناد. 13 - وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجد إذ دخلت امرأةٌ مِنْ مُزَيْنَةَ تَرْفُلُ في زِينةٍ لها في المسجد، فقال النبي ¬

(¬1) لتمنعن عيونكم أن تنظر إلى محرم، ولتبتعدن عن الفاحشة، وإلا يغير الله معالمكم، ويطمس على قلوبكم ويمسخكم أيها الفسقة العصاة الفجرة، قال تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون" (30 - 31 من سورة النور). (يغضوا) يمنعوا ما يكون نحو محرم (إن الله خبير) لا يخفى عليه إجالة أبصارهم، واستعمال سائر حواسهم، وتحريك جوارحهم، وما يقصدون بها فليكونوا على حذر منه في كل حركة وسكون (يغضضن) فلا ينظرن إلى ما لا يحل لهن النظر إليه من الرجال (ويحفظن فروجهن) بالتستر أو التحفظ عن الزنا وتقديم الغض لأن النظر بريد الزنا (ولا يبدين زينتهن) كالحلي والثياب والأصباغ فضلاً عن مواضعها لمن لا يحل أن تبدى له (إلا ما ظهر منها) عند مزاولة الأشياء كالثياب، والخاتم فغن في سترها حجراً، وقيل المراد بالزينة مواضعها على حذف المواضع أو ما يعم المحاسن الخلقية والتزيينية والمستثنى هو الوجه، والكفان لأنها ليست بعورة والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر، فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة، وتحمل الشهادة (وليضربن بخمرهن) ستراً لأعناقهن (إلا لبعولتهن) فإنهم المقصودون بالزينة، ولهم أن ينظروا إلى جميع بدنهن حتى الفرج يكره. أ. هـ (بيضاوي). (¬2) غواية، وفتن جالبة الدخول في جهنم، وفي الغريب، قال الأصمعي، ويل قبح، وقد يستعمل على التحسر، ومن قال ويل واد في جهنم، فإنه لم يرد أن ويلاً في اللغة هو موضوع لهذا، وإنما أراد من قال الله تعالى ذلك فيه، فقد استحق مقراً من النار وثبت ذلك له "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويلٌ لهم مما يكسبون" أ. هـ.

يا أيها الناس انهوا نساءكم عن لُبْسِ الزينة والتبختر (¬1) في المسجد، فإن بني إسرائيل لم يُلْعَنُوا حتى لَبِسَ نساؤهم الزينة، وتبختروا في المساجد" رواه ابن ماجة. لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان 14 - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والدخول على النساء، فقال رجلٌ من الأنصار: أفرأيت الحَمَ؟ قال: الْحَمَ الموْتُ (¬2) " رواه البخاري ومسلم والترمذي، ثم قال: ومعنى كراهية الدخول على النساء، على نحو ما رويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان (¬3) ". [الحم]: بفتح الحاء المهملة، وتخفيف الميم، وبإثبات الواو أيضاً، وبالهمز أيضاً: هو أبو الزوج، ومن أدلى به كالأخ والعم، وابن العم ونحوهم، وهو المراد هنا، كذا فسره الليث بن سعد وغيره، وأبو المرأة أيضاً، ومن أدلى به، وقيل: بل هو قريب الزوج فقط، وقيل: قريب الزوجة فقط. قال أبو عبيد في معناه: يعني فليمت، ولا يفعلن ذلك، فإذا كان هذا رواية في أب الزوج، وهو محرَم فكيف بالغريب؟ انتهى. 15 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) المشي خيلاء. (¬2) قد يكون الهلاك مع أقارب الزوجة لتيسر وجودهم مع المرأة، والقرابة لا تدعو إلى الاختلاط مع الطمأنينة ويؤتى الحذر من مكمنه، وفي كتابي (مختار الإمام مسلم) فيه تحريم الخلوة بالأجنبية، والحمو أقارب زوج المرأة كأبيه، وعمه، وأخيه، وابن أخيه، وابن عمه، ونحوهم، ومعنى الحمو الموت: أي الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه، والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة، والخلوة من غير أن ينكر عليه، وقد يكون المراد أيضاً بالحمو أقارب الزوج (غير آبائه وأبنائه لأنهم محارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها) مثل الأخ، وابن الأخ، والعم وابنه، ونحوهم. (¬3) يرخي لهما عنان الغواية، ويمشي بينهما بالفساد، ويوسوس ويزين لهم المعصية، ويسول لهما الزنا، اكتب هذا، وبيدي صحيفة الجهاد تنبئ عن حادثة شاب موظف بالمساحة عشق فتاة من سنة، واصطحبا في النزهة، والذهاب إلى الأماكن الخلوية، وفي يوم تغيرت أخلاق الشاب فاختار حبيبة ثانية، ولما رأته الأولى خدعته، وزينت له نزهة في زورق، واختليا على شاطئ النيل، وانتهزت فرصة، وغدرت به، ورمته في النيل، تلك حادثة الخلوة بالأجنبية آخرها دمار وفاحشة، نسأل الله السلامة فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسن قانون السعادة، ومنهج السيادة، ورغد العيش، وطيب السيرة هو عدم الخلوة بالأجنبية مطلقاً.

"لا يخلون أحدكم بامرأةٍ إلا مع ذي مَحْرَمٍ" (¬1) رواه البخاري ومسلم. وتقدم في أحاديث الحمّام حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: "وَمَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينها وبينه مَحْرَمٌ" رواه الطبراني. 16 - وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يُطْعَنَ (¬2) في رأس أحدكم بمخيطٍ من حديد خير له من أن يمس امرأةً لا تحل له" رواه الطبراني والبيهقي، ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح. [المخيط]: بكسر الميم، وفتح الياء: هو ما يخاط به كالإبرة والمسلة، ونحوهما. ما خلا رجلٌ بامرأةٍ إلا ودخل الشيطان بينهما 17 - وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياك والخلوة (¬3) بالنساء، والذي نفسي بيده ما خلا رجلٌ بامرأةٍ إلا ودخل الشيطان بينهما، ولأن يَزْحَمَ رجلٌ خنزيراً مُتلطخاً بطين، أو حَمْأةٍ خيرٌ له مِنْ أن يَزْحَمَ (¬4) منكبهُ منكب (¬5) امرأةٍ لا تحل له" حديث غريب، رواه الطبراني. ¬

(¬1) ذو الحرم من لا يحل له نكاحها من الأقارب كالأب، والابن، والأخ، والعم، ومن يجري مجراهم. أ. هـ (نهاية). (¬2) والله لأن يطعن رأس أحدكم بسلاح حاد أهون عقاباً، وأيسر عذاباً من لمس امرأة أجنبية. (¬3) احذر الخلوة وتجنبها، والجلوس معها منفرداً. (¬4) يدفع من زحمته زحماً من باب نفع: دفعته، وزاحمته مزاحمة وزحاماً، والمعنى القرب من خنزير، ذلك الحيوان القذر أحسن من القرب من المرأة وملامستها. (¬5) منكب الشخص: مجتمع رأس العضد والكتبف: لأنه يعتمد عليه، من نكب عن الطريق: عدل ومال، ونكب على القوم نكابة بالكسر فهو منكب مثل مجلس، وهو عون العريف. أ. هـ. (مصباح). يطلب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن يتجنبوا الخلوة بالسيدات خشية إفساد الشيطان وإضلاله، ورجاء العصمة، والابتعاد عن الغواية، والوقوع في المكاره، ثم يقسم صلى الله عليه وسلم بالقاهر القادر الذي بيده تصاريف الأمور إن خلوة الرجل بالمرأة تجعل للشيطان ميداناً واسعاً يمرح فيه بالتحدث بالوقوع في المعاصي ومقاربة الخنزير أسلم عاقبة من الجلوس بجوار المرأة والاحتكاك بها، لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الحوادث الآن تنبئ بالقتل والانتحار من جراء مزاحمة الأجنبيات، والاختلاط بهن بلا نكاح شرعي، نسأل الله السلامة، قال تعالى: "ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون" (52 من سورة النور)، وقال تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا" (36 من سورة الإسراء)، (ولا تقف) ولا تتبع ما لم يتعلق به علمك تقليداً أو رجماً بالغيب قال البيضاوي: أي كل هذه الأعضاء، فأجراها مجرى العقلاء، لما كانت مسئولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها، وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية. أ. هـ.، وقال تعالى: "اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجهلم بما كانوا يكسبون" (65 من سورة يس)، (نختم) نمنعها عن الكلام (يكسبون) بظهور آثار المعاصي عليها ودلالتها على أفعالها أو إنطاق الله إياها.

الترغيب في النكاح سيما بذات الدين الولود

[الحمأة] بفتح الحاء المهملة، وسكون الميم بعدها همزة، وتاء تأنيث: هو الطين الأسود المنتن. الترغيب في النكاح سيما بذات الدين الولود 1 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب (¬1) من استطاع منكم الباءة (¬2) فليتزوج فإنه أغض للبصر (¬3) وأحصن للفرج (¬4)، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاءٌ (¬5) " رواه البخاري ومسلم واللفظ لهما، وأبو داود والترمذي والنسائي. 2 - وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أراد أن يَلْقَى الله طاهراً مطهراً فليتزوج الحرائر" رواه ابن ماجة. 3 - وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ من سُنن المرسلين: الحناء، والتعطرُ، والسواك، والنكاح (¬6) " وقال بعض الرواة: الحياء بالياء، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. ¬

(¬1) يا طائفة الشبان أصحاب القوة والفتوة، وأصله الحركة والنشاط، قال النووي: والشاب عند أصحابنا هو من بلغ، ولم يجاوز ثلاثين سنة. أ. هـ. وإنما خص الشباب لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيوخ. (¬2) الجماع لغة، واستعمل لعقد النكاح، وقال الجوهري: الباءة مثل الباعة، ومنه سمي النكاح باء وباهاً لأن الرجل يتبوأ من أهله: أي يستمكن منها كما يتبوأ من داره. (¬3) أحفظ للنظر أن يرى محارم. (¬4) وأمنع من الزنا. (¬5) قاطع للشهوة، وأصله رض الخصيتين، وفي العيني أغض: أي أشد غضاً، وأحصن: أي أشد إحصاناً له، ومنعاً من الوقوع في الفاحشة. قال النووي: معناه من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤونته، وهي مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليقطع شهوته، ويقطع شر منيه كما يقطع الوجاء، وعلى هذا القول، وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء، ولا ينفكون عنها غالباً، والقول الثاني أن المراد هنا بالباءة: مؤن النكاح، سميت باسم ما يلازمها، وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع فلعيه بالصوم، قالوا: والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة بالمؤن. أ. هـ (ص 67 جـ 2 عيني). وفي باب الترغيب في النكاح في البخاري، أورد قوله تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء" أمر يقتضي الطلب، وأقل درجاته الندب. (¬6) استعمال أربعة: النبت للصبغة المسمى الحناء، والطيب بالرائحة الزكية، وعود الأراك، والزواج، يحافظ على هؤلاء الأنبياء، والمرسلون، والأولياء، والصالحون، ومن ينهج منهجهم هذا إلى فوائدهم الجليلة في الحياة.

الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة 4 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدنيا متاعٌ، وخير متاعها المرأة الصالحة" رواه مسلم والنسائي وابن ماجة، ولفظه قال: إنما الدنيا متاعٌ، وليس من متاع الدنيا شيئ أفضل من المرأة الصالحة. 5 - وعنه رضي اله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدنيا متاعٌ، ومن خير متاعها امرأةٌ تُعينُ زوجها على الآخرة، مسكينٌ مسكينٌ رجلٌ لا امرأةٌ له، مسكينةٌ مسكينةٌ امرأةٌ لا زوج لها" ذكره رُزين، ولم أره في شيء من أصوله، وشطره الأخير منكر. 6 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراً له من زوجةٍ صالحةٍ إن أمرها أطاعتهُ، وإن نظر إليها سرَّتْهُ، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله" رواه ابن ماجة عن علي بن يزيد عن القاسم عنه. 7 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربعٌ من أعْطِيَهُنَّ، فقد أُعْطِيَ خير الدنيا والآخرة: قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وبدناً على البلاء صابراً وزوجةً لا تبغيه حَوْباً في نفسها وماله" رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناد أحدهما جيد. [الحوب] بفتح الحاء المهملة، وتضم: هو الإثم. 8 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: "لما نَزَلَتْ: والذين يكنزون الذهب والفضة. قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه: أُنْزِلَتْ في الذهب والفضة لو علمنا أيُّ المال خيرٌ فنتخذه؟ فقال: أفضلهُ لسانٌ ذاكرٌ، وقلبٌ شاكرٌ، وزوجةٌ مؤمنةٌ تُعينهُ على إيمانه" رواه ابن ماجة، والترمذي وقال: حديث حسن، سألت محمد بن إسماعيل، يعني البخاري، فقلت له: سالم بن أبي الجعد سمع من ثوبان؟ فقال: لا. 9 - وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده رضي الله عنهما

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِنْ سعادة (¬1) ابن آدم ثلاثةٌ: وَمِنْ شقاوةِ ابن آدم ثلاثةٌ: مِنْ سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة (¬2)، والمسكن الصالح (¬3)، والمركب الصالحُ (¬4). ومن شقاوة ابن آدم: المرأة السوء (¬5)، والمسكن السوء، والمركب السوء" رواه أحمد بإسناد صحيح، والطبراني والبزار، والحاكم وصححه إلا أنه قال: والمسكن الضيق، وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: أربعٌ من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجارُ الصالح، والمركب الهنئ، وأربعٌ من الشقاء: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق. من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة 10 - وعن محمد بن سعيد، يعني ابن أبي وقاصٍ عن أبيه أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ من السعادة: المرأة الصالحة تراها تُعجبكَ (¬6) وتغيبُ فتأمنها على نفسها (¬7) وَمَالِكَ، والدابةُ تكون وطيئةً (¬8) فَتُلْحِقُكَ بأصحابك، والدار تكون واسعةً كثيرة المرافق، وثلاثٌ من الشقاء: المرأة تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومَالِكَ، والدابة تكون قَطُوفاً، وفإن ضربتها أتعبتكَ، وإن تركتها لم تُلْحِقْكَ بأصحابك، والدار تكون ضيقةً قليلة المرافق" رواه الحاكم، وقال: تفرد به محمد، يعني ابن بكير الحضرمي، فإن كان حفظه بإسناده على شرطهما. [قال الحافظ] محمد: هذا صدوق، وثقة غير واحد. 11 - وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ رزقهُ الله امرأة صالحةً، فقد أعانهُ على شطرِ (¬9) دينه، فليتق الله في الشطر الباقي" رواه الطبراني في الأوسط والحاكم، ومن طريقه البيهقي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وفي رواية البيهقي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتقِ الله في النصف الباقي". ¬

(¬1) رغد عيشه، وانشراح صدره وراحة باله. (¬2) التقية الطاهرة العفيفة. (¬3) الواسع النظيف. (¬4) الذلول. (¬5) الصَّخّابة الشتامة قليلة الأدب والحياء. (¬6) تفرح بها. (¬7) تحفظ عرضها ومال زوجها. (¬8) ذلول سريعة السير. (¬9) نصفه للعفاف، والإعانة على التقوى، والاستقامة والمقيم لدين المرء فرجه وبطنه.

12 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب (¬1) الذي يريد الأداء، والناكحُ الذي يريد العفافُ (¬2) ". رواه الترمذي واللفظ له، وقال حديث حسن صحيح، وابن حبان له في صحيحه، والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم. من كان موسراً لأن ينكح، ثم لم ينكح فليس مني 13 - وعن أبي نُجَيْحٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان موسراً لأن ينكح، ثم لم ينكح فليس مني (¬3) " رواه الطبراني بإسناد حسن، والبيهقي، وهو مرسل، واسم أبي نجيح يسار بالياء المثناة تحت، وهو والد عبد الله بن أبي نجيح المكي. 14 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جاء رهطٌ (¬4) إلى ببوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم: فلما أُخْبِرُوا كأنهم تقالوها (¬5)، فقالوا: وأين نحنُ من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدَّمَ من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أُصلي الليل (¬6) أبداً، وقال آخرُ: أنا أصوم الدهر (¬7) ولا أفطر أبداً، وقال آخرُ: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: أنتم القوم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما (¬8) والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له (¬9) لكني: أصوم، وأفطر، وأُصلي، وأرقدُ ¬

(¬1) الذي يتفق مع سيده على دفع مبلغ كذا فيعتق. (¬2) الذي يريد الزواج. (¬3) أي من قدر على الزواج، ووجدت عنده المؤن وما يكفيها، ولم يتزوج فليس على طريقتي، وليس هو متبعاً سنتي، ففيه الترغيب في الزواج رجاء البر، وزيادة الرزق، والإعانة على طاعة الله، ووجود النسل. (¬4) الرهط من ثلاثة إلى عشرة، ومن رواية عبد الرزاق أن الثلاثة هم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعثمان بن مظعون. (¬5) عدوها قليلة. (¬6) أتهجد. (¬7) أي بالنهار سوى أيام العيد، وأيام التشريق، ظن أولئك رضي الله عنهم أن العبادة اجتهاد، وتفان وكثرة عمل مع مشقة، فأفهمهم الحكيم المربي، والقائد الماهر أن العبادة إخلاص لله وحده مع أخذ راحة الجسم وملذته في الحلال، والتمتع بالطيبات في حدود الشرع. (¬8) أما بتخفيف الميم حرف تنبيه. (¬9) يعني أكثر خشية، وأشد تقوى، وفي العيني: وفيه رد لما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره، فأعلمهم أنه مع كونه يشدد في العبادة غاية الشدة أخشى لله، وأتقى من الذين يشددون. أ. هـ (ص 65 جـ 2 عيني).

وأتزوج النساء، فمن رغب (¬1) عن سُنتي، فليس (¬2) مني" رواه البخاري، واللفظ له ومسلم وغيرهما. 15 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُنْكَحُ المرأة (¬3) على إحد خِصَالٍ لجمالها، وَمَالِهَا، وَخُلُقِهَا، وَدِينِهَا، فعليك بذات الدين (¬4)، والخلق تربت يمينك" رواه أحمد بإسناد صحيح والبزار وأبو يعلى، وابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) أعرض عنها. (¬2) أي ليس متصلاً بي قريباً مني، وفيه أن النكاح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وزعم المهلب أنه من سنن الإسلام، وأنه لا رهبانية فيه، وأنه من تركه راغباً عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مذموم مبتدع، ومن تركه من أجل أنه أرفق له، وأعون على العبادة فلا ملامة عليه، وعند أكثر العلماء أنه مندوب. أ. هـ (عيني)، وقال الشافعي: النكاح معاملة، فلا فضل لها على العبادة. أ. هـ، وقال أبو حنيفة: يجوز النكاح مع الإعسار، ولا ينتظر به حالة الثروة. أ. هـ، قال الله تعالى: "إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله"، وفي العيني: النكاح لم يفضل على التخلي للعبادة بصورته، وإنما تميز عنه بمعناه في تحصين النفس، وبقاء الولد الصالح وتحقيق المنة في النسب، والصهر، فقضاء الشهوة في النكاح ليس مقصوداً في ذاته، وإنما أكد النكاح بالأمر قولاً وأكده بخلق الشهوة خلقة حتى يكون ذلك أدعى للوفاء بمصالحه، والتيسير بمقاصده. أ .. هـ، وقال ابن حجر في الفتح: والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة، وإعفاف النفس، وتكثير النسل، وقوله: فليس مني إن كانت الرغبة بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه، فمعنى فليس مني: أي على طريقتي، ولا يلزم أن يخرج عن الملة، وإن كان إعراضاً وتنطعاً يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، فمعنى فليس مني: ليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر، وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه، وفيه تتبع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم، وأنه إذا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه من النساء، وأن من عزم على عمل بر واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعاً، وفيه تقديم الحمد والثناء على الله عند إلقاء مسائل العلم، وبيان الأحكام للمكلفين، وإزالة الشبهة عن المجتهدين، وأن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب، وقال الطبري: فيه الرد على من منع استعمال الحلال من الأطعمة والملابس، وآثر غليظ الثياب وخشن المأكل. أ. هـ، قال تعالى: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" والحق أن ملازمة استعمال الطيبات تفضي إلى الترفه والبطر، ولا يأمن من الوقوع في الشبهات كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها، وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلاً، وترك التنفل يفضي إلى إيثار البطالة، وعدم النشاط إلى العبادة، وخير الأمور الوسط (إني لأخشاكم لله) إشارة إلى أن العلم بالله، ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدراً من مجرد العبادة البدنية، والله أعلم. أ. هـ. (ص 84 جـ 9). (¬3) تتزوج. (¬4) المتصفة بالاستقامة ومكارم الأخلاق.

تنكح المرأة لأربع ... إلخ 16 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تُنْكَحُ المرأة لأربعٍ (¬1) لِمَالِها (¬2) وَلِحَسَبِها (¬3)، ولجمالها (¬4)، ولدينها (¬5)، فاظفر بذات الدين تربت يداك (¬6) " رواه البخاري ومسلم، وأبو دواد والنسائي وابن ماجة. [تربت يداك]: كلمة معناها الحث والتحريض، وقيل: هي هنا دعاء عليه بالفقر، وقيل: بكثرة المال، واللفظ مشترك بينهما قابل لكل منهما، والآخر هنا أظهر، ومعناه اظفر بذات الدين، ولا تلتفت إلى المال، أكثر الله مالك، وروى الأول عن الزهري، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال له ذلك لأنه رأى الفقر خيراً له من الغنى، والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم. ¬

(¬1) لأربع خصال. (¬2) لوجود مال عندها فيستفيد الزوج منه، قال في العيني: لأنها إذا كانت صاحبة مال لا تلزم زوجها بما لا يطيق، ولا تكلفه في الإنفاق وغيره، وقال المهلب: هذا دال على أن للزوج الاستمتاع بمالها، فإنه يقصد لذلك فإن طابت به نفساً فهو له حلال، وإن منعته، فإنما له من ذلك بقدر ما بذل من الصداق. أ. هـ. (¬3) هو إخبار عن عادة الناس في ذلك، والحسب ما يعده الناس من مفاخر الآباء، ويقال الحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب، ويقال الفعال الحسنة. (¬4) لأن الجمال مطلوب في كل شيء، ولاسيما في المرأة التي تكون قرينته وضجيعته. (¬5) لاستقامتها وتعلقها بعمل الشرع، ولأن بالدين يحصل خير الدنيا والآخرة، واللائق بأرباب الديانات، وذوي المروءات أن يكون الدين مطمح نظرهم في كل شيء، ولاسيما فيما يدوم أمره، ولذلك اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم بآكد وجه وأبلغه فأمره بالظفر الذي هو غاية البغية. وقال الكرماني: فاظفر جزاء شرط محذوف: أي إذا تحققت تفضيلها فاظفر أيها المسترشد بها. وقال القرطبي: هذه الخصال ترغب في النكاح، وظاهره إباحة النكاح لقصدكن من ذلك لكن قصد الدين أولى، ولا يظن أن هذه الأربع تؤخذ منها الكفاءة. أ. هـ، وقال المهلب: الأكفاء في الدين هم المتشاكلون، وإن كان في النسب تفاضل بين الناس، وقد نسخ الله ما كانت تحكم به العرب في الجاهلية من شرف الأنساب بشرف الصلاح في الدين، فقال تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وقال مالك: "الأكفاء في الدين دون غيره، والمسلمون أكفاء بعضهم لبعض، فيجوز أن يتزوج العربي والمولى القرشية، وعزم عمر رضي الله عنه أن يزوج ابنته من سلمان رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: "يا بني بياضة أنكحوا أبا هند. فقالوا يا رسول الله أنزوج بناتنا من موالينا؟ فنزلت "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" الآية، رواه أبو داود، وقال أبو حنيفة: قريش كلهم أكفاء بعضهم لبعض، ولا يكون أحد من العرب كفؤاً لقرشي، ولا أحد من الموالي كفؤاً للعرب، ولا يكون كفؤاً من لا يجد المهر والنفقة، وفي التلويح احتج له بما رواه نافع من مولاه مرفوعاً (قريش بعضها لبعض أكفاء إلا حائك أو حجام) وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له يا علي ثلاث لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤاً، رواه الترمذي. أ. هـ (ص 87 جـ 3، وكذا فتح ص 106، جـ 9 ملخصاً). (¬6) في رواية: يمينك.

17 - وروي عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من تزوج امرأةً لِعِزِّهَا لم يزده الله إلا ذُلاً، ومن تزوجها لِمَالِهَا لم يزده الله إلا فقراً، ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة لم يُرِدْ بها إلا أن يَغُضَّ بصره ويُحصِّنَ فرْجَهُ أو يصل رحمهُ بارك الله له فيها وبارك لها فيه (¬1) " رواه الطبراني في الأوسط. 18 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزوجوا النساء لِحُسْنِهِنَّ فعسى حُسْنُهُنَّ أن يُرْدِيَهُنَّ (¬2)، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تُطغيهنَّ (¬3)، ولكن تزوجوهن على الدِّينِ، ولأمَةٌ خَرْمَاءُ (¬4) سوداء ذات دِينٍ أفضل" رواه ابن ماجة من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم. تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم 19 - وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إني أصبتُ امرأةً ذات حَسَبٍ (¬5) ومَنْصَبٍ (¬6) ومَالٍ (¬7) إلا أنها لا تلدُ أفأتزوجها؟ فنهاهُ، ثم أتاه الثانية فقال له: مثل ذلك، ثم أتاه الثالثة فقال له: تزوجود الودود (¬8) الولود (¬9)، فإني مكاثرٌ بكم الأمم" رواه أبو داود ¬

(¬1) يبين صلى الله عليه وسلم للمسلمين أن يتحروا الزوجة التقية النقية الطاهرة ذات الدين فطالب الزوجة لعزها أذله الله وأحوجه إليها، وكذا طالب المال افتقر لمالها، واحتاج إليه وذهب بهاؤه، وقلت هيبته، وكذا طالب الحسب، أهين، وضعف واحتقر، إنما الأفضل لطالب العيش الرغد، والحياة الزوجية السعيدة أن يطلب زوجة تزيده حصانة وورعاً، وتبعده عن المحارم والميل إلى الدنايا والتبرج، وتعينه على بر أقاربه، وصلة أهله ومودة رحمه ليضع الله البركة، ويزيد في النعم، ويكثر نسلها، ويمد بإحسانه وإنعامه. (¬2) يوقعهن موقع الهلكة. (¬3) تزيدهن تجبراً، وتكبراً، وطغياناً، وفسوقاً. (¬4) مقتطعة الأطراف، من خرمت الشيء خرماً: ثقبته، وخرمته قطعته فانخرم، وفي النهاية رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقة خرماء، أصل الخرم الثقب والشق، والأخرم المثقوب الأذن، والذي قطعت وترة أنفه، أو طرفه شيئاً لا يبلغ الجدع، وقد انخرم ثقبه: أي انشق، فإذا لم ينشق، فهو أخزم والأنثى خزماء. أ. هـ. (¬5) شرف. (¬6) درجة. (¬7) ثروة. (¬8) كثيرة المحبة، فعول من الود: المحبة يقال: وددت الرجل أوده وداً: أحببته، والودود اسم من أسماء الله تعالى، فهو سبحانه مودود: أي محبوب في قلوب أوليائه، أو فعول بمعنى فاعل: أي سبحانه يحب عباده الصالحين بمعنى أنه يرضى عنهم، كذلك الزوجة ودود: خالصة الحب، والعطف، والرأفة. (¬9) كثيرة الولادة منتجة مثمرة تلد له بنين وبنات ليحيا ذكره، ويبقى أثره. قال الغزالي: اختلف العلماء في فضل النكاح فبالغ بعضهم فيه حتى زعم أنه أفضل من التخلي لعبادة الله تعالى واعترف آخرون بفضله، ولكن قدموا عليه التخلي لعبادة الله مهما لم تتق النفس إلى النكاح توقاناً يشوش الحال، ويدعو إلى الوقاع، وقال آخرون: الأفضل تركه في زماننا هذا، وقد كان فضيلة من قبل إذا لم تكن إلا كساب محظورة، وأخلاق النساء مذمومة. أ. هـ ص 20 جـ 2. =

والنسائي، والحاكم واللفظ له وقال: صحيح الإسناد. ¬

= الآيات القرآنية في الترغيب في النكاح (أ) قال الله تعالى: "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله" (32 من سورة النور) وهذا أمر. (ب) وقال تعالى: "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن" (232 من سورة البقرة)، وهذا منع من العضل، ونهي عنه. (جـ) وقال تعالى في وصف الرسل ومدحهم "ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلناهم أزواجاً وذرية" (38 من سورة الرعد، فذكر ذلك في معرض الامتنان، وإظهار الفضل. (د) وقال اتعالى: "والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما" (74 من سورة الفرقان)، سبحانه مدح أولياءه بسؤال ذلك في الدعاء، ويقال إن الله تعالى لم يذكر في كتابه من الأنبياء إلا المتأهلين، فقالوا إن يحيى صلى الله عليه وسلم قد تزوج ولم يجامع، قيل إنما فعل ذلك لنيل الفضل، وإقامة السنة، وقيل لغض البصر، وأما عيسى عليه السلام، فإنه سينكح إذا نزل الأرض ويولد له. أ. هـ. (غزالي). فوائد النكاح وآفاته الناجمة من الانحراف عن جادة الصواب: أولاً: الولد لأنه المقصود بهذا العقد الشرعي والتمتع البهيمي، وفي التوسل إلى الولد قربة، فلا يحب الصالح أن يلقى الله عزباً وتلبية الأمر بالزواج كما قال الغزالي: (أ) موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان. (ب) محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكثير من به مباهاته. (جـ) طلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده. (د) طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله. ثانياً: التحصن عن الشيطان، وكسر التوقان، ودفع غوائل الشهوة، وغض البصر، وحفظ الفرج. ثالثاً: ترويح النفس، وإيناسها بالمجالسة، والنظر، والملاعبة إراحة للقلب، وتقوية له على العبادة، فإن النفس ملول، وهي عن الحق نفور، قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" (21 من سورة الروم)، (لتسكنوا) لتميلوا إليها وتألفوا بها، فإن الجنسية علة للضم، والاختلاف سبب التنافر (بينكم) بين الرجال والنساء بسبب الزواج حال الشبق والتعارف والتواد والتراحم، وقيل مودة كناية عن الجماع، ورحمة الولد. أ. هـ. رابعاً: تفريغ القلب عن تدبير المنزل، والتكفل بشغل الطبخ، والكنس، والفرش، وتنظيف الأواني وتهيئة أسباب المعيشة، ولولا شهوة الوقاع لتعذر على الإنسان العيش في منزله وحده. وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: الزوجة الصالحة ليست من الدنيا، فإنها تفرغك للآخرة، وإنما تفريغها بتدبير المنزل، وبقضاء الشهوة جميعاً، وقال محمد بن كعب القرظي: في معنى قوله تعالى: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة" قال المرأة الصالحة. خامساً: مجاهدة النفس، ورياضتها بالرعاية والولاية، والقيام بحقوق الأهل، والصبر على أخلاقهن، واحتمال الأذى منهن، والسعي في إصلاحهن وإرشادهن إلى طريق الدين، والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن والقيام بتربيته لأولاده، قال عليه الصلاة والسلام: "يوم من وال عادل أفضل عند الله من سبعين سنة" فمقاساة =

ترغيب الزوج في الوفاء بحق زوجته وحسن عشرتها، والمرأة بحق زوجها وطاعته وترهيبها من إسقاطه ومخالفته

ترغيب الزوج في الوفاء بحق زوجته، وحسن عشرتها والمرأة بحق زوجها وطاعته، وترهيبها من إسقاطه ومخالفته 1 - [قال الحافظ]: قد تقدم في باب الترهيب من الدين ميمون عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما (¬1) رجلٍ تزوج (¬2) امرأةً على ما قلَّ من المهرِ، أو كَثُرَ ليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها خدعها (¬3)، فمات ولم يؤدِّ إليها حقها لقي الله يوم القيامة وهو زان (¬4) الحديث" وتقدم في معناه أيضاً حديث أبي هريرة، وحديث صهيب الخير. كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راعٍ (¬5) ومسئول عن رعيته، الإمامُ راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجلُ ¬

= الأهل، والولد بمنزلة الجهاد في سبيل الله تعالى، ولذلك قال بشر: فضل على أحمد بن حنبل بثلاث: بطلب الحلال لنفسه ولغيره، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما أنفقه الرجل على أهله فهو صدقة، وإن الرجل ليؤجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته". وآفات النكاح: أولاً: العجز عن طلب الحلال خشية التوسع للطلب والإطعام من الحرام، وربما يتبع المتزوج هوى زوجته، ويبيع آخرته بدنياه. ثانياً: القصور عن القيام بحقهن، والصبر على أخلاقهن، واحتمال الأذى منهن، وفي هذا خطر لأنه راع ومسئول عن رعيته، قال عليه الصلاة والسلام: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول".، وقال تعالى: "قوا أنفسكم وأهليكم ناراً" أمرنا أن نقيهم النار كما نقي أنفسنا. ثالثاً: أن يكون الأهل والولد شاغلاً له عن الله تعالى، وجاذباً إلى طلب الدنيا، وحسن تدبير المعيشة للأولاد بكثرة جمع المال، وادخاره لهم، وطلب التفاخر والتكاثر بهم، وكل ما شغل عن الله من أهل ومال وولد فهو مشئوم على صاحبه فينقل من التنعم المباح إلى الإغراق في ملاعبة النساء، ومؤانستهن والإمعان في التمتع بهن، قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: (من تعود أفخاذ النساء لم يجئ منه شيء) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلو درجته لا يمنعه أمر هذا العالم عن حضور القلب مع الله تعالى فكان ينزل عليه الوحي، وهو في فراش امرأته، من حديث أنس: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة. أ. هـ (ص 33 جـ 2 إحياء). (¬1) أي رجل. (¬2) عقد عليها عقد نكاح شرعي، واتفق على مهر، وفي نيته عدم دفعه. (¬3) خانها. (¬4) فاسق. (¬5) قائم بحقوق من ولى أمره، قال في العيني: المعاني مختلفة، فرعاية الإمام إقامة الحدود والأحكام فيهم على سنن الشرع، ورعاية الرجل أهله سياسته لأمرهم، وتوفية حقهم في النفقة والكسوة والعشرةن ورعاية المرأة حسن التدبير في بيت زوجها، والنصح له، والأمانة في ماله، وفي نفسها، ورعاية الخادم لسيده حفظ =

راعٍ في أهله ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادمُ راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته" رواه البخاري ومسلم. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكملُ المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً وخياركم خياركم (¬1) لنسائهم" رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 4 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً وألطفهم بأهله (¬2) " رواه الترمذي، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما كذا قال: وقال الترمذي: حديث حسن، ولا نعرف لأبي قلابة سماعاً من عائشة. 5 - وعن عائشة أيضاً رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي (¬3) " رواه ابن حبان في صحيحه. 6 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" رواه ابن ماجة، والحاكم إلا أنه قال: خيركم خيركم للنساء (¬4)، وقال صحيح الإسناد. 7 - وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المرأة خُلقت من ضلعٍ، فإن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها" رواه ابن حبان في صحيحه. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

= ما في يده من ماله، والقيام بما يستحق من خدمته، والرجل الذي ليس بإمام ولا له أهل ولا خادم يراعي أصحابه، وأصدقاءه بحسن المعاشرة على منهج الصواب. أ. هـ. (ص 190 جـ 6). (¬1) أفضل المسلمين: المحسنون إلى أزواجهم. (¬2) أكثر لطفاً، وحسن معاشرة، وطيب أخلاق بمن يقرب إليك، ويتصل بك. (¬3) براً ونفعاً، فأنا أفضلكم. (¬4) السهل الخلق السياسي الماهر الذي يفرح النساء ويرأف بهن.

"استوصوا (¬1) بالنساء، فإن المرأة خُلقت من ضلعٍ (¬2)، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه (¬3) فإن ذهبت تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ (¬4)، وإن تركتهُ لم يزل أعوجَ فاستوصوا بالنساء" رواه البخاري ومسلم وغيره. وفي رواية لمسلمٍ: "إن المرأة خُلِقتْ من ضلعٍ لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها، استمتعت بها وفيه عِوَجٌ (¬5)، وإن ذهبت تُقِيمُها كسرتها، وكَسْرُهَا طلاقها". [الضلع]: بكسر الضاد، وفتح اللام، وبسكونها أيضاً، والفتح أفصح. [والعوج]: بكسر العين، وفتح الواو، وقيل: إذا كان فيما هو منتصب كالحائط والعصا، قيل فيه: عوج بفتح العين والواو، وفي غير المنتصب كالدين والخلق والأرض ونحو ذلك، يقال فيه عوج بكسر العين وفتح الواو، قال ابن السكّيت. 9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَفْرَكْ مُؤمنٌ مؤمنةً إن كَرِهَ منها خُلقاً رضي منها آخر (¬6) "، وقال غيره: رواه مسلم. [يفرك]: بسكون الفاء، وفتح الياء، والراء أيضاً وضمها شاذ: أي يبغض. ¬

(¬1) أورد هذا البخاري في باب المداراة مع النساء بمعنى المجاملة والملاينة. (¬2) عن ابن عباس: أن حواء خلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم، فكأن المعنى أن النساء خلقن من أصل خلق من شيء معوج، مثل تشبه المرأة بالضلع، ونكتة التشبيه أنها عوجاء مثله لكون أصلها منه. (¬3) إشارة على أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن، ويحتمل أن يكون ضرب ذلك مثلاً لأعلى المرأة لأن أعلاها رأسها، وفيه لسانها، وهو الذي يحصل منه الأذى، واستعمال أعوج، وإن كان من العيوب لأنه أفعل للصفة، أو أنه شاذ، وإنما يمتنع عند الالتباس بالصفة، فإذا تميز عنه بالقرينة جاز البناء. أ. هـ (فتح ص 201 جـ 9). (¬4) الضمير للضلع، ويحتمل أن يكون للمرأة، وكسره طلاقها. (¬5) كأن فيه رمزاً إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر، ولا يتركه فيستمر على عوجه، فلا يتركها على اعوجاجها، ويقوم طباعها الناقصة، ويرشدها إلى الواجب لتتحلى به، ويبعدها من المعاصي قسراً كرهاً، قال تعالى: "قوا أنفسكم وأهليكم ناراً" فيا أيها الأزواج: لم هذا التراخي! تركتم الحبل على غاربه، وغرتكم المدنية الكاذبة فغفلتم عن رعاية الزوجة، وتشذيب أغصانها كالبستاني اليقظ النشيط، قال في الفتح: وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس، وتألف القلوب، وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن، والصبر على عوجهن، وأن من رام تقويمهن، فإنه الانتفاع بهن، مع أنه لا غنى للإنسان عن المرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه، فكأنه قال الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها. أ. هـ (ص 202 جـ 9). (¬6) المعنى لا يكره الزوج زوجته الصالحة الطائعة، فإن لها محامد ومساوئ ولتضيع أخلاقها الحسنة شذوذها أحياناً، فلكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة، ولبشار بن برد في المعاشرة: =

ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم 10 - وعن معاوية بن حَيْدَةَ رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: إن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حق المرأة على الزوج، فذكره. [لا تقبح] بتشديد الباء: أي لا تسمعها المكروه، ولا تشتمها، ولا تقل قبحك الله، ونحو ذلك. 11 - وعن عمرو بن الأحْوَصِ الجُشَمِيِّ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وذكر ووعظ، ثم قال: ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوانٌ عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشةٍ (¬1) مُبينةٍ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرحٍ (¬2)، فإن أطعنكم فلا تبغوا (¬3) عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فحقكم عليهن أن لا يوطئن فُرشكم (¬4) من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن (¬5) " رواه ابن ماجة والترمذي، وقال: حديث ¬

= إذا كنت في كل الأمور معاتباً (1) ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه فعش واحداً أو صل أخاك فإنه ... مقارف (2) ذنب مرة ومجانبه إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى (3) ... ظمئت (4) وأي الناس تصفو مشاربه ومن ذا الذي ترضى سجاياه (5) كلها ... كفى المرء نبلاً (6) أن تعد معايبه (¬1) معصية ثابتة بيقين بعيدة عن التهم الكاذبة. (¬2) غير مهلك لم يؤذ بكسر. (¬3) فلا تطلبوا غير الطاعة طريقاً. (¬4) لا يكون الفراش لأجنبي وطاء سهلاً يتمتع بلذته. (¬5) القيام بالكسوة والإطعام: أي الغداء، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً" (19 من سورة النساء). (بفاحشة مبينة) كالنشوز وسوء العشرة، وعدم التعفف (بالمعروف) بالإنصاف في الفعل، والإجمال في القول، فلا تفارقوهن لكراهة النفس، فإنها قد تكره ما هو أصلح ديناً، وأكثر خيراً، وقد تحب ما هو بخلافه، وليكن نظركم إلى ما هو اصلح للدين، وأدنى إلى الخير، وعسى في الأصل علة الجزاء فأقيم مقامه؛ والمعنى فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" أ. هـ (بيضاوي). =

حسن صحيح. [عوان] بفتح العين المهملة، وتخفيف الواو: أي أسيرات. 12 - وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأةٍ ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة (¬1) " رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه، والحاكم كلهم عن مساور الحميري عن أمه عنها، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 13 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها، وحصَّنَتْ (¬2) فرجها، وأطاعت بعلها (¬3) دخلت من أي أبواب الجنة شاءت" رواه ابن حبان في صحيحه. 14 - وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت" رواه أحمد والطبراني، ورواه أحمد ورواته رواة الصحيح خلا ابن لهيعة، وحديثه حسن في المتابعات. أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة 15 - وعن حُصين بن محصن رضي الله عنه أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: "أذاتُ (¬4) زوجٍ أنت؟ قالت: نعم. قال: فأين أنت منه؟ قالت: ما آلوهُ إلا ما عجزتُ عنه. قال: فكيف (¬5) أنتِ له؟ فإنه جنَّتُكِ وناركِ" رواه ¬

= وقال تعالى: "فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، إن الله كان علياً كبيراً" (34 من سورة النساء)، (قانتات) مطيعات لله قائمات بحقوق الأزواج (حافظات) لمواجب الغيب: أي يحفظن في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النفس والمال (نشوزهن) عصيانهن وترفعهن عن مطاوعة الأزواج من النشز (واهجروهن) في المراقد، فلا تدخلوهن تحت اللحف، أو لا تباشروهن فيكون كناية عن الجماع، وقيل المضاجع المبايت: أي لا تبايتوهن فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولا شائن، ويبغي أن يتدرج في هذه الأمور الثلاثة (فلا تبغوا) بالتوبيخ والإيذاء، والمعنى فأزيلوا عنهن التعرض، واجعلوا ما كان منهن كأنه لم يكن، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له (عليا) سبحانه له العلو فاحذروه، فإنه أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم، ويتجاوز عن سيئاتكم ويتوب عليكم، فأنتم أحق بالعفو عن أزواجكم، أو أنه يتعالى ويتكبر أن يظلم أحداً أو ينقص حقاً. أ. هـ (بيضاوي). (¬1) فيه الحث على إرضاء الزوج وطاعته والإخلاص له رجاء كسب نعيم الله ورضوانه. (¬2) امتنعت عن الفاحشة. (¬3) زوجها. (¬4) هل أنت متزوجة؟ فأجابت نعم، فسأل عن حالها معه، فقالت: لا أقصر عن شيء أقدر عليه، يقال ما آلوه: ما أستطيعه: أي أطيعه، وأقدم كل شيء إلا إذا عجزت عنه. (¬5) فكيف؛ كذا (ط وع ص 9) وفي (ن د) كيف: أي على أي حال تمشين معه؟ فإنه سبب دخولك الجنة أو النار، فعليك بطاعته عسى أن تحظي رضا الله تعالى.

أحمد والنسائي بإسنادين جيدين، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 16 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أعظمُ حقاً على المرأة؟ قال: زوجها. قلت: فأيُّ الناس أعظم حقاً على الرجل (¬1)؟ قال أمُّهُ" رواه البزار والحاكم، وإسناد البزار حسن. 17 - وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قالك: "جاءت امرأةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! أنا وافدةُ النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أُجِرُوا، وإن قُتِلُوا كانوا أحياءً عند ربهم يُرزقون، ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج، واعترافاً بحقه يَعْدِلُ (¬2) ذلك، وقليلٌ منكنَّ من يفعله (¬3) " رواه البزار هكذا مختصراً، والطبراني في حديث قال في آخره: "ثم جاءته يعني النبي صلى الله عليه وسلم امرأةٌ فقالت: إني رسول النساء إليك، وما منهن امرأةٌ علمت، أو لم تعلم إلا وهي تهوى مَخْرَجي إليك، الله رب الرجال والنساء وإلهُهُنَّ، وأنت رسول الله إلى الرجال والنساء، كتب الله الجهاد على الرجال، فإن أصابوا أُجِرُوا وإن استشهدوا كانوا أحياءً عند ربهم يرزقون، فما يَعْدِلُ ذلك من أعمالهم من الطاعة؟ قال: طاعة أزواجهن، والمعرفةُ بحقوقهن، وقليلٌ منكنَّ من يفعله". 18 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ بابنته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنتي هذه أبَتْ (¬4) أن تتزوج، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطيعي أباكِ، فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تُخبرني ما حق الزوج على زوجته؟ قال: حق الزوج على زوجته لو كانت به قَرْحَةٌ (¬5) فلحستها، أو انتثر مِنْخَرَاهُ صَديداً أو دماً ثم ابتلعته ما أدت حقهُ. قالت: ¬

(¬1) في (ن د) الوالد: فتجد حق الزوج واجباً على زوجه كذا حق الأم على ابنها. (¬2) يساوي الجهاد في سبيل الله تعالى. (¬3) من يقوم بحق الزوج. (¬4) امتنعت. (¬5) جرح دمي، المعنى أنها تخلص له في محبته حتى إذا مرض أو قذر لا تتقزز ولا تتأفف ولا تتألم رجاء أن تفي بواجبه وتقوم به خير قيام.

والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنكحوهن إلا بإذنهن" رواه البزار بإسناد جيد، رواته ثقات مشهورون، وابن حبان في صحيحه. 19 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "أنا فلانة بنت فلان، قال: قد عرفتك فما حاجتك؟ قالت: حاجتي إلى ابن عمي فلانٌ العابد. قال: قد عرفتهُ، قالت: يخطُبني فأخبرني ما حق الزوج على الزوجة؟ فإن كان شيئاً أطيقه تزوجته؛ قال: من حقهِ أن لو سال منخراه دماً وقيحاً فلحسته بلسانها ما أدت حقه، لو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشرٍ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها إذا دخل عليها لما فضله (¬1) الله عليها. قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج ما بقيت الدنيا" رواه البزار والحاكم كلاهما عن سليمان بن داود اليمامي عن القاسم بن الحكم، وقال صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: سليمان واهٍ، والقاسم تأتي ترجمته. 20 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان أهل بيتٍ من الأنصار لهم جملٌ يَسْنُونَ عليه: وإنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره، وإن الأنصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنه كان لنا جملٌ نَسْنِي عليه، وإنه استصعب علينا، ومنعنا ظهره، وقد عطش الزرعُ والنخل؟ فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا، فقاموا فدخل الحائط والجملُ في ناحيته فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، فقالت الأنصار: ¬

(¬1) زاده الله إكراماً وقوامة، قال تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات" (الآية 34 من سورة النساء) يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية، وعلل ذلك بأمرين: وهي، وكسى: (أ) بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل، وحسن التدبير، ومزيد القوة في الطاعات والأعمال، ولذلك خصوا بالنبوة، والأمانة، والولاية، وإقامة الشعائر والشهادة في مجامع القضايا، ووجوب الجهاد والجمعة ونحوها، والتعصيب في زيادة السهم في الميراث، والاستبداد بالفراق. (ب) (وبما أنفقوا من أموالهم) في نكاحهن كالمهر والنفقة، روى أن سعد بن الربيع: أحد نقباء الأنصار نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير فلطمها فانطلق بها أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكاه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتقتص منه فنزلت، فقال عليه الصلاة والسلام: أردنا أمراً وأراد الله أمراً، والذي أراد الله خير. أ. هـ (بيضاوي).

يا رسول الله قد صار مثل الكلْبِ الْكَلِبِ نخافُ عليك صولتهُ؟ قال: ليس علىَّ منهُ بأسٌ، فلما نظر الجملُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه حتى خر ساجداً بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيتهِ أذلَّ ما كانت قطُّ حتى أدخلهُ في العملِ، فقال له أصحابه: يا رسول الله هذا بهيمةٌ لا يَعْقِلُ يسجد لك، ونحن نعقلُ فنحن أحقُّ أن نسجدُ لك، قال: لا يصلحُ لبشرٍ أن يسجدَ لبشرٍ، ولو صلح لبشرٍ أن يسجد لبشرٍ لأمرتُ المرأة أن تسجدُ لزوجها لِعِظَمِ حقهِ عليها، لو كان من قدمهِ إلى مَفْرَقِ رأسه قَرْحَةٌ تنبجسُ بالقيح والصديد ثم استقبلتهُ فلحستهُ ما أدت حقه (¬1) " رواه أحمد والنسائي بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون، والبزار بنحوه، ورواه مختصراً، وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة بنحوه باختصار، ولم يذكر قوله، لو كان إلى آخره، وروى معنى ذلك في حديث أبي سعيد المتقدم. [قوله يسنون عليه]: بفتح الياء، وسكون السين المهملة، أي يستقون عليه الماء من البئر. [والحائط]: هو البستان. [تنبجس]: أي تتفجر وتنبع. لو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها 21 - عن قيس بن سعد رضي الله عنه قال: "أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لِمَرْزُبَانٍ لهم، فقلتُ: رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقُّ أن يُسجدَ له فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت إني أتيتُ الحيرة فرأيتهم يسجدون لِمَرْزُبَانٍ لهم، فأنت أحقُ أن يُسجد لك، فقال لي: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ فقلت: لا. فقال: لا تفعلوا لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ النساء أن يسجدوا لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق" رواه أبو داود في إسناده شريك، وقد أخرج له مسلم في المتابعات، ووثق. 22 - وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: لما قدم مُعاذ بن جبل من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قال: يا رسول الله، قَدِمْتُ الشام، فوجدتهم يسجدون لبطارقَتِهِم وأسَاقِفهم، فأردتُ أن أفعل ذلك ¬

(¬1) أخبر صلى الله عليه وسلم أن المرأة تتفانى في خدمة زوجها حتى لو بلى جسمه وقذر فلحسته لم تفِ بواجبه، وفيه الترغيب في طاعة الزوج ونهاية الإخلاص له.

بك؟ قال: فلا تفعل، فإني لو أمرتُ شيئاً أن يسجد لشيء لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفسي بيده لا تُؤدي المرأة حق ربها (¬1) حتى تُؤدي حق زوجها" رواه ابن ماجة، وابن حبان في صحيحه واللفظ له. ولفظ ابن ماجة "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا، فإني لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجدَ لغير الله لأمرتُ المرأة أن تسجدَ لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على ظهر قَتَبٍ (¬2) لَمْ تَمْنَعْهُ (¬3) ". وروى الحاكم المرفوع منه من حديث معاذ، ولفظه قال: "لو أمرت أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ المرأةَ أن تسجد لزوجها من عِظَمِ حقهِ عليها، ولا تجد امرأةٌ حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها، وهي على ظهر قتبٍ". 23 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجدَ لزوجها" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. 24 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أمرتُ أحداً أن يسجدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أن رجلاً أمرَ امرأته أن تنتقل من جبلٍ أحمرَ إلى جبلٍ أسودَ، أو من جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نَوْلُهَا أن تفعل (¬4) " رواه ابن ماجة من رواية علي بن زيد بن جدعان، وبقية رواته محتج بهم في الصحيح. من هم رجال الجنة؟ 25 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: النبي في الجنة، والصِّدِّيق في الجنة، والرجل يزورُ أخاه في ناحيةِ الْمِصْرِ (¬5) لا يزُورُه إلا لله في الجنة، ألا ¬

(¬1) من صلاة وصوم وهكذا: الله تعالى يقبل حقوقه المؤداة من المرأة إذا أدت حقوق زوجها. (¬2) ظهر بعير. (¬3) تمكنه من نفسها، وترضخ لقضاء نهمته. (¬4) إجابتها الفعل. (¬5) العامرة أي في جهة محدودة، والمضر البلد، أو الحاجز.

أخبركم بنسائكم في الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: ودُودٌ وَلُودٌ (¬1) إذا غضبت أو أُسيء إليها أو غضبَ زوجها قالت: هذه يدي في يدك لا أكتحلُ بِغَمْضٍ (¬2) حتى ترضى .. " رواه الطبراني ورواته محتج بهم في الصحيح إلا إبراهيم بن زياد القرشي فإنني لم أقف فيه على جرح ولا تعديل، وقد روى هذا المتن من حديث ابن عباس، وكعب بن عجرة وغيرهما. 26 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة أن تصوم، وزوجها شاهدٌ (¬3) إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته (¬4) إلا بإذنه" رواه البخاري، واللفظ له، ومسلم وغيرهما. حق الزوج على الزوجة وبالعكس 27 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله أن تأذن في بيت زوجها وهو كارهٌ، ولا تخرج وهو كارهٌ، ولا تطيعَ فيه أحداً، ولا تَعْزِلَ فِرَاشَهُ، ولا تَضْرِبَهُ، فإن كان هو أظلمَ فَلْتَأتِهِ حتى تُرضيهُ، فإن قبل منها فبها ونعمتْ، وَقَبِلَ الله عُذْرَها وأفلجَ حُجتها، ولا إثمَ عليها، وإن هو لم يَرْضَ، فقد أبلغتْ عند الله عُذرها" رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد كذا قال. [أفلج]: بالجيم حجيتها: أي أظهر حجتها وقوّاها. 28 - وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن امرأةً من خثعم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! أخبرني ما حق الزوج على الزوجة فإني امرأةٌ أيِّمٌ (¬5) فإن استطعتُ، وإلا جلستُ أيماً. قال: فإن حق الزوج على زوجته إن سألها نفسها وهي على ظهر قَتَبٍ أن لا تمنعهُ نفسها، ومن حقِّ الزوج عل الزوجة أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، فإن فعلت جاعت وعطشتْ ولا يُقبلُ منها (¬6)، ولا تخرج ¬

(¬1) متصفة بالإنتاج، وكثرة الولادة في الحياة، ومودة زوجها وطاعته. (¬2) المعنى أنها ترضيه ولا تصبر على كظم غيظه لحظة. (¬3) حاضر موجود معها في البيت، وهذا في صوم النفل، والأفضل أن تفطر حتى إذا أراد منها شيئاً فعل. (¬4) بدخول أحد أو بتصدق، أو ببيع شيء وهكذا. (¬5) بلا زوج. (¬6) لا ثواب لصيامها النفل.

من بيتها إلا بإذنه، فإن فعلت لعنتها (¬1) ملائكة السماء، وملائكة الرحمة، وملائكة العذاب حتى ترجع. قالت: لا جرمَ، ولا أتزوجُ أبداً" رواه الطبراني. المرأة لا تؤدي حق الله عليها حتى تؤدي حق زوجها كله 29 - وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرأة لا تؤدي حق الله عليها حتى تؤدي حق زوجها كله، ولو سألها وهي على ظهر قَتَبٍ لم تمنعهُ نفسها" رواه الطبراني بإسناد جيد. 30 - وعن عَبْدِ بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظرُ الله تبارك وتعالى إلى امرأةٌ لا تشكرُ (¬2) لزوجها وهي لا تستغني عنه" رواه النسائي والبزار بإسنادين رواة أحدهما رواة الصحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 31 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تؤذي امرأةٌ زوجها في الدنيا إلا قالت زوجتهُ من الحورِ العين: لا تُؤذيه قاتلكِ اللهُ، فإنما هو عندكَ دخيلٌ، يوشكْ أن يفارقك إلينا .. " رواه ابن ماجة، والترمذي وقال: حديث حسن. [يوشك]: أي يقرب، ويسرع، ويكاد. 32 - وعن طَلَقِ بن عليٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأتهِ، وإن كانت على التنور (¬3) " رواه الترمذي وقال: حديث حسن، والنسائي، وابن حبان في صحيحه. إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح 33 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجلُ امرأتهُ إلى فراشهِ (¬4) فلم تأتهِ، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تُصبحَ" رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والنسائي. وفي رواية للبخاري ومسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما مِنْ ¬

(¬1) طلبت طردها من رحمة الله تعالى لمخالفتها. (¬2) لا تعترف بإحسانه، ولا تحمده، ولا تثني عليه لإنفاقه وبره، والحال أنها معه في حاجة إليه. (¬3) المكان المحمي الذي يخبز فيه: أي تلبي طلب زوجها مهما كانت في عمل صعب شاق يحتاج إلى مباشرة فتلبية زوجها أولى. (¬4) كناية عن طلبها بجواره ليتمتع بها فظل طول ليله ساخطاً عليها لعدم إجابتها اكتسبت دعوات الملائكة عليها بالطرد، والإقصاء، والعذاب، ودعاء الملائكة مستجاب.

رجلٍ يدعو امرأتهُ إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء (¬1) ساخطاً عليها حتى يرضى عنها". وفي رواية لهما والنسائي: "إذا باتت المراة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تُصبح" وتقدم في الصلاة حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا ترتفع صلاتهم فوق رءوسهم شبراً: رجلٌ أمَّ قوماً وهم له كارهون، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخطٌ (¬2)، وأخوانِ مُتصارمان (¬3) " رواه ابن ماجة، وابن حبان في صحيحه واللفظ لابن ماجة، وروى الترمذي نحوه من حديث أبي أمامة وحسنه وتقدم في إباق العبد. 34 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا تقبل لهم صلاةٌ، ولا تصعدُ لهم إلى السماء حسنةٌ: العبدُ الآبق (¬4) حتى يرجعَ إلى مواليه (¬5) فيضع يده في أيديهم، والمرأة الساخطُ عليها زوجها حتى يرضى، والسكران حتى يصحو (¬6) " رواه الطبراني في الأوسط من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما من رواية زهير بن محمد، واللفظ لابن حبان. 35 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثنان لا تُجَاوِزُ صلاتهما رءوسهما: عبدٌ أبَقَ (¬7) من مواليه حتى يرجع، وامرأةٌ عصت (¬8) زوجها حتى ترجع" رواه الطبراني بإسناد جيد والحاكم. 36 - وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن المرأة إذا خرجت من بيتها، وزوجها كارهٌ لعنها كُلُّ ملكٍ في السماء، وكل شيء (¬9) مرت عليه غير الجن والإنس حتى ترجع" رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات إلا سويد بن عبد العزيز. ¬

(¬1) الملائكة. (¬2) غضبان. (¬3) متقاطعان متنافران متعاكسان. (¬4) الذي فر من أسياده. (¬5) أصحاب عمله: أي يسلم نفسه لخدمتهم. (¬6) يفيق، ففيه إخلاص الخادم لمخدومه، والمرأة لزوجها، وعدم السكر. (¬7) فر من مخدوميه. (¬8) نشزت. (¬9) وكل شيء هكذا (ط وع ص 15) وفي (ن د) وكل من: أي من الدواب، والأشجار، والأحجار.

الترهيب من ترجيح إحدى الزوجات، وترك العدل بينهم

الترهيب من ترجيح إحدى الزوجات، وترك العدل بينهم 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ كانت عندهُ امرأتان (¬1)، فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة، وشقهُ ساقطٌ (¬2) " رواه الترمذي، وتكلم فيه، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. ورواه أبو داود، ولفظه: "من كانت له امرأتان، فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقهُ مائلٌ"، والنسائي ولفظه: "من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحدُ شقيه مائلٌ"، ورواه ابن ماجة، وابن حبان في صحيحه بنحو رواية النسائي هذه إلا أنهما قالا: جاء يوم القيامة، وأحدُ شقيه ساقطٌ (¬3). 2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَقْسِمُ فيَعْدِلُ (¬4)، ويقول: اللهم هذا قَسْمِي فيما أملكُ فلا تَلُمني فيما تملكُ ولا أملك، يعني القلب (¬5) " رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة، وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: روى مرسلاً، وهو أصح. 3 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين (¬6) عند الله على منابر (¬7) من نورٍ عن يمين (¬8) الرحمن، وكلتا يديه يمينٌ، الذين يعدلون في حُكمهم، وأهليهم وما وَلُوا (¬9) " رواه مسلم وغيره. ¬

(¬1) تزوجهما بنكاح شرعي فيجب عليه العدل بينهما. (¬2) مائل معوج، والمعنى جاء على حالة نقص. (¬3) نصفه أعوج. (¬4) يراعي العدل. (¬5) ميل القلب ومحبته إلى الزوجة الأخرى. (¬6) العادلين المنصفين، قال تعالى: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً" (129 - 130 من سورة النساء). (¬7) درجات مرتفعة. (¬8) كناية عن التقرب منه سبحانه وتعالى، وشموله برحمته لهم، وعطفه، ونعيمه، وحسن إكرامهم. (¬9) وما رأسوا؛ وما دخن في زمرتهم وتحت أمرهم.

الترغيب في النفقة على الزوجة والعيال، والترهيب من إضاعتهم، وما جاء في النفقة على البنات وتأديبهن

الترغيب في النفقة على الزوجة والعيال والترهيب من إضاعتهم وما جاء في النفقة على البنات وتأديبهن [قال الحافظ]: وقد تقدم في كتاب الصدقة باب في الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب، وتقديمهم على غيرهم. 1 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دينارٌ أنفقتهُ في سبيل الله، ودينارٌ أنفقتهُ في رقبةٍ، ودينارٌ تصدقت به على مسكينٍ، ودينارٌ أنفقتهُ على أهلكَ، أعظَمُها أجراً الذي أنفقته على أهلك (¬1) " رواه مسلم. 2 - وعن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ دينارٍ ينفقهُ الرجلُ دينارٌ ينفقهُ على عياله (¬2)، ودينارٌ ينفقه على فرسهِ في سبيل الله، ودينارٌ ينفقهُ على أصحابه في سبيل الله، قال أبُو قلابة: بدأ بالعيال، ثم قال أبو قلابة: أيُّ رجلٍ أعظمُ أجراً من رجُلٍ ينفق على عيالٍ صغار يُعِفُّهُمُ (¬3) الله، أو ينفعهم الله به ويغنيهم؟ " رواه مسلم والترمذي. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَ علىَّ أولُ ثلاثةٍ يدخلون الجنة، وأول ثلاثةٍ يدخلون النار، فأما أول ثلاثةٍ يدخلون الجنة، فالشهيدُ، وعبدٌ مملوكٌ أحسن عبادةَ ربه، ونصحَ لسيده، وعفيفٌ مُتعفف ذو عيالٍ (¬4)، وأما أول ثلاثةٍ يدخلون النار، فأمير مُسلطٌ (¬5)، وذو أثرٍ (¬6) من مالٍ لا يؤدي حق الله في ماله، وفقير فخورٌ (¬7) " رواه ابن خزيمة في صحيحه، ورواه الترمذي، وابن حبان بنحوه. ¬

(¬1) أقاربك فابدأ بالأهم أولاً. (¬2) أسرته. (¬3) يمنعهم من سؤال الناس وذلة الفقر والحاجة. (¬4) ذو أهل ينفق عليهم بكده وجده وعمله، ولا يسأل أحداً شيئاً. (¬5) جائر ظالم تحكم في رقاب العباد ذو سلطان نافذ مثل السيف المصلت. (¬6) صاحب نعمة ومال وفير لا يؤدي زكاته. (¬7) معجب بنفسه كثير الكبر قليل العمل سليط اللسان.

ومن أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة 4 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: وإنك لن تُنفقَ نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أُجِرْتَ عليها حتى ما تجعل في في (¬1) امرأتك" رواه البخاري ومسلم في حديث طويل. 5 - وعن ابن مسعود البدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أنفق الرجل على أهله نفقةً وهو يحتسبها كانت له صدقة" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 6 - وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أطعمت نفسك فهو لك صدقةٌ، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقةٌ، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقةٌ، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقةٌ" رواه أحمد بإسناد جيد. 7 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا (¬2) خيرٌ من اليد السفلى (¬3)، وابدأ (¬4) بمن تعول: أمكَ وأباكَ، وأختكَ وأخاك وأدناكَ فأدناكَ (¬5) " رواه الطبراني بإسناد حسن، وهو في الصحيحين، وغيرهما بنحوه من حديث حكيم بن حزام، وتقدم. 8 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أنفق على نفسه نفقةً يستعفُ (¬6) بها فهي صدقةٌ، ومن أنفق على امرأته وولده، وأهل بيتهِ فهي صدقةٌ" رواه الطبراني بإسناددين: أحدهما حسن. 9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال يوماً لأصحابه: تصدقوا، فقال رجلٌ: يا رسول الله! عندي دينارٌ، قال: أنفقه على نفسك، قال إن عندي آخر، قال: أنفقهُ على زوجتك، قال: إن عندي آخر؟ قال: أنفقه على ولدك ¬

(¬1) في فم، كناية عن ثواب الإنفاق حتى في إطعام أهلك. (¬2) المعطية المنفقة. (¬3) المحتاجة السائلة. (¬4) قدم خيرك لم تنفق عليهم وترعاهم، عال يعول عولاً: كفله وقام به. (¬5) اختر الأقرب فالأقرب. (¬6) يطلب عفاف من أعطاهم ويغنيهم عن السؤال، ويبعد عنهم الحاجة.

قال: إن عندي آخر، قال: أنفقه على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصرُ به (¬1) " رواه ابن حبان في صحيحه. وفي رواية له: تصدق بدل أنفق في الكل. ما أنفق المرء على نفسه وولده وأهله وذي رحمه وقرابته فهو له صدقة 10 - وعن كعب بن عُجْرَةَ رضي الله عنه قال: "مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ جَلَدِهِ ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله! لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يُعفها (¬2) فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً (¬3) ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان" رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 11 - ورويَ عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنفق المرء على نفسه وولده وأهله، وذي (¬4) رَحِمِهِ وقرابتهِ، فهو له صدقةٌ" رواه الطبراني في الأوسط، وشواهده كثيرة. 12 - وعن جابر رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل معروفٍ صدقةٌ، وما أنفق الرجل على أهله كُتبَ له صدقةٌ، وما وقى (¬5) به المرء عِرْضَهُ كُتبَ له به صدقةٌ، وما أنفق المؤمن من نفقة، فإن خَلَفَهَا (¬6) على الله، والله ضامنٌ إلا ما كان في بُنيان، أو معصيةٍ، قال عبد الحميد، يعني ابن الحسن الهلالي: فقلت لابن المنكدر: وما ما وقيَ بهِ المرء عِرْضَهُ؟ قال: ما يُعطِى الشاعر (¬7) وذا اللسان المتقي (¬8) " رواه الدارقطني، والحاكم وصحح إسناده. [قال الحافظ]: وعبد الحميد المذكور يأتي الكلام عليه. ¬

(¬1) أعلم بمن هو في حاجة له. (¬2) يمنع عنها الحاجة. (¬3) تظاهراً قاصداً المدح والاطراء والإعجاب بشجاعته، فقائده العدو المضل المغوي، ولا ثواب له عند الله تعالى. (¬4) صاحب القرابة. (¬5) المنفق في الذب عن العرض، والدافع سوء السيرة، ينال ثواباً جزاء ما فعل، وفيه مدح الجود على كسب المدح لله، وعدم الذم والسب. (¬6) عوضها، والله يضاعف لمن يشاء، ويجود عليه، ويخلف أكثر، والله تكفل بغناه، ثم استثنى صلى الله عليه وسلم الإنفاق على قصور غير منتفع بها، والإنفاق في المعاصي والمحارم، فالمال تالف ذاهب بلا ثواب ولا إخلاف. (¬7) المداح. (¬8) الذي يخشى ذمه.

13 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المعونة تأتي من الله على قَدْرِ (¬1) المئُونةِ، وإن الصبر يأتي من الله على قدر البلاء (¬2) " رواه البزار، ورواته محتج بهم في الصحيح إلا طارق بن عمار ففيه كلام قريب، ولم يترك، والحديث غريب. أول ما يوضعُ في ميزان العبدِ نفقته 14 - ورويَ عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول ما يوضعُ في ميزان العبدِ نفقته (¬3) على أهله" رواه الطبراني في الأوسط. 15 - وعن عمرو بن أمية رضي الله عنه قال: مرَّ عثمان بن عفان أو عبد الرحمن بن عوف بمرطٍ، واستغلاهُ. قال: فمرَّ به على عمرو بن أمية فاشتراه فكساهُ امرأتهُ سُخيلةَ بنت عُبيدة بن الحارث بن المطلب، فمرَّ به عثمان أو عبد الرحمن فقال: ما فعل المِرْطُ الذي ابتعتَ؟ قال عمروٌ: تصدقت به على سُخيلةَ بنت عبيدة، فقال: إن كلَّ ما صنعت إلى أهلك صدقةٌ، فقال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذاك، فذكر ما قال عمروٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدق عمروٌ كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقةٌ عليهم" رواه أبو يعلى والطبراني ورواته ثقات، وروى أحمد المرفوع منه قال: ما أعطى الرجل أهله فهو صدقة. [المرط] بكسر الميم: كساء من صوف، أو خزّ يؤتزر به. 16 - ورويَ عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أُجرَ (¬4) قال فأتيتها فسقيتها وحدثتُها بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط. 17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ¬

(¬1) إعانة الله على قدر الإنفاق. (¬2) المصيبة ميزان حبس المسلم نفسه عن الشكوى إلا لله. (¬3) حسنات الإنفاق: (أ) قال تعالى: "أنفقوا من طيبات ما كسبتم". (ب) "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين" (39 من سورة سبأ). (جـ) وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير" (7 من سورة الحديد). (¬4) استحق ثواباً ونال أجراً.

فصل منه

يومٍ يُصبحُ العبادُ فيه إلا ملكان (¬1) ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ مُنفقاً خلفاً (¬2)، ويقول الآخرُ: اللهم أعطِ مُمسكاً (¬3) تلفاً (¬4) " رواه البخاري ومسلم وغيرهما. [قال الحافظ] عبد العظيم: وقد تقدم هذا الحديث وغيره في باب الإنفاق والإمساك. فصل 18 - عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثماً (¬5) أن يضيع من يقوت (¬6) " رواه أبو داود والنسائي والحاكم إلا أنه قال: من يعول. وقال صحيح الإسناد. 19 - وعن الحسن رضي الله عنه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه (¬7) حفظ أم ضيع (¬8) حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" رواه ابن حبان في صحيحه. 20 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع" زاد في رواية: "حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" رواه ابن حبان في صحيحه أيضاً. 21 - [قال الحافظ]: وتقدم حديث ابن عمر: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والرجلُ راعٍ في أهله ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها، ¬

(¬1) ملكا رحمة. (¬2) عوضاً وزيادة. (¬3) بخيلاً مقتراً. (¬4) خراباً، ودماراً، وذهاب بركة، قال تعالى: "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيراً بصيرً" (29 - 30 من سورة الإسراء)، تمثيلان لمنع الشحيح، وإسراف المبذر، نهى عنهما آمراً بالاقتصاد بينهما الذي هو الكرم، (ملوماً) معاتباً بالإسراف وسوء التدبير (محسوراً) نادماً لا شيء عندك، إن شاهدنا (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) أي يوسعه، ويضيقه بمشيئته التابعة لحكمته البالغة (خبيراً بصيراً) يعلم سرهم، وعلنهم، ويعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم، فأرجو أن تتحلى بالجود، وترفرف عليك شارة الإنفاق لتحظى بدعاء ملائكة الرحمة فيوسع الله عليك رزقك ويبارك فيه. (¬5) ذنباً. (¬6) يتفق عليهم ويرعاهم. (¬7) تولى أمره. (¬8) أهمل.

فصل منه

والخادم راعٍ في مال سيدهِ ومسئولٌ عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئولٌ عن رعيته" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. فصل 22 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخلت عليَّ امرأةٌ ومعها ابنتانِ لها تسألُ، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرةٍ واحدةٍ فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئاً، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرتهُ فقال: من ابتلى (¬1) من هذه البنات بشيء، فأحسن (¬2) إليهن كُنَّ له ستراً (¬3) من النار" رواه البخاري ومسلم والترمذي. وفي لفظ له: "من ابْتُليَ بشيء من البنات فصبر عليهن كُنَّ له حجاباً من النار". 23 - وعنها رضي الله عنها قالت: "جاءتني مسكينةٌ تحملُ ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرةً، ورفعتَ إلى فيها تمرةً لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرةُ التي كانت تريدُ أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد أوجب (¬4) لها بهما الجنة، أو أعتقها (¬5) بهما من النار" رواه مسلم. 24 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ عالَ (¬6) جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو، وضَمَّ أصابعهُ" رواه مسلم واللفظ له، والترمذي ولفظه: "من عالَ جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كهاتين وأشار بأُصبعيه السبابة والتي تليها" وابن حبان في صحيحه ¬

(¬1) اختبر، وفي رواية: من يلي من الولاية، وترأس وملك، والمراد القيام بتربيتهن. (¬2) أنفق عليهن وزوجهن، وأحسن أدبهن، وعلمهن آداب الدين، وزودهن من تقوى الله. (¬3) حجاباً، قال القسطلاني: فيه تأكيد حقوق البنات لما فيهن من الضعف غالباً عن القيام بمصالحهن بخلاف الذكور. أ. هـ (ص 492 جواهر البخاري). (¬4) أنعم عليها فحق الانتظار. (¬5) أبعدها بسبب البنتين من النار فعلا عنهما. (¬6) ربي وعاهد، والمعنى تقرب منزلته في الجنة بجوار منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولفظه "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عال ابنتين أو ثلاثاً، أو أختين أو ثلاثاً حتى يَبِنَّ أو يموتَ عنهن كنتُ أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه: السبابة والتي تليها". 25 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم له ابنتان فَيُحْسِنُ إليهما ما صحبتاهُ، أو صَحِبَهُمَا إلا أدخلتاه الجنة" رواه ابن ماجة بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه من رواية شرحبيل عنه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 26 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كَفَلَ يتيماً له ذا قرابةٍ، أو لا قرابةَ له، فأنا وهو في الجنة كهاتين، وَضَمَّ أصبعيهِ، ومن سعى (¬1) على ثلاث بنات فهو في الجنة وكان له كأجر مُجاهد في سبيل الله صائماً قائماً" رواه البزار من رواية ليث بن أبي سليم. 27 - وروى الطبراني عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يكون له ثلاث بناتٍ فينفقُ عليهن حتى يَبِنَّ أو يَمُتْنَ إلا كُنَّ له حجاباً من النار، فقالت له امرأةٌ: أو بنتان؟ قال: وبنتان. وشواهده كثيرة". لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أوثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا دخل الجنة 28 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له ثلاث بناتٍ، أو ثلاثُ أخواتٍ، أو بنتان أو أختان فأحسنَ صُحْبَتَهُنَّ واتقى الله فيهنَّ فله الجنة" رواه الترمذي واللفظ له، وأبو داود إلا أنه قال: "فأدبهن وأحسن إليهن، وزوجهن: فله الجنة" وابن حبان في صحيحه، وفي رواية للترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون لأحدكم ثلاثُ بناتٍ أوثلاثُ أخوات فيحسن إليهن إلا دخل الجنة" [قال الحافظ]: وفي أسانيدهم اختلاف ذكرته في غير هذا الكتاب. 29 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) كسب وأنفق، ينال ثواب المجاهد الذي صام نهاره، وقام ليله متهجداً ذاكراً الله سبحانه وتعالى.

"من كانت له أنثى فلم يئدها (¬1)، ولم يُهِنْها (¬2)، ولم يُؤثِرْ (¬3) ولده، يعني الذكور، عليها أدخله الله الجنة" رواه أبو داود، والحاكم، كلاهما عن ابن حدير، وهو غير مشهور عن ابن عباس، وقال الحاكم صحيح الإسناد. [قوله لم يئدها]: أي لم يدفنها حية، وكانوا يدفنون البنات أحياء، ومنه قوله تعالى: "وإذا الموؤدة سُئلت". ما جاء في فضل الإنفاق على البنات وذوات القرابة 30 - وعن المطلب بن عبد الله المخزومي رضي الله عنه قال: دخلتُ على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا بُنيَّ: "ألا أحدثك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: بلى (¬4) يا أُمَّهْ. قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أنفق على ابنتين، أو أختين، أو ذواتيْ قرابةٍ يحتسب (¬5) النفقة عليهما حتى يُغنيهما (¬6) من فضل الله، أو يكفيهما كانتا له ستراً من النار" رواه أحمد والطبراني من رواية محمد بن أبي حميد المدني ولم يترك، ومشاه بعضهم، ولا يضر في المتابعات. 31 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كُنَّ له ثلاثُ بنات يُؤويهنَّ (¬7) ويرْحَمُهُنَّ (¬8)، ويكْفُلُهُنَّ (¬9)، وجبت له الجنة البتة. قيل: يا رسول الله فإن كانتا اثنتين؟ قال: وإن كانتا اثنتين. قال: فرأى بعض القوم أن لو قال: واحدةً لقال: واحدةً" رواه أحمد بإسناد جيد، والبزار والطبراني في الأوسط، وزاد: ويُزوجهنَّ. 32 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كُنَّ له ثلاثُ بناتٍ فصبر على لأوَائهِنَّ (¬10) وَضَرَّائهِنَّ (¬11) وَسَرائهنَّ أدخلهُ الله الجنة ¬

(¬1) فلم يدفنها حية، ولم يتسبب في موتها. (¬2) لم يقدم لها أي إهانة ولم يؤذها. (¬3) ولم يخص، والمعنى دخول الجنة للذي أكرم بنته؛ وعطف عليها. (¬4) أي اسمعي يا أمه، يجاب بكلمة بلى في حال الإثبات في النفي والاستفهام، وبكلمة نعم في حال النفي. (¬5) يطلب ثواب الإنفاق من الله جلا وعلا. (¬6) يكبرا ويتزوجا وينالا غنى وكفاية. (¬7) يقدم لهن مأوى ومسكناً. (¬8) يرأف بهن. (¬9) يقوم بتربيتهن ويؤدي واجبهن. (¬10) مشقاتهن، وفي النهاية اللأواء الشدة، وضيق المعيشة. (¬11) أتراحهن وأحزانهن، وفيه الترغيب بإكرام البنت، وتعهدها بالمحامد والإحسان، تلك أحاديث تبين فضل تربية البنات، وإكرامهن، والصبر على أذاهن، ومن عادات الكفار التي محاها النبي صلى الله عليه وسلم =

الترغيب في الأسماء الحسنة وما جاء في النهي عن الأسماء القبيحة وتغييرها

بِرحمتهِ إياهنَّ، فقال رجلٌ: واثنتان يا رسول الله؟ قال: واثنتان. قال رجلٌ: يا رسول الله وواحدةٌ؟ قال: وواحدةٌ" رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ويأتي باب في كفالة اليتيم، والنفقة على المسكين، والأرملة إن شاء الله. الترغيب في الأسماء الحسنة وما جاء في النهي عن الأسماء القبيحة وتغييرها 1 - عن أبي الدراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تُدْعَوْن (¬1) يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فَحَسِّنُوا أسماءكم (¬2) " رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه كلاهما عن عبد الله بن أبي زكريا عنه، وعبد الله بن أبي زكريا ثقة عابد. [قال الواقدي]: كان يعدل بعمر بن عبد العزيز لكنه لم يسمع من أبي الدرداء، واسم أبي زكريا: إياس بن يزيد. أحبُّ الأسماء إلى الله تعالى: عَبْدُ اللهِ، وعبد الرحمن 2 - وعن ابن عمر رضي الله عهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ الأسماء إلى الله تعالى: عَبْدُ اللهِ، وعبد الرحمن" رواه مسلم وأبو داود والترمذي، وابن ماجة. 3 - وعن أبي وهبٍ الجُشَمِيِّ، وكانت له صُحبةٌ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ¬

= وأد البنات في الجاهلية كما أخبر الله تعالى في قوله "ويجعلون لله البنات سبحانه، ولهم ما يشتهون، وإذا بشر أحدهم بالنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون، للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم" (57 - 60 من سورة النحل). كانت خزاعة، وكنانة يقولون: الملائكة بنات الله (سبحانه) تنزيه لله أو تعجب منه (بشر أحدهم) أخبر بولادتها (مسوداً) من الكآبة والحزن والحياء من الناس (كظيم) مملوء غيظاً من المرأة (يتوارى) يستخفى (أيمسكه على هون) يحدث نفسه في أن يتركه على ذل أم يخفيه ويئده (العزيز) المنفرد بالقدرة، وكمال الحكمة سبحانه يقسم النعمة والبلية كما يشاء، ويعطي من يشاء كما قال عز شأنه "لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير" (49 - 50 من سورة الشورى)، والمعنى يجعل أحوال العباد في الولادة مختلفة على مقتضى إراداته سبحانه فيفعل بحكمة واختيار. (¬1) تنادون. (¬2) سموها بأسماء حسنة لا قبيحة.

صلى الله عليه وسلم: "تَسَمَّوْا بأسماء الأنبياء، وأحبُّ الأسماء إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها: حارثٌ، وهمامٌ، وأقبحها (¬1): حربٌ، ومُرَّة (¬2) " رواه أبو داود واللفظ له والنسائي: "وإنما كان حارثٌ وهمامٌ أصدق الأسماء لأن الحارث هو الكاسبُ، والهمام هو الذي يَهُمُّ مَرَّةُ بعد أخرى، وكلُ إنسان لا ينفك عن هذين". 4 - وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الكلام إلى الله أربعٌ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهنَّ بدأت، لا تُسَمِّيَنَّ غُلامكَ يَسَاراً (¬3)، ولا رَبَاحاً (¬4)، ولا نَجيحاً (¬5) ولا أفْلَحَ (¬6) فإنك تقول: أثَمَّ هُوَ (¬7) فلا يكون (¬8) فيقولُ: لا (¬9) إنما هُنَّ أربعٌ فلا تزيدنَّ عليَّ" رواه مسلم واللفظ له، وأبو داود والترمذي، وابن ماجة مختصراً، ولفظه قال: "نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن نُسَمِّيَ رقيقنا أربعة أسماء: أفلحَ، ونافعٍ، ورباحٍ، ويَسَارٍ". 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخْنَعَ (¬10) اسمٍ عند الله عز وجل رجلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأمْلاَك (¬11) "، زاد في رواية: "لا مَلِكَ إلا الله" قال سفيان: مثل شاهِنْشَاهُ، وقال أحمد بن حنبل: سألت أبا عمروٍ، يعني الشيباني: عن أخنع، فقال: أوْضَعَ" رواه البخاري ومسلم، ولمسلم: أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه: رجلٌ كان تَسَمَّى ملك الأملاك لا ملكَ إلا الله. ¬

(¬1) لما فيها من التشاؤم، وتمني الشقاق، والقتل، والنهب، والغارة، وعدم الأمن، والاطمئنان. (¬2) قوة وشدة، وبطش، أو ضد حلو من يمر يمر من باب تعب لغة، فهو مر، والأنثى مرة، وجمعها مرائر على غير قياس. (¬3) رخاء. (¬4) ربحاً وفوزاً وكسباً. (¬5) فلاحاً. (¬6) كثير الفوز، خشية أن يسأل عن وجوده فيكون الجواب لا، أي نفي هذه الأشياء الجميلة، وفيها تشاؤم وتنافر، وقلة ذوق في الخطاب. (¬7) أهناك يسار. (¬8) فلا يوجد صاحب الاسم. (¬9) فينفي فيحصل كدر، أو ألم من قبح الجواب، وعدم لياقته. (¬10) أي أذلها وأوضعها، والخانع: الذليل الخاضع. أ. هـ. نهاية. (¬11) إن ملك الملوك الله جل وعلا، فأحقر اسم مشابهته باسم الله جل وعلا يدل على وقاحة، وقلة أدب، وسماجة في التعبير، وتجارؤ على الله سبحانه "لله ما في السموات وما في الأرض".

فصل منه

فصل 6 - عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يُغَيِّرُ (¬1) الاسمَ القبيح" رواه الترمذي، وقال: قال أبو بكر بن نافع: وربما قال عمر بن علي في هذا الحديث هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، ولم يذكر فيه عائشة. 7 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن ابنةً لِعُمَرَ كان يقال لها عاصيةُ، فَسَمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلةَ" رواه الترمذي، وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث حسن، ورواه مسلم باختصار قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: غَيَّرَ اسم عاصية، قال أنت جميلةُ. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن زينب بنت أبي سلمة كان اسمها بَرَّةَ، فقيل تُزَكي نفسها: فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب" رواه البخاري ومسلم، وابن ماجة وغيرهم. 9 - وعن محمد بن عمرو بن عطاء رضي الله عنه قال: "سميتُ ابنتي بَرَّةَ، فقالت زينبُ بنتُ أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسُمِّيتُ بَرَّةَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم، فقالوا: بِمَ نُسَمِّيها؟ فقال: سَمُّوها زينب" رواه مسلم وأبو داود. قال أبو داود: وغَيَّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم العاصي، وعزيز، وعتلة، وشيطانٍ، والحكم، وغراب، وحُبَابٍ، وشهابٍ، فسماه هشاماً، وسمَّى حرباً: سلماً، وسمَّى المضطجع: المنبعث، وأرضاً تُسَمَّى عَفِرَةً سمَّاها: خَضِرَةً، وَشِعْبَ الضلالة سَمَّاهُ: شِعْبَ الهُدَى، وبني الزنية سماهم: بني الرشدة، وسمى بني مُغْوِيَة بني رِشْدَةَ، قال أبو داود: تركت أسانيدها اختصاراً. [قال الخطابي]: أما العاصي، فإنما غَيَّرَه كراهية لمعنى العصيان، وإنما سمة المؤمن: الطاعة، والاستسلام، والعزيز: إنما غَيَّرَهُ لأن العزة لله، وشعار العبد الذلة، والاستكانة، وَعَتْلة: معناها الشدة والغلظ، ومنه قولهم: رجل عتلّ: أي شديد غليظ، ومن صفة المؤمن ¬

(¬1) يسميه باسم آخر.

الترغيب في تأديب الأولاد

اللين والسهولة، وشيطان: اشتقاقه من الشطن، وهو البعد من الخير، وهم اسم المارد الخبيث من الجن والإنس، والحكم: هو الحاكم الذي لا يُرد حكمه، وهذه الصفة لا تليق إلا بالله تعالى، ومن أسمائه الحَكَم، وغراب: مأخوذ من الغَرْب، وهو البعد، ثم هو حيوان خبيث المطعم أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الحل والحرم، وحُباب: يعني بضم الحاء المهملة، وتخفيف الباء الموحدة: نوع من الحيات، وروى أنه اسم شيطان، والشهاب: الشعلة من النار، والنار عقوبة الله، وأما عَفِرة: يعني بفتح العين، وكسر الفاء، فهي نعت الأرض التي لا تنبت شيئاً، فسماها خضرة على معنى التفاؤل حتى تخضر. انتهى. الترغيب في تأديب الأولاد لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع 1 - عن جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاعٍ (¬1) " رواه الترمذي من رواية ناصح عن سماك عنه، وقال حديث حسن غريب. [قال الحافظ]: ناصح هذا هو ابن عبد الله المحلمي واهٍ، وهذا مما أنكره عليه الحفاظ. 2 - وعن أيوب بن موسى عن أبيه عن جَدِّه رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نَحَلَ (¬2) وَالدٌ وَلداً مِنْ نَحَلٍ أفضل من أدبٍ حَسَنٍ" رواه الترمذي أيضاً، وقال: حديث غريب، وهذا عندي مرسل. [نحل]: بفتح النون، والحاء المهملة: أي أعطى ووهب. 3 - وروى ابن ماجة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أكرموا (¬3) أولادكم، وأحْسِنُوا أدَبَهُمْ". ¬

(¬1) والله لأدب الوالد لابنه أكثر ثواباً عند الله من التصدق بنحو ملوة قمح؛ والمعنى تربية الأبناء فيها ثواب جم. (¬2) منح: أي قدموا لأولادكم المحبة، وأداء اللازم من الغذاء الجيد والملبس، وراعوا أدبهم. (¬3) أكرموا كذا (د وع ص 23) وفي (ن ط) ألزموا، ففيه أمر الآباء بمراعاة أدب أبنائهم، وتشذيب أغصانهم ليشبوا على الكمال ويترعرعوا على كتاب الله وسنة رسوله وتزهر دوحتهم مثمرة منتجة مظلة.

الترهيب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه

الترهيب أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه أو يتولى غير مواليه من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام 1 - عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ادعى (¬1) إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرامٌ" رواه البخاري ومسلم، وأبو داود وابن ماجة، عن سعد، وأبي بكرة جميعاً. 2 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس من رجلٍ ادعى بغير أبيه وهو يعلم إلا كَفَرَ، ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليبتوأ مقعده من النار، ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه" رواه البخاري ومسلم. [حار] بالحاء المهملة والراء: أي رجع عليه ما قال. 3 - وعن يزيد بن شريك بن طارق التميمي قال: "رأيتُ علياً رضي الله عنه على المنبر يخطب فسمعتهُ يقول: لا والله ما عندنا من كتاب نقرؤه إلا كتاب الله، وما في هذه الصحيفة فَنَشَرَها، فإذا فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات، وفيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المدينةُ حَرَامٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى مُحْدِثاً فعليه لعنةُ الله، والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً، ولا صرفاً (¬2)، وذمة المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم، فمن أخفرَ (¬3) مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً، ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى (¬4) إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً" رواه البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي. 4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بامرئٍ تَبَرُّؤ مِنْ نَسَبٍ، وإنْ دَقَّ، وادعاءُ نسبٍ لا يُعْرَفُ" رواه أحمد والطبراني في الصغير، وعمرو يأتي الكلام عليه. ¬

(¬1) انتسب. (¬2) فرضاً ولا نفلاً. (¬3) خانه ونقض عهده. (¬4) انتسب إلى غير أسياده ومخدوميه.

ترغيب من مات له ثلاثة من الأولاد أو اثنان أو واحد فيما يذكر من جزيل الثواب

من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة 5 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ادعى إلى غير أبيه لم يَرَحْ (¬1) رائحة الجنة، وإن ريحها لَيُوجَدُ من قدر سبعين عاماً، أو مسيرة سبعين عاماً" رواه أحمد وابن ماجة إلا أنه قال: وإن ريحها ليوجدُ من مسيرة خمسمائة عامٍ، ورجالهما رجال الصحيح، وعبد الكريم هو الجزري ثقة احتج به الشيخان وغيرهما، ولا يلتفت إلى ما قيل فيه. 6 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين" رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان في صحيحه. 7 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تولى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعدهُ من النار" رواه ابن حبان في صحيحه. 8 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله المتتابعةُ إلى يوم القيامة" رواه أبو داود. 9 - وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ادعى نسباً لا يُعْرَفُ كَفَرَ بالله، أو انتفى من نَسَبٍ وإن دَقَّ كَفَرَ بالله" رواه الطبراني في الأوسط من رواية الحجاج بن أرطاة، وحديث عمرو بن شعيب يعضده. ترغيب من مات له ثلاثة من الأولاد أو اثنان أو واحد فيما يذكر من جزيل الثواب 1 - عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ مسلم يموت له ثلاثة (¬2) لم يبلغوا الحِنْثَ إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمتهِ إياهم" رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة. ¬

(¬1) لم يشم، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" (24 من سورة الأنفال). (¬2) المعنى كل مسلم توفيت له ثلاثة صغار فصبر وطلب العوض من الله تعالى وانتظر الأجر منه تفضل الله عليه إزاء صبره بدخول الجنة.

وفي رواية للنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من احتسب ثلاثةً من صُلْبِهِ دخل الجنة، فقامت امرأةٌ فقالت: أو اثنان؟ فقال: أو اثنان. قالت المرأة: يا ليتني قلتُ: واحدةٌ، ورواه ابن حبان في صحيحه مختصراً: "من احتسب ثلاثةً من صلبه دخل الجنة". [الحنث]: بكسر الحاء، وسكون النون: هو الإثم والذنب، والمعنى أنهم لم يبلغوا السن الذي تكتب عليهم فيه الذنوب. 2 - وعن عتبة بن عبدٍ السُّلمي رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يموت له ثلاثةٌ من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تَلَقَّوْهُ (¬1) مِنْ أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل" رواه ابن ماجة بإسناد حسن. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموت لأحدٍ من المسلمين ثلاثةٌ من الولد فتمَسَّهُ النارُ إلا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ (¬2) " رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. ولمسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لنسوةٍ من الأنصار: لا يموت لإحداكن ثلاثةٌ من الولد فتحتسبهُ إلا دخلت الجنة. فقالت امرأةٌ (¬3) منهن: أو اثنانِ يا رسول الله؟ قال: أو اثنان". وفي أخرى له أيضاً قال: "أتت امرأةٌ بصبيٍ لها، فقالت: يا نبي اللهِ: ادعُ الله لي فلقد دفنتُ ثلاثةً، فقال: أدفنتِ ثلاثةً؟ قالت: نعم. قال: لقد احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شديدٍ من النار". [الحظار]: بكسر الحاء المهملة، وبالظاء المعجمة: هو الحائط يجعل حول الشيء كالسور المانع، ومعناه لقد احتميتِ وتحصنت من النار بحمى عظيم، وحصن حصين. ¬

(¬1) الأطفال يقابلون آباءهم من أي باب يدخلونهم الجنة. (¬2) أي يذهبون جهتها فقط كما قال تعالى: "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً" قال البيضاوي (إلا واردها) إلا واصلها وحاضر دونها يمر بها المؤمنون، وهي خامدة، وتنهار بغيرهم (حتماً مقضياً) كان ورودهم واجباً، أوجبه الله على نفسه، وقضى به بأن وعد به وعداً لا يمكن خلفه، وقيل أقسم عليه. أ. هـ "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً". (¬3) هي أم سليم والدة أنس بن مالك كما رواه الطبراني بإسناد جيد عنها.

ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة 4 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما مِنَ مسلمين يموتُ بينهما ثلاثةٌ من الولد لم يبلغوا الحِنْثَ إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم" رواه ابن حبان في صحيحه، وهو في المسند من حديث أم أنس بن مالك، وفي النسائي بنحوه من حديث أبي هريرة، وزاد فيه قال "يُقالُ لهمُ ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى تدخلَ آباؤنا، فيقالُ لهم: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم". 5 - وعن أبي حسان رضي الله عنه، قال: "قلتُ لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنانِ، فما أنت مُحدِّثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يُطَيِّبُ أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم، صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الجنة يتلقى أحدهم أباهُ، أو قال أبويه، فيأخذُ بثوبهِ، أو قال: بيده كما آخُذُ أنا بِصَنَفَةِ ثَوْبِك هذا، فلا يتناهى، أو قال: ينتهي حتى يُدخله الله وأباه الجنة" رواه مسلم. [الدعاميص]: بفتح الدال جمع دُعموص بضمها، وهي: دويبة صغيرة يضرب لونها إلى السواد تكون في الغدران إذا نشفت، شبه الطفل بها في الجنة لصغره، وسرعة حركته، وقيل: هو اسم للرجل الزوَّار للملوك، الكثير الدخول عليهم والخروج، لا يتوقف على إذن منهم، ولا يخاف أين ذهب من ديارهم، شبه طفل الجنة به لكثرة ذهابه في الجنة حيث شاء لا يمنع من بيت فيها ولا موضع، وهذا قول ظاهر، والله أعلم. [وَصَنَفَةِ الثوب]: بفتح الصاد المهملة والنون، بعدهما فاء وتاء تأنيث: هي حاشيته وطرفه الذي لا هدب له، وقيل: بل هي الناحية ذات الهدب. 6 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "جاءت امرأةٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ذهب الرجالُ بحديثكَ فاجعلْ لنا من نفسك يوماً نأتِكَ فيه تُعلمنا مما علمك الله. قال: اجتمعن يوم كذا وكذا في موضعِ كذا وكذا فاجتمعن، فأتاهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم فَعَلَّمَهُنَّ مما علمه الله، ثم قال: ما منكنَّ

من امرأةٍ تُقَدِّمُ ثلاثةً من الولد إلا كانوا لها حجاباً (¬1) من النار، فقالت امرأةٌ: واثنين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنين" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. مَنْ أثْكَلَ ثلاثةً من صُلْبِهِ فاحتسبهم على الله في سبيل الله وجبت له الجنة 7 - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ أثْكَلَ (¬2) ثلاثةً من صُلْبِهِ فاحتسبهم (¬3) على الله في سبيل الله عز وجل: وجبت له الجنة" رواه أحمد والطبراني ورواته ثقات. 8 - وعن عبد الرحمن بن بشيرٍ الأنصاري رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات له ثلاثةٌ من الولد لم يبلغوا الحِنْثَ لم يَرِدِ النار إلا عابر (¬4) سبيل، يعني الجواز على الصراط" رواه الطبراني بإسناد لا بأس به، وله شواهد كثيرة. 9 - وعن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: "قلتُ له حدثنا حديثاً سمعتهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه انتقاصٌ، ولا وَهَمٌ. قال: سمعته يقول: مَنْ ولد له ثلاثةُ أولادٍ في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحِنْثَ أدخله الله الجنة برحمته إياهم، ومن أنفق زوجين في سبيل الله، فإن للجنة ثمانية أبواب يُدْخِلُهُ اللهُ من أي بابٍ شاء من الجنة" رواه أحمد بإسناد حسن. 10 - وعن حبيبة أنها كانت عند عائشة رضي الله عنها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها فقال: "ما من مُسلمين يموتُ لهما ثلاثةٌ من الولد لم يبلغوا الحنث إلا جيء بهم يوم القيامة حتى يُوقفوا على باب الجنة فيقال لهم: ادخلوا الجنة فيقولون: حتى تدخلَ آباؤنا، فيقالُ لهمُ: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم (¬5) " رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن جيد. 11 - وعن زُهير بن علقمة رضي الله عنه قال: جاءت امرأةٌ من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنٍ لها مات فكأن القوم عَنَّفُوهَا (¬6)، فقالت: يا رسول الله: قد مات لي ابنانِ منذ دخلتُ في الإسلام سوى هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) واقياً مانعاً. (¬2) فقد. (¬3) فوض أمره لربه، وطلب ثوابه، ولم يفعل ما يغضبه جل وعلا. (¬4) ماراً. (¬5) يقبل الله تفضلاً شفاعتهم بآبائهم. (¬6) أنبوها.

والله لقد احْتَظَرْتِ من النار بِحِظَارٍ شديدٍ" رواه الطبراني في الكبير بإسناد صحيح، وتقدم معنى الحظار. ما من مسلمين يُقدمان ثلاثةً لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة 12 - وعن الحارث بن أقيش رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلمين يموتُ لهما أربعةُ أولادٍ: إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته، قال رجلٌ: يا رسول الله وثلاثةٌ؟ قال: وثلاثةٌ. قال: واثنان" رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائده، وأبو يعلى بإسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلمين يُقدمان ثلاثةً لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمتهِ إياهم. قالوا: يا رسول الله وذَوَا الاثنين؟ قال: وذوا الاثنين، إن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثرُ من مُضَرَ، وإن من أمتي من يُستعظمُ للنار حتى يكونَ إحدى زواياها". 13 - وعن أبي بُرْدَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلمين يموتُ لهما أربعةٌ أفرَاطٌ (¬1) إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته، قالوا: يا رسول الله وثلاثةٌ؟ قال: وثلاثةٌ. قالوا: واثنان؟ قال: واثنان. قال: وإن من أمتي لمن يُعظَّمُ للنار حتى يكون أحد زواياها (¬2)، وإن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته مثل مُضَرَ" رواه عبد الله ابن الإمام أحمد، ورواته ثقات، وأراه حديث الحارث بن أقيش الذي قبله، ويأتي بيان ذلك إن شاء الله. 14 - وعن أبي ثعلبة الأشجعي رضي الله عنه قال: قُلتُ يا رسول الله مات لي ولدان في الإسلام، فقال: من مات له ولدان في الإسلام أدخلهُ الله الجنة بفضلِ رحمته إياهما، قال: فلما كان بعد ذلك لَقيَني أبو هريرة، فقال لي: أنت الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الزائدين ما قال؟ قلتُ: نعم. قال: لأن يكون قاله لي أحبُّ إليَّ مما غُلِّقَتْ عليه حِمْصُ وَفِلِسْطِينُ" رواه أحمد والطبراني ورواة أحمد ثقات. ¬

(¬1) أطفال متقدمون صغار، ومنه: اللهم اجعله فرطاً: للطفل الميت: أي أجراً متقدماً. (¬2) يكبر: أي يدخل فيهما فيسد فراغاً كبيراً في جهنم لشدة جرمه.

[فلسطين] بكسر الفاء، وفتح اللام، وسكون السين المهملة: كورة بالشام، وقد تفتح الفاء. 15 - وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات له ثلاثةٌ من الولد فاحتسبهم دخل الجنة، قال قلنا: يا رسول الله: واثنان؟ قال: واثنانِ. قال محمودٌ، يعني ابن لبيدٍ، فقلتُ لجابرٍ: أراكم لو قلتم: واحداً لقال واحداً. قال: وأنا أظن ذلك" رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه. 16 - وعن قُرَّةَ بن إياسٍ رضي الله عنه: أن رجلاً كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه ابنٌ لهُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تُحِبُّهُ؟ قال: نعم يا رسول الله أحبك الله (¬1) كما أُحِبُّهُ فَفَقَدَهُ (¬2) النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل فلانُ بن فلانٍ؟ قالوا يا رسول الله: مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: ألا تُحِبُّ أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟ فقال رجلٌ يا رسول الله: ألَهُ خاصةً أم لِكُلِّنَا؟ قال: بل لِكُلِّكُمْ" رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، والنسائي وابن حبان في صحيحه باختصار قول الرجل: ألَهُ خاصةً. إلى آخره. وفي رواية النسائي قال: "كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس جَلَسَ إليه نفرٌ من أصحابه: فيهم رجلٌ له ابنٌ صغيرٌ يأتيه من خلف ظهرهِ فيقعدهُ بين يديه فهَلَكَ فامتنعَ الرجلُ أن يَحْضُرَ الحلقةَ لذكرِ ابنهِ، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي لا أرى فلاناً؟ قالوا يا رسول الله: بُنَيُّهُ الذي رأيته هَلكَ، فَلَقِيَهُ النبي صلى الله عليه وسلم فسألهُ عن بُنيِّهِ فأخبره أنه هلك فَعَزَّاهُ عليه (¬3)، ثم قال: يا فلان! أيما كان أحبُّ إليك؟ أن تتمتع به عُمْرَكَ (¬4)، أو لا تأتي إلى بابٍ من أبواب الجنة إلا وجدتهُ قد سبقك إليه ¬

(¬1) زادك الله محبة. (¬2) مكث مدة لم يره صلى الله عليه وسلم، وغاب ذلك الرجل عن الرسول مدة فسأل عنه فقيل توفي ابنه. (¬3) قال له اصبر، وتعز وفوض أمرك لله، وعظم الله أجرك، وفيه أن التعزية سُّنة، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: إني معزيك لا أني على ثقة ... من الخلود ولكن سُّنة الدين فما المعزي بباقٍ بعد ميته ... ولا المعزى ولو عاشا إلى حين (¬4) مدة حياتك.

يَفْتَحُهُ لك. قال يا نبي الله: بل يَسْبِقُني إلى باب الجنة فيفتحها، لَهُوَ (¬1) أحبُّ إليَّ قال: فذاك لك (¬2) ". 17 - وعن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسملين يتوفى لهما ثلاثةٌ من الولد إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمتهِ إياهم، قالوا: يا رسول الله! أو اثنان؟ قال: أو اثنانِ. قالوا: أو واحدٌ، ثم قال: والذي نفسي بيده إن السِّقْطَ لَيَجُرُّ أمَّهُ بِسَرَرِهِ إلى الجنة إذا احتسبتهُ" رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن أو قريب من الحسن. [السرر]: بسين مهملة وراء مكررة محركاً: هو ما تقطعه القابلة، ومابقي بعد القطع فهو السرة. 18 - وعن أبي سلمى رضي الله عنه راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بَخٍ بخٍ، وأشار بيد لخمسٌ ما أثقلهنَّ في الميزان: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوفى للمرء المسلم فيَحْتَسِبُهُ" رواه النسائي وابن حبان في صحيحه؛ واللفظ له والحاكم، ورواه البزار من حديث ثوبان، وحسن إسناده، والطبراني من حديث سفينة؛ ورجاله رجال الصحيح وتقدم. من كان له فَرَطَان من أمتي أدخله الله بهما الجنة 19 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان له فَرَطَان من أمتي أدخله الله بهما الجنة؛ فقالت له عائشة: فمن كان لهُ فَرَطٌ؟ فقال: ومن كان له فرطٌ يا مُوَفَّقةُ. قالت: فمن لم يكن له فَرَطٌ من أمتك؟ قال: فأنا فَرَطُ أمتي لن يُصابوا بمثلي" رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب. [الفرط] بفتح الفاء والراء: هو الذي يدرك من الأولاد الذكور والإناث، وجمعه أفراط. 20 - وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَدَّمَ ثلاثةً من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حصناً (¬3) حصيناً من ¬

(¬1) انتظاره لي أحب إليَّ. (¬2) أي مات، وثواب الصبر عليه أن يفتح لك باب الجنة. (¬3) وقاية منيعة.

النار، فقال أبو ذرٍ: قَدَّمت اثنين؟ قال: واثنين. قال أُبَيُّ بن كعب سيد القراء: قَدَّمْتُ واحداً؟ قال وواحداً" رواه ابن ماجة. ما جاء في جزاء من مات له ولد فحمد الله واسترجع 21 - وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات ولدٌ لِعَبْدٍ قال الله عز وجل لملائكته (¬1): قبضتم (¬2) وَلَدَ عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرةَ فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حَمِدَكَ (¬3) واسترجعَ، فيقول: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيتَ الحمد" رواه الترمذي، وابن حبان في صحيحه، وقال: حديث حسن غريب. جزاء فقد الأولاد من فقه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الفتح (¬4): ¬

(¬1) ملائكة الرحمة. (¬2) يقول الله تعالى: إعجاباً بصبره، وتحدثاً بكثرة ثوابه، وزيادة أجره. (¬3) قال: الحمد لله رب العالمين، إنا لله وإنا إليه راجعون، وحفظ لسانه مما يغضبه سبحانه، ولم يفعل معصية قال تعالى: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" (155 - 157 من سورة البقرة). (¬4) أولاً: يتكرم الله جل وعلا على أبوي الأطفال فيدخلان الجنة "ما من مسلم" خرج الكافر، ومعنى الحنث كما قيل بلغ إلى زمان يؤاخذ بيمينه إذا حنث، وقال الراغب: عبر بالحنث عن البلوغ لما كان الإنسان يؤاخذ بما يرتكبه فيه بخلاف ما قبله، وخص الإثم بالذكر لأنه الذي يحصل بالبلوغ لأن الصبي قد يثاب وخص الصغير بذلك لأن الشفقة عليه أعظم، والحب له أشد، والرحمة له أوفر "بفضل رحمته إياهم" أي بفضل رحمة الله للأولاد، وقال القرطبي: وإنما خصت الثلاثة بالذكر لأنها أول مراتب الكثرة فبعظم المصيبة يكثر الأجر، فأما إذا زاد عليها فقد يخف أمر المصيبة لأنها تصير كالعادة كما قيل "روعت بالبين حتى ما أراع له" أ. هـ. قال في الفتح: والحق أن تناول الخبر الأربعة فما فوقها من باب أولى وأحرى. أ. هـ. ثانياً: موت الأولاد ينشئ حصوناً متينة من دخول النار "الحظار: حجاب" المعنى تخفيف عذابه بسبب موت أولاده. ثالثاً: استقبال الأبوين بالبشر والسرور، وفتح أبواب الجنة له احتراماً وإكراماً. رابعاً: موت الأولاد يمنعه من الورود على النار "إلا تحلة القسم" قال في الفتح: أي ما ينحل به القسم، وهو اليمين، وهو مصدر حلل اليمين: أي كفرها، يقال حلل تحليلاً وتحلة وتحلا بغير هاء، والثالث شاذ، وقال أهل اللغة: يقال فعلته تحلة القسم: أي قدر ما حللت به يميني ولم أبالغ، وقال الخطابي: حللت القسم تحلة: أي أبررتها، وقيل معناه التقليل لأمر ورودها، وقيل الاستثناء بمعنى الواو: أي لا تمسه النار قليلاً ولا كثيراً ولا تحلة القسم، وقد جوز الفراء والأخفش مجيء إلا بمعنى الواو، وجعلا منه قوله تعالى: "لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم" أ. هـ. "وإن منكم إلا واردها" قال الخطابي: معناه لا يدخل النار ليعاقب بها، ولكنه يدخلها مجتازاً، ولا يكون ذلك الجواز إلا قدر ما يحلل به الرجل يمينه. خامساً: أولاد المسلمين في الجنة لأنه يبعد أن الله يغفر للآباء بفضل رحمته للأبناء، ولا يرحم الأبناء، قاله المهلب. =

الترهيب من إفساد المرأة على زوجها، والعبد على سيده

الترهيب من إفساد المرأة على زوجها والعبد على سيده 1 - عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا (¬1) مَنْ حَلَفَ بالأمانة، ومن خَبَّبَ على امرئٍ زوجتهُ أو مملوكهُ فليس منا" رواه أحمد بإسناد صحيح واللفظ له، والبزار، وابن حبان في صحيحه. [خبب] بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الباء الموحدة الأولى معناه: خدع وأفسد. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا مَنْ خَبَّبَ امرأةً على زوجها، أو عبداً على سيده" رواه أبو داود، وهذا أحد ألفاظه، والنسائي وابن حبان في صحيحه، ولفظه: "من خبب عبداً على أهله فليس منا، ومن أفسد امرأةً على زوجها فليس منا" رواه الطبراني في الصغير والأوسط بنحوه من حديث ابن عمر، ورواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس، ورواة أبي يعلى كلهم ثقات. 3 - وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبليس يضع عَرْشَهُ (¬2) على الماء ثم يبعث سَرَاياهُ (¬3) فأدناهم (¬4) منه مَنزلةً أعظمهم فتنة (¬5)، يجيء أحدهم، فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول ما صنعت شيئاً، ثم يجئ أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقتُ بينه وبين امرأتهِ فيُدْنِيهِ (¬6) منه ويقول: نِعْمَ (¬7) أنت فَيَلْتَزِمُهُ" رواه مسلم وغيره. ¬

= سادساً: من حلف أن لا يفعل كذا، ثم فعل عنه شيئاً، ولو قل برت يمينه خلافاً لمالك، قاله عياض وغيره. أ. هـ. ص 81 جـ 3. سابعاً: زيادة الحسنات، وكفة ميزانه ترجح بفقد ابنه لصبره عليه. ثامناً: تشييد قصر في الجنة ينتظره يسمى قصر الحمد والشكر والثناء وتشرف بالانتساب لمولاه عز شأنه "ابنوا لعبدي". (¬1) ليس على ديننا وعلى ملتنا الكاملة: (أ) الذي أقسم بغير الله أو صفة من صفاته. (ب) المخادع الفاسق الغشاش الذي يبعث الشقاق، ويدس بين الزوج والزوجة، أو بين الخادم ومخدومه، ففيه النهي عن النميمة، والكيد، والإفساد. (¬2) سلطانه. (¬3) جنوده. (¬4) فأقربهم درجة. (¬5) إغواء وإفساد. (¬6) فيقربه، ويحظى به، ويكرمه. (¬7) أي يمدحه، ويثني عليه. قال تعالى: حكاية عن إغوائه "قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط على مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم =

ترهيب المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس

الآيات القرآنية الدالة على حُسن المعاشرة (¬1) ترهيب المرأة أن تسأل زوجها الطلاق من غير بأس 1 - عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأةٍ (¬2) ¬

= سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم" (39 - 50 من سورة الحجر). (¬1) (أ) قال تعالى: "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً" (19 من سورة النساء). (ب) وقال تعالى: "فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزواً واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم" (231 من سورة البقرة)، وقال تعالى: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم" (228 من سورة البقرة)، وقال تعالى: "اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" (8 من سورة المائدة)، وقال تعالى: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا" (3 من سورة النساء) والمعنى ذلك أقرب ألا تفتقروا، فكأن زواج واحدة يدعو إلى الغنى، والتعداد يدعو إلى الظلم والفقر، وقال تعالى: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً" (4 من سورة النساء) نحلة: عطية، والمعنى حافظوا على صداق المرأة وأدوه كاملاً، وفيه النهي عن خطبة الغير، قال تعالى: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (87 من سورة المائدة)، فالله تعالى نهى عن التعدي، وتجاوز الحدود المعقولة، قال تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاً وإثماً مبيناً" (58 من سورة الأحزاب) أي فعلوا افتراءً، وتحملوا جوراً وارتكبوا ذنباً عظيماً، وفي اختيار المرأة الصالحة، قال تعالى: "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم" (32 من سورة النور)، وقال تعالى: "ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً" (25 - 28 من سورة النساء). (¬2) أي امرأة فما إعرابها زائدة.

ترهيب المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة متزينة

سألت (¬1) زوجها طلاقها من غير ما بأسٍ (¬2)، فحرامٌ (¬3) عليها رائحة الجنة" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجة، وابن حبان في صحيحه والبيهقي في حديث قال: وإن المختلعات (¬4) هنَّ المنافقات (¬5)، وما من امرأةٍ تسأل زوجها الطلاق من غير بأسٍ فتجدُ ريح الجنة، أو قال: رائحة الجنة. 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض (¬6) الحلال إلى الله الطلاق (¬7) " رواه أبو داود وغيره. [قال الخطابي]: والمشهور فيه عن محارب بن دثار عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل لم يذكر فيه ابن عمر، والله أعلم. ترهيب المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة متزينة 1 - عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلُّ عينٍ زانيةٌ، والمرأة إذا استعطرت (¬8)، فمَرَّتْ بالمجلس كذا وكذا، يعني زانيةٌ (¬9) " رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه النسائي، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهم، ولفظهم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) طلبت. (¬2) عذر شرعي، أو تضييق، أو سبب قوي. (¬3) أبعدها الله عن طيب الجنة. (¬4) يعني اللاتي يطلبن الخلع والطلاق من أزواجهن بغير عذر، يقال خلع امرأته خلعاً، وخالعها مخالعة، واختلعت هي منه فهي خالع، وأصله من خلع الثوب، والخلع أن يطلق زوجته على عوض تبذله له، وفائدته إبطال الرجعة إلا بعقد جديد، وفيه عند الشافعي خلاف هل هو فسخ أو طلاق؟ وقد يسمى الخلع طلاقاً. أ. هـ. نهاية ص 313 (¬5) المتذبذبات في الدين غير الثابتات فيه ذوات الإيمان الضعيف، والنفاق، والكذب، والاستهتار، قال تعالى: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً" (145 من سورة النساء)، والمعنى إيقاد العداوة، وبث الفتن، والخلاف من المرأة للزوج نفاق، وسوء عشرة، وقلة أدب، ويدل على ضعف في إسلامها، وثلمة في دينها لأنها لم تتذوق آداب الدين فتكرم زوجها وتحسن عشرته، وترضى به. (¬6) أي الشيء الجائز الفعل، والمراد غير الحرام، فيشمل المكروه. (¬7) لأنه قطع للعصمة الناشيء عنها التناسل الذي به تكثر هذه الأمة المحمدية. أ. هـ (جامع صغير). وقال الحفني "أبغض الحلال" أي لا يرضاه: أي لا يثيب عليه، فالمكروه يوصف بالبغض، كذا المباح بهذا المعنى. أ. هـ ص 22 جـ 1 (¬8) وضعت على نفسها العطر. (¬9) فاسقة، لأنها وجهت إليها أنظار الأجانب، والمطلوب العطر للزوج في البيت فقط.

"أيما امرأةٌ استعطرت، فمَرَّتْ على قومٍ ليجدوا (¬1) ريحها فهي زانيةٌ وكل عينٍ زانية" رواه الحاكم أيضاً، وقال صحيح الإسناد. 2 - وعن موسى بن يسار رضي الله عنه قال: "مَرَّتْ بأبي هريرة امرأةٌ وريحها تَعْصِفُ (¬2)، فقال لها: أين تُريدين (¬3) يا أمة الجبار؟ قالت: إلى المسجد. قال: وتَطَيَّبْتِ؟ قالتْ: نعم. قال: فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يقبلُ الله من امرأةٍ صلاةً خرجتْ إلى المسجد، وريحها تَعْصِفُ حتى تَرْجِعَ فتغتسل" رواه ابن خزيمة في صحيحه، قال: باب إيجاب الغسل على المطيبة للخروج إلى المسجد، ونفي قبول صلاتها إن صلت قبل أن تغتسل، إن صح الخبر. [قال الحافظ]: إسناده متصل، ورواته ثقات، وعمرو بن هاشم البيروتي ثقة، وفيه كلام لا يضر، ورواه أبو داود، وابن ماجة من طريق عاصم بن عبيد الله العمري، وقد مشاه بعضهم، ولا يحتج به: وإنما أُمِرَتْ بالغُسْلِ لِذَهَابِ رائحتها، والله أعلم. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأةٍ أصابت بخوراً (¬4) فلا تشهدنَّ معنا العشاء. قال أبو نقلٍ: الآخرةَ" رواه أبو داود والنسائي وقال: لا أعلم أحداً تابع يزيد بن خصيفة عن بشر بن سعيد على قوله: عن أبي هريرة، وقد خالفه يعقوب بن عبد الله بن الأشج، رواه عن زينب الثقفية، ثم ساق حديث بشر عن زينب من طرق به. 4 - ورويَ عن عائشة رضي الله عنها قالت: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجد دخلت امرأةٌ من مُزَيْنةَ تَرْفُل (¬5) في زينةٍ لها في المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناسُ انْهَوْا (¬6) نساءكم عن لُبْسِ الزينة والتبختر (¬7) في المسجد فإن بني إسرائيل لم يُلْعَنُوا حتى لَبِسَ نساؤهم الزينة وتبختروا في المسجد" رواه ابن ماجة. [قال الحافظ]: وتقدم في كتاب الصلاة جملة أحاديث في صلاتهن في بيوتهن. ¬

(¬1) ليشموا. (¬2) يشتد طيبه، من عصفت الريح عصفاً، وعصوفاً: اشتدت فهي عاصف وعاصفة. (¬3) إلى أي مكان تذهبين يا مخلوقة القهار وأمته؟ (¬4) عود الطيب فأحرقته. (¬5) تتحلى بأفخر الثياب، وأغلى الرياش، وأجد الحلي وأغلاه. (¬6) امنعوا وحذروهن. (¬7) المشي خيلاء.

الترهيب من إفشاء السر سيما ما كان بين الزوجين

الترهيب من إفشاء السر سيما ما كان بين الزوجين 1 - عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من شر (¬1) الناس عند الله منزلةً يوم القيامة الرجلُ يفضي (¬2) إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم يَنْشُرُ أحَدُهُما سرَّ صاحبه" وفي رواية: إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشرُ سرَّها" رواه مسلم وأبو داود وغيرهما. 2 - وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: "أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قُعُودٌ عنده فقال: لعل رجلاً يقول ما فعل بأهله، ولعل امرأةً تُخْبِرُ بما فعلتْ مع زوجها، فأرَمَّ القَوْمُ، فقلتُ: إي والله يا رسول الله إنهم ليفعلون وإنهنَّ ليفعلن؟ قال: فلا تفعلوا، فإنما مثلُ ذلك مثلُ شيطانٍ لقيَ شيطانةً فَغَشِيَهَا (¬3)، والناس ينظرون" رواه أحمد من رواية شهر بن حوشب. [أرم القوم]: بفتح الراء وتشديد الميم: أي سكتوا، وقيل: سكتوا من خوف ونحوه. 3 - ورويَ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا عسى أحدُكم أن يخلوَ بأهلهِ يُغْلِقُ باباً، ثم يُرْخِي سِتْراً، ثم يقضي حاجتهُ، ثم إذا خرج حَدَّثَ أصحابه بذلك، ألا عسى إحْدَاكنَّ أن تُغلق بابها وتُرْخي سترها فإذا قضت حاجتها حَدَّثَتْ صواحبها، فقالت امرأةٌ سَفْعَاءُ الخدَّيْن: والله يا رسول الله إنهنَّ ليفعلن، وإنهم ليفعلون؟ قال: فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثلُ شيطان لقيَ شيطانةً على قارعةِ الطريق، فقضى حاجتهُ منها، ثم انصرف وتركها" رواه البزار وله شواهد تقوّيه، ¬

(¬1) من أخبثهم، وأكثرهم شروراً ونفاقاً. (¬2) يؤدي ما عنده. (¬3) واقعها، وارتكب معها الفاحشة فكأن إبداء السر مثل معصية الفسق جهاراً نهاراً، ينهى صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتحدثوا بما يفعلون مع أزواجهم من التكلم في النكاح، وكل شيء عمل سراً لأن ذلك يدل على الوقاحة، وسوء الأدب، والإنسان يصرف وقته في طاعة، وحديثه في فائدة، وهذا لغو يؤاخذ عليه، ويجر إلى الاستهتار والمجون.

كتاب اللباس والزينة

وهو عند أبي داود مطولاً بنحوه من حديث شيخ من طفاوة، ولم يسمه عن أبي هريرة. 4 - وعن أبي سعيد الخدري أيضاً رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "السِّبَاعُ حرَامٌ، قال ابن لهيعة: يعني به الذي يفتخرُ بالجماع" رواه أحمد، وأبو يعلى، والبيهقي، كلهم من طرق درّاج عن أبي الهيثم، وقد صححها غير واحد. [السباع]: بكسر السين المهملة بعدها باء موحدة: هو المشهور، وقيل: بالشين المعجمة. 5 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المجْلِسُ (¬1) بالأمانة إلا ثلاث مجالس: سَفكُ دمٍ حرامٍ، أو فَرْجٌ حَرَامٌ، أو اقتطاعُ مالٍ بغير حقٍ" رواه أبو داود من رواية ابن أخي جابر بن عبد الله، وهو مجهول، وفيه أيضاً عبد الله بن نافع الصائغ، روى له مسلم وغيره، وفيه كلام. 6 - وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حدَّثَ رجلٌ رجلاً بحديثٍ، ثم التفتَ فهو أمانةٌ" رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب. [قال الحافظ] ابن عطاء المدني: ولا يمنع من تحسين الإسناد، والله أعلم. كتاب اللباس والزينة الترغيب في لبس الأبيض من الثياب 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البسوا مِنْ ثيابكمُ البياض، فإنها من خير ثيابكم، وَكَفِّنُوا فيها موتاكم" رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه. 2 - وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البَسُوا ¬

(¬1) أي كل حديث يكون في المجلس على وفق الشرع، فلا يتحدث بمعصية، ويزداد الإثم في ثلاثة: (أ) قتل. (ب) جماع. (جـ) ظلم وغصب.

الترغيب في القميص

البيَاضَ، فإنها أطهرُ وأطيبُ، وكفنوا فيها موتاكم" رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، والنسائي، وابن ماجة، والحاكم وقال صحيح على شرطهما. 3 - وروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن ما زُرْتمُ الله عز وجل به في قبوركم ومساجدكمُ البياضُ" رواه ابن ماجة. الترغيب في القميص والترهيب من طوله وطول غيره مما يلبس، وجرِّه خيلاء، وإسباله في الصلاة وغيرها 1 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان أحبَّ الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص" روه أبو داود، والنسائي والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وابن ماجة، ولفظه، وهو رواية لأبي داود: لم يكن ثوبٌ أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القميص. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسفلَ منَ الكعبينِ من الإزار ففي النار" رواه البخاري والنسائي، وفي رواية النسائي: "إزْرَةُ المؤمن إلى عَضْلَةِ ساقه، ثم إلى نصف ساقهِ، ثم إلى كَعْبِهِ، وما تحت الكعبين من الإزار ففي النار". 3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإزار فهو في القميص" رواه أبو داود. 4 - وعن العلاء بن عبد الرحمن رضي الله عنه عن أبيه قال: "سألت أبا سعيدٍ عن الإزار فقال: على الخبير بها سقطتَ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أزْرَةُ المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج، أو قال: لا جُناح عليه فيما بَيْنَهُ، وبين الكعبين وما كان أسفل (¬1) من ذلك فهو في النار، ومن جرَّ إزارهُ بطراً (¬2) لم ينظرُ (¬3) الله إليه يوم القيامة" رواه مالك، وأبو داود والنسائي، وابن ماجة، وابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) أي ما دونه من قدم صاحبه في النار عقوبة له، أو على أن هذا الفعل معدود في أفعال أهل النار، ومنه إزرة المؤمن بالكسر: الحالة وهيئة الائتزار مثل الركبة، والجلسة. أ. هـ. (¬2) رياء، ومفاخرة، وعجباً. (¬3) لم يرحمه.

5 - وعن أنس رضي الله عنه قال: "حَمِيدٌ كأنه يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإزار إلى نصف الساق فشقَّ عليهم، فقال: أو إلى الكعبين لا خيرَ فيما في أسفل من ذلك" رواه أحمد ورواته رواة الصحيح. 6 - وعن زيد بن أسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "دخلتُ على النبي صلى الله عليه وسلم وعليَّ إزارٌ يَتَقَعْقَعُ (¬1) فقال: مَنْ هذا؟ فقلتُ عبد الله بن عمر قال: إن كنت عَبْدَ اللهِ، فارفعْ إزاركَ فرفعتَ إزاري إلى نصف الساقين، فلم تزل أُزْرَتهُ حتى مات" رواه أحمد، ورواته ثقات. 7 - وعن أبي ذرٍ الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا يُكلمهمُ الله يوم القيامة، ولا ينظرُ إليهم، ولا يُزكيهمْ، ولهم عذابٌ أليمٌ. قال: فقَرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مراتٍ. قال أبو ذرٍ: خابوا وخسروا. مَنْ هُمْ يا رسول الله؟ قال: المُسْبِلُ، والمنان (¬2)، والمنفقُ (¬3) سِلْعَتَهُ بالحلف الكاذب" وفي رواية: المسبل إزاره" رواه مسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة. [المسبل]: هو الذي يطوِّل ثوبه، ويرسله إلى الأرض كأنه يفعل ذلك تجبراً واختيالاً. 8 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسبالُ في الإزار، والقميص، والعمامة، مَنْ جَرَّ شيئاً خُيلاء (¬4) لم ينظر الله إليه يوم القيامة" رواه أبو داود والنسائي، وابن ماجة من رواية عبد العزيز بن أبي روّاد، والجمهور على توثيقه. 9 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء" رواه مالك والبخاري، ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. 10 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) يضطرب ويتحرك. (¬2) كثير المن الثرثار المحسن، ويذيع فعله. (¬3) المروج بضاعته بالأيمان الكاذبة. (¬4) تكبراً، وتجبراً، وتفاخراً، ففيه الاقتصاد في الجلباب، وعدم إطالته.

"لا ينظرُ الله يوم القيامة إلى من جَرَّ إزارهُ بطراً" رواه مالك والبخاري، ومسلم وابن ماجة إلا أنه قال: من جر ثوبه من الخيلاء. من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة 11 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله إن إزاري يَسْتَرْخِي (¬1) إلا أن أتعاهده (¬2)، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لست ممن يفعله خُيلاء" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. ولفظ مسلم قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُذني هاتين يقول: من جرَّ إزاره لا يريدُ بذلك إلا المخيلة (¬3)، فإن الله عز وجل لا ينظر إليه يوم القيامة. [الخيلاء]: بضم الخاء المعجمة وكسرها أيضاً وبفتح الياء المثناة تحت ممدوداً: هو الكبر والعجب. [والمخيلة]: بفتح الميم، وكسر لخاء المعجمة، من الاختيال، وهو الكبر واستحقار الناس. 12 - وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بِحُجْزَةِ سفيان بن أبي سهلٍ، فقال: يا سفيان لا تُسْبلْ (¬4) إزارك، فإن الله لا يحب المسبلين" رواه ابن ماجة، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له. [قال الحافظ]: ويأتي إن شاء الله تعالى في طلاقة الوجه حديث أبي جريّ الهجيمي، وفيه: وإياك وإسبال الإزار، فإنه من المخيلة ولا يُحبها الله. 13 - وعن هبيب بن مُغْفِل بضم الميم وسكون المعجمة وكسر الفاء، رضي الله عنه "أنه رأى محمداً القرشي قام فَجَرَّ إزارهُ، فقال هبيبٌ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ وَطِئَهُ (¬5) خُيلاء وَطِئَهُ (¬6) في النار" رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو يعلى والطبراني. 14 - ورويَ عن بريدة رضي الله عنه قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل رجلٌ من قريشٍ يَخْطُرُ (¬7) في حُلَّةٍ له، فلما قام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بُريدةُ: هذا لا يقيمُ (¬8) الله له يوم القيامة وزناً" رواه البزار. ¬

(¬1) يطول. (¬2) أرفعه عن الأرض. (¬3) العجب والغطرسة. (¬4) لا تطوله. (¬5) مشى بثوبه على سبيل الكبر. (¬6) مشى به في جهنم. (¬7) يتحرك، ويتباهى، ويمر. (¬8) لا حسنات له، فيرمى في النار رمياً.

15 - وروي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن مجتمعون، فقال: يا معشر المسلمين، اتقوا الله وَصِلُوا أرْحَامَكم (¬1)، فإنه ليس من ثوابٍ أسرعُ من صلة الرحم، وإياكم والبغيَ (¬2) فإنه ليس من عقوبةٍ أسرعُ من عقوبةِ بغيٍ، وإياكم وعقوق الوالدين (¬3)، فإن ريح الجنةِ يُوجدُ من مسيرةِ ألف عامٍ، والله لا يجدها عاقٌ (¬4)، ولا قاطعُ (¬5) رحمٍ، ولا شيخٌ زانٍ (¬6)، ولا جارٌّ إزارهُ (¬7) خُيلاء، إنما الكبرياء (¬8) لله رب العالمين (¬9) " الحديث رواه الطبراني في الأوسط. 16 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من جر ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، وإن كان على الله كَرِيماً (¬10) " رواه الطبراني من رواية علي بن يزيد الألهاني. 17 - ورويَ عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتاني جبريل عليه السلام فقال لي: هذه ليلةُ النصف من شعبان؛ ولله فيها عُتَقاء (¬11) مِنَ ¬

(¬1) زوروا وودوا أقاربكم. (¬2) احذروا الظلم. (¬3) احذروا شق عصا الطاعة على الأبوين وعدم برهما. (¬4) عاص والديه. (¬5) غير واصل أقاربه. (¬6) كبير في السن، وفاسق مرتكب الفاحشة. (¬7) مطول ثوبه يجره تكبراً. (¬8) العظمة، والجلال لله مالك الملك سبحانه. (¬9) الإنس، والجن، والحجر، والمدر، وكل شيء. (¬10) والمعنى ولو كانت أفعاله حميده يشينها الكبر. (¬11) مبعدون منها. الآيات القرآنية الناهية عن الكبر والعجب والخيلاء أولاً: قال الله تعالى: "ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة" (37 - 39 من سورة الإسراء). ثانياً: وقال تعالى: "ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً، إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير" (19 من سورة لقمان). ثالثاً: وقال تعالى: "سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين" (146 من سورة الأعراف). رابعاً: وقال تعالى: "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق" (9 من سورة الحج). خامساً: وقال تعالى: "ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها فبشره بعذابٍ أليم" (7 - 8 من سورة الجاثية). =

النار بعدد شعر غنمِ كَلْبٍ لا ينظرُ الله فيها إلى مشركٍ (¬1)، ولا إلى مُشاحنٍ (¬2)، ولا إلى قاطع رحمٍ (¬3) ولا إلى عاقٍ (¬4) لوالديه، ولا إلى مدمن (¬5) خمرٍ" رواه البيهقي. 18 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أسبل (¬6) إزاره في صلاته خُيلاء فليس من الله في حِلٍّ (¬7)، ولا حَرَامٍ" رواه أبو داود وقال: وروه جماعة موقوفاً على ابن مسعود. 19 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بينما رجلٌ يُصلي مُسبلاً إزاره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ، فذهب فتوضأ ثم جاء، ثم قال له: اذهب فتوضأ، فقال له رجلٌ آخرُ: يا رسول الله: ما لك أمرتهُ أن يتوضأ، ثم سكتَّ عنه؟ قال: إنه كان يصلي وهو مسبلٌ إزاره، وإن الله لا يقبل صلاة رجلٍ مُسبلٍ (¬8) " رواه أبو داود، وأبو جعفر المدني، إن كان محمد بن علي بن الحسين فروايته عن أبي هريرة مرسلة، وإن كان غيره فلا أعرفه. ¬

= سادساً: وقال تعالى: "أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون" (87 من سورة البقرة). سابعاً: وقال تعالى: "وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً" (7 من سورة نوح): أي جعلوا ثيابهم غطاءً لهم، وأعرضوا عن دعوة الرسول أنفة وكبراً، فحرموا من الخير. ثامناً: وقال تعالى: "إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين" (40 من سورة الأعراف) فتجد الكبر مانعاً من رحمة الله، ومبعداً من دخول الجنة، وهل يعقل جمل مع ضخامته يدخل في ثقب إبرة ضيق، كناية عن أن هذا مستحيل مادام المتكبر متكبراً غير عامل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. تاسعاً: وقال تعالى: "فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين" (22 - 23 من سورة النحل) فالذي دعا إلى الإنكار ليوم الجزاء الاستكبار والتعنت والعناد، والله تعالى عليم بأسرار عباده يكره المتكبرين. عاشراً: وقال تعالى: "قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون" (48 من سورة الأعراف) تجد جمعاً لا فائدة فيه لاستكباره. (¬1) جعل لله شريكاً. (¬2) مشاكس يحب النزاع والخصام. (¬3) بينه وبين أقاربه عداوة. (¬4) عاص أبويه. (¬5) مكثر من شرب الخمر. (¬6) طول ثوبه، وأرسله كبراً واختيالاً. (¬7) أفعاله الطيبة، وأعماله الحلال غير مقبولة، وكذا الحرام أشد. (¬8) مرخ ثيابه تكبراً.

الترغيب في كلمات يقولهن من لبس ثوبا جديدا

الترغيب في كلمات يقولهن من لبس ثوباً جديداً 1 - عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل طعاماً فقال: الحمدُ لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه (¬1) من غير حولٍ مني ولا قوةٍ غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوةٍ، غُفر له ما تقدم من ذنبهِ وما تأخر" رواه أبو داود والحاكم، ولم يقل: وما تأخر، وقال: صحيح الإسناد، وروى الترمذي؛ وابن ماجة شطره الأول؛ وقال الترمذي: حديث حسن غريب. [قال الحافظ] عبد العظيم: رواه هؤلاء الأربعة من طريق عبد الرحيم أبي مرحوم عن سهل بن معاذ عن أبيه؛ وعبد الرحيم وسهل يأتي الكلام عليهما. 2 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "لبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري (¬2) به عورتي؛ وأتجمل به (¬3) في حياتي؛ ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي؛ وأتجمل به في حياتي، ثم عمد إلى الثوب الذي أُخْلِقَ (¬4) فتصدق به كان في كَنَفِ (¬5) الله، وفي حفظ الله، وفي ستر الله حياً وميتاً" رواه الترمذي واللفظ له؛ وقال: حديث غريب، وابن ماجة، والحاكم كلهم من رواية أصبغ بن زيد عن أبي العلاء عنه؛ وأبو العلاء مجهول؛ وأصبغ يأتي ذكره؛ ورواه البيهقي وغيره من طريق عبيدالله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عنه فذكره؛ وقال فيه: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من لبس ثوباً؛ أحْسِبُهُ قال: جديداً فقال: حين يبلغُ تَرْقُوَتَهُ مثل ذلك؛ ثم عمد إلى ثوبه الخلق فكساه مسكيناً لم ¬

(¬1) ساقه إليَّ تفضلاً. (¬2) أستر. (¬3) أتزين وأتكمل. (¬4) أي بلى. (¬5) رعايته ورحمته مدة حياته، وفي نعيمه بعد موته. قال تعالى: "لئن شكرتم لأزيدنكم"، وقال تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين" (9 - 10 من سورة يونس).

الترهيب من لبس النساء الرقيق من الثياب التي تصف البشرة

يَزَلْ في جوار الله، وفي ذمة الله، وفي كنفِ الله حياً وميتاً ما بقي من الثوب سِلْكٌ" زاد في بعض رواياته قال يس: فقلتُ لعبيد الله من أيِّ الثوبين؟ قال: لا أدري. 3 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنعمَ الله على عبدٍ نعمةً فعلمَ أنها من الله إلا كتبَ الله له مغفرةً قبل أن يستغفرهُ، وما اشترى عبدٌ ثوباً بدينارٍ، أو نصفَ دينارٍ فلَبِسَهُ فحمد الله عز وجل إلا لم يبلغ رُكبتيهِ حتى يغفر الله له" رواه ابن أبي الدنيا، والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: رواته لا أعلم فيهم مجروحاً؛ كذا قال. الترهيب من لبس النساء الرقيق من الثياب التي تصف البشرة 1 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون في آخر أمتي رجالٌ يركبون على سُرُجٍ (¬1) كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسياتٌ (¬2) عارياتٌ (¬3) على رءوسهنَّ كأسنمة (¬4) البُخْتِ العِجَافِ الْعَنُوهُنَّ (¬5) فإنهنَّ ملعونات، لو كان وراءكم أمةٌ من الأمم خدَمتهُنَّ نساؤكم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم" رواه ابن حبان في صحيحه واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) وطاء ممهد، وغطاء على ظهر الحصان كما أن الرحال جمع رحل: غطاء معدود للركوب على ظهر البعير، والمعنى يكثر عزهم، ويزداد ترفهم، ويأتون بأبهتهم تنتظرهم الجياد على أبواب المساجد، وإيمانهم لم يدع إلى ترك نسائهم التبرج والخلاعة. (¬2) عليها من الحلي، والملابس الفاخرة. (¬3) أذرعهن، وصدورهن مكشوفة، قال النووي: كاسيات من نعمة الله، أو تستر بعض بدنها، عاريات من شكرها، أو تكشف بعض بدنها إظهاراً لجمالها ونحوه، وقيل تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها مثل نساء هذا الزمن يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن مشية البغايا (كأسنمة البخت) أي يكبرن رءوسهن، ويعظمنها بلف عصابة أو عمامة أو نحوها والله أعلم، أ. هـ (مختار الإمام مسلم). صلى الله وسلم عليك يا رسول الله تصف نساء هذا الزمن. (¬4) جمع سنام: ظهور الإبل المهزولة. (¬5) اطلبوا لعنة الله لهن بطردهن من رحمته.

صنفان من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سياطٌ كأذنابِ البقرِ يضربون بها الناس ونساء كاسياتٌ عارياتٌ مميلاتٌ (¬1) مائلاتٌ رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يجدن (¬2) ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" رواه مسلم وغيره. إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا الوجه والكف 3 - وعن عائشة رضي الله عنها: "أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثيابٌ رِقَاقٌ (¬3)، فأعرضَ (¬4) عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: يا أسماء: إن المرأة إذا بلغت المحيض (¬5) لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا. وأشار إلى وجهه وكفيه" رواه أبو داود. وقال: هذا مرسل. وخالد بن دريك لم يدرك عائشة. ¬

(¬1) فاتنات يعلمن غيرهن فعلهن المذموم، ويكن قدوة سيئة ويمشين مع الشباب لغوايتهن فاتنات حبالة الشيطان وشرك الضلالة، ومصيدة الدعارة، أنبأ صلى الله عليه وسلم فساد اللاحقين في آخر الزمن، وأخبر عن صفاتهم ينغمسون في الترف، ويزداد بذخهم، ويكثر خيرهم، وتزهر دنياهم، ولكن وا أسفاه قد يصلي بعضهم ولا يفقهها، ولا يجاوز إيمانهم حناجرهم، ويتركون الحرية لأزواجهن يتبرجن، ويخرجن غير محتشمات وغير متخفرات يتفنن في زي الخلاعة، ويتغالين في تقليد الأجنبي، ثم طلب صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن يذموهم، ويهجروا مجالسهم، ويدعوا عليهم بالطرد واللعنة، لماذا؟ لأن الأزواج راضون عن فعل أزواجهم وبناتهم، والسكوت على عدم المنع دليل الرضا، إن هؤلاء في جهنم لا يقربون من رائحة الجنة. الآيات القرآنية الدالة على التخلق بآداب الشرع: (أ) قال تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" (90 من سورة النحل). (ب) وقال تعالى: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة" (228 من سورة البقرة)، الله أكبر أعطى الله الأزواج درجة الرياسة، والسيطرة، والنفوذ المطلق، والكلمة المسموعة. لماذا؟ ليحشمها وليردعها وليمنعها من غوايتها، وليقومها، ويصلح إعوجاجها، ويرشدها إلى سعادتها في الدنيا والآخرة، وفرض سبحانه على المرأة طاعة الزوج ليعيشا في خير. (جـ) وقال تعالى: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله" (33 من سورة الأحزاب) (د) وقال تعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن" (31 من سورة النور). (هـ) وقال تعالى: "تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون" (229 من سورة البقرة). (و) وقال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب" (7 من سورة الحشر). (¬2) ولا يشممن ريحها. (¬3) تظهر ما تحتها، وتشف. (¬4) امتنع عن النظر إليها. (¬5) الحيض "هذا شيء كتبه الله على بنات آدم".

ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهب وترغيب النساء في تركهما

ترهيب الرجال من لبسهم الحرير وجلوسهم عليه والتحلي بالذهب وترغيب النساء في تركهما 1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا الحرير، فإنه من لَبِسَهُ في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" رواه البخاري، ومسلم، والترمذي والنسائي، وزاد وقال ابن الزبير: من لبسه في الدنيا لم يدخل الجنة. قال الله تعالى: "وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ". 2 - وعنه رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما يلبسُ الحريرَ من لا خَلاقَ له (¬1) " رواه البخاري وابن ماجة والنسائي في رواية: مَنْ لا خلاق له في الآخرة. 3 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه" رواه النسائي وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال صحيح الإسناد. 4 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسهُ في الآخرة" رواه البخاري، ومسلم، وابن ماجة. 5 - وعن علي رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعلهُ في يمينه وذَهَباً فجعله في شماله، ثم قال: إن هذين حرامٌ على ذكور أمتي" رواه أبو داود والنسائي. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة، ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب بها في الآخرة، ثم قال: لباسُ ¬

(¬1) لا نصيب له.

أهل الجنة وشراب أهل الجنة، وآنية أهل الجنة" رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد. 7 - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "أهديَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فَرُّوجُ حريرٍ فَلَبِسَهُ، ثم صلى فيه، ثم انصرف فنزعهُ نزعاً شديداً (¬1) كالكارِهِ له، ثم قال: لا ينبغي هذا للمتقين" رواه البخاري ومسلم. [والفروج]: بفتح الفاء، وتشديد الراء وضمها وبالجيم: هو القباء الذي شق من خلفه. 8 - وعن أب رُقية رضي الله عنه قال: "سمعت مَسْلَمَةَ بن مَخْلَدٍ وهو على المنبر يخطبُ الناس يقول: يا أيها الناس أما لكم في العَصْبِ والكتان ما يُغنيكم عن الحرير وهذا رجلٌ يخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُمْ يا عقبةُ، فقام عقبةُ بن عامر، وأنا أسمعُ، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كذب (¬2) عليَّ متعمداً فليتبوأ (¬3) مقعده من النار، وأشهدُ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من لبس الحرير في الدنيا حَرَمَهُ (¬4) أن يلبسه في الآخرة" رواه ابن حبان في صحيحه. [العصب]: بفتح العين، وسكون الصاد مهملتين: هو ضرب من البرود. 9 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشربَ في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لُبْسِ الحرير والديباج (¬5)، وأن نجلس عليه" رواه البخاري. 10 - ورويَ عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يستمتعُ بالحرير من يرجو (¬6) أيَّامَ الله" رواه أحمد، وفيه قصة. 11 - وعن أبي هريرة رضي الله قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما يلبسُ الحرير في الدنيا من لا يرجو أن يلبسهُ في الآخرة. قال الحسن: فما بالُ أقوامٍ يبلغهمْ هذا عن نبيهم فيجعلون حريراً في ثيابهم وبيوتهم" رواه أحمد من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن عنه. ¬

(¬1) خلعه ورماه رمية الغضبان لأنه زي الترف والبذخ، ولا يتحلى به المتقون الأبرار. (¬2) أخبر بغير الواقع. (¬3) فليأخذ مكانه في جهنم. (¬4) منعه الله أن يتمتع به في الجنة. (¬5) ثوب سداه ولحمته أبريسم. (¬6) ينتظر نعيم الله في الجنة.

إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار .. إلخ 12 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استحلت أُمتي خمساً فعليهمُ الدمار (¬1) إذا ظهر التلاعُنُ (¬2)، وشربوا الخمور، ولبسوا الحرير، واتخذوا القينات (¬3)، واكتفى الرجالُ بالرجال (¬4)، والنساء بالنساء" رواه البيهقي عقيب حديث، ثم قال: إسناده وإسناد ما قبله غير قوي غير أنه إذا ضم بعضه إلى بعض أخذ قوةً. 13 - وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: "استأذن سعدٌ رضي الله عنه على ابن عامرٍ، وتحتهُ مَرَافِقُ من حريرٍ، فأمَرَ بها فرُفعت فدخل عليه وهو على مَطْرَفٍ مِنْ خَزٍ، فقال له: استأنت وتحتي مَرَافِقُ من حريرٍ، فأمَرْتُ بها فرفعت، فقال له: نِعْمَ الرجلُ أنت يا ابن عامرٍ إن لم تكن ممن قال الله: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا، والله لأن أضطجع على جَمْرِ الغضا أحبُّ إليَّ أن أضطجع عليها" رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما. [المرافق]: بفتح الميم جمع مرفقة بكسرها: وفتح الفاء: وهي شيء يتكأ عليه شبيه بالمخدة. 14 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جُبَّةً مُجيَّبَةً بحريرٍ، فقال: طَوْقٌ من نارٍ يوم القيامة" رواه البزار والطبراني في الأوسط، ورواته ثقات. [مجيبة]: بضم الميم، وفتح الجيم بعدهما ياء مثناة تحت مفتوحة، ثم باء موحدة: أي لها جيب بفتح الجيم من حرير، وهو الطوق. 15 - وعن جويرية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لبس ثوبَ حريرٍ في الدنيا ألبسهُ الله عز وجل يوماً، أو ثوباً من النار يوم القيامة" ¬

(¬1) حل بهم الخراب. (¬2) الفسوق، وفي النهاية: وأصل اللعن الطرد، والإبعاد من الله، ومن الخلق السب والدعاء، وفي حديث اللعان: فالتعن، هو افتعل من اللعن: أي لعننفسه، واللعان والملاعنة بين اثنين فصاعداً. أ. هـ. (¬3) المغنيات الفتيات الملهية المسلية التي يتخذها الرجل بلا نكاح شرعي. (¬4) رضي الأعزب بعيشه ولم يتزوج، وكذا الفتاة، وتنتشر العزوبة وتقل الرغبة في النكاح.

وفي روايةٍ: من لبس ثوب حريرٍ في الدنيا ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلةٍ (¬1) من النار، أو ثوباً من النار" رواه أحمد والطبراني، وفي إسناده جابر الجعفي، ورواه البزار عن حذيفة موقوفاً: من لبس ثوب حريرٍ ألبسهُ الله يوماً من نارٍ ليس من أيامكم، ولكن من أيام الله الطوَال. 16 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه: "أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يؤمن بالله واليومِ الآخرِ فلا يلبس حريراً، ولا ذهباً" رواه أحمد ورواته ثقات. من لبس ثوب حرير ألبسه الله يوماً من نار 17 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات من أمتي وهو يشربُ الخمرَ حَرَّمَ (¬2) الله عليه شُربها في الجنة، ومن مات من أمتي وهو يتحلى بالذهب (¬3) حَرَّمَ (¬4) الله عليه لِبَاسَهُ في الجنة" رواه أحمد، ورواته ثقات، والطبراني. 18 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذَهَبٍ في يد رجلٍ فنزعه وطرحه، وقال: يَعْمِدُ أحدكم إلى جمرةٍ (¬5) من نارٍ فيطرحها في يده، فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خُذْ خاتمك انتفع به؟ فقال: لا والله لا آخذهُ، وقد طرحه (¬6) رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه مسلم. 19 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه: "أن رجلاً قَدِمَ من نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه خاتمٌ من ذهبٍ فأعرضَ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنك جئتني، وفي يدك جمرةٌ (¬7) من نارٍ" رواه النسائي. 20 - وعن خليفة بن كعبٍ رضي الله عنه قال: "سمعت ابن الزبير يخطبُ ويقولُ: لا تُلْبِسُوا نساءكم الحرير، فإني سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال ¬

(¬1) الذلة، لأنه خالف سُّنة نبيه صلى الله عليه وسلم في لبس الحرير. (¬2) منع، من حرم الشيء حرماً مثل عسر عسراً: امتنع فعله. (¬3) يتخذه زينة. (¬4) لم يتمتع بزينته في الجنة. (¬5) قطعة متقدة ملتهبة لأنه مخالف عاص لله ورسوله. (¬6) رماه صلى الله عليه وسلم ونهى عنه. (¬7) قطعة نار، رأى صلى الله عليه وسلم ذلك الخاتم في أصبع صاحبه كأنه نار ملتهبة، وفيه الترهيب من التحلي بالذهب، وإن قل للرجال.

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا الحريرَ، فإنه من لبسهُ في الدنيا لم يلبسهُ في الآخرة (¬1) " رواه البخاري ومسلم والنسائي، وزاد في روايةٍ: ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة. قال تعالى: وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِير. 21 - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمنع أهل الحلية والحرير ويقول: إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها في الدنيا" رواه النسائي، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 22 - وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: من ترك الخمرَ وهو يقدرُ عليه (¬2) لأسْقِيَنَّهُ منهُ في حظيرةِ القُدْسِ (¬3)، ومن ترك الحريرَ وهو يقدرُ عليه لأكسونه إياه في حظيرة القدس" رواه البزار بإسناد حسن، ويأتي في باب شرب الخمر أحاديث نحو هذا إن شاء الله تعالى. 23 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَرَّهُ أن يسقيهُ الله الخمرَ في الآخرة فليترُكها (¬4) في الدنيا، ومن سَرَّهُ أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركهُ في الدنيا" رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات إلا شيخه المقدام بن داود، وقد وثق، وله شواهد. 24 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويلٌ للنساء من الأحَمَرَيْنِ: الذهب (¬5)، والمعصفرِ (¬6) " رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) للتمتع به كما قال الله تعالى: "إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد" (23 - 24 من سورة الحج)، يقولون: الحمد لله الذي صدقنا وعده، فالآخرة دار نعيم أو جحيم، فنهى صلى الله عليه وسلم عن التمتع بالحرير، والذهب في الدنيا ليؤجل النعيم بهما في الدار الآخرة تفضلاً من الغني الذي كنوزه لا تنفد، وفضله لا نهاية له، والدنيا تحتاج إلى اقتصاد وخشونة ورجولة والإنفاق في الإنتاج. (¬2) عنده مال يمكنه أن يشرب الخمر، ومنع نفسه حباً في ثواب الله تعالى، ويقدر عليه، كذا (د وع ص 40)، وفي (ن ط): ويقدر عليها. (¬3) الدار المطهرة، وهي الآخرة. (¬4) أمره أن يتركها ليتمتع بلذتها في الآخرة. (¬5) هذا قبل تحليل استعمال النساء للذهب، فقد أباح الله لهن التحلي به تكرماً وتفضيلاً، ليزدن بهاء في نظر أزواجهن وجمالاً وكمالاً. (¬6) الثياب الملونة البهيجة الوضاءة الجذابة التي تفتن غير الأزواج.

رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم منزلة الفقراء والأغنياء والنساء في الجنة 25 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُرِيتُ (¬1) أني دخلتُ الجنة، فإذا أعالي أهل الجنة فقراءُ المهاجرين (¬2)، وَذَرَارِي المؤمنين، وإذا ليس فيها أحدٌ أقل من الأغنياء والنساء، فقيل لي: أما الأغنياء فإنهم على الباب يُحاسبون وَيُمَحَّصُونَ، وأما النساء فَألْهَاهُنَّ الأحْمَرَانِ: الذهبُ، والحريرُ" الحديث رواه أبو الشيخ ابن حبان وغيره من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم عنه. 26 - وتقدم حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يبيتُ (¬3) قومٌ من هذه الأمة على طُعْمٍ، وشُرْبٍ، ولهوٍ ولعبٍ فيصبحون (¬4)، وقد مُسِخُوا قِرَدَةً وخنازير، وَلَيُصِيبَنَّهُمْ (¬5) خَسْفٌ، وَقَذْفٌ حتى يُصبح الناس، فيقولون: خُسِفَ الليلة ببني فلان، وخُسِفَ الليلة بدار فلان، وَلَيُرْسَلَنَّ عليهم (¬6) حجارةٌ من ¬

(¬1) أراني الله تعالى، أريت كذا (ط وع ص 41 - 52)، وفي (ن د) رأيت. (¬2) فقراء المهاجرين الذين انتقلوا من أوطانهم: من مكة إلى المدينة المنورة مع أطفال المؤمنين في أسمى الدرجات وأعلاها في الجنة، وعدد الأغنياء فيها قليل جداً بالنسبة لكثرتهم، فعرف صلى الله عليه وسلم سبب عدم فوزهم بالتنعم في هذه الأمكنة المفتخرة: (أ) الأغنياء واقفون للحساب يحاسبون على ما أعطاهم ربهم في حياتهم ماذا عملوا فيه؟ هل أنفقوا أموالهم في طاعة، وبر وإنشاء مشروعات الخير، وتشييد صروح المحامد بالصدقات. (ب) النساء يحاسبن على إنكارهن إحسان الزوج، ونعيمه، وعلى أعمالهن وشغلهن الذهب والحرير عن الأعمال الصالحة، والمعنى يسبق إلى الجنة الفقراء أولاً، ثم يؤخر أصحاب الثراء والغنى حتى يسألوا كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر "اطلعت على الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، وأهل الجد محبوسون" وفي حديث آخر: "أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن، قيل أيكفرن بالله؟ قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت ما رأيت منك خيراً قط". (¬3) يظلون طيلة ليلهم يتمتعون بصنوف النعيم، وهم غافلون عن الله تعالى، وعن حقوقه وذكره وتسبيحه. (¬4) فيخرج عليهم اليوم، وقد غير الله بهاءهم، وأخذ حسنهم، وشابهوا القردة والخنازير في الدناءة، والخسة، والحقارة، وقد قرأت لأحد الأولياء أن دعاء قوم لزيارتهم فلبى دعوتهم، ولما ذهب إليهم نظر إلى وجوههم فلم يجد صور الآدميين: بل كانوا مثل القردة، والخنازير في عينه ففر هارباً، وما جلس عندهم دقيقة واحدة، وهرول يستغفر الله تعالى، ويتوب إليه. (¬5) أي أفعالهم تستوجب الخسف، وهدم الأرض، وزلزالها بالتخريب والدمار، ولكن الله جل وعلا وعد خير الخلق أن يؤجل حساب أمته ليوم القيامة. (¬6) أفعالهم القبيحة يترتب عليها الهلاك كما أحاط بالأمم السابقة، لماذا؟ لأفعالهم الذميمة القبيحة من شرب خمر، ولبس حرير، واتخاذ مغنيات فاتنات، وأكل الربا، وعدم مودة الأقارب. نسأل الله السلامة. =

السماء كما أُرسلت على قوم لوطٍ على قبائل فيها وعلى دُورٍ، ولَتُرْسَلَنَّ عليهمُ الريحُ العقيمُ التي أهلكت عاداً على قبائل فيها، وعلى دُورٍ بِشُرْبِهِمُ الخمر، ولُبْسِهِمُ الحريرَ، واتخاذهم القينات، وأكلهم الربا، وقطيعة الرحم، وَخَصْلَةٍ نسيها جعفرٌ" رواه أحمد والبيهقي. ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الخمر والحرير .. إلخ 27 - وعن عبد الرحمن بن غُنْمٍ الأشعري قال: "حدثني أبو عامر، وأبو مالكٍ الأشعري والله يمينٌ أخرى ما كَذَّبَنِي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الخمر والحرير، وذكرَ كلاماً قال: يمسخُ منهم قردةً وخنازير إلى يوم القيامة" رواه البخاري تعليقاً، وأبو داود، واللفظ له. ¬

_ = قال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب" (7 من سورة الحشر). وقال تعالى: "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين" (83 من سورة القصص). وقال تعالى: "أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون" (5 - 8 من سورة العنكبوت). ما جاء في لبس الحرير والتختم بالذهب كما قال أبو شجاع وصاحب كفاية الأخيار: (ويحرم على الرجال لبس الحرير والتختم بالذهب، ويحل للنساء، ويسير الذهب وكثيره سواء) يحرم على الرجال لبس الحرير، وكذا التغطية به، والاستناد إليه، وافتراشه، والتدثر به، وكذا اتخاذه بطانة، وستراً، وسائر وجوه الاستعمال، وحجة ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وفي رواية البخاري: "ونهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه" وعلة النهي أن فيه خيلاء، وخنوثة لا تليق بشهامة الرجال، ولهذا لا يلبسه إلا الأرذال الذين يتشبهون بالنساء الملعونين على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحل لبسه للنساء لقوله صلى الله عليه وسلم: "أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها" رواه الإمام أحمد في مسنده، وقال الترمذي حديث حسن صحيح، وفيه لطيفة شرعية: وهو أن لبسه يميل الطبع إلى وطء النساء، فيؤدي إلى ما طلبه سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم، وهو كثرة النسل. (وإذا كان بعض الثوب إبريسماً، وبعضه قطناً، أو كتاناً جاز لبسه ما لم يكن الإبريسم غالباً) حرم ما حرم استعماله من الحرير الصرف، وإذا ركب مع غيره مما يباح استعماله كالكتان وغيره، ما حكمه؟ ينظر إن كان الأغلب الحرير حرم، وإن كان الأغلب غيره حل تغليباً لجانب الأكثر، فالكثرة من أسباب الترجيح، فإن استويا فوجهان: الأصح الحل لأنه لا يسمى ثوب حرير، والأصل في المنافع الإباحة، والاعتبار بالوزن في الكثرة والقلة، واعلم أنه يحل الثوب المطرز والمطرف الذي جعل طرفه حريراً كالطوق، والفُرَجِ، ورءوس الأكمام، والذيل ظاهراً كان التطريف أو باطناً، والأصل في ذلك أحاديث منها ما رواه مسلم عن عمر رضي الله عنه =

الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك

الترهيب من تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في لباس أو كلام أو حركة أو نحو ذلك 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن (¬1) رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين (¬2) من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال" رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة والطبراني، وعنده: أن امرأة مَرَّتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مُتقلدةً (¬3) قَوْساً، فقال: لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء ¬

= قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا في موضع أصبع، أو أصبعين، أو ثلاث، أو أربع، وهذا في التطريف، والتطريز بالحرير، أما الذهب فإنه حرام لشدة السرف، وقد صرح بذلك البغوي، وهي مسألة حسنة ينبغي أن يتنبه لها، فإن كثيراً من الأرذال من أبناء الدنيا يدفع إليه في وقت الوضوء، أو الحمام شملة، أو منشفة مطرفة بالذهب فيستعملها، وربما جاء إلى المسجد ووضعها تحت جبهته في وقت الصلاة، قال تعالى: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" (64 من سورة النور). قال بعض العلماء: الفتنة الكفر، عافانا الله من ذلك، والله أعلم، ص 100 إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسن قانون الشهامة، والشجاعة، والاقتصاد للرجال، فحرم عليهم لبس الحرير، واستعمال أواني الذهب والتختم به، لماذا؟ ليتعود الرجال الخشونة، ويتركون الخنوثة، وليقتصدوا في إنفاقهم فيغنى عن ثوب الحرير الغالي الثمن مثله من القطن، أو الكتان، أو الصوف ما يستر العورة ويقي الحر والبرد. قال تعالى: "والله جعل لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون" (80 - 81 من سورة النحل). (سكناً) موضعاً تسكنون فيه وقت إقامتكم، (تستخفونها) تتخذون القباب من الأدم يخف حملها، (يوم ظعنكم) وقت ترحالكم، والصوف للضأن، والوبر للإبل، والشعر للمعز (أثاثاً) ما يلبس ويفرش (ومتاعاً) ما يتجربه، لصلابتها تبقى مدة طويلة (سرابيل) ثياباً من الصوف، والكتان، والقطن وغيرها (تسلمون) تنظرون في نعمه فتؤمنون به وتنقادون لحكمه. أ. هـ، لقد ساق الله ذلك، ولم يذكر الحرير، أو الذهب ليتمتع بهما الرجال وجاء النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عن لبس الحرير والتختم بالذهب ليمشي المسلمون على هذا النبراس الوهاج والحكمة الخالدة "كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة"، وقال تعالى: "ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة" (20 من سورة لقمان). (¬1) طلب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعد الله المتشبهين من رحمته ويقصيهم من حظيرة رضوانه. (¬2) المتمثلين الذين يتزيون بزي النساء والعكس، قال القسطلاني لإخراجه الشيء عن الصفة التي وضعه عليها أحكم الحاكمين، ص 486 جواهر (¬3) حاملة رمحاً: أي متشبهة بجندي معه سلاحه.

وفي رواية البخاري: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء. [المخنث] بفتح النون وكسرها: من فيه إنخناث، وهو التكسر والتثني كما يفعله النساء، لا الذي يأتي الفاحشة الكبرى (¬1). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل (¬2) " روه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. ليس منا من تشبه بالرجال من النساء .. إلخ 3 - وعن رجلٍ من هُذَيْلٍ قال: "رأيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ومنزلهُ في الحِلِّ ومسجدُهُ في الحرَم قال: فبينا أنا عندهُ رأى أم سعيدٍ بنتَ أبي جهل مُتقلدةً قوساً، وهي تمشي مشية الرجلُ، فقال عبد الله: من هذه؟ فقلتُ: هذه أم سعيد بنتُ أبي جهل، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس (¬3) منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال" رواه أحمد واللفظ له، ورواته ثقات إلا الرجل المبهم، ولم يَسمّ، والطبراني مختصراً، وأسقط المبهم فلم يذكره. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُخَنَّثِي الرجال الذين يتشبهون بالنساء، والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال وراكبَ ¬

(¬1) وفي الجامع الصغير: المخنث من يشبه خلقة النساء في حركاته وسكناته، وكلامه وغير ذلك، فإن كان من أصل الخلقة لم يكن عليه لوم، وعليه أن يتكلف إزالة ذلك، وإن كان بقصد منه، وتكلف له، فهو المذموم، ويطلق عليه اسم المخنث سواء فعل الفاحشة، أو لم يفعلها. قال المناوي: من خنث يخنث إذا لان، وتكسر، والمترجلات: أي المتشبهات بالرجال، فلا يجوز لرجل تشبه بامرأة في نحو لباس أو هيئة، ولا عكسه لما فيه من تغير خلق الله تعالى. (¬2) لبسة مثل جلسة: التحلي بالثياب مثل السيدة المتأنقة، يريد صلى الله عليه وسلم أن يحفظ ابن آدم هيئة رجولته وشجاعته، فلا ينزل إلى درك النساء، ويتخلق بنعومتهن، وضعفهن، وكذلك السيدة تحافظ على صورتها، فلا تتخشن، ولا تتوحش، ولا تحاك الرجل في ملبسه، وإلا فالمتشبه يستحق أن تحل عليه نقمة الله ويحيط عذابه به، ويرى كل ازدراء وسخط. (¬3) ليس على طريقنا، وليس متبعاً شريعتنا الكاملة، ينفي صلى الله عليه وسلم عن المتشبه التخلق بالدين الكامل.

الفَلاَةِ وَحْدَ (¬1) " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا طيب بن محمد، وفيه مقال، والحديث حسن. أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة رجل جعله الله ذكراً فأنث نفسه .. إلخ 5 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعةٌ لُعِنُوا في الدنيا والآخرة، وَأمَّنَتِ الملائكةُ: رجلٌ جعلهُ الله ذَكَراً، فأنَّثَ نفسهُ وتشبه بالنساء، وامرأةٌ جعلها الله أُنثى فَتَذَكَّرَتْ وتشبهت بالرجال، والذي يُضِلُّ الأعمى (¬2) ورجلٌ حَصُورٌ (¬3) ولم يجعلِ الله حصوراً إلا يَحْيىَ بن زكريا" رواه الطبراني من طريق علي بن يزيد الألهاني، وفي الحديث غرابة. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أُتِىَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمُخَنَّثٍ قد خَضَبَ يديه (¬4) ورجليه بالحناء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بالُ (¬5) هذا؟ قالوا: يتشبه (¬6) بالنساء فَأُمِرَ به فَنُفِيَ إلى النقيع (¬7) فقيل: يا رسول الله ألا تقتله؟ فقال: إني نهيتُ عن قتل المصلين (¬8) " رواه أبو داود. قال: وقال أبو أسامة. [والنقيعُ]: ناحية من المدينة، وليس بالبقيع: يعني أنه بالنون لا بالباء. [قال الحافظ]: رواه أبو داود عن أبي يسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة، وفي ¬

(¬1) المسافر وحده في الفضاء الصحراء: أي طلب صلى الله عليه وسلم أن يبعد الله من رحمته ذلك القاسي على نفسه الوحش الكاسر الوحيد في رحلته في الجهات المجدبة لا يتخذ أنيساً ولا سميراً. (¬2) الذي يقابل الرجل غير البصير فيغير اتجاهه، ويجعله ضالاً تائهاً ولا يرشده. (¬3) لم يتزوج، قال تعالى: "هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين" (38 - 39 من سورة آل عمران) رأى سيدنا زكريا الفواكه عند مريم في غير أوانها، فسأل الله تعالى أن تلد العاقر، وكما وهب سبحانه وتعالى مريم حنا العجوز العاقر (بكلمة) أي بعيسى عليه السلام يسود قومه ويفوقهم (وسيداً وحصوراً) مبالغاً في حبس النفس عن الشهوات والملاهي، روى أنه مر في صباه بصبيان فدعوه للعب، فقال ما للعب خلقت، والمراد أن النبي صلى الله عليه وسلم يغضب على الأعزب ويذمه، ويطلب من الله جلا وعلا أن يقصيه من رحمته لأنه رغب عن سنته صلى الله عليه وسلم وهي "تناكحوا تناسلوا". (¬4) أي طلاهما. (¬5) ما شأن هذا. (¬6) يحاكي النساء. (¬7) طرد إلى مكان المشبوهين المجرمين، الله أكبر، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطهر المدينة من الأرذال المتخنثين، ويبعدهم عنها فيذهبون إلى الأماكن النائية التي فيها المتشردون المهملون، ولا يقتله لأنه يقيم الصلاة. (¬8) الذين يؤدون حقوق الله كما قال صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم".

متنه نكارة، وأبو يسار هذا لا أعرف اسمه، وقد قال أبو حاتم الرازي لما سئل عنه: مجهول وليس كذلك، فإنه قد رَوى عنه الأوزاعي والليث، فكيف يكون مجهولاً، والله أعلم. 7 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: العاقُّ (¬1) لوالديه، والديُّوثُ (¬2)، وَرَجُلَةُ النساء (¬3) " رواه النسائي والبزار في حديث يأتي في العقوق إن شاء الله، والحاكم، واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد. [الديوث] بفتح الدال، وتشديد الياء المثناة تحت: هو الذي يعلم الفاحشة في أهله، ويقرُّهم عليها. 8 - وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة أبداً: الديوثُ، والرَّجُلَةُ من النساء، ومدمن (¬4) الخمر. قالوا ¬

(¬1) عاصيهما لا يبرهما: بل يخالف أوامرهما. (¬2) ذلك الفاسق البارد الجاهل الذي لا يغار على زوجته من الأجانب، ويسمح لها أن تختلط بهم، يقال ديث الصغار: أي ذلل، والدياثة الالتواء في اللسان وشدة الذلة، وفي المصباح وداث الشيء ديثاً من باب باع: لان وسهل ويعدى بالتثقيل، فيقال ديثه غيره، ومنه اشتقاق الديوث، وهو الرجل الذي لا غيرة له على أهله والدياثة فعله. أ. هـ. (¬3) أي الأنثى المتشبهة بالرجل تعلن الحرب على جنسها وتتبرم منهن، وتحاكي الرجل فيحرم الله عليها نعيمه. (¬4) المكثر من شرب الخمر، والمداوم عليه عقابه أكثر، ويبعد من الجنة. لماذا؟ لأنه لا ينزجر، ولا يرعوى، ولا يتوب إلى الله تعالى، وفي العيني ص 202 جـ 17 في باب غزوة الطائف في شوال سنة 8 هـ: عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: "دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث فسمعته يقول لعبد الله بن أبي أمية: يا عبد الله أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غداً فعليك بابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع، وتدبر بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخلن هؤلاء عليكن" قال النووي: المخنث الذي خلقه خلق النساء، سمي به لانكسار كلامه ولينه. أ. هـ. وفي الفتح قال الطبري: المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس، والزينة التي تختص بالنساء، ولا العكس، وقال ابن التين: المراد باللعن في هذا الحديث من تشبه من الرجال بالنساء في الزي، ومن تشبه من النساء بالرجال كذلك، فأما من انتهى في التشبه بالنساء من الرجال إلى أن يؤتى في دبره، وبالرجال من النساء إلى أن تتعاطى السحق بغيرها من النساء، فإن لهذين الصنفين من الذم والعقوبة أشد ممن لم يصل إلى ذلك، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ما ملخصه: ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء لكن عرف من الأدلة الأخرى أن المراد التشبه في الزي، وبعض الصفات، والحركات ونحوها، لا التشبه في أمور الخير، وقال أيضاً اللعن الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم على ضربين أحدهما يراد به الزجر عن الشيء الذي وقع اللعن بسببه، وهو مخوف، فإن اللعن من علامات الكبائر، والآخر يقع في حال الحرج، وذلك غير مخوف =

الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعا واقتداء بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة

يا رسول الله: أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث؟ قال: الذي لا يبالي من دخل على أهله. قلنا: فما الرَّجُلَةُ من النساء؟ قال: التي تشبهُ بالرجال" رواه الطبراني ورواته ليس فيهم مجروح. الترغيب في ترك الترفع في اللباس تواضعاً واقتداءً بأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والترهيب من لباس الشهرة والفخر والمباهاة 1 - عن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك اللباس (¬1) تواضعاً لله، وهو يقدرُ (¬2) عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس (¬3) الخلائق حتى يُخَيِّرَهُ من أي حُلَلِ الإيمان شاء يلبسُهَا" رواه الترمذي، وقال حديث حسن، والحاكم في موضعين من المستدرك، وقال في أحدهما: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: روياه من طريق أبي مرحوم، وهو عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ، ويأتي الكلام عليهما. 2 - وعن رجلٍ من أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ترك لُبْسَ ثوبِ جَمَالٍ، وهو يقدرُ عليه (¬4) قال بِشْرٌ: أحْسِبُهُ قال: تواضعاً، كساه الله حُللَ الكرامةِ (¬5) " رواه أبو داود في حديث، ولم يسم ابن الصحابي، ورواه البيهقي من طريق زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه بزيادة. ¬

= بل هو رحمة في حق من لعنه بشرط أن يكون الذي لعنه مستحقاً لذلك كما ثبت من حديث ابن عباس عند مسلم، قال: والحكمة في لعن من تشبه إخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحكماء، وقد أشار إلى ذلك في لعن الواصلات بقوله: المغيرات خلق الله. أ. هـ ص 257 جـ 10 (¬1) التحلي بأفخر الثياب زهادة وميلاً إلى التواضع. (¬2) وعنده الملابس الجميلة الغالية، وفيه حب عدم الافتخار. (¬3) أمام الجمع المحتشد ليثيبه الله بأبهى الرياش، وأفخر الحلل. قال تعالى: "ولباس التقوى ذلك خير". (¬4) يمكن أن يوجده لغناه. (¬5) الهيبة والجلال، وألبسه ثياب العز والمحبة.

3 - وعن أبي أمامة بن ثعلبة الأنصاري، واسمهُ إياسٌ رضي الله عنه قال: "ذكر أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً عنده الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسمعون ألا تسمعون؟ إن البذاذةَ (¬1) من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان يعني التفحُّلَ" رواه أبو داود وابن ماجة كلاهما من رواية محمد بن إسحاق، وقد تكلم أبو عمر النمري في هذا الحديث. [البذاذة] بفتح الباء الموحدة، وذالين معجمتين: هي التواضع في اللباس برثاثة الهيئة وترك الزينة، والرضا بالدون من الثياب (¬2). 4 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يحب المتبذل الذي لا يبالي ما لبس" رواه البيهقي. 5 - وعن أبي بُرْدَةَ رضي الله عنه قال: "دخلت على عائشة رضي الله عنها، فأخرجت إلينا كساء مُلَبَّداً من التي تُسَمُّونها المُلبَّدَةَ، إزاراً عظيماً مما يُصنعُ باليمن، وأقسمتْ بالله لقد قُبضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين الثوبين" رواه البخاري ومسلم وأبو داود، والترمذي أخصر منه. [الملبد]: المرقع، وقيل غير ذلك. 6 - ورويَ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: تُوفيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن نَمِرَةً من صوفٍ (¬3) تُنْسَجُ له" رواه البيهقي. 7 - وعن أنس رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل خَشِناً، وَلبِسَ خَشناً، لبس الصوفَ، واحتذى المَخْضُوفَ (¬4). قيل للحسن: ما الخشنُ؟ قال: ¬

(¬1) في النهاية أراد التواضع في اللباس، وترك التبجح به، والتبذل ترك التزين، والتهيئ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع. أ. هـ. (¬2) لابس ثوب المهنة. (¬3) شملة مخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض. (¬4) انتعل الحذاء المرقع: نهاية الإخلاص لله تعالى، والزهادة في الدنيا، يختار الغذاء الذي يعطي القوت، والقوة على العمل الصالح البعيد من البذخ والترف والتنعم، وكذا الملبس. لماذا؟ لحقارة الدنيا، ولتفانيه صلى الله عليه وسلم في عبادة ربه، وكسره جماح نفسه، ولتعليم أمته التواضع، والرضا بالقليل، والسعي وراء اكتساب المحامد، واجتناب الرفاهية الداعية إلى المعاصي، والغفلة عن الله تعالى ودعوة الشباب إلى الاقتصاد في الملبس والعيش: (أ) قال عز شأنه: "وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون" (32 من سورة الأنعام): =

غليظ الشعير، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسيغُهُ (¬1) إلا بجرْعةٍ (¬2) من ماء" رواه ابن ماجة، والحاكم، واللفظ له، كلاهما من رواية يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان وقال الحاكم: صحيح الإسناد. [قال الحافظ] يوسف: لا يعرف، ونوح بن ذكوان، قال قال أبو حاتم: ليس بشيء. 8 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان على موسى يومَ كلَّمَهُ ربهُ كِسَاء صوفٍ (¬3) وجبةُ صوفٍ، وكُمَّةُ صُوفٍ، وسراويلُ صوفٍ، وكانت نعلاهُ من جلد حمارٍ ميتٍ" رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب، والحاكم كلاهما عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. [قال الحافظ]: توهم الحاكم أن حميداً الأعرج هذا هو حميد بن قيس المكي، وإنما هو حميد بن علي، وقيل: ابن عمار أحد المتروكين، والله أعلم. [الكمَّةُ]: بضم الكاف، وتشديد الميم: القلنسوة الصغيرة. 9 - وعن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كانت الأنبياء يستحبون أن يلبسوا الصوف، ويحتلبوا (¬4) الغنم، ويركبوا الحُمْرَ (¬5) " رواه الحاكم موقوفاً، وقال: صحيح على شرطهما. ¬

= أي وما أعمالها إلا لعب ولهو يلهي الناس، ويشغلهم عما يعقب منفعة دائمة، ولذة حقيقية مع دوام نعيم الآخرة، وخلوص منافعها ولذاتها. (ب) وقال تعالى: "وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون" (70 من سورة الأنعام) (اتخذوا دينهم) أي بنوا أمر دينهم على التشهي مثل زماننا هذا، انصرف بعض المسلمين إلى فعل المعاصي، فأعرض عنهم أيها المسلم كما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض عن الكفرة والفسقة، ولا يبالي بأفعالهم وأقوالهم لأنهم عباد أصنام، ومعنى أعرض من باب التهديد والوعيد نحو "ذرني ومن خلقت وحيداً" "وذكر به" أي بالقرآن يا محمد "أن تبسل" مخافة أن تسلم إلى الهلاك وترهن بسوء عملها "وإن تعدل" وإن تفد كل فداء "أبسلوا بما كسبوا" أي سلموا إلى العذاب بسبب أعمالهم القبيحة، وعقائدهم الزائغة "من حميم" هم بين ماء مغلي يتجرجر في بطونهم، ونار تشتعل بأبدانهم بسبب كفرهم. أ. هـ بيضاوي. إن شاهدنا حقارة الدنيا، وإعراض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل البذخ والعصيان ليتأدبوا. (¬1) يمره في الحلقوم بسهولة: أي يبتلعه، من ساغ يسوغ سوغاً: سهل مدخله في الحلق. (¬2) شربة. (¬3) جمع أكسية: أي لباس يكتسى به. (¬4) يأخذون منها اللبن. (¬5) الإبل.

10 - وروى ابن ماجة عن عبادة بن الصامت قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ عليه جُبَّةٌ من صُوفٍ ضيقة الكُمَّيْنِ، فصلى بنا فيها ليس عليه شيء غيرها". 11 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَرَاءةٌ (¬1) من الكبر" لَبُوسُ الصوف، ومُجالسةُ فقراء المسلمين، ورُكوبُ الحمارِ، واعتقالُ العَنْزِ أو البعير" رواه البيهقي وغيره. 12 - وعن الحسن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يصلي في مُرُوطِ نسائه، وكانت أكْسِيَةً من صوفٍ مما يُشْتَرى بالسِّتَّةِ والسبعة، وكُنَّ نساؤه يَتّزِرْنَ بها (¬2) " رواه البيهقي، وهو مرسل، وفي سنده لين. 13 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أسْوَدَ" رواه مسلم، وأبو داود والترمذي. [المرط] بكسر الميم وسكون الراء: كساء يؤتزر به، قال أبو عبيد: وقد تكون من صوف ومن خزّ. [ومرحل] بفتح الحاء المهملة وتشديدها: أي فيه صور رحال الجمال. 14 - وعن عائشة أيضاً رضي الله عنها قالت: "كان وِسَادُ (¬3) رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يَتَّكئُ عليه من أدَمٍ (¬4) حَشْوُهُ لِيفٌ". 15 - وعنها رضي الله عنها قالت: "إنما كان فِراشُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينامُ عليه أدَماً حَشْوُهَا لِيفٌ" رواهما مسلم وغيره. 16 - وعن عُتْبَةَ بن عَبْدٍ السُّلَميِّ رضي الله عنه قال: "استكسيتُ رسول الله ¬

(¬1) إجازة من الخيلاء والتكبر، والمعنى أربعة: تذلل النفس وتقودها إلى التواضع: (أ) ملبس الصوف. (ب) محادثة الفقراء، والجلوس معهم. (جـ) امتطاء الحمير. (د) رعاية الماشية، وتعهد مصالحها. (¬2) يأخذنها إزاراً ويتحلين بها. (¬3) التي يتكئ عليها. (¬4) جلد: النخل موجود بكثرة، وكذا الماشية فيتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فراش نومه، وأثاث منزله من اثنين: جلد الضأن، وليف النخل لتخشوشن أمته، ولتتعلم الاقتصاد ولتسعى جهد الطاقة في الانتفاع بثمرات بلادها ومنتجاتها، نقتدي به الآن صلى الله عليه وسلم فتنتفع بحاصلات بلادنا لنحيا حياة الأغنياء.

صلى الله عليه وسلم، فكساني خَيْشَتَيْنِ، فلقد رأيْتُني، وأنا أكسي أصحابي" رواه أبو داود والبيهقي كلاهما من رواية إسماعيل بن عياش. [الخيشة] بفتح الخاء المعجمة، وسكون الياء المثناة تحت بعدها شين معجمة: هو ثوب يتخذ من مشاقة الكتان يغزل غزلاً غليظاً، وينسج نسجاً رقيقاً، وقوله: وأنا أكسى أصحابي: يعني أعظمهم، وأعلاهم كسوة. لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه 17 - وعن ابن بُريدةَ قال: "قال لي أبي: لو رأيتنا، ونحن مع نبينا، وقد أصابتنا السماءُ حسبْتَ أن رِيحَنَا ريحُ الضأن" رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي، وقال: حديث صحيح. [ومعنى الحديث]: أنه كان ثيابهم الصوف، وكان إذا أصابهم المطر يجئ من ثيابهم ريح الصوف انتهى. رواه الطبراني بإسناد صحيح أيضاً نحوه، وزاد في آخره: إنما لباسنا الصوف، وطعامنا الأسودان: التمرُ والماء. 18 - وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خرجتُ في غداةٍ (¬1) شاتيةٍ (¬2) جائعاً، وقد أوْبَقَني (¬3) البرد، فأخذت ثوباً من صُوفٍ قد كان عندنا، ثم أدخلتُهُ في عُنُقي، وحَزَمْتُهُ على صدري أسْتَدْفئ (¬4) به، والله ما كان في بيتي شيء آكلُ منه، ولو كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم شيء لبَلَغَني، فذكر الحديث إلى أن قال ثم جئتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلستُ إليه في المسجد، وهو مع عصابةٍ (¬5) من أصحابه، فطلع علينا مصعب بن عمير في بُرْدَةٍ (¬6) مرْقُوعةٍ بِفَرْوَةٍ، وكان أنْعَمَ غلام بمكة (¬7) وأرْفَهَهُ عيشاً، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ما كان فيه من النعيم (¬8)، ورأى حاله التي هو عليها، فذرفت عيناه، فبكى، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خيرٌ أم إذا غُدِىَ (¬9) على أحدكم بِحفنةٍ (¬10) من خُبزٍ ¬

(¬1) ضحوة. (¬2) كثيرة البرد والمطر. (¬3) أهلكني. (¬4) يدفئني. (¬5) جماعة من الناس والخيل الطير. (¬6) حلة. (¬7) المعنى أنه أكثر تنعماً، وعزاً ورفاهية. (¬8) ذكر صلى الله عليه وسلم خيراته الجمة التي كان يتمتع بها سابقاً، وحالته التي عليها قد زالت أبهة الغنى ومر عليه الفقر فرقع بردته، ثم طمأنهم صلى الله عليه وسلم بحسن حالهم، وزيادة نعيمهم في الجنة، وبشرهم برضا ربهم، وأن الفقر خير من كثرة المال "أنتم اليوم خير". (¬9) أي مر عليه صباحاً. (¬10) إناء الطعام.

ولحمٍ، وَرِيحَ (¬1) عليه بأُخرى، وغدا في حُلَّةٍ، وراح في أخرى: وسترتم بيوتكم (¬2) كما تُسْتَرُ الكعبةُ. قلنا: بل نحن يومئذٍ (¬3) خيرٌ نتفرَّغُ للعبادة. قال: بل أنتم اليوم خيرٌ" رواه أبو يعلى، واللفظ له، ورواه الترمذي إلا أنه قال: خرجت في يومٍ شاتٍ (¬4) من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخذتُ إهاباً معطوناً (¬5)، فجوَّبْتُ وسطهُ؛ فأدخلتهُ في عنقي، وشددتُ وسطي؛ فحزمتهُ بخُوصِ النخلِ، وإني لشديد الجوع؛ فذكر الحديث؛ ولم يذكر فيه مصعب بن عمير؛ وذكر قصته في مواضع أخر مفردة؛ وقال في كل منهما: حديث حسن غريب. [قال الحافظ]: وفي إسناديه؛ وإسناد أبي يعلى رجل لم يسّم. [جَوَّبت وسطه] بتشديد الواو: أي خرقت في وسطه خرقاً كالجيب؛ وهو الطوق الذي يخرج الإنسان منه رأسه. [والإهاب] بكسر الهمزة: هو الجلد؛ وقيل: ما لم يدبغ. ما جاء في استحباب لبس الصوف 19 - وعن عمر رضي الله عنه قال: "نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مُصعب بن عمير مُقبلاً عليه إهابُ كبشٍ قد تَنَطَّقَ به (¬6) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى هذا الذي نَوَّرَ الله قلبه (¬7)! لقد رأيته بين أبوين يَغْذُوَانِهِ بأطيب الطعامِ ¬

(¬1) ذهب مساء، غدا: بكر، وراح: رجع. (¬2) ملائم منازلكم من الأثاث والرياش، وفاخر الأواني وتمتعتم بملذات الحياة كما نتمتع الآن سنة 1374 هـ. (¬3) في هذه الحالة نحمد الله، فنحن بخير والغنى أدعى إلى التفرغ لطاعة الله، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن هذه الحالة التي أنتم عليها بخير لأن الدنيا فانية وزخرفها غير باق: (أ) قال تعالى: "قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا" (77 من سورة النساء). (ب) وقال تعالى: "وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون" (80 من سورة القصص). (جـ) وقال تعالى: "الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع" (26 من سورة الرعد)، يوسعه سبحانه ويضيقه، والدنيا متعة لا يدوم نعيمها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر الفقراء أن حالتهم حسنة؛ وعملهم مقبول تظللهم رحمة الله، ويدركهم عفوه ورأفته، لماذا؟ لأن زهرة الدنيا فتنة، وشاغلة عن العبادة، وداعية لكثرة الحساب كما قال تعالى: "ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم" (8 من سورة التكاثر). (¬4) كثير البرد. (¬5) جلداً مدبوغاً ليناً. (¬6) جعله حزاماً يشد به وسطه. (¬7) شرح الله صدره، وملأ قلبه إيماناً وحكمة، وجعله ينبذ الترف، ويتحلى بالصوف، ويقبل على تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والشراب، ولقد رأيت عليه حُلة شراها أو شُريتْ بمائتي درهم، فدعاه حُبُّ الله، وحبُّ رسوله إلى ما ترون" رواه الطبراني والبيهقي. 20 - وعن أنس رضي الله عنه قال: "رأيتُ عمر رضي الله عنه، وهو يومئذٍ أمير المؤمنين، وقد رَقَّعَ بين كتفيه بِرقاعٍ ثلاثٍ لُبِّدَ بعضها على بعضٍ" رواه مالك. كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره 21 - وعن أنس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم من أشعث (¬1) أغبر (¬2) ذي طِمْرَيْنِ (¬3) لا يُؤبَهُ لَهُ لو أقسم على الله (¬4) لأبَرَّهُ، منهم البراء بن مالك" رواه الترمذي، وقال حديث حسن. [قال الحافظ]: ويأتي في باب الفقر أحاديث من هذا النوع وغيره إن شاء الله تعالى. 22 - ورويَ عن الشَّفَّاء بنت عبد الله رضي الله عنها قالت: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألهُ، فجعل يعتذرُ إليَّ، وأنا ألُومُهُ، فَحَضَرَتِ الصلاةُ فخرجتُ، فدخلتُ على ابنتي، وهي تحت شُرَحْبيلَ بن حَسَنَةَ، فوجدت شرحبيل في البيت، فقلت: قد حضرت الصلاةُ، وأنت في البيت؛ وجعلت ألُومُهُ (¬5)؛ فقال يا خالةُ: لا تلوميني؛ فإنه كان لي ثوبٌ فاستعارَهُ (¬6) النبي صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: بأبي وأمي كنتُ ألومهُ منذ اليوم؛ وهذه حالهُ، ولا أشعرُ؛ فقال شرحبيل: ما كان إلا درعٌ رقَّعْنَاهُ (¬7) " رواه الطبراني والبيهقي. ¬

(¬1) شعره متفرق غير متلبد، والمعنى أنه متواضع متفرغ لعبادة ربه متفان في حب الله تعالى. (¬2) عفر جسمه بالتراب، وأصابه الغبار الكثير. (¬3) ثوبين خلقين، يعني يلبس ملابس مرقعة بالية. (¬4) لو طلب من الله تعالى أمراً لأجاب دعاءه: يرشد صلى الله عليه وسلم إلى أولياء الله وعباده الزاهدين الراغبين عن زهرة الدنيا المتواضعين الذين لا يعتنون بحذلقة هندامهم كما يعتنون بإتقان العبادة، وإخلاص العمل للقهار المتعالي، وينهى عن التغالي في الأبهة والفخفخة، ويحث المكروبين أن يجالسوا الفقراء، ويطلبوا منهم دعاء فك الكروب. (¬5) أعتب عليه لتقصيره في عدم إجابة نداء المؤذن، وشهود الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬6) طلبه منه صلى الله عليه وسلم مدة. (¬7) قميص بل فوضعنا له خرقاً تسد فروجه، وتلم شعثه، السيدة شفاء: تطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، ويقدم لها العذر لعدم وجوده فتعاتبه عتاب الأوفياء الأخلاء الممتعين برضا الله تعالى، والراضين بالفقر وأنه نعمة، ثم تنظر إلى زوج ابنتها الذي لم يلب النداء فاعتذر بعدم ثوب له يستر عورته، وما عنده ملابس إلا ثوب مرقع، من رقعت الثوب إذا رممته، أكرم الخلق على الله جل وعلا ليست عنده ملابس فيمد يده =

لباس الصحابة رضي الله عنهم 23 - وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: "رأيت عثمان بن عفان رضي الله يوم الجمعة على المنبر عليه إزارٌ عَدَنيٌّ غليظٌ ثمنهُ أربعة دراهم أو خمسةٌ، وَرَيْطَهٌ كُوفيةٌ مُمَشَّقَةٌ، ضَرْبَ اللَّحْمِ، طويلَ اللحية، حسن الوجه" رواه الطبراني بإسناد حسن، والبيهقي. [عدنيّ] بفتح العين والدال المهملتين: منسوب إلى عدن. [والرَّيطة] بفتح الراء، وسكون الياء المثناة تحت: كل ملاءة تكون قطعة واحدة، ونسجاً واحدا ليس لها لفقان. [وضرب اللحم]: بفتح الضاد المعجمة، وسكون الراء: خفيفه. [وممشقة] أي مصبوغة بالمشق بكسر الميم: وهو المغرة. 24 - وروي عن جابر رضي الله عنه قال: "حضرنا عُرْسَ علي وفاطمة رضي الله عنهما، فما رأينا عُرْساً كان أحسنَ منهُ، حَشَوْنا الفراش يعني الليف، وأتينا بتمرٍ وزبيبٍ فأكلنا، وكان فراشها ليلةَ عِرسها إهاب كبشٍ (¬1) " رواه البزار. 25 - وعن محمد بن سيرين قال: "كنا عند أبي هريرة رضي الله عنه، وعليه ثَوْبَان مُمَشَّقانِ (¬2) من كتانٍ فَمَخَطَ في أحدهما، ثم قال: بخٍ بخٍ يمتخطُ أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني، وإني لأجَرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحجرة عائشة رضي الله عنها من الجوع مغشياً عليَّ، فيجئ الجائي، فيضع رجلهُ على عُنُقي يرى أن بي الجنون (¬3)، وما هو إلا الجوع" رواه البخاري والترمذي وصححه. 26 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لقد رأيتُ سبعين من أهل الصُّفَّةِ ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ إما إزارٌ، وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغُ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده (¬4) كراهية أن نرى عورته" رواه البخاري. ¬

= إلى سيدنا شرحبيل فيستعير قميصه، فهل تحمد الله أيها المسلم على ما أنعم به عليك مولاك من ملبس، ومسكن، ومشرب، وتتقي الله، وتشكر له هذا الفضل، وتقبل على طاعته، وتنأى عن معاصيه، وتعمل صالحاً. (¬1) جلد ضأن. (¬2) موشيان. (¬3) من كثرة الجوع يغمى عليه، ويشتد ألمه. (¬4) المعنى ثوباه في نهاية البلى ممزقان فيلم ما تفرق ليستر عورته.

شرار أمتي الذين غذوا بالنعم .. إلخ 27 - ورويَ عن ثوبان رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله، ما يكفيني من الدنيا؟ قال: ما سدَّ جوعتك (¬1) وواري عورتك، وإن كان لك بيتٌ يُظلك فذاك وإن كان لك دابةٌ فبخٍ بخٍ" رواه الطبراني. 28 - وعن أبي يعفور قال: "سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يسأله رجلٌ: ما ألبسُ من الثياب؟ قال: ما لا يزدريك فيه السفهاء، ولا يعيبك به الحكماء. قال: ما هو؟ قال: ما بين الخمسة دراهم إلى العشرين درهماً" رواه الطبراني؛ ورجاله رجال الصحيح. 29 - وروي عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحدٍ يلبس ثوباً ليباهى (¬2) بهِ، وينظر الناسُ إليه لم ينظرِ الله إليه حتى ينزعهُ (¬3) متى نزعه (¬4) " رواه الطبراني. 30 - وعن ضَمْرَةَ بن ثعلبةَ رضي الله عنه: "أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه حُلتان من حُللِ اليمن، فقال يا ضمرة: أترى ثوبيك هذين مُدْخِليكَ (¬5) الجنة، فقال: يا رسول الله لئن استغفرت لي لا أقعدُ حتى أنزعهما عني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لضمرةَ، فانطلق سريعاً حتى نزعهما (¬6) عنه" رواه أحمد، ورواته ثقات، إلا بقية. 31 - ووري عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شرار أمتي الذين غُذُوا (¬7) بالنعيم الذين يأكلون ألوان الطعام، ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون (¬8) في الكلام" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغيبة وغيره. 32 - ورويَ عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) أي يكفيك الذي يبعد جوعك، ويستر سوأتك مع مأوى، ودابة تريحك. (¬2) ليتفاخر به. (¬3) يرميه فلا يلبسه. (¬4) في أي وقت رماه. (¬5) موصليك. (¬6) أزالهما. (¬7) تغذوا به. (¬8) يكثرون من اللغو.

الترغيب في الصدقة على الفقير بما يلبسه كالثوب ونحوه

سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام، ويشربون ألوان الشراب، ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون في الكلام، وأولئك شرارُ أمتي" رواه الطبراني في الكبير والأوسط. من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة .. إلخ 33 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه قال: "من لبس ثوب شهرةٍ (¬1) ألبسه الله إياه يوم القيامة، ثم ألهب فيه النار، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم" ذكره رُزين في جامعه، ولم أره في شيء من الأصول التي جمعها، إنما رواه ابن ماجة بإسناد حسن، ولفظه: "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لبس ثوب شهرةٍ في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلةٍ (¬2) يوم القيامة، ثم ألهب فيه ناراً" ورواه أيضاً أخصر منه. 34 - ورويَ أيضاً عن عثمان بن جهمٍ عن زرِّ بن حُبيش عن أبي ذرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لبس ثوبَ شهرةٍ أعرضَ (¬3) الله عنه حتى يضعهُ (¬4) متى وضعه (¬5) ". الترغيب في الصدقة على الفقير بما يلبسه كالثوب ونحوه 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلمٍ كَسَا (¬6) مُسلماً ثوباً إلا كان في حفظ الله (¬7) مادام عليه منه خِرْقَةٌ" رواه الترمذي والحاكم، كلاهما من رواية خالد بن طهمان. ولفظ الحاكم: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كسا مسلماً ثوباً لم يزل في ستر الله مادام عليه منه خيطٌ أو سلكٌ" قال الترمذي: حديث حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) فخر ورياء، وذكر ذائع بين الناس. (¬2) ذل وإهانة والشهرة وضوح الأمر فاشتهر. (¬3) غضب الله عليه، ولم ينظر إليه نظر رحمة وإحسان. (¬4) يزيله ويبعده. (¬5) أي في أي وقت، والمعنى التفاخر بالملابس يدعو إلى سخط الله، ويسبب دخول النار. (¬6) ألبسه ثوباً. (¬7) تحوطه رحمة الله، ورأفته مدة وجودها عليه، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على أن يلبس الإنسان فقيراً ملبساً يقيه الحر والبرد رجاء أن يثيبه، ويشمله برحمته مدة لبسه، وحث صلى الله عليه وسلم على إطعام الفقير، وسقيه رجاء التمتع بنعيم الجنة، وشربه من الحوض المورود.

الترغيب في إبقاء الشيب وكراهة نتفه

أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة 2 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما مسلمٍ كسا مُسلماً ثوباً على عُريٍ كساهُ الله من خُضْرِ الجنة، وأيما مسلمٍ أطعم مُسلماً على جُوعٍ أطعمهُ الله من ثمار الجنة، وأيما مسلمٍ سقى مُسلماً على ظمأ سقاه الله عز وجل من الرحيق المختوم" رواه أبو داود من رواية أبي خالد يزيد ابن عبد الرحمن الدالاني، وحديثه حسن، والترمذي بتقديم وتأخير، وتقدم لفظه في إطعام الطعام، وقال: حديث غريب، وقد روي موقوفاً على أبي سعيد، وهو أصح وأشبه. [قال الحافظ]: ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب اصطناع المعروف عن ابن مسعود موقوفاً عليه، قال: "يُحشرُ الناسُ يوم القيامة أعْرَى ما كانوا قطُّ، وأجوعَ ما كانوا قطُّ، وأظمأ ما كانوا قط، وأنصب ما كانوا قط، فمن كسا لله عز وجل كساه الله عز وجل، ومن أطعم لله عز وجل أطعمه الله عز وجل، ومن سقى لله عز وجل سقاه الله عز وجل، ومن عمل لله أغناهُ الله ومن عفا لله عز وجل أعفاه الله عز وجل. [أنصب]: أي أتعب. [قال الحافظ]: وتقدم حديث أبي أمامة في باب ما يقول: إذا لبس ثوباً جديداً، وفيه قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من لبس ثوباً أحسبهُ قال: جديداً، فقال حين يبلغ ترقوته مثل ذلك، ثم عمد إلى ثوبهِ الخَلِقِ فكساهُ مسكيناً لم يزل في جوار الله، وفي ذمة الله وفي كنفِ الله، حياً وميتاً ما بقي من الثوب سلكٌ. 3 - وروي عن عمر رضي الله عنه مرفوعاً: "أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن، كسوت عورته وأشبعت جوعته، أو قضيت له حاجةً" رواه الطبراني. الترغيب في إبقاء الشيب وكراهة نتفه 1 - عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنتفوا (¬1) الشيب فإنه ما من مسلمٍ يشيبُ شيبةً في الإسلام إلا كانت له نوراً (¬2) يوم القيامة"، ¬

(¬1) أنهاكم أن تقطعوا الشعر الأبيض. (¬2) بهاء.

الترهيب من خضب اللحية بالسواد

وفي رواية: "كتب الله له بها حسنةً، وحطَّ (¬1) عنه بها خطيئة" رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن، ولفظه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نتفِ الشيب، وقال: إنه نور المسلم" ورواه النسائي، وابن ماجة. 2 - وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة، فقال له رجلٌ عند ذلك: فإن رجالاً ينتفون الشيب (¬2)؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاء فلينتف (¬3) نُورَهُ" رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط من رواية ابن لهيعة، وبقية إسناده ثقات. 3 - وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة" رواه النسائي في حديث، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. 4 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة" رواه ابن حبان في صحيحه. 5 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "كان يكره أن ينتفِ الرجلُ الشعرةَ البيضاء من رأسه ولحيته" رواه مسلم. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتفوا الشيب، فإنه نورٌ يوم القيامة. من شاب شيبةً في الإسلام كتب الله له بها حسنةً، وحطَّ عنه بها خطيئةً، ورفع له بها درجةً" رواه ابن حبان في صحيحه. الترهيب من خضب اللحية بالسواد 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) أبعد عنه ذنباً. (¬2) يأخذونه، ويزيلون أثره. (¬3) فليزل بهجته ووقاره، يريد صلى الله عليه وسلم أن يحافظ المسلم على الشعرات البيضاء في لحيته لتكون له نبراساً.

ترهيب الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة

يكون قومٌ يخضبون في آخر الزمان بالسواد (¬1) كَحَوَاصِلِ الحَمَامِ لا يَرِيحُونَ رائحةَ الجنة" رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد [قال الحافظ]: رووه كلهم من رواية عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم، فذهب بعضهم إلى أن عبد الكريم هذا هو ابن أبي المخارق، وضعف الحديث بسببه، والصواب أنه عبد الكريم بن مالك الجزري، وهو ثقة احتج به الشيخان وغيرهما، والله أعلم. ترهيب الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والمتفلجة 1 - عن أسماء رضي الله عنها: "أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت يا رسول الله: إني ابنتي أصابتها الحصبةُ (¬2) فَتَمَزَّقَ (¬3) شَعْرُهَا، وإني زوجتها، أفأصلُ فيه (¬4)؟ فقال: لعن الله الواصلة والموصولة ¬

(¬1) بدهان أسود، صدق رسول الله، فأغلب المسلمين الآن يسودون شعرهم، ويحلقون لحاهم. (¬2) مرض الحمى. (¬3) فتقطع. (¬4) أأمد فيه خيوطاً، وفي الفتح: في باب المتفلجات للحسن: أي لأجل الحسن: أي التي تطلب الفلج وتصنعه، وقد تفعله الكبيرة توهم أنها صغيرة، ويختص بالثنايا أو الرباعيات، والوشم في أي مكان من الجسد وقد يفعل ذلك نقشاً أو دوائر، أو يكتب اسم المحبوب، وتعاطيه حرام بدلالة اللعن، ويصير الموضع الموشوم نجساً لأن الدم انحبس فيه، فتجب إزالته إن أمكنت ولو بالجرح إلا إن خاف منه تلفاً، أو شيناً، أو فوات منفعة عضو فيجوز إبقاؤه، وتكفي التوبة في سقوط الإثم، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة. [وقال الطبري]: لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص، التماس الحسن لا للزوج ولا لغيره كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه، ومن تكون لها سن زائدة فتقلعها، أو طويلة فتقطع منها، أو لحية، أو شارب، أو عنفقة فتزيلها بالنتف، ومن يكون شعرهاً قصيراً، أو حقيراً فتطوله، أو تغزره بشعر غيرها، فكل ذلك داخل في النهي، وهو من تغيير خلق الله تعالى، قال ويستثنى من ذلك ما يحصل الضرر به، والأذية كمن يكون لها سن زائدة، أو طويلة تعيقها في الأكل، أو أصبح زائدة تؤذيها أو تؤلمها، فيجوز ذلك، والرجل في هذا الأخير كالمرأة. [وقال النووي]: يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية، أو شارب، أو عنفقة فلا يحرم عليها إزالتها: بل يستحب. قالوا ويجوز الحف والتحمير، والنقش والتطريف، إذا كان بإذن الزوج لأنه من الزينة، وقد أخرج الطبري: من طريق أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة، وكانت شابة يعجبها الجمال، فقالت: المرأة تحب جبينها لزوجها، فقالت أميطي عنك الأذى ما استطعت، وقال النووي يجوز التزين بما ذكر إلا الحف، فإنه من جملة النماص. أ. هـ. ص 292 جـ 10

وفي رواية: قالت أسماء رضي الله عنها: "لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة" روه البخاري ومسلم وابن ماجة. 2 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات .. إلخ 3 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "لعن رسول الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْق الله، فقالت له امرأةٌ في ذلك، فقال: وما لي (¬1) لا ألعنُ من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي كتاب الله قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. [المتفلجة]: هي التي تفلج أسنانها بالمبرد ونحوه للتحسين. 4 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لُعِنَتِ الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة من غير داءٍ" رواه أبو داود وغيره. [الواصلة]: التي تصل الشعر بشعر النساء. [والمستوصلة]: المعمول بها ذلك. [والنامصة]: التي تنقش الحاجب حتى ترقه، كذا قال أبو داود، وقال الخطابي: هو من النمص، وهو نتف الشعر عن الوجه. [والمتنمصة]: المعمول بها ذلك. [والواشمة]: التي تغرز اليد أو الوجه بالإبر، ثم تحشي ذلك المكان بكحل أو مداد. [والمستوشمة]: المعمول بها ذلك. 5 - وعن عائشة رضي الله عنها: "أن جاريةً من الأنصار تزوجت، وأنها مَرِضَتْ فتمعط (¬2) شعرُها، فأرادوا أن يَصِلُوهَا، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة ¬

(¬1) ما استفهامية أي: أي شيء لي (51 - 2 ع). (¬2) سقط.

وفي رواية: "أن امرأةً من الأنصار زوجت ابنتها فتمعط شعر رأسها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له وقالت: إن زوجها أمرني أن أصِلَ في شعرها فقال: لا، إنه قد لُعِنَ الموصولات" رواه البخاري ومسلم. نهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن وصل الشعر 6 - وعن حُمَيْدِ بن عبد الرحمن بن عوفٍ: "أنه سمع معاوية عام حَجَّ على المنبر، وتناول قُصَّةً (¬1) من شعرٍ كانت في يد حَرَسِيٍّ (¬2) فقال: يا أهل المدينة أين عُلماؤكم (¬3) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا، ويقول: إنما هَلَكَتْ (¬4) بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم" رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ¬

(¬1) الخصلة من الشعر، وفي رواية سعيد بن المسيب: كبة. (¬2) حرسي نسبة إلى الحرس، وهم خدم الأمير الذين يحرسونه، ويقال للواحد حرسي لأنه اسم جنس، وعند الطبراني من طريق عروة عن معاوية من الزيادة، قال وجدت هذه عند أهلي وزعموا أن النساء يزدنه في شعورهن، وهذا يدل على أنه لم يكن يعرف ذلك في النساء قبل ذلك، وفي رواية سعيد بن المسيب: ما كنت أرى يفعل ذلك إلا اليهود. أ. هـ فتح ص 290 جـ 10 (¬3) قال في الفتح إشارة إلى قلة العلماء بالمدينة، ويحتمل أنه أراد بذلك إحضارهم ليستعين بهم على ما أراد من إنكار ذلك، أو لينكر عليهم سكوتهم عن إنكارهم هذا الفعل قبل ذلك. أ. هـ. (¬4) عذبت كما في رواية معمر عند مسلم، وفي رواية سعيد بن المسيب المذكورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه الزور، قال قتادة: يعني ما تكثر به النساء أشعارهن من الخرق، وهذا الحديث حجة للجمهور في منع وصل الشعر بشيء آخر سواء كان شعراً أم لا، يؤيده حديث جابر: "زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة بشعرها شيئاً" أخرجه مسلم، وذهب الليث، ونقله أبو عبيدة عن كثير من الفقهاء أن الممتنع من ذلك وصل الشعر بالشعر، وأما إذا وصلت شعرها بغير الشعر من خرقة وغيرها فلا يدخل في النهي، وأخرج أبو داود بسند صحيح عن سعيد بن جبير، قال لا بأس بالقرامل، وبه قال أحمد، والقرامل جمع قرمل بفتح القاف وسكون الراء: نبات طويل الفروع لين، والمراد به هنا خيوط من حرير أو صوف يعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها، وفصل بعضهم بين ما إذا كان ما وصل به الشعر من غير الشعر مستوراً بعد عقده مع الشعر بحيث يظن أنه من الشعر، وبين ما إذا كان ظاهراً، فمنع الأول قوم فقط لما فيه من التدليس، وهو قوي، ومنهم من أجاز الوصل مطلقاً سواء كان بشعر آخر، أو بغير شعر إذا كان بعلم الزوج وبإذنه، وأحاديث الباب حجة عليه، ويستفاد من الزيادة، في رواية قتادة: منع تكثير شعر الرأس بالخرق كما لو كانت المرأة مثلاً قد تمزق شعرها فتضع عوضه خرقاً توهم أنها شعر، وقد أخرج مسلم عقب حديث معاوية هذا حديث أبي هريرة، وفيه: ونساء كاسيات عاريات رءوسهن كأسنمة البخت، قال النووي يعني يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة، أو عصابة أو نحوها، قال وفي الحديث ذم ذلك، وقال القرطبي: البخت بضم الموحدة وسكون المعجمة ثم مثناة، جمع بختية، وهي ضرب من الإبل عظام الأسنمة بالنون جمع سنام، وهو أعلى ما في ظهر الجمل، شبه رءوسهن بها لما رفعن من ضفائر شعورهن على أوساط رءوسهن تزييناً وتصنعاً، وقد يفعلن ذلك بما يكثرن به شعورهن. (تنبيه) كما يحرم على المرأة الزيادة في شعر رأسها يحرم عليها حلق شعر رأسها بغير ضرورة، وقد أخرج =

وفي رواية للبخاري ومسلم: عن ابن المسيب قال: قَدِمَ معاوية المدينة فخطبنا، وأخرج كُبَّةً (¬1) من شَعَرٍ، فقال: ما كنت أرى أن أحداً يفعلهُ إلا اليهود، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه فسماه الزور (¬2). وفي أخرى للبخاري ومسلم: أن معاوية قال ذات يوم: إنكم قد أحدثتم زيَّ سُوءٍ (¬3) وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الزُّورِ (¬4). قال قتادة: يعني ما يُكَثِّرُ به النساء أشْعَارَهُنَّ من الخِرَقِ (¬5). قال: وجاء رجلٌ بعصاً على رأسها خِرْقَةٌ، فقال معاوية: ألا هذا الزُّورُ. 7 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بقُصَّةٍ، فقال: إن نساء بني إسرائيل كُنَّ يجعلن هذا في رءوسهن، فَلُعِنَّ (¬6)، وَحُرِّمَ (¬7) عليهنَّ المساجد" ¬

= الطبري: من طريق أم عثمان بنت سفيان عن ابن عباس قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها، وهو عند أبي داود من هذا الوجه بلفظ: ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير، والله أعلم. ص 290 جـ 10 وقال القسطلاني: عند شرح كلمة الواصلة: أي التي تصل شعرها بآخر تكثره به، فإن كان الذي تصل به شعر آدمي فحرام اتفاقاً لحرمة الانتفاع به كسائر أجزائه لكرامته: بل يدفن، وإن كان من غيره، فإن كان نجساً من ميتة أو انفصل حياً مما لا يؤكل فحرام لنجاسته، وإن كان ظاهراً، وأذن الزوج فيه جاز، وإلا فلا. انتهى. ص 444 جواهر البخاري. أود أن نساء اليوم لا يجلبن لنفسهن اللعن فيتقين الله، ويغضضن من أبصارهن، ويجتنبن ما يغضب الله، ولا يضعن الشبكة على رؤسهن، ويخرجن متبرجات فاعلات في وجوههن الأبيض والأحمر ما تنفر منه الطباع السليمة (وزججن الحواجب والعيونا) إنما أباح الله الزينة، والطيب والنظافة للزوج فقط. (¬1) خصلة من الشعر. (¬2) البهتان، والفجور، وقلة الأدب بلا حياء. (¬3) أوجدتم حالة شر وفسوق. (¬4) الغش، والتزين بخداع، والتحلي بما ليس فيها. (¬5) الأشياء البالية. (¬6) أي لعنهن الله. (¬7) منعن من الذهاب إليه. قال تعالى: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون" (78 - 81 من سورة المائدة) أي لعنهما الله في الزبور والإنجيل على لسانهما، وقيل إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت لعنهم الله تعالى على لسان داود فمسخهم الله تعالى قردة، وأصحاب المائدة لما كفروا دعا عليهم عيسى عليه السلام ولعنهم، فأصبحوا خنازير، وكانوا خمسة آلاف رجل، إن ذلك اللعن الشنيع المقتضي للمسخ بسبب عصيانهم، واعتدائهم ما حرم عليهم، ولا ينهى بعضهم بعضاً عن معادوة منكر فعلوه ويوالون المشركين، بغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

الترغيب في الكحل بالأثمد للرجال والنساء

رواه الطبراني في الكبير والأوسط من رواية ابن لهيعة، وبقية إسناده ثقات. الترغيب في الكحل بالإثمد للرجال والنساء 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اكتحلوا بالإثِمِدِ، فإنه يَجْلُو البَصَرَ (¬1)، ويُنبتُ (¬2) الشعرَ، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له مُكْحُلَةٌ يكتحلُ منها كل ليلة ثلاثةً في هذه، وثلاثةً في هذه" رواه الترمذي، وقال حديث حسن، والنسائي، وابن حبان في صحيحه في حديث، ولفظهما: "قال: إن من خَيْرِ أكْحَالِكُمُ الإثمدَ، إنه يجلو البصر، ويُنبتُ الشعرَ". 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيرُ أكحالكمُ الإثمدُ يُنبتُ الشعرَ، ويجلو البصرَ" رواه البزار، ورواته رواة الصحيح. 3 - وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالإثمدِ، فإنه مَنبتةٌ للشعر مَذْهَبَةٌ للقذى (¬3)، مصفاةٌ للبصر (¬4) " رواه الطبراني بإسناد حسن. كتاب الطعام وغيره الترغيب في التسمية على الطعام، والترهيب من تركها 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل طعامهُ في سِتَّةٍ من أصحابهِ، فجاء أعرابيٌ، فأكلهُ بِلُقْمَتَيْنِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) يقويه، ويزيده جلاء وإبصاراً. (¬2) ويحفظ الرموش وأهداب العين فتنمو. (¬3) مضيع للوسخ، والغمص، ومن قذيت العين قذى: صار فيها الوسخ. (¬4) مجل مصف مزيد النور والبهاء والصفاء، ففيه الترغيب في الكحل.

"أما إنهُ لو سَمَّى (¬1) كَفَاكُمْ (¬2) " رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة، وابن حبان في صحيحه، وزاد: فإذا أكل أحدكم طعامه، فليذكر اسم الله عليه، فإن نسيَ في أوله فليقل: بسم الله أولهُ وآخرهُ، وهذه الزيادة عند أبي داود وابن ماجة مفردة. 2 - ورويَ عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ سَرَّهُ أن لا يجد الشيطان عنده طعاماً (¬3)، ولا مَقِيلاً (¬4)، ولا مَبِيتاً (¬5)، فَلْيُسَلِّمْ (¬6) إذا دخل بيتهُ، وَلْيُسَمِّ (¬7) على طعامه" رواه الطبراني. 3 - وعن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله تعالى عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت (¬8) لكم ولا عَشَاءً (¬9)، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت (¬10)، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء (¬11) " رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 4 - وعن أمية بن مَخْشِيٍّ رضي الله عنه: "وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً كان يأكلُ، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظرُ، فلم يُسَمِّ الله حتى كان في آخر طعامه فقال: بسم الله أوَّلَهُ وآخِرَهُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مازال الشيطان يأكلُ، معه حتى سَمَّى، فما بقي في بطنه شيء إلا قاءهُ (¬12) " رواه أبو داود والنسائي والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. [مخشي]: بفتح الميم، وسكون الخاء المعجمة، بعدهما شين معجمة مكسورة وياء. قال ¬

(¬1) ذكر اسم الله تعالى، وقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (¬2) أي لوضع الله فيه البركة فشبع الآكلون، وإن كثروا. (¬3) غذاء. (¬4) قيلولة، والاستراحة وقت شدة الحر في الظهر. (¬5) مأوى ليلاً. (¬6) يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (¬7) يذكر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (¬8) لا ملجأ تظلون فيه طيلة هذه الليلة. (¬9) طعام الليل. (¬10) الإقامة ليلاً. (¬11) الأكل في وقت العشاء. (¬12) أخرجه من معدته لأن اسم الله تعالى الدواء الشافي المخرج ما ابتلعه الشيطان.

الترهيب من استعمال أواني الذهب والفضة وتحريمه على الرجال والنساء

الدارقطني: لم يسند أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، وكذا قال أبو عمر النمروي وغيره. 5 - وعن حذيفة هو ابن اليماني رضي الله عنه قال: "كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً لم يَضَعْ أحَدُنا يده حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنا حضرنا معه طعاماً، فجاء أعرابيٌ كأنما يُدْفَعُ، فذهبَ ليضعَ يده في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم جاءت جاريةٌ كأنما تُدْفَعُ، فذهبت لتضعَ يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، وقال: إن الشيطان يَسْتَحِلُّ الطعام الذي لم يُذْكُرِ اسمُ الله عليه، وإنه جاء بهذا الأعرابي يَسْتَحِلُّ بِهِ، فأخذتُ بيده، وجاء بهذه الجارية يستحل بها، فأخذتُ بيدها، فوالذي نفسي بيده إن يده لفي يدي مع أيديهما" ورواه مسلم والنسائي وأبو داود. [قال الحافظ]: ويأتي ذكر التسمية في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الحمد بعد الأكل. الترهيب من استعمال أواني الذهب والفضة وتحريمه على الرجال والنساء 1 - عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذي يشرب في آنية الفضة إنما يُجَرْجِرُ (¬1) في بطنه نار جهنم" رواه البخاري ومسلم ¬

(¬1) أي يحدر فيها نار جهنم، فجعل الشرب والجرع جرجرة، وهي صوت وقوع الماء في الجوف. قال الزمخشري: يروى برفع النار، والأكثر النصب، وهذا القول مجاز لأن نار جهنم على الحقيقة لا تجرجر في جوفه، والجرجرة صوت البعير عند الضجر، ولكنه جعل صوت جرع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة لوقوع النهي عنها، واستحقاق العقاب على استعمالها كجرجرة نار جهنم في بطنه على طريق المجاز هذا وجه رفع النار، ويكون قد ذكر يجرجر بالياء للفصل بينه وبين النار، فأما على النصب فالشارب هو الفاعل، والنار مفعوله، يقال جرجر فلان الماء إذا جرعه جرعاً متوتراً له صوت، فالمعنى كأنما يجرع نار جهنم. أ. هـ. نهاية 153. في المصباح تلقى. النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الاقتصاد وعدم الكبرياء، حتى لا توجد أزمة للنقدين فشدد عقاب المستعمل لهما، وأن النار يوم القيامة تكون كالعصارة تمر بحلقه فتصوت، وكالشراب يدوي كصوت الناعورة في مريئه، =

وفي رواية لمسلم: "إن الذي يأكل أو يشربُ في آنيةِ الذهب والفضة إنما يُجرجر في بطنه نار جهنم"، وفي أخرى له: "من شرب في إناء من ذهبٍ أو فضةٍ، فإنما يُجرجرُ في بطنه ناراً من جهنم". 2 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تلبسوا الحرير، ولا الديباج (¬1)، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها (¬2)، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة (¬3) " رواه البخاري ومسلم. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسهُ في الآخرة، ومن شرب الخمرَ في الدنيا لم يشربها في الآخرة، ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب بها في الآخرة، ثم قال: لِبَاسُ ¬

= فيسمع أهل النار كدوي المدافع يمخر في عباب جسمه فيتألم، لماذا؟ لأنه خالف الرسول صلى الله عليه وسلم فأترف، وأجرم، واستخدم هذين المعدنين، وكان له غنى عنهما من أواني النحاس، والزجاج، والفخار، والصيني وغيرها، قال تعالى: "أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير" (162 من سورة آل عمران)، (رضوان الله) طاعته (باء) رجع مغضوباً عليه بسبب ارتكابه المعاصي "يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" (35 - 41 من سورة النازعات)، الناس صنفان كل يرى أعماله مدونة في صحيفته: (أ) طغى، وفجر، وعصى وانهمك في ملذات الدنيا، ولم يستعد للآخرة بالأعمال الصالحة، ولم يرض نفسه على الفضائل، ولم يهذبها إلى الكمالات: إن جهنم مأواه، لماذا؟ لنسيانه تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أو تعمده تركها. (ب) خشي ربه، وأدى حقوقه، وعمل صالحاً لعلمه بالمبدأ والمعاد، وأنه سيحشر إلى القهار ملك الملوك فقاد نفسه إلى البر فتحلت بالفضائل، وتخلت عن الرذائل إن نتيجته أن يدخل الجنة ويفوز بنعيمها، قال تعالى: "وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام" (23 من سورة إبراهيم). (¬1) الإبريسم، نوع من الحرير الفاخر. (¬2) أوان كالقصعة. (¬3) جعلها الله من أنواع نعيم الآخرة، هذا إلى الاقتصاد، وعدم احتكارهن، وتضييع المعاملة بهن لفك أزمات العالم، ورواج بضائعهم، وسير أعمالهم، ففيه الترغيب في إنفاقه في مشروعات الخير، وإعانة البائسين، والمخترعين، والترهيب من استعماله فتسد عنه معادن النحاس والألومنيوم، وأنواع الفخار وغير ذلك.

الترهيب من الأكل والشرب بالشمال، وما جاء في النهي عن النفخ في الإناء، والشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح

أهل الجنة وشرابُ أهل الجنة، وآنية أهل الجنة" رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد. 4 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَبسَ الحريرَ، وشَرِبَ من الفضة، فليس منا (¬1)، ومن خَبَّبَ (¬2) امرأةً على زوجها، أو عَبْداً (¬3) على مَوَاليهِ (¬4)، فليس منا" رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا عبد الله بن مسلم أبا طيبة. الترهيب من الأكل والشرب بالشمال وما جاء في النهي عن النفخ في الإناء والشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يأكلن أحدُكم بشمالٍ (¬5)، ولا يشربنَّ بها، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب ¬

(¬1) أي على طريقتنا، أو ليس متبعاً ديننا عاملاً بمناهجنا. (¬2) أفسد، بأن ساعدها على النشوز والعصيان والسرقة والخبانة. (¬3) خادماً. (¬4) مخدوميه، يريد صلى الله عليه وسلم أن يرغب في الإصلاح، وينهى عن الإفساد، وبعث الشقاق والخلاف: (أ) قال تعالى: "ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين" (77 من سورة القصص). (ب) وقال تعالى: "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار" (28 من سورة ص). (جـ) وقال تعالى: "والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم" (220 من سورة البقرة). الآيات الدالة على النهي عن الترف والإسراف في الملابس والأواني وغيرهما: (أ) قال تعالى: "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" (31 من سورة الأعراف). (ب) وقال تعالى: "يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى؛ ذلك خير، ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون" (26 من سورة الأعراف). (جـ) وقال تعالى: "ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيراً بصيراً" (29 - 30 من سورة الإسراء). (د) وقال تعالى: "وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً" (27 من سورة الإسراء). (هـ) وقال تعالى: "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً" (67 من سورة الفرقان). (و) وقال تعالى: "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" (141 من سورة الأنعام). (¬5) بيده اليسرى.

بها، قال: وكان نافعٌ يزيد فيها: ولا يأخذ بها ولا يُعْطِ بها" رواه مسلم والترمذي بدون الزيادة، ورواه مالك وأبو داود بنحوه. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لِيَأْكُلْ أحَدُكُمْ بيمينه، ويشرب بيمينه، وليأخذ بيمينه، ولْيُعْطِ بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشمالهِ، ويشرب بشماله، ويُعطي بشماله، ويأخذ بشماله" رواه ابن ماجة بإسناد صحيح. 3 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن النفخ في الشراب، فقال رجلٌ: القَذَاةُ (¬1) أراها في الإناء: فقال: أهْرِقْهَا (¬2) قال: فإني لا أُرْوَى من نَفَسٍ واحدٍ، قال فأبِنِ (¬3) القَدح إذاً عن فيك" رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح. 4 - وعنه رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة (¬4) القدح، وأن يُنفخ (¬5) في الشراب" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه كلاهما من رواية قرة بن عبد الرحمن بن حيويل المصري المعافري. 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى أن يُتنفس في الإناء، أو يُنفخ فيه" رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح وابن حبان في صحيحه، ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجلُ مِنْ في (¬6) السِّقَاء، وأن يتنفس في الإناء. ¬

(¬1) الوساخة. (¬2) صبها وكبها على الأرض. (¬3) فافصل إناء الشرب. (¬4) أي موضع الكسر منه، وإنما نهى عنه لأنه لا يتماسك عليها فم الشارب، وربما انصب الماء على ثوبه وبدنه، وقيل لأن موضعها لا يناله التنظيف التام إذا غسل الإناء، وقد جاء في لفظ الحديث: إنه مقعد الشيطان، ولعله أراد به عدم النظافة. أ. هـ نهاية ص 133 (¬5) إخراج النفس في المشروب فيخرج منه الزفير من المعدة، ومن جراثيم الطعام الباقي. (¬6) في: أي فم الماء الذي يشرب منه مثل القربة خشية أن يكون في جوفها شيء فيؤذيك، أو تبتلعه، أنعم بك يا رسول الله ألفاظك حكيمة، وإرشادك صائب، تحرص على أمتك أن يمد أحدها فمه على قربة أو مثلها، فيزدرد أفعى، أو يبتلع قذاة، قال تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم" (128 من سورة التوبة).

[قال الحافظ]: وروى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي النهي عن التنفس في الإناء من حديث أبي قتادة. 6 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفسُ في الإناء ثلاثاً، ويقول: هو أمْرَأ وَأرْوَى" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. 7 - وروي أيضاً عن ثمامة عن أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس ثلاثاً" وقال: هذا صحيح. [قال الحافظ] عبد العظيم: وهذا محمول على أنه كان يبين القدح عن فيه كل مرة، ثم يتنفس كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم، لا أنه كان يتنفس في الإناء. 8 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى عن اخْتِنَاثِ الأسْقَيَةِ، يعني أن تكسر أفواهها، فيشرب منها" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى أن يُشرب مِنْ فِي السِّقَاء، فأنبئتُ أن رجلاً شرب مِنْ فِي السِّقاء، فخرجت عليه حَيَّةٌ" رواه البخاري مختصراً دون قوله: فأنبئت إلى آخره، ورواه الحاكم بتمامه، وقال: صحيح على شرط البخاري. 10 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية، فإن رجلاً بعد ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قام من الليل إلى السِّقَاء فاختنثهُ؛ فخرجت عليه منه حيَّةٌ" رواه ابن ماجة من طريق زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، وبقية إسناده ثقات. [خنث السقاء]: واختنثه: إذا كسر فمه إلى خارج فشرب منه. 11 - وعن عيسى بن عبد الله بن أُنيس عن أبيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بإدَاوَةٍ يومَ أُحُدٍ؛ فقال: اخْنِثْ فَمَ الإدَاوَةِ؛ ثم اشرب مِنْ فِيهَا" رواه أبو داود عن عبيد الله بن عمر عنه؛ ومن طريقه البيهقي؛ وقال: الظاهر أن خبر النهي كان بعد هذا.

الترغيب في الأكل من جوانب القصعة دون وسطها

[قال الحافظ]: ورواه الترمذي أيضاً، وقال: ليس إسناده بصحيح، عبيد الله بن عمر يضعف في الحديث، ولا أدري سمع من عيسى أم لا، والله أعلم. الترغيب في الأكل من جوانب القصعة دون وسطها 1 - عن عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنه قال: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم قَصْعَةٌ (¬1) يُقالُ لها الغَرَّاءُ (¬2) يحملها أربعةُ رجال، فلما أضحوا (¬3)، وسجدوا الضحى أُتيَ بتلك القصعة يعني، وقد أُثْرِدَ (¬4) فيها، فالتفوا عليها، فلما كَثُرُوا جَثَا (¬5) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أعرابيٌ: ما هذه الجلسةُ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله جعلني عبداً (¬6) كريماً، ولم يجعلني جباراً (¬7) عنيداً، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا من جوانبها، ودعوا ذِرْوَتَهَا يُبَارَكْ لكم فيها" رواه أبو داود وابن ماجة. [ذروتها] بكسر الذال المعجمة: هي أعلاها. 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنههما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البركة تنزلُ وسط الطعام، فكلوا من حافتيه (¬8)، ولا تأكلوا من وسطه" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، كلهم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه، وقال الترمذي واللفظ له: حديث حسن صحيح. ولفظ أبي داود وغيره: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل من أعلى الصَّحْفَةِ (¬9)، ولكن ليأكل من أسفلها، فإن البركة تنزل من أعلاها". ¬

(¬1) إناء يوضع فيه الثريد ليؤكل جملة. (¬2) الجميلة المباركة. (¬3) دخلوا في زمن الضحى بعد طلوع الشمس بنحو ساعة. (¬4) وضع فيها الطعام اللين الثريد. (¬5) جلس على ركبتيه. (¬6) إنساناً متواضعاً. (¬7) قوياً ظالماً: أي عات متكبر على الله معاند للحق مستمر في الباطل، ومنه قوله تعالى: "وخاب كل جبار عنيد". (¬8) جوانبه. (¬9) الصحفة: إناء الطعام.

الترغيب في أكل الخل والزيت ونهس اللحم دون تقطيعه بالسكين إن صح الخبر

الترغيب في أكل الخل والزيت، ونهس اللحم دون تقطيعه بالسكين إن صح الخبر 1 - عن جابر رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أهلهُ الأُدْمَ (¬1) فقالوا: ما عندنا إلا الخل، فدعا به، فجعل يأكل به، ويقول: نِعْمَ الإدامُ الخلُ، نِعْمَ الإدَامُ الخلُّ، نِعْمَ الإدَامُ الخلُّ، قال جابرٌ: فمازلت أحبُ الخل منذ سمعتها من نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال طلحة بن نافعٍ: ومازلت أحبُّ الخل منذ سمعتها من جابرٍ" رواه مسلم، وروى أبو داود والترمذي وابن ماجة منه: نِعْمَ الإدَامُ الخلُّ. 2 - وعن أم هانئ بنت أبي طاب رضي الله عنها قالت: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل عندكم من شيءٍ؟ فقلت: لا إلا كِسْرَةٌ يابسةٌ وَخَلٌّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قَرِّبِيهِ، فما افتقر بيتٌ من إدامٍ فيه خَلٌّ" رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب. وورى ابن ماجة عن محمد بن زاذان قال: "حدثتني أم سعد رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وأنا عندها، فقال: هل من غَداء؟ قالت: عندنا خُبزٌ وتمرٌ وخَلٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نِعْمَ الإدَامُ الخلُّ، اللهم بارك في الخلِّ، فإنه كان إدامَ الأنبياء قبلي، ولم يُفْقِرْ بيتٌ فيه خَلٌ". كلوا الزيت وادهنوا به فإنه طيب مبارك 3 - وعن أبي أُسيد رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال كلوا الزيتَ، وادَّهِنُوا به، فإنه من شرجة مباركةٍ" رواه الترمذي، وقال حديث غريب والحاكم، وقال صحيح الإسناد. 4 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً قال: كلوا الزيت، وادَّهِنُوا به فإنه طيبٌ (¬2) مباركٌ (¬3) " رواه الحاكم شاهداً. 5 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) ما يؤتدم به مائعاً كان، أو جامداً، تقول أدم الخبز باللحم، من باب ضرب. (¬2) لذيذ جميل الطعم. (¬3) كثير الفائدة، جرب لجلب الصحة.

"كلوا الزيت، وادَّهِنُوا به، فإنه من شجرة مباركةٍ (¬1) " رواه ابن ماجة والترمذي، وقال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق، وكان عبد الرزاق يضطرب في رواية هذا الحديث ورواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وهو كما قال. 6 - وعن صفوان بن أمية رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "انْهَسُوا (¬2) اللحمَ نَهْساً، فإنه أهْنَأ (¬3) وأمْرَأُ" رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ولفظه قال: "رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا آخذُ اللحمَ عن العظمِ بيدي، فقال يا صفوان، قلتُ: لبيك. قال: قَرِّب اللحمَ مِنْ فِيكَ، فإنه أهنأُ وأمْرَأُ". [قال الحافظ] عبد العظيم: رواه الترمذي عن عبد الكريم بن أبي أمية المعلم عن عبد الله بن الحارث عنه، قال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الكريم. [قال الحافظ]: عبد الكريم هذا، روى له البخاري تعليقاً، ومسلم متابعة، وقد روى من غير حديث فروى أبو داود، والحاكم من حديث عبد الرحمن بن معاوية عن عثمان بن أبي سليمان عنه، وعثمان لم يسمع من صفوان، والله أعلم. 7 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقطعوا اللحمَ بالسكين، فإنه من صنيع الأعاجم، وانْهَشُوهُ نَهْشاً (¬4)، فإنه أهْنَأُ وَأمْرَأُ" رواه أبو داود وغيره عن أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عنها، وأبو معشر هذا اسمه: نجيح لم يترك، ولكن هذا الحديث مما أنكر عليه، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم احْتَزَّ (¬5) مِنْ كتِفِ شاةٍ، فأكلَ، ثم صلى، والله أعلم. ¬

(¬1) جمة الخيرات، زيتونة ينتفع بزيتها، وبخشبها، وبثمرها يشفي الكبد. (¬2) خذوه بمقدم الأسنان للأكل، من نهسه الكلب، وكل ذي ناب نهساً: عضه، وقبض عليه ثم نثره. (¬3) أكثر هناءة وعافية، وأشد فائدة، صلى الله وسلم عليك يا رسول الله تعلم ثمرة أكل اللحم الهنئ. (¬4) النهش بالأسنان، وبالأضراس، نقل ابن فارس عن الأصمعي نهسه ونهشه بمعنى. (¬5) قطع فلا مانع من استعمال السكين عند أكل اللحم، وهي سنة ظريفة نظيفة، وقد أورد البخاري هذا الحديث في باب قطع اللحم بالسكين، وأخرج أصحاب السنن الثلاثة من حديث المغيرة بن شعبة "بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحز لي من جنب حتى أذن بلال فطرح السكين، وقال ماله تربت يداه" قال ابن بطال هذا الحديث، يرد حديث أبي معشر عن هشام بن عروة عن عائشة رفعته "لا تقطعوا اللحم بالسكين" =

الترغيب في الاجتماع على الطعام

الترغيب في الاجتماع على الطعام 1 - عن وَحْشِيِّ بن حرب بن وحشي بن حربٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: "قالوا يا رسول الله: إنا نأكلُ، ولا نشبعُ؟ قال: تجتمعون على طعامكم أو تتفرقون؟ قالوا: نتفرقُ قال: اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله تعالى (¬1) يُباركُ لكم فيه (¬2) " رواه أبو داود، وابن ماجة، وابن حبان في صحيحه. وروى ابن ماجة أيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا جميعاً، ولا تتفرقوا، فإن البركة مع الجماعة" وفيه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير واهي الحديث. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طعام الاثنين كافي الثلاثة (¬3)، وطعام الثلاثة كافي الأربعة" رواه البخاري ومسلم. 3 - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي ¬

= قال أبو داود: هو حديث ليس هو بالقوي. أ. هـ.، وأكثر ما في حديث صفوان أن النهش أولى. أ. هـ. فتح ص 437 جـ 10، قال أخبرني جعفر بن عمرو ابن أمية أن أباه عمرو بن أمية أخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز كتف شاة في يده فدعى إلى الصلاة، فألقاها والسكين التي يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ. أ. هـ بخاري. (¬1) قال النووي: أجمع العلماء على استحباب التسمية على الطعام في أوله. أ. هـ فتح ص 419 جـ 10 (¬2) ليضع الله فيه البركة فيكثر من الشبع، وتحصل القناعة والزهادة، وفي حديث البخاري عن عمرو بن أبي سلمة: يقول كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام سَمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، والغلام دون البلوغ، وكان في تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت نظره، وكانت يده تتحرك فتميل إلى نواحي القصعة. (¬3) أي مطلق طعام القليل يكفي الكثير، قال المهلب: المراد بهذه الأحاديث الحض على المكارم، ولتقنع بالكفاية، يعني وليس المراد الحصر في مقدار الكفاية، وإنما المراد المواساة، وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما، وإدخال رابع أيضاً بحسب من يحضر. أ. هـ، فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع، وأن الجمع كلما كثر ازدادت البركة، وقال ابن المنذر: يؤخذ من حديث أبي هريرة استحباب الاجتماع على الطعام، وأن لا يأكل المرء وحده. أ. هـ، وفي الحديث أيضاً: الإشارة إلى أن المواساة إذا حصلت حصلت معها البركة فتعم الحاضرين، وفيه أنه لا ينبغي للمرء أن يستحقر ما عنده فيمتنع من تقديمه، فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء بمعنى حصول سد الرمق، وقيام البنية، لا حقيقة الشبع. أ. هـ فتح ص 429 جـ 10، صلى الله وسلم عليك يا رسول الله تدعو إلى الاتحاد والمحبة.

الترهيب من الإمعان في الشبع والتوسع في المآكل والمشارب شرها وبطرا

الثمانية" رواه مسلم والترمذي وابن ماجة، ورواه البزار من حديث سمرة دون قوله: "وطعام الأربعة يكفي الثمانية" وزاد في آخره: "ويدُ الله على الجماعة". 4 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا جميعاً ولا تتفرقوا (¬1)، فإن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثمانية" رواه الطبراني في الأوسط. 5 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحبَّ الطعام إلى الله ما كَثُرَتْ عليه الأيدي (¬2) " رواه أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ في كتاب الثواب، كلهم من رواية عبد المجيد بن أبي داود، وقد وُثِّق، ولكن في هذا الحديث نكارة. الترهيب من الإمعان في الشبع، والتوسع في المأكل والمشارب شَرَهاً وبطراً 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم يأكلُ في مِعيٍ (¬3) واحدٍ، والكافر (¬4) في سبعة أمعاءٍ" رواه مالك والبخاري ومسلم وابن ماجة وغيرهم. ¬

(¬1) لا تختلفوا، ولا تتنازعوا: بل اتحدوا، وأحبوا الاجتماع، ولا تهلككم الأثرة، والشره، والنهم والطمع، ويد الله مع الجماعة. 59 - 2 ع. (¬2) اجتمع علي أفراد كثيرون، حي على أهل الفلاح البركة من الله. (¬3) مصارين: أي بطن واحد، والمعنى المسلم يقنع ويرضي بالقليل، يسمي فتحصل البركة من الله، قال في الفتح: وإنما عدى يأكل بفي لأنه يمعنى يوقع الأكل فيها، ويجعلها ظرفاً للمأكول، ومنه قوله تعالى: "إنما يأكلون في بطونهم ناراً" أي ملء بطونهم. (¬4) غير المسلم لشرهه، وحرصه على ملذاتها، واستمتاع نفسه، وعدم قناعته: أي يأكل كثيراً، وكذا الفاسق الفاجر العاصي، وفي رواية البخاري عن عبدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن يأكل في معي واحد، وإن الكافر، أو المنافق فلا أدري =

وفي رواية للبخاري: "أن رجلاً كان يأكلُ أكلاً كثيراً فأسلمَ، فكان يأكلُ أكلاً قليلاً، فَذُكِرَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن المؤمن يأكل في معي واحدٍ، وإن الكافر يأكل في سبعة أمعاء". وفي رواية لمسلم قال: "أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَيْفاً كافراً، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاةٍ فَحُلِبَتْ، فشرب حِلاَبَهَا، ثم أخرى فشرب حلابها ثم أخرى فشرب حلابها حتى شرب حلاب سبعِ شياةٍ، ثم إنه أصبح فأسلمَ، فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

_ = أيهما قال عبيد الله يأكل في سبعة أمعاء" وفي الفتح هذا الشك من عبدة، وقد أخرجه مسلم بغير شك، وورد عند الطبراني من حديث سمرة بلفظ المنافق بدل الكافر، واختلف في معنى الحديث؛ فقيل ليس المراد به ظاهره، وإنما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا، والكافر وحرصه عليها، فكأن المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد، والكافر لشدة رغبته فيها، واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء فليس المراد حقيقة الأمعااء ولا خصوص الأكل، وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار منها، فكأنه عبر عن تناول الطعام بالأكل، وعن أسباب ذلك بالأمعاء، ووجه العلاقة ظاهر، وقيل المعنى أن المؤمن يأكل الحلال، والكافر يأكل الحرام، والحلال أقل من الحرام في الوجود، نقله ابن التين، ونقل الطحاوي نحو الذي قبله عن أبي جعفر بن أبي عمران، فقال: حمل قوم هذا الحديث على الرغبة في الدنيا كما تقول فلان يأكل الدنيا أكلاً: أي يرغب فيها، ويحرص عليها، فمعنى المؤمن يأكل في معي واحد: أي يزهد فيها فلا يتناول منها إلا قليلاً، والكفار في سبعة أمعاء: أي يرغب فيها فيستكثر منها، وقيل المراد حض المؤمن على قلة الأكل إذا علم أن كثرة الأكل صفة الكافر، لقوله تعالى: "والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم" (12 من سورة القتال) انتهى فتح ص 124 جـ 9. وفي العيني: حكى القاضي عياض عن أهل الطب والتشريح أنهم زعموا أن أمعاء الإنسان سبعة: المعدة، ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها: البواب، والصائم، والرقيق، وهي كلها رقاق، ثم ثلاثة غلاظ الأعور، والقولون والمستقيم، وطرفة الدبر، فالمؤمن يكفيه ملء أحدها، والكافر لا يكفيه إلا ملء كلها. أ. هـ. ص 142 جـ 2. وقال النووي: الصفات السبعة في الكافر، وهي الحرص، والشره، وطول الأمل، والطمع، وسوء الطبع، والحسد، وحب السمن، وقال القرطبي: شهوات الطعام سبع: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع، وفي الفتح في كلام القاضي أبي بكر بن العربي: أن الأمعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس، والشهوة، والحاجة. قال العلماء: يؤخذ من الحديث الحض على التقلل من الدنيا، والحث على الزهد فيها، والقناعة بما تيسر منها، وقد كان العقلاء في الجاهلية والإسلام يتمدحون بقلة الأكل، ويذمون كثرة الأكل. قال حاتم الطائي: فإنك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا وقال ابن التين: إن الناس في الأكل على ثلاث طبقات: طائفة تأكل كل مطعوم من حاجة وغير حاجة، وهذا فعل أهل الجهل، وطائفة تأكل عند الجوع بقدر ما يسد الجوع حسب، وطائفة يجوعون أنفسهم يقصدون بذلك قمع شهوة النفس، وإذا أكلوا أكلوا ما يسد الرمق. أ. هـ ص 423 جـ 10.

بشاةٍ، فشرب حِلابها، ثم أخرى فلم يسْتَتِمَّهُ (¬1)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن ليشربُ في مِعىً واحدٍ، والكافرَ يشرب في سبعة أمعاء" رواه مالك والترمذي بنحو هذه. ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنٍ 2 - وعن المقدام بن مَعْدِ يكرب رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما ملأ (¬2) آدميٌ وعاءً شراً من بطنٍ، بحسبِ ابن آدم أكيلاتٌ (¬3) يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإن كان لا محالة (¬4)، فثلث لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنفسه" رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجة وابن حبان في صحيحه إلا أن ابن ماجة قال: "فإن غلبت الآدميَّ نفسهُ فثلثٌ للطعام" الحديث. 3 - وعن أبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قال: "أكلتُ ثَرِيدَةً من خُبزٍ ولحمٍ، ثم أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأُ (¬5)، فقال: يا هذا كُفَّ عَنَّا (¬6) مِنْ جُشَائِكَ، ¬

(¬1) فلم يكمله لأن أشعة الإسلام سطعت على قلبه، فملأته قناعة، وزهادة، وأبعدت الشره، قال تعالى: "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم" (2 من سورة فاطر)، (من رحمة) كنعمة، وأمن، وصحة، وعلم، ونبوة. (¬2) لن يملأ إنسان وعاء يعود عليه بالضرر مثل ملء بطنه الذي يعود عليه بالتخمة والأمراض. (¬3) لقيمات كافية الإنسان متصفة بإعانته على أعماله، ومقوية له، ومزيلة الجوع، ويكون منهجه عند الطعام. (أ) ثلث بطنه يملؤه طعاماً. (ب) الثلث الثاني لشرابه. (جـ) الثالث لاستنشاق الهواء العليل البليل المغذي المنمي الجسم، أنعم بك يا رسول الله من حكيم ماهر سننت لأمتك ما يجلب لها العافية، والصحة التامة: عدم الشبع المفرط، وتجنب الإسراف في الطعام، قال تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" (31 من سورة الأعراف). أي ما طاب لكم تمتعوا به، ولا تتغالوا في تحريم الحلال، أو التعدي إلى الحرام، أو بإفراط الطعام، والشره عليه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "كل ما شئت، والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة" وقال علي بن الحسين بن واقد: قد جمع الله الطب في نصف آية، فقال: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" (31 من سورة الأعراف) أي لا يرتضى فعلهم، لقد أجمع الأطباء على أن ملء المعدة مهلك مضعف ومسبب الأوجاع المختلفة، ومزيل قوة الشباب، ونضرته، ويصفون العلاج الآن بالإقلال من الطعام ما استطاع الإنسان ليشفى، وقد أخبرني غير واحد أن اكتساب الصحة جاء من عدم الشبع، والأكلة التي يطمع فيها الطامع فيشبع تجلب الوهن في الجسم، وتحرك ما كمن من الأدواء، كان والدي رحمه الله يعالج صحته بالجوع (الحمية) والامتناع عن تناول الطعام ويكتفي بالسوائل. (¬4) فإن حتم على نفسه الغذاء فيتبع طريقة الاقتصاد في أكله على النحو الذي وصفه صلى الله عليه وسلم. (¬5) أحدث صوتاً مع ريح يحصل من الفم عند حصول الشبع، والاسم الجشاء: أي (تترع). (¬6) كف عنا، كذا (ط وع ص 60)، وفي (ن د) أكفف عنا: أي امتنع أو أبعد.

فإن أكثر الناس شِبَعاً في الدنيا أكثرهمُ جوعاً يوم القيامة" رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: بل واهٍ جداً، فيه فهد بن عوف، وعمر بن موسى لكن رواه البزار بإسنادين، رواة أحدهما ثقات، ورواه ابن أبي الدنيا، والطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي، وزادوا: "فما أكَلَ أبو جُحيفة ملْء بطنه حتى فارق الدنيا، كان إذا تغدى لا يتعشى، وإذا تعشى لا يتغدى"، وفي رواية لابن أبي الدنيا: قال أبو جُحيفة: فما ملأتُ بطني منذ ثلاثين سنة. 4 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "تجشأ رجلٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: كُفَّ عنا جُشاءك، فإن أكثرهم شبعاً في الدنيا أطوَلُهُمْ جوعاً يوم القيامة" رواه الترمذي، وابن ماجة والبيهقي كلهم من رواية يحيى البكاء عنه؛ وقال الترمذي: حديث حسن. 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الشبعِ في الدنيا هم أهل الجوع غداً في الآخرة" رواه الطبراني بإسناد حسن. 6 - ورويَ عن عطية بن عامر الجهَنِيِّ قال: "سمعتُ سلمان رضي الله عنه وأُكْرِهَ على طعامٍ يأكلهُ: فقال: حسبي أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة" رواه ابن ماجة والبيهقي؛ وزاد في آخره: وقال يا سلمان: الدنيا سجن المؤمن؛ وجنة الكافر. 7 - وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أوَّلُ بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشِّبَعُ (¬1)، فإن القوم لما شَبِعَتْ بُطُوُنُهمْ سَمِنَتْ (¬2) أبدانهم، فَضَعُفَتْ قلوبهم (¬3)، وجمحت شهواتهم (¬4) " رواه البخاري في كتاب الضعفاء، وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع. ¬

(¬1) الإكثار من الأكل والحرص على التمتع بأفخر الطعام، فقل عملهم الصالح وقلت الهمم وزاد الفتور. (¬2) قويت أجسامهم. (¬3) قل إيمانها بالله تعالى لعكوفها على الملذات، واستمرارها في الترف، وغفلتها عن الله عز وجل. (¬4) أسرعت وزادت، وكثرت معاصيهم، قال في المصباح وربما قيل جمح إذا كان فيه نشاط وسرعة، وجمح =

8 - وعن جَعْدَةَ رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً عظيم (¬1) البطن، فقال بأُصْبُعِهِ: لو كان هذا في غير (¬2) هذا لكان خيراً لك" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد جيد، والحاكم والبيهقي. 9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَيُؤتَيَنَّ يوم القيامة بالعظيم، الطويل (¬3)، الأكول، الشَّروبِ، فلا يزنُ عند الله جناح بعوضةٍ، واقرءوا إن شئتم: "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً"" رواه البيهقي، واللفظ له. ورواه البخاري ومسلم باختصار قال: "إنه ليأتي الرجلُ العظيمُ السمين يوم القيامة، فلا يزنُ عند الله جناح بعوضةٍ (¬4) " ¬

= الفرس براكبه: استعصى حتى غلبه، وجمح إذا عار، وهو أن ينفلت فيركب رأسه فلا يثنيه شيء، وجمحت المرأة: خرجت من بيت زوجها غضبي بغير إذن بعلها. أ. هـ، والمعنى أن كثرة النعيم فتنة، ففيه إرخاء العنان للنفس لتطغى، وتضل، وتنسى حقوق الله جل وعلا، قال تعالى: "يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير" (5 - 6 من سورة فاطر)، (وعد الله) بالحشر والجزاء لا خلف فيه (فلا تغرنكم) فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة، والسعي لها (الغرور) الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية، والميل إلى الترف بلا عمل (فاتخذوه عدواً) في عقائدكم، وأفعالكم، وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم وشيدوا الصالحات، "الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون" (7 - 8 من سورة فاطر)، (أفمن زين) أي انتكس رأيه فرأى الباطل حقاً، والقبيح حسناً كمن لم يزين له بل وفق حتى عرف الحق واستحسن الأعمال واستقبحها على ما هي عليه (حسرات) أي فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم وإصرارهم على التكذيب، سبحانه عليم فيجازيهم على ترفهم وأعمالهم. (¬1) ضخم الجسم. (¬2) أي في عقله؛ بمعنى أن فكره يسمو ورأيه يعلو وقوته في ثمرات أعماله لا في ضخامة بطنه. * جسم البغال وأحلام العصافير * (¬3) أي المتصف بالضخامة وكثرة الأكل والشراب قال تعالى: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً" (103 - 106 من سورة الكهف)، (ضل) ضاع وبطل لكفرهم وعجبهم (وزناً) أي نزدري بهم ولا نجعل لهم مقداراً واعتباراً، أو لا نضع لهم ميزاناً توزن به أعمالهم لانحباطها. أ. هـ. بيضاوي، والمعنى الغذاء يتحول للتقوية على الأعمال الصالحة، أما الحرص على التمتع بأنواع الأطعمة والغفلة عن الله تعالى فمن صفات الكفار وبذا تنطوي صحيفة الخير وعمل البر في حياة المترفين الضالين فتكون عاقبتهم دخول النار ولا وزن لأعمالهم. (¬4) المعنى أن أعمال هؤلاء الكفرة الفجرة الفسقة لا تعادل جناح البعوضة مع حقارتها وخفتها مع ضخامة جسمهم وملذاته.

ما كان عليه اصحاب النبي خير مما نحن عليه الآن 10 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجوعِ في وجوهِ أصحابه، فقال: أبشروا! فإنه سيأتي عليكم زمانٌ يُغْدَى (¬1) على أحدكم بالقصعة من الثَّرِيدِ، وُيُراحُ عليه بمثلها. قالوا: يا رسول الله نحن يومئذٍ خيرٌ؟ قال: بل أنتم اليوم خيرٌ منكم يومئذٍ" رواه البزار بإسناد جيد. 11 - وعن عليٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم اليوم خيرٌ أم إذا غُدِيَ على أحدكم بِحِفْنَةٍ (¬2) من خُبزٍ ولحمٍ وريحَ عليه بأخرى، وغدا في حُلَّةٍ، وراح في أخرى، وسترتم بيوتكم كما تُستَرُ الكعبة؟ قلنا: بل نحن يومئذٍ خيرٌ نتفرغُ للعبادة، فقال: بل أنتم اليوم خيرٌ (¬3) " رواه الترمذي في حديث تقدم في اللباس وحسنه. 12 - وروي عن ابن بُجيرٍ رضي الله عنه، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أصابَ (¬4) النبي صلى الله عليه وسلم جُوعٌ يوماً فَعَمَدَ (¬5) إلى حجرٍ فوضعهُ ¬

(¬1) تزف إليكم الأطعمة صباحاً ومثلها مساءً: أي تقدم صباحاً ومساءً. (¬2) إناء كالقصعة، يبشرهم صلى الله عليه وسلم بوفرة الأغذية وكثرة الخير وزيادة النعيم والرفاهية في المستقبل ولكن الآن هم في حالة أحسن لتفرغهم لعبادة الله تعالى. قال تعالى: "يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم" (56 - 60 من سورة العنكبوت)، (أرضي واسعة) إذا لم يتسهل لكم العبادة في بلدة ولم يتيسر لكم إظهار دينكم فهاجروا إلى حيث يتمشى لكم ذلك (لنبوئنهم) لننزلنهم (صبروا) على أذى المشركين والمحن والمشاق ولا يتوكلون إلا على الله تعالى. إن شاهدنا طلب الصبر والاعتماد على الله، وفيه ترك الترف والرضا بالفقر واستقبال الشدائد بصدر رحب وعدم الركون إلى زخارف الدنيا رجاء ثواب الله تعالى القائل جل شأنه "وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون" (64 من سورة العنكبوت)، (الحيوان) دار الحياة لا موت فيها. (¬3) حالتكم الآن على ما هي عليه من قلة المال أكثر ثواباً عند الله تعالى وأخف في الحساب "اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب" وكما قال صلى الله عليه وسلم "وأصحاب الجد محبوسون" أي أصحاب الغنى واقفون في المحشر يقدمون دفاتر إنفاق هذا المال أو اكتنازه والبخل به، والشح في حقوق الله فيه والفقراء يدخلون الجنة بلا حساب مطمئنين منعمين ترفرف عليهم راية النعيم، لا يحتاجون إلى محاسب الضرائب الآن. (¬4) لحق به. (¬5) قصد: فانعمد.

على بطنه (¬1)، ثم قال: ألا رُبَّ نفسٍ طاعمةٍ (¬2) ناعمةٍ (¬3) في الدنيا جائعةٌ (¬4) عاريةٌ (¬5) يوم القيامة. ألا رُبَّ مُكْرِمٍ (¬6) لنفسهِ، وهو لها مُهِينٌ (¬7) ألا رُبَّ مُهينٍ (¬8) لنفسهِ وهو لها مُكرمٌ (¬9) " رواه ابن أبي الدنيا. 13 - وعن اللجلاج رضي الله عنه قال: "ما ملأتُ بطني طعاماً منذ أسلمتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلُ حَسْبي (¬10)، وأشربُ حسبي، يعني قوتي" رواه الطيراني بإسناد لا بأس به، والبيهقي. وزاد: وكان قد عاش مائة وعشرين سنةً: خمسين في الجاهلية، وسبعين في الإسلام. 14 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أكلتُ في اليوم مرتين، فقال: يا عائشة أما تُحبينَ أن يكون لك شُغلٌ إلا جوفكِ (¬11)، الأكلُ في اليوم مرتين من الإسراف، والله لا يحب المسرفين" رواه البيهقي، وفيه ابن لهيعة. وفي رواية فقال: يا عائشة اتخذت الدنيا بطنك، أكثرُ من أكلةٍ كلَّ يومٍ سَرَفٌ (¬12)، والله لا يحب المسرفين. 15 - ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) شده على بطنه ليمنع عنه غائلة الجوع ويطرد عنه الفتور، والوهن والإغماء ويقويه على عبادة الله وفعل الصالحات، هل لك في رسول الله أسوة حسنة؟ يرغب عن زخارف الدنيا ويضع على بطنه حجراً اتقاء الجوع وقد قال البوصيري: وراودته الجبال الشم من ذهب ... عن نفسه فأراها أيما شمم (¬2) متمتعة بأصناف الطعام ولذيذه وشهيه. (¬3) مترفة فائزة بأنواع البذخ. (¬4) متألمة بألم الجوع. (¬5) غير مستورة تفضح على رءوس الأشهاد وتذم وتعذب أمام الخلائق يوم القيامة والله تعالى لا يستر قبائحها ولا يدخلها في زمرة من رضي عنهم فغفر لهم. (¬6) مقدم لها أنواع البذخ. (¬7) معرضها للحساب وكثرة السؤال عما اقترفت وتمتعت. (¬8) معذبها بالزهد والورع واجتناب الشهوات والتفاني في طاعة الله والصبر والجوع. (¬9) معظم مرق منعم لأن العمل الصالح شاق في نفسه ومحمود العاقبة مسبب الثواب الكثير. (¬10) كفايتي: حساب كاف. (¬11) ملء بطنك، اشتغلي بذكر الله وطاعته ليبقى ثواب ذلك في الآخرة. (¬12) تبذير.

"من الإسراف أن تأكل كل ما اشتهيتَ" رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع، والبيهقي، وقد صحح الحاكم إسناده لمتن غير هذا، وحسنه غيره. 16 - وعن أبي بَرْزَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أخشى عليكم شهوات (¬1) الْغَيِّ (¬2) في بطونكم، وفروجكم (¬3)، ومُضِلاَّتِ (¬4) الهوى" رواه أحمد والطبراني والبزار، وبعض أسانيدهم رجاله ثقات. 17 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لقيني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد ابتعتُ (¬5) لحماً بدرهم، فقال: ما هذا يا جابر؟ قلتُ: قَرِمَ أهلي فابتعتُ لهم لحماً بدرهمٍ، فجعل عمر يُردد: قَرِمَ أهلي حتى تمنيتُ أن الدرهم سقط مني ولم ألقَ عمر" رواه البيهقي. 18 - وروى مالك عن يحيى بن سعيد: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدرك جابر بن عبد الله، ومعه حاملُ لحمٍ، فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطويَ بطنه لجاره، وابن عمه، فأين تذهبُ عنكم هذه الآية "أذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بها" قال البيهقي: وروى عن عبد الله بن دينار مرسلاً وموصولاً. قوله [قرم أهلي]: أي اشتدت شهوتهم للحم، قال الحليمي رحمه الله: وهذا الوعيد من الله تعالى، وإن كان للكفار الذين يقدمون على الطيبات المحظورة، ولذلك قال: "فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ" فقد يخشى مثله على المنهمكين في الطيبات المباحة لأن من يعودها مالت نفسه إلى الدنيا، فلم يؤمن أن يرتبك في الشهوات والملاذ كلما أجاب نفسه إلى واحد ¬

(¬1) ملذات. (¬2) أمور الجهل من اعتقاد فاسد وإرخاء العنان للتمتع بالطعام والفروج وجميع أنواع الموبقات أي الشهوات المسببة للغي والفسق والجالبة العذاب قال تعالى: "فسوف يلقون غيا" أي عذاباً فسماه الغي لما كان الغي هو سببه، وذلك كتسمية الشيء بما هو سببه كقولهم للنبات ندى، وقيل معناه فسوف يلقون أثر الغي وثمرته، قال تعالى: "وبرزت الجحيم للغاوين" أي غوى فاتبع الضلال والخيبة: أي آكل الحرام. (¬3) الزنا. (¬4) طرق الغواية. (¬5) اشتريت فيردد سيدنا عمر هذه الجملة لانتباهه إلى التمتع بالمباح فما بالك الآن بمن يتمتع بما حرم الله وما أحل، ومع هذه النعمة الجمة تراه مقصراً في حقوق الله فلا يصلي ولا يصوم ولا يتصدق ولا يفعل خيراً، شكراً لنعم الله تعالى.

منها دعته إلى غيرها، فيصير إلى أن لا يمكنه عصيان نفسه في هوى قط، وينسد باب العبادة دونه، فإذا آل به الأمر إلى هذا لم يبعد أن يقال: "أذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ"، فلا ينبغي أن تعود النفس ربما تميل به إلى الشره ثم يصعب تداركها، ولْتُرَضْ من أول الأمر على السداد، فإن ذلك أهون من أن تدرب على الفساد ثم يجتهد في إعادتها إلى الصلاح، والله أعلم. قال البيهقي: وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه اشترى من اللحمِ المهزول، وجعل عليه سَمْناً، فرفع عمر يده، وقال: والله ما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا أكل أحدهما، وتصدق بالآخر، فقال ابن عمر: اطعم يا أمير المؤمنين، فوالله لا يجتمعان عندي أبداً إلا فعلت ذلك. 19 - وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلوا، واشربوا، وتصدقوا ما لم يُخالطهُ إسْرافٌ (¬1) ولا مَخيلةٌ (¬2) " رواه النسائي وابن ماجة، ورواته إلى عمر ثقات يحتج بهم في الصحيح. 20 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث به إلى اليمن قال له: إياك والتنعم (¬3)، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين" رواه أحمد والبيهقي، ورواة أحمد ثقات. 21 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أشرار أمتي الذين غُذُوا بالنعيم (¬4)، ونبتت عليه أجسامهم" رواه البزار، ورواته ثقات إلا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم. 22 - ورويَ عن أبي أُمامةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون رجالٌ من أمتي يأكلون ألوان الطعام، ويشربون ألوان الشراب، ¬

(¬1) تبذير. (¬2) كبرياء. (¬3) الترفه وزيادة الرفاهية الجالبة الغفلة عن الله وضياع الأعمال الصالحة. (¬4) تمتعوا بالخيرات ونسوا حقوق الله فيها فسببوا لأنفسهم العذاب الأليم من جراء الإنفاق في غير الحلال.

ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون (¬1) في الكلام، فأولئك شرار أمتي" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط. 23 - ورويَ عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شرار أمتي الذين ولدوا (¬2) في النعيم، وغُذُوا به يأكلون من الطعام ألواناً، ويتشدقون في الكلام" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في حديث. 24 - وعن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مَطْعَمَ ابن آدم (¬3) جُعِلَ مثلاً للدنيا، وإن قَزَّحَهُ ومَلَحَهُ، فانظر (¬4) إلى ما يصير" رواه عبد الله بن أحمد في زوائده بإسناد جيد قوي، وابن حبان في صحيحه والبيقي، وزاد في بعض طرقه، ثم يقول الحسن: أو ما رأيتهم يطبخونه بالأفواه والطيب، ثم يرمون كما رأيتم. [قوله قزحه]: بتشديد الزاي: أي وضع فيه القزح، وهو التابل، وملحه بتخفيف اللام معروف. 25 - وعن الضحاك بن سفيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا ضحاك ما طعامك؟ قال: يا رسول الله اللحم واللبنُ. قال: ثم يصير إلى ماذا؟ قال: إلى ما قد علمتَ، قال: فإن الله تعالى ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلاً للدنيا" رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح إلا علي بن زيد بن جدعان. [قال الحافظ]: ويأتي في الزهد ذكر عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) يكثرون من القول اللغو، ويقولون ما لا يفعلون. (¬2) ترعرعوا في النعم الكثيرة وشبوا ولم يشيدوا منها الصالحات. (¬3) أي طعام ابن آدم، فإنه مثل الدنيا ومآله الزوال مهما خزنه تلف وإن وضع فيه ما يبقيه مدة فلابد أن يعطب. (¬4) فانظر، كذا (ط وع ص 63 - 2)، وفي (ن د) فانظروا: أي تأمل أيها الإنسان فكل شيء زائل وكذا الطعام فالأحسن أن تختار العمل الصالح وذكر الله، قال تعالى: "واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً" كذلك الطعام يزول.

الترهيب من أن يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي وما جاء في طعام المتباريين

الترهيب من أن يدعى الإنسان إلى الطعام فيمتنع من غير عذر والأمر بإجابة الداعي وما جاء في طعام المتباريين 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنه كان يقول: شَرُّ الطعام طعامُ الوليمة (¬1) يُدْعَى إليها الأغنياء (¬2)، وتُترك المساكين، ومن لم يأتِ (¬3) الدعوة، فقد عصى الله ورسوله" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة موقوفاً على أبي هريرة. ورواه مسلم أيضاً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها، ويُدعى إليها من يأباها (¬4)، ومن لم يُجب الدعوة، فقد عصى الله ورسوله". 2 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دُعِيَ فلم يُجبْ، فقد عصى الله ورسوله، ومن دخل على غير دعوةٍ دخل سارقاً (¬5)، وخرج مُغِيراً (¬6) " رواه أبو داود، ولم يضعفه عن درست بن زياد، والجمهور على تضعيفه، ووهّاه أبو زرعة عن أبان بن طارق، وهو مجهول، قاله أبو رزعة وغيره. إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب 3 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) طعام العرس. (¬2) أي أنها تكون شر الطعام إذا خص الأغنياء وترك الفقراء، ولهذا قال ابن مسعود: إذا خص الغني وترك الفقير أمرنا أن لا نجيب، قال ابن بطال وإذا ميز الداعي بين الأغنياء والفقراء فأطعم كلاً على حدة لم يكن به بأس وقد فعله ابن عمر، وقال البيضاوي: من مقدرة كما يقال شر الناس من أكل وحده: أي من شرهم، وإنما سماه شراً لما ذكر عقبه فكأنما قال شر الطعام الذي شأنه كذا. (¬3) حال، والمعنى يدعى الأغنياء والحال أن الإجابة واجبة فيكون دعاؤه سبباً لأكل المدعو شر الطعام. أ. هـ. فتح. قال صاحب المحكم: الوليمة طعام العرس والإملاك، وقيل كل طعام صنع لعرس وغيره، وقال عياض في المشارق: الوليمة طعام النكاح، وقال الشافعي وأصحابه: تقع الوليمة على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من نكاح أو ختان وغيرهما. (¬4) من لا يحتاج إليها ويمتنع عنها. (¬5) أي جاء ليستحل طعاماً ليس مأذوناً في أكله. (¬6) فسرها على هامش العمارية: أي مختطفاً، من أغار بمعنى هجم واغتال.

"إذا دُعيَ أحدكم إلى الوليمة فليأتها" رواه البخاري ومسلم وأبو داود. 4 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عِرْساً كان، أو نحوه" رواه مسلم وأبو داود. وفي رواية لمسلم: إذا دعيتم إلى كُرَاعٍ (¬1) فأجيبُوهُ. 5 - وعن جابر هو ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دُعيَ أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم (¬2)، وإن شاء ترك" رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حق المسلم على المسلم خمسٌ: ردُّ السلام (¬3)، وعيادة المريض (¬4)، واتباع الجنائز (¬5)، وإجابة الدعوة (¬6)، وتشميت العاطس (¬7) " رواه البخاري ومسلم، ويأتي أحاديث من هذا النوع إن شاء الله تعالى. 7 - وروى أبو الشيخ بن حبان في كتاب التوبيخ وغيره عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستُّ خصالٍ واجبةٌ للمسلم على المسلم، من ترك شيئاً منهن، فقد ترك حقاً واجباً: يُجيبهُ إذا دعاهُ، وإذا لقيهُ ¬

(¬1) مستدق الساق من الرجل ومن حد الرسغ من اليد، وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير، وقيل: الكراع ما دون الكعب من الدواب، وقال ابن فارس: كراع كل شيء طرفه. أ. هـ. فتح ص 195 جـ 9، والمعنى تلبية دعوة الوليمة وإن قل خيرها وحقر فعلها دقق طلبها، ففيه الترغيب في الإجابة مطلقاً ولو كان الطعام غير معتنى به، ولو كان الداعي فقيراً. (¬2) أكل: أي هو حر في الأكل ولكن يلبي الطلب، وفي حديث البخاري عن نافع قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها" قال كان عبد الله يأتي الدعوة في العرس وغير العرس وهو صائم، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلى كراع لقبلت" أ. هـ، قال في الفتح أطلق ذلك على سبيل المبالغة في الإجابة مع حقارة الشيءأ. هـ. (¬3) قول "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته". (¬4) زيارته. (¬5) تشييعها. (¬6) تلبية الداعي إلى الوليمة. (¬7) قول: يرحمك الله، بعد حمد الله والثناء عليه والشكر له.

الترغيب في لعق الأصابع قبل مسحها لإحراز البركة

أن يُسَلِّمَ عليه، وإذا عطس أن يُشّمِّتهُ (¬1)، وإذا مرض أن يَعُودَهُ (¬2) وإذا استنصحه (¬3) أن ينصح له". 8 - وعن عكرمة رضي الله عنه قال: "كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتباريين (¬4) أن يُؤكَلَ" رواه أبو داود، وقال أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه، وابن عباس يريد أن أكثر الرواة أرسلوه. [قال الحافظ]: الصحيح أنه عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. [المتباريان]: هما المتماريان المتباهيان. الترغيب في لعق الأصابع قبل مسحها لإحراز البركة 1 - عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امر بِلَعْقِ ¬

(¬1) التشميت بالشين والسين: الدعاء بالخير والبركة، والمعجمة أعلاهما، يقال شمت فلاناً وشمت عليه تشميتاً فهو مشمت واشتقاقه من الشوامت وهي القوائم، كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله تعالى، وقيل معناه أبعدك الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك، ومنه حديث زواج فاطمة بعلي رضي الله عنهما فأتاهما فدعا لهما وشمت عليهما ثم خرج. أ. هـ نهاية. (¬2) يزوره ويدعو له ويطلب منه الدعاء. (¬3) طلب منه النصيحة والإرشاد ليسلك الصواب. (¬4) المتفاخرين، وقد أورد البخاري في كتاب الأطعمة قول الله تبارك وتعالى: (أ) "كلوا من طيبات ما رزقناكم" الآية. (ب) "أنفقوا من طيبات ما كسبتم". (جـ) "كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم"، والطيبات جمع طيبة، وهي تطلق على المستلذ مما لا ضرر فيه، وعلى النظيف، وعلى مما لا أذى فيه، وعلى الحلال، فمن الأول قوله تعالى: (أ) "يسألونك ماذا أحل لهم؟ قل أحل لكم الطيبات". (ب) ومن الثاني: "فتيمموا صعيداً طيباً". (جـ) ومن الثالث: هذا يوم طيب وهذه ليلة طيبة، وقال ابن بطال: لم يختلف أهل التأويل في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم" أنها نزلت فيمن حرم على نفسه لذيذ الطعام واللذات المباحة. أ. هـ. فتح ص 416 جـ 9. وفي باب النسوة التي يهدين المرأة إلى زوجها ودعائهن بالبركة: "عن عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو" قال في الفتح في رواية شريك، فقال: فهلا بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت تقول ماذا؟ قال تقول: =

الأصابع والصحفة (¬1)، وقال: إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة" رواه مسلم. 2 - وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقعتْ لُقْمَةُ أحدكم فليأخذها، فَلْيُمِطْ (¬2) ما كان بها من أذىً (¬3)، وليأكلها، ولا يدعها (¬4) للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعهُ، فإنه لا يدري في أي طعامهِ البركة" رواه مسلم. 3 - وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان ليحضرُ أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يَحْضُرَهُ عند طعامه، فإذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذىً، ثم ليأكلها، ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعهُ، فإنه لا يدري في أي طعامه البركة" رواه مسلم وابن حبان في صحيحه، وقال: فإن الشيطان يرْصُدُ الناس أو الإنسان على كل شيء حتى عند مطعمهِ ¬

= أتيناكم أتيناكم ... فحيانا وحياكم ولولا الذهب الأحمـ ... ـر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمرا ... ء ما سمنت عذاريكم. وفي حديث جابر وابن عباس: "قوم فيهم غزل" وفي حديث عائشة في العيدين: "دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان" وعن قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين أنه رخص لنا في اللهو عند العرس، ومن حديث السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له أترخص في هذا؟ قال نعم إنه نكاح لا سفاح أشيدوا النكاح، وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم "أعلنوا النكاح" زاد الترمذي وابن ماجة من حديث عائشة: "واضربوا عليه بالدف" ولأحمد والترمذي والنسائي من حديث محمد بن حاطب "فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف" والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن. أ. هـ فتح ص 110 جـ 9، صلى الله وسلم عليك يا رسول الله تبيح إظهار السرور. أتيت بهذا الاستدلال بمناسبة الوليمة رجاء أن لا يتغالى المسلمون في أفراحهم بوجود الملاهي والراقصات والمغنيات وجميع ما يغضب الله تعالى بحجة الفرح وأن يقتصروا على الحلال المباح. (¬1) والصحفة كذا (د وع ص 65 - 2، وفي (ن ط) والصحفة: أي القصعة إناء الطعام. (¬2) فليزل. (¬3) وساخة. (¬4) ولا يتركها، المعنى أنه يقابل الطعام بثغر باسم وصدر منشرح ويحمد نعمة الله عليه ولا يزدري هذه النعمة ولا مانع أن يمص باقي الطعام في القصعة رجاء التواضع وطلب الصحة وزيادة البركة من الله سبحانه، وليكثر من شكر الله والثناء عليه عسى أن تكون أكلة الصحة ويزداد الخير.

الترغيب في حمد الله تعالى بعد الأكل

أو طعامه، ولا يرفعُ الصحفة حتى يلعقها، فإن آخر الطعام البركة. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أكل أحدكم، فليلعق أصابعهُ، فإنه لا يدري في أيتهن البركة" رواه مسلم والترمذي. 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكلَ أحدكم طعاماً، فلا يمسح أصابعهُ حتى يلعقها، أو يُلْعِقَهَا" رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة. الترغيب في حمد الله تعالى بعد الأكل 1 - عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل طعاماً، ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام، ورزقنيهِ من غير حولٍ مني ولا قوةٍ غُفر له ما تقدم من ذنبه" رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي، وقال حديث حسن غريب. [قال الحافظ]: رووه كلهم من طريق عبد الرحيم أبي مرحوم عن سهل بن معاذ، ويأتي الكلام عليهما. 2 - وعن أنسٍ بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلةَ، فيحمدهُ عليها، ويشرب الشربةَ، فيحمدهُ عليها" رواه مسلم والنسائي والترمذي وحسنه. [الأكلة]: بفتح الهمزة: المرة الواحدة من الأكل، وقيل: بضم الهمزة وهي اللقمة. 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج أبو بكرٍ بالهاجرة (¬1) إلى المسجد، فسمع عمر، فقال يا أبا بكر: ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: ما أخرجني إلا ما أجدُ من حاقِّ (¬2) الجوعِ قال: وأنا والله ما أخرجني غيره، فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أخرجكما هذه الساعة؟ قالا: ¬

(¬1) وقت الظهر: الحر الشديد. (¬2) شدته.

والله ما أخرجنا إلا ما نجدهُ في بطوننا من حاقِّ الجوع. قال: وأنا والذي نفسي بيده ما أخرجني غيرهُ فقوما؛ فانطلقوا حتى أتوا باب أبي أيوب الأنصاري، وكان أبو أيوب يدَّخِرُ (¬1) لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً كان أو لبناً، فأبطأ عليه يومئذٍ، فلم يأتِ لحينه، فأطعمه لأهلهِ، وانطلق إلى نخلهِ يعمل فيه، فلما انتهوا إلى الباب خرجت امرأتهُ، فقالت: مرحباً بنبي الله صلى الله عليه وسلم، وبمن معه. قال لها نبي الله صلى الله عليه وسلم: أين أبو أيوب؟ فَسَمِعَهُ، وهو يعمل في نخلٍ له، فجاء يشتد، فقال: مرحباً بنبي الله صلى الله عليه وسلم، وبمن معه. يا نبي الله: ليس بالحين الذي كنت تجئ فيه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: صدقت. قال: فانطلق، فقطع عِذقاً من النخل فيه من كُلٍّ من التمر والرطب والبُسْرِ، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أردت إلى هذا ألا جنيت لنا من تمره؟ قال: يا رسول الله أحببتُ أن تأكل من تمرهِ ورُطَبهِ وبُسْرِهِ، ولأذبحنَّ لك مع هذا. قال: إن ذبحت، فلا تَذْبَحَنَّ ذات دَرٍّ (¬2) فأخذ عناقاً (¬3) أو جَدْياً، فذبحه، وقال لامرأته: اخبزي واعجني لنا، وأنتِ أعلمُ بالخبز فأخذَ نصف الجدي، فطبخهُ وشوى نصفهُ، فلما أدرك الطعام، ووضع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أخذ من الجدي فجعله في رغيفٍ، وقال: يا أبا أيوب! أبلغْ بهذا فاطمة، فإنها لم تُصبْ مثل هذا منذ أيامٍ، فذهب أبو أيوب إلى فاطمة، فلما أكلوا وشبعوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: خُبزٌ؛ ولحمٌ، وتمرٌ، وبُسْرٌ، ورُطَبٌ، ودَمَعَتْ عيناهُ، والذي نفسي بيده إن هذا هو النعيم الذي تُسألون عنه يوم القيامة، فَكَبُرَ ذلك على أصحابه، فقال: بل إذا أصبتم مثل هذا، فضربتم بأيديكم. فقوال: بسم الله، فإذا شبعتم، فقولوا: الحمد لله الذي أشبعنا، وأنعم علينا فَأفْضَلَ، فإن هذا كَفَافٌ بهذا، فلما نهض قال لأبي أيوب: ائتنا غداً (¬4)، وكان لا يأتي أحدٌ إليه معروفاً إلا أحب أن يُجازيهُ. قال: وإن أبا أيوب لم يسمع ذلك؛ فقال عمر رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تأتيه غداً، فأتاه من الغد، فأعطاه وَليدتَهُ (¬5)، ¬

(¬1) يحفظ. (¬2) شاة والدة لها در. (¬3) الأنثى من ولد المعز. (¬4) ليكافئه صلى الله عليه وسلم على هذه المروءة. (¬5) خادماً.

الترغيب في غسل اليد قبل الطعام وبعده، والترهيب أن ينام وفي يده ريح الطعام لا يغسلها

فقال: يا أبا أيوب اسْتَوْصِ بها خيراً، فإنا لم نَرَ إلا خيراً مادامت عندنا، فلما جاء بها أبو أيوب من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا أجدُ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً لهُ من أن أعتقها، فأعتقها" رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه كلاهما من رواية عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس. [حاق الجوع]: بحاء مهملة، وقاف مشددة: هو شدته وكلبه. 4 - وروي عن حماد بن أبي سُليمان قال: تَعَشَّيْتُ مع أبي بُردة رضي الله عنه فقال: "ألا أحدثك ما حدثني به أبو عبد الله بن قيسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكل فشبع وشرب فَرَوِيَ، فقال: الحمد لله الذي أطعمني وأشبعني، وسقاني، وأرْوَاني خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" رواه أبو يعلى. [قال الحافظ]: وفي الباب أحاديث كثيرة مشهورة من قول النبي صلى الله عليه وسلم ليست من شرط كتابنا لم نذكرها. الترغيب في غسل اليد قبل الطعام وبعده، والترهيب أن ينام وفي يده ريح الطعام لا يغسلها 1 - عن سلمان رضي الله عنه قال: قرأت في التوراة: إن بركة الطعام الوضوء بعده، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرتهُ بما قرأتُ في التوراة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بركة الطعام الوضوء (¬1) قبلهُ، والوضوء بعده" رواه أبو داود والترمذي، وقال: لا يعرف هذا الحديث إلا من حديث قيس بن الربيع، وقيس يضَعِّف في الحديث. انتهى. [قال الحافظ]: قيس بن الربيع صدوق، وفيه كلام لسوء حفظه لا يخرج الإسناد ¬

(¬1) نظافة اليد بالماء، يحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون المسلم نظيف اليد طاهر الجسم متوضئاً: أي يذهب فيتوضأ كما يتوضأ للصلاة رجاء إزالة الرائحة الزنخة الآتية من الطعام.

عن حد الحسن، وقد كان سفيان يكره الوضوء قبل الطعام، قال البيهقي: وكذلك مالك بن أنس كرهه، وكذلك صاحبنا الشافعي استحب تركه، واحتج بالحديث، يعني حديث ابن عباس قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى الخلاء، ثم إنه رجع، فأُتِىَ بالطعام، فقيل: ألا تتوضأ؟ قال: لم أُصَلِّ فأتوضأ" رواه مسلم وأبو داود والترمذي بنحوه إلا أنهما قالا: فقال: إنما أُمرتُ بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة. 2 - وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب أن يُكْثِرَ (¬1) الله خير بيته، فليتوضأ إذا حضر غذاؤهُ، وإذا رفع (¬2) " رواه ابن ماجة والبيهقي، والمراد بالوضوء غسل اليدين. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام، وفي يده غَمَرٌ، ولم يغسلهُ؛ فأصابه شيء؛ فلا يلومنَّ إلا نفسه (¬3) " رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجة؛ وابن حبان في صحيحه؛ ورواه ابن ماجة أيضاً عن فاطمة رضي الله عنها بنحوه. [الغمر]: بفتح الغين المعجمة والميم بعدهما راء: هو ريح اللحم وزهومته. 4 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان حَسَّاسٌ (¬4) لَحَّاسٌ فاحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده ريحُ غَمَرٍ؛ فأصابه شيء؛ ¬

(¬1) الذي يريد زيادة النعم يحافظ على الوضوء في أول الأكل وبعده، والمراد النظافة وغسل اليدين. (¬2) انتهى من الطعام. (¬3) الذي أكل ولم يغسل يديه وفمه فأصابه ضرر فهو الجاني على نفسه. (¬4) كثير الحس واللحس واللمس فخافوا منه أيها الآكلون ونظفوا أيديكم واجتنبوا القذارة. بيان فوائد الجوع وذم الشبع كما في إحياء علوم الدين للغزالي (أ) صفاء القلب واللمس وإيقاد القريحة واتقاد البصيرة فإن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر البخار في الدماغ. (ب) الانكسار والذل وزوال الفرح والبطر والأشر الذي هو مبدأ الطغيان والغفلة عن الله تعالى. (جـ) أن لا ينسى بلاء الله وعذابه ولا ينسى أهل البلاء فإن الشبعان ينسى الجائع وينسى الجوع فيذكر الفطن عطش القيامة وجوع أهلها. (د) كسر شهوات المعاصي كلها والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء، فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى =

فلا يَلُومَنَّ إلا نفسه" رواه الترمذي والحاكم كلاهما عن يعقوب بن الوليد المدني ¬

_ = ومادة القوى والشهوات الأطعمة فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة، وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه، والشقاوة في أن تملكه نفسه. (هـ) دفع النوم ودوام السهر، فإن من شبع شرب كثيراً ومن كثر شربه كثر نومه. (و) تيسير المواظبة على العبادة، فإن الأكل يمنع من كثرة العبادات. (ز) يستفيد من قلة الأكل صحة البدن ودفع الأمراض. (ح) خفة المؤنة، فإن من تعود قلة الأكل كفاه من المال قدر يسير، والذي تعود الشبع صار بطنه غريماً ملازماً له آخذاً بمخنقه في كل يوم فيقول ماذا تأكل اليوم؟ فيحتاج إلى اكتساب من الحرام فيعصي أو من الحلال فيذل. أ. هـ ص 75 جـ 3 ما يستفاد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الأكل وبعده كما في الإحياء: أولاً: أن يكون الطعام بعد كونه حلالاً في نفسه طيباً من جهة مكسبه موافقاً للسنة والورع. ثانياً: غسل اليد قبل الطعام وبعده. ثالثاً: أن يوضع الطعام على السفرة الموضوعة على الأرض فهو أقرب إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من رفعه على المائدة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بطعام وضعه على الأرض فهذا أقرب للتواضع، فإن لم تكم فعلى السفرة فإنها تذكر السفر ويتذكر من السفر سفر الآخرة وحاجته إلى زاد التقوى. رابعاً: أن يحسن الجلسة على السفرة في أول جلوسه ويستديمها كذلك "إنما أنا عبد". خامساً: أن ينوي بأكله أن يتقوى به على طاعة الله تعالى ليكون مطيعاً بالأكل ولا يقصد التلذذ والتنعم بالأكل. سادساً: أن يرضى بالموجود من الرزق والحاضر من الطعام. سابعاً: أن يجتهد في تكثير الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده "اجتمعوا على طعامكم". ثامناً: أن يبدأ باسم الله في أوله وبالحمد لله في آخره. تاسعاً: أن يأكل باليمنى ويبدأ بالملح ويختم به ويصغر اللقمة ويجود مضغها. عاشراً: أن لا يذم مأكولاً. حادي عشر: أن لا يأكل من ذروة القصعة ولا من وسط الطعام بل يأكل من استدارة الرغيف ولا يوضع على الخبز قصعة ولا غيرها إلا ما يؤكل به. ثاني عشر: لا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه. ثالث عشر: لا ينفخ في الطعام الحار بل يصبر إلى أن يسهل أكله ويبرد. رابع عشر: أن لا يترك ما استرذله من الطعام ويطرحه في القصعة بل يتركه مع التفل حتى لا يلتبس على غيره فيأكله. خامس عشر: أن لا يكثر من الشرب في أثناء الطعام إلا إذا غص بلقمة أوصدق عطشه. سادس عشر: أن يأخذ الكوز ليشرب بيمينه ويقول: باسم الله ويشرب مصاً لا عباً، قال صلى الله عليه وسلم "مصوا الماء مصاً ولا تعبوه عباً فإن الكباد من العب" ولا يشرب قائماً ولا مضطجعاً. سابع عشر: لا يتجشأ ولا يتنفس في الإناء، ويشرب في ثلاثة أنفاس. =

عن ابن أبي ذئب عن المقبُري عنه، وقال الترمذي: حديث غريب من هذا الوجه، وقد روي من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة. انتهى، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: يعقوب بن الوليد الأزدي هذا كذاب واتهم، لا يحتج به لكن رواه البيهقي والبغوي، وغيرهما من حديث زهير بن معاوية عن سهيل بن أبي صالح ¬

_ = ثامن عشر: أن يقلل من الطعام ما أمكن: أي يمسك قبل الشبع، ويلعق أصابعه، ثم يمسح بالمنديل، ثم يغسلها ويلتقط فتات الطعام. تاسع عشر: لا يبتلع كل ما يخرج من بين أسنانه بالخلال. عشرين: يكثر من حمد الله وشكره بقلبه على ما أنعم، قال تعالى: "واشكروا نعمة الله". زاد الغزالي في إحياء علوم الدين بعد ما تقدم: أولاً: يقرأ بعد الطعام قل هو الله أحد ولإيلاف قريش. ثانياً: ولا يقوم عن المائدة حتى ترفع أولاً، فإن أكل طعام الغير فليدع له، اللهم أكثر خيره، وبارك فيما رزقته. ثالثاً: يقدم من هو أكبر منه ليبتدئ. رابعاً: يتحدث على الطعام. خامساً: يرفق برفيقه في القصعة فلا يقصد أن يأكل زيادة على ما يأكله، فإن ذلك حرام. سادساً: أن لا يحوج رفيقه إلى أن يقول له كل. سابعاً: أن لا يتنخم في الطست. ثامناً: أن لا ينظر إلى أصحابه ولا يراقب أكلهم فيستحيون بل يغض بصره عنهم ويشتغل بنفسه. تاسعاً: أن لا يفعل ما يستقذره غيره فلا ينفض يده في القصعة ولا يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فيه ولا يتكلم بما يذكر المستقذرات. أ. هـ. ص 8 جـ 2 الله تعالى جدير بكل حمد وثناء لأنه ساق لنا هذه النعم تفضلاً: (أ) قال تعالى: "وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون" (14 من سورة النحل). (ب) "الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين" (65 من سورة المؤمن). (جـ) "الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عيها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون" (79 - 81 من سورة المؤمن). (د) "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرماً واتقوا الله الذي إليه تحشرون" (96 من سورة المائدة). (هـ) "الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين" (82 من سورة الشعراء). (و) "وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون" (33 - 36 من سورة يس).

كتاب القضاء وغيره

عن أبي هريرة كما أشار إليه الترمذي، وقال البغوي في شرح السنة: حديث حسن، وهو كما قال رحمه الله، فإن سهيل بن أبي صالح وإن كان تُكلم فيه، فقد روى له مسلم في الصحيح احتجاجاً واستشهاداً، وروى له البخاري مقروناً، وقال السلمي: سألت الدارقطني: لِمَ ترك البخاري سهيلاً في الصحيح؟ فقال: لا أعرف له فيه عذراً، وبالجملة فالكلام فيه طويل، وقد روى عنه شعبة ومالك، ووثقه الجمهور، وهو حديث حسن، والله أعلم. 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بات وفي يده ريحُ غَمَرٍ، فأصابه شيئ، فلا يلومن إلا نفسه" رواه البزار والطبراني بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح إلا الزبير بن بكار، وقد تفرد به كما قال الطبراني، ولا يضر تفرده، فإنه ثقة إمام. 6 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بات وفي يدهِ ريحُ غَمَرٍ، فأصابهُ وَضَحٌ، فلا يلومَنَّ إلا نفسهُ" رواه الطبراني بإسناد حسن. [الوضح]: بفتح الواو والضاد المعجمة جميعاً بعدهما حاء مهملة، والمراد به هنا البرص. كتاب القضاء وغيره الترهيب من تولي السلطنة والقضاء والإمارة سيما لمن لا يثق بنفسه وترهيب من وثق بنفسه أن يسأل شيئاً من ذلك 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كُلُّكُمْ راعٍ (¬1)، ومسئولٌ عن رعيته: الإمامُ راعٍ، ومسئولٌ عن رعيته، ¬

(¬1) الراعي هو الحافظ الملتزم صلاح ما ائتمن على حفظه فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه. أ. هـ فتح ص 92 جـ 14، ورواه البخاري في باب قول الله تبارك وتعالى: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" (59 من سورة النساء)، وقال الخطابي: اشتركوا: أي الإمام والرجل، ومن ذكر في التسمية: أي في الوصف بالراعي، ومعانيهم مختلفة فرعاية الإمام الأعظم حياطة الشريعة بإقامة الحدود، والعدل في الحكم، ورعاية الرجل أهله سياسته لأمرهم وإيصالهم حقوقهم، ورعاية المرأة تدبير أمر البيت، والأولاد، والخدم، =

والرجلُ راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيتِ زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها، والخادمُ راعٍ في مال سيده، ومسئولٌ عن رعيته، وكُلُّكُمْ راعٍ ومسئولٌ عن رعيته" رواه البخاري ومسلم. 2 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ حَفِظَ (¬1) أم ضَيَّعَ" رواه ابن حبان في صحيحه. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَلِيَ القضاء، أو جُعِلَ قاضياً بين الناس، فقد ذُبِحَ بغير سكينٍ" رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: ومعنى قوله ذبح بغير سكين أن الذبح بالسكين يحصل به إراحة الذبيحة بتعجيل إزهاق روحها، فإذا ذبحت بغير سكين كان فيه تعذيب لها، وقيل: إن الذبح لما كان في ظاهر العرف، وغالب العادة بالسكين عدل صلى الله عليه وسلم عن ظاهر العرف والعادة إلى غير ذلك، ليعلم أن مراده صلى الله عليه وسلم بهذا القول ما يخاف عليه من هلاك دينه دون هلاك بدنه ذكره الخطابي، ويحتمل غير ذلك. 4 - وعن بُريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القضاةُ ثلاثةٌ: واحدٌ في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة، فرجلٌ عَرَفَ (¬2) الحق فقضى به ¬

= والنصيحة للزوج في كل ذلك، ورعاية الخادم حفظ ما تحت يده، والقيام بما يجب عليه من خدمته. أ. هـ. وقال القرطبي: في هذا الحديث أن الراعي ليس مطلوباً لذاته، وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك، فينبغي أن لا يصرف إلا بما أذن الشارع فيه، وهو تمثيل ليس في الباب ألطف، ولا أجمع، ولا أبلغ منه، فإنه أجمل أولاً، ثم فصل، وأتى بحرف التثنية مكرراً، قال: والفاء في قوله: ألا فكلكم جواب شرط محذوف، وختم بما يشبه الفذلكة إشارة إلى استيفاء التفصيل، وقال غيره: دخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوج له ولا خادم، ولا ولد، فإنه يصدق عليه أنه راع على جوارحه حتى يعمل المأمورات، ويجتنب المنهيات فعلاً، ونطقاً، واعتقاداً، فجوارحه، وقواه، وحواسه رعيته، ولا يلزم من الاتصاف بكونه راعياً أن لا يكون مرعياً باعتبار آخر، وجاء في حديث أنس مثل حديث ابن عمر فزاد في آخره "فأعدوا للمسألة جواباً، قالوا وما جوابها؟ قال أعمال البر" أخرجه ابن عدي والطبراني. أ. هـ. فتح. (¬1) قام بواجبه، وراعى حقوق الله أم أهمل وقصر. (¬2) علمه وعمل بنصره.

ورجلٌ عرف الحقَّ فَجَارَ (¬1) في الحكم فهو في النار، ورجلٌ قضى للناس على جهلٍ فهو في النار" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة. 5 - وعن عبد الله بن مَوْهَبٍ أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال لابن عمر: "اذهب فكن قاضياً (¬2). قال: أوَ تُعْفِيني (¬3) يا أمير المؤمنين؟ قال: اذهب فاقضِ بين الناس. قال: تُعْفِيني يا أمير المؤمنين؟ قال: عَزمْتُ عليك إلا ذهبت فقضيت. قال: لا تَعْجَلْ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ عاذَ بالله، فقد عاذ بمُعاذٍ. قال نعم. قال: فإني أعوذ بالله أن أكون قاضياً. قال: وما يمنعك، وقد كان أبوك يقضي؟ قال: لأني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: مَنْ كان قاضياً، فقضى بالجهلِ كان من أهل النار، ومن كان قاضياً فقضى بالجور (¬4) كان من أهل النار، ومن كان قاضياً، فقضى بحقٍ أو بعدلٍ (¬5) سأل التفلُّتَ كَفَافاً، فما أرجو منه بعد ذلك" رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه، والترمذي باختصار عنهما، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان قاضياً، فقضى بالعدل فبالحريِّ أن ينفلت منه كفافاً، فما أرجو بعد ذلك؟ ولم يذكر الآخرين، وقال: حديث غريب، وليس إسناده عندي بمتصل، وهو كما قال، فإن عبد الله بن موهب لم يسمع من عثمان رضي الله عنه. ¬

(¬1) ظلم، وفي الجامع الصغير "فاعتبروا يا أولي الأبصار" (2 من سورة الحشر)، قال المناوي: ورتبة القضاء شريفة لمن تبع الحق، وحكم على علم. أ. هـ، وقال الحفني: عرف الحق، وهو أقبح وأشد مما قبله، بالهوى: أي هوى نفسه بنحو دنيا يأخذها، فهو يعدل عن الحق عمداً لذلك. أ. هـ ص 67 (¬2) حكماً بين الناس. (¬3) تتركني، يخشى عبد الله بن عمر أن يكون في منصب القضاة، فتزل قدمه فيسأله مولاه ويحاسبه ربه، قال الله تعالى: "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب" (26 من سورة ص). (¬4) الظلم. (¬5) يجتهد القاضي أن يحكم بالحق، ويزن قوله بالعدل، ولا يرجو من الله سوى النجاة من العقاب لأن المسئولية كبرى، والمحاسب لا تخفى عليه خافية، والمنتقم بالمرصاد يحصي كل شيء: أي طلب النجاة من الله تعالى اقتصاداً خشية كثرة الحساب بدليل الحديث الآتي أن القاضي يقف للحساب فيرى شدة الحساب ودقته فيلوم نفسه على منصب القضاء، ويود أنه لو فلت من هذا المركز الخطر فلا يعرض نفسه له، حتى ولو كانت المسألة تافهة فلا يتعرض للفصل فيها بين اثنين خشية أن يخطئ فيعاقب، قال تعالى: "إن ربك لبالمرصاد" (14 من سورة الفجر).

الإمارة أولها ندامة وأوسطها غرامة .. إلخ 6 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليأتينَّ على القاضي العدل يوم القيامة ساعةٌ يتمنى أنه لم يقضِ بين اثنين في تمرةٍ قطُّ" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، ولفظه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُدعى القاضي العَدْلُ (¬1) يوم القيامة، فيلقى مِنْ شدة (¬2) الحساب ما يتمنى أنه لم يقضِ بين اثنين في عُمُرِهِ (¬3) قطُّ". [قال الحافظ]: كذا في أصل من المسند والصحيح، تمرة، وعمره، وهما متقاربان في الخط ولعل أحدهما تصحيف، والله أعلم. 7 - وعن عوف بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن شئتم أنبأتُكم (¬4) عن الإمارة وما هي؟ فناديتُ بأعلى صوتي: وما هي يا رسول الله؟ قال: أولها مَلامَةٌ (¬5)، وثانيها ندامةٌ (¬6)، وثالثها عذابٌ يوم القيامة إلا من عَدَل، وكيف يعدلُ مع قريبه (¬7) " رواه البزار والطبراني في الكبير، ورواته رواة الصحيح. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "شريكٌ لا أدري رَفَعَهُ أم لا. قال: الإمارةُ أولها ندامةٌ، وأوسطها غرامةٌ (¬8)، وآخرها عذابٌ يوم القيامة" رواه الطبراني بإسناد حسن. 9 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما مِنْ رجلٍ يَلي (¬9) أمْرَ عشرةٍ فما فوق ذلك إلا أتى الله مغلولاً (¬10) يوم القيامة يدهُ إلى عنقه ¬

(¬1) الذي يحكم بالحق العادل. (¬2) دقته، وشدة المسئولية وعظمها. (¬3) مدة حياته، وقد تورع سيدنا أبو حنيفة رضي الله عنه، وبعد عن القضاء، واختار أن يكون فاعلاً يجمع اللبن كما أمره الخليفة، ولا يتوظف في القضاء. (¬4) أخبرتكم عن تولي أمور الناس. (¬5) تأنيب، وعتاب، وردع نفس. (¬6) حسرة وألم. (¬7) المعنى على أي حال يتحرى الحق، والعاطفة تميل إلى بني جنسه وأهله. (¬8) خسارة، وفداحة العاقبة. (¬9) يتولى أمورهم، ويرأس أعمالهم، وتكون له الكلمة النافذة عليهم. (¬10) موضوعاً في سلاسل.

فَكَّهُ (¬1) بِرُّهُ، أو أوثقهُ (¬2) إثمهُ: أولها ملامةٌ، وأوسطها ندامةٌ، وآخرها خِزْيٌ (¬3)، يوم القيامة" رواه أحمد، ورواته ثقات إلا يزيد بن أبي مالك. من ولى أحداً من المسلمين أتى به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم .. إلخ 10 - ورويَ عن أبي وائل شقيق ابن سامة "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعملَ بشرَ بن عاصمٍ رضي الله عنه على صدقات هوازن، فتخلفَ بِشرٌ، فلقيهُ عمر، فقال ما خَلَّقَكَ؟ أما لنا سمعاً وطاعةً؟ قال: بلى، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مَنْ وَليَ شيئاً من أمر المسلمين أُتِيَ به يوم القيامة حتى يُوقفَ على جسرِ جهنم، فإن كان مُحْسِناً نجا، وإن كان مُسيئاً انخرق به الجسر (¬4) فهوى فيه سبعين خريفاً (¬5). قال: فخرج عمر رضي الله عنه كئيباً محزوناً، فلقيهُ أبو ذرٍ، فقال: مالي أراك كئيباً حزيناً؟ فقال: مالي لا أكون كئيباً حزيناً، وقد سمعت بشر بن عاصمٍ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من وليَ شيئاً من أمر المسلمين أُتي به يوم القيامة حتى يُوقف على جسر جهنم، فإن كان مُحسناً نجا (¬6)، وإن كان مُسيئاً (¬7) انخرق به الجسر، فهوى فيه سبعين خريفاً، فقال أبو ذرٍ: أوَ ما سمعتهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. قال: أشهدُ أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من وَلِيَ (¬8) أحداً من المسلمين أُتِيَ به يوم القيامة حتى يُوقف على جسر جهنم، فإن كان مُحسناً نجا، وإن كان مُسيئاً انخرق (¬9) به الجسر فهوى فيه سبعين خريفاً (¬10)، وهي سوداءُ (¬11) مظلمةٌ، فأيُّ الحديثين أوجعُ (¬12) لقلبك؟ قال: كلاهما قد أوجعَ قلبي، فمن يأخذها بما فيها، فقال أبو ذرٍ: مَنْ سَلَتَ الله أنفهُ، وألصقَ (¬13) خَدَّهُ بالأرض، أما إنا لا نعلمُ إلا خيراً، وعسى أن وَلَّيْتَهَا (¬14) مَنْ لا يَعْدِلُ فيها أن لا تنجو من إثمها (¬15) " ¬

(¬1) أزال عنه عمله الصالح وعدله. (¬2) أو رماه في الأغلال ظلمه وذنبه. (¬3) فضيحة. (¬4) انشق بكسر الجيم وفتحها. (¬5) سنة، والمعنى أنه ينزل في الدرك الأسفل من النار مدة هبوطه فيها سبعين عاماً لا يستقر على قرار. (¬6) سلم ومر ليصل إلى الجنة. (¬7) أعماله سيئة. (¬8) رأسهم، ونظر إلى أمورهم وتعهد تربيتهم ومصالحهم. (¬9) تهدم. (¬10) عاماً. (¬11) جهنم شديدة السواد، والظلام الحالك. (¬12) آلم وأضر. (¬13) أذله. (¬14) أسندتها إلى من يظلم. (¬15) ذنبها.

رواه الطبراني ويأتي أحاديث نحو هذه في الباب بعده إن شاء الله تعالى. [سلت أنفه]: بفتح السين المهملة واللام بعدهما تاء مثناة فوق: أي جدعه. 11 - وعن عبد الله، يعني ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من حاكمٍ يحكمُ بين الناس إلا جاء يوم القيامة وَمَلَكٌ آخذٌ بِقَفَاهُ، ثم يرفع رأسهُ إلى السماء، فإن قال: ألْقهْ ألقاه (¬1) فهو في مَهْوَاةٍ (¬2) أربعين خريفاً" رواه ابن ماجة، واللفظ له، والبزار، ويأتي لفظه في الباب بعده إن شاء الله، وفي إسنادهما مجالد بن سعيد. 12 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: "جاء حمزةُ بن عبد المطلب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله اجعلني على شيء أعيش به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حمزةُ! نَفْسٌ تُحْييها أحبُّ إليكَ أم نَفْسٌ تُميتها؟ قال: نفسٌ أُحييها. قال: عليك نفسك (¬3) " رواه أحمد، ورواته ثقات إلا ابن لهيعة. 13 - وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب على منكبيه (¬4)، ثم قال: أفلحتَ يا قديمُ إن مِتَّ، ولم تكن أميراً (¬5)، ولا كاتباً (¬6)، ولا عريفاً (¬7) " رواه أبو داود، وفي صالح بن يحيى بن المقدام كلام قريب لا يقدح. ¬

(¬1) رماه في مكان سحيق، وجهة بعيدة الغور يهوي سبعين سنة لا قرار له في هذه المدة. (¬2) مكان الهاوية والنزول. (¬3) الزم نفسك، وكملها بآداب الله وطاعته، واتق الله واعدل واعمل صالحاً. (¬4) المنكب مجتمع رأس العضد والكتف. (¬5) حاكماً متولياً أمور الناس. (¬6) وظيفتك تقيد لهم أعمالهم وتحصيها. (¬7) مدبر أمر الجماعة وقائم بسياستهم، قيل العريف يكون على نفير، والمنكب يكون على خمسة عرفاء ونحوها، ثم الأمير فوق هؤلاء. أ. هـ مصباح. وفي النهاية، العريف جمعه عرفاء: وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم، فعيل بمعنى فاعل، والعرافة عمله. أ. هـ، ففيه تحذير من التعرض للرياسة (والعرافة حق) أي فيها مصلحة للناس ورفق في أمورهم وأحوالهم "أهل القرآن عرفاء أهل الجنة" أي رؤساؤهم.

لا تؤمرنّ على اثنين ولا تلينّ مال يتيم 14 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذرٍ: إنك ضعيفٌ (¬1)، وإنها أمانةٌ، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامةٌ إلا من أخذها بحقها (¬2)، وأدى الذي عليه فيها" رواه مسلم. 15 - وعنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحبُ لنفس لا تُؤمَّرَنَّ (¬3) على اثنين، ولا تَلِيَنَّ (¬4) مال يتيمٍ" رواه مسلم وأبو داود والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. 16 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم ستحرصون على الإمارة (¬5)، وستكون ندامةً (¬6) يوم القيامة، فنعمت المُرْضِعَةُ (¬7)، وبئستِ الفاطمةُ" رواه البخاري والنسائي. ¬

(¬1) ليست عندك قدرة وقوة على تسييرها كما يراه. (¬2) قام فيها بالعدل. (¬3) لا ترأس. (¬4) ولا تكون وصياً تسند إليه إدارة مال اليتيم. (¬5) الأمانة العظمى، أو الولاية بطريق النيابة كولاية الشرطة والقضاء. (¬6) حسرة وتعنيف لمن لم يعمل فيها بما يرضى الله تعالى. (¬7) أي أمدح تلك الرياسة التي تدر على صاحبها المنافع العظيمة، واللذات العاجلة والأبهة، وأذمها عند النساء سلطة الولاية وعند انفصال صاحبها عنها بموت أو غيره قال الشيخ شرقاوي فإنها تقطع عليه تلك اللذائذ والمنافع، وتبقى عليه الحسرة والتبعة، وفي الكلام استعارة تبعية حيث شبه الانتفاع والالتذاذ بالولاية بالارتضاع من المرأة وانقطاع ذلك عنه وانفصاله عنها بموت أو غيره بالفطام واشتق من ذلك مرضعة وفاطمة بمعنى نافعة وفاطمة للنفع، وفيه أن ما يناله الأمير من البأساء أبلغ وأشد مما يناله من النعماء والسراء، فعلى العاقل أن لا يتلذذ بلذة تتبعها حسرات، وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي وقال حديث غريب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ولي القضاء أو جُعل قاضياً بين الناس فقد ذبح بغير سكين" ولاشك أن الذبح إذا كان بغير سكين كان فيه زيادة تعذيب للمذبوح، بخلاف الذبح بالسكين ففيه راحة له بتعجيل إزهاق الروح، وقيل المراد بذلك هلاك دينه دون بدنه لأن الذبح في العرف لا يكون إلا بالسكين ففي عدوله صلى الله عليه وسلم عنه إلى غيره إشارة إلى ذلك، وقيل المراد بذلك أنه ينبغي له أن يميت جميع دواعيه الخبيثة وشهواته الرديئة فهو مذبوح بغير سكين بل بمجاهدات نفسانية، وعلى هذا فالقضاء مرغوب فيه، وعلى ما قبله فالمراد التحذير عنه بل وعلى هذا أيضاً، لأنه إذا لم يكن بتلك المثابة، فلا ينبغي له أن يتولى القضاء، ولذا قال بعضهم: خطر القضاء كثير وضرره عظيم لأنه قلما يعدل القاضي بين خصمين لأن النفس مائلة إلى ما تحبه، ومن له منصب يتوقع جاهه أو يخاف سلطانه ربما يميل إلى قبول الرشوة وهو الداء العضال، وما أحسن قول أبي الفضل في هذا: ولما أن توليت القضايا ... وفاض الجور من كفيك فيضا ذبحت بغير سكين وإنا ... لنرجو الذبح بالسكين أيضا أ. هـ ص 364 جـ 3، =

ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء .. إلخ 17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويلٌ للأمراء (¬1)، ويلٌ للعُرَفاء (¬2)، ويلٌ للأمناء (¬3) لَيَتَمَنَّيَنَّ أقوامٌ يوم القيامة أن ذوائبهم (¬4) مُعلقةٌ بالثُّرَيَّا (¬5) يُدلون بين السماء والأرض، وإنهم لم يَلُوا (¬6) عملاً" رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد. 18 - وفي رواية له وصحح إسنادها أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَيُوشِكَنَّ (¬7) رجلٌ أن يتمنى أنه خَرَّ (¬8) من الثُريا، ولم يَلِ (¬9) من أمْرِ الناس شيئاً". [قال الحافظ]: وقد وقع في الإملاء المتقدم باب فيما يتعلق بالعمال والعرفاء والمكاسين والعشارين في كتاب الزكاة أغني عن إعادته هنا. ¬

= وفي العيني قال الجوهري: الحرص الجشع، أي أشد الحرص والإمارة العظمى وهي الخلافة، والصغرى وهي الولاية على البلدة. أ. هـ، قال الكرماني: نعم المرضعة أي نعم أولها وبئست الفاطمة أي بئس آخرها وذلك لأن معها المال والجاه واللذات الحسية والوهمية أولاً لكن آخرها القتل والعزل ومطالبات التبعات في الاخرة. وقال الداودي: نعمت المرضعة في الدنيا وبئست الفاطمة أي بعد الموت، لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك فيصير كالذي يفطم قبل أن يستغنى فيكون ذلك هلاكه، نعم فلان أي أصاب نعمة وبئس إذا أصاب بؤساً. وقال الطيبي: إنما لم تلحق التاء بنعم، لأن المرضعة مستعارة للإمارة وتأنيثها غير حقيقي فترك إلحاق التاء بها وألحقت بئس نظراً إلى كون الإمارة حينئذٍ داهية دهياء. أ. هـ. ص 227 جـ 24 (¬1) أصحاب السلطان. (¬2) ويل واد في جهنم، وعرفاء جمع عريف زعيم الجماعة ورئيس القبيلة، قال في النهاية: العرفاء في النار تحذير من التعرض للرياسة لما في ذلك من الفتنة، وأنه إذا لم يقم بحقه أثم واستحق العقوبة. (¬3) الذين يتولون عملاً ويحفظون ودائع الناس ويتصرفون في مصالح الناس خشية أن تزل قدمهم. (أ) قال تعالى: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل". (ب) وقال تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون"، قيل الآية عامة في المسلمين وللكفار. أ. هـ عيني 223 جـ 24 (¬4) شعور رءوسهم. (¬5) نجم ساطع في السماء يتمنون أن يعلقوا من شعورهم بين السماء والأرض وما كانوا يقضون بين الناس. (¬6) يتولون: أي تسند إليهم رياسة عمل. (¬7) ليقربن. (¬8) سقط من أعلى كوكب في السماء. (¬9) ولم يتول رياسة أحد في عمل.

من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء وكل إلى نفسه .. إلخ 19 - وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة (¬1)، فإنك إن أُعطيتها من غيرِ مسألةٍ أُعِنْتَ عليها، وإن أُعطِيتَهَا عن مسألةٍ وُكِلْتَ إليها (¬2) " الحديث. رواه البخاري ومسلم. 20 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتغى (¬3) القضاء، وسأل فيه شُفعاء، وَكِلَ إلى نفسه، ومن أُكْرِهَ عليه أنزل الله عليه مَلَكاً يُسَدِّدُهُ (¬4) " رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة ¬

(¬1) لا تطلب رياسة عمل. (¬2) صرفت إليها، من وكل إلى نفسه هلك، ومنه الدعاء "ولا تكلني إلى نفسي". وفي العيني: ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه وأن من حرص على ذلك لا يعان. أ. هـ 226 جـ 24، (وكل) أي لم يعن على ما أعطى. وقال في الفتح: ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصه ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه فيدخل في الإمارة القضاء والحسبة، ونحو ذلك وأن من حرص على ذلك لا يعان ويعارضه في الظاهر ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رفعه "من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جوره فله الجنة، ومن غلب جوره عدله فله النار" والجمع بينهما أنه لا يلزم من كونه لا يعان بسبب طلبه أنه لا يحصل منه العدل إذا ولي أو يحمل الطلب هنا على القصد وهناك على التولية وقد تقدم من حديث أبي موسى: "إنا لا نولي من حرص" ولذلك عبر في مقابله بالإعانة فإن من لم يكن له من الله عون على عمله لا يكون فيه كفاية لذلك العمل فلا ينبغي أن يجاب سؤاله، ومن المعلوم أن كل ولاية لا تخلو من المشقة فمن لم يكن له من الله إعانة تورط فيما دخل فيه وخسر دنياه وعقباه، فمن كان ذا عقل لم يتعرض للطلب أصلاً بل إذا كان كافياً وأعطيها من غير مسألة فقد وعده الصادق بالإعانة ولا يخفى ما في ذلك من الفضل. انتهى ص 102 جـ 13 (¬3) طلب واستعان بالشفعاء. (¬4) يساعده بإذن الله تعالى ليلهمه ربه الرشاد. قال المهلب: وفي معنى الإكراه عليه أن يدعى إليه فلا يرى نفسه أهلاً لذلك هيبة له وخوفاً من الوقوع في المحذور فإنه يعان عليه إذا دخل فيه ويسدد، والأصل فيه أن من تواضع لله رفعه الله. وقال ابن التين: وهو محمول على الغالب، وإلا فقد قال يوسف "اجعلني على خزائن الأرض" وقال سليمان "وهب لي ملكاً" قال ويحتمل أن يكون في غير الأنبياء. وقال النووي: هذا أصل عظيم في اجتناب الولاية ولاسيما لمن كان فيه ضعف وهو في حق من دخل فيها بغير أهلية ولم يعدل فإنه يندم على ما فرط منه إذا جوزي بالخزي يوم القيامة، وأما من كان أهلاً وعدل فيها فأجره عظيم كما تظاهرت به الأخبار ولكن في الدخول فيها خطر عظيم ولذلك امتنع الأكابر منها. والله أعلم. أ. هـ ص 102 الثمرات المرجوة من هذه الأحاديث كما قال صلى الله عليه وسلم: أولاً: شدة المسئولية على من رأس المسلمين وتولى مصالح طائفة "كلكم راعٍ". =

ولفظه، وهو رواية الترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل القضاء وُكِلَ إلى نفسه، ومن أُجبرَ عليه ينزل عليه ملك فيسدده". ¬

_ = ثانياً: انتظار عدل القاضي والسير بالحق "وإلا فهلك دينه". ثالثاً: تعفف المتقين عن هذا المنصب "تعفيني يا أمير المؤمنين". رابعاً: حساب القاضي يوم القيامة عسير "فيها تعنيف ولوم". خامساً: كل من ترأس عشرة يحشر مقيداً في سلاسل فيطلقه عدله أو يعذبه جوره. سادساً: إذا عدل القاضي مر على متن جهنم ناجياً وإلا سقط معذباً. سابعاً: السعادة والسلامة في عدم الرياسة "لم تكن أسيراً". الآيات المرغبة في العدل والمرهبة من الظلم كما قال الله تعالى: (أ) "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" (90 من سورة النحل). (ب) "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين" (9 من سورة الحجرات). (جـ) "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين" (135 من سورة النساء). (د) "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" (8 من سورة المائدة). (هـ) "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى، وبعهد الله أوفوا" (152 من سورة الأنعام). (و) "وأمرت لأعدل بينكم" (15 من سورة الشورى). (ز) "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً" (58 من سورة النساء). (ح) "إنا أنزلنا إليك الكتاب الحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً، ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً" (107 من سورة النساء). (ط) "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" (65 من سورة النساء). (ي) "وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين" (142 من سورة المائدة). (ك) "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم لكلٍ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" (48 من سورة المائدة). (ل) "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" (49 - 50 من سورة المائدة). (م) "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون، ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون" (52 من سورة النور). (ن) "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" (6 من سورة الحجرات). =

ترغيب من ولي شيئا من أمور المسلمين في العدل إماما كان أو غيره، وترهيبه أن يشق على رعيته أو يجور أو يغشهم أو يحتجب عنهم أو يغلق بابه دون حوائجهم

ترغيب من ولي شيئاً من أمور المسلمين في العدل إماماً كان أو غيره وترهيبه أن يشق على رعيته، أو يجور، أو يغشهم، أو يحتجب عنهم، أو يغلق بابه دون حوائجهم 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعةٌ يُظِلُّهُمُ الله في ظلهِ (¬1) يوم لا ظلِّ إلا ظلهُ: إمامٌ عادلٌ (¬2)، وشابٌ (¬3) نشأ في عبادة الله، ¬

= (س) "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم" (204 - 209 من سورة البقرة). وفي البخاري في باب متى يستوجب الرجل القضاء ص 118 جـ 13: وقال الحسن أخذ الله على الحكام أن لا يتبعوا الهوى ولا يخشوا الناس، ولا يشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ثم قرأ "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب" وقرأ: "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" استحفظوا استودعوا من كتاب الله الآية، وقرأ: "وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً" فحمد سليمان ولم يلم داود ولولا ما ذكر الله من أمر هذين لرأيت أن القضاة هلكوا فإنه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده. (ع) وقال تعالى: "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" (22 - 24 من سورة محمد). (¬1) يدخلهم في رحمته ويمنع عنهم عذاب الآخرة. قال المناوي: المراد يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين وقربت الشمس من الرءوس واشتد عليهم حرها وأخذهم العرق ولا ظل هناك لشيء إلا العرش. وقال ابن دينار: المراد بالظل هنا الكرامة والكنف والسكن من المكاره في ذلك الموقف يقال فلان في ظل فلان: أي في كنفه وحمايته، وهذا أولى الأقوال، وقيل المراد بالظل الرحمة. أ. هـ جامع صغير 313 جـ 2 (¬2) قال العلقمي: قالوا هو كل من نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه. (¬3) أي فتى ابتدأ عمره في طاعة الله مؤدياً حقوق الله نما وترعرع على حب الله منذ صغره ولم تكن له صبوة ولا يمشي في اتباع شهواته مستضيئاً بكتاب الله وسنن حبيبه.

ورجلٌ قلبهُ (¬1) معلقٌ بالمساجد، ورجلان تحابا في اللهِ (¬2) اجتمعا عليه، وتفرقا (¬3) عليه، ورجلٌ دعتهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ (¬4) وجمالٍ (¬5)، فقال (¬6): إني أخاف الله، ورجلٌ تصدَّقَ (¬7) بصدقةٍ، فأخفاها (¬8) حتى لا تعلم شمالهُ ما تُنفقُ يمينهُ (¬9)، ورجلٌ ذكر الله خالياً (¬10) ففاضت عيناه" رواه البخاري ومسلم. تفتح أبواب السماء لدعوة المظلوم 2 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتهم (¬11): الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق ¬

(¬1) أي شديد الحب للمساجد، يؤدي الصلوات في أوقاتها جماعة مع الإمام الراتب ويعتكف فيها قال النووي وليس معناه دوام القعود فيها: أي ينظفها، ينورها، يعمرها. (¬2) أي أحب كل منهما صاحبه في طلب رضا الله جل وعلا لا لغرض دنيوي بل نتعاون على البر والتقوى ونتسامر لله. (¬3) استمرا على محبتهما لله حتى فرق بينهما الموت. أ. هـ عزيزي. وقال العلقمي: حتى تفرقا من مجلسهما، قال: ومحبة الله تعالى اسم لمعان كثيرة منها أن يحرص على أداء فرائضه تعالى والتقرب إليه من نوافل الخير بما يطيقه. (¬4) أي صاحبة حسب ونسب شريف ومال، منصب كمجلس. (¬5) بهجة وزينة ونضارة ومزيد حسن إلى الزنا بها. (¬6) بلسانه أو بقلبه زاجراً لها عن الفاحشة وامتنع خشية من حسابه قال تعالى: "ولمن خاف مقام ربه جنتان" (26 من سورة الرحمن). (¬7) فعل صدقة لله وتطوع حباً في الله وأنفق لله وشيد مشروعات الخير لله. (¬8) كتمها عن الناس خشية الرياء وستر أعماله لله. (¬9) ذكره مبالغة في الإخفاء، والمعنى لو قدرت الشمال رجلاً مستيقظاً ما علم صدقة اليمين، وقيل المراد من عن يمينه وشماله من الناس، وقيل أن يتصدق على الضعيف في صورة المشترى منه فيدفع له درهماً مثلاً في شيء يساوي نصف درهم فالصورة مبايعة والحقيقة صدقة وهو اعتبار حسن. أ. هـ عزيز 314 جـ 2 (¬10) بلسانه أو بقلبه خالياً من الناس أو من الالتفات لما سواه: أي أكثر البكاء من خشية الله جل وعلا عند ذكره سبحانه، وقد نظم السبعة المذكورة أبو شامة في قوله: وقال النبي المصطفى إن سبعة ... يظلهم الله العظيم بظله محب عفيف ناشئ متصدق ... وباك مصل والإمام بعدله (¬11) أرأيت أبدع من هذا؟ نفوس أخلصت لربها جل وعلا، ذلك الذي يتولى مصالح الناس فيتقي الله ويعدل ويخاف حسابه جل وعلا على الصغيرة والكبيرة (أ) "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه". (ب) "يوم تبلى السرائر". (جـ) "يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ذلك حشر علينا يسير".

الغمام (¬1)، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الربُّ: وعزتي لأنصرنك (¬2)، ولو بعد حينٍ" رواه أحمد في حديث، وحسنه ابن ماجة، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما. ¬

ثانياً: غضن نضير، نما على طهارة وزهرة يانعة صانها الله عن القبائح، وإنسان عكف على طاعة الله من صغره. ثالثاً: محب بيت الله ومعمره بالذكر والتسبيح والعمران والإنفاق على تجديده. رابعاً: أخوان متصاحبان في الله عاقدان العزيمة على ذكر الله وحبه. خامساً: غادة حسناء هيفاء حوت بدائع الحسن فراودت رجلاً عن نفسه فأبى خوفاً من الله. سادساً: الممتلئ قلبه إيماناً بالله وثقة به فبينا هو في خلوة فتذكر أعماله ويوم الموقف وشدائده ونعم الله عليه فبكى لتقصيره في الصالحات: (أ) قال تعالى: "من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون" (15 من سورة الجاثية). (ب) وقال تعالى: "ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذاباً أليماً لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً" (17 - 18 من سورة الفتح). (جـ) وقال تعالى: "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً" (29 من سورة الفتح). وقال في الجامع الصغير: وذكر السبع لا مفهوم له، فقد روي الإظلال لذوي خصال أخر وتتبعها بعضهم فبلغت سبعين: فمنها من أنظر معسراً أو وضع عنه، ومن أعان مجاهداً في سبيل الله أو غارماً في عسرته أو مكاتباً في رقبته، ورجل كان مع سرية قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم حتى نجوا ونجا أو استشهد، ومنها الوضوء على المكاره، والمشي إلى المساجد في الظلم، وإطعام الجائع حتى يشبع، ومن أعان أخرق والتاجر الصدوق، وحسن الخلق ولو مع الكافر، ومن كفل يتيماً أو أرملة، والذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوا بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم، والحزين، ولفظ حديثه: "صل على الجنائز لعل ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله والناصح للوالي في نفسه وفي عباد الله" ومن لم يكن على المؤمنين غليظاً وكان بهم رءوفاً رحيماً، ومن يعزي الثكلى، وواصل رحمه، وامرأة مات زوجها وترك عليها أيتاماً صغاراً فقالت لا أتزوج أقيم على أيتامي حتى يموتوا أو يغنيهم الله، وعبد صنع طعاماً فأضاف ضيفه فأحسن ضيافته فدعا اليتيم والمسكين لوجه الله، ورجل حيث توجه علم أن الله معه، ورجل يحب الناس لجلال الله تعالى، ورجل لم تأخذه في الله لومة لائم، ورجل لم يمد يده إلى ما لا يحل له، ورجل لم ينظر إلى ما حرم الله عليه، والذين لا يبتغون في أموالهم الربا ولا يأخذون على أحكامهم الرشا، ومن فرج عن مكروب من أمته صلى الله عليه وسلم، ومن أحيا سنته، ومن أكثر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وذراري المسلمين، والذين يعودون المرضى ويسقون الهلكى، والصائمون، ومحبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومحبة شيعته ومن قرأ إذا صلى الغداة ثلاث آيات من سورة الأنعام إلى ويعلم ما تكسبون ومن ذكر الله تعالى بلسانه وقلبه، والذين يستغفرون بالأسحار ومن لا يحسد الناس، ومن بر والديه، ومن لم يمش بالنميمة، ومن قتل في سبيل الله، والمعلم لكتاب الله، ورجل أم قوماً وهم له راضون، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة، وعبد أدى حق الله وحق مواليه والقاضي لحوائج الناس، والمهاجرون، وشخص لم يمش بين اثنين بمراء قط، ومن لم يحدث نفسه بزنا قط، وحملة القرآن، وأهل الورع. أ. هـ ص 35 جـ 2 (¬1) كناية عن قبولها "قد جعل الله لكل شيء قدرا". (¬2) أبشر فلك إجابة طلبك ولو بعد مدة. قال تعالى: "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين" (47 من سورة الروم).

عدل ساعة أفضل من عبادة ستين سنة 3 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المُقْسِطِينَ (¬1) عند الله على منابرَ (¬2) من نورٍ عن يمينِ الرحمن، وكلتا يديه يمينٌ. الذين يعدلون في حُكمهم، وأهلهم، وما وَلُوا (¬3) " رواه مسلم والنسائي. 4 - وعن عياض بن حمارٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أهل الجنة ثلاثةٌ: ذو سلطانٍ مُقْسطٌ مُوَفقٌ، ورجلٌ رَحِيمٌ رقيق القلب لكل ذي قُربى مسلمٍ، وعفيفٌ متعففٌ ذو عيالٍ" رواه مسلم. [المقسط]: العادل. 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يومٌ من إمامٍ عادلٍ أفضلُ من عبادة ستين سنةً، وحدٌّ يُقامُ في الأرض بحقه أزكى فيها من مَطَرٍ أربعين صباحاً" رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناد الكبير حسن. 6 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة عَدْلُ ساعةٍ أفضل من عبادة ستين سنةً: قيامٌ ليلها وصيامٌ نهارها، ويا أبا هريرة: جَوْرُ ساعةٍ في حُكْمٍ أشد وأعظمُ عند الله عز وجل من معاصي ستين سنةً" وفي رواية: "عدل يوم واحد أفضل من عبادة ستين سنة" رواه الأصبهاني. 7 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ الناسِ إلى الله يوم القيامة، وأدناهم (¬4) منه مجلساً: إمامٌ عادلٌ، وأبغض الناس إلى الله تعالى، وأبعدهم منه مجلساً: إمامٌ جائرٌ" رواه الترمذي والطبراني في الأوسط مختصراً، إلا أنه قال: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمامٌ جائرٌ (¬5) "، وقال الترمذي حديث حسن غريب. ¬

(¬1) العادلين. (¬2) درجات عالية. (¬3) وما تتبعهم. (¬4) أقربهم. (¬5) ظالم يغضب ويأكل أموال الناس ويجور في حكمه.

أفضل الناس عند الله منزلة يوم القيامة إمام عادل رفيق 8 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الناس عند الله منزلةً يوم القيامة إمامٌ عادلٌ رفيقٌ (¬1)، وشرُّ عباد الله عند الله منزلةً يوم القيامة إمامٌ جائرٌ خَرِقٌ (¬2) " رواه الطبراني في الأوسط من رواية ابن لهيعة وحديثه حسن في المتابعات. 9 - ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُجاء بالإمام الجائرِ يوم القيامة فتخُاصمهُ الرعيةُ فيفلجوا عليه، فيقال له: سُدَّ (¬3) رُكناً من أركان جهنم" رواه البزار، وهذا الحديث مما أنكر على أغلب بن تميم. [فيفلجوا عليه] بالجيم: أي يظهروا عليه بالحجة والبرهان، ويقهروه حال المخاصمة. 10 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أشد أهل النار عذاباً يوم القيامة من قتل نبياً، أو قتله (¬4) نبيٌ، وإمامٌ جائرٌ" رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا ليث بن أبي سليم، وفي الصحيح بعضه، ورواه البزار بإسناد جيد إلا أنه قال: وإمامُ ضلالةٍ. 11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعةٌ يُبغضهم (¬5) الله: البياعُ الحلاَّفُ (¬6)، والفتى المختالُ (¬7)، والشيخُ الزاني (¬8)، والإمام الجائر" رواه النسائي، وابن حبان في صحيحه، وهو في مسلم بنحوه إلا أنه قال: "وملكٌ كذابٌ، وعائلٌ مُستكبرٌ". 12 - وعن طلحة بن عُبيد الله رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) شفيق رحيم. قال تعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" فالرحمة من صفات المؤمنين. (¬2) أحمق غر جاهل سفيه. (¬3) أي يرمى به في النار ليملأ فراغاً كبيراً فيها، قال تعالى: "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم" (42 من سورة الشورى). أي يبتدئونهم بالإضرار، ويطلبون ما لا يستحقون تجبراً عليهم (عذاب) على ظلمهم وبغيهم. (¬4) دفاعاً عن نفسه عليه الصلاة والسلام. (¬5) يكرههم سبحانه ولا يرحمهم. (¬6) الذي يبيع ويقسم بالله كثيراً. (¬7) الشاب المتكبر الجبار. (¬8) الهرم العاصي وكبير السن الذي يفعل الفاحشة مع ضعفه البشري والمعنى عقاب هؤلاء أشد من غيرهم مع ضياع هذه الحدة فيهم.

يقول: ألا أيها الناسُ لا يقبلُ الله صلاةَ إمامٍ جائرٍ" رواه الحاكم من رواية عبد الله بن محمد العدوي وقال: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: وعبد الله هذا واهٍ متهم، وهذا الحديث مما أنكر عليه. 13 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يقبلُ الله لهم شهادة أن لا إله إلا اللهُ، فذكر منهم الإمام الجائر" رواه الطبراني في الأوسط. 14 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السلطانُ ظِلُّ الله في الأرض يأوي (¬1) إليه كُلُّ مظلومٍ من عباده، فإن عَدَلَ كان لهُ الأجرُ، وكان - يعني - على الرعية الشُّكُرُ، وإن جار، أو حَافَ، أو ظَلَمَ كان عليه الوزرُ (¬2)، وعلى الرعية الصبرُ، وإذا جارت الولاةُ (¬3) قُحطتْ (¬4) السماء، وإذا مُنعتِ (¬5) الزكاة هلكت المواشي (¬6)، وإذا ظهر الزنا ظهرَ (¬7) الفقرُ، والمسكنةُ (¬8)، وإذا أُخْفِرَتِ الذمة (¬9) أُدِيلَ (¬10) الكفار أو كلمةً نحوها" رواه ابن ماجة. وتقدم لفظه، والبزار واللفظ له، والبيهقي، ولفظه عن ابن عمر قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمسٌ، وأعوذ بالله أن تكون فيكم، أو تُدركوهنَّ: ما ظهرت الفاحشةُ (¬11) في قومٍ قطُّ يُعْمَلُ بها فيهم علانيةً إلا ظهر فيها الطاعون (¬12) والأوجاعُ التي لم تكن في أسلافهم (¬13)، وما منع قومٌ الزكاة ¬

(¬1) يلجأ. (¬2) الذنب. (¬3) ظلم الحكام. (¬4) لم تنزل الأمطار. (¬5) لم يؤدوا الحقوق الواجبة. (¬6) الدواب. (¬7) عم الفقر واشتدت الأزمة. (¬8) الذل والضعة. (¬9) ضاعت الأمانة وانتقض العهد وفشا الغدر. (¬10) جعل للكفار سلطة وقويت دولتهم، وزادت شوكتهم، إنذارات للمسلمين تساق أدلة الخراب. (أ) جفاف مياه الأنهار وقلة الأمطار من ظلم أولياء الأمور. (ب) نفق الحيوان وانتزاع البركة من الشح وعدم إخراج الزكاة. (جـ) غلو الذهب وقلة الأموال وانقطاع المعاملة وعدم الثقة وقلة الخير من ارتكاب الفاحشة. (د) الخيانة وقلة الأدب وعدم الوفاء ينزع الحكم من المسلمين ويوصله إلى الكفار فتكون لهم الدولة والصولة والكلمة النافذة والحكم المطلق عليهم، لماذا؟ لأنهم لم يعملوا بكتاب الله وسنة نبيه كما قال تعالى: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً" (141 من سورة النساء) فإذا خربت ذممهم تحكم فيهم غيرهم. (¬11) الزنا. (¬12) الوباء. (¬13) الأمم السابقة.

إلا مُنِعُوا القَطْرَ (¬1) من السماء، ولولا البهائم لم يُمْطَرُوا، وما بَخَسَ (¬2) قومٌ المكيال والميزان إلا أُخِذُوا بالسنين (¬3)، وشدة المؤنة، وَجَوْرِ السلطان، ولا حَكَمَ أُمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم؛ وما عَطَّلُوا كتاب الله، وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم" رواه الحاكم بنحوه من حديث بريدة، وقال: صحيح على شرط مسلم. 15 - وعن بُكَيْر بن وهبٍ رضي الله عنه قال: "قال لي أنسٌ: أحدثك حديثاً ما أحدثه كل أحدٍ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قام على باب البيتِ ونحن فيه، فقال الأئمة من قريشٍ، إن لي عليكم حقاً، ولهم عليكم حقاً مثل ذلك ما إن اسْتُرْحِمُوا (¬4) رَحِمُوا، وإن عاهدوا (¬5) وَفَّوْا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله (¬6) والملائكة والناس أجمعين" رواه أحمد بإسناد جيد واللفظ له، وأبو يعلى والطبراني. ¬

(¬1) المطر. (¬2) أنقص. (¬3) القحط وشدة الأزمة وغلاء الأسعار وقلة الحاصلات وفتك الدودة بالزرع وكثرة الآفات الثقيلة وانتزاع البركة، فهل آن أوان الاتعاظ والتوبة إلى الله تعالى رجاء أن يمنع الله عنا الأمراض ويبارك في ماء الأنهار ويوفق سبحانه الحكام للعدل في الأحكام ويضعف شوكة الأعداء وينصر المسلمين عليهم. (¬4) طلبت منهم الرحمة والرأفة. (¬5) أعطوا عهداً "صدقوا ما عاهدوا الله عليه". (¬6) إبعادهم من رحمته، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أن الولاة والحكام من هذه القبيلة العظيمة على شريطة: (أ) الرحمة. (ب) الوفاء. (جـ) العدل. وفي البخاري في باب (الأمراء من قريش) قوله صلى الله عليه وسلم "إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين". قال في الفتح: أي لا ينازعهم أحد في الأمر إلا كان مقهوراً في الدنيا معذباً في الآخرة مدة إقامتهم أمور الدين، فإذا لم يقيموه لا يسمع لهم، وقيل يحتمل أن لا يقام عليهم وإن كان لا يجوز إبقاؤهم على ذلك ذكرهما ابن التين ثم قال وقد أجمعوا أنه أي الخليفة إذا دعا إلى كفر أو بدعة أنه يقام عليه، واختلفوا إذا غصب الأموال وسفك الدماء وانتهك الحرمات هل يقام عليه أو لا. أ. هـ، ثم قال: وقد جاء وعيدهم باللعن إذا لم يحافظوا على المأمور به وبأن يسلط عليهم من يبالغ في أذيتهم. أ. هـ ص 93 جـ 13 قال تعالى: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، قال في الفتح: أطيعوا الله فيما نص عليكم في القرآن وأطيعوا الرسول فيما بين لكم من القرآن وما ينصه عليكم من السنة، أو المعنى أطيعوا الله فيما يأمركم به من الوحي المتعبد بتلاوته وأطيعوا الرسول فيما يأمركم به من الوحي الذي ليس بقرآن، ومن بديع الجواب قول بعض التابعين الأمراء من بني أمية لما قال له: أليس الله أمركم =

16 - وعن سَيَّارِ بن سلامة أبي المنهال رضي الله عنه قال: "دخلت مع أبي على أبي بَرْزَةَ، وإن في أذني لقرطين وأنا غلامٌ قال: قال صلى الله عليه وسلم: الأمراء مِنْ قريش ثلاثاً ما فعلوا ثلاثاً: ما حكموا فعدلوا، واسترحموا فرحموا، وعاهدوا فَوَفَّوْا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين" رواه أحمد، ورواته ثقات والبزار وأبو يعلى بنصه. 17 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على باب بيتٍ في نفرٌ (¬1) من قريش، وأخذ بِعُضَادتي (¬2) الباب، فقال: هل في البيت إلا قرشيٌ؟ قال: فقيل يا رسول الله: غير فلان ابن أختنا، فقال: ابن أخت القوم منهم ثم قال: إن هذا الأمر في قريشٍ (¬3) ما إذا استرحموا رَحِمُوا، وإذا حكموا عَدَلُوا، وإذا قَسَمُوا أقْسَطُوا (¬4)، فمن لم يفعل ذلك منهم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقبلُ منه صَرْفٌ (¬5) ولا عدلٌ" رواه أحمد ورواته ثقات، والبزار والطبراني. 18 - وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقَدَّسُ (¬6) أمةٌ لا يُقْضَى (¬7) فيها بالحق، ولا يأخذُ الضعيفُ حقهُ من القوي غير متعتعٍ (¬8) " رواه الطبراني، ورواته ثقات، ورواه البزار بنحوه من حديث عائشة مختصراً والطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد جيد، ورواه ابن ماجة مطولاً من حديث أبي سعيد. 19 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

= أن تطيعونا في قوله: "وأولي الأمر منكم" فقال له ليس قد نزعت عنكم يعني الطاعة إذا خالفتم الحق بقوله جل شأنه "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر" (59 من سورة النساء). قال الطيبي: أعاد الفعل في قوله "وأطيعوا الرسول" إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة ولم يعده في أولي الأمر إشارة إلى أنه يوجد فيهم من لا تجب طاعته ثم بين ذلك بقوله "فإن تنازعتم في شيء" كأنه قيل: فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله. أ. هـ ص 91 جـ 3. (¬1) جماعة من الرجال من ثلاثة إلى سبعة أو إلى ثلاث عشرة. (¬2) العضادة: جانب العتبة من الباب. (¬3) مدة رحمتهم بخلق الله وعدلهم. (¬4) أنصفوا. (¬5) نفل ولا فرض. (¬6) لا تحترم ولا تكرم. (¬7) لا يحكم. (¬8) بفتح التاء: أي من غير أن يصيبه أذى يقلقله ويزعجه، يقال تعتعه فتتعتع، وغير منصوب لأنه حال للضعيف. أ. هـ نهاية ص 115

"من طلب قضاء المسلمين حتى يناله (¬1) ثم غَلَبَ عَدْلَهُ جَوْرُهُ (¬2) فله النارُ" رواه أبو داود. 20 - وعن أبي بُريدة عن أبيه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القضاة ثلاثةٌ: قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة: رجلٌ قضى بغير حقٍ يعلمُ بذلك، فذلك في النار، وقاضٍ لا يَعْلَمُ فأهلكَ حقوق الناس فهو في النار، وقاضٍ قضى بالحق فذلك في الجنة" رواه أبو داود، وتقدم لفظه، وابن ماجة والترمذي، واللفظ له، وقال حديث حسن غريب. إن الله مع القاضي ما لم يَجُرْ 21 - وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله مع القاضي ما لم يَجُرْ (¬3)، فإذا جَارَ تخلى عنه، ولَزِمَهُ الشيطان (¬4) " رواه الترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم إلا أنه قال: "فإذا جار تبرأ الله منه" رووه كلهم من حديث عمران القطان، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: وعمران يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. 22 - وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه: "أن مسلماً ويهودياً اختصما إلى عمر رضي الله عنه فرأى الحق لليهودي، فقضى له عمر به، فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق، فضربهُ عمر بالدِّرَّةِ (¬5)، وقال: وما يدريك؟ فقال اليهودي: والله إنا نجد في التوراة ليس قاضٍ يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملكٌ، وعن شماله ملكٌ يُسددانه، ويوفقانه للحق مادام مع الحق (¬6)، فإذا ترك الحق عَرَجَا (¬7) وتركاهُ" رواه مالك. ¬

(¬1) يدركه ويتولى منصبه. (¬2) ظلمه غطى عدله. (¬3) يظلم ويتعد ويتجاوز الأذى. (¬4) زين له الشيطان الأبهة والجور. (¬5) بالسوط لأنه تجارأ على المدح، وسيدنا عمر لا يحب الثناء أمام واجب يؤديه فتحرى رضي الله عنه العدل في القضاء وفرح بالإصابة والتوفيق وزاد سروره فضربه بالدرة ابتهاجاً بصوابه ضرباً غير مؤلم، ضرباً يدل على الحبور والعجب. (¬6) مدة تحريه الحق. (¬7) صعدا إلى السماء.

من ولي أمة من أمتي قلت أو كثرت فلم يعدل فيهم كبه الله على وجهه في النار 23 - وعن عبد الله، يعني ابن مسعود رضي الله عنه يرفعه قال: "يُؤتى بالقاضي يوم القيامة، فَيُوقَفُ على شفير (¬1) جهنم، فإن أُمِرَ به دُفِعَ فَهَوَى فيها سبعين خريفاً" رواه ابن ماجة والبزار، واللفظ له كلاهما من رواية مجالد عن عامر عن مسروق عنه، وتقدم لفظ ابن ماجة في الباب قبله. 24 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن بشر بن عاصمٍ الجُشَمِيِّ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يَلي (¬2) أحدٌ من أمر الناس شيئاً إلا وقَفَهُ الله على جسر جهنم، فزلزل به (¬3) الجسر زلزلةً، فناجٍ، أو غير ناجٍ، فلا يبقى منه عظمٌ إلا فارقَ صاحبهُ، فإن هو لم يَنْجُ ذُهِبَ به في جُبٍ (¬4) مُظلمٍ كالقبر في جهنم لا يبلغُ قَعْرَهُ سبعين (¬5) خريفاً، وإن عمر رضي الله عنه سأل سلمان وأبا ذرٍ: هل سمعتما ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالا: نعم" رواه ابن أبي الدنيا وغيره. 25 - وعن مَعْقَلٍ بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وَلِيَ أمةً من أمتي قَلَّتْ أو كَثُرَتْ فلم يعدل فيهم كبه (¬6) الله على وجهه في النار" رواه الطبراني في الأوسط من رواية عبد العزيز بن الحصين، وهو واهٍ، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ولفظه قال: "ما من أحدٍ يكون على شيء من أمور هذه الأمة: فلم يعدل فيهم إلا كبهُ الله في النار" وهو في الصحيحين بغير هذا اللفظ، وسيأتي لفظه إن شاء الله. 26 - وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في جهنم وادياً وفي الوادي بئرٌ يُقالُ له: هَبْهَبٌ، حقٌ على الله أن يُسْكِنَهُ كل جبارٍ عنيدٍ" رواه الطبراني بإسناد حسن وأبو يعلى، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) طرف وحد، حتى ينتظر الإذن، فإن عاقبه الله سقط يهوي مدة سبعين سنة، والتوراة لسيدنا موسى عليه السلام وفيها ترغيب القضاة في العدل رجاء الفوز. (¬2) لا يرأس. (¬3) فتحرك. (¬4) بئر لم تطو: أي بعيد النهاية. (¬5) أي لا يصل إلى عمقه النازل فيه مدة سير سبعين سنة. (¬6) ألقاه، من كببته: ألقيته على رأسه.

ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكه إلا العدل 27 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أمير (¬1) عشرةٍ إلا يُؤتى به يوم القيامة مغلولاً (¬2) لا يَفُكُهُ إلا العدلُ" رواه أحمد بإسناد جيد رجاله رجال الصحيح. 28 - وعن رجلٍ عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: "سمعتهُ غير مرَّةٍ ولا مرتين يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أمير عشرةٍ إلا يُؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكهُ من ذلك الغُلِّ إلا العدل" رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح إلا الرجل المبهم. 29 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أمير عشرةٍ إلا يُؤتى به مغلولاً يوم القيامة حتى يَفُكُّهُ العدلُ، أو يُوبِقُهُ (¬3) الجورُ" رواه البزار والطبراني في الأوسط، ورجال البزار رجال الصحيح. وزاد في رواية: "وإن كان مُسيئاً زيد غُلاً إلى غُلِّهِ" ورواه الطبراني في الأوسط بهذه الزيادة أيضاً من حديث بريدة. 30 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعهُ قال: "ما من رجلٍ وَلِيَ عشرةً إلا أُتيَ به يوم القيامة مغلولةً يدهُ إلى عنقه حتى يُقضى بينه وبينهم" رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات. 31 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من والي ثلاثةٍ إلا لَقِيَ الله مغلولةً يمينهُ (¬4) فَكَّهُ عَدْلُهُ أو غَلَّهُ جَوْرُهُ" رواه ابن حبان في صحيحه من رواية إبراهيم بن هشام الغساني. 32 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَ عليَّ أولُ ثلاثةٍ يدخلون النار: أميرٌ مُسَّلطٌ وذُو ثَروةٍ من مالٍ لا يُؤدي حق الله فيه وفقيرٌ فَخُورٌ" رواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما. ¬

(¬1) رئيس. (¬2) مقيداً لا يزيل هذه القيود والأغلال إلا عدله، وحسن معاملته، ورعايته للحق وحبه للقسط، وخشيته من الله. (¬3) يهلكه الظلم، والغل: طوق من حديد يجعل في العنق. (¬4) مقيدة بسلاسل غير مطلقة، والمعنى أن الذي رأس ثلاثة يسجنه في العذاب ظلمه ويطلقه عدله.

من ولي شيئاً من أمور المسلمين لم ينظر الله في حاجته حتى ينظر في حوائجهم 33 - وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني أخاف على أمتي من أعمالٍ ثلاثةٍ. قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال زَلَّةُ عالمٍ، وَحُكْمُ جائرٍ، وهوىً مُتبعٌ" رواه البزار والطبراني من طريق كثير بن عبد الله المزني، وهو واهٍ، وقد احتج به الترمذي، وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه، وبقية إسناده ثقات. 34 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: "اللهم من وَلِيَ من أمْرِ أمتي شيئاً فشقَّ (¬1) عليهم، فاشقق عليه (¬2) ومن وَلِيَ من أمْرِ أمتي شيئاً فَرَفَقَ (¬3) بهم، فارفق به" رواه مسلم والنسائي. ورواه أبو عوانة في صحيحه، وقال فيه: من وَلِيَ منهم شيئاً فَشَقَّ عليهم فعليه بَهْلَةُ الله: قالوا يا رسول الله: وما بَهْلَةُ الله؟ قال لعنةُ الله" [قال الحافظ]: ويأتي في باب الشفقة إن شاء الله. 35 - وعن أبي عثمان قال: "كتب إلينا عمر رضي الله عنه، ونحن بأذربيجان: يا عتبةُ بن فَرْقَدٍ إنه ليس من كَدِّكَ، ولا كَدِّ أبيك، ولا كَدِّ أمكَ، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبعُ منه في رَحْلِكَ، وإياكم والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير" رواه مسلم. 36 - ورويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أمتي أحدٌ وليَ من أمْرِ الناس شيئاً لم يحفظهم بما يحفظُ به نفسه إلا لم يجد رائحة الجنة (¬4) " رواه الطبراني في الصغير والأوسط. 37 - وعن ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من وَلِيَ شيئاً من أمور المسلمين لم ينظر الله في حاجته حتى ينظر في حوائجهم (¬5) " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح إلا حسين بن قيس المعروف بحنش، وقد وثقه ابن نمير، وحسّن له، والترمذي غير ما حديث، وصحح له الحاكم، ولا يضر في المتابعات. ¬

(¬1) عذبهم وأساء إليهم واستعمل الشدة وظلم وقسا. (¬2) فعذبه واغضب عليه. (¬3) ألان جانبه واستعمل الرأفة وكان رفيقاً على الناس، والرفق لين الجانب، وهو خلاف العنف. (¬4) لم يشمها. (¬5) يؤجل حسابه حتى يرى أعمالهم وماذا صنع بهم؟

من ولي من أمر المسلمين شيئاً فغشهم فهو في النار 38 - وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ (¬1) الله عز وجل رَعِيَّةً يموتُ يوم يموت، وهو غاشٌ رَعِيَّتَهُ إلا حرَّمَ الله تعالى عليه الجنة" وفي رواية: "فلم يَحُطْهَا (¬2) بِنُصْحِهِ لم يرح رائحة الجنة" رواه البخاري ومسلم. 39 - وعنه أيضاً رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أميرٍ يلي أمور المسلمين، ثم لا يجهدُ لهم، وينصحُ لهم إلا لم يدخل معهم الجنة" رواه مسلم والطبراني، وزاد: كنصحهِ وجهدهِ لنفسه. 40 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وَلِيَ من أمر المسلمين شيئاً فغشهم فهو في النار" رواه الطبراني في الأوسط والصغير، ورواته ثقات إلا عبد الله بن ميسرة أبا ليلى. 41 - وعن عبد الله بن مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ رضي الله عنه قال: "أشهدُ لَسَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من إمامٍ ولا والٍ بات ليلةً سوداء (¬3) غاشاً لرعيته إلا حرَّمَ الله عليه الجنة" رواه الطبراني بإسناد حسن ¬

(¬1) يجعله والياً راعياً، وفي رواية البخاري: "ما من والٍ يلي رعية من المسلمين"، قال في الفتح قال ابن بطال: هذا وعيد شديد على أئمة الجور فمن ضيع من استرعاه الله أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة، فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة؟ ومعنى حرم الله عليه الجنة: أي أنفذ الله عليه الوعيد ولم يرض عنه المظلومين. ونقل ابن التين عن الداودي نحوه قال ويحتمل أن يكون هذا في حق الكافر لأن المؤمن لابد له من نصحية، قلت وهو احتمال بعيد جداً، والتعليل مردود، فالكافر قد يكون ناصحاً فيما تولاه ولا يمنعه ذلك الكفر، وقال غيره ويحمل على المستحل، والأولى أنه محمول على غير المستحل، وإنما أريد به الزجر والتغليظ. وقد وقع في رواية لمسلم بلفظ "لم يدخل معهم الجنة" وهويؤيد أن المراد أنه لا يدخل الجنة في وقت دون وقت، وقال الطيبي: الفاء في قوله "فلم يحطها" وفي قوله "فيموت" مثل اللام في قوله تعالى: "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً" وقوله وهو "غاش" قيد للفعل مقصود بالذكر، يريد أن الله إنما ولاه على عباده ليديم لهم النصيحة لا ليغشهم حتى يموت على ذلك فلما قلب القضية استحق أن يعاقب. أ. هـ ص 105 جـ 13 (¬2) يكلأها أو يصنها وزنه ومعناه، والاسم الحياطة، يقال حاطه إذا استولى عليه وأحاط به مثله. (¬3) شديدة الظلمة لم يتفقد مصالح الناس مدلساً عليهم غير منتبه لأمنهم وطمأنينتهم أبعده الله من الجنة.

وفي رواية له: "ما من إمامٍ يبيتُ غاشاً لرعيته إلا حَرَّمَ الله عليه الجنة، وَعَرْفُهَا يوجدُ يوم القيامة مسيرة سبعين عاماً". 42 - وعن ابن مريم عمرو بن مُرَّةَ الجهني رضي الله عنه أنه قال لمعاوية: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من وَلاَّهُ (¬1) الله شيئاً من أمور المسلمين فاحتجبَ (¬2) دون حاجتهم وَخَلَّتِهِمْ وفَقْرِهمْ احتجب (¬3) الله دون حاجته وَخَلَّتِهِ وفقرهِ يوم القيامة، فجعل معاوية رجلاً (¬4) على حوائج المسلمين" رواه أبو داود واللفظ له والترمذي. ولفظه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من إمامٍ يُغْلِقُ (¬5) بابهُ دون ذوي الحاجةِ (¬6) وَالخلَّةِ (¬7)، والمسكنة (¬8) إلا أغلق الله أبواب السماء دُونَ خَلَّتِهِ ¬

(¬1) أسند إليه رياسة، وجعل في يده مصلحة. (¬2) امتنع عن النظر إليها وقصر في البحث عما يفيدهم ويرقيهم. (¬3) تركه الله عند الشدائد لم يرحمه. (¬4) نصب رجلاً يبحث عن قضاء حاجات المسلمين ويعاونهم على أمور الحياة. (¬5) يقفل، بمعنى أن الوصول إليه صعب، قال في الفتح: وفي هذا الحديث وعيد شديد لمن كان حاكماً بين الناس، فاحتجب عنهم لغير عذر لما في ذلك من تأخير إيصال الحقوق أو تضييعها، واتفق العلماء على أنه يستحب تقديم الأسبق فالأسبق والمسافر على المقيم لا سيما إن خشي فوات الرفقة، وأن من اتخذ بواباً أو حاجباً أن يتخذه ثقة عفيفاً أميناً عارفاً حسن الأخلاق عارفاً بمقادير الناس. أ. هـ ص 109 جـ 12. وفي البخاري باب ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب، عن أنس بن مالك يقول لامرأة من أهله تعرفين فلانة؟ قالت نعم. قال فإن النبي صلى الله عليه وسلم مر بها وهي تبكي عند قبر فقال "اتقي الله واصبري" فقالت إليك عني فإنك خلو من مصيبتي قال فجاوزها ومضى بها فمر بها رجل فقال ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت ما عرفته قال إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فجاءت إلى بابه فلم تجد عليه بواباً فقالت يا رسول الله والله ما عرفتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الصبر عند الصدمة الأولى" قال الكرماني: معنى قوله "لم تجد عليه بواباً" أي لم يكن له بواب راتب أو في حجرته التي كانت مسكناً له أو لم يكن البواب بتعيينه بل باشرا ذلك بأنفسهما، يعني أبا موسى ورحاباً. أ. هـ. قال الشافعي وجماعة: ينبغي للحاكم أن لا يتخذ حاجباً، وذهب آخرون إلى جوازه، وحمل الأول على زمن سكون الناس واجتماعهم على الخير وطواعيتهم للحاكم، وقال آخرون: بل يستحب ذلك ليرتب الخصوم ويمنع المستطيل ويدفع الشرير، ونقل ابن التين عن الداودي قال الذي أحدثه بعض القضاة من شدة الحجاب وإدخال بطائق الخصوم لم يكن من فعل السلف. أ. هـ ص 108 - جـ 13 (¬6) عند ذوي المصالح. (¬7) الفقر والحاجة والخلة مثل الخصلة، والخلة: الصداقة. (¬8) أصحاب الذلة، والمسكين الذليل المقهور "ضربت عليهم الذلة والمسكنة" والمعنى أنه منع نفسه أن تنظر إلى مصالح الناس المختلفة وحرم الطبقة الفقيرة من بث شكواها إليه مباشرة وترفع عن محادثة السوقة، وتكبر عن إجابة مطالب من دونه.

وحَاجَتِهِ ومَسْكَنَتِهِ (¬1) " ورواه الحاكم بنحو لفظ أبي داود، وقال صحيح الإسناد. 43 - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وَلِيَ من أمْرِ الناس شيئاً، فاحْتَجَبَ عن أولِي الضَّعْفِ والحاجةِ احْتَجَبَ الله عنهُ يوم القيامة" رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني وغيره. 44 - وعن أبي السَّمَاح الأزدي عن ابن عمٍ له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى معاوية، فدخل عليه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من وَلِيَ من أمْرِ المسلمين، ثم أغْلَقَ بابهُ دون المسكين والمظلوم، وذوي الحاجة أغلق الله تبارك وتعالى أبواب رحمته دون حاجته وفقرهِ أفقرَ ما يكونُ إليها" رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناد أحمد حَسَن. 45 - وعن أبي جُحَيفةَ أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: "ضرب على الناس بعثاً فخرجوا، فرجع أبو الدحداح، فقال له معاوية: ألم تكن خرجت؟ قال بلى، ولكن سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً أحببتُ أن أضعهُ عندك مخافةَ أن لا تلقاني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬2) يقول: يأيها الناس: من وَلِيَ عليكم عملاً: فَحَجَبَ بابهُ عن ذي حاجةِ المسلمين حَجَبَهُ الله أن يَلِجَ (¬3) بابَ الجنة، ومن كانت هِمَّتُهُ الدنيا حَرَّمَ الله عليه جِوَارِي (¬4)، فإني بُعثتُ بِخَرَابِ الدنيا ولم أُبْعَثْ بِعِمَارتِها" رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا شيخه جبرون بن عيسى، فإني لم أقف فيه على جرح ولا تعديل، والله أعلم به. ¬

(¬1) المعنى عذبه الله ولم ينظر نظر رحمة وإحسان إليه. (¬2) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا (د وع) ص 281 (¬3) يدخل. (¬4) قربي، لأنه منهمك في ملذات الدنيا الفانية، قال تعالى مبيناً حال مؤمن آل فرعون، أو هذا قول سيدنا موسى عليه السلام: "وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب" (39 - 41 من سورة المؤمن)، سبيل الرشاد: سبيلاً يصل سالكه إلى المقصود، (متاع): تمتع يسير لسرعة زوالها (بغير حساب): نعيم مقيم بغير تقدير فضلاً منه ورحمة، يطلب صلى الله عليه وسلم من المسلمين أن يتفرغوا إلى مصالحهم ويتدبروا شئونهم ويعدلوا بين مرءوسيهم ويتفقدوا أمورهم ولا يتفانون في الإقبال على زهرة الدنيا رجاء أن يفوزوا بدخول الجنة بجوار الصديقين والصالحين.

ترهيب من ولي شيئا من أمور المسلمين أن يولي عليهم رجلا وفي رعيته خير منه

ترهيب من ولي شيئاً من أمور المسلمين أن يولي عليهم رجلاً وفي رعيته خير منه 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استعمل رجلاً من عصابةٍ، وفيهم مَنْ هو أرْضَى (¬1) لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين" روه الحاكم من طريق حسين بن قيس عن عكرمة عنه، قال: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: حسين هذا هو حنش: واهٍ، وتقدم في الباب قبله. 2 - وعن يزيد بن أبي سفيان قال: "قال لي أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين بعثني إلى الشام: يا يزيد إن لك قرابةً عَسِيتَ أن تُؤثِرَهُمْ بالإمارة، وذلك أكثرُ ما أخافُ عليك بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ وَلِيَ من أمْرِ المسلمين شيئاً، فَأمَّرَ عليهم أحداً مُحابَاةً (¬2)، فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صَرْفاً، ولا عدْلاً (¬3) حتى يُدخِلَهُ جهنم" رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: فيه بكر بن خنيس يأتي الكلام عليه، ورواه أحمد باختصار، وفي إسناده رجل لم يسمّ. ترهيب الراشي والمرتشي والساعي بينهما 1 - عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشيَ (¬4) والمرتشيَ (¬5) " رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة ولفظه: ¬

(¬1) أي كفء صالح مؤمن، ففيه الترغيب في اختيار من يتقي الله ويرعى شئونهم بالحق والترهيب من اختيار غيره. (¬2) أي اختار رياء ومفاخرة ورهاناً ونفاقاً. (¬3) فرضاً ولا نفلاً. (¬4) دافع الأشياء: مقدم الشيء. (¬5) قابل الرشوة: اله تعالى يبعدهما من رحمته.

"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعنة الله على الراشي والمرتشي" وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال صحيح الإسناد. 2 - وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الراشي والمرتشي في النار" رواه الطبراني، ورواته ثقات معروفون، ورواه البزار بلفظه من حديث عبد الرحمن بن عوف. 3 - وعن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما مِنْ قَوْمٍ يظهرُ فيهم الربا إلا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ (¬1)، وما من قومٍ يظهرُ فيهم الرِّشَا (¬2) إلا أُخِذُوا بالرُّعْبِ (¬3) " رواه أحمد بإسناد فيه نظر. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم" رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم، وزادوا: والرائش، يعني الذي يسعى بينهما. 5 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، والرائش، يعني الذي يمشي بينهما" رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني، وفيه أبو الخطاب لا يُعرف. [الرائش] بالشين المعجمة: هو السفير بين الراشي والمرتشي. 6 - وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله الراشي والمرتشي في الحُكْمِ" رواه الطبراني بإسناد جيد. ¬

(¬1) بالسنة كذا (د وع) ص 82: وفي (ن ط) بالسوء، ومعنى السنة: القحط وشدة الغلاء وقلة الحاصلات وكثرة آفات الزراعة. (¬2) جمع رشوة بالكسر: ما يعطيه الشخص الحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد، ورشوته رشواً أعطيته رشوة فارتشى: أي أخذ. أ. هـ مصباح. وفي النهاية "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش" الرشوة الواصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرشا الذي يتوصل به إلى الماء فالراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي الآخذ، والرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا ويستنقص لهذا، وأما ما يعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه. روى ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خلى سبيله، وروي عن جماعة من أئمة التابعين قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم. أ. هـ ص 82 (¬3) الفزع. الله تعالى يفقره ويزيده خوفاً ولا يبارك في أمواله وفي يوم ما يفضح أمره ويفصل من عمله.

7 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ وَلِيَ عشرةً فَحَكَمَ بينهم بما أحبوا، أو بما كرهوا جئ به مَغْلُولَةً يدهُ، فإن عَدَلَ، ولم يَرْتَشِ ولم يَحِفْ (¬1) فك الله عنه؛ وإن حَكَمَ بغير ما أنزل الله وارتشى وَحَابَى (¬2) فيه شُدَّتْ يسارهُ إلى يمينه، ثم رُميَ به في جهنم، فلم يبلغُ قعرها (¬3) خمسمائة عامٍ" رواه الحاكم عن سعدان بن الوليد عن عطاء عنه، وقال: سمعه الحسن بن بشر البجلي منه، وسعدان بن الوليد البجلي الكوفي قليل الحديث لم يخرّجا عنه. 8 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "الرشوة في الحُكم كُفْرٌ، وهي بين الناس سُحْتٌ (¬4) " رواه الطبراني موقوفاً بإسناد صحيح. الترهيب من الرشوة والتعاون على فعلها من كلام الله تعالى (¬5): ¬

(¬1) ولم يظلم. حاف يحيف حيفاً: جار وظلم سواء كان حاكماً أو غير حاكم فهو حائف. (¬2) تساهل في تنفيذه وقصر في حدود الله فيه مداهنة ونفاقاً، من حاباه محاباة: سامحه، مأخوذ من حبوته إذا أعطيته. (¬3) المعنى يهوى في قعر جهنم ويستمر نزوله مسيرة خمسمائة سنة حتى يصل إلى قرارها. (¬4) حرام لا يحل كسبه لأنه يسحت البركة: أي يهلكها والسحت بالهدية: أي الرشوة في الحكم، ومنه حديث ابن رواحة وخرص النخل أنه قال ليهود خيبر لما أرادوا أن يرشوه: أتطعموني السحت: أي الحرام، سمى الرشوة في الحكم سحتاً. أ. هـ نهاية. (¬5) (أ) قال تعالى: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون" (188 من سورة البقرة). أي ولا يأكل بعضكم مال بعض بالوجه الذي لم يبحه الله تعالى، (وتدلوا): تلقوا (بالإثم): بالذنب كشهادة الزور واليمين الكاذبة وما يوجب ذلك من المفاسد، والحال أنكم تعلمون أنكم على باطل، أو تعلمون إضرار ذلك وقبحه. (ب) قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" (29 من سورة النساء). (بالباطل): أي بما لم يبحه الشرع كالرشوة والربا والغصب والسرقة والقمار وكل أنواع المناهي. (جـ) قال تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". (د) قال تعالى في ذم اليهود والمنافقين ويجرى مجراهم عصاة المسلمين الذين يمدون أيديهم للرشوة: "وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون" (63 - 64 من سورة المائدة). (في الإثم): أي في الحرام، وقيل الكذب (والعدوان): الظلم ومجاوزة الحد في المعاصي (السحت): الحرام خصه بالذكر للمبالغة في إضراره، لبئس شيئاً عملوه (لولا ينهاهم): تحضيض لعلمائهم على النهي عن ذلك، (يصنعون): أذم صنعهم وعمل خواصهم، والصنع يأتي بعد تدرب في العمل وتردد وتحري إجادة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ما أعده الله تعالى لمن وليَ مصالح الناس فعدل أو جار كما قال صلى الله عليه وسلم أولاً: يظله الله في ظله، ويقف العادل على قمة العز والنور في كنف الله ورضوانه "على منابر". ثانياً: يفوز العادل بالجنة ويحظى بمحبة الله تعالى "ذو سلطان مقسط". ثالثاً: يعد العادل من أفضل خلق الله جل وعلا "رفيق". رابعاً: يكره الله الإمام الظالم ولا تقبل شهادته ويسبب الفقر لرعيته. خامساً: يستحق الإمام الجائر كل لعنة ولا تقبل صلاته. سادساً: الإمام الجائر قائده الشيطان المتسلطن عليه. سابعاً: يمر الجائر على الصراط فيسقط في النار وينجو العادل. ثامناً: يقيد بالأغلال لظلمه ويطلق العادل. تاسعاً: العادل يرأف الله به، والظالم يضيق عليه "فأشفق عليه". عاشراً: ينجي الله العادل من أهوال الآخرة ويترك الجائر يتلظى في شدائدها "احتجب الله دون حاجته". حادي عشر: يحوز العادل رضا الله والناس. الخلال التي يتحلى بها من يتولى أمور الناس ليفوز بنعيم الله تعالى في وصف الحسن البصري للإمام العادل سيدنا الحسن البصري أجاد وأفاد في وصف الإمام العادل لسيدنا عمر بن عبد العزيز حين ولي الخلافة فقال رحمه الله: اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل وقصد. (1) كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف، ونصفة (2) كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المرعى، ويذودها عن موانع الهلكة، ويحميها من السباع ويكنفها من أذى الحر والقر (3) والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحفي على ولده يسعى لهم ويعلمهم كباراً يكتسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته، والإمام العادل، يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها حملته كرهاً ووضعته كرهاً، وربته طفلاً، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة، وتفطمه أخرى، وتفرح بعاقبته، وتغتم بشكايته، والإمام العادل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى: وخازن المساكين يربي صغيرهم، ويمون كبيرهم، والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح، تصلح الجوانح بصلاحه، وتفسد بفساده، والإمام العادل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، فلا تسكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده، واستحفظه ماله وعياله، فبدد المال، وشرد العيال، فأفقر أهله، وفرق ماله، واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش فكيف إذا أتاها من يليها؟ وأن الله جعل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟ واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده، وقلة أشياعك عنده، وأنصارك عليه، فتزود له، ولما بعده من =

الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله والترغيب في نصرته

الترهيب من الظلم ودعاء المظلوم وخذله، والترغيب في نصرته 1 - عن أبي ذرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فيما يَرْوِي عن ربه عز وجل أنه قال: يا عبادي إني حرمت (¬1) الظلم على نفسي، وجعلتهُ بينكم مُحَرَّماً فلا تَظَّالَمُوا (¬2) " الحديث رواه مسلم والترمذي وابن ماجة، وتقدم بتمامه في الدعاء وغيره. 2 - وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا (¬3) الظلم، فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشُّحَّ (¬4) فإن الشُّحَّ أهلكَ من كان قبلكم، حَمَلَهُمْ على أن سَفَكُوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم" رواه مسلم وغيره. ¬

= الفزع الأكبر، واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلاً غير منزلك الذي أنت فيه، يطول فيه رقادك، ويفارقك أحباؤك، يسلمونك في قعره فريداً وحيداً، فتزود له ما يصحبك "يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه" واذكر يا أمير المؤمنين "إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور" فالأسرار ظاهرة والكتاب "لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها" فالآن يا أمير المؤمنين وأنت في مهلٍ قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين، فإنهم "لا يرقبون في مؤمن إلاً [عهداً] ولا ذمة" فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالاً مع أثقالك ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك لا تنظر إلى قدرتك اليوم، ولكن انظر إلى قدرتك غداً وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين "وقد عنت [خضعت وذلت] الوجوه للحي القيوم" إني يا أمير المؤمنين وإن لم أبلغ بعظتي ما بلغه أولو النهى [أصحاب العقول] من قبلي فلم آلك [لم أقصر] شفقة ونصحاً فأنزل كتابي عليك مداوي حبيبه يسقيه الأدوية الكريهة لما يرجو له في ذلك من العافية والصحة، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. أ. هـ من العقد الفريد. (¬1) تقدست عنه وتعاليت، والظلم: الجور أيضاً ووضع الشيء في غير موضعه الشرعي وهو مستحيل في حق الله سبحانه وتعالى، وكيف يجاوز سبحانه حداً وليس فوقه من يطيعه أو يرسم له عملاً إن تجاوزه ظلم، وكيف يتصرف في غير ملك والعالم كله ملكه وسلطانه قاله النووي في مختار الإمام مسلم ص 441 جـ 2. (¬2) لا تظالموا: أي لا يظلم بعضكم بعضاً. (¬3) اجتنبوه، قال ابن الجوزي: الظلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير بغير حق، ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالباً إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئاً. أ. هـ فتح ص 63 جـ 5 (¬4) التقصير في حقوق الله تعالى ومنع للزكاة والبخل بأداء الواجب ومنع الصدقات.

3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الظلمُ ظلماتٌ يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم والترمذي. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه يَبْلُغُ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظلمَ فإن الظلم هو ظلماتٌ يوم القيامة، وإياكم والفحش (¬1) فإن الله لا يحب الفاحش والمتفحش، وإياكم والشح فإن الشح دَعَا من قبلكم فسفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم. 5 - وروي عن الهرماس بن زياد رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته، فقال: إياكم والخيانة (¬2) فإنها بئستِ البطانة (¬3) وإياكم والظلم، فإنه ظلماتٌ يوم القيامة، وإياكم والشح، فإنما أهلك من كان قبلكم الشح، حتى سفكوا دماءهم، وقطعوا أرحامهم" رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وله شواهد كثيرة. 6 - ورويَ عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تظلموا فتدعوا فلا يستجاب لكم، وتستقوا (¬4) فلا تُسْقَوْا، وتستنصروا، فلا تُنصروا" رواه الطبراني. ¬

(¬1) القبح والمعاصي، وقال في العيني قال المهلب: الذي يدل عليه القرآن أنها ظلمات على البصر حتى لا يهتدي سبيلاً، وقال الله تعالى في المؤمنين "يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم" وقال في المنافقين "انظرونا نقتبس من نوركم" فأثاب الله المؤمن بلزوم نور الإيمان لهم ولذذهم بالنظر إليه وقوى به أبصارهم، وعاقب الكفار والمنافقين بأن أظلم عليهم ومنعهم لذة النظر إليه. وقال القزاز: الظلم هنا الشرك، أي هو عليهم ظلام وعمى. أ. هـ ص 293 جـ 2 وفي غريب القرآن الفحش والفحشاء والفاحشة: ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال وقال: "إن الله لا يأمر بالفحشاء" "إنما حرم ربي الفواحش" وفحش فلان صار فاحشاً،، ومنه قول الشاعر: "عقيلة مال الفاحش المتشدد" يعني به العظيم القبح في البخل، والمتفحش الذي يأتي بالفحس. أ. هـ ص 380 جـ 12 (¬2) تضييع شيء مما أمر الله به أو ركوب شيء مما نهى الله عنه، فالمعنى احذروا كل شيء فيه عذاب مثل المناهي الواردة كلها في الشرع. (¬3) وبطانة الرجل: صاحب سره وداخلة أمره الذي يشاوره في أحواله، ينهى صلى الله عليه وسلم عن الخيانة وعدم الذمة والالتجاء إلى أدنياء الأمور وسفسافها وحقيرها. (¬4) تطلبوا المطر وإنزال رحمة الله تعالى.

إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته 7 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي لن تنالهما (¬1) شفاعتي: إمامٌ ظلومٌ غَشُومٌ، وكُلُّ غالٍ مارقٍ" رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. 8 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمهُ، ولا يخْذُلُهُ (¬2) ويقول: والذي نفسي بيده ما توادَّ اثنانِ فيفرقُ بينها إلا بذنبٍ يُحْدِثُهُ أحدهما" رواه أحمد بإسناد حسن. 9 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يملي (¬3) للظالم فإذا أخذه لم يُفلتهُ (¬4)، ثم قرأ: (وَكَذلِكَ أخْذُ رَبِّكَ إذا أخَذَ الْقُرَى (¬5) وَهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ (¬6) شَدِيدٌ) " رواه البخاري ومسلم والترمذي. 10 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان قد يئس أن تُعبدَ الأصنام في أرض العرب، ولكنه سيرضى منكم بدون ذلك بالمُحَقَّرَاتِ، وهي الموبقات يوم القيامة؛ اتقوا الظلم ما استطعتم، فإن العبد يجئ بالحسنات يوم القيامة يرى أنها سَتُنْجِيهِ، فمازال عَبْدٌ يقول: يا رب ظلمني عبدك مظلمةً، فيقول: امحوا من حسناته، ومايزالُ كذلك حتى ما يبقى له حسنةٌ من الذنوب، وإن مثل ذلك كَسَفْرٍ نزلوا بفلاةٍ من الأرض ليس معهم حطبٌ فتفرق القومُ ليحتطبوا فلم يلبثوا أن حطبوا، فأعظموا النار، وطبخوا ما أرادوا، وكذلك الذنوب" رواه أبو يعلى من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص عن ابن مسعود، ورواه أحمد والطبراني بإسناد حسن نحوه باختصار. 11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ ¬

(¬1) لن تدركهما. (¬2) يتركه في مواطن النصر ولم يساعده. (¬3) يمهل ويؤخر عقابه. (¬4) لم يفر من العذاب. (¬5) أهلها. (¬6) وجيع غير مرجو الخلاص منه "إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود" (103 - 104 من سورة هود).

كانت عنده مَظْلَمَةٌ (¬1) لأخيه مِنْ عِرْضٍ أو من شيء (¬2)، فليتحلله منه اليوم من قبل أن لا يكون دينارٌ ولا درهمٌ (¬3) إن كان له عملٌ صالحٌ أُخِذَ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسناتٌ أُخِذَ من سيئات صاحبهِ (¬4) فَحُمِلَ عليه" رواه البخاري والترمذي، وقال في أوله: رحم الله عبداً كانت له عند أخيه مظلمةٌ في عِرْضٍ أو مالٍ. الحديث. اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب 12 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتم هذا، وقَذَفَ هذا، وأكل مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضرب هذا، فَيُعْطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقْضى ما عليه أُخذَ من خطاياهم فَطُرِحَتْ عليه، ثم طُرحَ في النار (¬5) " رواه مسلم والترمذي. 13 - وعن ابن عتمان عن سلمان الفارسي، وسعد بن مالكٍ، وحذيفةَ بن اليمان، وعبد الله بن مسعودٍ حتى عَدَّ ستةً أو سبعةً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: "إن الرجل لَتُرْفَعُ له يوم القيامة صحيفتهُ حتى يرى أنه ناجٍ، فما تزال مَظَالِمُ بني آدمَ تتبعُهُ حتى ما يبقى له حسنةٌ، ويُحْمَلُ عليه من سيئاتهم" رواه البيهقي في البعث بإسناد جيد. 14 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعث مُعاذاً إلى اليمن فقال: اتقِ (¬6) دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ (¬7) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في حديث، والترمذي مختصراً هكذا، واللفظ له ومطولاً كالجماعة. ¬

(¬1) أنواع المعاصي. (¬2) فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات التي اللطمة وغيرها. أ. هـ فتح ص 63 جـ 5 (¬3) يوم القيامة لا معاملة ولا نقد. (¬4) أي صاحب المظلمة فحمل على الظالم. (¬5) قال في الفتح: ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" لأنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه، ولم يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الله تعالى في عباده. أ. هـ. (¬6) احذر. (¬7) مانع: أي تذهب إلى الله لا يصدها صاد فيجيبها.

ثلاثة تستجاب دعوتهم الوالد والمسافر والمظلوم 15 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتهم: الصائم حتى يُفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام (¬1) ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الربُ: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حينٍ" رواه أحمد في حديث، والترمذي وحسنه، وابن ماجة، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، والبزار مختصراً: "ثلاثٌ حقٌ على الله أن لا يَرُدَّ لهم دعوةً: الصائم حتى يفطر، والمظلوم حتى ينتصر، والمسافر حتى يرجع. وفي رواية للترمذي حَسَنةٍ: ثلاثُ دعواتٍ لاشك في إجابتهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على الولد" وروى أبو داود هذه بتقديم وتأخير. 16 - وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ تُستجابُ دعوتهم: الوالدُ، والمسافرُ، والمظلومُ" رواه الطبراني في حديث بإسناد صحيح. 17 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعدُ إلى السماء كأنها شرارةٌ" رواه الحاكم وقال: رواته متفق على الاحتجاج بهم، إلا عاصم بن كليب فاحتج به مسلم وحده. 18 - وعن أبي هريرةً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوةُ المظلومِ مُستجابةٌ، وإن كان فاجراً (¬2)، ففجورهُ على نفسه" روه أحمد بإسناد حسن. 19 - ورويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوتان ليس بينهما وبين الله حجابٌ: دعوة المظلوم، ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب (¬3) " رواه الطبراني وله شواهد كثيرة. 20 - وعن خزيمة بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) السحاب. (¬2) فاسقاً. (¬3) وهو غائب.

"اتقوا دعوة المظلومِ فإنها تُحْمَلُ على الغمام يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حينٍ" رواه الطبراني، ولا بأس بإسناده في المتابعات. 21 - وعن أبي عبد الله الأسدي قال: "سمعت أنس بن مالكٍ رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوة المظلوم، وإن كان كافراً ليس دونها حجابٌ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعْ ما يُرِيبُكَ (¬1) إلى ما لا يُريبكَ" رواه أحمد، ورواته إلى عبد الله محتج بهم في الصحيح، وأبو عبد الله لم أقف فيه على جرح ولا تعديل. 22 - ورويَ عن عليٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله: اشتد غضبي على من ظَلمَ مَنْ لا يَجِدُ له ناصراً غيري" رواه الطبراني في الصغير والأوسط. 23 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يَحْقِرُهُ، التقوى هاهنا. التقوى هاهنا. التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره، بِحَسْبِ امرئٍ من الشر أن يحتقر أخاه المسلم. كُلُّ المسلم على المسلم حَرَامٌ: دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ" رواه مسلم. 24 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: "قلتُ يا رسول الله ما كانت في صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالاً كُلُّها، أيها الملك المُسَلَّطُ (¬2) المُبتلى (¬3) المغرور (¬4): إني لم أبعثك (¬5) لتجمع الدنيا بعضها على بعضٍ، ولكني بعثتكَ لِتَرُدَّ عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها، وإن كانت من كافرٍ، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له ساعاتٌ: فساعةٌ يُنَاجي (¬6) فيها ربهُ، وساعةٌ يُحاسبُ (¬7) فيها نفسهُ، وساعةٌ يتفكرُ فيها ¬

(¬1) ما يدخلك في شك: أي ترك الشبهات وتحرى الحق البعيد عن الضلال الخالي من الأخطاء، قال العزيزي اترك ما تشك في كونه حسناً أو قبيحاً أو حلالاً أو حراماً إلى ما لا تشك فيه، يعني ما تتيقن حسنه وحله. أ. هـ جامع صغير ص 265، من أراب الرجل: صار ذا ريبة، ورابني: رأيت ما أكره. (¬2) صاحب السلطان النافذ والكلمة التامة. (¬3) الذي حكم خبرة لأعماله. (¬4) الناسي حقوق الله، الذي أصابته الغفلة والغرور بنفسه وقائده الشيطان الغرور. (¬5) أرسلك. (¬6) يدعوه سبحانه وتعالى. (¬7) على تقصيره في حقوق الله وإهماله وغفلته.

في صنع الله عز وجل، وساعةٌ يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً (¬1) إلا لثلاثٍ: تزودٍ لمعادٍ (¬2) أو مَرَمَّةٍ لمعاشٍ (¬3)، أو لذَّةٍ في غير مُحَرَّمٍ (¬4) وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مُقبلاً على شأنهِ حافظاً للسانه، ومن حَسَبَ كلامهُ من عمله قَلَّ كَلامُهُ إلا فيما يعنيه (¬5) قلتُ: يا رسول الله فما كانت صحفُ موسى عليه السلام؟ قال: كانت عِبَراً (¬6) كلها: عجبتُ لمن أيقن بالموتَ ثم هو يفرحُ، عجبتُ لمن أيقنَ بالنار، ثم هو يضحكُ. عجبتُ لمن أيقنَ بالقدرِ ثم هو ينصبُ، عجبتُ لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها، عجبتُ لمن أيقنَ بالحساب غداً ثم لا يعمل. قلت: يا رسول الله أوصني. قال: أوصيك بتقوى الله، فإنها رأسُ الأمر كله. قلتُ يا رسول الله زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل، فإنه نور لك في الأرض، وذُخرٌ لك في السماء. قلت يا رسول الله: زدني؛ قال: إياك وكثرة الضحك فإنه يُميتُ القلب (¬7)، ويذهبُ بنورِ الوجه، قُلتُ: يا رسول الله زدني، قال: عليك بالجهاد فإنه رهبانيةُ (¬8) أمتي. قلت يا رسول الله زدني، قال: أحبَّ المساكين وجالسهم. قلتُ يا رسول الله زدني، قال: انظر إلى من هو تحتك، ولا تنظر إلى ما هو فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري (¬9) نعمة الله عندك. قلت: يا رسول الله زدني، قال: قل الحق وإن كان مُرّاً. قلت: يا رسول الله زدني، قال: لِيَرُدَّكَ عن الناس ما تعملهُ من نفسك ولا تجدُ عليهم فيما تأتي، وكفى بك عيباً أن تعرف من الناس ما تجهله من نفسك؛ وتجدَ عليهم فيما تأتي، ثم ضرب بيده على صدري، فقال: يا أبا ذرٍ: لا عَقْلَ كالتدبيرِ، ولا وَرَع كالكَفِّ (¬10)، ولا حَسَبَ (¬11) كَحُسْنِ الْخُلُقِ" رواه ابن حبان في صحيحه واللفظ له، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) مرتجلاً مجداً. (¬2) عمل صالح للآخرة. "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". (¬3) سعى لعيشه. (¬4) فائدة في حلال. (¬5) يفيده. (¬6) عظات وفوائد. (¬7) لا يتأثر بالمواعظ. (¬8) انقطاع إلى طاعة وتبتل وإخلاص إلى الله. (¬9) لا تحتقر. (¬10) كالترك للمحارم. (¬11) لا شرف.

[قال الحافظ]: انفرد به إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني عن أبيه، وهو حديث طويل في أوله ذكر الأنبياء عليهم السلام، ذكرت منه هذه القطعة لما فيها من الحكم العظيمة والمواعظ الجسيمة، ورواه الحاكم أيضاً، ومن طريق البيهقي كلاهما عن يحيى بن سعيد السعدي البصري حدثنا عبد الملك بن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر بنحوه، ويحيى بن سعيد فيه كلام، والحديث منكر من هذه الطريق، وحديث إبراهيم ابن هشام هو المشهور، والله أعلم. ما من امرئ ينصر مسلماً إلخ إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته 25 - وعن جابر وأبي طلحة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما مسلمٍ يخذل (¬1) امرأ مسلماً في موضعٍ تُنتهكُ فيه حُرمتهُ، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئٍ ينصر مسلماً في موضع يُنتقص فيه من عِرْضِهِ ويُنتهكُ فيه من حُرْمَتِهِ إلا نصرهُ الله في موطنٍ يُحبُّ فيه نُصرَتَهُ" رواه أبو داود. 26 - ورويَ عن عبد الله، يعني ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُمر بعبدٍ من عباد الله يُضَربُ في قبره مائةَ جلدةٍ فلم يزل يسألُ ويدعو حتى صارت جَلدةً واحدةً، فامتلأ قبرهُ عليه ناراً، فلما ارتفع عنه وأفاقَ قال: علامَ جلدتموني (¬2)؟ قال: إنك صليت صلاة بغير طُهُورٍ (¬3)، ومررتَ على مظلومٍ فلم تنصرهُ (¬4) " رواه أبو الشيخ بن حبان في كتاب التوبيخ. 27 - وعن محمد بن يحيى بن حمزة قال: كتب إليَّ المهديُّ أمير المؤمنين، وأمرني أن أصْلُبَ (¬5) في الحكم، وقال في كتابه: حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله (¬6) وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم يفعل" رواه أبو الشيخ أيضاً فيه من رواية أحمد بن محمد بن يحيى، وفيه نظر ¬

(¬1) لا يساعده، المعنى من نصر الضعيف وأزال عنه ظلامته وأخذ بحقه وقواه نجاه الله من أهوال يوم القيامة. (¬2) على أي شيء فعل بي هذا. (¬3) طهارة. (¬4) لم تمنع عنه ظلمه. (¬5) أصلب من باب ظرف، أي أكون شديداً قوياً، وفي حديث العباس: إن المغالب صلب الله مغلوب أي قوة الله 271 - 2 نهاية. (¬6) دنياه وآخرته.

عن أبيه، وجدّ المهدي هو محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وروايته عن ابن عباس مرسلة والله أعلم. 28 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالماً (¬1) أو مظلوماً، فقال رجلٌ: يا رسول الله أنصرهُ إذا كان مظلوماً، أفرأيتَ إن كان ظالماً كيف أنْصُرُهُ؟ قال: تَحْجُزُهُ أو تمنعهُ عن الظلم، فإن ذلك نصرهُ" رواه البخاري ورواه مسلم في حديث عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وَلْيَنْصُرِ الرجلُ أخاهُ ظالماً أو مظلوماً، إن كان ظالماً فَلْيَنْهَهُ فإنه له نُصْرَةٌ، وإن كان مظلوماً فليَنْصُرْهُ". ¬

(¬1) أي تمنعه عن الظلم كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري: "قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ فقال تأخذ فوق يديه" قال في الفتح كنى به عن كفه عن الظلم بالفعل إن يكف بالقول وعبر بالفوقية إشارة إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة. قال ابن بطال: النصر عند العرب الإعانة وتفسير لنصر الظالم بمنعه من الظلم من تسمية الشيء بما يئول إليه، وهو من وجيز البلاغة. قال البيهقي: معناه أن الظالم مظلوم في نفسه فيدخل فيه ردع المرء عن ظلمه لنفسه حسا ومعنى فلو رأى إنسان يريد أن يحب نفسه لظنه أن ذلك يزيل مفسدة طلبه الزنا مثلاً منعه من ذلك وكان ذلك نصراً له واتحد في هذه الصورة الظالم والمظلوم. وقال ابن المنير: فيه إشارة إلى أن الترك كالفعل في باب الضمان. أ. هـ ص 61 جـ 5 وفي باب نصر المظلوم قال في الفتح هو فرض كفاية وهو عام في المظلومين وكذلك في الناصرين بناء على أن فرض الكفاية مخاطب به الجميع، وشرط الناصر أن يكون عالماً بكون الفعل ظلماً ويقع النصر مع وقوع الظلم وهو حينئذ حقيقة وقد يقع قبل وقوعه كمن أنقذ إنساناً من يد إنسان طالبه بمال ظلماً وهدده إن لم يبذله وقد يقع بعد. أ. هـ. ثم أورد البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع" منها نصر المظلوم" ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وشبك بين أصابه، عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنهما. أدلة تحريم المظالم وتحريم الغصب وعقاب الله للظالمين من كتاب الله تعالى: (أ) قال تعالى: "ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء" (43 من سورة إبراهيم)، أي أبصارهم لا تقر في أماكنهم من هول ما ترى (مهطعين): مسرعين إلى الداعي رافعي رءوسهم لا يطرفون ولكن عيونهم مفتوحة ممدوة من غير تحريك الأجفان (هواء): خلاء وهو الذي لم تشغله الأجرام، أي لا قوة في قلوبهم ولا جراءة، ويقال للأحمق أيضاً قلبه هواء، وعن ابن جريج هواء. أي صفر من الخير خالية عنه. أ. هـ عيني. وقال مجاهد: مهطعين، أي مديمي النظر، ويقال مسرعين لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء، يعني جوفاً لا عقول لهم، جوفاً جمع أجوف: وقيل نزعت أفئدتهم من أجوافهم. أ. هـ عيني ص 284 جـ 12. =

29 - وعن سهل بن معاذ بن أنسٍ الجهني عن أبيه رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حمى مؤمناً من منافقٍ، أُرَاهُ قال: بعث الله ملكاً يحمي لحمهُ يوم القيامة من نار جهنم" الحديث. رواه أبو داود ويأتي بتمامه في الغيبة إن شاء الله تعالى. ¬

_ = (ب) وقال تعالى: "وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام" (48 من سورة إبراهيم). قال العيني: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بإنذار الناس وتخويفهم. (أجل قريب): أي ردنا إلى الدنيا وأمهلنا نتدارك ما فرطنا فيه من إجابة دعوتك واتباع رسلك. (جـ) وقال تعالى: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" (18 من سورة هود). (الأشهاد): الرسل أو الملائكة أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم. (د) وأورد البخاري في باب الانتصار من الظالم قوله تبارك وتعالى: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً" (149 - 150 من سورة النساء). أي لا جهر من ظلم بالدعاء على الظالم والتظلم منه، روي أن رجلاً أضاف قوماً فلم يطعموه فاشتكاهم فعوتب عليه فنزلت (سميعاً): لكلام المظلوم (عليماً): بالظالم (خيراً) طاعة وبراً. سبحانه يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام، فأنتم أولى بذلك، وهو حث للمظلوم على العفو بعد ما رخص له في الانتصار حملاً على مكارم الأخلاق. أ. هـ بيضاوي. وقال العيني قال عبد الكريم بن مالك الجزري في هذه الآية هو الرجل يشتمك فتشتمه ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه لقوله تعالى: "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل" وروى أبو داود من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم" وأورد البخاري قوله تعالى: "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" (40 من سورة الشورى). قال العيني: البغي الظلم، أي الذين إذا أصابهم بغي المشركين في الدين انتصروا عليهم بالسيف أو إذا بغى عليهم باغٍ كرهوا أن يستذلوا لئلا يجترئ عليهم الفساق فإذا قدروا عفوا، وروى الطبري من طريق السدى في قوله تعالى: "والذين إذا أصابهم البغي" قال يعني فمن بغى عليهم من غير أن يعتدوا. وروى النسائي وابن ماجة من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخلت على زينب بنت جحش فسبتني فردعها النبي صلى الله عليه وسلم فأبت فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها فرأيت وجهه يتهلل. أ. هـ. (هـ) وقال تعالى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور" (41 - 44 من سورة الشورى). (الظالمين): المبتدئين بالسيئة المتجاوزين في الانتقام (يظلمون الناس): يبتدئونهم بالأضرار ويطلبون ما لا يستحقونه تجبراً عليهم. (صبر) على الأذى وغفر ولم ينتصر. (و) وقال تعالى: "ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير" (45 - 48 من سورة الشورى). =

الترغيب في كلمات يقولهن من خاف ظالما

الترغيب في كلمات يقولهن من خاف ظالماً 1 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تَخَوَّفَ أحدكم السلطان فليقل: اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم كُنْ لي جاراً من شر فلان بن فلان، يعني الذي يريده، وشر الجن والإنس وأتباعهم أن يَفْرُطَ عليَّ أحدٌ منهم، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك" رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح إلا جناد بن سلم، وقد وُثق، ورواه الأصبهاني، وغيره موقوفاً على عبد الله لم يرفعوه. 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا أتيت سلطاناً مهيباً تخافُ أن يسطو بك فقل: الله أكبر. الله أعز من خلقهِ جميعاً. الله أعز مما أخاف وأحذرُ. أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو الممسك السموات أن يقعن على الأرض إلا بإذنه من شر عبدك فلان وجنوده وأتباعه وأشياعه من الجن والإنس. اللهم كُنْ لي جاراً من شرهم. جل ثناؤك، وعز جارك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك ثلاث مراتٍ" رواه ابن أبي شيبة موقوفاً، وهذا لفظه وهو أتم، ورواه الطبراني، وليس عنده: ثلاث مرات، ورجاله محتج بهم في الصحيح. 3 - وعن أبي مِجْلَزٍ، واسمه لاحِقُ بن حُميدٍ رضي الله عنه قال: "من خاف من أمير ظلماً فقال: رضيت الله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وبالقرآن حكماً وإماماً نجاة الله منه" رواه ابن أبي شيبة موقوفاً عليه، وهو تابعي ثقة. الترغيب في الامتناع عن الدخول على الظلمة والترهيب من الدخول عليهم وتصديقهم وإعانتهم 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

_ = قال العيني: الظالمين الكافرين لما يرون العذاب يقولون: هل إلى رجعة إلى الدنيا من حيلة فنؤمن بك، وذكر هذه الآيات الكريمة لأنها تتضمن عفو المظلوم وصفحه واستحقاقه الأجر الجميل والثواب الجزيل. أ. هـ ص 292 جـ 12.

"مَنْ بَدا (¬1) جَفَا، ومن تَبِعَ الصيد (¬2) غَفَلَ (¬3) وَمَنْ أتى أبواب السلطان (¬4) افتتن (¬5)، وما ازداد عبدٌ من السلطان قُرباً إلا ازداد من الله بعداً" رواه أحمد بإسنادين رواة أحدهما رواة الصحيح. 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن" رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن. 3 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لكعب بن عُجْرَةَ: أعاذك الله من إمارة السفهاء، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بِهَدْيِي، ولا يستنون بسُنَّتي، فمن صدَّقَهُمْ بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولستُ منهم، ولا يردون على حَوْضي، ومن لم يُصَدِّقْهُمْ بكذبهم، ولم يُعِنْهُمْ على ظلمهم، فأولئك مني، وأنا منهم، وسَيَرِدُون على حَوْضِي. يا كعب بن عُجْرَةَ: الصيام جُنَّةٌ (¬6) والصدقة تطفئ (¬7) الخطيئة، والصلاة قربان (¬8)، أو قال: بُرهانٌ. يا كعبُ بن عُجْرَةَ: الناسُ غاديان (¬9) فَمُبْتاعٌ (¬10) نفسهُ فَمُعْتِقُها، وبائعٌ ¬

(¬1) أي سكن البادية جفا: أي غلظ طبعه، وبعد عن الأسرار الربانية، فينبغي سكنى الحاضرة ومنه سكنى القرى. (¬2) أي أكثر من الاصطياد واشتغل به غالب أوقاته. (¬3) غفل عما يقربه من مولاه. (¬4) أي كان من عماله وأتباعه: أي من له سلطة ليشمل نوابه ومن داناهم. (¬5) لأنه ربما وافقهم على المنكر، وقد اتفق أن سلطاناً سأل وزيره هل هناك أنعم عيش وبال منا؟ فقال نعم: من لا يعرفنا ولا نعرفه، لأن من عرفنا أطلنا يومه وأطرنا نومه: أي لأنه إذا عرفنا صار مشغولاً برضانا وجوباً ليلاً ونهاراً، وتكدر عليه دينه ودنياه. أ. هـ حفني على الجامع الصغير. وقال العزيز (جفا) قال في النهاية: من سكن البادية غلظ طبعه لقلة مخالطة الناس، والجفاء: غلظ الطبع. أ. هـ، قال امناوي: أي من سكن البادية صار فيه جفاء الأعراب لتوحشه وانفراده، وغلظ طبعه، وبعده عن لطف الطباع. أ. هـ. (غفل): قال المناوي: أي من شغل الصيد قلبه ألهاه وصارت فيه غفلة. أ. هـ، والظاهر أن المراد غفل عن الذكر والعبادة، وظاهره أن الاكتساب بالاصطياد مفضول بالنسبة لبقية المباحات (افتتن): قال المناوي: لأن الداخل عليهم إما أن يلتفت إلى تنعمهم فيزدري نعمة الله عليه، أو يهمل الإنكار عليهم فيفسق. أ. هـ، ومحل ذلك ما لم يدع إلى إتيانه مصلحة وشفاعة، وإلا فلا بأس. أ. هـ جامع صغير ص 316 جـ 3 (¬6) وقاية من الفحش. (¬7) تزيلها. (¬8) تقرب إلى الله جل وعلا وسبب الرضا. (¬9) ذاهبان طالعان. (¬10) فمشتر نفسه من الذنوب، فمطلقها من العذاب.

نفسه فَمُوبِقُها (¬1) " رواه أحمد واللفظ له والبزار، ورواتهما محتج بهم في الصحيح ورواه ابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: "ستكون أمراء من دخل عليهم، فأعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم، فليس مني، ولستُ منه، ولن يَرِدَ على الحوْضِ، ومن لم يدخل عليهم، ولم يُعنهُم على ظلمهم، ولم يُصدقهم بكذبهم، فهو مني، وأنا منه، وسيردُ على الحوض" الحديث. ورواه الترمذي والنسائي من حديث كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعيذك بالله يا كعب بن عُجرة من أمراء يكونون من بعدي، فمن غشى (¬2) أبوابهم، فصدقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني، ولستُ منه، ولا يَرِدُ علىَّ الحوْضَ، ومن غشى أبوابهم أو لم يَغْشَ، فلم يُصدقهم في كذبهم، ولم يُعنهم على ظلمهم فهو مني، وأنا منه، وسَيَرِدُ عليَّ الحوْضَ" الحديث واللفظ للترمذي. 4 - وفي رواية له أيضاً عن كعب بن عجرة قال: "خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن تسعةٌ خَمْسَةٌ وأربعةٌ: أحدُ العددين من الْعَرَبِ والآخر من العجمِ، فقال: اسمعوا هل سمعتم؟ إنه سيكون بعدي أمراءٌ فمن دخل عليهم فَصَدَّقَهُمْ بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولستُ منه، وليس بواردٍ على الحوْض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يُعنهم على ظُلمهم، ولم يُصدقهم بكذبهم، فهو مني، وأنا منه، وهو واردٌ على الحوْضِ" قال الترمذي حديث غريب صحيح. 5 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء فرفع بصره إلى السماء، ثم خفض حتى ظننا أنه حدث في السماء أمرٌ، فقال: ألا إنها ستكون بعدي أُمراء يظلمون، ويكذبون فمن صدقهم بكذبهم، ومالأهم على ظلمهم، فليس مني، ولا أنا منه، ومن لم يُصدقهم بكذبهم، ولم يُمالئهم على ظُلمهم، فهو مني (¬3)، وأنا منه" حديث رواه أحمد، وفي إسناده راوٍ لم يسمّ، وبقيته ثقات محتج بهم في الصحيح. ¬

(¬1) ضال مغتر متبع هوى نفسه، فمهلكها ومسبب لها العقاب 89 - 2 ع (¬2) أتى وطرق. (¬3) متبع سنتي على ديني الكامل التام.

الترهيب من إعانة الظالمين ومن تصديقهم 6 - وعن عبد الله بن خَبَّابٍ عن أبيه رضي الله عنهما قال: "كنا قعوداً على باب النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج علينا فقال: اسمعوا، قلنا: قد سمعنا، قال: اسمعوا، قلنا: قد سمعنا، قال: إنه سيكونُ بعدي أُمراءُ، فلا تُصدقوهم بِكذبهم، ولا تُعينوهم على ظُلمهم، فإن من صدَّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظُلمهم لم يَرِدْ على الحوْض" رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه واللفظ له. 7 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يكون أمراء تغشاهم غواشٍ (¬1) أو حَوَاشٍ (¬2) من الناس يكذبون ويظلمون، فمن دخل عليهم، فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظُلمهم، فليس مني، ولستُ منهُ، ومن لم يدخل عليهم، ولم يُصدقهم بكذبهم، ولم يُعنهم على ظُلمهم، فهو مني، وأنا منه" رواه أحمد، واللفظ له وأبو يعلى، ومن طريق ابن حبان في صحيحه إلا أنهما قالا: فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظُلمهم فأنا منه برئ. 8 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن ناساً من أمتي سيتفقهون في الدين، ويقرءون القرآن يقولون نأتي الأمراء، فنُصيبُ من دُنياهم، ونعتزلهم بديننا، ولا يكون ذلك كما لا يُجتنى (¬3) من القتاد (¬4) إلا الشوكُ كذلك لا يُجتنى من قُربهم إلا. قال ابن الصباح: كأنه يعني الخطايا (¬5) " رواه ابن ماجة، ورواته ثقات. 9 - وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأهله؛ فذكر علياً وفاطمة وغيرهما، فقلت: يا رسول الله أنا من أهلِ ¬

(¬1) تحيط بهم مصائب، وتلابسهم المدلهمات، وفي النهاية غشى الشيء: لامسه، وغشى المرأة: جامعها، والغاشية: الداهية من خير أو شر أو مكروه، ويجوز أن يريد بالغاشية القوم الحضور عنده الذين يغشونه للخدمة والزيارة: أي جماعة غاشية، والمعنى يوجد أمراء لهم حاشية كذابة، وبطانة منافقة ظالمة، ورسل سوء ودعاة فتنة، ووزراء جور، فليحذر المسلمون مجالستهم، واتباع أوامرهم وصحبتهم، خشية المروق من الدين، ونقص إسلامهم، والمرء مع من أحب كما قال صلى الله عليه وسلم. (¬2) جمع حاشية: أخصاء الرجل، من حاشية الثوب: جانبه تشبيهاً به. (¬3) يقطف. (¬4) شجر مشهور بشوكه. (¬5) الذنوب: أي يكتسبون المعاصي من قرب الحكام.

الترهيب من إعانة المبطل ومساعدته والشفاعة المانعة من حد من حدود الله، وغير ذلك

البيت قال: نعم ما لم تقم على باب سُدةٍ (¬1)، أو تأتي أميراً تسألهُ" رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات، والمراد بالسُّدَّة هنا: باب السلطان ونحوه، ويأتي في باب الفقر ما يدل له. 10 - وعن علقمة بن أبي وقاصٍ الليثي رضي الله عنه: "أنه مرَّ برجلٍ من أهل المدينة له شَرَفٌ، وهو جالسٌ بسوق المدينة، فقال علقمةُ: يا فلان! إن لك حُرْمةً (¬2) وإن لك حقاً (¬3)، وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء، فتتكلمُ عندهم، وإني سمعت بلال بن الحارث رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن أحدكم ليتكلمُ بالكلمةِ (¬4) من رضوان الله ما يظنُّ أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة (¬5) من سُخْطِ الله ما يظنُ أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها سُخْطَهُ إلى يوم القيامة. قال علقمة: انظر ويحك ماذا تقول، وما تكلمُ به؟ فَرُبَّ كلامٍ قد مَنَعَنِيهِ ما سمعت من بلال بن الحارث" رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه، وروى الترمذي والحاكم المرفوع منه وصححاه، ورواه الأصفهاني، إلا أنه قال عن بلال بن الحارث أنه قال لبنيه: إذا حضرتم عند ذي سلطان، فأحسنوا المحضرَ (¬6)، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فذكره. الترهيب من إعانة المبطل ومساعدته والشفاعة المانعة من حد من حدود الله وغير ذلك 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) كالظلة على الباب لتقي الباب من المطر، وقيل هو الباب نفسه، وقيل هي الساحة بين يديه، ومنه حديث واردي الحوض "هم الذين لا تفتح لهم السدد، ولا ينكحون المنعمات" أي لا تفتح لهم الأبواب، وحديث أبي الدرداء: أنه أتى باب معاوية فلم يأذن له، فقال من يغش سدد السلطان يقم ويقعد. أ. هـ. نهاية ص 154، أي أنت من أهل البيت مدة تعففك ولزومك القناعة وعدم ذهابك إلى أبواب الحكام تذل نفسك في طلب شيء. (¬2) مكانة سامية، وجاهاً قوياً. (¬3) واجب الاحترام. (¬4) الطيبة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتصلح. (¬5) كلمة تغضب. (¬6) الجلوس، وأهدوا إلى الخير وانصحوا وقولوا الحق.

يقول: "مَنْ حَالَتْ (¬1) شفاعتهُ دون حَدٍ من حدود الله عز وجل، فقد ضَادَّ (¬2) الله عز وجل، ومن خَاصم في باطلٍ، وهو يعلم لم يزل في سُخطِ الله حتى ينزع (¬3)، ومن قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنه الله رَدْغَةَ الخَبَالِ حتى يخْرُجَ مما قال" رواه أبو داود، واللفظ له، والطبراني بإسناد جيد نحوه، وزاد في آخره: وليس بخارجٍ، ورواه الحاكم مطولاً ومختصراً وقال في كل منهما صحيح الإسناد. ولفظ المختصر قال: "من أعان على خُصومةٍ بغير حقٍ كان في سُخطِ الله حتى يَنْزِعَ" وفي رواية لأبي داود: "ومن أعان على خصومةٍ بظلمٍ فقد باء بغضب من الله". [الردغة]: بفتح الراء وسكون الدال المهملة وتحريكها أيضاً وبالغين المعجمة: هي الوحل، وردغة الخبال بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة: هي عصارة أهل النار، أو عرقهم كما جاء مفسراً في صحيح مسلم وغيره. 2 - وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعودٍ عن أبيه رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثلُ الذي يُعِينُ قومهُ على غير الحق كمثلَ بعيرِ تَرَدَّى (¬4) في بئرٍ، فهو يَنْزِعُ (¬5) منها بِذَنَبِهِ" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه، وعبد الرحمن لم يسمع من أبيه. [قال الحافظ]: ومعنى الحديث أنه قد وقع في الإثم، وهلك كالبعير إذا تردى في بئر فصار ينزعُ بِذَنَبِهِ، ولا يقدر على الخلاص. 3 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجلٍ حالتْ شفاعتهُ دون حدٍ من حدود الله لم يَزَلْ في غضبِ الله حتى يَنْزِعَ، وأيما رجلٍ شد غضباً على مسلمٍ في خُصومةٍ لا عِلْمَ له بها فقد عاند الله حقهُ، وحرص على سُخْطِهِ ¬

(¬1) منعت تنفيذ حق من حقوق الله. (¬2) صار لله ضداً. (¬3) يقلع ويبعد عن المعاصي. (¬4) سقط. (¬5) يصعد ولن يخرج، قال في النهاية ينزع: أصل النزع الجذب والقلع، فالمعنى حتى يقلع عما هو عليه من الإعانة في الخصومة.

ترهيب الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل

وعليه لعنة الله تتابع إلى يوم القيامة، وأيما رجلٍ أشاع على رجلٍ مسلم بكلمةٍ، وهو منها برئ سَبَّهُ بها في الدنيا كان حقاً على الله أن يُذِيَبهُ يوم القيامة في النار حتى يأتيَ بنفاذ ما قال" رواه الطبراني ولا يحضُرني الآن حال إسناده، وروى بعضه بإسناد جيد قال: من ذكر امرأً بشيء ليس فيه ليعيبهُ حَبَسَهُ الله في نار جهنم حتى يأتيَ بنفاذِ ما قال فيه. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حالت شفاعته دون حدٍ من حدود الله فقد ضادَّ الله في مُلْكِهِ، ومن أعانَ على خُصومةٍ لا يعلمُ أحقٌ أو باطلٌ فهو سُخْطِ الله حتى ينْزِعَ، ومن مشى مع قومٍ يرى أنه شاهدٌ، وليس بشاهدٍ، فهو كشاهدِ زورٍ، ومن تَحَلَّمَ كاذباً كُلَّفَ أن يعقدَ بين طرفي شَعِيرَةٍ، وَسبَابُ المسلم فسوقٌ، وقتالهُ كُفرٌ" رواه الطبراني من رواية رجاء بن صبيح السقطي. 5 - ورويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعانَ ظالماً بباطلٍ لِيُدْحِضَ (¬1) به حقاً فقد برئ (¬2) من ذمة الله، وذمة رسوله" رواه الطبراني والأصبهاني. 6 - ورويَ عن أوس بن شُرحبيلٍ أحد بني أشجع رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مشى مع ظالمٍ لِيُعِينَهُ، وهو يعلمُ أنه ظالمٌ فقد خرجَ من الإسلام" رواه الطبراني في الكبير، وهو حديث غريب. ترهيب الحاكم وغيره من إرضاء الناس بما يسخط الله عز وجل 1 - عن رجلٍ من أهل المدينة قال: "كتب معاوية إلى عائشة رضي الله عنها أن اكتبي لي كتاباً تُوصيني فيه، ولا تُكثري عليَّ، فكتبت عائشة إلى معاوية: سلامٌ ¬

(¬1) يبطل الظالم حقاً بسبب ما ارتكبه من الضلال والجرأة على ضياع الحق. (¬2) خلا من عهد الله وأمانته، وبعد من رضاهما.

عليك، أما بعدُ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضا الله بِسُخْطِ (¬1) الناس كفاهُ الله مئونةَ الناس، ومن التمس رضا الناس بِسُخْطِ الله وَكَلَهُ الله إلى الناس، والسلام عليك" رواه الترمذي، ولم يسمّ الرجل، ثم روي بإسناده عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كتبت إلى معاوية قال: فذكر الحديث بمعناه، ولم يرفعوه، وروى ابن حبان في صحيحه المرفوع منه فقط، ولفظه قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من التمس رضا الله بِسُخْطِ الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بِسُخْطِ الله سَخِطَ الله عليه، وأسْخَطَ عليه الناس". 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أسْخَطَ الله في رضا الناس سَخِطَ الله عليه، وأسَخَطَ عليه من أرضاهُ في سُخْطِهِ، ومن أرضى الله في سُخْطِ الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه من أسْخَطَهُ في رضاهُ حتى يُزَيَنَهُ ويُزَيِّنَ قولهُ وعَمَلَهُ في عينهِ (¬2) " رواه الطبراني بإسناد جيد قوي. 3 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أرضى سُلطاناً بما يُسْخِطُ ربهُ خرج من دين الله" رواه الحاكم، وقال: تفرد به علاق بن أبي مسلم عن جابر، والرواة إليه كلهم ثقات. 4 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طَلَبَ مَحَامِدَ الناس بمعاصي اللهِ عادَ حَامِدُهُ (¬3) لهُ ذَامّاً" رواه البزار وابن حبان في صحيحه، ولفظهُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أرضى الله بِسُخْطِ الناس كَفَاهُ (¬4) الله ومَنْ أسْخَطَ الله برضا الناس وَكَلَهُ اللهُ إلى الناس" ورواه البيهقي بنحوه في كتاب الزهد الكبير. ¬

(¬1) غضبهم، سخط تقفل ضد الرضا والسخط بفتحتين بابه طرب. (¬2) ثقل الناس، وحفظ من مكروهاتهم. (¬3) مثنى عليه، والمعنى أن الفاسق المذبذب الذي يرتكب المعاصي ابتغاء ثناء الناس عليه تكون عاقبة أفعاله الذم والسخط كما قال تعالى: "والعاقبة للتقوى". (¬4) كفاه مكرهم وكيدهم وأغناه عنهم. أ. هـ جامع صغير.

الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم، ورحمتهم والرفق بهم

وفي رواية له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد سُخْطَ اللهِ، ورضا الناس عَادَ (¬1) حَامِدُهُ من الناس ذَاماً". 5 - وروي عن عبد الله بن عصمة بن مالكٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تحبب إلى الناس بما يُحبونه، وبارزَ الله تعالى لقيَ الله تعالى يوم القيامة وهو عليه غضبان" رواه الطبراني. الترغيب في الشفقة على خلق الله تعالى من الرعية والأولاد والعبيد وغيرهم، ورحمتهم والرفق بهم والترهيب من ضد ذلك، ومن تعذيب العبد والدابة وغيرهما بغير سبب شرعي وما جاء في النهي عن وسم الدواب في وجوهها 1 - عن جرير بن عبالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يَرْحَمُ الناسَ لا يَرْحَمُهُ الله" رواه البخاري ومسلم والترمذي، ورواه أحمد وزاد: ومن لا يغفرُ لا يُغفرُ له، وهو في المسند أيضاً من حديث أبي سعيد بإسناد صحيح. 2 - وعن أبي موسى رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لن تؤمنوا حتى تَرَاحَمُوا. قالوا يا رسول الله كُلنا رَحِيمٌ؟ قال: إنه ليسَ برحمةِ أحدكم صاحبهُ، ولكنها رحمةُ العامَّةِ (¬2) " رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح. 3 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ لَمْ يَرْحَمِ الناس لَمْ يَرْحَمْهُ الله" رواه الطبراني بإسناد حسن. 4 - وعن جريرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ¬

(¬1) ينقلب ذلك المادح ناقداً ساخطاً، لماذا؟ لأنه نافق وداهن وأحب، وعمل لغير الله تعالى، فلم تدم مودة الفساق، ولم تصف خلة العصاة، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وكل مودة لله تصفو ... ولا يصفو على الفسق الإخاء (¬2) الرأفة بجميع خلق الله جل شأنه.

"من لا يرحمُ من في الأرض لا يرحمهُ من في السماء" رواه الطبراني بإسناد جيد قوي. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء 5 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبو داود والترمذي بزيادة وقال: حديث حسن صحيح. 6 - وعنه رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ارحموا تُرْحَمُوا، واغفروا يُغفرْ لكم، ويلٌ لأقماعِ (¬1) القول، ويلٌ للمُصِرِّينَ الذين يُصِرُّونَ على ما فعلوا وهم يعلمون" رواه أحمد بإسناد جيد. 7 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من لم يُوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، ويَنْهَ عن المنكر" رواه أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقد روي هذا اللفظ من حديث جماعة من الصحابة وتقدم بعض ذلك في إكرام العلماء. 8 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيتٍ فيه نفرٌ من قريشٍ، فأخذ بِعُضَادتيِ البابِ، فقال: هل في البيتِ إلا قُرشيٌ؟ فقالوا: لا. إلا ابن أُختٍ لنا. قال: ابن أختِ القوم منهم، ثم قال: إن هذا الأمر في قريشٍ ما إذا استُرْحِمُوا (¬2) رَحِمُوا، وإذا حَكمُوا عَدَلُوا، وإذا أقسموا أقسطوا، ومن لم يفعل ذلك فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين" رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورواته ثقات. 9 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "كنا في بيتٍ فيه نفرٌ من المهاجرين والأنصار، فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل كلُ رجلٍ يُوسِعُ رجاء ¬

(¬1) الأقماع: جمع قمع كضلع، وهو الإناء الذي يترك في رؤوس الظروف لتملأ بالمائعات من الأشربة والأدهان، شبه أسماع الذين يستمعون القول ولا يعونه، ويحفظونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئاً مما يفرغ فيها، فكأنه يمر عليها مجازاً كما يمر الشراب في الأقماع اجتيازاً. أ. هـ نهاية: أي واد في جهنم لعذاب الذين يسمعون النصائح ولا يعملون بها، المتمادين في الغواية، الموطدين العزيمة على العصيان. (¬2) مدة إجابة طلب المسترحمين، أي ماداموا راحمين.

أن يجلس إلى جَنْبِهِ، ثم قام إلى الباب فأخذ بِعُضَادَتَيْهِ (¬1)، فقال: الأئمة من قريشٍ وَلِيَ عليكم حقٌ عظيمٌ، ولهم ذلك ما فعلوا ثلاثاً: إذا استرحموا رَحِمُوا، وإذا حكموا عَدَلُوا، وإذا عاهدوا وَفَّوْا، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن واللفظ له، وأحمد بإسناد جيد، وتقدم بلفظه، وأبو يعلى، ورواه ابن حبان في صحيحه مختصراً من حديث أبي هريرة، وتقدم حديث بنحوه لأبي برزة، وحديث لأبي موسى العدل والجور. 10 - وعن نَصِيحٍ العنسي عن رَكبٍ المصري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طُوبَى (¬2) لمن تواضعَ في غير مَنْقَصَةٍ، وذَلَّ في نفسهِ من غيرِ مسألةٍ، وأنفقَ مالاً جَمَعَهُ في غيرِ معصيةٍ، وَرَحِمَ أهل الذِّلةِ والمسكنة، وخالطَ أهلَ الفقهِ والحكمةِ" الحديث رواه الطبراني، ورواته إلى نَصِيح ثقات. 11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سمعت الصادقَ المصدوقَ صاحب هذه الحجرةِ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: لا تُنْزَعُ الرحمةُ إلا من شقيٍ (¬3) " رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن، وفي بعض النسخ حسن صحيح. 12 - وعنه رضي الله عنه قال: "قَبَّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحَسَنَ أو الحُسَيْنَ بن عليٍ، وعنده الأقرعُ بن حابسٍ التميمي. فقال الأقرعُ: إن لي عَشرةً من الولد ما قَبَّلْتُ منهم أحداً قطُّ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. ¬

(¬1) مصراعيه. 95 - 2 ع (¬2) شجرة في الجنة يتمتع بثمراتها وظلها، ورائحتها الذكية من الطيب: (أ) المتواضع تواضعاً شريفاً. (ب) المجتنب الشحاذة والدناءة وضعة النفس. (جـ) الجواد الكريم: السخي الذي شيد الصالحات بأمواله. (د) الرءوف بالضعفاء. (هـ) مجالس العلماء العاملين. (¬3) مجرم سفيه عاص، الشقاء والشقاوة ضد السعادة.

ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا سأل الله عنها يوم القيامة 13 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "جاء أعرابيٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تُقَبِّلُونَ الصبيان وما نُقَبِّلُهُمْ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَ أمْلِكُ لك أن نزع الله الرحمة من قلبك" رواه البخاري ومسلم. 14 - وعن معاوية بن قُرَّةَ عن أبيه رضي الله عنه أن رجلاً قال: "يا رسول الله إني لأرحَمُ الشاةَ أن أذبحها، فقال: إن رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ الله" رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد والأصبهاني. ولفظه: قال: "يا رسول الله إني آخذُ شاةً وأُريدُ أن أذبحها فأرْحَمَها قال: والشاة إن رَحِمْتَهَا رحمك الله". 15 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رجلاً أضجع شاةً، وهو يُحِدُّ شفرتهُ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتُرِيدُ أن تُميتها مَوتتين، هَلاَّ أحْدَدْتَ (¬1) شفرتك قبل أن تُضجعها" رواه الطبراني في الكبير والأوسط والحاكم، واللفظ له، وقال صحيح على شرط البخاري. 16 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من إنسانٍ يقتلُ عُصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا يَسْألُ الله عنها يوم القيامة. قيل يا رسول الله: وما حَقُّها؟ قال: حَقُّها أن تذبحها فتأكلها، ولا تقطع رأسها فترميَ به" رواه النسائي والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 17 - وعن الشِّرِّيدِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل عصفوراً عبثاً عَجَّ (¬2) إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب إن فلاناً قتلني عبثاً، ولم يقتلني منفعة" رواه النسائي وابن حبان في صحيحه. 18 - وعن الوَضِينِ بن عطاءٍ قال: "إن جزاراً فتح باباً على شاةٍ ليذبحها، فانفلتت منه حتى جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتبعها، فأخذ يسحبها برجلها، ¬

(¬1) أمضيت سكينتك. (¬2) شكا بصوت عال مرتفع.

فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اصبري لأمرِ الله، وأنت يا جزار فَسُقْها سَوْقاً رفيقاً" رواه عبد الرزاق في كتابه عن محمد بن راشد عنه، وهو مُعضل. 19 - وعن ابن سيرين أن عمر رضي الله عنه: "رأى رجلاً يَسْحَبُ شاةً برجلها ليذبحها، فقال له: ويلك قُدْهَا (¬1) إلى الموت قَوْداً جميلاً" رواه عبد الرزاق أيضاً موقوفاً. 20 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما" أنه مرَّ بفتيانٍ من قريشٍ قد نَصَبُوا طيراً أو دجاجةً يترامونها، وقد جعلوا لصاحب الطير كلَّ خاطئةٍ من نَبْلِهمْ، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروحُ غَرَضاً" رواه البخاري ومسلم. [الغرض] بفتح الغين المعجمة والراء: هو ما ينصبه الرماة يقصدون إصابته من قرطاس وغيره. 21 - وعن أبي مسعودٍ رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فانطلقَ لحاجتهِ، فرأينا حُمَّرَةً معها فَرْخَانِ، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تُعْرِشُ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من فَجَعَ هذه بوالديها؟ رُدُّوا ولديها إليها، ورأى قرية نملٍ قد حَرَقْنَاهَا فقال: مَنْ حَرَقَ هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يُعذب بالنار إلا ربُّ النار" رواه أبو داود. [قرية النمل]: هي موضع النمل مع النمل. 22 - وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: "أرْدَفَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يومٍ، فَأسَرَّ إليَّ حديثاً لا أُحَدِّثُ به أحداً من الناس، وكان أحبُّ ما اسْتَتَرَ به النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفاً (¬2) أو حَايِشَ (¬3) نَخْلٍ، فدخل حائطاً لرجلٍ من الأنصار فإذا فيه جَمَلٌ فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حَنَّ (¬4) وذرفت (¬5) ¬

(¬1) خذها برأفة والرأفة. (¬2) مرمى مستتر. (¬3) سورة كحائط يحيط بالنخل. (¬4) أصابه الحنان والرأفة. (¬5) دمعت.

عيناه، فأتاه سول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح ذِفْرَاهُ فسكت، فقال: من ربُّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتىً من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي مَلَّكَكَ الله إياها؛ فإنه شكا إليَّ أنك تُجِيعُهُ (¬1) وَتُدْئِبُهُ (¬2) " رواه أحمد وأبو داود. 23 - وروى أحمد أيضاً في حديث طويل عن يحيى بن مرة قال فيه وكنتُ معهُ، يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يومٍ إذ جاء جملٌ يَخُبُّ (¬3) حتى ضرب (¬4) بِجِرَانِهِ بين يديه، ثم ذرفت (¬5) عيناه، فقال: ويحك (¬6) انظر لمن هذا الجمل؟ إن له لشأناً قال: فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجلٍ من الأنصار، فدعوته إليه فقال: ما شأن جملك هذا؟ فقال: وما شأنه؟ لا أدري والله ما شأنه عملنا عليه، ونضحنا (¬7) عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا (¬8) البارحة أن ننحره ونقَسِّمَ لحمه. قال: فلا تفعل، هَبْهُ لي أو بِعْنِيهِ، قال: بل هو لك يا رسول الله. قال: فوَسَمَهُ (¬9) بِمِيْسَمِ الصدَقَةِ، ثم بَعَثَ به" وإسناده جيد. وفي رواية له نحوه إلا أنه قال فيه: إنه قال: لصاحب البعير: ما لبعيرك يشكوك؟ زعم أنك سَنَأتَهُ (¬10) حتى كَبِرَ، تريد أن تنحره (¬11) قال: صدقتَ، والذي بعثك بالحق لا أفعلُ. وفي أخرى له أيضاً قال يعلى بن مرة: بينا نحن نسير معه يَعني مع النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) تمنع عنه الطعام. (¬2) تتعبه من شدة العمل. أنطق الله الجمل لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة له فاستغاث من صاحبه يكلفه فوق طاقته ويجيعه. (¬3) يسرع الذهاب إليه، من خب في الأمر: أسرع الأخذ فيه، ومنه الخبب لضرب من العدو، وهو خطو فسيح دون العنق، يخب. كذا (ع) ص 97 - 2 وفي (ن ط): مخبب. (¬4) مد عنقه على الأرض، وبرك، والجران مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره. (¬5) دمعت. (¬6) كلمة رحمة: أي رحمه الله. (¬7) حملنا عليه الماء، من نضح البعير الماء: حمله من نهر أو بئر لسقي الزرع، فهو ناضح لأنه ينضح العطش: أي يبله بالماء الذي يحمله. (¬8) تشاورنا. (¬9) علمه بعلامة. (¬10) استقيت عليه، ومنه: إنا كنا نسنو عليه: أي نستقي، والسانية: الناقة التي يستقى عليها، والسحابة تسنو الأرض: أي تسقيها، فهي سانية أيضاً. (¬11) تذبحه.

إذ مررنا ببعيرٍ يُسْنَى عليه، فلما رآه البعير جَرْجَرَ (¬1)، ووضع جِرَانَهُ فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أين صاحب هذا البعير؟ فجاء فقال: بِعْنِيهِ قال: لا، بل أهَبُهُ لك، وإنه لأهل بيتٍ ما لهم معيشةٌ غيرهُ، فقال: أما إذْ ذكرتَ هذا من أمره، فإنه شكا كثرة العمل، وقلة العلف (¬2)، فأحسنوا إليه" الحديث. 24 - وروى ابن ماجة عن تميمٍ الداري رضي الله عنه قال: "كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل بعيرٌ يعدو حتى وقف على هامة (¬3) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: أيها البعيرُ اُسْكُنْ، فإن تَكُ صادقاً فلك صدقك، وإن تكُ كاذباً، فعليك كذبك مع أن الله تعالى قد أمَّنَ عائذنا (¬4)، وليس بخائبٍ لائذُنَا، فقلنا: يا رسول الله ما يقول هذا البعير؟ فقال هذا بعيرٌ قد هَمَّ أهلهُ بنحرهِ وأكلِ لحمهِ فهرب منهم واستغاث بنبيكم صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن كذلك إذ أقبل أصحابهُ يتعادون، فلما نظر إليهم البعير عادَ إلى هامةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلاذ بها، فقالوا: يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منذ ثلاثةِ أيامٍ فلم نَلْقَهُ إلا بين يديك، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنه يشكو إليَّ، فبئست الشكاية، فقالوا: يا رسول الله ما يقول؟ قال: يقول إنه رُبِّيَ (¬5) في أمنكم أحْوَالاً، وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضعِ الكلأ، فإذا كان الشتاء رَحَلْتُمْ إلى موضع الدِّفاء، فلما كبر استفحلتموه، فرزقكم الله منه إبلاً سائمةً، فلما أدركتهُ هذه السَّنَةُ الخصبةُ (¬6) هممتم بنحره، وأكل لحمه، فقالوا: قد والله كان ذلك يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ما هذا جزاء المملوكُ الصالح (¬7) من مواليه، فقالوا: يا رسول الله فإنا لا نبيعهُ ولا ننحرهُ ¬

(¬1) ردد صوته في حنجرته، وجرجرت النار: صوتت، ومنه: "يجرجر في بطنه نار جهنم". (¬2) الغذاء: فحث صلى الله عليه وسلم على الرأفة به، والرفق وتقديم الطعام التام له. (¬3) المعنى أنه قرب منه وكان بجوار هامة رأسه صلى الله عليه وسلم. (¬4) أعطى الأمان لمن استغاث بنا، وأزال روعه وأبعد خوفه. (¬5) تربى وترعرع. (¬6) الخصبة. كذا (د وع) 98 - 2، وفي (ن ط) الخصيبة: أي التي كثر خيرها، وزاد نعيمها ورخاؤها. (¬7) الخادم الأمين من مخدوميه.

فقال عليه الصلاة والسلام: كذبتُم قد استغاث بكم فلم تُغِيثُوهُ، وأنا أولى بالرحمة منكم، فإن الله نزع الرحمة من قلوب المنافقين، وأسكنها في قلوب المؤمنين، فاشتراه عليه الصلاة والسلام منهم بمائة درهمٍ، وقال: يا أيها البعير انطلق فأنت حُرٌّ لوجه الله تعالى فَرَغَى (¬1) على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: آمين (¬2)، ثم دعا فقال: آمين، ثم دعا فقال: آمين، ثم دعا الرابعة فبكى عليه الصلاة والسلام، فقلنا: يا رسول الله! ما يقول هذا البعير؟ قال: قال جزاك الله أيها النبي عن الإسلام والقرآن خيراً، فقلت: آمين، ثم قال: سَكَّنَ الله رُعْبَ أمتك يوم القيامة كما سَكَّنْتَ رُعْبِي، فقلتُ: آمين، ثم قال: حَقَنَ (¬3) الله دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمي، فقلتُ: آمين، ثم قال: لا جعل الله بأسها بينها فبكيتُ، فإن هذه الخصال سألتُ ربي فأعطانيها، ومنعني هذه، وأخبرني جبريل عن الله تعالى أن فناء أُمتي بالسيف (¬4) جرى القلمُ بما هو كائنٌ". [الهدف] بفتح الهاء والدال المهملة بعدها فاء: هو ما ارتفع على وجه الأرض من بناء ونحوه. [والحائش] بالحاء المهملة وبالشين المعجمة ممدوداً: هو جماعة النخل، ولا واحد له من لفظه. [والحائط]: هو البستان. [وذفرا البعير] بكسر الذال المعجمة مقصور: هي الموضع الذي يعرق في قفا البعير عند أذنه، وهما ذفريان. ¬

(¬1) أي أزبد وأخرج من فيه كأنه يدعو، وفي (ن د): فدعا، وفي المصباح: الرغاء صوت البعير وزان غراب، ورغت الناقة ترغو: صوتت. فهي راغية. أ. هـ. (¬2) اللهم استجب. (¬3) حفظ. (¬4) بالحرب والشقاق والنزاع. إن الله تعالى أكرم أمة محمد صلى الله عليه وسلم بتأجيل عذابها في الدنيا فلم يخسف بها، أو ينزل عليها صواعق: ولكن دعا إلى الاتحاد والاعتصام بالكتاب والسنة، وإلا ففتن بها الموت الزؤام، كما قال تعالى: "أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض" (65 من سورة الأنعام). قال البيضاوي: يخلطكم فرقاً متحزبين على أهواء شتى فينشب القتال بينكم، نسأل الله صفاء القلوب والسلامة.

[وقوله تدئبه] بضم التاء، ودال مهملة ساكنة بعدها همزة مكسروة وباء موحدة: أي تتبعه بكثرة العمل. [وجران البعير] بكسر الجيم: مقدّم عنقه من مذبحه إلى نحره قال ابن فارس. [يسنى عليه] بالسين المهملة والنون: أي يسقي عليه. 25 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت امرأةٌ النار في هرةٍ (¬1) ربطتها، فم تُطعمها، ولم تدعها (¬2) تأكل من خشاش الأرض" وفي رواية: عُذِّبَتِ امرأةٌ في هرةٍ سجنتها حتى ماتت، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خُشاشِ الأرض" رواه البخاري وغيره، ورواه أحمد من حديث جابر، فزاد في آخره: فوَجَبَتْ لها النار بذلك. [خشاش الأرض] مثلة الخاء المعجمة، وبشينين معجمتين: هو حشرات الأرض والعصافير ونحوها. 26 - وعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: "مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعيرٍ قد لَصِقَ ظهرهُ ببطنه (¬3)، فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة (¬4)، فاركبوها صالحةً، وكلوها صالحةً" رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه إلا أنه قال: قد لحق ظهرهُ. 27 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت الجنة فرأيتُ أكثر أهلها الفقراء، واطلعتُ في النار فرأيتُ أكثر أهلها النساء ورأيت فيها ثلاثةً يُعذبون: امرأةً من حميرٍ (¬5) طوَالةً (¬6) رَبَطتْ هِرةً لها لم تطعمها، ولم ¬

(¬1) بسبب قطة. (¬2) ولم تتركها. (¬3) كناية عن شدة جوعه: هزل وضعف وصار هيكلاً عظمياً. (¬4) غير الناطقة، وبهيمة عجماء لأنها لا تفصح. (¬5) قبيلة. (¬6) طويل القامة.

تَسْقِهَا، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، فهي تنهش (¬1) قُبُلَهَا وَدُبُرَهَا، ورأيت فيها أخا بني دَعْدَعٍ الذي كان يسرق الحاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فإذا فُطِنَ له قال: إنما تعلق بمحجني، والذي سرق بَدَنَتَيْ (¬2) رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه ابن حبان في صحيحه. وفي رواية له ذكر فيها الكسوف قال: وعرضت عليَّ النار، فلولا أني دفعتها عنكم لغشيتكم (¬3)، ورأيت فيها ثلاثةً يعذبون: امرأةً حِمْيَرِيَّةٌ سوداء طويلةً تُعذبُ في هرةٍ لها أوثقتها (¬4) فلم تدعها تأكلُ من خشاش الأرضِ، ولم تُطعمها حتى ماتت، فهي إذا أقبلتْ (¬5) تنهشها؛ وإذا أدْبَرَتْ تنهشها، الحديث. [المحجن] بكسر الميم وسكون الحاء المهملة بعدهما جيم مفتوحة: هي عصا محنية الرأس. 28 - وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم "صلى صلاة الكسوف، فقال: دَنَتْ مني النارُ حتى قلتُ: أي ربِّ وأنا معهم، فإذا امرأةٌ حَسِبْتُ أنه قال: تخدشها (¬6) هرةٌ. قال: ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعا" رواه البخاري. ما جاء في فضل الرفق بالحيوان 29 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دنا رجلٌ إلى بئرٍ فنزل، فشرب منها، وعلى البئر كلبٌ يلهثُ (¬7)، فَرَحِمَهُ، فَنزَعَ أحد خُفَّيْهِ فَسقَاهُ، فشكرَ (¬8) الله له فأدخله الجنة" رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود أطول من هذا. وتقدم في إطعام الطعام. 30 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التَّحْرِيشِ (¬9) بين البهائم" رواه أبو داود والترمذي متصلاً ومرسلاً عن مجاهد، وقال في المرسل: هو أصح. ¬

(¬1) تعض آلتيها انتقاماً منها، والنهش: الأخذ بالأسنان وبالأضراس: 99 - 2 ع (¬2) ناقتي. (¬3) أصابتكم. (¬4) ربطتها بسلاسل أو حبال. (¬5) قدمت من الأمام أو من وراء ظهرها. (¬6) تجرحها بأظافرها. (¬7) يخرج لسانه من شدة العطش. (¬8) قبل عمله وأثابه وغفر له بسبب سقي هذا الحيوان العطشان. (¬9) الإغراء بينهما: يناطح بعضها بعضاً.

من ضرب مملوكه ظلماً أقيد منه يوم القيامة 31 - وعن أبي مسعودٍ البدري رضي الله عنه قال: "كنت أضرب غلاماً لي بالصَّوْتِ فسمعتُ صوتاً من خلفي: اعلم أبا مسعودٍ، فلم أفهم الصَّوْتَ من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعودٍ أن الله عز وجل أقدرُ عليكَ منك على هذا الغلام، فقلتُ: لا أضربُ مملوكاً بعده أبداً". وفي رواية: "فقلت: يا رسول الله هو حُرٌّ لوجه الله تعالى، فقال: أما لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار" رواه مسلم وأبو داود والترمذي. 32 - وعن زاذان وهو الكِنْديُّ مولاهمُ الكوفي قال: "أتيتُ ابن عمر، وقد أعتق مملوكاً له، فأخذ من الأرض عوداً أو شيئاً، فقال: مالي فيه من الأجرِ ما يساوي هذا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من لَطَمَ مملوكاً له أو ضربه فكفارته أن يُعتقهُ" رواه أبو داود واللفظ له، ورواه مسلم، ولفظه قال: "من ضرب غلاماً له حداً لم يأتهِ أو لطمهُ فإن كفارته أن يُعتِقَهُ". 33 - وعن معاوية بن سويد بن مُقَرِّنٍ قال: لطمتُ مولىً لنا فدعاه أبي ودعاني فقال اقتص منه فإنا معشر بني مُقرنٍ كنا سبعةً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وليس لنا إلا خادمٌ، فلطمها رجلٌ منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتقوها، قالوا: إنه ليس لنا خادمٌ غيرها، قال فلتخدمهم حتى يستغنوا فإذا استغنوا فليعتقوها" رواه مسلم وأبو داود واللفظ له والترمذي، والنسائي. 34 - وعن عمار بن ياسرٍ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضرب مملوكه (¬1) ظلماً أُقِيدَ (¬2) منه يوم القيامة" رواه الطبراني، ورواته ثقات. 35 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم نبي التوبة (¬3): من قذف (¬4) مملوكه بريئاً (¬5) مما قال أُقيم عليه الحد (¬6) يوم القيامة ¬

(¬1) عبده أو خادمه. (¬2) اقتص منه. أقدته به أقيده إقادة، ومنه القود: القصاص: أقيد (ع) ص 101 - 2، وفي (ن ط د) وقيد. (¬3) المرسل للطاعة والإنابة إلى الله تعالى، من تاب إلى الله: رجع. (¬4) رمى خادمه أو عبده بقبيحة أو شتمه. (¬5) حالة كونه لا يستحق هذا السب. (¬6) العقاب، يقال قذف المحصنة: رماها بالفاحشة، وقذف بقوله: تكلم من غير تدبر ولا تأمل، =

إلا أن يكون كما قال" رواه البخاري ومسلم والترمذي واللفظ له وقال: حسن صحيح. حُسنُ الملكة نماء، وسوء الخلق شؤم 36 - وعن رافع بن مكيثٍ، وكان ممن شهدَ الحديبية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حُسْنُ الملكةِ (¬1) نماء، وسوء الخلق شؤمٌ (¬2) " رواه أحمد وأبو داود عن بعض بني رافع بن مكيث، ولم يسمعه عنه، ورواه أبو داود أيضاً عن الحارث بن رافع بن مكيث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً. 37 - وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة سيئ الملكة. قالوا: يا رسول الله أليس أخبرتنا أن هذه الأمة أكثر الأمم مملوكين ويتامى. قال: نعم، فأكرموهم ككرامة أولادكم وأطعموهم مما تأكلون. قالوا: فما ينفعنا من الدنيا؟ قال: فرسٌ (¬3) تربطهُ تقاتل عليه في سبيل الله، مملوكك (¬4) يكفيك، فإذا صلى، فهو أحق" رواه أحمد وابن ماجة والترمذي مقتصراً على قوله: لا يدخل الجنة سيء الملكة. وقال حديث حسن غريب، وقد تكلم أيوب السختياني في فرقد السنجي من قبل حفظه، ورواه أبو يعلى والأصبهاني أيضاً مختصراً، وقال: قال أهل اللغة سيئ الملكة إذا كان سيء الصنيعة إلى مماليكه. 38 - وعن المعرور بن سُويدٍ رضي الله عنه قال: "رأيت أبا ذرٍ بالرَّبّذَةِ، وعليه بُردٌ غليظٌ، وعلى غلامه مثله. قال: فقال القوم: يا أبا ذرٍ لو كنت أخذت الذي على غُلامك، فجعلته مع هذا، فكانت حُلةً؛ وكسوت غُلامك ثوباً غيره؟ قال: فقال أبو ذرٍ: إني كنت ساببتُ رجلاً، وكانت أمه أعجمية (¬5) فَعَيَّرْتُهُ بأمه، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا أبا ذرٍ: إنك امرؤ فيك جاهلية (¬6)، فقال: ¬

= وفيه حسن القول، والمعاملة وطيب الكلام لمن يخدمه. (¬1) حسن الفكر ذكاء. (¬2) شر، ورجل مشئوم: غير مبارك، وتشاءم القوم به: تطيروا: يعني أن البذاءة والدناءة، وقلة الأدب دمار وخراب وجالبة كل ضرر. (¬3) حصان تجعله للجهاد في سبيل نصر الدين الله. (¬4) خادمك. (¬5) تنتسب إلى الأعاجم. (¬6) أي فيك خصلة وأنفة من أحوال الجاهلية قبل الإسلام، وفي جواهر البخاري أبو ذر بمنزلة عالية رضي الله عنه من الإيمان: وإنما وبخه صلى الله عليه وسلم بذلك على عظيم منزلته تحذيراً له عن معاودة مثل ذلك، وليكره السيد خادمه، وليسن قانون حسن معاملة العبد لسيده والخادم لمخدومه. أ. هـ ص 51.

إنهم إخوانكم فَضَّلَكُمُ (¬1) الله عليهم، فمن لم يُلائمكم (¬2) فبيعوه، ولا تُعذبوا خلق الله" رواه أبو داود، واللفظ له، وهو في البخاري ومسلم والترمذي بمعناه، إلا أنهم قالوا فيه: هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسهُ مما يلبسُ، ولا يُكلفهُ من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبهُ فَلْيُعِنْهُ عليه" واللفظ للبخاري. من لاءمكم من مملوكيكم فأطعموهم مما تأكلون .. إلخ 39 - وفي رواية للترمذي قال: "إخوانكم جعلهم الله فتية تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه؛ فإن كلفه ما يغلبهُ فليعنه عليه". 40 - وفي رواية لأبي داود عنه قال: "دخلنا على أبي ذرٍ بالربذة، فإذا عليه بُردٌ، وعلى غلامه مثله؛ فقلنا: يا أبا ذر لو أخذت بُردَ غلامك إلى بُردك فكانت حُلةً، وكسوته ثوباً غيره؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إخوانكم جعلهم الله تحت أيدكم فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وَلْيَكْسُهُ مما يكتسي، ولا يُكلفهُ ما يغلبه فإن كلفهُ ما يغلبه فَلْيُعِنْهُ". 41 - وفي أخرى له: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لاءمكم (¬3) من مملوكيكم فأطعموهم مما تأكلون، وأكسوهم مما تلبسون، ومن لم يلائمكم منهم فبيعوه، ولا تُعذبوا خلق الله" ¬

(¬1) زادكم إكراماً، وسخرهم لخدمتكم منه جل وعلا. (¬2) فمن لم يوافق طباعكم، ويجب طلبكم، ويحفظ أموالكم وسيركم، وفي الجواهر: إخوانكم خولكم: أي خدمكم أو عبيدكم الذين يتخولون الأمور: أي يصلحونها، وفي الحديث النهي عن سب العبيد، ومن في معناهم وتعبيرهم بآبائهم، والحث على الإحسان إليهم والرفق بهم، وأن التفاضل الحقيقي بين المسلمين بالتقوى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فلا يفيد الشريف النسب نسبه إذا لم يكن من أهل التقوى، ويفيد الوضيع النسب التقوى، ويلحق بالعبد: الأجير، والخادم والضعيف والدابة. قال النووي: فيه أن الدواب ينبغي أن يحسن إليها، ولا تكلف من العمل ما لا تطيق الدوام عليه، وفيه النهي عن الترفع على المسلم وإن كان عبداً، وفيه المحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أ. هـ. ص 53 (¬3) وافقكم.

[قال الحافظ]: الرجل الذي عيَّره أبو ذر هو بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 42 - وعن زيد بن حارثة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "أرقاءكم أرقاءكم أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، فإن جاءوا بذنبٍ لا تريدون (¬1) أن تغفروه، فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم" رواه أحمد والطبراني من رواية عاصم بن عبيد الله، وقد مشاه بعضهم، وصحح له الترمذي والحاكم، ولا يضر في المتابعات. للمملوك طعامه وشرابه وكسوته ولا يكلف إلا ما يطيق 43 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبيد: "إن أحسنوا فاقبلوا، وإن أساءوا فاعفوا، وإن غلبوكم (¬2) فبيعوا" رواه البزار وفيه عاصم أيضاً. 44 - ورويَ عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغنمُ بركةٌ على أهلها، والإبل عزٌّ لأهلها، والخيلُ معقود في نواصيها الخير، والعبدُ أخوك فأحسن إليه، وإن رأيته مغلوباً فأعنه" رواه الأصبهاني. 45 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للملوك طعامهُ وشرابهُ وكسوته، ولا يُكلفُ إلا ما يطيق، فإن كلفتموهم فأعينوهم ولا تُعذبوا عباد الله خلقاً أمثالكم" رواه ابن حبان في صحيحه، وهو في مسلم باختصار. 46 - وعن عمر بن حُريثٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما خفَّفتَ على خادمك من عمله كان لك أجراً في موازينك (¬3) " رواه أبو يعلى، وابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) لا تودون ستره، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيع ونهى عن التعذيب. (¬2) خالفوكم بشدة. (¬3) حسنات في صحيفتك التي توزن يوم القيامة 103 - 2 ع.

[قال الحافظ]: وعمرو بن حريث: قال ابن معين: لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، والذي عليه الجمهور أن له صحبة، وقيل: قُبضَ النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتي عشرةَ سنةً، وروى عن أبي بكر وابن مسعود، وغيرهم من الصحابة. 47 - وعن عليٍ رضي الله عنه قال: "كان آخر كلام النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم (¬1) " رواه أبو داود وابن ماجة إلا أنه قال: الصلاة وما ملكت أيمانكم. 48 - وروى ابن ماجة وغيره عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي تُوفي فيه: الصلاة وما ملكت أيمانكم، فمازال يقولها حتى ما يُفيضُ لسانهُ". 49 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وجاءه قهرمانٌ لهُ، فقال له: "أعطيتَ الرَّقيقَ قُوْتهم؟ قال: لا. قال: فانطلق فأعطهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى إثماً (¬2) أن تحبسَ عمن تملك قوتهم" رواه مسلم. 50 - وعن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "عهدي بنبيكم صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمسِ ليالٍ، فسمعتهُ يقول: لم يكن نبيٌ إلا ولهُ خليلٌ من أمته، وإن خليلي أبو بكر بن أبي قحافة، وإن الله اتخذ صاحبكم خليلاً، ألا وإن الأمم من قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، وإني أنهاكم عن ذلك، اللهم هل بلغت، ثلاث مراتٍ، ثم قال: اللهم اشهد، ثلاث مراتٍ، وأغمي عليه هُنيهةً، ثم قال: الله الله فيما ملكت أيمانكم: أشبعوا بطونهم، واكسوا ظهورهم، وألينوا القول لهم (¬3) " رواه الطبراني من طريق عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد، وقد وثقا، ولا بأس بهما في المتابعات. ¬

(¬1) الجواري والإماء، والعبيد والخدم. (¬2) ذنباً (¬3) حادثوهم برفق أمر صلى الله عليه وسلم بثلاثة لمرءوسيهم: (أ) إطعامهم الغذاء اللازم. (ب) تقديم الملابس. (جـ) طيب القول، وبشاشة الوجه.

ما جاء في العفو عن الخادم وعدد مراته 51 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله كم أعفو (¬1) عن الخادم؟ قال: كل يومٍ سبعين مرةً" رواه أبو داود والترمذين وقال: حديث حسن غريب، وفي بعض النسخ حسن صحيح، وروى أبو يعلى بإسناد جيد عنه، وهو رواية للترمذي: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن خادمي يُسيء ويظلمُ أفأضربهُ؟ قال: تعفو (¬2) عنه كل يومٍ سبعين مرةً". [قال الحافظ]: كذا وقع في سماعنا عبد الله بن عمر، وفي بعض نسخ أبي داود عبد الله بن عمرو، وقد أخرجه البخاري في تاريخه من حديث عباس بن جليد عن عبد الله بن عمرو بن العاص ومن حديث أيضاً عن عبد الله بن عمر، وقال الترمذي: روى بعضهم هذا الحديث بهذا الإسناد، وقال: عن عبد الله بن عمرو، وذكر الأمير أبو نصر أن عباس بن جليد يروى عنهما كما ذكره البخاري، ولم يذكر ابن يونس في تاريخ في مصر، ولا ابن أبي حاتم روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص، والله أعلم. 52 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجلٌ فقعد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن لي مملوكين يُكذبونني، ويخونونني، ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة يُحسبُ ما خانوك وعصوْك وكذَّبوك، وعقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل، فتنحى (¬3) الرجل، وجعل يهتفُ ويبكي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تقرأُ قول الله: "ونَضَعُ الموَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شيئاً وَإنْ كانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَردْلٍ أتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبينَ" فقال الرجلُ: يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء خيراً من مفارقتهم أُشهدكَ أنهم كلهم أحرارٌ" رواه أحمد والترمذي، وقال ¬

(¬1) ما عدد المرات التي أسمع فيها وأصفح عن الخادم. (¬2) تصفح عنه. (¬3) تباعد. المعنى يأخذ العدل مجراه، وكل يقف للحساب، فمن تعدى أكثر حوسب.

حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وقد روى أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن غزوان هذا الحديث. [قال الحافظ] عبد الرحمن: هذا ثقة احتج به البخاري، وبقية رجال أحمد بهم البخاري ومسلم، والله أعلم. من ضرب سوطاً ظلماً اقتص منه يوم القيامة 53 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضرب سوطاً (¬1) ظلماً اقْتُصَّ (¬2) منه يوم القيامة" رواه البزار والطبراني بإسناد حسن. 54 - وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وكان بيده سواكٌ، فدعا وصيفةً له أولها حتى استبان (¬3) الغضبُ في وجهه، وخرجت أم سلمةَ إلى الحجرات، فوجدت الوصيفةَ وهي تلعب ببَهْمَةٍ (¬4) فقالت: ألا أراكِ تلعبين بهذه البَهْمَةِ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك؟ فقالت: لا والذي بعثك بالحق ما سمعتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا خشيةُ القَوَدِ (¬5) لأوجعتكِ بهذا السواك (¬6) " رواه أحمد بأسانيد أحدها جيد، واللفظ له، ورواه الطبراني بنحوه. 55 - وعن هشام بن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه: "أنه مر بالشام على أُناسٍ من الأنْبَاطِ، وقد أُقيُموا في الشمس، وَصُبَّ على رءوسهم الزيتُ، فقال: ما هذا؟ قيل: يُعذبون في الخَرَاجِ" وفي رواية: "حُبسوا في الجزيةِ، فقال هشام: أشهد لسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يُعذب الذين يُعذبون الناس في الدنيا، فدخل على الأمير فَحَدَّثَهُ فأمر بهم فَخُلُّوا (¬7) " رواه مسلم وأبو داود والنسائي. [الأنباط]: فلاحون من العجم ينزلون بالبطائح بين العراقين. 56 - ورويَ عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) أي تعدى بضرب سوط (درة). (¬2) أخذ منه القصاص عقاب المثلى. (¬3) ظهر. (¬4) ولد الضأن. (¬5) القصاص وشدة العذاب. (¬6) عود السواك: أي أضربك به. (¬7) تركوا من خل كساءه على نفسه وأخل بمركزه.

فصل: في النهي عن الضرب على الوجه والوسم فيه

"ثلاثٌ من كُنَّ فيه نشر الله عليه كنفه (¬1)، وأدخله جنته: رفقٌ بالضعيف، وشفقةٌ على الوالدين، وإحسانٌ إلى المملوك" رواه الترمذي وقال حديث غريب. فصل 57 - عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَرَّ على حمارٍ قد وُسِمَ (¬2) في وجههِ فقال: لعن الله الذي وَسَمَهُ" رواه مسلم. وفي رواية له: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوَسْمِ في الوجه" ورواه الطبراني بإسناد جيد مختصراً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنْ يَسِمُ (¬3) في الوجه. 58 - وعن جُنادةَ بن جَرادةَ أحد بني غَيْلاَنَ بن جُنادة رضي الله عنه قال: "أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بإبلٍ قد وسمتها في أنفها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جُنادةُ فما وجدت عضواً تَسِمُهُ إلا في الوجه. أما إن أمامك القصاص فقال: أمرها إليك يا رسول الله" الحديث. رواه الطبراني. 59 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مَرَّ حمارٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم قد كُوِيَ (¬4) في وجهه يفوزُ مِنْخَراهُ مِنْ دَمٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) رحمته ومعاونته: (أ) الرأفة بالعاجز المسكين. (ب) الإحسان إلى الوالدين وإكرامهما وبرهما. (جـ) حسن معاملة العبد. (¬2) وضعت عليه علامة، يقال وسمت الشيء وسماً، من باب وعد، والاسم السمة: وهي العلامة، والوسمة: نبت يختضب بورقه، ثم طلب صلى الله عليه وسلم إقصاء من فعل ذلك، وإبعاده من رحمة الله تعالى. (¬3) يضع عليه أي علامة. (¬4) كواه بالنار كياً. قال تعالى في بيان أن هذا العمل من غواية الشيطان: "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً" (119 - 120 من سورة النساء). قال البيضاوي: "فليغيرن خلق الله" أي عن وجهه وصورته أو صفته، ويندرج فيه ما قيل من فقء عين =

ترغيب الإمام وغيره من ولاة الأمور في اتخاذ وزير صالح وبطانة حسنة

لعن الله من فعل هذا، ثم نهى عن الكي في الوجه والضرب في الوجه" رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه الترمذي مختصراً وصححه، والأحاديث في النهي عن الكي في الوجه كثيرة. ترغيب الإمام وغيره من ولاة الأمور في اتخاذ وزير صالح وبطانة حسنة 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدقٍ، إن نسيَ ذكَّرَهُ، وإن ذَكَرَ أعانهُ، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسيَ لم يُذكِّرْهُ، وإن ذكر لم يُعِنْهُ" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والنسائي، ولفظه قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وَلِيَ منكم عملاً، فأراد الله به خيراً جعل له وزيراً صالحاً إن نسيَ ذَكَّرَهُ، وإن ذكرَ أعانهُ". 2 - وعن أبي سعيدٍ الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث (¬1) الله من نبيٍ، ولا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَليفةٍ إلا كانت له بطانتان: بطانةٌ تأمرُ بالمعروفِ وتَحُضُّهُ عليه، وبطانةٌ تأمره بالشر وتحضه عليه (¬2) والمعصوم من عصم الله" رواه البخاري واللفظ له. ورواه النسائي عن أبي هريرة وحده ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ¬

= الحامي، وخصاء العبيد والوشم والوشر، واللواط والسحاق ونحو ذلك، وعبادة الشمس والقمر، واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالا، ولا يوجب لها من الله سبحانه وتعالى زلفى وعموم اللفظ يمنع الخصاء مطلقاً، لكن الفقهاء رخصوا في خصاء البهائم للحاجة. أ. هـ. (¬1) أرسل. وبطانة الإمام أهل مشورته. قال أبو عبيدة: البطانة الدخلاء. والدخلاء جمع دخيل، وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته، ويفضي إليه بسره، ويصدقه فيما يخبره به مما يختفي عليه من أمر رعيته، ويعمل بمقتضاه. أ. هـ فتح ص 151 جـ 3 (¬2) ترغبه فيه وتؤكده عليه، وقد رأيت أن النبي صلى الله عليه وسلم عصمه الله من كل سوء وحفظه الله من كل باطل، وسلمه من كل مكروه "فالمعصوم من عصم الله تعالى" قال في الفتح: وقيل المراد بالبطانتين في حق النبي صلى الله عليه وسلم: الملك والشيطان، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: ولكن الله أعانني عليه فأسلم.

والٍ إلا وله بطانتان: بطانةٌ تأمره بالمعروف، وتنهاهُ عن المنكر، وبطانةٌ لا تألوهُ (¬1) خَبَالاً فمن وُفِيَ (¬2) شرها فقد وُفِيَ، وهو إلى من يغلبُ عليه مِنْهُمَا". 3 - وعن أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما بعث الله من نبيٍ، ولا كان بعدهُ من خليفة إلا له بطانتان: بطانةٌ تأمرهُ بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبطانةٌ لا تألوهُ خبالاً، فمن وُفِيَ (¬3) شرها فقد وُفِيَ" رواه البخاري. ¬

(¬1) أي لا تقصر في إفساد أمره لعمل مصلحتهم، وهو اقتباس من قوله تعالى: "لا يألونكم خبالاً" ونقل ابن التين عن أشهب أنه ينبغي للحاكم أن يتخذ من يستكشف له أحوال الناس في السر، وليكن ثقة مأموناً فطناً عاقلاً، لأن المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبوله قول من لا يوثق به إذا كان هو حسن الظن به فيجب عليه أن يتثبت في مثل ذلك. (¬2) حفظ. قال في الفتح: المراد به إثبات الأمور كلها لله تعالى فهو الذي يعصم من شاء منهم. فالمعصوم من عصمه الله، لا من عصمته نفسه، إذ لا يوجد من تعصمه نفسه حقيقة إلا إن كان الله عصمه. أ. هـ. وفيه من يلي أمور الناس فقد يقبل من بطانة الخير دون بطانة الشر دائماً، وهذا اللائق بالنبي، وقال الكرماني: يحتمل أن يكون المراد بالبطانتين: النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة المحرضة على الخير إذ لكل منهما قوة ملكية وقوة حيوانية. أ. هـ. وقيل في البطانة: الأوفياء والأصدقاء. أنبئكم: أخبركم. (¬3) وقى بمعنى صان، وقيت الشيء: صنته وسترته: أي فمن صانه الله عن العبث وسدد خطاه بعد عن شرور الإمارة، ومنه: "ليق أحدكم وجهه النار بالطاعة والصدقة". وقال الشيخ الشرقاوي: الأقرب أن الكبيرة كل ذنب ورد فيه وعيد شديد من كتاب أو سنة، وإن لم يكن فيه حد، والزور الكذب، والمراد شهادة الزور (سكت): أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه، أو لما حصل لهم من الرعب والخوف من هذا المجلس. أ. هـ ص 262 جـ 2. قال تعالى: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً" (31 من سورة النساء)، وقال تعالى: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم" (32 من سورة النجم). قال ابن حجر في الفتح: (وكان متكئاً) يشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئاً، ويفيد ذلك تأكيد تحريمه وعظم قبحه، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور، أو شهادة الزور أسهل وقوعاً على الناس والتهاون بها أكثر، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطمع، وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه، وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعاً، بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد، بخلاف الشرك، فإن مفسدته قاصرة غالباً (سكت): فيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه صلى الله عليه وسلم، والمحبة له والشفقة عليه. أ. هـ ص 166 جـ 5.

الترهيب من شهادة الزور

الترهيب من شهادة الزور 1 - عن أبي بكرةَ رضي الله عنه قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (¬1) ثلاثاً: الإشراك بالله (¬2)، وعقوق الوالدين (¬3) وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور (¬4)، وقولِ الزور (¬5)، وكان مُتكئاً فجلس، فمازال يُكررها (¬6) حتى قلنا: ليته (¬7) سكت" رواه البخاري ومسلم والترمذي. 2 - وعن أنس رضي الله عنه قال: "ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، فقال: الشركُ بالله، وعقوق الوالدين، وقتلُ النفس (¬8)، وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قولِ الزور، أو قال: شهادة الزور" رواه البخاري ومسلم. 3 - وعن خُرَيْمِ بن فاتِكٍ رضي الله عنه قال: "صَلَّى صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما انصرف قام قائماً فقال: عُدَّتْ شهادة الزورِ، والإشراكُ بالله ثلاث ¬

(¬1) الكبائر: هي الذنوب التي نهى الله عنها نهياً جازماً، وأوعد مرتكبها بالعذاب في الآخرة، وهي موبقة مهلكة فاعلها. (¬2) اعتقاد أن في الخلق من يماثل المولى في الصفات ويشاركه في الأفعال، ويشابهه في استحقاق العبادة، وهو ذنب لا يغفر، يخلد صاحبه في النار. قال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن شاء" من سورة النساء (¬3) مخالفتهما وعدم طاعتهما، وتقديم البر لهما جزاء تربيته، وعصيانهما كفران لنعمتهما. قال تعالى: "وبالوالدين إحساناً". (¬4) هي أن يشهد الإنسان أمام حاكم أو نحوه بغير ما علم، ويتحرى الباطل ويكذب، وهذه الشهادة يترتب عليها ضياع الحقوق وطمس معالم العدل، وإعانة الظالم، وإعطاء المال لغير مستحقه، وتقويض أركان الأمن. إذ يجرؤ الناس على ارتكاب الجرائم، واقتراف الآثام اتكالاً على وجود أولئك الفسقة العصاة الآثمين المجرمين. (¬5) النطق بالكذب وانتهاز الفرص للإيقاع بالأبرار، والانتقام من الخصوم. (¬6) لقبحها وشدة تأثيرها في تخريب البيوت العامرة، وسلب الأموال وسفك الدماء، فعلى العاقل المؤمن أن يؤدي الشهادة على وجهها بدون تغيير ولا تبديل. (¬7) تمنينا سكوته رأفة به صلى الله عليه وسلم. (¬8) التعدي عليه بإرهاق الروح. (أ) قال تعالى: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً" (93 من سورة النساء)، لماذا؟ لأنه رأس الخطايا، وسب البلايا وأس الخراب تقشعر منه الجلود لفظاعة جرمه، وتنخلع من هوله القلوب لشناعته وبشاعته: وأن القاتل مجرم بعيد من الإنسانية، منزه عن الرحمة، خال من الشفقة عاص ربه معرض للإعدام، ويتم أولاده. (ب) وقال تعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" من سورة الإسراء، نهى سبحانه وتعالى عن القتل العمد.

مراتٍ، ثم قرأ: "فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ (¬1) وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (¬2) حُنَفَاءَ (¬3) للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ" رواه أبو داود، واللفظ له والترمذي وابن ماجة، ورواه الطبراني في الكبير موقوفاً على ابن مسعود بإسناد حسن. لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ شهد على مسلمٍ شهادةً ليس لها بأهلٍ فليتبوأ (¬4) مقعدهُ من النار" رواه أحمد ورواته ثقات إلا أن ثانيهِ لم يسمّ. 5 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن تزول قدمُ شاهدِ الزور حتى يُوجبَ (¬5) الله له النار" رواه ابن ماجة والحاكم، وقال صحيح الإسناد، ورواه الطبراني في الأوسط، ولفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الطيرَ لتضربُ بمناقيرها، وتُحركُ أذنابها من هَوْلِ يوم القيامة، وما يتكلمُ به شاهدُ الزور، ولا تُفارقُ قدماه على الأرض حتى يُقذفَ (¬6) به في النار". 6 - وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كتم (¬7) شهادةً إذا دُعيَ إليها كان كمن شهد بالزور" حديث غريب رواه الطبراني في الكبير والأوسط من رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث، وقد احتج به البخاري. ¬

(¬1) الأصنام التي تعبد من دون الله كما تجتنب الأنجاس وهو غاية المبالغة في النهي عن تعظيمها، والتنفير عن عبادتها. (¬2) الانحراف. (¬3) مخلصين له مطيعين، وتمام الآية: "ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير، أو تهوى به الريح في مكان سحيق" (31 من سورة الحج). (¬4) فليأخذ مكانه. (¬5) يكتب له استحقاقاً، وقال تعالى مبيناً صفة من صفات الأبرار الأخيار عباد الرحمن "والذين لا يشهدون الزور": أي لا يقيمون الشهادة الباطلة، أو لا يحضرون محاضر الكذب فإن مشاهدة الباطل شركة فيه. أ. هـ بيضاوي. وزاد القسطلاني: والذين لا يحضرون مجالس الفسق والكفر، واللهو والغناء. أ. هـ جواهر البخاري ص 332 (¬6) يرمي. (¬7) أخفى. قال الله تعالى: "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم" (183 من سورة البقرة).

كتاب الحدود وغيرها

كتاب الحدود وغيرها الترغيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترهيب من تركهما والمداهنة فيهما 1 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم مُنكراً فليغيره (¬1) بيده، فإن لم يستطع (¬2) فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه (¬3)، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي، ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكراً فَغَيَّرَهُ بيده فقد برئ (¬4)، ومن لم يستطع أن يُغيرهُ بيده فَغَيَّرَهُ بلسانه فقد برئ، ومن لم يستطع أن يُغيرهُ بلسانه فَغَيَّرَهُ بقلبه فقد برئ، وذلك أضعف الإيمان". 2 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) فليزله. أمر صلى الله عليه وسلم بإزالة الباطل وكل ما يغضبه سبحانه وتعالى. (¬2) يقدر أن يزيله بالكلام. (¬3) ينكر عليه ويبغضه ويقطع مودته الله. قال العزيزي في الجامع الصغير: (رأى): علم (منكم): معشر المسلمين (منكراً): شيئاً قبحه الشرع فعلاً أو قولاً (فليغيره): وجوباً إن استطاع (فإن لم يستطع): تغييره بيده فليغيره بلسانه كاستهانة وتوبيخ. فإن خاف ضرراً فالواجب إنكاره بقلبه أن يكرهه به، ويعزم على تغييره إن قدر، وذلك الإنكار بالقلب أضعف الإيمان. قال المناوي: أي خصاله. فالمراد به الإسلام، أو آثاره وثمراته. أ. هـ ص 329 (¬4) سلم من العقاب.

على السمع (¬1)، والطاعة في العُسرِ واليُسرِ (¬2)، والمنْشَطِ والمكرَهِ (¬3)، وعلى أثَرَةٍ (¬4) علينا، وأن لا نُنَازع الأمر أهله إلا أن تروا كُفراً بوَاحاً عندكم من الله فيه برهانٌ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائمٍ" رواه البخاري ومسلم. أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صلاة 3 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علىكل مِيْسَمٍ (¬5) من الإنسان صلاةٌ كل يومٍ، فقال رجلٌ من القوم: هذا من أشد ما أنبأتنا به قال: أمرُكَ بالمعروف، ونهيك عن المنكر صلاةٌ، وحَمْلُكَ (¬6) عن الضعيف صلاةٌ، وإنحاؤك (¬7) القذى عن الطريق صلاةٌ، وكل خطوةٍ تخطوها إلى الصلاة صلاةٌ (¬8) " رواه ابن خزيمة في صحيحه. 4 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن أُناساً قالوا يا رسول الله: "ذهب أهل الدثور (¬9) بالأجور يُصَلُّون كما نُصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم قال: أوَليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به؟ إن بكل تسبيحةٍ صدقةً، وبكل تكبيرةٍ صدقةً، وبكل تحميدةٍ صدقةً، وبكل تهليلةٍ صدقةً، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن منكرٍ صدقةٌ" رواه مسلم وغيره. ¬

(¬1) تنفيذ أوامر الأولياء الحكام. (¬2) في الرخاء والشدة. (¬3) أي في حال نشاطنا، وفي حال عجزنا عن العمل بما نؤمر به، وقيل في وقت الكسل والمشقة في الخروج أي عاهدناه بالتزام السمع والطاعة في حالتي الشدة والرخاء، وأن لا ننازع الأمر أهله. أ. هـ شرقاوي ص 366 جـ 3 (¬4) الأثرة: الإثم، من آثر إيثاراً إذا أعطى: أي على تفضيله واختيار حكمه، واتباع سنته، والاستئثار: الانفراد بالشيء. (¬5) هكذا جاء في ع 107 - 2 ورواية، فإن كان محفوظاً فالمراد به أن على كل عضو موسوم بصنع الله صدقة هكذا فسر. أ. هـ نهاية ص 211 والوسامة: الحسن الوضيء الثابت، وقد وسم يوسم وسامة فهو وسيم، ومعنى صلاة: التنفل وزيادة القربى والطاعة لله تعالى شكراً على ما أنعم وتفضل. (¬6) أي إزاحة كل مكروه عن ضعيف صدقة. (¬7) إزالة ما فيه ضرر. (¬8) المعنى أن كل عمل صالح يجلب لك الخير ويزيدك حسنات. (¬9) جمع دثر، وهو المال الكثير. أ. هـ نهاية: أي الأغنياء انتفعوا بثواب إنفاقهم في سبيل الله. =

أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان أو أمير جائر 5 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فضل الجهاد كلمةُ حقٍ عند سلطان أو أمير جائرٍ (¬1) " رواه أبو داود، واللفظ له، والترمذي وابن ماجة كهم عن عطية العوفي عنه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. 6 - وعن أبي عبد الله طارق بن شهابٍ البجلي الأحْمَسيِّ: "أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وضع رجله في الغَرْزِ: أي الجهاد أفضل؟ قال: كلمة حقٍ عند سلطان جائرٍ" رواه النسائي بإسناد صحيح. [الغرز]: بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدهما زاي: هو ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: لا يختص بهما. 7 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "عَرَضَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ عند الجمرة الأولى، فقال: يا رسول الله، أيُّ الجهاد أفضل؟ فسكت عنه، فلما رمى الجمرة الثانية سألهُ، فسكت عنه، فلما رمى جمرة العقبة وضع رجلهُ في الغَرْزِ ليركب. قال: أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: كلمة حق تُقالُ عند ذي سُلطان جائرٍ" رواه ابن ماجة بإسناد صحيح. 8 - وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيدُ الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمرهُ ونهاهُ، فقتله" رواه الترمذي والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 9 - وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثلُ القائم في حدود الله، والواقع فيها كمثل قومٍ اسْتَهَمُوا (¬2) على سفينةٍ، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم (¬3)، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خَرْقاً، ولم نؤذِ مَنْ فوقنا، ¬

= يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن ذكر الله وتمجيده، والدفاع عن الحق والنصيحة، وأعمال البر صدقات كثيرة. (¬1) ظالم. (¬2) ضربوا قرعة وتسابقوا على اختيار الأمكنة فيها ليفوز كل بجهة. (¬3) مورد الماء في الجهة العالية، فيصعد القاطنون إليها ويأخذون الماء فتمنوا أن يفتحوا ثغرة في السفينة من قعرها ليسهل أخذ الماء فلا يتكلفون مشاق جمة.

فإن تركوهم وما أرادوا (¬1) هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونَجَوْا جميعاً" رواه البخاري والترمذي. 10 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبيٍ بعثهُ الله في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحابٌ يأخذون (¬2) بِسُنَّتِه، ويَقْتَدُونَ بأمره، ثم إنها تَخْلُفُ من بعدهم خُلُوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده (¬3) فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بلسانه (¬4) فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بقلبه، فهو مؤمنٌ ليس وراء ذلك من الإيمان حبةُ خردلٍ" رواه مسلم. [الحواري]: هو الناصر للرجل، والمختص به، والمعين، والمصافي. ويل للعرب من شر قد اقترب 11 - وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فَزِعاً يقول: "لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فُتِحَ اليوم من رَدْمِ يأجوج ومأجوج مِثلُ هذه، وحَلَّقَ بين أُصبعيه: الإبهام والتي تليها، فقلتُ: يا رسول الله ¬

(¬1) فإن أعطاهم المرتفعون هذه الأمنية انخرقت السفينة ونزل الماء في قاعها فغرقوا جميعاً، وإن أظهروا الشهامة والسلطة النافذة، ومنعوهم بالقوة سلمت السفينة من الغرق، وفاز الراكبون، كذلك العصاة الفساق المنهمكون في الملذات يحتاجون إلى إدارة حازمة ورقابة تامة تمنع من طغيانهم وضلالهم، وإلا وقعت الداهية فأصابت الصالح والطالح، وعمت المصيبة الطائع وغيره كما قال تعالى: (أ) "كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون" (80 من سورة المائدة). أي لا ينهى بعضهم بعضاً عن معاودة منكر فعلوه، أو عن مثل منكر فعلوه، أو عن منكر أرادوا فعله، وتهيئوا له، أو لا ينتهون عنه. (ب) وقال تعالى: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً" (17 من سورة الإسراء). أي وإذا تعلقت إرادتنا بأهلاك قوم لإنفاذ قضائنا السابق اغتر أصحاب نعمة الله تعالى العظيمة ففسقوا وعصوا الله فعذبوا بالفقر، وانتزاع البركة والخراب، فاتقوا الله عباد الله واستيقظوا من سباتكم، واتحدوا واضربوا بأيد من حديد على أولئك العصاة والمتبرجات، وأقيموا حدود الله وادعوا الناس إلى الله، وأمروا بالمعروف لله وانهو عن المنكر لله رجاء أن الله تعالى يشملكم برحمته، ويبعد منكم كل مكروه، وإلا فستنزل بكم الكوارث ولا ملجأ من الله إلا إليه. (¬2) يعملون بشريعته، وينفذون أوامره ابتغاء رضوان الله تعالى. (¬3) منعهم بالقوة. (¬4) تصدى لزجرهم وردعهم وكرههم وقطع مودتهم وغير ذلك، ينتفي الإيمان في قلب المخالف هذه الأمور الثلاثة: الدفاع بالسلطان، أو اللسان، أو التقاطع وكرهه لله.

أنَهْلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كَثُرَ الخبثُ (¬1) " رواه البخاري ومسلم. 12 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت: يا رسول الله إن الله أنزل سطوتهُ بأهل الأرض، وفيهم الصالحون، فَيَهْلِكُونَ بهلاكهم؟ فقال: يا عائشة إن الله عز وجل إذا أنزل سطوته بأهل نقمته، وفيهم الصالحون، فيصيرون معهم، ثم يُبعثون على نياتهم (¬2) " رواه ابن حبان في صحيحه. 13 - وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله يبعثُ عليكم عذاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. 14 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُحقرنَّ أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله: وكيف يُحقِّرُ أحدنا نفسه؟ قال: يرى أن عليه مقالاً، ثم لا يقولُ فيه، فيقول الله عز وجل يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس (¬3)، فيقول: فإياي كنت أحقَّ أن تخشى" رواه ابن ماجة، ورواته ثقات. 15 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن عبدٌ حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده، والناس أجمعين" رواه مسلم وغيره. 16 - وعن جرير رضي الله عنه قال: "بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، فلقنني فيما استطعت والنصح لكل مسلمٍ" رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) الفسوق والفجور. 109 - 2 ع خبيث: أي خب ردئ. (¬2) يحييهم الله على أعمالهم الصالحة أو الخبيثة "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه". (¬3) امتنع أن ينصح لله خوفاً من المخلوقين، وهذا في زماننا كثير سنة 1955 م، يرى العالم القبائح ولا ينهى مرتكبها خشية لسانه، والمراد أن الإنسان يخشى الله وحده وينكر كل فعل يخالفه، ويحث على العمل بشريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" من سورة فاطر، وقال تعالى: "إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير" (12 من سورة الملك).

وتقدم حديث تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدينُ النصيحة (¬1) قاله لهُ ثلاثاً. قال: قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله (¬2)، ولرسوله (¬3)، ولأئمة المسلمين (¬4)، وعامتهم (¬5) " رواه البخاري ومسلم، واللفظ له. 17 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجلُ يلقى الرجلَ، فيقولُ: يا هذا اتق الله وَدَعْ (¬6) ما تصنعُ به، فإنه لا يحلُ لك، ثم يلقاهُ من الغدِ (¬7) وهو على حاله، فلا يمنعهُ ذلك أن يكون أكيلهُ وشَرِيَبهُ وقَعِيدَهُ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعضٍ، ثم قال: "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَني إسْرَائِيلَ عَلىَ لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ (¬8) الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أنْفُسُهُمْ (¬9) إلى قوله فاسقون". ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد (¬10) الظالم، وَلَتَأْطُرُنَّهُ (¬11) على الحق أطراً" رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي، وقال حديث حسن غريب، ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهاهم ¬

(¬1) أي هو قوام الدين وعماده. (¬2) يؤمن به ويطيعه ويعظمه، ويعتمد عليه وحده، ويهجر المعاصي ويترك صحبة الفساق. (¬3) يصدق برسالته صلى الله عليه وسلم، وينصره بإحياء سنته ويتبع مناهجه. (¬4) يرشدهم إلى الحق ويعينهم عليه، ويطيع أوامرهم وينبههم عند الغفلة برفق ولين. (¬5) إرشاد الناس إلى طاعة الله، واتباع كتابه وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم، وتعليم الجهلة. (¬6) اترك عملك الفاسد. (¬7) اليوم التالي يصاحبه ويجالسه، ويتخذه سميره ونديمه، ويجلس على مائدته، وسكت عن نصائحه، فطرده الله من رحمته وأقصاه من نعيمه. (¬8) يوالون المشركين بغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، والآن يوادون من عصى الله وفسق وفجر، ويتخذونهم أصحاباً ولا ينكرون عليهم القبائح. (¬9) " أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون" (81 - 82 من سورة المائدة). (¬10) تمنعونهم كرهاً، وتجبرونهم قسراً، وتلزمونهم اتباع العدل مهما صعب عليهم. (¬11) لأنهم لم ينصحوه، ويردعوه ويقطعوا صحبته لله.

علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داودَ وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان متكئاً فقال: لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطراً". [قال الحافظ]: رويناه من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، ولم يسمع من أبيه، وقيل سمع، ورواه ابن ماجة عن أبي بعدة مرسلاً. [تأطروهم]: أي تعطفوهم وتقهروهم، وتلزموهم باتباع الحق. 18 - وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يُغيروا عليه، ولا يُغيرون إلا أصابهم اله منه بعقابٍ قبل أن يموتوا" رواه أبو داود عن أبي إسحاق قال: أظنه عن ابن جرير عن جرير، ولم يسمّ ابنه، ورواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه والأصبهاني وغيرهم عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه. 19 - وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: "يأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ (¬1) ". وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا (¬2) على يديه أوشكَ أن يَعُمهمُ الله بعقابٍ من عنده" رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجة والنسائي وابن حبان في صحيحه، ولفظ النسائي: "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يُغيروهُ عَمَّهُمُ الله بعقاب". وفي رواية لأبي داود: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من قومٍ ¬

(¬1) " إذا اهتديم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون" (160 من سورة المائدة). قال البيضاوي: أي احفظوا أنفسكم والزموا إصلاحها لا يضركم الضلال إن كنتم مهتدين، والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون إيمانهم، وقيل كان إذا أسلم الرجل قالوا له سفهت آباءك فنزلت. أهـ. (¬2) لم يمنعوه وينصحوه.

يُعْمَلُ فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يُغيروا، ثم لا يُغيروا إلا يُوشك (¬1) أن يعمهم الله منه بعقابٍ". 20 - وعن أبي كثيرٍ السُّحَيْمِي عن أبيه قال: "سألت أبا ذرٍ قلتُ: دُلني على عملٍ إذا عمل العبدُ به دخل الجنة؟ قال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تؤمن بالله واليوم الآخر. قلت: يا رسول الله إن مع الإيمان عملاً. قال: يَرْضَخُ (¬2) مما رزقه الله. قلت: يا رسول الله أرأيتَ إن كان فقيراً لا يجدُ ما يرضخُ به؟ قال: يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر. قال: قلتُ: يا رسول الله أرأيت إن كان عيياً لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟ قال: يصنعُ لأِخْرَقَ (¬3)، قلت: أرأيت إن كان أخرقَ أن يصنع شيئاً؟ قال: يُعينُ مَغْلُوباً. قلت: أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يُعين مغلوباً؟ قال: ما تريدُ أن يكون في صاحبك (¬4)؟ من خَيْر، يُمْسِكُ (¬5) عن أذى الناس، فقلت: يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة؟ قال: ما من مسلمٍ يفعل خَصْلَةً من هؤلاء إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة" رواه الطبراني في الكبير، واللفظ له، ورواته ثقات، وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم. 21 - ورويَ عن ذَرَّةَ بنتِ أبي لهبٍ رضي الله عنها قالت: "قلتُ يا رسول الله مَنْ خَيْرُ الناسِ؟ قال: أتقاهم (¬6) للرب عز وجل، وأوصلهم (¬7) للرحم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر" رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب، والبيهقي في الزهد الكبير وغيره. 22 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس مُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب ¬

(¬1) يقرب أن يحل بهم العذاب والآفات والمصائب فتعم. (¬2) يعطي عطية قليلة. (¬3) أي يبحث عن جاهل ضعيف حقير أحمق ويفيده ليكسب صدقة، والخرق كما في النهاية: الجهل والحمق، وقد خرق يخرق خرقاً فهو أخرق. أهـ. (¬4) يعني أليست فيه خلة يحمد عليها فيكسب حسنة. (¬5) يبتعد عن إضرار الناس وعطفه على الإهل. (¬6) أخوفهم وأكثرهم عبادة وطاعة. (¬7) أكثرهم مودة للأقارب.

لكم، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدفع (¬1) رزقاً، ولا يُقربُ أجلاً (¬2)، وإن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم، ثم عُمُّوا بالبلاء (¬3) " رواه الأصبهاني. 23 - ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزالُ لا إله إلا الله (¬4) تنفعُ من قالها، وتَرُدُّ عنهم العذاب والنقمة ما لم يستخفوا بحقها. قالوا: يا رسول الله وما الاستخفافُ بحقها؟ قال: يظهرُ العملُ بمعاصي الله، فلا يُنْكَرُ (¬5)، ولا يُغير" رواه الأصبهاني أيضاً. 24 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تُعْرَضُ الفتنُ على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيُّ قلبٍ أُشربها (¬6) نُكتت (¬7) فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكتتْ فيه نُكتةٌ بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تُضره فتنةٌ مادامت السموات والأرضُ، والآخر أسود مُرْبَاداً (¬8) كالكوز مُجَخَّياً لا يعرفُ معروفاً، ولا يُنكرُ منكراً إلا ما أُشربَ من هواه" رواه مسلم وغيره. [قوله: مجخياً] هو بميم مضمومة، ثم جيم مفتوحة، ثم خاء معجمة مكسورة: يعني مائلاً، وفسره بعض الرواة بأنه المنكوس، ومعنى الحديث: أن القلب إذا افتتن، وخرجت منه حرمة المعاصي والمنكرات خرج منه نور الإيمان كما يخرج الماء من الكوز إذا مال أو انتكس. 25 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) لا يمنع خيراً. (¬2) موتاً. (¬3) أصابتهم المحن والابتلاء أجمعين. (¬4) مع محمد رسول الله، أي النطق بالشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. (¬5) لا يجد العصاة من يزجرهم، ولا يبدل العصيان طاعة. (¬6) أي اختلطت به وامتزجت به، وفي النهاية: الإشراب خلط لون بلون كأن أحد اللونين سقى اللون الآخر يقال بياض مشرب حمرة. أهـ. (¬7) وضعت فيه علامة. (¬8) متغيراً إلى الغبرة: مائلاً إلى الرمادي، والربدة كما في المصباح: لون يختلط سواده بكدرة. يريد صلى الله عليه وسلم أن يتباعد المؤمن عن المعاصي.

"إذا رأيت أمتي تَهابُ (¬1) أن تقول للظالم يا ظالمُ، فقد تُوُدِّعَ منهم (¬2) " رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد. 26 - وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصالٍ من الخير: أوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني أن أقول الحق إن كان مراً" مختصراً رواه ابن حبان في صحيحه، ويأتي بتمامه. الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً .. إلخ 27 - وعن عُرْسِ بن عميرة الكندي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عُملتِ الخطيئة في الأرض كان من شهدها وكرهها" وفي رواية: "فأنكرها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها، فَرَضِيَهَا (¬3) كان كمن شهدها (¬4) " رواه أبو داود من رواية مغيرة بن زياد الموصلي. 28 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج (¬5)، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتسليمكَ (¬6) على أهلك، فمن انتقص شيئاً منهن فهو سهمٌ من الإسلام يدعه (¬7)، ومن تركهن، فقد وَلَّى الإسلام ظهره (¬8) " رواه الحاكم. وتقدم حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام ثمانية أسهمٍ: الإسلام سهمٌ، والصلاة سهمٌ، والزكاة سهمٌ، والصوم سهمٌ، وحج البيت سهمٌ، والأمر بالمعروف سهمٌ، والنهي عن المنكر سهمٌ، والجهاد في سبيل الله سهمٌ، وقد خاب (¬9) من لا سهم له" رواه البزار. ¬

(¬1) تخاف. (¬2) فقد تتركهم ولا تصاحبهم. (¬3) أي عمل الذنب بتدبيره واقترف بمشورته. (¬4) حضرها. فيه الترهيب من إيقاد نار العداوة. (¬5) في ع 113 - 2 والحج. (¬6) إلقاء السلام. (¬7) يترك ركناً. (¬8) أي أعرض عن آداب الإسلام وطرح مناهجه. وفي النهاية: السهم في الأصل واحد السهام التي يضرب بها في الميسر، وهي القداح، ثم سمى به ما يفوز به الفالج سهمه، ثم كثر حتى سمى كل نصيب سهماً، ويجمع على أسهم وسهمان وسهام. أهـ. (¬9) خسر من لا شيء له من الصالحات الطيبات.

الترهيب من أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر ويخالف قوله فعله

يا أيها الناس إن الله يقول لكم مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر .. إلخ 29 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فعرفتُ في وجهه أن قَدْ حضرهُ شيء فتوضأ، وما كَلَّمَ أحداً، فَلَصِقْتُ بالحجرة أستمعُ ما يقولُ، فقعد على المنبرِ، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: يا أيها الناس، إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا أُجيبَ لكم، وتسألوني فلا أُعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم، فما زاد عليهنَّ حتى نزل" رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه كلاهما من رواية عاصم بن عمر بن عثمان عن عروة عنهما. 30 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر (¬1) كبيرنا، ويأمر بالمعروف، ويَنْهَ عن المنكرِ" رواه أحمد والترمذي، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه. 31 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنا نسمعُ أن الرجلَ يتعلقُ بالرجلِ يوم القيامة وهو لا يعرفهُ، فيقول له: مالك (¬2) إليَّ، وما بيني وبينك معرفةٌ فيقول: كنت تراني على الخطأ وعلى المنكر ولا تنهاني" ذكره رزين، ولم أره. الترهيب من أن يأمر بمعروف وينهى عن منكر ويخالف قوله فعله 1 - عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يُؤتى بالرجلِ يوم القيامة، فَيُلْقَى في النار، فَتَنْدَلِقُ أقْتَابُ بطنه، فيدور بها كما يدورُ الحمارُ في الرَّحَى، فيجتمعُ إليه أهلُ النار، فيقولون: يا فلان! مَالكَ؟ ألم تكن تأمرُ بالمعروفِ، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنتُ آمرُ بالمعروف، ولا آتيهِ، وأنهى عن المنكرِ وآتيه" رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) يحترم ويعظم. (¬2) أي شيء لكن وما حصل؟ وليست بيننا معرفة أو صحبة؟ فيجيب بأنك كنت لا تنصحني لله، ولا تبعدني عن الأخطاء لله، يشير صلى الله عليه وسلم إلى النصيحة يبذلها المؤمن ابتغاء ثواب الله.

جزاء الذي يأمر بالمعروف ولا يأتيه وينهى عن المنكر ويأتيه وفي رواية لمسلم قال: "قيل لأسامة بن زيد: لو أتيت عثمان فكلمته؟ فقال: إنكم لَتُرَوْنَ أني لا أكلمه إلا أُسمعكم، وإني أُكلمهُ في السر دون أن أفتحَ باباً لا أكون أول من فتحه، ولا أقول لرجلٍ إن كان عليَّ أميراً: إنه خيرُ الناس بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما هو؟ قال: سمعته يقول: يُجاء بالرجلِ يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقْتابهُ، فيدور كما يدور الحمار بِرَحَاهُ، فيجتمع أهلُ النار عليه فيقولون يا فلان: ما شأنك، أليس كنتَ تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنتُ آمركم بالمعروفِ ولا آتيه، وأنهاكم عن الشرِّ وآتيه". [الأقتاب]: الأمعاء، واحدها قِتْب بكسر القاف وسكون التاء. [تندلق]: أي تخرج. 2 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ليلةَ أُسْرِيَ بيَ رجالاً تُقْرَضُ (¬1) شفاههم بمقاريضَ من النار، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟ قال: الخطباء من أمتك الذين يأمرون بالناس بالبر، وينسون أنفسهم ¬

(¬1) تقطع شفاههم جمع شفة. يحذر صلى الله عليه وسلم الوعاظ والمرشدين أن لا يعملوا بقولهم الذي يلقونه على الناس، فإن الله تعالى يسأل الخطباء عن كل صغيرة وكبيرة، ويحاسبهم الحساب العسير على عدم العمل بها كما قال تعالى. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أحبار المدينة كانوا يأمرون سراً من نصحوه باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولا يتبعونه، فحكى الله عنهم: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون" (44 - 46 من سورة البقرة). قال البيضاوي: تقرير مع توبيخ وتعجيب. والبر: التوسع في الخير: (أ) في عبادة الله تعالى. (ب) في مراعاة الأقارب. (جـ) في معاملة الأجانب (أفلا تعقلون) قبح صنيعكم فيصدكم عنه، أو أفلا عقل لكم يمنعكم عما تعملون وأنتم تتلون التوراة. أهـ. أي للأحبار وأنتم تعلمون الكتاب والسنة الآن، وتتركون البر، ويخالف القول العمل، ثم استعينوا على حوائجكم بانتظار النجح والفرج توكلاً على الله، أو بالصوم الذي هو صبر عن المفطرات لما فيه من كسر الشهوة وتصفية النفس، والتوسل إلى الله تعالى بالصلاة، والالتجاء إليها فإنها جامعة لأنواع العبادات: من ذكر وخضوع وغير ذلك.

وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له والبيهقي. 3 - وفي رواية لابن أبي الدنيا: "مررتُ ليلة أُسريَ بي على قومٍ تُقرضُ شفاههم بمقاريض من نارٍ كلما قُرضتْ عادت، فقلتُ يا جبريل: مَنْ هؤلاء؟ قال: خُطباء مِنْ أمتك يقولون ما لا يفعلون". 4 - وفي رواية للبيهقي: قال: "أتيتُ ليلةَ أُسريَ بي على قومٍ تُقرضُ شفاههم بمقاريضَ من نارٍ، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟ قال: خُطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرءون كتاب الله، ولا يعملون به". 5 - وعن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبدٍ يخطبُ خُطبةً إلا الله سَائِلُهُ عنها يوم القيامة ما أردتَ بها؟ قال: فكان مالكٌ يعني ابن دينارٍ إذا حَدَّثَ بهذا بَكَى، ثم يقول: أتحسبون أن عيني تقَرُّ بكلامي عليكم، وأنا أعلمُ أن الله سائلي عنه يوم القيامة. قال: ما أردتَ به، فأقولُ أنت الشهيدُ على قلبي لو لم أعلم أنه أحبُّ إليك لم أقرأ على اثنين أبداً" رواه ابن أبي الدنيا، والبيهقي مرسلاً بإسناد جيد. 6 - ورويَ عن الوليد بن عقبةُ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ناساً من أهل الجنة ينطلقون إلى أُناسٍ من أهل النار فيقولون: بِمَ دخلتمُ النار؟ فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم، فيقولون: إنا كنا نقول ولا نفعلُ" رواه الطبراني في الكبير. 7 - وعن أبي تميمة عن جُندُبِ بن عبد الله الأزدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ الذي يُعلِّمُ الناس الخير وينسى نفسهُ كمثلِ السِّرَاجِ يُضيء للناس، ويُحْرِقُ (¬1) نفسه" الحديث رواه الطبراني وإسناده حسن إن شاء الله، ورواه البزار من حديث أبي برزة إلا أنه قال: مثل الفتيلة. ¬

(¬1) كذا ع 115 - 2، 3 من أحرق بالنار وحرقه شدد للكثرة.

إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم باللسان 8 - وعن عمران بن حُصينِ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كلُ منافقٍ عليم باللسان" رواه الطبراني في الكبير والبزار، ورواته محتج بهم في الصحيح. 9 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجلُ لا يكون مؤمناً حتى يكون قلبه مع لسانه سواءً، ويكون لسانهُ مع قلبهِ سواءً ولا يخالف قوله عمله، ويأمنُ جارهُ بوائقه" رواه الأصبهاني بإسناد فيه نظر. 10 - وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أتخوفُ على أمتي مؤمناً، ولا مُشركاً، أما المؤمن فَيَحْجُزُهُ (¬1) إيمانهُ، وأما المشركُ، فَيَقْمَعُهُ (¬2) كُفْرُهُ، ولكن أتخوف عليكم مُنافقاً عالمَ اللاسان يقول ما تعرفون، ويعمل ما تنكرون" رواه الطبراني في الصغير والأوسط من رواية الحارث، وهو الأعور عن علي، والحارث هذا واهٍ، وقد رضيه غير واحد. 11 - وعن الأغَرِّ أبي مالكٍ قال: "لما أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بعث إليه فدعاه فأتاه فقال: إني أدعوك إلى أمرٍ مُتعِبٍ لمن وَلِيَهُ، فاتقِ الله يا عمر بطاعته، وأطِعْهُ بتقواهُ، فإن التقي آمنٌ محفوظٌ، ثم إن الأمر معروضٌ لا يستوجبهُ إلا من عمل به، فمن أمر بالحق، وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف، وعمل بالمنكر يُوشكُ أن تنقطع أُمنيتهُ، وأن يُحبطَ عملهُ، فإن أنت وَلِيتَ عليهم أمْرَهُمْ، فإن استطعت أن تُجِفَّ يدك من دمائهم، وأن تُضَمَّرَ بطنك من أموالهم، وأن تُجف لسانك عن أعرَاضهم فافعل، ولا قُوةَ إلا بالله" رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا أن فيه انقطاعاً. 12 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُبصرُ أحدكمُ القذاةَ في عينِ أخيهِ وينسى الجِذْعَ (¬3) في عَيْنِهِ" رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) فيمنعه: فانحجز. (¬2) قمعه: ضربه بالقمعة كالمحجن. (¬3) واحد جذوع النخل.

الترغيب في ستر المسلم، والترهيب من هتكه وتتبع عورته

الترغيب في ستر المسلم، والترهيب من هتكه وتتبع عورته 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نَفَّسَ (¬1) عن مسلمٍ كُربةً (¬2) من كُربِ الدنيا نَفَّسَ الله عنه كربةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومن ستر (¬3) علىمسلم ستره (¬4) الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان (¬5) العبد في عون أخيه" رواه مسلم، وأبو داود واللفظ له، والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة. 2 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمهُ ولايُسْلِمُهُ (¬6)، منكان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فَرَّجَ عن مسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ الله عنه بها كُرْبةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" رواه أبو داود واللفظ له والترمذي، وقال حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يسترُ عبدٌ عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة" رواه مسلم. ¬

(¬1) فرج. (¬2) ضيقاً، وأزال هموماً وأبعد غموماً وشدائد. (¬3) غطى عيوبه وأخفى هناته. (¬4) عفا الله عنه، فيه الترغيب بمد يد المعونة للمسلم، ابتغاء ثواب الله جلال وعلا، رجاء رضوان الله، قال في الفتح: هذه أخوة الإسلام، وكربة غمة، والكرب هو الغم الذي بأخذ النفس، ومن ستر مسلماً: أي رآه على قبيح فلم يظهره: أي للناس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه، فيما بينه وبينه، ويحمل الأمر في جواز الشهادة عليه بذلك على ما إذا أنكر عليه ونصحه؛ فلم ينته عن قبيح فعله، ثم جاهر به، كما أنه مأمور بأن ستر إذا وقع منه شيء، فلو توجه إلى الحاكم وأقر لم يمتنع ذلك، والذي يظهر أن الستر محله في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها فيجب الإنكار عليه، وإلا رفعه إلى الحاكم، وليس من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة، وفيه إشارة إلى ترك الغيبة لأن من أظهر مساوئ أخيه لم يستره، وفي الحديث حض عن التعاون وحسن التعاشر والألفة، وفيه أن المجازاة تقع من جنس الطاعات، وأن حلف إن فلاناً أخوه، وأراد أخوة الإسلام لم يحنث. أهـ ص 61 جـ 5 (¬5) مدة مساعدته يرعاه الله ويرحمه. (¬6) أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم، وقد يكون ذلك واجباً، وقد يكون مندوباً بحسب اختلاف الأحوال، وزاد الطبراني من طريق أخرى عن سالم "ولا يسلمه في مصيبة نزلت به" أهـ. فتح.

لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها إلا أدخله الله بها الجنة 4 - ورويَ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرى مؤمنٌ من أخيهِ عورةً فيسترها عليه إلا أدخلهُ الله بها الجنة" رواه الطبراني في الأوسط والصغير. 5 - وعن دَخيرٍ أبي الهيثم كاتب عقبة بن عامر قال: "قلتُ لعقبة بن عامرٍ: إن لنا جيراناً يشربون الخمرَ وأنا داعٍ لهمُ الشُّرَطَ ليأخذوهم قال: لا تفعل وَعِظْهُمْ وَهَدِّدْهُمْ قال: إني نَهَيْتُهمْ فلم ينتهوا، وأنا داعٍ لهم الشُّرَطَ ليأخذوهم، فقال عقبةُ: وَيحكَ لا تفعل فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ستر عورةً فكأنما استحيا مَوْءُدَةً (¬1) في قبرها" رواه أبو داود والنسائي بذكر القصة وبدونها، وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: رجال أسانيدهم ثقات، ولكن اختلف فيه على إبراهيم بن نشيط اختلافاً كثيراً، ذكرت بعضه في مختصر السنن. [الشرط] بضم الشين المعجمة وفتح الراء: هم أعوان الولاة والظلمة، الواحد منه شُرْطي بضم الشين وسكون الراء. 6 - وعن يزيد بن نُعَيْمٍ "أن ماعزاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقرَّ عندهُ أربعَ مراتٍ، فأمر برجمه، وقال لِهُزَالٍ: لو سترته بثوبك كان خيراً لك" رواه أبو داود والنسائي. [قال الحافظ]: ونعيم هو ابن هزال، وقيل: لا صحبة له، وإنما الصحبة لأبيه هزال، وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم لهزال: لو سترته بثوبك، ما رواه أبو داود وغيره عن محمد بن المنكدر أن هزالاً أمر ماعزاً أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، وروي في موضع آخر عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال: "كان ماعزُ بن مالكٍ يتيماً ¬

(¬1) تدفن في قبرها حية: أي الذي يخفي عيوب الناس كانه أحيا نفساً قتلها ظالم.

في حَجْرِ أبي، فأصاب جاريةً من الحي، فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهُ بما صنعت لعله يستغفرُ لك"، وذكر الحديث في قصة رجمه، واسم المرأة التي وقع عليها ماعز: فاطمة، وقيل: غير ذلك، وكانت أمَةً لِهَزَّالٍ. 7 - وعن مكحولٍ "أن عقبة بن عامر رضي الله عنه أتى مَسْلَمَةَ بن مُخَلَّدٍ، فكان بينه وبين البواب شيء، فسمع صوته، فأذن له، فقال: إني لم آتك زائراً ولكن جئتك لحاجةٍ، أتذكرُ يوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ عَلِمَ من أخيه سيئةً فسترها ستر الله عليه يوم القيامة؟ قال: نعم. لهذا جئتُ" رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. 8 - وعن رجاء بن حَيْوَةَ قال: "سمعتُ مَسْلَمَةَ بن مُخَلَّدٍ رضي الله عنه يقول: بينا أنا على مِصْرَ فأتى البواب فقال إن أعرابياً على الباب يستأذنُ فقلتُ: من أنت؟ قال: أنا جابر بن عبد الله، قال: فأشرَفتُ عليه فقلتُ: أنزلُ إليك أو تصعدُ؟ قال: لا تنزل ولا أصعدُ، حديثٌ بلغني أنك تَرْوِيِهِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستر المؤمن، جئت أسمعهُ. قلت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ستر على مؤمنٍ عورةً فكأنما أحيا موءودةً فضرب بعيرهُ راجعاً" رواه الطبراني في الأوسط من رواية أبي سنان القسملي. 9 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ستر عورة أخيه ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته" رواه ابن ماجة بإسناد حسن. 10 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوتٍ رفيعٍ، فقال: يا معشر من أسلمَ بلسانه ولم يُفْضِ الإيمانُ إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحهُ، ولو في جوفِ رَحْلِهِ، ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة

فقال: ما أعظمك وما أعظم حُرمتكِ! والمؤمن أعظم حُرمةً عند الله منك" رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال فيه: يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبهُ لا تؤذوا المسلمين، ولا تُعَيِّرُوهم، ولا تطلبوا عثراتهم. الحديث. لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تطلبوا عثراتهم 11 - وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمنَ بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته" رواه أبو داود عن سعيد بن عبد الله بن جريج عنه، ورواه أبو يعلى بإسناد حسن من حديث البراء. 12 - وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك إن اتبعت عوراتِ المسلمين أفسدتهم أو كِدْتَ تُفسدهم" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه. 13 - وعن شريح بن عُبيد عن جُبير بن نُفير، وكَثيرِ بن مُرَّةَ، وعمرة بن الأسود، والمقدام بن معد يكرب، وأبي أمامة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الأمير إذا ابتغى (¬1) الرِّيبة في الناس أفسدهم" رواه أبو داود من رواية إسماعيل بن عياش. ¬

(¬1) طلب الشكوك أوقعهم في الضلال. معناه الحاكم إن أدخل الأوهام والظنون السيئة على قومه جرأهم على الفسوق، وفتح لهم باب الإضرار والإجرام، والمراد الاجتهاد في ستر الذنوب. آيات وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (أ) قال الله تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (104 من سورة آل عمران). قال الغزالي: ففي الآية بيان الإيجاب، فإن قوله ولتكن أمر، وظاهر الأمر الإيجاب، وفيها بيان أن الفلاح منوط به إذ حصر، وقال: وأولئك هم المفلحون، وفيها بيان أنه فرض كفاية لا فرض عين، وأنه إذا قام به أمة سقط الحرج عن الآخرين، إذ لم يقل كونوا كلكم آمرين بالمعروف. بل قال: ولتكن منكم أمة. فإذا مهما قام به واحد أو جماعة سقط الحرج عن الآخرين، واختص الفلاح بالقائمين به. أهـ. ص 269 جـ 2. =

[قال الحافظ] عبد العظيم: جبير بن نفير أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو معدود ¬

_ = (ب) وقال تعالى: "ليسواء سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين" (113 - 114 من سورة آل عمران). قال الغزالي: فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. (جـ) وقال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة" من سورة التوبة، فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن الإيمان. (د) وقال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" من سورة آل عمران. (هـ) وقال تعالى: "فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون" (165 من سورة الأعراف)، فبين أنهم استفادوا النجاة بالنهي عن السوء، ويدل ذلك على الوجوب أيضاً. أهـ غزالي. (و) وقال تعالى: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر" من سورة الحج. (ز) وقال تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" من سورة المائدة. (ح) وقال تعالى: "فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم" من سورة هود. (ط) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين" من سورة النساء. (ي) وقال تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" (114 من سورة النساء). (ك) وقال تعالى: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما" (من سورة الحجرات). والإصلاح نهي عن البغي، وإعادة إلى الطاعة. أهـ غزالي. الترغيب في التستر وعدم القذف من كلام الله تعالى: (أ) قال تعالى: "والذين يؤذن المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً" (58 من سورة الأحزاب). (ب) وقال تعالى: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون" (19 من سورة النور). (جـ) وقال تعالى: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم" (4 - 5 من سورة النور). (د) وقال تعالى: "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين" (24 - 25 من سورة النور). المحصنة هي التي أعفت نفسها بالنكاح الحلال، والغافلات هي البعيدات عن المعصية فلا تخطر على بالهن.

الترهيب من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم

في التابعين، وكثير بن مرة نص الأئمة على أنه تابعي، وذكره عبدان في الصحابة، وعمرو بن الأسود عنسي حمصي أدرك الجاهلية، وروى عن عمر بن الخطاب، ومعاذ، وابن مسعود وغيرهم. الترهيب من مواقعة الحدود وانتهاك المحارم 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا آخذٌ بِحُجَزِكُمْ (¬1) أقول: إياكم وَجَهَنَّمَ، إياكم والحدود، إياكم وجهنم، إياكم والحدود، إياكم وجهنم إياكم والحدود، ثلاث مراتٍ، فإذا أنا متُّ تركتكم وأنا فَرَطُكُمْ (¬2) على الحوْضِ فمن وردَ أفلحَ" الحديث. رواه البزار من رواية ليث بن أبي سليم. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يغارُ (¬3) وَغَيْرَةُ الله أن يأتي المؤمنُ ما حَرَّمَ الله عليه" رواه البخاري ومسلم. 3 - وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لأعْلَمَنَّ أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال (¬4) جبال تِهَامَةَ بيضاء، فيجعلها الله هباءً منثوراً (¬5) قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، حَلِّهِمْ (¬6) لنا، لا نكون منهم ونحن لا نعلمُ، قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون ¬

(¬1) أي أمد يدي أنقذكم وأجليكم بعيدين عن النار، والحجز جمع حجزة، وحجزة الإزار: معقده، وحجزة السراويل: مجمع شده. (¬2) وأنا قائدكم ومرشدكم لتشربوا من هذا الكوثر، ومعنى فرط: المتقدم في طلب الماء يهيئ الدلاء والأرشاء. فمن شرب من حوضي فاز ونجا من العذاب. (¬3) يغار: يراقب أعمال عباده ويطلب تنفيذ أوامره، وسن قوانين وأحب العمل، قال تعالى: "ويحذركم الله نفسه". ومن هذا المعنى ما رواه البخاري من قول سيدنا سعد: "لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فقال صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه والله أغير منا، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن". فالإنسان يستحق عقاب الله بغشيان المعاصي وارتكاب الموبقات وفعل الآثام. وأصل معنى الغيرة: الحمية والأنفة. يقال رجل غيور وامرأة غيور. (¬4) أعمالهم جمة تزن الجبال. (¬5) فيخف وزنها كلا شيء. (¬6) اذكر ما تحلوه من الخصال، وتكلموا به من الفعال.

ولكنهم قومٌ إذا خَلَوْا (¬1) بمحارمِ الله انتهكوها (¬2) " رواه ابن ماجة ورواته ثقات. 4 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الطابعُ (¬3) مُعَلَّقةٌ بقائمةِ عرشِ الله عز وجل، فإذا انتُهِكَتِ الحُرْمَةُ، وَعُمِلَ بالمعاصي واجتُرئ على الله بعث الله الطابع، فيطبعُ على قلبه، فلا يعقلُ بعد ذلك شيئاً" رواه البزار والبيهقي واللفظ له. 5 - وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ضرب مثلاً صراطاً (¬4) مستقيماً، علىكَنَفِيَ الصراط داران لهما أبوابٌ مُفتحةٌ على ¬

(¬1) فعلوا أعمالاً صالحة، ولكن ضعاف العزيمة إذا أمكن عصيان الله تعالى عصوا، وإذا انتهزت فرصة المحارم ارتكبوا فجازاهم الله تعالى بضياع ثواب ما عملوه من الخير إذ لم يرتدعوا وينزجروا ويتباعدوا عن محارم الله في الخلوة فإيمانهم ضعيف. (¬2) فعلوها. (¬3) الخاتم: محفوظة لكل إنسان. فإذا عصى الله ختم على قلبه الرين، وغشاه ومنعه ألطاف الله وطاعته. (أ) قال تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" (14 - 15 من سورة المطففين). (ب) وقوله تعالى: "وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون" (93 من سورة التوبة). وفي غريب القرآن: والطابع والخاتم ما يطبع به ويختم. (جـ) قال تعالى: "كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون" (95 من سورة الروم). (د) قال تعالى: "كذلك نطبع على قلوب المعتدين" (74 من سورة يونس عليه السلام). ومعناه دنسه. لماذا؟ لأنه مشى في طريق الفجور وابتعد عن طاعات الله عز وجل فأنزل الله عيه علامة الأشرار، ورسمه. (هـ) كما قال تعالى: أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم" (41 من سورة المائدة). (¬4) طريقاً معبدة مذللة بجانب جسر ممدود على يمين المار إلى الجنة، وعلى يساره النار أبوابهما مفتحة يدخل في الجنة من أطاع الله، ويقع في النار من عصى الله كما قال تعالى: "والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (25 - 27 من سورة يونس). دار السلامة من النقص والآفة، أو دار الله يسلم الله فيها وملائكته على داخلها (ويهدي): يوفق (صراط): طريق الجنة، وذلك الإسلام والتدرع بلباس التقوى (ولا يرهق وجوههم): ولا يغشاها (قتر): غبرة فيها سواد ولا هوان (خالدون): دائمون لا زوال فيها، ولا انقراض لنعيمها، بخلاف الدنيا وزخارفها (ما لهم من الله من عاصم): ما من أحد يعصمهم من سخط الله أو من جهة الله؟ والآية في الكفار لاشتمال السيئات على الكفر والشرك ولأن الذين أحسنوا يتناول أصحاب الكبيرة من أهل القبلة. أهـ. بيضاوي.

الأبواب سُتُورٌ، وداعٍ يدعو فوقهُ: "وَاللهُ يَدْعُوا إلى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" والأبواب التي على كَنَفَيَ الصراط حدود الله فلا يقع أحدٌ في حدود الله حتى يكشف الستر، والذي يدعو من فوقهِ واعظُ ربه عز وجل" رواه الترمذي من رواية بقية عن بجير بن سعد وقال: حديث حسن غريب. [كنفا الصراط] بالنون: جانباه. اتق المحارم تكن أعبد الناس 6 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعن جَنَبَتَي الصراط سُورانِ فيهما أبوابٌ مُفتحةٌ، وعلى الأبواب سُتُورٌ (¬1) مُرْخَاةٌ، وعند رأس الصراط يقول: استقيموا على الصراط ولا تَعْوَجُّوا، وفوق ذلك داعٍ يدعوا كلما هَمَّ عَبْدٌ أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك (¬2) لا تفتحهُ، فإنك إن فتحته تَلِجْهُ (¬3)، ثم فسره فأخبر أن الصراط هو الإسلام، وأن الأبواب المفتحة محارم الله، وأن الستور المرخاة حدود الله (¬4)، والداعي على رأس الصراط هو القرآن، والداعي من فوقه هو واعظُ الله في قلب كل مؤمنٍ" ذكره رزين ولم أره في أصوله، إنما رواه أحمد والبزار مختصراً بغير هذا اللفظ بإسناد حسن. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يأخذ مني هذه الكلمات فيعمل بهنَّ أو يُعَلِّمَ من يعملُ بهنَّ؟ فقال أبو هريرة: قلتُ أنا يا رسول الله فأخذ بيدي، وعَدَّ خمساً قال: اتق (¬5) المحارم تكن أعبد الناس (¬6) وارضَ بما قَسَمَ (¬7) الله لك تكن أغنى الناس (¬8)، وأحسن إلى جاركَ تكن مؤمناً، وأحب للناس (¬9) ما تُحبُّ لنفسك تكن مسلماً، ولا تُكثر الضحك، فإن كثرة ¬

(¬1) أثواب ممتدة ساترة. (¬2) ويحك: كلمة رحمة. كذا (د وع ص 119 - 2) وفي (ن ط) ويلك: عذاب لك. (¬3) تدخله. (¬4) يمثل صلى الله عليه وسلم أوامر الله ونواهيه بالستور المغطاة الساترة. فمن ارتكب شيئاً منها زال عنه الستر وفضحه الله، وأوقعه من على الصراط في النار، والمستضيء بتعاليم كتاب الله ناج لوجود خشية الله في قلبه، وانتفاعه في حياته بالقرآن والسنة. (¬5) اجتنب المعاصي. (¬6) أكثر الناس عبادة. (¬7) أعطاك. (¬8) أكثر الناس غنى. (¬9) من الخير وترك الشر.

الضحك تُميتُ القلب (¬1) " رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، والحسن لم يسمع من أبي هريرة، ورواه ابن ماجة والبيهقي وغيرهما من حديث واثلة عن أبي هريرة، وتقدم في هذا الكتاب أحاديث كثيرة جداً في فضل التقوى، ويأتي أحاديث أخر، والله أعلم. ¬

(¬1) فلا يتأثر بالمواعظ، بل يقسو ويلهو ولا يعمل بالكتاب والسنة، ذلك الذي أرخى لنفسه عنان الهزل والمجون، وفي الجامع الصغير (اتق): احذر الوقوع فيما حرم الله عليك تكن من أعبد الناس. إذ يلزم من ترك المحارم فعل الفرائض، ومن فعل ذلك وأتى ببعض النوافل كان أكثر عبادة (أغنى): "ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس" (وأحسن): بالقول والفعل تكن كامل الإيمان (ما تحب): من الخير الأخروي والدنيوي تكن كامل الإسلام (تميت القلب): أي تصيره مغموراً في الظلمات بمنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه وذا من جوامع الكلم. أهـ ص 26 جـ 1. خمسة أوامر حوت مناهج السعادة: (أ) طاعة الله واجتناب المعاصي رجاء أن تدخل برحمة الله مع العباد. (ب) القناعة ليطمئن قلبك ويشعر بالغنى، وتبعد عن سؤال الناس. (جـ) الإحسان ليتجلى برهان الإيمان في قلبك، وتثمر دوحته بحسن الخلال وجليل الصفات. (د) محبة الخير للناس كما يحب لنفسه لتظهر آداب الإسلام، فكما أن المرء يحب أن يكون مطيعاً لربه كريم الخلق، صحيح الجسم، ناجحاً في أعماله غنياً عن غيره، آمناً على نفسه وعرضه وماله، ويكره لنفسه ضد هذه الصفات فلا يتمنى لغيره ضرراً أو يسعى له في أذى، وقد شرح ذلك الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ينصح ابنه الحسن: يا بني: اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبينه، فأحب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكرهه لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً. (هـ) اجتناب اللهو والمزاح، والمرح خشية الاسترسال في الشهوات الفانية فيغفل القلب عن الله وينسى حقوقه فيسمع كلامه تعالى، وسنة رسوله فلا يعمل بها لاستغراقه في ملذاته. قال تعالى: (أ) "فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون" (11 - 19 من سورة الطور). (ب) وقال تعالى: "كل امرئ بما كسب رهين" (21 من سورة الطور).

الترغيب في إقامة الحدود، والترهيب من المداهنة فيها

الترغيب في إقامة الحدود، والترهيب من المداهنة فيها 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَحدٌّ (¬1) يُقَامُ في الأرض خيرٌ لأهلِ الأرضِ من أن يُمْطَرُوا ثلاثين صباحاً". 2 - وفي رواية قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إقامة حدٍ في الأرض خيرٌ لأهلها من أن يُمْطَرُوا أربعين ليلة" رواه النسائي هكذا مرفوعاً وموقوفاً، وابن ماجة ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدٌ يُعْمَلُ به في الأرض خيرٌ لأهل الأرضِ من أن يُمْطَرُوا أربعين صباحاً" وابن ماجة في صحيحه، ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إقامةُ حدٍ بأرضٍ خيرٌ لأهلها من مطر أربعين صباحاً". 3 - وروى ابن ماجة أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إقامةُ حدٍ من حدود الله خيرٌ من مطر أربعين ليلةً في بلاد الله". 4 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يومٌ (¬2) من إمام عادلٍ أفضلُ من عبادة ستين سنةً، وحدٌ يقامُ في الأرض بحقهِ أزكى (¬3) فيها من مطر أربعين عاماً" رواه الطبراني بإسناد حسن وهو غريب بهذا اللفظ. 5 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائمٍ (¬4) " رواه ابن ماجة ورواته ثقات إلا أن ربيعة بن ناجد لم يرو عنه إلا أبا صادق فيما أعلم. ¬

(¬1) المعنى إقامة أمر من أمور الله، وتنفيذ حد أجلب للبركة، وأدعى إلى زيادة الأرزاق وكثرة الخصب من وجود المطر تنزل مدة ثلاثين يوماً، وفيه الحث على مراعاة حدود الله رجاء كثرة الخيرات والبركات. (¬2) ثواب عمل العادل في يوم أكثر من ثواب عبادة ستين سنة، وأرجى في زيادة البر والحسنات. (¬3) أنمى وأطهر، والعرب في الصحراء فيوضح لهم صلى الله عليه وسلم أن طاعة الله توسع الأرزاق. (¬4) عتاب من يعتب، وتأنيب مؤلم.

سبب هلاك الأمم السابقة 6 - وعن عائشة رضي الله عنها أن قُريشاً (¬1) أهَمّهُمْ (¬2) شأن المخزومية (¬3) التي سرقت فقالوا: من يُكلمُ (¬4) فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم قالوا: من يَجْتَرِئُ (¬5) عليه إلا أسامة بن زيدٍ حِبَّ (¬6) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمهُ أسامة (¬7) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أسامة أتشفعُ في حدٍ من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال: إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وَايْمُ (¬8) الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ¬

(¬1) القبيلة المشهورة. (¬2) أجلبت إليهم هماً، أو صيرتهم ذوي هَمّ بسبب ما وقع منها، يقال أهمني الأمر: أقلقني. (¬3) نسبة إلى مخزوم بن يقظة، واسمها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد. (¬4) يشفع عنده فيها أن لا تقطع إما عفواً وإما بفداء. (¬5) يقدم بجراءة وثبات: المعنى ما يجترئ عليه إلا أسامة، قال الطيبي: الواو عاطفة على محذوف تقديره لا يجترئ عليه أحد لمهابته. لكن أسامة له عليه إدلال فهو يجرأ على ذلك. (¬6) بكسر المهملة: بمعنى محبوب، وفي ذلك تلميح بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أحبه فأحبه". (¬7) فيه أن الشافع يشفع بحضرة المشفوع له ليكون أعذر له عنده إذا لم تقبل شفاعته. قيل عاذت بأم سلمة: أي استجارت كما في حديث جابر عند مسلم والنسائي، وقيل عاذت بزينت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج عبد الرزاق من مرسل الحسن بن محمد أن عمر بن أبي سلمة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي أبه إنها عمتي. فقال لو كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. 77 - 12 فتح. (¬8) والذي نفس محمد بيده، وإنا خص صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته بالذكر لأنها أعز أهله عنده، ولأنه لم يبق من بناته حينئذ غيرها، فأراد المبالغة في إثبات إقامة الحد على كل مكلف، وترك المحاباة في ذلك، ولأن اسم السارقة وافق اسمها عليهما السلام فناسب أن يضرب المثل بها، وفي رواية يونس "قالت عائشة فحسنت توبتها بعد، وتزوجت وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث كراهة الشفاعة في الحدود. قال في الفتح في باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان ص 70 جـ 12، قال أبو عمرو بن عبد البر: لا أعلم خلافاً أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان، وأن على السلطان أن يقيمها إذا بلغته، وذكر الخطابي وغيره عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذى الناس ومن لم يعرف. فقال: لا يشفع للأول مطلقاً سواء بلغ الإمام أم لا، وأما من لم يعرف بذلك فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام، وتمسك بحديث الباب من أوجب إقامة الحد على القاذف إذا بلغ الإمام، ولو عفا المقذوف وهو قول الحنفية والثوري والأوزاعي، وقال مالك والشافعي وأبو يوسف يجوز العفو مطلقاً، ويدرأ بذلك الحد لأن الإمام لو وجده بعد عفو المقذوف لجاز أن يقيم البينة بصدق القاذف فكانت تلك شبهة قوية. وفي الحديث أيضاً دخول النساء مع الرجال في حد السرقة، وفيه قبول توبة السارق ومنقبة لأسامة، وفيه ما يدل على أن فاطمة عليها السلام عند أبيها صلى الله عليه وسلم في أعظم المنازل، وفيه ترك المحاباة في إقامة الحد على من وجب عليه ولو كان ولداً أو قريباً، أو كبير القدر والتشديد على ذلك، والإنكار على من رخص فيه أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه، وفيه جواز ضرب المثل بالكبير القدر للمبالغة في الزجر عن الفعل، وفيه جواز الإخبار عن أمر مقدر يفيد القطع بأمر محقق، وفيه أن من حلف على أمر لا يتحقق أنه يفعله أو لا يفعله =

الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها والتشديد في ذلك والترغيب في تركه والتوبة منه

لقطعت يدها" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. مثل القائم في حدود الله والواقع فيها 7 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ القائمِ (¬1) في حدود الله، والواقعِ (¬2) فيها كمثل قومٍ اسْتَهَامُوا (¬3) على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا اسْتَقَوْا (¬4) من الماء مَرُّوا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً (¬5)، ولم نُؤذِ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم (¬6) نجوا وَنَجَوْا جميعاً" رواه البخاري، واللفظ له والترمذي وغيره، وتقدمت أحاديث في الشفاعة المانعة من حد من حدود الله تعالى. الترهيب من شرب الخمر وبيعها وشرائها وعصرها وحملها وأكل ثمنها والتشديد في ذلك والترغيب في تركه والتوبة منه 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

= لا يحنث كمن قال لمن خاصم أخاه، والله لو كنت حاضراً لهشمت أنفك خلافاً لمن قال يحنث مطلقاً، فيه جواز التوجع لمن أقيم عليه الحد بعد إقامته عليه. أهـ. قال تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير" (38 - 40 من سورة المائدة). توجب السرقة القطع إذا كانت من حرز المثل، والمأخوذ ربع دينار أو ما يساويه لقوله عليه الصلاة والسلام "القطع في ربع دينار فصاعداً" والجمهور على أنه الرسغ لأنه عليه الصلاة والسلام أتى بسارق فأمر بقطع يمينه. (ظلمه): سرقته (وأصلح): أمره بالتقصي عن التبعات والعزم على أن لا يعود إليها. قال المازري ومن تبعه: صان الله الأموال بإيجاب قطع سارقها، وخص السرقة لقلة ماعداها بالنسبة إليها من الانتهاب والغصب، ولسهولة إقامة البينة على ماعدا السرقة بخلافها، وشدد العقوبة فيها ليكون أبلغ في الزجر، ولم يجعل دية الجناية على العضو المقطوع منها بقدر ما يقطع فيه حماية لليد، ثم لما خانت هانت. أهـ ص 79 جـ 12 هـ. (¬1) المنفذ أوامر الله كما أحب سبحانه، والمطيع الله المتبع الكتاب والسنة. (¬2) المرتكب المعاصي. (¬3) ضربوا قرعة على اختيار الأمكنة: أي تساهموا. (¬4) أرادوا الماء. (¬5) يخرج هذا الخرق الماء فلا يصعدون إلى أعلى. (¬6) منعوهم من فتح هذا الثقب. وفيه أن الإنسان يضرب بأيد من حديد على المفسدين: ويمنع المؤذين من أذاهم، ويصد الباغين، ويطرد العصاة ويبعد الفاسقين الضالين المضلين، فأنت ترى سيدنا رسول الله يمثل الفائزين الناجين بالسلامة والسلطة والنفوذ ليمنعوا الأذى، والعصاة الفساق بالباغين المفسدين المرذولين.

"لا يزني الزاني حين يزني (¬1) وهو مؤمنٌ، ولا يسرق السارق حين يسرقُ وهومؤمنٌ، ولا يشرب الخمر حين يشربها، وهو مؤمنٌ" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وزاد مسلم وفي رواية: وأبو داود بعد قوله: "ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمنٌ: ولكن التوبة (¬2) معروضةٌ بَعْدُ". 2 - وفي رواية النسائي قال: "لا يزني الزاني وهو مؤمنٌ، ولا يسرق السارقُ وهو مؤمنٌ، ولايشربُ الخمرَ وهو مؤمنٌ، وذكر رابعةً فنسيتها، فإذا فعل ذلك فقد خلع رِبْقَةَ (¬3) الإسلام من عُنقهِ، فإن تاب تاب الله عليه". 3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومُبتاعها (¬4) وبائعها وعاصرها ومُعتصرها (¬5) وحاملها (¬6) ¬

(¬1) قال في الفتح في باب ما يحذر من الحدود: باب الزنا وشرب الخمر ص 46 جـ 12: قيد نفي الإيمان بحالة ارتكابه لها، ومقتضاه أنه لا يستمر بعد فراغه، هذا هو الظاهر، ويحتمل أن يكون المعنى أن زوال ذلك إنما هو إذا أقلع الإقلاع الكلي، وأما لو فرغ وهو مصر على تلك المعصية فهو كالمرتكب فيتجه أن نفي الإيمان عنه يستمر، ويؤيده ما وقع في بعض طرقه "فإن تاب عاد إليه" من قول ابن عباس وأخرج الطبري من طريق نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن فإذا زال رجع إليه الإيمان ليس إذا تاب منه، ولكن إذا تأخر عن العمل به" ويؤيده أن المصر وإن كان إثمه مستمراً لكن ليس إثمه كمن باشر الفعل كالسرقة مثلاً. أهـ. وقد روى مرفوعاً أخرجه أبوجعفر الطبري من طريق مجاهد عن ابن عباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه، فإن شاء الله أن يرده إليه رده". قال تعالى في مدح الأبرار عباد الرحمن: (أ) في سورة الرحمن: "ولا يزنون". (ب) وقال تعالى: "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا" (32 من سورة الإسراء). (جـ) وقال تعالى: "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" من سورة الأنعام، وزاد البخاري ولا ينتهب نهبة، يرفع الناس إليها أبصارهم وهو مؤمن، قال في الفتح: النهبة المال المنهوب، والمراد به المأخوذ جهراً قهراً، وأشار برفع البصر إلى حالة المنهوبين فإنهم ينظرون إلى من بينهم ولا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا إليه، ويحتمل أن يكون كناية عن عدم التستر بذلك فيكون صفة لازمة للنهب بخلاف السرقة والاختلاس، فإنه يكون في خفية، والانتهاب أشد لما فيه من مزيد الجراءة وعدم المبالاة. أهـ. (¬2) الرجوع إلى الله أمر سهل ميسور، والعزيمة على عدم المعصية. (¬3) طوق وقلادة، والمعنى أزال عنه علامة الإسلام، والعروة الوثقى نزعها منه. (¬4) من ابتاع لغيره وابتاعها، اشتراها للتجارة. (¬5) يريد حابسها في الأواني والزجاجات، وعاصرها آخذها كسائل: وفي النهاية كل شيء حبسته ومنعته فقد اعتصرته، وقيل يعتصر. يرتجع، واعتصر العطية إذا ارتجعها. أهـ. (¬6) الذي يأخذها وينقلها للشاربين.

والمحمولة إليه (¬1) " رواه أبو داود واللفظ له وابن ماجة وزاد: وآكل ثمنها. إن الله حرم الخمر وثمنها 4 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرةً: عاصرها ومعتصرها، وشاربها وحاملها، والمحمولة إليه وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشترِيَ لها، والمشترى له" رواه ابن ماجة والترمذي واللفظ له وقال حديث غريب. [قال الحافظ]: ورواته ثقات. 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حرَّمَ الخمر وثمنها، وحرَّمَ الميتة (¬2) وثمنها، وحرَّمَ الخنزيرَ وثمنه" رواه أبو داود وغيره. 6 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود ثلاثاً، إن الله حرَّمَ عليهم الشحوم (¬3) فباعوها، فأكلوا أثمانها، إن الله إذا حرَّمَ على قومٍ أكل شيءٍ حرَّمَ عليهم ثمنه" رواه أبو داود. 7 - وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من باع الخمرَ فَلْيُشَقِّصِ الخنازير (¬4) " رواه أبو داود أيضاً. [قال الخطابي]: معنى هذا توكيد التحريم، والتغليظ فيه يقول: من استحل بيع الخمر فيستحل أكل الخنازير، فإنهما في الحرمة والإثم سواء، فإذا كنت لا تستحل أكل لحم الخنزير فلا تستحل ثمن الخمر. انتهى. 8 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتاني جبريل فقال: يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها، وشاربها، والمحمولة إليه، وبائعها ومبتاعها، وساقيها ومُسْقَاهَا (¬5) " رواه أحمد بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال صحيح الإسناد. ¬

(¬1) الذاهبة إليه كخازن. الجميع يبعدهم الله من رحمته ويقصيهم من رضوانه. (¬2) التي لم تذبح ذبحاً شرعياً. (¬3) الثروب وشحوم الكلى. قال تعالى: "وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون" (146 من سورة الأنعام). الثرب وزان فلس: شحم رقيق على الكرش والأمعاء ص 100 مصباح. (¬4) تشقيص الذبيحة تفصيل أعضائها سهاماً معتدلة بين الشركاء والمشقص كمحدث القصاب ص 306 - 2 قاموس. (¬5) الذي يملأ أوانيها للسقي، من أسقيته جعلت له سقياً. أما سقيته إذا كان بيدي.

إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء 9 - ورويَ عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يبيت قومٌ من هذه الأمة على طعمٍ وشُربٍ ولهوٍ ولعبٍ، فيصبحوا قد مُسخوا (¬1) قِرَدةً وخنازير، وليصيبهم خسفٌ وقذفٌ حتى يُصبح الناسُ، فيقولون: خُسف الليلة ببني فلانٍ، وخسف الليلة بدار فلانٍ خواصَّ، ولَتُرسَلنَّ عليهم حجارةٌ من السماء كما أُرسلت على قومِ لوطٍ على قبائل فيها، وعلى دُورٍ، ولترسلن عليهم الريح العقيم التي أهلكت عاداً على قبائل فيها، وعلى دورٍ بشربهم الخمر، ولبسهم الحرير، واتخاذهم القينات (¬2)، وأكلهم الربا، وقطيعتهم الرحم (¬3)، وخصلةٍ نسيها جعفرٌ" رواه أحمد مختصراً، وابن أبي الدنيا والبيهقي. 10 - ورويَ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلةً حَلَّ بها البلاء (¬4) قيل: ما هُنَّ يا رسول الله؟ قال: إذا كان المغنمُ دُولاً (¬5)، والأمانة مغنماً (¬6) والزكاة مغرماً (¬7) وأطاع الرجل زوجته، وعقَّ (¬8) أمهُ، وَبَرَّ صديقهُ، وجفا (¬9) أباه، وارتفعتِ الأصوات في المساجد، وكان زعيمُ (¬10) القومِ أرذلهم، وأُكْرِمَ الرجلُ مخافة شَرِّهِ، وشُربت الخمور، وَلُبسَ الحريرُ، واتخذت القينات والمعازف (¬11)، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا (¬12) عند ذلك ريحاً (¬13) حمراء، أو خَسْفاً (¬14) وَمَسْخاً (¬15) " رواه الترمذي، وقال حديث غريب. ¬

(¬1) بدلت صورهم مثل القردة والخنازير لميلهم إلى المعاصي. (¬2) المغنيات. (¬3) الأقارب. (¬4) المصائب والأزمة والفقر وعدم البركة. (¬5) تؤخذ الغنائم بالقوة. (¬6) فرصة لنهبها. (¬7) أي الصدقات غرامة. (¬8) عصى. (¬9) كره وقطع. (¬10) رئيس الناس. (¬11) المعازف: الدفوف وغيرها مما يضرب. أهـ نهاية. (¬12) فلينتظروا عذاب الله ونزول الآفات. (¬13) رياحاً شديدة مزعجة ممرضة. (¬14) قلب الأرض وزلزالها. (¬15) تغيير الصور وتبديلها. يبين صلى الله عليه وسلم أسباب المصائب التي تحل بالمسلمين ليتعظوا، وليطيعوا الله ورسوله، وليحفظوا الأمانة وليخرجوا الزكاة، وليكون الرجل شجاعاً ذا عزيمة نافذ الكلمة غير مطواع لزوجه في الشر، وغير موافق على التبرج، ويلزمها الاستقامة ويكبح جماحها، وليبر والديه ويكرم أمه، ويجتنب اللغو في بيوت يذكر فيها اسم الله، وليختار القوم سيداً عليهم ذا فضل ودين وعفة واستقامة، ثم يتحد المسلمون على =

11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زنى، أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه" رواه الحاكم. ¬

_ = معاكسة الأشرار، وكف أذاهم ولا يراءون في إكرام الشرير المجرم الفاسق، ويجتنبون شرب الخمور ولبس الحرير، وهنا طامة كبرى فشت بين بعض المسرفين "اتخاذ القينات" فتجد من يتخذ امرأة أجنبية تخادنه وتعاشره بلا عقد شرعي كخدامة (كمريرة) وهذا يغضب الله ورسوله، هذا إلى إرخاء العنان لاتخاذ آلات اللهو (المعازف) فليحذر المسلمون تلك الخصال رجاء نصر الله لهم، ومده بإحسانه فيزيل عسرهم ويفك كربهم ويبعد أزمتهم كما قال تعالى: (أ) "وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا" (16 من سورة الجن). (ب) وقال تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون" (19 من سورة الأعراف). (جـ) وقال تعالى: "وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم" (47 - 49 من سورة الطور). (عذاباً دون ذلك): دون عذاب الآخرة، وهو عذاب القبر، أو المؤاخذة في الدنيا كقتلهم ببدر، والقحط سبع سنين. أهـ. بيضاوي. والعذاب الآن: الضيق والأزمة، والذل والاستعباد، ونزع البركة والأمراض، وهل نجد ظلماً أكثر من عصيان الله وهجر تعاليمه وترك عبادته، ولقد أمر الله حبيبه صلى الله عليه وسلم بالصبر والتسبيح ليل نهار وبالصلاة (بأعيننا): في حفظنا بحيث نراك ونكلؤك. (د) وقال تعالى: "أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون" (18 - 21 من سورة السجدة). إن شاهدنا (العذاب الأدنى): أي عذاب الدنيا، يريد ما محنوا به من السنة سبع سنين والقتل والأسر. أهـ. بيضاوي. (هـ) وقال تعالى: "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى، لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون" (61 - 64 من سورة النحل). (بظلمهم): بكفرهم ومعاصيهم (ما يكرهون): ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشركاء في الرياسة والاستخفاف بالرسل وأراذل الأموال (مفرطون): مقدمون إلى النار، والولي القرين الناصر، فأصروا على قبائح الأعمال وكفروا بالمرسلين. قال البيضاوي: يجوز أن يكون الضمير لقريش: أي زين الشيطان للكفرة المتقدمين أعمالهم، وهو ولي هؤلاء اليوم يغريهم ويغويهم (ولهم عذاب أليم): مؤلم في القيامة. إن شاهدنا تأجيل العذاب إلى الآخرة مهما أسرف العصاة، نسأل الله السلامة.

من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر وتقدم في باب الحمّام حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلسُ على مائدةٍ يُشربُ عليها الخمر" الحديث. رواه الطبراني. 12 - ورويَ عن خَبَّابِ بن الأرَتِّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إياك والخمر فإنها تُفَرِّعُ (¬1) الخطايا كما أن شجرها يُفَرِّعُ الشَّجَرَ" رواه ابن ماجة، وليس في إسناده مَن ترك. 13 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكل مُسْكِرٍ حَرامٌ، ومن شرب الخمر في الدنيا، فمات وهو يُدمنها (¬2) لم يشربها في الآخرة" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي ولفظه في إحدى رواياته: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شرب الخمر في الدنيا ولم يَتُبْ لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة". 14 - وفي رواية لمسلم قال: "من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يَتُبْ منها حُرِمَهَا في الآخرة" [قال الخطابي] ثم البغوي في شرح السنة: وفي قوله "حرمها في الآخرة" وعيدٌ بأنه لا يدخل الجنة لأن شراب أهل الجنة خمرٌ إلا أنهم لا يُصَدَّعُونَ عنها ولا يُنزفون، ومن دخل الجنة لا يُحرمُ شرابها. انتهى. 15 - وعن أبي موسى رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: مُدمنُ (¬3) الخمرِ وقاطعُ (¬4) الرحمِ ومُصَدِّقٌ بالسِّحْرِ (¬5) ومن ¬

(¬1) تنمى وتزيد في الآثام. بمعنى أن الذي يتجارأ على شربهايترك الصلاة والصوم، ويظلم ويفسق ويستمر في الغواية، ويرخي العنان لنفسه في سبيل الغواية فتكثر ذنوبه وتقل حسناته كما أن الشجرة تنمو فتتفرع منها أشجار. كما قال تعالى: "ومن ثمرات النخيل والأعناب" يفرغ 123 - 2 ع. (¬2) يداوم عليها. (¬3) المداوم على الشرب فلا يتوب. (¬4) قاطع مودة أقاربه. (¬5) يقال على معان. الأول الخداع، وتخييلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعبذ يصرف الأبصار عما يفعله =

مات مُدمن (¬1) الخمر سقاه الله جل وعلا من نهر الْغُوطَةِ قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهرٌ يجري من فُرُوجِ المومسات يُؤذي أهل النار ريحُ (¬2) فُروجهم" رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم، وصححه في رواية لابن حبان: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة مُدمن خمرٍ، ولا مؤمنٌ بسحرٍ (¬3) ولا قاطعُ رحمٍ" [المومسات]: هنَّ الزانيات. 16 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربعٌ حقٌ على الله أن لا يُدخلهمُ الجنة، ولا يُذيقَهُمْ نعيمها: مُدمنُ الخمرِ، وآكلُ الربا، وآكل مال اليتيم بغير حقٍ، والعاقُ (¬4) لوالديه" رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد. ¬

= لخفة يده وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع، وعلى ذلك قوله تعالى: "سحروا أعين الناس واسترهبوهم" من الأعراف، وقال: "يخيل إليه من سحرهم" وبهذا النظر سموا موسى عليه السلام ساحراً. فقالوا: "يا أيها الساحر ادع لنا ربك" والثاني استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه كقوله تعالى: "هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم" (221 - 222 من سورة الشعراء). وعلى ذلك قوله تعالى: "ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" من سورة البقرة، والثالث ما يذهب إليه الأغنام وهو اسم الفعل، يزعمون أنه من قوته يغير الصور والطبائع فيجعل الإنسان حماراً ولا حقيقة لذلك عند المحصلين. أهـ غريب القرآن في مادة سحر. فتجد الذي يصدق بالسحر لا يدخل الجنة لأنه اعتقد بحقيقة أشياء ثابتة، ولقد علم فرعون أن السحر خيالات وأوهام كما حكى الله عنه في كتابه العزيز، قال تعالى: "قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى" (57 - 61 من سورة طه) .. إلى قوله تعالى: "قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى فألقي السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى" (66 - 70 من سورة طه). وشاهدنا قول البيضاوي: (من أرضنا بسحرك) أرض مصر، وهذا تعلل وتحير ودليل على أنه علم كونه محقاً حتى خاف منه على ملكه. فإن الساحر لا يقدر أن يخرج ملكاً مثله من أرضه (يوم الزينة): يوم عاشوراء أو يوم النيروز أو يوم عيد، وإنما عينه ليظهر الحق ويزهق الباطل على رءوس الأشهاد، ويشيع ذلك في الأقطار (تلقف): تبتلعه بقدرة الله تعالى، وتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر بل آية ومعجزة من اله تعالى. لينصر نبيه ويؤيده ببراهين قدرته. (¬1) مواظب، من أدمنه: لازمه. (¬2) شدة نتن وقذارة. (¬3) مصدق بأحقية أنه مؤثر. (¬4) العاصي.

[قال الحافظ]: فيه إبراهيم بن خيثم بن عراك، وهو متروك. 17 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَلِجُ حائِطَ (¬1) القُدْسِ مُدمنُ خمرٍ، ولا العاقُّ، ولا المنانُ عطاءً" رواه أحمد من رواية علي بن زيد، والبزار إلا أنه قال: لا يلجُ جنان الفردوس. مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن 18 - وعن ابن المنكدر قال: حُدِّثْتُ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثنٍ (¬2) " رواه أحمد هكذا، ورجاله رجال الصحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه عن سعيد بن جبير. 19 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لقيَ الله مدمن خمرٍ، لقيه كعابد وثنٍ". 20 - وعن أبي موسى رضي الله عنه أنه كان يقول: "ما أبالي شُرِبَتِ الخمرُ أو عُبِدَتْ هذه الساريةُ (¬3) دون الله" رواه النسائي. 21 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة مُدمن خمرٍ، ولا عاقٌ، ولا مَنَّانٌ، قال ابن عباسٍ: فشق ذلك عليَّ لأن المؤمنون يُصيبون ذنوباً حتى وجدت ذلك في كتاب الله عز وجل في العاقِّ: "فَهَلْ ¬

(¬1) لا يدخل المكان الطاهر الذي فيه النعيم ثلاثة: (أ) المستمر على شرب الخمر ولم يتب. (ب) مهين والديه ومخالفهما وغير بار بهما. (جـ) الذي يحسن ويذكر إحسانه على سبيل الفخر والرياء. قال تعالى: "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى" من سورة البقرة، أي رد جميل، وتجاوز عن السائل أفضل عند الله من إنفاق فيه مَنٌّ وإيذاء (والله غني حليم): سبحانه يحب الكريم الجواد الذي لا يمن (غني) عن إنفاق بمن وإيذاء (حليم) عن معاجلة من يمن ويؤذي بالعقوبة. (¬2) معناه الذي يموت سكيراً يحشر مع المشركين عباد الصنم. لماذا؟ لأن الإسلام زال عنه وانتفى منه الإيمان إذ يعصي الله بهذه الموبقة. (¬3) العمود المرتفع، والمعنى أن أبا موسى لا يكترث باثنين: (أ) شارب خمر. (ب) عابد صنم وهو العماد (وساريتي بلنط أو رخام) وهذا نهاية التحقير للسكير كأنه مغفل جاهل لا يعرف ما يضره أو ينفعه.

عَسَيْتُمْ (¬1) إنْ تَوَلَّيْتُمْ (¬2) أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا (¬3) أرْحَامَكُمْ" الآية، وفي المنان: "لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ والأذَى (¬4) " الآية، وفي الخمر: "إنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ والأزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ (¬5) " الآية. رواه الطبراني ورواته ثقات إلا أن عتاب بن بشير لا أراه سمع من مجاهد. 22 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ حَرَّمَ الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مُدمنُ الخمرِ، والعاقُّ، والدَّيُّوثُ الذي ¬

(¬1) فهل يتوقع منكم. (¬2) أمور الناس، وتأمرتم عليهم، أو أعرضتم وتوليتم عن الإسلام. (¬3) تزيلوا مودة الأقارب تناحراً على الولاية وتجاذباً لها، أو رجوعاً إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغادر ومقاتلة الأقارب، والمعنى أنهم لضعفهم في الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم: أي إن تولاكم ظلمة خرجتم معهم، وساعدتموهم في الإفساد وقطيعة الرحم قال تعالى: "أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" (23 - 24 من سورة محمد). (فأصمهم): لا يستمعون الحق ولا يهتدون سبيله (يتدبرون): يتصفحون القرآن وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يجسروا على المعاصي. أهـ. بيضاوي. (¬4) أي لا تحبطوا أجرها بالتحدث وذكر الفضل، والفخر والرياء. (¬5) تمام الآية: "فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين" (90 - 92 من سورة المائدة). والخمر مصدر خمره إذا ستره، سمي به عصير العنب والتمر إذا اشتد وغلا كأنه يخمر العقل أي يغطيه كما سمى سكراً. لأنه يسكره: يحجزه، وهي حرام مطلقاً، والميسر سمى به القمار لأنه أخذ مال الغير بيسر، أو سلب يساره. والأنصاب: الأصنام التي نصبت للعبادة. والأزلام: الأقداح المكتوب على أحدها: أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، والثالث غفل، فإذا قصدوا فعلاً ضربوا هذه الثلاثة. فإن خرج الآمر مضوا على ذلك، وإن خرج الناهي تجنبوا عنه، فإن خرج الغفل أجالوها ثانياً. قال تعالى: "وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق" رجس: قذر تعاف عنه العقول، مسبب عن تسويل الشيطان وتزيينه. قال البيضاوي: واعلم أنه أكد سبحانه وتعالى تحريم الخمر والميسر في هذه الآية، بأن صدر الجملة بإنما وقرنهما بالأنصاب والأزلام وسماها رجساً وجعلها من عمل الشيطان تنبيهاً على أن الاشتغال بهما شر بحت، أو غالب، وأمر بالاجتناب عن عينهما وجعله سبباً يرجى منه الفلاح، ثم قرر ذلك بأن بين ما فيهما من المفاسد الدنيوية والدينية المقتضية للتحريم (إنما يريد) الآية. أي يسببان الشقاق والكدر والبغضاء، ويمنع عن العبادة والذكر والصلاة، وأفرد الصلاة إشعاراً بفضلها، والصاد عنها كالصاد عن الإيمان، وأنها عماد الدين، وفرق بين المسلم والكافر الصلاة، وذكر سبحانه الأنصاب والأزلام للدلالة على أنهما مثل الخمر والميسر في الحرمة، والشر والضرر كما ذكر صلى الله عليه وسلم: "شارب الخمر كعابد الوثن".

يُقرُّ في أهلهِ الخبَثَ" رواه أحمد واللفظ له والنسائي والبزار والحاكم وقال: صحيح الإسناد. اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر 23 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُرَاحُ رِيحُ الجنةِ من مسيرةِ خمسمائة عامٍ، ولا يجدُ ريحها مَنَّانٌ بعملهِ، ولا عاقٌ ولا مُدمنُ خمرٍ" رواه الطبراني في الصغير. 24 - وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة أبداً: الديوث، والرَّجُلَةُ من النساء، ومدمن الخمر، قالوا يا رسول الله: أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث (¬1)؟ قال: الذي لا يُبالي من دخل على أهله. قلنا: فما الرَّجُلَةُ من النساء؟ قال: التي تشبهُ بالرجال" رواه الطبراني، ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً، وشواهده كثيرة. 25 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شرٍ" رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 26 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الخمرُ جِمَاعُ الإثم (¬2)، والنساء حَبَائِلُ (¬3) الشيطان، وحُبُّ الدنيا رأس (¬4) كل خطيئةٍ" ذكره رزين، ولم أره في شيء من أصوله. 27 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن لا تُشْرِكَ بالله شيئاً وإن قُطِّعْتَ (¬5) وإن حُرِّقْتَ (¬6)، ولا تترك صلاةً مكتوبة مُتعمداً فمن تركها متعمداً فقد برئت (¬7) منه الذمة، ولا تشرب الخمر، فإنها مفتاح (¬8) كُلِّ ¬

(¬1) فاقد الشجاعة الذي يرضى بفسق أهله. (¬2) الذنب. (¬3) مصايد للإغواء والإضلال. (¬4) العكوف على جمع الدنيا وزهراتها مسبب للخطايا. (¬5) تمزق جسمك. (¬6) أصابك حرق في سبيل عقيدتك بتوحيد الله جل وعلا. (¬7) خرج من الملة الحنيفة السمحاء. (¬8) جالبة كل المصائب ومسببة المعاصي لأن الشارب يفقد عقله ويضيع صوابه فيرتكب كل جريمة ويفعل كل موبقة، ويهتك العرض ويقدم على الشرور والفجور. نسأل الله السلامة، ولقد بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم حالة رجل عرضت عليه الموبقات فاختار الخمر، فبعد أن شرب ضاع صوابه فوقع في حمأة الموبقات كلها، واقترف الآثام جميعها.

شَرٍّ" رواه ابن ماجة والبيهقي كلاهما عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عنه. اجتنبوا أم الخبائث 28 - وعن سالم بن عبد الله عن أبيه أن أبا بكرٍ وعمر، وناساً جلسوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علمٌ فأرسلوني إلى عبد الله بن عمروٍ أسألهُ، فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمرِ، فأتيتهم فأخبرتهم، فأكثروا ذلك، وَوَثَبُوا إليه جميعاً (¬1) حتى أَتَوْهُ في دارهِ، فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن ملكاً من مُلوكِ بني إسرائيل أخذ رجلاً فَخَيَّرَهُ بين أن يشرب الخمر، أو يقتل نفساً، أو يزني، أو يأكل لحم خنزيرٍ، أو يقتلوهُ؟ فاختار الخمر، وإنه لما شَرِبَ الخمر لم يمتنع من شيء أرادوه منه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحدٍ يشربها فَتُقْبَلَ له صلاةُ أربعين ليلةً، ولا يموتُ، وفي مثانتهِ منه شيء إلا حُرِّمَتْ بها عَليه الجنة، فإن مات في أربعين ليلةً مات ميتةً جاهليةً" رواه الطبراني بإسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 29 - وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اجتنبوا أم الخبائث، فإنه كان رجلٌ ممن كان قبلكم يتعبدُ، ويعتزلُ النسا، فَعَلِقَتْهُ (¬2) امرأةٌ، فأرسلت إليه خادماً إنا ندعوك لشهادةٍ فدخل، فَطَفِقَتْ (¬3) كلما يدخلُ باباً أغلقتهُ دونه حتى إذا أفضى (¬4) إلى امرأةٍ وضيئةٍ (¬5) جالسةٍ، وعندها غُلامٌ وبَاطِيَةٌ (¬6) فيها خمرٌ، فقالت: إنا لم نَدْعُكَ لشهادةٍ ولكن دعوتك لقتلِ (¬7) هذا الغُلامِ أو تقع عليَّ، أو تشربَ كأساً من الخمر، فإن أبيت صِحْتُ (¬8) بك وفَضَحْتُكَ. ¬

(¬1) طفروا جميعاً. كذا (د): ص 25 - 2، وفي (ط): شيعاً. (¬2) أحبته وقلبها هام به وتعلق، وفي النهاية فعلقت منه كل معلق: أي أحبها وشغف بها. يقال علق بقلبه علاقة، وكل شيء وقع موقعه فقد علق عاليقه. أهـ. (¬3) أخذت في الفعل. (¬4) وصل. (¬5) جميلة حسنة الوجه وضاءة متلألئة براقة. (¬6) إناء كبير مثل القصعة. (¬7) لقتل. كذا (ط وع)، وفي (ن د): لتقتل وتشرب الخمر. (¬8) رفعت صوتي مستغيثة، وأعلنت جرمك على رءوس الأشهاد.

قال: فلما رأى أنه لابد له من ذلك قال: اسقيني كأساً من الخمر، فسقتهُ كأساً من الخمر فقال: زيديني، فلم تزل حتى وقعَ عليها (¬1) وقتل النَّفْسَ، فاجتنبوا الخمر فإنه والله لا يجتمعُ إيمانٌ وإدمانُ الخمر في صدر رجلٍ وليوشكن أحدهما يُخْرِجُ صاحبهُ" رواه ابن حبان في صحيحه واللفظ له، والبيهقي مرفوعاً مثله، وموقوفاً وذكر أنه المحفوظ. 30 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن آدم لما أُهْبِطَ (¬2) إلى الأرض قالت الملائكة: أيْ ربِّ أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لكَ (¬3) قال: إنِّي أعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ. قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله لملائكته: هَلُمُّوا (¬4) مَلَكَيْنِ مِنَ الملائكةِ، فننظر كيف يعملان؟ قالوا: ربنا هاروت وماروت. قال: فاهبطا (¬5) إلى الأرض، فتمثلت لهما الزهرةُ (¬6) امرأةً من أحسن البشر، فجاءاها، فسألاها نفسها، فقالت: لا واللهِ حتى تتكلما بهذه الكلمةِ من الإشراكِ، قالا: والله لا نُشركُ بالله أبداً، ¬

(¬1) أي جامعها وارتكب الفاحشة، وقتل الغلام، لماذا؟ لأنه سكر فغاب عقله فشابه المجنون ففعل المعاصي، ولم يدر. فكذلك شارب الخمر عرضة لفعل ما يغضب الله ولا يعي، ومن ذا طلب صلى الله عليه وسلم من أمته أن تبتعد عن شرب الخمر قليلها وكثيرها، ثم أقسم صلى الله عليه وسلم بعدم اجتماع هذين الضدين: (أ) الإيمان. (ب) إدمان. فالإيمان إذا عمر القلب أثمر بالاستقامة فلا إدمان، وأما إذا شرب الإنسان زال الإيمان. (¬2) أنزله الله الدنيا. (¬3) تعجب من أن يستخلف لعمارة الأرض وإصلاحها من يفسد فيها، أو يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية، واستكشاف عما خفي عليهم من الحكمة التي بهرت تلك المفاسد وألفتها، واستخبار عما يرشدهم، ويزيح شبهتهم كسؤال المتعلم معلمه عما يختلج في صدره، وليس باعتراض على الله تعالى جلت قدرته، ولا طعن في بني آدم على وجه الغيبة، فإنهم أعلى من أن يظن بهم ذلك لقوله تعالى: "بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون" (26 - 27 من سورة الأنبياء). وإنما عرفوا ذلك بإخبار من الله تعالى، أو تلق من اللوح، أو استنباط عما ركن في عقولهم أن العصمة من خواصهم. أهـ. بيضاوي. (¬4) أقبلوا وانظروا، واختاروا ملكين. (¬5) أنزلا. (¬6) كوكب وضاء في السماء تشبه بغادة حسناء فاشتاقت نفساهما إلى مداعبتها، شأن الطباع البهيمية لأنهما تجردا من عالم الملائكة إلى عالم البشر فعلقت الزهرة رضاها على الكفر، مهراً لها وأجراً، فأبيا، ثم عادت وطلبت قتل غلام فأبيا، ثم رجعت ثالثة ومعها كوبة خمر فشربا فذهب عقلهما فارتكبا الفاحشة وقتلا الغلام وذلك من شرب الخمر وبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أنها أم الخبائث ومفتاح كل شر.

فذهب عنهما، ثم رجعت إليهما ومعها صبيٌ تحملهُ، فسألاها نفسها، فقالت: لا والله حتى تقتُلاَ هذا الصبي، فقالا: والله لا نقتلهُ أبداً، فذهبت، ثم رجعت بقدحٍ من خمرٍ تحملهُ، فسألاها نفسها، فقالت: لا واللهِ حتى تشربا هذه الخمرَ، فشربا فَسَكِرَا، فوقعا عليها، وقتلا الصبي، فلما أفاقا، قالت المرأةُ: والله مَا تَركتما من شيءٍ أبيتماهُ عليَّ إلا فعلتماهُ حين سَكِرْتُمَا، فَخُيِّرَا عند ذلك بين عذاب الدنيا والآخرة، فاختارا عذاب الدنيا" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه من طريق زهير بن محمد، وقد قيل: إن الصحيح وقفه على كعب، والله أعلم. 31 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما حُرِّمَتِ الخمرُ مشى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعضٍ، وقالوا: حُرِّمَتِ الخمرُ، وجُعِلَتْ عِدْلاً للشرك (¬1) " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. 32 - وعن أبي تميم الجيشاني: أنه سمع قيس بن سعيد بن عبادة الأنصاري وهو على مِصْرَ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كذب عليَّ كذبةً مُتعمداً، فليتبوأ (¬2) مضجعاً من النار، أو بيتاً في جهنم، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شرب الخمر أتى عطشان يوم القيامة، ألا فكل مُسْكِرٍ (¬3) خمرٌ، وكل خمرٍ حرامٌ، وإياكم والغُبَيْرَاءَ (¬4)، وسمعت عبد الله بن عمروٍ، بعد ذلك يقول مثلهُ، لم يختلف إلا في بيتٍ أو مضجعٍ" رواه أحمد وأبو يعلى، كلاهما عن شيخ من حمير لم يسمياه، عن أبي تميم. 33 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) مساوية لعقاب الإشراك بالله، وقد تقدم أن شارب الخمر يعذب كعابد الوثن، وقد قرن الله تعالى الخمر مع الأنصاب والأزلام، رجاء البعد عنها. (¬2) فليأخذ مكان اضطجاعه. (¬3) كل ما يغيب العقل من شراب العنب، والتمر والشعير، والحشيش والأفيون وغير ذلك. (¬4) ضرب من الشراب يتخذه الحبش من الذرة، وتسمى الكركة، وقال ثعلب: هو خمر يعمل من الغبيراء، هذا التمر المعروف، أي مثل الخمر التي يتعارفها جميع الناس لا فضل بينهما في التحريم. أهـ. نهاية.

قال: من شرب الخمر خرج نور الإيمان من جوفه" رواه الطبراني. 34 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شرب الخمر أسقاه الله من حميمِ (¬1) جهنم" رواه البزار. 35 - وعن جابر رضي الله عنه: "أن رجلاً قَدِمَ من جَيْشَانَ، وجيشانُ من اليمن فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرابٍ يشربونهُ بأرضهم من الذرة، يقال له: المزْرُ (¬2) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَمُسْكِرٌ هُوَ؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلُّ مُسْكِرٍ حرامٌ، وإن عند الله عهداً لمن يشربُ المسكرَ أن يسقيهُ من طينة الخَبَالِ. قالوا: يا رسول الله! وما طينةُ الخَبَالِ؟ قال عَرَقُ أهل النارِ أو عُصارةُ أهل النار" رواه مسلم والنسائي. 36 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ثلاثةٌ لا تقربهم الملائكةُ: الجُنُبُ والسَّكرَانُ، والمُتَضَمِّخُ بالخُلوقِ (¬3) " رواه البزار بإسناد صحيح. 37 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يقبل الله لهم صلاةً، ولا تصعدُ لهم إلى السماء حسنةٌ: العبدُ الآبقُ (¬4) حتى يرجع إلى مواليه (¬5)، فيضع يده في أيديهم، والمرأة الساخطُ (¬6) عليها زوجها حتى يرضى، والسكران حتى يصحو (¬7) " رواه الطبراني في الأوسط وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والبيهقي. 38 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله بعثني رحمةً وهدىً للعالمين، وأمرني أن أمحقَ المزامير (¬8)، والْكُبَّارَاتِ، يعني الْبَرَابِطَ ¬

(¬1) سقى وأسقاه الماء الشديد الحرارة قال تعالى: "وسقوا ماءً حميماً". (¬2) نبيذ يتخذ من الذرة، وقيل من الشعير والحنظة. أهـ. نهاية. (¬3) طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقد ورد تارة بإباحته، وتارة بالنهي عنه، والنهي أكثر وأثبت، وإنما نهى عنه لأنه من طيب النساء وكن أكثر استعمالاً له منهم، والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة. أهـ. نهاية. (¬4) الفار الهارب. (¬5) أسياده. (¬6) الغضبان. (¬7) يستيقظ من سكرته وغفلته ويفيق. (¬8) جمع مزمار، والمزمار: الآلة التي يزمر بها من زمر =

والمعازف (¬1) والأوثان (¬2) التي كانت تُعْبَدُ في الجاهلية، وَأقْسَمَ ربي بعزته: لا يشربُ عَبْدٌ من عبيدي جَرْعَةً من خمرٍ إلا سَقَيْتُهُ مكانها من حميم جهنم مُعذباً أو مغفوراً (¬3) له ولا يسقيها (¬4) صبياً صغيراً إلا سقيتهُ مكانها من حميم جهنمَ مُعَذَّبَاً أو مغْفُوراً له، ولا يدعها عبدٌ من عبيدي من مخافتي إلا سقيتها إياهُ من حظيرة القُدْسِ (¬5) " رواه أحمد من طريق علي بن يزيد. [البرابط]: جمع بربط، بفتح الباءين الموحدتين: وهو العود. من سره أن يسقيه الله الخمر في الآخرة فليتركها في الدنيا 39 - وعن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك الخمر وهو يقدرُ عليه لأسقينهُ منه في حظيرة القدس: ومن ترك الحرير، وهو يقدرُ عليه لأكسونه إياه في حظيرة القدس" رواه البزار بإسناد حسن. 40 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يسقيه الله الخمر في الآخرة فليتركها في الدنيا، ومن سره أن يكسوهُ الله الحريرَ في الآخرة فليتركهُ (¬6) في الدنيا" رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات إلا شيخه المقدام بن داود، وقد وُثِّق، وله شواهد. 41 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من شربَ حَسْوَةً (¬7) من خمرٍ، لم يقبل الله منه ثلاثةَ أيامٍ صَرْفاً ولا عَدْلاً (¬8)، ومن شرب كأساً لم يقبلِ الله صلاتهُ أربعين صباحاً، وَمُدمنُ الخمر حقاً على الله أن يسقيهُ من نهر الخَبَالِ. قيل: يا رسول الله: وما نهر الخبَالِ؟ قال: صديدُ (¬9) أهل النار" رواه الطبراني من رواية حكم بن نافع. ¬

= إذا غنى والقصبة التي يزمر بها زمارة، ومنه حديث أبي بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وفي رواية مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم. (¬1) الدفوف وغيرها مما يضرب. (¬2) الأصنام. (¬3) عاصياً أو طائعاً. (¬4) ولا يسقيها رجل بالغ صبياً صغيراً فيعذب الله الساقي من الماء المغلي بنار جهنم لأنه يريد أن يغوي الطفل ويعوده الإجرام. (¬5) نعيم الجنة. (¬6) فلا يلبسه. (¬7) الجرعة من الشراب بقدر ما يحسى مرة واحدة مثل حسو الطير. (¬8) فرضاً ولا نفلاً. (¬9) ما يسيل من جلود أهل النار. قال تعالى: "ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه" (16 - 17 من سورة إبراهيم).

في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، الحديث 42 - وروي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لَيَبِيتَنَّ أُنَاسٌ من أمتي على أشَرٍ وَبَطَرٍ وَلَعِبٍ وَلَهْوٍ فيصبحوا قردةً وخنازير (¬1) باستحلالهم المحارمَ، واتخاذهم القينات، وشربهم الخمر وبأكلهم الربا، وَلُبْسِهمُ الحرير" رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في رواية، وتقدم حديث أبي أمامة في معناه. 43 - وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يَشْرَبُ ناسٌ من أمتي الخمر، يُسمُّونها بغير اسمها، يُضربُ على رؤوسهم بالمعازف والقيناتِ يخسفُ الله بهم الأرض، ويجعلُ منهم القردةَ والخنازير" رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه. 44 - وعن عمران بن حُصينٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في هذه الأمة خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ. قال رجلٌ من المسلمين: يا رسول الله! متى ذلك؟ قال: إذا ظهرت القِيَانُ (¬2) والمعازفُ (¬3)، وشُربتِ الخمور" رواه الترمذي من رواية عبد الله بن عبد القدوس، وقد وُثِّق، وقال: حديث غريب، وقد روى عن الأعمش عن عبد الرحمن بن سابط مرسلاً. ¬

(¬1) أي يظل قومه طول ليلهم يفرحون ويمرحون، وينسون نعمة الله بطراً فتشرق الشمس عليهم وهم مثل القردة والخنازير في الدناءة والخسة والحقارة بسبب فجورهم وزيادة فسوقهم: وارتكاب المعاصي كما قال تعالى: "أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون" (24 - 26 من سورة الزمر). (يتقي): يجعل الأعمال الصالحة وقاية له من عذاب الله (للظالمين): للكافرين والعصاة (الخزي): كالمسخ والخسف والقتل والسبي والإجلاء. أهـ. بيضاوي. قف بنظرك قليلاً على هذا الحديث واقرأه مراراً وتكراراً. ألا يصدق علينا الآن سنة 1955 م، وامش خطوات قليلة بعد العشاء تجد مواخير عامرة: ودور الملاهي ملأى بالغافلين، والمسارح مزدحمة بالعاصين وهكذا من غشيان الناس الفجور جهاراً وليلاً ونهاراً. هذا إلى استحلال الأجنبيات والعيش معهن بلا عقد شرعي (كمريرة) وذهاب إلى حوانيت الخمور يشربون، وبيوتهم في حاجة إلى مليم ينفق على أهله وأولاده، وانتشار الربا وكثرة التعامل به وعمران المصارف بملايين من أموال المسلمين. (¬2) القيان. كذا (ط وع) ص 127 - 2، وفي (ن د): القينات: أي المغنيات، ومن على شاكلتهن. (¬3) آلات الملاهي.

من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً 45 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات من أمتي، وهو يشرب الخمر حَرَّمَ الله عليه شُربها في الجنة، ومن مات من أمتي، وهو يتحلى الذهب حرم الله عليه لباسهُ في الجنة" روه أحمد والطبراني، ورواة أحمد ثقات. 46 - وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر فاجلدوه (¬1)، فإن عاد في الرابعة فاقتلوهُ" رواه الترمذي وأبو داود، ولفظه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم" ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه. 47 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سَكِرَ فاجلدوه، ثم إن سكرَ فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة، وعندهما: فإن عاد في الرابعة فاضربوا عنقه. [قال الحافظ]: قد جاء قتل شارب الخمر في المرة الرابعة من غير ما وجهٍ صحيح، وهو منسوخ، والله أعلم. 48 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر لم تُقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عادَ لم تُقبلْ له صلاةٌ أربعين صباحاً فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تُقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن تاب لم يَتُبِ الله عليه، وغضب الله عليه، وسقاهُ من نهر الخبال. قيل: يا أبا عبد الرحمن! وما نهر الخَبَالِ؟ قال: نهر يجري من صديد أهل النار" رواه الترمذي ¬

(¬1) أقيموا عليه أربعين جلدة للحر، ذكراً كان أو أنثى، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالضرب بسبب شرب الخمر بالجريد، والنعال أربعين. رواه مسلم، ونصفها للرقيق ولو مبعضاً، هذا عند الشافعية خلافاً للأئمة حيث قالوا إن الجلد ثمانون للحر وأربعون للرقيق، وللإمام الزيادة على أربعين إلى ثمانين للحر، وعلى العشرين إلى أربعين في الرقيق تعزيراً. أهـ. تنوير القلوب، وقد ذكر الحافظ المنذري أنه منسوخ: أي غير معمول به.

وحسنه، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد: ورواه النسائي موقوفاً عليه مختصراً. ولفظه: "من شرب الخمر فلم يَنْتَشِ (¬1) لم تُقبل له صلاةٌ مادام في جوفه أو عروقه منها شيء، وإن مات مات كافراً، وإن انتشى (¬2) لم تقبل منه صلاةٌ أربعين (¬3) يوماً وإن مات فيها مات كافراً (¬4) ". من شرب الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً 49 - وفي رواية للنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شرب الخمر فجعلها في بطنه لم تُقبل منه صلاةٌ سبعاً، وإن مات فيها مات كافراً، فإن أذهبت عَقْلَهُ عن شيء من الفرائض"، وفي رواية: "عن القرآن لم تقبل منه صلاةٌ أربعين يوماً، وإن مات فيها مات كافراً". 50 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمرَ فَسَكِرَ لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فَسَكِرَ لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد في الرابعة، كان حقاً على الله أن يسقيهُ من طينة الخَبَالِ يوم القيامة. قالوا: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار" رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه الحاكم مختصراً ببعضه، قال: "لا يشرب الخمر رجلٌ من أمتي فتقبل له صلاةٌ أربعين صباحاً" وقال: صحيح على شرطهما. 51 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ ¬

(¬1) لم يسكر. الانتشاء: أول السكر ومقدماته: وقيل هو السكر نفسه، ورجل نشوان، بين النشوة. أهـ. نهاية. (¬2) سكر وغاب عقله. (¬3) لأن الصلاة لم تنهه عن ارتكاب هذه الموبقة، والله تعالى يقول: "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"، فصلاته وهو يشرب خمراً غير مقبولة، ومن أحسن التوبة وعزم على عدم الرجوع إلى المعاصي قبل الله عذره وإنابته. (¬4) شارب الخمر لو مات على حالة سكره انتزع الإيمان من قلبه فكفر فمات على هذه الحالة فيرمى في جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.

مُخَمِّرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حرَامٌ، ومن شرب مُسْكِراً بُخِسَتْ صلاتهُ أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقاً على الله أن يسقيهُ من طينة الخبالِ. قيل: وما طينةُ الخبالِ يا رسول الله؟ قال: صديد أهل النار، ومن سقاه صغيراً لا يعرفُ حلالهُ من حرامهِ، كان حقاً على الله أن يسقيهُ من طينة الخبالِ" رواه أبو داود. من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة 52 - وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من شرب الخمر لم يرضَ الله عنه أربعين ليلةً، فإن مات مات كافراً، وإن تاب تابَ الله عليه، فإن عاد كان حقهُ على اللهِ أن يسقيهُ من طينةِ الخبال، قيل: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: صديد أهل النار" رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه أحمد أيضاً والبزار والطبراني من حديث أبي ذر بإسناد حسن. 53 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شرب الخمر سخطَ الله عليه أربعين صباحاً، وما يُدريهِ لعل مَنِيَّتَهُ (¬1) تكون في تلك الليالي، فإن عاد سخط الله عليه أربعين صباحاً، وما يدريه لعل منيته تكون في تلك الليالي، فإن عاد سخط الله عليه أربعين صباحاً، فهذه عشرون ومائة ليلةٍ، فإن عاد فهو في رَدْغَةِ الخبال. قيل: وما ردغة الخبال؟ قال: عرقُ أهل النار وصديدهم" رواه الأصبهاني، وفيه إسماعيل بن عياش، ومن لا يحضرني حاله. 54 - ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من فارق الدنيا وهو سكران، دخل القبر سكران، وبُعِثَ من قبره سكران، وأُمِرَ به إلى النار سكران إلى جبلٍ يُقالُ له سكرانُ فيه عينٌ يجري منها القيحُ والدمُ ¬

(¬1) موتته: أي وما يعلم ذلك السكران أن روحه تفارقه في حالة غضب الله عليه في هذه المدة فيموت كافراً مطروداً من رحمة الله فيستمر غضب الله عليه مدة إدمانه مائة وعشرين ليلة، وبعد ذلك يستحق أن يرمى في جهنم ليشرب عرق أهل النار، ويذوق مرارة صديدهم، والعياذ بالله تعالى. 130 - 2 ع.

وهو طعامهم وشرابهم مادامت السموات (¬1) والأرضُ" رواه الأصبهاني وأظنه في مسند أبي يعلى أيضاً مختصراً، وفيه نكارة. 55 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك الصلاة سُكراً مرةً واحدةً فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فَسُلِبَهَا (¬2)، ومن ترك الصلاة أربع مراتٍ سُكراً كان حقاً على الله أن يسقيهُ من طينة الخبالِ. قيل: وما طينةُ الخبال؟ قال: عُصارةُ أهل جهنم" رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد. 56 - وروى أحمد منه: "من ترك الصلاة سُكراً مرةً واحدةً فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فَسُلِبَهَا" ورواته ثقات. 57 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار (¬3): إذا ظهر التَّلاَعُنُ (¬4)، وشربوا الخمور، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيان (¬5)، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء (¬6) " رواه البيهقي وتقدم في لبس الحرير. ¬

(¬1) مدة وجود السموات والأرض، أي يستمر عذاب شارب الخمر زمناً طويلاً يعلمه الله تعالى، والنصوص دالة على فناء السموات والأرض في الدنيا، وإنما ضرب ذلك على سبيل المثال كما قال تعالى: "فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد" (106 - 107 من سورة هود). قال البيضاوي: ليس لارتباط دوامهم في النار بدوامها. بل التعبير عن التأبيد والمبالغة. (¬2) يعني أن السكرة الواحدة تفقده شيئاً كثيراً ملكه كما لو ملك الدنيا فذهبت عنه لعصيانه. (¬3) استحقت الهلاك والخراب. (¬4) أن يلعن كل واحد منهما نفسه أو صاحبه مثل الملاعنة: أي يحصل من اثنين سب وخصام. واللعن كما في النهاية: الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السب والدعاء، وفي حديث اللعان فالتعن، هو افتعل من اللعن: أي لعن نفسه، واللعان والملاعنة: اللعن بين اثنين فصاعدا. أهـ. (¬5) القيان كذا (ط وع) ص 131 - 2، وفي (ن د): القينات. (¬6) أي انتشرت العزوبة وقل الزواج فيلوط الرجل وتقضي المرأة شهوتها مع أختها فحلت نذر الخراب. أضرار شرب الخمر كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه: أولاً: تنتزع من الشارب أنوار الإيمان حين شربه. ثانياً: استحق لعنة الله وطرده من رحمته. ثالثاً: شرب الخمر يدعو إلى جلب الهموم وتضييق الأرزاق، وانتشار الأزمة والخسف والمسخ "يبيد قومه". =

الترهيب من الزنا سيما بحليلة الجار والمغيبة والترغيب في حفظ الفرج

الترهيب من الزنا سيما بحليلة الجار والمغيبة والترغيب في حفظ الفرج 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

_ = رابعاً: لا يقدم على شرب الخمر إلا العاصي الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر. خامساً: شرب الخمر يجر إلى الوقوع في ارتكاب المعاصي كلها. سادساً: يعذب الله الشارب يوم القيامة بشرب القذارة الخارجة من فروج المياميس الزانيات. سابعاً: لقد حرم الله الجنة على شارب الخمر. ثامناً: عقاب شارب الخمر شديد كعقاب عابد الصنم. تاسعاً: يحشر شارب الخمر شديد الظمأ: كثير العطش. عاشراً: لا يقبل الله عبادة شارب الخمر أربعين يوماً. الحادي عشر: يستحق شارب الخمر الإهانة والازدراء، والتحقير والجلد، كما قال صلى الله عليه وسلم: لا تسلموا على شربة الخمر. الثاني عشر: شارب الخمر حل عليه غضب الله، ولو مات في هذه الحالة حرم من ثواب الله ورحمته. الثالث عشر: السكران إن مات على حالته يعذبه الله بسكره يذوق مرارة فعله هذا في قبره، وتنبع له عين تمده بالقيح والصديد وأنواع الأذى (يجري منها القيح والدم) شارب الخمر مسكين مضيع فاقد الخير (فكأنما ملك الدنيا وسلبها). الرابع عشر: شرب الخمر إحدى الخصال المدمرة التالفة المذهبة الثروة؛ والمضيعة العقل والجالبة النقم (فعليهم الدمار) هذا، والمراد بالخمر كل مائع مسكر سواء كان متخذاً من العنب، أو من غيره كما قال تعالى: "ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً" من سورة النحل. هذه الآية قبل تحريم الخمر، ويحرم التداوي بصرف الخمر ويجوز التداوي بسائر النجاسات غير الخمر إن لم يجد ما يقوم مقامها من الطاهرات، ولا يجوز شرب الخمر لعطش لأنها لا تزيله، ويحرم كل ما يخدر العقل من النباتات كالبنج، والأفيون والحشيش، واستثنى العلماء البنج في العمليات الجراحية لجوازه، ويحرم تناول كل نجس كدم ولحم ميتة؛ وبول ومعجون بخمر. الآيات القرآنية الدالة على تحريم الخمر والميسر والحشيش والأفيون: (أ) قال تعالى: "يسألونك عن الخمر والميسر قل: فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" من سورة البقرة، المنافع كالتجارة بالخمر والتلهي بالميسر، ثم أرشد سبحانه وتعالى إلى أن الشيء متى كان ضرره أكبر من نفعه حرم. (ب) وقال تعالى: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون" (188 من سورة البقرة). والتكسب بالميسر من أكل أموال الناس بالباطل. =

"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمنٌ، ولا يسرق السارقُ حين يسرقُ وهو مؤمنٌ، ولا يشربُ الخمر حين يشربها وهو مؤمنٌ" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. وزاد النسائي في رواية: "فإذا فعل ذلك خلع (¬1) رِبْقَةَ الإسلام من عنقه، فإن تاب تاب الله عليه". ورواه البزار مختصراً: "لا يسرق السارق وهو مؤمنٌ، ولا يزني الزاني وهو مؤمن. الإيمان أكرمُ على الله من ذلك". ¬

= (جـ) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" (90 من سورة المائدة). (د) وقال تعالى: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" (195 من سورة البقرة). ينهى الله عن كل شيء فيه ضرر يقع فيه العاقل، وفيه النهي عن الخمر لأنه يضر الصحة، وكذا الحشيش والأفيون وجميع المخدرات. (هـ) وقال تعالى: "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" من سورة النساء. (و) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" من سورة البقرة. (ز) وقال تعالى: "وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً" من سورة المائدة. (ح) وقال تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" (29 من سورة النساء). (ط) وقال تعالى: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم" (51 من سورة المؤمنون). (ي) وقال تعالى: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون" (157 من سورة الأعراف). (عزروه): عظموه، ووقروه، واحترموه. قال الشاعر: من جعل الخمر شفاء له ... فلا شفاه الله من علته وفي البخاري: قال ابن عباس: ينزع منه نور الإيمان في الزنا: أي من الزاني. ومن طريق مجاهد عن ابن عباس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه. فإن شاء أن يرده إليه رده. قال المهلب: أي ينزع نور بصيرته في طاعة الله تعالى لغلبة شهوته عليه فكأن تلك البصيرة نور أطفأته الشهوة من قلبه، يشهد لهذا قوله عز وجل: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" وقيل هذا من باب التغليظ، أو معناه نفي الكمال، وقال ابن عباس: المراد منه الإنذار بزوال الإيمان إذا اعتاده فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وقال آخرون عنى بذلك لا يزني الزاني وهو مستحل للزنا غير مؤمن بتحريم الله تعالى ذلك عليه، فأما إن زنى وهو معتقد تحريمه فهو مؤمن، روى ذلك عن عكرمة عن مولاه، وحجتهم فيه حديث أبي ذر يرفعه "من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق" وقال آخرون ينزع منه الإيمان فيزول عنه فيقال له منافق وفاسق، روى هذا عن الحسن. قال النفاق نفاقان: تكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم فهذا لا يغفر، ونفاق خطايا وذنوب يرجى لصاحبه، وقال الكرماني: كلمة (حين) متعلقة بما قبلها أو بما بعدها ثم قال تحتملهما: أي لا يزني في أي حين كان، أو هو مؤمن حين يزني، وفيه تنبيه على جميع أنواع المعاصي لأنها إما بدنية كالزنا، أو مالية إما سراً كالسرقة أو جهراً أو عقلية كالخمر، فإنها مزيلة له. عيني ص 365 جـ 23 (¬1) أزال عروته.

لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، الحديث 2 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دمُ امرئٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاثٍ: الثَّيِّبُ (¬1) الزاني، والنَّفْسُ بالنَّفُسِ، والتاركُ لدينه المفارقُ للجماعة" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. ¬

(¬1) المتزوج المحصن قال تعالى: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين" (2 من سورة النور). فلقد وضع الله حداً للزنا، واتفق أهل الملل على تحريمه، وعرفه الفقهاء بأنه إيلاج المكلف حشفته الأصلية المتصلة أو قدرها في فرج محرم مشتهى طبعاً، بخلاف الميتة والبهيمة مع الخلو عن الشبهة. واللواط، وهو إيلاج الحشفة أو قدرها في دبر ذكر أو أنثى، ويحد المحصن الزاني أو اللائط إن كان مكلفاً حراً سبق له وطء في نكاح صحيح ذكراً كان أو أنثى بالرجم بالحجارة المعتدلة حتى يموت بقدر ملء الكف لا بحصى صغيرة لئلا يطول تعذيبه ولا كبيرة لئلا يموت حالاً فيفوت التنكيل الذي هو المقصود من الرجم، ويجب أن يتوقى الوجه. ويحد غير المحصن والمراد به حر مكلف لم يسبق له وطء في نكاح صحيح مائة جلدة ويغرب سنة إلى مسافة القصر، ويحد المكلف الرقيق خمسين جلدة ويغرب نصف سنة سواء سبق له نكاح شرعي أو لا، قال تعالى: "فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب" (25 من سورة النساء). أي الجلد والتغريم لا الرجم. وفي العيني في باب قول الله تبارك وتعالى: "النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون" (45 من سورة المائدة). بإحدى ثلاث: أي بإحدى خصال ثلاث: (أ) الثيب من ليس ببكر يقع على الذكر والأنثى يرجم بالحجارة، وغير المحصن يجلد مائة. (ب) النفس بالنفس: أي تقتل النفس التي قتلت عمداً بغير حق بمقاتلة النفس المقتولة. (جـ) المارق لدينه قال الطيبي هو التارك لدينه، من المروق وهو الخروج: أي المرتد. وقد أجمع العلماء على قتل الرجل المرتد إذا لم يرجع إلى الإسلام وأصر على الكفر. واختلفوا في قتل المرتدة فجعلها أكثر العلماء كالرجل المرتد، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا تقتل المرتدة لعموم قوله: "نهى عن قتل النساء والصبيان" وفي قوله "التارك للجماعة" إشعار بأن الدين المعتبر هو ما عليه الجماعة. وقال الكرماني: فإن قلت: الشافعي يقول يقتل بترك الصلاة. قلت لأنه تارك للدين الذي هو الإسلام، يعني الأعمال. ثم قال لم لا يقتل تارك الزكاة والصوم. وأجاب بأن الزكاة يأخذها الإمام قهراً. وأما الصوم فقيل تاركه يمنع من الطعام والشراب لأن الظاهر أنه ينويه لأنه معتقد لوجوبه. أهـ. باختصار ص 41 جـ 24 وكذا الصائل يجوز قتله للدفع، ولا يحل تعمد قتله إذا اندفع بدون ذلك، وداخل في قوله صلى الله عليه وسلم "التارك للجماعة" واستدل به أيضاً على قتل الخوارج والبغاة لدخولهم في مفارقة الجماعة. والذي ينفذ حدود الله الإمام الراعي الذي نصبه الله والياً شرعياً ينفذ أوامره جل وعلا ويراعى نواهيه. قال تعالى: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً" (21 من سورة النساء). لقد حفظ الله دم الإنسان من الضياع وجعل له حرمة وكرامة وسن في شرائعه السابقة "من قتل نفساً بغير =

إن الزناة تشتعل وجوههم ناراً 3 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دمُ امرئٍ مسلمٍ يشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأن محمداً رسول الله إلا في إحدى ثلاثٍ: زناً بعد إحصانٍ (¬1) فإنه يُرجمُ، ورجلٌ خرج مُحارباً لله (¬2) ولرسوله فإنه يُقتلُ أو يُصلبُ أو يُنفى من الأرض، أو يَقْتُلُ نفساً فَيُقْتَلُ بها" رواه أبو داود والنسائي. 4 - وعن عبد الله بن زيدٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا بغايا العرب! يا بغايا العرب، إن أخوف ما أخاف عليكم الزنا، والشهوةُ الخفيةُ" رواه الطبراني بإسنادين أحدهما صحيح، وقد قيده بعض الحفاظ الرياء بالراء والياء. 5 - وعن عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تفتح أبواب السماء نصف الليل فَيُنَادي مُنَادٍ: هل من داعٍ فيستجاب له؟ هل من سائلٍ فَيُعْطَى؟ هل من مكروبٍ فَيُفَرَّجَ عنه؟ فلا يبقى مُسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلا استجاب الله عزوجل له إلا زانيةً تسعى بفرجها أو عَشَّاراً (¬3) ". 6 - وفي رواية: إن الله يدنو من خلقه فيغفر لمن يستغفرُ إلا لبغيٍ بفرجها أو عَشَّارٍ" رواه أحمد والطبراني واللفظ له، وتقدم في باب العمل على الصدقة. 7 - وعن عبد الله بن بُسرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الزناةَ تشتعلُ وجوههم ناراً" رواه الطبراني بإسناد فيه نظر. 8 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الزنا يُورثُ الفقر (¬4) " رواه البيهقي، وفي إسناده الماضي بن محمد. 9 - وعن سَمُرَةَ بن جُندبٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

= نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً" (32 من سورة المائدة) ولكن يذهب دم الإنسان هدراً بثلاث: (أ) زنا المحصن. (ب) القتل بلا حق. (جـ) الردة وخلاف إجماع المسلمين. (¬1) نكاح شرعي. (¬2) خرج من دينه وارتد. (¬3) صاحب المكس الذي يأخذ ضريبة على أموال الناس وحاجاتهم ظلماً وباطلاً. (¬4) يجر إلى الخراب وضياع الثروة.

"رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرضٍ مقدسةٍ، فذكر الحديث إلى أن قال: فانطلقنا إلى ثُقبٍ (¬1) مثل التنور أعلاهُ ضَيِّقٌ، وأسفلهُ واسعٌ يتوقدُ تحته ناراً، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا أُخمدت رجعوا فيها، وفيها رجالٌ ونساء عرُاةٌ" الحديث. 10 - وفي رواية: "فانطلقنا على مثل التنور: قال: فأحْسِبُ أنه كان يقولُ: فإذا فيه لَغَطٌ (¬2) وأصواتٌ. قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجالٌ ونساء عراةٌ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهبُ ضَوْضَوْا (¬3) " الحديث. وفي آخره: وأما الرجال والنساء العُراةُ الذين هم في مثل بناء التنور، فإنهم الزناةُ والزواني" رواه البخاري وتقدم بطوله في ترك الصلاة. 11 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينا أنا نائمٌ أتاني رجلان فأخذا بضَبْعَيَّ (¬4)، فأتيا بي جبلاً وَعْراً (¬5)، فقالا اصعد، فقلت: إني لا أطيقهُ فقالا: إنا سنسهلهُ لك، فصعدتُ حتى إذا كنت في سواء (¬6) الجبل فإذا أنا بأَصواتٍ شديدةٍ، فقلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عُواء (¬7) أهل النار، ثم انْطُلِقَ بي، فإذا أنا بقومٍ مُعَلقينَ بعراقيبهم (¬8) مُشققةٍ أشداقهُم (¬9) تسيلُ أشداقهم دماً. قال: قلت: مَنْ هؤلاء؟ قيل: هؤلاء الذين يُفطرون قبل تَحِلَّةِ (¬10) صومهم، فقال: خابت اليهود والنصارى، فقال سُلَيْمٌ: ما أدري أسَمِعَهُ أبو أمامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيء مِنْ رَأيه؟ ثم انْطُلِقَ بي فإذا أنا بقومٍ أشد شيء انتفاخاً، وأنتنهُ (¬11) ريحاً، وأسوأه منظراً، فقلتُ: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ¬

(¬1) خرق كبير لا عمق له مثل الذي يحمى عليه لإنضاج الطعام والذي يخبز فيه: أي الفرن. جمع ثقبة. (¬2) جلبة وضوضاء. (¬3) صوتوا وبكوا، وفي النهاية: أي ضجوا واستغاثوا، الضوضاء: أصوات الناس وغلبتهم، وهي مصدر. أهـ. (¬4) الضبع: وسط العضد، أو الضبع ما تحت الإبط، والمعنى مدا أيديهما على كتفي وجذباني إليهما لأتبعهما. (¬5) صعب المرتقى. (¬6) وسطه. (¬7) صوت بنحيب وضجيج وبكاء. (¬8) العرقوب من الإنسان قويق العقب: أي مشدودين من أقدامهم من هذه الجهة منكسين. (¬9) جوانب الفم مقطعة. (¬10) حلول زمن الإفطار بغروب الشمس. (¬11) أقذره.

قتلى الكفار، ثم انْطُلِقَ بي، فإذا أنا بقومٍ أشد شيء انتفاخاً وأنتنهُ ريحاً كأن ريحهم المراحيضُ (¬1) قلتُ: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون، ثم انْطُلِقَ بي فإذا أنا بنساء تنهشُ (¬2) ثُدِيَّهُنَّ الحياتُ. قلتُ: ما بال هؤلاء؟ قيل: هؤلاء يمنعن أولادهن ألبانهن (¬3)، ثم انطلق بي فإذا بغلمان يلعبون بين نهرين. قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذراري المؤمنين، ثم شَرَفَ (¬4) شَرْفاً فإذا أنا بثلاثةٍ يشربون من خمرٍ لهم. قلتُ: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء جعفرٌ وزيدٌ وابن رواحةَ، ثم شَرَفَ بي شَرْفاً آخرَ فإذا أنا بنفرٍ ثلاثةٍ. قلتُ: من هؤلاء؟ قال: هذا إبراهيم وموسى وعيسى وهم ينتظرونك" رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، واللفظ لابن خزيمة. [قال الحافظ]: ولا علة له. 12 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا زنى الرجلُ خرج منه الإيمانُ، فكان عليه كالظلةِ (¬5)، فإذا أقلعَ (¬6) رجع إليه الإيمان" رواه أبو داود واللفظ له والترمذي والبيهقي والحاكم، ولفظه قال: "من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلعُ الإنسانُ القميص من رأسه". 13 - وفي رواية للبيهقي "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الإيمان سِرْبَالٌ (¬7) يُسَرْبِلُهُ (¬8) اللهُ من يشاء، فإذا زنى العبدُ نزع منه سربال الإيمان، فإن تاب (¬9) رُدَّ عليه". ¬

(¬1) مجاري البول والغائط وكل شيء قذر. 123 - 2 ع (¬2) تأخذ بأسنانها: مقدمها أو بأضراسها. (¬3) لشدة قسوتهن على أطفالهن لا يرضعن أولادهن، أو مرضعات أطفال غير أطفالهن، ويتركن أولادهن يموتون جوعاً. وفيه طلب الرأفة والرحمة على الطفل وإرضاعه. (¬4) أي ارتفع شوطاً، من الشرف وهو العلو، وبابه نصر فهو مشروف. (¬5) الوقاية الحاجبة المانعة الأنوار مثل المظلة وظلة الشجرة. (¬6) كف عن الفاحشة. (¬7) قميص أو درع. (¬8) يلبسه. يسبه صلى الله عليه وسلم الإيمان بالملابس الساترة، ومن وقع في الفاحشة عرى وتجرد من الإيمان. (¬9) أناب إلى الله وعمل صالحاً وتحلى بالإيمان واستضاء به صدره.

لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن 14 - وروى الطبراني عن شريكٍ عن رجلٍ من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من زنى خرج منه الإيمان، فإن تاب تاب الله عليه". 15 - وعن عبد الله رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برَجُلٍ قد شرب فقال يا أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله (¬1) فمن أصاب من هذه القاذورة شيئاً فليستتر (¬2) بستر الله، فإنه من يُبدِ لنا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عليه كتاب الله (¬3) وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: والَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلوُنَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ باِلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ. وقال: قُرِنَ الزنا مع الشرك (¬4)، وقال: ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمنٌ" ذكره رزين، ولم أره بهذا السياق في الأصول. 16 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَعَبَّدَ عابدٌ من بني إسرائيل، فَعَبَدَ اللهَ في صومعته ستين عاماً، فأمطرت الأرضُ فاخضرتْ، فأشرف (¬5) الراهبُ من صومعتهِ، فقال: لو نزلتُ فذكرتُ الله فازددتُ خيراً، فنزلَ ومعهُ رغيفٌ أو رغيفان فبينما هو في الأرض لقيتهُ امرأةٌ، فلم يزل يُكلمها وتُكلمهُ حتى غشيها (¬6)، ثم أُغْمِيَ عليه فنزل الغدير يستحمُّ (¬7) فجاء سائلٌ فأومأ (¬8) إليه أن يأخذ الرغيفين ثم مات، فَوْزِنَتْ عبادةُ ستين سنة بتلك الزنية فرجحت تلك الزنيةُ بحسناته، ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته، فرجحت حسناتهُ فَغُفِرَ له (¬9) " رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) معاصيه. قال تعالى: "ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً واللذان يأيتانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيماً" (14 - 16 من سورة النساء). (¬2) معناه فليتب وليخف أمره وليتجنب الفضيحة والمجون وقلة الأدب والتبجح بذكر فعلته الشنعاء المنكرة. (¬3) نجلده أو نرجمه. (¬4) الكفر بالله. (¬5) اطلع على زهرة الدنيا وخضرتها. (¬6) جامعها. (¬7) يستحم كذا (ط وع) ص 123 - 2 أي يغتسل، وفي (ن د) ليستحم. (¬8) أشار. (¬9) معناه أن الله تعالى رجح ثقل هذه الفاحشة على عبادته، ولكن رجح الصدقة فقبل الله توبته وسامحه.

17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يُكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظرُ إليهم ولهم عذابٌ أليمٌ، شيخٌ زانٍ (¬1)، وملكٌ كذَّابٌ، وعائلٌ مُستكبرٌ (¬2) " رواه مسلم والنسائي، ورواه الطبراني في الأوسط ولفظه: "لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني، ولا العجوز الزانية". [العائل]: الفقير. 18 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعةٌ يُبغضهمُ الله: البياعُ (¬3) الحلاَّفُ، والفقير المُخْتَالُ (¬4)، والشيخ الزاني، والإمام الجائر (¬5) " رواه النسائي وابن حبان في صحيحه. 19 - وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: الشيخ الزاني، والإمام الكذاب (¬6)، والعائل المزهو (¬7) " رواه البزار بإسناد جيد، وتقدم في باب صدقة السر حديث أبي ذر، وفيه: "والثلاثة الذين يبغضهم الله: الشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم (¬8) " رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 20 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله عز وجل إلى الأُشَيْمِطِ الزاني، ولا العائل المزهو" رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا ابن لهيعة، وحديث حسن في المتابعات. [الأشيمط]: تصغير أشمط، وهو من اختلط شعر رأسه الأسود بالأبيض. 21 - وعن نافعٍ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) رجل كبير في السن هرم ليست عنده قوة الشهوة البهيمية، ومع ضعفه يزني. (¬2) مختال لا يسعى لعمله بل يتكبر. (¬3) كثير الحلف بالله ليروج بضاعته. (¬4) المتكبر الذي يتعاظم أن يحترف أو يكون في مهنة. (¬5) الظالم. (¬6) الحاكم ذو السلطان، ومع ذلك جبان يغير الحقيقة ويداهن ويخادع ولا يصدق مع قوته ونفاذ أمره. (¬7) الذي أصابه الزهو والعجب والكبر. (¬8) كثير الظلم.

قال: "لا يدخل الجنة مسكينٌ مُستكبرٌ (¬1)، ولا شيخٌ زانٍ، ولا منانٌ (¬2) على الله بعمله" رواه الطبراني من رواية الصباح بن خالد بن أبي أمية عن رافع، ورواته إلى الصباح ثقات. 22 - ورويَ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن مجتمعون فقال: فذكر الحديث إلى أن قال: وإياكم وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عامٍ، والله لا يجدها عاقٌ، ولا قاطعُ رحمٍ، ولا شيخٌ زانٍ، ولا جارٌّ إزاره خُيلاء، إنما الكبرياء (¬3) لله رب العالمين" رواه الطبراني، ويأتي بتمامه في العقوق إن شاء الله. 23 - وروي عن بُريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن السموات السبع، والأرضين السبع ليلعنَّ (¬4) الشيخ الزاني، وإن فُرُوجَ الزناة لَيُؤذِي أهل النار نَتْنُ ريحها (¬5) " رواه البزار. 24 - ورويَ عن أبي الدنيا والخرائطي وغيرهما من حديث عبد السلام بن شداد أبي طالوتَ عن غزوان بن جرير عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "إن الناس تُرسلُ عليهم يوم القيامة ريحٌ مُنتنةٌ حتى يتأذى منها كل بَرٍّ وفاجرٍ حتى إذا بلغت منهم كل مبلغٍ ناداهم مُنادٍ يُسمعهمُ الصوتَ، ويقولُ لهم: هل تدرون هذه الريحَ التي قد آذتكم؟ فيقولون: لا ندري (¬6) والله إلا أنها قد بلغت منا كُلَّ مبلغٍ، فيقال: ألا إنها ريح فروج الزُناةِ الذين لقوا الله بزناهم ولم يتوبوا منه، ثم ينصرفُ بهم، ولم يذكر عند الصّرْفِ بهم جنةً ولا ناراً". ¬

(¬1) متعاظم لا يعمل لكبره وعجبه بنفسه. (¬2) يتحدث بعمله افتخاراً ورياءً. (¬3) الترفع عن الانقياد، وذلك لا يستحقه غير الله تعالى، وقال عز شأنه: "وله الكبرياء في السموات والأرض"، وعن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قصمته) ولتعظيم الله تعالى يقال الله أكبر لعبادته واستشعار تعظيمه. (¬4) ليلعن كذا (د وع) ص 135 - 2 وفي (ن ط): لتعلن. (¬5) قذارة ورداءة وشدة. (¬6) لا نعلم.

المقيم على الزنا كعابد وثن وتقدم في شرب الخمر حديث أبي موسى، وفيه: "ومن مات مدمن الخمر سقاهُ الله من نهرِ الْغَوْطَةِ (¬1). قيل: وما نهرُ الغوطة؟ قال: نهرٌ يجري من فُرُوج المومسات يعني الزانيات، يؤذي أهل النار ريحُ فروجهم". 25 - وعن راشد بن سعدٍ المقرائي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما عُرِجَ (¬2) بي مررتُ برجالٍ تُقْرَضُ (¬3) جلودهم بمقاريض من نارٍ، فقلت: من هؤلاء يا جبريلُ؟ قال: الذين يتزينون لِلْزِّنَيةِ. قال: ثم مررتُ بِجُبٍّ مُنتن الريحِ، فسمعتُ فيه أصواتاً شديدةً، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: نساءٌ كُنَّ يتزينَّ لِلْزِّنْيَةِ، ويفعلن ما لا يحلُّ لهنَّ" رواه البيهقي في حديث يأتي في الغيبة إن شاء الله تعالى. 26 - ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المقيم على الزنا كعابد وَثَنٍ" رواه الخرائطي وغيره. وقد صح أن مدمن الخمرإذا مات لقيَ الله كعابد وثنٍ، ولاشك أن الزنا أشد وأعظم عند الله من شرب الخمر، والله أعلم. 27 - وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزالُ أمتي بخيرٍ ما لم يَفْشُ (¬4) فيهم ولدُ الزنا، فإذا فشا فيهم ولدُ الزنا فأوشك أن يَعُمهمُ الله بعذاب" روه أحمد، وإسناده حسن، وفيه ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع، ورواه أبو يعلى إلا أنه قال: لا تزالُ أمتي بخيرٍ مُتَماسكٍ أمْرُها مَا لم يظهر فيهم ولدُ الزنا". وتقدم في كتاب القضاء حديث ابن عمر، وفي آخره: "وإذا ظهر الزنا ظهر الفقر والمسكنة" رواه البزار. ¬

(¬1) النهر العميق كما في النهاية. الغوط: عمق الأرض الأبعد، ومنه قيل للمطمئن من الأرض غائط، ومنه قيل لموضع قضاء الحاجة الغائط، لأن العادة أن الحاجة تقضى في المنخفض من الأرض حيث هو أستر لها، ثم اتسع فيه حتى صار يطلق على النحو نفسه. (¬2) صعد به إلى السموات مع جبريل. (¬3) تقطع. (¬4) يكثر.

ما ظهر في قوم الزنا أو الربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله 28 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ظهر الزنا والربا في قريةٍ فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله" رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 29 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه ذكر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه: "ما ظهر في قومٍ الزنا أو الربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله" روه أبو يعلى بإسناد جيد. 30 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين نزلت آية المُلاَعنة: "أيما امرأةٍ أدخلت على قومٍ مَنْ ليس منهم فليستْ مِنَ الله في شيء، ولن يُدخلها الله في شيء، ولن يُدخلها الله جنتهُ، وأيما رجلٍ جحد ولدهُ وهو ينظرُ إليه احتجبَ الله منه يوم القيامة، وفَضَحَهُ (¬1) على رؤوس الأولين والآخرين" رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه. 31 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنبِ أعظمُ عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً (¬2)، وهو خَلقَكَ، قلتُ: إن ذلك لعظيمٌ، ثم أيٌ؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يَطْعَمَ معك (¬3). قلتُ: ثم أي؟ قال: أن تُزاني حليلةَ جارك" رواه البخاري ومسلم، ورواه الترمذي والنسائي. وفي رواية لهما: وتلا هذه الآية: "والَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بِالحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً". [الحليلة] بفتح الحاء المهملة: هي الزوجة. الزاني بحليلة جاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه، الحديث 32 - وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) كشف ستره أمام الخلائق كلهم، لأنه لا يحتاط ولا يغار على زوجته في حياته، وحوادث الصحف الآن شاهدة علىستهتاره. 27 - 6 - 1955 م. (¬2) شريكاً. (¬3) يأكل فيشاركك في رزقك. قال تعالى: "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم".

لأصحابه: "ما تقولون في الزنا؟ قالوا: حرامٌ حَرَّمَهُ الله عز وجل ورسوله فهو حرامٌ إلى يوم القيامة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: لأن يزني الرجلُ بعشرِ نسوةٍ أيسرُ عليه من أن يزني بامرأةِ جارهِ (¬1) " رواه أحمد، ورواته ثقات، والطبراني في الكبير والأوسط. 33 - ورويَ عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الزاني بحليلةَ جارهِ لا ينظرُ الله إليه يوم القيامةِ، ولا يُزكِّيهِ، ويقولُ: ادخُلِ النار مع الداخلين" رواه ابن أبي الدنيا والخرائطي وغيرهما. 34 - وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قعدَ على فِراشِ مُغِيبَةٍ قَيَّضَ (¬2) الله له ثُعباناً يوم القيامة" رواه الطبراني في الأوسط والكبير من رواية ابن لهيعة. [المغيبة] بضم الميم وكسر الغين وبسكونها أيضاً مع كسر الياء: هي التي غاب عنها زوجها. 35 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما، رفع الحديث، قال: "مثل الذي يجلسُ على فراش المُغِيبَةِ مثلُ الذي يَنْهَشُهُ (¬3) أسْوَدُ من أسَاوِدِ يوم القيامة" رواه الطبراني، ورواته ثقات. [الأساود]: الحيات، واحدها أسود. 36 - وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حُرْمَةُ نساء المجاهدين على القاعدين كَحُرْمَةِ أمهاتهم، ما من رجلٍ من القاعدين يَخْلُفُ ¬

(¬1) عقاب هذه الفاحشة مضاعف مرات عديدة، لأن الله تعالى أمر بإكرام الجار ورعاية حرمته. (¬2) سبب وقدر، قال تعالى: "وقيضنا لهم قرناء" وقال تعالى: "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين". (¬3) يقضمه بأضراسه، وفي العيني حليلة جارك: أي امرأة جارك، والرجل حليل لأن كل واحد منهما يحل على صاحبه، وقيل حليلة بمعنى محللة، من الحلال، وإنما عظم الزنا بحليلة جاره وإن كان الزنا كله عظيماً، لأن الجار له من الحرمة والحق ما ليس لغيره، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه" أهـ ص 289 - 23

فصل منه

رجلاً من المجاهدين في أهله، فيخونهُ فيهم إلا وقف له يوم القيامة، فيأخذُ من حسناته ما شاء حتى يرضى، ثم التفتَ إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فما ظنكم؟ " رواه مسلم وأبو داود إلا أنه قال فيه: "إلا نُصِبَ له يوم القيامة، فقيل: هذا خَلَفُكَ في أهلكَ، فخذ من حسناته ما شئت" ورواه النسائي كأبي داود، وزاد: أترون يَدَعُ لَهُ مِنْ حسناتهِ شيئاً؟. فصل 37 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سبعةٌ يُظلهمُ (¬1) الله في ظلهِ يوم لا ظل إلا ظلهُ: الإمام العادل (¬2) وشابٌ (¬3) نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجلٌ قلبهُ مُعلقٌ بالمساجد (¬4)، ورجلان تحابا في الله (¬5) اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجلٌ دعتهُ (¬6) امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخاف الله (¬7)، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه (¬8)، ورجلٌ ذكر الله خالياً (¬9) ففاضت عيناهُ" رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) يدخلهم في رحمته وكنفه، قال في العيني إضافة الظل إلى الله تعالى إضافة تشريف إذ الظل الحقيقي هو منزه عنه، لأنه من خواص الأجسام، وقيل ثمة محذوف: أي ظل عرشه، وقيل المراد منه الكنف من المكاره في ذلك الموقف الذي تدنو منهم الشمس ويشتد عليهم الحر ويأخذهم العرق، يقال فلان في ظل فلان: أي في كنفه وحمايته. أهـ ص 287 جـ 23 (¬2) الوالي الذي يضع الشيء في موضعه ويحكم بالحق. (¬3) فتى نشأ وترعرع من صغره. قيل لم يقل رجل، لأن العبادة في الشاب أشق وأشد لغلبة الشهوات، لأنه جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل مع القوة والفتوة والميل إلى الشهوات. (¬4) أي يحافظ على الجماعات في أول الوقت ويكثر من الاعتكاف فيها يذكر الله ويسبحه ويحمده. ويعمرها وينظفها. (¬5) تصاحبا بسبب طاعة الله. (¬6) طلبته: أي ذات حسب ونسب، وخصها بالذكر لكثرة الرغبة فيها. (¬7) امتنع، خشية من الله وخوف عقابه. (¬8) مبالغة في الإخفاء: أي لو قدرت الشمال رجلاً مستيقظاً لما علم صدقة اليمين لمبالغته في الإسرار، وهذا في صدقة التطوع. أهـ عيني. (¬9) أي في موضع هو وحده، إذ لا يكون فيه شائبة الرياء، بكى لتقصيره أمام الله جل وعلا واستصغر صالحاته بجوار نعم ربه، قال تعالى: "ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق" أسند الفيض إلى العين مبالغة في شدة الخوف، وقال تعالى: "إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (10 - 12 من سورة الملك). =

حديث الكفل، وحديث الثلاثة الذين سد عليهم الغار 38 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ حديثاً لو لم أسمعهُ إلا مرةً أو مرتين حتى عد سبع مراتٍ، ولكن سمعتهُ أكثر من ذلك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كان الكفل من بني إسرائيل، وكان لا يتورعُ (¬1) من ذنبٍ عملهُ، فأتتهُ امرأةٌ، فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها، فلما أرادها على نفسها ارتعدتْ (¬2) وبكت، فقال: ما يبكيك؟ قالت: لأن هذا عملٌ ما عملتهُ، وما حَمَلَنِي عليه إلا الحاجةُ (¬3)، فقال: تفعلين أنتِ هذا من مخافةِ الله، فأنا أحرى (¬4)، اذهبي فلك ما أعطيتُكِ، ووالله لا أعصيهِ بعدها أبداً، فمات من ليلتهِ فأصبحَ مكتوباً على بابه: إن الله قد غفرَ (¬5) للكفلِ، فعجبَ الناسُ من ذلك" رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 39 - وعن ابن عمر أيضاً رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "انطلقَ ثلاثةُ نفرٍ (¬6) ممن كان قبلكم حتى أواهمُ المبيتُ (¬7) إلى غارٍ (¬8) فدخلوهُ فانحدرتْ (¬9) صخرةٌ من الجبلِ فسدتْ عليهم الغار فقالوا: إنه لا يُنْجِيكم (¬10) من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فذكر الحديث إلى أن قال (¬11) الآخر: اللهم كانت لي ابنةُ عمٍ، كانت أحب الناس إليَّ، فأردتها (¬12) على نفسها، فامتنعت مني حتى ألَّمَتْ (¬13) بها سنةٌ من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة ¬

= أي يخافون عذابه غائباً عنهم لم يعاينوه بعد، أو غائبين عنه أو عن أعين الناس، أو بالمخفى عنهم وهو قلوبهم. أهـ بيضاوي. أريد أن تكون أيها المسلم واحداً من هذه السبعة: إذا وليت أمور الناس فاعدل، وتحر الحق، وإذا كنت يافعاً صغير السن فاتبع سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم وبكر على طاعة الله وحافظ على أداء الفرائض في المسجد جماعة، وآخِ في الله، واترك الفواحش، وأنفق ينفق الله عليك، واخش الله في سرك وعلانيتك تربح. (¬1) لا يتكلف التباعد، يقال ورع عن المحارم وورعته: كففته فتورع. (¬2) رجف فؤادها واقشعر جسمها. (¬3) الفاقة والفقر. (¬4) أولى وأحق. (¬5) ستر عيوبه وسامحه فحظي بالقبول ونال رحمة الله. (¬6) جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة أو سبعة. (¬7) ألجأهم موضع البيتوتة إلى كهف. (¬8) بيت منقور في جبل. (¬9) هبطت ونزلت. (¬10) لا يخلصكم. (¬11) إلى أن قال الآخر كذا (د وع 138 - 2)، وفي (ن ط) إلى أن قال: قال له الآخر. (¬12) كناية عن طلب الجماع. (¬13) نزلت بها سنة من سني القحط فأحوجتها. في الحديث: إخلاص العمل لله وحده ينفعك.

دينارٍ على أن تُخَلِّيَ بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت: لا أُحِلُّ لك أن تَفُضَّ الخاتمَ إلا بحقهِ فتَحَرَّجْتُ (¬1) من الوقوع عليها فانصرفت عنها، وهي أحبُّ الناس إليَّ، وتركتُ الذهب الذي أعطيتها (¬2). اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج (¬3) عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرةُ" الحديث. رواه البخاري ومسلم، وتقدم بتمامه في الإخلاص، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة بنحوه، ويأتي في بر الوالدين إن شاء الله تعالى. [ألمت] هو بتشديد الميم، والمراد بالسنة: العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه شيئاً سواء نزل غيث أم لم ينزل، ومراده أنه حصل لها احتياج وفاقة بسبب ذلك. [وقوله: تفض الخاتم]: هو كناية عن الوطء. 40 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا شباب قريشٍ: احفظوا فروجكم، لا تزنوا، ألا من حَفِظَ فَرْجَهُ، فله الجنة" رواه الحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. 41 - وفي رواية للبيهقي: "يا فتيان قريشٍ لا تزنوا، فإنه من سَلِمَ (¬4) له شبابهُ دخل الجنة". 42 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها (¬5)، وحصنت (¬6) فرجها، وأطاعت بعلها (¬7) دخلت من أي أبواب الجنة شاءت" رواه ابن حبان في صحيحه. من حفظ ما بين فقميه وفخذيه دخل الجنة 43 - وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) فعلت فعلاً يبعدني عن الإثم، ويخرج بي من الحرج، وهو الذنب والضيق. (¬2) أي المبلغ المتفق عليه، والذهب يذكر ويؤنث. (¬3) أزل ما عندنا من الألم، فأزاح الله الصخرة إجابة لطلبهم، ذكر هذا الحديث البخاري في باب من استأجر أجيراً فترك أجره فعمل فيه المستأجر فزاد، أو من عمل في مال غيره فاستفضل. أهـ من العيني ص 90 جـ 12 (¬4) من حفظ فتوته من الوقوع في المعاصي. (¬5) الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء. (¬6) حفظت فرجها من الزنا. (¬7) زوجها كأن المطلوب من الزوجة المحافظة على: (أ) الصلاة. (ب) العفاف. (جـ) الطاعة. ص 122 جـ 12

"من يضمن لي ما بين لَحْيَيْهِ (¬1) وما بين رجليه تَضَمَّنْتُ له بالجنة" رواه البخاري واللفظ له، والترمذي وغيرهما. [قال الحافظ]: المراد بما بين لحييه: اللسان، وبما بين رجليه: الفرج، واللحيان: هما عظما الحنك. 44 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وقاهُ الله شر ما بين لحييهِ، وشر ما بين رجليه دخل الجنة" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. 45 - وعن أبي رافعٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حفظ ما بين فَقْمَيْهِ وفخذيهِ دخل الجنة" رواه الطبراني بإسناد جيد. [الفقمان] بسكون القاف: هما اللحيان. 46 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حفظ ما بين فقميه وفرجه دخل الجنة" رواه أبو يعلى، واللفظ له والطبراني، ورواتهما ثقات. 47 - وفي رواية للطبراني قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أحدثك ثنتين من فعلهما دخل الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: يحفظ الرجل ما بين فقميه وما بين رجليه". 48 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اضمنوا لي ستاً (¬2) من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا ¬

(¬1) يريد صلى الله عليه وسلم إخبار ذلك الذي يتحفظ من أن يدخل في فمه طعاماً حراماً ولا يقع في فاحشة بالجنة أي الذي ضمن فمه وفرجه لا تحصل منهما معصية ضمن صلى الله عليه وسلم له الجنة ليحظى بنعيمها ورضوان الله هذا إلى حفظ لسانه من الغيبة والنميمة، والإفساد بين الناس كما ذكره الحافظ المنذري في معاصي اللسان. (¬2) يطلب صلى الله عليه وسلم من أمته أن تحافظ على ستة: (أ) الصدق. (ب) الوفاء. (جـ) أداء الأمانة. (د) عدم ارتكاب الفواحش. (هـ) غض البصر. (و) عدم السرقة، وكف الأذى عن الناس، وعدم الظلم. قال تعالى: "ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون =

إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغُضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم" رواه أحمد وابن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد. ¬

_ = حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا؟ قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون وذلك ظنكم الذي ظننتم بربك أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوى لهم، وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين" (18 - 24 من سورة فصلت). (يوزعون): يحبس أولهم على آخرهم لئلا يتفرقوا، وهو عبارة عن كثرة أهل النار، وينطق الله تعالى الجوارح، أو يظهر عليها آثاراً تدل على ما اقترف بها فتنطق بلسان الحال وتعد أفعال العصاة (وما كنتم): أي كنتم تستترون عن الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضيحة وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم فما استترتم عنها، وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق أنه لا يمر عليه حال إلا وهو عليه رقيب (المعتبين): المجابين إليها. أهـ. بيضاوي. لقد ذكر الله تعالى هذه الآيات بعد تعداد أفعال عاد وثمود لينبه المسلمين أن يعتبروا ويتعظوا ويتباعدوا من فعل الموبقات وارتكاب المعاصي، رجاء إحسان الله إليهم في الدنيا والآخرة، ولذا أعقب هذه القصة قول الله تبارك وتعالى: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أوليائكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم" (30 - 36 من سورة فصلت). الآيات الواردة في اجتناب النكاح المحرم: (أ) قال تعالى: "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا" (32 من سورة النساء). (ب) وقال تعالى: "ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً" (68 - 69 من سورة الفرقان). وقال تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" (90 من سورة النحل). (جـ) وقال تعالى: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن" (33 من سورة الأعراف). (د) وقال تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيماً" (15 - 16 من سورة النساء). (هـ) وقال تعالى: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين" (2 - 3 من سورة النور). =

الترهيب من اللواط وإتيان البهيمة والمرأة في دبرها سواء كانت زوجته أو أجنبية

[قال الحافظ]: رووه كلهم عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عبادة، ولم يسمع منه. والله أعلم. الترهيب من اللواط، وإتيان البهيمة، والمرأة في دبرها سواء كانت زوجته أو أجنبية 1 - عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخافُ على أمتي من عملِ قومِ لوطٍ (¬1) " رواه ابن ماجة، والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 2 - وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما نقضَ قومٌ العهد (¬2) إلا كان القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشة (¬3) في قومٍ إلا سَلَّطَ الله عليهم ¬

= أضرار الزنا كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه: أولاً: يذهب الزنا نور الإيمان من قلب الزاني (حين يزني). ثانياً: الفاحشة تبيح قتل مرتكبها (لا يحل دم امرئ). ثالثاً: الزنا نذير الرعب والفزع (يا بغايا العرب). رابعاً: لا يستجيب الله دعاء الزاني. خامساً: تتقد النار في وجهه يوم القيامة. سادساً: ترى الزناة في فرن يصهر أجسامهم ويحرق أبدانهم (التنور). سابعاً: رائحتهم نتنة قذرة (المراحيض). ثامناً: مرتكب الفاحشة شطب اسمه من سجل الأبرار وطرد من حظيرتهم، وليس الزاني من عباد الرحمن. تاسعاً: لا ينظر الله للزاني نظر رحمة ورأفة (شيخ زان). عاشراً: يحرم الله على الزاني الجنة ولا يشم ريحها. الحادي عشر: انتشار الزنا يوجد أولاداً مفسدين مخربين مدمرين (ما لم يفش فيهم ولد الزنا). الثاني عشر: أنذر بالخراب كل بلد ظهر فيه الزنا مع غضب الله على سكانه (في قرية). الثالث عشر: الزنا يسبب العار والشنار والفضيحة في الدنيا والآخرة (على رءوس الأولين والآخرين). الرابع عشر: الممتنع من الزنا يظله الله في ظله ويسامحه (إن الله قد غفر للكفل). الخامس عشر: الامتناع عن الزنا ينجي من الأهوال ويزيل الشدائد (فانفرجت الصخرة). السادس عشر: البعد عن الزنا يزيد في الرزق ويجلب الخير ويجعل في الوجه بهاءً ونوراً. (¬1) إتيان الذكر في دبره كما تؤتى المرأة في فرجها. (¬2) توحيد الله والاستقامة والعمل بكتاب الله وسنة رسوله. (¬3) الزنا.

الموت (¬1)، ولا منع قومٌ الزكاة إلا حُبسَ عنهم الْقَطْرُ (¬2) " رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. ورواه ابن ماجة والبزار والبيهقي من حديث ابن عمر بنحوه، ولفظ ابن ماجة قال: أقبلَ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشرَ المهاجرين خمسُ خصالٍ إذا ابتُليتم (¬3) بهنَّ، وأعوذ بالله أن تدركوهون: لم تظهر الفاحشة (¬4) في قومٍ قط حتى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون (¬5) والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم (¬6) الذين مضوا" الحديث. 3 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ظُلِمَ أهل الذمة (¬7) كانت الدولة دولة العدو (¬8)، وإذا كَثُرَ الزنا كثر السِّبَاءُ (¬9)، وإذا كثر اللوطية (¬10) رفع الله عز وجل يده عن الخلق (¬11)، فلا يبالي في أي وادٍ هلكوا" رواه الطبراني، وفيه عبد الخالق بن زيد بن واقد ضعيف، ولم يترك. لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من غَيَّرَ حدود الأرض 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله سبعةً من خلقهِ من فوق سبعِ سمواته، وردد اللعنةَ على واحدٍ منهم ثلاثاً، ولعنَ كل واحدٍ لعنةً تكفيه، قال: ملعون (¬12) من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، ملعون من ذبح لغير الله (¬13)، ¬

(¬1) الأمراض الوبائية فتحصد أرواحهم. (¬2) المطر، والمعنى منع عنهم الخير وانتزعت البركة وكثرت الآفات. (¬3) اختبرتم. (¬4) الزنا. (¬5) مرض فتاك. (¬6) الأمم السابقة. (¬7) أصابهم الظلم، ويلحق بهم المعاهد والمستأمن. (¬8) قال الشيخ: أي يجعل الله الدولة دولة العدو فينصره علينا، والمراد من الخبر النهي، وقال المناوي: أي كانت مدة ذلك الملك أمداً قصيراً، والظلم لا يدوم، وإن دام دمر. أهـ عزيزي من الجامع الصغير ص 144 - جـ 1 (¬9) الأسر وذل الأبناء وكثرة العقوق وزيادة التشاحن، وقال المناوي: يعني يسلط الله العدو على أهل الإسلام فيكثر من السبي منهم. أهـ. (¬10) أي الذين يأتون الذكران شهوة من دون النساء. (¬11) أي أعرض عنهم ومنعهم ألطافه وأبعد عنهم رحمته فلا يبالي بإهلاك. أحد ثلاثة تدل على الضعف والذلة: (أ) الظلم. (ب) الزنا. (جـ) اللواط. (¬12) مطرود من رحمة الله. (¬13) لم يذكر اسم الله على ذبيحته، قال تعالى: "فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين" (118 من سورة الأنعام). =

ملعونٌ من أتى شيئاً من البهائم (¬1)، ملعونٌ من عقَّ والديه (¬2)، معلونٌ من جمع بين امرأةٍ وابنتها، ملعونٌ من غَيَّرَ حدود الأرضِ (¬3)، ملعونٌ من ادعى إلى غير مواليه (¬4) " رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، إلا محرز بن هارون التيمي، ويقال فيه: محرز بالإهمال، ورواه الحاكم من رواية هارون أخي محرر، وقال: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: كلاهما واهٍ، لكن محرز قد حسن له الترمذي، ومشاه بعضهم، وهو أصلح حالاً من أخيه هارون، والله أعلم. 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من غَيَّرَ تُخُومَ (¬5) الأرض، ولعن الله من كَمَّهَ (¬6) أعمى عن السبيل، ولعن الله من سب والديه، ولعن الله من تولى (¬7) غير مواليه، ولعن الله من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، قالها (¬8) ثلاثاً في عمل قوم لوطٍ" رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي، وعند النسائي آخره مكرراً. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربعةٌ يُصبحون في غضبِ الله ويُمسون في سخط الله، قلت: من هم يا رسول الله؟ قال: المتشبهون من الرجال بالنساء، والذي يأتي البهيمة، والذي يأتي الرجال (¬9) " ¬

= وقال تعالى: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون" (121 من سورة الأنعام). (¬1) فعل فيها الفاحشة، لأن حكم اللواط وإتيان البهائم كحكم الزنا. (¬2) عصاهما. (¬3) اعتدى على غير حقه. (¬4) انتسب إلى غير أسياده ومخدوميه. (¬5) أي معالمها وحدودها، واحدها تخم، وقيل أراد بها حدود الحرم خاصة، وقيل هو عام في جميع الأرض، وأراد المعالم التي يهتدى بها في الطرق، وقيل أن يدخل الرجل في ملك غيره فيقتطعه ظلماً، ويروى تخوم الأرض بفتح التاء على الإفراد وجمعه تخم بضم التاء والخاء. أهـ نهاية ص 111 - جـ 1. (¬6) أضل وستر، وفي النهاية: مر على أبوار دور مستغلة فقال: أكموها: أي استروها لئلا تقع عيون الناس عليها، والكمو: الستر، من كمه يكمه فهو أكمه إذا عمى. أهـ. (¬7) اتخذ غير مخدوميه أولياء واصطفاهم. (¬8) قالها كذا (د وع ص 140)، وفي (ن د): قائلاً لها. (¬9) أي أربعة ينزل عليهم غضب الله وعذابه صباح مساء: (أ) فاقد الرجولية المتخنث. (ب) المتبجحة المترجلة قليلة الأدب. (جـ) فاعل الفاحشة في الحيوان. (د) اللائط، من لاط يلوط لواطة.

رواه الطبراني والبيهقي من طريق محمد بن سلام الجزاعي، ولا يعرف عن أبيه عن أبي هريرة وقال البخاري: لا يتابع على حديثه. 7 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وجدتموه يعمل عمل قومِ لوطٍ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به" رواه أبو داود والترمذي، وابن ماجة والبيهقي، كلهم من رواية عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس، وعمور هذا قد احتج به الشيخان وغيرهما، وقال ابن معين: ثقة ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس، يعني هذا، انتهى. 8 - وروى أبو داود وغيره بالإسناد المذكور عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى بهيمةً فاقتلوهُ واقتلوها معه". [قال الخطابي]: قد عارض هذا الحديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان إلا لمأكلةٍ. اقتلوا الفاعل والمفعول به والذي يأتي البهيمة 9 - وروى البيهقي أيضاً وغيره عن مِفْضَلِ بن فضالة عن ابن جريرج عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقتلوا الفاعل والمفعول به، والذي يأتي البهيمة". قال البغوي: اختلف أهل العلم في حد اللوطي فذهب إلى أن حد الفاعل حد الزنا: إن كان محصناً يرجم، وإن لم يكن محصناً يجلد مائة، وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والحسن وقتادة والنخعي، وبه قال الثوري والأوزاعي، وهو قول الشافعي، ويحكى أيضاً عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وعلى المفعول به عند الشافعي على هذا القول جلدُ مائة، وتغريب عام رجلاً كان أو امرأة، محصناً كان أو غير محصن، وذهب قوم إلى أن اللوطي يرجم محصناً كان أو غير محصن. رواه سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس، وروى ذلك عن الشعبي، وبه قال الزهري، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق، وروى حماد بن إبراهيم عن إبراهيم يعني النخعي قال: لو كان أحد يستقيم أن يرجم مرتين لرجم اللوطي والقول الآخر للشافعي أنه يقتل الفاعل والمفعول به كما جاء في الحديث. انتهى.

[قال الحافظ]: حرق الوطية بالنار أربعةٌ من الخلفاء: أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير، وهشام بن عبد الملك. 10 - وروى ابن أبي الدنيا، ومن طريقه البيهقي بإسناد جيد عن محمد بن المنكدر: "أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه وجد رجلاً في بعض ضواحي العرب يُنْكَحُ كما تُنْكَحُ المرأةُ، فجمع لذلك أبو بكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم علي بن أبي طالب، فقال عليٌّ: إن هذا ذنبٌ لم تعمل به أمةٌ إلا أمةٌ واحدةٌ، ففعل الله بهم ما قد علمتم، أرى أن تَحْرِقَهُ بالنار، فاجتمعَ رأيُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُحْرَقَ بالنار، فأمر أبو بكر أن يُحْرَقَ بالنار". 11 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا تقبلُ لهم شهادةُ أن لا إله إلا الله: الراكبُ (¬1) والمركوبُ، والراكبةُ والمركوبة (¬2) والإمام الجائر (¬3) " حديث غريب جداً. رواه الطبراني في الأوسط. 12 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله عز وجل إلى رجلٍ أتى رجلاً أو امرأةً في دبرها (¬4) " رواه الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه. 13 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هي اللوطيةُ (¬5) الصغرى يعني الرجل يأتي امرأته في دبرها" رواه أحمد والبزار، ورجالهما رجال الصحيح. 14 - وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحيوا (¬6) فإن الله لا يستحي من الحق، ولا تأتوا النساء في أدبارهن" رواه أبو يعلى بإسناد جيد. ¬

(¬1) فاعل الفاحشة، والمفعول فيه. 41 - 2 (¬2) المرأة التي تفعل في مثلها كما يفعل الرجل والمفعولة فيها تنام تحت الأنثى مثلها للسحاقة. (¬3) الظالم. (¬4) محل الغائط: الفتحة القذرة. (¬5) الفاحشة. (¬6) تحلوا بالحياء: تكملوا بالأدب.

15 - وعن خزيمة بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يستحي من الحق ثلاث مراتٍ، لا تأتوا النساء في أدبارهن" رواه ابن ماجة، واللفظ له، والنسائي بأسانيد، أحدها جيد. 16 - وعن جابر رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مَحَاشِّ النساء" رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات، والدارقطني. ولفظه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استحيوا من الله فإن الله لا يستحي من الحق، لا يحلُّ مأتاك النساء في حُشُوشِهنَّ". 17 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الذين يأتون النساء في محاشهنَّ" رواه الطبراني من رواية عبد الصمد بن الفضل. [المحاش]: بفتح الميم وبالحاء المهملة وبعد الألف شين معجمة مشددة، جمع محشة بفتح الميم وكسرها، وهي الدبر. 18 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى النساء في أعْجَازِهنَّ (¬1) فقد كفر" رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات. 19 - وروى ابن ماجة والبيهقي، كلاهما عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن البي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله (¬2) إلى رجلٍ جامع امرأةً (¬3) في دبرها". 20 - وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ملعونٌ (¬4) من أتى امرأة في دبرها" رواه أحمد وأبو داود. 21 - وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى حائضاً (¬5) ¬

(¬1) دبرهن، لأنه استحل ذلك وعقابه العذاب الأليم. وفيه شدة الترهيب من اللواط، يكنى بالحشوش عن مواضع الغائط 231 - 1 نهاية. (¬2) لا يرحم ولا يحسن. (¬3) امرأة كذا (د وع ص 142 - 2) وفي (ن ط) امرأته. (¬4) مطرود من رحمة الله. (¬5) التي ينزل عليها دم الحيض كما قال تعالى: "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله =

أو امرأة في دبرها أو كاهناً (¬1) فَصَدَّقَهُ كفر بما أُنزلَ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم " رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود إلا أنه قال: فقد برئ مما أُنزلَ على محمدٍ، صلى الله عليه وسلم. [قال الحافظ]: رووه من طريق حكيم الأثرم عن أبي تميمة، وهو طريف بن خالد عن أبي هريرة، وسئل علي بن المديني عن حكيم من هو؟ فقال أعيانا هذا، وقال البخاري في تاريخه الكبير: لا يعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة. 22 - وعن علي بن طَلْقٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تأتوا النساء في أسْتَاهِهِنَّ (¬2)، فإن الله لا يستحي من الحق" رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن، ورواه النسائي وابن حبان في صحيحه بمعناه. ¬

= واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين" (222 - 223 من سورة البقرة). (أذى): شيء مستقذر مؤذ فاجتنبوا مجامعتهن حتى يغتسلن (حرث): موضع بذر لكم، شبهن بها تشبيهاً لما يلقى في أرحامهن من النطف بالبذور، واطلبوا الولد واذكروا اسم الله عند الوطء، رجاء أن الله يبارك في نسلكم، والفرج هو محل الإخصاب والانتاج فقط، وبشر الكاملين في الإيمان بالكرامة والنعيم الدائم، فهذا أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصح الناس، ويبشر من صدقه وامتثل أمره منهم كما قال تعالى: "حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم" (128 من سورة التوبة). الآيات الدالة على تحريم اللواط واستنكاره: قال تعالى: "ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين" (28 - 29 من سورة العنكبوت). وقال: "ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين" (75 من سورة الأنبياء). وقال تعالى: "أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزاً في الغابرين، ثم درمنا الآخرين، وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم" (175 من سورة الشعراء). (¬1) مدعياً علم الغيب مشعوذاً ساحراً كذاباً. (¬2) جمت است: أدبارهن. أضرار اللواط كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولاً: نذير الرعب وداعي الخيبة ودليل السقوط والدناءة وفقد الشهامة والنجدة (إن أخوف). =

الترهيب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق

الترهيب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق 1 - عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولُ ما يُقضىَ بين الناس يوم القيامة في الدماء (¬1) " رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. 2 - وللنسائي أيضاً: "أولُ ما يُحاسبُ عليه العبدُ الصلاة، وأول ما يُقضىَ بين الناس في الدماء". 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات: قيل يا رسول الله: وما هُنَّ؟ قال: الشركُ بالله (¬2)، والسحرُ وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مالِ اليتيم، وأكلُ الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصناتِ الغافلات المؤمنات" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. [الموبقات]: المهلكات. 4 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

= ثانياً: يدعو إلى انتشار الأوبئة وفتك الأمراض الخبيثة المميتة القاتلة. ويجلب سخط النفس والسل والصفرة. ثالثاً: ينزع الله رحمته فيحل غضبه (فلا يبالي). رابعاً: استحقاق اللعن والعقاب على الفاعلين والمفعولين (ملعون). خامساً: وجود الضعة في نفس اللائط. سادساً: رجمه إن كان محصناً، وجلده إن كان غير محصن. سابعاً: لا تقبل شهادة الفاعل والمفعول فيه (الراكب والمركوب) ويرد قوله وينبذ. ثامناً: دليل على قلة الحياء وارتكاب ما نهى الله عنه. تاسعاً: يعذب اللائط عذاب الكافر، ولم أر أوخم عاقبة من ارتكاب هذه المعصية، تجلب الشقاق وتفصم عرى المودة وتسبب الخلاف وتقطع الصحبة وتنفر النفوس ونتيجتها القتل وكثيراً ما رأينا في الصحف حوادث من هذا النوع من جراء هتك عرض أو ميل إلى طفل، نعوذ بالله من كل سوء ونقيصة. (¬1) أي في القضاء بها لأنها أعظم المظالم فيما يرجع إلى العباد، ففيه وعيد شديد من حيث يبتدأ به في الحساب وقد أورد البخاري قول الله تعالى: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم" أهـ عيني ص 30 جـ 24، وقال ابن حجر: أي أول القضاء يوم القيامة القضاء في الدماء: أي في الأمر المتعلق بالدماء، وفيه عظم أمر القتل، لأن الابتداء إنما يقع بالأهم. أهـ ص 153 جـ 12 (¬2) أن تجعل لله شبيهاً في ذاته أو صفاته أو أفعاله كما قال تعالى: (أ) "إن الشرك لظلم عظيم". (ب) "لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين" (126 من الزمر).

لايزال المؤمن في فُسحةٍ (¬1) من دينهِ ما لم يُصب (¬2) دماً حراماً. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إن من وَرَطاتِ الأمور التي لا مخرجَ لمن أوقعَ نفسهُ فيها سَفْكَ (¬3) الدمِ الحرامِ بغير حِلِّهِ (¬4) " رواه البخاري والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. [الورطات]: جمع ورطة بسكون الراء، وهي الهلكة، وكل أمر تعسر النجاة منه. 5 - وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لزوال الدنيا أهونُ (¬5) على الله من قتلِ مؤمنٍ بغير حقٍ" رواه ابن ماجة بإسناد حسن، ورواه البيهقي والأصبهاني. وزاد فيه: "ولو أن أهل سمواتهِ، وأهل أرضهِ اشتركوا في دم مؤمنٍ لأدخلهمُ الله النار". 6 - وفي رواية للبيهقي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا جميعاً أهونُ على الله من دمٍ سُفِكَ بغير حقٍ". 7 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لزوال الدنيا أهونُ عند (¬6) الله من قتلِ رجلٍ مسلمٍ" رواه مسلم والنسائي والترمذي مرفوعاً وموقوفاً، ورجح الموقوف. ¬

(¬1) في سعة منشرح الصدر، وإذا قتل نفساً بغير حق صار منحصراً ضيقاً لما أوعد الله عليه ما لم يوعد على غيره من دينه: أي يضيق عليه دينه بسبب الوعيد لقاتل النفس عمداً بغير حق، وفي رواية للكشميهني من ذنبه: أي إنه يصير في ضيق بسبب ذنبه. أهـ عيني ص 31 جـ 24. وقال ابن حجر: قال ابن العربي: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول. وحاصله أنه فسره على رأي ابن عمر في عدم قبول توبة القاتل. أهـ ص 152 جـ 12. (¬2) مدة عام إصابته: أي إقدامه على القتل، وهو كناية عن شدة المخالطة، وقد أخرج الطبراني (فإذا أصاب دماً حراماً نزع منه الحياء). (¬3) أي إراقته، والمراد به القتل بأي صفة كان. (¬4) وفي رواية أبي نعيم بغير حقه. (¬5) أيسر قال ابن العربي: ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي فكيف بالمسلم فكيف بالتقي الصالح. أهـ فتح ص 152 جـ 12، وقال العزيزي: في الجامع الصغير فهو أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله، وقال الحفني: أي فمن قتل مسلماً يعذب عذاباً أشد ممن أزال الدنيا بأسرها لو فرض ذلك. أهـ ص 178 جـ 3. (¬6) عند كذا (ن د)، وفي (ط وع) ص 143 - 2 أهون على الله.

لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار 8 - وروى النسائي والبيهقي أيضاً من حديث بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قتل المؤمن أعظمُ عند الله من زوال الدنيا". 9 - وروى ابن ماجة عن عبد الله بن عمروٍ قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك، وما أطيبَ ريحكِ، ما أعظمكِ وما أعظمَ حُرْمَتَكِ! والذي نفسُ محمدٍ بيدهِ لَحُرْمَةُ المؤمنِ (¬1) عند الله أعظمُ من حُرْمَتِكِ: مالهِ (¬2) وَدَمِهِ" اللفظ لابن ماجة. 10 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دمِ مؤمنٍ لأكبَّهُمُ (¬3) الله في النار" رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب. 11 - وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قُتِلَ بالمدينة قتيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُعْلَمْ مَنْ قتلهُ، فصعدَ النبي صلى الله عليه وسلم المنبر، فقال: يا أيها الناسُ يُقْتَلُ قَتيلٌ وأنا فيكم، ولا يُعْلَمُ من قتلهُ، لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتلِ امرئٍ (¬4) لعذبهم الله إلا أن يفعل ما يشاء". 12 - ورواه الطبراني في الصغير من حديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن أهل السموات والأرض اجتمعوا على قتل مُسلمٍ لكبهمُ الله جميعاً على وجوههم في النار". 13 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعان على قتلِ مؤمنٍ بِشَطْرِ (¬5) كلمةٍ لقي الله مكتوباً بين عينيه آيسٌ (¬6) ¬

(¬1) مكانته ودرجته عند الله تعالى. (¬2) المراد حفظ ماله وعدم إراقة دمه. (¬3) ألقاهم على وجوههم، من كببت الإناء: قلبته على رأسه فأكببته، قال تعالى: "فكبت وجوههم في النار"، وقال تعالى: "أفمن يمشي مكباً على وجهه". (¬4) امرئٍ كذا (ط وع) وفي (ن د): مؤمن. (¬5) بنصف كلمة، معناه الذي أعانه ولو بأقل دلالة طرد من رحمة الله وعذب وعُد من القانطين. (¬6) غير راج: أي يائس قانط.

من رحمة الله" رواه ابن ماجة والأصبهاني، وزاد قال سفيان بن عيينة: هو أن يقول: اُقْ، يعني لا يُتمُّ كلمة اقْتُلْ. كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت مشركاً أو يقتل مؤمناً متعمداً 14 - ورواه البيهقي من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعان على دمِ امرئٍ مُسلمٍ بشطر كلمةٍ كُتبَ بين عينيه يوم القيامة: آيسٌ من رحمة الله". 15 - وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم أن لا يَحُولَ بينهُ وبين الجنة ملءُ كفٍّ (¬1) من دمِ امرئٍ مسلمٍ أن يُهَرِيقَهُ كما يذبحُ به دجاجةً كلما تعرَّضَ لبابٍ من أبواب الجنة حال اللهُ بينهُ وبينَهُ، ومن استطاع منكم أن لا يجعل في بطنه إلا طيباً فليفعل، فإن أول ما يُنْتِنُ (¬2) من الإنسان بطنهُ" رواه الطبراني، ورواته ثقات، والبيهقي مرفوعاً هكذا وموقوفاً، وقال: الصحيح أنه موقوف. 16 - وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل ذنبٍ عسى (¬3) الله أن يغفرهُ إلا الرجلَ يموتُ كافراً، أو الرجل يقتلُ مؤمناً متعمداً" رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد. 17 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ذنبٍ عسى الله أن يغفرهُ إلا الرجل يموت مشركاً، أو يقتلُ مؤمناً متعمداً" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال صحيح الإسناد. ¬

(¬1) معناه إذا تلطخت يد القاتل أو مساعده بدم كانت مانعاً من دخول الجنة من أي باب تتمثل لصده فالذي يقدر أن يحفظ يده من الاشتراك في القتل رجاء دخول الجنة فليتباعد، وكذا من قدر أن يأكل حلالاً فليأكل وليجتنب الحرام رجاء رائحته الذكية فالذي ينتن البطن من وجود الطعام الحرام فيه، هراق الماء أصبه. (¬2) تكون له رائحة قذرة. (¬3) ترجى فيه مغفرة الله إلا اثنين: (أ) ذنب الكافر أو المشرك. (ب) أو القاتل، فقد حكم الله عليهما بالخلود المؤبد في جهنم، وفي الجامع الصغير هذا محمول على من استحل القتل أو على الزجر والتنفير، وقال الحفني: من باب التهويل والتخويف، وإن جاز غفرانه حيث مات مؤمناً. أهـ. ص 82 جـ 3

يجئ المقتول آخذاً قاتله وأوداجه تشخب دماً .. إلخ 18 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنه سألهُ سائلٌ، فقال: يا أبا العباس! هل للقاتل من توبةٍ؟ فقال ابن عباس كالمُعَجِّبِ (¬1) من شأنه: ماذا تقول؟ فأعاد عليه مسألتهُ، فقال: ماذا تقول؟ مرتين أو ثلاثاً. قال ابن عباس: سمعت نبيكمُ صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي المقتول متعلقاً رأسُهُ (¬2) بإحدى يديه مُتلبباً قاتلهُ باليد الأخرى تَشْخُبُ (¬3) أوداجهُ دماً حتى يأتيَ به العرشَ فيقولُ المقتولُ لرب العالمين: هذا قتلني، فيقول الله عز وجل للقاتلِ: تَعَسْتَ (¬4)، ويُذهْبُ به إلى النار" رواه الترمذي وحسنه والطبراني في الأوسط، ورواته رواة الصحيح، واللفظ له. 19 - ورواهُ فيه أيضاً من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يجئ المقتول آخذاً قاتلهُ، وأوداجهُ تَشْخُبُ دماً عند ذي العزة، فيقول يا رب: سلْ (¬5) هذا فِيمَ (¬6) قتلني؟ فيقولُ: فيمَ قتلتهُ؟ قال: قتلتهُ لتكون العزةُ لفلانٍ. قيل: هي لله". 20 - وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أصبح إبليسُ بَثَّ جنودهُ (¬7) فيقولُ: من أخْذَلَ (¬8) اليومَ مُسلماً ألبَسْتُهُ التاجَ. قال: فيجئ هذا فيقول: لم أزَلْ به حتى طلق امرأتهُ، فيقولُ، يوشكُ (¬9) أن يتزوج، ويجئ لهذا فيقولُ: لم أزَلْ به حتى عق والديه (¬10) فيقول: يوشكُ أن يَبَرَّهُما، ويجئ هذا فيقول: لم أزَلْ به حتى أشرك (¬11) فيقول: أنت (¬12) أنتَ، ويجئ هذا فيقول: ¬

(¬1) كالمعجب كذا (ط وع) ص 144 - 2، وفي (ن د) كالمتعجب: أي زاد إعجابه وتأمله. (¬2) أي حاملاً بيده رأسه وقابضاً بيده الأخرى على تلابيب القاتل مخنقاً على عنقه مضيقاً عليه. (¬3) تسيل عروقه وتشخب: تجري دماً من باب قطع ونصر. (¬4) خزيت وكببت على وجهك في النار، وهلكت، من قطع. (¬5) اسأل. (¬6) في أي شيء وبأي سبب؟ (¬7) نشرهم. (¬8) وسوس له وترك نصرته في الحق وإعانته، من خذلته تخذيلاً: حملته على الفشل وترك القتال. (¬9) يوشك كذا (د وع)، وفي (ن ط): أوشك: أي يقرب. (¬10) عصاهما. (¬11) جعل لله شريكاً في عبادته، وفي اعتقاده. (¬12) أنت جدير بالإكرام لغوايتك فيفرح إبليس بمن سبب الإشراك والقتل فيدني منه ذلك الشيطان الذي أغوى وأضل وعمل ذلك.

لم أزَلْ به حتى قتل فيقولُ: أنت أنت، ويُلبسُهُ التاج" رواه ابن حبان في صحيحه. 21 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل مؤمناً فاغتبطَ (¬1) بقتلهِ لم يقبل الله منه صَرْفاً (¬2) ولا عَدْلاً (¬3) " رواه أبو داود، ثم روى عن خالد بن دهقان سألت يحيى بن يحيى الغساني عن قوله: فاغتبط بقتله؟ قال: الذين يُقَاتِلُونَ في الفتنة، فَيُقْتَلُ أحدهمْ فيرى أحدهم أنه على هدىً لا يستغفر الله. [الصرف]: النافلة. [والعدل]: الفريضة، وقيل: غير ذلك، وتقدم فيمن أخاف أهل المدينة. 22 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرجُ عُنُقٌ (¬4) من النار يتكلمُ يقول: وُكِّلْتُ اليومَ بثلاثةٍ: بكل جبارٍ (¬5) عنيدٍ (¬6)، ومن جعل مع الله إلهاً آخر، ومن قَتلَ نفساً بغير حقٍ فينطوي عليهم فيقذفهم في حمراء (¬7) جهنم" رواه أحمد والبزار، ولفظه: "تخرج عنقٌ من النار تتكلم بلسان طلقٍ ذَلِقِ لها عينان تُبصرُ بهما، ولها لسانٌ تتكلمُ به فتقولُ: إني أُمرتُ بمن جعل مع الله إلهاً آخر، وبكل جبارٍ عنيدٍ، وبمن قتل نفساً بغير نفسٍ، فتنطلق بهم قبل سائر الناس بخمسمائة عامٍ، وفي إسناديهما عطية ¬

(¬1) تمنى أحد أن يقتل مثل الفاعل أو أظهر هذا سروره من هذه الفعلة الشنعاء. غبطه بما نال غبطة فاغتبط. (¬2) توبة أو نافلة. (¬3) فريضة أو نافلة. (¬4) دابة وحشية أكبر من السنور وأصغر من الكلب، عناق وعنوق، وفي المثل: العنوق بعد النوق: أي القليل بعد الكثير والذل بعد العز. (¬5) كثير الرهبة شديد الظلم متجبر. (¬6) معاند للحق كما قال تعالى: "ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد" (24 - 26 من سورة ق). (¬7) حمراء كذا (ط وع ص 145 - 2)، وفي (ن د): جمر، والمعنى يخرج حيوان قوي يجرهم بمخالبه وينبذهم في النار انتقاماً وتعذيباً لهؤلاء الثلاثة: (أ) الظالم. (ب) المشرك. (جـ) القاتل.

العوفي، ورواه الطبراني بإسنادين رواة أحدهما رواة الصحيح، وقد روي عن أبي سعيد من قوله موقوفاً عليه. 23 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل مُعاهداً (¬1) لَمْ يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريحها يُوجدُ من مسيرةِ أربعين عاماً (¬2) " رواه البخاري واللفظ له، والنسائي إلا أنه قال: من قتل قتيلاً من أهل الذمة. ¬

(¬1) المراد به من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم. أهـ فتح ص 211 جـ 12 في باب إثم من قتل ذمياً بغير جرم، والذمي منسوب إلى الذمة، وهي العهد، ومنه ذمة المسلمين واحدة. (¬2) وقد تكلم ابن بطال على ذلك فقال: الأربعون هي الأشد فمن بلغها زاد عمله ويقينه وندمه فكأنه وجد ريح الجنة التي تبعثه على الطاعة، قال: والسبعون آخر المعترك ويعرض عندها الندم وخشية هجوم الأجل فتزداد الطاعة بتوفيق الله تعالى فيجد ريحها من المدة المذكورة، وذكر في الخمسمائة كلاماً متكلفاً حاصله أنه مدة الفترة التي بين كل نبي ونبي فمن جاء في آخرها وآمن بالنبيين يكون أفضل من غيره فيجد ريح الجنة. أهـ. فتح. وقال ابن العربي: ريح الجنة لا يدرك بطبيعة ولا عادة، وإنما يدرك بما يخلق الله من إدراكه فتارة يدركه من شاء الله من مسيرة سبعين، وتارة من مسيرة خمسمائة. أهـ. وفي العيني (معاهداً): يجوز فتح الهاء وكسرها، وقال شيخنا زين الدين في شرح الترمذي: إن الجمع بين هذه الروايات باختلاف الأشخاص بتفاوت منازلهم ودرجاتهم. وقال الكرماني: يحتمل أن لا يكون العدد بخصوصه مقصوداً، بل المقصود المبالغة والتكثير. أهـ ص 73 جـ 24 الآيات الناهية عن قتل المسلم وغيره: (أ) قال تعالى: "والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً) (68 - 69 من سورة الفرقان). قال مجاهد الأثام واد في جهنم. وقال سيبويه والخليل: أي يلق جزاء الأثام، وقال القتبي: الأثام العقوبة. أهـ. عيني ص 31 جـ 24 (ب) وقال تعالى: "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون". قال العيني: (النفس بالنفس): يؤخذ منه جواز قتل الحر بالعبد والمسلم بالذمي، وهو قول الثوري والكوفيين. وقال مالك والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: لا يقتل حر بعبد، فمن تصدق أي عفا عن القصاص فالتصدق به كفارة للمتصدق يكفر الله عنه سيئاته، وعن عبد الله بن عمرو يهدم عنه ذنوبه بقدر ما تصدق به (الظالمون) أي لم ينصفوا المظلوم من الظالم الذين أمروا بالعدل والتسوية بينهم فيه فخالفوا وظلموا وتعدوا. أهـ عيني ص 40 جـ 24 (جـ) وقال تعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً" (33 من سورة الإسراء). (د) وقال تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً" (29 - 30 من سورة النساء). =

[لم يرح] بفتح الراء: أي لم يجد ريحها ولم يشمها. 24 - وعن أبي بكرةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قَتَلَ مُعاهداً في غير كُنههِ حَرَّمَ الله عليهِ الجنة" رواه أبو داود والنسائي، وزاد: أن يَشُمَّ ريحها. [في غير كنهه]: أي في غير وقته الذي يجوز قتله فيه حين لا عهد له. 25 - وفي رواية للنسائي قال: "من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريحَ الجنة وإن ريحها لَيُوجدُ (¬1) من مسيرة سبعين عاماً". 26 - ورواه ابن حبان في صحيحه، ولفظه قال: "من قتل نفساً مُعَاهَدَةً بغير حقها لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريح الجنة ليوجدُ من مسيرة مائة عامٍ". ¬

= (هـ) وقال تعالى: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً" (93 من سورة النساء). (و) وقال تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" (91 من سورة النحل). (ز) وقال تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً" (58 من سورة الأحزاب). (ح) وقال تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" (8 من سورة الممتحنة). (ط) وقال تعالى: "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً" (32 من سورة المائدة). آيات النهي عن السرقة وقطع الطريق وأذى المسلمين: (أ) قال تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم" (28 من سورة المائدة). (ب) وقال تعالى: "يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم" (12 من سورة الممتحنة). (جـ) وقال تعالى: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم" (32 من سورة المائدة). (د) وقال تعالى: "إن الله لا يصلح عمل المفسدين" (81 من سورة يونس). (هـ) وقال تعالى: "والله يعلم المفسد من المصلح" (220 من سورة البقرة). (¬1) ليوجد كذا (د وع ص 145 - 2) وفي (ن ط): لتوجد.

الترهيب من قتل الإنسان نفسه

الترهيب من قتل الإنسان نفسه 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تَردَّى (¬1) من جبلٍ فقتلَ نفسهُ فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مُخلداً فيها أبداً، ومن تَحَسَّى (¬2) سُماً فقتل نفسهُ فَسُمُّهُ في يده يَتَحَسَّاهُ في نار جهنم خالداً مُخلداً فيها أبداً، ومن قتلَ نفسهُ بحديدةٍ، فحديدتهُ في يده يتوجأُ بها في نار جهنم خالداً مُخلداً فيها أبداً (¬3) " رواه البخاري ومسلم والترمذي بتقديم وتأخير والنسائي، ولأبي داود: "ومن حَسَا سُماً فَسُمُّهُ في يده يتحساهُ في نار جهنم". [تردى]: أي رمى بنفسه من الجبل أو غيره فهلك. [يتوجأ بها] مهموزاً: أي يضرب بها نفسه. 2 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يَخْنُقُ نفسهُ يخنقها في النار، والذي يطعن نفسهُ يطعنُ نفسهُ في النار، والذي يقتحمُ (¬4) يقتحمُ في النار" رواه البخاري. ¬

(¬1) أسقط نفسه منه لما يدل عليه قوله فقتل نفسه على أنه تعمد ذلك وإلا فمجرد قوله تردى لا يدل على التعمد. أهـ فتح ص 194 (¬2) في باب شرب السم والدواء به وما يخاف منه. والخبيث: أي الدواء الخبيث قال وكأنه يشير بالدواء السم إلى ما ورد من النهي عن التداوي بالحرام، وقد تقدم حديث: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" ثم قال يجوز استعمال اليسير من السم إذا ركب معه ما يدفع ضرره إذا كان فيه نفع، أشار إلى ذلك ابن بطال، وقد أخرج ابن أبي شيبة وغيره أن خالد بن الوليد لما نزل الحيرة قيل له احذر السم لا تسقيكه الأعاجم فقال ائتوني به فأتوه به فأخذه بيده، ثم قال باسم الله واقتحمه فلم يضره. قال الخطابي خبث الدواء يقع بوجهين: أحدهما من جهة نجاسته كالخمر ولحم الحيوان الذي لا يؤكل، وقد يكون من جهة استقذاره فيكون كراهته لإدخال المشقة على النفس. أهـ. (¬3) يخبر صلى الله عليه وسلم أن الذي يقدم على الانتحار فيقتل نفسه بسكين أو بتناول مادة سامة أو التعمد أن يرمي نفسه من شاهق مثل جبل أو شجرة أو نافذة أو سطح أو خنق نفسه أو ضرب نفسه برصاص، وهكذا من أفعال السفهاء الجهلاء التي يأباها الدين ويقبحها العقل يعاقبه الله تعالى عقاباً صارماً ويجعل نوع عذابه من جنس فعلته الشنعاء فيخلق الله له حديدة أو سماً أو يهوي في قاع جهنم مستمراً على ذلك زمناً كثيراً مخلداً دائماً كما قال صلى الله عليه وسلم، قال في الفتح وأولى ما حمل عليه الحديث ونحوه من أحاديث الوعيد أن المعنى المذكور جزاء فاعل ذلك إلا أن يتجاوز الله تعالى عنه. أهـ. (¬4) ينزل من جهة مرتفعة، وفي النهاية اقتحم الإنسان الأمر العظيم وتقحمه إذا رمى نفسه فيه من غير روية وتثبت.

جزاء من قتل نفسه 3 - وعن الحسن البصري قال: "حدثنا جُندبُ بن عبد الله في هذا المسجد، فما نسينا منه حديثاً، وما نخاف أن يكون جُندبٌ كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان برجلٍ جراحٌ، فقتل نفسه، فقال الله: بَدَرَني (¬1) عبدي نفسه، فَحَرَّمْتُ عليه الجنة". 4 - وفي رواية: "كان فيمن قبلكم رجلٌ به جُرْحٌ فَجَزِعَ، فأخذ سكيناً، فَحَزَّ (¬2) بها يدهُ، فما رَقَأ الدمُ حتى مات، فقال الله: بادرني عبدي بنفسه" الحديث. رواه البخاري ومسلم، ولفظه قال: "إن رجلاً كان ممن كان قبلكم خرجت بوجهه قُرحة فلما آذتهُ انتزعَ سهماً من كنانتهِ فنكأها، فلم يرقأ الدمُ حتى مات. قال ربكم: قد حرمتُ عليه الجنة (¬3) ". [رقأ] مهموزاً: أي جف وسكن جريانه. [الكنانة] بكسر الكاف: جعبة النشاب. [نكأها] بالهمز: أي نخسها وفجرها. 5 - وعن جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه "أن رجلاً كانت به جراحةٌ فأتى قَرَناً له، فأخذ مِشْقَصاً فذبحَ به نفسهُ، فلم يُصَلِّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم " روه ابن حبان في صحيحه. [القرن] بفتح القاف والراء: جعبة النشاب. [والمشقص] بكسر الميم وسكون الشين المعجمة، وفتح القاف: سهم فيه نصل عريض ¬

(¬1) أسرع وسبقني بنفسه في حالة غضب. بدر وبادر. (¬2) فقطع. (¬3) أبعدته من نعيم الجنة، لأنه يئس من رحمة الله وقنط ودل على جهله وغفلته عن الله الذي يشفي ويزيل الألم ويبعد الكرب ويفك العسر فكم مريض شفى بعد مرضه. (أ) قال تعالى: "لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" (87 من سورة يوسف). (ب) وقال تعالى: "ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون" (56 من سورة الحجر). (جـ) وقال تعالى: "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" (53 من سورة الزمر). (د) وقال تعالى: "وإذا مسه الشر فيئوس قنوط" (49 من سورة فصلت).

وقيل: هو النصل وحده، وقيل: سهم فيه نصل طويل، وقيل: النصل وحده، وقيل: هو ما طال وعرض من النصال. ليس على المرء نذر فيما لا يملك .. إلخ 6 - وعن أبي قلابةَ رضي الله عنه أن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخبره بأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرةِ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمينٍ بِملَّةٍ (¬1) غير الإسلام كاذباً مُتعمداً فهو كما قال (¬2)، ومن قتلَ نفسه بشيءٍ عُذِّبَ به يوم القيامة، وليس على رجلٍ نذرٌ فيما لا يملك (¬3)، وَلَعْنُ (¬4) المؤمنِ كقتله، ومن رَمَى مؤمناً بكفرٍ (¬5) فهو كقتلهِ، ومن ذبح نفسه بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي باختصار، والترمذي وصححه، ولفظه: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المرء نذرٌ فيما لا يملكُ، وَلاَعِنُ المؤمن كقاتلهِ، ومن قذف مؤمناً بِكُفْرٍ فهو كقاتلهِ، ومن قتل نفسه بشيء عَذَّبَهُ الله بما قتلَ به نفسهُ يوم القيامة". 7 - وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكرهِ، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ (¬6) لا يَدَعُ لهم ¬

(¬1) بأن أقسم باليهودية أو النصرانية أو غيرهما مثلاً. (¬2) فهو كاذب لا كافر إلا أنه لما تعمد الكذب الذي حلف عليه والتزم الملة التي حلف بها، قال عليه الصلاة والسلام: فهو كما قال من التزام تلك الملة إن صح قصده بكذبه إلى التزامها في تلك الحالة، لأنه وقت ثان إذا كان ذلك على سبيل الخديعة للمحلوف له. قال ابن حجر: وحاصله أنه لا يصير بذلك كافراً، وإنما يكون كالكافر في حال حلفه بذلك خاصة. أهـ ص 394 جـ 10 (¬3) أي لا يصح النذر في شيء لا تملكه ولا يلزمك الوفاء به. (¬4) الدعاء بطرده من رحمة الله مثل إعدامه. (¬5) الذي ينسب إليه الخروج من الملة الحنيفية السمحاء مثل إعدامه وفقدان روحه. (¬6) قال القسطلاني: هو قزمان. أهـ. لا يترك للمؤمنين صغيرة ولا كبيرة إلا عاقبهم ورد كيدهم وحاربهم بجد وشجاعة وإذ به يثأر وينتقم من المشركين وينافق في الباطن فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه في جهنم لعدم إخلاصه للجهاد في سبيل الله ونصر دينه ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتلك معجزة له صلى الله عليه وسلم إذ رأى على وجه قزمان الرياء والاندفاع إلى الأذى والدفاع بنية الرياء والسمعة والشهرة والصيت ولا يقصد بذلك وجه الله ونصر دينه، قال تعالى: "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد =

شَاذَّةً، وفاذَّةً إلا اتبعها يَضْرِبُهَا بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحدٌ كما أجزأ فلانٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار". إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار .. إلخ 8 - وفي رواية فقالوا: "أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار؟ فقال رجلٌ من القوم (¬1). أنا صاحبهُ أبداً قال: فخرج معه كلما وقف وقف معهُ، وإذا أسرعَ أسرعَ معه. قال: فَجُرحَ الرجلُ جُرحاً شديداً، فاستعجل الموت فوضع سيفهُ بالأرضِ وذُبَابَهُ بين ثَدْيَيْهِ، ثم تحاملَ على سيفهِ، فقتلَ نفسهُ، فخرجَ الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهدُ أنك رسول الله. قال: وما ذاك؟ قال: الرجلُ الذي ذكرتَ آنفاً أنه من أهل النار، فأعظمَ الناس ذلك، فقلتُ: أنا لكم بهِ، فخرجتُ في طلبهِ حتى جُرِحَ جُرْحاً شديداً، فاستعجل الموتَ، فوضع نصل سيفهِ بالأرض وذَبَابَهُ بين ثدييهِ، ثم تحامل عليه، فقتل نفسهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل لَيَعْمَلُ عَمَلَ أهل الجنة فيما يبدو (¬2) للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ¬

= وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً" (100 من سورة النساء). سبب نزول هذه الآية حادثة جليلة تبين لك الثمرة المرجوة ينالها من أخلص لله في نيته وأحسن ضميره لله وأزال عن نفسه كل رياء وأبعد كل نفاق وتاجر مع الله فقط فلا يكون مثل (قزمان) ذلك الذي أبلى بلاءً حسناً وجاهد وجالد، ولكن حرم من أعماله لريائه. قال البيضاوي (وقع أجره) أي ثبت أجره عند الله تعالى ثبوت الأمر الواجب، والآية الكريمة نزلت في جندب بن ضمرة حمله بنوه على سرير متوجهاً إلى المدينة فلما بلغ التنعيم أشرف على الموت فصفق بيمينه على شماله فقال: اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايع عليه رسولك صلى الله عليه وسلم فمات. أهـ. (¬1) قال القسطلاني هو أكثم الخزاعي. (¬2) يظهر. قال النووي: فيه التحذير عن الاغترار بالأعمال، وأنه ينبغي للعبد أن لا يتكل عليها ولا يركن إليها مخافة انقلاب الحال للقدر السابق، وكذا ينبغي أن لا يقنط العاصي من رحمة الله تعالى. أهـ ص 350 جواهر البخاري. (أ) قال تعالى: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة" (6 من سورة البينة). (ب) وقال تعالى: "ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون" (20 من سورة الأحقاف). (درجات): مراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر، أو من أجل ما عملوا (وليوفيهم): جزاءها بلا نقص ثواب أو زيادة عقاب (مخلصين): موحدين يعملون العمل لله وحده (حنفاء): مائلين عن جميع الأديان إلى دين الإسلام مجاهدين في نصره (القيمة): الملة المستقيمة. (جـ) وقال تعالى: "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" (36 من سورة الحج). =

الترهيب أن يحضر الإنسان قتل إنسان ظلما أو ضربه، وما جاء فيمن جرد ظهر مسلم بغير حق

ليعمل عمل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة" رواه البخاري ومسلم. [الشاذة] بالشين المعجمة. [والفاذة] بالفاء وتشديد الذال المعجمة فيهما: هي التي انفردت عن الجماعة، وأصل ذلك في المنفردة عن الغنم، فنقل إلى كل من فارق الجماعة، وانفرد عنها. الترهيب أن يحضر الإنسان قتل إنسان ظلماً أو ضربه وما جاء فيمن جرد ظهر مسلم بغير حق 1 - عن خِرْشَةَ بن الحُرِّ رضي الله عنه، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشهد (¬1) أحدكم قتيلاً لعلهُ أن يكون مظلوماً، فَتُصِيبَهُ السَّخْطَةُ (¬2) " رواه أحمد، واللفظ له والطبراني إلا أنه قال: "فعسى أن يُقْتَلَ مظلوماً، فتنزلَ السخطةُ عليهم، فيصيبهُ معهم" ورجالهما رجال الصحيح خلا ابن لهيعة. 2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقفنَّ أحدكم موقفاً يُقْتَلُ فيه رجلٌ ظلماً، فإن اللعنة (¬3) تنزلُ على كُلِّ من حضر حين لم يدفعوا عنه، ولا يقفنَّ أحدكم موقفاً يُضْرَبُ فيه رجلٌ ظلماً، فإن اللعنة تنزلُ على من حضرهُ حين لم يدفعوا عنه" رواه الطبراني والبيهقي بإسناد حسن. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ¬

= قال القرطبي: قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يلطخون البيت بدماء البدن فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فنزلت هذه الآية ولكن يقبل سبحانه ما أريد به وجه الله فيرفعه ويثيب عليه. (د) وقال تعالى: "قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله" (28 من سورة آل عمران). (هـ) وقال تعالى: "وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (14 من سورة تبارك). (و) وقال تعالى: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" (29 من سورة النساء). (¬1) لا يحضر قتله. (¬2) غضب الله. (¬3) حلول سخطه وإبعاد رحمته سبحانه.

الترغيب في العفو عن القاتل والجاني والظالم، والترهيب من إظهار الشماتة بالمسلم

جَرَّدَ (¬1) ظهر مسلمٍ بغير حقٍ لقيَ الله، وهو عليه غضبانُ" رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد جيد. 4 - وروي عن عِصْمَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ظهر المؤمن حِمى إلا بحقهِ" رواه الطبراني وعصمة هذا هو ابن مالك الخطمي الأنصاري. الترغيب في العفو عن القاتل والجاني والظالم والترهيب من إظهار الشماتة بالمسلم 1 - عن عدي بن ثابت قال: "هَشَمَ رجلٌ فَمَ رجلٍ على عهدِ معاوية، فأعطى ديتهُ، فأبى أن يقبلَ حتى أعطى ثلاثاً، فقال رجلٌ: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تَصَدَّقَ بِدَمٍ (¬2) أو دُونَهُ كان كفارةً (¬3) له من يوم وُلِدَ إلى يوم تَصَدَّقَ" رواه أبو يعلى، ورواته رواة الصحيح غير عمران بن ظبيان. 2 - وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجلٍ يُجْرَحُ (¬4) في جسدهِ جراحةً، فيتصدقُ بها إلا كَفَّرَ الله تبارك وتعالى عنه مِثْلَ ما تصدق به" رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 3 - ورويَ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من جاء بهنَّ مع إيمانٍ دخل من أي أبواب الجنة شاء، وَزُوِّجَ مِنَ ¬

(¬1) أي عراه من ثيابه. قال المناوي: ويظهر أن المراد جرده من ثيابه ليضربه وفعل، أو أراد سلبه ثوبه المحتاج إليه. وقال الحفني: لضربه بغير حق، أو المراد جرد ظهره حتى كشف عورته، والأولى أولى. أهـ جامع صغير ص 323، وأنا أقول تركه في حومة القتال أو العراك حتى هزم، أو صاحبه فأخلى به حتى وقع في شرك العدو أو أزال حصون أخيه التي تقيه شر خصومه خفية، وهكذا من ترك المساعدة لأخيه المسلم. (¬2) أي عفا عن عقاب قاتل وامتنع عن الثأر وسمح. 148 - 2 ع. (¬3) ممحاة لخطاياه مزيلة لذنوبه ساترة آثامه كما قال تعالى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور" (41 - 44 من سورة الشورى). (¬4) أي يصيبه أحد بجراحة أو خدش أو ألم فيعفو عن عقابه لله فستر الله عيوبه.

الحور العين كَمْ شاء: من أدى ديناً خفياً (¬1)، وعفا عن قاتلهِ (¬2)، وقرأ في دُبُرِ (¬3) كل صلاةٍ مكتوبةٍ عشر مراتٍ قل هو الله أحد، فقال أبو بكر: أو إحداهنَّ يا رسول الله؟ فقال: أو إحداهنَّ" رواه الطبراني في الأوسط، ورواه أيضاً من حديث أم سلمة بنحوه. 4 - وعن أبي السُّفْرِ قال: "دَقَّ رجلٌ من قُريشٍ سِنَّ رَجُلٍ من الأنصار، فاستعدى عليه معاوية، فقال لمعاوية: يا أمير المؤمنين إن هذا دَقَّ سِنَّين فقال له معاوية: إنا سَنُرْضِيكَ منهُ، وألحَّ الآخر على معاوية شأنك بصاحبك، وأبو الدرداء جالسٌ عنده، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجلٍ يُصابُ بشيء في جسده، فيتصدقُ (¬4) به إلا رفعهُ الله به درجةً، وحَطَّ عنه به خطيئةً (¬5)، فقال الأنصاري: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته أُذُنَايَ، ووعاهُ (¬6) قلبي. قال: فإني أذَرُهَا له (¬7). قال معاوية: لا جَرَمَ (¬8) لا أُخَيِّبُكَ، فأمرَ له بمالٍ" رواه الترمذي، وقال حديث غريب، ولا أعرف لأبي السفر سماعاً من أبي الدرداء، وروى ابن ماجة المرفوع منه عن أبي السفر أيضاً عن أبي الدرداء، وإسناده حسن لولا الانقطاع. 5 - وعن رجلٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أصيب بشيء في جسده فتركهُ لله عز وجل كان كفارةً لهُ" رواه أحمد موقوفاً من رواية مجالد. 6 - وعن عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثٌ والذي نفسي بيده إن كنت لحالفاً عليهنَّ: لا ينقصُ مالٌ من صدقةٍ فتصدقوا ¬

(¬1) سدد ديناً سراً كان على أخيه المسلم ففرج كربته. (¬2) لم يأخذ قصاص القتل لله. (¬3) بعد وعقب. (¬4) يسامح المسيء. (¬5) أزال ذنباً. (¬6) حفظه. (¬7) أتركها. (¬8) لا أرى مانعاً أو لكن لا أخيبك، فمعنى لا جرم: أي ليس بجرم لا أخيبك. قال تعالى: "لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين" (24 من سورة النحل). قال البيضاوي: حقاً يعلم فيجازيهم. أهـ.

ولا يعفو عبد عن مظلمةٍ إلا زاداهُ اللهُ بها عزاً يوم القيامة، ولا يفتحُ عبدٌ باب مسألةٍ (¬1) إلا فتح الله عليه باب فقرٍ" رواه أحمد، وفي إسناده رجل لم يسمّ، وأبو يعلى والبزار، وله عند البزار طريق لا بأس بها. ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أم سلمة، وقال فيه: "ولا عفا رجلٌ عن مظلمةٍ إلا زادهُ الله بها عزاً، فاعفوا يعزكم اللهُ". ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات .. إلخ 7 - وعن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاثٌ أقسمُ عليهنَّ، وأحدِّثُكمْ حديثاً فاحفظوه قال: ما نقص مالُ عبدٍ من صدقةٍ، ولا ظُلمَ عبدٌ مظلمةً صبر عليها إلا زاده الله عزاً، فاعفوا (¬2) يُعزكمُ الله ولا فتح عبد باب مسألةٍ إلا فتح الله عليه باب فقرٍ، أو كلمة نحوها" الحديث رواه أحمد والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما نقصت صدقة من مالٍ، ومازاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعهُ الله عز وجل" رواه مسلم والترمذي. 9 - وعن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سَرَّهُ أن يُشْرَفَ (¬3) له البنيان، وتُرفعَ له الدرجات، فليعفُ عمن ظلمهُ، ويُعْطِ مَنْ حَرَمَهُ (¬4)، وَيَصلْ (¬5) مَنْ قطعهُ" رواه الحاكم، وصحح إسناده، وفيه انقطاع. 10 - ورويَ عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يرفعُ الله به الدرجات؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: تَحْلُمُ على من جَهِلَ عليكَ، وتعفو عمن ظلمكَ، وتُعطي من حرمك، وتَصِلُ من قطعك" رواه البزار والطبراني. ¬

(¬1) حاجة يسأل بها الناس. (¬2) فاصفحوا. (¬3) ترتفع له قصور في الجنة. (¬4) منعة الخير. (¬5) ويود من جفاه حباً في الله.

اعف عمن ظلمك وصل من قطعك وأحسن إلى من أساء إليك 11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه حاسبهُ الله حساباً يسيراً، وأدخلهُ الجنة برحمتهِ. قالوا: وما هي يا رسول الله؟ بأبي أنت وأمي، قال: تُعطي من حرمكَ، وتَصِلُ من قطعكَ، وتعفو عمن ظلمك، فإذا فعلت ذلك تدخل الجنة" رواه البزار والطبراني في الأوسط والحاكم وقال: صحيح الإسناد إلا أنه قال فيه: "قال: فإذا فعلت ذلك فمالي يا رسول الله؟ قال: أن تُحاسبَ حساباً يسيراً، ويُدخلكَ الله الجنة برحمته". [قال الحافظ]: رواه الثلاثة من رواية سليمان بن داود اليماني عن يحيى بن أبي سلمة عنه وسليمان هذا واهٍ. 12 - وعن عليٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أدُلُّكَ على أكرمِ أخلاقِ الدنيا والآخرة؟ أن تَصِلَ من قطعك، وتُعطي من حرمكَ، وأن تعفو عمن ظلمك" رواه الطبراني في الأوسط من رواية الحارث الأعور عنه. 13 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ارحموا تُرْحَمُوا. واغفروا يُغفر لكم" رواه أحمد بإسناد جيد. 14 - وفي رواية له من حديث جرير بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحمُ الناس لا يرحمهُ الله، ومن لا يغفرُ (¬1) لا يُغفرُ له". 15 - وعن عليٍ رضي الله عنه قال: "وجدنا في قائم سيفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعفُ عمن ظلمك، وَصِلْ من قطعكَ، وأحسنْ إلى من أساء إليكَ، وقُلِ الحقَّ ولو على نفسك" ذكره رزين العبدري ولم أره، ويأتي أحاديث من هذا النوع في صلة الرحم. 16 - وعن عائشة رضي الله عنها: "أنها سُرِقَ لها شيء، فجعلت تدعو عليه ¬

(¬1) لا يستر عيوب الناس ويصفح.

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُسَبِّخي عنهُ" رواه أبو داود؛ ومعنى لا تسبخي عنه: أي لا تخففي عنه العقوبة وتنقصي أجرك في الآخرة بدعائك عليه. [والتسبيخ]: التخفيف وهو بسين مهملة ثم باء موحدة وخاء معجمة. 17 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقف العبادُ للحساب جاء قومٌ واضعي سيوفهم على رقابهم تقطرُ دماً، فازدحموا على باب الجنة، فقيل: من هؤلاء؟ قيل الشهداء كانوا أحياءً مرزوقين، ثم نادى مُنادٍ: لِيَقُمْ مَنْ أجْرُهُ على الله فليدخلِ الجنة، ثم نادى الثانية: ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة. قال: ومن ذا الذي أجره على الله؟ قال العافون عن الناس، ثم نادى الثالثة؟ ليقم من أجره على الله، فليدخل الجنة، فقام كذا وكذا ألفاً، فدخلوها بغير حساب" رواه الطبراني بإسناد حسن. 18 - وعن أنسٍ أيضاً رضي الله عنه قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه (¬1)، فقال له عمرُ: ما أضحكك يا رسول الله؟ بأبي أنت وأمي قال: رجلان من أمتي جثيا (¬2) بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يا رب خُذْ لي مظلمتي من أخي، فقال الله: كيف تصنعُ بأخيك ولم يَبْقَ من حسناتهِ شيء؟ قال: يا رب فليحملْ من أوزاري (¬3)، وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليومٌ عظيمٌ يحتاج الناسُ أن يُحْمَلَ من أوزارهم، فقال: الله للطالب: ارفع بصرك فانظرْ فرفع، فقال: يا رب أرى مدائن من ذهبٍ، وقصوراً من ذهبٍ مُكللةً (¬4) باللؤلؤ، أي نبيٍ هذا؟ أو لأي صدِّيقٍ هذا؟ أو لأي شهيدٍ هذا؟ قال: لمن أعطى الثمن. قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكهُ. قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك: قال: يا رب إني قد عفوتُ عنه. قال الله: فخذ بيد أخيك ¬

(¬1) أسنانه الأمامية، وفي الفم أربع والمفرد ثنية. (¬2) جلسا على ركبهم، من جثا على ركبته جثياً. (¬3) ذنوبي. (¬4) مديحة مزينة.

وأدخلهُ الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: اتقوا الله (¬1)، وأصلحوا ذات بينكم (¬2)، فإن الله يُصلحُ بين المسلمين" رواه الحاكم والبيهقي في البعث كلاهما عن عباد عن شيبة الحبطي عن سعيد بن أنس عنه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد كذا قال. 19 - وعن واثلةَ بن الأسقعِ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُظهر الشماتة (¬3) لأخيك، فَيَرْحَمَهُ الله ويَبْتَلِيكَ (¬4) " رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، ومكحول قد سمع من واثلة. 20 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَيَّرَ (¬5) أخاهُ بِذَنْبٍ لم يَمُتْ حتى يعملهُ. قال أحمد قالوا: من ذنبٍ قد تاب منه" ¬

(¬1) خافوه واعملوا صالحاً. (¬2) قال البيضاوي: في الاختلاف والمشاجرة وأصلحوا الحال التي بينكم بالمواساة والمساعدة فيما رزقكم الله وتسليم أمره إلى الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم. (¬3) الفرح بمصيبة نزلت بأخيك. (¬4) يصيبك ويختبرك بالمحن، فالله يزيل عنه ويحط عليك. (¬5) قبح عليه ونسبه إلى المعاصي، ففيه أن يحمد الإنسان الله على سلامته من الأخطاء ويشكر له فضله ولا يؤذي غيره. الآيات القرآنية الحاثة على العفو والتسامح: (أ) قال تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين" (134 - 137 من سورة آل عمران). (ب) وقال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون" (160 - 161 من سورة آل عمران). (جـ) وقال تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" (199 من سورة الأعراف). (د) وقال تعالى: "وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير" (227 من سورة البقرة). (هـ) وقال تعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إن كان منصوراً" (34 من سورة الإسراء). إن شاهدنا فلا يسرف القاتل. قال البيضاوي: بأن يقتل من لا يستحق قتله، فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة أو قتل غير القاتل. أهـ. (و) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى =

الترهيب من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب والإصرار على شيء منها

رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وليس إسناده بمتصل. خالد بن معدان لم يدرك معاذ بن جبل. الترهيب من ارتكاب الصغائر والمحقرات من الذنوب والإصرار على شيء منها 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا أخطأ (¬1) خطيئةً نكتتْ في قلبهِ نُكتةً (¬2) سوداء، فإن هو نزعَ واستغفر صقُلَتْ (¬3) فإن عاد زيدَ فيها حتى تعلو قلبهُ، فهو الرانُ الذي ذكر الله تعالى (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) " رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، والحاكم من طريقين قال في أحدهما: صحيح على شرط مسلم. [النكتة] بضم النون وبالتاء المثناة فوق: هي نقطة شبه الوسخ في المرآة. 2 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم ومُحَقَّرَاتِ الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يُهْلِكْنَهُ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً كمثلِ قومٍ نزلوا أرضَ فلاةٍ، فحضر صنيعُ القومٍ، فجعل الرجل ينطلقُ فيجئ بالعودِ، والرجلُ يجيء بالعود حتى جمعوا سواداً، ¬

= فمن عفي له ... " (فمن عفي له): عن جنايته (من): جهة (أخيه): يعني ولي الدم وذكره بلفظ الأخوة الثابتة بينهما من الجنسية والإسلام (شيء فاتباع): أي فليكن اتباع أو فالأمر اتباع، والمراد به وصية العافي بأن يطلب الدية بالمعروف فلا يعنف المعفو عنه بأن يؤديها بالإحسان وهو أن لا يمطل ولا يبخس. وفيه دليل على أن الدية أحد مقتضى العمد وإلا لما رتب الأمر بأدائها على مطلق العفو (تخفيف) تسهيل ونفع (اعتدى): قتل بعد العفو وأخذ الدية (القصاص): تنفيذ الحدود سبب حياة النفوس وإتمام النظام واستتباب الأمن يا أصحاب العقول الكاملة. (ز) وقال تعالى: "ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير" (60 - 61 من سورة الحج). (¬1) فعل ذنباً. (¬2) تركت في قلبه نقطة. (¬3) انجلت وظهرت ونظفت.

وأجَّجُوا (¬1) ناراً، وأنضجوا ما قذفوا فيها" رواه أحمد والطبراني والبيهقي كلهم من رواية عمران القطان، وبقية رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح، ورواه أبو يعلى بنحوه من طريق إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عنه، وقال في أوله: "إن الشيطان قد يئس أن تُعبدَ الأصنامُ في أرض العرب، ولكنه سيرضى منكم بدون ذلك بالمحقرات، وهي الموبقات يوم القيامة" الحديث. ورواه الطبراني والبيهقي أيضاً موقوفاً عليه. إياكم ومحقرات الذنوب .. الحديث 3 - وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مَثَلُ مُحقرات الذنوب كمثل قومٍ نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ حتى حملوا ما أنضجوا به خُبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يأخذُ بها صاحبُها تَهْلِكُه" رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح. 4 - ورويَ عن سعد بن جُنادة رضي الله عنه قال: "لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حُنينٍ نزلنا قَفْراً (¬2) من الأرض ليس فيها شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجمعوا، من وجد شيئاً، فليأتِ بهِ، ومن وجد عظماً أو سِناً فليأتِ به. قال: فما كان إلا ساعةٌ حتى جعلناهُ رُكاماً (¬3)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أترون هذا؟ فكذلك تُجْمَعُ الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا، فليتقِ الله رجلٌ فلا يُذنب صغيرةً ولا كبيرةً، فإنها مُحْصَاةٌ (¬4) عليه". 5 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا عائشةُ: إياكِ (¬5) ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالباً" رواه النسائي، واللفظ له وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، وقال: الأعمال، بدل الذنوب. ¬

(¬1) أوقدوا: أي الشيء الصغير مع مثله يكبر فكذا الذنوب إذا كثرت تهلك صاحبها وتوجب له النار. (¬2) مكاناً لا نبات فيه: أي صحراء جرداء. (¬3) كومة كبيرة مجتمعاً، والركام يوصف به الرمل والجيش: أي ما يلقى بعضه على بعض (سحاب مركوم) متراكم. (¬4) معدودة مقيدة عليه، قال تعالى: "مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً" (49 من سورة الكهف). (¬5) احذري صغائر الذنوب خشية عقاب الله، وأن تجر إلى الكبائر.

إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه 6 - وعن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليحرمُ (¬1) الرزقَ بالذنب يُصيبهُ" رواه النسائي بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه بزيادة الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 7 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "إني لأحسبُ الرجلَ ينسى (¬2) العلمَ كما تعلمهُ للخطيئة يعملها" رواه الطبراني في الكبير موقوفاً، ورواته ثقات إلا أن القاسم لم يسمع من جده عبد الله. 8 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدقُّ (¬3) في أعينكم من الشَّعَر كُنا نَعُدُّها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات، يعني المهلكات" رواه البخاري وغيره، ورواه أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بإسناد صحيح. 9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن الله يُؤاخذني وَعيسىَ بذنوبنا لعذبنا، ولا يظلمنا شيئاً. قال: وأشار بالسبابةِ والتي تليها". 10 - وفي رواية: "لو يؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان، يعني الإبهام والتي تليها لعذبنا الله ثم لم يظلمنا شيئاً" رواه ابن حبان في صحيحه. 11 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو غُفِرَ لكم ما تأتون إلى البهائم (¬4) لَغُفِرَ لكم كثيراً" رواه أحمد والبيهقي مرفوعاً هكذا، ¬

(¬1) يمنع عنه الله الرزق ويضيقه من جراء معاصيه، ومصداق ذلك: (أ) قوله تعالى: "وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً" (16 من سورة الجن). (ب) وقوله تعالى: "وفي السماء رزقكم وما توعدون". (جـ) وقوله تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" (من سورة الأعراف). (¬2) يذهب منه كما قال تعالى: "واتقوا الله ويعلمكم الله" (من سورة البقرة). (¬3) هي أصغر ولكن لشدة إيمانهم بالله عدوها كبيرة مهلكة كما قال صلى الله عليه وسلم "أما والله إني لأخشاكم لله" وكما قال تعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" (من سورة فاطر). (¬4) أي ما تفعلون بها من الضرب وتكليفها فوق طاقتها من الحمل والركوب لغفر الله تعالى لكم كثيراً من الذنوب. أهـ. جامع صغير ص 200 =

كتاب البر والصلة وغيرهما

ورواه عبد الله في زياداته موقوفاً على أبي الدرداء، وإسناده أصح، وهو أشبه. 12 - وعن أبي الأحوص قال: "قرأ ابن مسعودٍ: (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤخِّرُهُمْ إلى أجَلٍ مُسمَىًّ .. الآية) فقال: كاد الجُعَلُ يُعذَّبُ في جُحْرِهِ بذنب ابن آدم" رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. [الجعل] بضم الجيم وفتح العين: دويبة تكاد تشبه الخنفساء تدحرج الروث. كتاب البر والصلة وغيرهما الترغيب في بر الوالدين وصلتهما وتأكيد طاعتهما والإحسان إليهما وبر أصدقائهما من بعدهما 1 - عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُ العملِ أحبُ إلى اللهِ؟ قال: الصلاة على وقتها. قلتُ: ثم أي؟ قال: برُّ الوالدين (¬1). قلتُ: ثم أيُّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله" رواه البخاري ومسلم. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجزي ولدٌ والدهُ إلا أن يجدهُ مملوكاً (¬2) فيشتريهُ فيعتقهُ" رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 3 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "جاء رجلٌ إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنهُ في الجهاد، فقال: أحَيٌّ والدكَ؟ قال: نعم. قال: ¬

= قال تعالى: "وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين" (42 - 45 من سورة يس). (حملنا): أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجاراتهم (المشحون): المملوء، وانظر رعاك الله إلى السفن البخارية الآن وفائدتها أنها من نعم الله، فأين العباد الشاكرون الحامدون الطائعون (من مثله): الإبل، القطر، السيارات، الطيارات، العجلات (فلا صريخ) فلا مغيث للعاصين (ينقذون) ينجون من الموت إلا لرحمة ولتتمتع بالحياة إلى زمان قدر لآجالهم. (¬1) طاعتهما. (¬2) عبداً ملكه الغير.

فيهما فجاهد (¬1) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. ما جاء أن بر الوالدين أفضل من الجهاد 4 - وفي رواية لمسلم قال: "أقبل رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أُبايعُكَ على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله. قال: فهل من والديكَ أحدٌ حَيٌّ؟ قال: نعم. بل كلاهما حَيٌّ. قال: فتبتغي (¬2) الأجر من الله؟ قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك، فأحسن صُحْبَتَهُمَا". 5 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: جئتُ أُبايعُكَ على الهجرة، وتركتُ أبوَيَّ يبكيان؟ فقال: ارجعْ إليهما، فأضحكهُما (¬3) كما أبكيتهما" رواه أبو داود. 6 - وعن أبي سعيد رضي الله عنه: "أن رجلاً من أهل اليمن هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل لك أحدٌ باليمن؟ قال: أبوايَ. قال: أذِنَا لك؟ قال: لا. قال: فارجع إليهما، فاستأذنهما، فإن أذِنَا لك فجاهد، وإلا فَبِرَّهُمَا (¬4) " رواه أبو داود. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنهُ في الجهاد، فقال: أحَيٌّ والدكَ؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد" رواه مسلم وأبو داود وغيره. 8 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "أتى رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أشتهي الجهادَ ولا أقْدِرُ عليه. قال: هل بَقِيَ من والديكَ أحدٌ. قال: أمي. قال: قَابِلِ اللهَ في برها، فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمرٌ ومجاهدٌ (¬5) " رواه أبو يعلى والطبراني في الصغير والأوسط، وإسنادهما جيد، ميمون بن نجيح وثقه ابن حبان، وبقية رواته ثقات مشهورن. ¬

(¬1) فأكرمهما محبة في ثواب الله لتنال ثواب الجهاد بالانقياد إلى أوامرهما. (¬2) فتطلب. (¬3) أدخل عليهما السرور وأجلب لهما الفرح. (¬4) أحسن إليهما بطاعتك. (¬5) إن أرضيت أمك حزت ثواب الذي حج واعتمر وحارب في سبيل الله تعالى. ترغيب في إطاعة الأم.

الوالد أوسط أبواب الجنة .. إلخ 9 - ورويَ عن طلحةَ بن معاويةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قال: "أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول الله إني أُريدُ الجهاد في سبيل الله؟ قال: أُمُّكَ حَيَّةٌ؟ قلتُ: نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: الزم رِجْلَهَا (¬1) فَثَمَّ الجنةُ" رواه الطبراني. 10 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه: "أن رجلاً قال: يا رسول الله ما حقُّ الوالدين على ولدهما؟ قال هُما جنتك ونارك" رواه ابن ماجة من طريق علي بن يزيد عن القاسم. 11 - وعن معاوية بن جاهمةَ: "أن جاهمةَ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أردتُ أن أغزو، وقد جئتُ أستشيرك؟ فقال: هل لك من أُمٍّ؟ قال: نعم. قال: فالزمها، فإن الجنة عند رجلها (¬2) " رواه ابن ماجة والنسائي، واللفظ له والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 12 - ورواه الطبراني بإسناد جيد، ولفظه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستشيرهُ في الجهاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألك والدنِ؟ قلتُ: نعم. قال: الزمهما، فإن الجنة تحت أرجُلِهِما". 13 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: "أن رجلاً أتاه فقال: إن لي امرأةً، وإن أمي تأمرني بطلاقها؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الوالدُ أوْسَطُ أبواب الجنة، فإن شئت فأضعْ (¬3) هذا الباب أو احفظهُ" رواه ابن ماجة والترمذي واللفظ له، وقال: ربما قال سفيان أمي، وربما قال أبي، قال الترمذي: حديث صحيح. 14 - ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه: "أن رجلاً أتى أبا الدرداء، فقال: إن أبي لم يزل بي حتى زَوَّجَني، وإنه الآن يأمرُني بطلاقها؟ قال: ما أنا بالذي آمرُكَ أن تَعُقَّ والديك، ولا بالذي آمركَ أن تُطَلِّقَ امرأتكَ غير أنك إن شئت حدثتكَ بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: الوالدُ أوسطُ أبواب الجنة، فحافظ على ذلك ¬

(¬1) الخضوع لها واقترب منها وراعها واخدمها فهناك الجنة بسبب رضاها تحظى بنعيم الله "الجنة تحت أقدام الأمهات". (¬2) كناية عن شدة إكرامها ورضاها والتذلل طاعة لها. قال تعالى: "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة". (¬3) فأذهب، من أضاع بمعنى ترك.

الباب إن شئت أوْ دَعْ (¬1)، قال: فأحْسِبُ عَطَاءً. قال: فَطَلِّقْها". 15 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان تحتي امرأةٌ أُحِبُّها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلقها فأبيتُ، فأتى عمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرَ ذلك لهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلقها" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 16 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَرَّهَ أن يُمَدَّ لهُ في عُمُرِهِ ويُزادَ في رزقهِ فَلْيَبَّر (¬2) والديه وَلْيَصِلْ (¬3) رحمه" رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح، وهو في الصحيح باختصار ذكر البر. 17 - وعن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من بَرَّ والديه طُوبى (¬4) له زاد الله في عمرهِ" رواه أبو يعلى والطبراني والحاكم والأصبهاني، كلهم من طريق زبان بن قائد عن سهل بن معاذ عن أبيه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 18 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجلَ لَيُحْرَمُ (¬5) الرزقَ بالذنب يُصِيبُهُ، ولا يَرُدُّ القدرَ إلا الدعاء، ولا يزيدُ العمرِ إلا البِرُّ (¬6) " رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه، واللفظ له والحاكم بتقديم وتأخير، وقال: صحيح الإسناد. 19 - وعن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَرُدُّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيدُ في العمر إلا البرُّ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. 20 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عِفُّوا عن نساء الناس تَعِفُّ نساؤكم، وبَرُّوا آباءكم تَبَرُّكُمْ أبناؤكم، ومن أتاهُ أخوهُ ¬

(¬1) اترك وتجنب. (¬2) فليكرمهما. (¬3) وليود بالهدية والزيارة أقاربه. (¬4) شجرة في الجنة يملك قدر ظلها البار بوالديه. (¬5) ليمنع ويضيق عليه. (¬6) حسن الخلق والسخاء وإطاعة الوالدين.

مُتنصلاً (¬1) فليقبلْ ذلك مُحقاً (¬2) كان أو مُبْطِلاً، فإن لم يفعل لم يَرِدْ على الحوْضِ" رواه الحاكم من رواية سويد عن أبي رافع عنه وقال: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: سويد عن قتادة هو ابن عبد العزيز واهٍ. 21 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "برُّوا آباءكم تَبَرُّكُمْ أبناؤكم، وَعِفُّوا تَعِفَّ نساؤكم" رواه الطبراني بإسناد حسن، ورواه أيضاً هو وغيره من حديث عائشة. 22 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رغم أنفهُ، ثم رغم أنفهُ، ثم رغم أنفهُ. قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة" رواه مسلم. [رغم أنفه]: أي لصق بالرغام، وهو التراب. 23 - وعن جابرٍ، يعني ابن سمرةَ رضي الله عنه قال: "صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبرَ فقال: آمين (¬3) آمين، آمين. قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال يا محمدُ: من أدركَ أحد أبويه فمات، فدخل النار، فأبعدهُ الله، فقل آمين، فقلتُ: آمين، فقال: يا محمد من أدركَ شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار، فأبعده الله، فقل آمين. فقلتُ: آمين. قال: ومن ذُكِرْتُ عندهُ فلم يُصَلِّ عليك فمات، فدخل النار، فأبعدهُ الله فقل: آمين، فقلتُ: آمين" رواه الطبراني بأسانيد أحدُه حسن، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة إلا أنه قال فيه: "ومن أدرك أبويهِ أو أحدهما، فلم يبرهما فمات، فدخل النار، فأبعده الله قل ¬

(¬1) متبرئاً عاتباً معترفاً بذنبه. بر يبر، من باب علم وضرب. (¬2) أي صاحب حق أو كان على باطل، يترك الجدال، والمعنى يقبل اعتذار من اعتذر، ويكون سهلاً ليناً كريماً ظريفاً لا يحمل ضغناً، فإن كان جافاً غليظ الطبع طرد من الشرب من الحوض يوم القيامة. (¬3) اللهم استجب.

آمين. فقلت: آمين" رواه أيضاً من حديث الحسن بن مالك الحويرث عن أبيه عن جده، وتقدم، ورواه الحاكم وغيره من حديث كعب بن عجرة، وقال في آخره: "فلما رقيتُ الثالثةَ قال: بعد من أدرك أبويه الكبرُ عنده أو أحدهما، فلم يُدخلاهُ الجنة. قلتُ: آمين" وتقدم أيضاً. رواه الطبراني من حديث ابن عباس بنحوه، وفيه: "ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يبرهما دخل النار، فأبعده الله وأسحقهُ (¬1) قلتُ: آمين". 24 - وعن مالك بن عمرو القشيري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أعتق رقبةً مسلمةً فهي فداؤه من النار، ومن أدركَ أحدَ والديهِ ثم لم يُغفر له فأبعدهُ الله" رزاد في رواية: وأسحقهُ. رواه أحمد من طرق أحدها حسن. 25 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "انطلق ثلاثةُ نفرٍ ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيتُ إلى غارٍ فدخلوه، فانحدرت صخرةٌ من الجبل، فَسَدَّتْ عليهمُ الغار، فقالوا: إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. قال رجلٌ منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكُنتُ لا أغْبُقُ (¬2) قبلهُما أهلاً ولا مالاً، فنأى (¬3) بي طلب شجرٍ يوماً فلم أُرِحْ (¬4) عليهما حتى ناما، فحلبتُ لهما غَبُوقَهُما فوجدتهما نائمين، فكرهتُ أن أغْبُقَ قَبْلَهُمَا أهلاً أو مالاً، فلبثتُ والقدحُ (¬5) على يدي انتظرُ استيقاظهما حتى بَرِقَ (¬6) الفجرُ فاستيقظا فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فَفَرِّجْ عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج. وقال الآخر: اللهم كانت ¬

(¬1) أهلكه وأبعده عن رحمته. (¬2) أي ما كنت أقدم عليهما أحداً في شرب نصيبهما من اللبن الذي يشربانه. والغبوق: شرب آخر النهار مقابل الصبوح. أهـ نهاية. (¬3) فبعد. (¬4) فلم أرجع 156 - 2 ع. (¬5) الإناء الذي فيه اللبن. (¬6) طلع.

لي ابنةُ عمٍ، وكانت أحبَّ الناس إليَّ فأردتها" الحديث. رواه البخاري ومسلم، وتقدم بتمامه، وشرح غريبه في الإخلاص. حديث الثلاثة الذين سدت عليهم الغار ثم فتح ببركة العمل الصالح 26 - وفي رواية البخاري قال: "بينما ثلاثةُ نفرٍ يتماشون أخذهم المطرُ فمالوا إلى غارٍ (¬1) في الجبِ فانحطت (¬2) على فمِ غارهم صخرةٌ من الجبلِ، فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله عزوجل صالحةً، فادعوا الله بها لعلهُ يُفْرِجُهَا (¬3)، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدن شيخان كبيران، ولي صبيةٌ صغارٌ كنتُ أرعى، فإذا رُحتُ عليهم فحلبتُ لهم بدأتُ بوالدي أسقيهما قبل ولدي، وإنه نأى الشجرُ فما أتيتُ حتى أمسيتُ، فوجدتهما قد ناما، فحلبتُ كما كُنتُ أحلبُ، فجئتُ بالحلاب، فقمتُ عند رءوسهما أكرهُ أن أوقظهما من نومهما، وأكرهُ أن أبدأ بالصبيةِ قبلهما، والصبيةُ يتضاغون (¬4) عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلمُ أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا فُرجةً نرى منها السماء، ففرَّجَ الله عز وجل لهم حتى رأوا منها السماء" وذكر الحديث. 27 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خرج ثلاثةٌ فيمن كان قبلكم يرتادون لأهلهم فأصابتهم السماء، فلجئوا إلى جبلٍ فوقعتْ عليهم صخرةٌ، فقال بعضهم لبعضٍ: عفا الأثرُ (¬5)، ووقع الحجرُ، ولا يعلمُ بمكانكم إلا الله، فادعوا الله بأوثق (¬6) أعمالكم، فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كانت لي امرأةٌ تُعجبني فطلبتها فأبتْ (¬7) علىَّ فجعلتُ لها جُعلاً (¬8) فلما قرَّبَتْ نفسها تركتها، فإن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتكَ، وخشيةَ عذابك، فافرج عنا، فزال ثلثُ الحجرِ، وقال الآخر: اللهم إن كنتَ تعلم أنه كان لي والدان ¬

(¬1) بيت منقور في الجبل. (¬2) نزلت. (¬3) يزيلها ويوسعها. (¬4) يبكون جوعاً. (¬5) زالت العلامات التي تنبئ عنكم. (¬6) بأعمال اطمأننتم على كمالها. (¬7) فامتنعت. (¬8) أجراً معلوماً، يقال جعلت له جعلاً بضم الميم.

وكنت أحلب لهما في إنائهما، فإذا أتيتهما، وهما نائمان قمتُ حتى يستيقظا، فإذا استيقظا شربا، فإن كنتَ تعلمُ أني فعلتُ ذلك رجاء رحمتكَ، وخشية عذابك، فافرج عنا، فزال ثلث الحجر، وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرتُ أجيراً يوماً، فعمل لي نصف النهار، فأعطيتهُ أجراً، فَسَخِطَه (¬1) ولم يأخذهُ، فوفرتها عليه حتى صار من كل المال، ثم جاء يطلب أجرهُ، فقلتُ: خذ هذا كلهُ، ولو شئت لم أُعْطِهِ إلا أجرهُ الأول، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك، وخشية عذابك فافرج عنا، فزال الحجرُ، وخرجوا يتماشون" رواه ابن حبان في صحيحه. 28 - وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ (¬2) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحقُّ الناس بُحسنِ صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم مَنْ؟ قال: أمك. قال: ثم مَنْ؟ قال: أمك. قال: ثم مَنْ؟ قال: أبوك" رواه البخاري ومسلم. 29 - وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "قَدِمَتْ على أمي، وهي مُشركةٌ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) فسخطه كذا (د وع ص 157 - 2) وفي (ن ط): فتسخطه، أي غضب عليه وكرهه. سخط من باب طرب وفيه ادخار صالح الأعمال عند الشدائد يتوسل بها إلى الله، وكذا محبة الأولياء من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى الله رجاء فك الكروب وتيسير الأمور، رضي الله عنهم وأرضاهم ونفعنا بالصالحين. (¬2) هو جد بهز بن حكيم. قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم أمثال ما للأب من البر، قال وكان ذلك لصعوبة الحمل، ثم الوضع، ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين" من سورة لقمان. فسوى بينهما في الوصاية وخص الأمور الثلاثة، وقال القرطبي: المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة. وقال عياض: وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب. أهـ. وقد رتب صلى الله عليه وسلم في حديث: "أمك وأباك ثم أختك وأخاك ثم أدناك أدناك" أي تقدم القرابة من ذوي الرحم. وأخرج أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث عائشة: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال زوجها، قلت فعلى الرجل قال أمه" أهـ. فتح ص 310 جـ 19 من كتاب الأدب باب البر والصلة، وفسر الأدب باستعمال ما يحمد قولاً أو فعلاً وعبر بعضهم عنه بالأخذ بمكارم الأخلاق، وقيل تعظيم من فوقك، والرفق بمن دونك.

قلتُ: قَدِمَتْ على أمي، وهي راغبةٌ، أفَأصِلُ أمي؟ قال: نعم صِلِي (¬1) أمك" رواه البخاري ومسلم وأبو داود، ولفظه قالت: "قدمت على أمي راغبةً في عهدٍ قريبٍ، وهي راغمةٌ مُشركةٌ، فقلتُ: يا رسول الله إن أمي قَدِمَتْ عليَّ، وهي راغمةٌ مُشركةٌ أفَأصِلُهَا؟ قال: نعم صِلي أمك". [راغبة]: أي طامعة فيما عندي تسألني الإحسان إليها. [راغمة]: أي كارهة للإسلام. 30 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رضا الله في رضا الوالد (¬2)، وسُخْطُ اللهِ في سُخطِ الوالد" رواه الترمذي، ورجح وقفه، وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقالا: صحيح على شرط مسلم، ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة إلا أنه قال: "طاعة الله طاعةُ الوالدِ، ومعصيةُ الله معصيةُ الوالد" ورواه البزار من حديث عبد الله بن عمر، أو ابن عمر، ولا يحضرني أيهما، ولفظه قال: "رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين، وسُخْطُ الله تبارك وتعالى في سخط الوالدين". 31 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: إني أذنبتُ ذنباً عظيماً فهل لي من توبةٍ؟ فقال: هل لك من أمٍ؟ قال: لا. قال: فهل لك من خالةٍ؟ قال: نعم. قال: فَبِرَّهَا (¬3) " رواه الترمذي واللفظ له ¬

(¬1) قدمي لها إحساناً ومودة، أورد البخاري في باب صلة الوالد المشرك وزاد: قال ابن عيينة فأنزل الله تعالى فيها "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" (9 - 10 من سورة الممتحنة). أي لا ينهاكم عن مبرة هؤلاء وتقضوا إليهم بالعدل. روى أن قتيلة بنت عبد العزى قدمت مشركة على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت الآية. (¬2) الوالد كذا (ط وع ص 157)، وفي (ن د): الوالدين. (¬3) أحسن إليها. والبر: ضد العقوق. يبر خالقه: يشكره ويطيعه.

وابن حبان في صحيحه والحاكم إلا أنهما قالا: "هل لك والدان بالتثنية" وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده 32 - وعن أبي أسيدٍ مالك بن ربيعة الساعدي رضي الله عنه قال: "بينا نحن جلوسٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ من بني سلمةَ، فقال: يا رسول الله هل بقيَ من برِّ أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم الصلاة عليهما (¬1)، والاستغفار لهما (¬2)، وإنفاذُ (¬3) عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم (¬4) التي لا تُوصلُ إلا بهما، وإكرام صديقهما (¬5) " رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، وزاد في آخره: قال الرجل ما أكثر هذا يا رسول الله وأطيبهُ. قال: فاعمل به. 33 - وعن عبد الله بن دينارٍ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأعراب لقيهُ بطريق مكة، فَسَلَّمَ عليه عبد الله بن عمر، وحملهُ على حمارٍ كان يركبهُ، وأعطاهُ عمامةً كانت على رأسه. قال ابن دينارٍ: فقلنا له أصلحك الله إنهم الأعرابُ (¬6) وهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان وُداً لعمرَ بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أبرَّ البر صلةُ الولدِ أهلَ وُدِّ أبيه (¬7) " رواه مسلم. 34 - وعن أبي بُرْدَةَ قال: قدمتُ المدينة فأتاني عبد الله بن عمر فقال: أتدري لم أتيتكُ؟ قال: قلتُ لا. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحبَّ أن يَصِلَ (¬8) أباهُ في قبره فَلْيَصِلْ إخوان (¬9) أبيه بعده، وإنه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاء وَوُدٌّ فأحببتُ أن أصِلَ ذاكَ" رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) الدعاء لهما بالنعيم والقبول. (¬2) اطلب من الله تعالى أن يعفو عن زلاتهما. (¬3) العمل بوصيتهما. (¬4) مودة الأقارب المحارم وغير المحارم. (¬5) رعاية واجب أصحابهما. (¬6) يعني سكان البوادي يتحملون خشونة العيش وشظفه. (¬7) إن أعظم الصلة لأصحاب أبيك الذين كان يودهم ويحبهم ويعاملهم. (¬8) يقدم لأبيه صلة ورحمة. (¬9) أصحابه.

الترهيب من عقوق الوالدين

الترهيب من عقوق الوالدين 1 - عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ¬

فوائد بر الوالدين من فقه أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولاً: إكرامهما من العمل الذي يحبه الله تعالى ويساوي ثواب الجهاد في سبيل الله تعالى، بل هو أفضل. ثانياً: يساوي ثواب الحاج والمعتمر. ثالثاً: يوصل إلى نعيم الجنة "الزم رجلها". رابعاً: يزيد في العمر، وفي الأرزاق ويسبب البركة في المال "من سره" بسبب إكرامهما يضع الله النجابة في الأبناء والطهارة والهداية والتوفيق فتشب على محبة الوالدين "بروا آباءكم". خامساً: فرصة سانحة لضمان دخول الجنة ومن ضيعها خاب "ورغم أنفه". سادساً: يزيل الهموم ويجلب اليسر ويضمن النجاة "لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله". سابعاً: لقد قرن الله رضاه سبحانه برضاهما. الآيات الدالة على طلب إكرام الوالدين: (أ) قال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً" (من سورة النساء). (ب) وقال تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون" (9 من سورة العنكبوت). أي بإيتائهما فعلاً ذا حسن، والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه حمنة، فإنها لما سمعت بإسلامه حلفت إنها لا تنتقل من الضح ولا تطعم ولا تشرب حتى يرتد ولبثت ثلاثة أيام كذلك، وكذا التي في لقمان والأحقاف. أهـ. وقد أخرج مسلم من طريق مصعب بن سعد عن أبيه قال: "حلفت أم سعد لا تكلمه أبداً حتى يكفر بدينه قالت زعمت أن الله أوصاك بوالديك فأنا أمك، وأنا آمرك بهذا، فنزلت ووصينا الإنسان بوالديه حسنا" أهـ. فتح ص 309 جـ 10 (جـ) وقال تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون" (15 - 16 من سورة الأحقاف). (د) وقال تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً" (23 - 25 من سورة الإسراء). (أف): فلا تضجر مما يستقذر منهما وتستثقل من مؤونتهما ولا تزجرهما عما لا يعجبك بإغلاظ (قولاً كريماً): جميلاً لا شراسة فيه وتذلل لهما وتواضع (من الرحمة): من فرط رحمتك عليهما وادع الله تعالى أن يرحمهما برحمته الباقية (للأوابين): للتوابين (غفوراً): ما فرط منهم عند حرج الصدر من أذية أو تقصير. أهـ بيضاوي. (هـ) وقال تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي =

حَرَّمَ عليكم عقوق الأمهاتِ (¬1)، ووأدَ البناتِ (¬2)، ومنعاً وهاتِ (¬3)، وكره لكم قيل وقال (¬4)، وكثرة السؤال (¬5)، ¬

= ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون" (14 - 15 من سورة لقمان). (¬1) جمع أمهة لمن يعقل والأم أعم: أي عصيانهما والخروج عليهما، وخص الأمهات لقبح أذاهن وشدة عقاب العاق لهما، عق يعق عقوقاً، فهو عاق إذا أذاه وعصاه، من العق: الشق والقطع. (¬2) دفن البنات بالحياة، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن. ويقال إن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي، وكان بعض أعدائه أغار عليه فأسر بنته فاتخذها لنفسه، ثم حصل بينهم صلح فخير ابنته فاختارت زوجها فآلى قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها حية فتبعه العرب في ذلك، وكان من العرب فريق ثان يقتلون أولادهم مطلقاً إما نفاسة منه على ما ينقصه من ماله، وإما من عدم ما ينفقه عليه، وقد ذكر الله أمرهم في القرآن في عدة آيات. أهـ فتح ص 313 جـ 10 (¬3) ومنعاً وهات كذا (د وع ص 158 - 2)، وفي (ن ط): ومنع وهات، وفي الفتح بسكون النون في الموضعين، والحاصل من النهي منع ما أمر بإعطائه، وطلب ما لا يستحق أخذه، ويحتمل أن يكون النهي عن السؤال مطلقاً. أهـ ص 313 جـ 10، الله تعالى لا يحب البخلاء الأشحاء الذين لا يعطون شيئاً في سبيل الخير، ولكن يجمعون المال بشراهة ويلحون في السؤال ويطلبون ثروة بلا إنفاق كما قال تعالى: "ويمنعون الماعون" (7 من سورة الماعون)، وفي العيني: أي حرم عليكم منع ما عليكم إعطاؤه، وطلب ما ليس لكم أخذه، وقيل نهى عن منع الواجب من ماله وأقواله وأفعاله، وعن استدعاء ما لا يجب عليهم من الحقوق. أهـ ص 87 جـ 22 (¬4) كثرة الكلام بلا فائدة والثرثرة وإعادة الحديث واللغو، وفي العيني: (أ) النهي عن كثرة القول فيما لا يعني. (ب) الزجر عن الاستكثار. (جـ) ينقل حديث الناس من غير احتياط ودليل أهـ: أي قال فلان، وقيل كذا كقوله صلى الله عليه وسلم "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع" مسلم. وفي الفتح: (أ) قال المحب الطبري: قيل وقال مصدران. وفي الحديث إشارة إلى كراهة كثرة الكلام، لأنها تؤول إلى الخطأ. (ب) إرادة حكاية أقاويل الناس والبحث عنها ليخبر بها. (جـ) حكاية الاختلاف في أمور الدين كقوله قال فلان كذا. أهـ. (¬5) أي في المسائل التي لا حاجة له إليها، أو من الأموال أو عن أحوال الناس. أهـ عيني، وفي الفتح هل هو: سؤال المال أو السؤال عن المشكلات والمعضلات أو أعم من ذلك؟ وأن الأولى حمله على العموم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به كثرة السؤال عن أخبار الناس وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، فإن ذلك مما يكرهه المسئول غالباً، وقد ثبت النهي عن الأغلوطات أخرجه أبو داود، وفي صحيح مسلم "إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: فقر مدقع أو غرم مفظع أو جائحة" وفي السنن قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس "إذا سألت فاسأل الله" وفي سنن أبي داود "إن كنت لابد سائلاً فاسأل الصالحين". قال النووي في شرح مسلم: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة، واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب على وجهين أصحهما التحريم لظاهر الأحاديث، والثاني يجوز مع الكراهة بشروط ثلاثة: أن يلح ولا يذل نفسه زيادة على ذل نفس السؤال، ولا يؤذي المسئول فإن فقد شرط من ذلك حرم. أهـ ص 314 جـ 1.

وإضاعة المال (¬1) " رواه البخاري وغيره. 2 - وعن أبي بركة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم (¬2) بأكبر الكبائر ثلاثاً؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: الإشراكُ بالله (¬3) وعقوق الوالدين، وكان مُتكئاً فجلسَ، فقال: ألا وقولُ الزور، وشهادة الزور، فمازال يكررها حتى قلنا: ليتهُ سكت (¬4) " رواه البخاري ومسلم والترمذي. 3 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الكبائر الإشراكُ بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس (¬5) " رواه البخاري. 4 - وعن أنس رضي الله عنه قال: "ذُكرَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، فقال: الشركُ بالله، وعقوق الوالدين" الحديث. رواه البخاري ومسلم والترمذي ¬

(¬1) الإسراف في الإنفاق وقيل الإنفاق في الحرام. أهـ عيني ص 87 جـ 22، وفي الفتح: والأقوى أنه ما أنفق في غير وجوهه المأذون فيه شرعاً سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه، لأن الله تعالى جعل المال قياماً لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويت لتلك المصالح إما في حق مضيعها، وإما في حق غيره، ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوت حقاً أخروياً أهم منه، قال تعالى: "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً" (67 من سورة الفرقان). قال الطيبي: هذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق، وهو تتبع جميع الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة. أهـ ص 315 جـ 10 (¬2) ألا أخبركم. (¬3) مطلق الكفر. أن تجعل لغير الله رقيباً على عملك. (¬4) تمنينا أنه يسكت إشفاقاً عليه لما رأوا من أثر انزعاجه في ذلك، وقال ابن دقيق العيد: اهتمامه صلى الله عليه وسلم بشهادة الزور، يحتمل أن يكون لأنها أسهل وقوعاً على الناس والتهاون بها أكثر ومفسدتها أيسر وقوعاً، لأن الشرك ينبو عنه المسلم، والعقوق ينبو عنه الطبع، وأما قول الزور فإن الحوامل عليه كثيرة، فحسن الاهتمام بها، وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها. أهـ. وفيه غلظ أمر شهادة الزور لما يترتب عليها من المفاسد. وضابط الزور وصف الشيء على خلاف ما هو به، وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل، وقد يضاف إلى الشهادة فيختص بها، وقد يضاف إلى الفعل ومنه "لابس ثوبي زور" قال تعالى: "والذين لا يشهدون الزور" من سورة الفرقان. المراد بالباطل، وفيه التحريض على مجانبة كبائر الذنوب ليحصل تكفير الصغائر بذلك كما وعد الله عز وجل، وفيه إشفاق التلميذ على شيخه إذا رآه منزعجاً وتمنى عدم غضبه لما يترتب على الغضب من تغير مزاجه والله أعلم. أهـ. ص 319 جـ 10 (¬5) اليمين الكاذبة الفاجرة كالتي يقتطع بها الحالف مال غيره، سميت غموساً، لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، وفعول للمبالغة. أهـ نهاية.

وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كتبه إلى أهل اليمن، وبعث به مع عمرو بن حزم: "وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحق، والفرارُ (¬1) في سبيل الله يوم الزحفِ، وعقوق الوالدين، ورميُ المحصنة (¬2) وتَعَلُّمُ السحر، وأكل الربا، وأكل مالِ اليتيم" الحديث. رواه ابن حبان في صحيحه. 5 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ إليهمْ يومَ القيامةِ: العاقُّ لوالديهِ، ومدمنُ الخمرِ، والمنَّانُ عطاءه، وثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: العاقُّ لوالديه، والديُّوثُ، والرَّجِلَةُ" رواه النسائي والبزار، واللفظ له بإسنادين جيدين، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وروى ابن حبان في صحيحه شطره الأول. [الديوث] بتشديد الياء: هو الذي يقر أهله على الزنا مع علمه بهم. [والرجلة] بفتح الراء وكسر الجيم: هي المترجلة المتشبهة بالرجال. 6 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ حَرَّمَ الله تبارك وتعالى عليهمُ الجنة: مدمن الخمر، والعاقُّ، والديوثُ الذي يقر الْخَبَثَ في أهله" رواه أحمد واللفظ له، والنسائي والبزار والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 7 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُرَاح ريحُ الجنة من مسيرةِ خمسمائة عامٍ، ولا يجدُ ريحها مَنَّانٌ بِعَمَلِهِ، ولا عاقٌ ولا مدمنُ خمرٍ" رواه الطبراني في الصغير. 8 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يقبلُ الله عز وجل منهم صَرْفاً ولا عَدْلاً: عاقٌ، ولا مَنَّانٌ، ومُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ" رواه ¬

(¬1) الهروب من الجهاد، لنصرة دين الله والخوف من محاربة الأعداء. (¬2) سب العفيفة المتزوجة الصالحة.

ابن أبي عاصم في كتاب السنة بإسناد حسن، وتقدم في شرب الخمر حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربعٌ حقٌّ على اللهِ أن لا يُدخلهمُ الجنة، ولا يُذيقهم نعيمها: مُدمنُ الخمر، وآكلُ الربا، وآكل مالِ اليتيم بغير حقٍ (¬1)، والعاقُّ لوالديهِ" رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 9 - ورويَ عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا ينفعُ معهنَّ عَمَلٌ (¬2) الشركُ باللهِ، وعقوقُ الوالدينِ، والفرارُ من الزحفِ" رواه الطبراني في الكبير. 10 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من الكبائر شَتْمُ (¬3) الرجلِ والديهِ. قالوا: يا رسول الله وهلْ يشتمُ الرجلُ والديه؟ قال: نعم يَسُبُّ أبا الرجلِ فيسبُّ أباهُ، ويسبُّ أمهُ" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. 11 - وفي رواية للبخاري ومسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعنَ الرجلُ والديه. قيل: يا رسول الله وكيف يلعنُ الرجلُ والديه (¬4)؟ قال: يسبُّ أبا الرجلِ، فيسبُّ أباهُ، ويسبُّ أمهُ فيسبُّ أمهُ". ¬

(¬1) بغير تعب عمل، قال تعالى: "ومن كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف" من سورة النساء. (¬2) لا يقبل الله منهم عملاً، قال تعالى: "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه" من سورة فاطر. (¬3) سب. والمعنى أن الولد سفيه قليل الأدب يؤذي الناس بالسباب فترد الشتيمة بمثلها. وفي البخاري: باب لا يسب الرجل والديه. قال في الفتح: أي ولا أحدهما: أي لا يتسبب إلى ذلك، والمذكور هنا فرد من أفراد العقوق، وإن كان التسبب إلى لعن الوالد من أكبر الكبائر فالتصريح بلعنه أشد، وترجم بلفظ السب وساقه بلفظ اللعن. أهـ ص 311 جـ 10 (¬4) هو استبعاد من السائل، لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك، فبين في الجواب أنه وإن لم يتعاط السب بنفسه في الأغلب الأكثر، لكن قد يقع منه التسبب فيه، وهو ما يمكن وقوعه كثيراً، قال ابن بطال: هذا الحديث أصل في سد الذرائع، ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل، وإن لم يقصد إلى ما يحرم والأصل في هذا الحديث قوله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله" الآية من سورة الأنعام. واستنبط منه الماوردي: بيع الثوب الحرير ممن يتحقق أنه يلبسه، والغلام الأمرد ممن يتحقق أنه يفعل به =

اتقوا الله وصلوا أرحامكم 12 - وعن عمرو بن مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الخمس، وأديتُ زكاة مالي، وصُمتُ رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من مات على هذا (¬1) كان مع النبيين والصِّدِّيقِينَ والشهداء يوم القيامة هكذا، وَنَصَبَ أُصبعيهِ ما لم يَعُقَّ والديه" رواه أحمد والطبراني بإسنادين أحدهما صحيح، ورواه ابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما باختصار. 13 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: "أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرِ كلماتٍ قال: لا تُشركْ بالله شيئاً وإن قُتِلْتَ (¬2) وَحُرِّقْتَ، ولا تَعُقَّنَّ والديكَ وإن أمراكَ أن تُخْرُجُ من أهلكَ (¬3) ومالكَ، الحديث" رواه أحمد وغيره، وتقدم في ترك الصلاة بتمامه. 14 - ورويَ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مجتمعون، فقال: يا معشر المسلمين اتقوا الله، وَصِلُوا أرحامكم (¬4)، فإنه ليس من ثوابٍ أسرعَ من صلةِ الرحمِ، وإياكم والبغي (¬5)، ¬

= الفاحشة، والعصير ممن يتحقق أنه يتخذه خمراً، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: فيه دليل على عظم حق الأبوين، وفيه العمل بالغالب، لأن الذي يسب أبا الرجل يجوز أن يسب الآخر أباه، ويجوز أن لا يفعل لكن الغالب أن يجيبه بنحو قوله. وفيه مراجعة الطالب لشيخه فيما يقوله مما يشكل عليه، وفيه إثبات الكبائر. أهـ فتح ص 211 جـ 10، المعنى يكون الولد شتاماً فيسب غيره فيضطر إلى سماع ضد ما يقول بنفس كيله وألفاظه. (¬1) أي محافظاً على توحيد الله وإخلاص العمل له مع العمل بسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أداء الصلاة في أوقاتها والزكاة والصيام أدخله الله الجنة بجوار الأنبياء والأبرار المتقين والشهداء المجاهدين على شريطة أن يطيع والديه ولا يؤذيهما، والمعنى خلال الإسلام توصل إلى نعيم الله مدة عدم عصيان الأبوين، وعقوقهما يحبط الثواب ويضيع الحسنات فلا يجد الإنسان العاق ما يقيه يوم القيامة من العذاب. (¬2) لا ترجع عن عقيدتك موحداً الله جلا وعلا، ولو أصابك قتل أو حرق أو ضرر. (¬3) أنهاك عن قطيعة والديك وأطعهما وبرهما وأجب طلبهما إن أرادا أن تتجنب أعز أعزائك، وقد رأينا في الحديث أن أم أحد الصالحين طلبت منه طلاق زوجته فلبى طلبها إكراماً لرضاها ووافقه على ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬4) أحسنوا إلى أقاربكم بالمودة والمحبة. (¬5) الظلم عقابه الدمار وضياع المال والجاه، وقد فسر ذلك الإمام علي رضي الله عنه في شعره المشهور: =

فإنه ليس من عقوبةٍ أسرعَ من عقوبةِ البغي، وإياكم وعقوق الوالدينِ فإن ريحَ الجنةِ تُوجدُ من مسيرةِ ألف عامٍ، والله لا يجدها عاقٌّ، ولا قاطعُ رحمٍ ولا شيخٌ زانٍ ولا جارٌّ إزارهُ خُيلاء (¬1) إنما الكبرياء لله رب العالمين، والكذبُ كلهُ إثمٌ (¬2) إلا ما نفعتَ به مؤمناً، ودفعتَ به عن دينٍ، وإن في الجنة لَسُوقاً (¬3) ما يُباعُ فيها ولا يُشترى ليس فيها إلا الصُّوَرُ فمن أحبَّ صُورَةً من رجلٍ أو امرأةٍ دخل فيها" رواه الطبراني في الأوسط. وتقدم في اللواط حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعنَ الله سبعةً من فوقِ سبع سمواتهِ، وردد اللعنةَ على واحدٍ منهم ثلاثاً، ولعنَ كلَّ واحدٍ منهم لعنةً تكفيهِ، قال: ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ، ملعونٌ من ذبح لغير الله، ملعونٌ من عَقَّ (¬4) والديه. الحديث" رواه الطبراني والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. ¬

= أما والله إن الظلم شوم ... ولازال المسيء هو الظلوم إلى الديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم ستعلم في الحساب إذا التقينا ... غداً عند المليك من الملوم ستنقطع اللذاذة عن أناس ... من الدنيا وتنقطع الهموم (¬1) تفاخراً وتكبراً وتجبراً وعظمة. (¬2) ذنب، قالوا والكذب جائز في ثلاثة: (أ) في إصلاح ذات البين وجلب المودة بين المتخاصمين وبذل سبل المحبة ونبذ الشقاق. (ب) في إرضاء الزوجة بأحاديث الأماني وبلوغ الآمال وقضاء المآرب. (جـ) في الحرب وحفظ مكامن الجيش وأسراره وعدته، والكذب معناه الإخبار بغير الحقيقة ومطابقة غير الواقع، وأحله الله في التورية التي بها نجاة النفس من القتل ظلماً أو النهب أمام عدو جبار وظالم قهار، وهكذا من ضروب الأمن والاطمئنان على شرط أن لا يضيع حق ولا يبطل حد من حدود الله. (¬3) مكاناً تعرض فيه الأشياء وتظهر فيه صور الصالحين والصالحات، فمن كان يحب صالحاً في حياته استضاء بنوره وانتفع بصحبته، وذهب على نوره فدخل الجنة قال تعالى: "ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له" من سورة سبأ. وقال صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب". يرشدك صلى الله عليه وسلم إلى انتهاز الفرص في دنياك باختيار محبة المتقين والجلوس معهم والقدوة بأفعالهم والاستكثار من ذكر الله وتحميده. (¬4) عصاهما، قال الإمام علي كرم الله وجهه: =

وتقدم أيضاً حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله من ذبح (¬1) لغير الله، ولعن الله من غَيَّرَ تُخُومَ الأرض (¬2)، ولعن الله من سَبَّ والديه (¬3) " الحديث رواه ابن حبان في صحيحه. 15 - وعن أبي بكرةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل الذنوب يُؤخِّرُ الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين (¬4)، فإن الله يُعَجِّلُهُ لصاحبهِ في الحياة قبل الممات" رواه الحاكم والأصبهاني كلاهما من طريق بكار بن عبد العزيز وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 16 - ورويَ عن عبد الله بن أبي أوْفَى رضي الله عنه قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهُ آتٍ، فقال: شابٌ يَجُودُ بنفسهِ، فقيل له: قل لا إله إلا الله، فلم يستطع، فقال: كان يُصَلِّي؟ فقال: نعم، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهضنا معهُ، فدخل على الشابِّ، فقال له: قل لا إله إلا الله، فقال: لا أستطيعُ. قال: لِمَ؟ قال: كان يَعُقُّ والدتهُ (¬5)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحَيَّةٌ والدتهُ؟ قالوا: ¬

= عليك ببر الوالدين كليهما ... وبر ذوي القربى وبر الأباعد ولا تصحبن إلا تقياً مهذباً ... عفيفاً ذكياً منجزاً للمواعد وقارن إذا قارنت حراً مؤدباً ... فتى من بني الأحرار زين المشاهد وكف الأذى واحفظ لسانك واتقِ ... فديتك في ود الخليل المساعد ونافس ببذل المال في طلب العلا ... بهمة محمود الخلائق ماجد وكن واثقاً بالله في كل حادث ... يصنك مدى الأيام من شر حاسد وبالله فاستعصم ولا ترج غيره ... ولا تك في النعماء عنه بجاحد وغض عن المكروه طرفك واجتنب ... أذى الجار واستمسك بحبل المحامد (¬1) لم يذكر اسم الله عليها ويذبحها الذبح الشرعي. (¬2) حدودها ومعالمها وأوجد فتنة في ضياع حقوق الناس. (¬3) شتمهما وآذاهما. (¬4) مخالفتهما فيدرك العاق نتيجة ذلك في حياته، وشاهدنا كثيراً رجالاً عذبوا آباءهم فأطال الله أعمارةم وأفقرهم وأذلهم وسلط عليهم أبناءهم ليمثلوا بهم أشنع تمثيل، وكانوا مثلاً سيئاً بين عشيرتهم وباءوا بالخيبة وبدت عليهم سوء الخاتمة ولا بارك الله في أولادهم، وهكذا من ضروب انتقام الجبار العزيز القاهر فوق عباده. نسأل الله السلامة والتوفيق: وللإمام علي كرم الله وجهه: وإذا ائتمنت على السرائر فاخفها ... واستر عيوب أخيك حين تطلع وأطع أباك بكل ما أوصى به ... إن المطيع أباه لا يتضعضع (¬5) يعصيها.

نعم. قال: ادعوها، فَدَعَوْهَا، فجاءت، فقال: هذا ابنك؟ فقالت: نعم. فقال لها: أرأيتِ لو أُجِّجَتْ (¬1) نارٌ ضخمةٌ، فقيل لك: إن شفعت له خَلَّيْنَا عنهُ، وإلا حرقناه بهذه النار، أكنتِ تشفعين له؟ قالت: يا رسول الله إذاً أشفعَ له. قال: فأشهدي الله وأشْهِدِيني قد رضيت عنهُ. قالت: اللهم إني أُشهدك، وأُشهدُ رسولك أني قد رضيتُ عن ابني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلامُ قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسولهُ، فقالها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أنقذهُ بي (¬2) من النار" رواه الطبراني وأحمد مختصراً. 17 - وعن العوام بن حوْشَبٍ رضي الله عنه قال: "نزلتُ مَرَّةً حَياً (¬3)، وإلى جانب ذلك الحي مقبرةٌ، فلما كان بعد العصر انشق منها قبرٌ فخرج رجلٌ رأسهُ رأسُ الحمارِ وجسدهُ جسدُ إنسانٍ، فَنهَقَ (¬4) ثلاثَ نهقاتٍ، ثم انطبق عليه القبرُ، فإذا عجوزٌ تغزلُ شَعْراً أو صُوفاً، فقالت امرأةٌ: ترى تلك العجوز؟ قلت: ما لها؟ قالت: تلك أم هذا، قلتُ: وما كان (¬5) قصتهُ؟ قالت: كان يشرب الخمرَ فإذا راحَ تقولُ له أمهُ: يا بني ¬

(¬1) اتقدت والتهبت. (¬2) نجاه، ولقد قبل الله تعالى رضا والدته إكراماً لحبيبه صلى الله عليه وسلم الرءوف الرحيم الشفيع، وكان هذا الشاب لا يمكنه أن ينطق بالشهادتين، لماذا؟ لأن الله عقل لسانه بسبب عصيان أمه، ثم رضي عنه سبحانه لشفاعة سيدنا ومولانا المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضا أمه، ففيه الترغيب في إرضاء الأم والترهيب من عقوقها، لأن غضبها يجر إلى الكفر بالله تعالى ودخول النار. (¬3) جهة معمورة آهلة بالسكان. (¬4) صوت صوت الحمار، إن الله تعالى عذبه من جنس افترائه وغروره وإغوائه وإضلاله: سبحانه جعل صورته صورة حمار له صوت منكر مرتفع، لماذا؟ لأنه خالف نصيحة أمه وصد عن قولها ورماها بالوقاحة وقلة الأدب، وألفاظ البذاءة "أنت تنهقين" فلو سمع نصحها وصغى إلى قولها واسترشد بنور إيمانها لتنعم وفاز بالجنة، ولكن عصاها فاستحق كل إهانة وازدراء. (¬5) وما كان كذا (ط وع ص 161 - 2)، وفي (ن د): وما كانت. أضرار عصيان الوالدين كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه: أولاً: لقد حرم الله عقوق الوالدين وكره ذلك. ثانياً: أنه من أكبر الكبائر المهلك الموصل إلى الجحيم. ثالثاً: يمنع من التعطر بريح الجنة وشم شذاها "يراح ريح الجنة". =

الترغيب في صلة الرحم وإن قطعت، والترهيب من قطعها

اتق الله إلى متى تشربُ هذه الخمر؟ فيقولُ لها: إنما أنت تنهقينَ كما ينهقُ الحمارُ. قالت فمات بعد العصرِ، قالت: فهو ينشقُّ عنه القبرُ بعد العصرِ كل يومٍ، فينهقُ ثلاثَ نهقاتٍ، ثم ينطبقُ عليه القبرُ" رواه الأصبهاني وغيره، وقال الأصبهاني: حدّث به أبو العباس الأصم إملاءٍ بينسابور بمشهد من الحفاظ فلم ينكروه. الترغيب في صلة الرحم وإن قطعت، والترهيب من قطعها 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر (¬1)، فَلْيُكْرِمْ ضَيفهُ (¬2)، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ (¬3)، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً (¬4) أو ليصمت (¬5) " رواه البخاري ومسلم. ¬

= رابعاً: لا يقبل أي عمل للعاق. خامساً: العاق مخالف ما نهى الله عنه ورسوله. سادساً: ينال العاق جزاءه في الدنيا قبل مماته من تحقير وفقر مدقع، وأمراض وسخط أهله وإبعاده "من عقاب أسرع". سابعاً: لعن الله ورسوله والملائكة والناس العاق. ثامناً: يجلب العقوق سوء الخاتمة للعاق ويطمس الله على بصيرته وينزع منه الإيمان فلا يمكن أن ينطق بالشهادتين "قل لا إله إلا الله فلم يستطع". تاسعاً: تقبح صورة العاق وتتغير هيئته الآدمية إلى "رأسه رأس حمار" اللهم أكرمنا برضا الوالدين واجزهما عنا خيراً وارحمهما كما ربيانا وأغدق عليهما شآبيب رحمتك إنك غفور رحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى وآله وصحبه وسلم. (¬1) أي الذي يصدق بوجود الله ويتصف بالإيمان الكامل. (¬2) يزيد في إكرامه ويقدم له صنوف الاحترام والنعم زيادة على عياله، لماذا؟ لأنه ينفق ابتغاء ثواب الله معتقداً إخلافه وإعطاءه الجزيل. (¬3) فليود أقاربه وليحسن إليهم. (¬4) أي فليحسن كلامه وليطب لفظه ليغنم. (¬5) يسكت عن الشر ليسلم ويحفظ لسانه من اللغو والغيبة والنميمة. قال الشيخ الشرقاوي: إذ آفات اللسان كثيرة، وفي الحديث: "واحفظ لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك، وهل يكب الناس في النار على مناخيرهم إلا حصائد ألسنتهم". قال ابن مسعود: ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان. ولبعضهم: اللسان حية مسكنها الفم. ومعنى الحديث أن المرء إذا أراد أن يتكلم فليتفكر قبل كلامه، فإن علم أنه لا يترتب عليه مفسدة ولا يجر إلى محرم ولا مكروه فليتكلم، وإن كان مباحاً فالسلامة في السكوت لئلا يجر المباح إلى محرم أو مكروه. وقد اشتمل هذا الحديث على أمور ثلاثة تجمع مكارم الأخلاق الفعلية والقولية. =

إن صلة الرحم محبة في الأهل 2 - وعن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحبَّ أن يُبْسَطَ (¬1) له في رزقهِ وَيُنَسَّأ لهُ (¬2) في أثَرِهِ (¬3)، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" رواه البخاري ومسلم. ¬

= أما الأولان فمن الفعلية وأولهما يرجع عن التخلي عن الرذيلة والثاني يرجع إلى التحلي بالفضيلة. والحاصل أن من كان كامل الإيمان فهو متصف بالشفقة على خلق الله تعالى قولاً بالخير وسكوتاً عن الشر أو فعلاً لما ينفع أو تركاً لما يضر. أهـ. ص 304 جـ 3 قال الشاعر: الصمت زين والسكوت سلامة ... فإذا نطقت فلا تكن مكثاراً ما إن ندمت على سكوتي مرة ... ولقد ندمت على الكلام مراراً (¬1) يزاد ويوسعه الله له. (¬2) ويؤخر. (¬3) في أجله. قال في الفتح: وسمي الأجل أثراً، لأنه يتبع العمر. قال زهير: والمرء ما عاش ممدود له أملي ... لا ينقضي العمر حتى ينتهي الأثر قال ابن التين: ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى: "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" (34 من سورة الأعراف). والجمع بينهما من وجهين: أحدهما أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة وصيانته عن تضييعه في غير ذلك، ومثل هذا ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم فأعطاه الله ليلة القدر، وحاصله أن صلة الرحم تكون سبباً للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية فيبقى بعده الذكر الجميل فكأنه لم يمت، ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده والصدقة الجارية عليه والخلف الصالح. ثانيهما: أن الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر، وأما الأول الذي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله تعالى كأن يقال للملك مثلاً إن عمر فلان مثلاً مائة إن وصل رحمه وستون أن قطعها. وقد سبق في علم الله تعالى أنه يصل أو يقطع فالذي في علم الله تعالى "يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" (39 من سورة الرعد). فالمحو والإثبات بالنسبة إلى ما في علم الملك، وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة، ويقال له القضاء المبرم، ويقال للأول القضاء المعلق، والوجه الأول أليق بلفظ حديث الباب "وينسأ له في أثره" فإن الأثر ما يتبع الشيء، فإذا أخر حسن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور. وقال الطيبي: الوجه الأول أظهر، وإليه يشير كلام صاحب الفائق قال: ويجوز أن يكون المعنى الله يبقى أثر واصل الرحم في الدنيا طويلاً فلا يضمحل سريعاً كما يضمحل أثر قاطع الرحم، ولما أنشد أبو تمام قوله في بعض المراثي: توفيت الآمال بعد محمد ... وأصبح في شغل عن السفر السفر قال له أبو دلف: لم يمت من قيل فيه هذا الشعر، ومن هذه المادة قول الخليل عليه السلام "واجعل لي لسان صدق في الآخرين". وقد تردد في تفسيره وجه ثالث: فأخرج الطبراني في الصغير بسند ضعيف عن أبي الدرداء، قال ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم "من وصل رحمه أنسيء له في أجله" فقال إنه ليس زيادة في عمره، قال الله تعالى: "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة .. الآية" ولكن الرجل تكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده. =

[ينسأ] بضم الياء وتشديد السين المهملة مهموزاً: أي يؤخر له في أجله. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "من سَرَّهُ أن يُبسطَ له في رزقِهِ، وأن يُنَسَّأ له في أثره، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" رواه البخاري والترمذي، ولفظه: "قال: تعلموا من أنسابكم ما تَصِلُونَ به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبةٌ في الأهل مَثْرَاةٌ (¬1) في المال مُنَسَّأةٌ في الأثر" وقال حديث غريب، ومعنى منسأة في الأثر، يعني به الزيادة في العمر انتهى. رواه الطبراني من حديث العلاء بن خارجة كلفظ الترمذي بإسناد لا بأس به. 4 - وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سَرَّهُ أن يُمد له في عمره، ويوسع له في رزقهِ، ويُدفعَ عنه مِيتَةُ السوء، فليتقِ الله، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائده، والبزار بإسناد جيد والحاكم. 5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مكتوبٌ في التوراةِ: من أحب أن يُزاد في عمره، ويُزاد في رزقه فَلْيَصِلْ رحمهُ" رواه البزار بإسناد لا بأس به والحاكم وصححه. 6 - ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يقول: "إن الصدقة، وصلة الرحم يزيدُ الله بهما في العمر، ويدفعُ بهما ميتة السوء، ويدفعُ بهما المكروهَ والمحذور" رواه أبو يعلى. 7 - وعن رجلٍ من خَثْعَمٍ قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في نفرٍ من أصحابه، فقلتُ: أنت الذي تزعمُ أنك رسول الله؟ قال: نعم. قال: قلت: يا رسول الله أي الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ قال: الإيمان بالله. قال: قلتُ: يا رسول الله ثم مَهْ (¬2)؟ ¬

= وجزم ابن فورك بأن المراد بزيادة العمر نفي الآفات عن صاحب البر في فهمه وعقله، وقال غيره في أعم ذلك وفي وجود البركة في رزقه وعلمه ونحو ذلك. أهـ ص 321 جـ 10. (¬1) مكثرة. (¬2) زدني.

قال: ثم صلة الرحم. قال: قلتُ: يا رسول الله ثم مَهْ؟ قال: ثم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. قال: قلتُ: يا رسول الله أي الأعمال أبغضُ إلى الله؟ قال: الإشراك بالله. قال: قلتُ: يا رسول الله ثم مَهْ؟ قال: ثم قطيعةُ الرحم. قال: قلتُ: يا رسول الله ثم مَهْ؟ قال: ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف" رواه أبو يعلى بإسناد جيد. 8 - وعن أبي أيوب رضي الله عنه: "أن أعرابياً عَرَضَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في سفرٍ، فأخذ بخطام (¬1) ناقته أو بزمامها (¬2) ثم قال: يا رسول الله أو يا محمد: أخبرني بما يقربني من الجنة، ويُباعدني من النار؟ قال: فَكَفَّ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: لقد وُفِّقَ (¬3) أو لقد هُدِيَ، قال: كيف قلتَ؟ قال: فأعادها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعبدُ الله ولا تُشركُ به شيئاً وتُقيمُ الصلاةَ، وتؤتي الزكاة، وتصلُ الرحم، دَعِ الناقةَ". 9 - وفي رواية: "وتَصِلُ ذا رَحِمِكَ، فلما أدبرَ (¬4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تَمَسَّكَ (¬5) بما أمرتهُ به دخل الجنة" رواه البخاري ومسلم واللفظ له. 10 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لَيُعَمِّرُ بالقومِ الديارَ، ويُثَمِّرُ (¬6) لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بُغضاً لهم، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: بصلتهم أرحامهم" رواه الطبراني بإسناد حسن والحاكم، وقال: تفرد به عمران بن موسى الرملي الزاهد عن أبي خالد، فإن كان حفظه فهو صحيح. 11 - وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "إنه من أُعْطِيَ حظهُ من الرفقِ فقد أُعطِيَ حظهُ من خير الدنيا والآخرة، وصلةُ الرحم، وحُسنُ ¬

(¬1) الحبل الذي يوضع على مقدم الأنف والفم، وخطم الطائر منقاره. (¬2) الحبل الذي تساق منه: أي المقود، وأصله الخيط الذي يشد في البرة أو في الخشاش، والمعنى مد يده إلى حبل الناقة. (¬3) ألهمه الله الرشد. (¬4) ولى. (¬5) عقد الخناصر على الطاعة ووطد العزيمة على القيام بهذه الأوامر. (¬6) وينمي.

الجوار، أو حُسْنُ الخُلق يُعَمِّرَانِ (¬1) الديار، ويزيدان في الأعمار" رواه أحمد، ورواته ثقات، إلا أن عبد الرحمن بن القاسم لم يسمع من عائشة. 12 - ورويَ عن دُرَّةَ بنت أبي لهبٍ رضي الله عنها قالت: "قلتُ: يا رسول الله من خَيْرُ الناس؟ قال: أتقاهم للرب، وأوصلهم للرحم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر" رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب، والبيهقي في كتاب الزهد وغيره. 13 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصال من الخير: أوصاني أن لا أنظر إلى من هو فوقي (¬2)، وأن أنظرُ إلى من هو دوني (¬3) وأوصاني بحب المساكين، والدنو منهم (¬4)، وأوصاني أن أصِلَ رحمي، وإن أدْبَرَتْ (¬5) وأوصاني أن لا أخاف في الله لومة لائمٍ (¬6)، وأوصاني أن أقول الحق، وإن كان مُرّاً، وأوصاني أن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنزٌ من كنوز الجنة" رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه واللفظ له. خير الناس أتقاهم للرب وأوصلهم للرحم 14 - وعن ميمونة رضي الله عنها: "أنها أعتقت وليدةً لها، ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: أشَعَرْتَ يا رسول الله أني أعتقتُ وليدتي؟ قال: أوَ فَعلتِ؟ قالت: نعم. قال: أما أنك لو أعطيتها أخوالكِ كان أعظمَ لأجركِ (¬7) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. وتقدم في البر حديث ابن عمر قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: إني أذنبتُ ذنباً عظيماً فهل لي من توبةٍ؟ فقال: هل لك من أمٍ؟ قال: لا. قال: فهل لك من خالةٍ؟ قال: نعم. قال: فَبِرَّهَا (¬8) " رواه ابن حبان والحاكم. 15 - ورويَ عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) يسببان لها العمران ويجعلان فيها الخير. (¬2) أكثر مني غنى وصحة. (¬3) أقل مني مالاً وصحة. (¬4) القرب منهم. (¬5) قطعت مودتها وجفت. (¬6) عتاب عاتب. (¬7) أي لو منحت هذه الجارية خادمة لأخوالك زادك الله ثواباً جليلاً بسبب صلة رحمك. (¬8) أحسن إليها ليزداد ثوابك.

ثلاثٌ مُتعلقاتٌ بالعرش: الرحم (¬1) تقول: اللهم إني بك فلا أُقْطَعُ، والأمانةُ تقول: اللهم إني بك فلا أُخَانُ، والنعمةُ تقولُ: اللهم إني بك فلا أُكْفَرُ (¬2) " رواه البزار. الرحم متعلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله .. الحديث 16 - وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرحمُ مُتعلقةٌ (¬3) بالعرش تقول: من وصلني وَصَلَهُ الله، ومن قطعني قطعهُ الله" رواه البخاري ومسلم. 17 - وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عز وجل: أنا الله وأنا الرحمن خلقتُ الرحم، وشققتُ لها اسماً من اسمي، فمن وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، ومن قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ، أو قال بَتَتُّهُ (¬4) " رواه أبو داود والترمذي من رواية أبي سلمة عنه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. [قال الحافظ] عبد العظيم: وفي تصحيح الترمذي له نظر، فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئاً، قاله يحيى بن معين وغيره، ورواه أبو داود وابن حبان في صحيحه من حديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن روّاد الليثي عن عبد الرحمن بن عوف، وقد أشار الترمذي إلى هذا، ثم حكى عن البخاري أنه قال: وحديث معمر خطأ، والله أعلم. 18 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى خَلَقَ (¬5) الخلقَ حتى إذا فرغ منهم قامتِ الرحمُ، ¬

(¬1) القرابة. (¬2) فلا أجحد، ثلاثة يحافظ الإنسان على القيام بأدائها بإخلاص لله تعالى رجاء النجاح وزيادة الرزق وحسن السمعة: (أ) صلة الرحم. (ب) أداء الأمانة. (جـ) شكر المنعم سبحانه وتعالى على نعمه الكثيرة وأداء الواجبات عليها. قال تعالى: "لئن شكرتم لأزيدنكم" من سورة إبراهيم. (¬3) تمثيل إلى أنها كثيرة الرجاء مستعينة بالله تعالى طالبة زيادة رحمته سبحانه وتعالى بالواصل وانتقامه من القاطع. (¬4) بتته كذا (د وع ص 163 - 2)، وفي (ن د): أبنته بمعنى قطعته وفصلته. (¬5) في باب "من وصل وصله الله" أي وصل رحمه قال في الفتح. قال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون المراد بالخلق جميع المخلوقات، ويحتمل أن يكون المراد به المكلفين، وهذا القول يحتمل أن يكون بعد خلق السموات والأرض وإبرازهما في الوجود، ويحتمل أن يكون بعد خلقهما كتباً في اللوح المحفوظ، =

فقالت (¬1): هذا مقام العائذِ بك من القطيعة. قال: نعم أما تَرْضَيْنَ أن أصِلَ من وَصَلَكِ (¬2)، وأقطع من قطعكِ؟ قالت: بلى. قال: فذاك لكِ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أرْحَامَكُمْ، أولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأصَمَّهُمْ وَأعْمَى أبْصَارَهُمْ) " رواه البخاري ومسلم. 19 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرحم شُجْنَةٌ (¬3) من الرحمنِ تقولُ: يا ربِّ إني قُطِعْتُ، يا رب إني أُسِيءَ إليَّ، يا رب إني ظُلِمتُ، يا رب، فَيُجِيبُهَا: ألا تَرْضَيْنَ أن أصِلَ من وَصَلَكِ، وأقْطَعَ من قَطَعَكِ" رواه أحمد بإسناد جيد قوي، وابن حبان في صحيحه. ¬

= ولم يبرز بعد إلا اللوح والقلم، ويحتمل أن يكون بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله تعالى: "ألست بربكم" لما أخرجهم من صلب آدم عليه السلام مثل الذر. أهـ ص 321 جـ 10. (¬1) قال ابن أبي جمرة يحتمل أن يكون بلسان الحال، ويحتمل أن يكون بلسان المقال قولان مشهوران والثاني أرجح، وعلى الثاني، فهل تتكلم كما هي، أو يخلق الله لها عند كلامها حياة وعقلاً؟ قولان أيضاً مشهوران والأول أرجح لصلاحية القدرة العامة لذلك. قال في الفتح قال عياض: يجوز أن يكون الذي نسب إليه القول ملكاً يتكلم على لسان الرحم. (¬2) قال ابن أبي جمرة: الوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه، وإنما خاطب الناس بما يفهمون، ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال؛ وهو القرب منه وإسعافه بما يريد ومساعدته على ما يرضيه، وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده، قال وكذا القول في القطع وهو كناية عن حرمان الإحسان. وقال القرطبي: أي لو كانت الرحم ممن يعقل ويتكلم لقالت كذا، ومثله "لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً" الآية، وفي آخرها "تلك الأمثال نضربها للناس" من سورة الحشر، فمقصود هذا الكلام الإخبار بتأكد أمر صلة الرحم، وأنه تعالى أنزلها منزلة من استجار به فأجاره فأدخله في حمايته، وإذا كان كذلك فجار الله غير مخذول، وقد قال صلى الله عليه وسلم "من صلى الصبح فهو في ذمة الله وإن من يطلبه الله بشيء من ذمته يدركه ثم يكبه على وجهه في النار" أخرجه مسلم. أهـ. (¬3) المعنى أنها أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها فالقاطع لها منقطع من رحمة الله. وقال الإسماعيلي: معنى الحديث أن الرحم اشتق اسمها من اسم الرحمن فلها به علقة، وليس معناه أنها من ذات الله، تعالى عن ذلك، قال القرطبي: الرحم التي توصل عامة وخاصة فالعامة رحم الدين، وتجب مواصلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، وأما الرحم الخاصة فتزيد النفقة على القريب وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلاتهم وتتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك كما في الحديث الأول من كتاب الأدب الأقرب فالأقرب. وقال ابن أبي جمرة: تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء، والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة، فإن كانوا كفاراً أو فجاراً فمقاطعتهم في الله هي صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى. أهـ ص 322 جـ 10.

20 - وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الرحمُ حَجَنَةٌ مُتَمَسِّكَةٌ بالعَرْشِ تَكَلَّمُ بلسان ذُلَقٍ (¬1): اللهم صِلْ من وَصَلَنِي، واقطعْ من قَطَعَنِي، فيقولُ اللهُ تبارك وتعالى: أنا الرحمن الرحيم، وإني شَقَقْتُ للرحم من اسمي، فمن وصلها وصَلْتُهُ، ومن بَتَكَهَا بَتَكْتُهُ" رواه البزار بإسناد حسن. [الحجنة] بفتح الحاء المهملة والجيم وتخفيف النون: هي صنارة المغزل، وهي الحديدة العقفاء التي يعلق بها الخيط ثم يفتل الغزل، وقوله: من بتكها بتكته: أي من قطعها قطعته. 21 - وعن سعيد بن زيدٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن من أرْبَى الربا (¬2) الاسْتِطالةَ في عِرْضِ المسلمِ بغيرِ حقٍ، وإن هذه الرحم شُجْنَة من الرحمن عز وجل، فمن قطعها حَرَّمَ اللهُ عليهِ الجنة" رواه أحمد والبزار، ورواة أحمد ثقات. [قوله: شجنة من الرحمن] قال أبو عبيد: يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، وفيها لغتان شجنة بكسر الشين وبضمها وإسكان الجيم. 22 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الوَاصِلُ بالمكافئ (¬3)، ولكن الواصل الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا (¬4) " رواه البخاري واللفظ له وأبو داود والترمذي. ¬

(¬1) ذلق: طلق، بضم الذال: أي فصيح بليغ، هكذا جاء في الحديث على وزن فعل بوزن صرد، يقال طلق ذلق وطلق ذلق، وطليق ذليق، ويراد بالجميع المضاء والنفاذ، وذلق كل شيء حده. أهـ نهاية. (¬2) من أكثر المحرمات ذنوباً. (¬3) الذي يعطي لغيره نظير ما أعطاه ذلك الغير كما في رواية "ليس الواصل أن تصل من وصلك، ذلك القصاص ولكن الوصال أن تصل من قطعك". (¬4) قال في الفتح: أي الذي إذا منع أعطى، وقطعت. قال الطيبي: المعنى ليست حقيقة الواصل، ومن يعتد بصلته من يكافئ صاحبه بمثل فعله، ولكن من يتفضل على صاحبه. وقال ابن حجر في الفتح: وقال شيخنا في شرح الترمذي المراد بالواصل في هذا الحديث الكامل، فإن في المكافأة نوع صلة بخلاف من إذا وصله قريبه لم يكافئه، فإن فيه قطعاً بإعراضه عن ذلك، وهو من قبيل ليس الشديد بالصرعة، وليس الغنى عن كثرة العرض. أهـ. وأقول لا يلزم من نفى الوصل ثبوت القطع فهم ثلاث درجات: مواصل، ومكافئ، وقاطع، فالواصل من يتفضل ولا يتفضل عليه، والمكافئ الذي يزيد في الإعطاء على ما يأخذ، والقاطع الذي =

23 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكونوا إمَّعَةً، تقولون. إن أحسنَ الناسُ أحْسَنَّا، وإن ظلموا ظَلَمْنَا، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم، إن أحْسَنَ الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساءوا أن لا تَظْلِمُوا (¬1) " رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. [قوله: إمعة] هو بكسر الهمزة وتشديد الميم وفتحها وبالعين المهملة، قال أبو عبيد: الإمعة هو الذي لا رأي معه، فهو يتابع كل أحد على رأيه. 24 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رجلاً قال يا رسول الله: إني لي قرابةً أصِلُهُمْ ويقطعوني، وأُحسنُ إليهم ويُسيئون إليَّ، وأحْلُمُ عليهم، ويجهلون عليَّ، فقال إن كنت كما قلتَ، فكأنما تُسِفُّهُمُ المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم مادمت على ذلك" رواه مسلم. [المل] بفتح الميم وتشديد اللام: هو الرماد الحار. 25 - وعن أم كلثومٍ بنت عقبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصدقة الصدقةُ على ذي الرحم الكاشح" رواه الطبراني وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. ومعنى [الكاشح]: أنه الذي يضمر عداوته في كشحه، وهو خصره، يعني أن أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم المضمر العداوة في باطنه، وهو في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: وَتَصِلُ من قَطَعَكَ. 26 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه حاسَبَهُ الله حساباً يسيراً، وأدخلهُ الجنة برحمته. قالوا: وما هي ¬

= يتفضل عليه ولا يتفضل وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين فمن بدأ حينئذ فهو الواصل، فإن جوزي سمى من جازاه مكافئاً، والله أعلم. أهـ. ص 327 جـ 10. (¬1) أي كن ذا عزيمة قوية في الخير وذا رأي سديد وقوة فكرٍ ماضية في الصالحات، ولا تتبع الناس في الإفساد والجور كما قال الشاعر: ولست بإمعة في الرجال يسائل هذا وذا ما الخبر.

يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال: تُعْطي من حَرَمَكَ، وتَصِلُ من قَطَعَكَ، وتعفُو عمن ظلمكَ، فإذا فعلت ذلك يدخلك الله الجنة" رواه البزار والطبراني والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: وفي أسانيدهم سليمان بن داود اليماني واهٍ. صل من قطعك وأعط من حرمك وأعرض عمن ظلمك 27 - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "ثم لَقِيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ن فأخذتُ بيده، فقلتُ يا رسول الله: أخبرني بفواضلِ الأعمال، فقال: يا عقبة صِلْ من قطعكَ، وأعطِ من حرمكَ، وأعرضْ عمن ظلمكَ" وفي رواية: "واعف عمن ظلمك" رواه أحمد، والحاكم. وزاد: "ألا ومن أراد أن يُمَدَّ في عُمُرِهِ، وَيُبْسَطَ في رزقه فليصل رحمهُ" ورواة أحد إسنادي أحمد ثقات. 28 - وعن علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلك على أكرم أخلاق الدنيا والآخرة: أن تصل من قطعك، وتُعطي من حرمك، وأن تعفو عمن ظلمك" رواه الطبراني في الأوسط من رواية الحارث الأعور عنه. 29 - وعن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أفضل الفضائل أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتصفح عمن شتمك" رواه الطبراني من طريق زبان بن فائد. 30 - ورويَ عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يرفعُ الله به الدرجات؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: تَحْلُمُ (¬1) على من جهل عليك، وتعفو (¬2) عمن ظلمك، وتُعطي من حرمك، وتَصِلُ من قطعك" رواه البزار والطبراني إلا أنه قال في أوله: ألا أُنبئكم بما يُشَرِّفُ الله به البُنيانَ، ويرفعُ به الدرجات؟ فذكره. ¬

(¬1) لا تغضب وتتأنى ولا تشتم. (¬2) تسامح وتغفر.

أسرع الخير ثواباً البر وصلة الرحم 31 - ورويَ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسرعُ الخير ثواباً البر، وصلة الرحم، وأسرع الشر عقوبة البغي (¬1)، وقطيعةُ الرحم" رواه ابن ماجة. 32 - وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنبٍ أجدر أن يُعَجِّلَ الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخرُ (¬2) له في الآخرةِ من البغي، وقطيعة الرحم" رواه ابن ماجة والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 33 - ورواه الطبراني فقال فيه: "من قطيعة الرحم والخيانة والكذب، وإن أعَجَلَ البر ثواباً لَصِلَةُ الرحمِ حتى إن أهل البيتِ ليكونونَ فَجَرَةً فتنمو أموالهم، ويَكْثُرُ عددهم إذا تواصلوا" ورواه ابن حبان في صحيحه، ففرّقه في موضعين، ولم يذكر الخيانة والكذب، وزاد في آخره: وما من أهل بيتٍ يتواصلون فيحتاجون. 34 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه قال: "الطابعُ مُعَلَّقٌ بقائمةِ العرشِ، فإذا اشتكت الرحمُ، وعُمِلَ بالمعاصي، واجْتُرِئ على الله بعث الله الطابعَ فيطبعُ على قلبه، فلا يعقلُ بعد ذلك شيئاً" رواه البزار واللفظ له والبيهقي، وتقدم لفظه في الحدود، وقال البزار: لا نعلم رواه عن التيمي، يعني سليمان، لا سليمان بن مسلم، وهو بصري مشهور. 35 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أعمال بني آدم تُعرضُ كُلَّ خميسٍ ليلةَ الجمعةِ، فلا يُقْبَلُ عملُ قاطعِ رحمٍ" رواه أحمد، ورواته ثقات. 36 - ورويَ عن عائشةَ رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتاني جبريل عليه السلام فقال: هذه ليلةُ النصف من شعبانَ، ولله فيها عُتقاء من النار ¬

(¬1) الظلم. (¬2) يكنز.

بعددِ شُعُورِ غنمِ (¬1) كلبٍ لا ينظرُ الله فيها إلى مُشركٍ، ولا إلى مُشاحنٍ، ولا إلى قاطعِ رحمٍ، ولا إلى مُسْبلٍ (¬2)، ولا إلى عاقٍ لوالديه، ولا إلى مُدمنِ خمرٍ" رواه البيهقي في حديث يأتي بتمامه في الهاجر إن شاء الله. 37 - وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطعُ الرحمِ، ومُصَدِّقٌ بالسِّحْرِ" رواه ابن حبان وغيره، وتقدم بتمامه في شرب الخمر. وتقدم فيه أيضاً حديث أبي أمامة: "يبيتُ قومٌ من هذه الأمة على طُعْمٍ وَشُرْبٍ وَلَهْوٍ وَلَعِبٍ، فيصبحوا قد مُسخوا قردةً وخنازيرَ بِشُربهم الخمرَ، ولُبسهمُ الحريرَ، واتخاذهمُ القينات، وقطعيتهم الرحم". يا معشر المسلمين اتقوا الله وصلوا أرحامكم 38 - وعن جبير بن مُطعمٍ رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخلُ الجنة قاطعٌ. قال سفيان: يعني قاطع رحمٍ (¬3) " رواه البخاري ومسلم والترمذي. وتقدم في اللباس حديث جابر رضي الله عنه قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن مجتمعون، فقال: يا معشر (¬4) المسلمين اتقوا الله وَصِلُوا أرحامكم، فإنه ليس من ثوابٍ أسرعُ من صلة الرحم (¬5)، وإياكم والبغيَ (¬6)، فإنه ليس من عقوبةٍ أسرعُ من عقوبةِ بَغْيٍ، وإياكم وعقوق الوالدين، فإن ريحَ الجنة تُوجدُ من مسيرة ألف عامٍ، والله لا يجدها عاقٌ، ولا قاطعُ رحمٍ، ولا جارٌّ إزاره خُيلاء، إنما الكبرياء لله رب العالمين". 39 - وعن الأعمش قال: "كان ابن مسعودٍ رضي الله عنه جالساً بعد الصبحِ ¬

(¬1) المعنى أنها كثيرة العدد. (¬2) أرخى إزاره كبراً. (¬3) قاطع رحم كذا (ط وع ص 166 - 2) وفي (ن د): قاطع الرحم. (¬4) جماعة. (¬5) يكافئ الله تعالى واصل رحمه بزيادة الخير بسرعة. (¬6) الظلم وعقابه يلمسه الظالم في حياته قبل موته بخراب داره أو يتم أطفاله أو نزع النعمة منه، وهكذا. قال المغيرة بن حنين: سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا الفعل منصوب بعد فاء السببية ولم تسبق بأمور قول الشاعر: مر وانه سل واعرض لحضهم ... تمن وارج كذاك النفي قد كملا

في حلقةٍ، فقال: أُنْشِدُ اللهَ قاطعَ رحمٍ (¬1) لما قام عنا، فإنا نُريدُ أن تدعو ربنا، وإن أبواب السماء مرْتَجةٌ دون قاطعِ رحمٍ" رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح إلا أن الأعمش لم يدرك ابن مسعود. [مرتجة] بضم الميم وفتح التاء المثناة فوق وتخفيف الجيم: أي مغلقة. 40 - ورويَ عن عبد الله بن أوْفَى رضي الله عنهما قال: "كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا يجالسنا اليوم قاطعُ رحمٍ، فقام فتى من الحلقةِ، فأتى خالةً له قد كان بينهما بعضُ الشيء، فاستغفرَ لها، واستغفرت له، ثم عاد إلى المجلسِ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرحمة لا تنزلُ على قومٍ فيهم قاطعُ رحمٍ" رواه الأصبهاني. 41 - ورواه الطبراني مختصراً: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة لا تنزلُ (¬2) على قومٍ فيهم قاطعُ رحمٍ". ¬

(¬1) أحلف بالله يا قاطع رحمه أن تذهب بعيداً منا، لأن رحمة الله مقفلة أبوابها أمامك أيها المسيء إلى أقاربك. (¬2) نزول رحمة، ولا تدعو لقاطع رحم. الآيات الواردة في الحث على صلة الرحم: (أ) قال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً" (1: من سورة النساء). (ب) وقال تعالى: "وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا" (26 - 27 من سورة الإسراء). (جـ) وقال تعالى: "والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار" (25 من سورة الرعد). (د) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" (6 من سورة التحريم). (هـ) وقال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله" (36 من سورة النساء). (و) وقال تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً" (58 من سورة الأحزاب). =

الترغيب في كفالة اليتيم ورحمته والنفقة عليه والسعي على الأرملة والمسكين

الترغيب في كفالة اليتيم ورحمته، والنفقة عليه والسعي على الأرملة والمسكين 1 - عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافلُ (¬1) اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفَرَّجَ بينهما" رواه البخاري وأبو داود والترمذي. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كافلُ اليتيمِ له أو لغيرهِ (¬2)، وأنا وهو كهاتين في الجنة: وأشار مالكٌ بالسبابةِ ¬

= (ز) وقال تعالى: "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" (8 - 9 من سورة الحشر). (ح) وقال تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً متكئين على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلاً" (8 - 14 من سورة الدهر). (¬1) أي القيم بأمره المدير مصالحه المتعهد شئونه، ومعنى يتيم: أي فقد والده: أي يكون الوصي بجوار منزلة النبي صلى الله عليه وسلم وبقربه. قال في الفتح: وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى، وهو نظير الحديث الآخر "بعثت أنا والساعة كهاتين". أهـ ص 336 جـ 10 وقد وقع في رواية لأم سعيد المذكورة عند الطبراني: "معي في الجنة كهاتين يعني المسبحة والوسطى إذا اتقى" سبابة لأنها يسب بها الشيطان كالسباحة أو المسبحة، لأنها يسبح بها في الصلاة فيشار بها في التشهد لذلك. قال ابن بطال: حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك. أهـ. قال في الفتح: قال شيخنا في شرح الترمذي: لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من منزلة النبي لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلاً لهم ومعلماً ومرشداً، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه، بل ولا دنياه ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه فظهرت مناسبة ذلك. أهـ ملخصاً ص 337 جـ 10 صلى عليك الله يا رسول الله، ترغب الأوصياء أن يتحملوا آلام الوصاية وتربية الأيتام على شريطة التقوى والعفاف ورعاية مصالحهم ابتغاء جوارك في نعيم الجنة. (¬2) بينه قرابة، قال في الفتح: بأن يكون جداً أو عماً أو أخاً أو نحو ذلك من الأقارب أو يكون =

والوسطى" رواه مسلم، ورواه مالك عن صفوان بن سليم مرسلاً. 3 - ورواه البزار متصلاً، ولفظه قال: "من كفل يتيماً له ذا قرابةٍ أو لا قرابةَ له فأنا وهو في الجنة كهاتين، وضمَّ أُصبعيه، ومن سعى على ثلاث بناتٍ، فهو في الجنة وكان له كأجر المجاهد في سبيل الله صائماً قائماً (¬1) ". 4 - ورويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عال (¬2) ثلاثةً من الأيتام كان كمن قام ليلهُ، وصام نهارهُ، وغدا وراح (¬3) شاهراً سيفهُ في سبيل الله، وكنت أنا وهو في الجنة أخوين كما أن هاتين أُختانِ وألْصَقَ أصبعيهِ السبابة والوسطى" رواه ابن ماجة. 5 - وعنه رضي الله عنه أيضاً أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قبض (¬4) يتيماً من بين مسلمين إلى طعامهِ وشرابه أدخلهُ الله الجنة ألبتة (¬5) إلا أن يعمل ذنباً لا يُغفر (¬6) " رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح. 6 - وعن عمرو بن مالكِ القشيري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ومن ضَمَّ يتيماً من بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه وجبت (¬7) له الجنة" رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد محتج بهم إلا علي بن زيد. 7 - وعن زُرارةَ بن أبي أوْفَى، عن رجلٍ من قومه يُقالُ له مالكٌ أوا بن مالكٍ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من ضم يتيماً بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغنى (¬8) عنه وجبت له الجنة ألبتةَ، ومن أدرك والديه أو أحدهما ثم لم يبرهما (¬9) ¬

= أبو المولود قد مات فتقوم أمه مقامه، أو ماتت أمه فيقوم أبوه في التربية مقامها. أهـ. (¬1) متهجداً يعبد الله في السحر. (¬2) كفلهم وقام بتربيتهم. (¬3) ذهب ورجع شجاعاً مغواراً مستعداً للقاء العدو في سبيل نصر دين الله. (¬4) ضم. (¬5) قطعاً بلا شك. (¬6) إلا أن يشرك بالله كما قال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" من سورة النساء. (¬7) قدر الله له دخولها وعداً عليه جل وعلا، ووعده محقق قال تعالى: "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين" (47 من سورة الروم). (¬8) يكبر ويترعرع ويمكنه أن يباشر أعماله. (¬9) لم يحسن إليهما.

دخل النار، فأبعدهُ الله، وأيما مسلمٍ أعتقَ رقبةً مُسلمةً كانت فِكاكهُ من النار" رواه أبو يعلى والطبراني وأحمد مختصراً بإسناد حسن. 8 - وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما قَعَدَ يتيمٌ مع قومٍ على قصعتهم، فيقرب قصعتهم شيطانٌ (¬1) " حديث غريب رواه الطبراني في الأوسط والأصبهاني كلاهما من رواية الحسن بن واصل، وكان شيخنا الحافظ أبو الحسن رحمه الله يقول: هو حديث حسن، ورواه الأصبهاني أيضاً من حديث أبي موسى. إن أحب البيوت إلى الله بيت فيه يتيم مكرم 9 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحبَّ البيوت إلى الله بيتٌ فيه يتيمٌ مُكرمٌ" رواه الطبراني والأصبهاني. 10 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيرُ بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيمٌ يُحْسَنُ إليه، وشرُّ بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيمٌ يُساءُ إليه" رواه ابن ماجة. 11 - ورويَ عن عوف بن مالكٍ الأشجعيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا وامرأةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ كهاتين يوم القيامة، وأوْمأ بيدهِ يَزِيدُ بن زريعٍ: الوسطى والسبابة، امرأةٌ آمَتْ زوجها ذاتُ منصبٍ وجمال حَبستْ نفسها على يَتَامَاهَا حتى بانوا أو ماتوا" رواه أبو داود. [السفعاء]: بفتح السين المهملة وسكون الفاء بعدهما عين مهملة ممدوداً. [قال الحافظ]: هي التي تغبر لونها إلى الكمودة والسواد من طول الأيمة، يريد بذلك أنها حبست نفسها على أولادها ولم تتزوج، فتحتاج إلى الزينة والتصنع للزوج. [وآمت] المرأة بمد الهمزة وتخفيف الميم: إذا صارت أيِّماً، وهي من لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً، تزوجت أو لم تتزوج بعد، والمراد هنا من مات زوجها وتركها أيِّماً. 12 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) المعنى: يتباعد الشيطان عن مائدة يأكل عليها يتيم.

"أنا أولُ من يفتحُ باب الجنة إلا أني أرى امرأةً تُبادرني فأقولُ لها: مالكِ ومن أنتِ؟ فتقولُ: أنا امرأةٌ قعدتُ على أيتامٍ لي" رواه أبو يعلى، وإسناده حسن إن شاء الله. من أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين 13 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مسح على رأس يتيمٍ لم يمسحهُ إلا لله كان له في كل شعرةٍ مَرَّت عليها يدهُ حسناتٌ، ومن أحسنَ إلى يتيمةٍ أو يتيمٍ عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وفَرَّقَ بين أصبعيه: السبابة والوسطى" رواه أحمد وغيره من طريق عبيد الله بن زحر عن علي ابن يزيد عن القاسم عنه. 14 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ يشكو قسوةَ قلبهِ، قال أتُحبُّ أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحمِ اليتيم، وامسح رأسهُ وأطعمهُ من طعامك يَلِنْ قلبك، وتُدركْ حاجتك" رواه الطبراني من رواية بقية، وفيه راوٍ لم يسمّ أيضاً. 15 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال: امسح رأس اليتيم وأطعمِ المسكين" رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 16 - ورويَ عن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي بعثني بالحق لا يُعذبُ الله يوم القيامة من رحم اليتيم وَلاَنَ له (¬1) في الكلام، ورحم يُتْمَهُ وضعفهُ، ولم يتطاول على جاره بفضل (¬2) ما آتاه الله" رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا عبد الله بن عامر، وقال أبو حاتم: ليس بالمتروك. 17 - ورويَ عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم وبكاء اليتيم، فإنه يسري (¬3) في الليل، والناسُ نيامٌ" رواه الأصبهاني. ¬

(¬1) حادثه بلين وبشاشة ونصحه وأدبه ورعى مصالحه لله، في (ع): يلين قلبك 169 - 2 (¬2) بنعمه وببذخه. (¬3) يصعد إلى ربه في السحر شاكياً بكاءه فاحذروه، يقال سريت الليل وسريت به، قال أبو زيد: السرى أول الليل وأوسطه وآخره.

السبب في ذهاب بصر يعقوب عليه السلام وحنى ظهره 18 - وعن أنسٍ رضي الله عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رجلاً قال ليعقوب عليه السلام: ما الذي أذهب بصرك، وَحَنَى ظهرك؟ قال: أما الذي أذهبَ بصري فالبكاءُ على يوسف، وأما الذي حَنَى ظهري فالحزن على أخيه بنيامين، فأتاه جبريل عليه السلامُ، فقال: أتشكو الله عز وجل؟ قال: إنما أشكو بَثَّي وَحُزْني إلى الله. قال جبريلُ عليه السلام: الله أعلمُ بما قلت منك. قال: ثم انطلق جبريل عليه السلام، ودخل يعقوبُ عليه السلام بيتهُ، فقال: أي رَبِّ أما ترحمُ الشيخ الكبير. أذهبتَ بصري، وَحَنَيْتَ ظهري، فَارْدُدْ عليَّ رَيْحَانَتَيَّ، فأشمهما شَمَّةً واحدةً، ثم اصنع بي بعد ما شئت، فأتاه جبريل، فقال: يا يعقوب إن الله عز وجل يُقرئك السلام، ويقول: أبشر فإنهما لو كانا ميتين لَنَشَرْتُهُما (¬1) لك لأُقِرَّ بهما عينك، ويقول لك يا يعقوب: أتدري لِمَ أذْهَبْتُ بصرك، وَحَنَيْتُ ظهرك، وَلِمَ فَعَلَ إخوةُ يوسف بيوسف ما فعلوه؟ قال: لا. قال: إنه أتاك يتيمٌ مسكينٌ وهو صائمٌ جائعٌ وذبحت أنت وأهلك شاةً فأكلتموها ولم تُطعموه (¬2)، ويقول: إني لم أُحِبَّ شيئاً من خَلْقي حُبي اليتامى والمساكين (¬3)، فاصنع طعاماً، وادْعُ (¬4) المساكين. قال أنسٌ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكان يعقوبُ كلما أمسى نادى مُناديهِ: من كان صائماً فليحضر طعام يعقوب، وإذا أصبح نادى مُناديه: من كان مُفطراً فليفطر على طعام يعقوب" رواه الحاكم والبيهقي والأصبهاني واللفظ له، وقال الحاكم: كذا في سماع حفص بن عمر بن الزبير، وأظن الزبير وَهِم، وأنه حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة، فإن كان كذلك فالحديث صحيح، وقد أخرجه إسحاق بن راهوية في تفسيره قال: أنبأنا عمرو بن محمد حدثنا زافر بن سليمان عن يحيى بن عبد الملك عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. ¬

(¬1) لأحييتهما لتفرح، من قرت العين قرة وقروراً: بردت سروراً. (¬2) معناه أن الله تعالى أراد بفراق يوسف لأبيه ليذوق ألم البعد وحرارة الفرقة بسبب أنه لم يحن ولم يعطف على مسكين جاءه. (¬3) الفقراء. (¬4) اطلب. فيه أن الإحسان إلى الفقراء واليتامى يجلب السرور ويطرد الغم ويسبب زيادة النعم والبركة مع الصحة والهناءة.

الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله 19 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الساعي (¬1) على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبهُ قال: وكالقائمِ لا يَفْتُرُ وَكالصائم لا يُفطرُ" رواه البخاري ومسلم وابن ماجة إلا أنه قال: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يقوم الليل، ويصوم النهار". 20 - ورويَ عن المطلبَ بن عبد الله المخزومي قال: "دخلتُ على أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا بُنيَّ ألا أُحدثكَ بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: بلى يا أُمَّهْ. قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أنفق على بنتين، أو أُختين، أو ذَوَاتَيْ قرابةٍ يحتسب (¬2) النفقةَ عليهما حتى يُغنيهما من فضل الله، أو يكفيهما كانتا له سِتْراً من النار" رواه أحمد والطبراني، وتقدم لهذا الحديث نظائر في النفقة على البنات. ¬

(¬1) الذي يذهب ويجئ في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين، والأرملة التي لا زوج لها. أهـ فتح ص 402 جـ 9 وأورده البخاري في باب فضل النفقة على الأهل، ينال المتولي مصالح الأرملة ثواب ثلاثة: (أ) الذي يحارب أعداء الدين. (ب) المتبتل إلى الله المتهجد الذاكر الله في السحر. (جـ) الصائم المتنفل لله. (¬2) يطلب ثواب ذلك مدخراً عند الله عز وجل. الآيات الواردة في حفظ مال اليتيم وكفالته والإحسان إليه: أولاً: قال تعالى: "فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر" (9 - 10 من سورة الضحى). ثانياً: وقال تعالى: "وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً" (2: من سورة النساء). ثالثاً: وقال تعالى: "فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة" (15: من سورة البلد). رابعاً: وقال تعالى: "أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين" (3: من سورة الماعون). خامساً: وقال تعالى: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم" (220: من سورة البقرة). سادساً: وقال تعالى: "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" (9 - 10: من سورة النساء).

الترهيب من أذى الجار وما جاء في تأكيد حقه

الترهيب من أذى الجار، وما جاء في تأكيد حقه 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جارهُ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" رواه البخاري ومسلم. 2 - وفي رواية لمسلم: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيُحْسِنْ إلى جاره". 3 - وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "ما تقولون في الزنا؟ قالوا: حرامٌ حَرَّمَهُ الله ورسوله فهو حرامٌ إلى يوم القيامة. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يزني الرجلُ بعشر نسوةٍ أيسرُ عليه من أن يزني بامرأة جاره. قال: ما تقولون في السرقة؟ قالوا: حرَّمها الله ورسوله فهي حرامٌ. قال: لأن يسرق الرجل من عشرة أبياتٍ أيسرُ عليه من أن يسرق من جاره" رواه أحمد واللفظ له، ورواته ثقات والطبراني في الكبير والأوسط. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ. قيل مَنْ (¬1) يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمنُ جارهُ بوائقه (¬2) " رواه أحمد والبخاري ومسلم. وزاد أحمد: "قالوا: يا رسول الله، وما بوائقه! قال: شَرُّهُ". 5 - وفي رواية لمسلم: "لا يدخل الجنة من لا يؤمن جارهُ بوائقهُ". 6 - وعن أبي شُريحٍ الكعبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ، والله لا يؤمنُ. قيل: يا رسول الله لقد خاب وخسر، ¬

(¬1) عرفنا ما المراد مثلاً ومن المحدث عنه. قال في الفتح: في الحديث جناس بليغ، وهو من جناس التحريف وهو قوله: لا يؤمن، ولا يأمن، فالأول من الإيمان والثاني من الأمان. أهـ. ص 341 جـ 10 (¬2) جمع بائقة: الداهية والشيء المهلك، والأمر الشديد الذي يوافي بغتة.

من هذا؟ قال: من لا يأمنُ جارهُ بوائقهُ. قالوا: وما بؤائقهُ؟ قال: شَرُّهُ" رواه البخاري. 7 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما هو بمؤمنٍ من لم يأمن جارهُ بوائقهُ" رواه أبو يعلى من رواية ابن إسحاق والأصبهاني أطول منه، ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل لا يكونُ مؤمناً حتى يأمن جارهُ بوائقهُ، يبيتُ حين يبيتُ وهو آمنٌ من شَرِّهِ، فإن المؤمن الذي نفسهُ منه في غناء (¬1)، والناسُ منهُ في راحةٍ". 8 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمنُ عبدٌ حتى يُحبَّ لجاره، أو قال لأخيه، ما يحب لنفسه" رواه مسلم. 9 - ورويَ عن كعبٍ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله إني نزلتُ في محلةِ (¬2) بني فلانٍ، وإن أشَدَّهُمْ إليَّ أذىً أقربهم لي جواراً، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ وعمر وعلياً رضي الله عنهم يأتون المسجد، فيقومون على بابه، فيصيحون: ألا إن أربعين داراً جارٌ (¬3)، ولا يدخلُ الجنة من خاف جاره بوائقهُ" رواه الطبراني. [البوائق] جمع بائقة: وهي الشرُّ، وغائلته كما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم. 10 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبهُ، ولا يستقيمُ قلبه حتى يستقيم لسانهُ، ولا يدخل الجنة حتى يأمنَ جارهُ بوائقهُ" رواه أحمد، وابن أبي الدنيا في الصمت كلاهما من رواية علي بن مسعدة. 11 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن من ¬

(¬1) نفع أي يكثر خيره. (¬2) منزل القوم (حتى يبلغ الهدي محله) بكسر الحاء موضع النحر. (¬3) معناه يعد الإنسان أربعين داراً له مجاورة.

أمِنَهُ (¬1) الناسُ، والمسلمُ من سَلِمَ المسلمون (¬2) من لسانه ويده، والمهاجرُ (¬3) من هجر السوء، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبدٌ لا يأمنُ جَارُهُ بوائقهُ" رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وإسناد أحمد جيد، تابع عليَّ بن زيد حميدٌ، ويونس بن عبيدٍ. 12 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل قَسَّمَ بينكم أخلاقكم كما قَسَّمَ بينم أرزاقكم، وإن الله عز وجل يُعطي الدنيا من يُحبُّ ومن لا يُحبُّ، ولا يُعطي الدين إلا من أحَبَّ، فمن أعطاه الدين فقد أحَبَّهُ، والذي نفسي بيده لا يُسْلِمُ عبدٌ حتى يُسْلِمَ قلبهُ ولسانهُ، ولا يؤمنُ حتى يأمنَ جارهُ بوائقهُ. قلت: يا رسول الله، وما بوائقهُ؟ قال: غشْمُهُ (¬4) وظلمهُ، ولا يكسب مالاً من حرامٍ، فَيُنْفِقَ منه فَيُبَارَكَ فيه، ولا يتصدقُ به فَيُقْبَلَ منهُ، ولا يتركهُ خلف ظهرهِ إلا كان زادهُ إلى النار. إن الله لا يمحو السيء بالسيء، ولكن يمحو السيء بالحسنِ (¬5) إن الخبيث لا يمحو الخبيث" رواه أحمد وغيره من طريق أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد عنه. 13 - ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آذى جارهُ فقد آذاني (¬6) ومن آذاني، فقد آذى (¬7) الله، ومن حاربَ جارهُ (¬8) فقد حاربني، ومن حاربني فقد حارب الله (¬9) عز وجل" رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ. ¬

(¬1) اطمأنوا من شروره. الأمن ضد الخوف. (¬2) نجوا من غيبته ونميمته وأذى قوله. (¬3) الذي يترك الشيء حباً في ثواب الله. (¬4) غشمه كذا "ط وع ص 171 - 2) أي جهله وإقدامه على الأذى والكيد والفسوق، وفي (ن د): غشه: أي خديعته وعدم نصحه وتدليسه. (¬5) الضرر والنجس والحرام بالحلال والطيب؛ قال تعالى: "إن الحسنت يذهبن السيئات" من سورة هود. وقال تعالى: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" (34 من سورة فصلت). (¬6) خالف سنتي وعمل ضرراً بي. (¬7) عصى الله سبحانه. (¬8) قدم له كل أذى وأعلن الحرب معه، يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن إكرام الجار دليل رضا الله وعنوان إيمانه به ومنبع الإسلام والنور الذي يتجلى من العمل بسنته صلى الله عليه وسلم. (¬9) أعلن عصيانه وفجر وفسق.

أول خصمين يوم القيامة جاران 14 - ورويَ عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاةٍ قال: لا يصحبنا اليوم من آذى (¬1) جارهُ، فقال رجلٌ من القومِ أنا بُلْتُ في أَصلِ حائطِ جاري، فقال: لا تصحبنا اليوم (¬2) " رواه الطبراني، وفيه نكارة. 15 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذُ بك من جار السوء في دار المقامة (¬3) فإن جارَ الباديةِ (¬4) يتحولُ" رواه ابن حبان في صحيحه. 16 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول خَصْمَيْنِ يوم القيامة جاران (¬5) " رواه أحمد، واللفظ له والطبراني بإسنادين أحدهما جيد. 17 - وعن أبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جارهُ قال: اطرح متاعك على طريقٍ فطرحَهُ، فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونهُ (¬6)، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لقيتُ من الناس. قال: وما لقيت منهم؟ قال: يلعنوني. قال: لقد لعنك الله قبل الناس، فقال إني لا أعودُ، فجاء الذي شكاهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ارفع متاعكَ، فقد كُفِيتَ (¬7) " رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن بنحوه إلا أنه قال: ¬

(¬1) قدم ضرراً له يريد صلى الله عليه وسلم أن يحارب أعداء الدين ويطلب النصر من رب العالمين ولا ينصر الله إلا الصالحين غير المرتكبين ذنوباً فنقى رجال جيشه وصفاهم واختارهم من المتقين. (¬2) انظر رعاك الله إلى نهي من اعتدى بالبول على أساس حائط جاره أن يرافقه في الغزو، أإلى هذا الحد يترك الرجل، فلا يحارب العدو لنصر دين الله، نعم إنه لا يؤمن. إنه معتد، إنه أثيم فلا يجاهد المذنب بإخلاص، ومن لا يخاف الله يخاف منه. (¬3) الإقامة الدائمة المستمرة. (¬4) سكان الصحراء يضرب خيامه زمناً ثم ينقلها مع الخصب، والمرعى والماء، وغيره يبني مساكن ويقيم فيها. (¬5) أي جاران متخاصمان متنازعان يقضي الله تعالى بينهما بالحق. (¬6) يطلبون من المولى سبحانه أن يطرده من رحمته. لقد عالجه السيد الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينظر إلى سخط الناس له ويلمس غضبهم ويرى مقتهم عسى أن يتوب عن أذى جاره، لماذا؟ لأنه علم ذكره السيء وسيرته الرديئة من أفواه القوم فاستتاب إلى الله وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مستغفراً فقال: "إني لا أعود". (¬7) وقاك الله أذاه وصده عن التعدي عليك وتاب إلى الله أن يقدم لك أي أذى.

ضع متاعك على الطريق أو على ظهر الطريق فوضعهُ، فكان كل من مَرَّ به قال ما شأنك؟ قال: جاري يؤذيني. قال: فيدعو عليه، فجاء جارهُ، فقال: رُدَّ متاعك، فإني لا أوذيك أبداً". إن أذية الجار تحبط ثواب الأعمال الصالحة 18 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جارهُ، فقال له: اذهب فاصبر، فأتاه مرتين أو ثلاثاً، فقال: اذهب فاطرحْ متاعك في الطريق ففعل، فجعل الناس يمرون ويسألونه، فيخبرهم خبر جارهِ فجعلوا يلعنونهُ فعل الله به وفعل، وبعضهم يدعو عليه، فجاء إليه جارهُ، فقال: ارجع، فإنك لن ترى مني شيئاً تكرههُ" رواه أبو داود، واللفظ له وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. 19 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رجلٌ يا رسول الله: إن فلانة تُكثرُ من صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تُؤذي جيرانها بلسانها. قال: هي في النار. قال: يا رسول الله، فإن فلانة يُذكرُ من قلة صيامها وصلاتها، وأنها تتصدقُ بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها. قال: هي في الجنة" رواه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح أيضاً، ولفظه وهو لفظ بعضهم: "قالوا: يا رسول الله فلانةُ تصومُ النهار، وتقومُ الليل، وتؤذي جيرانها. قال: هي في النار. قالوا: يا رسول الله فلانة تُصلي المكتوبات، وتَصَدَّقُ (¬1) بالأثوار من الأقطِ ولا تؤذي جيرانها. قال: هي في الجنة". [الأثوار] بالمثلثة جمع ثور: وهي قطعة من الأقط. [والأقط] بتفح الهمزة وكسر القاف وبضمها أيضاً وبكسر الهمزة والقاف معاً وبفتحهما: هو شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي. ¬

(¬1) أي تتصدق وتحسن.

حقوق الجار 20 - ورويَ عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أغلق بابهُ دون جارهِ مخافةً على أهلهِ ومالهِ، فليس ذلك بمؤمنٍ، وليس بمؤمنٍ من لم يأمنُ جارهُ بوائقهُ. أتدري ما حقُّ الجار؟ إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك (¬1) أقرضته، وإذا افتقر عُدْتَ عليه، وإذا مرض عُدْتَهُ، وإذا أصابهُ خيرٌ هنأتهُ، وإذا أصابتهُ مصيبةٌ عَزَّيْتَهُ، وإذا مات اتبعتَ جنازتهُ، ولا تستطيلُ بالبنيان فتحجبُ عنه الريحَ إلا بإذنه، ولا تُؤذِهِ بقُتَارِ ريح قِدْرِكَ إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهةً فأهدِ له، فإن لم تفعل فأدخِلها سراً، ولا يخرجْ بها ولدكَ ليغيظَ بها ولدهُ (¬2) " رواه الخرائطي من مكارم الأخلاق. [قال الحافظ]: ولعل قوله أتدري ما حق الجار إلى آخره في كلام الراوي غير مرفوع، لكن قد روى الطبراني عن معاوية بن حيدة قال: "قلتُ: يا رسول الله ما حق الجار عليَّ؟ قال: إن مَرِضَ عُدْتَهُ، وإن مات شَيَّعْتَهُ، وإن استقرضك أقرضتهُ، وإن أعْوَذَ سترتهُ" فذكر الحديث بنحوه. 21 - وروى أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ عن معاذ بن جبل قال: "قلنا: يا رسول الله ما حق الجوار؟ قال: إن استقرضك أقرضتهُ، وإن استعانكَ أعنتهُ، وإن احتاجَ أعطيتهُ وإن مرضَ عُدْتَهُ" فذكر الحديث بنحوه، وزاد في آخره: هل تفقهون ما أقولُ لكم؟ لن يُؤدي حق الجار إلا قليلٌ ممن رحم الله، أو كلمة نحوها. 22 - وروى أبو القاسم الأصبهاني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، قالوا: يا رسول الله وما حق الجار على الجار؟ قال: إن سألك (¬3) فأعطه" فذكر الحديث بنحوه ¬

(¬1) طلب منك شيئاً سلفة. (¬2) الغيظ غضب كامن للعاجز. مكارم أخلاق يتحلى بها الجار لجاره: يعينه ويسلفه، ويساعده إن عجز أو افتقر، ويزوره عند مرضه، ويهنئه عند السرور، ويعزيه في أتراحه ويمشي وراء نعشه ليدفنه، ولا يسد عليه الهواء النقي الجيد، ولا يسلط عليه أبخرة الطعام فيشمها فيتحسر إلا إذا أحسن إليه بجزء منها، ولا يلعب أولاده بفاكهة أمام أولاده فيتألم إلا إذا أعطاه يسيراً منها. (¬3) طلب منك.

لم يذكر فيه الفاكهة، ولا يخفى أن كثرة هذه الطرق تكسبه قوة، والله أعلم. 23 - وعن فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ من الفواقرِ (¬1): إمامٌ (¬2) إن أحسنتَ لم يشكر (¬3) وإن أسأت لم يغفر (¬4) وجارٌ سَوء (¬5) إن رأى خيراً دفنهُ، وإن رأى شراً أذاعهُ (¬6)، وامرأةٌ (¬7) إن حضرت آذتكَ (¬8) وإن غبت عنها خانتك (¬9) " رواه الطبراني بإسناد لا بأس به. 24 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما آمَنَ بي (¬10) من بات شبعاناً وجارهُ جائعٌ إلى جنبه وهو يعلمُ" رواه الطبراني والبزار وإسناده حسن. 25 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن الذي يشبعُ وجارهُ جائعٌ" رواه الطبراني وأبو يعلى ورواته ثقات ورواه الحاكم من حديث عائشة ولفظه: "ليس المؤمن الذي يبيت شبعاناً، وجارهُ جائعٌ إلى جنبه". 26 - ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) الدواهي، جمع فاقرة: عظمة الظهر كأنها تحطم فقار الظهر كما يقال قاصمة الظهر. (¬2) خليفة أو سلطان أو أمير أي: أي حاكم تولى رياسة عمل. (¬3) إن عملت فيه خيراً لم يشكرك على إحسانك لصلفه وقلة أدبه مع الله "لا يشكر الله من لا يشكر الناس". (¬4) وإن حصلت هفوة أو فرطت سقطة يؤاخذ بها وينتقم. (¬5) أي جار جائر إن علم منك فعل خير ستره وأخفى أثره وكتم فضله، لماذا لأنه حسود يتأجج قلبه غيظاً وكمداً. (¬6) نشره وأظهره بين الناس ليعيبك به، لأنه كالذباب يسقط على موائد الفضلات. (¬7) زوجة وحليلة. (¬8) قدمت لك قوارس الكلم وشنعاء الفعل بتبجح وقلة حياء، لأنها سليطة صخابة شتامة فاسقة. (¬9) في نفسها بالزنا، وفي مالك بالإسراف وعدم الرفق، فكل واحدة من هذه الثلاث داهية عظيمة. أهـ جامع صغير ص 172 جـ 2 (¬10) لم يكمل إيمانه بالله تعالى، لأنه تمتع بنعمة الله وبقرب منه أخ يبيت على الطوى ويذوق مرارة الجوع، فأين عاطفة الصدقة وأين الضمير الحي، يحث صلى الله عليه وسلم أصحاب النعم والثروة أن يحسنوا إلى جيرانهم، لأن الله تعالى مخلف، قال تعالى: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين" (39 من سورة سبأ). والنعم عارية والإحسان إلى الجار يقيدها ويزيدها، ومن الإيمان الكامل الإنفاق على الجار المسكين، قال الإمام علي كرم الله وجهه: وحفاظ جار لا تضعه فإنه ... لا يبلغ الشرف الجسيم مضيع

فقال: يا رسول الله اكْسُني، فأعْرَضَ عنهُ، فقال: يا رسول الله اكْسُني. فقال: أما لك جارٌ له فضلُ ثوبين؟ قال: بلى غيرُ واحدٍ. قال: فلا يَجْمَعُ الله بينك وبينه في الجنة" رواه الطبراني في الأوسط. 27 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم من جارٍ مُتعلقٌ بجارهِ يقول: يارب سَلْ هذا لِمَ أغلق عني بابهُ، ومنعني فَضْلَهُ؟ " رواه الأصبهاني. 28 - وعن أبي شريحٍ الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فَلْيُحْسِنُ إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" رواه مسلم. 29 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخرفليقل خيراً أو ليصمتْ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جارهُ" رواه أحمد بإسناد حسن. 30 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يأخذ عني هذه الكلمات فيعملَ بهنَّ أو يُعَلِّمَ من يعملُ بهنَّ؟ فقال أبو هريرة: قلتُ أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فَعَدَّ خمساً فقال: اتَّقِ المحارم (¬1) تكن أعبد الناس، وَارْضَ بما قَسَمَ الله لك تكن أغنى الناس، وأحْسِنْ إلى جاركَ تكن مؤمناً وأحِبَّ للناس ما تُحبُّ لنفسكَ تكن مسلماً، ولا تُكْثِر الضحك فإن كثرة الضحك تُميتُ القلب" رواه الترمذي وغيره من رواية الحسن عن أبي هريرة، وقال الترمذي: الحسن لم يسمع من أبي هريرة، ورواه البزار والبيهقي بنحوه في كتاب الزهد عن مكحول عن واثلة عنه وقد سمع مكحول من واثلة قاله الترمذي وغيره لكن بقيةُ أمضاه، وفيه ضعف. ¬

(¬1) المعاصي: الحرمة: ما لا يحل انتهاكه. وكذا المحرمة بضم الراء وفتحها.

خير الجيران عند الله خيرهم لجاره 31 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الأصحاب (¬1) عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره" رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 32 - وعن مُطرفٍ، يعني ابن عبد الله قال: "كان يَبْلُغُني عن أبي ذر حديثٌ وكنتُ أشتهي لقاءهُ فلقيتهُ فقلتُ يا أبا ذر: كان يَبْلُغُني عنك حديثٌ، وكنتُ أشتهي لقاءك، قال: لله أبوُك قد لقيتني فهاتِ، قلتُ: حديثٌ، بَلَغَني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَدَّثَكَ قال: إن الله عز وجل يُحبُّ ثلاثةً، قال: فما إخَالُنِي أكذبُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقلتُ: فمن هؤلاء الثلاثةُ الذين يحبهم الله عز وجل؟ قال: رجلٌ غزا في سبيل الله صابراً محتسباً، فقاتل حتى قُتِلَ، وأنتم تجدونه عندكم في كتاب الله عز وجل ثم تلا: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً (¬2) كأنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (¬3) " قلتُ: وَمَنْ؟ قال: رجلٌ كان له جارُ سوء يؤذيه، فيصبرُ على أذاهُ حتى يَكْفِيَهُ (¬4) الله إياهُ بِحَياةٍ أوْ مَوْتٍ" فذكر الحديث. رواه أحمد والطبراني واللفظ له وإسناده، وأحد إسنادي أحمد رجالهما محتج بهم في الصحيح، ورواه الحاكم وغيره بنحوه وقال: صحيح على شرط مسلم. 33 - وعن ابن عمر وعائشةَ رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مازال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سَيُورِّثُهُ (¬5) " رواه ¬

(¬1) أفضل الإخوان. (¬2) مصطفين. (¬3) عمل مستحكم، والرص: اتصال بعض البناء بالبعض واستحكامه، هم متراصون فلا توجد فرجة في صفوفهم. (¬4) يحفظه من أذاه ويغنيه عنه بفضله. (¬5) أي يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره، واختلف في المراد بهذا التوريث؛ فقيل يجعل له مشاركة في المال بفرض سهم يعطاه مع الأقارب، وقيل المراد أن ينزل منزلة من يرث بالبر والصلة، والأول أظهر، فإن الثاني استمر والخبر مشعر بأن التوريث لم يقع ويؤيده ما أخرجه البخاري من حديث جابر نحو حديث الباب بلفظ "حتى ظننت أنه يجعل له ميراثاً" وقال ابن أبي جمرة: الميراث على قسمين حسي ومعنوي: فالحسي هو المراد هنا، والمعنوي ميراث العلم، ويمكن أن يلحظ هنا أيضاً، فإن من حق =

البخاري ومسلم والترمذي، ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عائشة وحدها، وابن ماجة أيضاً وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة. ¬

_ = الجار على الجار أن يعلمه ما يحتاج إليه، والله أعلم. واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلدي والنافع والضار والقريب والأجنبي والأجنب وأراد الأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض؛ فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرا إلى الواحد، وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك فيعطى كل حقه بحسب حاله وقد تتعارض صفتان فأكثر فيرجح أو يساوى. وقد حمله عبد الله بن عمرو أحد من روى الحديث على العموم فأمر لما ذبحت له شاة أن يهدى منها لجاره اليهودي أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه، وقد وردت الإشارة إلى ما ذكرته في حديث مرفوع أخرجه الطبراني من حديث جابر رفعه "الجيران ثلاثة جار له حق وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم وله حق الجوار والإسلام والرحم". قال القرطبي: الجار يطلق ويراد به الداخل في الجوار ويطلق ويراد به المجاور في الدار وهو الأغلب، والذي يظهر أن المراد به في الحديث الثاني، لأن الأول كان يرث ويورث. فإن كان هذا الخبر صدر قبل نسخ التوريث بين المتعاقدين فقد كان ثابتاً فكيف يترجى وقوعه، وإن كان بعد النسخ فكيف يظن رجوعه بعد رفعه فتبين أن المراد به المجاور في الدار. وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: حفظ الجار من كمال الإيمان، وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه ويحصل امتثال الوصية به لا بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية والسلام وطلاقة الوجه عند لقائه وتفقد حاله ومعاونته فيما يحتاج إليه إلى غير ذلك وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية، وقد نفى صلى الله عليه وسلم الإيمان عن من لم يأمن جاره بوائقه وقد تقدم. وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار، وأن أضراره من الكبائر قال: ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح وغير الصالح، والذي يشمل الجميع إرادة الخير له وموعظته بالحسنى والدعاء له بالهداية وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل، والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم وغير الصالح كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه ويبين محاسنه والترغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضاً ويستر عليه زلله عن غيره وينهاه برفق، فإن أفاد فيه وإلا فيهجره قاصداً تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسبب فكيف. أهـ ملخصاً ص 340 جـ 10 وأراد البخاري في باب حق الجوار في قرب الأبواب عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال إلى أقربهما منك باباً" قال في الفتح: أي أشدهما قرباً، قيل الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف لها بخلاف الأبعد، وأن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من الملمات ولاسيما في أوقات الغفلة. قال ابن أبي جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب، لأن الهداية في الأصل ليست واجبة فلا يكون الترتيب فيها واجباً. ويؤخذ من الحديث أن الأخذ في العمل بما هو أعلى أولى، وفيه تقديم العلم علىلعمل، واختلف في حق الجوار فجاء عن علي رضي الله عنه: "من سمع الندار فهو جار" وقيل: "من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار" وعن عائشة: "حد الجوار أربعون جاراً من كل جانب" وعن الأوزاعي مثله، وأخرج البخاري في الأدب المفرد مثله عن الحسن. أهـ ص 344 جـ 10 آيات الترغيب في إكرام الجار والترهيب من إيذائه: أولاً: قال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى =

34 - وعن رجلٍ من الأنصار قال: "خرجت مع أهلي أريدُ النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا به قائمٌ، وإذا رجلٌ مُقبلٌ عليه، فظننتُ أن له حاجةً، فجلستُ فوالله لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلتُ أرْثى (¬1) له من طول القيام، ثم انصرف، فقمتُ إليه، فقلتُ: يا رسول الله لقد قام بك هذا الرجلُ حتى جعلتُ أرْثِي لك من طول القيام. قال: أتدري من هذا؟ قلتُ: لا. قال: جبريل صلى الله عليه وسلم، مازال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، أما إنك لو سَلَّمْتَ عليهِ لردَّ عليك السلام" رواه أحمد بإسناد جيد، ورواته رواة الصحيح. 35 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ناقته الجَدْعَاء (¬2) في حجةِ (¬3) الوداع يقول: أوصيكم بالجار حتى أكثر، فقلتُ: إنه يُوَرِّثُهُ" رواه الطبراني بإسناد جيد. 36 - وعن مجاهد أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "ذُبِحَتْ له شاةٌ في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي، أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُوَرِّثُهُ" رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب. [قال الحافظ]: وقد روى هذا المتن من طرق كثيرة، وعن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم. ¬

= والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً" (36 من النساء). ثانياً: وقال تعالى: "والذي يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً" (58 من سورة الأحزاب). والجار القريب: من بينك وبينه قرابة. والجار الجنب بخلافه، وهذا قول الأكثر، وقيل الجار القريب المسلم والجار الجنب غيره، وقيل الجار القريب المرأة، والجنب الرفيق في السفر. أهـ ص 340 جـ 10. (¬1) أترحم وأرق وأعطف عليه، من رثيت الميت ورثيت له: ترحمت ورققت له. (¬2) المقطوعة أذنها، من جدعت الشاة: قطعت أذنها فهي جدعاء. (¬3) آخر حجة للنبي صلى الله عليه وسلم، وبعدها التحق بالرفيق الأعلى.

الترغيب في زيارة الإخوان والصالحين وما جاء في إكرام الزائرين

37 - وعن نافع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سعادة المرء الجارُ الصالح، والمركبُ الهنيء (¬1)، والمسكن الواسعُ" رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح. 38 - وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكنُ الواسعُ، والجارُ الصالحُ، والمركبُ الهنيء، وأربعٌ من الشقاء: الجارُ السوء، والمرأةُ السوء (¬2)، والمركبُ السوء (¬3)، والمسكن الضيق" رواه ابن حبان في صحيحه. 39 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل لَيَدْفَعُ بالمسلمِ الصالح عن مائة أهل بيتٍ من جيرانه البلاء، ثم قرأ: "وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ (¬4) " رواه الطبراني في الكبير والأوسط. الترغيب في زيارة الإخوان والصالحين وما جاء في إكرام الزائرين 1 - عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رجلاً زار أخاً له في قريةٍ، فأرْصَدَ (¬5) الله تعالى على مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً، فلما أتى عليه قال: أين تُريدُ؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمةٍ تَرُبُّهَا؟ قال: ¬

(¬1) الذي يجلب الهناءة والسرور ويكون ذلولاً سهلاً مطواعاً، هنأه الطعام فهو هنيء تهنأ به، أي بلا تعب. (¬2) الشتامة السليطة قلية الأدب. (¬3) غير ذلول، بل شموس تجمح وتنفر وتشذ وتعض. (¬4) ولكن الله ذو فضل على العالمين. قال البيضاوي: ولولا أنه سبحانه وتعالى يدفع بعض الناس ببعض وينصر المسلمين على الكفار ويكف بهم فسادهم لغلبوا وأفسدوا في الأرض أو لفسدت الأرض بشؤمهم. يخبر صلى الله عليه وسلم عن فائدة جوار الصالح يكرم الله جيرانه ويمدهم بصنوف النعم ويغدق عليهم خيراته ويكف عنهم الأضرار تفضلاً ويمنع عنهم الصواعق ويزيل عنهم المصائب ويفرج عنهم الكروب قال تعالى: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا" (28 من سورة الكهف). (¬5) أقعده يرقبه.

لا، غير أني أحببتهُ في الله. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك (¬1) كما أحببتهُ فيه" رواه مسلم. [المدرجة] بفتح الميم والراء: الطريق. [وقوله: تَرُبُّهَا]: أي تقوم بها، وتسعى في صلاحها. 2 - وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عادَ (¬2) مريضاً، أو زار أخاً له في الله ناداهُ مُنادٍ بأن طِبْتَ (¬3)، وطَابَ مَمْشاكَ (¬4)، وَتَبَوَّأتَ (¬5) من الجنة منزلاً" رواه ابن ماجة والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن، وابن حبان في صحيحه، كلهم من طريق أبي سنان عن عثمان بن أبي سودة عنه. 3 - وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ما من عبدٍ أتى أخاهُ يزورهُ في الله (¬6) إلا ناداهُ ملكٌ من السماء أن طِبْتَ وطابتْ لك الجنةُ، وإلا قال الله في ملكوتِ عرشه: عبدي زار فِيَّ، وَعَليَّ قِرَاهُ (¬7) فلم يرضَ له بثوابٍ دون الجنة" الحديث رواه البزار وأبو يعلى بإسناد جيد. 4 - وعن أنسٍ أيضاً رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: النبي في الجنة، والصِّدِّيقُ في الجنة، والرجلُ يزورُ أخاهُ في ناحية المِصْرِ (¬8) لا يزوروه إلا لله في الجنة" الحديث رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وتقدم بتمامه في حق الزوجين. 5 - ورويَ عن أبي رُزَيْنٍ العُقَيْلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا رزين إن المسلم إذا زار أخاهُ المسلم شَيَّعَهُ (¬9) سبعون ألف ملكٍ ¬

(¬1) رحمك ورضى عنك وأراد لك الخير، وفيه فضيلة: زيارة الصالحين والأصحاب وأن الآدميين يرون الملائكة. أهـ نووي، مختار الإمام مسلم ص 436 جـ 2. (¬2) زاره. (¬3) فعلت طيباً حسناً. (¬4) خطواتك كثيرة الحسنات، من طاب الشيء إذا كان لذيذاً أو حلالاً، فهو طيب، وطابت نفسه تطيب: انشرحت وانبسطت، والطيبات من الكلام أفضله، وطوبى حسنى. (¬5) استقررت ونزلت. (¬6) ابتغاء ثواب الله مودة ومحبة. (¬7) إكرامه والإحسان إليه. (¬8) المدينة: أي في جهة نائية قاصية. (¬9) مشى معه واحتفل به.

يُصَلُّونَ (¬1) عليه يقولون: اللهم كما وَصَلَهُ فيكَ فَصِلْهُ (¬2) " روه الطبراني في الأوسط. 6 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تبارك وتعالى: وجبت (¬3) محبتي للمتحابين فِيَّ، وللمُتَجالسينَ فِيَّ، وللمُتزاورينَ فِيَّ، وللمُتباذلينَ فِيَّ" رواه مالك بإسناد صحيح، وفيه قصة أبي إدريس، وسيأتي بتمامه في الحب لله مع حديث عمرو بن عبسة. 7 - ورويَ عن بُريدةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غُرَفاً تُرَى ظواهرها من بواطنها، وبواطنها من ظواهرها أعدها الله للمتحابين فيه والمتزاورين فيه والمتباذلين فيه" رواه الطبراني في الأوسط. 8 - وعن عونٍ قال: "قال عبد الله، يعني ابن مسعودٍ رضي عنه لأصحابه حين قدموا عليه: هل تجالسون؟ قالوا: لا نترُكَ ذاك. قال: فهلْ تزاورون؟ قالوا: نعم يا أبا عبد الرحمن إن الرجلَ منا ليفقدُ أخاهُ، فيمشي على رجليهِ إلى آخر الكوفةِ حتى يلقاهُ. قال: إنكم لن تزالوا بخيرٍ ما فعلتم ذلك" رواه الطبراني وهو منقطع. 9 - ورويَ عن زُرِّ بن حُبَيْشٍ قال: "أتينا صفوان بن عَسَّالٍ المُراديَّ فقال: أزائرين؟ قلنا: نعم، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من زار أخاه المؤمن خَاضَ (¬4) في الرحمةِ حتى يرجعَ، ومن عاد أخاهُ المؤمن خَاضَ في رياضِ الجنةِ حتى يَرْجِعَ" رواه الطبراني في الكبير. 10 - وعن جُبيرِ بن مُطعمٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انطلقوا بنا إلى بني واقفٍ نَزُورُ البصير، رجلٌ كان مكفوفَ البصر" رواه البزار بإسناد جيد. 11 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) يدعون له بالرحمة. (¬2) ارض عنه. وقدم له صنوف البر. (¬3) حقت أي أدركها المتوادون الذين يتعاونون في الله. (¬4) غمر، والمعنى شمله رضوان الله وإحسانه.

زُرْ غِباًّ (¬1) تَزْدَدْ حُباً" رواه الطبراني، ورواه البزار من حديث أبي هريرة، ثم قال: لا يعلم فيه حديث صحيح. ¬

(¬1) قليلاً مرة بعد مرة، يقال غبت عليه تغب غباً إذا أتت يوماً بعد يوم؛ والمعنى أقلل من زيارتك ما استطعت ليكمل سرورك وتدوم محبتك. صحبة الأخيار سعادة دائمة في الدنيا والآخرة: (أ) قال تعالى: "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" (67 من سورة الزخرف). قال البيضاوي: فإن خلتهم لما كانت في الله تبقى نافعة أبد الآباد. أهـ. (ب) وقال تعالى: "ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسناً إن الله غفور شكور" (22 - 23 من سورة الشورى). (مشفقين): خائفين من السيئات (روضات): أطيب بقاعها وأنزهها لهم ما يشتهونه (في القربى): أن تودوني لقرابتي منكم أو تودوا قرابتي، وقيل الاستثناء منقطع، والمعنى لا أسألكم أجراً قط ولكني أسألكم المودة في القربى أو في حق القرابة كما جاء في الحديث "الحب في الله والبغض في الله" روى أنها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم علينا. قال: علي وفاطمة وأبناءهما. وقيل القربى التقرب إلى الله أي إلا أن تودوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح. أهـ بيضاوي. اللهم إني أحب الحسن والحسين رضي الله عنهما فاقبل حبي لهما وشرحي لحديث جدهما صلى الله عليه وسلم. وفي تفسير الصاوي العبرة بعموم اللفظ، لأن رحم النبي رحم لكل مؤمن، لقوله تعالى: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم" (من سورة الأحزاب). فمحبة أهل البيت فيها السعادة والسيادة دنيا وأخرى، والمرء يحشر مع من أحب. أهـ. (جـ) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق" (من سورة الممتحنة). ففيه النهي عن مصاحبة الكفار ومخادنة الفساق ومصاحبة الفجار، وإن كانت نزلت في حاطب بن أبي بلتعة الذي كتب إلىهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم وأرسل كتابه مع سارة مولاة بني المطلب فنزل جبريل فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وعماراً وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرثد، وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب حاطب إلى أهل مكة فخذوه منها وخلوها، فإن أبت فاضربوا عنقها فأدركوها ثمة فجحدت فهموا بالرجوع فسل علي رضي الله عنه السيف فأخرجته من عقاصها فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً وقال ما حملك عليه؟ فقال: يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك، ولكني كنت أمرأ ملصقاً في قريش، وليس لي فيهم من يحمي أهلي فأردت أن آخذ عندهم يداً، وقد علمت أن كتابي لا يغني عنهم شيئاً فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره. أهـ. بيضاوي. (د) وقال تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير" (28 من سورة آل عمران). نهوا عن موالاتهم لقرابة وصداقة جاهلية ونحوهما حتى لا يكون حبهم وبغضهم إلا في الله. أهـ بيضاوي. =

[قال الحافظ]: وهذا الحديث قد روي عن جماعة من الصحابة، وقد اعتنى غير واحد من الحفاظ بجميع طرقه، والكلام عليها، ولم أقف له على طريق صحيح كما قال البزار بل له أسانيد حسان عند الطبراني وغيره، وقد ذكرت كثيراً منها في غير هذا الكتاب، والله أعلم. 12 - وروى ابن حبان في صحيحه عن عطاء قال: "دخلت أنا، وعُبيدُ بن عُميرٍ على عائشة رضي الله عنها، فقالت لِعُبيد بن عُميرٍ: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقولُ يا أُمّهْ كما قال الأوَّلُ: زُرْ غِباًّ تَزْدَدْ حُباً. قال: فقالت دعونا من بطالتكم هذه. قال ابن عُمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيتهِ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث في نزول (إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ) ". 13 - وعن أم سلمةرضي الله عنها قالت: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصلحي لنا لمجلس، فإنه ينزلُ ملكٌ إلى الأرضِ لم ينزلْ إليها قطُّ" رواه أحمد، ورواته ثقات إلا أن التابعي لم يسمّ. 14 - وعن أم بُجَيْدٍ رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا في بني عمرو بن عوفٍ، فأتخذُ له سَويقاً في قَعْبَةٍ، فإذا جاء سَقَيْتُهَا إياهُ" رواه أحمد ورواته ثقات سوى ابن إسحاق. [أم بجيد]: بضم الباء الموحدة وفتح الجيم، واسمها حواء بنت يزيد الأنصارية. 15 - وعن إبراهيم بن نَشِيطٍ "أنه دخل على عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ الزبيدي رضي الله عنه، فَرَمىَ إليه بوسادةٍ كانت تحتهُ، وقال: مَنْ لم يُكرم جليسهُ فليس مِنْ أحمد، ولا من إبراهيم عليهما الصلاة والسلام" رواه الطبراني موقوفاً، ورواته ثقات. ¬

_ = ويؤخذ من الآية محبة الصالحين وزيارتهم والتعاون معهم على إنجاز الأعمال ونبذ صحبة الأشرار والعصاة كما قال تعالى: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا" الآية من سورة المائدة.

الترغيب في الضيافة وإكرام الضيف وتأكيد حقه، وترهيب الضيف أن يقيم حتى يؤثم أهل المنزل

الترغيب في الضيافة وإكرام الضيف، وتأكيد حقه وترهيب الضيف أن يقيم حتى يؤثم أهل المنزل 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه (¬1)، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمهُ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" رواه البخاري ومسلم. 2 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنها قال: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألم أُخْبَرْ أنك تقومُ الليل، وتصومُ النهار؟ قلتُ بلى، قال فلا تفعل، قُمْ وَنَمْ وأفْطِرْ، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينكَ عليك حقاً، وإن لِزَوْرِكَ عليك حقاً، وإن لزوجكَ عليك حقاً" الحديث رواه البخاري واللفظ له، ومسلم وغيرهما. [وقوله: وإن لزورك عليك حقاً]: أي وإن لزوَّارك وأضيافك عليك حقاً، يقال للزائر: زور بفتح الزاي سواء فيه الواحد والجمع. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مَجْهُودٌ، فأرْسَلَ إلى بعض نسائهِ، فقالت: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسلَ إلى أخرى فقالت مثل ذلك حتى قُلنَ كُلهنَّ مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال: من يُضِيفُ هذا الليلةَ رحمه الله، فقام رجلٌ من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رَحْلِهِ فقال لامرأتهِ: هل عندك شيء؟ ¬

(¬1) فليقدم له واجبه من صنوف ما عنده من النعم، لأن الإيمان بالله يدعوه إلى الجود والسخاء والبذل معتقداً أن الله مخلف قال تعالى: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين" (39 من سورة سبأ). وسيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، قال الله تعالى: "ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة" (من سورة هود).

قالت: لا. إلا قوت صبياني قال: فَعَلِّلِيهمْ (¬1) بشيء، فإذا أرادوا العشاء فَنَوِّمِيهِمْ، فإذا دخل ضيفنا فاطفئي السراج، وأريه أنَّا نأكُلُ (¬2) ". وفي رواية: فإذا أهوى ليأكلَ، فقومي إلى السراج حتى تُطفئيه. قال: فقعدوا وأكل الضيف، وباتا طاويين (¬3)، فلما أصبحَ (¬4) غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد عَجِبَ (¬5) الله من صنيعكما بضيفكما. زاد في رواية فنزلت هذه الآية: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنْفُسِهِمْ وَلوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (¬6) " رواه مسلم وغيره. 4 - وعن أبي شُريحٍ خُويلد بن عمروٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) اذكري لهم شيئاً يتطلعون إليه كما قال الشاعر: أعلل النفس بالآمال أرقبها ... ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل وفي المصباح عللته عللا: سقيته السقية الثانية. (¬2) ليطمئن فيقبل على الأكل بدون انتظار. (¬3) جائعين أي استمرا طيلة الليل بطناهما خاليان من الطعام، يقال طوى من الجوع فهو طاو: خالي البطن جائع لم يأكل ومنه يطوي بطنه عن جاره: أي يجيع نفسه ويؤثر جاره بطعام. أهـ نهاية. (¬4) بكرا ذاهبين. (¬5) أي عظم ذلك وكبر لديه. أعلم الله أنه إنما يتعجب الآدمي من الشيء إذا عظم موقعه عنده وخفي عليه سببه فأخبرهم بما يعرفون ليعلموا موقع هذه الأشياء عنده، وقيل معنى عجب ربك: أي رضي وأثاب، فسماه عجباً مجازاً، وليس بعجب في الحقيقة، والأول الوجه. أهـ نهاية. (¬6) يقدمون ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنفسهم وأولادهم، وقد رأيتهم يبكون جوعاً "فعلليهم" "خصاصة" حاجة. رجل مجهود: أي أصابه الفقر والتعب، من جهد الرجل في الشيء: جد فيه وبالغ واستفرغ ما في وسعه وطاقته من قول أو فعل، ومنه جهاد، يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحسان فلم يجد عند أزواجه إلا الماء، نهاية الزهد والرغبة عن عرض الدنيا. ثم يعرض صلى الله عليه وسلم ضيفه على أصحابه فيكرمه ذلك الأنصاري ويجود بما عنده فأصبحت سيرته ذكية طاهرة نقية قرآناً يتلى: فأين نحن الآن سنة 1374 هـ من هذا الكرم الذي فاز به الضيف وحده وأهل البيت ظلوا في جوع ابتغاء ثواب الله جل وعلا: يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود وفي تفسير الشيخ الصاوي: وهذا الوصف لا يخص الأنصار فقد روي عن ابن عمر أنه قال: "أهدى لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شاة فقال إن أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا منا فبعثه إليهم فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها سبعة أبيات، ثم عادت إلى الأول فنزلت هذه الآية"، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة، ثم قال للغلام اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم امكث عنده في البيت حتى تنظر ما يصنع بها فذهب بها الغلام إليه، وقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجاتك فقال وصله الله ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان حتى فقدها، وأيضاً قد ربط مثلها لمعاذ بن جبل فعمل كما عمل سيدنا أبو عبيدة. أهـ.

قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، جائزتهُ يومٌ وليلةٌ، والضيافةُ ثلاثةُ أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقةٌ (¬1)، ولا يحلُّ لهُ أن يَثْوِيَ عنده حتى يُحْرِجَهُ" رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. قال الترمذي: ومعنى لا يثوي: لا يقيم حتى يشتد على صاحب المنزل، والحرج: الضيق. انتهى. [وقال الخطابي]: معناه لا يحل للضيف أن يقيم عنده بعد ثلاثة أيام من غير استدعاء منه حتى يضيق صدره، فيبطل أجره. انتهى. [قال الحافظ]: وللعلماء في هذا الحديث تأويلان: أحدهما أنه يعطيه ما يجوز به ويكفيه في يوم وليلة إذا اجتاز به، وثلاثة أيام إذا قصده، والثاني يعطيه ما يكفيه يوماً وليلة يستقبلهما بعد ضيافته. 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "للضيفِ على من نزل به من الحق ثلاثٌ، فما زاد فهو صدقةٌ، وعلى الضيف أن يرتحل (¬2) لا يُؤثِّمُ (¬3) أهْلَ المنزل" رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، ورواته ثقات سوى ليث بن أبي سليم. ¬

(¬1) قال ابن بطال: سئل عنه مالك فقال يكرمه ويتحفه يوماً وليلة وثلاثة أيام ضيافة. وقال أبو عبيد: يتكلف له في اليوم الأول بالبر والإلطاف، وفي الثاني والثالث يقدم له ما حضره ولا يزيده على عادته، ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة، وتسمى الجيزة، وهي قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل، ومنه الحديث الآخر "أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم" وقال الخطابي: معناه إذا نزل به الضيف أن يتحفه ويزيده في البر على ما بحضرته يوماً وليلة، وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما يحضره، فإذا مضى الثلاث فقد قضى حقه فما زاد عليه مما يقدمه له يكون صدقة. أهـ فتح ص 406 جـ 10 واستدل بجعل ما زاد على الثلاث صدقة على أن الذي قبلها واجب، واستدل ابن بطال لعدم الوجوب بقوله جائزته قال الجائزة تفضل وإحسان ليست واجبة، وقيل جائزته: أي يعطيه ما يغنيه عن غيره، قال صلى الله عليه وسلم للعباس "ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أجيزك" والله أعلم. (¬2) يذهب إلى جهة ثانية. (¬3) لا يحمل أهل المنزل ذنوباً فربما قصروا في واجبه أو اغتابوه أو أظهروا له النفور من أعماله أو كلفهم فوق طاقتهم فغضبوا، وهكذا من الخواطر النفسانية التي يحركها الشيطان.

الضيافة ثلاثة أيام حق لازم 6 - وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما ضيفٍ نزلَ بقومٍ، فأصبحَ الضيفُ محروماً، فله أن يأخذ بقدر قِرَاهُ (¬1)، ولا حرج (¬2) عليه" رواه أحمد، ورواته ثقات والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 7 - وعن أبي كريمة وهو المقدام بن معد يكربَ الكَنْدِي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة الضيف حقٌ (¬3) على كل مسلمٍ، فمن أصبح بفنائه، فهو عليه دينٌ إن شاء قضى، وإن شاء ترك" رواه أبو داود وابن ماجة. 8 - وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجلٍ أضاف قوماً، فأصبحَ الضيف محروماً، فإن نصرهُ حقٌ على كل مسلمٍ حتى يأخذَ بِقِرَى ليلته من زرعه وماله" رواه أبو داود والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 9 - وعن التلب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الضيافةُ ثلاثةُ أيامٍ حقٌ لازمٌ، فما كان بعد ذلك فصدقةٌ" رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد فيه نظر. 10 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفهُ، قالها ثلاثاً. قال رجلٌ: وما كَرَامَةُ الضيف يا رسول الله؟ قال: ثلاثة أيام، فما زاد بعد ذلك فهو صدقةٌ" رواه أحمد مطولاً ومختصراً بأسانيد أحدها صحيح والبزار وأبو يعلى. 11 - وعن عبد الله، يعني ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الضيافةُ ثلاثةُ أيامٍ، فما زاد فهو صدقةٌ، وكلُ معروفٍ صدقةٌ" رواه البزار ورواته ثقات. 12 - ورويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ما يقدم للضيف. 179 - 2 ع (¬2) ولا ذنب عليه أن يطلب بإلحاح طعاماً أو شراباً كما قال صلى الله عليه وسلم "فخذوا منهم حق الضيف". (¬3) واجب إكرام الضيف مدة ليلة وبعد إصباحه صاحب المنزل زال عنه واجب الضيف.

: "من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وَقَرَى الضيف (¬1) دخل الجنة" رواه الطبراني في الكبير. 13 - ورويَ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الملائكة تُصلي (¬2) على أحدكم مادامت مائدتهُ (¬3) موضوعةً" رواه الأصبهاني. 14 - ورويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخيرُ أسرعُ (¬4) إلى البيت الذي يؤكلُ فيه من الشَّفْرَةِ (¬5) إلى سنام البعير" رواه ابن ماجة واروه ابن أبي الدنيا من حديث أنس وغيره. [قال الحافظ]: وتقدم بباب في إطعام الطعام، وفيه غير ما حديث يليق بهذا الباب لم نعد منها شيئاً. 15 - وعن شهاب بن عبادٍ أنه سمع بعض وفد عبد القيس وهم يقولون: "قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتد فرحهم، فلما انتهينا إلى القومِ أوسعوا لنا، فقعدنا، فَرَحَّبَ بنا النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا لنا، ثم نظر إلينا، فقال مَنْ سَيِّدُكُمْ وزعيمكم؟ فأشرنا جميعاً إلى المنذر بن عائذٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهذا الأشَجُّ؟ فكان أول يومٍ وُضِعَ عليه الاسمُ لِضَرْبَةٍ كانت بوجهه بحافر حمارٍ قلنا: نعم يا رسول الله، فتخلف بعد القومِ، فَعَقَلَ رواحلهم، وَضَمَّ مَتاعهم، ثم أخرجَ عَيْبَتَهُ، فألقى عنه ثياب السفر، ولبس من صالح ثيابه، ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بسط النبي صلى الله عليه وسلم رِجْلَهُ واتكأ، فلما دنا منه الأشج أوسعَ ¬

(¬1) أكرمه، فجعل صلى الله عليه وسلم إكرام الضيف الدرجة الرابعة التي تسبب النعيم. (¬2) تدعو له بالمغفرة. (¬3) مدة وجود طعام له مقدم للضيف، والمائدة الخوان إذا كان عليه الطعام، من ماد لاماء يميد إذا تحرك أو من ماده إذا أعطاه كأنها تميد من تقدم إليها، ونظيرها قولهم شجرة مطعمة. أهـ بيضاوي. عند قوله تعالى: "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء" (من سورة المائدة) (¬4) كذا (د وع ص 180 - 2)، وفي (ن ط): سرع: أي كثير الإقبال والزيادة في النعم. (¬5) المدية؛ والمعنى أن الله تعالى يسوق النعم بكثرة للبيت الذي فيه الجود وإكرام الضيف، ويرى ذلك ممثلاً محسماً بسرعة كسرعة تأثير السكين في سنام الجمل؛ ففيه الترغيب في إطعام الطعام وأن الله مخلف. لقد كنا ذلك فوفر محصول الرزاعة بنحو 500 جنيه فرضي الله عن أعمامي ووفقنا لنعمل مثلهم.

القوم له، وقالوا هاهنا يا أشجُّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، واستوى قاعداً، وقبض رجلهُ: هاهنا يا أشجُّ، فقعد عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرحب به وألطفهُ، وسأله عن بلادهم، وسَمَّى (¬1) لهم قريةً قريةَ الصفا والمُشَقَّرَ، وغير ذلك من قرى هجرٍ، فقال بأبي وأمي يا رسول الله، لأنت أعلم بأسماء قُرَانا منا، فقال: إني وطئت بلادكم، وَفُسِحَ (¬2) لي فيها. قال: ثم أقبل على الأنصار، فقال: يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم، فإنهم أشباهكم في الإسلام أشبهُ شيء بكم أشعاراً (¬3) وأبشاراً. أسلموا طائعين غير مكرهين، ولا مَوْتُورِينَ (¬4) إذ أبَى قومٌ أن يُسلموا حتى قُتلوا: قال: فلما أصبحوا قال: كيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم، وضيافتهم إياكم. قالوا: خيرُ إخوانٍ ألاَنُوا (¬5) فُرُشَنَا، وأطابوا (¬6) مطعمنا، وباتوا وأصبحوا يُعَلِّمُونَا كتاب ربنا (¬7) تبارك وتعالى، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فأُعجب النبي صلى الله عليه وسلم وَفَرِحَ" وهذا الحديث بطوله رواه أحمد بإسناد صحيح. [العيبة] بفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة تحت بعدها باء موحدة: هي ما يجعل المسافر فيه الثياب 16 - وعن حُميدٍ الطويل عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "دخل عليه قومٌ يَعُودُونَهُ (¬8) في مرضٍ له، فقال: يا جارية هلمي لأصحابنا ولو كِسَراً (¬9)، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مكارمُ الأخلاق (¬10) من أعمال الجنة" رواه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد. ¬

(¬1) وسمى كذا (د وع ص 180 - 2)، وفي (ن ط): وأسمى. (¬2) وفسح لي فيها كذا (ع)، وفي (ن ط): وفتح: أي أوسع. (¬3) أي يساوونكم في لون الشعر والبشر. (¬4) منقوصين حقاً: أي ليس لهم ثأر وترة يريدون إيفاءه. (¬5) قدموا لنا فراشاً ليناً. (¬6) جعلوه طيباً حسناً جميلاً. (¬7) كتاب ربنا كذا (ط وع ص 181 - 2)، وفي (ن د): كتاب الله. (¬8) يزورونه. (¬9) شيئاً قليلاً من الخبز. (¬10) الجود: البشاشة وتقديم ما يمكن تقديمه من المودة والمحبة والقرى، وهكذا من صنوف الإجلال التي تجلب رضا الله وتوصل إلى نعيم الجنة

الترهيب أن يحتقر المرء ما قدم إليه أو يحتقر ما عنده أن يقدمه للضيف

17 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا خيرَ فيمن لا يُضَيِّفُ (¬1) " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا ابن لهيعة. الترهيب أن يحتقر المرء ما قدم إليه أو يحتقر ما عنده أن يقدمه للضيف 1 - عن عبد الله بن عميرةَ قال: "دخل على جابرٍ رضي الله عنه نفرٌ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَدَّمَ إليهم خُبزاً وَخَلاً، فقال: كلوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نِعْمَ الإدامُ الخلُّ. إنه هلاكٌ بالرجلِ أن يدخلَ إليه النفرُ من إخوانه (¬2)، فيحتقرَ ما في بيته أن يُقدمهُ إليهم، وهلاكٌ بالقومِ أن يحتقروا ما قُدِّم إليهم" رواه أحمد والطبراني وأبو يعلى إلا أنه قال: "وكفى بالمرء شراً أن يحتقر ما قُرِّبَ إليه"، وبعض أسانيدهم حسن، وَنِعْمَ الإدَامُ الخلُّ. في الصحيح، ولعل قوله: إنه هلاكٌ بالرجل إلى آخره من كلام جابر مدرج غير مرفوع، والله أعلم. الترغيب في الزرع وغرس الأشجار المثمرة 1 - عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ¬

(¬1) لا تزوره الضيوف، ذلك البخيل الذي يمنع ما له أن ينفق في الخير، وذلك الشحيح المتصف بالشح، وهي صفة راسخة يصعب عمل معروف أو أي خلة من مكارم الأخلاق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً" وقال ابن عمر: ليس الشح أن يمنع الرجل ماله إنما الشح أن تطمح عين الرجل فيما ليس له، وقال بعضهم: من لم يأخذ شيئاً نهاه الله عن أخذه ولم يمنع شيئاً أمر الله بإعطائه فقد وقاه الله شح نفسه، قال تعالى: "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" (9 من سورة الحشر). فالنبي صلى الله عليه وسلم نفى الخيرية من ذلك الصخر الجلمود الذي لا يطرق منزله ضيف ألبتة. (¬2) يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرضى الضيف بما قدم له ولا يزدري نعمة الله، وكذلك صاحب المنزل على شريطة أن يجود بما عنده، أما إذا كان في طاقته أن يعمل أكثر من هذا فواجب عليه الإنفاق، وإلا فقد قصر في واجب الضيافة كما قال تعالى: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" من سورة البقرة. فالله تعالى يحاسب أصحاب النعم ويكلفهم حسب طاقتهم "لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها" من سورة الطلاق، الفقير ويبذل ما عنده ويحمد الله تعالى على ما أعطي، ولا يذم شيئاً.

مسلمٍ يغرسُ غرساً إلا كان ما أكِلَ منه له صدقةٌ، وما سُرِقَ منه له صدقةٌ، ولا يَرْزَؤه أحدٌ إلا كان له صدقةٌ إلى يوم القيامة". 2 - وفي رواية: "فلا يغرس المسلم غرساً فيأكل منه إنسانٌ، ولا دابةٌ، ولا طيرٌ إلا كان له صدقةٌ إلى يوم القيامة". 3 - وفي رواية له: "لا يغرسُ مسلمٌ غرساً، ولا يزرعُ زرعاً، فيأكل منه إنسانٌ ولا دابةٌ، ولا شيء إلا كانت له صدقةٌ" رواه مسلم. [يرْزَؤُه] بسكون الراء وفتح الزاي بعدهما همزة، معناه: يصيب منه وينقصه. 4 - وعن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلمٍ (¬1) يغرسُ (¬2) غرساً، أو يزرعُ (¬3) زرعاً، فيأكلُ منه طيرٌ، أو إنسانٌ إلا كان له به صدقةٌ (¬4) " رواه البخاري ومسلم والترمذي. 5 - وعن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) أي كل مسلم، قال في الفتح: أخرج الكافر لأنه رتب على ذلك كون ما أكل منه يكون له صدقة، والمراد بالصدقة الثواب في الآخرة، وذلك يختص بالمسلم، نعم ما أكل من زرع الكافر يثاب عليه في الدنيا كما ثبت من حديث أنس عند مسلم. وأما من قال إنه يخفف عنه بذلك من عذاب الآخرة فيحتاج إلى دليل، ولا يبعد أن يقع ذلك لمن لم يرزق في الدنيا وفقد العافية. أهـ ص 2 جـ 5 (¬2) يضع بذر الشجر. (¬3) يضع بذر النبات كما في الفتح، وأو للتنويع. لأن الزرع غير الغرس، وفي الحديث "فضل الغرس والزرع والحض على عمارة الأرض" ويستنبط منه اتخاذ الضيعة والقيام عليها. أهـ. (¬4) أجر، ويستمر ثواب ذلك مادام الغرس أو الزرع مأكولاً منه، ولو مات زارعه أو غارسه، ولو انتقل ملكه إلى غيره، وفي شرح العيني: فيه فضل الغرس والزرع، واستدل على أن الزراعة أفضل المكاسب. وقال النووي: أفضلها الزراعة، وقيل أفضلها الكسب باليد وهي الصنعة، وقيل أفضلها التجارة، وفيه حصول الأجر للغارس والزارع وإن لم يقصدا ذلك حتى لو غرس وباعه أو زرع وباعه كان له بذلك صدقة لتوسعته على الناس في أقواتهم كما ورد الأجر للجالب وإن كان يفعله للتجارة والاكتساب، وزاد النووي أن ما يولد من الغراس والزرع كذلك، وفيه أن الغرس والزرع واتخاذ الصنائع مباح، وقد فعله كثير من الصحابة رضي الله عنهم، وفيه جواز نسبة الزرع إلى الآدمي. وقال الطيبي: نكر مسلماً فأوقعه في سياق النفي وزاد من الاستغراقية وعم الحيوان ليدل على سبيل الكناية على أن أي مسلم كان حراً أو عبداً مطيعاً أو عاصياً يعمل أي عمل من المباح ينتفع بما عمله أي حيوان كان يرجع نفعه إليه ويثاب عليه. أهـ. ص 156 جـ 12

"مَنْ بَنَى بُنياناً في غير ظُلْمٍ (¬1) ولا اعتداءٍ (¬2)، أو غرس غرساً في غير ظُلمٍ، ولا اعتداءٍ كان له أجر جارياً ما انتفعَ (¬3) به من خلق الرحمنُ تبارك وتعالى" رواه أحمد من طريق زبان. 6 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغرسُ مسلمٌ غرساً ولا يزرعُ زرعاً، فيأكلُ منه إنسانٌ ولا طائرٌ ولا شيء إلا كان له أجرٌ" رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. 7 - وعن خَلاَّد بن السائب عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زرع زرعاً فأكلَ منه الطيرُ أو العافيةُ (¬4) كان له صدقةٌ" رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن. 8 - وعن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ بأذُنَيَّ هاتينِ: من نصب (¬5) شجرةً، فصبرَ على حفظها، والقيام عليها حتى تثمرَ كان له في كل شيء يُصابُ من ثمرها صدقةٌ (¬6) عند الله عز وجل" رواه أحمد، وفيه قصة، وإسناده لا بأس به. 9 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: "أن رجلاً مَرَّ به، وهو يغرسُ غرساً بدمشق. فقال له: أتفعلُ هذا، وأنت صاحب (¬7) رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ¬

(¬1) لم يغتصب أرضه ولم يأخذ حق غيره. (¬2) أي نهب وسرقة وقوة بلا حق. (¬3) مدة انتفاع المخلوقين استظلالاً أو مأوى يدوم ثوابه. (¬4) كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر، وجمعها العوافي، وقد تقع العافية على الجماعة. أهـ نهاية. (¬5) غرسها وتعهد بحفظها. (¬6) أجر دائم الاتصال يدرك نعيمه في الآخرة جزاء فعله. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معمر يرغب في غرس الشجر مثل قادة الثورة الآن سنة 1955 م حذروا حذو الرسول عليه الصلاة وأزكى السلام. (¬7) ظنوا أن هذا العمل ركون إلى الدنيا كما روى الترمذي عن ابن مسعود مرفوعاً قوله صلى الله عليه وسلم "لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا" وقال حديث حسن، ورواه ابن حبان أيضاً في صحيحه، قال في العيني: وأجيب بأن النهي محمول على الاستكثار من الضياع والانصراف إليها بالقلب الذي يفضي بصاحبه إلى الركون إلى الدنيا. وأما إذا اتخذها غير مستكثر وقلل منها وكانت لها كفافاً وعفافاً فهي مباحة غير فادحة في الزهد، وسبيلها كسبيل المال الذي استثناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إلا من أخذه بحقه ووضعه في حقه" أهـ ص 156 جـ 12

لا تَعْجَلْ (¬1) عليَّ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من غرس غرساً لم يأكل منه آدميٌ، ولا خَلْقٌ من خَلْقِ الله إلا كان له به صدقةٌ" رواه أحمد وإسناده حسن بما تقدم. 10 - وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجلٍ يغرسُ غرساً إلا كتبَ الله له من الأجرِ قدر ما يخرجُ من ذلك الغرس" رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح إلا عبد الله بن عبد العزيز الليثي. 11 - وتقدم في كتاب العلم وغيره حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعٌ يجري للعبد أجْرُهُنَّ وهو في قبرهِ وهو بعد موته: مَنْ عَلَّمَ عِلْماً، أو كَرَى (¬2) نهراً، أو حَفَرَ بئراً، أو غرس نخلاً، أو بَنى مسجداً، أو وَرَّثَ (¬3) مُصْحَفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته" رواه البزار وأبو نعيم والبيهقي. 12 - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عمرو بن عوفٍ يوم الأربعاء، فذكر الحديث إلى أن قال: يا معشر الأنصار قالوا: لبيك (¬4) يا رسول الله، فقال: كنتم في الجاهلية إذ لا تعبدون الله تحملون الْكَلَّ (¬5) وتفعلون في أموالكمُ المعروفَ (¬6)، وتفعلون إلى ابن السبيل (¬7) حتى إذا مَنَّ اللهُ عليكم بالإسلام وَبنبيه إذا أنتم تُحصنون أموالكم (¬8): فيما يأكلُ ابن آدم أجرٌ، ¬

(¬1) انتظر حتى أفهمك السنة في هذا العمل وثوابه. (¬2) وسع في مجراه وساعد على مرور الماء للناس. وفي المصباح كريت النهر كرياً: حفرت فيه حفرة جديدة من باب رمى. (¬3) من إرثه مصحف يقرأ فيه المسلمون. (¬4) إجابة بعد إجابة. (¬5) أي تساعدون في مهام الأمور، وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنك لتحمل الكل" قال في النهاية: أي الثقيل من كل ما يتكلف، والكل العيال. أهـ (¬6) أعمال البر والخير. (¬7) المسافر: أي تحسنون إلى المساكين. (¬8) أي إنكم كنتم محسنين تعاونون مواطنيكم وتمدونهم بالخير فيدعوكم الإسلام إلى أكثر من هذا، فلماذا تمنعون الانتفاع بثمرات أموالكم وتجعلون حصوناً منيعة لبساتينكم وأسواراً لحدائقكم؟ ثم بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم الحسنات المترتبة على أكل إنسان أو حيوان والثواب الذي لا ينقطع من جراء ذلك فمعنى تحصنون: أي تقيمون موانع للانتفاع بمنتوجات أموالكم والخوف من اتصال الفائدة، وأورد البخاري: =

الترهيب من البخل والشح والترغيب في الجود والسخاء

وفيما يأكلُ السَّبُعُ والطيرُ أجرٌ. قال: فرجعَ القومُ فما منهم أحدٌ إلا هَدَمَ من حديقتهِ ثلاثين باباً" رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. قال: وفيه النهي الواضح عن تحصين الحيطان والنخيل والكرْم وغيرها من المحتاجين والجائعين أن يأكلوا منها شيئاً. انتهى. الترهيب من البخل والشح، والترغيب في الجود والسخاء 1 - عن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذُ بك من البخلِ، والكسل، وأرذَلِ العمرِ (¬1)، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات (¬2) " رواه مسلم وغيره. 2 - وعن جابرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الظلمَ فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهْلَكَ من كان قبلكم حَمَلَهُمْ على أن سَفَكُوا دماءهم، واستحلوا محارمهم" رواه مسلم. [الشح] مثلث الشين: هو البخل والحرص، وقيل: الشح الحرص على ما ليس عندك، والبخل بما عندك. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

= (أ) قوله تعالى: "أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون" (64 - 66 من سورة الواقعة). (تحرثون): تبذرون حبه (تزرعون): تنبتونه (حطاماً): هشيماً، والتفكه: التنقل بصنوف الفاكهة، وفي العيني: الآيات تدل على إباحة الزرع منجهة الامتنان به، وفيها رد وتبكيت على المشركين الذين قالوا نحن موجودون من نطفة حدثت بحرارة كائنة وأنكروا البعث والنشور (فظلتم تفكهون): أي تفجعون، وقيل تحزنون، وقيل التفكه التكلم فيما لا يعنيك، ومنه قيل للمزاح فكاهة. أهـ ص 145 جـ 12 (ب) وقال تعالى: في حق الأبرار الصالحين "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً" (9 من سورة الدهر). (¬1) هرمه مشوب بضعف وأمراض تنفر الناس منه مع خرف. (¬2) الضلال في حياته وعصيانه ربه، وبعد مماته يضل في جواب منكر ونكير وعدم تريثه كما قال تعالى: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء" (27 من سورة إبراهيم). أي يمكن قلوبهم بقوة الحجة ولا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم في الموقف ولا تدهشهم أهوال يوم القيامة.

"إياكم والفُحْشَ والتَّفَحُّشَ، فإن الله لا يُحبُّ الفاحش (¬1) المُتَفَحِّشَ، وإياكم والظلمَ (¬2)، فإنه هو الظلماتُ يوم القيامة، وإياكم والشُّحَّ، فإنه دعا من كان قبلكم فَسَفَكُوا دماءهم، ودعا من كان قبلكم، فقطعوا أرحامهم، ودعا من كان قبلكم، فاستحَلُّوا حُرُمَاتهم" رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد. 4 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إياكم والظلم، فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة، وإياكم والفُحْشَ والتفحش، وإياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمَرَهُمْ بالقطيعة، فقطعوا، وأمَرَهُمْ بالبُخل فبخلوا، وأمرهُمْ بالفجور (¬3) ففجروا، فقام رجلٌ، فقال: يا رسول الله أيُّ الإسلامِ أفضلُ؟ قال: أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك، فقال ذلك الرجلُ أو غيره: يا رسول الله أي الهجرةِ أفضلُ؟ قال: أن تهجر ما كره ربك، والهجرةُ هجرتان: هِجْرَةُ الحاضرِ، وهجرةُ البادي (¬4). فهجرةُ البادي أن يُجيبَ إذا دُعيَ، ويطيع إذا أُمِرَ؛ وهجرةُ الحاضر (¬5) أعظمها بَلِيَّةً، وأفضلها أجراً" رواه أبو داود مختصراً والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح على شرط مسلم. 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شَرُّ ما في الرجل شُحٌّ هَالِعٌ، وجُبْنٌ خَالِعٌ" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه. [قوله: شح هالع]: أي محزن، والهلع: أشد الفزع. [وقوله: جبن خالع]: هو شدة الخوف، وعدم الإقدام، ومعناه أنه يخلع قلبه من شدة تمكنه منه. ¬

(¬1) الفاحش ذو الفحش في كلامه وأفعاله، والمتفحش: الذي يتكلف ذلك ويتعمده. أهـ نهاية. وكل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، أي امتنعوا من السير في القبائح، والتبجح وقلة الأدب. (¬2) أكل حقوق الناس، والتعدي عليهم وأذاهم. (¬3) الفسوق والمعاصي. (¬4) سكان البادية: الصحراء أي البعيد عن الترف. (¬5) المقيم في المدن والعواصم والقرى. والمعنى المعاشر في المجتمع يتقي الله أكثر، ويرعى حقوقه، ويخشى الفتن والشواغل المحيطة به وبذا يكسب ثواباً أكثر، وإلا يخسر. وأمام المتحضر ملاه وملاعب ومتاجر ومصانع. فالعاقل يترك كل شيء سوى حقوق الله يؤديها ويقوم بها لينجو من رذائلها، ويسلم من أدرانها: فبقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن طلب العلا سهر الليالي

لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل 6 - وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمعُ غُبَار (¬1) في سبيل الله، ودُخانُ جهنم في جوف عبدٍ أبداً، ولا يجتمع شُحٌّ وإيمانٌ في قلب عبدٍ أبداً" رواه النسائي وابن حبان في صحيحه، والحاكم واللفظ له، ورواه أطول منه بإسناد على شرط مسلم، وتقدم في الجهاد. 7 - ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما محق (¬2) الإسلام محقَ الشُّحِّ شيء" رواه أبو يعلى والطبراني. 8 - ورويَ عن نافعٍ رضي الله عنه قال: "سمع ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً يقول: الشحيحُ أغْدَرُ (¬3) من الظالمِ، فقال ابن عمر: كذبت، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: الشحيحُ لا يدخلُ الجنة" رواه الطبراني في الأوسط. 9 - ورويَ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخلُ الجنة خَبٌّ، ولا مَنَّانٌ، ولا بخَيلٌ" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. [الخب] بفتح الخاء المعجمة وتكسر: هو الخدَّاع الخبيث. 10 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله جنة عدنٍ بيدهِ، ودَلَّى فيها ثمارها، وشَقَّ فيها أنهارها، ثم نظر إليها، فقال ¬

(¬1) رجل حضر المعارك في سبيل الله تعالى مجاهداً فشم دقيق ترابها من شدة المزاحمة، فهذا يبعده من اصطلاء نار جهنم، وكذا الإيمان بالله يدعو إلى الجود والسخا، ويطرد البخل والشح من القلب. لماذا؟ لأنه ينفق ثقة بالله المعطي المنعم المتفضل، ولكن الشحيح يتمثل الفقر بين عينيه؛ وينطفئ نور الإيمان من قلبه فيزداد منعاً للحقوق وبخلاً. فلا ينفق خشية العيلة، ونسي قول الله تعالى: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين" (39 من سورة سبأ). (¬2) لم يبطل شيء من مبادئ الإسلام مثل إبطال الشح في قلب المرء، وفي النهاية: المحق النقص والمحو والإبطال، وقد محقه يمحقه. أهـ. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبئ أن الشح يهدم أركان الإسلام وينقص من بهائه في قلوب البخلاء فيتجارءون على كل معصية. لماذا؟ لأن الشح سلب منهم كل محامد الإسلام، ومحا عنهم كل فضيلة فنشئوا في حمأة الرذائل، ولا يعون، لأن قلوبهم غافلة عن فضل الله، وأنه المخلف الرزاق. (¬3) أكثر غدراً وخيانة، فرد سيدنا عبد الله بن عمر دليل على أن عقابه أخف من عقاب الشحيح.

لها: تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون (¬1)، فقال: وعزتي وجلالي لا يُجاورُني فيكِ بخيلٌ" رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسنادين أحدهما جيد، ورواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة من حديث أنس بن مالك ويأتي إن شاء الله تعالى. خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق 11 - وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ مُهلكاتٌ، وثلاثٌ مُنجياتٌ، وثلاثٌ كَفَّاراتٌ، وثلاثٌ درجاتٌ، فأما المهلكاتُ، فَشُحٌّ مُطاعٌ (¬2)، وهوىً مُتَّبَعٌ (¬3)، وإعجاب المرء بنفسه (¬4) " الحديث. رواه الطبراني في الأوسط، وتقدم في باب انتظار الصلاة حديث أنس بنحوه. 12 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ يحبهم الله، وثلاثةٌ يُبغضهمُ الله. فذكر الحديث إلى أن قال: وَيُبْغِضُ الشيخُ الزاني، والبخيلَ، والمتكبر" رواه ابن حبان في صحيحه، وهو بتمامه في صدقة السر. 13 - ورويَ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خصلتان لا يجتمعان في مؤمنٍ: البخلُ وسوء الخلق" رواه الترمذي وغيره وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صدقة بن موسى. 14 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السخيُّ قريبٌ من اللهِ، قريبٌ من الجنة، قريبٌ من الناس، بعيدٌ من النار، والبخيلُ بعيدٌ من الله، بعيدٌ من الجنة، بعيدٌ من الناس، قريبٌ من النار، وَلَجَاهِلٌ سخيٌّ أحَبُّ إلى الله من عابدٍ بخيلٍ" رواه الترمذي من حديث سعيد بن محمد الوراق عن يحيى بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة، وقال: إنما يروى عن يحيى بن سعيد عن عائشة مرسلاً. 15 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) فاز الموحدون المعتقدون بوجودك سبحانك. قال البيضاوي: أي فازوا بأمانيهم. (¬2) بخل فاش قاهر. النفس تقصر في الواجبات فيطاوعها صاحبها ويحجم عن أفعال البر. (¬3) رذائل شائعة. تميل النفس إلى غوايتها، وتحب شهواتها فتقبل عليها. (¬4) غرور النفس وزهوها بمدائحها فاغترت بمحامدها.

"ألا إن كُلَّ جَوَادٍ في الجنة حَتْمٌ على الله، وأنا به كفيلٌ. ألا وإن كُلَّ بخيلٍ في النار حَتْمٌ على اللهِ، وأنا به كفيلٌ. قالوا: يا رسول الله مَنِ الجوادُ وَمَنِ البخيلُ؟ قال: الجوادُ مَنْ جَأدَ بِحقوقِ الله عز وجل في ماله، والبخيلُ من منعَ حقوق الله، وبخلَ على ربه، وليس الجوادُ من أخذَ حراماً وأنفقَ إسرافاً" رواه الأصبهاني وهو غريب. 16 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن غِرٌّ كَريمٌ، والفاجرُ خَبٌّ لئيمٌ" رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث غريب. [قال الحافظ]: لم يضعفه أبو داود ورواتهما ثقات سوى بشر بن رافع وقد وُثق. [قوله: غرٌّ كريم]: أي ليس بذي مكر ولا فطنة للشر، فهو ينخدع لانقياده ولينه. [والخب] بفتح الخاء المعجمة وتكسر: هو الخدّاع الساعي بين الناس بالشر والفساد. 17 - ورويَ عن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سُمحاءكم، وأموركم شُورى بينكم، فظهر الأرض خيرٌ لكم من بطنها، وإذا كانت أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بُخلاءكم، وأموركم إلى نسائكم، فبطنُ الأرض خيرٌ لكم من ظهرها (¬1) " رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. 18 - وعن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بقومٍ خيراً وَلَّى أمرهمُ الحكماء (¬2) وجعل المال عند السُّمَحَاء (¬3)، وإذا أراد ¬

(¬1) ثلاث علامات تحبب إلى العاقل حب الحياة، والسعي في تحصيل الصالحات: (أ) الحكام فضلاء عاملون صالحون. (ب) أصحاب الثروة كرماء فضلاء. (جـ) اتحاد القلوب واجتماعها على فعل ما فيه المصلحة العامة كما قال تعالى: في وصف المفلحين "وأمرهم شورى بينهم" والثلاثة الأخرى أضدادها تحبب الميل إلى الموت، والتباعد عن فتن الحياة، وفي الثالثة طاعة النساء اللاتي بيدهن زمام الأمور في عصيان الله تعالى. (¬2) أصحاب العقول الراجحة الفاضلة. (¬3) الكرماء الأجواد لينفقوا في تشييد الصالحات، وأداء الواجبات.

الله بقومٍ شراً وَلَّى أمرهمُ السفهاء (¬1)، وجعل المال عند البخلاء" رواه أبو داود في مراسيله. السخاء خُلُقُ اللهِ الأعظَمُ 19 - ورويَ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "السخاء خُلُقُ اللهِ الأعظَمُ" رواه أبوالشيخ ابن حبان في كتاب الثواب. 20 - ورويَ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما جُبِلَ وَلِيٌّ لله (¬2) عز وجل إلا على السخاء وحُسنِ الخلقِ" رواه أبو الشيخ أيضاً. 21 - ورويَ عن عمران بن حُصينٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله استخلص هذا الدين لنفسه، فلا يصلحُ لدينكم إلا السخاء وحُسْنُ الخلقِ، ألا فزينوا دينكم (¬3) بهما" رواه الطبراني في الأوسط والأصبهاني إلا أنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءني جبريلُ عليه السلام، فقال يا محمد: إن الله استخلص هذا الدين" فذكره بلفظه. 22 - ورويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله مَنِ السَّيِّدُ (¬4)؟ قال: يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم. قالوا: فما في أمتكَ سَيِّدٌ؟ قال: بلى رجلٌ أُعْطِيَ مالاً، وَرُزِقَ سَمَاحَةً، وأدنى الفقير، وَقَلَّتْ شِكَايَتُهُ في الناس" رواه الطبراني في الأوسط. 23 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة بيتاً يُقالُ له: بيتُ السخاء (¬5) " رواه الطبراني وأبو الشيخ في كتاب الثواب إلا ¬

(¬1) الجهلاء الحمقى، الظلمة العتاة. (¬2) المتقي المتعبد: المخلص لربه جلا وعلا: أي ثنتان فطر عليهما الصالح: (أ) الجود. (ب) مكارم الأخلاق كما قال تعالى: "إن أولياؤه إلا المتقون". (¬3) تحلوا بالجود والأدب لتتجلى محامد الإسلام فيكم. (¬4) العظيم في قومه الشريف النبيل، ثم بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم صفاته: (أ) غني شاكر. (ب) جواد محسن. (جـ) محب المساكين. (د) صبور حليم لا يضجر ولا يشكو إلا لربه. (¬5) منزل الجود أعده الله للكرماء.

أنه قال: الجنة دارُ الأسخياء. قال الطبراني: تفرّد به جَحْدَرُ بن عبد الله. 24 - ورويَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تبارك وتعالى بعث حبيبي جبريلَ عليه الصلاة والسلام إلى إبراهيم عليهما السلام فقال له يا إبراهيم: إني لم أتَّخِذْكَ خليلاً على أنك أعْبَدُ عبادي لي ولكن اطلعت (¬1) على قلوب المؤمنين، فلم أجد قلباً أسْخَى (¬2) من قلبك" رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب والطبراني. 25 - ورويَ عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرزقُ إلى أهل بيتٍ فيه السَّخَاءُ أسرعُ من الشَّفَرَةِ (¬3) إلى سنام البعير" رواه أبو الشيخ أيضاً، ولابن ماجة من حديث ابن عباس نحوه وتقدم لفظه في الضيافة. 26 - ورويَ عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تَجَافَوْا (¬4) عن ذَنْبِ السَّخِيِّ فإن الله آخذٌ بيده كُلما عَثَرَ" رواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني، ورواه أبو الشيخ من حديث ابن عباس. ¬

(¬1) اطلعت على كذا (د وع ص 186 - 2)، وفي (ن ط): اطلعت في. (¬2) أجود وأكثر كرماً. (¬3) المدية، والمعنى يؤثر الجود في الأهل أكثر من تأثير السكين في السنام، أي يجلب سعة الرزق، وحسن الثواب عاجلاً. (¬4) اصفحوا وغضوا عن هفوات الكريم لأن الله تعالى عونه ومنقذه إذا هفا. قال تعالى: "إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور" (38 من سورة الحج). وقال تعالى: "نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر" (35 من سورة القمر). وقال الشاعر: فتىً كملت خيراته غير أنه ... جواد فما يبقي من المال باقياً محامد إكرام الضيف كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم: أولاً: يدل إكرام الضيف على شدة الإيمان بالله تعالى والثقة بإعطائه وانتظار فضله "من كان يؤمن". ثانياً: يدل على فهم الواجب والشجاعة في أداء الحق والبشاشة "وإن لزورك". ثالثاً: يجلب ثناء الله جل وعلا على المخلص في إكرامه "ويؤثرون". رابعاً: يد المحسن طويلة في البر. خامساً: يضمن الجود لصاحبه الجنة "وقرى الضيف". سادساً: يسبب إطعام الطعام دعاء الملائكة بالرحمة والمغفرة "الملائكة تصلي". سابعاً: الكرم يبسط الرزق ويغدق على الكريم صنوف النعم "الخير أسرع". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ثامناً: يجعل الكرم سيرة الكريم ذكية طاهرة نقية ذائعة الصيت والذكر الحسن "خير إخوان". تاسعاً: الكريم متصف بكمال أفعاله، وفيه يرجى الخير. أضرار البخل والشح: أولاً: البخل صفة الأدنياء، استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثانياً: يبيد الشح العمران ويلهب العداوة والشقاق في قلوب المتحابين "الشح أهلك". ثالثاً: الشح أم النقائص، يدعو إلى القطيعة والفسوق والعصيان "أمرهم بالقطيعة". رابعاً: أقبح صفة. الشح "شر ما في الرجل". خامساً: الشح نقيض الإيمان وضده. سادساً: الشح مهدم لمظاهر الإسلام "ما محق" والبخيل مقضي عليه بالنار لا محالة. سابعاً: من علامة الدمار فشو الشح وانتشاره بين الناس "ثلاث مهلكات". ثامناً: يكره الله البخيل. تاسعاً: البخل من علامة النفاق، وحاشا أن يوجد في قلب مؤمن. عاشراً: يدرك الله الجواد برحمته ويحيطه برعايته "قريب من الله". الحادي عشر: السماحة عنوان الحياة السعيدة، ودليل الأخلاق الحميدة ورجاحة العقل "أغنياؤكم سمحاءكم". الثاني عشر: السخاء من مظاهر الإسلام "فلا يصلح لدينكم إلا السخاء". الثالث عشر: السخي يشرف قومه، ويكون سيدهم أهلاً للمعالي "من السيد؟ ". الرابع عشر: السخاء من صفات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيجب أن نقتدي بهم كما قال الغزالي: في بيان فضيلة السخاء: اعلم أن المال إن كان مفقوداً فينبغي أن يكون حال العبد القناعة وقلة الحرص، وإن كان موجوداً فينبغي أن يكون حاله الإيثار والسخاء واصطناع المعروف والتباعد عن الشح والبخل، فإن السخاء من أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهو أصل من أصول النجاة. أهـ ص 210 جـ 3. قال علي كرم الله وجهه: إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق منها فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت عنك فأنفق منها فإنها لا تبقى، وأنشد: لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف وإن تولت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف وأجاب الحسن بن علي رضي الله عنهما عن معنى الكرم، فقال: المعروف قبل السؤال والإطعام في المحل والرأفة بالسائل مع بذل النائل، وتمثل متمثل عند عبد الله بن جعفر فقال: إن الصنيعة لا تكون صنيعة ... حتى يصاب بها طريق المصنع فإذا اصطنعت صنيعة فاعمد بها ... لله أو لذوي القرابة أودع فقال عبد الله بن جعفر إن هذين البيتين ليبخلان الناس، ولكن أمطر المعروف مطراً، فإن أصاب الكرام كانوا له أهلاً، وإن أَصاب اللئام كنت له أهلاً، ورفع رجل إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما رقعة فقال حاجتك مقضية، فقيل له يا ابن رسول الله لو نظرت في رقعته، ثم رددت الجواب على قدر ذلك، فقال يسألني =

الترهيب من عود الإنسان في هبته

الترهيب من عود الإنسان في هبته 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذي ¬

_ = الله عز وجل عن ذل مقامه بين يدي حتى أقرأ رقعته. أهـ: أنت للمال إذا أمسكته ... فإذا أنفقته فالمال لك آيات ذم البخل وذم المال وكراهة حبه: (أ) قال الله تعالى: "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" (16 من سورة التغابن). (ب) وقال تعالى: "ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شراً لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة" من سورة آل عمران. (جـ) وقال تعالى: "الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله" من سورة النساء. (د) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم" (9 من سورة المنافقون). (هـ) وقال تعالى: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم" (15 من سورة التغابن). قال الغزالي: فمن اختار ماله وولده على ما عند الله فقد خسر وغبن خسراناً عظيماً. ص 200 جـ 3 (و) وقال تعالى: "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون" (85 - 86 من سورة هود). أي بإحسانه وبره (نوف): نوصل إليهم جزاء أعمالهم في الدنيا من الصحة والرياسة وسعة الرزق وكثرة الأموال والأولاد (لا يبخسون): لا ينقصون شيئاً من أجورهم، والآية في أهل الرياء، وقيل في المنافقين، وقيل في الكفرة وغرضهم وبرهم، وأوردها الغزالي في باب ذم المال، فأفهم أنها تشمل وعيد البخلاء الذين يكنزون ولا ينفقون في وجوه البر ويجمحون عن مشروعات الخير. (ز) وقال تعالى: "كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى" (6 - 8 من سورة العلق). (كلا): ردع لمن كفر بنعمة الله تعالى بطغيانه وبخله: أي إن رأى نفسه متمتعاً بنعم الوهاب القدير، والرجعى بمعنى الرجوع، والخطاب للإنسان على الالتفات، تهديداً وتحذيراً من عاقبة الطغيان والشح. (ح) وقال تعالى: "ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر" (1 - 2 من سورة التكاثر). أي شغلكم التباهي بالمال وكثرته والأولاد وعزتها إلى أن متم وقبرتم مضيعين أعماركم في طلب الدنيا عما هو أهم لكم، وهو السعي لأخراكم فتكون زيارة القبور عبارة عن الموت. أهـ بيضاوي. وآخر السورة "ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" (8 من سورة التكاثر). وإن شاهدنا طلب أصحاب الأموال بالسخاء خشية الموت فلا يجد الغني له أعمالاً صالحة تقيه عاديات يوم القيامة إن الإنسان مغمور بنعم الله فيجب عليه إنفاقها فيما يرضي الله، فإذا بخل أساء استعمالها فأضر نفسه بشحه وكثرت سيئاته ببخله وقبحت سيرته وسخط الله والناس عليه كما قال الله تعالى: "إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون" (44 من سورة يونس). أي يسلب حواسهم وعقولهم (يظلمون) أنفسهم بإفسادهم وتفويت منافعها عليهم. وفيه دليل على أن للعبد كسباً، وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت الجبرية. =

يَرْجِعُ في هِبَتِهِ (¬1) كالكلب يَرْجِعُ في قَيْئِهِ (¬2) ". 2 - وفي رواية: "مثل الذي يَعُودُ (¬3) في هِبَتِهِ كَمَثَلِ الكلب يَقيء، ثم يعود في قَيْئِهِ فيأكلهُ" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. ¬

= فيا أصحاب الأموال الوفيرة ساهموا في إنشاء معاهد العلم والمصانع والمشروعات النافعة عسى أن يشملكم إحسان الله ورضاه ومحبة أبناء الوطن، قال أبو محمد إسحاق الموصلي المتوفى سنة 235 هـ في ذم البخل: وآمرة بالبخل قلت لها اقصري ... فليس إلى ما تأمرين سبيل أرى الناس خلان الجواد ولا أرى ... بخيلاً له في العالمين خليل وإني رأيت البخل يزري بأهله ... فأكرمت نفسي أن يقال بخيل ومن خير حالات الفتى لو علمته ... إذا نال شيئاً أن يكون ينبل عطاني عطاء المكثرين تجملاً ... ومالي كما قد تعلمين قليل وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأى أمير المؤمنين جميل (¬1) الهبة تمليك بلا عوض في الحياة، وهي الأقارب أفضل، ويستحب لمن وهب لأولاده أن يسوي بينهم، فإن ملك المتهب لاحتياج أو لثواب آخرة فصدقة، وإن نقل الموهوب إلى المتهب بنفسه أو بغيره إعظاماً له وإكراماً لا لغرض آخر فهدية، والمراد بالهبة التملك، لكن بإيجاب وقبول، لا لإكراه ولا لأجل ثواب أو احتاج، وأركانها: (أ) العاقدان. (ب) الصيغة كوهبتك كذا وقبلت. (جـ) الموهوب، وهو كل ما جاز بيعه، ولا يحصل الملك في الهبة إلا بالقبض بإذن الواهب، وإذا قبضها الموهوب له لم يصح للواهب أن يرجع فيها إلا أن يكون والداً وإن علا أي من جهة الآباء والأمهات. أهـ تنوير القلوب ص 274 (¬2) ترديد الطعام وإخراج ما في بطنه، وفي باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته ص 148 جـ 5 "ليس لنا مثل السوء" قال في الفتح لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أحسن الحيوانات في أخس أحوالها، قال الله سبحانه وتعالى: "للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء، ولله المثل الأعلى" من سورة النحل. ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدل على التحريم مما لو قال مثلاً: لا تعودوا في الهبة، وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن نقبض ذهب جمهور العلماء إلا هبة لولده جمعاً بين هذا الحديث وحديث النعمان "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". وقال الطحاوي قوله: لا يحل لا يستلزم التحريم، وهو كقوله: لا تحل الصدقة لغني، وإنما معناه لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الحاجة، وأراد بذلك التغليظ في الكراهة، وقال وقوله كالعائد في قيئه، وإن اقتضى التحريم لكون القيء حراماً، لكن في الرواية الأخرى، وهي قوله: كالكلب تدل على عدم التحريم، لأن الكلب غير متعبد فالقيء ليس حراماً عليه، والمراد التبرئة عن فعل يشبه فعل الكلب، وتعقب باستبعاد ما تأوله ومنافرة سياق الأحاديث له، وبأن عرف الشرع في مثل هذه الأشياء يريد به المبالغة في الزجر كقوله: من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير. أهـ. (¬3) أي العائد في هبته إلى الموهوب، وهو كقوله تعالى: "أو لتعودن في ملتنا" من سورة الأعراف. أهـ فتح.

ولفظ أبي داود: العائدُ في هبته كالعائد في قيئهِ. قال قتادة: ولا نعلم القيء إلا حراماً. 3 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "حَمَلْتُ على فَرَسٍ (¬1) في سبيل (¬2) الله، فأردتُ أن أشتريه، فظننتُ أنه يبيعُهُ بِرُخْصٍ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تشترهِ (¬3)، ولا تَعُدْ في صدقتك، وإن أعطاكَهُ بدرهمٍ، فإن العائد في صدقته (¬4) كالعائد في قيئه" رواه البخاري ومسلم. [قوله: حملت على فرسٍ في سبيل الله]: أي أعطيت فرساً لبعض الغزاة ليجاهد عليه. 4 - وعن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحلُّ لرجلٍ أن يُعْطِي لرجلٍ عطيةً، أو يهب هبةً، ثم يرجعَ فيها إلا الوالدُ فيما يُعطي ولدهُ، ومثل الذي يرجعُ في عطيتهِ أو هبتهِ كالكلبِ يأكلُ فإذا شبعَ قاء، ثم عاد في قيئه" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 5 - وعن عمرو بن شُعيبٍ عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثلُ الذي يستردُّ ما وهب كمثل الكلب يقيء، فيأكل قيئهُ، فإذا استرد الواهب فليوقف فَلْيُعَرَّفْ بما اسْتَرَدَّ، ثم لِيَدْفَعَ ما وهب" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة. ¬

(¬1) زاد القعنبسي في الموطأ: عتيق، والعتيق الكريم الفائق من كل شيء. أهـ فتح. (¬2) ظاهره أنه حمله عليه حمل تمليك ليجاهد به إذ لو كان حمل تحبيس لم يجز بيعه، وزاد البخاري "فأضاعه" أي لم يحسن القيام عليه وقصر في مئونته وخدمته، وقبل أي لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته، وقيل معناه استعمله في غير ما جعل له، والأول أظهر. أهـ فتح ص 149 جـ 5 (¬3) سمى الشراء عوداً في الصدقة، لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعاً، وأشار إلى الرخص بقوله: "وإن أعطاكه بدرهم" ويستفاد من قوله: "وإن أعطاكه بدرهم" أن البائع كان قد ملكه، ولو كان محتسباً لما باعه. أهـ. (¬4) حمل الجمهور هذا النهي في صورة الشراء على التنزيه، وحمله قوم على التحريم، وقال القرطبي وغيره: وهو =

الترغيب في قضاء حوائج المسلمين وإدخال السرور عليهم وما جاء فيمن شفع فأهدى إليه

الترغيب في قضاء حوائج المسلمين، وإدخال السرور عليهم وما جاء فيمن شفع فأهدى إليه 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم (¬1) لا يظلمه (¬2) ولا يُسْلِمُهُ (¬3)، من كان في حاجة (¬4) أخيه كان اللهُ في حاجته، ومن فَرَّجَ عن مُسلمٍ كُرْبَةً (¬5) فَرَّجَ الله عنه بها كربة من كُربِ يوم القيامة، ومن سَتَرَ (¬6) مُسلماً سَتَرَهُ الله يوم القيامة (¬7) ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود ¬

= الظاهر، ثم الزجر المذكور مخصوص بالصورة المذكورة وما أشبهها إلا ما إذا رده إليه الميراث مثلاً. قال الطبري: يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب، ومن كان والداً والموهوب ولده والهبة التي لم تقبض والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك، وأما ماعدا ذلك كالغني يثيب الفقير، ونحو من يصل رحمه فلا رجوع لهؤلاء، قال: ومما لا رجوع فيه مطلقاً الصدقة يراد بها ثواب الآخرة. أهـ فتح. (¬1) كشقيقه، وفيه رابطة الأخوة بينهما توجب الوفاء والمساعدة والمحبة. (¬2) لا يأخذ شيئاً من ماله بلا سبب شرعي، ولا ينقص شيئاً من أجرته لئلا يشكوه إلى حاكم يعاقبه ويلزمه برد الحق أو يتضرع إلى ربه فينتقم الله من ظالمه. (¬3) ولا يسلمه كذا (د وع ص 178 - 2) أي لا يخذله ولا يترك نصرته بأن يدفع عنه الأذى ويمنعه من أن يؤذي غيره، ويصلح بينه وبين أخيه ويغيثه إذا استغاث به ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، وهكذا من ضروب الإصلاح، وفي (ن ط): ولا يثلمه، لأن ثلم بمعنى كسر. (¬4) أي يساعد بجاهه وماله حتى يدرك وطره مع البشاشة والسرور. (¬5) كشف غمه، بأن يقرضه إذا أفلس في تجارته، أو يساعد من احترق بيته أو تلف زرعه ليذهب الله عنه الحزن في الآخرة ويزيل ضيقه ويبعد عنه المصائب في حياته وبعد مماته. (¬6) يجتهد أن يخفي عيوبه فلا يخبر أحداً بما يعرفه. (¬7) يعمي عن عيوبه أبصار الناس في الدنيا ويحيطه بسياج الحفظ فلا يطلع على عيوبه أحد، وحسبك أن الله الولي القادر الستار لا يعاقبه عنها في الآخرة، وهنا مسألة أخلاقية تخص الأمن العام، فلا يصح ستر أخبار المجرمين وإخفاء عيوب الأشرار فهذا لا يعد من المنهي عنه لحفظ راحة العالم واتقاء شرور الآثمين، والشارع الحكيم أوجب كشف عيوبهم لمن يردعهم أو يزجرهم عسى أن يصل الحكام إلى الحق ومنع الضرر وإزالة الأذى كما قال تعالى: "ولكم في القصاص حياة" من سورة البقرة، وقال تعالى: "فاعتبروا يا أولي الأبصار" (2 من سورة الحشر)، وقال تعالى: "ألا لعنة الله على الظالمين" (18 من سورة هود). وفي الفتح "ولا يسلمه" لا يلقيه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوه (والأخوة): هذه أخوة الإسلام، فإن كل اتفاق بين شيئين يطلق بينهما اسم الأخوة، ويشترك في ذلك الحر والعبد والبالغ والمميز "لا يظلمه ولا يسلمه" أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم، وقد يكون ذلك =

وزاد فيه رزين العبدري: ومن مشى مع مظلومٍ حتى يُثبتَ له حقهُ ثَبَّتَ الله قَدَمَيْهِ على الصراط يومَ تزولُ الأقدامُ، ولم أرَ هذه الزيادة في شيء من أصوله، إنما رواه ابن الدنيا والأصبهاني كما سيأتي. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ نَفَّسَ عن مُسلمٍ كُربةً من كُربَ الدنيا نَفَّسَ الله عنه كُربةً من كُربِ يوم القيامة، ومن يَسَّرَ على مُعْسِرٍ في الدنيا يَسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سَتَرَ على مُسلمٍ في الدنيا سَتَرَ الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون (¬1) أخيه" رواه مسلم وأبو داود والترمذي واللفظ له، والنسائي وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرطهما. 3 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله خَلْقاً خَلَقَهُمْ لحوائج (¬2) الناس يَفْزَعُ الناسُ إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله" رواه الطبراني، ورواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب من حديث الجهم بن عثمان، ولا يعرف عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب اصطناع المعروف عن الحسن مرسلاً. 4 - ورويَ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عند أقوامٍ نِعَماً أقرها عندهم ما كانوا في حوائج المسلمين ما لم يَمَلُّوهُمْ (¬3) فإذا مَلُّوهُمْ نَقَلَهَا إلى غيرهم" رواه الطبراني. ¬

= واجباً أو مندوباً، والكرب هو الغم الذي يأخذ الناس (ستر مسلماً): رآه على قبيح فلم يظهره: أي للناس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه، ويحمل الأمر في جواز الشهادة عليه بذلك على ما إذا أنكر عليه ونصحه فلم ينته عن قبيح فعله، ثم جاهر به كما أنه مأمور بأن يستتر إذا وقع منه شيء فلو توجه إلى الحاكم وأقر لم يمتنع ذلك، والذي يظهر أن الستر محله في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها فيجب الإنكار عليه، وإلا رفعه إلى الحاكم، وليس من الغيبة المحرمة، بل النصيحة الواجبة، وفيه إشارة إلى ترك الغيبة، لأن من أظهر مساوئ أخيه لم يستره، وفي الحديث حض على التعاون وحسن التعاشر والألفة، وفيه أن المجازاة تقع من جنس الطاعات، وأن من حلف إن فلاناً أخوه وأراد أخوة الإسلام لم يحنث. أهـ ص 61 جـ 5. (¬1) مدة معاونته لأخيه. (¬2) مصالح. (¬3) مدة عدم النفور من مساعدتهم والشفاعة إلى إتمام أعمالهم، وتلك نعمة كبرى وزيادتها السعي لدى إجابة طلبات القاصدين.

من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين 5 - ورويَ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله أقواماً اختصهم بالنِّعَمِ لمنافع العبادِ يُقرُّهُمْ (¬1) فيها ما بَذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فَحَوَّلها إلى غيرهم" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير والأوسط ولو قيل بتحسين سنده لكان ممكناً. 6 - ورويَ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عَظُمَتْ نِعمةُ الله عز وجل على عبدٍ إلا اشتدتْ إليه مُؤنةُ (¬2) الناس، ومن لم يحمل تلك المؤنة للناس، فقد عَرَّضَ تلك النعمة للزوال" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وغيرهما. 7 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبدٍ أنعمَ الله عليه نعمةً، فأسبغها (¬3) عليه، ثم جعل من حوائجِ الناس إليه، فَتَبَرمَ (¬4)، فقد عَرَّضَ تلك النعمة للزوال" رواه الطبراني بإسناد جيد. 8 - وعن ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين (¬5)، ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله جعل الله بينهُ وبين النار ثلاثَ خنادقَ، كُلُّ خندقٍ أبعدُ مما بين الخافقين" رواه الطبراني في الأوسط والحاكم، وقال صحيح الإسناد إلا أنه قال: "لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته -وأشار بأصبُعِهِ - أفضلُ من أن يَعتكف في مسجدي هذا شهرين (¬6) ". 9 - ورويَ عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله ¬

(¬1) يعينهم ويثبتهم مدة نفعهم. (¬2) المراد أثقال الناس ومصالحهم التي تثقل كاهلهم، فالمؤنة الثقل. (¬3) فأتمها. (¬4) فضجر، يقال برم بالشيء وتبرم. (¬5) إذا نفع الطالب بجاهه وقضى مصلحته أعطاه الله ثواب عابد مقيم بالمسجد لطاعة الله عشر سنين، ثم بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم ثواب مكث يوم للعبادة في المسجد فالسنة 364 يوماً × 10 = 3640 × 3 = 10920 خندقاً بينه وبين النار للشفيع، والخافقان: أفقا المشرق والمغرب لأن الليل والنهار يخفقان فيهما. (¬6) أي والله الذهاب مع أخيك المسلم تساعده على إتمام مصلحة له أكثر ثواباً عند الله عز وجل من المكث في مسجد المدينة مدة شهرين، وفيه الترغيب في معاونة من يقصدك في قضاء حاجة.

صلى الله عليه وسلم: "من مشى في حاجة أخيه حتى يُثَبِّتَهَا (¬1) له أظَلَّهُ الله عز وجل بخمسةٍ وسبعين ألف ملكٍ يُصَلُّونَ له، ويدعون له إن كان صباحاً حتى يُمسي، وإن كان مساءً حتى يُصبحَ، ولا يرفعُ قدماً إلا حَطَّ (¬2) الله عنه بها خطيئةً، ورفع له بها درجة" رواه أبو الشيخ وابن حبان وغيره. لايزال الله في حاجة العبد مادام في حاجة أخيه 10 - ورويَ أيضاً عن ابن عمر وحدهُ رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعان عبداً في حاجته ثَبَّتَ الله له مقامهُ يوم تَزُولُ الأقدامُ". 11 - وعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزالُ الله في حاجةِ العبدِ مادام في حاجة أخيه" رواه الطبراني، ورواته ثقات. 12 - ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرجُ خَلْقٌ من أهل النار، فَيَمُرُّ الرجلُ بالرجلِ من أهل الجنة، فيقولُ: يا فلانُ أما تَعْرِفُني؟ فيقولُ: وَمَنْ أنت؟ فيقولُ: أنا الذي اسْتَوْهَبْتَني (¬3) وَضُوءاً، فَوَهَبْتُ لك، فَيشفع (¬4) فيه، ويَمُرُّ الرجل فيقول: يا فلان أما تعرفني؟ فقول: ومن أنت؟ فيقول أنا الذي بعثتني (¬5) في حاجة كذا وكذا، فقضيتها لك فيشفع (¬6) له فَيُشَفَّعُ فيه" رواه ابن أبي الدنيا باختصار وابن ماجة وتقدم لفظه والأصبهاني، واللفظ له. [الوَضوء]: بفتح الواو، وهو: الماء الذي يتوضأ به. 13 - ورويَ عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مشى في حاجةِ أخيه المسلمِ كَتبَ الله له بكل خطوةٍ سبعين حسنةَ ومحا عنه سبعين سيئةً إلى أن يرجعَ من حيث فارقهُ، فإن قُضيتْ حاجتهُ على يديه خرج من ذنوبه ¬

(¬1) ينهيها له ويثق بقضائها. (¬2) محا؛ والمعنى الذي شفع في إتمام مصلحة لأخيه اكتسب شموله برحمة الله وحظى بكنفه وأحاطته الملائكة تستغفر له صباح مساء مع إزالة سيئاته وزيادة حسناته، والله تعالى أعلم. (¬3) طلبت مني ماء وضوء. (¬4) يأذن الله تعالى للذي أخذ منه الماء أن يشفع فيه فيسامحه الله وينقله من النار إلى الجنة. (¬5) أرسلتني. (¬6) يطلب من الله تعالى أن يعفو عنه.

كيوم ولدته أمه، وإن هلك فيما بين ذلك دخل الجنة بغير حساب" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب اصطناع المعروف، والأصبهاني. ما جاء في فضل السعي في مصالح الناس 14 - وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كُلِّ مُسلمٍ صدقةٌ. قيل: أرأيتَ إن لم يَجِدْ؟ قال: يَعْتَمِلُ بيديه، فينفعُ نفسهُ ويتصدقُ، قال أرأيتَ إن لم يستطع؟ قال: يُعينُ ذا الحاجة الملهوف. قال: قيل له: أرأيتَ إن لم يستطع؟ قال: يأمرُ بالمعروفِ أو الخير. قال: أرأيتَ إن لم يفعل؟ قال: يُمْسِكُ عن الشر، فإنها صدقةٌ" رواه البخاري ومسلم. 15 - وعن أبي قِلاَبَةَ "أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قَدِمُوا يَثْنُونَ على صاحبٍ لهم خيراً. قالوا: ما رأينا مثل فلانٍ هذا قَطُّ ما كان في مَسِيرٍ إلا كان في قراءةٍ، ولا نزلنا في مَنْزِلٍ إلا كان في صلاةٍ. قال: فمن كان يَكْفِيهِ ضَيْعَتَهُ (¬1) حتى ذكرَ، ومن كان يَعْلِفُ جَمَلَهُ أو دابتهُ؟ قالوا: نحن. قال: فكلكم خيرٌ منه" رواه أبو داود في مراسيله. 16 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان وُصْلَةً (¬2) لأخيهِ المسلمِ إلى ذي سُلطانٍ في مَبْلَغِ بِرٍّ، أو تيسير عسير أعانهُ الله على إجازة (¬3) الصراط يوم القيامة عند دَحْضِ (¬4) الأقدام" رواه الطبراني في الصغير والأوسط وابن حبان في صحيحه، كلاهما من رواية إبراهيم بن هشام الغساني. ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أبي الدرداء، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان وُصْلَةً لأخيه إلى ذي سلطانٍ في مَبْلَغِ برٍ، أو إدخال سُرورٍ رفعهُ الله في الدرجات العُلى من الجنة". ¬

(¬1) يقوم بإصلاح أرضه. (¬2) شفيعاً موصلاً في عمل خير أو تسهيل أمر شاق. (¬3) مروره. (¬4) زلق، والمعنى الذي ينفع في إيصال الشكاية إلى حاكم يرفعها أو في إنشاء الخير ينجو من الوقوع، وهو يمر على الصراط إلى الجنة بسلام. لماذا؟ لأنه كان واسطة خير وعنوان سعادة وسيادة وأفاد الناس في إزالة منكر ونفع بجاهه في وجود أعمال لبني جنسه يرزقون منها، وهكذا من الصالحات.

أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن 17 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَقِيَ أخاهُ المسلمَ بما يُحِبُّ لِيَسُرَّهُ بذلك سَرَّهُ الله عز وجل يوم القيامة" رواه الطبراني في الصغير بإسناد حسن، وأبو الشيخ في كتاب الثواب. 18 - ورويَ عن الحسنِ بن عليٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من مُوجبات المغفرةِ إدخالك السرور على أخيك المسلم" رواه الطبراني في الكبير والأوسط. 19 - ورويَ عن عمر رضي الله عنه مرفوعاً: "أفضل الأعمالِ إدخالُ السرور (¬1) على المؤمن كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ، أو أشبعت جَوْعَتَهُ، أو قضيتَ له حاجةً" رواه الطبراني في الأوسط، ورواه أبو الشيخ من حديث ابن عمر، ولفظه: "أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تُدْخِلُهُ على مُسلمٍ، أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً (¬2) أو تَطْرُدُ (¬3) عنه جَزَعاً، أو تقضي عنه دَيْناً". 20 - ورويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحبَّ الأعمالِ إلى الله تعالى بعد الفرائضِ إدخالُ السرورِ على المسلمِ" رواه الطبراني في الأوسط والكبير. 21 - ورويَ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدخل على أهلِ بيتٍ من المسلمين سروراً لم يرضَ الله له ثواباً دون الجنة (¬4) " رواه الطبراني. 22 - ورويَ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أيُّ الناس أحَبُّ إلى الله؟ فقال: أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تُدخلهُ على مسلمٍ، تكشفُ ¬

(¬1) إدخال السرور، كذا (ط وع ص 189 - 2)، وفي (ن د): إدخالك السرور. (¬2) غماً أو شدة. (¬3) تزيل عنه ما أهمه. (¬4) أي لا ثواب له غير الجنة جزاء.

عنه كُربةً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطردُ عنه جوعاً، ولأن أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ (¬1) أحَبُّ إلىَّ من أن أعتكف في هذا المسجد. يعني مسجد المدينة شهراً، ومن كظم (¬2) غيظهُ، ولو شاء أن يُمْضِيَهُ (¬3) أمْضَاهُ (¬4) ملأ الله قلبهُ يوم القيامة رضى، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يقضيها له، ثَبَّتَ الله قدميه يوم تزولُ الأقدامُ" رواه الأصبهاني، واللفظ له، ورواه ابن أبي الدنيا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمّه. 23 - وعن جعفر بن محمدٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أدخل رجلٌ على مؤمن سروراً إلا خَلَقَ الله عز وجل من ذلك السرور ملكاً يَعْبُدُ اللهَ عز وجل ويوحده، فإذا صار العبدُ في قبرهِ أتاه ذلك السرور فيقول: أما تعرفني؟ فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا السرور الذي أدخلتني على فلانٍ أنا اليومَ أُونِسُ (¬5) وَحْشَتَكَ، وأُلَقِّنُكَ (¬6) حُجَّتَكَ، وأُثَبِّتُكَ بالقولِ (¬7) الثابت، وأُشْهِدُكَ مَشَاهِدَكَ (¬8) يوم القيامة، وأشفعُ (¬9) لك إلى ربك، وأريكَ مَنْزِلكَ من الجنة" رواه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في كتاب الثواب، وفي إسناده من لا يحضرني الآن حاله، وفي مَتنه نكارة، والله أعلم. 24 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شفعَ شفاعةً لأحدٍ، فأهْدَى له هديةً عليها فَقَبِلَهَا (¬10)، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب ¬

(¬1) في حاجة، كذا (ط وع)، وفي (ن د): في حاجته. (¬2) ملك نفسه عند الغضب فلم ينتقم، وأمسك على الغيظ حباً في ثواب الله تعالى، فلا جزع، وكف عن تنفيذه مع القدرة على الانتقام "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس" من سورة آل عمران. (¬3) يسعى للانتقام وأخذ العقوبة. (¬4) فعل. (¬5) أكون أنيساً سميراً لك مزيلاً عنك هذه الوحشة. (¬6) أفهمك جوابك للملكين: منكر ونكير، فتأخذ القول مشافهة مني لتثبت وتجيب جواباً حسناً محموداً. (¬7) أي الذي ثبت بالحجة عندهم وتمكن من قلوبهم كما قال تعالى: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت" من سورة إبراهيم. (¬8) مشاهدك كذا (ود ع ص 190)، وفي (ن ط): مشاهد أي أريك درجاتك وما أعده الله لك. (¬9) أكون واسطة رحمة لتنعم برضوان الله جل وعلا جزاء إدخال السرور على أخيك. (¬10) يريد صلى الله عليه وسلم أن تكون الشفاعة لله بلا انتظار شيء يعطى، فإذا سعى الإنسان في قضاء حاجة =

الكبائر" رواه أبو داود عن القاسم بن عبد الرحمن عنه. ¬

_ = لأخيه فقدم له هدية وقبلها كان قبوله لما أعطى كبيرة يحاسبه الله على ذلك حساباً عسيراً ولا ثواب له في شفاعته السابقة وحسبك قول النبي صلى الله عليه وسلم "اشفعوا فلتؤجروا" وفيه الترغيب في قضاء مصالح الناس لله. الثمرات التي ينالها الشفيع في قضاء مصالح الناس كما بَيَّنَها صلى الله عليه وسلم: أولاً: إذا شفع الإنسان في إزالة كربة نجاه الله من شدائد الآخرة (من فرج). ثانياً: يبسط الله للشفيع رزقه في حياته ويكسبه النعيم بعد مماته (يسر الله عليه). ثالثاً: يأمن الشفيع من عذاب الله يوم يشتد الهول. رابعاً: السعي في مصالح الناس يزيد الشفيع عزاً وجاهاً ويفتح الله له باب الخيرات ويغدق عليه البركات، وإلا سلب نعمه منه لتقصيره في مساعدة الراجين (ما لم يملوهم). خامساً: مدة السعي لأخيك عبادة وطاعة (كان خيراً له من اعتكاف). سادساً: يحيط بالشفيع أبرار أطهار يدعون له، هم (ألف ملك). سابعاً: قد يكون السعي لدى قضاء مصالح الناس سبباً لفك الشفيع من النار (أنا الذي بعثتني في حاجة كذا). ثامناً: يكتسب الشفيع عند كل خطوة 70 حسنة وإزالة 70 ذنباً. تاسعاً: في السعي لمصالح الناس صدقات جمة يؤديها الشفيع زكاة له على ما أنعمه عليه مولاه من الصحة والأرزاق (يعين ذا الحاجة) قضاء مصالح الناس سبب النجاة من الوقوع عند المرور على الصراط (إجازته). عاشراً: تكفير الخطايا لمن فرح أخاه وأدخل عليه السرور، وكان جزاؤه دخول الجنة، وعد حبيب الله ورافقه ملك يؤنسه ويجلب له كل نعيم. الحادي عشر: أن تقضى مصالح الناس لله بلا رشوة. الثاني عشر: من قضى حاجة لأخيه وقبل هدية، فعل كبيرة. الآيات القرآنية التي تحث على السعي في قضاء مصالح المسلمين: (أ) قال تعالى: "من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها، وكان الله على كل شيءٍ مقيتاً" (85 من سورة النساء). مقتدراً حافظاً للشيء وشاهداً له. أي راعى بها حق مسلم ودفع عنه ضرراً بها أو جلب إليه نفعاً ابتغاء وجه الله تعالى، ومنه الدعاء لمسلم، قال عليه الصلاة والسلام "من دعا لأخيه بظهر الغيب استجيب له، وقال له الملك ولك مثل ذلك" (نصيب): ثواب الشفاعة والتسبب إلى الخير الواقع بها (سيئة): يريد بها محرماً (كفل): نصيب من وزرها مساوٍ لها في القدر (مقيتاً): مقتدراً أو شهيداً حافظاً، من أقات على الشيء إذا قدر، أو من القوت فإنه يقوي البدن ويحفظه. أهـ بيضاوي. وفي غريب القرآن (من يشفع): أي من انضم إلى غيره وعاونه وصار شفيعاً له أو شفعا له في فعل الخير والشر فعاونه وقواه وشاركه في نفعه وضره، وقيل الشفاعة هاهنا أن يشرع الإنسان للآخر طريق خير، أو طريق شر فيقتدى به فصار كأنه شفع له، وذلك كما قال عليه السلام (من سنة سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن سنةسيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها) أي إثمها وإثم من عمل بها. أهـ ص 264 (ب) وقال تعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" (60 من سورة الرحمن). (جـ) وقال تعالى: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" (34 من سورة فصلت). ومن الحسنات السعي في قضاء حاجات المسلمين لله تعالى ولإبقاء المودة والمحبة في نفوس معاشريه. =

كتاب الأدب وغيره

كتاب الأدب وغيره الترغيب في الحياء، وما جاء في فضله، والترهيب من الفحش والبذاء 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَرَّ على رجُلٍ من الأنصار، وهو يَعِظُ أخاه (¬1) في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعْهُ (¬2) فإن الحياء من الإيمان" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 2 - وعن عمران بن حُصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بخيرٍ" رواه البخاري ومسلم. ¬

= (د) وقال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون" (10 من سورة الحجرات)، ومن الأخوة قضاء حاجته. (هـ) وقال تعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" من سورة الفتح. ومن الرحمة إجابة الداعي والشفاعة في إزالة كربه وتيسير أموره ووجود عمل له يدأب في كسب رزقه. (و) وقال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم" (71 من سورة التوبة). أي يختار المؤمن أخاه ولياً يستشيره في بعض أموره وينصحه ويعاونه ويقضي حاجته، فالصغير يحترم الكبير ويوقره ويتخذه رئيساً له، والكبير يرحم الصغير ويحبه ويسعى في مهام أموره، وقد حكى الله عن المنافقين (ويقبضون أيديهم): أي لا يشفعون لأحد في المبار، وقبض اليد كناية عن الشح (نسوا الله فنسيهم): أي أغفلوا ذكر الله وتركوا طاعته فتركهم من لطفه وفضله. (¬1) يعاتبه ويقول إنك لتستحي وينصحه. (¬2) اتركه على هذا الخلق السيئ، ثم زاده في ذلك ترغيباً لحكمة بأنه من الإيمان، وإذا كان الحياء يمنع صاحبه من استيفاء حق نفسه جر له ذلك تحصيل أجر ذلك الحق لاسيما إذا كان المتروك له مستحقاً، وقال ابن قتيبة: معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان فسمى إيماناً كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه، وحاصله أن إطلاق كونه من الإيمان مجاز، والظاهر أن الناهي ما كان يعرف أن الحياء من مكملات الإيمان فلهذا وقع التأكيد. قال الراغب الحياء انقباض النفس عن القبيح، وهو من خصائص الإنسان ليرتدع من ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة، وهو مركب من جبن وعفة فلذلك لا يكون المستحي فاسقاً وقلما يكون الشجاع مستحياً، وقد يكون لمطلق الانقباض كما في بعض الصبيان انتهى ملخصاً. وقال غيره هو انقباض النفس خشية ارتكاب ما يكره أعم من أن يكون شرعياً أو عقلياً أو عرفياً، ومقابل الأول فاسق. والثاني مجنون والثالث أبله. أهـ فتح ص 56 جـ 1.

3 - وفي رواية لمسلم: "الحياء خَيْرٌ كُلُّهُ". 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمانُ بضعٌ وسبعون، أو بضعٌ وستون شعبةً، فأفضلها قولُ: لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمان (¬1) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء من الإيمان، والإيمانُ في الجنة، والبَذَاءُ من الجفاء، والجفاءُ في النار" رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 6 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ من الإيمان، والبَذَاءُ والبيَانُ شُعبتان من النفاق" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث أبي غسان محمد بن مطرف. [والعي]: قلة الكلام. [والبذاء]: هو الفحش في الكلام. والبيان: هو كثرة الكلام، مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيتوسعون في الكلام، ويتفصحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله. انتهى. ورواه الطبراني بنحوه، ولفظه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحياء والعِيُّ من الإيمان، وهما يُقَرِّبَانِ من الجنةِ ويُباعدانِ من النار، والفُحْشُ والبَذَاءُ من الشيطان، وهما يُقَربان من النار، ويباعدان من الجنة. فقال أعرابيٌ لأبي أمامة: إنا لنقولُ في الشِّعْرِ: العِيُّ من الحُمْقِ، فقال: إني أقولُ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتَجِيُنِي بِشِعْرِكَ المُنْتِنِ (¬2) ". ¬

(¬1) أي أثر من آثار الإيمان. وقال الحليمي: حقيقة الحياء خوف الذم بنسبة الشر إليه، وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته، وقد قال بعض السلف: خف الله على قدر قدرته عليك واستحي منه على قدر قربه منك، والله أعلم. أهـ فتح. (¬2) القذر غير الثابت على الحقيقة، لأن الشاعر ثرثار يزخرف الكلام ويزينه ويمدح بالباطل ويذم.

ما كان الحياء في شيء إلا زانه 7 - ورويَ عن قُرَّةَ بن إياسٍ رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فَذُكِرَ عندهُ الحياء، فقالوا: يا رسول الله الحياءُ من الدين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هو الدينُ كُلُّهُ (¬1)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحياء والعَفَافَ والْعِيَّ: عِيَّ اللسانِ، لا عِيَّ القلبِ، والعفةَ من الإيمان، وإنهنَّ يَزِدْنَ في الآخرة (¬2): وَيَنْقُصْنَ من الدنيا، وما يَزِدْنَ في الآخرة أكثرُ مما ينقصنَ من الدنيا، وإن الشُّحَّ والْعَجْزَ والْبَذَاءَ من النفاق، وإنهنَّ يزدن في الدنيا، وينقصن من الآخرة، وما ينقصن من الآخرة أكثرُ مما يزدنَ من الدنيا" رواه الطبراني باختصار، وأبو الشيخ في الثواب، واللفظ له. 8 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة لو كان الحياءُ رجلاً كان رجُلاً صالحاً، ولو كان الفُحْشُ رجُلاً لكان رجلَ سَوْءٍ (¬3) " رواه الطبراني في الصغير والأوسط وأبو الشيخ أيضاً، وفي إسنادهما ابن لهيعة، وبقية رواة الطبراني محتج بهم في الصحيح. 9 - وعن زيد بن طلحة بن رُكانة يرفعهُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكلِّ دينٍ خُلُقاً، وخُلُقَ الإسلام الحياء" رواه مالك، ورواه ابن ماجة، وغيره عن أنس مرفوعاً، ورواه أيضاً من طريق صالح بن حسان عن محمد بن كعب القرظيّ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. 10 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كان الفُحْشُ في شيء إلا شَانَهُ (¬4)، وما كان الحياءُ في شيءٍ إلا زَانَهُ" رواه ابن ماجة، والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، ويأتي في الباب بعده أحاديث في ذم الفحش إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) لأنه يجر إلى الكمالات ويدعو إلى الفضائل. (¬2) يكسبن حسنات. (¬3) كان مثال الشرور والأذى والنقائص. (¬4) قبحه وعابه وأوجد به نقصاً.

الحياء شعبة من الإيمان 11 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء، والإيمانُ قُرناء (¬1) جميعاً، فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخرُ" رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس. 12 - وعن مُجَمِّعِ بن حارثةَ بن زيد بن حارثة عن عمه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحياء شُعبةٌ من الإيمان، ولا إيمان لمن لا حياء له" رواه أبو الشيخ ابن حبان في الثواب، وفي إسناده بشر بن غالب الأسدي مجهول. 13 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله حق الحياء. قال: قلنا يا نبي الله: إنا لنستحي، والحمد لله. قال ليس ذلك، ولكن الاستحياءُ من الله حقَّ الحياء: أن تحفظ الرأس (¬2)، وما وَعَى، وتحفظَ البطنَ (¬3) وما حَوَى، ولْتَذْكُرِ الموتَ وَالبِلَى (¬4)، ومَنْ أراد الآخرةَ ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله حقَّ الحياء" رواه الترمذي، وقال: هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبان بن إسحق عن الصباح بن محمد. [قال الحافظ]: أبان بن إسحق فيه مقال، والصباح مختلف فيه، وتكلم فيه لرفعه هذا الحديث، وقالوا: الصواب عن ابن مسعود موقوف، ورواه الطبراني مرفوعاً من حديث عائشة، والله أعلم. 14 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل إذا أراد أن يُهلكَ عبداً نزع منه الحياء فإذا نُزِعَ منه الحياء لم تُلْفِهِ (¬5) إلا مَقِيتاً (¬6) ¬

(¬1) أصحاب. (¬2) تفكر فيما يرضي الله بنية صالحة وتحفظ الفم أن يأكل حراماً، واللسان من الغيبة والنميمة. (¬3) لا يدخل فيه حرام وتحفظ الفرج من الزنا. (¬4) الفناء (كل شيء هالك إلا وجهه) فتعمل صالحاً في دنياك. (¬5) لم تلفه: أي لم تجده ص 192 - 2، وفي (ن ط ود): لم تلقه بالقاف. (¬6) واقع عليه المقت وأشد القبح والبغض، من مقت إلى الناس بالضم مقاتة فهو مقيت، وكذا ممقت من أمقته ومقته: أي أبغضته أشد البغض عن أمر قبيح، والمعنى قليل الأدب بغيض مذموم مكروه سيرته رديئة، وفعله دنيء، وإذا صار على هذه الحالة سلبت منه الأمانة فأصبح خائناً سارقاً مجرماً سفاكاً متشرداً متعوداً الشرور، =

فإذا لم تُلْفِهِ إلا مقيتاً ممقتاً نُزعتْ منه الأمانة، فإذا نُزعتْ منه الأمانة لم تُلْفِهِ إلا خائناً مُخَوَّناً، فإذا لم تُلْفِهُ إلا خائناً مُخَوَّناً (¬1) نُزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمةُ لم تُلْفِهِ إلا رجيماً (¬2) مُلْعَناً (¬3)، فإذا لم تُلْفِهِ إلا رجيماً مُلعناً نُزعت منه رِبْقَةُ الإسلام" رواه ابن ماجة. [الربقة] بكسر الراء وفتحها: واحدة الربق: وهي عرى في حبل تشد به البهم، وتستعار لغيره. ¬

= وفي المصباح: الخائن: هو الذي خان ما جعل عليه أميناً، والسارق من أخذ خفية من موضع كان ممنوعاً من الوصول إليه؛ وربما قيل كل سارق خائن دون العكس، والغاصب من أخذ جهاراً معتمداً على قوته. أهـ. (¬1) متصف بالخيانة واقعة عليه مغموس في أدرانها فلا يؤتمن. (¬2) مطروداً عن الخيرات وعن منازل الملأ الأعلى، قال تعالى: "فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" (98 من سورة النحل). وقال تعالى: "فاخرج منها فإنك رجيم" (34 من سورة الحجر). أهـ غريب. (¬3) مطروداً مبعداً، وفي الغريب اللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره قال تعالى: "ألا لعنة الله على الظالمين" (18 من سورة هود). أهـ. والمعنى أن التبجح وقلة الحياء سبب المصائب تجلب عليه غضب الله والناس وسوء سيرة، ويوجد عنده الاستعداد لارتكاب الموبقات والإجرام ويخلو قلبه من الرأفة وتحل به القسوة والجفوة فتزول عنه مظاهر الإسلام جميعها نسأل الله السلامة، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن، وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلكم كان عند الله عظيماً إن تبدوا شيئاً أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما" (53 - 54 من سورة الأحزاب). (إناه): أي غير منتظرين وقته أو إدراكه (فانتشروا): تفرقوا ولا تمكثوا (لا يستحي): يعني أن إخراجكم حق فينبغي أن لا يترك حياء كما لم يتركه الله ترك الحيي فأمركم بالخروج (متاعاً): شيئاً ينتفع به (حجاب): ستر، روي "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت. وقيل إنه عليه الصلاة والسلام كان يطعم ومعه بعض أصحابه فأصابت يد رجل يد عائشة رضي الله عنها فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فنزلت: (أطهر): من الخواطر النفسانية الشيطانية. أهـ بيضاوي. خلاصة فضائل الحياء كما بَيَّنَها صلى الله عليه وسلم في باب الأدب: أولاً: المستحي يدل على شدة إيمانه وكمال دينه وعنوان تقواه "شعبة". ثانياً: السباب الصخاب فاجر فاسق شتام قاس منافق "الجفاء". ثالثاً: عاقبة الاستحياء النجاة والنجاح والسلامة من أدران النقائص ودخول الجنة "الحياء والعي". =

الترغيب في الخلق الحسن وفضله، والترهيب من الخلق السيئ وذمه

الترغيب في الخلق الحسن وفضله، والترهيب من الخلق السيئ وذمه 1 - عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر (¬1) والإثم، فقال: البر حُسْنُ الْخُلُقِ، والإثمُ ما حَاكَ (¬2) في صَدركَ، وكَرِهْتَ أن يَطلعَ عليه الناسُ" رواه مسلم والترمذي. 2 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "لم يكن ¬

= رابعاً: ثواب الحياء كنوز مدخرة وأجرها جزيل في الآخرة. خامساً: هيئة المستحي جميلة يكسوها الوقار والهيبة وتحفها الزينة والإجلال، ولو مثل كان "رجلاً صالحاً". سادساً: المستحي أعمالة صالحة، وهو موفق "إلا زانه". سابعاً: وحركات المستحي وسكناته كلها في طاعة فلا يفكر ولا يأكل إلا ما يرضي الله جل وعلا "حق الحياء". ثامناً: عدم الحياء مصيبة ودمار يجلب سخط الرب تعالى والناس فيستحق قليل الحياء كل مقت، ولعن وعد خائناً سارقاً فاحشاً "رجيماً ملعنا". تاسعاً: من لا يستحي قاسي القلب جبار متكبر متجبر أرخى العنان لنفسه في عصيان الله غير موطد العزيمة على طاعة الله، وكساه الله الغل والخيبة ونزع منه دلائل الرضا والقبول "ربقة الإسلام". والحياء كما في الغريب: انقباض النفس عن القبائح وتركها، ولا يعد الجبان مستحياً، لأن الدين يدعو إلى عزة النفس وشجاعتها في الحق ودرك المحامد في تذليل المخاوف وإزالة الأخطار كما قال تعالى: "والله لا يستحي من الحق" من سورة الأحزاب. وكما قال الشاعر: وبالإقدام يسهل كل صعب ... وبالتمويه يتسع المجال وللمرحوم حافظ بك إبراهيم: امنع يديك وكف سوطك إنما ... بالبغي تجحد نعمة الديان أبت العواطف أن تزور لجاهل ... قلباً ولا تأوي له بجنان لا تألف الشفقات إلا أنفسا ... قد طهرت بالعلم والعرفان وقد روى البخاري: "لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر". وقد ورد في الفتح: حكى ابن التين عن أبي عبد الملك أن المراد "بالحياء من الإيمان" كمال الإيمان، وقال أبو عبيد الهروي: معناه أن المستحي ينطقع بحيائه عن المعاصي. وقال عياض وغيره: إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة، لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم. أهـ ص 399 جـ 10 وكان صلى الله عليه وسلم في الغريزي أشد حياءً من العذارء في خدرها، وفي المكتسب في الذروة العليا، ومعنى العذارء: البكر، وخدرها: الموضوع الذي تحبس فيه وتستتر، والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياءً شرعياً، بل هو عجز ومهانة. (¬1) البر: الإحسان إلى الناس والتقرب إلى الله تعالى، وفي النهاية: وأن البر دون الإثم: أي وإن الوفاء بما جعل على نفسه دون الغدر والنكث. (¬2) أي أثر فيه ورسخ.

رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً (¬1)، ولا مُتَفَحِّشاً، وكان يقول: إن من خياركم (¬2) أحسنكم أخلاقاً" رواه البخاري ومسلم والترمذي. 3 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من شيء أثقلَ في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُقٍ حسنٍ، وإن الله يُبغضُ الفاحشَ البذيء" رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي حديث حسن صحيح. وزاد في رواية له: "وإن صاحب حُسْنِ الخلق لَيَبْلُغُ به درجة صاحب الصوم والصلاة" ورواه بهذه الزيادة البزار بإسناد جيد لم يذكر فيه: الفاحش البذيء، ورواه أبو داود مختصراً قال: "ما من شيء أثقل في الميزان من حُسْنِ الخلق". [البذيء] بالذال المعجمة ممدوداً: هو المتكلم بالفحش، وردئ الكلام. 4 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخلُ الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله، وحُسْنُ الخلق، وسُئلَ عن أكثرِ ما يُدْخِلُ الناس النار؟ فقال: الفَمُ (¬3) والفَرْجُ (¬4) " رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الزهد وغيره، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. 5 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكْمَلِ المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وألطفهم (¬5) بأهله" رواه الترمذي والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، كذا قال، وقال الترمذي: حديث حسن، ولا نعرف لأبي قلابة سماعاً من عائشة. ¬

(¬1) فاعل القبح مفرطاً في الإساءة، وفي الفتح: الفحش ما خرج عن مقداره حتى يستقبح، ويدخل في القول والفعل والصفة، يقال طويل فاحش الطول: إذا أفرط في طوله، لكن استعماله في القول أكثر. والمتفحش الذي يتعمد ذلك ويكثر منه ويتكلفه، وأغرب الداودي فقال: الفاحش الذي يقول الفحش، والمتفحش الذي يستعمل الفحش ليضحك الناس. أهـ ص 348 جـ 10 (¬2) أكثركم خيراً. (¬3) يأكل حراماً، واللسان به الغيب والنميمة والسب والشتم. (¬4) الزنا. (¬5) أرأفهم.

إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار 6 - وعنها رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن المؤمن لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ درجةَ الصائم (¬1) والقائم" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ولفظه: "إن المؤمن ليدرك بِحُسْنِ الخلق درجات قائم الليل، وصائم النهار" ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة إلا أنه قال: "إن الرجل ليدرك بِحُسْنِ خُلُقهِ درجةَ القائم بالليل الظامئ بالهواجر (¬2) ". 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لَيُبَلِّغُ العبدَ بِحُسْنِ خُلُقِهِ درجة الصوم والصلاة" رواه الطبراني في الأوسط، وقال: صحيح على شرط مسلم. ورواه أبو يعلى من حديث أنس، وزاد في أوله: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً". 8 - وعن أنسٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبدَ ليبلغُ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة، وشرف المنازل، وإنه لضعيفُ العبادة، وإنه ليبلغُ بسوء خُلقهِ أسفلَ درجةٍ في جهنم" رواه الطبراني ورواته ثقات سوى شخية المقدام بن داود، وقد وُثق. 9 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن المسلم المُسَدَّدَ (¬3) لَيُدْرِكُ درجةَ الصُّوَّامِ القَوَّامِ بآيات الله بِحُسْنِ خُلُقِهِ، وَكَرَمِ ضَرِيبَتِهِ" رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورواة أحمد ثقات إلا ابن لهيعة. [الضريبة: الطبيعة] وزناً ومعنى. 10 - وعن صفوان بن سُلَيْمٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ¬

(¬1) الصائم نهاره المتهجد ليله الذاكر العابد. (¬2) شديد الظمأ في شدة الحر في الجهاد في سبيل الله تعالى. (¬3) الموفق المتصف بالسداد والحكمة المتحلي بمكارم الأخلاق.

أخبركم بأيْسَر (¬1) العبادة، وأهونها على البدن: الصَّمْتُ (¬2)، وَحُسْنُ الخلق" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت مرسلاً. 11 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كَرَمُ المؤمن دِينُهُ، وَمُروءتهُ عَقْلُهُ، وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ" رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي كلهم من رواية مسلم بن خالد الزنجي، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ورواه البيهقي أيضاً موقوفاً على عمر صحح إسناده، ولعله أشبه. 12 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أبا ذرٍ لا عَقْلَ كالتدبير (¬3)، ولا وَرَعَ (¬4) كالْكَفِّ، ولا حَسَبَ (¬5) كَحُسْنِ الخُلُقِ" رواه ابن حبان في صحيحه، وغيرهُ في آخر حديث طويل تقدم منه قطعة في الظلم. 13 - وتقدم في الإخلاص حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أفلح من أخلص قلبهُ للإيمان، وجعل قلبهُ سليماً (¬6)، ولسانهُ صادقاً، ونَفْسَهُ مُطمئنةً (¬7)، وخَلِيقَتَهُ مُستقيمةً (¬8) " الحديث. 14 - وعن العلاء بن الشِّخِّيرِ رضي الله عنه: "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم من قِبَلِ وَجْهِهِ، فقال يا رسول الله: أي العمل أفضلُ؟ قال: حُسْنُ الخلق، ثم أتاهُ عن يمينه، فقال: أي العمل أفضلُ؟ قال: حُسْنُ الخلق، ثم أتاهُ عن شمالهِ، فقال ¬

(¬1) أسهلها. (¬2) السكوت بأدب ووقار وسكينة. (¬3) التفكير في مصادر الأمور ومواردها: قدر لرجلك قبل الخطو موضعها ... فمن علا زلقا عن غرة زلجا (¬4) زهد يجلب خوف الله تعالى. وفي النهاية: ملاك الدين الورع: أي الكف عن المحارم والتحرج منه. (¬5) الحسب: الشرف بالآباء وما يعده الإنسان من مفاخرهم، وقيل الحسب والكرم يكونان في الرجل، وإن لم يكن له آباء لهم شرف، والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء، فجعل المال بمنزلة شرف النفس أو الآباء، ومنه "حسب المرء دينه وكرمه خلقه". (¬6) خالياً من الأحقاد والضغائن. (¬7) راضية. (¬8) متبعاً سنن النبي صلى الله عليه وسلم سالكاً مناهج الصالحين وطريقته محبوبة.

يا رسول الله: أي العمل أفضلُ؟ قال: حُسْنُ الخلق، ثم أتاه من بعدهِ، يعني من خَلْفِهِ، فقال: يا رسول الله: أي العمل أفضلُ؟ فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مَالَكَ لا تَفْقَهُ (¬1) حُسْنُ الخُلُقِ هو أن لا تغضبَ إن استطعت" رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة مرسلاً هكذا. حسن الخلق خلق الله الأعظم 15 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيمٌ (¬2) ببيتٍ في رَبَضِ (¬3) الجنةِ لمن ترك المِراءَ (¬4)، وإن كان مُحِقاً، وببيتٍ في وَسَطِ الجنة لمن ترك الكذِبَ، وإن كان مَازِحاً، وببيتٍ في أعلى الجنة لمن حَسَّنَ خُلُقَهُ" رواه أبو داود، واللفظ له، وابن ماجة والترمذي، وتقدم لفظه، وقال: حديث حسن. 16 - وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أحَبِّكُمْ إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً الحديث" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. 17 - ورويَ عن عمَّار بن ياسرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حُسْنُ الخلقِ خُلُقُ الله الأعْظَمُ" رواه الطبراني في الكبير والأوسط. 18 - ورويَ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله تعالى قال: إن هذا دينُ ارتضيتهُ (¬5) لنفسي، ولن يَصْلُحَ له إلا السَّخَاءُ (¬6)، وَحُسْنُ الخلقِ، فأكرموهُ بهما ما صَحِبْتُمُوهُ" رواه الطبراني في الأوسط، وتقدم في البخل والسخاء حديث عمران بن حصين بمعناه. 19 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) لا تفهم، وفسره صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب. (¬2) كفيل وضامن، قال تعالى: "وأنا به زعيم" (72 من سورة سويف). (¬3) ما حولها خارجاً عنها تشبيهاً بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع. أهـ نهاية. (¬4) الجدل والخصومة. (¬5) ارتضيته كذا (ط وع ص 195)، وفي (ن د): أرتضيه. (¬6) الجود والكرم.

قال: "أوْحَى الله إلى إبراهيم عليه السلام: يا خليلي حَسِّنْ خُلُقَكَ ولو مع الكفار تدخل مدخلَ الأبرار، وإن كلمتي سبقت لمن حَسَّنَ خُلُقَهُ أن أُظِلَّهُ تحت عرشي، وأن أسْقِيَهُ من حظيرة (¬1) قدسي، وأن أُدنيه (¬2) من جواري" رواه الطبراني. 20 - وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما حَسَّنَ اللهُ خَلْقَ رجُلٍ وَخُلُقَهُ، فَتَطْعَمَهُ النارُ أبداً (¬3) " رواه الطبراني في الأوسط. عليك بحسن الخلق وطول الصمت 21 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأحَبِّكُمْ إليَّ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ فأعادها مرتين أو ثلاثاً. قالوا: نعم يا رسول الله. قال: أحسنكم خُلُقاً" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه. 22 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "لقيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: يا أبا ذرٍ ألا أدُلُّكَ على خَصْلَتيْنِ هما أخفُّ على الظهر، وأثقلُ على الميزانِ من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله قال: عليك بِحُسْنِ الخُلُقِ، وطُولِ الصَّمْتِ (¬4)، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائقُ بمثلهما" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني والبزار وأبو يعلى بإسناد جيد ورواته ثقات، واللفظ له، ورواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب بإسناد واهٍ عن أبي ذر، ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذرٍ ألا أدلك على أفضل العبادة، وأخفها ¬

(¬1) أراد الجنة: وهي في الأصل الموضع الذي يحاط عليه لتأوى إليه الغنم والإبل يقيهما البرد والريح. أهـ نهاية، فكأن حسن الخلق يجلب النعيم والعز المقيم والأمن من الفزع والنجاة من الشدائد، ويزيل الظمأ بشربة هنيئة مريئة ويقرب إلى رضوان الله وإحسانه. (¬2) أن أقربه. (¬3) أي لا يكون جميل الخلق حسن الخلق طعاماً للنار. (¬4) السكوت والهدوء والرزانة والأدب والكمال، قال عامر بن الظرب العدواني لحممة بن رافع الدوسي: من أحكم الناس؟ قال من صمت فاذكر، ونظر فاعتبر، ووعظ فازدجر، قال: من أجهل الناس؟ قال من رأى الخرق مغنماً، والتجاوز مغرماً.

على البدن، وأثقلها في الميزان، وأهونها (¬1) على اللسان؟ قلتُ: بلى فداك أبي وأمي (¬2) قال: عليك بطولِ الصمت (¬3)، وحُسْنِ الخُلُقِ، فإنك لست بعاملٍ يا أبا ذرٍ بمثلهما (¬4) ". 23 - ورواه أيضاً من حديث أبي الدرداء قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا الدرداء: ألا أُنَبِّئُكَ بأمرين خفيفٍ مُؤنَتُهُما (¬5)، عظيمٍ أجْرُهُمَا، لم تَلْقَ الله عز وجل بمثلهما: طول الصمت، وحُسْنِ الخُلُقِ". 24 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال أطْوَلُكُمْ أعماراً (¬6)، وأحسنكم أخلاقاً" رواه البزار وابن حبان في صحيحه كلاهما من رواية ابن إسحاق، ولم يصرح فيه بالتحديث. 25 - وعن أسامةبن شريكٍ رضي الله عنه قال: "كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطيرُ، ما يتكلمُ منا مُتَكلمٌ (¬7) إذ جاءهُ أُناسٌ فقالوا: مَنْ أحَبُّ عِبَادِ اللهِ إلى اللهِ تعالى؟ قال: أحْسَنُهُمْ خُلُقاً" رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح، وابن حبان في صحيحه. 26 - وفي رواية لابن حبان بنحوه إلا أنه قال: "يا رسول الله فما خَيْرُ ما أُعْطِيَ الإنسانُ؟ قال: خُلُقٌ حَسَنٌ" ورواه الحاكم والبيهقي بنحو هذه، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما، ولم يخرّجاه لأن أسامة ليس له سوى راوٍ واحد، كذا قال، وليس بصواب فقد روى عنه زياد بن علاقة، وابن الأقمر وغيرهما. 27 - وعن جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنهما قال: "كنت في مجلسٍ فيه النبيُّ ¬

(¬1) أيسرها وأسهلها في النطق. (¬2) أفديك بأعز عزيز لدي. (¬3) السكوت. (¬4) يوصيه صلى الله عليه وسلم باتباع السكينة وقلة الكلام إلا فيما يعنيه وعدم الثرثرة مع التحلي بمكارم الأخلاق وهاتان خلتان لا نظير لهما في الكمال والأدب والتقدم الاجتماعي. (¬5) مؤنتهما كذا (د وع ص 195)، وفي (ن ط): مونهما. (¬6) الذين أنفقوا أعمارةم في طاعة الله كما قيل: خيركم من طال عمره وحسن عمله. (¬7) كناية عن السكوت التام مثل الرجل الهادئ الذي ينتهز فرصة وقوف الطائر على رأسه ليصيده.

صلى الله عليه وسلم، وسَمُرَةُ، وأبو أمامة، فقال: إن الفُحْشَ (¬1) والتَفَحُّشَ (¬2) ليسا من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خُلُقاً" رواه أحمد والطبراني وإسناد أحمد جيد، ورواته ثقات. إن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم أخلاقاً 28 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "أن معاذ بن جبل رضي الله عنه أراد سفراً فقال: يا نبي الله أوصني، قال: اعْبُد الله لا تُشركْ به شيئاً. قال: يا نبي الله زدني، قال: إذا أسأت فأحْسِنْ، قال: يا نبي الله زدني، قال: اسْتَقِمْ، وَلْيَحْسُنْ (¬3) خُلُقُكَ" رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 29 - ورواه مالك عن معاذ قال: "كان آخرُ ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وَضَعْتُ رِجْلِي في الغَرْزِ (¬4) أن قال: يا معاذُ أحْسِنْ خُلُقَكَ للناس". 30 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقِ الله حيثما كنت (¬5) وأتبع السيئة الحسنةَ تمحُها (¬6)، وخَالِقِ الناس بِخُلُقٍ حَسَنٍ" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. 31 - وعن عُمير بن قتادة رضي الله عنه: "أن رجلاً قال: يا رسول الله: أي الصلاة أفضلُ؟ قال: طُولُ القُنُوتِ (¬7). قال: فأي الصدقة أفضلُ؟ قال: جَهْدُ المُقِلِّ (¬8). قال: أي المؤمنين أكملُ إيماناً؟ قال: أحسنهم خُلُقاً" رواه الطبراني في الأوسط من رواية سويد بن إبراهيم أبي حاتم، ولا بأس به في المتابعات. ¬

(¬1) الزيادة في القبح. (¬2) تكلف الوقاحة والقباحة وتعمد الإجرام، وفي النهاية "إن الله يبغض الفاحش المتفحش: الفاحش" ذو الفحش في كلامه وفعاله. والمتفحش: الذي يتكلف ذلك ويتعمده، وكل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي فاحشة. أهـ. (¬3) وليحسن خلقك كذا (ط وع ص 196 - 2)، وفي (ن د): ولتحسن خلقك، ففيه الأمر بالاستقامة واتباع الصراط السوي وسلوك العمل الصالح مع تهذيب الخلق وتحسينه. (¬4) الغرز: ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل هو الكور مطلقاً مثل الركاب للسرج. أهـ نهاية. (¬5) خفف من الله في أي مكان وجدت. (¬6) اجعل بدل السيئة حسنة تزيلها. (¬7) الخشوع والمداومة على الطاعة. (¬8) الإنفاق مع قلة الشيء وجهاد النفس في السخاء مع الضيق.

32 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم كما أحسنت (¬1) خَلْقِي فأحْسِنْ خُلُقِي (¬2) " رواه أحمد، ورواته ثقات. 33 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحَبَّكُمْ إليَّ أحَاسِنُكُمْ أخلاقاً الموطِّئُونَ (¬3) أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون (¬4)، وإن أبغضكم إليَّ المشَّاءون بالنميمة (¬5) المُفَرِّقُون بين الأحبة (¬6)، الملتمسون للبرآء العيب (¬7) " رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورواه البزار من حديث عبد الله بن مسعود باختصار، ويأتي في النميمة إن شاء الله حديث عبد الرحمن بن غنم بمعناه. 34 - ورويَ عن أنس رضي الله عنه قال: "قالت أم حبيبة: يا رسول الله المرأةُ يكون لها زوجان، ثم تموت فتدخل الجنة هي وزوجاها لأيهما (¬8) تكونُ، للأول أو للآخر؟ قال: تُخَيَّرُ، أحسنهما خُلُقاً كان معها في الدنيا يكون زوجها في الجنة، يا أم حبيبة ذهب حُسْنُ الخلق بخير الدنيا والآخرة" رواه الطبراني والبزار باختصار، ¬

(¬1) أحسنت كذا في (ط وع)، وفي (ن د): حسنت. (¬2) السجية الداعية إلى التحلي بالكمالات، دعاء منه صلى الله عليه وسلم ليزيده الله نوراً ومحامد ومكارم وفضائل وقد مدحه الله جل وعلا "وإنك لعلى خلق عظيم" (4 من سورة القلم). (¬3) الهينون المتواضعون حسنو المعاملة. وفي النهاية هذا مثل، وحقيقته من التوطئة، وهي التمهيد والتذليل وفراش وطئ لا يؤذي جنب النائم، والأكناف الجوانب، أراد الذين جوانبهم وطيئة يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى. أهـ. والوطاء: المهاد الوطيء، وطؤ الفراش: قرب. (¬4) يحبهم الناس ويحبون الناس. (¬5) السعي بالفساد وإيقاد نار العداوة. (¬6) المشتتون الأخلاء الذين يخلقون الشقاق بين المتصافين. (¬7) السبابون للشرفاء. بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أن المحبوب ذا الدرجة العالية عنده صلى الله عليه وسلم الذي حسن خلقه وكرمت صفاته فتصدر عنه الأفعال الحسنة بسهولة وبشاشة، ويصدر عنه الكرم والحلم بلا عناء وتتجلى فيه محاسن الأخلاق كالزهرة اليانعة والشمس الساطعة كالصدق والشهامة، والنجدة وعزة النفس والتواضع والتثبت وعلو الهمة والعفو والبشر والرحمة والحكمة والشجاعة والوقار والصيانة والحرية والدماثة والدعة والصبر والورع والحياء والنزاهة وحفظ السر والقناعة والعفة والإيثار، وحسبك أنه صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للأخلاق الفاضلة. وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن" أي أدبه آدابه وخلقه أخلاقه: من صبر وحلم وكرم وعفو وإخلاص وشجاعة وعدل وحكمة وهكذا. أي عامل بآياته. (¬8) لأيهما كذا (د وع ص 197)، وفي (ن ط): لايهمها، والمعنى أن المرأة التي تزوجت اثنين في حياتها بأن مات الأول أو طلقها تترك لها الحرية والخيار في اختيار أحسنهما خلقاً.

ورواه الطبراني أيضاً في الكبير والأوسط من حديث أم سلمة في آخر حديث طويل يأتي في صفة الجنة إن شاء الله تعالى. 35 - ورويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْخُلُقُ الْحَسَنُ يُذِيبُ الخطايا (¬1) كما يُذيبُ الماء الجليد، والخلقُ السوء يفسد العمل كما يفسد الخلُّ العسل" رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي. أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً 36 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكملُ المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وخياركم خياركم لأهلهِ" رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح، والبيهقي إلا أنه قال: "وخياركم خياركم لنسائهم" والحاكم دون قوله: وخياركم خياركم لأهلهِ"، ورواه بدونه أيضاً محمد بن نصر المروزي، وزاد فيه: "وإن المرء ليكونُ مؤمناً وإن في خُلُقِهِ شيئاً فينقص ذلك من إيمانه". 37 - وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم لن تَسَعُوا الناس بأموالكم، ولكن يَسَعُهُمْ منكم بسطُ الوجه (¬2)، وحُسْنُ الخُلُقِ" رواه أبو يعلى والبزار من طرق أحدُها حسن جيد. 38 - وعن رجلٍ من مُزَيْنَةَ قال: "قيل يا رسول الله ما أفضل ما أُوتِيَ الرجلُ المسلم؟ قال: الخُلُقُ الحسن. قال: فما شرُّ ما أُوتِيَ الرجل المسلم؟ قال: إذا كرهت أن يُرى عليك شيء في نادي القوم، فلا تفعلهُ إذا خلوت" رواه عبد الرزاق في كتابه عن معمر بن أبي إسحاق عنه. 39 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الأخلاق من الله، فمن أراد الله به خيراً منحه (¬3) خُلُقاً حسناً، ومن أراد به سوءاً منحه خُلُقاً سيئاً" رواه الطبراني في الأوسط. ¬

(¬1) الذنوب. (¬2) بشاشته ولطفه. (¬3) أعطاه.

حسن الخلق نماء وسوء الخلق شؤم 40 - وعن أبي ثعلبة الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحَبَّكُمْ (¬1) إليَّ، وأقربكم مني (¬2) في الآخرة محاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليَّ (¬3)، وأبعدكم مني في الآخرة أسوؤكم (¬4) أخلاقاً الثرثارون المتفيهقون المتشدقون" رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح والطبراني وابن حبان في صحيحه، ورواه الترمذي من حديث جابر، وحسنه لم يذكر فيه: أسوؤكم أخلاقاً. وزاد في آخره: قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون. [الثرثار] بثاءين مثلثتين مفتوحتين: هو الكثير الكلام تكلفاً. [والمتشدق]: هو المتكلم بملء شدقه تفاصحاً، وتعظيماً لكلامه. [والمتفيهق] أصله من الفهق، وهو الامتلاء، وهو بمعنى المتشدق، لأنه الذي بالكلام، ويتوسع فيه إظهاراً لفصاحته وفضله، واستعلاء على غيره، ولهذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالمتكبر. 41 - وعن رافعٍ بن مَكِيثٍ، وكان ممن شهد الحديبية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حُسْنُ الخلق نماء (¬5)، وسوء الخلق شؤم (¬6) والبر (¬7) زيادةٌ في العمر، والصدقةُ تدفعُ ميتةَ السوء (¬8) " رواه أحمد وأبو داود باختصار، وفي إسنادهما راوٍ لم يسمّ، وبقية إسناده ثقات. 42 - ورويَ عن جابرٍ رضي الله عنه قال: "قيل يا رسول الله ما الشؤم؟ قال: سوء الخلق" رواه الطبراني في الأوسط. ¬

(¬1) أكثركم محبة وطاعة. (¬2) درجة وجوده في الجنة بجوار مكانه صلى الله عليه وسلم. (¬3) أشدكم كرهاً. (¬4) الذين أخلاقهم سيئة شديدة قبيحة. (¬5) زيادة في الخير وكسب للمعروف وتقدم وعلو. (¬6) الشؤم ضد اليمن، يقال تشاءمت به، ويتمنت به، والمعنى أن الخلق السيء يجلب لصاحبه الذم والبغض والشر والأذى. (¬7) فعل الخير وتشييد الصالحات وصلة الأقارب. (¬8) الإحسان يجلب حسن الخاتمة، ويزيل الألم عند الموت، ويبعد الميتة الشنيعة القبيحة.

43 - ورواه فيه أيضاً من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشؤم سوء الخلق". 44 - ورويَ عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من شيء إلا له توبةٌ إلا صاحب سوء الخلق، فإنه لا يتوبُ من ذنبٍ إلا عاد (¬1) في شرٍ منه" رواه الطبراني في الصغير والأصبهاني. 45 - وفي رواية للأصبهاني عن رجل من أهل الجزيرة لم يسمه عن ميمون بن مهران قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذنبٍ أعظمُ عند الله عز وجل من سوء الخلق، وذلك أن صاحبهُ لا يخرجُ من ذنبٍ إلا وقعَ في ذنبٍ" وهذا مرسل. 46 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يدعو يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشقاق (¬2)، والنفاق (¬3) وسوء الأخلاق" رواه أبو داود والنسائي. ¬

(¬1) رجع. (¬2) التنافر. (¬3) التذبذب وعدم الثبات على الحق. أقوال العلماء في تفسير حُسن الخلق: قال الحسن: حُسن الخلق بسط الوجه وبذل الندى، وكف الأذى. وقال الواسطي: هو أن لا يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله تعالى. وقال شاه الكرماني: هو كف الأذى واحتمال المؤمن. وقال بعضهم: هو أن يكون من الناس قريباً، وفيما بينهم غريباً. وقال الواسطي مرة: هو إرضاء الخلق في السراء والضراء. وقال أبو عثمان: هو الرضا عن الله تعالى، وسئل سهل التستري عن حسن الخلق، فقال: أدناه الاحتمال وترك المكافأة والرحمة للظالم، والاستغفار له والشفقة عليه، وقال مرة: أن لا يتهم الحق في الرزق، ويثق به، ويسكن إلى الوفاء بما ضمن فيطيعه ولا يعصيه في جميع الأمور فيما بينه وبينه، وفيما بينه وبين الناس. وقال علي رضي الله عنه: حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال والتوسعة على العيال. وقال الحسين بن منصور: هو أن لا يؤثر جفاء الخلق بعد مطالعته للحق. وقال أبو سعيد الخراز: هو أن لا يكون لك هم غير الله تعالى. قال الغزالي: فهذا وأمثاله كثير، وهو تعرض لثمرات حسن الخلق لا لنفسه. ثم ليس هو محيطاً بجميع الثمرات أيضاً يقال حسن الخلق والخلق: أي حسن الظاهر والباطن، والخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها تصدر الأفعال بسهولة، ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلاً وشرعاً سميت تلك الهيئة خلقاً حسناً، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئاً، وكما أن حسن الظاهر بتمام جميع الجسم. كذلك حسن الخلق يحصل بأربعة: قوة العلم وقوة الغضب وقوة الشهوة وقوة العدل، فالأولى بها يفرق بين الصدق والكذب في الأقوال =

الترغيب في الرفق والأناة والحلم

الترغيب في الرفق والأناة والحلم 1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ¬

_ = والحق والباطل في الاعتقادات، وبين الجميل والقبيح في الأفعال، وبذا تجنى ثمرة الحكمة التي هي رأس الأخلاق الحسنة كما قال تعالى: "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً" من سورة البقرة. وقوة الغضب يصير انقباضها وانبساطها على حد ما تقتضيه الحكمة، وكذلك الشهوة حسنها وصلاحها تحت إشارة الحكمة: أي العقل والشرع وقوة العدل فهو ضبط الشهوة والغضب تحت إشارة العقل والشرع، فالعقل مثاله مثال الناصح المشير وقوة العدل هي القدرة ومثالها مثال المنفذ الممضي لإشارة العقل، والغضب هو الذي تنفذ فيه الإشارة ومثاله مثال كلب الصيد، فإنه يحتاج إلى أن يؤدب حتى يكون استرساله وتوقفه بحسب الإشارة لا بحسب هيجان شهوة النفس، والشهوة مثالها مثال الفرس الذي يركب في طلب الصيد، فإنه تارة يكون مروضاً مؤدباً، وتارة يكون جموحاً، فمن استوت فيه هذه الخصال، واعتدلت فهو حسن الخلق مطلقاً. وأمهات محاسن الأخلاق الحكمة والشجاعة والعفة والعدل، ولم يبلغ كمال الاعتدال فيها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس بعده عليه الصلاة والسلام متفاوتون في القرب والبعد منه، فكل من قرب منه في هذه الأخلاق، فهو قريب من الله تعالى بقدر قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن اتصف بأضادها قرب من الشيطان اللعين المبعد، وقد بعث صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، وقد أشار القرآن إلى هذه الأخلاق في أوصاف المؤمنين فقال تعالى: "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون" (15 من سورة الحجرات). فالإيمان بالله ورسوله من غير ارتياب هو قوة اليقين وهو ثمرة العقل ومنتهى الحكمة، والمجاهدة بالمال هو السخاء الذي يرجع إلى ضبط قوة الشهوة، والمجاهدة بالنفس هي الشجاعة التي ترجع إلى استعمال قوة الغضب على شرط العقل وحد الاعتدال، فقد وصف الله تعالى الصحابة فقال: "أشداء على الكفار رحماء بينهم" من سورة الفتح. إشارة إلى أن للشدة موضعاً، وللرحمة موضعاً، فليس الكمال في الشدة بكل حال، ولا في الرحمة بكل حال. أهـ ص 48 جـ 3 إحياء بتصرف. آيات حُسن الخلق: (أ) قال تعالى: "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون" (1 - 10 من سورة المؤمنون). (ب) وقال تعالى: "التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين" (112 من سورة التوبة). (جـ) وقال عز وجل: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم" (4 من سورة الأنفال). =

رفيقٌ (¬1) يُحِبُّ الرفق في الأمر كُلِّهِ" رواه البخاري ومسلم. 2 - وفي رواية لمسلم: "إن الله رفيقٌ يحب الرفق، ويُعطي على الرفقِ (¬2) ما لا يُعطى على العنف، وما لا يُعطى على سواهُ". 3 - وعنها أيضاً رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرفق لا يكونُ في شيء إلا زانهُ، ولا يُنزعُ من شيء إلا شانهُ" رواه مسلم. ¬

= (د) وقال تعالى: "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً" (63 من سورة الفرقان إلى آخر السورة). قال الغزالي: فمن أشكل عليه حاله فليعرض نفسه على هذه الآيات، فوجود جميع هذه الصفات علامة على حسن الخلق، وفقد جميعها علامة سوء الخلق، ووجود بعضها دون بعض يدل على البعض دون البعض، فليشتغل بتحصيل ما فقده وحفظ ما وجده. أهـ ص 60 جـ 3 إحياء. (هـ) وقال تعالى: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" (159 من سورة آل عمران). (و) وقال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم" (71 من سورة التوبة). (ز) وقال تعالى: "ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين" (55 من سورة القصص). (ح) وقال تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" (199 من سورة الأعراف). وللإمام الشافعي رضي الله عنه: وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا ولست بهياب لمن لا يهابني ... ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا فإن تدن مني تدن منك مودتي ... وإن تنأ عني تلفني عنك نائياً كلانا غنى عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا لا تيأسن من اللبيب وإن جفا ... واقطع حبالك من حبال الأحمق فعداوة من عاقل متجمل ... أولى وأسلم من صداقة أخرق (¬1) متصف بصفات الرأفة والرحمة. رفيق فعيل بمعنى فاعل. وقال المازري: رفيق صفة فعل، وهي ما يخلقه الله تعالى من الرفق لعباده. وقال النووي: فيه تصريح بتسميته سبحانه وتعالى ووصفه برفيق، وفيه فضل الرفق والحث على على التخلق به، وذم العنف. أهـ ص 145 جـ 10 وفي النهاية: الرفق لين الجانب، وهو خلاف العنف، وهو سبب كل خير. (¬2) قال النووي: أي يثيب عليه ما لا يثيب على غيره، وقال القاضي: معناه يتأتى به من الأغراض، ويسهل من المطالب ما لا يتأتى بغيره. أهـ، وفي الفتح: أي يتأتى معه من الأمور ما يتأتى مع ضده. والرفق لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل. أهـ ص 345 جـ 10.

الرفق يمن والخرق شؤم 4 - وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل لَيُعْطِي على الرفق ما لا يُعطي على الخرْقِ، وإذا أحَبَّ الله عبداً أعطاهُ الرفقَ، ما من أهل بيتٍ يُحْرَمُونَ (¬1) الرفق إلا حُرِمُوا" رواه الطبراني، ورواته ثقات ورواه مسلم وأبو داود مختصراً: "من يُحرمُ الرفق يُحرمُ الخير" زاد أبو داود: كُلَّهُ. 5 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أُعطيَ حظهُ من الرفق فقد أُعطيَ حظهُ من الخير، ومن حُرمَ حظهُ من الرفقِ فقد حُرمَ حظهُ من الخير" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. 6 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يُحبُ الرفقَ، ويرضاه، ويُعينُ عليه ما لا يُعينُ على العنف" رواه الطبراني من رواية صدقة بن عبد الله السمين: وبقية إسناده ثقات. 7 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "يا عائشة ارفقي، فإن الله إذا أراد بأهل بيتٍ خيراً أدخل عليهم الرفق" رواه أحمد والبزار من حديث جابر، ورواتهما رواة الصحيح. 8 - ورويَ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرفقُ يَمْنٌ، والخرقُ (¬2) شؤمٌ" رواه الطبراني في الأوسط. 9 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أُعطيَ أهلُ بيتٍ الرفق إلا نفعهم" رواه الطبراني بإسناد جيد. 10 - ورويَ عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من كنَّ فيه نشر الله عليه (¬3) كَنَفَهُ، وأدخلهُ جنتهُ: رِفْقٌ بالضعيف، وشفقةٌ على الوالدين، وإحسانٌ إلى المملوك" رواه الترمذي، وقال حديث غريب. ¬

(¬1) يحرمون الرفق إلا حرموا كذا (ع ص 198 - 2)، وفي (ن ط): إلا حرموا الخير، وفي (ن د): يحرمون الرفق إلا حرموا خيراً. (¬2) الجهل والحمق والقسوة والفظاظة. (¬3) أحاطه بحفظه.

ما كان الرفق في شيء قط إلا زانه 11 - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كان الرفق في شيء قط إلا زانهُ، ولا كان الخرقُ في شيء قط إلا شانهُ، وإن الله رفيقٌ يُحبُّ الرفقَ" رواه البزار بإسناد لين، وابن حبان في صحيحه، وعنده الفُحْشُ مكان الخُرْق، ولم يقل: وإن الله إلى آخره. 12 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بال أعرابيٌ في المسجد فقام الناسُ إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دَعُوهُ (¬1) وَأرِيقُوا (¬2) على بَوْلِهِ سَجْلاً، من ماء، أو ذَنُوباً من ماء، فإنما بعثتم مُيسرين (¬3)، ولم تُبعثوا مُعَسِّرينَ" رواه البخاري. [السجل]: بفتح السين المهملة وسكون الجيم: هي الدلو الممتلئة ماء. [والذنوب] بفتح الذال المعجمة مثل السَّجْل، وقيل: هي الدلو مطلقاً سواء كان فيها ماء أو لم يكن، وقيل: دون الملآى. 13 - وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يَسروا (¬4)، ولا تُعسروا، وبشروا (¬5) ولا تُنفروا" رواه البخاري ومسلم. 14 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خُيِّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قطُّ إلا أخذ أيسرهما (¬6) ما لم يكن إثماً (¬7)، فإن كان ثَمَّ (¬8) إثمٌ كان أبعدَ الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حُرمةُ الله، فينتقم لله تعالى" رواه البخاري ومسلم. التأني من الله والعجلة من الشيطان 15 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) اتركوه رأفة به. (¬2) صبوا، أمرهم صلى الله عليه وسلم بنظافة المسجد بلا أذى رفقاً به. ديمقراطية وكرامة وعزة الإسلام. (¬3) آخذين باليسر. (¬4) افعلوا الهين اللين اليسر. (¬5) قدموا البشرى والفأل الحسن. (¬6) أسهلها. (¬7) ذنباً. (¬8) هناك، وفي مختار الإمام مسلم: فيه استحباب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حراماً أو مكروهاً، والحث على الحلم والعفو واحتمال الأذى والانتصار لدين الله تعالى ممن فعل محرماً. أهـ ص 345 جـ 2

"ألا أُخْبِرُكُمْ بمن يُحَرَّمُ (¬1) على النار، أو بمن تُحَرَّمُ عليه النار؟ تُحَرَّمُ على كل هينٍ لَيِّنٍ سهلٍ (¬2) " رواه الترمذي، وقال حديث حسن، وابن حبان في صحيحه، ولفظه في إحدى رواياته: "إنما تَحْرُمُ النارُ على كل هَيِّنٍ لَيِّنٍ قريبٍ سهلٍ". 16 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التأني (¬3) من الله، والعجلةُ من الشيطان، وما أحدٌ أكثر معاذيرَ من الله، وما من شيء أحبُّ إلى الله من الحمدِ" رواه أبو يعلى، ورواته رواة الصحيح. 17 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشجِّ: "إن فيك لَخَصْلَتَيْنِ يُحبهُمَا ورسولهُ: الحلمَ والأناةَ" رواه مسلم. 18 - ورويَ عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جَمَعَ الله الخلائق نادى مُنادٍ أين أهلُ الفضلِ؟ قال: فيقومُ ناسٌ وهم يسيرٌ، فينطلقون سراعاً إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكةُ، فيقولون: إنا نراكم سراعاً إلى الجنة، فمن أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الفضل، فيقولون: وما فضلكم؟ فيقولون: كنا إذا ظُلمنا صبرنا، وإذا أُسيء إلينا حَلُمنا (¬4)، فيقال لهم: ادخلوا الجنة فَنِعْمَ أجرُ العاملين" رواه الأصبهاني. 19 - ورويَ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد لَيُدْرِكُ بالْحِلْمِ درجةَ الصائمِ القائم". زاد بعض الرواة فيه: "وإنه لَيُكْتَبُ جباراً، وما يملكُ إلا أهل بيته" رواه أبو الشيخ بن حبان في كتاب الثواب. 20 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) يبعد عنها. (¬2) حسن المعاملة هاش باش. (¬3) التؤدة والرزانة والوقار. (¬4) حلمنا كذا (د وع ص 200 - 2) أي لا يستفزنا غضب بل نتثبت ونتروى نتحلم ونتحالم: وفي (ن ط): حملنا.

وعليه بُرْدٌ (¬1) نجرانيٌ غليظُ الحاشية (¬2)، فأدركهُ أعرابيٌ، فجذبهُ (¬3) بردائهِ جَذْبَةً شديدةً، فنظرتُ إلى صَفْحَةِ عُنُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أثَّرَ بها (¬4) حاشيةُ الرداء من شدة جَذْبَتِهِ، ثم قال: يا محمدُ مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمَرَ له بِعَطَاء (¬5) " رواه البخاري ومسلم. وجبت محبة الله على من أغضب فحلم 21 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "كأني أنظرُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ضَرَبَهُ قومهُ، فأدْمَوْهُ (¬6)، وهو يمسحُ الدم عن وجههِ، ويقولُ: اللهم اغفر (¬7) لقومي فإنهم لا يعلمون" رواه البخاري ومسلم. 22 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وَجَبَتْ محبةُ الله على من أُغْضِبَ (¬8) فَحَلُمَ" رواه الأصبهاني، وفي سنده أحمد بن داود بن عبد الغفار المصري شيخ الحاكم، وقد وثقه الحاكم وحده. 23 - وتقدم حديث عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أُنَبِّئُكُمْ بما يُشَرِّفُ الله به البُنيان، ويرفعُ به الدرجات؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: تَحْلُمُ على من جَهِلَ (¬9) عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتُعْطِي من حرمك، وتَصِلُ من قَطَعَكَ" رواه الطبراني والبزار. 24 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) كساء من صنع نجران اليمن. (¬2) البطانة. (¬3) شدة بعنف (يسروا) هو أمر بالتيسير، والمراد به الأخذ بالتسكين تارة وبالتيسير أخرى من جهة أن التنفير يصاحب المشقة غالباً، وهو ضد التسكين، والتبشير يصاحب التسكين غالباً، وهو ضد التنفير. أهـ فتح ص 401 جـ 10 (ولا تنفروا): لا تذكروا شيئاً ينهزمون منه ولا تقصدوا ما فيه الشدة. أهـ قسطلاني. (¬4) أثر بها كذا (ط وع ص 200 - 2)، وفي (ن د): أثر فيها. (¬5) صدقة. لقد قابل صلى الله عليه وسلم جفوة ذلك العربي وقسوته بالحلم والرفق وأحسن إليه. قال القسطلاني: وفيه مزيد حلمه عليه الصلاة والسلام وصبره على الأذى في النفس والمال. أهـ جواهر البخاري. (¬6) أسالوا دمه. (¬7) امح ذنوبهم. (¬8) أصابه غضب فصبر وسامح وعفا، والحلم: الأناة. (¬9) سفه وساء أدبه.

"ليس الشديدُ بالصُّرَعَةِ، إنما الشديدُ الذي يملكُ نفسهُ عند الغضبِ (¬1) " رواه البخاري ومسلم. [قال الحافظ]: وسيأتي باب في الغضب ودفعه إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) أي ليس القوي الذي يصد الناس ويغلبهم. قال القسطلاني: الصرعة من يصرع الناس كثيراً بقوته فنقل إلى الذي يملك نفسه عند الغضب فإنه إذا ملكها قهر أقوى أعدائه وشر خصومه، ولذا قيل "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك" وهذا من فصيح الكلام، لأنه لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ، وقد ثارت عليه شهوة الغضب فقهرها بحلمه وصرعها بثباته كان كالصرعة الذي يصرع الرجال، ولا يصرعونه. أهـ ص 285 جواهر. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الشجاعة والعزة في كبح جماح النفس أن تسترسل في حدتها وتنطلق في غضبها: (أ) قال تعالى: "والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون" (27 من سورة الشورى). (ب) وقال تعالى: "الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" (134 من سورة آل عمران). (كبائر الإثم): ما يتعلق بالبدع والشبهات، والفواحش ما يتعلق بالقوة الشهوانية (ينفقون): في حال اليسر والعسر والسرور والحزن، (والكاظمين): الممسكين لا يؤاخذون من جنى عليهم إحساناً إلى المسيء رجاء أن ينزجر. (جـ) وقال تعالى: في بيان ذم الغضب "إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين" من سورة الفتح. قال الغزالي: الآية في ذم الكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب بالباطل، ومدح المؤمنين بما أنزل الله عليهم من السكينة. أهـ. وقوة الغضب محلها القلب؛ ومعناها غليان دم القلب بطلب الانتقام، وقد وصف الله سبحانه وتعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالشدة والحمية خشية التفريط فقال عز شأنه: "أشداء على الكفار رحماء بينهم" من سورة الفتح. وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم" من سورة التحريم. ولذا قال الشافعي رحمه الله: من استغضب ولم يغضب فهو حمار. قال الغزالي: فمن فقد قوة الغضب والحمية أصلاً فهو ناقص جداً. أهـ ص 145 جـ 3 والإفراط في الغضب الخروج عن سياسة العقل والدين وطاعته، ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظرة وفكرة ولا اختيار. بل يصير في صورة المضطر. قال الغزالي: والمحمود غضب ينتظر إشارة العقل والدين فينبعث حيث تجب الحمية، وينطفئ حيث يحسن الحلم، وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها عباده، وهو الوسط الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "خير الأمور أوساطها" وثمرة الحمية الضعيفة قلة الأنفة مما يؤنف منه من التعرض للحرم والزوجة والأمة، واحتمال الذل من الأخساء وصغر النفس والقماءة، وهو أيضاً مذموم، قال صلى الله عليه وسلم: "إن سعداً لغيور وأنا أغير من سعد وإن الله أغير مني" وإنما خلقت الغيرة لحفظ الأنساب، ولو تسامح الناس بذلك لاختلطت الأنساب، ولذلك قيل كل أمة وضعت الغيرة في رجالها وضعت الصيانة في نسائها، ومن ضعف الغضب الخور والسكوت عند مشاهدة المنكرات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي أحداؤها" يعني في الدين، وقال تعالى: "ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" من سورة النور. أهـ غزالي. وقيل في قوله تعالى: (ربانيين): أي حلماء علماء، وعن الحسن في قوله تعالى: "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً" (63 من سورة الفرقان). قال حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا. وقال عطاء بن أبي رباح =

الترغيب في طلاقة الوجه وطيب الكلام وغير ذلك مما يذكر

الترغيب في طلاقة الوجه، وطيب الكلام، وغير ذلك مما يذكر 1 - عن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليقٍ (¬1) " رواه مسلم. 2 - وعن الحسن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مِنَ الصدقة أن تُسَلِّمَ على الناس، وأنت طليقُ الوجهِ" رواه ابن أبي الدنيا، وهو مرسل. 3 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ معروفٍ صدقةٌ، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ، وأن تُفْرِغَ (¬2) من دَلْوِكَ في إناء أخيك" رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وصدرُه في الصحيحين من حديث حذيفة وجابر. ¬

= "يمشون على الأرض هوناً" أي حلماً. وقال ابن أبي حبيب في قوله عز وجل (وكهلاً): قال الكهل منتهى الحلم، وقال مجاهد "وإذا مروا باللغو مروا كراماً" أي إذا أوذوا صفحوا، وقال عمر رضي الله عنه: تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم، وقال الحسن: اطلبوا العلم وزينوه بالوقار والحلم. وقال علي رضي الله عنه: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك، وأن لا تباهي الناس بعبادة الله وحده، وإذا أحسنت حمدت الله تعالى، وإذا أسأت استغفرت الله تعالى. ومعنى الحلم كما في الغريب: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب. وقد وصف الله به سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام "إن إبراهيم لحليم أواه منيب" وكما قال تعالى في ولده "فبشرناه بغلام حليم" أي وجدت فيه قوة الحلم. ومن أقوال الشعراء في الحلم: أحب مكارم الأخلاق جهدي ... وأكره إن أعيب وأنا أعابا وأصفح عن سباب الناس حلماً ... وشر الناس من يهوى السبابا ومن هاب الرجال تهيبوه ... ومن حقر الرجال فلن يهابا ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا ألا إن حلم المرء أكرم نسبة ... تسامى بها عند الفخار حليم فيا رب هب لي منك حلماً فإنني ... أرى الحلم لم يندم عليه كريم (¬1) منبسط الوجه متهلله ببشاشة ولطف، يقال طلق الرجل طلاقة فهو طلق وطليق. ينهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستصغر الإنسان عمل الخير مهما قل، وإن كان مثل إظهار المودة والبشاشة لأخيك. (¬2) تصب: أي من عمل البر إعطاء الماء لأخيك، وإن كثر الماء، وهذا فعل محمود حسن لك عليه ثواب من الله جل وعلا.

تبسمك في وجه أخيك صدقة 4 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبسمك في وجه أخيك صدقةٌ، وأمْرُكَ بالمعروف، ونَهيُكَ عن المنكر صدقةٌ، وإرشادك الرجل في أرض (¬1) الضلال لك صدقةٌ، وإماطتك الأذى (¬2) والشَّوْكَ والْعَظْمَ عن الطريق لك صدقةٌ، وإفراغُكَ من دَلْوِكَ في دَلْوِ أخيك لك صدقةٌ" رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في صحيحه، وزاد: "وبَصَرُكَ للرجلِ الرَّدِئ البَصَرِ لكَ صدقة". 5 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ تبسمك في وجه أخيك يُكْتَبُ لك به صدقةٌ، وإماطتك الأذى عن الطريق يُكتبُ لك به صدقةٌ، وإنَّ أمْرَكَ بالمعروف صدقةٌ، وإرشادكَ الضال (¬3) يُكْتَبُ لك به صدقةٌ" رواه البزار والطبراني من رواية يحيى بن أبي عطاء، وهو مجهول. 6 - وعن أبي جُرِيٍّ الْهُجَيْمِي رضي الله عنه قال: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلتُ يا رسول الله: إنا قومٌ من أهل الباديةِ، فَعَلِّمْنَا شيئاً ينْفَعُنَا الله به؟ فقال: لا تَحْقِرَنَ من المعروف شيئاً، ولو أن تُفرغَ من دَلوكَ في إناء المُسْتَسْقِي (¬4)، ولو أن تُكلمَ أخاك، ووجهكَ إليه مُنْبَسِطٌ، وإياك وإسبالَ (¬5) الإزارِ فإنه من المخيلة (¬6)، ولا يُحِبُّهَا اللهُ، وإن امرؤ شَتَمَكَ بما يعلمُ فيك فلا تشتمهُ بما تعلمُ فيه، فإن أجرهُ لك وَوَبَالَهُ (¬7) على من قالهُ" رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي مفرّقاً، وابن حبان في صحيحه واللفظ له. 7 - وفي رواية النسائي: "فقال: لا تحقرن من المعروف شيئاً أن تأتيهُ، ولو أن تَهَبَ صَلَةَ الْحَبْلِ، ولو أن تُفرغَ من دلوك في إناء المُستسقي، ولو أن تلقى أخاك المسلم ووجهك ¬

(¬1) نصيحته أو دلالة على الخير والصواب بلا فسوق. (¬2) إزالتك كل ما فيه ضرر. يبين صلى الله عليه وسلم تشعب أفعال الخير من بشاشة وهداية وإبعاد أذى. (¬3) الضال كذا (د وع ص 201 - 2)، وفي (ن ط): الضلال، ومعنى الضال الضائع التائه غير عارف الطريق أو الجهال. (¬4) طالب السقيا من استسقى. (¬5) إمداده وطوله. (¬6) الكبر والبطر. (¬7) ضرره وعقابه.

بَسطٌ إليه، ولو أن تُونِسَ (¬1) الوَحْشَانَ بنفسك، ولو أن تَهَبَ الشِّسْعَ (¬2) ". الكلمة الطيبة صدقة 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ" رواه البخاري ومسلم في حديث. 9 - وعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار (¬3)، ولو بشقِّ تمرةٍ، فمن لم يجد فبكلمة طيبةٍ" رواه البخاري ومسلم. 10 - وعن المقدام بن شُريحٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قُلْتُ يا رسول الله حَدِّثْنِي بشيء يُوجبُ لي الجنة، قال: مُوجبٌ الجنة (¬4) إطعامُ الطعامِ، وإفشاء السلامِ (¬5) وَحُسْنُ الكلامِ" رواه الطبراني بإسنادين رواة أحدهما ثقات، وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت، والحاكم إلا أنهما قالا: "عليك بِحُسْنِ الكلام، وبَذْلِ الطعامِ" وقال الحاكم: صحيح ولا علة له، رواه البزار من حديث أنس، "قال: قال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي عملاً يُدْخِلُنِي الجنة؟ قال: أطعِمِ الطعامَ، وأفْشِ السلامَ، وأطِبِ الكلامَ، وَصَلِّ (¬6) بالليل والناسُ نيامٌ تدخل الجنة بسلامٍ". 11 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غُرْفَةً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فقال أبو مالكٍ الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً ¬

(¬1) كثير الوحشة الخائف فتزيل وحشته وتطمئن خاطره. (¬2) النعل تجعله له هبة وعطاء. (¬3) اجعلوا وقاية بينكم وبين النار بإقامة حاجز حصين، ولو بالتصدق بنصف تمرة، والذي ليس عنده شيء يقدم كلمة طيبة تنفعه في حشره وتبعد عنه عذاب جهنم. (¬4) الذي يوصل الجنة بحق ويضمن: (أ) كثرة الجود والإنفاق وبذل العيش للأكل. (ب) بذل السلام لمن عرفت، ومن لم تعرف. (جـ) طيب الكلام وبديعه ولطيفه. (¬5) (على من عرفت ومن لم تعرف)، وفي الفتح أي لا تخص به أحداً تكبراً أو تصنعاً، بل تعظيماً لشعار الإسلام ومراعاة لأخوة المسلم. (¬6) تهجد.

الترغيب في إفشاء السلام وما جاء في فضله وترهيب المرء من حب القيام له

والناسُ نيامٌ" رواه الطبراني والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، وتقدمت جملة من أحاديث هذا النوع في قيام الليل، وإطعام الطعام. الترغيب في إفشاء السلام، وما جاء في فضله وترهيب المرء من حب القيام له 1 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسلام خيرٌ؟ قال تُطعم الطعام (¬1)، وتقرأ السلام (¬2) على من عرفت، ومن لم تعرف" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا (¬3)، ولا تؤمنوا حتى تحابوا (¬4)، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. 3 - وعن ابن الزبير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) تكثر من قرى الضيوف وتقديم الطعام للناس ابتغاء ثواب الله تعالى، وكذا عمل الخير. (¬2) تحيي بتحية الإسلام (السلام عليكم ورحمة الله) وفي العيني: فيه حث على إطعام الطعام الذي هو أمارة الجود والسخاء ومكارم الأخلاق، وفيه نفع للمحتاجين وسد الجوع الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه إفشاء السلام الذي يدل على خفض الجناح للمسلمين والتواضع والحث على تآلف قلوبهم واجتماع كلمتهم وتواددهم ومحبتهم، وفيه إشارة إلى تعميم السلام، وهو أن لا يخص به أحداً دون أحد كما يفعله الجبابرة، لأن المؤمنين كلهم أخوة وهم متساوون في رعاية الأخوة، ثم هذا العموم مخصوص بالمسلمين فلا يسلم ابتداء على كافر لقوله صلى الله عليه وسلم "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه" رواه البخاري، وكذلك خص معه الفاسق، ولفظ الإطعام يشمل الأكل والشرب والذوق سواء كان المطعم مسلماً أو كافراً أو حيواناً، وتقرأ السلام، يتناول سلام الباعث بالكتاب المتضمن بالسلام، وخص صلى الله عليه وسلم هاتين: (أ) إنفاق مالية تيسيراً للإطعام. (ب) بدئية تحية السلام. وقال الخطابي: جعل صلى الله عليه وسلم أفضلهما إطعام الطعام الذي هو قوام الأبدان ثم جعل خير الأقوال في البر والإكرام إفشاء السلام الذي يعم ولا يخص من عرف ومن لم يعرف حتى يكون خالصاً لله تعالى بريئاً من حظ النفس والتصنع، لأنه شعار الإسلام فحق كل مسلم فيه شائع. أهـ ص 139 (¬3) تصدقوا بالله وتعملوا صالحاً له تعالى. (¬4) تزداد محبتكم ويود بعضكم بعضاً.

"دَبَّ (¬1) إليكم داءُ الأمم قبلكم: البغضاء والحسدُ، والبغضاءُ هي الحالقة (¬2) ليس حالقةَ الشعر، ولكن حالقةُ الدِّين، والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة تحتى تؤمنوا (¬3)، ولا تؤمنوا حتى تحابوا (¬4) ألا أُنبئكم بما يُثبتُ لكم ذلك؟ أفشوا (¬5) السلام بينكم" رواه البزار بإسناد جيد. 4 - ورويَ عن شيبةَ الحُجَبِيِّ عن عمه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ يُصْفِينَ (¬6) لك وُدَّ أخيكَ: تُسَلِّمُ عليه إذا لقيتهُ، وتُوسعُ له في المجلس، وتدعوهُ بأحبِّ (¬7) أسمائه إليه" رواه الطبراني في الأوسط. 5 - وعن البراء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفشوا السلام تَسْلَمُوا" رواه ابن حبان في صحيحه. 6 - وعن أبي يوسف عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وَصَلُّوا بالليل (¬8) والناس نيامٌ تدخلوا الجنة بسلامٍ (¬9) " رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. 7 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعبدوا الرحمن (¬10)، وأفشوا السلام وأطعموا الطعام تدخلوا الجنان (¬11) " رواه الترمذي وصححه، وابن حبان في صحيحه، واللفظ له. [قال الحافظ]: وتقدم غيرُ ما حديث من هذا النوع في إطعام الطعام وغيره. 8 - وعن أبي شُريحٍ رضي الله عنه أنه قال: "يا رسول الله أخبرني بشيء يُوجبُ ¬

(¬1) سرى وسار، يقال دب على الأرض للأجسام، ودب إليه المرض في المعاني: أي سرى إليه ففيه تجوز. (¬2) أي الداء الحسد والبغضاء، ثم فسر صلى الله عليه وسلم البغضاء بالحالقة: أي الخصلة التي شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر. (¬3) بالله وبرسله وتعملوا بأوامره عز شأنه. (¬4) يحب بعضكم بعضاً. (¬5) أكثروا من إبدائه تحية. (¬6) تجعله خالصاً. (¬7) تناديه بلقب يحبه وتتجنب ما يكره. (¬8) تهجدوا. (¬9) تنجوا بلا حساب. (¬10) أطيعوه. (¬11) جنات النعيم وبساتينه، والجنة الحديقة من الشجر والنخل.

لي الجنة؟ قال: طِيبُ الكلام (¬1)، وبذلُ السلامِ، وإطعامُ الطعام" رواه الطبراني، وابن حبان في صحيحه في حديث، والحاكم وصححه. 9 - وتقدم في رواية جيدة للطبراني قال: "قُلتُ يا رسول الله: دُلَّني على عمل يُدخلُني الجنة؟ قال: إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحُسنَ الكلام". 10 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حقُّ المسلمِ على المسلم خمسٌ: ردُّ السلام، وعيادةُ (¬2) المريض، واتباعُ (¬3) الجنائز، وإجابةُ الدعوة (¬4) وتشميتُ (¬5) العاطس" رواه البخاري ومسلم وأبو داود. ولمسلم: "حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ (¬6) قيل: وما هُنَّ يا رسول الله؟ قال: إذا لقيتهُ، فَسَلِّمْ عليه (¬7)، وإذا دعاك فأجِبْهُ (¬8)، وإذا استنصحك (¬9)، فانصحْ له، وإذا عطس، فَحَمِدَ الله فَشَمِّتْهُ، وإذا مرض فَعُدْهُ (¬10)، وإذا مات فاتْبَعْهُ (¬11) " ورواه الترمذي، والنسائي بنحو هذه. 11 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفشوا السلام كي تَعْلُوا (¬12) " رواه الطبراني بإسناد حسن. ¬

(¬1) حسنه وخيره. (¬2) زيارته. (¬3) المشي مع الميت حتى يدفن. (¬4) دعوة الزواج. (¬5) يذكره بحمد الله فيقول له: يرحمك الله. وفي الجامع الصغير خمس من الخصال، والحق يعم وجوب العين والكفاية ولاندب (رد السلام) فرض عين من الواحد، وفرض كفاية من جماعة يسلم عليهم، وعيادة المريض المسلم هي واجبة حيث لا متعهد له، وإلا فمندوبة، واتباع الجنائز هو فرض كفاية، وإجابة الدعوة: أي إلى وليمة العرس تجب، فإن كانت لغيرها ندبت، وتشميت العاطس: الدعاء له بالرحمة إذا حمد الله هو سنة، وعطف السنة على الواجب جائز مع القرينة، قال بعضهم ولا يضيع حق أخيه من مزيد المودة. أهـ. (¬6) من الخصال. (¬7) مد يدك وصافحه وقل السلام عليكم ورحمة الله (ندباً). (¬8) عمل عرساً فاحضر وأظهر علامات السرور، وإلا فيندب في غير الزواج. (¬9) طلب منك النصيحة، ويجب النصح مطلقاً. (¬10) زره في مرضه. (¬11) اذهب حتى تصلي عليه ويدفن، وللمسلم حقوق أخرى، ولكن بَيَّنَ ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المجلس للحاجة والتشوق ولجني الفائدة المرجوة وقتئذٍ ولتعطش النفوس للعمل بها في دستور الحياة السعيدة. (¬12) تسمو وترقى أخلاقكم وتزداد المودة والألفة.

إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام 12 - وعن الأغَرِّ أغَرِّ مُزَيْنَةَ رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ لي بِجَريبٍ (¬1) من تَمْرٍ عند رجلٍ من الأنصار، فَمَطَلني (¬2) به. فَكَلَّمْتُ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اغْدُ (¬3) يا أبا بكرٍ، فَخُذْ لهُ تمرهُ، فوعدني أبو بكرٍ المسجدَ إذا صلينا الصُّبْحَ فوجدتهُ حيث وعدني، فانطلقنا، فكلما رأى (¬4) أبا بكرٍ رجلٌ من بعيدٍ سَلَّمَ عليه، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أما ترى ما يُصيبُ (¬5) القومَ عليك من الفضلِ (¬6)؟ لا يسبقك إلى السلام أحدٌ، فَكُنَّا إذا طلع الرجلُ من بعيدٍ بادرناه (¬7) بالسلام قبل أن يُسَلِّمَ علينا" رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وأحد إسنادي الكبير رواته محتج بهم في الصحيح. 13 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أوْلَى (¬8) الناس بالله من بدأهم بالسلام" رواره أبو داود والترمذي وحسنه، ولفظه: "قيل يا رسول الله: الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام؟ قال: أوْلاَهُمَا بالله تعالى". 14 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُسَلِّمُ الراكبُ على الماشي، والماشي على القاعد، والماشيان أيهما بدأ، فهو أفضل (¬9) " رواه البزار وابن حبان في صحيحه. 15 - وعن عبد الله، يعني ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السلام (¬10) اسمٌ من أسماء الله تعالى وضعهُ في الأرضِ فأفشوه بينكم فإن الرجل ¬

(¬1) الجريب الوادي، ثم استعير للقطعة المتميزة من الأرض نحو عشرة آلاف ذراع اسم مكيال يسع أربعة أتفزة. (¬2) فمطلني به كذا (ط وع ص 203 - 2)، وفي (ن د) فمطلني به سنة: أي أخر وفاء التسلم وسوف في الإعطاء. (¬3) بكر: أي اذهب مبكراً وتسلم نصيبه في الثمر. (¬4) كلما رأى أبا بكر رجل: أي كلما رأى رجل أبا بكر بدأه بالسلام كذا (د وع)، وفي (ن ط) كلما رأى أبو بكر رجلاً: أي أبو بكر يبدأ بالسلام عند روية أي رجل. (¬5) يفعلون الصواب ويتحرون السداد برمي السلام والبدء به. (¬6) السبق بالمحامد والتفضل. (¬7) أسرعنا بالبدء. (¬8) أحقهم برحمته. (¬9) أكثر ثواباً وأسبق فضلاً وأعظم درجة. (¬10) قيل معناه سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء، والسلام في الأصل السلامة.

المسلم إذا مَرَّ بقومٍ فَسَلَّمَ عليهم، فَرَدُّوا عليه كان له عليهم فضلُ درجةٍ بتذكيره إياهمُ السلام، فإن لم يردوا عليه ردَّ عليه من هو خيرٌ منهم" رواه البزار والطبراني، وأحد إسنادي البزار جيد قوي. ما جاء في بدء السلام ورده 16 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فَتُفَرِّقُ بيننا شجرةٌ فإذا التقينا يُسَلِّمُ بعضنا على بعضٍ" رواه الطبراني بإسناد حسن. 17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فَلْيُسَلِّمْ، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليستِ الأولى بأحقَّ من الآخرةِ" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي. وزاد رزين: "ومن سَلَّمَ على قومٍ حين يقومُ عنهم كان شريكهم فيما خاضوا من الخير بعده". 18 - وروي أحمد من طريق ابن لهيعة عن زبان فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " حقٌّ على من قام على جماعةٍ أن يُسَلِّمَ عليهم وحقٌّ على من قام من مجلسٍ أن يُسَلِّمَ، فقام رجلٌ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلمُ فلم يُسَلِّمْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أسرعَ ما نسيَ". 19 - وعن معاوية بن قُرَّةَ عن أبيه رضي الله عنه قال: "يا بُنَيَّ إذا كنت في مجلسٍ ترجو خيرهُ، فَعَجِلَتْ بك حاجةٌ، فقل: السلام عليكم، فإنك شريكهم فيما يُصيبون في ذلك المجلس" رواه الطبراني موقوفاً هكذا، ومرفوعاً، والموقوف أصح. 20 - وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليكم، فَرَدَّ عليه، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عَشْرٌ (¬1) ثم جاء آخرُ، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فَرَدَّ فجلس، فقال عشرون، ثم جاء آخرُ، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فَرَدَّ فجلسَ، ¬

(¬1) المعنى ينال عشر حسنات على التلفظ بالسلام عليكم، وإذا زاد نال عشر حسنات وهكذا. والله ذو الفضل العظيم.

فقال: ثلاثون" رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي وحسنه أيضاً، ورواه أبو داود أيضاً من طريق أبي مرحوم، واسمه عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ عن أبيه مرفوعاً بنحوه. وزاد: "ثم أتى آخرُ، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرتهُ، فقال: أربعون، قال: هكذا تكون الفضائلُ". فضائل السلام وأنواع من البر 21 - ورويَ عن سهل بن حُنيفٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: السلام عليكم، كُتبتْ له عشر حسناتٍ، ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله كُتبتْ له عشرون حسنةً، ومن قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كُتبتْ له ثلاثون حسنةً" رواه الطبراني. 22 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رجلاً مَرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في مجلسٍ، فقال: سلامٌ عليكم، فقال: عشر حسناتٍ، ثم مَرَّ آخرُ فقال: سلامٌ عليكم ورحمة الله، فقال: عشرون حسنةً، ثم مَرَّ آخرُ فقال: سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: ثلاثون حسنةً، فقام رجلٌ من المجلسِ، ولم يُسَلِّمْ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أوشكَ ما نَسِيَ صاحبكم. إذا جاء أحدكم إلى المجلس، فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإن قام فليسلم، فليست الأولى بأحقَّ من الآخرة" رواه ابن حبان في صحيحه. [ما أوشك]: أي ما أسرع. 23 - وعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربعون خصلةً أعلاهُنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ (¬1) ما من عاملٍ يعملُ بخصلةٍ منها رجاء ثوابها، وتصديقَ موعودها إلا أدخلهُ الله بها الجنة. قال حسانُ: فعددنا ما دون مَنِيَحةِ العَنْزِ من رَدِّ ¬

(¬1) العنز أو الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلاً يشرب لبنها، ثم يردها إذا انقطع اللبن، من منح منيحة: أعطى عطاء، وقد عد صلى الله عليه وسلم جملة خصال أسماها هذه الهبة الجليلة التي تسبب إحداها دخول الجنة وأمكن حسان أن يصل إلى خمس عشرة محمدة في العدد.

السلام، وتشميت العاطسِ، وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه، فما استطعنا أن تبلغ خمس عشرةَ" رواه البخاري وغيره. أعجز الناس من عجز في الدعاء 24 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعجزُ الناسِ من عجز (¬1) في الدعاء، وأبخلُ الناس من بَخِلَ (¬2) بالسلام" رواه الطبراني في الأوسط، وقال: لا يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. [قال الحافظ]: وهو إسناد جيد قوي. 25 - وعن عبد الله بن مُغْفَلٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسْرَقُ الناس الذي يسرقُ صلاتهُ، قيل: يا رسول الله، وكيف يسرقُ صلاتهُ؟ قال: لا يُتمُّ رُكوعها، ولا سجودها، وأبخلُ الناس من بخل بالسلام" رواه الطبراني بإسناد جيد. 26 - وعن جابرٍ رضي الله عنه: "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لفلانٍ في حائطي عَذْقاً (¬3)، وإنه قد آذاني، وشَقَّ عليَّ مكان عَذْقِهِ، فأرْسَلَ إليهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بِعْني عَذْقَكَ الذي في حائط فلانٍ، قال: لا. قال: فَهَبْهُ لي. قال: لا. قال: فَبِعْنِيهِ بِعَذْقٍ في الجنة. قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيتُ الذي هو أبخلُ منك إلا الذي يَبْخَلُ بالسلام" رواه أحمد والبزار، وإسناد أحمد لا بأس به. [قال الحافظ]: وتقدم فيما يقول إذا دخل بيته أحاديث من السلام، فأغنى عن إعادتها هنا. ¬

(¬1) لم يطلب من الله سبحانه وتعالى شيئاً. (¬2) لم يقرأه على أحد، ففيه الترغيب في كثرة التضرع إلى الله وبذل السلام للعالم. (¬3) نخلة، يريد أنه وضع نخلة على جداره، وفي النهاية العذق بالفتح: النخلة، وبالكسر: العرجون بما فيه من الشماريخ ويجمع على عذاق، وفي ع بفتح العين في عذق، ولكن أرى والله أعلم أن الرجل وضع سباطة التمر =

الترغيب في المصافحة والترهيب من الإشارة في السلام وما جاء في السلام على الكفار

من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار 27 - وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحَبَّ أن يتمثل (¬1) له الرجالُ قياماً، فليتبوأ (¬2) مقعدهُ من النار" رواه أبو داود بإسناد صحيح والترمذي، وقال: حديث حسن. 28 - وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصاً، فقمنا إليه، فقال: لا تقوموا كما تقومُ الأعاجمُ (¬3) يُعَظِّمُ بعضها بعضاً" رواه أبو داود وابن ماجة، وإسناده حسن. فيه أبو غالب، واسمه حزور ويقال نافع، ويقال: سعيد بن الحزور، فيه كلام طويل ذكرته في مختصر السنن وغيره، والغالب عليه التوثيق، وقد صحح له الترمذي وغيره، والله أعلم. الترغيب في المصافحة، والترهيب من الإشارة في السلام وما جاء في السلام على الكفار 1 - عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ¬

= وعلق العرجون (القنو) بما فيه البلح على حائطه فحصل الأذى من ذلك بدليل: بعني عذقك، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يريد شراء هذا ليبعد ضرره وليزيل ألمه. (¬1) يقابل بتعظيم الوقوف. (¬2) فليأخذ مكانه في جهنم استكباراً وجزاء غطرسته، فالكبرياء والتعظيم لله وحده سبحانه. (¬3) غير العرب، يريد صلى الله عليه وسلم أن غير المسلمين تأخذه الأنفة والكبرياء فيعظم بعضهم بالوقوف تجبراً وتكبراً. لقد عرفت يا أخي أن بدء السلام من حقوق المسلم، وأن السلام يجلب المودة والألفة ويزيل الوحشة، قال تعالى: "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيباً" (86 من سورة النساء). الجمهور على أنه في السلام، ويدل على وجوب الجواب إما بأحسن منها، وهو أن يزيد عليه: ورحمة الله، فإن قاله المسلم زاد: وبركاته وهي النهاية، وإما برد مثله لما روي أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليك، فقال: وعليك السلام ورحمة الله، وقال آخر السلام عليك ورحمة الله، فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وقال آخر، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال وعليك، فقال الرجل نقصتني فأين ما قال الله تعالى؟ وتلا الآية فقال صلى الله عليه وسلم إنك لم تترك لي فضلاً فرددت عليك مثله، وذلك لاستجماعه أقسام المطالب: السلامة عن المضار وحصول المنافع وثباتها، ومنه قيل أو للترديد بين أن يحيي المسلم ببعض التحية وبين أن يحيي بتمامها، وهذا الوجوب على الكفاية، وحيث السلام مشروع فلا يرد في الخطبة وقراءة القرآن، وفي الحمام وعند قضاء الحاجة ونحوها. والتحية في الأصل مصدر حياك الله على الإخبار من الحياة، ثم استعمل للحكم والدعاء =

مُسْلِمَيْنِ يلتقيانِ فيتصافحان (¬1) إلا غُفِرَ (¬2) لهما قبل أن يتفرقا" رواه أبو داود والترمذي كلاهما من رواية الأجلح عن أبي إسحاق عن أبي البراء، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. 2 - وفي رواية لأبي داود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمانِ فتصافحا وحمدا الله (¬3) واستغفراهُ غُفِرَ لهما". [قال الحافظ]: وفي هذه الرواية أبو بلج، بفتح الباء وسكون اللام بعدها جيم، واسمه يحيى بن سليم، ويقال: يحيى بن أبي الأسود، ويأتي الكلام عليه، وعلى الأجلح، واسمه يحيى بن عبد الله أبو حجبة الكندي، وإسناد هذا الحديث فيه اضطراب. 3 - وروى الطبراني عن أبي داود الأعمى، وهو متروكٌ قال: "لقيني البراء بن عازبٍ، فأخذ بيدي وصافحني، وضحك في وجهي، ثم قال أتدري: لِمَ أخذتُ بيدك؟ قلتُ: لا. إلا أنني ظننتُ أنك لم تفعلهُ إلا لخيرٍ، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لقيني، ففعل بي ذلك، ثم قال: تدري لِمَ فعلت بك ذلك؟ قلت: لا. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المُسْلِمَيْنِ إذا التقيا وتصافحا، وضحكَ (¬4) كلٌّ منهما في وجهِ صاحبهِ، لا يفعلان ذلك إلا لله، لم يتفرقا حتى يُغفرَ لهما". 4 - وعن أنسٍ رضي الله عنه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مُسْلِمَيْنِ التقيا، فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلا كان حقاً على الله عز وجل أن يَحْضُرَ (¬5) دُعاءهُما ولا يُفَرِّقُ بين أيديهما حتى يغفر لهما" رواه أحمد، واللفظ له والبزار وأبو يعلى، ورواة أحمد كلهم ثقات إلا ميمون المرادي، وهذا الحديث مما أنكر عليه. ¬

= بذلك ثم قيل لكل دعاء فغلب في السلام. أهـ بيضاوي. فتجد التحية عنوان الإخاء وينبوع الصفاء، تذهب الدهشة وتجلب الأنس، والبدء بها سنة، والرد فرض كفاية، وقد جعل صلى الله عليه وسلم إفشاء السلام على كل إنسان من الإسلام إلا القاضي وقت القضاء أو المدرس وقت درسه أو القارئ وقت قراءته أو المصلي وقت صلاته. (¬1) يمد الصديق يده اليمنى إلى يمنى صديقه، وفي المصباح صافحته مصافحة: أفضيت بيدي إلى يده، لأن في المصافحة ألفة ومودة ومحبة وإيناساً. (¬2) أي محا الله ذنوبهما قبل أن يتفرقا من المجلس رجاء عنوان المودة وباعث المحبة ومجددها الله وحده. (¬3) أثنيا على الله تعالى وشكراه على التوفيق وتيسير المقابلة وطلباً من الله غفران الخطايا تكرماً. (¬4) أظهر البشاشة والعطف وحسن المقابلة وأظهر السرور في حديثه. (¬5) يجيب دعاءهما ويحوطه سبحانه بالقبول والرحمة.

5 - وعنه رضي الله عنه قال: "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفرٍ تعانقوا" رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح. 6 - وعن حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن إذا لقيَ المؤمن، فَسَلَّمَ عليه، وأخذ بيده، فصافحهُ تناثرتْ (¬1) خطاياهما كما يتناثرُ ورقُ الشجر" رواه الطبراني في الأوسط، ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيَ حذيفة فأراد أن يُصافحهُ، فتنحى حُذيفةُ، فقال إني كنتُ جُنُباً، فقال: إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتَّتْ (¬2) خطاياهما كما يتحاتُّ ورقُ الشجر" رواه البزار من رواية مصعب بن ثابت. 8 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المُسْلِمَيْنِ إذا التقيا فتصافحا وتساءلا (¬3) أنزل الله بينهما مائة رحمةٍ: تسعةً وتسعينَ لأبَشِّهِمَا وأطلقَهِمِا وأبَرِّهِمَا وأحسنهما مساءلةً بأخيه (¬4) " رواه الطبراني بإسناد فيه نظر. [لأبشهما]: أي لأكثرهما بشاشة، وهي طلاقة الوجه مع الفرح والتبسم وحسن الإقبال واللطف في المسألة. [وأطلقهما]: أي أكثرهما وأبلغهما طلاقة، وهي بمعنى البشاشة. 9 - ورويَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى الرجلان المسلمان، فَسَلَّمَ أحدهما على صاحبه، فإن أحَبَّهُمَا إلى اللهِ أحسنُهُمَا بِشْراً لصاحبه، فإذا تصافحا نزلت عليهما مائةُ رحمةٍ، وللبادي منهما تسعون، وللمُصافَحِ عشرةٌ" رواه البزار. 10 - وعن سلمان بن الفارسيِّ رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المسلمَ إذا لقيَ أخاهُ، فأخذ بيده تحاتَّتْ عنهما ذنوبهما كما يتحاتُّ الورقُ عن الشجرةِ ¬

(¬1) تفرقت وتشتت. (¬2) تساقطت. (¬3) يسأل كل منهما عن حال أخيه. (¬4) استفهاماً وتشوقاً وسؤالاً عن حاله لينصحه ويشرح له سعادة الحياة التقوى.

اليابسة في يوم ريحٍ عاصفٍ (¬1)، وإلا غُفِرَ لهما، ولو كانت ذنوبهما مثل زبد البحر" رواه الطبراني بإسناد حسن. 11 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تمام التحية الأخذُ باليد" رواه الترمذي عن رجل لم يسمه عنه، وقال: حديث غريب. 12 - وعن قتادة قال: "قلتُ لأنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم" رواه البخاري والترمذي. 13 - وعن أيوبَ بن بشيرٍ العدويِّ عن رُجلٍ من عَنْزَةَ قال: "قلتُ لأبي ذرٍ حيث سِيرَ إلى الشام: إني أريدُ أن أسألك عن حديثٍ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إذَنْ أُخْبِرَكَ به إلا أن يكون شراً، قلتُ: إنه ليس بشرٍ: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصافحكم إذا لقيتموهُ؟ قال: ما لقيتهُ قَطُّ إلا صافحني وبعثَ إليَّ ذاتَ يومٍ، ولم أكن في أهلي، فجئتُ فأُخْبِرْتُ أنه أرسل إليَّ، فأتيتهُ وهو على سريرهِ فَالْتَزَمَنِي، فكانت تلك أجودَ وأجودَ (¬2) " رواه أبو داود، والرجل المبهم اسمه عبد الله مجهول. 14 - وعن عطاءٍ الخراساني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تصافحوا يذهب عنكم الغِلُّ (¬3)، وتهادوا تحابوا وتذهبَ الشحناء (¬4) " رواه مالك هكذا معضلاً وقد أسند من طرق فيها مقال. 15 - ورويَ عن عمرو بن شُعيبٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا (¬5) من تشبه بغيرنا لا تَشَبَّهُوا (¬6) باليهود ¬

(¬1) شديد. (¬2) أطيب مقابلة وأحسن عطفاً ومحبة وزيادة تجلة وإكرام. (¬3) الحقد والشقاق والنفور والخصام. (¬4) البغضاء والتنافر. (¬5) ليس على طريقتنا، أو على ملتنا، أو ليس مؤمناً كاملاً. (¬6) لا تتشبهوا، نهى صلى الله عليه وسلم عن التمثل والتشابه باليهود والنصارى في جميع أعمالهم.

الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن

ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهودِ الإشارةُ بالأصابعِ (¬1)، وإن تسليم النصارى بالأكُفِّ" رواه الترمذي والطبراني، وزاد: "ولا تَقُصُّوا النَّوَاصيَ (¬2)، وأحْفُوا الشارب (¬3)، وأعفوا اللحا (¬4)، ولا تمشوا في المساجد والأسواق، وعليكمُ القُمُصُ (¬5) إلا وتحتها الأزُرُ (¬6) ". 16 - وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسليمُ الرجل بأصْبُعٍ واحدةٍ يشيرُ بها فِعْلُ اليهود" رواه أبو يعلى، ورواته رواة الصحيح، والطبراني واللفظ له. 17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريقٍ، فاضطروهم إلى أضيقه" رواه مسلم، واللفظ له، وأبو داود والترمذي. 18 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سَلَّمَ عليكم أهلُ الكتاب فقولوا: وعليكم (¬7) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة، ومن نوع هذين الحديثين كثير ليس من شرط كتابنا فتركناها. الترهيب أن يطلع الإنسان في دار قبل أن يستأذن 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اطلع في بيتِ قومٍ بغير إذنهم فقد حَلَّ لهم أن يفقئوا (¬8) عينهُ" رواه البخاري ومسلم وأبو داود إلا أنه قال: ¬

(¬1) رفع الأصابع جهة الرأس كما يفعل الآن بنهارك سعيد أو ليلتك سعيدة. (¬2) الشعر المتجمع فوق الجبهة. (¬3) خففوا شعرها. (¬4) اتركوها. (¬5) القمص جمع قميص: شعار قصير. (¬6) الإزار: الرداء الساتر، كناية عن اللباس الذي يستر العورة، والمعنى لا يصح لرجل أن يمشي بجلباب وعورته مجسمة وهذه عادة فاشية في بلاد الأرياف وغيرها يمشون بثوب بلا لباس. (¬7) ليكون أبعد عن الإيحاش وأقرب إلى الرفق. أهـ قسطلاني 278 جواهر البخاري في باب الرفق في الأمر كله. (¬8) أي يشقوها يقلعوها، والفقء: الشق والبخص.

ففقئوا عَيْنَهُ فقد هُدِرَتْ (¬1) ". 2 - وفي رواية للنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اطلعَ في بيتِ قومٍ بغير إذنهم، ففقئوا عينهُ، فلا دِيَةَ لهُ (¬2) ولا قصاص (¬3) ". 3 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجلٍ كشف ستراً (¬4)، فأدخل بصرهُ قبل أن يؤذن له، فقد أتى حداً (¬5) لا يحلُّ له أن يأتيهُ، ولو أن رجلاً فقأ عينهُ لَهُدِرَتْ، ولو أن رجلاً مَرَّ على بابٍ لا سِتْرَ لهُ، فرأى عورةَ أهلهِ، فلا خطيئة عليه إنما الخطيئةُ على أهل المنزلِ (¬6) " رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح إلا ابن لهيعة، ورواه الترمذي، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة. 4 - وعن عُبادةَ، يعني ابن الصامت رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن الاستئذان (¬7) في البيوت؟ فقال: من دخلت عَيْنُهُ قبل أن يستأذن، وَيُسَلِّمَ، فلا إذن، وقد عصى ربهُ (¬8) " رواه الطبراني من حديث إسحاق بن يحيى عن عُبادة، ولم يسمع منه، ورواته ثقات. 5 - وعن أنسٍ رضي الله عنه: "أن رجلاً اطلع من بعض حُجَرِ النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِشقَصٍ أو بِمَشَاقِصَ، فكأني أنْظُرُ إليه يختلُ الرجلَ ليطعنهُ" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، ولفظه: "أن أعرابياً أتى باب النبي صلى الله عليه وسلم فألقَمَ عَيْنَهُ خصاصةَ البابِ، فبَصُرَ بهِ النبي صلى الله عليه وسلم، فَتَوَخَّاهُ بحديدةٍ أو عُودٍ ليفقأ عَيْنَهُ، فلما أن أبصرهُ انقمعَ، ¬

(¬1) أي ترك الأخذ بثأرها، وفي النهاية: أي إن فقئوها ذهبت باطلة لا قصاص فيها ولا دية، يقال هدر دمه: أي بطل، وأهدره السلطان. أهـ. (¬2) لا تعويض ولا شيء يدفع عقاباً. (¬3) أي لا عقاب. (¬4) أظهر مخبئاً. (¬5) خالف أمراً. (¬6) حيث لم يتخذوا ستراً. (¬7) طلب الإذن في دخول المنزل. (¬8) ارتكب ذنباً.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو ثَبَتَ عليكَ لفقأت عينك" [المشقص] بكسر الميم بعدها شين معجمة ساكنة، وقاف مفتوحة: هو سهم له نصل عريض، وقيل: طويل. وقيل: هو النصل العريض نفسه، وقيل: الطويل. [يختله] بكسر التاء المثناة فوق: أي يخدعه ويراوغه. [وخصاصة الباب] بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين: هي الثقب فيه والشقوق، ومعناه أنه جعل الشق الذي في الباب محاذياً عينه. [توخاه] بتشديد الخاء المعجمة: أي قصده. إنما جعل الاستئذان من أجل البصر 6 - وعن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه: "أن رجلاً اطلعَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم من حُجْرٍ (¬1) في حُجْرَةِ النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مِدْرَاةٌ (¬2) يَحُكُّ بها رأسهُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو علمتُ أنك تنظرُ لطعنتُ بها في عينكَ (¬3) إنما جُعِلَ الاستئذانُ (¬4) من أجل البَصَرِ" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 7 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ لا يَحِلُّ لأحدٍ أن يفعلهنَّ: لا يَؤمُّ (¬5) رجلٌ فَيَخُصَّ نفسهُ بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم (¬6)، ولا ينظرُ في قَعْرِ (¬7) بيتٍ قبل أن يستأذنَ، فإن فعلَ فقد دخل (¬8)، ولا يُصَلِّي وهو حَقِنٌ (¬9) حتى يتخفف (¬10) " رواه أبو داود، واللفظ له، والترمذي وحسنه وابن ماجة مختصراً، ورواه أبو داود أيضاً من حديث أبي هريرة. ¬

(¬1) ثقب. (¬2) مشط. (¬3) رميت المدراة في عينك لتشقها وتزيل ضوءها. (¬4) طلب الإذن. (¬5) يكون إماماً قدوة يطلب الخير لنفسه وحده ولا يعمم. (¬6) غدر بهم. (¬7) جوف. (¬8) عاب وغش وأفسد، ومنه كنت أرى إسلامه مدخولاً، وفي المصباح دخل عليه بالبناء للمفعول: إذا سبق. وهمه إلى شيء فغلط فيه من حيث لا يشعر. أهـ. (¬9) حبس بوله، يقال حقن وحاقن كالحاقب للغائط. (¬10) حتى يتخفف كذا في النهاية (وط وع ص 209 - 2)، وفي (ن د): حتى يخفف.

الترهيب أن يتسمع حديث قوم يكرهون أن يسمعه

8 - وعن عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تأتوا البيوتَ من أبوابها، ولكنِ ائتوها من جوانبها (¬1) فاستأذنوا، فإن أُذِنَ لكم فادخلوا، وإلا فارجعوا" رواه الطبراني في الكبير من طرق أحدها جيد. الترهيب أن يتسمع حديث قوم يكرهون أن يسمعه 1 - عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تَحَلَّمَ بِحُلْم (¬2) لم يَرَهُ كُلِّفَ (¬3) أن يَعْقِدَ بين شَعِيرَتَيْنِ ولن يفعل (¬4)، ومن استمعَ إلى حديث قومٍ، وهم له كارهون (¬5) صُبَّ في أذنيه الآنكُ يوم القيامة، ومن صَوَّرَ صُورَةً عذِّبَ، أو كُلِّفَ أن ينفخَ فيها الروح: وليس بنافخٍ (¬6) " رواه البخاري وغيره. ¬

(¬1) الجهات المستترة. آيات الاستئذان: قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خيرٌ لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون" (27 - 29 من سورة النور). (تستأنسوا): تستأذنوا (وتسلموا): بأن تقولوا السلام عليكم، أأدخل؟ ثلاث مرات فإن أذن له دخل، وإلا رجع. روي "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أأستأذن على أمي؟ قال نعم. قال إنها ليس لها خادم غيري أأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال أتحب أن تراها عريانة؟ قال لا. قال فاستأذن" (حتى يؤذن): حتى يأتي من يأذن لكم، فإن المانع من الدخول ليس الاطلاع على العورات فقط بل وعلى ما يخفيه الناس عادة مع أن التصرف في ملك الغير بغير إذنه محظور، واستثنى ما إذا عرض فيه حرق أو غرق أو كان فيه منكر ونحوها (هو أزكى): أي الرجوع أطهر لكم عما لا يخلو الإلحاح والوقوف على الباب عنه من الكراهة وترك المرءوة، أو أنفع لدينكم ودنياكم (غير مسكونة): غير آهلة بالسكان مثل المساجد والحوانيت والنوادي وأمكنة الصناعة والمصايف (فيها متاع): استمتاع ووقاية من الحر والبرد وإيواء الأمتعة والجلوس للمعاملة. (¬2) أي قال إنه رأى في النوم ما لم يره، يقال: حلم بالفتح إذا رأى، وتحلم إذا ادعى الرؤيا كاذباً، إن قيل أن كذب الكاذب في منامه لا يزيد على كذبه في يقظته فلم زادات عقوبته ووعيده وتكليفه عقد الشعيرتين، قيل قد صح الخبر أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة والنبوة لا تكون إلا وحياً والكاذب في رؤياه يدعي أن الله أراه ما لم يره وأعطاه جزءاً من النبوة لم يعطه إياه، والكاذب على الله تعالى أعظم فرية ممن كذب على الخلق أو على نفسه. أهـ. نهاية. (¬3) ألزم. (¬4) أي يعجز، ولن يقدر. (¬5) غاضبون. (¬6) معناه يستمر عذابه طول الزمن. فيكلف بعمل المحال ليهان.

الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط

[الآنك] بمد الهمزة وضم النون: هو الرصاص المذاب. الترغيب في العزلة لمن لا يأمن على نفسه عند الاختلاط 1 - عن عامر بن سعدٍ قال: "كان سعد بن أبي وقاص في بيته، فجاءهُ ابنهُ عمر فلما رآهُ سعدٌ قال: أعوذُ بالله من شرِّ هذا الراكبِ، فنزل فقال له: أنَزَلْتَ في إبلك وغنمكَ، وتركتَ الناس يتنازعون المُلْكَ بينهم، فضرب سعدٌ في صدرهِ، وقال اسكتْ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يُحِبُّ العبدَ التقيَّ الغنيَّ الخفيَّ" رواه مسلم. [الغني]: أي الغني النفس القنوع. 2 - وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: "قال رجلٌ أيُّ الناس أفضلُ يا رسول الله؟ قال: مؤمنٌ يُجاهدُ بنفسهِ ومالهِ في سبيل الله. قال: ثم مَنْ؟ قال: ثم رجلٌ مُعْتَزِلٌ (¬1) في شِعْبٍ (¬2) من الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ". 3 - وفي رواية: "يتقي الله وَيَدَعُ الناسَ من شَرِّهِ" رواه البخاري ومسلم وغيرهما، ورواه الحاكم بإسناد على شرطهما إلا أنه قال: "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سُئل: أيُّ المؤمنين أكملُ إيماناً؟ قال: الذي يُجاهد بنفسه ومالهِ، ورجلٌ يعبدُ ربهُ في شِعْبٍ من الشعاب، وقد كَفَى الناس شَرَّهُ". 4 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُوشكُ أن يكون خير مال المسلم غَنَمٌ يَتَّبِعُ بها شَعَفَ الجبال، ومواقعَ القَطْرِ يَفِرُّ بدينه من الفتن" رواه مالك والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة. [شعف الجبال] بالشين المعجمة والعين المهملة مفتوحتين: هو أعلاها ورءوسها. 5 - وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه قال مِنْ خَيْرِ ¬

(¬1) مجتنب أي بعيد. (¬2) طريق في جبل.

مَعَايِشِ الناس لهم رجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ في سبيل الله يطيرُ على مَتْنِهِ (¬1) كُلما سمع هَيْعَةً (¬2) أو فَزْعَةً (¬3) طار عليه يبتغي (¬4) القتلَ أو الموت مَظَانَّهُ، ورجلٌ في غُنَيْمَةٍ في رأس شَعَفَةٍ من هذه الشُّعَفِ، أو بطن وادٍ من هذه الأوديةِ يُقيمُ الصلاة، ويؤتي الزكاةَ، ويعبدُ ربهُ حتى يأتيهُ اليقينُ (¬5) ليس من الناس إلا خيرٍ" رواه مسلم، وتقدم بشرح غريبه في الجهاد. 6 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بخير الناس: رجلٌ مُمسك بعنان (¬6) فرسهِ في سبيل الله. ألا أخبركم بالذي يتلوهُ: رجلٌ مُعتزلٌ في غُنيمةٍ له يؤدي حق الله فيها. ألا أخبركم بِشَرِّ الناس؟ رجلٌ يُسْألُ بالله ولا يُعْطي" رواه النسائي والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب، وابن حبان في صحيحه، ولفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم جلوسٌ في مجلسٍ لهم فقال: ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: رجلٌ أخذ برأس فرسه في سبيل الله حتى يموتَ أو يُقتلَ. ألا أخبركم بالذي يليه؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: امرؤ معتزلٌ في شعبٍ يُقيمُ الصلاة، ويؤتي الزكاةَ، ويعتزل (¬7) شُرورَ الناس. ألا أخبركم بشرِّ الناس؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الذي يُسأل بالله، ولا يُعطي" ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب العزلة من حديثه، ورواه أيضاً هو والطبراني من حديث أم مبشر الأنصارية أطول منه. 7 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جاهد في سبيل الله كان ضامناً على الله، ومن عاد مريضاً كان ضامناً على الله، ومن ¬

(¬1) ظهره. (¬2) الصوت الذي تفزع منه وتخافه من عدو، وقد هاع هيعاً وتهيع إذا جبن. أهـ نهاية. (¬3) الفزع في الأصل: الخوف، فوضع موضع الإغاثة والنصر، لأن من شأنه الإغاثة والدفع عن الحريم مراقب حذر. (¬4) يطلب. (¬5) الموت. (¬6) حبل لجامه. (¬7) يبتعد، ويترك.

دخل على إمامهِ يُعَزِّرُهُ (¬1) كان ضامناً (¬2) على الله، ومن جلس في بيتهِ لم يغتبْ (¬3) إنساناً كان ضامناً على الله" رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان، واللفظ له، وعند الطبراني: "أو قعد في بيته فَسَلِمَ الناسُ منهُ، وَسَلِمَ من الناس" وهو عند أبي داود بنحوه، وتقدم لفظه، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة، ولفظه: "قال: خصالٌ ستٌّ ما من مُسلمٍ يموتُ في واحدةٍ منهنَّ إلا كان ضامناً على الله أن يدخُلَ الجنة، فذكر منها: ورجلٌ في بيته لا يغتاب المسلمين ولا يَجُرُّ إليهم سُخْطاً ولا نِقْمَةً". 8 - ورويَ عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أعجبَ الناس إليَّ رجلٌ يؤمن بالله ورسوله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويُعَمِّرُ ماله (¬4)، ويحفظ دينه، ويعتزلُ الناس" رواه ابن أبي الدنيا في العزلة. 9 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طُوبى (¬5) لمن مَلَكَ لسانهُ، وَوَسِعَهُ بَيْته، وبكى على خطيئته (¬6) " رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وحسن إسناده. 10 - وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "قلتُ يا رسول الله: ما النجاةُ (¬7) قال: أمْسِكْ (¬8) عليك لسانكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ (¬9)، وَابْكِ على خطيئتك (¬10) " رواه ¬

(¬1) ينصره في الحق ويهزمه في الباطل، ومنه قوله تعالى: "فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون" (157 من سورة الأعراف). (وعزروه): أي عظموه بالتقوية، ومنه التعزير. (¬2) أي الله تفضل عليه بالقبول ودخول الجنة تكرماً ووعداً صادقاً. (¬3) يذكر أحداً بما يكره. (¬4) يتجر وينميها في حلال. (¬5) شجرة في الجنة يملك مدى ظلها الذي حفظ لسانه من الفحش والبذاءة. (¬6) ذنب اقترفه. (¬7) استفهام عن السلامة من العذاب. (¬8) احفظ من الشتائم لسانك، ومن كل مكروه وإفساد. (¬9) اجعل بيتك نادياً لك ليبعدك عن المحارم. (¬10) اندم وتضرع إلى الله أن يعفو عنك ويغفر لك آثامك.

الترمذي وابن أبي الدنيا والبيهقي، كلهم من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد، وقال الترمذي: حديث حسن. 11 - وعن مكحولٍ رضي الله عنه قال: "قال رجلٌ: متى قيام الساعة (¬1) يا رسول الله؟ قال: ما المسئول عنها بأعلمَ من السائلِ (¬2)، ولكن لها أشراطٌ (¬3) وتقاربُ أسواقٍ. قالوا: يا رسول الله وما تقاربُ أسواقها؟ قال: كسادها (¬4) وَمَطَرٌ (¬5) ولا نباتَ، وأن تَفْشُوَ (¬6) الغيبةُ وتَكْثُرَ أولادُ البغيةِ (¬7)، وأن يَعُظَّمَ ربُّ المالِ (¬8)، وأن تعلوَ أصواتُ الفَسَقَةِ (¬9) في المساجد، وأن يظهر (¬10) أهلُ المنكرِ على أهل الحقِّ. قال رجلٌ: فما تأمرني (¬11)؟ قال: فِرَّ بدينكَ (¬12) وَكُنْ حِلْساً من أحْلاَسِ بيتكَ" رواه ابن أبي الدنيا هكذا مرسلاً. 12 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بين أيديكم فتناً (¬13) كَقِطَعِ الليلِ المُظْلِمِ يُصْبِحُ الرجلُ فيها مؤمناً، ويُمسي كافراً، ¬

(¬1) في أي زمن يأتي يوم الحساب والعذاب. (¬2) انفرد الله بعلمها دون من وجه إليه السؤال أو سأل. (¬3) علامات. (¬4) بوار تجارتها وعدم رواجها وضيق أهلها وزيادة كربهم وعدم البركة في أرباحهم. (¬5) إنزال الماء من السماء في أرض مجدبة قحلة لم تخصب ولم ينفع فيها زرع. (¬6) تكثر الأقوال الذميمة التي فيها عيوب الناس، والغيبة أن تذكر أخاك بما يكره. (¬7) الزانية. (¬8) صاحب الأموال الطائلة يحترم لغناه، وإن كان على باطل ولن يجد ما يزجره أو يمنعه. (¬9) العصاة يبين صلى الله عليه وسلم الدلائل الواضحة على دنو القيامة: أولاً: نزع البركة من التجارة والصناعة وعدم رواجهما. ثانياً: عدم إخصاب الأرض وإنباتها مع كثرة الآفات المبيدة للزروع المدمرة التالفة الهالكة. ثالثاً: إكثار المجالس من المعائب وذكر القبائح. رابعاً: وفرة الأشرار وكثرة العصاة الفسقة المجرمين. خامساً: إهانة الاتقياء وإكرام الأثرياء الأغنياء غير الصالحين. سادساً: كثرة لغو الفجرة في بيوت الله، ومجالس ذكره سبحانه. (¬10) انتصار أهل البدع وفوز الضالين المضلين، ثم أمر صلى الله عليه وسلم باختيار العزلة واتباع الوحدة وملازمة البيت وانتهاج مناهج الأبرار البعيدين عن الفتن المتبيعن الرسول صلى الله عليه وسلم المتواضعين السالكين سبل الخير والمجتنبين صحبة الأشقياء. (¬11) أي شيء تأمرني أتبعه. (¬12) اظفر بسلامة دينك واترك الفتن. (¬13) اختلافات.

ويمسي مؤمناً، ويصبحُ كافراً، القاعد (¬1) فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: كونوا أحْلاسَ بُيُوتكم" رواه أبو داود، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة في الصحاح وغيرها. [الحلس]: هو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب، يعني الزموا بيوتكم في الفتن كلزوم الحلس لظهر الدابة. إن السعيد لمن جنب الفتن 13 - وعن المقداد بن الأسود قال: "أيْمُ الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن السعيد لمن جُنِّبَ الفتن، إن السعيدَ لمن جُنِّبَ الفتنَ، إن السعيد لمن جُنِّبَ الفتن، وَلَمَنِ ابْتُلِيَ فصبر فَوَاهاً" رواه أبو داود. [واهاً]: كلمة معناها التلهف، وقد توضع للإعجاب بالشيء. 14 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة، فقال: إذا رأيتم الناس قد مَرَجَتْ عُهُودُهُم، وَخَفَّتْ أماناتُهُمْ وكانوا هكذا، وَشَبَّكَ بين أصابعهِ. قال: فقمتُ إليه فقلتُ: كيف أفعلُ عند ذلك جعلني الله تبارك وتعالى فداك؟ قال: الزم بيتكَ، وَابْكِ على نفسكَ وَدَعْ عنك أمْرَ العامة" رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن. [مرجت]: أي فسدت، والظاهر أن معنى قوله: خفت أماناتهم، أي قلّت، من قولهم: خَفَّ القوم: أي قلّوا، والله أعلم. 15 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن عمر خرج إلى المسجد، فوجد مُعاذاً عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: حديثٌ سمعتهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اليسيرُ من الرِّيَاء شِرْكٌ (¬2)، ومن ¬

(¬1) المعنى قليل العمل وقت إيقاد نار الفتن أفضل من الباعث على انتشارها. (¬2) الرياء: المراءاة والتشيع، والقليل من التظاهر بالعمل الصالح لغير الله شرك، فكأن من يفعل خيراً لقصد المدح أو الفخر أشرك بالله: أي جعل له شريكاً يستحق أن يعمل له، والله تعالى لا يقبل إلا من كان عمله خالصاً لله وحده.

عَادَى (¬1) أولياء (¬2) الله، فقد بارزَ (¬3) الله بالمحاربة. إن الله يُحِبُّ الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يُفْتَقَدُوا (¬4)، وإن حضروا لم يُعْرَفُوا، قلوبهم مصابيحُ الهدى يخرجون من كُلِّ غَبراء مظلمة (¬5) " رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي في الزهد، وقال الحاكم: صحيح، ولا علة له. من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة 16 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمانٌ لا يَسْلَمُ لذي دينٍ دِينُهُ إلا من هَرَب (¬6) بدينهِ من شاهقٍ إلى شاهقٍ، ومن جُحْرٍ إلى جُحْرٍ، فإن كان ذلك كذلك لم تُنَلِ المعيشةُ إلا بسخط الله (¬7)، فإذا كان ذلك كذلك كان هلاكُ الرجل على يديْ زوجتهِ وولده، فإن لم يكن له زوجةٌ ولا ولدٌ كان هلاكهُ على يديْ أبويه، فإن لم يكن له أبوانِ كان هلاكهُ على يديْ قرابته أو الجيران. قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: يُعَيِّرُونَهُ بضيق المعيشةِ، فعند ذلك يُوردُ نفسهُ المواردَ التي يُهْلِكُ فيها نفسهُ" رواه البيهقي في كتاب الزهد. 17 - وعن عمران بن حُصينٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من انقطعَ إلى الله (¬8) كَفَاهُ (¬9) الله كُلَّ مؤنةٍ، ورزقهُ من حيث لا يحتسبُ ¬

(¬1) قدم لهم الأذى وعاكسهم واستهزأ بهم. (¬2) المتقون الصالحون العاملون بكتاب الله تعالى وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم. (¬3) أي شق عصا الطاعة وخالف أوامر الله. (¬4) لم يبحث عنهم ولم يظهر لهم مكان خلا بفقدهم وقل بهاؤه بغيابهم ولم يؤبه لهم، والمعنى أنهم متواضعون مائلون إلى عدم الفخر وحب الرياسة. (¬5) فتن تضر بالدين وتجلب الشقاق. (¬6) فر، والمعنى انتقل من مكان الفتن إلى مكان بعيد خالٍ من نار العداوة وإخوان الشقاق، في (ط) بلا كذلك، وفي (ن د وع): كذلك ص 213 - 2 (¬7) غضبه وعصيانه وغشيان أمكنة الفسوق ومكاسب الحرام، والمعنى أن زوجته وأولاده يصرفونه عن طاعة الله تعالى إلى الكد في الدنيا وضياع الوقت في السعي وراء المعيشة ونسيان حقوق الله تعالى، فإن لم يكن له أهل انصرف إلى جمع المال للتظاهر والتفاخر ليظهر أمام أقاربه وجيرانه مظهر العز والبذخ ولا يفكر في تشييد الصالحات وعمل البر تخليداً لذكره وابتغاء رضوان الله ودخول جنته سبحانه، ففيه الحث على الإقبال على الله تعالى وتفريغ قلبه لعبادته جل وعلا. (¬8) أخلص إلى الله في عبادته. (¬9) سهل الله عسيره وأجاب دعاءه ووقاه ذلك الحاجة وأعطاه الدرجة الثانية تفضلاً.

الترهيب من الغضب والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب

ومن انقطع إلى الدنيا (¬1) وَكَلَهُ الله إليه (¬2) " رواه الطبراني وأبو الشيخ ابن حبان في الثواب، وإسناد الطبراني مقارب، وأملينا لهذا الحديث نظائر في الاقتصاد والحرص، ويأتي له نظائر في الزهد إن شاء الله تعالى. الترهيب من الغضب، والترغيب في دفعه وكظمه وما يفعل عند الغضب 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب (¬3)، فردد مراراً، قال: لا تغضب" رواه البخاري. 2 - وعن حُمَيْدِ بن عبد الرحمن عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال رجلٌ: يا رسول الله أوصني. قال: لا تغضب. قال: ففكرتُ حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضبُ يَجْمَعُ الشرَّ كُلَّهُ" رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح. 3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يُباعدني من غضب الله عز وجل؟ قال: لا تغضب" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: ما يمنعني؟ 4 - وعن جارية بن قُدامةَ" أن رجلاً قال يا رسول الله: قُل لي قولاً وأقْلِلْ لعلي ¬

(¬1) كد فيها بشره وجشع. (¬2) تركه إلى الدنيا ولم يعاونه في حياته. وقد عد الله تعالى من صفات الصالحين: (أ) "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً" (63 من سورة الفرقان). (ب) "وإذا مروا باللغو مروا كراماً" (72 من سورة الفرقان). (¬3) ينهاه صلى الله عليه وسلم عن الغضب وطلب الانتقام والحمق، وفي الغريب الغضب: ثوران دم القلب وإرادة الانتقام، ولذا قال صلى الله عليه وسلم "اتقوا الغضب فأنه جمرة توقد في قلب ابن آدم، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه" أهـ. وقال القسطلاني: أي اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه، قال الله سبحانه وتعالى: "والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون" (37 من سورة الشورى). والمراد بكبائر الإثم ما يتعلق بالبدع والشبهات، وبالقوة ما يتعلق بالقوة الشهوانية، وإذا ما غضبوا من مر دنياهم هم يغفرون. أهـ.

أعِيهِ (¬1) قال: لا تغضب، فأعاد عليه مراراً، كُلُّ ذلك يقولُ: لا تغضب" رواه أحمد واللفظ له، ورواته رواة الصحيح، وابن حبان في صحيحه، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط إلا أنه قال: "عن الأحنف بن قيس عن عمه، وعمُّه جارية بن قدامة أنه قال يا رسول الله: قل لي قولاً ينفعني الله به فَذَكَرَهُ"، وأبو يعلى إلا أنه قال: "عن جارية بن قدامة أخبرني عم أبي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه" ورواته أيضاً رواة الصحيح. 5 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "قال رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دُلَّني على عملٍ يُدخلني الجنة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغضب ولك الجنة" رواه الطبراني بإسنادين أحدهما صحيح. 6 - وعن ابن المسيب رضي الله عنه قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ، ومعه أصحابهُ وقعَ رجلٌ (¬2) بأبي بكرٍ رضي الله عنه فآذاهُ، فَصَمَتَ عنهُ أبو بكرٍ، ثم آذاهُ الثانية، فَصَمَتَ عنه أبو بكرٍ، ثم آذاهُ الثالثة فانتصرَ أبو بكر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أوَجَدْتَ (¬3) عليَّ يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزل مَلَكٌ من السماء يُكذِّبُهُ بما قال لك، فلما انتصرتَ ذهب المَلَكُ، وقَعَدَ الشيطانُ، فلم أكن لأجلس (¬4) إذن مع الشيطان" رواه أبو داود هكذا مرسلاً ومتصلاً من طريق محمد ابن غيلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة بنحوه، وذكر البخاري في تاريخه أن المرسل أصح. ¬

(¬1) أرجو أن أحفظه. (¬2) سبه وثلبه، من وقع فلان في فلان وقوعاً ووقيعة. أهـ مصباح، وفي النهاية في حديث ابن عمر فوقع بي أبي: أي لامني وعنفني، يقال وقعت بفلان إذا لمته، ووقعت فيه إذا عبته وذممته. أهـ. (¬3) أغضبت؟ يقال وجد عليه يجد وجداً وموجدة. (¬4) فلم أكن لأجلس إذن مع الشيطان هكذا عبارة (د وع ص 213 - 2)، وفي (ن ط): فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان.

7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الشديد بالصُّرَعَةِ (¬1) إنما الشديدُ الذي يملكُ نفسهُ عند الغضب (¬2) " رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 8 - ورواه ابن حبان في صحيحه مختصراً: ليس الشديد من غَلَبَ الناس، إنما الشديدُ من غلب نفسه". 9 - ورواه أحمد في حديث طويل: "عن رجلٍ شهدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبُ ولم يُسَمِّهِ، وقال فيه: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما الصرعةُ؟ قال: قالوا الصَّريعُ. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصُّرعَةُ كُلُّ الصُّرَعَةِ، الصُّرعَةُ كُلُّ الصُّرَعَةِ، الصُّرعَةُ كُلُّ الصُّرَعَةِ: الرجل الذي يغضبُ، فيشتدُّ غضبهُ، ويَحْمَرُّ وجههُ، ويقشعرُ جلدهُ، فَيَصْرَعُ غَضَبَهُ". [قال الحافظ]: الصرعة بضم الصاد وفتح الراء: هو الذي يصرع الناس كثيراً بقوته، وأما الصرعة بسكون الراء، فهو الضعيف الذي يصرعه الناس حتى لا يكاد يثبت مع أحد، وكل من يكثر عنه الشيء يقال فيه: فُعَلَة بضم الفاء وفتح العين مثل حُفظة وخُدَعة وضُحَكة وما أشبه ذلك، فإذا سكنت ثانيه فعلى العكس: أي الذي يفعل به ذلك كثيراً. 10 - وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) أي ليس الشديد من يصرع الناس كثيراً بقوته. (¬2) عند ثورانه فيقهر نفسه ويكظم غيظه. أهـ جامع صغير. وقال الحفني: أي ليس الشديد شدة محمودة المتلبس بصرع الأبطال ورميهم في الأرض، بل هو القاهر لنفسه وهواه لقهره أعداء من الشياطين والنفس الذين هم أشد من أعداء الظاهر. ولذا لما اشتهر عن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه الحلم وأراد تفصيل ملبوس عند جماعة صنعوا له كما طويلاً من جهة والجهة الأخرى بدون كم أصلاً ليختبروا حلمه فلما أخذ ذلك ولبسه قال: جزاهم الله خيراً قد صنعوا لي كماً لأضع فيه ما احتاجه وتركوا الكم من الجهة الثانية ليريحوني من ثقله، فالحليم من شأنه هكذا فلا يغضب أصلاً، وإن غضب وتغير لا يعمل بمقتضى غضبه. أهـ ص 213 وقال النووي في شرح مسلم: تعتقدون أن الصرعة الممدوح القوي الفاضل هو القوي الذي لا يصرعه الرجال بل يصرعهم، وليس هو كذلك شرعاً، بل هو من يملك نفسه عند الغضب فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قل من يقدر على التخلق بخلقه ومشاركته في فضيلته، وفيه كظم الغيظ وإمساك النفس عند الغضب عن الانتصار والمخاصمة والمنازعة. أهـ ص 162 جـ 16

يوماً صلاة العصر، ثم قام خطيباً، فلم يَدَعْ (¬1) شيئاً يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به، حَفِظَهُ من حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، وكان فيما قال: إن الدنيا خَضِرَةٌ (¬2) حُلْوَةٌ وإن الله مُسْتَخلِفُكُمْ فيها فناظرٌ كيف تعملون (¬3)، ألا فاتقوا الدنيا (¬4)، واتقوا النساء (¬5)، وكان فيما قال: ألا لا يمنعنَّ رجلاً هَيْبَةُ الناس أن يقول بحقٍ إذا عَلِمَهُ (¬6). قال: فبكى أبو سعيدٍ، وقال: وقد والله رأينا أشياء فَهِبْنَا، وكان فيما قال: الا إنه يُنْصَبُ لكل غادرٍ (¬7) لواء يوم القيامة بقدر غَدْرَتِهِ، ولا غَدْرَةَ أعظمُ من غَدْرَةِ (¬8) إمام عامةٍ يَرْكُزُ لواءهُ عند اسْتِهِ (¬9)، وكان فيما حفظناهُ يومئذٍ: ألا إن بني آدم خُلقوا على طبقاتٍ، ألا وإن منهمُ البطئ الغضبِ السريع الفيء (¬10)، ومنهم سريعُ الغضبِ سريعُ الفيء، فتلك بِتلكَ، ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريعُ الفيء، وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء، ألا وإن الغضبَ جمرةٌ في قلب ابن آدم، أما رأتيم إلى حُمرةِ عينيهِ، وانتفاخ أوداجه (¬11) فمن أحسَّ بشيء من ذلك فليلصقْ بالأرض (¬12) " رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. 11 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: " في قوله تعالى: (ادْفَعْ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ) ¬

(¬1) يترك. (¬2) أي غضة ناعمة طرية كثيرة الخيرات زائد حسنها وبهجتها. (¬3) تعملون كذا (د وع ص 214 - 2)، وفي (ن ط): تفعلون أي خلق الله الناس وكلفها بالعمل وسيحاسب كلاً على عمله إن خيراً، وإن شراً. (¬4) احذروا فتنتها وغرورها، وزخارفها وزينتها واعملوا صالحاً فيها بتشييد المكرمات واجتناب السيئات. (¬5) احذروا فتنة النساء أن يشغلكن عن طاعة الله سبحانه وتعالى. (¬6) كذا (ط وع)، وفي (ن د): لا يمنعن رجل هيبة الناس أن يقول بحق إذا عمله. (¬7) الفاجر الظالم غير الوفي، يقال غدر به غدراً: نقض عهده. (¬8) ولا ظلم ولا نقض عهد أشد عقاباً عند الله تعالى من خلف رجل نصب نفسه لمصلحة العامة فغدر وفجر وفسق ونكث. (¬9) يدفن عظمته عند مؤخر جسمه، كناية عن تكبره وتجبره، وفي المصباح الاست: العجز ويراد به حلقة الدبر، والأصل سته بالتحريك ويقال استه فهو مسته: أي ضخم الأليتين. (¬10) الرجوع، من فاء يفيء فيئة، ومنه قيل للظل فيء ونفيئها تميلها. (¬11) ما يحيط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح واحدها ودج بالتحريك. (¬12) فليجلس لتهدأ ثورته ولتقل حدته وليذهب غيظه.

قال: الصبرُ عند الغضب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا عَصَمَهُمُ اللهُ، وخضعَ لهم (¬1) عَدُوهم" ذكره البخاري تعليقاً. 12 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه آواهُ الله (¬2) في كَنَفِهِ، وسَتَرَ عليهِ برحمتهِ، وأدخلهُ في محبته: من إذا أُعْطِيَ شَكَرَ، وإذا قَدَرَ غَفَرَ، وإذا غضب فَتَرَ (¬3) " رواه الحاكم من رواية عمر بن راشد، وقال: صحيح الإسناد. 13 - ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دفع غضبهُ (¬4) دفعَ الله عنه عذابهُ، ومن حفظ لسانهُ (¬5) سَتَر الله عورتهُ (¬6) " رواه الطبراني في الأوسط. 14 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من جُرعةٍ (¬7) أعظمَ عند الله من جُرعةِ غيظٍ كظمها (¬8) عَبْدٌ ابتغاء وجه الله" رواه ابن ماجة، ورواته محتج بهم في الصحيح. 15 - وعن معاذ بن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كظم غيظاً وهو قادرٌ على أن يُنْفِذَهُ (¬9) دعاهُ الله سبحانه على رءوس الخلائقِ حتى يُخَيِّرَهُ (¬10) من الحور العين ما يشاء" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجة كلهم ¬

(¬1) ذل، والمعنى حبس النفس عند المكاره فلا تجزع، والصفح عند الإساءة يسببان رضا الله وحفظه تعالى ويذلان الخصوم. (¬2) أحاطه سبحانه بسياج رعايته وأعانه وأكرمه إذا تحلى بخلال ثلاثة: (أ) الثناء على من صنع فيه معروفاً وكافأه. (ب) ستر ذنوب من أساء وعدم الانتقام منه إذا سهل أخذ الثأر. (جـ) التحلم والأناة وإزالة أسباب الغضب من نفسه. (¬3) هدأ وسكت، يقال فتر عن العمل فتوراً: انكسرت حدته ولان بعد شدته، ومنه فتر الحر إذا انكسر. (¬4) أزال. (¬5) صانه من كل قبيح منكر. (¬6) غفر ذنوبه ومحا سيئاته. (¬7) شرب يسير بضم الجيم وبفتحها: الشرب مرة واحدة، وفي النهاية الضم أشبه بالحديث. (¬8) تجرعه وتحمل سببه وصبر عليه طالباً الثواب من الله جل وعلا. (¬9) ينتقم ويعاقب. (¬10) يتزوج من النساء الحسان في الجنة.

من طريق أبي مرحوم، واسمه عبد الرحيم بن ميمون، عن سهل بن معاذ عنه، ويأتي الكلام على سهل وأبي مرحوم إن شاء الله تعالى. 16 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس، فإن ذهب عنه الغضبُ، وإلا فليضطجع" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه، كلاهما من رواية أبي حرب بن الأسود عن أبي ذر، وقد قيل: إن أبا حرب إنما يروي عن عمه عن أبي ذر، ولا يحفظ له سماع من أبي ذر، وقد رواه أبو داود أيضاً عن داود، وهو ابن هند عن بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا ذر بهذا الحديث، ثم قال أبو داود: وهو أصح الحديثين، يعني أن هذا المرسل أصح من الأول، والله أعلم. 17 - وعن سليمان بن صُرَدٍ رضي الله عنه قال: "اسْتَبَّ (¬1) رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل أحَدُهُما يغضبُ، ويَحْمَرُّ وجههُ، وتنتفخُ أوداجهُ، فنظرَ إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأعلمُ كلمةً لو قالها لذهب عنه ذا: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم، فقام إلى الرجل رجلٌ ممن سمعَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل تدري ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفاً (¬2)؟ قال: لا. قال: إني لأعْلَمُ كلمةً لو قالها لذهب عنه ذا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال له الرجل: أمَجْنُوناً تُرَاني؟ " رواه البخاري ومسلم. 18 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: "استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) تشاتم. (¬2) سابقاً، قال النووي: فيه أن الغضب في غير الله تعالى من نزغ الشيطان وأنه ينبغي لصاحب الغضب أن يستعيذ فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأنه سبب لزوال الغضب، وأما قول الرجل (أمجنوناً تُراني) فهو كلام من لم يفقه في دين الله تعالى ولم يتهذب بأنوار الشريعة المحمدية المكرمة، وتوهم أن الاستعاذة مختصة بالمجنون ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان، ولهذا يخرج به الإنسان عن اعتدال حاله، ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم وينوي الحقد والبغض وغير ذلك من القبائح المترتبة على الغضب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي قال له أوصني، قال: لا تغضب فردد مراراً، قال: لا تغضب فلم يزده في الوصية على: لا تغضب مع تكراره الطلب، وهذا دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما ينشأ منه، ويحتمل أن هذا القائل كان من المنافقين أو من جفاة الأعراب؛ والله أعلم ص 163 جـ 16

فغضب أحدهما غضباً شديداً حتى خُيِّلَ (¬1) إليَّ أن أنفهُ يتمرغُ (¬2) من شدة غضبهِ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجدُ (¬3) من الغضب، فقال: ما هي يا رسول الله؟ قال تقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم. قال: فجعل مُعاذٌ يأمرُهُ، فأبى وضحكَ، وجعل يزدادُ غضباً" رواه أبو داود والترمذي والنسائي، كلهم من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه، وقال الترمذي: هذا حديث مرسل، عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل. مات معاذ في خلافة عمر بن الخطاب، وقتل عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين، والذي قاله الترمذي واضح، فإن البخاري ذكر ما يدل على أن مولد عبد الرحمن بن أبي ليلى سنة سبع عشرة، وذكر غير واحد أن معاذ بن جبل توفي في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، وقيل: سنة سبع عشرة، وقد روى النسائي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أُبَّي بن كعب، وهذا متصل، والله أعلم. 19 - وعن أبي وائلٍ القاصِ قال: "دخلنا على عروة بن محمد السعدي فكلمه رجلٌ فأغضبهُ، فقام فتوضأ فقال: حَدَّثَنِي أبي عن جدي عطية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الغضب من الشيطان (¬4)، وإن الشيطان خُلق ¬

(¬1) مثل له في خياله. (¬2) أي ينقطع ويتشقق غضباً. قال أبو عبيد: أحسبه يترمع: أي يرعد يعني بالراء. أهـ نهاية. (¬3) يحصل له. (¬4) باعثه وموقد نار العداوة بين المتحابين ذلك الخناس الوسواس، وقد قال تعالى عنه كما أمر الله تعالى الشيطان أن يسجد لآدم: "قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" (12 من سورة الأعراف). لأن الشيطان سن التكبر والتجبر والغواية وقال بالحسن والقبح العقليين. آيات فضيلة كظم الغيظ: (أ) يروى أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله ما تقضي بالعدل ولا تعطي الجزل، فغضب عمر حتى عرف ذلك في وجهه. فقال له رجل يا أمير المؤمنين: ألا تسمع أن الله تعالى يقول: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" (199 من سورة الأعراف). فهذا من الجاهلين، فقال عمر: صدقت فكأنما كانت ناراً فأطفئت، ويعجبني قوله رضي الله عنه: من اتقى الله لم يشف غيظه، ومن خاف الله لم يفعل ما يشاء ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون. =

من النار وإنما تُطفأ النارُ بالماء، فإذا غضبَ أحدكم فليتوضأ" رواه أبو داود. ¬

_ = (ب) قال تعالى: "الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" (143 من سورة آل عمران). (جـ) وقال تعالى: "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور" (43 من سورة الشورى). (د) وقال تعالى: "فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون" (من سورة الأحقاف). (هـ) وقال تعالى: "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" (من سورة النور). (و) وقال تعالى: "فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون" (89 من سورة الزخرف). (ز) وقال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة" (من سورة الحجرات). (ح) وقال تعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" (من سورة محمد عليه الصلاة والسلام). (ط) وقال تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً" (85 من سورة الأحزاب). وقد أورد البخاري في باب الحذر من الغضب لقول الله تعالى: "والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون" (37 من سورة الشورى). وقوله عز وجل: "الذين ينفقون" الآية، قال في الفتح، وليس في الآيتين دلالة على التحذير من الغضب إلا أنه لما ضم من يكظم غيظه إلى من يجتنب الفواحش كان في ذلك إشارة إلى المقصود. أهـ ص 396 جـ 10 فجاهد نفسك يا أخي بعدم الغضب لتنال خير الدنيا والآخرة تحافظ على صحتك فلا تهيج دورة دمك ولا يصفر وجهك ولا يحصل منك تقاطع أو عدم رفق ولا ينطلق لسانك بالشتم والفحش الذي يستحي منه العاقل ويندم قائله عند سكون الغضب، ويظهر أثره بالضرب أو القتل، وإن فات ذلك بهرب المغضوب عليه رجع الغاضب إلى نفسه فيمزق ثوبه، ويلطم خده وربما سقط صريعاً، وربما أغمي عليه وربما كسر الآنية وضرب من ليس له في ذلك جريمة، والغضب الباطني يولد الحقد في القلب والحسد وإضمار السوء على اختلاف أنواعه ولعلك فهمت قول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم (لا تغضب) من الحكمة في استجلاب المصلحة ودرء المفسدة، والله سبحانه وتعالى أعلم، وقد قال لقمان لابنه: يا بني لا تذهب ماء وجهك بالمسألة ولا تشف غيظك بفضيحتك واعرف قدرك تنفعك معيشتك، وقال أيوب: حلم ساعة يدفع شراً كثيراً، وقيل أفضل الأعمال الحلم عند الغضب، والصبر عند الجزع، ومن قول سلمان: لا تغضب، وإن غضبت فأمسك لسانك ويدك، وحكاية معن بن زائدة تفسر قوله صلى الله عليه وسلم: لا تغضب. يروى في كتب الأدب أن معن بن زائدة كان أميراً على العراق، وكان حليماً كريماً يضرب به المثل فيهما، وقد قدم عليه أعرابي يمتحن حلمه فقال له: أتذكر إذ لحافك جلد شاة ... وإذ نعلاك من جلد البعير قال: نعم، أذكر ذلك ولا أنساه، فقال: فسبحان الذي أعطاك ملكاً ... وعلمك الجلوس على السرير قال: سبحانه وتعالى، قال: فلست مسلماً إن عشت دهراً ... على معن بتسليم الأمير قال: يا أخا العرب: السلام سنة، قال: سأرحل عن بلاد أنت فيها ... ولو جار الزمان على الفقير قال: يا أخا العرب إن جاورتنا فمرحباً بك، وإن رحلت فمصحوباً بالسلامة، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ = قال: فجدلي يا ابن ناقصة بشيء ... فإني قد عزمت على المسير قال: أعطوه ألف دينار يستعين بها على سفره فأخذها، وقال: قليل ما أتيت به وإني ... لأطمع منك بالمال الكثير قال: أعطوه ألفاً آخر فأخذها، وقال: سألت الله أن يبقيك ذخراً ... فمالك في البرية من نظير فقال: أعطوه ألفاً آخر، فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين ما جئت إلا مختبراً حلمك لما بلغني عنه فلقد جمع الله فيك من الحلم ما لو قسم على أهل الأرض لكفاهم. فقال معن: يا غلام كم أعطيته على نظمه؟ قال ثلاثة آلاف دينار، فقال: أعطه على نثره مثلها فأخذها ومضى في طريقه شاكراً. فلقد رأيت الشجاعة وعلو الهمة وقوة العقل في معن، وظهر ضبط نفسه بثلاثة: (أ) الحلم: أي امتلاك نفسه عند الغضب. (ب) كبح جماح الشهوات. (جـ) صيانة اللسان. قيل للأحنف بن قيس، وهو ممن يضرب بهم المثل في الحلم: ممن تعلمت الحلم؟ قال من قيس بن عاصم. قيل فما بلغ من حلمه؟ قال بينما هو جالس في داره إذ أتت جارية بسفود عليه شواء فسقط السفود من يدها على ابن له فعقره فمات فدهشت الجارية فقال: لا يسكن روعها إلا العتق فقال: (أنت حرة لا بأس عليك). نصائح الشعراء المأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم: لا تغضب. قال عبيد بن الأبرص: إذا ما رأيت الشر يبعث أهله ... وقام جناة الشر بالشر فاقعد ولأبي بكر محمد بن دريد: يعتصم (¬1) الحلم بجنبي (¬2) حبوتي (¬3) ... إذا رياح الطيش (¬4) طارت بالحبا والناس كالنبت فمنهم رائق (¬5) ... غصن (¬6) نضير عوده مر الجني (¬7) ومنهم ما تقتحم (¬8) العين فإن ... ذقت جناه انساغ (¬9) عذباً (¬10) في اللها (¬11) عول على الصبر الجميل (¬12) إنه ... أمنع (¬13) ما لاذ به أولو الحجا (¬14) وعطف النفس على سبل الأسى (¬15) ... إذا استفز (¬16) القلب تبريح (¬17) الجوى (¬18) وللمثقب العبدي الجاهل: وكلام سيء قد وقرت ... عنه أذناي وما به من صمم ولبعض الصفح والإعراض عن ... ذي الجفا أبقى وإن كان ظلم ولعبدة بن الطيب: ¬

الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر

الترهيب من التهاجر والتشاحن والتدابر 1 - عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقَاطَعُوا ولا تَدَابَرُوا (¬1)، ¬

= ودعوا الضغائن لا تكن من شأنكم ... إن الضغائن للقرابة توضع يزجى عقاربه ليبعث بينكم ... حرباً كما بعث العروق الأخدع إن الذين ترونهم إخوانكم ... يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا وللإمام علي الرضا: إن عضك الدهر فكن صابراً ... على الذي نالك من عضته أو مسك الضر فلا تشتكي ... إلا لمن تطمع في رحمته لسانك احفظه وصن نطقه ... واحذر على نفسك من عثرته فالصمت زين ووقار وقد ... يؤتى على الإنسان من لفظته من أطلق القول بلا مهملة ... لاشك أن يعثر في عجلته من لزم الصمت نجا سالماً ... لا يندم المرء على سكتته وقال أبو علي "في الأمالي ص 235 جـ 2 وأنشدنا أبو بكر محمد بن السرى قال أنشدني وكيع" قال أنشدنا أحمد بن سليمان الراوية: استر بصبر خلك ... والبس عليه شملك وكل هزيليلك على ... الراحة واشرب وشلك إذا اعترتك فاقة ... فارحل برفق جملك وارغب إلى الله ونط ... بما لديه أملك وآخ في الله وصل ... في دينه من وصلك رزقك يأتيك إلى ... حين تلاقي أجلك ما لك ما قدمته ... وليس ما بعدك لك وللزمان أكلة ... إذا اشتهاها أكلك وللردى قوس فإن ... رماك عنها قتلك يا رب إني راغب ... أدعوك وأرجو نفلك أنت حفي لم تخب ... دعوة راج أملك فأعطني من سعة ... يا من تعالى فملك سبحانك اللهم ما ... أجل عندي مثلك (¬1) التدابر: المعاداة، وقيل المقاطعة، لأن كل واحد يولي صاحبه دبره، والحسد تمني النعمة، وهو حرام ومعنى كونوا عباد الله إخواناً: أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة، والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال. قال بعض العلماء: وفي النهي عن التباغض إشارة إلى النهي عن الأهواء المضلة الموجبة للتباغض. أهـ نووي ص 116 جـ 16، =

ولا تباغضوا (¬1)، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجر أخاهُ فوق ثلاثٍ (¬2) " رواه مالك والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، ورواه مسلم أخصر منه، والطبراني، وزاد فيه: "يلتقيان فَيُعْرِضُ هذا، ويُعْرِضُ هذا، وخَيْرُهُمُ الذي يبدأ بالسلام، والذي يبدأ بالسلام يسبقُ إلى الجنة". قال مالك: ولا أحسبُ التدابر إلا الإعراض عن المسلم يُدْبِرُ عنه بوجهه. 2 - وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاهُ فوق ثلاثِ ليالٍ، يلتقيان، فَيُعْرِضُ هذا، وَيُعْرِضُ هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي وأبو داود. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاهُ فوق ثلاثٍ، فمن هَجَرَ فوقَ ثلاثٍ فمات دخل النار" رواه أبو داود والنسائي بإسنادٍ على شرط البخاري ومسلم. 4 - وفي رواية لأبي داود، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لمؤمنٍ أن يهجرَ ¬

= وفي النهاية: أي لا يعطي كل واحد منكم أخاه دبره وقفاه فيعرض عنه ويهجره. أهـ. (¬1) أي لا يحصل منكم بغض ونفاق وشقاق وتنافر. (¬2) قال العلماء: في هذا الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال وإباحتها في الثلاث، الأول بنص الحديث، والثاني بمفهومه قالوا وإنما عفى عنها في الثلاث، لأن الآدمي مجبول على الغضب وسوء الخلق، ونحو ذلك فعفى عن الهجرة في الثلاثة ليذهب ذلك العارض، وقيل إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجرة في الثلاثة وهذا على مذهب من يقول لا يحتج بالمفهوم، ودليل الخطاب قوله صلى الله عليه وسلم (يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وفي رواية: فيصد هذا ويصد هذا) أي يعرض، أي يوليه عرضه، وهو جانبه (وخيرهما): أي أفضلهما، وفيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجرة ويرفع الإثم فيها ويزيله، وقال أحمد وابن القاسم المالكي: إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجرته، قال أصحابنا: ولو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل يزول إثم الهجرة؟ وفيه وجهان أحدهما لا يزول، لأنه لم يكلمه، وأصحهما يزول لزوال الوحشة والله أعلم (لا يحل لمسلم): قد يحتج به من يقول: الكفار غير مخاطبين بفروع الشرع، والأصح أنهم مخاطبون بها، وإنما قيد بالسملم، لأنه الذي يقبل خطاب الشرع وينتفع به. أهـ نووي ص 118 جـ 16 وقال ابن حجر: في الفتح في باب الهجرة: الهجرة أي ترك الشخص مكاملة الآخر إذا تلاقيا، وهي في الأصل الترك فعلاً كان أو قولاً، وليس المراد بها مفارقة الوطن، وأراد أن عمومه مخصوص بمن هجر أخاه بغير موجب لذلك. وقال أبو العباس القرطبي: المعتبر ثلاث ليال حتى لو بدأ بالهجرة في أثناء النهار ألغى البغض وتعتبر ليلة ذلك اليوم وينقضي العفو بانقضاء الليلة الثالثة. فالمعتمد أن المرخص فيه ثلاثة أيام بلياليها فحيث أطلقت الليالي أريد بأيامها. أهـ فتح ص 373 جـ 10.

مؤمناً فوق ثلاثٍ، فإن مَرَّتْ به ثلاثٌ فَلْيَلْقَهُ (¬1) فَلْيُسَلِّمْ عليه، فإن رد عليه السلام، فقد اشتركا (¬2) في الأجر، وإن لم يَرُدَّ عليه، فقد باء (¬3) بالإثم، وخرج المسلمُ من الهجرةِ (¬4) ". 5 - وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يكونُ لمسلمٍ أن يهجرَ مُسلماً فوق ثلاثةِ أيامٍ، فإذا لَقِيَهُ سَلَّمَ عليه ثلاثَ مراتٍ، كُلُّ ذلك لا يَرُدُّ عليه، فقد باء بإثمه" رواه أبو داود. 6 - وعن هشام بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجرَ مُسلماً فوق ثلاثِ ليالٍ، فإنهما ناكبان (¬5) عن الحق ماداما على صِرَامِهِمَا (¬6) وأولهما فَيْء (¬7) يكونُ سَبْقُهُ بالفيء كفارة له (¬8)، وإن سَلَّمَ فلم يقبل ورَدَّ عليه سلامهُ ردتْ عليه الملائكة (¬9)، وردَّ على الآخرِ الشيطانُ، فإن ماتا على صِرَامِهِمَا لم يَدْخُلا الجنة جميعاً أبداً" رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح، وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: "لم يدخُلا الجنة، ولم يجتمعا في الجنة" ورواه أبو بكر بن أبي شيبة إلا أنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلُّ أن يَصْطَرِمَا (¬10) فوق ثلاثٍ، فإن اصطرما فوق ثلاثٍ لم يجتمعا في الجنة أبداً، وأيهما (¬11) بدأ صاحبهُ كُفِّرَتْ ذُنُوبُهُ، وإن هو سَلَّمَ فلم يَرُدَّ عليه، ولم يقبل سلامهُ رَدَّ عليه المَلَكُ، وردَّ على ذلك الشيطان". 7 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) هكذا في (ع ص 216)، وفي (ن د): فلقيه. (¬2) نالا الثواب. (¬3) رجع بالذنب. (¬4) الترك الشرعي لأنه أراد أن يحادثه فامتنع. (¬5) مائلان، من نكب الإناء ونكبه: إذا أماله وكبه. (¬6) قطيعتهما. (¬7) أي حنين إلى مودته ورجوع إلى محادثته، من قولهم الفيء على ذي الرحم: أي العطف عليه والرجوع إليه بالبر والصلة. (¬8) أي إذا تقدم له بأنواع الألفة غفرت ذنوبه. (¬9) ملائكة الرحمة. (¬10) يتقاطعا. (¬11) وأيهما كذا (د وع ص 216).

"لا تَحِلُّ الهجرة فوق ثلاثةِ أيامٍ، فإن التقيا، فَسَلَّمَ أحدهما، فَرَدَّ الآخرُ اشتركا في الأجر، وإن لم يَرُدَّ بَرِئ (¬1) هذا من الإثم، وباء به الآخرُ، وأحسبهُ قال: وإن ماتا وهما مُتهاجران لا يجتمعان في الجنة" رواه الطبراني في الأوسط والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد. من هجر أخاه فهو كسفك دمه 8 - وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدابروا ولا تَقَاطَعُوا، وكونوا عباد الله إخواناً (¬2) هَجْرُ المؤمنين ثلاثاً (¬3)، فإن تكلما وإلا أعْرَضَ (¬4) الله عز وجل عنهما حتى يتكلما" رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا عبد الله بن عبد العزيز الليثي. 9 - وعن فضالة بن عُبيدٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من هجر أخاهُ فوق ثلاثٍ، فهو في النار إلا أن يتداركهُ (¬5) الله برحمته" رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح. 10 - وعن أبي حِرَاشٍ حَدْرَدِ بن أبي حدردٍ الأسلميِّ رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من هجر أخاهُ سنةً، فهو كَسَفْكِ دَمِهِ" رواه أبو داود والبيهقي. 11 - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشيطان قد يئس أن يعبدهُ المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التَّحْرِيشِ بينهم" رواه مسلم. [التحريش]: هو الإغراء، وتغيير القلوب والتقاطع. 12 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "لا يتهاجرُ الرجلان قد دَخَلاَ ¬

(¬1) سلم من الذنب. (¬2) أصدقاء أحباباً. (¬3) كذا (د وع)، وفي (ن ط) ثلاث. (¬4) أبعد عنهما سبحانه وتعالى رحمته ولم يعاونهما. (¬5) يسامحه ويعفو عنه، ففيه للنهي عن الخصام والعناد والتقاطع رجاء نيل النعيم والخطوة برحمة الله.

في الإسلام إلا خرج (¬1) أحدهما منه حتى يرجعَ إلى ما خرج منه، ورجوعه (¬2) أن يأتيهُ فَيُسَلِّمَ عليه" رواه الطبراني موقوفاً بإسناد جيد. 13 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رجلين دخلا في الإسلام فاهْتَجَرَا لكان أحدهما خارجاً عن الإسلام حتى يرجعَ، يعني الظالم (¬3) منهما" رواه البزار، ورواته رواة الصحيح. 14 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعْرَضُ الأعمال في كل اثنين وخميسٍ، فيغفرُ الله عز وجل في ذلك اليوم لكلِّ امرئٍ لا يُشركُ بالله شيئاً إلا امرؤٌ كانت بينه وبين أخيه شحناء (¬4)، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا" رواه مالك ومسلم، واللفظ له، وأبو داود والترمذي وابن ماجة بنحوه. 15 - وفي رواية لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تُفتحُ أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فَيُغْفَرُ لكلِّ عبدٍ لا يُشركُ بالله شيئاً إلا رجلٌ كان بينه وبين أخيه شحناء فيقالُ: أنْظِرُوا هذين حتى يصطلحا، أنْظِرُوا هذين حتى يصطلحا، أنْظِرُوا هذين حتى يصطلحا". 16 - ورواه الطبراني، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُنسخُ دواوينُ أهل الأرضِ في دواوينِ أهل السماء في كل اثنينٍ وخميسٍ، فَيُغْفَرُ لكلِّ مُسْلمٍ لا يُشركُ بالله شيئاً إلا رجلٌ بينهُ وبين أخيه شحناء. قال أبو داود: إذا كانت الهجرةُ لله (¬5) فليس من هذا بشيءٍ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين يوماً، وابن عمر هجر ابناً له إلى أن مات" انتهى. 17 - وعن جابرٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تُعْرَض الأعمالُ يوم الاثنين والخميس، فَمِنْ مُسْتَغْفِرٍ، فَيُغْفَرُ له، ومن تائبٍ فَيُتَابُ عليه، ¬

(¬1) كفر. (¬2) إثبات إسلامه وزيادة إيمانه. (¬3) يريد صلى الله عليه وسلم أن يبين أن المعتدي في الخصام بعيد من الإسلام الكامل ناقص الإيمان بالله. (¬4) شقاق وتنافر وخصام فيؤجل الله غفران ذنوبهما حتى يصطلحا. (¬5) أي التقاطع بسبب ارتكاب الثاني الإجرام وفعل المعاصي فالعاقل الكيس يصل لله ويترك العصاة لله.

وَيَرُدُّ أهلَ الضغائنِ بضغائنهم حتى يُتوبوا" رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات. [الضغائن] بالضاد والغين المعجمتين: هي الأحقاد. 18 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يَطَّلِعُ اللهُ إلى جميع خَلْقِهِ ليلةَ النصف من شعبان، فَيَغْفِرُ لجميعِ خلقهِ إلا لِمُشركٍ (¬1) أو مُشاحنٍ (¬2) " رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه والبيهقي، ورواه ابن ماجة بلفظه من حديث أبي موسى الأشعري، والبزار والبيهقي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه بنحوه بإسناد لا بأس به. 19 - ورويَ عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضع عنه ثوبيه، ثم لم يَسْتَتِمَّ (¬3) أن قام فلبسهما، فأخذتني غَيْرَةٌ شديدةٌ ظننتُ أنه يأتي بعض صُوَيْحِبَاتِي، فخرجتُ أتْبَعُهُ، فأدركتهُ بالبقيع (بقيع الغرقد) يستغفرُ للمؤمنين (¬4) والمؤمنات والشهداء، فقلتُ: بأبي وأمي أنت في حاجةِ ربك، وأنا في حاجة الدنيا، فانصرفتُ فدخلتُ حُجْرَتي، ولي نَفَسٌ عَالٍ (¬5)، ولحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا النفس يا عائشةُ؟ قلتُ (¬6): بأبي وأمي أتيتني فوضعت عنك ثوبيك، ثم لم تستتم (¬7) أن قمتَ فلبستهما، فأخذتني غيرةٌ شديدةٌ (¬8) ظننتُ أنك تأتي بعض صُويحباتي حتى رأيتُكَ بالبقيع تصنعُ ما تصنعُ فقال: يا عائشة أكنتِ تخافين أن يحيفَ (¬9) الله عليك ورسولهُ! أتاني جبريل عليه السلام، فقال: ¬

(¬1) الذي جعل لله شريكاً في ذاته أو صفاته أو أفعاله. (¬2) مشاكس شرير مجرم يخلق الفتن ويبعث الاضطراب، ويزيل الصفاء ويجلب النفور دائماً. (¬3) لم يستكمل الراحة ولم يطلب تمام المكث عندنا. (¬4) يطلب محو ذنوب أمته. (¬5) اضطراب وخفقان، والمعنى تظهر على حركة غير عادية. (¬6) أفديك بهما. (¬7) لم تأخذ راحتك التامة. (¬8) حمية وأنفة، يقال رجل غيور، وامرأة غيور أو غيرى، وهي فعلى من الغيرة. (¬9) يجور ويظلم، ومنه حتى لا يطمع شريف في حيفك: أي في ميلك معه لشرفه.

هذه ليلةُ النصف من شعبان، ولله فيها عُتقاءُ من النار بعدد شُعُورِ غَنَمِ كَلْبٍ (¬1) لا ينظرُ الله فيها إلى مشركٍ، ولا إلى مُشاحنٍ، ولا إلى قاطعِ رحمٍ، ولا إلى مُسبلٍ، ولا إلى عاقٍ لوالديه، ولا إلى مدمن خمرٍ. قال: ثم وضع عنه ثوبيه، فقال لي: يا عائشة تأذنين لي في قيام هذه الليلة؟ قلتُ بأبي وأمي، فقام فسجد ليلاً طويلاً حتى ظننتُ أنه قد قُبضَ (¬2)، فقمتُ ألتمسُهُ ووضعتُ يدي على باطن قدميه، فتحرك ففرحتُ، وسمعتهُ يقول في سجوده: أعوذُ بعفوك (¬3) من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، جَلَّ وجهك (¬4) لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، فلما أصبح ذكرتهنَّ له، فقال: يا عائشةُ: تَعَلَّمِيهنَّ، فقلتُ: نعم، فقال: تعلميهن وعَلَّمِيهِنَّ، فإن جبريل عليه السلام عَلَّمَنِيهِنَّ، وأمرني أن أُرددهُنَّ في السجود (¬5) " رواه البيهقي. 20 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَطَّلِعُ (¬6) الله عز وجل إلى خلقهِ ليلة النصف من شعبان، فيغفرُ لعباده إلا اثنين: مُشاحنٍ، وقاتلِ نفسٍ" رواه أحمد بإسناد لين. ¬

(¬1) كناية عن إبعاد نفوس كثيرة جداً من جهنم، وكانت قبيلة كلب في هذا الوقت مشهورة بكثرة ماشيتها ووفرتها، وقد خاب وخسر ستة في هذه الليلة وباءوا بسخط الله وغضبه: (أ) من يجعل لله شريكاً، ولم يخلص له تعالى في عبادته وسؤاله. (ب) موقد نار العداوة والبغضاء بين النفوس المتصافية. (جـ) الجافي على أقاربه الذي لا يود أهله، ولا يصلهم بخيره وطيب كلامه. (د) المتصف بالكبر والخيلاء. (هـ) عاص والديه ومؤذيهما. (و) السكير المتبع هواه صريع الكأس المبذر. (¬2) التحق بالرفيق الأعلى: أي مات، فهمت السيدة عائشة ذلك من طول سجوده، وفي ذلك طلب الخضوع في الصلاة وإطالة السجود خصوصاً في النفل والتهجد. (¬3) أطلب تجاوزك لتجيرني من عذابك، وأرجو بعطفك أن تبعد عني غضبك، وأتوسل بصفاتك الحسنى وأتقرب بعظمتك أن تجيرني من انتقامك. (¬4) عظمت ذاتك. (¬5) أكثر من ذكرهن في السجود. (¬6) ينظر نظر رحمة ويتجلى برضوانه.

يغفر الله عز وجل لأهل الأرض إلا مشرك أو مشاحن 21 - وعن مكحولٍ عن كثير بن مُرَّةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في ليلة النصف من شعبان يغفرُ الله عز وجل لأهل الأرض إلا مُشركٌ أو مُشاحنٌ" رواه البيهقي، وقال: هذا مرسل جيد. 22 - [قال الحافظ]: ورواه الطبراني والبيهقي أيضاً عن مكحول عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يطلعُ الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفرُ (¬1) للمؤمنين، ويُمْهِلُ (¬2) الكافرين، وَيَدَعُ (¬3) أهل الحقد بحقدهم حتى يَدَعُوهُ (¬4) " قال البيهقي: وهو أيضاً بين مكحول وأبي ثعلبة مرسل جيد. 23 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من لم يكن فيه واحدةٌ منهن، فإن الله يغفرُ له ما سوى ذلك لمن يشاء: من مات لا يُشركُ بالله شيئاً (¬5)، ولم يكن ساحراً (¬6) يتبعُ السحرة، ولم يحقد (¬7) على أخيه" رواه الطبراني في الكبير والأوسط من رواية ليث بن أبي سليم. 24 - وعن العلاء بن الحرث أن عائشة رضي الله عنها قالت: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل، فصلى، فأطال السجود حتى ظننتُ أنه قد قُبضَ، فلما رأيت ذلك قُمتُ حتى حركتُ إبهامهُ، فتحرك فرجع، فلما رفع رأسه من السجود، وفرغَ من صلاته قال: يا عائشةُ أو يا حُمَيْرَاءُ أظننتِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خَاسَ (¬8) بك قلتُ لا والله يا رسول الله، ولكني ظننتُ أنك قُبضتَ (¬9) لطول سجودك، فقال: أتدرين (¬10) أيُّ ليلةٍ هذه؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم. قال: هذه ليلةُ النصف من ¬

(¬1) بمحو ذنوبهم. (¬2) يؤجل عقابهم. (¬3) يترك. (¬4) يتجنبوه. (¬5) موحداً بالله ومؤمناً به عاملاً صالحاً له وحده. (¬6) يصرف قلوب الناس إلى غير الحق، والسحر صرف الشيء عن وجهه. (¬7) يضمر له أذى، وفي المصباح: الحق الانطواء على العداوة والبغضاء. (¬8) غدر بذمتك وضيع وقت وجوده معك، وفي النهاية إني لأخيس بالعهد: لا أنقضه، يقال خاس بعهده وخاس بوعده إذا أخلفه، وفي حديث معاوية أنه كتب إلى الحسين بن علي: إني لم أكسك ولم أخسك: أي لم أذلك أهنئك أو لم أخلفك وعداً. أهـ. (¬9) التحقت بالرفيق الأعلى. (¬10) أتعلمين.

شعبان، إن الله عز وجل يَطَّلِعُ على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفرُ للمستغفرين ويرحمُ المسترحمين، ويؤخرُ أهلَ الحقد كما هم" رواه البيهقي أيضاً، وقال: هذا مرسل جيد، ويحتمل أن يكون العلاء أخذه عن مكحول. [قال الأزهري]: يقال للرجل إذا غدر بصاحبه، فلم يؤته حقه: قد خاس به، يعني بالخاء المعجمة، والسين المهملة. 25 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لا تُرفعُ صلاتهم فوق رءوسهم شبراً: رجلٌ أمَّ قوماً (¬1)، وهم له كارهون، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخطٌ (¬2)، وأخوان مُتَصارمانِ (¬3) " رواه ابن ماجة، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: "ثلاثةٌ لا يقبلُ الله لهم صلاةً" فذكر نحوه. [قال الحافظ]: ويأتي في باب الحسد حديث أنس الطويلُ إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) صلى بهم إماماً. (¬2) غضبان. (¬3) متقاطعان متباغضان: متنافران. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دينه مضرة، فإن كان كذلك جاز، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. أهـ. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه عقوبة لهم لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر، ولم يمنع من كلام من تخلف عنها من المنافقين مؤاخذة للثلاثة لعظيم منزلتهم وازدراء بالمنافقين لحقارتهم، وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته، ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث، واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهراً، وكذلك ما صدر من كثير من السلف في استجازتهم ترك مكالمة بعضهم بعضاً مع علمهم بالنهي عن المهاجرة، ولا يخفى أن هنا مقامين: أعلى، وأدنى، فالأعلى اجتناب الإعراض جملة فيبذل السلام والكلام والمواددة بكل طريق، والأدنى الاقتصار على السلام دون غيره، والوعيد الشديد: إنما هو لمن يترك المقام الأدنى، وأما الأعلى فمن تركه من الأجانب، فلا يلحقه اللوم، بخلاف الأقارب، فإنه يدخل فيه قطيعة الرحم. أهـ فتح ص 381 جـ 10 وروى البخاري: في باب ما يجوز من الهجران لمن عصى. وقال كعب: حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا، وذكر خمسين ليلة. قال في الفتح أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز، لأن عموم النهي مخصوص بمن لم يكن لهجره سبب مشروع فبين من هذا السبب المسوغ للهجر، وهو لمن صدرت منه معصية فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها. ص 382، ففيه التنوع: ترك المكالمة أو مغضبة بين الأهل والإخوان، فيجوز الهجر فيه بترك التسليم مثلاً أو بترك بسط الوجه مع عدم هجر السلام والكلام. وقال الكرماني: لعله أراد قياس هجران من يخالف الأمر الشرعي على هجران اسم من يخالف الأمر الطبيعي. وقال الطبري: قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي.

الترهيب من قوله لمسلم يا كافر

الترهيب من قوله لمسلم: يا كافر 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الرجلُ لأخيه: يا كافرُ فقد باء (¬1) بها أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليه" رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. 2 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال: يا عدو (¬2) الله، ¬

(¬1) رجع بالإلحاد والزندقة، والمروق من الدين لأن نداء: يا كافر: أي خارج عن حدود الإسلام فكأنه وصمه بالتعدي على الدين وآدابه، وفي غريب القرآن: الكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها، وقد يقال كفر لمن أخل بالشريعة وترك ما لزمه من شكر الله عليه، قال تعالى: "من كفر فعليه كفره" يدل على ذلك مقابلته بقوله تعالى: "ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون" (44 من سورة الروم). وقال: "وأكثرهم الكافرون" (83 من سورة النحل). وقوله: "ولا تكونوا أول كافر به" (من سورة البقرة). أي لا تكونوا أئمة في الكفر فيقتدى بكم، وقوله تعالى: "ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون" (55 من سورة النور). عنى بالكافر الساتر للحق، فلذلك جعله فاسقاً، ومعلوم أن الكفر المطلق هو أعم من الفسق، ومعناه من جحد حق الله فقد فسق عن أمر ربه بظلمه، ولما جعل كل فعل محمود من الإيمان، جعل كل فعل مذموم من الكفر وقال في السحر: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" (من سورة البقرة). وقوله: "الذين يأكلون الربا" إلى قوله: "كل كفار أثيم" (276 من سورة البقرة). وقال: "ولله على الناس حج البيت" إلى قوله: "ومن كفر إن الله غني عن العالمين" (97 من سورة آل عمران). وقوله تعالى: "إن الإنسان لكفور" (66 من سورة الحج)، والكفور: المبالغ في كفران النعمة. وقوله تعالى: "أولئك هم الكفرة الفجرة" (42 من سورة عبس). ألا ترى أنه وصف الكفرة بالفجرة، والفجرة قد يقال للفساق من المسلمين. أهـ. فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الذي يصف أخاه المسلم بالكفر ينال ذنباً إن لم يكن كذلك، لماذا؟ لأن القائل يا كافر أعتقد أن عقائده زائغة وأعماله رديئة، وأفعاله سيئة وباطنه غاش منطو على الأذى، فإن صدق في قوله نجا، وأثم ذلك المتخلق بأخلاق الكفرة الفسقة العصاة، وإن كذب في قوله لأخيه يا كافر عصى الله، ووصفه بما ليس فيه، لأنه رجل صالح متمسك بالدين وبسنن خير المرسلين، صلى الله عليه وسلم فكأنه افترى عليه وتعدى عليه بما لا يليق به وهجم على ذم ذاته المصونة المكملة بالصالحات. (¬2) أي المحارب لآداب الله التارك لأوامره.

وليس كذلك (¬1) إلا حَارَ عليه" رواه البخاري ومسلم في حديثٍ. [حار] بالحاء المهملة والراء: أي رجع. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لأخيه: يا كافرُ فقد باء بها أحدُهُمَا (¬2) " رواه البخاري. 4 - وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أكْفَرَ رجُلٌ (¬3) رَجُلاً إلا باء أحدهما بها إن كان كافراً، وإلا كَفَرَ بتكفيره (¬4) " رواه ابن حبان في صحيحه. 5 - وعن أبي قلابة رضي الله عنه: "أن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخبرهُ أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرةِ (¬5)، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حَلَفَ على يمينٍ بملةٍ (¬6) غير الإسلام كاذباً متعمداً، ¬

(¬1) أي ليس هو تاركاً أوامره مخالفاً لدينه تعالى، بل كان صالحاً عاملاً مؤمناً حقاً فيرجع العقاب للقائل الآثم الخاطئ، لأنه اعتدى عليه بوصفه بالخروج عن الدين. (¬2) لأنه إما أن يصدق عليه أو يكذب، فإن صدق فهو كافر، وإن كذب عاد الكفر إليه بتكفيره أخاه المسلم. والكفر صنفان: أحدهما الكفر بأصل الإيمان، وهو ضده، والآخر الكفر بفرع من فروع الإسلام، فلا يخرج به عن أصل الإيمان، وقيل الكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار بأن لا يعرف الله أصلاً، ولا يعترف به، وكفر جحود ككفر إبليس يعرف الله بقلبه، ولا يقر بلسانه. وكفر عناد، وهو أن يعترف بقلبه ويعترف بلسانه، ولا يدين به حسداً وبغياً ككفر أبي جهل، وأضرابه، وكفر نفاق، وهو أن يقر بلسانه، ولا يعتقد بقلبه. قال الهروي: سئل الأزهري عمن يقول بخلق القرآن أتسميه كافراً؟ فقال الذي يقوله كفر، فأعيد عليه السؤال ثلاثاً، ويقول مثل ما قال. ثم قال في الآخر: قد يقول المسلم كفراً. أهـ نهاية ص 26 وقال الشيخ الشرقاوي: (يا كافر) أي يقصد حقيقة ذلك إلا ارتدت عليه الرمية فيصير هو فاسقاً أو كافراً إن لم يكن صاحبه المرمي كذلك، وإن كان موصوفاً بذلك، فلا يرتد إليه شيء لكونه صدق فيما قاله، فإن قصد بذلك تعبيره بذلك وشهرته، وأذاه حرم عليه، لأنه مأمور بستره وتعليمه وموعظته بالحسنى فمهما أمكنه ذلك بالرفق حرم عليه فعله بالعنف، لأنه قد يكون سبباً لإغوائه وإصراره على ذلك الفعل كما في طبع كثير من الناس من الأنفة، لاسيما إن كان الآمر دون المأمور في الدرجة، فإن قصد نصحه أو نصح غيره ببيان حاله جاز له ذلك. أهـ ص 306 جـ 3 (¬3) أي رماه بالكفر ونسبه إلى المروق والإلحاد والزندقة. (¬4) أثم بإسناد التهمة الباطلة إليه. (¬5) شجرة الرضوان بالحديبية. (¬6) بتنوين ملة فغير صفة، وعلى بمعنى الباء، ويحتمل أن يكون التقدير: من حلف على شيء بيمين فحذف المجرور وعدى الفعل بعلى بعد حذف الباء، والأول أقل في التخيير كأن يقول: إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني كاذباً. أهـ شرقاوي.

فهو كمال قال (¬1)، ومن قتل نفسهُ بشيء عُذِّبَ به (¬2) يوم القيامة، وليس على رجلٍ نذرٌ (¬3) فيما لا يملك (¬4)، وَلَعْنُ المؤمن كقتلهِ (¬5)، ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله، ومن ذبح نفسهُ بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم، ورواه أبو داود والنسائي باختصار والترمذي وصححه، ولفظه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المرء نذرٌ فيما لا يملكُ، وَلاَعِنُ المؤمن كقاتلهِ، ومن قذف (¬6) مؤمناً بكفرٍ فهو كقاتله، ومن قتل نفسهُ بشيء (¬7) عُذِّبَ بما قتل به نفسهُ يوم القيامة". 6 - وعن عمران بن حُصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الرجلُ لأخيهِ يا كافرُ (¬8)، فهو كقتله" رواه البزار، ورواته ثقات. ¬

(¬1) فهو مثل قوله أو كالذي قاله، والمعنى فمثله مثل قوله، لأن هذا الكلام محمول على التعليق مثل أن يقول هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا كما مر. والحاصل أنه يحكم عليه بالذي نسبه لنفسه، وظاهره أنه يكفر، وهو محمول على من أراد أن يكون متصفاً بذلك إذا وقع المحلوف عليه، لأن إرادة الكفر كفر، فيكفر في الحال أو المراد التهديد والمبالغة في الوعيد، لأن الحكم، وإن قصد تبعيد نفسه عن الفعل فليس بيمين، ولا يكفر به. قال في الروضة وليقل: لا إله إلا الله محمد رسول الله للحديث الصحيح عن أبي هريرة مرفوعاً "من حلف فقال في حلفه: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله" ففيه دليل على أنه لا كفارة على من حلف بغير الإسلام بل يأثم وتلزمه التوبة، لأنه صلى الله عليه وسلم جعل عقوبته في دينه، ولم يوجب في ماله شيئاً. أهـ شرقاوي. (¬2) ليكون الجزاء من جنس العمل، وإن كان عذاب الآخرة أعظم. (¬3) أي وفاء نذر. (¬4) كأن يقول إن شفى الله مريضي فعبد فلان حر أو أتصدق بدار زيد، أما لو قال إن شفى الله مريضي فعليَّ عتق رقبة، ولا يملك شيئاً في تلك الحالة فليس من النذر فيما لا يملك، لأنه يقدر عليه في الجملة حالاً أو مآلاً فهو يملكه بالقوة. (¬5) في التحريم أو في العقاب أوفي الإبعاد، لأن اللعن تبعيد من رحمة الله تعالى، والقتل تبعيد من الحياة، والتقييد بالمؤمن للتشنيع أو للاحتراز عن الكافر فيجوز لعنه إذا كان غير معين كقوله: لعن الله الكفار أو اليهود أو النصارى. أما المعين فلا يجوز لعنه، ومثله العاصي المعين على المشهور، ونقل ابن العربي الاتفاق عليه. (¬6) رماه، لأن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل كالقتل في أن المتسبب في الشيء كفاعله. أهـ شرقاوي ص 307 جـ 3 (¬7) قتله كحديدة أو مدية أو رمى نفسه من شاهق أو تجرع سماً، فالله تعالى يعذبه في جهنم من نوع الآلة التي استعملها في الانتحار كما في الحديث الصحيح "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً" الحديث. (¬8) أي نسب إليه الخروج عن الإسلام وآدابه فذنبه على ذلك مثل إعدام روحه وإزهاقها، وفي الجامع =

الترهيب من السباب واللعن لا سيما لمعين آدميا كان أو دابة وغيرهما وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح والترهيب من قذف المحصنة والمملوك

الترهيب من السباب واللعن لا سيما لمعين آدمياً كان أو دابة وغيرهما وبعض ما جاء في النهي عن سب الديك والبرغوث والريح والترهيب من قذف المحصنة والمملوك 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المُسْتَبَّانِ (¬1) ما قالا (¬2)، فعلى البادئُ منهما حتى يتعدى المظلوم" رواه مسلم وأبو داود والترمذي. 2 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سباب (¬3) المسلم فُسوقٌ، وقتالهُ كفرٌ" رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. ¬

= الصغير: لأخيه: أي المسلم (فقد باء بهما أحدهما) أي رجع بتلك الكلمة أحدهما، لأن القائل إن صدق فالمقول له كافر وإن كذب بأن اعتقد كفر المسلم بذنب، ولم يكن كفراً إجماعاً كفر. أهـ ص 152 جـ 1، قال تعالى: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً" (58 من سورة الأحزاب). نزلت في ناس من المنافقين يؤذون علياً رضي الله عنه ويسمعونه، وقيل في زناة كانوا يتبعون النساء، وهن كارهات. وعن الفضيل: لا يحل لك أن تؤذي كلباً أو خنزيراً بغير حق، فكيف إيذاء المؤمنين والمؤمنات؟ (احتملوا): تحملوا (بهتاناً): كذباً عظيماً (مبيناً): ظاهراً. أهـ نسفى. وقال الصاوي: نزلت في شان المنافقين الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يطلبون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن، فإن سكتت المرأة اتبعوها، وإن زجرتهم انتهوا عنها، وفي هذه الآية زجر لمن يسيء الظن بالمؤمنين والمؤمنات ويتكلم فيهم من غير علم، وهي بمعنى قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم" (من سورة الحجرات). وشاهدنا النهي عن سب المسلم ورميه بالفسوق أو الكفر خشية أن يأثم القائل، وقال تعالى: "فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً" (44 - 45 من سورة الأعراف). الظالمين: الكفرة الفسقة العصاة، وقد وصفهم سبحانه بأنهم يمنعون الخير ويصدون عن دينه، ويطلبون الطرق المعوجة، من سباب وشتم وعصيان وطغيان. (¬1) اللذان يظهران السب والشتم وقلة الأدب بالألفاظ الخشنة الوقحة. (¬2) ما شرطية: أي إن قالا وتلفظا أحصى الذنب على المبتدئ المتعدي الظالم الفاحش حتى يتجاوز المظلوم عن الكظم والأدب فيسب ويجرى في ميدان التطاحن والسباب، يريد صلى الله عليه وسلم أن يبين أن ارتكاب الذنب يقع على الشاتم مدة سكوت المشتوم وحفظ أدبه. (¬3) مصدر سب، وهو أبلغ من السب، فإن السب شتم الإنسان والتكلم في عرضه بما يعيبه، =

3 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما رَفَعَهُ قال: "سبابُ المسلم (¬1) كالمُشْرِفَ على الهَلَكَةِ" رواه البزار بإسناد جيد. 4 - وعن عياض بن جُمان رضي الله عنه قال: "قلتُ يا نبي الله: الرجلُ يشتمني وهو دوني، أعَلَيَّ من بأسٍ أن أنتصرَ منه؟ قال: المُسْتَبَّانِ (¬2) شيطانانِ (¬3) يتهاتران (¬4) ويتكاذبان (¬5) " رواه ابن حبان في صحيحه. 5 - وعن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مُسْلِمَيْنِ إلا وبينهما سِتْرٌ من الله عز وجل، فإذا قال أحدهما لصاحبه كلمة هُجْرٍ خَرَقَ (¬6) سِتْرَ الله" رواه البيهقي هكذا مرفوعاً، وقال: الصواب موقوف. [الهجر] بضم الهاء وسكون الجيم: هو ردئ الكلام وفحشه. 6 - وعن أبي جَرِيٍّ جابر بن سُلَيْمٍ رضي الله عنه قال: "رأيتُ رجلاً يَصْدُرُ الناسُ (¬7) عن رأيه، لا يقولُ شيئاً إلا صَدَرُوا (¬8) عنه. قلت: من هذا؟ قالوا: ¬

= والسباب أن يقول فيه بما فيه وما ليس فيه (وفسوق): أي خروج عن طاعة الله ورسوله (وقتاله): قال العلقمي يحتمل أن يكون على بابه من المفاعلة، وأن يكون بمعنى القتل (وكفر) إن قاتل المسلم أو قتله مستحلاً لذلك، أو المراد بالكفر اللغوي، وهو الستر لأنه بقتاله له ستر ماله، وعليه من حق الإعانة وكف الأذى، أو عبر به مبالغة في التحذير عن ذلك. أهـ. جامع صغير. وقال الحفني: (فسوق): فإذا سبك شخص وأردت مكافأته فقل له نحو يا ظالم لأنه لا يخلو شخص من الظلم غالباً، ولا تسبه بمحرم مثل ما فعل. أهـ. (¬1) معناه التعدي على المسلم بالشتم والأذى مثل المعرض نفسه للهلكة المقدم على الضرر الصاعد على العذاب. (¬2) المتشاتمان القائلان فجوراً. (¬3) خبيثان خناسان محركان الشقاق وباعثان النفور، من شطن: أي تباعد. قال أبو عبيدة: الشيطان اسم لكل عارم من الجن والإنس والحيوانات. قال الله تعالى: "شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً" من سورة الأنعام. (¬4) أي يتقاولان ويتقابحان في القول، من الهتر بالكسر، وهو الباطل والسقط من الكلام، ومنه حديث ابن عمر "أعوذ بك من المستهترين": أي المبطلين في القول والمسقطين في الكلام، وقيل الذين لا يبالون ما قيل لهم وما شتموا به، وقيل أراد المستهترين بالدنيا. أهـ نهاية. (¬5) يتعمدان القول غير الحقيقي. (¬6) أبعد الله عنه ظلاله ورحمته وعرضه للإهانة والفضيحة والخزي، وأزال عنه كنف رعايته وإحاطته لأنه فجر وشتم وأساء في أقواله. (¬7) يأخذون رأيه حجة ويستضيئون بهديه ويذهبون على ضوء مشورته ويعدونه رئيساً لهم مطاعاً أميناً. (¬8) مالوا إليه وقبلوه ونفذوه.

رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلتُ: عليك السلامُ يا رسول الله. قال: لا تقل: عليك السلامُ، عليك السلامُ تحيةُ الميتِ (¬1) قل: السلامُ عليك. قال: قلتُ: أنت رسول الله؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضُرٌّ، فدعوتهُ كَشَفَهُ عنك، وإن أصابك عامُ سَنَةٍ فدعوتهُ أنبتها لك، وإذا كنت بأرضٍ قَفْرٍ، أو فلاةٍ، فَضَلَّتْ راحلتك، فدعوته رَدَّهَا عليك (¬2). قال قلتُ: اعهد إليَّ. قال: لا تَسُبَّنَّ أحداً (¬3)، فما سببتُ بعدهُ حُراً ولا عبداً، ولا بعيراً، ولا شاةً. قال: ولا تَحْقِرَنَّ شيئاً من المعروف، وأن تُكَلِّمَ أخاك، وأنت مُنْبَسِطٌ إليه (¬4) وجهك، إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك (¬5) إلى نصف الساق، فإن أبيت (¬6)، فإلى الكعبين، وإياك وإسبالَ الإزارِ (¬7)، فإنها من المخيلةِ وإن الله لا يُحبُّ المخيلةَ، وإن امرؤ شتمك وعَيَّرَكَ بما يعلمُ فيك فلا تُعَيِّرْهُ بما تعلمُ فيه فإنما وَبَالُ ذلك (¬8) عليه" رواه أبو داود واللفظ له، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح وابن حبان في صحيحه والنسائي مختصراً في رواية لابن حبان نحوه، وقال فيه: "وإنِ امرؤٌ عَيَّرَكَ بشيءٍ يعلمهُ فيك، فلا تُعَيِّرْهُ بشيءٍ تعلمهُ فيه، وَدَعْهُ يكونُ وبالهُ عليه، وأجره لك، ولا تَسُبَّنَّ شيئاً. قال: فما سببتُ بعد ذلك دابةً ولا إنساناً". [السنة]: هي العام المقحط الذي لم تنبت فيه الأرض، سواء نزل غيث أو لم ينزل. [المخيلة]: بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة، من الاختيال، وهو الكبر واستحقار الناس. 7 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) الميت كذا (ط وع ص 202)، وفي (ن د): الموتى. (¬2) في (ن د): لك. (¬3) لا تتعد على أحد بالسب والشتم. (¬4) أنت في غاية البشاشة وطلاقة الوجه. (¬5) قصره. (¬6) امتنعت. (¬7) احذر إرخاء الثوب وإمداده حتى يجر على الأرض، ففيه الحث على التواضع وعدم التكبر. (¬8) ضرر سبه يعود عليه بالعقاب. مكارم أخلاق من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتجنب السب ويهجر الشتم رجاء أن يسلم من عقاب الله جل وعلا وينظر لأخيه بمنظار الحسن والكمال والأدب رجاء ثواب الله جل وعلا ولا يذكر له عيوباً ولا يذكر له قبائح خشية عذاب الله، فكل شيء يصدر من العبد محاسب عليه، فالكيس من كظم غيظه وصبر وترك ميدان التطاحن والسباب، وعود لسانه عذب الألفاظ وحميد الكلام وطيب القول، وهكذا أخلاق الصالحين: أدخلنا الله برحمته فيهم.

"إن من أكبر الكبائر (¬1) أن يعلنَ الرجلُ والديه. قيل يا رسول الله: وكيف يلعنُ الرجلُ والديه (¬2)؟ قال: يَسُبُّ أبا الرجلِ فَيَسُبُّ أباهُ، ويَسُبُّ أمهُ فيسب أمه" رواه البخاري وغيره. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينبغي لِصِدِّيقٍ (¬3) أن يكون لعَّاناً (¬4) " رواه مسلم وغيره، والحاكم وصححه، ولفظه: قال: "لا يجتمعُ أن تكونوا لعَّانين صِدِّيقينَ". 9 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكرٍ، وهو يَلْعَنُ بعض رقيقهِ، فالتفت إليه، وقال: لَعَّانين وصِدِّيقين؟ كلا ورب الكعبة، فعتقَ أبو بكر رضي الله عنه يومئذٍ بعض رقيقه. قال: ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال لا أعُودُ (¬5) " رواه البيهقي. 10 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكونُ اللعانون شُفعاء (¬6)، ولا شُهداء (¬7) يوم القيامة" رواه مسلم، وأبو داود لم يقل: يوم القيامة. ¬

(¬1) أكبر الذنوب وأشدها عقاباً أن يتسبب الرجل لشتم والديه وإهانتهما وتعريضهما للذم والقدح، وأورد البخاري هذا الحديث في باب: لا يسب الرجل والديه: أي ولا أحدهما ولا يتسبب في ذلك. (¬2) في الفتح: استبعاد من السائل، لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك، فبين في الجواب أنه وإن لم يتعاط السب بنفسه في الأغلب الأكثر، لكن قد يقع التسبب فيه، وهو مما يمكن وقوعه كثيراً. أهـ ص 311 جـ 10، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على إكرام الوالدين والعناية بهما وعدم تعريضهما للإهانة وشتيمة أحد، ويطلب عدم سب أحد خشية أن يعود السب على أبوي الشاتم، وإن من برهما حفظ سيرتهما طاهرة نقية. (¬3) كثير الصدق والعبادة، وفي النهاية فعيل للمبالغة في الصدق، ويكون الذي يصدق قوله بالعمل. (¬4) يكثر السب والغضب فتزل قدمه ويكثر اللغو، وأصل اللعن الطرد والإبعاد على سبيل السخط، ويكون من الإنسان دعاء على غيره. (¬5) لا أرجع إلى هذا ليجمع رضي الله عنه صفتي التقوى وحسن الخلق ويتجنب السخط والغضب، قال تعالى: "إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون" (29 - 32 من سورة المطففين). أحب مكارم الأخلاق جهدي ... وأكره أن أعيب وأن أعابا وأصفح عن سباب الناس حلماً ... وشر الناس من يهوى السبابا (¬6) يتقدمون إلى الله سبحانه وتعالى ويطلبون المغفرة لمن يشاءون. (¬7) أي لا تسمع شهادتهم، وقيل لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم الخالية. أهـ نهاية. =

11 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون المؤمنُ لعاناً" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. 12 - وعن جَرْمُوذٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه قال: "قلتُ: يا رسول الله أوصني؟ قال: أوصيكَ ألا تكون لعاناً" رواه الطبراني من رواية عبيد بن هودة عن جرموذ، وقد صححها ابن أبي حاتم، وتكلم فيها غيره، ورواته ثقات، ورواه أحمد، فأدخل بينهما رجلاً لم يسمَّ. 13 - وعن سَمُرَةَ بن جُندبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلاعنوا بلعنةِ الله (¬1)، ولا بغضبه (¬2)، ولا بالنار (¬3) " رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، رووه كلهم من رواية الحسن البصري عن سمرة، واختلف في سماعه منه. 14 - وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف (¬4) على يمينٍ بملةٍ غير الإسلام كاذباً مُتعمداً، فهو كما قال: ومن قتل ¬

= كأن الصخابين كثيري السب يضعف إيمانهم بالله إلى درجة أن يطردهم الله من منازل الأبرار الصالحين فلا يصلحون لشيء في الآخرة لماذا؟ لأن نور الإسلام يشع ويسطع في القلب فيعيه الفكر ويستضيء بهديه فلا يقول صاحبه كلمة تغضب الرب جل وعلا، وبذا أينع ثمر إيمانه وأورقت أغصانه، فصمته تفكير، ونطقه عبادة، وكلامه طاعة. واحفظ لسانك واحترز من لفظه ... فالمرء يسلم باللسان ويعطب (¬1) أي طلب الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى: أي لا يحصل منكم نفور وطلب انتقام الجبار سبحانه وتعالى لأحد تغضبون عليه، واجتنبوا التطاحن والشتم والدعاء على خصومكم بالأذى، فالحلم من شيم الكرام. (¬2) طلب انتقامه. (¬3) دخول النار وطلب عذابه. (¬4) أي أقسم بدين غير دين الإسلام: أي أقسم بصفة ليست من صفات الله جلا وعلا، وفي البخاري في باب ما ينهى من السباب واللعن "من حلف على ملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال" قال في الفتح: إلا ارتدت عليه أي رجع عليه تكفيره فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفر نفسه لكونه كفر من هو مثله، ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، ويؤيده أن في بعض طرقه "وجب الكفر على أحدهما". وقال القرطبي: حيث جاء الكفر في لسان الشرع، فهو جحد المعلوم من دين الإسلام بالضرورة الشرعية، وقد ورد الكفر في الشرع بمعنى جحد النعم وترك شكر المنعم والقيام بحقه. أهـ. والحاصل أن المقول له إن كان كافراً كفراً شرعياً فقد صدق القائل، وذهب بها المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معرة ذلك القول وإثمه، وقوله: "لعن المسلم كقتله" أي لأنه إذا لعنه فكأنه دعا عليه بالهلاك. أهـ ص 358 جـ 10 وفي باب: من حلف بملة سوى الإسلام. قال في الفتح: الملة الدين والشريعة، وهي نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الملل من أهل الكتاب كاليهودية والنصرانية، ومن لحق بهم من المجوسية والصابئة، وأهل الأوثان والدهرية والمعطلة وعبدة الشياطين والملائكة وغيرهم، ولم يجزم المصنف بالحكم هل يكفر الحالف بذلك أم لا؟ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لكن تصرفه يقتضي أن لا يكفر بذلك، لأنه علق حديث: "من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله" ولم ينسبه إلى الكفر" أهـ. قال ابن دقيق العيد: الحلف بالشيء حقيقة هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله: والله والرحمن، وقد يطلق على التعليق بالشيء يمين كقولهم: من حلف بالطلاق، فالمراد تعليق الطلاق وأطلق عليه الحلف لمشابهته في اليمين في اقتضاء الحث والمنع، وإذا تقرر ذلك فيحتمل أن يكون المراد المعنى الثاني لقوله كاذباً متعمداً، والكذب يدخل القضية الإخبارية التي يقع مقتضاها تارة، ولا يقع أخرى، وهذا بخلاف قولنا: وما أشبهه فليس الإخبار بها عن أمر خارجي، بل هي لإنشاء القسم فتكون صورة الحلف هنا على وجهين: أحدهما أن يتعلق بالمستقبل كقوله: إن فعل كذا فهو يهودي، والثاني يتعلق بالماضي كقوله: إن كان فعل كذا فهو يهودي، وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه الكفارة لكونه لم يذكر فيه كفارة، بل جعل المرتب على كذبه قوله فهو كما قال. قال ابن دقيق العيد: ولا يكفر في صورة الماضي إلا إن قصد التعظيم، وفيه خلاف عند الحنفية لكونه يتخير معنى فصار كما لو قال: هو يهودي، ومنهم من قال: إن كان لا يعلم أنه يمين لم يكفر، وإن كان يعلم أنه يكفر بالحنث به كفر لكونه رضي بالكفر حين قدم على الفعل. وقال بعض الشافعية: ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذباً، والتحقيق التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر، وإن قصد حقيقة التعليق فينظر، فإن كان أراد أن يكون متصفاً بذلك كفر، لأن إرادة الكفر كفر، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر، لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيهاً؟ الثاني هو المشهور، وقوله: كاذباً متعمداً؛ قال عياض تفرد بزيادتها سفيان الثوري، وهي زيادة حسنة يستفاد منها أن الحالف المتعمد إن كان مطمئن القلب بالإيمان، وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر، وإن قاله متعمد اليمين بتلك الملة لكونها حقاً كفر، وإن قالها لمجرد التعظيم لها احتمل. (قلت) وينقدح بأن يقال: إن أراد تعظيمها باعتبار ما كانت قبل النسخ لم يكفر أيضاً. وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رفعه "من قال: إني برئ من الإسلام فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً لم يعد إلى الإسلام سالماً" ويحتمل أن يكون المراد بالكلام التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم، وكأنه قال فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال، ونظيره "من ترك الصلاة فقد كفر" أي استوجب عقوبة من كفر. وقال ابن المنذر: قوله: فهو كما قال ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر، بل المراد أنه كاذب ككذب المعظم لتلك الجهة. انتهى ص 433 جـ 10 وقال النووي: في رواية (فمن كان حالفاً فليحلف بالله) وفي رواية: (لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم) قال العلماء: الحكمة في النهي عن الحلف بغير الله تعالى أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى فلا يضاهى به غيره، وقد جاء عن ابن عباس: "لأن أحلف بالله مائة مرة فآثم خير من أن أحلف بغيره فأبر" فإن قيل الحديث مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم "أفلح وأبيه إن صدق" فجوابه أن هذه كلمة تجرى على اللسان لا يقصد بها اليمين، فإن قيل فقد أقسم الله تعالى بمخلوقاته كقوله تعالى: "والصافات، والذاريات، والطور، والنجم" فالجواب أن الله تعالى يقسم بما يشاء من مخلوقاته تنبيهاً على شرفه. قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها ذاكراً ولا آثراً. (ذاكراً): قائلاً لها من قبل نفسي (آثراً): حالفاً عن غيري، وفي هذا الحديث إباحة الحلف بالله تعالى وصفاته كلها، وهذا مجمع عليه، وفيه النهي عن الحلف بغير أسمائه سبحانه وتعالى وصفاته، وهو عند أصحابنا مكروه ليس بحرام. أهـ ص 106 جـ 11 والطواغي: الأصنام، واحدها طاغية. وكل ما جاوز الحد في تعظيم أو غيره فقد طغى، فالطغيان المجاوزة للحد، وقيل يجوز أن يكون المراد بالطواغي هنا من طغى من الكفار وجاوز القدر المعتاد في الشر وهم عظماؤهم. قال تعالى: "واجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها" (من سورة الزمر). "يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به" (من سورة النساء). الآية. الطاغوت: الصنم أو الشيطان. أهـ.

نَفْسَهُ بشيء عُذِّبَ (¬1) به يوم القيامة، وليس على رجُلٍ نذرٌ فيما لا يملك (¬2)، ولَعْنُ (¬3) المؤمن كقتله" رواه البخاري ومسلم، وتقدم. 15 - وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كنا إذا رأينا الرجل يَلْعَنُ (¬4) أخاهُ رأينا أن قد أتى باباً من الكبائر (¬5) " رواه الطبراني بإسناد جيد. 16 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا لعن (¬6) شيئاً صعدت اللعنةُ إلى السماء، فَتُغْلَقُ أبوابُ السماء (¬7) دونها، ثم تهبطُ (¬8) إلى الأرض، فَتُغْلَقُ أبوابها دونها، ثم تأخذُ يميناً وشمالاً، فإن لم تجد مساغاً (¬9) رجعت إلى الذي لُعِنَ (¬10)، فإن كان أهلاً (¬11)، وإلا رجعتْ إلى قائلها (¬12) " رواه أبو داود. ¬

(¬1) يوجد معه في جهنم لينتقم منه ويؤلمه مثل مديةأو سم أو الهبوط في قعرها. (¬2) لا يؤدي شيئاً لا يملكه. (¬3) الدعاء عليه بالطرد من رحمة الله وعدم التوفيق مثل إعدامه حياً، فالأول قتل معنوي. (¬4) يدعو عليه بالثبور ويتمنى له الضلال والإهلاك. (¬5) الذنوب العظيمة، لأنه لا يحب الخير لأخيه المسلم، وهذا ليس من الإيمان. قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه أو لجاره ما يحب لنفسه" رواه البخاري. باب الأدب من بلوغ المراد. معاملة حسنة أوجبها الله على عباده المؤمنين في الإسلام أن يذنب الداعي بالإبعاد من رحمة الله، ولا يتم إسلامه ولا يكمل إيمانه إلا إذا أحسن معاملته للمسلمين ظاهراً وباطناً من إرادة الخير للمسلم وموعظته بالحسنى وعدم لعنته، والدعاء له بالهداية والتوفيق وترك الإضرار له وكف الأذى وستر زلته والرفق: (أ) قال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة" من سورة الحجرات. (ب) "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" (8 من سورة الممتحنة). (¬6) سخط عليه وطلب إبعاده من حظيرة رضون الله تعالى. (¬7) تسد أمامها أبواب الرحمة فلا تنفذ هذه الدعوة الصاخبة. (¬8) تنزل فتجد حصوناً منيعة حتى لا تصل إلى المظلوم. (¬9) خلاصاً ومفراً. (¬10) وقعت له اللعنة. (¬11) مستحقاً غضب الله وسخطه لعصيانه ولفجوره ولشدة صخبه. (¬12) فإذا كان صالحاً راضياً عنه ربه عادت إلى الآثم الداعي المذنب الشتام السباب الصخاب، ففيه التحذير عن كثرة الشتم والدعاء بالأذى، والترغيب في كظم الغيظ. قال عبيد بن الأبرص: وبالعدل فانطق إن نطقت ولا تجر ... وذا الذم فاذممه وذا الحمد فاحمد عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي =

17 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن اللعنة إذا وُجِّهَتْ إلى من وُجِّهَتْ إليه، فإن أصابت عليه سبيلاً (¬1) أو وجدت فيه مسلكاً (¬2)، وإلا قالت (¬3): يا رب وُجِّهْتُ إلى فُلانٍ، فلم أجد فيه مسلكاً، ولم أجد عليه سبيلاً، فَيُقالُ لها: ارجعي من حيثُ جئتِ (¬4) " رواه أحمد وفيه قصة، وإسناده جيد إن شاء الله تعالى. 18 - وعن عمران بن حُصينٍ رضي الله عنه قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفارهِ، وامرأةٌ من الأنصار (¬5) على ناقةٍ، فضجرتْ (¬6) فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: خُذُوا ما عليها، ودعوها (¬7)، فإنها ملعونةٌ قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يَعْرِضُ (¬8) لها أحدٌ" رواه مسلم وغيره. ¬

= ولا أبتغي ود امرئ قل خيره ... وما أنا عن وصل الصديق بأحيد إذا أنت حملت الخئون أمانة ... فإنك قد أسندتها شر مسند ولا تظهرن ود امرئ قل خيره ... وبعد بلاء المرء فاذمم أو احمد إن شاهدنا أن ينطق العاقل المؤمن الكيس بالعدل فيتقي الله من سوء الألفاظ، وردئ القول فرب كلمة سلبت نعمة أو جلبت نقمة: أعوذ برب الناس من كل طاعن ... علينا بسوء أو ملح بباطل ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة ... ومن ملحق في الدين ما لم نحاول (¬1) أي وجدت طريقاً وصلت إلى ذلك المستحق الطرد من رحمة الله لعصيانه. (¬2) نافذة أو ثغرة مفتوحة لتصيبه هذه الدعوة المقصية من رضى الله جل وعلا. (¬3) أي إن كان صاحب هذه الدعوة رجلاً صالحاً تقياً خيراً معواناً باراً طائعاً خائفاً من ربه أصابت القائل في صميمه وأبعدته من حظيرة المكرمين المرحومين فليتق الله اللاعن الساخط الصاخب، وليجتنب الدعوات البذيئة الساقطة. (¬4) إلى من طلبك وفاء بك. (¬5) من سكان المدينة المنورة، على صاحبها أفضل الصلاة وأجل السلام. (¬6) أصابها الكلل والتعب فنفرت وهربت وجرت. (¬7) اتركوها، وفي رواية "لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة". قال النووي: إنما قال هذا زجراً لها ولغيرها، وكان قد سبق نهيها، ونهي غيرها عن اللعن فعوقبت بإرسال الناقة، والمراد النهي عن مصاحبته لتلك الناقة في الطريق، وأما بيعها وذبحها وركوبها في غير مصاحبته صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من التصرفات التي كانت جائزة فعل هذا فهي باقية على الجواز، لأن الشرع إنما ورد بالنهي عن المصاحبة فبقي الباقي كما كان. أهـ ص 147 جـ 16 باب النهي عن لعن الدواب وغيرها. (¬8) أي لا يصاحب سيرها مسافر.

19 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "سار رجلٌ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فَلَعَنَ بَعِيرَهُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عَبْدَ اللهِ لا تَسِرْ معنا (¬1) على بعيرٍ ملعون" رواه أبو يعلى وابن أبي الدنيا بإسناد جيد. 20 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر يسيرُ، فلعن رجلٌ ناقةً (¬2)، فقال: أين صاحبُ الناقة؟ فقال الرجلُ: أنا، فقال: أخِّرْهَا (¬3) فقد أُجيبَ فيها" رواه أحمد بإسناد جيد. 21 - وعن زيد بن خالدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا الديك (¬4) فإنه يوقظ للصلاة" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: "فإنه يدعو للصلاة" ورواه النسائي مسنداً ومرسلاً. 22 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه: "أن ديكاً صرخ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَسَبَّهُ رجلٌ، فنهى عن سَبِّ الديك" رواه البزار بإسناد لا بأس به والطبراني إلا أنه قال فيه: "قال: لا تلعنهُ ولا تسُبَّهُ، فإنه يدعو إلى الصلاة". 23 - وعن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما: "أن ديكاً صرخ قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رجلٌ: اللهم العنهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَهْ (¬5) كلا إنه يدعو (¬6) إلى الصلاة" رواه البزار، ورواته رواة الصحيح إلا عباد ابن منصور. ¬

(¬1) لا تسافر معنا مصاحباً هذا البعير الذي دعوت عليه بالطرد من رحمة الله التي وسعت كل شيء. (¬2) ناقة كذا (ط وع ص 223 - 2)، وفي (ن د): ناقته. (¬3) لا تمش معنا هذه الناقة، وفي رواية مسلم: "بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم إذ بصرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وتضايق بهم الجبل فقالت: حل، اللهم العنها قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة" كلمة زجر للإبل واستحثاث. أهـ ص 148 جـ 16 (¬4) لا تشتموه فإنه يؤذن ويدعو إلى عبادة الله وحده. (¬5) اكفف: اترك هذا. (¬6) ينبه الناس إلى أوقات الصلاة.

من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه 24 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلدغت رجلاً بُرْغُوثٌ فلعنها (¬1)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنها (¬2) فإنها نَبَّهَتْ (¬3) نبياً من الأنبياء للصلاة" رواه أبو يعلى واللفظ له، والبزار إلا أنه قال: "لا تَسُبَّهُ فإنه أيقظ نبياً من الأنبياء لصلاة الصبح" ورواته رواة الصحيح إلا سويد بن إبراهيم، ورواه الطبراني في الأوسط، ولفظه: "ذُكِرَتِ البراغيثُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنها تُوقظ للصلاة" ورواة الطبراني ثقات إلا سعيد بن بشير. 25 - ورويَ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "نزلنا منزلاً، فآذتنا البراغيثُ فسببناها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تَسُبُّوها فَنِعْمَتِ (¬4) الدابةُ، فإنها أيقظتكم (¬5) لذكر الله" رواه الطبراني في الأوسط. 26 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رجلاً لعن الريح عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تلعنِ الريحَ، فإنها مأمورةٌ، من لعن شيئاً ليس له بأهلٍ (¬6) رجعتِ اللعنةُ عليه" رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعلم أحداً أسنده غير بشر بن عمر. [قال الحافظ]: وبشر هذا ثقة احتج به البخاري ومسلم وغيرهما، ولا أعلم فيه جرحاً 27 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبعَ الموبقات (¬7) قالوا: يا رسول الله وما هُنَّ؟ قال: الشركُ بالله (¬8) والسِّحْرُ، وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مالِ اليتيم، والتولي يوم الزحف (¬9) وقذف المحصنات (¬10) الغافلات المؤمنات" رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) دعا عليها. (¬2) نهى عن سبها. (¬3) أيقظته. (¬4) أمدحها. (¬5) نبهتكم. (¬6) كان يستحق هذا العقاب. (¬7) المهلكات. (¬8) أن تجعل لله مثيلاً في ذاته أو صفاته أو أفعاله. (¬9) الهجوم على أعداء الدين. (¬10) سب وشتم المتزوجات العفيفات الطاهرات.

28 - وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كتبه إلى أهل اليمن قال: "وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الإشراكُ بالله، وقتلُ النفس المؤمنة بغير الحقِّ، والفرارُ في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين (¬1)، ورمي المحصنة، وتَعَلُّمُ السِّحْرِ (¬2) " الحديث. رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم عن أبيه عن جده. 29 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ذكر امرأً بشيءٍ ليس (¬3) فيه ليعيبهُ به (¬4) حَبَسَهُ الله في نار جهنم حتى يأتيَ بنفاد (¬5) ما قال فيه" رواه الطبراني بإسناد جيد، ويأتي هو وغيره في الغيبة إن شاء الله تعالى. 30 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قذف مملوكهُ بالزنا (¬6) يُقامُ عليه الحد (¬7) يوم القيامة إلا أن يكون كما قال" رواه البخاري ومسلم والترمذي، وتقدم لفظه في الشفقة. 31 - وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه: "أنه زار عَمَّةً له فَدَعَتْ له بطعامٍ، فأبطأتِ الجاريةُ فقالت: ألا تستعجلي يا زانيةُ؟ فقال عمروٌ: سبحان الله! لقد قُلتِ عظيماً هل اطلعتِ منها على زناً؟ قالت: لا والله، فقال: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: أيُّما عبدٍ أو امرأةٍ قال أو قالت لوليدتها: يا زانيةُ، ولم تَطَّلِعْ منها على زناً جَلَدَتْهَا وَلِيدَتُهَا (¬8) يوم القيامة لأنه لا حَدَّ لهنَّ في الدنيا" رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) عدم برهما. (¬2) استعمال التعاويذ المفسدة المفرقة الضارة. (¬3) ليس فيه، كذا (ط وع ص 224)، وفي (ن د): امرأ بشيء فيه. (¬4) ليذكر سوءاته ويعد فضائحه ويشينه ويقدح فيه. (¬5) المعنى يستمر عذابه مدة حتى يزيل هذه العيوب منه، ولن يزيل شيئاً منها. (¬6) رمى خادمه. (¬7) يجلد في الآخرة إذا كان كاذباً: أي يؤخذ منه القصاص يوم القيامة. (¬8) جلدتها وليدتها، كذا (ع ود)، وفي (ن ط): لجلدتها باللام وبغير ذكر وليدتها. =

[قال الحافظ]: كيف وعبد الملك بن هارون متروك متهم؟ وتقدم في الشفقة أحاديث من هذا الباب لم نعدها هنا. ¬

_ = المكارم والمحامد التي يتحلى بها المسلمون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أولاً: لا يحصل تساب، أي تشاتم وتقاطع. ثانياً: بادئ السب مذنب. ثالثاً: السباب من دلائل المعاصي وعلامات الإجرام. رابعاً: الذي يسمع بسبه ويسكت مؤمن. خامساً: المتنافران المتشاتمان فاجران (شيطانان) من دلائل التقوى الإعراض عن الكفر، رجاء إجابة الدعاء والسلامة من الدمار (والوبال). سادساً: حفظ اللسان أن ينطلق على سب أحد فيجر ذلك إلى سب الوالدين (أن يلعن الرجل والديه) أي من المعاصي الفاحشة أن يتسبب الإنسان في شتم أبيه أو أمه وأن يجرئ غيره على التعدي عليهما بالسب والقذف. سابعاً: أن التسبب في الشتم كالشتم، وأن التعرض للإيذاء كالإيذاء فإن انتهاك حرمتهما حاصل مع الأمرين والضرر واصل إليهما في كلتا الحالتين مع أن الله تعالى يقول: "ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً" من سورة الأحقاف. ثامناً: إذا أردت كمال الإيمان ودرجة الأبرار فاجتنب اللعن والذم (لا ينبغي لصديق). تاسعاً: وسطاء الخير ورسل البر وأصحاب المنازل الرفيعة عند الله ليسوا بلعانين (لا شفعاء ولا شهداء). عاشراً: عدم الحلف بغير الله تعالى وحده لتعظيمه وإجلاله، فإن من حلف بغير الله كأنه عظم غيره سبحانه، وهذا إشراك: (أ) قال تعالى: "وربك فكبر" (3 من سورة المدثر). (ب) "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً" (9 من سورة المزمل). (جـ) حكى الله عن فرعون: "فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى" (26 من سورة النازعات). (د) "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون" (180 من سورة الأعراف). (هـ) "وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون" (19 - 20 من سورة الأنبياء). (و) "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" (25 من سورة الأنبياء). الحادي عشر: يتجنب المسلم كل الدعوات التي فيها الانتقام والبطش والنفور والشقاق (لا تلاعنوا). الثاني عشر: دعوة السوء تحلق في الفضاء وتبحث عن صاحبها الردئ البطال الفاسق العاصي، وإلا رجعت فأصابت قائلها (ارجعي فإن لم تجد مساغاً). الثالث عشر: نهى صلى الله عليه وسلم عن لعن الدواب ليعود المسلمين حلاوة الألفاظ، وطيب الأقوال وتجنب السخط وبذء الكلام. الرابع عشر: عدم لعن الريح. =

الترهيب من سب الدهر

الترهيب من سب الدهر 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

_ = الخامس عشر: تجنب سب العفيفات المحصنات الطاهرات (أجتنبوا السبع). السادس عشر: رمي السيد عبده أو أمته بالزنا يؤجل عذابه حتى يقتص منه في الآخرة: "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه" من سورة النبأ. أي أعطاك الله النعم في حياتك وخول لك سبحانه الخدم وسخر لك الحشم لتحمد الله تعالى وتشكره وتحفظ لسانك عن السب، وإلا تسأل يوم القيامة عن حقوق رعايتها. السابع عشر: (لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً) فيه الزجر عن اللعن، وأن من تحلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة، لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى، وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى، وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وكالجسد الواحد، وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة، وهي الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو في نهاية المقاطعة والتدابر، وهذا غاية ما يوده المسلم الكافر ويدعو عليه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح "لعن المؤمن كقتله" لأن القاتل يقطعه عن منافع الدنيا، وهذا يقطعه عن نعيم الآخرة ورحمة الله تعالى، وقيل معنى: لعن المؤمن كقتله في الإثم، وهذا أظهر، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إنهم لا يكونون شفعاء ولا شهداء" فمعناه لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار، ولا شهداء. فيه ثلاثة أقوال أصحها وأشهرها لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات، والثاني لا يكونون شهداء في الدنيا: أي لا تقبل شهادتهم بفسقهم، والثالث لا يرزقون الشهادة، وهي القتل في سبيل الله، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا" ولا يكون اللعانون شفعاء، بصيغة التكثير ولم يقل لاعناً واللاعنون، لأن هذا الذم في الحديث إنما هو لمن كثر منه اللعن، لا لمرة ونحوها، ولأنه يخرج منه أيضاً اللعن المباح، وهو الذي ورد الشرع به، وهو لعنة الله على الظالمين، لعن الله اليهود والنصارى، لعن الله الواصلة والواشمة وشارب الخمر وآكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه والمصورين، ومن انتمى إلى غير أبيه وتولى غير مواليه، وغير منار الأرض وغيرهم ممن هو مشهور في الأحاديث الصحيحة. أهـ ص 149 جـ 16 وفي شرح مسلم باب النهي عن السباب. قال النووي: في حديث (المستبان ما قالا) معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تضافرت عليه دلائل الكتاب والسنة، قال الله تعالى: "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل" (41 من سورة الشورى). وقال تعالى: "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" (39 من سورة الشورى). ومع هذا فالصبر والعفو أفضل، قال الله تعالى: "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور" (43 من سورة الشورى). وللحديث المذكور بعد هذا "ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً" واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام كما قال =

"قال الله تعالى: يَسُبُّ (¬1) بنو آدمَ الدهرَ، ¬

= صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق" ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه ما لم يكن كذباً أو قذفاً أو سباً لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بيا ظالم يا أحمق أو جافى أو نحو ذلك، لأنه لا يكاد أحد أن ينفك من هذه الأوصاف، قالوا وإذا انتصر السمبوب استوفى ظلامته وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء أو الإثم المستحق لله تعالى، وقيل يرتفع عنه جميع الإثم بالانتصار منه، ويكون معنى على البادئ: أي عليه اللوم والذم، لا الإثم ص 411 جـ 16 قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر" من سورة النور. قال قيس بن الخطيم: وبعض الداء ملتمس شفاء ... وداء النوك ليس له شفاء وبعض القول ليس له عناج ... كمحض الماء ليس له إناء ولم أر كامرئ يدنو لخسف ... له في الأرض سير واستواء يصوغ لك اللسان على هواه ... ويفضح أكثر القيل البلاء وقال صالح بن عبد القدوس: وزن الكلام إذا نطقت فإنما ... يبدى عقول ذوي العقول المنطق ومن الرجال إذا استوت أخلاقهم ... من يستشار إذا استشير فيطرق حتى يحل بكل واد قلبه ... فيرى ويعرف ما يقول فينطق وقال أيضاً: واحفظ لسانك واحترز من لفظه ... فالمرء يسلم باللسان ويعطب وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ... ثرثارة في كل ناد تحطب (¬1) يضجرون ويسأمون ويملون من حوادث الزمن كما قال القسطلاني: إذا أصابه مكروه يقول بؤساً للدهر وتباً له، والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله عز وجل "وأنا الدهر بيدي الأمر" أي الذي ينسبونه إلى الدهر: أي أنا خالق الدهر وأنا الداهر المصرف المدبر المقدر لما يحدث، قال تعالى: حكاية عن قوم "وما يهلكنا إلا الدهر" أي وما يفنينا إلا مر الزمان وطول العمر واختلاف الليل والنهار. أهـ ص 220 جواهر البخاري. وفي غريب القرآن: معناه أن الله تعالى فاعل ما يضاف إلى الدهر من الخير والشر والمسرة والمساءة فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد سببتموه، تعالى عن ذلك. أهـ. وفي النهاية كان من شأن العرب أن تذم الدهر وتسبه عند النوازل والحوادث، ويقولون: "أبادهم الدهر وأصابتهم قوارع الدهر وحوادثه، ويكثرون ذكره بذلك في أشعارهم، وذكر الله عنهم في كتابه العزيز فقال: "وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر" من سورة الجاثية. والدهر: اسم للزمان الطويل ومدة الحياة الدنيا، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذم الدهر وسبه: أي لا تسبوا فاعل هذه الأشياء فإنكم إذا سببتموه وقع السب على الله تعالى، لأنه الفعال لما يريد، لا الدهر فيكون تقدير الرواية الأولى، فإن جالب الحوادث ومنزلها هو الله لا غيره فوضع الدهر موضع جالب الحوادث لاشتهار الدهر عندهم بذلك، وتقدير الرواية الثانية فإن الله هو جالب للحوادث لا غيره الجالب، رداً لاعتقادهم أن جالبها الدهر. أهـ ص 37 جـ 2 (أ) قال تعالى: "واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به" (30 - 31 من سورة الحج). (ب) "إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور" (38 من سورة الحج). =

وأنا الدهرُ (¬1) بيدي الليل والنهارُ (¬2) ". 2 - وفي رواية: "أقَلِّبُ لَيْلَهُ ونهارهُ، وإذا شئتُ قَبَضْتُهُمَا" رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 3 - وفي رواية لمسم: "لا يَسُبُّ أحدكم الدهر (¬3)، فإن الله هو الدهرُ (¬4) ". 4 - وفي رواية للبخاري: "لا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ (¬5)، ولا تقولوا: خَيْبَةَ ¬

= (جـ) "وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد" (24 من سورة الحج). (د) "ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شيء قدير" (6 من سورة الحج). (هـ) وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (المستبان شيطانان يتهاتران) قال تعالى: "ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير" (3 - 4 من سورة الحج). (و) وقال تعالى: "إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون" (110 من سورة الأنبياء). (ز) وقال تعالى: "إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد" (14 من سورة الحج). (¬1) فاعل كل شيء. (¬2) أخرجهما وأوجدهما على هذا النظام البديع، قال تعالى: "وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" (37 - 40 من سورة يس). وقال تعالى: "قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون" (71 - 73 من سورة القصص). أرأيت آثار قدرة الله، الليل للراحة للاطمئنان، للخشوع، للإيناس بالأهل، للهدوء، لاستجمام الفكر ولتجديد النشاط ولأخذ قسط وافر من الهناءة والسرور والسلام، والنهار للعمل لكسب الرزق وللمودة ولقضاء المصالح ولعمارة الحياة ولإنشاء القصور ولعبادة الله وحده والتحدث بنعمه. (¬3) لا يذمه ولا يضجر ولا يتوجع من الحوادث. (¬4) الفعال لما يشاء. (¬5) الجواد، قال في النهاية: فإنما الكرم الرجل المسلم، قيل سمي الكرم كرماً، لأن الخمر المتخذة منه تحث على السخاء والكرم فاشتقوا له منه اسماً، فكره أن يسمى بإسم مأخوذ من الكرم، وجعل المؤمن أولى به، يقال رجل كرم: أي كريم وصف بالمصدر كرجل عدل وضيف. قال الزمخشري: أراد أن يقرر ويسدد ما في قوله عز وجل: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" من سورة الحجرات. بطريقة أنيقة ومسلك طريف، وليس الغرض حقيقة النهي عن تسمية العنب كرماً، ولكن الإشارة إلى أن المسلم التقي جدير بأن لا يشارك فيما سماه الله به، وقوله: "فإنما الكرم الرجل المسلم" أي إنما المستحق للاسم المشتق من الكرم الرجل المسلم. أهـ.

الدهرِ (¬1)، فإن الله هو الدهرُ". 5 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: يُؤذيني ابنُ آدمَ، يقولُ: يا خيبةَ الدهرِ، فلا يقل أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهرُ، أقلبُ ليلهُ ونهاره" رواه أبو داود والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. 6 - ورواه مالك مختصراً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَقُلْ أحدكم: يا خيبة الدهرِ، فإن الله هو الدهرُ". 7 - وفي رواية للحاكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله: اسْتَقْرَضْتُ (¬2) عَبْدي، فلم يُقْرِضْنِي (¬3)، وشتمني عبدي (¬4)، وهو لا يدري يقول: وَا دَهْرَاهُ (¬5) وَا دَهْرَاهُ، وأنا الدهرُ" قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ورواه البيهقي، ولفظه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الدهر، قال الله عز وجل: أنا الدهر، الأيام والليالي أجَدِّدُها وأُبْليِهَا (¬6)، وآتي بملوكٍ (¬7) بعد ملوكٍ". ¬

(¬1) خسران وضياع. (¬2) طلبت منه قرضاً وإحساناً. (¬3) فلم يعطني صدقة كما قال تعالى: "وأقرضوا الله قرضاً حسناً" من سورة المزمل. "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له" من سورة البقرة. (¬4) سبني بالتأفف والبطر، والضجر من النوازل وعدم الثقة بربه سبحانه وتعالى. (¬5) وا للندبة: أي أندب فعل الدهر بتحسر وتوجع، وقد قال علماء النحو في باب الندبة: المندوب هو المتفجع عليه كقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد أخبر بجدب أصاب بعض العرب: وَا عمراه وَا عمراه، أو المتوجع له كقول قيس العامري: فوا كبدا من حب من لا يحبني ... ومن عبرات ما لهن فناء أو المتوجع منه نحو: وا مصيبتاه. أهـ. وكلمة وا دهراه من هذا النوع. (¬6) أفنيها وأزيلها. (¬7) أخلق وأقدم وأجدد: يريد صلى الله عليه وسلم أن يعلم المسلمين القناعة والرضا بما حصل والبشاشة واستقبال الأعمال بصدر منشرح بلا ضجر وابتسامة ثغر بلا ملل، ويرشدهم إلى عدم السب فإن الله تعالى القادر الفعال: (أ) قال تعالى: "وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير" (18 من سورة الأنعام). (ب) وقال تعالى: "ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير" (70 من سورة الحج). =

[قال الحافظ]: ومعنى الحديث أن العرب كانت إذا أنزلت بأحدهم نازلة، وأصابته مصيبة أو مكروه يسب الدهر اعتقاداً منهم أن الذي أصابه فعل الدهر، كما كانت العرب تستمطر بالأنواء، وتقول: مُطرنا بنوء كذا اعتقاداً أن فعل ذلك فعل الأنواء، فكان هذا كاللعن للفاعل، ولا فاعل لكل شيء إلا الله تعالى خالق كل شيء وفعله، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكان ابن داود ينكر رواية أهل الحديث، وأنا الدهر بضم الراء، ويقول:

_ = قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: دع الأيام تفعل ما تشاء ... وطب نفساً إذا حكم القضاء ولا تجزع لحادثة الليالي ... فما لحوادث الدنيا بقاء وكن رجلاً على الأهوال جلداً ... وشيمتك السماحة والسخاء يغطى بالسماحة كل عيب ... وكم عيب يغطيه السخاء ولا حزن يدوم ولا سرور ... ولا بأس عليك ولا رخاء ولا ترى الأعادي قط ذلاً ... فإن شماتة الأعداء بلاء ومن نزلت بساحته المنايا ... فلا أرض تقيه ولا سماء وأرض الله واسعة ولكن ... إذا نزل القضا ضاق الفضاء دع الأيام تغدر كل حين ... ولا يغني عن الموت الدواء الآيات القرآنية الواردة في طلب الرضا عن فعل الله جل وعلا: (أ) قال تعالى: "وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين" (29 من سورة التكوير). (ب) "إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" (58 من سورة الذاريات). (جـ) "إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد" (6 - 8 من سورة العاديات). (د) "بديع السموات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون" (117 من سورة البقرة). (هـ) وقال تعالى: "إن المجرمين في ضلال (¬1) وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا (¬2) مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر (¬3) وما أمرنا إلا واحدة (¬4) كلمح (¬5) بالبصر" (47 - 50 من سورة القمر). (و) "يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك" من سورة فاطر. (ز) "قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً" (17 من سورة الأحزاب). أي أو يصيبكم بسوء (وليا) ينفعهم أو يدفع الضر عنهم. ¬

الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه جادا أو مازحا

لو كان كذلك كان الدهر اسماً من أسماء الله عز وجل، وكان يرويه: وأنا الدَّهرَ أُقلب الليل والنهار بفتح راء الدهر على الظرف، معناه: أنا طول الدهر والزمان أقلب الليل والنهار، ورجح هذا بعضهم، ورواية من قال: فإن الله هو الدهر يرد هذا الجمهور على ضم الراء، والله أعلم. الترهيب من ترويع المسلم ومن الإشارة إليه بسلاح ونحوه جاداً أو مازحاً 1 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "حدثنا أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنام رجُلٌ منهم، فانطلق بعضهم إلى حبلٍ معه فأخذه (¬1)، فَفَزِعَ (¬2)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يُرَوِّعَ مُسلماً (¬3) " رواه أبو داود. 2 - وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مَسيرٍ، فَخَفَقَ رجُلٌ على راحلتيه، فأخذ رجلٌ سهماً من كنانتهِ، فانتبهَ الرجلُ ففزعَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَحِلُّ لرجلٍ أن يُروعَ مُسلماً" رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات، ورواه البزار من حديث ابن عمر مختصراً: "لا يحل لمسلمٍ أو مؤمنٍ أن يُروعَ مُسلماً". [خفق الرجل]: إذا نعس. 3 - وعن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يأخُذَنَّ أحدكم متاع أخيهِ لاعباً (¬4)، ولا جاداً (¬5) " رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. ¬

(¬1) مره به على غرة ومده عليه على غفلة. (¬2) ففزع: خاف. (¬3) يدخل عليه الرعب ويسبب له الخوف والوجل. نهاية الرأفة والرحمة أن تلاطف أخاك وتستعمل معه العطف ولا تفزعه. (¬4) قاصداً اللعب والسخرية والناكية به والضحك معه. (¬5) قاصداً إهانته بغير علمه.

لا تروعوا المسلم 4 - ورويَ عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه: "أن رجلاً أخذ نعل رجلٍ فَغَيَّبَها وهو يَمْزَحُ (¬1)، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تُروعوا المسلم، فإن روعةَ المسلم (¬2) ظُلْمٌ عظيمٌ" رواه البزار والطبراني وأبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ. 5 - ورويَ عن أبي الحسن، وكان عَقَبِيّاً بَدْرياً رضي الله عنه قال: "كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام رجلٌ، ونسيَ نعليهِ، فأخذهما رجلٌ، فوضعهما تحتهُ، فرجعَ الرجلُ فقال: نَعْلَيَّ، فقال القومُ: ما رأيناهما، فقال: هو ذِهِ، فقال: فكيف بروعة المؤمن؟ فقال: يا رسول الله إنما صَنَعْتُهُ لاعباً، فقال: فكيف بروعة المؤمن؟ مرتين أو ثلاثاً" رواه الطبراني. 6 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخافَ مؤمناً كان حقاً على الله أن لا يُؤمِّنَهُ من أفزاع يوم القيامة" رواه الطبراني. 7 - ورويَ عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نَظَرَ إلى مسلمٍ نظرةً يُخيفهُ (¬3) فيها بغير حقٍ أخافهُ الله يوم القيامة" رواه الطبراني، ورواه أبو الشيخ من حديث أبي هريرة. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُشيرُ أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان يَتْرِعُ في يده، فيقع في حفرةٍ من النار" رواه البخاري ومسلم. [يترع] بالعين المهملة وكسر الراء: أي يرمي، وروي بالمعجمة مع فتح الزاي (¬4)، ومعناه أيضاً: يرمي ويفسد، وأصل النزع: الطعن والفساد. ¬

(¬1) يريد الدعابة والملاطفة. (¬2) تخويفه. (¬3) يجعله خائفاً فزعاً يعاقبه الله يوم القيامة بالخوف من الأهوال، ويبعث الوجل في قلبه، ويعذبه؛ ففيه الترهيب في إرسال الطمأنينة في قلب المسلم وبعث الفرح له وأخذ أسباب أمنه وسروره. (¬4) ينزع.

9 - وعنه رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "من أشار إلى أخيه بحديدةٍ (¬1)، فإن الملائكة تلعنه (¬2) حتى ينتهي (¬3)، وإن كان أخاه لأبيه وأمهِ" رواه مسلم. 10 - وعن أبي بَكرَةَ (¬4) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تواجه المُسلمان بسيفيهما (¬5) فالقاتلُ والمقتولُ في النار". ¬

(¬1) سلاح حاد أو مدية أو سكين، وهكذا من الآلات المميتة القاتلة. (¬2) تطلب من الله جل وعلا أن يعذبه ويقصيه من رحمته ويبعده من إحسانه. (¬3) حتى يمتنع. قال القسطلاني: (ينزع) يقلعه من يده فيصيب به الآخر أو يشد يده فيصيبه. فيه النهي عما يفضي إلى المحظور، وإن لم يكن المحظور محققاً سواء كان ذلك في جد أو هزل، وفي النهي عن السباب والشقاق والخصام وما يجلب أذى. أهـ ص 336 جواهر البخاري. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا" رواه البخاري. قال القسطلاني: أي قاتلنا فليس على سنتنا إن استباح ذلك، وقوله علينا، يخرج من حمل السلاح للحراسة، لأنه يحمله لهم لا عليهم. أهـ ص 321 جواهر. فأنت ترى المحظور حمل السلاح للأذى، للتخويف، للوقيعة، للكيد، للانتقام، لأخذ الثأر، للفتك بالأرواح البريئة، للبطش، وفي هذا نهاية الترهيب من أذى المسلم. (¬4) في البخاري عن الأحنف بن قيس، قال ذهبت لأنصر هذا الرجل فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت أنصر هذا الرجل. قال: ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وذكر الحديث وأراد بالرجل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في واقعة الجمل. (¬5) أي فضرب كل واحد منهما الآخر إذا كان قتالهما بلا تأويل، بل على عداوة دنيوية أو طلب ملك مثلاً فأما من قاتل أهل البغي أو دفع الصائل فقتل فلا. أما إذا كانا صحابيين فأمرهما عن اجتهاد لإصلاح الدين، وفيه أن من عزم على المعصية أثم، ولو لم يفعلها. أهـ القسطلاني: من يغرس الإحسان يجن محبة ... دون المسيء المبعد المظلوم إذا الحلم لم يغلب (1) لك الجهل لم تزل ... عليك بروق جمة ورواعد إذا العزم لم يفرج لك الشك لم تزل ... جنيباً (2) كا استتلى (3) الجنيبة (4) قائد إذا أنت لم تترك طعاماً تحبه ... ولا مقعداً تدعى إليه الولائد (5) تجللت عاراً لا يزال يشبه (6) ... سباب الرجال نثرهم والقصائد وقال الشيخ الشرقاوي: فيه النهي عما يفضي إلى المحذور، وإن لم يكن المحذور محققاً سواء كان ذلك في جد أم هزل. أهـ ص 359 جـ 3.

النهي عن حمل السلاح على المسلم 11 - وفي رواية: "إذا المسلمان حَمَلَ أحدهما على أخيهِ السلاحَ فهما على حَرْفِ جهنم، فإذا قَتَلَ أحدهما صاحبهُ دخلاها جميعاً. قال: فقلنا، أوْ قيل يا رسول الله: هذا القاتلُ (¬1) فما بالُ المقتولِ (¬2)؟ قال: إنه قد أراد قَتْلَ صاحبه" رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) أي هذا القاتل يستحق النار. (¬2) فما ذنبه؟ قال العلماء: معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك، ولكن أمرهما إلى الله تعالى إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين، وإن شاء عفا عنهما فلم يعاقبهما أصلاً، وقيل هو محمول على من استحل ذلك. وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين. واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك، ولو عرف المحق منهم، لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً، وأن المصيب يؤجر أجرين، وحمل هؤلاء الوعيد المذكور في الحديث على من قاتل بغير تأويل سائغ، بل بمجرد طلب الملك، ولا يرد على ذلك منع أبي بكرة الأحنف من القتال مع علي، لأن ذلك وقع عن اجتهاد من أبي بكرة أداه إلى الامتناع، والمنع احتياطاً لنفسه ولمن نصحه. قال الطبري: لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل، ولوجد أهل الفسوق سبيلاً إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأموال وسفك الدماء وسبي الحرائر بأن يحاربوهم، ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولو هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها، وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء. أهـ. وقد أخرج البزار في حديث "القاتل والمقتول في النار" زيادة تبين المراد، وهي "إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار" ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ "لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل؟ فقيل كيف يكون ذلك؟ قال الهرج: القاتل والمقتول في النار" قال القرطبي: فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب الدنيا أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله: "القاتل والمقتول في النار" وقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رفعه "من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية" واستدل بقوله: "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه" من ذهب إلى المؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل، والقاتل يعذب على القتال والقتل، والمقتول يعذب على القتال فقط، فلم يقع التعذيب على العزم المجرد. قالوا في قوله تعالى: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" اختيار باب الافتعال في الشر، لأنه يشعر بأنه لابد فيه من المعالجة؛ بخلاف الخير فإنه يثاب عليه بالنية المجردة، ويؤيده حديث "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا". والحاصل أن المراتب ثلاث: الهم المجرد، وهو يثاب عليه ولا يؤاخذ به، واقتران الفعل بالهم أو بالعزم، ولا نزاع في المؤاخذة به، والعزم وهو أقوى من الهم، وفيه النزاع. وروي عن الأحنف قال: حججنا فإذا الناس مجتمعون في وسط المسجد يعني النبوي وفيهم علي والزبير فقلت إني لا أرى هذا الرجل يعني عثمان إلا مقتولاً فمن تأمراني به؟ قالا علي فقدمنا مكة فلقيت عائشة، وقد بلغنا قتل عثمان فقلت لها من تأمريني به؟ قالت علي فرجعنا إلى المدينة فبايعت علياً ورجعت إلى البصرة فبينما نحن كذلك إذ أتاني آت فقال هذه عائشة وطلحة والزبير نزلوا بجانب الخريبة يستنصرون بك فأتيت عائشة فذكرتها بما قالت لي، ثم أتيت طلحة والزبير فذكرتهما، فقلت والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقاتل رجلاً أمرتموني ببيعته فاعتزل القتال مع الفريقين، ويمكن الجمع بأنه هم بالترك ثم بدا له في القتال مع علي، ثم ثبطه عن ذلك أبو بكرة، أو هَمَّ بالقتال مع علي فثبطه أبو بكرة وصادف مراسلة =

الترغيب في الإصلاح بين الناس

12 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبابُ المؤمن (¬1) فسوقٌ، وقتالهُ كُفْرٌ (¬2) " رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، والأحاديث من هذا النوع كثيرة، وتقدم بعضها. الترغيب في الإصلاح بين الناس 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلُّ سلامى (¬3) من الناس عليه صدقةٌ (¬4) كُلَّ يومٍ تطلعُ فيه الشمسُ: يَعْدِلُ بين الاثنين صدقةٌ (¬5) وَيُعِينُ الرجل (¬6) في دابته، فيحمله عليها، أو يرفعُ له عليها متاعهُ صدقةٌ، والكلمةُ الطيبةُ (¬7) صدقةٌ، وبكل خطوةٍ يمشيها إلى الصلاةِ صدقةٌ، ويميطُ الأذى عن الطريق (¬8) صدقةٌ" رواه البخاري ومسلم. [يعدل بين الاثنين]: أي يصلح بينهما بالعدل. ¬

= عائشة له فرجح عنده الترك. وأخرج الطبري من طريق قتادة قال: نزل علي بالزاوية فأرسل إليه الأحنف إن شئت أتيتك، وإن شئت كففت عنك أربعة آلاف سيف، فأرسل إليه كف من قدرت على كفه. أهـ ص 27 جـ 12 فتح الباري. (¬1) شتمه وأذاه. قال الأحنف بن قيس: ألا أخبركم بأدوأ الداء؟ اللسان البذيء والخلق الدنئ. وقال الغزالي: الفحش التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة، وأهل الصلاح يتحاشون عنها، بل يكنون عنها، ويدلون عليها بالرموز. والباعث على الفحش إما قصد الإيذاء. وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق، وأهل الخبث واللؤم، ومن عادتهم السب. أهـ ص 105 جـ 3 (¬2) إعلان الحرب عليه وتقديم الأذى له، وتقديم كل رعب وفزع مناف لآداب الإسلام. (¬3) كل مفصل من المفاصل الثلثمائة والستين التي في كل واحد. (¬4) حسنة وأجر جزيل. (¬5) إن الله سبحانه وتعالى جعل في العظام مفاصل بها تقدر على القبض والبسط، وفي أعمالها من دقائق الصنائع ما تتحير فيه الأفهام، فهي من أعظم نعم الله تعالى سبحانه على الإنسان، وحق المنعم عليه أن يقابل كل نعمة منها بشكر يخصها فيعطي صدقة كما أعطي منفعة، ولكن الله تعالى خفف بأن جعل العدل بين الناس ونحوه صدقة وصلاة ركعتي الضحى تؤدي حق ذلك. أهـ قسطلاني ص 117 جواهر البخاري. (¬6) يساعده على عمله. (¬7) الجبالية الخير الدالة على النصح والإرشاد. (¬8) الطريق كذا (د وع ص 227)، وفي (ن ط): طريق، أي يزيل كل ما فيه الضرر، ويبعد كل شر، وفي حديث شعب الإيمان "أدناها إماطة الأذى عن الطريق" أي تنحيته، يقال مططت الشيء وأمططته. قال في الفتح: سلامى مفصل. قال ابن المنير: ترجم على الإصلاح والعدل ولم يورد في هذا الحديث إلا العدل، =

2 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى (¬1). قال: إصلاحُ ذاتِ الْبَيْنِ (¬2)، فإن فساد ذات البين هي الحالقةُ (¬3) " رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث صحيح. قال: ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هي الحالقةُ، لا أقول تَحْلِقُ الشعرَ، ولكن تحلقُ الدِّينَ (¬4) " انتهى. 3 - وعن أم كلثومٍ بنت عقبة بن أبي مُعَيْطٍ رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لم يكذب من نَمَى بين اثنين لِيُصْلِحَ". 4 - وفي رواية: "ليس بالكاذبِ من أصلحَ بين الناس فقال خيراً أو نَمَى خيراً" رواه أبو داود. [وقال الحافظ]: يقال نميت الحديث بتخفيف الميم: إذا بلَّغته على وجه الإصلاح، وبتشديدها إذا كان على وجه إفساد ذات البين: كذا ذكر ذلك أبو عبيد، وابن قتيبة والأصمعي والجوهري وغيرهم. 5 - ورويَ عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما عُمِلَ شيء (¬5) ¬

= لكن لما خاطب الناس كلهم بالعدل، وقد علم أن فيهم الحكام وغيرهم كأن عدل الحاكم إذا حكم وعدل غيره إذا أصلح، وقال غيره: الإصلاح نوع من العدل. أهـ ص 195 جـ 5. (¬1) للإثبات بمعنى نعم. (¬2) البين البعد والفراق: أي إصلاح كل متخاصمين متنافرين متشاققين بينهما التنابذ. (¬3) المصيبة الفاتكة المسببة كل آلام والباعثة على التنافر والحرب والقتال، المزيلة الأمن والاطمئنان. قال في النهاية: "دب إليكم داء الأمم قبلكم البغضاء وهي الحالقة". الحالقة الخصلة التي من شأنها أن تحلق: أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر، وقيل هي قطيعة الرحم والتظالم. أهـ. (¬4) تزيل كل خير وهداية، وتجعل المتنافر بعيداً عن آداب الإسلام جاحداً فضله منكراً تعاليمه. (¬5) شيء كذا (ط وع)، وفي (ن د): بشيء، أي لا يوجد فعل أكثر ثواباً عند الله جل وعلا من: (أ) أداء الصلوات في أوقاتها. (ب) إزالة النفور بين المتخاصمين وإصلاح المتباعدين، وهداية من فيه السب والشتم والأذى والبعد وإصلاح صاحب الخلق الذميم.

أفضل من الصلاة، وإصلاح ذات البين، وَخُلُقٍ جائرٍ (¬1) بين المسلمين" رواه الأصبهاني. 6 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ الصدقة إصلاحُ ذاتِ البين" رواه الطبراني والبزار، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وحديثه هذا حسن، لحديث أبي الدرداء المتقدم. 7 - ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "قال لأبي أيوب ألا أدلك على تجارةٍ؟ قال: بلى. قال: صِلْ (¬2) بين الناسِ إذا تفاسدوا (¬3)، وَقَرِّبْ بينهم إذا تباعدوا" رواه البزار والطبراني، وعنده: "ألا أدلك على عملٍ يرضاه الله ورسولهُ؟ قال: بلى. قال: صِلْ بين الناس إذا تفاسدوا وقَرِّبْ بينهم إذا تباعدوا" رواه الطبراني، وعنده: "ألا أدلك على عملٍ يرضاه الله ورسولهُ؟ قال: بلى" فذكره. 8 - ورواه الطبراني أيضاً والأصبهاني عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا أيوب! ألا أدلك على صدقةٍ يُحبها الله ورسوله؟ تُصْلِحُ بين الناس إذا تباغضوا (¬4) وتفاسدوا" لفظ الطبراني، ولفظ الأصبهاني: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على صدقةٍ يُحبُّ الله موضعها؟ قال: قلتُ بأبي أنت وأمي، قال: تُصلحُ بين الناس، فإنها صدقةٌ يُحِبُّ الله موضعها". 9 - وروي عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أصلحَ بين الناس أصلحَ الله أمرهُ، وأعطاه بكل كلمةٍ تَكَلَّمَ بها عتق رقبةٍ، ورجعَ مغفوراً له ما تقدم من ذنبه (¬5) " رواه الأصبهاني وهو حديث غريب جداً. ¬

(¬1) ظالم يحب التشاكس، أي إرشاده. (¬2) تحبب وتودد وتقرب وأصلح. (¬3) حصل منهم فساد وشقاق، أبعدوا من الدين فهذبهم بآدابه. (¬4) حصل منهم تنافر وشقاق وقطيعة. (¬5) سيئاته زائلة محاها الله جل وعلا جزاء إصلاحه وأعطاه ثواباً جزيلاً بعدد كلماته المصلحة المجلبة كل مودة. فعليك أخي بإزالة الخلاف بين المتشاقين والإصلاح بين المتخاصمين. وإيجاد التآلف بين الأخوين كما قال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة" من سورة الحجرات. =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فضائل الإصلاح بين الناس من حكمه صلى الله عليه وسلم: أولاً: كسب الصدقات الجمة. ثانياً: نيل الدرجات السامية والنعيم المقيم (يعدل بين الاثنين). ثالثاً: الاكتساء بمحامد الطاعات وسمو آداب المصلح (إصلاح ذات البين). رابعاً: يعد المصلح ماهراً صادق القول عذبه مهما أطنب في المدح (من نمى ليصلح). خامساً: الإصلاح أفضل الإنفاق وتجارة رابحة وأعمال صالحة (أدلك على تجارة). سادساً: الإصلاح أفعال جليلة يكسوها القبول والغفران: ويحيط بها إجلال الرحمن ورضوانه (أدلك على عمل يرضاه الله ورسوله). سابعاً: المصلح يثيبه الله جل وعلا ويمده بالرعاية والصيانة ويجيب طلباته وينصره (أصلح الله أمره). ثامناً: المساعي المشكورة، إزالة خصام الطرفين، ودليل سمو نفس الساعي للصلح وتقدم آماله المثمرة المنجحة عند الله وعند الناس وله بأقواله حسنات عدد حروفها (بكل كلمة عتق رقبة). تاسعاً: الصلح جالب المودة ومعمر وباعث الأمن والطمأنينة ومزيل كل شقاق. عاشراً: يبين صلى الله عليه وسلم نذير التشاحن (الحالقة) أي الخصلة الماحية لكل ثواب القاطعة لكل صلة الذاهبة بخيري الدنيا والآخرة، ليتباعد المسلمون عن التنافر. الحادي عشر: أعد صلى الله عليه وسلم ثواباً جزيلاً يزيد عن ثواب الصلاة والصيام والزكاة للباذلين جهدهم المضحين براحتهم وأموالهم في رأب الصدع وجمع الشتات، وإصلاح فساد القلوب وإزالة ما في النفوس من ضغينة وحقد، والعمل على إحكام روابط الألفة والإخاء وإطفاء نار العداوة والفتن: لا ترتقي المجد المؤثل ... والعلا إلا بكدك واشمل خلالك بالمكا ... رم كي يفوح شميم وردك فادأب معاشرة النبيـ ... ل تجده منتظماً بعقدك انفع برفدك من جفا ... ك تكرماً وارحب بوفدك لا تصرمن من الصديـ ... ق ولو قلاك حبال ودك فاحفظ لنفسك قدرها ... واحذر تجاوز رسم حدك واعطف على ذل الحقيـ ... ر إذا ارتقيت سرير مجدك ما إن يزيدك هيبة ... بين الورى تصغير خدك كلا ولا تزري شما ... ئلك الحسان بلين صدرك بالحلم تبلغ غاية الشـ ... رف الرفيع برغم ضدك واجهد نهاك ببذل علمـ ... ك وامزج التقوى بجهدك لا رث ثوبك يزدريـ ... ك ولا يزينك وشى بردك إن التفاضل بالفضا ... ئل لا ببرقك أو علوك لا تفرحن بسقطات الرجال ولا ... تهزأ بغيرك واحذر صولة الدول فخير مال الفتى مال يصون به ... عرضاً وينفقه في صالح العمل والق الأحبة والإخوان إن قطعوا ... حبل الوداد بحبل منك متصل=

الترهيب أن يعتذر إلى المرء أخوه فلا يقبل عذره

الترهيب أن يعتذر إلى المرء أخوه فلا يقبل عذره 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

_ = فضائل الإصلاح بين الناس من القرآن الكريم: (أ) قال تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" (114 من سورة النساء). وفي الغريب: الصلح يختص بإزالة التنافر بين الناس، ويقال منه اصطلحوا وتصالحوا، قال تعالى: "أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير" (من سورة النساء). "وإن تصلحوا وتتقوا" (من سورة النساء). "فأصلحوا بينهما" (من سورة الحجرات). "فأصلحوا بين أخويكم" (من سورة الحجرات). وإصلاح الله تعالى الإنسان يكون تارة بخلقه إياه صالحاً، وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده، وتارة يكون بالحكم له بالصلاح، قال تعالى: "واصلح بالهم .. يصلح لكم أعمالكم .. وأصلح لي في ذريتي .. إن الله لا يصلح عمل المفسدين". (ب) وقال تعالى في الإخبار عن إثابة المصلح وجزالة أجره "فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم" (182 من سورة البقرة). (خاف): أي توقع وعلم (جنفاً): ميلاً بالخطأ في الوصية (إثماً): ذنباً وتعمد الحيف والظلم فأصلح بين الموصى لهم بإجرائهم على نهج الشرع (فلا إثم عليه): في هذا التبديل، لأنه تبديل باطل إلى حق. ثم وعد سبحانه المصلح بغفران الذنوب تكرماً وجزاء إحسانه، والله يحب المحسنين، ففيه الترغيب في الإصلاح وإزالة الضلال بما يوافق الحق. (جـ) وقال تعالى: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون" (9 - 10 من سورة الحجرات). (د) وقال تعالى: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً" (25 من سورة النساء). (هـ) وقال تعالى: "وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين" (1 من سورة الأنفال). (و) وقال تعالى: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير، وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً" (128 من سورة النساء). (ز) وقال تعالى: "والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب" (18 من سورة الزمر). (الطاغوت): البالغ غاية الطغيان، وصف للشيطان المضل باعث الشقاق وسوء الأخلاق (وأنابوا): أقبلوا إليه بتواضعهم وإصلاحهم وطاعتهم وذكره سبحانه وإخلاصهم لله وحده (لهم البشرى): بالثواب على ألسنة الرسل أو الملائكة عند حضور الموت بسبب أعمالهم الصالحة في الدنيا ومنها الإصلاح بين الناس (أولوا الألباب): أصحاب العقول السليمة. (ح) وقال تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" (199 من سورة الأعراف). والبحث العلمي في هذه الآيات يتناول صلح طائفتنين أو حزبين أو أسرتين أو زوجين أو متخاصمين، ويراعى في المصلح: =

عِفُّوا (¬1) عن نساء الناس تَعِفَّ (¬2) نِسَاؤكم، وبِرُّوا آبائكم (¬3) تَبَرَّكُمْ أبناؤكم (¬4)، ومن أتاهُ أخوهُ مُتنصلاً فليقبلْ ذلك مُحقاً كان أو مُبطلاً، فإن لم يفعل لم يَرِدْ (¬5) عليَّ الحوض" رواه الحاكم من رواية سويد عن قتادة عن أبي رافع عنه، وقال: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: بل سويد هذا هو ابن عبد العزيز واهٍ. ¬

= أولاً: أن يعدل بين المتخاصمين والإخلاص باعثه على الإصلاح. ثانياً: أن توجد له مكانة سامية في قلوب المتنافرين. ثالثاً: أن ينضم إلى المظلوم إذا أبى الظالم الصلح. وثمرات ذلك المرجوة: أولاً: إحلال الألفة مكان الفرقة. ثانياً: استئصال داء النزاع قبل أن يستفحل. ثالثاً: حقن الدماء التي تراق بين الطوائف المتنازعة. رابعاً: توفير الأموال التي تنفق للمحامين بالحق وبالباطل، وتوفير الرسوم والنفقات الأخرى الباهظة. خامساً: تجنب إنكار الحقائق التي تجر إليه الخصومات وترك شهادة الزور التي تنفق سوقها في دور القضاء. سادساً: تجنب المشاجرات والاعتداء على الحقوق الذي قلما يسلم منها خصمان. سابعاً: تفرغ النفوس للمصالح بدل جدها وانهماكها في الكيد للخصوم. ثامناً: رحمة الله لعباده وأجره العظيم للمصلحين والمتصالحين، والله تعالى ولي التوفيق، نسأله السلامة والعون. (¬1) اجتنبوا القرب من النساء الأجنبيات وامتنعوا عن ارتكاب الفاحشة واحذروا المعاصي. وفي النهاية "من يستعف يعفه الله" الاستعفاف: طلب العفاف والتعفف، وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس: أي من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله إياها، وقيل: الاستعفاف الصبر والنزاهة عن الشيء، يقال: عف يعف عفة فهو عفيف، ومنه الحديث: "اللهم إني أسألك العفة والغنى". أهـ. (¬2) تتحل بالعفاف والطهارة، وللإمام الشافعي في هذا المعنى: عفوا تعف نساؤكم في المحرم ... وتجنبوا ما لا يليق لمسلم يا هاتكاً حرم الرجال وقاطعاً ... سبل المودة عشت غير مكرم من يزن يزن به ولو بجداره ... إن كنت يا هذا لبيباً فافهم (¬3) اعطفوا عليهم وأطيعوهم وارحموهم، وقدموا لهم خيراً ونعمة. (¬4) تحترمكم وتطعكم وتقدم لكم أنواع الخير، يريد صلى الله عليه وسلم ثلاثة: (أ) تحري الرجال الطاعة لله ولرسوله بالتحلي بالأخلاق الحميدة وعدم ارتكاب الفواحش. (ب) إطاعة الوالدين رجاء وضع البركة في الأبناء فينجبون وينجحون ويثمرون. (جـ) قبول العذر من المعتذر وإظهار البشاشة واللطف وعدم الحنق والغيظ وإضمار العداوة. (¬5) أي إذا لم يتحل بهذه المكارم بعد عن حوضي وظميء وطرد من حرمة الله ورضوانه. والحوض: جسم مخصوص كبير متسع الجوانب ترده أمته صلى الله عليه وسلم حين خروجهم من قبورهم عطاشا يكون على الأرض المبدلة البيضاء كالفضة، من شرب منه لا يظمأ أبداً، هكذا قاله علماء التوحيد، فلعلك يا أخي تتقي الله وتعمل صالحاً، وتقبل عذر اللاجئ إليك عسى الله أن يمن علينا بشربة منه.

وروى الطبراني وغيره صدره، دون قوله: "ومن أتاهُ أخوهُ إلى آخره من حديث ابن عمر" بإسناد حسن. [التنصل]: الاعتذار. 2 - وعن جُودان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اعتذر (¬1) إلى أخيه المسلم، فلم يقبل منه كان عليه ما على صاحب مَكْسٍ (¬2) " رواه أبو داود في المراسيل وابن ماجة بإسنادين جيدين إلا أنه قال: "كان عليه مثل خطيئة صاحب مكسٍ" ورواه الطبراني في الأوسط من حديث جابر بن عبد الله، ولفظه قال: "من اعتذر إلى أخيه فلم يقبل عذره كان عليه مثل خطيئة صاحب مكسٍ". [قال أبو الزبير] والمكّاس: العشّار. 3 - وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تُنُصِّلَ (¬3) إليه فلم يقبل لم يَرِدْ عليَّ الحوض". [قال الحافظ]: روي عن جماعة من الصحابة، وحديث جودان أصح، وجودان مختلف في صحبته، ولم ينسب. 4 - وروي عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عِفُّوا تَعِفَّ نساؤكم، وَبِرُّوا آباءكم تَبَرَّكُمْ أبناؤكم، ومن اعتذر إلى أخيه المسلم فلم يقبل عُذرهُ لم يردْ عليَّ الحوض" رواه الطبراني في الأوسط. ¬

(¬1) قدم عذراً برجاء وأمل في الصلح وتوسل بالرضا والعفو. (¬2) أي يحاسبه الله على ذنوبه التي ارتكبها من جراء طرد المعتذر، كما يعاقب سبحانه الظالم الجبار العشار، قال صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة صاحب مكس". قال في النهاية: والمكس الضريبة التي يأخذها الماكس، وهو العشار. أهـ. (¬3) أي جاء إليه أخوه معترفاً بذنبه معترفاً بجرمه مقراً بإساءته. وفي النهاية: أي انتفى من ذنبه واعتذر إليه. أهـ. ففيه الحث على الصلح وقبول العذر والعفو والصفح، والسماح رباح، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يطرد من الشرب من حوضه عليه الصلاة والسلام ذلك الفظ الغليظ الخشن الذي لا توجد عنده عاطفة المودة، والمحروم من حسن المعاملة غير جواد كريم سمح.

من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره أشر خلق الله تعالى 5 - وروي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بشراركم (¬1)؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله. قال: إن شراركم الذي ينزلُ وحدهُ (¬2)، ويَجْلِدُ عَبْدَهُ (¬3)، ويَمْنَعُ رِفْدَهُ (¬4)، أفلا أنبئكم بشرٍ من ذلك؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله. قال: من يبغضُ (¬5) الناسَ ويبغضونهُ قال: أفلا أنبئكم بشرٍ من ذلك؟ قالوا: بلى إن شئت يا رسول الله. قال: الذين لا يقيلون عَثْرَةً (¬6)، ولا يقبلون معذرةً (¬7)، ولا يغتفرون ذنباً (¬8). قال: أفلا أنبئكم بشرٍ من ذلك (¬9)؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من لا يُرجى خَيْرُهُ (¬10)، ولا يُؤْمَنُ شَرُّهُ" رواه الطبراني وغيره. ¬

(¬1) أصحاب الأفعال السيئة. (¬2) يحب الوحدة ولا يجلس مع أحد، ويكره الأنس والتوادد. (¬3) يضرب خادمه ويسيء إليه في معاملته ويسبه ويشتمه. (¬4) عطاءه: أي لا يجود ولا يكرم ولا يحسن. (¬5) يكره. (¬6) لا يصفحون عن زلل ولا يتركون هفوة، معناه: المشددون المتبعون الأخطاء ليحاسبوا عليها فتتقد بين الناس العداوة لتشددهم، لماذا؟ لأن الحكماء يقولون: المروءة احتمال الجريرة وإصلاح أمر العشيرة وحسن السيرة وصفاء السريرة. (¬7) عذراً. (¬8) يسترون خطأ. (¬9) من ذلك، كذا (ط وع ص 229 - 2)، وفي (ن د): من ذلكم. (¬10) أكثر الناس شروراً الذي لا فائدة فيه، ولا ينال منه خيراً، ولا ذكراً، وهو كثير الفساد باعث الشقاق، ومصدر الأذى فلا يؤمن جانبه، ولا يركن إليه في أمر لأنه ضار بطال شرير، ففيه الترغيب في العفو والميل إلى فعل البر واجتناب الضرر. عقاب من لا يقبل عذر معتذر كما أخبر صلى الله عليه وسلم: أولاً: يوم القيامة يدفع عن حوض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستمر ظمآن عطشان. ثانياً: يأثم مثل العشار الجابي من الناس ظلماً وعدواناً. ثالثاً: يكتب من الأشقياء المجرمين الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فلا فائدة فيه. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة ... فلا خير في ود يجيء تكلفا ولا خير في خل يخون خليله ... ويلقاه من بعد المودة بالجفا وينكر عيشاً قد تقادم عهده ... ويظهر سراً كان بالأمس في خفا =

الترهيب من النميمة

الترهيب من النميمة 1 - عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

_ = سلام على الدنيا إذا لم يكن بها ... صديق صدوق صادق الوعد منصفا صاف الكرام فخير من صافيته ... من كان ذا أدب وكان ظريفا واحذر مؤاخاة اللئيم فإنه ... يبدي القبيح وينكر المعروفا الاستشهاد بالآيات القرآنية في طرد المنافق الذي يميل إلى الخصام والشقاق ولا يقبل عذراً: (أ) قال تعالى: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد" (204 - 207 من سورة البقرة). إن شاهدنا: الأول: صنف من الناس يحب الخصام والشقاق، وهذا بغيض طريد بعيد من رحمة الله تعالى. الثاني: وآخر يميل إلى المحبة، والسعي إلى الإصلاح، ويطلب الصفاء، وهو في نعيم الله ورضوانه. (ب) وقال تعالى: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين" (14 - 16 من سورة البقرة). شاهدنا: أولئك الفسقة الطغاة الذين يفسدون ويضمرون العداوة ولا يخلصون لله في نصائحهم. (جـ) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم" (208 - 209 من سورة البقرة). (السلم): الاستسلام والطاعة، ولذلك يطلق في الصلح والإسلام، والمعنى استسلموا لله وأطيعوه جملة ظاهراً وباطناً، والخطاب للمنافقين (عزيز): لا يعجزه الانتقام (حكيم): لا ينتقم إلا بالحق. أهـ بيضاوي. إن شاهدنا طلب الانقياد وحب التآلف ونصر آداب الله وتعاليمه، ونبذ التنافر، وترك الشقاق الذي يزيده اشتعالاً الشيطان. (د) وقال تعالى: "إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم" (217 من سورة البقرة). (هـ) وقال تعالى: "ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً" (28 من سورة الفرقان). إن شاهدنا فرط الحسرة وأكل البنان وحرق الأسنان والغيظ والحسرة للتفريط في طاعة الله ورسوله في الحياة الدنيا، ومنها الإصرار على الخصام وعدم قبول الاعتذار من التائب النادم: من لم يصن نفسه ساءت خليقته ... بكل طبع ردئ غير منتقل من جالس الوغد والحمقى جنى ندماً ... لنفسه ورمى بالحادث الجلل دار جار السوء بالصبر وإن ... لم تجد صبراً فما أحلى النقل =

"لا يدخلُ الجنة نَمَّامٌ (¬1) " وفي رواية قَتَّاتٌ، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. [قال الحافظ]: القتات والنمام بمعنى واحد، وقيل: النمام الذي يكون مع جماعة يتحدثون حديثاً فينمّ عليهم، والقتات: الذي يتسمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينمّ. 2 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَرَّ بقبرين يُعذبان فقال: إنهما يُعذبان، وما يُعذبان في كبيرٍ (¬2) بلى إنه كبيرٌ (¬3): أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر (¬4) من بوله" الحديث. رواه البخاري واللفظ له، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، ورواه ابن خزيمة في صحيحه بنحوه. 3 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم في يومٍ ¬

= جانب السلطان واحذر بطشه ... لا تعان من إذا قال فعل (¬1) ناقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد والشر، وقد نم الحديث ينمه نما فهو نمام، والاسم النميمة. ينهى صلى الله عليه وسلم أن لا يؤذوا الناس بإذاعة الأسرار، ونقل الكلام والفتنة والدس والكيد وحب التنافر بين المتصافين، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من اتصف بذلك لا يتنعم بالجنة. وصية أعرابية إلى ابنها وقد أراد السفر: أي بني، اجلس أمنحك وصيتي، وبالله توفيقك فإن الوصية أجدى (1) عليك من كثير عقلك. إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين، وإياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضاً، وخليق ألا يثبت الغرض على كثرة السهام وقلما اعتورت (2) السهام غرضاً إلا كلمته (3) حتى يهي (4) ما اشتد من قوته. وإياك والجود بدينك والبخل بمالك، وإذا هززت فاهزز كريماً يلين لهزتك ولا تهزز اللئيم، فإنه صخرة لا ينفجر ماؤها ومثل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به وما استقبحت من غيرك فاجتنبه، فإن المرء لا يرى عيب نفسه. ومن كانت مودته بشره وخالف ذلك منه فعله كان صديقه منه على مثل الريح في تصرفها، والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم، ومن جمع الحكم والسخاء فقد أجاد الحلة ربطتها وسربالها. (¬2) أي لا يقع العذاب على عمل يعدونه كبيراً. أهـ. (¬3) وقال القسطلاني: أي كبير تركه عليهما، ثم قال بلى: أي نعم إنه كبير من جهة المعصية. (¬4) أي لا يجعل بينه وبين بوله سترة: أي لا يتحفظ منه، فعدم التنزه عن البول يبطل الصلاة، والمشي بالنميمة من السعي بالفساد. أهـ قسطلاني. ذنبان كبيران نال صاحبهما العذاب من جرائهما في القبر: (أ) النمام. (ب) الذي لا يعتني بقضاء حاجته فيظهر سوءته ويبين عورته ولا يتحرز النظارة ولا يتجنب الطرق العامة.

شديد الحرِّ نحو بقيعِ الغرقد (¬1) قال: فكان الناسُ يمشون خلفهُ (¬2). قال: فلما سمع صوت النعالِ وَقَرَ (¬3) ذلك في نفسه، فجلس حتى قَدَّمَهُمْ (¬4) أمامهُ لئلا يقع في نفسه شيء من الكبر، فلما مر ببقيع الغرقد إذا بقبرين قد دَفَنُوا فيهما رجلين. قال: فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من دفنتم اليوم هاهنا؟ قالوا: فلانٌ وفلانٌ. قالوا: يا نبي الله وما ذاك؟ قال: أما أحدهما فكان لا يَتَنَزَّهُ (¬5) من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة (¬6)، وأخذ جريدةً (¬7) رَطبةً فَشَقَّهَا، ثم جعلها على القبر. قالوا يا نبي الله لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: لِيُخَفَّفَنَّ عنهما. قالوا يا نبي الله: حتى متى (¬8) هُما يُعذبان قال: غَيْبٌ لا يعلمهُ إلا الله عز وجل، ولولا تَمَزُّعُ قلوبكم (¬9) وَتَزَيُّدُكُمْ في الحديث لسمعتم ما أسمعُ" رواه أحمد من طريق علي بن يزيد عن القاسم عنه. 4 - ورويَ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "النميمةُ والشتيمةُ (¬10) والْحَمِيَّةُ (¬11) في النار". ¬

(¬1) مقبرة أهل المدينة لأنه كان فيها غرقد: أي ضرب من شجر العضاه وشجر الشوك، والواحدة غرقدة. (¬2) وراءه. (¬3) سكن فيه وثبت، من الوقار والحلم والرزانة، وفيه "لم يفضلكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في القلب". (¬4) تقدموا أمامه. (¬5) لا ستتر عند قضاء بوله، أو لا يستبرئ استبراء كاملاً: أي لا يتحرز النجاسة ويستهتر بنظر الناس ويتهاون في كشف العورة ويتجاسر في الطرق فيتبول. (¬6) يمشي بالفساد بين الناس. (¬7) من جريد النخل تكون سبب تخفيف العذاب وإنزال رحمة الله جل وعلا مدة خضرتها ودوام نضارتها إلى زمن اليبس. (¬8) إلى أي زمن ينتهي عذابهما. (¬9) لولا شدة جزعكم لأسمعكم الله صوت عذابهما مثل ما أسمع فأعطى الله النبي صلى الله عليه وسلم ميزة الثبات والرزانة ليسمع أشياء ليس في مقدور غيره صلى الله عليه وسلم أن يسمعها، ولو سمعها الإنس والجن لصعقوا: أي ماتوا كما في حديث البخاري في باب حمل الرجال الجنازة "وإن كانت غير صالحة قالت يا ويلها أين تذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه صعق". (¬10) السباب والأذى باللسان وقبح الألفاظ. (¬11) الأنفة في باطل واستعمال عزة الجانب في المعاصي والظلم وهتك أعراض الناس ولشدة شوكتهم يضيعون مصالح الناس، ومنه "وقدر القوم حامية تفور" أي حارة تغلي، وفي الغريب: وعبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحمية فقيل حميت على فلان: أي غضبت عليه، قال تعالى: "حمية الجاهلية" وعن ذلك استعير قولهم: حميت المكان حمى، وروي "لا حمى إلا لله ورسوله" أهـ.

ما جاء في عقاب النمام 5 - وفي لفظٍ: "إن النميمةَ والحقد (¬1) في النار لا يجتمعان في قلبِ مُسلمٍ" رواه الطبراني. 6 - وعن أبي بَرْزَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا إن الكذبَ يُسَوِّدُ الوجهَ، والنميمةَ من عذاب القبر (¬2) " رواه أبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه والبيهقي. [قال الحافظ]: رووه كلهم من طريق زياد بن المنذر عن نافع بن الحارث عنه. [وزياد]: هذا هو أبو الجارود الكوفي الأعمى تنسب إليه الجارودية من الروافض. [ونافع]: هو نفيع أبو داود الأعمى أيضاً، وكلاهما متروك متَّهَم بالوَضع. 7 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنا نمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا على قبرين فقامَ فقمنا معه، فجعل لونهُ يتغيرُ حتى رَعَدَ كُمُّ قميصهِ (¬3) فقلنا: مَا لَكَ يا رسول الله؟ فقال: أما تستمعون ما أسمعُ؟ فقلنا: وما ذاك يا نبي الله؟ قال: هذان رجلان يُعذبان في قُبورهما عذاباً شديداً في ذَنْبٍ هَيِّنٍ. قلنا: فِيمَ ذاك؟ قال: كان أحدهما لا يستنزهُ من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه، ويمشي بينهم بالنميمة، فدعا بِجَرِيدَتين من جرائدِ النخلِ، فجعل في كل قبر واحدةً. قلنا: وهل ينفعهم ذلك؟ قال: نعم يُخَفَّفُ عنهما مادامتا رَطبتين (¬4) " رواه ابن حبان في صحيحه. [قوله: في ذنبٍ هين]: أي هين عندهما، وفي ظنهما، لا أنه هين في نفس الأمر، فقد تقدم في حديث ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم: بلى إنه كبيرٌ، وقد أجمعت الأمة على تحريم النميمة، وأنها من أعظم الذنوب عند الله تعالى. ¬

(¬1) الانطواء على العداوة والبغضاء، يقال حقد عليه، والجمع أحقاد: أي ثنتان لا يدخلان في قلب رجل صالح بار عامل بالكتاب والسنة: (أ) السعي بالفساد. (ب) إضمار الشقاق للناس. (¬2) أي تسبب العقاب الأليم بعد الموت. (¬3) أصابته رعدة ورعشة. (¬4) فيهما خضرة.

شرار عباد الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة 8 - ورويَ عن عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس مني (¬1) ذو حسدٍ (¬2)، ولا نميمةٍ، ولا كَهَانَةٍ (¬3)، ولا أنا منه، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْر مَا اكْتَسَبُوا (¬4) فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وإثْماً مُبِيناً) (¬5) " رواه الطبراني. 9 - وعن عبد الرحمن بن غَنْمٍ يَبْلُغُ به النبي صلى الله عليه وسلم: "خيارُ عباد الله الذين إذا رُءوا (¬6) ذُكِرَ اللهُ، وَشِرَارُ عباد الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبةِ الباغُونَ (¬7) لِلْبُرَآء الْعَنَتَ" رواه أحمد عن شهر عنه، وبقية إسناده محتج بهم في الصحيح، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا عن شهر عن أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهما قالا: المفسدون بين الأحبةِ، والطبراني من حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ليس على ديني الكامل. (¬2) المتمني زوال النعمة من أخيه. (¬3) التظاهر بعلم الغيب ومعرفة الأسرار، وإظهار الشيء الخافي والادعاء بالنبوغ في المغياب قال تعالى: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول" (26 - 27 من سورة الجن). وفي النهاية نهى صلى الله عليه وسلم عن حلوان الكاهن. الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار، وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما فمنهم من كان يزعم أن له تابعاً من الجن ورئياً يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما، وجمع الكاهن كهنة وكهان. أهـ. (¬4) أي بغير جناية استحقوا بها الإيذاء. (¬5) ظاهراً، قيل إنها نزلت في المنافقين كانوا يؤذون علياً رضي الله عنه، وقيل في أهل الإفك، وقيل في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات. أهـ بيضاوي، وكذا النمامون الساعون بالفساد وفي الغريب بهتان: أي كذب يبهت سامعه لفظاعته، قال الله تعالى: "يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن" (من سورة الممتحنة). كناية عن الزنا، وقيل بل ذلك لكل فعل شنيع يتعاطينه باليد والرجل من تناول ما لا يجوز والمشي إلى ما يقبح، ويقال جاء بالبهيتة: أي الكذب. أهـ فكان عقاب النميمة مثل عقاب الفاحشة، وكلاهما أذى. (¬6) رآهم الناس اعترفوا بوجود الله فأثنوا عليه، ذكر الله كذا (ط وع ص 229 - 2)، وفي (ن د): ذكروا الله. (¬7) الطالبون العيوب القبيحة للشرفاء المنزهين عن الفواحش، الباغون للبراء العنت كذا (د وع ص 230 - 2)، وفي (ن ط): الباغون للبراء العيب. أي صفات الأشرار الثلاثة: (أ) السعي بالفساد وحب الشقاق والصيد في الماء العكر وإيقاد نار العداوة. (ب) إزالة كل مودة وإماتة كل محبة بالتفريق، والخصام والتنافر بين الأخوين المتصافيين. (جـ) كيل التهم جزافاً للأبرياء وإرخاء العنان للسب والشتم وذكر القبائح والهنات للطاهرين والطاهرات.

وابن أبي الدنيا أيضاً في كتاب الصمت عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عبد الرحمن أصح، وقد قيل له إن له صحبة. 10 - وعن العلاء بن الحارثِ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الهمَّازُونَ (¬1) واللَّمَّازُون (¬2)، والمشَّاءون بالنميمة الباغونَ للِبُرَآء الْعَنَتَ يَحْشُرُهُمُ الله في وجوهِ الكلاب" رواه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب التوبيخ معضلاً هكذا، وتقدم في باب الإصلاح حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بأفضلَ (¬3) من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى. قال: إصلاحُ ذات البين (¬4)، فإن فسادَ ذاتِ البين هي الحالقةُ (¬5) " رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والترمذي وصححه، ثم قال: "وَيُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هي الحالقةُ، لا أقولُ: تَحْلِقُ الشَّعَرَ ولكن أقولُ: تَحْلِقُ الدِّينَ (¬6) ". ¬

(¬1) الذين يغتابون الناس، يقال رجل هامز وهماز وهمزة، قال الشاعر: وإن اغتيب فأنت الهامز اللمزه. قال تعالى: "وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين" (97 من سورة المؤمنون) أهـ غريب. وقال البيضاوي: الهمز الكسر كالهزم، واللمز الطعن كاللهز فشاعا في الكسر من أعراض الناس والطعن فيهم، وبناء فعلة يدل على الاعتياد، فلا يقال ضحكة ولعنة إلا للمكثر المتعود، وقرئ "ويل لكل همزة لمزة" (1 من سورة الهمزة)، بالسكون على بناء المفعول، وهو المسخرة الذي يأتي بالأضاحيك فيضحك منه ويشتم. (¬2) الذين يذكرون عيوب الناس ويفصحون ويشهرون، وفي النهاية اللمز العيب والوقوع في الناس، وقيل هو العيب في الوجه، والهمز العيب في الغيب، وفيه "أعوذ بك من همز الشيطان ولمزه" أهـ. (¬3) بأزيد وأكثر ثواباً. (¬4) الحال التي بينكم بالمساعدة والمواساة وجلب التآلف والتساند والتوفيق بين المتعاديين ووجود الوئام، وإزالة الخصام وإطفاء نار الفتنة، وتسكين ثائرة النفوس وبزوغ شمس الرأفة والرحمة. (¬5) القاطعة المستأصلة كل خير والجالبة كل ضير مثل التنابذ واقتراف الآثام وإزهاق الأرواح البريئة وإضاعة الأموال فيما يغضب الله جل وعلا. (¬6) تضيع آدابه وتحبط ثواب الناس الفجر الفسق العصاة المتخاصمين، ففيه الترغيب في الإصلاح، وإزالة الضغائن والعمل على التآلف والتعاون على البر والتقوى. بيان حد النميمة وما يجب في ردها كما في إحياء علوم الدين: اعلم أن اسم النميمة إنما يطلق في الأكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه كما تقول فلان كان يتكلم فيك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بكذا وكذا وليست النميمة مختصة به، بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كره المنقول عنه أو المنقول إليه أو كره ثالث، وسواء كان الكشف بالقول أو بالكتابة أو بالرمز أو بالإيماء، وسواء كان المنقول من الأعمال أو من الأقوال وسواء كان ذلك عيباً ونقصاً في المنقول عنه أو لم يكن، بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه، بل كل ما رآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره فينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية كما إذا رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به مراعاة لحق المشهود له فأما إذا رآه يخفي مالاً لنفسه فذكره فهو نميمة، وإفشاء للسر فإن كان ما ينم به نقصاً وعيباً في المحكى عنه كان قد جمع بين الغيبة والنميمة، فالباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه أو إظهار الحب للمحكي له أو التفرج بالحديث والخوض في الفضول والباطل، وكل من حملت إليه النميمة، وقيل له إن فلاناً قال فيك كذا أو فعل في حقك كذا أو هو يدبر في إفساد أمرك أو في ممالأة عدوك أو تقبيح حالك أو ما يجرى مجراه فعليه ستة أمور: الأول: ألا يصدقه، لأن النمام فاسق وهو مردود الشهادة قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة" (من سورة الحجرات). الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصح له ويقبح عليه فعله، قال الله تعالى: "وأمر بالمعروف وانه عن المنكر" (من سورة لقمان). الثالث: أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من يبغضه الله تعالى. الرابع: ألا تظن بأخيك الغائب السوء لقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم" (من سورة الحجرات). الخامس: أن لا يحملك ما حكى لك على التجسس والبحث للتحقق اتباعاً لقوله تعالى: "ولا تجسسوا" (من سورة الحجرات). السادس: ألا ترضى لنفسك ما نهيت النمام عنه ولا تحكي نميمته فتقول فلان قد حكى لي كذا وكذا فتكون به نماماً ومغتاباً وتكون قد أتيت ما عنه نهيت. وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئاً فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" (من سورة الحجرات). وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية "هماز مشاء بنميم" (11 من سورة القلم). وإن شئت عفونا عنك. فقال العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبداً. وقال الحسن: من نم إليك نم عليك، وهذا إشارة إلى أن النمام ينبغي أن يبغض ولا يوثق بقوله ولا بصداقته، وكيف لا يبغض؟ وهو لاينفك عن الغيبة والكذب والغدر والخيانة والغل والحسد والنفاق والإفساد بين الناس والخديعة، وهو ممن يسعى في قطع ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، وقال تعالى: "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق" (من سورة الشورى). والنمام منهم، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من شرار الناس من اتقاه الناس لشره" والنمام منهم. وسعى رجل بزياد الأعجم إلى سليمان بن عبد الملك فجمع بينهما للموافقة فأقبل زياد عن الرجل وقال: فأنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً ... فخنت وإما قلت قولاً بلا علم فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلة بين الخيانة والإثم وقال لقمان لابنه: يا بني أوصيك بخلال إن تمسكت بهن لم تزل سيداً، أبسط خلقك للقريب والبعيد، وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم واحفظ إخوانك وَصِلْ أقاربك وآمنهم من قبول قول ساع أو سماع باغ يريد فسادك ويروم خداعك وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك. وقال بعضهم: النميمة مبنية على الكذب والحسد والنفاق، وهي أثات الذل. أهـ غزالي ص 134 جـ 3. =

الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما والترغيب في ردهما

الترهيب من الغيبة والبهت وبيانهما، والترغيب في ردهما 1 - عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال في خطبته ¬

_ = الآيات الكريمة التي تدل على وخامة عاقبة النميمة: (أ) قال الله تعالى: "ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم" (10 - 13 من سورة القلم). قال عبد الله بن المبارك: الزنيم ولد الزنا الذي لا يكتم الحديث، وأشار به إلى أن كل من لم يكتم الحديث، ومشى بالنميمة دل على أنه ولد الزنا استنباطاً من قوله عز وجل: "عتل بعد ذلك زنيم" والزنيم هو الدعي. (ب) وقال تعالى: "ويل لكل همزة لمزة" (1 من سورة الهمزة). قيل: الهمزة النمام. (جـ) وقال تعالى: "سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد" (3 - 5 من سورة المسد). قيل إنها كانت نمامة حاملة للحديث. (د) وقال تعالى: "وضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين" (10 من سورة التحريم). قيل كانت امرأة لوط تخبر بالضيفان، وامرأة نوح تخبر أنه مجنون. أهـ إحياء الغزالي في باب الآفة السادسة عشرة النميمة ص 134 جـ 3. (هـ) وقال تعالى: "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد" (1 - 5 من سورة الفلق). أمر صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من الليل إذا أغمر بظلمته الكائنات، ومن السحرة الكهنة وأصحاب الخداع والمسكر والحيل المفسدين المؤذين. (و) وقال تعالى: "أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون" (34 من سورة الزمر). أي يجعل له وقاية تقيه العذاب. وقال البيضاوي: أي يجعله درقة يقي به نفسه لأنه تكون يده مغلولة إلى عنقه فلا يقدر أن يتقي إلا بوجهه كمن هو آمن. أهـ. فكذلك النمام لا يأمن عذاب الله ولا يتقي الله في إفساده وإضلاله. نتائج النميمة كما بينها صلى الله عليه وسلم في أحاديثه: أولاً: يحرم من نعيم الجنة. ثانياً: يعذب في قبره ويشابه الذي يتساهل في تمام الاستبراء من البول ولم يستكمله فقد يخرج منه ما ينقض وضوءه فيصلي بغير وضوء وبذا يصلي فلا تقبل صلاته فكأنه تاركها، وترك الصلاة كبيرة. ثالثاً: تدخل النار. رابعاً: تشن غارة العداوة فيحمى وطيسها بين المتآلفين. خامساً: تؤذي وتضر وتؤلم وتجلب الخصام والنفور والثبور. =

في حجة الوداع (¬1): إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت (¬2) " رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ المسلم على المسلم حرامٌ دمهُ (¬3) وعِرْضُهُ (¬4) ومالهُ (¬5) " رواه مسلم والترمذي في حديث. 3 - وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الربا اثنان وسبعون باباً، أدناها (¬6) مثل إتيان الرجل أمهُ، وإن أربى الربا (¬7) استطالةُ الرجل في عِرْضِ أخيهِ" رواه الطبراني في الأوسط من رواية عمر بن راشد. 4 - وروي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أمر الربا، وَعَظَّمَ شأنه، وقال: إن الدرهم يُصيبهُ الرجلُ من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ستٍ وثلاثين زنيةً يزنيها الرجلُ، وإن أربى الربا عِرْضُ الرجلِ المسلم" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغيبة. ¬

= سادساً: تحمل النمام ذنوباً جمة. سابعاً: تدل على أن النمام لقيط طريد ابن فاحشة زانية (زنيم). ثامناً: تدل على سوء الخاتمة وتمسخ حسن الصورة وتجعلها مثل (وجوه الكلاب). تاسعاً: عنوان الدناءة والجبن والضعف والدس والكيد والملق والنفاق (الهمازون). عاشراً: محبطة للحسنات ومضيعة ثواب الأعمال الصالحات (الحالقة). الحادي عشر: مزيلة كل محبة، مبعدة كل مودة وتآلف وتآخ وتصاف وتعاون واتحاد، ولابن دريد في الحكم: إن امرؤ خيف لإفراط الأذى ... لم يخش مني نزق (1) ولا أذى من غير ما وهن (2) ولكني امرؤ ... أصون عرضاً لم يدنسه ألطخا (3) وصون عرض المرء أن يبذل ما ... ضن به مما حواه وانتضى (4) (¬1) آخر حجة حجها صلى الله عليه وسلم. (¬2) اللهم قد أديت الرسالة وحفظت الأمانة وقلت ما أحببت. (¬3) إهراق دمه وإراقته والتعرض لأذاه. (¬4) إباحة عرضه وتعرضه لأي إهانة أو قبيحة أو ارتكاب فاحشة. (¬5) غصب ما يملك أو نهبه أو سرقته أو تعرضه للتلف. (¬6) أقلها جرماً عقاب ناكح أمه ووقوع الزنا بها. (¬7) أكثر الذنوب انتقاماً وعذاباً التحدث بما يكره الإنسان وغيبته وتعداد عيوبه.

5 - ورويَ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الربا نَيَّفٌ (¬1) وسبعونَ باباً، أهونهن (¬2) باباً من الربا مثلُ من أتى أمَّهُ في الإسلام، ودرهمٌ من الربا أشدُّ من خمسٍ وثلاثين زنيةً وأشدُّ الربا، وأربى الربا، وأخْبَثُ الربا انتهاكُ عِرْضِ المسلم (¬3) وانتهاكُ حُرْمَتِهِ (¬4) " رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي، وروى الطبراني منه ذكر الربا في حديث تقدم. 6 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أرْبَى الربا استطالةُ المرء في عَرْضِ أخيه" رواه البزار بإسنادين أحدهما قوي، وهو في بعض نسخ أبي داود إلا أنه قال: "إن من الكبائر استطالة الرجل في عِرْضِ رجلٍ مسلمٍ بغير حقٍ، ومن الكبائر السَّبَّتَأنِ بالسَّبَّةِ" ورواه ابن أبي الدنيا أطول منه، ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الربا سبعون حُوباً، وأيسرها (¬5) كنكاح الرجل أمهُ، وإن أربى الربا عِرْضُ الرجل المسلم". [الحوب] بضم الحاء المهملة: هو الإثم. 7 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: تَدْرون (¬6) أربى الربا عند الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن أربى الربا عند الله ¬

(¬1) من واحد إلى ثلاث، والبضع من أربع إلى تسع، ولا يقال نيف إلا بعد عقد نحو عشرة ونيف ومائة ونيف وألف ونيف. أهـ مصباح. (¬2) أيسرهن في العذاب. (¬3) التحدث في موضع ذمه والاستطالة بالسوء والقدح، وفي النهاية وفي حديث ابن عباس "إن قوماً قتلوا فأكثروا وأوزنوا وانتهكوا" أي بالغوا في خرق محارم الشرع وإتيانها، وفي حديث أبي هريرة "تنتهك ذمة الله وذمة رسوله" يريد نقض العهد والغدر بالمعاهد. أهـ. (¬4) أي انتهاك ما حفظه الله من رعاية جانبه واحترامه، وفي النهاية كل مسلم عن مسلم محرم، ويقال مسلم محرم، وهو الذي لم يحل من نفسه شيئاً يوقع به، يريد أن المسلم معتصم بالإسلام ممتنع مجرمته ممن أراده أو أراد ماله، ففيه الترغيب في حفظ سيرة المسلم وعدم ذكره بسوء. (¬5) أخفها في العقاب مثل الزنية في الوالدة مع احترامها ووجوب رعاية الأدب معها وبرها، وعدم أذاها وأكثر من هذا عقاباً الغيبة وإرخاء العنان للسان أن يقدح ويذم ويقول ما يكره الغائب. (¬6) تعلمون، يريد صلى الله عليه وسلم عدم غيبة المسلم وذكره بما يكره.

استحلالُ عِرْضُ امرئٍ مُسلمٍ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَملُوا بُهْتَاناً وَإثْماً مُبِيناً) " رواه أبو يعلى، ورواته رواة الصحيح. 8 - وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أربى الربا الاستطالةَ في عِرْضِ المسلمِ بغير حقٍ (¬1) " رواه أبو داود. 9 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "قُلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حَسْبُكَ (¬2) من صفيةَ كذا وكذا. قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: لقد قُلْتِ كلمةً لو مُزجتْ بماء البحر لمزجته (¬3) قالتْ: وحكيتُ له إنساناً فقال: ما أُحِبُّ أن حَكَيْتِ لي إنساناً، وإن لي كذا وكذا (¬4) " رواه أبو داود والترمذي والبيهقي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 10 - وعن عائشة أيضاً رضي الله عنها: "أنه اعْتَلَّ (¬5) بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ بنت حُيَيٍّ، وعند زينب فضْلُ ظهرٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزينب: أعطيها بعيراً، فقالت: أنا أُعْطِي تلك اليهودية، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَهَجَرهَا (¬6) ذا الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمَ، وبَعضَ صَفَرٍ" رواه أبو داود عن سمية عنها، وسمية لم تنسب. 11 - ورويَ عنها رضي الله عنها قالت: "قلتُ لامرأةٍ مَرَّةً وأنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ذكره لولي أمره ليردعه عن معصية يريد أن يفعلها أو يخبر الحاكم عن عقد العزيمة على مؤامرة أو سرقة أو ارتكاب عمل فيخبر من يمنع هذا أو يصده أو يهديه أو يرشده فكأنه ذكر هذا للنصيحة وللحذر. قال تعالى: "خذوا حذركم" من سورة النساء. وقال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" فلا مانع أن يعلم الإنسان شيئاً مخيفاً فيذهب لمن يتدارك هذا قبل وقوعه ويخبره على سبيل النجدة والغوث والزجر والهداية، لا على سبيل التشهير والذم. (¬2) كافيك منها كذا، وفي هامش (ع ص 222) قال النووي: وهذا من أعظم الزواجر عن الغيبة. (¬3) أي لخلطته وكدرته، لأنها على سبيل الذم فارتكبت بذكرها ذنباً والله تعالى حرم الغيبة. (¬4) وإن لي كذا وكذا. كذا (د وع)، وفي (ن ط): وإني كذا. (¬5) مرض وسقم. (¬6) تركها صلى الله عليه وسلم أكثر من شهرين على هذه اللفظة تأديباً لها وزجراً وردعاً وتعليماً لأمته أن تتجنب ألفاظ السب وتترك الهجاء وتحذر الذم.

: إن هذه لَطَوِيلَةُ الذَّيْلِ فقال: الْفِظِي الْفِظِي، فلفظتُ بضعةً من لحمٍ" رواه ابن أبي الدنيا. [الفظي] معناه ارمي ما في فمك. [والبضعة]: القطعة. 12 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجلٌ فقالوا: يا رسول الله ما أعجزَ فلاناً! أو قالوا: ما أضعفَ (¬1) فُلاناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتبتمُ صاحبكم وأكلتم لَحْمَهُ" رواه أبو يعلى والطبراني. ولفظه: أن رجلاً قام من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فرأوا في قيامهِ عجزاً فقالوا: ما أعجز فُلاناً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلتم أخاكم واغتبتموه. 13 - وعن عمرو بن شُعيبٍ عن أبيه عن جده: "أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فقالوا: لا يأكلُ حتى يُطعمَ (¬2)، ولا يَرْحَلُ حتى يُرْحَلَ له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتبتموه، فقالوا: يا رسول الله! إنما حدثنا بما فيه. قال: حَسْبُكَ (¬3) إذا ذكرت أخاك بما فيه" رواه الأصبهاني بإسناد حسن. 14 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقام رجلٌ فوقعَ فيه (¬4) رجلٌ من بعدهِ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تَحَلَّلْ (¬5) فقال: ومما أتَحَلَّلُ (¬6)؟ ما أكلتُ لحماً، قال: إنك أكلتَ لَحمَ أخيكَ" حديث غريب رواه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني، واللفظ له، ورواته رواة الصحيح. ¬

(¬1) أي عجزه أو ضعفه ما أكثره، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم اغتابوه وذكروا ما يكره فكأنهم طعموا قطعة من لحمه. (¬2) معناه أنه ضعيف إلى درجة احتياجه إلى مساعد يطعمه وخادم يوكله وساق يسقيه، ولا يسافر إلا إذا حمله آخر أو ركب على دابة. (¬3) كافيك بتعداد أوصاف ثابتة فيه: ولكن يكره ذكرها، ويجب سترها، ففيه الترهيب عن ذكر أخيك بما يكره مطلقاً. (¬4) ذكر عيوبه واغتابه. (¬5) تحلل بالحاء في (ع)، وبالخاء في (ط): أي افعل الحلال واطلب التوبة من هذه الغيبة. (¬6) ومن أي شيء اطلب الحل واترك الحرام.

ما جاء في ذم الغيبة 15 - ورويَ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بصوم يومٍ، وقال: لا يُفْطِرَنَّ أحدٌ منكم حتى آذن له، فصام الناسُ حتى إذا أمْسَوْا، فجعل الرجلُ يجئ، فيقولُ: يا رسول الله إني ظللتُ صائماً، فائذن لي فأُفِطِرَ فيأذنُ له، الرجل والرجلُ حتى جاء رجلٌ فقال: يا رسول الله! فتاتان من أهلكَ ظَلَّتَا صائمتين، وإنهما يستحيان أن يأتياك فَأْذَنْ لهما فليفطرا، فأعْرَضَ عنه (¬1)، ثم عَاوَدَهُ (¬2) فأعرضَ عنه، ثم عَاوَدَهُ فأعرضَ عنه، ثم عاودهُ فأعرضَ عنه، فقال: إنهما لم يصوما (¬3)، وكيف صامَ من ظلَّ هذا اليوم يأكلُ لحومَ الناسِ، اذهبْ فَمُرْهُمَا إن كانتا صائمتين فَلْيَسْتَقِيئا (¬4)، فرجعَ إليهما فأخبرهما فاستقاءتا، فقاءتْ كل واحدةِ عَلَقةً من دمٍ، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرهُ، فقال: والذي نفسي بيده لو بقيتا في بطونهما لأكلتهما النار" رواه أبو داود الطيالسي، وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة والبيهقي، ورواه أحمد وابن أبي الدنيا أيضاً، والبيهقي من رواية رجل لم يسم عن عُبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه إلا أن أحمد قال: "فقال لإحداهما: قِيئي فقاءت قيْحاً وَدَماً وصديداً ولحماً حتى ملأت نصف القدح، ثم قال للأخرى: قِيئي، فقاءت من قيْحٍ ودمٍ وصديدٍ ولحمٍ عبِيطٍ (¬5) وغيره حتى ملأت القدحَ ثم قال: إن هاتين صامتا عَمَّا أحَلَّ الله لهما، وأفطرتا على ما حَرَّمَ الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلانِ من لُحُومِ الناس" وتقدم لفظ أحمد بتمامه في الصيام. 16 - وعن شُفَيِّ بن مانع الأصبحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربعةٌ يُؤذُونَ أهل النار على ما بهم من الأذى يَسْعَوْنَ ما بين الحميمِ (¬6) ¬

(¬1) تركه ولم يجبه. (¬2) طلب مرة ثانية. (¬3) لم يقبل الله صومهما لأنهما اغتابتا بذكر ما يكره. (¬4) فليخرجا ما في معدتهما، ينهى صلى الله عليه وسلم عن الغيبة خشية استحلال أكل لحم المغتاب فيجر إلى عذاب النار، وبئس القرار. (¬5) سليم من الأمراض سمين فتي. (¬6) يمشون في الماء المغلي من صديد وقيح.

والجحيم (¬1) يدعون بالويل (¬2) والثبور يقول بعض أهل النار لبعضٍ: ما بالُ هؤلاء قد آذوْنا على ما بنا من الأذى. قال: فرجلٌ مُغْلَقٌ عليه تابوتٌ من جَمْرٍ (¬3)، ورجلٌ يَجُرُّ أمعاءهُ (¬4)، ورجلٌ يسيلُ فُوهُ قَيْحاً ودماً، ورجلٌ يأكلُ لحمهُ، فيقالُ لصاحبِ التابوتِ (¬5): ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقولُ: إن الأبعدَ قد ماتَ وفي عُنُقِهِ أموال الناس، ثم يقالُ للذي يَجُرُّ أمعاءه: ما بالُ الأبعدِ قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقولُ: إن الأبعدَ كان لا يُبالي أين أصاب البول منه (¬6) ثم يقالُ للذي يسيلُ فُوهُ قيحاً ودماً: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان ينظر إلى كلمةٍ فيستلذها كما يُستلذُ الرَّفَثُ (¬7)، ثم يقال للذي يأكلُ لحمهُ: ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة، ويمشي بالنميمة" رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت، وفي ذم الغيبة والطبراني في الكبير بإسناد لين وأبو نعيم، وقال: [شفي بن مانع] مختلف في صحبته، فقيل له صحبة. [قال الحافظ]: شُفَي ذكره البخاري وابن حبان في التابعين. 17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل لحمَ أخيه (¬8) في الدنيا قُرِّبَ إليه يوم القيامة، فيقالُ له: كُلْهُ مَيِّتاً كما ¬

(¬1) النار. (¬2) الهلاك والدمار. (¬3) مغلق عليه تابوت من جمر كذا (ع ص 233 - 2)، وفي (ن د): معلق بالعين، وفي (ن ط): جمرة أي نار متقدة. (¬4) حوايا معدته. (¬5) الصندوق. (¬6) معناه لا يتحرز من النجاسة ولا يحفظ ثيابه عند التبول ولا يتطهر ولا ينظف جسمه منها. (¬7) الفحش وقبح القول والجماع والخنا والسوء. يخبرنا صلى الله عليه وسلم عن أربعة يعذبون بأنواع العذاب وينادون بالدمار والهلاك لشدة آلامهم: (أ) في صندوق متقدة ناره يصلى ناراً حامية ذات لهب، لأنه ضيع حقوق الناس في حياته وأكل أموالهم ظلماً وعدواناً. (ب) تخرج أحشاؤه فضيحة وقذارة ويمر على الناس يستقذرون منه في الآخرة، لأنه كان لا يحترز من بوله في دنياه. (جـ) يخرج من فيه السوائل القذرة من صديد وقيح ودم، لأن كلامه ردئ خشن بطال قبيح. (د) يأكل لحم جسمه على مرأى من الناس، لأنه اغتاب الناس في دنياه ونهش أعراضهم وذمهم بما يكرهون. (¬8) كناية عن ذكره بسوء.

أكلتهُ حياً، فيأكلهُ ويَكْلَحُ وَيَضِجُّ" رواه أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ إلا أنه قال: يَصِيحُ. بالصاد المهملة، كلهم من رواية محمد بن إسحق، وبقية رواة بعضهم ثقات. [يضج]: بالضاد المعجمة بعدها جيم ويصيح كلاهما بمعنى واحد كذا قال بعض أهل اللغة والظاهر أن لفظة يضج بالضاد المعجمة فيها زيادة إشعار بمقارنة فزع أو قلق، والله أعلم. [ويكلح] بالحاء المهملة: أي يعبس ويقبض وجهه من الكراهة. 18 - وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه: "أنه مَرَّ على بَغْلٍ ميتٍ فقال لبعضِ أصحابه لأن يأكلَ الرجلُ من هذا حتى يملأ بطنه خيرٌ لهُ من أن يأكل لحم رجلٍ مُسلمٍ (¬1) " رواه أبو الشيخ بن حبان وغيره موقوفاً. 19 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء الأسلميَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد على نفسه بالزنا أربع شهاداتٍ يقول: أتيتُ امرأةً حراماً وفي كُلِّ ذلك يُعْرِضُ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ الحديث إلى أن قال: فما تريدُ بهذا القول؟ قال: أريدُ أن تُطَهِّرَنِي (¬2)، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرجم، فَرُجِمَ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من الأنصار يقولُ أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم يَدَعْ نفسهُ (¬3) حتى رُجمَ رَجْمَ الكلبِ. قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سار ساعةً، فَمرَّ بجيفةِ حمارٍ شائلٍ برجلهِ (¬4)، فقال: أين فلانٌ وفلانٌ (¬5)؟ فقالوا: نحن ذا يا رسول الله، فقال لهما كلا من جيفة هذا الحمار، فقالا يا رسول الله: غَفَرَ الله لك، من يأكلُ من هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نِلْتُما من عِرْضِ هذا الرجلِ آنفاً (¬6) أشدُّ من ¬

(¬1) معناه الأكل من هذه الجيفة النتنة القذرة أسهل من اغتياب المسلم. (¬2) تنقذني من العذاب بالحد وإقامة العقاب في الدنيا لأسلم من عذاب الله في الآخرة. (¬3) فلم يترك نفسه حتى أقيم عليه الحد. (¬4) شائل برجله كذا (ط وع ص 233 - 2)، وفي (ن د): شائل برجله. (¬5) في أي مكان اللذان اغتابا ذلك الرجل النقي الطاهر؟ (¬6) سابقاً.

أكل هذه الجيفة، فوالذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة (¬1) ينغمسُ فيها" رواه ابن حبان في صحيحه. 20 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ليلة أُسريَ بنبي الله صلى الله عليه وسلم، ونظر في النار، فإذا قومٌ يأكلون الجيفَ (¬2). قال: من هؤلاء يا جبريلُ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحومَ الناس (¬3)، ورأى رجُلاً أحمرَ أزرقَ جِداً (¬4)، فقال: من هذا يا جبريلُ؟ قال: هذا عاقرُ الناقة (¬5) " رواه أحمد ورواته رواة الصحيح خلا قابوس ابن أبي ظبيان. إن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه 21 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما عُرجَ (¬6) بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نحاسٍ يَخْمِشُونَ (¬7) وجوههم وصدورهم، فقلتُ من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس (¬8)، ويقعون في أعراضهم" رواه أبو داود، وذكر أن بعضهم رواه مرسلاً. 22 - وعن راشد بن سعد المقرائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما ¬

(¬1) يتمتع بنعيم الجنة ويستحم في مائها العذب الحلو الجميل. رجل وقع في حمأة الفاحشة وانغمس في أدرانها فتاب إلى الله وذهب إلى سيدي رسول الله وأخذ قسطه من حدود الله فرضي الله عنه وأرضاه فانتقد عليه رجلان واغتاباه، ولو أكلا من حمار نتن قذر لكان أيسر وأسهل من الغيبة. (¬2) الجيفة: جثة الميت إذا أنتن، يقال جافت الميتة وجيفت واجتافت. أهـ نهاية. (¬3) يغتابون. (¬4) أزرق جداً كذا (د وع ص 234 - 2)، وفي (ن ط): أزرق جلداً: أي لونه شديد الزرقة. (¬5) ناحرها وذابحها، يشير صلى الله عليه وسلم إلى عذاب من نحر ناقة سيدنا صالح عليه السلام الذي طلب من قبيلة ثمود بالشام عبادة الله وحده واستغفاره، والتوبة إليه، قال تعالى: "هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعداً لثمود" (64 - 67 من سورة هود). (¬6) صعد بي إلى السموات وارتفع بي إلى الملأ الأعلى. (¬7) يخدشون ويقطعون. (¬8) كانوا يغتابون الناس فجعل الله تعالى عقابهم من جنس عملهم بالتسلط على نهش أجسامهم وتقطع أطرافها كما كانوا ينهشون أعراض الناس ويذمون البراء.

عُرجَ بي مررتُ برجالٍ تُقْرَضُ (¬1) جلودهم بمقاريضَ من نارٍ، فقلتُ: من هؤلاء يا جبريلُ. قال: الذين يتزينون للزنية (¬2). قال: ثم مررت بُجِبٍّ (¬3) مُنتنِ الريحِ، فسمعتُ فيه أصواتاً شديدةً، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: نساء كُنَّ يتزينَّ للزنية (¬4)، ويفعلن ما لا يحلُّ لهنَّ، ثم مررت على نساءٍ ورجالٍ مُعلقين بِثُديِّهِنَّ، فقلتُ من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء اللمازون (¬5) والهمازون، وذلك قول الله عز وجل: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) " رواه البيهقي من رواية بقية عن سعيد بن سنان، وقال: هذا مرسل، وقد رويناه موصولاً، ثم روي عن ابن جريج قال: الهمز بالعين والشدق واليد، واللمز باللسان. قال: وبلغني عن الليث أنه قال: اللمزة الذي يعيبك في وجهك، والهمزة: الذي يعيبك بالغيب. 23 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فارتفعتْ ريحٌ مُنتنةٌ (¬6)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون (¬7) ما هذه الريحُ؟ هذه ريحُ الذين يغتابون المؤمنين (¬8) " رواه أحمد وابن أبي الدنيا، ورواة أحمد ثقات. 24 - ورويَ عن جابر بن عبد الله، وأبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغيبةُ أشد من الزنا. قيل: وكيف؟ قال: الرجلُ يزني، ثم يتوب، فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبةِ لا يُغفر له (¬9) حتى يغفرَ له صاحبُهُ (¬10) " رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الغيبة والطبراني في الأوسط والبيهقي، ورواه ¬

(¬1) تقطع. (¬2) كجلسة بكسر الجيم: الذين يقيمون الشراك للوقوع في الفاحشة القبيحة ويمثلون فعلتها. (¬3) بئر أو وعاء قذر كريه الرائحة شديدها. (¬4) اللاتي يظهرن التبرج ويتعطرن ويتحلين لصيد الرجال في شرك الغواية تبين هيئة القدوم على الرذيلة. (¬5) هؤلاء اللمازون كذا (ط وع ص 235 - 2)، وفي (ن د): حذف هؤلاء. (¬6) مرت رائحة قذرة. (¬7) أتعلمون. (¬8) يذكرونهم بسوء. (¬9) لا تمحى سيئاته. (¬10) حتى يعفو. الله أكبر، الوقوع في فاحشة الغيبة أشد جرماً عند الله سبحانه من الوقوع في الزنا، =

البيهقي أيضاً عن رجل لم يسمّ عن أنس، ورواه عن سفيان بن عيينة غير مرفوع، وهو الأشبه، والله أعلم. 25 - وعن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال: "بَيْنَا أنا أُمَاشِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو آخذٌ بيدي، ورجلٌ على يساره، فإذا نحن بقبرين أمامنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهما لَيُعَذَّبَانِ وما يُعذبان في كبيرٍ (¬1) وَبَلى (¬2)، فأيكم يأتيني بجريدةٍ، فاستبقنا فسبقتهُ، فأتيتهُ بجريدةٍ، فكسرها نصفين، فألقى على ذا القبر قطعةً، وعلى ذا القبر قطعةً. قال: إنه يُهَوَّنُ عليهما ما كانتا رَطبتين (¬3)، وما يُعذَّبان إلا في الغيبة والبول" رواه أحمد وغيره بإسناد رواته ثقات. 26 - وعن يعلى بن سيابة رضي الله عنه: "أنه عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأتى على قبرٍ يُعَذَّبُ صاحبهُ، فقال: إن هذا كان يأكلُ لحوم الناس (¬4)، ثم دعا ¬

= لأن حق المسلم مبني على رضاه وهو شحيح، وحق الله مبني على المسامحة والكرم، لأنه زنى في امرأة ليست زوجة لأخيه المسلم، وكانت حرة طليقة ليست ملكاً لآخر، وأما إذا زنى بزوجة فهناك حقان: (أ) حق الله تعالى الذي حرم الفواحش. (ب) وحق الزوج الذي صان هذه المرأة وأكرمها ورعاها وعقد عليها النكاح فصارت درة مصونة مكنونة. (¬1) نقل الأبى عن المازري: أي شاق تركه، لأن المنهي عنه منه: ما يشق تركه كالمستلذات، ومنه ما ينفر الطبع كالمسمومات ومنه ما لا يشق تركه كهذا. قال عياض: وقيل المعنى في كبير عندكم، وهو عند الله كبير: أي أن هذا العمل كان يعدانه صغيراً لا يأبهان به في حياتهما معتقدين أن الله يسمح ويصفح ويعفو، ولكن الله تعالى جعل من شروط صحة الصلاة الطهارة والنقاء من النجاسة. (¬2) بلى في (ط وع ص 235 - 2)، أي نعم إنه كبير يعاقب الله عليه، وقد عاقبهما سبحانه في القبر بعد موتهما، وفي (ن د): وبكى. (¬3) أي ما لم تيبسا: أي مدة وجود خضرتهما. قال الأبي: وأخذت منه تلاوة القرآن على القبر، لأنه إذا رجى التخفيف بتسبيح الشجر فالقرآن أولى. وأوصى بريدة السلمي أن يجعل على قبره جريدتان فلعله أوصى تيمناً بهذا الحديث وفعله صلى الله عليه وسلم ولتسمية الله تعالى لها شجرة طيبة وتشبيهها بالمؤمن. قال والأظهر أنه من سر الغيب الذي أطلعه الله عليه. أهـ شنقيطي في زاد مسلم. وهذا الحديث يشدد النكير ويعلن الحرب على كل من يتساهل في تمام الاستبراء، ووجه كونه كبيرة تساهله في النقاء والتطهير، قال تعالى: "وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر" (4 - 7 من سورة المدثر). أي تباعد من النجاسات ما أمكن الاحتراز منه، فإن التطهير واجب في الصلوات محبوب في غيرها، والرجز القبائح والمعاصي والشرك بالله، ولا تعط مستكثراً واصبر على مشاق التكاليف. (¬4) يغتاب في حياته.

بجريدةٍ رطبةٍ، فوضعها على قبرهِ، وقال: لعله أن يُخفف عنه مادامت هذه رطبةً" رواه أحمد والطبراني، ورواة أحمد ثقات إلا عاصم بن بهدلة. 27 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيع الغرقدِ، فوقف على قبرين ثَرِيَّيْنِ (¬1) فقال: أدفنتم فلاناً وفلانةً، أو قال: فلاناً وفلاناً؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: قد أُقْعِدَ فلانٌ الآن، فَضُربَ (¬2)، ثم قال: والذي نفسي بيده لقد ضُرب ضربةً ما بقي منه عضوٌ إلا انقطعَ، ولقد تطاير (¬3) قبرهُ ناراً، ولقد صرخَ (¬4) صرخةً سمعها الخلائقُ إلا الثقلين: الإنس والجنَّ، ولولا تَمْرِيِجُ قلوبكم (¬5) وتزَيُّدُكم في الحديثٍ لسمعتم ما أسمعُ (¬6)، ثم قالوا: يا رسول الله وما ذنبهما؟ قال: أما فلانٌ، فإنه كان لا يستبرئ (¬7) من البول، وأما فلانٌ أو فلانةٌ فإنه كان يأكل لحوم الناس (¬8) " رواه ابن جرير الطبري من طريق علي بن يزيد عن القاسم عنه، ورواه من هذه الطريق أحمد بغير هذا اللفظ، وزاد فيه: "قالوا: يا نبي الله، حتى متى (¬9) هما يُعذبان؟ قال: غيبٌ لا يعلمهُ إلا الله" وتقدم لفظه في النميمة. ¬

(¬1) غنيين، يقال ثري القوم يثرون وأثروا: إذا كثروا وكثرت أموالهم. (¬2) فضرب كذا (ط وع ص 236 - 2)، وفي (ن د): فيضرب، والمعنى يرمى بمطرقة من نار. (¬3) تناثر منه شرر ولهب. (¬4) ارتفع صوته. (¬5) ولولا تمريج قلوبكم كذا (ط وع)، وفي (ن د): تمزع، ومعنى تمريج: ساد وخلط، وفيه كيف أنتم إذا مرج الدين: أي فسد وقلقت أسبابه، ومرجت عهودهم: أي اختلطت. أهـ نهاية، وتمزع: تقطع. (¬6) لقد أعطى الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم قوة السمع خاصة به ليدرك ما لم يدركه الإنس والجن فسمع صوت عذابهما ونوعه. (¬7) لا يتطهر، وفي المصباح استبرأ من البول، الأصل استبرأ ذكره من بقية بوله بالنثر والتحريك حتى يعلم أنه لم يبق فيه شيء، واستبرأت من البول: تنزهت عنه. أهـ. (¬8) قد جعل الله من يتعاطى الغيبة ويذكر إنساناً بما يكره، ولو كان فيه سواء أكان في بدنه كالقصر والحول والسواد أم في نسبه كابن حجام وابن مزين وابن كذا مثلاً أم في خلقه كالشره والطمع أم في دينه كالتهاون بالصلاة أو يشير بالرأس استهزاء أو بأي عضو تحقيراً كمن يأكل لحم أخيه الميت، ولاشك أن أكل لحم الإنسان أمر تعافه النفوس السليمة وتأباه الطباع الكريمة فضلاً عن كونه ميتاً، وكونه لحم أخ، ولذا قال تعالى: "فكرهتموه" من سورة الحجرات. أي فكرهتم أكل لحم الأخ الميت، وإذا كان ذلك كذلك فوجب عليكم أن تكرهوا الغيبة المشابهة له. (¬9) إلى أي زمن ينقطع العذاب.

[قال الحافظ]: وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة مشهورة في الصحاح، وغيرها عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وفي أكثرها أنهما يعذبان في النميمة والبول، والظاهر أنه اتفق مروره صلى الله عليه وسلم مرة بقبرين يعذب أحدهما في النميمة، والآخر في البول، ومرة أخرى بقبرين يعذب أحدهما في الغيبة، والآخر في البول، والله أعلم. 28 - وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الغيبةُ والنميمةُ يَحُتَّانِ (¬1) الإيمان كما يَعْضِدُ الراعي (¬2) الشجرة" رواه الأصبهاني. 29 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم (¬3) له، ولا متاع (¬4)، فقال: المفلس (¬5) من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفكَ دم هذا (¬6)، وضرب هذا، فَيُعْطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته (¬7) قَبْلَ أن يَقْضِيَ (¬8) ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فَطُرِحَتْ عليه، ثم طُرحَ في النار" رواه مسلم والترمذي وغيرهما. ¬

(¬1) أي ذكر الإنسان بما يكره والسعي بالفساد يزيلان الإيمان فتتساقط أوراق شجره المورقة، يقال حت الرجل الورق وغيره حتاً: أزاله من باب قتل. (¬2) يقطع البستاني، يقال عضدت الشجر أعضده عضداً من باب ضرب. (¬3) لا نقود. (¬4) لا ضيعة ولا أثاث. (¬5) الفقير المجرد من ملك شيء الذي يكثر العبادة في حياته، ولكن أرخى العنان للسانه فأرغى وأزبد، وكان التهم وردح وذم واغتاب وشتم فأحصى الله سيئاته حتى جاء يوم الحساب فاقتص منه وأخذت حسناته كلها جزاء سبه، قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" (18 - من سورة ق). (¬6) دم هذا كذا (د وع ص 236 - 2)، وفي (ن ط): دم ذاك، والله سبحانه وتعالى أعلم. (¬7) انتهت. (¬8) قيل أن يؤدي ما عليه من عقاب السب والغيبة فيتحمل أوزار من اغتابهم ويرمى في النار من جراء لسانه، ولسعيد المغربي لابنه: وامش الهوينى مظهراً عفة ... وابغ رضا الأعين عن هيئتك وانطق بحيث العي مستقبح ... واصمت بحيث الخير في سكتتك ولج على رزقك من بابه ... واقصد له ما عشت في بكرتك ووف كلاً حقه ولتكن ... تكسر عند الفخر من حدتك ولتجعل العقل محكماً وخذ ... كلاً بما يظهر في نقدتك =

30 - وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل لَيُؤتى كتابهُ منشوراً (¬1) فيقول: يا رب فأين حسناتُ (¬2) كذا وكذا عملتُها ليست في صحيفتي؟ فيقول: مُحِيتْ باغتيابك الناس (¬3) " رواه الأصبهاني. 31 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغيبةُ؟ قالوا: الله ورسولهُ أعلمُ. قال: ذكرك أخاك بما يكرهُ. قيل: أرأيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟ قال: إن كان فيه ما تقولُ فقد اغتبتهُ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّهُ (¬4) " رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة، وعن جماعة من الصحابة اكتفينا بهذا عن سائرها لضرورة البيان. 32 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ذكر امرأ بشيءٍ ليس فيه لِيَعِيبهُ (¬5) به حَبَسَهُ الله في نار جهنم حتى يأتي بنفادِ ما قال فيه (¬6) " رواه الطبراني بإسناد جيد. 33 - وفي رواية له: أيما رجلٍ أشاع (¬7) على رجلٍ مُسلمٍ بكلمةٍ وهو منها برئ (¬8) يَشِينُهُ بها (¬9) في الدنيا كان حقاً على الله أن يُذِيبَهُ (¬10) يوم القيامة في النار حتى يأتيَ بنفادِ ما قال". ¬

= ولا تضيع زمنا ممكناً ... تذكاره يذكى لظى حسرتك والشر مهما استطعت لا تأته ... فأنه حور على مهجتك (¬1) ظاهرة صفحاته متقدمة أمامه يراها. (¬2) غير مقيدة. (¬3) زالت بكثرة ذكر الناس بسوء. (¬4) ادعيت عليه ظلماً، وفي المصباح قذفته بالباطل وافتريت عليه بالكذب، والاسم البهتان، وفي الغريب "ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن" من سورة الممتحنة. قيل بل ذلك لكل فعل شنيع يتعاطينه باليد والرجل من تناول ما لا يجوز والمشي إلى ما يقبح (فبهت الذي كفر) أي دهش وتحير، وقد بهته، قال عز وجل: هذا بهتان عظيم: أي كذب يبهت سامعه لفظاعته. أهـ. (¬5) لينقصه. (¬6) يستمر عذابه حتى يحقق قوله الذي صدر منه كذباً وزوراً. (¬7) أظهر وأباح القول. (¬8) بعيد عن وصفها. (¬9) يذمه ويعيبه وينقصه. (¬10) يصهره حتى يسيل حتى يتحقق قوله، ولن يحصل، قال الله تعالى: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة =

34 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنه الله رَدْغَةَ الخَبَالِ (¬1) حتى يخرجَ مما قال" رواه أبو داود في حديث، والطبراني، وزاد: وليس بخارجٍ، والحاكم بنحوه، وقال: صحيح الإسناد. [ردغة الخبال]: هي عصارة أهل النار كذا جاء مفسراً مرفوعاً، وهو بفتح الراء وإسكان الدال المهملة، وبالغين المعجمة. [والخبال] بفتح الخاء المعجمة وبالموحدة. 35 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمسٌ ليس لَهُنَّ كفارةٌ (¬2) الشركُ بالله (¬3) وقتلُ النفسِ بغير حقٍ (¬4) وَبَهْتُ مُؤمنٍ (¬5) والفرارُ من الزحفِ (¬6) ويمينٌ صابرةٌ (¬7) يقتطعُ بها مالاً بغير حقٍ" رواه أحمد من طريق بقية، وهو قطعة من حديث. 36 - وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

= في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم" (19 - 21 من سورة النور). (¬1) عقاب الذي يتكلم في أعراض الناس أن يسقى عصارة النار الآتية من انصهار أجسام الفجار، وفي النهاية والخبال في الأصل الفساد، ويكون في الأفعال والأبدان والعقول، وبين يدي الساعة الخبل: أي الفتن المفسدة. (¬2) أي لا يمكن للإنسان أن يخفف عقابها بدفع شيء من ماله أو تحليلها أو فرار من عقابها الأليم. (¬3) أن يجعل الإنسان لله تعالى الواحد القهار شريكاً في أفعاله أو صفاته أو في ذاته. (¬4) إزهاق نفس بريئة لم تفعل جناية تستحق الإعدام. (¬5) تكذيب الموحد بالله تعالى والمصدق بوجوده المتحلي بحلل الإيمان والمقيم دعائم الإسلام والافتراء عليه بالأقوال الملفقة المطلية بطلاء الهزء والسخرية والنفاق والازدراء. (¬6) الهروب من صفوف المجاهدين في سبيل الله تعالى والجبن عند ملاقاة الأعداء والتنصل من الدفاع والالتجاء إلى الاختفاء وقت الهجوم والكفاح. (¬7) القسم بالله تعالى أو بصفاته باطلاً لضياع حق، وفي النهاية "من حلف على يمين صبر": أي ألزم بها وحبس عليها، وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم، وقيل لها مصبورة، وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور لأنه إنما صبر من أجلها: أي حبس فوصفت بالصبر وأضيفت إليه مجازاً. أهـ. قال تعالى: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم" (224 من سورة البقرة).

"مَنْ ذَبَّ (¬1) عن عِرْضِ أخيه بالغيبةِ كان حقاً على الله أن يُعتقهُ من النار" رواه أحمد بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا والطبراني وغيرهم. من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة 37 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رَدَّ (¬2) عن عِرْضِ أخيه رَدَّ الله عن وجههِ (¬3) النار يوم القيامة" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ، ولفظه قال: "من ذَبَّ عن عِرْضِ أخيه رَدَّ الله عنه عذابَ النار يوم القيامة، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَكانَ حَقاً عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنينَ) ". 38 - وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حَمَى (¬4) مؤمناً من مُنافقٍ (¬5) أراهُ قال: بعث الله (¬6) مَلَكاً يَحْمِي لحمهُ يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مُسلماً يريدُ به شَيْنَهُ (¬7) حَبَسَهُ (¬8) الله على جسرِ جهنم حتى يخرج مما قال" رواه أبو داود وابن أبي الدنيا. [قال الحافظ]: وسهل بن معاذ يأتي الكلام عليه، وقد أخرج هذا الحديث ابن يونس في تاريخ مصر من رواية عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب بإسناد مصري كما أخرجه أبو داود، وقال ابن يونس: ليس هذا الحديث فيما أعلم بمصر، ومراده أنه إنما وقع له من حديث الغرباء، والله أعلم. ¬

(¬1) دفع كلام السوء عن أخيه المسلم أبعده الله من جهنم، ففيه الحث على عدم سماع الغيبة والدفاع عن الغائب بالكلام الحسن الطيب ليكافئه الله بنعيم الجنة في الآخرة ويقيه عذاب النار، قال تعالى: "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" (40 من سورة الحج). (¬2) نهر القائل وردعه وزجره وأسكته عن باطله. (¬3) صد ومنع ووقاه عذاب جهنم جزاء دفاعه عن أخيه ابتغاء وجه الله الكريم. (أ) قال تعالى: "إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور" (37 من سورة الحج). (ب) وقال تعالى: "وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين" (171 من سورة آل عمران). (جـ) وقال تعالى: "ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين" (145 من سورة آل عمران). (¬4) حفظه وسلم سيرته من لسانه البذيء. (¬5) كذاب مخادع مذبذب، أراه أي أظنه. (¬6) أرسل. (¬7) عيبه ونقصه وفضيحته. (¬8) سجنه.

من نصر أخاه المسلم بالغيب نصره الله في الدنيا والآخرة 39 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حمى عِرْضَ أخيهِ في الدنيا بعث الله عز وجل ملكاً يوم القيامة يحميهِ عن النار" رواه ابن أبي الدنيا عن شيخ من أهل البصرة لم يسمه عنه، وأظن هذا الشيخ أبان بن أبي عياش وهو متروك كذا جاء مسمى في رواية غيره. 40 - ورويَ عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغْتِيبَ عنده أخوه المسلم فلم ينصرهُ، وهو يستطيعُ نصرهُ أدركهُ إثمه (¬1) في الدنيا والآخرة" رواه أبو الشيخ في كتاب التوبيخ، والأصبهاني أطول منه، ولفظه قال: "من اغتيب عنده أخوه، فاستطاع نصرته، فنصرهُ نصرهُ الله في الدنيا والآخرة، وإن لم ينصره أدركهُ الله في الدنيا والآخرة". 41 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "من نصر أخاه المسلم بالغيبِ نصرهُ الله في الدنيا والآخرة" رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. 42 - وعن جابر بن أبي طلحةَ الأنصاري رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئٍ مسلم يخذلُ (¬2) امْرَأ مُسلماً في موضع تُنتهكُ فيه حُرمتهُ، وَيُنتقصُ فيه من عرْضِهِ إلا خذلهُ الله في موطنٍ (¬3) يُحبُّ فيه نُصرتَهُ، وما من ¬

(¬1) أصابته ذنوب الغيبة، وحوسب على سماعه وعدم إزالة هذا الباطل، ونصره: الدفاع عنه ما استطاع أو عدم المكث في مجلس الغيبة، قال تعالى: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون" (68 - 70 من سورة الأنعام). أمر سبحانه وتعالى أن لا نجالس الذين يطعنون في القرآن بالتكذيب والاستهزاء، وكذا مجالس الغيبة تترك كي لا يلزم المتقين قبائح أعمال الفساق المغتابين (ولكن ذكرى) أي يذكرونهم بالمنع عن الخوض رجاء اجتناب ذلك حياءً أو كراهة، قال تعالى: "أبسلوا بما كسبوا" أي سلموا إلى العذاب بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائفة، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن يشرب المغتاب درغة الخبال وعبر عنها الله جل جلاله بقوله: لهم شراب من حميم. (¬2) يهزمه ولا يدافع عن عرضه. (¬3) أي الله جل جلاله يهزمه في كل أموره التي يريد قضاءها أو يتمنى نجاحها فكأن الذب عن سيرة أخيه =

امرئٍ مسلمٍ ينصرُ مسلماً في موضعٍ يُنتقصُ فيه من عِرْضِهِ، وينتهك فيه من حرمته ¬

_ = بما يكره سبب لنصر الله ومساعدته وعونه في دنياه وأخراه وسبب لإجابة الله الدعاء. والاستطالة في عرض المسلم سبب للخيبة والهزيمة والطرد من رحمة الله دنيا وأخرى، نسأل الله السلامة. نتائج ما تجره الغيبة على صاحبها كما قال صلى الله عليه وسلم: أولاً: يرتكب حراماً (وأربى الربا). ثانياً: فعل أكثر عقاباً من الربا. ثالثاً: استطعم لحم أخيه وأساغه. رابعاً: لم ينفع صومه. خامساً: كأنه أكل ما هو أنتن من الجيفة. سادساً: يعذب في النار بأكل النتن القذر ذي الرائحة الكريهة (بجب منتن). سابعاً: لا يغفر الله له حتى يعفو عنه المغتاب. ثامناً: ينال عقاب الله في قبره (صرخ صرخة). تاسعاً: تذهب أنوار إيمانه ويذهب إسلامه (يحتان الإيمان). عاشراً: يقابل الله بلا حسنة ومحمل بالخطايا (المفلس). الحادي عشر: يستمر عذابه في النار حتى يغير (يأتي بنفاد ما قال). الثاني عشر: يذوب جسمه حتى يحقق غيبته. الثالث عشر: يشرب شراب عرق أهل جهنم (ردغة الخبال). الرابع عشر: لا يجد لفعله فدية: أي كفارة. الخامس عشر: حبس على قنطرة جهنم مدة طويلة (على جسر). السادس عشر: لا ينصره الله ولا يساعده دنيا وأخرى. وفي الغريب: الغيبة أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب من غير احتياج إلى ذكره، قال تعالى: "ولا يغتب بعضكم بعضاً" من سورة الحجرات. وقال قتادة: ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من النميمة، وثلث من البول، وقال مالك بن دينار: مر عيسى عليه السلام ومعه الحواريون بجيفة كلب، فقال الحواريون ما أنتن ريح هذا الكلب! فقال عليه الصلاة والسلام ما أشد بياض أسنانه، كأنه صلى الله عليه وسلم نبههم عن غيبة الكلب، ونبههم على مدحه. وقال عمر رضي الله عنه: عليكم بذكر الله تعالى فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس، فإنه داء، نسأل الله حسن التوفيق لطاعته. معنى الغيبة وحدودها عند الإمام الغزالي رحمه الله: اعلم أن حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكره لو بلغه سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو في خلقه أو في فعله أو في قوله أو دينه أو في دنياه حتى في ثوبه وداره ودابته. أما البدن فكذكرك العمش والحول والقرع والقصر والطول والسواد والصفرة وجميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه كيفما كان، وأما النسب فأن تقول أبوه نبطي أو هندي أو فاسق أو خسيس أو إسكاف أو زبال أو شيء مما يكرهه كيفما كان. وأما الخلق فبأن تقول هو سيء الخلق بخيل متكبر مراء شديد الغضب جبان عاجز ضعيف القلب متهور، وما يجري مجراه، وأما في أفعاله المتعلقة بالدين فكقولك هو سارق أو كذاب أو شارب خمر أو خائن أو ظالم أو متهاون =

إلا نصرهُ الله في موطنٍ يُحبُّ فيه نُصرَتَهُ" رواه أبو داود، وابن أبي الدنيا وغيرهما، واختلف في إسناده. ¬

_ = بالصلاة أو الزكاة أو لا يحسن الركوع أو السجود أو لا يحترز من النجاسات أو ليس باراً بوالديه أو لا يضع الزكاة موضعها أو لا يحسن قسمتها أو لا يحرس صومه عن الرفث والغيبة والتعرض لأعراض الناس. وأما فعله المتعلق بالدنيا فكقولك إنه قليل الأدب متهاون بالناس أو لا يرى لأحد على نفسه حقاً أو يرى لنفسه الحق على الناس أو أنه كثير الكلام كثير الأكل نئوم ينام في غير وقت النوم ويجلس في غير موضعه. وأما في ثوبه فكقولك إنه واسع الكم طويل الذيل وسخ الثياب، وقال قوم: لا غيبة في الدين، لأنه ذم ما ذمه الله تعالى فذكره بالمعاصي وذمه بها يجوز بدليل ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له امرأة، وكثرة صلاحها وصومها، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال: هي في النار. رواه ابن حبان والحاكم وقال الحسن: ذكر الغير ثلاثة: الغيبة، والبهتان، والإفك، وكل في كتاب الله عز وجل، فالغيبة أن تقول ما فيه، والبهتان أن تقول ما ليس فيه، والإفك أن تقول ما بلغك. أهـ. وقال في بيان أن الغيبة لا تقتصر على اللسان فالتعريض به كالتصريح والفعل فيه كالقول والإشارة والإيماء والغمز واللمز والكتابة والحركة، وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام، وفي بيان الأسباب الباعثة على الغيبة: 1 - أن يشفي الغيظ. 2 - موافقة الأقران، ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم على الكلام. 3 - أن يستشعر من إنسان أنه سيقصده ويطول لسانه عليه أو يقبح حاله عند محتشم أو يشهد عليه بشهادة. 4 - أن ينسب إلى شيء فيريد أن يتبرأ منه فيذكر الذي فعله. 5 - إرادة التصنع والمباهاة. 6 - الحسد فيريد زوال نعمة من هو أحسن منه. 7 - اللعب والهزل والمطايبة وتزجية الوقت بالضحك فيذكر عيوب غيره بما يضحك الناس على سبيل المحاكاة، ومنشؤه التكبر والعجب. 8 - السخرية والاستهزاء استحقاراً له. أهـ ص 128 جـ 3. الأعذار المرخصة في الغيبة: أولاً: التظلم فللمظلوم أن يتظلم إلى السلطان وينسب القاضي إلى الظلم، تعدى في حكمه وجانب الصواب. ثانياً: الاستعانة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى منهج الصلاح. ثالثاً: الاستفتاء كما يقول للمفتي ظلمني فلان، وقد روي عن هند بنت عتبة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان رجل شحيح، فقال صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك. رابعاً: تحذير المسلم من الشر كالنصح إلى من يذهب إلى مبتدع أو فاسق. خامساً: أن يكون الإنسان معروفاً بلقب يعرب عن عيبه كالأعرج والأعمش فلا إثم على من يقول. سادساً: أن يكون مجاهراً بالفسق كالمخنث وصاحب الماخور والمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس بحيث لا يستنكف من أن يذكر له، ولا يكره أن يذكر به، وذكر الغزالي في بيان كفارة الغيبة: اعلم أن الواجب على المغتاب أن يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ليخرج به من حق الله سبحانه وتعالى، ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج من مظلمته. أهـ ص 133 جـ 3. =

الترغيب في الصمت إلا عن خير والترهيب من كثرة الكلام

الترغيب في الصمت إلا عن خير، والترهيب من كثرة الكلام 1 - عن أبي موسى رضي الله عنه قال: "قلتُ: يا رسول الله أيُّ المسلمين ¬

_ = النهي عن السخرية من الخلق والتنابز بالألقاب والغيبة: (أ) قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم" (11 - 12 من سورة الحجرات). (ب) وقال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد" (18 - 20 من سورة ق). (جـ) وقال تعالى: "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين" (24 - 25 من سورة النور). (د) وقال تعالى: "فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس ما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير" (14 - 20 من سورة المؤمن). فيه أمر بإخلاص العبادة والطاعة له وحده والعمل بأوامره واجتناب نواهيه لأن الروحانيات مسخرات لأمره سبحانه بإظهار آثارها، وهي الوحي وتمهيد النبوة، وتخرج الناس من قبورهم (كاظمين): ساكتين على الغم (حميم): قريب مشفق، والله تعالى يعلم النظرة الخائنة كالنظرة الثانية إلى غير المحرم، واستراق النظر إليه، أو خيانة الأعين، ويعلم سبحانه ما في الضمائر، وكذا الغيبة ويحاسب عليها عز شأنه هو المالك الحاكم على الإطلاق، فلا يقضى بشيء إلا وهو حقه، فاجتهد أخي أن تجتنب ذكر الناس بما يكرهون. (هـ) وقال تعالى: "واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" (194 - 195 من سورة البقرة). (و) وقال تعالى في صفات الصالحين: "وإذا مروا باللغو مروا كراماً" (72 من سورة الفرقان). "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين" (55 من سورة القصص). (ز) وقال تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً" (36 من سورة الإسراء). أي لا تتبع ما لم يتعلق به علمك تقليداً أو رجماً بالغيب، قيل إنه مخصوص بالعقائد، وقيل بالرمي وشهادة الزور، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام "من قفا مؤمناً بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج". =

أفضل (¬1)؟ قال: مَنْ سَلِمَ (¬2) المسلمون من لسانه ويده" رواه البخاري ومسلم والنسائي. 2 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم (¬3) من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده ¬

= وقول الكميت: ولا أرمين البرئ بغير ذنب ... ولا أقفو الحواصن إن قفينا كل هذه الأعضاء أجراها مجرى العقلاء لما كانت مسئولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها، وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية. أهـ بيضاوي، قال الشاعر: أنى يكون أخي أو ذا محافظة ... من كنت في غيبه مستشعراً وجلا إذا تغيب لم تبرح تظن به ... سوءاً وتسأل عما قال أو فعلا واحذر سموماً في الاغتياب فلن ترى ... في الخلق مغتاباً صحيح أديم دار السفيه ولا تمار تكرماً ... يرجو بأنف راغم مهشوم وقال آخر: كم سيد متفضل قد سبه ... من لا يساوي طعنة في نعله وإذا استغاب أخو الجهالة عالماً ... كان الدليل على غزارة جهله أهل المظالم لا تكن تبلى بهم ... فالمرء يحصد زرعه من حقله أرأيت عصفوراً يحارب باشقاً ... إلا لخفته وقلة عقله واحرص على التقوى وكن متأدباً ... وارغب عن القول القبيح وبطله واستصحب العلم الشريف تجارة ... واعمل بمفروض الكتاب ونفله إياك زور القول تلقى إثمه ... والزور شاهده يبوء بذله وإذا خدمت لحاكم فاصبر على ... أخلاقه واشكر سياسة عدله لا تعصه وتخنه واحفظ سره ... وعليك في صدق الكلام ونقله واجف الدنيء وإن تقرب إنه ... يؤذيك كالكلب العقور لأهله واحذر معاشرة السفيه فإنه ... يؤذي العشير بجمعه وبشكله واحبس لسانك عن رديء مقالة ... وتوق من عثر اللسان وزله وقال آخر: إن شر الناس من يكشر لي ... حين يلقاني وإن غبت شتم وكلام سيء قد وقرت ... أذني عنه وما بي من صمم ولبعض الصفح والإعراض عن ... ذي الخنا أبقى وإن كان ظلم ولا تسخرن من بائس ذي ضرارة ... ولا تحسبن المال للمرء مخلدا (¬1) أكثر درجة عند الله جل وعلا. (¬2) نجا. (¬3) أي الكامل في الرجولية ليكون كاملاً في دينه. قال الخطابي: المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوقه تعالى أداء حقوق المسلمين. أهـ. أو علامة المسلم التي يستدل بها على إسلامه، وهي سلامة المسلمين من لسانه ويده، أو إشارة إلى الحث على حسن معاملة العبد مع ربه، لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فأولى أن يحسن معاملة ربه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، والمسلمات يدخلن في ذلك، وخص اللسان بالذكر، لأنه المعبر عما في النفس، وكذا اليد لأن أكثر الأفعال بها، ويستثنى من ذلك شرعاً تعاطي الضرب باليد في إقامة الحدود والتعازير على المستحق لذلك. =

والمهاجرُ (¬1) من هجر ما نهى الله عنه" رواه البخاري ومسلم. 3 - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ يا رسول اله: أي الأعمال أفضلُ؟ قال: الصلاة على ميقاتها (¬2). قلتُ ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: أن يَسْلَمَ الناسُ من لسانك (¬3) " رواه الطبراني بإسناد صحيح، وصدرُه في الصحيحين. 4 - وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: "جاء أعرابيٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله عَلِّمْنِي عملاً يُدخلني الجنة؟ قال: إن كنت أقْصَرْتَ الخطبة (¬4) لقد أعْرَضْتَ المسألة (¬5): أعْتِقِ النَّسَمَةَ (¬6)، وَفُكَّ الرَّقَبةَ (¬7)، فإن لم تُطِقْ ذلك، فأطعم الجائع، وَاسْقِ الظَّمْآنَ، وأْمُرْ بالمعروفِ (¬8)، وَانْهَ عن المنكرِ، فإن لم تُطقْ ذلك، فَكُفَّ لسانك إلا عن خيرٍ (¬9) " مختصر رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي، وتقدم بتمامه في العتق. ¬

= وفي التعبير باللسان دون القول نكتة فيدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء، وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نكتة فيدخل فيها اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير حق. (فائدة): فيه من أنواع البديع تجنيس الاشتقاق، وهو كثير. أهـ فتح ص 41 جـ 1. (¬1) التارك. قال في الفتح: وهذه الهجرة ضربان: ظاهرة وباطنة. فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء والشيطان. والظاهرة الفرار بالدين من الفتن. أهـ: أي حقيقة الهجرة الآن تحصل لمن هجر ما نهى الله عنه مع اتباع أوامره. (¬2) تأدية الصلاة كاملة تامة حائزة الشروط في الصحة والأركان في أوقاتها. (¬3) أن تحفظ لسانك من أذى الناس. (¬4) أي إن كنت أفصحت عن غرضك باختصار وبلاغة تعبير وحسن بيان. (¬5) لقد أجدت في إظهار طلبك وأحسنت بياناً. (¬6) النسمة: النفس والروح: أي أعتق ذا روح وكل دابة فيها روح فهي نسمة، وإنما يريد الناس: ومنه حديث علي: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة": أي خلق ذات الروح. أهـ، أي ارحم وارأف. (¬7) أطلقها من الأسر وأزال أغلال حبسها ومدها بالحرية ونعمة الحياة الرغدة، قال تعالى: "فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة" (11 - 16 من سورة البلد). أي فلم يعمل في حياته ما يساعده على اجتياز منطقة الأهوال بإزالة أسر النفس الذليلة، وقد قال عمر: متى تعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحراراً. (¬8) انصح وأرشد إلى سبل الخير وامنع الناس عن ارتكاب المعاصي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. (¬9) احذر النطق إلا في البر وفعل الخير والثناء والشكر.

طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته 5 - وعن عُقبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قُلتُ يا رسول الله: ما النجاةُ؟ قال: أمْسِكْ عليك لسانك، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ على خطيئتك" رواه أبو داود والترمذي وابن أبي الدنيا في العزلة، وفي الصمت والبيهقي في كتاب الزهد وغيره، كلهم من طريق عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عنه، وقال الترمذي: حديث غريب. 6 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طُوبى (¬1) لمن مَلَكَ لسانهُ، وَوَسِعَهُ بيتهُ، وبكى على خطيئته (¬2) " رواه الطبراني في الأوسط والصغير وحسن إسناده. 7 - ورويَ عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله (¬3)، واليوم الآخر، وَيَشْهَدُ أني رسول الله، فَلْيَسَعْهُ بيتهُ (¬4)، وَلْيَبْكِ على خطيئته، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً لِيَغْنَمَ (¬5)، وَلْيَسَكُتْ عن شَرٍ فَيَسْلَمَ" رواه الطبراني والبيهقي في الزهد. 8 - وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يضمنُ لي (¬6) ما بين لَحْيَيْهِ (¬7)، وما بين رجليه (¬8) ¬

(¬1) قال العلقمي لفظ النهاية: طوبى اسم الجنة، وقيل هي شجرة فيها، وأصلها فُعلى من الطيب فلما ضُمت الطاء انقلبت الياء واوا، والمراد بها هنا فعلى من الطيب، لا الجنة ولا الشجرة. أهـ. وفي بعض الأحاديث تطلق، ويراد بها الجنة أو الشجرة التي فيها. وقال المناوي: طوبى تأنيث أطيب: أي راحة وطيب عيش حاصل. أهـ جامع صغير. والمعنى نعيم دائم وسعادة لمن حفظ لسانه من فحش القول ولزم داره معتكفاً عن الفتن وشرور الناس، وندم على تقصيره في طاعة الله وتاب إلى الله جل وعلا وأكثر من الصالحات. (¬2) ندم على ما اقترف من الذنوب وعمل خير. (¬3) يصدق بوجود الله وأنه سيحاسب يوم القيامة. (¬4) فليجتنب مخالطة الأشرار، وليتباعد عن السفهاء ويلازم منزله إذا رأى التفريط في حقوق الله وبدا المنكر في المجتمع. (¬5) ليحصل على ثمرة مرجوة. (¬6) يقدم ثقة وكفالة تامة. (¬7) اللسان، فلا يقول ما يغضب الرحمن. (¬8) الفرج فلا يفعل فاحشة.

أضمنُ (¬1) له الجنة" رواه البخاري والترمذي. من حفظ لسانه ستر الله عورته 9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وَقَاهُ الله شر ما بين لَحْيَيْهِ، وشر ما بين رجليه دخل الجنة (¬2) " رواه الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه، ورواه ابن أبي الدنيا إلا أنه قال: من حفظ ما بين لحييه. 10 - وعن أبي جُحيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّ الأعمال أحَبُّ إلى الله عز وجل؟ قال: فسكتوا، فلم يُجِبْهُ أحدٌ، قال: هو حفظُ اللسان (¬3) " رواه أبو الشيخ بن حبان والبيهقي، وفي إسناده من لا يحضرني الآن حاله. 11 - ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دفع غضبهُ (¬4) دفع الله عنه عذابهُ، ومن حفظَ لسانه ستر الله عورته" رواه الطبراني في الأوسط، وأبو يعلى، ولفظه قال: "من خَزَنَ لسانهُ (¬5) ستر الله عورته، ومن كَفَّ غضبهُ كَفَّ الله عنه عذابه، ومن اعتذر إلى الله قَبِلَ الله عُذرهُ" ورواه البيهقي مرفوعاً على أنس، ولعله الصواب. ¬

(¬1) اضمن كذا (ط وع ص 239 - 2)، وفي (ط د): ضمنت، وفي الجامع الصغير من الضمان بمعنى الوفاء بترك المعصية فأطلق الضمان وأراد لازمه، وهو أداء الحق الذي عليه، فالمعنى من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه أو الصمت عما لا يعنيه وأدى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن الحرام. وقال الداودي: المراد بما بين اللحيين الفم. قال فيتناول الأقوال والأكل والشرب وسائر ما يتأتى من الفم من الفعل. قال: ومن تحفظ في ذلك أمن من الشر كله، لأنه لم يبق إلا السمع والبصر كذا قال، وخفي عليه أنه بقي البطش باليدين، وإنما يحمل الحديث على أن النطق باللسان أصل في حصول كل مطلوب؛ فإذا لم ينطق إلا في خير سلم. وقال ابن بطال: دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدين لسانه وفرجه فمن وقى شرهما، وقى أعظم الشر. أهـ. (¬2) تمتع بها بلا عذاب سابق. (¬3) الله تعالى يحب من لا ينطق إلا فيما يرضى الله جل وعلا ويبتعد عن بذيء القول ورديئه. (¬4) منع الحمق وأذهب الغيظ. (¬5) صانه عن قول السخط والشتم.

من حفظ ما بين فقميه وفرجه دخل الجنة 12 - وروى الطبراني في الصغير والأوسط عنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَبْلُغُ العبدُ حقيقةَ الإيمان حتى يَخْزُنَ من لسانه". 13 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "والذي لا إله غيرهُ ما على ظهر الأرض (¬1) من شيء أحوج إلى طول سجنٍ (¬2) من لسانٍ" رواه الطبراني موقوفاً بإسناد صحيح. 14 - وعن عطاء بن يسارٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وقاهُ الله شر اثنين وَلِجَ الجنة (¬3)، فقال رجلٌ: يا رسول الله ألا تُخبرنا؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالتهُ، فقال الرجلُ: ألا تُخبرنا يا رسول الله؟ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أيضاً، ثم ذهب الرجلُ يقول مثل مقالته، فأسْكَتَهُ رجلٌ إلى جنبهِ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة: ما بين لَحْيَيْهِ، وما بين رجليه (¬4) " رواه مالك مرسلاً هكذا. [ولج]: أي دخل الجنة. 15 - وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حفظ ما بين فقميه وفرجهُ دخل الجنة" رواه أحمد والطبراني، وأبو يعلى، واللفظ له ورواته ثقات. 16 - وفي رواية للطبراني: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أحدثك بثنتين من فعلهما دخل الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: يحفظُ الرجلُ ما بين فقميه، وما بين رجليه، والمراد بما بين فقميه: هو اللسان، وبما بين رجليه: هو الفرج". ¬

(¬1) ظهر الأرض كذا (ط وع) من شيء أحوج ص 240 - 2، وفي (ن د): وجه الأرض. (¬2) حبسه وعدم استرساله في الكلام. (¬3) دخل. (¬4) ما بين لحييه وما بين رجليه ذكرت في (ع) مرة واحدة، وفي (ن ط) مرتين، وفي (ن د) ثلاث مرات.

[والفقمان]: بفتح الفاء وسكون القاف: هو اللَّحيان. من حفظ ما بين فقميه وفخذيه دخل الجنة 17 - وعن أبي رافعٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حفظ ما بين فقميه وفخذيه دخل الجنة" رواه الطبراني بإسناد جيد. 18 - وعن ركبٍ المصري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن عمل بعلمهِ وأنفقَ الفضلَ (¬1) من مالهِ، وأمسك الفضلَ (¬2) من قولهِ" رواه الطبراني في حديث يأتي في التواضع إن شاء الله. 19 - وعن سُفَيْنٍ بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: "قلتُ: يا رسول الله حدثني بأمرٍ أعتصمُ (¬3) به؟ قال: قُلْ ربي الله (¬4) ثم استقم. قال: قلتُ: يا رسول الله ما أخوفُ ما تخافُ عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه (¬5)، ثم قال: هذا" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 20 - وعنه رضي الله عنه قال: "قلتُ: يا رسول الله أيُّ شيء أتقى؟ فأشارَ بيده إلى لسانه" رواه أبو الشيخ ابن حبان في الثواب بإسناد جيد. 21 - وعن الحارث بن هشامٍ رضي الله عنه: "أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بأمرٍ أعتصم به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمْلِكْ هذا، وأشار إلى لسانه" رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد. 22 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيمُ إيمانُ (¬6) عبدٍ حتى يستقيم قلبهُ (¬7)، ولا يستقيم قلبهُ حتى يستقيم لسانهُ (¬8)، ولا يدخلُ الجنة رجلٌ لا يأمنُ جارهُ بوائقه (¬9) " رواه أحمد وابن أبي الدنيا في الصمت ¬

(¬1) الزائد عن حاجات أهله، ومن تلزمه نفقته. (¬2) حبس الزائد من القول بلا فائدة، بمعنى أنه لا يتكلم إلا فيما يفيد. (¬3) أتحصن باتباعه. (¬4) آمن بالله وحده واعمل بشريعة حبيبه، ثم تحر طرق الاستقامة ونور قلبك بهديه لتنجح. (¬5) أي الذي أخشاه انزلاق لسانك، واندفاعه في اللغو والباطل والسب والغيبة. (¬6) هدايته وإصلاحه. (¬7) فؤاده الذي يعقل به ويرشده إلى الصالحات. (¬8) يقول الحق دائماً ويتجنب السوء. (¬9) معاصيه وفواحشه ودواهيه المهلكات.

كلاهما من رواية علي بن مسعدة الباهلي عن قتادة عنه. 23 - وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأصبحتُ يوماً قريباً منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنة، ويُباعدني عن النار؟ قال: لقد سألت عن عظيمٍ، وإنه لِيَسيرٌ (¬1) على من يَسَّرَهُ الله عليه (¬2): تعبدُ الله، ولا تُشركُ به شيئاً، وتُقيمُ الصلاة، وتُؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيتَ، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ قلتُ: بلى يا رسول الله. قال: الصوم جُنَّةٌ (¬3)، والصدقةُ تُطفئ الخطيئة (¬4) كما يُطفئ الماء النار، وصلاةُ الرجلِ في جوف الليل شعارُ الصالحين، ثم تلا قوله: "تَتَجَافَى (¬5) جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ" حتى بلغ يَعْمَلُون، ثم قال: ألا أخبركَ برأس الأمر (¬6)، وعموده (¬7)، وذروة سنامه (¬8)؟ قلتُ: بلى يا رسول الله. قال: رأسُ الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاةُ، وذروة سنامه: الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بِمِلاَكِ ذلك كُلِّهِ. قلتُ: بلى يا رسول الله. قال: كُفَّ (¬9) عليك هذا، وأشار إلى لسانه. قلتُ: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلمُ به؟ قال: ثكلتك أمك (¬10)، وهل يَكُبُّ الناس (¬11) في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم: إلا حصائدُ ألسنتهم (¬12) " رواه أحمد والترمذي والنسائي ¬

(¬1) لسهل. (¬2) وفقه وألهمه الصواب والحكمة. (¬3) وقاية يتحصن بها من المعاصي ويتدرع بها من ارتكاب الذنوب. (¬4) تزيل شعلتها وتخفف حدتها. (¬5) تترك. تمامها "يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون". (¬6) أوله. (¬7) قوامه وعماده ودعامته. (¬8) أعلاه وأرقى جزء فيه. (¬9) احفظه. (¬10) فقدتك وصارت ثكلى إذ فقدت وحيدها. (¬11) يقلب ويرمي. (¬12) أي ما يقتطعونه من الكلام الذي لا خير فيه، مفردها حصيدة تشبيهاً بما يحصد من الزرع، وتشبيهاً للسان وما يقتطعه من القول بحد المنجل الذي يحصد به. أهـ. استغراب منه صلى الله عليه وسلم على هذا السؤال إذ اللسان سبب كل عذاب. يريد صلى الله عليه وسلم: (أ) توحيد الله جل وعلا في العبادة والطاعة. (ب) أداء الصلوات في أوقاتها. (جـ) الإنفاق في الخير وأداء الحقوق المالية والجسمية (صدقة تطهرهم). (د) صيام رمضان. =

وابن ماجة كلهم من رواية أبي وائل عن معاذ، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. [قال الحافظ]: وأبووائل أدرك معاذاً بالسن، وفي سماعه عندي نظر، وكان أبو وائل بالكوفة، ومعاذ بالشام، والله أعلم. قال الدارقطني: هذا الحديث معروف من رواية شهر بن حوشب عن معاذ، وهو أشبه بالصواب على اختلاف علمه فيه كذا قال: وشهر مع ما قيل فيه لم يسمع معاذاً، ورواه البيهقي وغيره عن ميمون بن أبي شيبة عن معاذ، وميمون هذا كوفي ثقة ما أراه سمع من معاذ بل ولا أدركه، فإن أبا داود قال لم يدرك ميمون بن أبي شيبة عائشة، وعائشة تأخرت بعد معاذ من نحو ثلاثين سنة، وقال عمرو بن علي: كان يحدث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس عندنا في شيء منه يقول: سمعت ولم أخبر أن أحداً يزعم أنه سمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. 24 - ورواه الطبراني مختصراً قال: "قلتُ: يا رسول الله أكُلُّ ما نتكلمُ به يُكْتَبُ علينا (¬1)؟ قال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس (¬2) على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم، إنك لن تزال سالماً ما سَكَتَّ (¬3)، فإذا تكلمت كُتبَ لك أو عليك (¬4) ". 25 - ورواه أحمد وغيره عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن ¬

= (هـ) الحج، تلك أركان الإسلام الخمسة المشهورة؛ ثم بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم فائدة الصوم: الهداية إلى الصراط المستقيم؛ والتباعد عن العصيان، والتحصن من الذنوب كما أن الصدقة تمحو أدران الخطايا وتنظف الصحائف وتجعلها نقية طاهرة بيضاء ناصعة، ومن أسلم فاز وأفلح وأدرك الخير كله، ودعامة البر الصلاة، وأشرف الأعمال الصالحة الدفاع عن دين الله ونصره والذب عنه، وثمرة ما تقدم طيب القول وحلو الحديث. أ - قال تعالى: "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه" (من سورة الزمر). ب - "ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها" (من سورة إبراهيم). (¬1) أي أجميع الذي ننطق به يحسب علينا ونثاب أو نعاقب. (¬2) يقلب على الرأس، من كببت الإناء كباً، وكببته: ألقيته على وجهه. (أ) قال تعالى: "فكبت وجوههم في النار" (من سورة النحل). (ب) "أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراطٍ مستقيم" (22 من سورة تبارك). (¬3) مدة سكوتك وعدم نطقك. (¬4) تعطى الثواب أو تنال العقاب.

عبد الرحمن بن غنم أن معاذاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ فقال: الصلاة (¬1) بعد الصلاة المفروضة. قال: لا وَنِعِمَّا هِيَ. قال: الصوم (¬2) بعد صيام رمضان. قال: لا وَنِعِمَّا هيَ. قال: فالصدقةُ بعد الصدقةِ المفروضة (¬3)، قال: لا وَنِعِمَّا هي. قال: يا رسول الله أيُّ الأعمال أفضلُ؟ قال: فَأَخْرَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانهُ، ثم وضع إصبعهُ عليه، فاسترجع (¬4) معاذٌ، فقال يا رسول اله أنُؤاخذُ بما نقولُ كُلِّهِ، وَيُكْتَبُ علينا؟ قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْكِبَ (¬5) مُعاذٍ مراراً، فقال له: ثكلتك أمك يا معاذ بن جبلٍ وهل يَكُبُّ الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم". 26 - وعن أسودَ بن أصْرَمَ رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله أوصني قال: تَمْلِكُ يَدَكَ (¬6). قلتُ: فماذا أمْلِكُ إذا لم أملكْ يدي؟ قال: تَمْلِكُ لسانك. قلت: فماذا أملكُ إذا لم أملك لساني؟ قال: لا تَبْسُطْ يدك إلا إلى خيرٍ، ولا تقل بلسانك إلا معروفاً (¬7) " رواه ابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد حسن والبيهقي. 27 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: "دخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله إلى أن قال: قلت يا رسول الله أوصني. قال: أوصيك بتقوى (¬8) الله، فإنها زَيْنٌ لأمرِكَ كُلِّهِ. قلت: يا رسول الله زدني قال: عليك بتلاوة القرآن (¬9) وذكر الله عز وجل (¬10)، فإنه ذِكْرٌ لك في السماء، ونُورٌ لك في الأرض. قلت: ¬

(¬1) النوافل والركعات المسنونة والتهجد. (¬2) التطوع في صوم النفل كصوم يومي الاثنين، والخميس، والأيام الفضيلة المحبوبة كتاسوعاء وعاشوراء. (¬3) الإنفاق في وجوه البر والإحسان إلى الناس. (¬4) قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. استلام لفعل الله جل وعلا وشعور خوفه. (¬5) مجتمع رأس العضد والكتف، لأنه يعتمد عليه. (¬6) لا تؤذي أحداً بيدك. (¬7) قولاً حسناً وكلاماً طيباً، يريد صلى الله عليه وسلم إلى ما يزيد الثواب: نوافل الصلاة والصوم والصدقات ويحذر من إرخاء العنان للسان، قال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" (17 من سورة ق). (¬8) اتباع أوامره واجتناب مناهيه. (¬9) قراءته وترتيله. (¬10) تسبيح الله وتحميده وتكبيره، والاستغفار والصلاة على النبي المختار.

يا رسول الله زدني، قال: عليك بطول الصمت (¬1)، فإنه مَطَردَةٌ للشيطان، وعونٌ لك على أمر دينك. قلت: زدني. قال: وإياك وكثرة الضحك، فإنه يميتُ القلب (¬2)، ويذهبُ بنور الوجه. قلتُ: زدني، قال: قل الحق (¬3)، وإن كان مُراً. قلت: زدني، قال: لا تخف في الله لومة لائمٍ (¬4). قلتُ: زدني. قال: لِيَحْجُزْكَ (¬5) عن الناس ما تعلم من نفسك" رواه أحمد والطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم، واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد، وقد أملينا قطعة من هذا الحديث أطول من هذه بلفظ ابن حبان في الترهيب من الظلم، وفيها حكاية عن صحف إبراهيم عليه السلام. 28 - وعلى العاقلِ أن يكون بصيراً بزمانه (¬6)، مُقبلاً على شانهِ (¬7) حافظاً للسانه (¬8)، ومن حَسِبَ كَلاَمَهُ (¬9) من عمله قَلَّ كلامهُ إلا فيما يعنيه (¬10). الحديث. ¬

(¬1) السكوت والرزانة والتؤدة والتروي في النطق. (¬2) يبعده عن الاتعاظ فلا يتأثر، ويجعله جامداً قاسياً لا يعمل صالحاً ولا يرتدع عن منكر ولا ينزجر عن قبيح. (¬3) الموافق للصواب والعدل. (¬4) عتب عاتب أو عقاب جبار خاسر. (¬5) ليمنعك عن غيبة الناس وأذاهم الذي تعلمه من تقصيرك وعدم تكميلك وأنك في حاجة إلى تكميل وطاعة وصحة. يشير صلى الله عليه وسلم إلى: أ - ... خشية الله في جميع الأحوال. ب - ... قراءة القرآن وذكر الله عز وجل. جـ - ... اعتقال اللسان وحبسه إلا في القول الحميد. د - ... تجنب الهزء والسخرية والازدراء. هـ - ... قول الحق وحبه ونصره. و- ... العمل لوجه الله وحده وعدم الخوف إلا منه جل وعلا. ز - ... الإقبال على تجميل النفس بالاستزادة في الطاعات وعدم العيب والتحلي بمكارم الأخلاق وترك الغيبة والنميمة، وفي النهاية احتجز الرجل بالإزار: إذا شده على وسطه فاستعاره للاعتصام والالتجاء والتمسك بالشيء والتعلق به، ومنه حديث "والنبي آخذ بحجزة الله" أي بسبب منه. ليحجزك كذا (د وع ص 242 - 2)، وفي (ن ط): ليحجز. (¬6) أي يعد وقته قصيراً قليلاً، فلا يضيعه في لهو ولعب ومزاح، ويجد في عمله، ويكثر من الصالحات. (¬7) موجهاً همته لإصلاح حاله. (¬8) ضابطاً لسانه عن الشر. (¬9) عد أقواله محسوبة عليه. (¬10) يهمه أمره ويفيد ويقدمه ويرقيه، فإن الثرثرة لا تجلب إلا مقتاً وضياعاً والله تعالى يكره الثرثارون المتفيهقون، ولعمر بن الوردي رحمه الله: زيادة القول تحكي النقص في العمل ... ومنطق المرء قد يهديه للزلل إن اللسان صغير جرمه وله ... حرم عظيم كما قد قيل في المثل

29 - وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني قال: عليك بتقوى الله (¬1)، فإنها جماعُ كل خيرٍ، وعليك بالجهاد في سبيل الله، فإنها رهبانية المسلمين (¬2)، وعليك بذكر الله (¬3) وتلاوة كتابه، فإنه نورٌ لك (¬4) في الأرض، وذكرٌ لك (¬5) في السماء، واخْزُنْ لسانك (¬6) إلا من خيرٍ، فإنك بذلك تغلبُ الشيطان (¬7) " رواه الطبراني في الصغير وأبو الشيخ في الثواب كلاهما من رواية ليث بن أبي سليم، ورواه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ أيضاً مرفوعاً عليه مختصراً. 30 - وعن معاذٍ رضي الله عنه قال: "يا رسول الله أوصني. قال: اعْبُدِ الله كأنك تراه (¬8)، واعْدُدْ نفسك في الموتى (¬9)، وإن شئت أنبأتُكَ بما هو أمْلَكُ بك من هذا كُلِّهِ؟ قال: هذا، وأشار بيده إلى لسانه" رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد. 31 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "لقيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذرٍ ¬

(¬1) في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك بعض المباحات لما روي "الحلال بين والحرام بين ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه". قال الله تعالى: "فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (35 من سورة الأعراف). "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون" (128 من سورة النحل). "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا" (من سورة الزمر). "واتقوا الله حق تقاته" (من سورة آل عمران). يقال اتقى فلان بكذا: إذا جعله وقاية لنفسه. أهـ غريب. (¬2) غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة. والرهبة والرهب: مخافة مع تحفظ. والمعنى الدفاع عن دين الله ونصره، وجهاد الأعداء زيادة قربان من الله تعالى للمسلمين ويدل على شدة خوفهم منه جل وعلا. (¬3) تسبيحه وطاعته والإكثار من قراءة قرآنه. (¬4) هداية ونبراس يضيء لك سبل السعادة والاستقامة. (¬5) تصعد سيرتك الطاهرة وتظهر على ألسنة الملائكة المقربين الأبرار ويدعون لك بالمغفرة والرضوان. (¬6) احفظ، يقل خزن يخزن السر، من باب قتل: كتمه. (¬7) تكسر حدة الشرور وتخزيه وتبعده من الإفساد. (¬8) أي قف بذلة وخشوع وتصور أمامك ذا الجلال والإكرام الرب القادر القهار. (¬9) انتهز جودك في الدنيا، واعمل صالحاً، وأقلل من الآمال الكاذبة فإنك لا محالة ميت، ودليل قبولك حفظ لسانك عن كل باطل وسوء.

فقال: يا أبا ذرٍ ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان (¬1) على الظهر وأثقلُ في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: عليك بِحُسْنِ الخلق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائقُ بمثلهما" رواه ابن أبي الدنيا والبزار والطبراني وأبو يعلى ورواته ثقات والبيهقي بزيادة، ورواه أبو الشيخ ابن حبان من حديث أبي الدرداء قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا الدرداء ألا أنبئك بأمرين خفيفٍ مؤنتهما (¬2) عظيمٍ أجرهما لم تلقَ الله عز وجل بمثلهما؟ طول الصمتِ، وحُسنُ الخلق" ورواه ابن أبي الدنيا أيضاً عن صفوان بن سليم مرسلاً قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن؟ الصمتُ، وحسنُ الخلق". 32 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رفعه قال: "إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تفكر (¬3) اللسان فتقولُ: اتقِ الله فينا، فإنما نحن بك، فإن ¬

(¬1) العمل بهما خفيف، ولكن يجلبان حسنات جمة، هما: (أ) التحلي بالمكارم. (ب) التمسك بالسكوت. وما الحسن في وجه الفتى شرف له ... إذا لم يكن في فعله والخلائق قال الشاعر: تفكره علم ومنطقه حكم ... وباطنه دين وظاهره ظرف (1) أمات رياح اللؤم وهي عواصف ... ومغنى (2) العلا يؤدي (3) ورسم الندى يعفو (4) كالبدر من حيث التفت رأيته ... يهدي إلى عينيك نوراً ثاقبا كالبحر يقذف للقريب جواهرا ... جوداً ويبعث للبعيد سحائبا كالشمس في كبد السماء وضوؤها ... يغشى البلاد مشارقا ومغاربا الأديب المهذب الأصيد (5) الضرب (6) ... الذاكي الجعد السرى الهمام حسبك الله ما تضل عن الحق ... ولا تهتدي إليك آثام ولقد جال بفكري هذه الأبيات الشعرية فذكرتها لأستعير من صفاتها محاسن من اتصف بالخلق الحسن وطول الصمت المأخوذتين من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم. (¬2) تكاليفهما وثوابهما كثير. (¬3) تذكره أن يخشى الله فلا يقول هجراً.

استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا" رواه الترمذي وابن أبي الدنيا وغيرهما، وقال الترمذي: رواه غير واحد عن حماد بن زيد ولم يرفعوه قال: وهو أصح. يا لسان قل خيراً تغنم 33 - وعن أبي وائلٍ عن عبد الله رضي الله عنهما: "أنه ارتقى الصفا (¬1)، فأخذ بلسانه، فقال: يا لسانُ قل خيراً تغنم (¬2)، واسكت عن شرٍ تَسْلَمْ (¬3) من قبل أن تندم (¬4)، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثرُ خطأ ابن آدم في لسانه" رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح، وأبو الشيخ في الثواب والبيهقي بإسناد حسن. 34 - وعن أسلمَ: "أن عمر دخل يوماً على أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهما وهو يُجْبِذُ لسانهُ، فقال عمر: مَهْ، غفر الله لك، فقال له أبو بكرٍ: إن هذا أوردني شرَّ المواردِ" رواه مالك وابن أبي الدنيا والبيهقي. 35 - وفي لفظ البيهقي قال: "إن هذا أوردني شر المواردِ. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس شيء من الجسد إلا يشكو ذَرَبَ اللسان على حِدَّتِهِ". [مَهْ]: أي اكفف عما تفعله. [وذرب اللسان] بفتح الذال المعجمة والراء جميعاً: هو حِدَّتُهُ وَشَرُّهُ وَفُحْشُهُ. 36 - وعن أنسٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربعٌ لا يُصبنَ إلا بِعَجَبٍ (¬5): الصمت (¬6)، وهو أول العبادة (¬7)، والتواضعُ (¬8)، وذكر الله (¬9) عز وجل، وقِلَّةُ الشيء (¬10) " رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) صعد الجبل الصفا. (¬2) تكسب خيراً وتجن فائدة. (¬3) تنج من الوقوع فيه. (¬4) تؤنب نفسك من الوقوع في الضرر وجلب السيئات من جراء نطقه. (¬5) أي لا توجد وتجتمع في إنسان إلا على وجه عجيب: أي قل أن تجتمع فيه. (¬6) السكوت عما لا يعني: أي ما لا ثواب فيه إلا بقدر الحاجة. (¬7) أساسها ومبناها. (¬8) أي لين الجانب للخلق لله، لا لأمر دنيوي. (¬9) لزوم الدوام عليه. (¬10) الذي ينفق منه على نفسه وممونه، فإنه لا يجامع السكوت والتواضع ولزوم الذكر، بل الغالب على المقل الشكوى، وإظهار الضجر وشغل الفكرة الصارف عن الفكر. أهـ جامع صغير. وقال الحفني: أي مع عجب ووجه العجب أن قلة الشيء الآتي يقتضي كثرة اللجاج، فكيف بجامع الصمت. أهـ ص 180 يرشدك صلى الله عليه وسلم إلى صفات أربعة عنوان الأدب ومعين المكارم ومجلب المحامد والمحاسن: =

[قال الحافظ] في إسناده العوّام، وهو ابن جويرية. قال ابن حبان: كان يروي الموضوعات، وقد عدّ هذا الحديث من مناكيره، وروي عن أنس موقوفاً عليه، وهو أشبه أخرجه أبو الشيخ في الثواب وغيره. 37 - ورويَ أيضاً عن رهيب قال: "قال عيسى بن مريم صلوات الله عليه: أربعٌ لا يجتمعن في أحدٍ من الناس إلا بعَجَبٍ" الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وأبو الشيخ وغيرهما. 38 - ورويَ عن مجاهدٍ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: "سمعته يقول: خمسٌ لهن أحسنُ من الدُّهْمِ (¬1) المُوقَفَةِ: لا تكلم فيما لا يعنيك (¬2)، فإنه فَضْلٌ، ولا آمنُ عليك الوزرَ (¬3)، ولا تكلم فيما يعنيك (¬4) حتى تجد له موضعاً، فإنه رُبَّ مُتكلم في أمرٍ يعنيهِ قد وضعهُ في غير موضعهِ فَعِيبَ، ولا تُمَارِ (¬5) حليماً، ولا سفيهاً، فإن الحليم يَقْلِيكَ (¬6)، وإن السفيهَ يُؤذيك (¬7)، واذكرْ أخاك إذا تَغَيَّبَ عنك بما تُحِبُّ أن يذكركَ به، وَأَعْفِهِ (¬8) مما تُحِبُّ أن يُعفِيكَ منه، واعمل عمل رجلٍ (¬9) يرى ¬

= (أ) إطالة السكوت والرزانة والأناة والحلم والتؤدة والإتقان وعدم كثرة الكلام. (ب) لين الجانب وخفض الجناح والبشاشة وطلاقة الوجه ونزع رداء الكبر والعجب. (جـ) طاعة الله وعبادته وتمجيده وتسبيحه وتكبيره. (د) الرضاع والقناعة "ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس". (¬1) العدد الكثير من النوق الواقفة بذخاً وترفاً ونعيماً. (¬2) لا يهمك أمره فإنه زيادة ولغو وفضول وتطفل. (¬3) الذنب، وخشية الزلل. (¬4) ولا تكلم فيما يعنيك كذا (ط وع ص 244 - 2)، وفي (ن د): فيما لا يعنيك، وهو خطأ، والمعنى إذا تحادثت في مهام أمورك فأصب المرمى وابحث عن الإجادة واختر الموقع الذي ينجحك. (¬5) ولا تجادل ولا تخاصم، يقال ماريته: جادلته وماريته: طعنت في قوله تزييفاً للقول وتصغيراً للقائل، ولا يكون المراء إلا اعتراضاً، بخلاف الجدال، فإنه يكون ابتداء واعتراضاً، وامترى في أمره شك. أهـ مصباح، ولصلاح الصفدي: ولا تمار سفيهاً في محاورة ... ولا حليماً لكي تنجو من الزلل ولا يغرنك من تبدو بشاشته ... إليك مكراً فإن السم في العسل (¬6) يبغضك ويكرهك، وفي (ن د): يغلبك. (¬7) الجاهل المستخف بالحق، وأن لا يراه على ما هو عليه من الرجحان والرزانة. (¬8) اقبل عذره وارج منه الخير. (¬9) يرغب في الخير ويكره الشر. =

أنهُ مُجَازَى بالإحسانِ مأخوذٌ بالإجرام" رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. 39 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صَمَتَ (¬1) نجا" رواه الترمذي، وقال: حديث غريب، والطبراني، ورواته ثقات. 40 - ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَرَّهُ أن يَسْلَمَ فليلزم الصمت" رواه ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ وغيرهما. 41 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن العبد ليتكلمُ بالكلمةِ ما يتبينُ فيها يَزِلُّ بها في النار (¬2) أبعدَ ما بين المشرقِ والمغرب" رواه البخاري ومسلم والنسائي، ورواه ابن ماجة والترمذي إلا أنهما قالا: "إن الرجل ليتكلمُ بالكلمة لا يرى بها بأساً (¬3) يهوي بها سبعين خريفاً (¬4) ". [قوله ما يتبين فيها]: أي ما يتفكر هل هي خير أو شر؟ 42 - ورويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد ليتكلمُ بالكلمة من رضوان الله تعالى (¬5) ما يُلقي لها بالاً (¬6) يرفعهُ الله بها درجاتٍ في الجنة، وإن العبدَ ليتكلمُ بالكلمة من سخط الله تعالى لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم" رواه مالك والبخاري واللفظ له، والنسائي والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ولفظه: ¬

= يشير صلى الله عليه وسلم إلى نصائح خمسة أجدى من النعم والجياد المرسلة والعز المقيم: (أ) الاجتهاد في الكلام فيما فيه فائدة خشية ضياع الوقت واكتساب الذنوب. (ب) انتهاز فرصة النجاح للكلام. (جـ) ترك محاربة العاقل اللبيب الفطن الأريب والأحمق المغفل القبيح. (د) ذكر الصديق الغائب بكل ثناء طيب. (هـ) الجري في مضمار المحسنين المجيدين المتقين الذين يخشون الله تبارك وتعالى. (¬1) سكت. (¬2) يسقط في جهنم واسعة القرار. (¬3) يلقي الكلمة بلا عناية، ويظن أنها لا تحسب عليه ويأمن أي تهمة وشدة. (¬4) سنة. (¬5) أي كلام طيب حسن بديع. (¬6) عناية وقصداً، والبال التي يكترث بها، يقال ما باليت بكذا باله: أي ما اكترثت به، قال تعالى: "كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم" (2 من سورة محمد). ويعبر عن الحال الذي ينطوي عليه الإنسان: خطر ببالي. أهـ.

"إن الرجل ليتكلمُ بالكلمة مايظن أن تبلغ ما بلغت يهوي بها سبعين خريفاً في النار" ورواه البيهقي، ولفظه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليقولُ الكلمة لا يقولها إلا لِيُضْحِكَ (¬1) بها المجلس يهوي بها أبعدَ ما بين السماء والأرض، وإن الرجلَ لَيَزِلُّ عن لسانهِ أشدَّ مما يزلُّّ عن قدميه". إن الرجل ليتكلم بالكلمة الحديث يهوي بها سبعين خريفاً في النار 43 - وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتحدثُ بالحديث ما يريدُ به سوءاً إلا لِيُضْحِكَ به القومَ يهوي به أبعدَ من السماء" رواه أبو الشيخ عن أبي إسرائيل عن عطية. وهو العوفيّ عنه. 44 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا هل عسى رجلٌ منكم أن يتكلمَ بالكلمةِ يُضْحِكُ بها القوم فَيَسْقُطُ بها أبعد من السماء، ألا هل عسى رجلٌ منكم يتكلمُ بالكلمة يُضحِكُ بها أصحابهُ، فيسخطُ الله بها عليه لا يرضى عنه حتى يُدخِلَهُ النار" رواه أبو الشيخ أيضاً بإسناد حسن، ورواه عن علي بن زيد عن الحسن مرسلاً. 45 - وعن بلالِ بن الحارث المُزَنِيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليتكلمُ بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغَ ما بلغت يكتبُ الله له بها رضوانهُ إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلمُ بالكلمةِ من سخطِ الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتبُ الله بها سخطهُ إلى يوم يلقاه" رواه مالك والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 46 - وعن أمَةَ بنتِ الحكمِ الغفارية رضي الله عنه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل ليدنو من الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ¬

(¬1) أي يقولها بلا قصد، وغرضه السخرية.

إلا قيدُ رُمْحٍ فيتكلمُ بالكلمة (¬1) فيتباعدُ منها أبعدَ من صنعاء" رواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني كلاهما من رواية محمد بن إسحق. 47 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوةٌ (¬2) للقلب، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي" رواه الترمذي والبيهقي، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله 48 - وعن مالكٍ رضي الله عنه: "بلغه أن عيسى بن مريم عليه السلام كان يقول: لا تُكثروا الكلام بغير ذكر الله، فتقسو قلوبكم، فإن القلب القاسيَ بعيدٌ من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أربابٌ (¬3)، أو انظروا في ذنوبكم كأنكم عبيدٌ (¬4)، فإنما الناس مُبتلىً (¬5) ومعافىً (¬6)، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية" ذكره في الموطأ. 49 - وعن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ كلامِ ابن آدم عليهِ لا لهُ إلا أمرٌ بمعروفٍ أو نهيٌ عن منكرٍ، أوذكرُ الله" رواه الترمذي وابن ماجة وابن أبي الدنيا، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن يزيد بن خنيس. [قال الحافظ]: رواته ثقات، وفي محمد بن يزيد كلام قريب لا يقدح، وهو شيخ صالح. 50 - وعن المغيرة بن شُعبةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ينطق بسخط فتقصيه من الجنة مسافة ما بين المدينة المنورة وصنعاء باليمن بمعنى يلفظ ويقذف بعيداً. (¬2) تلهيه عن التأثر وتجعله لا ينتفع بالمواعظ ولا يفكر في عمل الصالحات، ولا يذكر صاحبه الله كثيراً. (¬3) أصحاب قدرة على شفاء هذه العيوب، وإزالة هذه الأوصاف. (¬4) طالبو إحسان من الله جل وعلا، وأذلاء له وراجون وآملون وراغبون في المغفرة والرضوان. (¬5) مصاب بأمراض: وسقيم. (¬6) ممتلئ صحة ونضارة وقوة جسم؛ فالعاقل من رأف بالمريض وشكر الله على نعمة الصحة واجتهد في طاعته سبحانه.

يقولُ: إن الله كَرِهَ لكم ثلاثاً (¬1): قيل وقال (¬2)، وإضاعة المال (¬3)، وكثرة ¬

(¬1) أي الله تعالى يحاسب الإنسان على جميع ألفاظه الصادرة منه ويؤاخذه عليها إلا إذا صرفت في ثلاثة فينال من جرائها أجراً عظيماً: (أ) النصيحة والإرشاد إلى الخير. (ب) النهي عن المعاصي وإزالة ما يغضب الله جل وعلا. (جـ) تسبيح الله وطاعته وتمجيده. (¬2) قال المحب الطبري: في قيل وقال ثلاثة أوجه: أحدهما: أنهما مصدران للقول، تقول قلت قولاً وقالا، والمراد في الأحاديث الإشارة إلى كراهة كثرة الكلام، لأنها تئول إلى الخطأ، قال وإنما كرره للمبالغة في الزجر عنه. ثانيها: إرادة حكاية أقاويل الناس، والبحث عنها ليخبر عنها فيقول قال فلان كذا وقيل كذا، والنهي عنه إما للزجر عن الاستكثار منه، وإما لشيء مخصوص منه، وهو ما يكرهه المحكي عنه. ثالثها: أن ذلك في حكاية الاختلاف في أمور الدين كقوله قال فلان كذا وقال فلان كذا، ومحل كراهة ذلك أن يكثر من ذلك بحيث لا يؤمن مع الإكثار من الزلل، وهو مخصوص بمن ينقل ذلك من غير تثبت، ولكن يقلد من سمعه ولا يحتاط له. أهـ. قال في الفتح ويؤيد ذلك الحديث الصحيح "كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع" أهـ ص 314 جـ 10 (¬3) الإسراف في الإنفاق، أو الإنفاق في الحرام، وفي الفتح الأقوى: أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعاً سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه، لأن الله تعالى جعل المال قياماً لمصالح العباد، وفي تبذيره تفويت تلك المصالح إما في حق مضيعها، وإما في حق غيره، ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوت حقاً أخروياً أهم منه. والحاصل في كثرة الإنفاق: (أ) إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعاً فلا شك في منعه. (ب) إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعاً. (جـ) إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذ النفس فهذا ينقسم إلى قسمين: أحدهما أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله فهذا ليس بإسراف، والثاني ما لا يليق به عرفاً، وهو ينقسم إلى قسمين أحدهما ما يكون لدفع مفسدة: إما ناجزة أو متوقعة فهذا ليس بإسراف. والثاني ما لا يكون في شيء من ذلك فالجمهور على أنه إسراف. وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس بإسراف قال لأنه تقوم به مصلحة البدن، وهو غرض صحيح، وإذا كان في غير معصية فهو مباح له. قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قال. أهـ. قال تعالى: "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً" (67 من سورة الفرقان). وفي البخاري في باب ما ينهى عن إضاعة المال وقول الله تبارك وتعالى: "والله لا يحب الفساد". "إن الله لا يصلح عمل المفسدين". وقال تعالى: "أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء" (من سورةهود). وقال تعالى: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم" (من سورة النساء). والحجر في ذلك وما ينهى عن الخداع: وقال في الفتح: السفيه هو الذي يضيع المال ويفسده بسوء تدبيره، والحجر المنع من التصرف في المال والجمهور على جواز الحجر على الكبير، ومن حجتهم حديث ابن عباس أنه كتب إليَّ نجدة وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم، فلعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما أخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم. أهـ ص 43 جـ 5.

السؤال (¬1) " رواه البخاري واللفظ له ومسلم، وأبو داود، ورواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة بنحوه. 51 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثر الناس ذنوباً أكثرهم كلاماً فيما لا يعنيه" رواه أبو الشيخ في الثواب. 52 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حُسنِ إسلامِ المرء تركهُ ما لا يعنيه (¬2) " رواه الترمذي، وقال: حديث غريب. [قال الحافظ]: رواته ثقات إلا قرة بن حيويل ففيه خلاف، وقال ابن عبد البر النمري هو محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات انتهى، فعلى هذا يكون إسناده حسناً لكن قال جماعة من الأئمة: الصواب أنه عن علي بن حسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل كذا قال أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم، وهكذا رواه مالك عن الزهري عن علي بن حسين، ورواه الترمذي أيضاً عن قتيبة عن مالك به. وقال: وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة، والله أعلم. 53 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "تُوفيَ رجلٌ فقال رجلٌ آخرُ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يسمعُ: أبْشِرْ بالجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) سؤال المال أوالسؤال عن المشكلات والمعضلات أو كثرة السؤال، وحمله بعض العلماء على أخبار الناس وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، فإن ذلك مما يكرهه المسئول غالباً، وقد ثبت النهي عن الأغلوطات أخرجه أبو داود من حديث معاوية، وثبت عن جميع السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جداً، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ. أهـ. قال تعالى: "لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" (من سورة المائدة). وقال تعالى: في مدح من لا يلحف في السؤال: "لا يسألون الناس إلحافاً" (من سورة البقرة). وفي صحيح مسلم "المسألة لا تحل إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو غرم مفظع أو جائحة"، وفي السنن قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس "إذا سألت فاسأل الله"، وفي سنن أبي داود "إن كنت لابد سائلاً فاسأل الصالحين". قال النووي: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة. قال واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب على وجهين أصحهما التحريم لظاهر الأحاديث، والثاني يجوز مع الكراهة بشروط ثلاثة: أن لا يلح، ولا يذل نفسه زيادة على ذل نفس السؤال، ولا يؤذي المسئول، فإن فقد شرط من ذلك حرم أهـ. (¬2) في الذي لا يهمه، وفي الجامع الصغير: أي خوفاً من الوقوع في الإثم لا ينطق إلا بما له فيه الثواب في شرح قوله صلى الله عليه وسلم "من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه".

أولا تدري (¬1)؟ فلعله تكلمَ فيما لا يعنيه (¬2) أو بَخِلَ بما لا ينقصه (¬3) " رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. [قال الحافظ]: رواته ثقات. 54 - وروى ابن أبي الدنيا، وأبو يعلى عن أنسٍ أيضاً رضي الله عنه قال: "استشهد رجلٌ منا يوم أحد (¬4) فوجد على بطنه صخرةٌ مربوطةٌ من الجوع فمسحتْ أمهُ التراب عن وجهه، وقالت: هنيئاً لك يا بُنَيَّ الجنةُ (¬5)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يُدْريكِ (¬6)؟ لعلهُ كان يتكلمُ فيما لا يعنيه، ويمنعُ ما لا يَضُرُّهُ (¬7) ". 55 - وروى أبو يعلى أيضاً والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قُتِلَ رجلٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً، فَبَكتْ عليه باكيةٌ، فقالت: وَا شهيداهُ، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يُدريكِ أنه شهيدٌ؟ لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه، أو يبخلُ بما لا ينقصه (¬8) ". 56 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن: "أن امرأةً كانت عند عائشة، ومعها نسوةٌ، فقالت امرأةٌ منهن: والله لأدخُلَنَّ الجنة، فقد أسلمتُ، وما سرقتُ، وما زَنَيْتُ، فَأُتِيَتْ في المنامِ، فقيل لها: أنتِ المُتَألِّيَةُ (¬9) لَتَدْخُلِنَّ الجنة؟ كيف وأنتِ تَبْخَلينَ (¬10) بما ¬

(¬1) أتقول ولا تعلم. (¬2) في الأمور التي تشغله ولا تهمه. (¬3) كان غنياً ولم ينفق، وشح في إخراج حقوق الله ومنع الزكاة التي تنمي ماله. (¬4) غزوة خرج فيها المشركون والكفار نحو ثلاثة آلاف مقاتل منهم سبعمائة دارع، وفي المسلمين مائة، وفرسان فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي برة وقاتل المسلمون واشتد القتال. (¬5) أبشر بالجنة. (¬6) ما يعلمك، أكان ثرثارا كثيرا القول واللغو؟ (¬7) لا يصد عنه ما يؤذيه: أي أنه غير شجاع وغير كريم، وأقواله لا فائدة فيها ويتتبع أخبار الناس وينصت إلى ما لا يهمه. (¬8) يضن بالذي لا يجعله فقيراً محتاجاً: أي أنه بخيل شحيح مناع للخير معتد أثيم. لم ينفعه هذا الاستشهاد، والدفاع عن الدين، لأنه لم يصمت ولم يعمل بآداب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعاليمه، ويمكن أن دفاعه كان لغير الله تعالى وجهاده هذا يقصد به دنيا أي لعلة. (¬9) الحاكمة على الله الذي يحلف به، من الألية أي اليمين، يقال آلى يولي إيلاء وتألى يتألى تألياً، ومنه "ويل للمتألين من أمتي" يعني الذين يحكمون على الله. (¬10) على أي حال تمنعين الخير وتشحين في إخراج القليل الواجب، قليلة الإنفاق؟ =

لا يُغْنِيكِ، وتتكلمينَ فيما لا يَعْنيكِ، فلما أصبحت المرأةُ دخلت على عائشة، فأخبرتها ¬

_ = فضائل الصمت كما بَيَّنَها صلى الله عليه وسلم في أحاديثه: أولاً: يعد الصامت من أفاضل المسلمين. ثانياً: يدخل الجنة من لم يؤذ مسلماً بقول ولا فعل. ثالثاً: يكسب محبة الله، ويدفع غضبه ويسبب الستر ويبعد الفضيحة. رابعاً: يوصل إلى حقيقة الإيمان. خامساً: يعد الصامت من أصحاب العزيمة القوية والإرادة الصارمة والهمة السامية. سادساً: الصامت في ظل الله وينضر وجهه وتشرق طلعته، والثرثار يكب على وجهه في النار. سابعاً: الصامت العامل بسنة خير الخلق صلى الله عليه وسلم بعيد منه الشيطان قريب من رضا الرحمن. ثامناً: يسلم الساكت من الأخطاء ويفر من الذنوب بصمته ولا يرد مواطن السوء بكلامه. تاسعاً: يكسو الصامت المهابة والرزانة والوقار "يصبن بعجب". عاشراً: ينجو الساكت من كل معصية ولا يهوي من سقطاته. الحادي عشر: يبعد الساكت من اللغو والرفث والفسوق "أكثر الناس ذنوباً". الثاني عشر: يضيع الكلام الكثير الحسنات، ودرجة الجهاد تمحوها لفظة من سخط الله تعالى "الشهداء". قال ابن المقري: زيادة القول تحكي النقص في العمل ... ومنطق المرء قد يهديه للزلل فكم ندمت على ما كنت فهت به ... وما ندمت على ما لم تكن تقل وأضيق الأمر أمر لم تجد معه ... فتى يعينك أو يهديك للسبل عقل الفتى ليس يغني عن مشاورة ... كعفة الخود لا تغني عن الرجل إن المشاور إما صائب غرضا ... أو مخطئ غير منسوب إلى الخطل لا تحقر الرأي يأتيك الحقير به ... فالنحل وهو ذباب طيب العسل بيان آفات اللسان كما في إحياء علوم الدين: أولاً: الكلام فيما لا يعنيك. ثانياً: فضول الكلام أي الزيادة على قدر الحاجة قال تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس" (من سورة النساء). ثالثاً: الخوض في الباطل: أي الكلام في المعاصي كحكاية أحوال النساء ومجالس الخمر ومقامات الفساق، وتنعم الأغنياء وتجبر الملوك ومراسمهم المكروهة وأحوالهم المذمومة. قال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة". رابعاً: المراء والجدل. قال مالك بن أنس رحمه الله: المراء يقسي القلوب ويورث الضغائن، والمراء طعن في كلام الغير بإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير، وإظهار مزية الكياسة. والجدال عبارة عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها. خامساً: الخصومة أي لجاج في الكلام ليستوفي به مال أو حق مقصود، وذلك تارة يكون ابتداءً أو اعتراضاً، والمراء لا يكون إلا باعتراض على كلام سبق. =

بما رأت، وقالت: اجمعي النسوة اللاتي كُنَّ عندك حين قلتُ ما قلتُ، فأرسلتْ إليهنَّ عائشة رضي الله عنها فَجِئنّ فحدثتهن المرأة بما رأت في المنام". رواه البيهقي. ¬

_ = سادساً: التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه بالتشبيبات والمقدمات وما جرت به عادة المتفاصحين المدعين للخطابة "الثرثارون المتفيهقون". سابعاً: الفحش والسب وبذاءة اللسان ومصدره الخبث واللؤم. ثامناً: اللعن إما لحيوان أو إنسان أو جماد. تاسعاً: الغناء والشعر: أي اللذان فيهما مستكره وكذب. عاشراً: المزاح. الحادي عشر: السخرة والاستهزاء: أي الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء. الثاني عشر: إفشاء السر. الثالث عشر: الوعد الكاذب، فإن اللسان سباق إلى الوعد، ثم النفس ربما لا تسمح بالوفاء فيصير الوعد خلفاً، وذلك من أمارات النفاق قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" (من سورة المائدة). الرابع عشر: الكذب في القول واليمين، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب. أهـ ص 116 جـ 3 ولأبي العتاهية: اسلك بني مناهج السادات ... وتخلقن بأشرف العادات لا تلهينك عن معادك لذة ... تفنى وتورث دائم الحسرات إن السعيد غداً زهيد قانع ... عبد الإله بأخلص النيات أقم الصلاة لوقتها بشروطها ... فمن الضلال تفاوت الميقات وإذا اتسعت برزق ربك فاجعلن ... منه الأجل لأوجه الصدقات في الأقربين وفي الأباعد تارة ... إن الزكاة قرينة الصلوات وارع الجوار لأهله متورعاً ... بقضاء ما طلبوا من الحاجات واخفض جناحك إن منحت إمارة ... وارغب بنفسك عن ردى اللذات وللعميد الطغرائي: أصالة الرأي صانتني عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني لدى العطل حلو الفكاهة مر الجد قد مزجت ... بشدة البأس منه رقة الغزل حلو الكلام كأن رجع حديثه ... در يساقطه إليك لسانه وقال ابن السكيت: يصاب الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يصاب المرء من عثرة الرجل فعثرته بالقول تذهب رأسه ... وعثرته بالرجل تبرى على مهل ولزهير بن أبي سلمى: وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... ولم يبق إلا صورة اللحم والدم أي اللسان أهم جوارح الإنسان نفعاً إذا صلح وأعظمها ضرراً إذا فسد "المرء بأصغريه قلبه ولسانه". =

الترهيب من الحسد وفضل سلامة الصدر

الترهيب من الحسد وفضل سلامة الصدر 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم ¬

_ = لا تراني راتعاً في مجلس ... في لحوم الناس كالسبع الضرم ولبعض الصفح والإعراض عن ... ذي الخنا أبقى وإن كان ظلم وللنابغة الذبياني: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب لئن كنت قد بلغت عني رسالة ... فمبلغك الواشي أغش وأكذب ولست بمستبق أخاً لا تلمه ... على شعث أي الرجال المهذب؟ الآيات الدالة على فضائل الصمت الناهية عن اللغو: (أ) قال الله تعالى: "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون" (1 - 3 من سورة المؤمنون). واللغو كل ما لا فائدة فيه لا للجسم ولا للنفس ولا للروح ولا للعقل، فالمؤمن لا يشغل وقته إلا بما يفيده في حياته العاجلة أو حياته القابلة. (ب) وقال تعالى: "والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً" (72 من سورة الفرقان). (جـ) وقال تعالى: "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين" (55 من سورة القصص). فلا نجاة من خطر اللسان إلا بالصمت بحفظه من جميع الآفات، ألا ترى المؤمن قاتلاً وقته بالجلوس على المقاهي بلعب النرد أو الشطرنج، أو يخوض في أعراض الناس أو يتحدث في شؤونهم بما لا يجدي نفعاً أو يتدخل فيما لا يعنيه من شئون السياسة، وليس من أربابها ولا من المنوط بهم درسها والدفاع عنها، بل تراه هادئاً ثابتاً صامتاً ساكتاً، لا يتكلم إلا في مفيد ولا يتحرك إلا في نافع، ولا يفكر إلا في منتج. يجد في تحصيل رزقه وأهله وولده ليكف يده عن المسألة ويصون وجهه عن بذل مائه، ويجلب العزة والكرامة والنبالة. قال الحسن: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه. وفي الغريب: اللغو من الكلام: ما لا يعتد به، وهو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغا، وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور. قال أبو عبيدة: لغو ولغا نحو عيب وعاب وأنشدهم عن اللغا ورفث التكلم، يقال لغيت تلغي نحو لقيت تلقى وقد يسمى كل كلام قبيح لغواً. قال تعالى: "لا يسمعون فيها لغواً ولا كذاباً" (35 من سورة النبأ). "لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً" (25 من سورة الواقعة). أهـ. (د) وقال تعالى: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً إن تبدو خيراً أو تخفوه أو تعفو عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً" (148 - 149 من سورة النساء). (هـ) وقال تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً" (114 من سورة النساء). (و) وقال تعالى: "واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين" (108 من سورة المائدة). (ز) وقال تعالى: "وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون" (3 من سورة الأنعام). (ح) وقال تعالى: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره" (الآية من سورة الأنعام). =

والظن (¬1)، فإن الظن أكذبُ الحديثِ (¬2)، ولا تَحَسَّسُوا (¬3)، ولا تجسسوا (¬4)، ولا تنافسوا (¬5)، ولا تحاسدوا (¬6)، ولا تباغضوا (¬7)، ولا تدابروا (¬8)، وكونوا عباد الله ¬

= وقد قال الله تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم: "ثم ذرهم في خوضهم يلعبون" أي اترك أولئك الكفرة الذين ينكرون "إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس" (من سورة الأنعام). (ط) وقال تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون" (108 من سورة الأنعام). ينهى الله تعالى عن سب الآلهة التي يعبدها الكفار خشية أن يتطاولوا على عظمة الله وجلاله. قال البيضاوي: وفيه دليل على أن الطاعة إذا أدت إلى معصية راجحة وجب تركها. أهـ. وكذلك العاقل يصمت أو يهجر الكلام القبيح فلا يجلس في مجالس العصاة الفساق. (¬1) قال القرطبي: أي التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم بفاحشة من غير ظهور مقتضيها، ولذا عطف عليه ولا تجسسوا، وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد تحققه فيتجسس ويبحث فنهى عن ذلك، وهذا موافق لقوله تعالى: "اجتنبوا كثيراً من الظن" (الآية من سورة الحجرات). ودل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن، فإن قال أبحث لأتحقق قيل له "ولا تجسسوا" فإن قال تحققت من غير تجسس، قيل له: "ولا يغتب بعضكم بعضاً" وقال الحافظ في الفتح: ليس المراد به ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالباً، بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به، وكذا ما يقع في القلب من غير دليل. أهـ. (¬2) قيل أريد من الكذب عدم المطابقة للواقع سواء كان قولاً أم لا، ويحتمل أن يراد بالظن ما ينشأ من القول فيوصف به الظن مجازاً. (¬3) لا تتسمعوا الحديث ولا تنصتوا لألفاظ من في البيوت. (¬4) ولا تبحثوا عن عورات الناس ولا تتبعوا سوءاتهم وتبحثوا عن هناتهم وأخطائهم. قال القرطبي: بالجيم: تتبعه لأجل غيره، وبالحاء تتبعه لأجل نفسه، وقيل بالجيم البحث عن العورات، وبالحاء استماع حديث القوم، ثم يستثنى من التجسس المنهي عنه ما إذا تعين لإنقاذ نفس من الهلاك كأن يخبر باختلاء إنسان بآخر ليقتله ظلماً أو بامرأة ليزني بها أو إخبار سارق أو كشف سر مؤامرة مدبرة لوقوع إجرام وسطو فهذا التجسس مشروع حذراً عن فوات استدراكه. (¬5) لا تتزاحموا في الانفراد بالشيء الحسن ولا ترغبوا في التفوق عن الند والفوز بالخير دونه، وأن تتمنوا حرمانه وخسارته وسقوطه. (¬6) لا يحصل منكم تمني زوال النعمة عن صاحبها سواء كانت نعمة دين أو دنيا، نهى صلى الله عليه وسلم المسلمين عن الحسد: أي إضمار السوء ورجاء اندحار الخصم وكساد تجارته وإزالة خيراته، وفيه نوع يسمى الغبطة، وهي تمني أن تنال مثل هذا النعمة أو العز أو الجاه لتعمل صالحاً، فإن كان في الدين فمحمود وإلا فلا لقوله صلى الله عليه وسلم "لا حسد إلا في اثنتين". (أ) رجل آتاه الله الحكمة. (ب) غني ينفق أمواله في وجوه البر. (¬7) لا يحصل منكم شقاق أو تنافر. (¬8) لا تقاطعوا، ولا يحصل إعراض أو معاداة أو استئثار الإنسان عن أخيه.

إخواناً (¬1) كما أمركم (¬2) المسلم أخو المسلم (¬3) لا يظلمهُ (¬4)، ولا يخذلهُ (¬5)، ولا يَحْقِرُهُ (¬6) التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا (¬7)، وأشار إلى صدره بحسب امرئٍ من الشر أن يَحْقِرَ أخاهُ المسلم (¬8) كل المسلم على المسلم حرامٌ (¬9) دَمُهُ وَعِرْضُهُ ومالهُ" رواه مالك والبخاري ومسلم، واللفظ له، وهو أتمَّ الروايات وأبو داود والترمذي. 2 - وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمع في جوف عبدٍ مؤمنٍ غُبَارٌ في سبيل الله (¬10)، وفَيْحُ جهنمَ، ولا يجتمعُ في جوف عبدٍ الإيمانُ والحسدُ" رواه ابن حبان في صحيحه، ومن طريقه البيهقي. 3 - وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والحسد (¬11) ¬

(¬1) متآخين أي اكتسبوا ما تصيرون به إخوة، من التآلف والتحابب وترك هذه المنهيات. قال في الفتح: أي إذا تركتم هذه صرتم كالإخوان ومفهومه إذا لم تتركوها تصيرون أعداء، وقيل معناه كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة. (¬2) أي مثل الذي ألزمكم الله أن تتبعوه. قال القرطبي: لعله أشار بذلك إلى الأوامر المتقدم ذكرها فإنها جامعة لمعاني الآخرة والفاعل مضمر يعود إلى الله، وهو مصرح به في مسلم. (¬3) لاجتماعهما في الإسلام كالأخوة في النسب. (¬4) لا يؤذيه في نفسه ولا ينقص ماله ولا يسب عرضه. (¬5) لا يترك نصرته وإعانته، ولا يتأخر عنه في مساعدة ولا يهزمه في عمل ولا يتركه في مصيبة. (¬6) لا يهينه ويعبأ به. (¬7) أي خوف الله وخشيته في القلب الذي هو في الصدر. (¬8) كافيه من الشر لعظمه وشدته عند الله أن يهمل حق أخيه أو يعرض عنه أو يعجب بنفسه ويحتقر غيره ويرضى عن نفسه ويسخط عن غيره، وما يدريه أن ذلك المحتقر عند الله بمكان سام كما قال صلى الله عليه وسلم "رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبر قسمه". (¬9) محظور وممنوع قتله وأذاه والتعرض له بسوء، والمراد منع هذه الأمور بما لم يأذن الشرع فيه من نحو قصاص أو تعذير أو قضاء ما امتنع من أدائه مما هو واجب عليه. أهـ رياض الصالحين وشرح 74 جـ 8. قال المناوي: ولا تحسسوا: أي لا تطلبوا الشيء بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية. أهـ. ولا تتدابروا ولا تتهاجروا فيهجر أحدكم أخاه مأخوذ من تولية الرجل الآخر دبره إذا أعرض عنه حين يراه. (¬10) من شدة العراك والهياج تنتشر ذرات التراب في الجو فيشمها المسلم المجاهد فتكون ضمانة له من دخول النار وكذلك لا يجتمع الإخلاص لله تعالى وحسن عبادته والاعتماد عليه جل وعلا وأنه الرزاق وتمنى زوال النعمة من أخيه المسلم، لأن نور الإيمان يسطع بأشعته في القلب فيثمر بمحبة أخيه المسلم فيود له كل سعادة وسيادة. (¬11) احذروه، وفي الجامع الصغير: الحسد حب زوال النعمة عن المنعم عليه، أما من لا يحب زوالها ولا يكره وجودها ودوامها، ولكن يشتهي لنفسه مثلها فهذا يسمى غبطة (فإن الحسد) أقام المظهر مقام المضمر حثاً على الاجتناب (يأكل الحسنات) أي يذهبها ويحرقها ويحبطها (الحطب) اليابس لسرعة إيقادها فيه. وقال =

فإن الحسد يأكلُ الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو قال: العُشْبَ" رواه أبو داود والبيهقي ورواه ابن ماجة والبيهقي أيضاً وغيرهما من حديث أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحسدُ يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والصدقةُ تُطفئ الخطيئة (¬1) كما يطفئ الماء النار، والصلاة نور المؤمن (¬2)، والصيام جُنَّةٌ (¬3) من النار". 4 - وعن ضَمُرَةَ بن ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزالُ الناس بخيرٍ ما لم يتحاسدوا (¬4) " رواه الطبراني ورواته ثقات. 5 - ورويَ عن عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس مِني ذو حسدٍ، ولا نميمةٍ، ولا كَهَانَةٍ (¬5)، ولا أنا منه، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإثْماً مُبِيناً) (¬6) " رواه الطبراني، وتقدم في باب أجلاء العلماء حديثه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا أخاف على أمتي إلا ثلاث (¬7) خِلاَل أن يكثر (¬8) لهم من الدنيا فيتحاسدون". ¬

= الحفني: يأكل الحسنات: أي بسبب أنه يفضي بصاحبه إلى إيذاء المحسود بإتلاف ماله مثلاً، وإلا فذهب أهل السنة أن السيئة لا تحبط الحسنة. أهـ ص 98 جـ 2. (¬1) الإحسان والإنفاق لله يمحو الذنب. (¬2) أي تمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب، وقيل يكون أجر الصلاة نوراً لصاحبها يوم القيامة، وقيل لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها وإقباله على الله عز شأنه بظاهره وباطنه. أهـ نووي من مختار الإمام مسلم ص 176 (¬3) وقاية تمنع الصائم من دخول النار، لأنه يمتنع عن المفطر ابتغاء ثواب الله جل وعلا ويتباعد عن جميع المعاصي وبذا يستحق نعيم الجنة فلا يعذب. (¬4) مدة عدم تحاسدهم فهم في عز وخير، وإن تحاسدوا حلت عليهم النقمة وعمهم الشقاق والعذاب وسوء المآب. (¬5) أي ليس على طريقتي الكاملة ثلاثة: (أ) الحاسد. (ب) النمام. (جـ) الكاهن. هؤلاء مخالفون شريعته صلى الله عليه وسلم نابذون سنته معلنون الحرب عليه فساق عصاة. (¬6) يرمونهم بجريرة ويتمنون زوال نعمهم والله تعالى هو الذي أعطاهم وأمدهم بخيراته فقد ارتكبوا آثاماً جمة من جراء أعمالهم السيئة الشريرة المؤذية. (¬7) لا أخاف على أمتي إلا ثلاث كذا (ط وع ص 247)، وفي (ن د) بحذف إلا، والمعنى يخشى صلى الله عليه وسلم زيادة النعم ووفرة المال عند المسلمين فتكثر الشرور وتزداد العداوة ويتمنون الأذى لخصومهم وينسون آداب الله ورسوله (لا تحاسدوا). (¬8) من كثر الخير يكثر، كذا (ع) بفتح الياء.

إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار العشب 6 - وعن عبد الله بن كعبٍ عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما ذئبان جائعان أُرْسِلاَ في زريبة غنمٍ بأفسدَ لها من الْحِرْصِ على المال والحسد في دين المسلم (¬1)، وإن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب". 7 - وفي رواية: "إياكم والحسد فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار العشب" ذكره رزين، ولم أره في شيء من أصوله بهذا اللفظ إنما روى الترمذي صدره وصححه، ولم يذكر الحسد بل قال: "على المال والشرف" وبقية الحديث تقدمت عند أبي داود من حديث أبي هريرة. 8 - وعن الزبير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دَبَّ (¬2) إليكم داء الأمم قبلكم: الحسدُ والبغضاءُ، والبغضاء هي الحالقةُ: أما إني لا أقولُ: تحلقُ الشعر، ولكن تحلقُ الدين" رواه البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما. 9 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بُنَيَّ إن قدرت على أن تُصبحَ وتُمسيَ ليس في قلبك غِشٌ (¬3) لأحدٍ فافعل" الحديث. رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب. 10 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

(¬1) ثنتان يضران كثيراً أكثر من ضرر انطلاق الذئب على حظيرة الماشية: (أ) الجشع والشح وحب جميع المال مع البخل وإنكار الحقوق. (ب) تمني زوال نعم المسلمين وكراهة الصالحين ومحاربتهم، وتمني عدم الإكثار من طاعة الله جل وعلا وعبادته. (¬2) سار. وقال الحفني: أي سرى إليكم، يقال دب على الأرض فهو خاص بالأجسام ودب إليه المرض في المعاني: أي سرى إليه ففيه تجوز (الحالقة): أي مثلها فالبغضاء تزيل بركة الإيمان والدين كما يزيل الموسى الشعر. أهـ. وقال العزيزي: هي الخصلة التي شأنها أن تحلق: أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر. أهـ ص 260 جـ 2 يخبر صلى الله عليه وسلم عن ثنتين بقيتا من خصال الأمم البائدة الجاهلة: (أ) تمني زوال نعم الغير. (ب) حب الشقاق، والميل إلى العداوة، ولكن المسلم الصالح الكامل الإيمان خلو منهما، لأنه يحب لله وينوي الخير ويفكر في طاعة. (¬3) خيانة وكيد ومكر وخبث وحسد، وهكذا من خلال العاصين.

فقال: "يَطْلُعُ (¬1) الآن عليكم رجلٌ من أهل الجنة، فطلعَ رجلٌ من الأنصار تَنْطُفُ لحيتهُ من وَضُوئِهِ قد عَلَّقَ نعليه بيده الشمال، فلما كان الغدُ (¬2) قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجلُ مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجلُ على مثلِ حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تَبِعَهُ عبد الله بن عمرو، فقال: إني لاَحَيْتُ (¬3) أبي، فأقسمتُ أني لا أدخلُ عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم. قال أنسٌ: فكان عبد الله يُحَدِّثُ أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يرهُ يقومُ من الليل شيئاً (¬4) غير أنه إذا تَعَارَّ تقَلَّبَ على فراشهِ (¬5) ذكر الله عز وجل، وكَبَّرَ حتى لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضتِ الثلاثُ الليالي، وَكِدتُ أن أحتقرَ عملهُ قلتُ: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضبٌ ولا هجرةٌ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مراتٍ: يطلعُ عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردتُ أن آويَ إليك، فأنظرُ ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرَكَ عملت كبيرَ عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وَلَّيْتُ دعاني (¬6) فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجدُ في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشاً ولا أحسدُ أحداً على خيرٍ أعطاهُ الله إياهُ، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك" رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم والنسائي، ورواته احتج بهم أيضاً إلا شيخه سويد بن نصر، وهو ثقة وأبو يعلى والبزار بنحوه، وسمى الرجل المبهم سعداً. ¬

(¬1) يظهر. (¬2) اليوم الثاني. (¬3) جادلته وخاصمته رجاء أن يقبله ذلك الرجل الصالح لينظر إلى فعله. (¬4) استيقظ وحد الله جل وعلا وأكثر من تسبيحه وتحميده وتكبيره حتى مطلع الفجر. (¬5) أي يتهجد ويذكر الله. (¬6) طلبني، وأخبر أنه لا يحب الغش والخديعة. وفي النهاية: الغش ضد النصح من الغشش، وهو المشرب الكدر ولا أتمنى زوال نعمة أحد. ثنتان تحلى بهما ذلك المؤمن الكامل: (أ) إبداء النصيحة. (ب) حب الخير للمسلمين وطلب زيادته للمستزيد.

وقال في آخره: "فقال سعدٌ: ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي إلا أني لم أبِتْ ضاغناً (¬1) على مسلمٍ" أو كلمة نحوها. وزاد النسائي في رواية له والبيهقي والأصبهاني: "فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نُطيقُ". 11 - ورواه البيهقي أيضاً عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: "كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: لَيَطْلُعَنَّ عليكم رجلٌ من هذا الباب من أهل الجنة، فجاء سعدُ بن مالكٍ فدخل منه. قال البيهقي: فذكر الحديث قال: فقال عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما: ما أنا بالذي أنتهي حتى أُبَايِتَ (¬2) هذا الرجل، فأنظرَ عملهُ قال: فذكر الحديث في دخوله عليه قال: فناولني عَباءةً، فاضجعتُ عليها قريباً منه، وجعلتُ أرْمُقُهُ (¬3) بعيني لَيْلَهُ (¬4) كلما تَعَارَّ سَبَّحَ، وكَبَّرَ، وَهَلَّلَ، وَحَمِدَ الله حتى إذا كان في وجه السَّحَرِ قام فتوضأ، ثم دخل المسجد فصلى ثنتي عشرة ركعةً باثنتي عشرة سورة من المفصل (¬5) ليس من طوالهِ، ولا من قصاره، يدعو في كل ركعتين بعد التشهد بثلاث دعواتٍ يقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنةً (¬6) وفي الآخرة حسنةً (¬7) وقنا عذاب النار. اللهم أكفنا ما أهمنا من أمر آخرتنا ودنيانا. اللهم إنا نسألك من الخير كله، وأعوذ بك من الشر كله حتى إذا فرغ قال فذكر الحديث في استقلال عمله، وعوده إليه ثلاثاً إلى أن قال: فقال: آخُذُ مضجعي، وليس في قلبي غِمْرٌ على أحدٍ". ¬

(¬1) حاقداً، من ضغن صدره: أي حقد. وفي النهاية: الضغن الحقد والعداوة والبغضاء وكذا الضغينة. أهـ. (¬2) أبيت معه وألازمه صباح مساء. (¬3) أطلع وأنظر. (¬4) طيلة ليله يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر صيغة غراس الجنة. قال الله تعالى في وصفها: "والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً خير أملاً" (46 من سورة الكهف). أي أعمال الخيرات التي تبقى له ثمرتها أبد الآباد ويندرج فيها ما فسرت به من الصلوات الخمس وأعمال الحج، وصيام رمضان والكلام الطيب. (¬5) السبع الأخير، ذلك للفصل بين القصص بالسور القصار. (¬6) الصحة والكفاف والتوفيق للخير. (¬7) الثواب، والرحمة في الآية طلب محاسن الدنيا والآخرة وهي جماع كل خير.

[الغمر] بكسر الغين المعجمة وسكون الميم: هو الحقد، وقوله: تنطف: أي تقطر. [لاحيت] بالحاء المهملة بعدها ياء مثناة تحت: أي خاصمت. [تعار] بتشديد الراء: أي استيقظ. 12 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: "قيل يا رسول الله: أيُّ الناس أفضلُ؟ قال كُلُّ مَخْمُومِ القلب صَدُوقِ اللسان. قالوا: صدوقُ اللسان نعرفهُ، فما مخموم القلب؟ قال: هو النقي لا إثم فيه، ولا بغيَ، ولا غِلَّ ولا حسد" رواه ابن ماجة بإسناد صحيح والبيهقي وغيره أطول منه. 13 - وروى الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بُدلاء (¬1) أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرةِ صلاةٍ، ولا صومٍ، ولا صدقةٍ، ولكن دخلوها برحمةِ اللهِ، وسخاوةِ الأنفسِ (¬2)، وسلامة الصدور (¬3) " رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء مرسلاً. 14 - ورويَ عن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد أفلح (¬4) من أخلص قلبه للإيمان، وجعل قلبه سليماً (¬5) ولسانه صادقاً، ونفسهُ مطمئنةً، وخليقتهُ مستقيمةً (¬6) الحديث" رواه أحمد والبيهقي، وتقدم بتمامه في الإخلاص ¬

(¬1) الأولياء والعباد، سموا بذلك لأنهم كلما مات واحد منهم أبدل بآخر. (¬2) جودهم وكرمهم وكثرة إنفاقهم. (¬3) نقاوتها من الحسد وإضمار العداوة. (¬4) فاز. (¬5) سيرته وأفعاله. يخبر صلى الله عليه وسلم عن صفات الناجي الفائز المفلح السعيد: (أ) مطيع الله ورسوله وآمن بهما وعمل صالحاً. (ب) قلبه طاهر من أدران المعاصي والنفاق والشقاق. (جـ) كلامه طيب يرضي الله جل وعلا. (د) نفسه هادئة تحب الخير راضية مرضية صابرة محتسبة قانعة. (¬6) طبعه حسن وأخلاقه كريمة وباطنه نقى من الشرور. خلاصة أضرار الحسد كما قال صلى الله عليه وسلم وثمرات اجتنابه: أولاً: الحاسد تعرض لما ينهي الله عنه ورسوله "ولا تحاسدوا". ثانياً: ليس في قلبه الإيمان بالله "لا يجتمع". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ثالثاً: يمحو حسناته من صحيفته كما تأكل النار الحطب. رابعاً: يدل على عدم فائدة الحاسد ورداءة صحبته. خامساً: ليس مسلماً كامل الإيمان ذو حسد. سادساً: الحسد يجلب المصائب ويزيل النعم ويفتك بصاحبه فتكاً ذريعاً (ما ذئبان). سابعاً: يجعل صاحبه جاهلاً غراً متصفاً بأعمال الأمم الحقيرة (دب إليكم). ثامناً: عدم الحسد يدل على الاستقامة والهداية (إن قدرت). تاسعاً: ترك الحسد يدخل الجنة (ولا أحسد أحداً). عاشراً: اجتنابه عنوان النجابة ومعين السعادة (قد أفلح). الاستشهاد من القرآن الكريم على وخامة الحسد وسوء عاقبته: (أ) قال الله جل ذكره: "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير" (110 من سورة البقرة). (كفاراً): مرتدين أي تمنوا من عند أنفسهم وتشهيهم لا من قبل التدين والميل مع الحق. أي حسداً منبعثاً من أصل نفوسهم، والعفو ترك عقوبة المذنب، والصفح ترك تثريبه. إن شاهدنا هذا الخلق الذميم الذي منع الكفار أن يقتبسوا من نور الله تعالى المحمدي ويهتدوا بهديه كما قال سيدنا معاوية: ليس في خصال الشر أعدل من الحسد يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود. وقال ابن المعتز: الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له، بخيل بما لا يملكه، طالب ما لا يجده. أهـ وقد أمر الله الصحابة بترك محاسبة أولئك الحساد مع الحذر واليقظة. (ب) وقال تعالى: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيراً" (54 - 55 من سورة النساء). بل أيحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم والعرب والناس، لأن من حسد على النبوة فكأنما حسد الناس كلهم كمالهم ورشدهم. وبخهم وأنكر عليهم الحسد كما ذمهم على البخل وهما شر الرذائل (من فضله): النبوة والكتاب والنصرة والإعزاز وجعل النبي الموعود منهم، فلا يبعد أن يؤتيه الله تعالى مثل ما آتى إبراهيم وآله (فمنهم): أي اليهود من آمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وترك الحسد، ومنهم من أعرض عنه ولم يؤمن به. وقيل معناه فمن آل إبراهيم من آمن به ومنهم من كفر، ولم يكن في ذلك توهين أمره فكذلك لا يوهن كفر هؤلاء أمرك (سعيراً): ناراً مسعورة يعذبون بها إن لم يعجلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعد لهم من سعير جهنم. إن شاهدنا أولئك الحساد ابتعدوا عن الاعتراف من العذب والاستضاءة بنبراس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يمنعهم من الخير سوى الحسد. (جـ) وقال تعالى: "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" (من سورة الأنعام). "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها ومابطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" (33 من سورة الأعراف). وعد العلماء الحسد من الفواحش الباطنة. (د) وقال تعالى: "واتل عليهم نبأ ابني آدم إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغرب فأواريَ سوأة أخي فأصبح من النادمين" (27 - 31 من سورة المائدة). قابيل وهابيل أخوان شقيقان أوحى الله سبحانه وتعالى إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توءمة الآخر فسخط منه قابيل وحسده، لأن توءمته كانت أجمل فقال لهما آدم قربا قرباناً فمن أيكما قبل منه تزوجها فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل سخطاً وحسداً وضغناً. انظر رعاك الله تعالى إلى الحسد جر إلى جريمة قتل مع أن المؤرخين قالوا كان هابيل أقوى منه، ولكن تحرج عن قتله واستسلم له خوفاً من الله سبحانه وتعالى، قيل القتل بالبصرة في موضع المسجد الأعظم، وهابيل عمره عشرون سنة، وقيل عند عقبة حراء (يا ويلتا) كلمة زجر وتحسر وتأنيب الضمير، واحتار في أمره وحمله على رقبته سنة واسود لونه مثل الغراب، دليله وقائده. قال الشاعر: إذا كان الغرب دليل قوم .. (هـ) وقال تعالى: "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد" (سورة الفلق). أمره الله سبحانه وتعالى ليستعيذ وأمته ويطلب الحصن المنيع من أذى الحاسد إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه وانبعث الشر من الحاسد كما ينبعث من الخلق، ومن ظلام الليل الحالك ومن السواحر النفوس والنساء اللاتي يعقدن عقل في خيوط وينفثن عليها للضرر، وأورد البخاري باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر وقوله تعالى: "ومن شر حاسد إذا حسد" قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تحاسدوا) وأورد أيضاً باب قول الله تعالى: (أ) "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" (الآية من سورة النحل). (ب) وقوله تعالى: "إنما بغيكم على أنفسكم" (من سورة يونس). (جـ) وقوله تعالى: "ثم بغى عليه لينصرنه الله" (من سورة الحج). وترك إثارة الشر على مسلم أو كافر. ثم ذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود أتاه رجلان في الرؤيا وأرشداه إلى جف طلعة ذكر في مشط ومشاطة تحت رعوفة في بئر ذروان، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذه البئر التي أريتها كأن رءوس نخلها رءوس الشياطين، وكان ماءها نقاعة الحناء فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج قالت عائشة فقلت يا رسول الله فهلا تعني تنشرت فقال صلى الله عليه وسلم أما الله فقد شفاني، وأما أنا فأكره أن أثير على الناس شراً. أهـ. قال ابن بطال: وجه الجميع بين الآيات المذكورة وترجمة الباب مع الحديث أن الله تعالى لما نهى البغي، واعلم أن ضرر البغي إنما هو راجع إلى الباغي وضمن النصر لمن بغي عليه، وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقب الذي كاده بالسحر مع قدرته على ذلك. انتهى ملخصاً. قال الحالفظ: ويحتمل أن يكون مطابقة الترجمة للآيات والحديث أنه صلى الله عليه وسلم ترك استخراج السحر خشية أن يثور على الناس منه شر فسلك مسلك العدل في أن لا يحصل لمن لم يتعاط السحر من أثر الضرر الناشئ عن السحر شر وسلك مسلك الإحسان في ترك عقوبة الجاني. أهـ فتح ص 368 جـ 10، قال الغزالي: اعلم أن الحسد من نتائج الحقد والحقد من نتائج الغضب فهو فرع فرعه والغضب أصل أصله. وقال زكريا عليه السلام قال الله تعالى: "الحاسد عدو لنعتمي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي" وقال بعض السلف: أول خطيئة كانت هي الحسد، حسد إبليس آدم عليه السلام على رتبته فأبى أن يسجد له فحمله الحسد على المعصية. وقال رجل للحسن هل يحسد المؤمن؟ قال ما أنساك بني يعقوب، نعم ولكن غمه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعد به يداً ولا لساناً. وقال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = معاوية: كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها، ولذلك قيل: كل العداوة قد ترجى إماتتها ... إلا عداوة من عاداك من حسد ليس المؤمن بحسود ولذا يسود وينجح في أعماله: (و) وفي كتاب الزاوجر: الكبيرة الثالثة الغضب بالباطل والحقد والحسد. قال ابن حجر الهيتمي: لما كانت هذه الثلاثة بينها تلازم وترتب، إذا الحسد من نتائج الحقد والحقد من نتائج الغضب كانت بمنزلة خصلة واحدة، قال الله تعالى: "إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها" (من سورة الفتح). الله سبحانه وتعالى ذم الكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب بالباطل ومدح المؤمنين بما أنزل عليهم من السكينة والطمأنينة الناشئ عنها إلزامهم كلمة التقوى وأنهم هم أهلها وأحق بها. أهـ ص 43 جـ 1، (الحمية): الأنفة، والسكينة الثبات والوفاء، وكلمة التقوى الشهادة أو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ محمد رسول الله اختارها لهم، أو الثبات والوفاء بالعهد والتحلي بآداب الله وتنفيذ أوامره. (ز) وقال تعالى: "وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين" (60 - 61 من سورة يونس). أي شيء ظنهم؟ أيحسبون أن لا يجازوا عليه؟ وفيه إنذار العصاة، ويدخل الحسد في ذلك، وفيه إيهام الوعيد تهديد عظيم؛ فالله تعالى أنعم عليهم بالعقل وهداهم بإرسال الرسل وبإنزال الكتب فعليهم أن يتعظوا ويعملوا صالحاً (شأن) أي أمر يقصد إلا والله يعلمه، وكذا الأعمال جليلها وحقيرها (تفيضون): تخضون فيه وتندفعون، وما يعزب ولا يبعد عنه ولا يغيب عن علمه (كتاب) اللوح المحفوظ، قال تعالى: "إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون" (44 من سورة يونس). (ح) وقال تعالى: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً" (32 من سورة النساء). (ط) وقال تعالى: "ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط" (119 - 120 من سورة آل عمران). (ي) وقال تعالى: "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم" (89 من سورة الشعراء). (ك) وقال تعالى: "والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم" (10 من سورة الحشر). (تبوءوا): نزلوا، والمراد الأنصار تبوءوا مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فانشرحت صدورهم للمسلمين الغرباء ويفرحون بقضاء طلبهم، وذهبت عنهم الحزازة والحسد والغيظ، ويقدمون المهاجرين على أنفسهم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حتى إن من كان عنده امرأتان نزل عن واحة وزوجها من أحدهم. بخ بخ ذلك العمل الرابح الفائز بالثناء العاجل والثواب الآجل (غلا) حقداً، هذا طلب الذين هاجروا حين قوي الإسلام أو التابعون بإحسان أو المؤمنون إلى يوم القيامة صفاتهم المحبة في الله وتقديم الخير للمسلمين، وإزالة الأثرة والأنانية من نفوسهم والاعتصام والاتحاد، قال الشاعر: اصبر على كيد الحسود ... فإن صبرك قاتله كالنار تأكل نفسها ... إن لم تجد ما تأكله وقال آخر: يا حاسداً لي على نعمتي ... أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في حكمه ... لأنك لم ترض لي ما وهب فأخزاك ربي بأن زادني ... وسد عليك وجوه الطلب أدلة تحريم الحسد من إحياء علوم الدين: وأورد الغزالي في تفسير الحسد بكراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه وبتفسير الغبطة: أن لا تحب زوالها، ولا تكره وجودها ودوامها، ولكن تشتهي لنفسك مثلها، وقد تختص باسم المنافسة، وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن المؤمن يغبط والمنافق يحسد" فأما الأول فهو حلال، وأما الثاني فهو حرام بكل حال إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر، وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة، بل من حيث هي آلة الفساد، ولو أمنت فساده لم يغمك بنعمته، ثم أورد قوله تعالى: "إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها" (من سورة آل عمران). وهذا الفرح شماتة، والحسد والشماتة يتلازمان. ثم قال: إن هذه الكراهة تسخط لقضاء الله تعالى في تفضيل عباده على بعض، وذلك لا عذر فيه ولا رخصة، وأي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مفرة، ثم أورد الغزالي قول الله تبارك وتعالى: "ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء" (من سورة النساء). وذكر الله تعالى حسد أخوة يوسف عليه السلام وعبر عما في قلوبهم "إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم" (من سورة يوسف). فلما كرهوا حب أبيهم له وساءهم ذلك وأحبوا زواله عنه فغيبوه عنه "ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا" (من سورة الحشر). أي لا تضيق صدورهم به ولا يغتمون، فأثنى عليهم بعدم الحسد وقال تعالى: "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين" إلى قوله تعالى: "إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم" (من سورة البقرة). قيل في التفسير حسداً، وقال تعالى: "وما تفرقوا إلا من بعد ماجاءهم العلم بغياً بينهم" (من سورة الشورى). فأنزل الله العلم ليجمعهم ويؤلف بينهم على طاعته وأمرهم أن يتآلفوا بالعلم فتحاسدوا، واختلفوا إذا أراد كل واحد منهم أن ينفرد بالرياسة وقبول القول فرد بعضهم على بعض، قال ابن عباس: كانت اليهود قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا قوماً قالوا نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله وبالكتاب الذي تنزله إلا ما نصرتنا فكانوا ينصرون، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم من ولد إسماعيل عليه السلام عرفوه وكفروا به بعد معرفتهم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = إياه فقال تعالى: "وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به .. إلى قوله: بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب" (من سورة البقرة). وقال تعالى: "سابقوا إلى مغفرة من ربكم" (من سورة الحديد). وإنما المسابقة عند خوف الفوت، وهو كالعبدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما إذ يجزع كل واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى الآخر بها، ثم عدد أسباب الحسد والمنافسة: 1 - العداوة البغضاء. 2 - الكبر. 3 - التعزز وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره. 4 - التعجب. 5 - الخوف من فوت المقاصد. 6 - حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه. 7 - خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى. ثم أشار الغزالي إلى الدواء الذي ينفيه، وهو العلم والعمل، أي ضرر الحسد عليك في الدنيا والدين، وأنت لك في أعدائك ثلاثة: الأول: أن تحب مساءتهم بطبعك وتكره حبك لذلك، وميل قلبك إليه بعملك وتمقت نفسك عليه، وتود لو كانت لك حيلة في إزالة ذلك الميل منك، وهذا معفو عنه قطعاً، لأنه لا يدخل تحت الاختيار أكثر منه. الثاني: أن تحب ذلك وتظهر الفرح بمساءته إما بلسانك أو بجوارحك فهذا هو الحسد المحظور قطعاً. الثالث: وهو بين الطرفين أن تحسد بالقلب من غير مقت لنفسك على حسدك، ومن غير إنكار منك على قلبك، ولكن تحفظ جوارحك عن طاعة الحسد في مقتضاه، وهذا في محل الخلاف والظاهر أنه لا يخلو عن إثم بقدر قوة ذلك الحب وضعفه، والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل. أهـ. ص 174 جـ 3. قطعة من أدب الجاحظ في ذم الحسد من نبع السنة النبوية: الحسد - أبقاك الله - داء ينهك (1) الجسد. علاجه عسير وصاحبه ضجر (2) وهو باب غامض (3) وما ظهر منه فلا يداوى. وما بطن منه فمداويه في عناء، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دب (4) إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء". الحسد عقيدة (5) الكفر وحليف (6) الباطل وضد الحق. منه تتولد العداوة وهو سبب كل قطيعة (7) ومفرق كل جماعة، وقاطع كل رحم من الأقرباء (8) ومحدث التفرق بين القرناء (9) وملقح (10) الشر بين الحلفاء. ولابن سعيد المغربي: ولا تجادل أبداً حاسدا ... فإنه أدعى إلى هيبتك وامش الهوينى مظهراً عفة ... وابغ رضا الأعين عن هيبتك أفش التحيات إلى أهلها ... ونبه الناس إلى رتبتك ولأبي الحسن التهامي: إني لأرحم حاسدي من حرما ... ضمنت صدورهم من الأوغار نظروا صنيع الله بي فعيونهم ... في جنة وقلوبهم في نار =

الترغيب في التواضع والترهيب من الكبر والعجب والافتخار

الترغيب في التواضع، والترهيب من الكبر والعجب والافتخار 1 - عن عياض بن حمادٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

_ = لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي ... فكأنما برقعت وجه نهار وسترتها بتواضعي فتظلمت ... أعناقها تعلو على الأستار ومن الرجال معالم ومجاهل ... ومن النجوم غوامض ودراري والناس مشتبهون في إيرادهم ... وتفاضل الأقوام في الإصدار عمري لقد أوطأتهم طرق العلا ... فعموا فلم يقفوا على آثاري لو أبصروا بقلوبهم لاستبصروا ... وعمي البصائر من عمى الأبصار هلا سعوا سعي الكرام فأدركوا ... أو سلموا لمواقع الأقدار وفشت خيانات الثقات وغيرهم ... حتى اتهمنا رؤية الأبصار ولربما اعتضد الحليم بجاهل ... لا خير في يمنى بغير يسار وقال آخر: ما للزمان على المروءة عار ... ما عنده في منكر من عار أشكو إلى الله الزمان فدأبه ... عز العبيد وذلة الأحرار لا غرو إن حسدت بنوء مناقبي ... كل على مجرى أبيه جار وارحمتا للحاسدين فنارهم ... قد سعرت بعدا لها من نار وإذا جرى ذكرى تكاد قلوبهم ... تنشق أو تغتالني بشرار كرهوا عطاء الله لي يا ويحهم ... لشقائهم كرهوا صنيع الباري ويزيدهم ناراً وقود قريحتي ... وبلوغ أخباري إلى الأقطار فاحذر بني الدنيا وكن في غفلة ... عنهم وجانب كل كلب ضار واحفظ لصاحبك القديم مكانه ... لا تترك الود القديم لطاري وقال المتنبي: وهبني قلت هذا الصبح ليل ... أيعمى العالمون على الضياء تطيع الحاسدين وأنت مرؤ ... جعلت فداءه وهم فدائي وهاجي نفسه من لم يميز ... كلامي من كلامهم الهراء (1) وقال الطغرائي: جامل عدوك ما استطعت فإنه ... بالرفق يطمع في صلاح الفاسد واحذر حسودك ما استطعت فإنه ... إن نمت عنه فليس عنك براقد إن الحسود وإن أراك توددا ... منه أضر من العدو الحاقد ولربما رضي العدو إذا رأى ... منك الجميل فصار غير معاند ورضا الحسود زوال نعمتك التي ... أوتيتها من طارف أو تالد فاصبر على غيظ الحسود فناره ... ترمي حشاه بالعذاب الخالد =

إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا (¬1) حتى لا يَفْخَرَ (¬2) أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي (¬3) أحدٌ على أحدٍ" رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة. 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما نقصت صدقةٌ من مالٍ (¬4)، وما زاد الله عبداً بعفوٍ (¬5) إلا عزاً، وما تواضعَ أحدٌ للهِ إلا رفعهُ الله (¬6) " رواه مسلم والترمذي. 3 - وعن نصيحٍ العنسي عن ركب المصري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبى (¬7) لمن تواضع في غير منقصةٍ (¬8)، وذَلَّ في نفسهِ (¬9) من غير مسألةٍ (¬10)، وأنفق مالاً جمعهُ في غير معصيةٍ، ورحمِ أهل الذل والمسكنةِ، وخالط أهل الفقه والحكمة. طوبى لمن طاب (¬11) كَسْبهُ، وصلحت سريرته (¬12)، وكَرُمَتْ علانيتهُ، وَعَزَلَ (¬13) عن الناس شَرَّهُ. طوبى لمن عمل بعلمهِ، وأنفق الفضلَ (¬14) من مالهِ، وأمسك الفضلَ من قولهِ (¬15) " رواه الطبراني، ورواته إلى نصيح ثقات، وقد حسن ¬

= أو ما رأيت النار تأكل نفسها ... حتى تعود إلى الرماد الهامد تضفو على المحسود نعمة ربه ... ويذوب من كمد فؤاد الحاسد أراني أطنبت في الاستدلال على أضرار الحسد. (¬1) تظهروا اللين والبشاشة وحسن المعاملة. (¬2) يتكبر ويتعاظم. (¬3) يظلم ويتعدى. قال العلقمي: قال ابن رسلان لعله وحي إلهام أو برسالة. قال أبو زيد: مادام العبد يظن أن في الخلق من هو أشر منه فهو متكبر، وقيل التواضع: الاستسلام للحق وترك الإعراض عن الحكم من الحاكم، وقيل هو خفض الجناح للخلق ولين الجانب لهم، وقيل قبول الحق ممن كان كبيراً أو صغيراً شريفاً أو وضيعاً حراً أو عبداً ذكراً أو أنثى. قال بعضهم: رأيت في المطاف إنساناً بين يديه شاكرية يمنعون الناس لأجله عن الطواف. ثم رأيته بعد ذلك على جسر بغداد يسأل الناس فعجبت منه فقال لي إني تكبرت في موضع تتواضع الناس فيه فابتلاني الله بالذل في موضع ترتفع فيه الناس. وقال بعضهم: الشرف في التواضع والعز في التقوى، والحرية في القناعة. أهـ جامع صغير ص 339 جـ 1. (¬4) يبارك فيه ويدفع عنه المضرات فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية والنمو المبارك. (¬5) إقالة مذنب وسمحه. (¬6) زاده عزاً ويرفعه في الدنيا ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة سامية، ويرفعه الله عند الناس ويجل مكانه. (¬7) مكان في الجنة واسع جداً. (¬8) نقص ومعصية وارتكاب دنيئة. (¬9) خشع. (¬10) فقر وحاجة. (¬11) حل. (¬12) نيته. (¬13) منع. (¬14) الزائد عن قوته ودينه وقوت أهله. (¬15) حبس لسانه عن اللغو.

هذا الحديث أبو عمر النمري وغيره. وركب. قال البغوي: لا أدري سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، وقال ابن منده: لا نعرف له صحبة، وذكر غيرهما أن له صحبة، ولا أعرف له غير هذا الحديث. من مات وهو بريء من الكبر والغلول والدين دخل الجنة 4 - وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات، وهو بريء من الكبر (¬1) والغلول (¬2) والدَّيْنِ (¬3) دخل الجنة" رواه الترمذي، واللفظ له والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، وقد ضبطه بعض الحفاظ، الكنز بالنون والزاي، وليس بمشهور، وتقدم الكلام عليه في الدَّيْن. 5 - وعن طارقٍ قال: "خرج عمر رضي الله عنه إلى الشام، ومعنا أبو عبيدة، فأتوا على مخاضةٍ (¬4)، وعمر على ناقة له، فنزل وخلع خُفيه، فوضعهما على عاتقهِ (¬5) وأخذ بزمام ناقته (¬6) فخاض، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا! ما يَسُرُّني أن أهل البلد استشرفوك (¬7) فقال: أوَّهْ (¬8)، ولو يَقُلْ ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالاً (¬9) لأمة محمدٍ. إنا كنا أذل قومٍ فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب ¬

(¬1) التعالي على الناس والتعاظم والتجبر. (¬2) كل من خان في شيء خفية يسمى غلولاً: أي بعد عن الخيانة والسرقة الخفية. (¬3) أخذ أموال الناس: أي يدخل الجنة من تحلى بصفات ثلاث: (أ) التواضع. (ب) الأمانة. (جـ) الاقتصاد الداعي إلى عدم الاقتراض. (¬4) مستنقع اجتمع فيه ماء كثير يخوضه المارون. (¬5) ما بين المنكب والعنق، وهو موضع الرداء. (¬6) بحطامها يقودها ويجرها. (¬7) اطلعوا عليك ورأوك. (¬8) كلمة توجع وتضجر. (¬9) مقيداً بسلاسل تمثيلاً به، من نكلته: قيدته ونكلت به إذا فعلت به ما ينكل به غيره واسم ذلك الفعل نكال قال تعالى: "فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها" (من سورة البقرة). الدرس الأخلاقي من هذا الحديث تواضع ذلك الملك العظيم عزيز الجانب جليل القدر المطاع نافذ الأوامر المرموق بعين الاحترام يقود دابته ويخلع نعليه ويخوض الماء ويستنكر عليه صديقه سيدنا أبي عبيدة بن الجراح ويشهد بأن الله رفع أمة محمد بعد انحطاطها وأعزها بعد إذلالها بالإسلام على شريطة أن تعمل بآداب رسولها صلى الله عليه وسلم، وإذا حاد المسلمون عن قواعد دينهم ذاقوا الذل ألواناً.

العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله" رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. 6 - وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تواضع لله درجةً يرفعهُ الله درجةً حتى يجعلهُ الله في أعلى عِليينَ (¬1)، ومن تكبر على الله درجةً يضعهُ الله درجةً حتى يجعلهُ في أسفل سافلين (¬2)، ولو أن أحدكم يعملُ في صخرةٍ صماء ليس عليها بابٌ، ولا كوةٌ لخرجَ ما غَيَّبَهُ للناس كائناً ما كان" رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه كلاهما من طريق دراج عن أبي الهيثم عنه وليس عند ابن ماجة: ولو أن أحدكم إلى آخره. 7 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا أعلمُهُ إلا رفعهُ قال: "يقول الله تبارك وتعالى: من تواضع لي هكذا (وجعل يزيدُ باطنَ كفهِ إلى الأرضِ وأدناها) رفعتهُ هكذا (وجعل باطن كفهِ إلى السماء، ورفعها نحو السماء) " رواه أحمد والبزار ورواتهما محتج بهم في الصحيح والطبراني، ولفظه: "قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه على المنبر: أيها الناس تواضعوا، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تواضع لله (¬3) رفعهُ الله (¬4)، وقال: انتعش (¬5) نَعَشَكَ الله، فهو في أعين الناس عظيمٌ، وفي نفسهِ صغيرٌ، ومن تكبر قَصَمَهُ الله (¬6)، وقال: اخسأ (¬7) فهو في أعين الناس صغيرٌ، وفي نفسه كبيرٌ". ¬

(¬1) أسمى مكان في قلوب الناس، وفي الجنة في الفردوس. (¬2) أحط منزلة ويرمى في قاع جهنم، ففيه الترغيب في التواضع، والكوة المشكاة. (¬3) أي لأجل عظمة الله وخشيته. (¬4) زاده الله إجلالاً في الدنيا والآخرة. (¬5) أي ارتفع وانهض من عثرتك. (¬6) كسره وأخره، وفي المصباح قصمه الله: أي أهانه وأذله، وقيل قرب موته. (¬7) أبعد، يقال خسات الكلب: أي طردته وأبعدته والخاسي المبعد، ومنه قوله تعالى: "اخسئوا فيها ولا تكلمون" (108 من سورة المؤمنون). والخاسئ الصاغر القمئ، والمعنى الذي يشعر في نفسه الضعة والذلة لله والاحتياج لمساعدته ونفسه متواضعة احترمه الناس وعظموه وأجلوه والذي يتفاخر ويتكبر على الناس أذله الله وتراه من ضعف عقله معتزلاً مهاناً حقيراً ويحسب أنه كبير: تواضع تكن كالنجم لاح لناظر ... على صفحات الماء وهو رفيع ولا تك كالدخان يعلو بنفسه ... إلى طبقات الجو وهو وضيع =

8 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من آدميٍ إلا في رأسه حكمةٌ بِيَدِ مَلَكٍ، فإذا تواضع قيل للملكِ: ارفع حكمتهُ، وإذا تكبر قيل للملكِ: ضع حكمتهُ (¬1) " رواه الطبراني والبزار بنحوه من حديث أبي هريرة وإسنادهما حسن. [الحكمة] بفتح الحاء المهملة والكاف: هي ما تجعل في رأس الدابة كاللجام ونحوه. 9 - ورويَ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تواضع لأخيه المسلم رفعهُ الله، ومن ارتفعَ عليه (¬2) وَضَعَهُ الله (¬3) " رواه الطبراني في الأوسط. 10 - وعن عبد الله، يعني ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "من يُرائي (¬4) يُرَائي الله به (¬5)، ومن يُسَمِّعُ يُسَمِّعُ الله به (¬6)، ومن تطاول تعظيماً (¬7) يخفضهُ الله (¬8)، ومن تواضع خشيةً يرفعهُ الله، الحديث" رواه الطبراني من رواية المسعودي، وليس في أصلي رفعه. 11 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والكبر (¬9)، فإن الكبر يكونُ في الرجل، وإن عليه العباءة (¬10) " رواه الطبراني في الأوسط، ورواته ثقات. ¬

= إذا شئت أن تزداد قدراً ورفعة ... فلن وتواضع واترك الكبر والعجبا تواضع إذا ما نلت في الناس رفعة ... فإن رفيع القوم من يتواضع تواضع إذا ما كان قدرك عاليا ... فإن اتضاع المرء من شيم العقل (¬1) كل إنسان بيد الله سبحانه وتعالى إذا أظهر اللين وعدم التكبر زاده الله إجلالاً واحتراماً وإلا أنزله إلى الدرجات الواطية وحقره. (¬2) تكبر جعله ساقطاً لا قدر له. (¬3) يقال تواضع لله: خشع وذل ووضعه الله فاتضع. (¬4) يظهر أعماله مفاخرة وانتظار المدح. (¬5) يفضحه ويظهر سوء نيته ولا يظفر من ريائه إلا بالخيبة والخذلان وسوء المصير. (¬6) أي من أظهر عمله رياءً للناس أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة وفضحه على رءوس الأشهاد. (¬7) قهر وغلب وتفاخر. (¬8) يهينه. (¬9) احذروا التكبر. (¬10) أي ربما يلبس رداء فيتفاخر به ويتعاظم فيوجد الكبر: فحذر صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتطاولوا بحسن هندامهم أو يتفاخروا ببداعة حللهم وغلو ثمنها.

العز إزاري والكبرياء ردائي 12 - وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أحَبِّكم إليَّ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليَّ، وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون. قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارين والمتشدقين (¬1) فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، ورواه أحمد والطبراني، وابن حبان في صحيحه من حديث أبي ثعلبة، وتقدم. [الثرثار] بثاءين مثلثتين مفتوحتين، وتكرير الراء: هو الكثير الكلام تكلفاً. [والمتشدق]: هو المتكلم بملء شدقيه تفاصحاً وتعاظماً، واستعلاء على غيره، وهو معنى المتفيهق أيضاً. 13 - وعن أبي سعيدٍ، وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عزوجل: العزُّ إزارهُ، والكبرياءُ رداؤهُ (¬2)، فمن ينازعني عَذَّبْتُهُ (¬3) " رواه مسلم، ورواه البرقاني في مستخرجه من الطريق الذي أخرجه مسلم، ولفظه: "يقول الله عز وجل: العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني شيئاً منهما عذبتهُ" ورواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة وحده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تبارك وتعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفتهُ في النار". ¬

(¬1) أي من الذين يحبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسكنون في الجنة في الدرجة العالية بجوار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المتصفون بالأخلاق الكريمة المتحلون بالخلال الحميدة، والذين يكرههم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك المتجبرون المتعاظمون. (¬2) معناه: الله تعالى متصف بالعز والكبرياء. وهذا مجاز واستعارة حسنة، والضمير يعود إلى الله تعالى للعلم به كما تقول العرب: شعاره الزهد ودثاره التقوى ويريدون الصفة، وفي النهاية: والكبرياء العظمة والملك، وقيل هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود لا يوصف بها إلا الله تعالى، يقال كبر يكبر بالضم: أي عظم فهو كبير، والله أكبر: أي أعظم من كل شيء، وقيل أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته، وفي أسماء الله تعالى المتكبر، والكبير: أي العظيم ذو الكبرياء، وقيل المتعالي عن صفات الخلق، وقيل المتكبر على عتاة خلقه، والتاء فيه للتفرد والتخصيص، لا تاء التعاطي والتكلف. أهـ. (¬3) يتخلق بذلك ويتكبر فيصير في معنى المشارك له سبحانه وتعالى، والله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، فمن شابهه عاقبه "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد" (1 - 4 سورة الإخلاص).

14 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله جل وعلا: الكبرياء ردائي، والعظمةُ إزاري، فمن نازعني واحداً منهما ألقيتهُ في النار" رواه ابن ماجة واللفظ له، وابن حبان في صحيحه كلاهما من رواية عطاء بن السائب. 15 - وعن فضالة بن عُبيدٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ لايُسألُ عنهم: رجلٌ نازع الله رداءهُ، فإن رداءهُ الكبرُ (¬1)، وإزارهُ العِزُّ، ورجلٌ في شكٍ من أمر الله، والقُنُوطِ من رحمته" رواه الطبراني واللفظ له وابن حبان في صحيحه أطول منه. 16 - وعن حارثة بن وهبٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأهل النار؟ كُلُّ عُتُلٍ جَوَّاظٍ مُستكبرٍ (¬2) " رواه البخاري ومسلم. [العُتُل] بضم العين والتاء وتشديد اللام: هو الغليظ الجافي (¬3). [والجواظ] بفتح الجيم وتشديد الواو، وبالظاء المعجمة: هو الجموع المنوع، وقيل: الضخم المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين (¬4). 17 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخلُ الجنة الجوَّاظُ (¬5)، ولا الجعْظَرِيُّ (¬6) " قال: والجواظُ الغليظ الفظ. رواه أبو داود. أما أهل الجنة فالضعفاء المغلوبون 18 - وعن سراقة بن مالك بن جعشمٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا سراقةُ ألا أخبرك بأهل الجنة، وأهل النار؟ قُلتُ: بلى يا رسول الله ¬

(¬1) في (ن د): الكبرياء، وفي (ن ط وع): الكبر ص 254 - 2 (¬2) أي الفظ شديد الخصومة، أو الفاحش الآثم ردئ الأخلاق. (¬3) كثير اللحم. (¬4) الفاجر المختال الغرور المعجب بنفسه المحقر دونه، أي صفات أهل النار المعذبين: (أ) خشونة الطبع وسفاهة الرأي وقلة الأدب والقسوة. (ب) الممتلئ صحة ونضارة ويقصر في أداء حقوق الله المتبع ملذاته المائل إلى شهواته العاصي ربه. (جـ) كثير الفخر والكبرياء والرياء يحب الشهرة الكاذبة بلا عمل صالح خالص لوجه الله تعالى ويتعالى على الناس. (¬5) الجموع المنوع المختال في مشيته. (¬6) الفظ الغليظ المتكبر، وقيل هو الذي ينتفخ بما ليس عنده وفيه قصر. أهـ نهاية.

قال: أما أهل النار فكلُّ جَعْظَريٍّ جَوَّاظٍ مُستكبرٍ، وأما أهل الجنة فالضعفاء المغلوبون (¬1) " رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 19 - وعن حذيفة رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازةٍ قال: ألا أخبركم بشرِّ عباد الله؟ الفظُّ المستكبرُ. ألا أخبركم بخير عباد الله؟ الضعيفُ المستضعفُ ذو الطِّمْرَيْنِ (¬2) لا يُؤبَهُ له، لو أقسم على الله لأبَرَّهُ (¬3) " رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح إلا محمد بن جابر. 20 - وعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "احْتَجَّتِ (¬4) الجنة والنار، فقالتِ النارُ: في الجبارون (¬5) والمتكبرون، وقالت الجنة: في ضعفاء المسلمين (¬6) ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرْحَمُ بك من أشاء، وإنك النار عذابي أُعذبُ بك من أشاء، ولكليكما عليَّ مِلؤها (¬7) " رواه مسلم. 21 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ لا يُكلمهم الله (¬8) يوم القيامة، ولا يُزكيهم (¬9)، ولا ينظرُ إليهم ولهم عذابٌ ¬

(¬1) المقهورون المسلمون في أعمالهم لله تعالى الراضون بتيسير دفة الأمور له وحده. (¬2) تثنية طمر وهو الخلق، والمعنى يظهر عليه الضعف والذلة وخشية الله ملتجئاً إلى مولاه القوى القاهر وحده، لا يحترمه الناس ولا قدر عند الناس فهم يدفعونه عن أبوابهم ويطردونه عنهم احتقاراً له. (¬3) لو حلف على وقوع شيء أجاب الله سؤاله لعظم منزلته عند الله تعالى، والمعنى من أفاضل الناس الصالحين الأخيار الأبرار المتواضعون، ومن أصحاب السوء والشرور أصحاب القبائح السبابون الشتامون المصابون بالكبر. (¬4) أظهرت حجتها بلسان فصيح للأخرى: أي تخلصتما بلسان المقال أو الحال. (¬5) أي اختصصت وأوثرت بالظالمين والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه، أو الذي لا يكترث بأمر ضعفاء الناس وسقطهم، والمتكبر المتعظم بما ليس فيه. (¬6) المحتقرون بين الناس الساقطون من أعينهم لتواضعهم لربهم. (¬7) الله تعالى يملأ الجنة بالصالحين، والنار بالظالمين العصاة، قال تعالى: "فريق في الجنة وفريق في السعير" (7 من سورة الشورى). ففيه الترغيب ببشاشة النفس وخشوعها وتذليلها على المكارم وتعويدها المحامد: إن شئت أن تبني بناء شامخا ... يلزم لذا البنيان أس راسخ إن البناء هو الكمال وأسه الصـ ... خرى فهو الاتضاع الباذخ (¬8) لا يتجلى عليهم برضوانه ولا ينظر إليهم سبحانه وتعالى حين يراه جل جلاله أهل الجنة، فلا يكلم هؤلاء الثلاثة. (¬9) ولا يطهرهم من أدران المعاصي.

أليم: شيخٌ زانٍ (¬1)، ومَلِكٌ كذابٌ (¬2)، وعائلٌ مُستكبرٌ (¬3) " رواه مسلم والنسائي. [العائل] بالمد: هو الفقير. لا يدخل الجنة مسكين مستكبر 22 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعةٌ يبغضهم الله: البياعُ الحلاّفُ، والفقيرُ المختالُ، والشيخُ الزاني، والإمامُ الجائر" رواه النسائي وابن حبان في صحيحه. 23 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرِضَ عليَّ أولُ ثلاثٍ يدخلون النار: أميرٌ مُسَلَّطٌ (¬4)، وذُو ثروةٍ (¬5) من مالٍ لا يؤدي حق الله فيه، وفقيرٌ فخورٌ" رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. 24 - وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: الشيخُ الزاني، والإمامُ الكذَّابُ، والعائلُ المزْهُوُّ" رواه البزار بإسناد جيد. [المزهو]: هو المعجب بنفسه المتكبر. 25 - وعن نافعٍ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخلُ الجنة مسكينٌ مُستكبرٌ (¬6)، ولا شيخٌ زانٍ، ولا مَنَّانٌ (¬7) على ¬

(¬1) كبير السن فاحش فاسق، وعذابه أشد، لأن الشهوة فقدت منه لضعفه وهرمه ومع ذلك يرتكبها. (¬2) حاكم نافذ الأمر مطاع ومع ذلك يغير القول الحق لدناءته وعدم صدقه مع أن الرعية طوع إرادته، وصدقه لا يشينه ولا يضره، ولكن يميل إلى الباطل فيكذب. (¬3) أي فقير ذو عيال متكبر على السعي على عياله فلا يحترف ولا يسأل لهم، فالله تعالى لا يكلمهم كلاماً يسرهم استهانة بهم وغضباً عليهم، ولا ينظر إليهم نظر رحمة (وشيخ) التزم المعصية مع عدم ضرورته إليها وضعف داعيتها عنده فأشبه إقدامه عليها المعاندة والاستخفاف بحق الله تعالى وقصد معصيته لا لحاجة غيرها، فإن الشيخ ضعفت شهوته عن الوطء الحلال فكيف بالحرام؟ وكمل عقله ومعرفته لطول ما مر عليه من الزمان، وإنما يدعو إلى الزنا غلبة الحرارة وقلة المعرفة وضعف العقل الحاصل، كل ذلك في زمن الشباب (وملك كذاب) لأن الكذب إنما يحتاج إليه من يخاف الناس، والملك لا يخشى من أحد، والعائل يتكبر مع فقد سببه من مال وجاه علامة كونه مطبوعاً: أي الكبر مركوز في طبعه. أهـ جامع صغير ص 188 جـ 2 (¬4) حاكم جبار ظالم. (¬5) غني لا يزكي ولا يتصدق ولا ينفق في وجوه الطاعة. (¬6) يتكلف التكبر والتفاخر والتعاظم على غيره. (¬7) الذي يعدد عطاءه على من أعطى ويتمدح بصدقته ويحب الرياء والفخر، وفيه الترغيب في عمل الخير لله بلا انتظار مدح أحد من خلقه سبحانه وتعالى: "ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون" (38 من سورة الروم).

الله بعمله" رواه الطبراني من رواية الصباح بن خالد بن أبي أمية عن نافع، ورواته إلى الصباح ثقات. لا يدخل الجنة إنسان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر 26 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوفٍ قال: "التقى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمروٍ بن العاص رضي الله عنهم على المروة فتحدثا، ثم مضى عبد الله بن عمرو، وبقيَ عبد الله بن عمر يبكي، فقال له رجلٌ: ما يُبكيك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: هذا، يعني عبد الله بن عمروٍ، زعم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان في قلبه مثقالُ حبةٍ من خردلٍ (¬1) من كبرٍ كَبَّهُ الله (¬2) لوجهه في النار" رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح. 27 - وفي أخرى له أيضاً رواتهما رواة الصحيح: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخلُ الجنة إنسانٌ في قلبهِ مثقالُ حبةٍ من خردلٍ من كبرٍ". 28 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجلٍ يموت حين يموتُ، وفي قلبهِ مثقالُ حبةٍ من خردلٍ من كبرٍ تَحِلُّ له الجنةُ أن يَريَح ريحها، ولا يراها" الحديث رواه أحمد من رواية شهر بن حوشب عن رجل لم يسمّ عنه. 29 - وعن عبد الله بن سلامٍ رضي الله عنه: "أنه مَرَّ في السوقِ؛ وعليهِ حُزمةٌ من حطبٍ، فقيل لهُ: ما يحملكُ على هذا؟ وقد أغناك الله عن هذا. قال: أردتُ أن أدفعَ الكبرَ (¬3) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة من في قلبهِ خردلةٌ من كبرٍ" رواه الطبراني بإسناد حسن، والأصبهاني إلا أنه قال: مثقال ذرةٍ من كبرٍ. ¬

(¬1) أي جزء يسير. (¬2) قلبه على رأسه وألقاه، وفي رسالة الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد، وإلى وزيره خالد بن يحيى: أنهاك عن الشرك والكبر، فإن الله محتجب عنهما. فقال له بعض أصحابه: أمن الكبر أن يكون لك الدابة النجيبة؟ قال: لا، أمن الكبر أن يكون لك الثوب الحسن؟ قال: لا، أمن الكبر أن يكون لي الطعام أجمع الناس عليه؟ قال: لا، إنما الكبر أن تسفه الحق وتغمص الخلق. سفه الحق: جهله، وغمص الخلق: أي احتقرهم، لم يرهم شيئاً. (¬3) أكسر حدته، وفي النهاية: دمغه. أصاب دماغه فقتله، وفي حديث علي: دامغات جيشات الأباطيل: أي مهلكها.

30 - وعن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: "يُحْشَرُ المتكبرون يوم القيامة أمثال الذَّرِّ (¬1) في صور الرجال يغشاهمُ الذُّلُّ (¬2) من كل مكانٍ يُساقون إلى سجنٍ في جهنم يُقال له: بُولَسٌ تَعْلُوهُمْ نارُ الأنيار يُسقونَ من عُصارةِ أهل النار: طينة الخبال" رواه النسائي والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن. [بولس] بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح اللام بعدها سين مهملة. [والخبال] بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة. 31 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخلُ الجنة من كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كبرٍ، فقال رجلٌ: إن الرجل يحبُّ أن يكون ثوبهُ حسناً، ونعلهُ حسنةً (¬3)؟ قال: إن الله جميلٌ (¬4) يحب الجمال. الكبرُ بَطَرُ الحق، وغَمْطُ الناس" رواه مسلم والترمذي. [بطر الحق] بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة جميعاً: هو دفعه ورده. [وغمط الناس] بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة: هو احتقارهم وازدراؤهم وكذلك غمصهم بالصاد المهملة، وقد رواه الحاكم فقال: ولكنَّ الكبر مَنْ بَطَرَ الحق، وازدرى الناس، وقال: احتجا برواته. ¬

(¬1) صغار النمل. (¬2) يكسوهم ويغطيهم. (¬3) أي يتمتع بأصناف النعيم والطيبات من الرزق. (¬4) حسن الأفعال كامل الأوصاف. أهـ نهاية، أي الله تعالى متصف بكل كمال، منزه عن كل نقص يحب سبحانه أن يرى عبده متحلياً بآثار نعمه ومحامد فضله ومحاسن كرمه في حدود الحلال: (أ) قال تعالى: "كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله" (من سورة البقرة). (ب) وقال تعالى: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً" (من سورة المؤمنون). (جـ) وقال تعالى: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" (من سورة الأعراف). وقال النووي: كل أمره سبحانه وتعالى حسن جميل، وله الأسماء الحسنى وصفات الجمال والكمال وجميل الأفعال بكم باللطف والنظر إليكم يكلفكم اليسير من العمل ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل ويشكر عليه (الكبر): الارتفاع عن الناس واحتقارهم (بطر الحق): دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً (غمط الناس): احتقارهم (وذرة من كبر): المراد التكبر عن الإيمان فصاحبه لا يدخل الجنة أصلاً إذا مات عليه أو لا يكون في قلبه كبر حال دخوله الجنة كما قال الله تعالى: "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً" (من سورة الحجر). أو لا يدخل الجنة بدون مجازاة إن جازاه، لأنه سبحانه قد يتكرم عليه ويسامحه. أهـ مختار الإمام مسلم ص 81 جـ 1.

النهي عن الكبر وسوء عاقبته 32 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجلٌ ممن كان قبلكم (¬1) يَجُرُّ إزارهُ من الخيلاء خُسِفَ به، فهو يتجلجلُ في الأرضِ إلى يوم القيامة" رواه البخاري والنسائي وغيرهما. [الخيلاء] بضم الخاء المعجمة وتكسر وبفتح الياء ممدوداً: هو الكبر والعجب. [ويتجلجل] بجيمين: أي يغوص وينزل فيها. 33 - وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا رجلٌ ممن كان قبلكم خرج في بُرْدَيْنِ أخضرين يختالُ فيهما (¬2) أمر الله عز وجل الأرض فأخذتهُ، فهو يتجلجلُ فيها إلى يوم القيامة" رواه أحمد والبزار بأسانيد رواةُ أحدها محتج بهم في الصحيح. 34 - وعن جابرٍ رضي الله عنه، أحسبهُ رَفَعَهُ: "أن رجلاً كان في حُلةٍ حمراء، فتبختر واختالَ فيها، فخسفَ الله به الأرضَ، فهو يتجلجلُ فيها إلى يوم القيامة" رواه البزار، رواته رواة الصحيح. 35 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجلٌ يمشي في حُلَّةٍ (¬3) تُعجبهُ نفسُهُ مُرَجِّلٌ رأسهُ، يختالُ في مشيتهِ إذ خسفَ الله به فهو يتجلجلُ في الأرض إلى يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم. [مرجل]: أي ممشط. ¬

(¬1) من الأمم السابقة، وأظنه قارون كما قال الله تعالى: "إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين قال إنما أوتيته على علم عندي .. إلى أن قال جل جلاله: "فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين" (76 - 81 من سورة القصص). (فبغى): أي فطلب الفضل عليهم، وأن يكونوا تحت أمره، أو تكبر عليهم أو ظلمهم، قيل وذلك حين ملكه فرعون على بني إسرائيل، أو حسدهم لما روي أنه قال لموسى عليه السلام: لك الرسالة ولهارون الحبورة، وأنا في غير شيء إلى متى أصبر؟ قال موسى: هذا صنع الله. أهـ بيضاوي. وقال القسطلاني: (رجل) قارون، والله أعلم. وإعجاب المرء بنفسه كما قال القرطبي: ملاحظته لها بعين الكمال مع نسيان نعمة الله تعالى، فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم، ويتجلجل: أي يتحرك أو يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد ويندفع من شق إلى شق. أهـ ص 277 جواهر البخاري. (¬2) يعجب ويتكبر. (¬3) كما قال القسطلاني: إزار ورداء ومرجل: أي مسرح مجتمع شعر رأسه. أهـ.

36 - ورويَ عن كُريبٍ قال: "كنتُ أقودُ ابن عباسٍ في زُقاقِ أبي لهبٍ فقال: يا كُريبُ بلغنا مكان كذا وكذا؟ قلتُ: أنت عندهُ الآن، فقال: حدَّثني العباسُ بن المطلب رضي الله عنه قال: بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضعِ إذ أقبلَ رجلٌ يتبخترُ بين بُردَيْنِ (¬1)، وينظرُ إلى عِطْفَيْهِ (¬2)، وقد أعجبتهُ نفسُهُ إذ خسف الله به الأرض في هذا الموضع، فهو يتجلجلُ فيها إلى يوم القيامة" رواه أبو يعلى. 37 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من جَرَّ ثوبهُ خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهَدَهُ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لست ممن يفعلهُ خُيلاء" رواه مالك والبخاري، واللفظ له، وهو أتمّ، ومسلم والترمذي والنسائي وتقدم في اللباس أحاديث من هذا. 38 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تَعَظَّمَ في نفسهِ أو اختالَ في مشيتِهِ، لقيَ الله تبارك وتعالى وهو عليه غضبانُ" رواه الطبراني في الكبير واللفظ له، ورواته محتج بهم في الصحيح، والحاكم بنحوه، وقال: صحيح على شرط مسلم. 39 - وعن خولةَ بنت قيسٍ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ¬

(¬1) ثوبين، والبردة: الشملة المخططة. (¬2) جانبيه من لدن رأسه إلى وركه: وهو الذي يمكنه أن يلقيه من بدنه؛ ويقال ثنى عطفه إذا أعرض وجفا نحو نأى بجانبه وصعر خده، قال تعالى: "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد" (8 - 10 من سورة الحج). (ثاني عطفه): كناية عن التكبر. أي متكبراً أو معرضاً عن الحق استخفافاً به بالإقبال على الجدال الباطل وبالخروج من الهدى إلى الضلال (خزي): ما أصابه يوم بدر. أهـ بيضاوي. ويدخل فيه عقاب من اتصف بالكبر وحب الباطل والتفاخر: واخفض جناحك للأقارب كلهم ... بتذلل واسمح لهم إن أذنبوا

إذا مشتْ أمتي المُطَيْطَاءَ، وخدمتهم فارسُ والروم (¬1) سُلِّطَ بعضهم على بعضٍ (¬2) " رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه الترمذي وابن حبان أيضاً من حديث ابن عمر. [المطيطاء] بضم الميم وفتح الطاءين المهملتين بينهماياء مثناة تحت ممدوداً ويقصر: هو التبختر، ومد اليدين في المشي. بئس العبد سها ولها ونسي المقابر والبلى 40 - ورويَ عن أسماء بنت عُميسٍ رضي الله عنهما قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بئس (¬3) العبدُ عبدٌ تخيلَ واختال (¬4)، ونسيَ الكبيرَ المُتعالَ (¬5) بئس العبدُ عبدٌ تجبر واعتدى (¬6)، ونسيَ الجبار الأعلى. بئس العبدُ عبدٌ سَهَا وَلَهَا (¬7) ونسيَ المقابر والبلى (¬8) بئس العبدُ عبدٌ عَتَى (¬9) وطغى (¬10)، ونسي المُبتدا والمُنتهى (¬11) بئس العبدُ عبدٌ يَخْتِلُ الدنيا بالدِّينِ (¬12) بالشهواتِ (¬13) بئس العبدُ عبدٌ طَمَعٍ يقودهُ (¬14) ¬

(¬1) أي كثرت الفتوح وتعددت المدن التي يملكها المسلمون وزاد الخير ووفرت النعم، وعمهم العز وضرب بجرانه وملكوا الأمم العظيمة، ودخلت في حوزتهم وحكموها وصاروا أعزة. (¬2) حصل الشقاق والتنابذ والتدابر كما قال تعالى: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون" (65 من سورة الأنعام). فانظر رعاك الله لقد عذب الله الأمم السابقة بالغرق، وإرسال الصواعق من السماء كما فعل بقوم نوح ولوط وأصحاب الفيل، وكما أغرق فرعون وخسف بقارون (ويذيق بعضكم): أي يقاتل بعضكم بعضاً (أو يلبسكم): أي يخلطكم فرقاً متحزبين على أهواء شتى فينشب القتال بينكم، قال صلى الله عليه وسلم: هذا أهون، ففيه الإنذار من الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكبر بالثبور والنفور والخصام. ودليل الآن الأمم العربية. (¬3) كلمة ذم وسخط. (¬4) أعبج بنفسه مرحاً، وخيل الرجل على غيره تخييلاً، مثل لبس تلبيساً وزنا ومعنى إذا وجه الوهم إليه. (¬5) العظيم المنزه عن كل نقص. (¬6) ظلم وجاوز الحد وقسا وأساء. (¬7) غفل عن حقوق الله واشتغل باللهو واللعب. (¬8) لم يذكر الموت، وكل إنسان فان. قال تعالى: "ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر" (1 - 2 من سورة التكاثر). (¬9) استكبر. (¬10) جاوز الحد والمقدار في العصيان وبغى وظلم. (¬11) أصله من نطفة قذرة وآخره الموت والفناء. (¬12) بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين، هذه الجملة في (ع ص 255)، وفي (ن د) وساقطة، في (ن ط): ويختل: أي يطلب الدنيا بعمل الآخرة، يقال ختله: خدعه وراوغه، وختل الذئب الصيد: تخفى له، ومنه حديث الحسن في طلاب العلم، وصنف تعلموه للاستطالة والختل: أي الخداع كأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه: أي يداوره ويطلبه من حيث لا يشعر. أهـ نهاية. وبجواري صحيفة تنبئ بالقبض على هذا الصنف وسجنه 11/ 1 375 أهـ. (¬13) المعاصي والموبقات، والمعنى يتظاهر بالصلاح ويفعل الفواحش سراً، ويخلط رغبات الدين بملذاته. (¬14) جشع في طلب الدنيا يسوقه.

بئس العبدُ عبدٌ هوىً يُضلُّهُ (¬1). بئس العبدُ عبدٌ رَغَبٍ يُذِلُّهُ (¬2) " رواه الترمذي، وقال: حديث غريب، ورواه الطبراني من حديث نعيم بن همار الغطفاني أخصر منه وتقدم. لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه: العُجْبَ 41 - وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في جهنم وادياً يُقالُ له هَبْهَبُ، حقاً على الله أن يُسكنهُ كل جبارٍ عنيدٍ (¬3) " رواه أبو يعلى والطبراني والحاكم كلهم من رواية أزهر بن سنان، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. [هبهب] بفتح الهاءين وموحدتين. 42 - وعن سلمة بن الأكوعِ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزالُ الرجلُ يذهبُ بنفسهِ حتى يُكْتَبَ في الجبارين فَيُصيبهُ ما أصابهم" رواه الترمذي، وقال حديث حسن. [قوله: يذهب بنفسه]: أي يترفع ويتكبر. 43 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو لم تُذنبوا لخشيتُ عليكم ما هو أكبر منه: العُجْبَ (¬4) " رواه البزار بإسناد جيد. ¬

(¬1) أي ميل يجره إلى معصية الله، يقال أهوى بيده إليه: أي مدها نحوه، وأمالها إليه ويأخذ كل واحد ما هوى: أي ما أحب، هوى يهوى هوى. (¬2) الرغب شؤم: أي الشره والحرص على الدنيا، وقيل سعة الأمل وطلب الكثير، ومنه حديث مازن، وكنت امرأ بالرغب والخمر مولعاً: أي بسعة البطن وكثرة الأكل. أهـ نهاية. يذم النبي صلى الله عليه وسلم: (أ) المتكبر المغرور، وغفل عن إلهه الجليل القدير. (ب) الظالم وغفل عن وجود القهار الملك العزيز الخافض الرافع. (جـ) المنهمك في ملذاته المتفاني في قضاء شهواته المقصر في تشييد الصالحات وغفل عن الموت وعذاب القبر وسؤال الملكين والثواب والعقاب. (د) الطماع الشره. (هـ) المتبع أهواءه صاحب الغي الفاسق. (و) عبد الدنيا المتفاني في تحصيل المال وخزنه وعدم التمتع بإنفاقه في وجوه البر. (¬3) عات متكبر على الله معاند للحق كما قال تعالى: "وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ" (15 - 17 من سورة إبراهيم). أي مرصد بها واقف على شفيرها في الدنيا مبعوث إليها في الآخرة، وهذه الآية وإن كانت في الكفار فيدخل فيها الطاغية الجبار. (¬4) الافتخار بالنفس وشعورها بالكمال والتقصير في تشييد الصالحات، يقال لمن يروقه نفسه: فلان معجب بنفسه وبرأيه. =

44 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

_ = ولابن دريد: وآفة العقل (¬1) الهوى (¬2) فمن علا (¬3) ... على هواه عقله فقد نجا كم من أخ مسخوطة أخلاقه (¬4) ... أصفيته الود لخلق مرتضى (¬5) وعطف النفس على سبل الأسى (¬6) ... إذا استفز (¬7) القلب تبريح (¬8) الجوى (¬9) والله ليمتنعن، وليبتعدن عن التفاخر والتحادث بمجد الآباء والأجداد الذين فنوا عن الظلم والجهل والكفر وليتذكر المسلمون آداب الإسلام: وما فيهم من نعم الإيمان وإلا تندحر قيمتهم وتضيع درجتهم وعزتهم، ولا يساوون حشرات المراحيض، ثم بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم فضل الله على المسلمين بعدم التفاخر بالحسب والنسب وأن الناس صنفان: (أ) سعيد منعم محترم، وهو مؤمن تقي. (ب) شقي مطرود من رحمة الله معذب، وهو فاجر فاسق، قال الله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (13 من سورة الحجرات). أي من آدم وحواء عليهما السلام، أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأب، فالكل سواء في ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب، ويجوز أن يكون تقريراً للأخوة المانعة عن الاغتياب، والتقوي بها تكمل النفوس وتتفاضل بها الأشخاص فمن أراد شرفاً فليلتمسه منها كما قال صلى الله عليه وسلم "من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله" أهـ بيضاوي: الناس من جهة التمثال أكفاء ... أبوهم آدم والأم حواء فإن لم يكن لهم في أصلهم شرف ... يفاخرون به فالطين والماء ما الفخر إلا لأهل العلم إنهمو ... على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه ... والجاهلون لأهل العلم أعداء وإن أتيت بجود في ذوي نسب ... فإن نسبتنا جود وعلياء ففز بعلم تعش حياً به أبدا ... الناس موتى وأهل العلم أحياء ومن وصية ابن شداد لابنه: عليك بتقوى الله العظيم، وليكن أولى الأمر شكر الله وحسن النية في السر والعلانية، فإن الشكور يزداد، والتقوى خير زاد، وكن كما قال الحطيئة: ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكن التقى هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخرا ... وعند الله للأتقى مزيد الثمرات الناضجة التي يجنيها المتواضع كما قال صلى الله عليه وسلم: (1) يعمل المتواضع بما أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم (حتى لا يفخر). (2) يقدمه الله ويجعل له درجات عالية. (3) يبارك في ماله ويدفع عنه المضرات فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية، ويسود ويعظم في القلوب ويكرم = ¬

لَيَنْتَهِيَنَّ أقوامٌ يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فَحْمُ جهنم، أو ليكونن أهونَ على الله عز وجل من الْجُعَلِ الذي يُدَهْدِهُ الخُرْء بأنفهِ إن الله أذهبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية ¬

_ = ويرفعه الله في الدنيا ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة محبوبة ومكانة مكينة في الأفئدة دنيا وأخرى (ما نقصت صدقة). (4) يدخل الجنة في مكان فسيح (طوبى). (5) التواضع شعار الإيمان ونور الإسلام ومنبع الرضا ودلائل قبول الله جل وعلا (فخاض). (6) يختص بالفردوس (أعلى عليين). (7) يمده الله بعنايته ويحيطه برعايته ويستره ويظله برضوانه (نعشك الله). (8) يرافقه ملك الرحمة يهديه إذا ضل ويرشده إذا غوى ويرفعه إذا نزل (حكمته بيد ملك). (9) يبتعد عن الشهرة الكاذبة والصيت الزائف ولم يراء أو يسمع. (10) المتواضع حبيب الله تعالى ورسوله، ومكانه مجاور له صلى الله عليه وسلم (وأقربكم مني). (11) لم ينازع المتواضع الله تعالى في صفتيه الملازمتين له تبارك وعز شأنه (العز إزاره) قال النووي: هذا وعيد شديد في الكبر مصرح بتحريمه، وأما تسميته إزاراً ورداء فمجاز واستعارة حسنة. قال المازري: ومعنى الاستعارة هنا أن الإزار والرداء يلصقان بالإنسان، ويلزمانه، وهما جمال له قال فضرب ذلك مثلاً لكون العز والكبرياء بالله تعالى أحق وله ألزم واقتضاهما جلاله، ومن مشهور كلام العرب: فلان واسع الرداء وغمر الرداء: أي واسع العطية. أهـ ص 147 جـ 16 (12) من علامات الطرد من رحمة الله ورضوانه التكبر (عتل). (13) ينال المتواضع صفات الأخيار ويحظى بدرجات عظيمة من القهار سبحانه وتعالى ولا يعد من أشرار عباد الله. (14) يملأ النار المتكبرون، والجنة للمتواضعين (ولكليكما عليَّ ملؤها). (15) يكرم الله المتواضع وينظر إليه نظر رحمة ويكلمه كلام رضا (ثلاثة). (16) يكب المتكبر على وجهه في النار، ولا يشم ريح الجنة (من خردل). (17) يخرج المتكبر من قبره ذليلاً حقيراً مهاناً يزدري به مثل ذراري النمل (بولس). (18) عند خروج روحه يخسف به ويستمر عذابه هكذا (يتجلجل). (19) يتنعم المتواضع بظل الله تعالى ورحماته، ويشعر المتكبر أن الله عليه غضبان. (20) لاشك أن المتكبر مذموم عليه كل لعنة وسخط وغضب (بئس). (21) يفوز المتواضع بالسعادة والسيادة والعز قال تعالى: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون" (8 من سورة المنافقون). أي ولله الغلبة والقوة، ولمن أعزه من رسوله والمؤمنين المتواضعين ولا يعلم المنافقون من فرط جهلهم وغرورهم. رزقنا الله التحلي بالتواضع والتخلي عن الكبر. الاستدلال من القرآن الكريم: (أ) قال الله تعالى: "ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة" (37 - 39 من سورة الإسراء). أي ذا مرح، وهو الاختيال فلن تجعل فيها خرقاً بشدة وطأتك (طولاً) بتطاولك، وهو تهكم بالمختال وتعليل للنهي بأن الاختيال حماقة مجردة لا تعود بجدوى ليس في التذلل (الحكمة): معرفة الحق لذاته والخير العمل به. =

وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمنٌ تقيٌ، وفاجرٌ شقيٌ، الناسُ بنو آدم، وآدمُ خُلِقَ من ¬

_ = (ب) وقال تعالى: "ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير" (18 - 19 من سورة لقمان). أي لأجل الفرح والبطر، وتوسط في مشيك بين الدبيب والإسراع، وعنه عليه الصلاة والسلام "سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن" (واغضض): انقص منه وأقصر (أنكر): أوحش، والحمار مثل الذم سيما نهاقه. (جـ) وقال تعالى: "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً استكباراً في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله" (42 - 43 من سورة فاطر). لما بلغ قريشاً أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا: لعن الله اليهود والنصارى، لو أتانا رسول فجاءهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (نفوراً): تباعداً عن الحق. (د) وقال تعالى: "إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين" (22 - 23 من سورة النحل). الله تعالى أقام الحجج على أنه واحد جل جلاله، ولكن استكبروا عن اتباع الرسول وتصديقه بعد وضوح الحق، وذلك لعدم إيمانهم بالآخرة، والمؤمن يصدق الرسول وينتفع بتعاليمه (لا جرم): حقاً. (هـ) وقال تعالى: "سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً، ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين" (146 من سورة الأعراف). (و) وقال تعالى: "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق" (8 - 9 من سورة الحج). (ز) وقال تعالى: "ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم" (7 - 8 من سورة الجاثية). (ح) وقال تعالى: "أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون" (87 من سورة البقرة). (ط) وقال تعالى: "وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً ثم إني دعوتهم جهاراً ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً" (7 - 12 من سورة نوح). (استغشوا): جعلوها غطاء لهم وتغطوا بها لئلا يرون كراهة النظر إليَّ من فرط كراهة دعوتي، أو لئلا أعرفهم فأدعوهم (وأصروا): أي أكبوا على الكفر والمعاصي. فوا أسفا جر الكبر عليهم الخزي والحرمان وأوقع عليهم العذاب. (ي) وقال تعالى: "إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفساً إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي =

ترابٍ" رواه أبو داود والترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن، وستأتي أحاديث من هذا النوع في الترهيب من احتقار المسلم إن شاء الله. ¬

_ = لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعلمون" (40 - 43 من سورة الأعراف). أرأيت الاستكبار مانعاً المجرمين من دخول الجنة حتى يدخل عظيم الجرم في ثقبة الإبرة، وذلك مما لا يكون (مهاد): فراش (غواش): أغطية، ولقد طهر الله قلوب المؤمنين المتواضعين من أسباب الغل والكبر ولم يبق فيها إلا التواضع والتوادد، وعن علي كرم الله وجهه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم. وأنا أقول: إني لآمل أن أكون أنا منهم، وكذا كل من يحب النبي صلى الله عليه وسلم ويعمل بشريعته. (ك) وقال تعالى: "ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون" (48 من سورة الأعراف). أي من رؤساء الكفرة الفجرة. (جمعكم): أي كثرتكم أو جمعكم المال. فتجد سبب النار تكبر الطغاة عن الحق أو عن الخلق، نسأل الله السلامة، ومن تتمة قول أصحاب الأعراف للرجال "أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة" (من سورة الأعراف). والإشارة إلى ضعفاء أهل الجنة الذين كانت الكفرة يحتقرونهم في الدنيا ويحلفون إن الله لا يدخلهم الجنة "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون" (من سورة الأعراف). أي فالتفتوا إلى أصحاب الجنة وقالوا لهم ادخلوا، أو فقيل لأصحاب الأعراف ادخلوا الجنة بفضل الله سبحانه وتعالى ورحمته بعد أن حبسوا حتى أبصروا الفريقين وعرفوهم وقالوا لهم ما قالوا، وقيل لما عيروا أصحاب النار أقسموا إن أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنة، فقال الله تعالى، أو بعض الملائكة "أهؤلاء الذين أقسمتم". أهـ بيضاوي. (ل) وقال عز وجل: "كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار" (35 من سورة غافر). (م) وقال تعالى: "لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً" (21 من سورة الفرقان). (ن) وقال تعالى: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" (60 من سورة غافر). النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للمتواضعين: روى البخاري عن أنس رضي الله عنهما قال: "كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سبقت العضباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حقاً على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه". درس جميل أخلاقي: ناقة الملك المتوج فائزة سباقة، وبعبارة أرقى وأحسن وأفسح: ناقة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخرت مرة في السباق أمام بعير صغير لعربي فتألم المسلمون لهذا المنظر واشتد غضبهم فطمأنهم سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزال ما عندهم بالحكمة الجليلة والأثر الخالد، قال في الفتح المراد بالتواضع إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه، وقيل هو تعظيم من فوقه لفضله، وذكر حديث أنس في ذكر الناقة لما سبقت، وعند النسائي بلفظ "حق على الله أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلا وضعه" فإن فيه إشارة إلى الحث على عدم الترفع، والحث على التواضع والإعلام بأن أمور الدنيا ناقصة غير كاملة. قال ابن بطال: فيه هوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والمفاخرة، وأن كل شيء هان على الله فهو في محل الضعة، فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيه، ويقل منافسته =

[الجُعَل] بضم الجيم وفتح العين المهملة: هو دويبة أرضية. ¬

_ = في طلبه. وقال الطبري: في التواضع مصلحة الدين والدنيا، فإن الناس لو استعملوه في الدنيا لزالت بينهم الشحناء: ولاستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة. قلت: وفيه أيضاً حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه لكونه رضي أن أعرابياً يسابقه، وفيه جواز المسابقة. أهـ ص 269 جـ 11 ومنه قول الممنوح الدرجة الثانية 1 - 5 - 1955 م: مولاي إسعادي غداً يتلالا ... بك بالهدى وبشائري تتوالى أينال ثانية خويدم "مصطفى" ... كمدرس نشر الحديث ووالى هذا عطاء الله يبسط رزقه ... يعطي يعز يبلغ الآمالا نور وترغيب جواهر مسلم ... سطعت شموسا في الورى تتعالى آمنت أن الله يجعل مخرجا ... لمن اتقاه وثروة وجمالا إيضاح الأحاديث وبيان حقيقة الكبر وآفاته: اعلم أن الكبر ينقسم إلى باطن وظاهر، فالباطن: هو خلق في النفس، والظاهر هو أعمال تصدر عن الجوارح. قال الغزالي: المتكبر عليه هو الله تعالى أو رسله أو سائر خلقه، وقد خلق الإنسان ظلوماً جهولاً، فتارة يتكبر على الخلق، وتارة يتكبر على الخالق. فإذا التكبر باعتبار المتكبر عليه ثلاثة أقسام: الأول: التكبر على الله، ومثاره الجهل المحض والطغيان، وكان نمرود يحدث نفسه أن يقاتل رب السماء، وفرعون قال: أنا ربكم الأعلى. (أ) قال تعالى: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين" (60 من سورة غافر). (ب) وقال تعالى: "لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون" (من سورة النساء). (جـ) وقال تعالى: "وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً" (60 من سورة الفرقان). الثاني: التكبر على الرسل من حيث تعزز النفس وترفعها عن الانقياد لبشر كما حكى الله تعالى: (أ) "أنؤمن لبشرين مثلنا" (من سورة المؤمنون). (ب) "إن أنتم إلا بشر مثلنا" (من سورة يس). (جـ) "ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون" (34 من سورة المؤمنون). (د) "وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً" (21 من سورة الفرقان). (هـ) "وقالوا لولا أنزل عليه ملك" (من سورة الأنعام). وقال فرعون فيما أخبر الله عنه: أ ... "أو جاء معه الملائكة مقترنين" (53 من سورة الزخرف). ب ... "واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق" (من سورة القصص). قال وهب: قال موسى عليه السلام لفرعون: آمن، ولك ملكك، فشاور فرعون هامان، فقال هامان: بينما أنت رب تعبد إذ صرت عبداً تعبد. وقالت قريش فيما أخبر الله تعالى عنهم: أ ... "وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم" (31 من سورة الزخرف). قال قتادة: عظيم القريتين هو الوليد بن المغيرة، وأبو مسعود الثقفي، طلبوا من أعظم رياسة من النبي صلى الله عليه وسلم، إذا قالوا: غلام يتيم كيف بعثه إلينا؟ ب ... فقال تعالى: "أهم يقسمون رحمة ربك" (من سورة الزخرف). وقال تعالى: "ليقولوا أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا" (من سورة الأنعام). أي استحقاراً لهم واستبعاداً لتقدمهم، وفي مسلم قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف نجلس إليك وعندك هؤلاء؟ أشاروا إلى فقراء المسلمين فازدروهم وتكبروا عن مجالستهم فأنزل الله تعالى: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء =

[يدهده]: أي يدحرج، وَزنه ومعناه. ¬

_ = فتطردهم فتكون من الظالمين" (52 من سورة الأنعام). وقال تعالى: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا" (من سورة الكهف). ثم أخبر الله تعالى عن تعجبهم حين دخلوا جهنم إذ لم يروا الذين ازدروهم "وقالوا ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخرياً أم زاغت عنهم الأبصار" (63 من سورة ص). قيل يعنون عماراً وبلالاً وصهيباً والمقداد رضي الله عنهم، ثم كان منهم من منعه الكبر عن التفكر والمعرفة فجهل كونه صلى الله عليه وسلم محقاً، ومنهم من عرف ومنعه الكبر عن الاعتراف، قال الله تعالى مخبراً عنهم: "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به" (من سورة البقرة). وقال تعالى: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً" (من سورة النمل). الثالث: التكبر على العباد. وذلك بأن يستعظم نفسه ويستحقر غيره فتأبى نفسه عن الانقياد لهم وتدعوه إلى الترفع عليهم فيزدريهم ويستصغرهم ويأنف من مساواتهم، وهذا وإن كان دون الأول والثاني فهو أيضاً عظيم من وجهين: أحدهما أن الكبر والعظمة والعز والعلاء لا يليق إلا بالملك القادر، فأما العبد المملوك الضعيف العاجز الذي لا يقدر على شيء، فمن أين يليق بحاله الكبر؟ فمهما تكبر العبد فقد نازع الله في صفة لا تليق إلا بجلاله، ومثاله أن يأخذ الغلام قلنسوة الملك فيضعها على رأسه ويجلس على سريره فما أعظم استحقاقه للمقت وما أعظم تهدفه للخزي والنكال، وما أشد استجراءه على مولاه، وما أقبح ما تعاطاه! وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله تعالى في الحديث القدسي: "العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته" أي أنه خاص صفتي، ولا يليق إلا بي والمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي. وإذا كان الكبر على عباده لا يليق إلا به فمن تكبر على عباده فقد جنى عليه، وقد نازع الله في حقه. الوجه الثاني: الذي تعظم به رذيلة الكبر أنه يدعو إلى مخالفة الله تعالى في أوامره؛ لأن المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد الله استنكف عن قبوله وتشمر لجحده واحتال لدفعه بما يقدر عليه من التلبيس، وذلك من أخلاق الكافرين والمنافقين إذ وصفهم الله تعالى فقال: "وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" (26 من سورة فصلت). فكل من يناظر للغلبة والإفحام لا ليغنم الحق إذا ظفر به فقد شاركهم في هذا الخلق، وكذلك يحمل ذلك على الأنفة من قبول الوعظ كما قال الله تعالى: "وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم" (من سورة البقرة). وقال صلى الله عليه وسلم لرجل: "كل بيمينك، قال لا أستطيع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا استطعت فما منعه إلا كبره قال فما رفعها بعد ذلك" أي اعتلت يده، رواه مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنهم، وتكبر إبليس على آدم بالنسب: "قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" (12 من سور ة الأعراف). خالف أمر الله تعالى فكان سبب هلاكه أبد الآباد، وقد شرح صلى الله عليه وسلم الكبر بهاتين الآفتين: (أ) بطر الحق. (ب) غمص الناس. وقد عد الإمام الغزالي سبعة أسباب يتطرق إليها الاستعظام، واعتقاد صفة الكمال، وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي؛ فالديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار. أولاً: العالم يتعزز بعزة العلم ويستشعر في نفسه جماله وكماله ويستعظم نفسه، ويستحقر الناس، وهذا العالم خبيث الدخلة ردئ النفس سيء الأخلاق مشتغل بالصناعات كالطب والحساب واللغة والشعر، بعيد عن العلم الحقيقي الذي يعرف به ربه ونفسه، وخطر أمره في لقاء الله والحجاب منه. قال تعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" (من سورة فاطر). =

[والعُبيِّة] بضم العين المهملة وكسرها، وتشديد الباء الموحدة وكسرها، وبعدها ياء مثناة تحت مشددة أيضاً: هي الكبر والفخر والنخوة. ¬

_ = قال أبو الدرداء من ازداد علماً ازداد وجعاً. ثانياً: العمل والعبادة، وليس يخلو عن رذيلة العز والكبر واستمالة قلوب الناس الزهاد والعباد. وبترشح الكبر منهم في الدين والدنيا: أ ... في الدنيا: العابد يتوقع توقيره. قضاء حاجته. توسع له المجالس، ذكره بالورع والتقوى. ب - ... في الدين: هو أن يرى الناس هالكين، ويرى نفسه ناجياً، وهو الهالك تحقيقاً مهما رأى ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم" قال الغزالي: لأنه مزدر بخلق الله مغتر بالله آمن من مكره، غير خائف من سطوته، وكيف لا يخاف؟ ويكفيه شراً احتقاره لغيره. أهـ. ثالثاً: التكبر بالحسب والنسب فالذي له نسب شريف يستحقر من دونه، وإن كان أرفع منه علماً وعملاً، ويأنف من مخالطتهم ومجالسهم، وثمرته على اللسان التفاخر به. رابعاً: التفاخر بالجمال وتنقص غيره، وذكر عيوبه. خامساً: الكبر بالمال. سادساً: الكبر بالقوة وشدة البطش والتكبر به على أهل الضعف. سابعاً: التكبر بالأتباع والأنصار والتلاميذ والغلمان وبالعشيرة والأقارب والبنين، ثم عد الغزالي البواعث على التكبر: العجب والحقد والحسد والرياء. أهـ ص 204 جـ 3 الآيات القرآنية في ذم العُجْبِ: أزهار أقوال الصدق أحبها ... قد طاب غارسها سنا وجلالا (أ) قال الله تعالى: "لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين" (25 من سورة التوبة). ذكر ذلك في معرض الإنكار. (ب) وقال تعالى: "وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار" (2 من سورة الحشر). فرد على الكفار في إعجابهم بحصونهم وشوكتهم. (جـ) وقال تعالى: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا" (103 - 106 من سورة الكهف). (ضل) أي ضاع وبطل لكفرهم وعجبهم كالرهابنة، فإنهم خسروا دنياهم وأخراهم (ويحسنون): بعجبهم واعتقاد أنهم على الحق (فلا نقيم): أي فنزدري بهم ولا نجعل لهم مقداراً واعتباراً، أو لا نضع لهم ميزاناً توزن به أعمالهم لانحباطها. أهـ بيضاوي. وقيل لعائشة رضي الله عنها: متى يكون الرجل مسيئاً؟ قالت إذا ظن أنه محسن، وقد قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى" (من سورة البقرة). والمن: نتيجة استعظام الصدقة واستعظام العمل هو العجب. قال الغزالي: العجب يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها ويتولد منه الكبر، والمعجب يغتر بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله وعذابه ويثني على نفسه ويزكيها، ويستنكف من الاستفادة والاستشارة، وسؤال من هو أعلم منه: ولا يسمع نصح ناصح ولا وعظ واعظ ويصر على خطأه. ويكون العجب: =

الترهيب من قوله لفاسق أو مبتدع يا سيدي أو نحوها من الكلمات الدالة على التعظيم

الترهيب من قوله لفاسق أو مبتدع: يا سيدي أو نحوها من الكلمات الدالة على التعظيم 1 - عن بُريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا للمنافق سَيِّدٌ (¬1)، فإنه إن يكُ سيداً (¬2)، فقد أسْخَطْتُمْ ربكم (¬3) عز وجل" رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح، والحاكم، ولفظه قال: "إذا قال الرجلُ للمنافق: يا سيدُ، فقد أغضبَ ربهُ". وقال: صحيح الإسناد كذا قال. ¬

= أولاً: ببدنه وجماله وصحته. ثانياً: بالعقل والكياسة والتفطن. ثالثاً: بالبطش والقوة. رابعاً: بالنسب الشريف. خامساً: بالنسب إلى السلاطين الظلمة وأعوانهم دون نسب العلم والدين. سادساً: بكثرة العدد من الأولاد والخدم والغلمان والعشيرة والأقارب والأنصار والأتباع كما قال الكفار "نحن أكثر أموالاً وأولاداً" (من سورة سبأ). سابعاً: بالمال كا قال تعالى إخباراً عن صاحب الجنتين إذ قال: "أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً" (34 من سورة الكهف). أهـ إحياء ص 324 جـ 3 ملخصاً. (¬1) أي فاضل شريف كريم حليم، وقد بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم سبب النهي فإنه إن كان سيدكم: وهو منافق فحالكم دون حاله، والله لا يرضى لكم ذلك، وقد سئل صلى الله عليه وسلم فما في أمتك سيد؟ قال صلى الله عليه وسلم بلى من آتاه الله مالاً ورزق سماحة فأدى شكره وقلت شكايته في الناس. وقد جاءه رجل فقال أنت سيد قريش فقال صلى الله عليه وسلم: السيد الله: أي هو الذي تحق له السيادة. كأنه كره أن يحمد في وجهه وأحب التواضع، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" قاله إخباراً عما أكرمه الله تعالى به من الفضل والسؤدد، وتحدثاً بنعمة الله تعالى عنده، وإعلاماً لأمته ليكون إيمانهم به على حسبه وموجبه ولهذا أتبعه بقوله: "ولا فخر" أي أن هذه الفضيلة التي نلتها كرامة من الله لم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بقوتي فليس لي أن أفتخر بها. أهـ نهاية، فالنبي صلى الله عليه وسلم منع تعظيم الفاسق العاصي المذبذب في الدين المرائي الكذاب، وأن يتخذه المسلمون ولياً رئيساً رباً محترماً، وفي الغريب النفق الطريق النافذ والسرب في الأرض النافذ فيه، قال تعالى: "فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض" ومنه نافقاء اليربوع وقد نافق اليربوع ونفق، ومنه النفاق، وهو الدخول في الشرع من باب، والخروج عنه من باب، وعلى ذلك نبه بقوله: "إن المنافقين هم الفاسقون" أي الخارجون من الشرع، وجعل الله المنافقين شراً من الكافرين فقال عز شأنه: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا". أهـ. (¬2) أي معظماً محترماً لعصيانه وعدم ثبات إيمانه. (¬3) التعظيم لله وحده، فإذا عظم المنافق فقد أغضبتم الله جل جلاله.

الترغيب في الصدق والترهيب من الكذب

الترغيب في الصدق، والترهيب من الكذب 1 - عن عبد الله بن كعب بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "سمعت كعب بن مالكٍ يُحَدِّثُ حديثهُ حين تخلفَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. قال كعبُ بن مالكٍ: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ غزاها قطُّ إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفتُ في غزوة بدرٍ، ولم يُعَاتِبْ أحداً تخلف عنه (¬1) إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمون يريدون عير قريشٍ حتى جمع الله بينهم، وبين عدوهم على غير ميعادٍ، ولقد شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبةِ حين تواثقنا (¬2) على الإسلام، وما أحِبُّ أن لي بها مشهدَ بدرٍ، وإن كانت بدراً ذُكِرَ في الناس منها، وكان من خبري حين تخلفتُ (¬3) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قَطُّ أقوى، ولا أيسرَ مني حين تخلفتُ عنه في تلك الغزوةِ، والله ما جمعتُ قبلها راحلتين قَطُّ حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدُ غزوةً إلا وَرَّى بغيرها (¬4) حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرٍ شديدٍ، واستقبل سفراً بعيداً ومَفَاوِزَ، واستقبل عدواً كثيراً، فَجَلاَ للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، وأخبرهم بوجههم الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثيرٌ لا يجمعهم كتابٌ حافظٌ، يريد بذلك الديوان، قال كعبٌ: فَقَلَّ رجلٌ يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى ما لم ينزل فيه وحيٌ من الله عز وجل، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمارُ والظلالُ فأنا إليها أصْعَرُ، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجِعُ ولم أقْضِ شيئاً، وأقولُ في نفسي: أنا قادرٌ على ذلك إذا أردتُ، ولم يزل ذلك يتمادى بي (¬5) حتى استمر بالناس ¬

(¬1) تخلف عنه كذا (د وع ص 252 - 2)، وفي (ن ط): عنها. (¬2) تواثقنا كذا (د وع)، وفي (ن ط): توثقنا. (¬3) لم أحارب معه. (¬4) ستر وأظهر غيرها: أي يعرض بالعزيمة القوية المستعدة للحرب في جهة أخرى. (¬5) يستمر ويدوم على فعله. ومنه تمادى فلان في غيه. إذا لج.

الْجدُّ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً والمسلمون معه، ولم أقضِ من جهازي شيئاً، ثم غدوتُ فرجعتُ، ولم أقضِ شيئاً، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا، وتَفَارَطَ الغزو، فهممتُ أن أرتحل فأدركهم، فيا ليتني فعلتُ، ثم لم يُقَدَّرْ لي ذلك وطفقتُ إذا خرجتُ في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يَحْزُنُني أني لا أرى لي أُسوةً (¬1) إلا رجلاً مغموضاً عليه في النفاق أو رجلاً ممن عذرَ الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالسٌ في القوم بتبوك: ما فعل كعبُ بن مالكٍ؟ فقال رجلٌ من بني سلمةَ: يا رسول الله حبسهُ بُرْدَاهُ (¬2) والنظرُ في عِطْفَيْهِ، فقال له معاذ بن جبلٍ: بئسما قلت، والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إلا خيراً، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو على ذلك، فرأى رجلاً مُبيضاً يزول به السرابُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُنْ أبا خَيْثَمَةَ، فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري، وهو الذي تَصَدَّقَ بصاعِ التمر حين لَمَزَهُ المنافقون (¬3). قال كعبٌ: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً (¬4) من تبوك حضرني بَثِّي (¬5) فطفقتُ أتذكرُ الكذبَ وأقولُ بما أخرجُ من سخطه غداً وأستعينُ على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظلَّ قادماً راح عني الباطلُ حتى عرفتُ أني لن أنجو منه بشيء أبداً فأجمعتُ صدقةً، وصَبَّحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً، وكان إذا قَدِمَ من سفر بدأ بالمسجد، فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءهُ المُخَلّفُونَ (¬6)، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعةً وثمانين رجلاً، فَقَبِلَ (¬7) منهم علانيتهم وبايعهم، واستغفر ¬

(¬1) قدوة. (¬2) منعه حب النعيم والميل إلى الترف وعدم مقابلة الشدائد. (¬3) ذكروه بسوء وعابوه. (¬4) راجعاً. (¬5) حزني: وفي (ن د): همي. (¬6) الذين لم يرافقوه في الحرب كما قال تعالى: "فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر، قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاءً بما كانوا يكسبون" (81 - 82 من سورة التوبة). (¬7) عذرهم.

لهم (¬1)، وَوَكَلَ سرائرهم (¬2) إلى الله عز وجل حتى جئتُ، فلما سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المغْضَبِ، ثم قال: تعال فجئتُ أمشي حتى جلستُ بين يديهِ، فقال لي: ما خَلَّفَكَ (¬3)؟ ألم تكن قد ابتعت (¬4) ظهرك؟ قلت: يا رسول الله إني والله لو جلستُ عند غيركَ من أهل الدنيا لرأيتُ أني سأخرجُ من سَخَطِهِ (¬5) بعذرٍ، ولقد أُعطيتُ جدلاً (¬6)، ولكني والله لقد علمتُ لئن حدَّثْتُكَ اليوم حديث كذبٍ ترضى به عني لَيُوشِكَنَّ الله أن يُسْخِطَكَ عليَّ، ولئن حدثتك حديث صدقٍ تَجِدْ عليَّ فيه (¬7) إني لأرجو فيه عُقْبَى (¬8) الله عز وجل. وفي رواية: عفو الله، والله ما كان لي من عُذرٍ (¬9) ما كنتُ قَطُّ أقوى ولا أيسر مني حين تخلفتُ (¬10) عنك. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك، فقمتُ وثارَ رجالٌ (¬11) من بني سلمةَ، فاتبعوني، فقالوا: والله ما علمناك أذنبتَ ذنباً قبل هذا، لقد عجزتَ في أن لا تكون اعتذرتَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المُخَلَّفُونَ، فقد كان كافيكَ ذنبكَ استغفارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، قال: فوالله مازالوا يؤنبونني (¬12) حتى أردتُ أن أرجعَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُكْذِبَ نفسي قال: ثم قلتُ لهم: هل لقيَ هذا معي أحدٌ؟ قالوا: نعم لَقِيَهُ معك رجلانِ قالا مثل ما قلتَ، وقيل لهما ما قيل لك. قال: قلتُ: من هما؟ قالوا: مُرارةُ بن ربيعة العامري، وهلالُ بن أمية الواقفي. قال: ¬

(¬1) طلب من الله تعالى غفرانه. (¬2) بواطنهم. (¬3) أي شيء دعاك إلى ترك القتال؟ (¬4) اتفقت معي على الجهاد والتضحية والدفاع في سبيل الدين، ولو فيه إراقة الدم وثقل كاهلك وتعب جسمك واستشهادك. (¬5) من غضبه بحجة مقبولة. (¬6) لساناً فصيحاً وبياناً مقنعاً، جدلاً كذا (ع ص)، وفي (ن ط): جلالا، أي عظمة ورفعة. (¬7) تعتب وتحفظ عليَّ تقصيري. (¬8) عاقبة محمودة لصدقي وحسن طويتي وإخلاصي له جل جلاله. (¬9) اعترف بتقصيره ونفى عنه العذر. (¬10) لم أحارب معك. (¬11) هاج، ومنه قيل للفتنة ثارت واحتدت، وثار إلى الشر: نهض. (¬12) يزجرونني.

فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيهما أسوةٌ (¬1)، قال فمضيتُ (¬2) حتى ذكروهما لي قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين مَنْ تخلف عنه. قال: فَاجْتَنَبَنَا الناسُ، أو قال: تَغَيَّرُوا لنا حتى تَنَكَّرَتْ (¬3) لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرفُ فلبثنا على ذلك خمسين ليلةً، فأما صاحبايَ، فاستكانا (¬4) وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنتُ أشَبَّ القومِ (¬5) وأجلدهم، فكنت أخرجُ فأشهدُ الصلاةَ، وأطوفُ في الأسواقِ فلا يُكلمني أحدٌ، وآتِي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في مجلسه بعد الصلاةِ، فَأُسَلَّمُ فأقولُ في نفسي: هل حَرَّكَ شفتيهِ بِرَدِّ السلام أم لا؟ ثم أُصلي قريباً منه وأُسَارِقُهُ النظر (¬6)، فإذا أقبلتُ على صلاتي نظر إليَّ، فإذا التفتُّ نحوه أعرضَ عني حتى إذا طال عليَّ ذلك من جفوة المسلمين مشيتُ (¬7) حتى تَسَوَّرْتُ (¬8) جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحَبُّ الناس إليَّ فَسَلَّمْتُ عليه، فوالله ما رَدَّ عليَّ السلام، فقلتُ له: يا أبا قتادة أنْشُدُكَ بالله (¬9) هل تَعْلَمَنَّ أني أُحِبُّ الله ورسوله؟ قال: فسكتَ، فَعُدتُ فناشدتهُ، فسكتَ، فعدتُ فناشدتهُ، فقال: الله ورسولهُ أعلم، ففاضت عينايَ، وتوليتُ حتى تسورتُ الجدارُ، فبينا أنا أمشي في سوق المدينة إذا نَبَطِيٌّ من أنْبَاطِ (¬10) أهل الشامِ ممن قَدِمَ بطعامٍ يَبيعهُ بالمدينة يقولُ: من يَدُلُّ على كعب بن مالكٍ؟ قال: فطفق الناس يشيرون له إليَّ حتى جاءني، فدفع إليَّ كتاباً من ملكِ غَسَّانَ، وكنتُ كاتباً فقرأتهُ، فإذا فيه: أما بعدُ، فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك (¬11)، ولم يجعلك الله بدارِ هوانٍ (¬12)، ¬

(¬1) فيهما أسوة قال، كذا (ط وع 258 - 2)، وفي (ن د): فقلت فيهما أسوة فمضيت. (¬2) ذهبت. (¬3) تغيرت. (¬4) خضعا وذلا، من السكون أو من السكينة، وهي الحالة السيئة. (¬5) أكثرهم فتوة. (¬6) أترقب فرصة التمتع برؤيته صلى الله عليه وسلم وأختلس أوقات إنشغاله عني. (¬7) ليس في (د) مشيت. (¬8) تسلق السور: ودخل المنزل من البناء المحيط به. (¬9) أقسم عليك به سبحانه وسألتك به، يقال نشدتك الله وأنشدك الله وبالله وناشدتك الله وبالله. (¬10) جبل معروف كانوا ينزلون بالبطائح بين العراقين. أهـ نهاية. أي واحد من هؤلاء. (¬11) هجرك. (¬12) ذل وضياع ومنقصة.

ولا مَضْيَعَةٍ، فَألْحِقْ بنا نُوَاسِكَ (¬1). قال: فقلتُ حين قرأتها: وهذه أيضاً من البلاء (¬2) فَتَيَمَّمْتَ بها التنورَ (¬3) فَسَجَرْتُهَا (¬4) حتى إذا مضت أربعون من الخمسين، واسْتَلْبَثَ (¬5) الوحيُ، وإذا رسولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك (¬6). قال: فقلتُ: أُطلِّقُهَا أم ماذا أفعل؟ قال: لا. بل اعتزلها فلا تقربها، وأرسل إلى صاحبيَّ بمثل ذلك. قال: فقلتُ لامرأتي: ألحِقِي بأهلكِ، فكوني عندهم حتى يقضيَ الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأةُ هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: إن هلال بن أمية شيخٌ ضائعٌ (¬7) ليس له خادمٌ، فهل تكرهُ أن أخدمهُ؟ قال: لا، ولكن لا يقربنك. قالت: إنه والله ما به حَرَكَةٌ إلى شيء (¬8)، ووالله مازال يبكي منذ كان من أمرهِ ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لي بعضُ أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمهُ. قال: فقلتُ: والله لا أستأذنُ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ما يقولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنتهُ فيها؟ وأنا رجلٌ شابٌّ (¬9)، قال: فلبثتُ بذلك عشر ليالٍ، فَكَمُلَ لنا خمسون ليلةً من حين نهى عن كلامنا. قال: ثم صليتُ صلاة الصبح صباح خمسينَ ليلةً على ظهر بيتٍ من بيوتنا، فبينا أنا جالسٌ على الحالةِ التي ذكرَ الله عز وجل منا قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرضُ بما رَحُبَتْ، سمعتُ صوت صارخٍ أوْفَى على سَلْعٍ يقول بأعلى صوتهِ: يا كعبُ بن مالكٍ! أبشر، قال فخررتُ ساجداً، وعلمتُ أن قد جاء فرجٌ، قال: وأذنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبةِ الله علينا حين صلى ¬

(¬1) تقدم لنا نكرمك ونساعدك ونخفف عنك آلامك وتزول هذه الجفوة. (¬2) الفتنة. (¬3) قصدت النار المحماة الموقدة في فرن. (¬4) حرقتها، يقال: سجرت التنور: أوقدته. (¬5) من اللبث: أي أبطأ وتأخر. (¬6) تبتعد عن التمتع بها. (¬7) محنك جريب مطمئن في حاجة إلى معين. (¬8) ليس عنده توقان إلى القرب من النساء وملامستها. (¬9) فتى قوي عندي لهن إربة.

صلاة الفجرِ، فذهب الناس يُبَشروننا، فذهب قِبَلَ صاحبيَّ مُبشرون، وركضَ رجلٌ إليَّ فَرَساً، وسعى ساعٍ من أسْلَمَ من قِبَلِي، وأوْفَى على الجبل فكان الصوتُ أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعتُ صوتهُ يبشرني نزعتُ له ثوبيَّ (¬1) فكسوتهما إياهُ ببشارته والله ما أمْلِكُ غيرهما يومئذٍ، واستعرتُ ثوبين فلبستهما، وانطلقتُ أُيَمِّمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقاني الناس فوجاً فوجاً (¬2) يُهنئوني بالتوبة، ويقولون: وَلْيَهْنَكَ توبةُ الله عليك حتى دخلنا المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس، فقام طلحةُ ابن عبيد الله يهرول (¬3) حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إليَّ رجلٌ من المهاجرين غيرهُ. قال: فكان كعبٌ لا ينساها لطلحةَ. قال كعبٌ: فلما سَلَّمْتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وهو يَبْرُقُ (¬4) وجهه من السرور، قال: أبشر بخير يوم مَرَّ عليك منذ ولدتك أمك. قال فقلتُ: أمِنْ عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: بل من عند الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعةُ قمرٍ (¬5) قال: وكنا نعرف ذلك. قال: فلما جلستُ بين يديه قلتُ يا رسولُ الله: إن من توبتي أن أتَخَلَّعَ من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسولهِ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك. قال: فقلتُ فإني أُمْسِكُ سهمي الذي بخيبرَ. قال: وقلتُ: يا رسول الله إنما أنجاني الله بالصدقِ، وإن من توبتي أن لا أُحَدَّثَ إلا صدقاً ما بقيتُ، قال: فوالله ما علمتُ أحداً أبلاهُ اللهُ في صدقِ الحديث منذ ذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بَقيَ (¬6). قال: فأنزل الله عز وجل: (لَقَدْ تَابَ اللهُ على النبيِّ وَالمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ (¬7) الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) (¬8) حتى بلغ (إنَّهُ بِهمْ ¬

(¬1) قدمتهما له بشرى قبولي عند الله صادقاً. (¬2) جماعات. (¬3) يجري بسرعة. (¬4) يتلألأ ويضيء. (¬5) جزء من البدر الساطع المنير. (¬6) مدة حياتي. (¬7) من إذنه للمنافقين في التخلف، أو برأهم عن علقة الذنوب. (¬8) في وقت الضيق والشدة، وهي في غزوة تبوك، كانوا في عسرة الظهر يعتقب العشرة على بعير واحد، الزاد حتى قيل إن الرجلين كانا يقتسمان تمرة، والماء حتى شربوا اللفظ "من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم" أي عن الثبات عن الإيمان أو عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.

رَءوفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ (¬1) الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ) (¬2) حتى بلغ (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين). قال كعبٌ: والله ما أنعم الله عليَّ من نعمةٍ قَطُّ بعد إذ هداني الله للإسلام أعظمَ في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكونَ كذبْتُهُ، فَأهْلِكَ كما هَلكَ الذين كذبوا، إن الله عز وجل قال للذين كذبوا حين نزل الوحي شر ما قال لأحدٍ فقال: (سَيَحْلِفُونَ باللهِ لَكُمْ إذَا انْقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ (¬3) فَأعْرِضُوا عَنْهُمْ (¬4) إنَّهُمْ رِجْسٌ (¬5) وَمَأوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ (¬6) فَإنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإن اللهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الفَاسِقِينَ). قال كعبٌ: كُنا خُلِّفْنَا أيها الثلاثة عن أمرِ ¬

(¬1) ساداتنا: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع. (¬2) بما وسعت: أي برحبها لإعراض الناس عنهم بالكلية، وهو مثل لشدة الحيرة "وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" (118 - 119 من سورة التوبة). (أنفسهم): أي قلوبهم من فرط الوحشة والغم بحيث لا يسعها أنس ولا سرور (وظنوا): وعلموا أن لا نجاة من سخط الله إلا إلى استغفاره، ثم تاب عليهم بالتوفيق للتوبة، أو أنزل قبول توبتهم ليعدوا من جملة التائبين، أو رجع عليهم بالقبول والرحمة مرة بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم، سبحانه تواب لمن عاد وأناب رحيم منعم عليهم بالنعم ومتفضل (اتقوا الله) فيما لا يرضاه، وخافوه وأدوا أوامره (مع الصادقين): في إيمانهم وعهودهم، أو في دين الله نية وقولاً وعملاً، أو في توبتهم وإنابتهم. لقد رأيت صدق سيدنا كعب؛ حفظ له الإيمان وسهل له التوبة ورحمة الله ورضوانه، وهكذا يكون الثبات على الحق والصبر وانتظار فرج الله والأمل في الخير والرجاء في الطاعة وحسن الامتثال. يهجره رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين ليلة فيزداد تلهفاً وشغفاً بأخباره وتطلعاً لأوامره وشوقاً لحديثه وهياماً في محادثاته والنظر إليه والتأني وعدم الذهاب إلى الأعداء. (¬3) فلا تعاتبوهم. (¬4) ولا توبخوهم. (¬5) مثل النجاسة لا ينفع فيهم تطهير أو تأنيب، وهذه علة الإعراض وترك المعاتبة: أي قلوبهم قاسية لا يؤثر فيها لوم أو زجر، ويقصد من المعاتبة التطهير والإنابة إلى الله. (¬6) بحلفهم فتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم: أي فإن رضاكم لا يستلزم رضا الله سبحانه وتعالى، ورضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كانوا في سخط الله وبصدد عقابه، وإن أمكنهم أن يلبسوا عليكم لا يمكنهم أن يلبسوا على الله فلا يهتك سترهم، ولا ينزل الهوان بهم، قال تعالى: "إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" (93 - 94 من سورة التوبة).

أولئك الذين قَبِلَ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم، واستغفر لهم، وأرْجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك. قال الله عز وجل: (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) وليس الذي ذكره ما خُلِّفْنَا تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تَخْلِيفُهُ إيانا، وإرجاؤهُ أمرنا عمن حلفَ له، واعتذر إليه، فَقَبِلَ منه" رواه البخاري ومسلم، واللفظ له، ورواه أبو داود والنسائي بنحوه مفرقاً مختصراً، وروى الترمذي قطعة من أوله، ثم قال: وذكر الحديث. [وَرّى عن الشيء]: إذا ذكره بلفظ يدل عليه، أو على بعضه دلالة خفية عند السامع. [المفاز] والمفازة: هي الفلاة لا ماء بها. [يتمادى بي]: أي يتطاول ويتأخر. [وقوله: تفارط الغزو]: أي فات وقته من أراده، وبَعُدَ عليه إدراكه. [المغموض] بالغين والضاد المعجمتين: هو المعيب المشار إليه بالعيب. [ويزول به السراب]: أي يظهر شخصه خيالاً فيه. [أوْفَى على سَلَع]: أي طلع عليه، وسلع جبل معروف في أرض المدينة. [أيمم] أي أقصد. [أرجأ أمرنا]: أخره، والإرجاءُ: التأخير. [وقوله: فانا إليها أصعر] بفتح الهمزة والعين المهملة جميعاً وسكون الصاد المهملة: أي أميل إلى البقاء فيها، وأشتهي ذلك، والصعر: الميل، وقال الجوهري: في الخد خاصة. 2 - وعن عبادةَ بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اضمنوا لي (¬1) سِتاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم (¬2)، وأوفوا إذا وعدتم (¬3)، وأدُّوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم (¬4)، وغضوا أبصاركم (¬5)، وكُفُّوا ¬

(¬1) احفظوا وداوموا عليها ليتحتم الوفاء بدخول الجنة. (¬2) انطلقوا بالواقع، وقولوا الحق. (¬3) الزموا الوفاء إذا حصل وعد. (¬4) امنعوها من المعاصي والوقوع في الفاحشة. (¬5) أبعدوها عن النظر إلى ما حرم الله. بمكارم الأخلاق كن متحلياً ... واصدق وجد ونافس الأبطالا

أيديكم (¬1) " رواه أحمد وابن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه، والحاكم والبيهقي كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عنه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. [قال الحافظ]: المطلب لم يسمع من عبادة. 3 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تَقَبَّلُوا لي ستاً (¬2) أتَقَبَّلْ لكمُ الجنة: إذا حَدَّثَ أحدكم فلا يكذب، وإذا وعدَ (¬3) فلا يُخْلِفُ، وإذا ائتمنَ فلا يَخُنْ (¬4) غُضوا أبصاركم (¬5)، وكُفُّوا أيديكم (¬6)، واحفظوا فروجكم (¬7) " رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى والحاكم والبيهقي، ورواتهم ثقات إلا سعد بن سنان. ¬

(¬1) لا تقدموا بها أي أذى. ست خصال تجلب نعيم الله ورضوانه في الدنيا والآخرة: (أ) الصدق. (ب) الوفا. (جـ) الأمانة. (د) الاستقامة وعدم غشيان الفجور. (هـ) عدم التطلع إلى ما يغضب الله، والحياء والخشوع. (و) عدم السرقة والتعدي والظلم، بمعنى التحلي بالرأفة والرحمة وتقديم الخير للمسلمين، وقد عد الله من صفات الأبرار المؤمنين "والذين هم لفروجهم حافظون ..... والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون" (5 - 8 من سورة المؤمنون). "ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون" (من سورة الفرقان). العاملين بقول الله تبارك وتعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ... وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن" (من سورة النور). وفي الجامع الصغير (اضمنوا): أي اضمنوا فعل ست خصال بالمداومة عليها أضمن لكم دخول الجنة مع السابقين الأولين نظير فعلها، أو من غير سبق عذاب (اصدقوا): أي لا تكذبوا في شيء من حديثكم إلا أن يترتب على الكذب مصلحة كالإصلاح بين الناس، وأدوا الأمانة لمن ائتمنكم عليها، واحفظوا فروجكم من فعل الحرام، وغضوا أبصاركم عن النظر إلى ما لا يحل، وكفوا أيديكم: أي امنعوها من تعاطي ما لا يجوز تعاطيه شرعاً. وقال الحفني: الأمانة في مال وديعة، ويحتمل أن المراد أدوا جميع المأمورات التي ائتمنتم عليها واجتنبوا جميع المنهيات. أهـ ص 211 جـ 1 (¬2) تكفلوا وأقيموا هذه السنة أتكفلُ لكم بدخول الجنة، يعني مع السابقين، أوبغير عذاب. (¬3) أعطى أخاه وعداً لمصلحة، وكان الوفاء خيراً. (¬4) فلا يغدر من ائتمنه. (¬5) لا تنظروا إلى ما لا يجوز. (¬6) فلا تبسطوها إلى ما لا يحل. (¬7) امنعوها عن الزنا واللواط وإتيان البهائم ومقدمات ذلك والسحاق.

4 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا زعيمٌ (¬1) ببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحاً" رواه البيهقي بإسناد حسن، ورواهُ أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجة في حديث تقدم في حُسن الخلق. 5 - وعن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي قُرادٍ السُّلَميَّ رضي الله عنه قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بطَهُورٍ (¬2)، فغمس يده فتوضأ فتتبعناهُ فَحَسَوْنَاهُ (¬3) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما حَمَلَكُمْ على ما فعلتمُ؟ قلنا: حُبُّ الله ورسولهِ (¬4) قال: فإن أحببتم (¬5) أن يُحِبَّكُمُ الله ورسولهُ، فأدُّوا إذا ائتمنتم، واصدقوا إذا حدَّثتُم، وأحسنوا جوارَ من جاوركم" رواه الطبراني. 6 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربعٌ إذا كُنَّ فيكَ (¬6) فلا عليك ما فاتك من الدنيا (¬7): حفظُ أمانةٍ، وصدقُ حديثٍ، وحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ في طُعْمَةٍ" رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة. 7 - وعن الحسن بن عليٍ رضي الله عنهما قال: "حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دَعْ ما يَرِيُبكَ (¬8) إلى ما لا يَرِيُبكَ، فإن الصدقَ طمأنينةٌ، والكذب رِيبَةٌ" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. ¬

(¬1) كفيل بحفظ قصر في الجنة لمن هجر الكذب في كلامه حتى في هزله ومجونه وتسرى همومه يلتزم الصدق. (¬2) ماء مطهر. (¬3) أخذنا ملء الفم. (¬4) أي دعانا إلى ذلك حب التبرك والتقرب لمحبة الله ورسوله، فانظر رعاك الله إلى تيمن الصحابة وتناول شيء من طهوره رجاء القبول وعنوان الامتثال والحب والتبرك. (¬5) فإن كذا (ط وع ص 262 - 2)، وفي (ن د): إن، والمعنى محبة الله ورسوله في طاعته سبحانه وتعالى، وفي التخلق بأخلاق الكرام مثل أداء الأمانة وصدق القول وإخلاص العمل وحسن الجوار وإكرام الجار، والإحسان إليه وحسن معاملته ونصحه وإرشاده. (¬6) أي إذا تحليت بها وحافظت على أدائها. (¬7) لا يهمك عرض الدنيا الذي فاتك: (أ) أداء الأمانة. (ب) قولك موافق للواقع وللحق وللعدل. (جـ) الاستقامة والاتصاف بمكارم الأخلاق. (د) الأكل من الطيبات والطعام الحلال مع العفة والقناعة والرغبة في الزهد واجتناب المحرمات. قال تعالى: "كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله" (من سورة البقرة). (¬8) اجتنب الذي يدخلك في شبهة، قال في النهاية يروى بفتح الياء وضمها. قال المناوي: وفتحها أكثر: =

8 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "قلنا: يا نبي الله من خيرُ الناس؟ قال: ذو القلب المخْمُومِ، واللسان الصادقِ. قال: يا نبيَّ الله: قد عرفنا اللسان الصادق فما القلبُ المخموم؟ قال: التقيُّ الذي لا إثم فيه (¬1)، ولا بغيَ، ولا حسد. قال: قلنا يا رسول الله، فمن على أثَرِهِ (¬2)؟ قال: الذي يَشْنَأُ الدنيا (¬3)، ويُحبُّ الآخرة. قلنا ما نعرفُ هذا فينا إلا رافعٌ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن على أثرهِ؟ قال: مؤمنٌ في خُلُقٍ حسنٍ (¬4). قلنا: أما هذه ففينا" رواه ابن ماجة بإسناد صحيح، وتقدم لفظه، والبيهقي، وهذا لفظه، وهو أتمّ. 9 - وعن منصور بن المعتمرِ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحروا الصدق (¬5)، وإن رأيتمُ أن الهلكةَ فيه فإن فيه النجاة" رواه ابن الدنيا في كتاب الصمت هكذا معضلا، ورواته ثقات. ¬

= أي دع ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه من الحلال البيِّن، لأن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. أهـ. يأمرك صلى الله عليه وسلم أن تتجنب الشبهات وتترك مواطن الريبة وتتحرى الصالحات وتواظب على فعل الخيرات. قال الحفني: والمراد بالصدق في هذا الحديث الأمر الحق، وإن كان يستعمل أيضاً في الخبر المطابق للواقع كما أن الخبر غير المطابق كذب وباطل، أي فإن استعمالك الصدق: أي الأمر الذي لا شبهة فيه ينجي بخلاف ما فيه شبهة فقد يكون من أسباب الهلاك، فإن الصدق: أي الأمر المطابق للحق طمأنينة: أي ذو طمأنينة، أي تطمئن إليه نفوس أهل الأنوار، والكذب بعكس ذلك تطمئن إليه نفوس أهل الشر، وفي الجامع الصغير: أي اترك ما تشك في كونه حسناً أو قبيحاً أو حلالاً أو حراماً إلى ما لا تشك فيه، يعني ما تتيقن حسنه وحله (طمأنينة): أي يطمئن إليه القلب ويسكن (ريبة): أي يقلق له القلب ويضطرب. أهـ ص 265 جـ 2. (¬1) أي الخالي من الذنوب والظلم والحسد. (¬2) الذي يتبعه في درجته. (¬3) يكره ويبغض أي يكد فيها ويجد ويعمل ويتاجر ويربح أو يصنع أو يزرع مع تشييد الصالحات للآخرة، قال تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين" (77 من سورة القصص). (¬4) صفات حميدة جليلة مرضية. (¬5) اقصدوا، من تحريت في الأمر، طلبت أحرى الأمرين، وهو أولاهما، والصدق مهما صادف عقبات، وأشواك فعاقبته السلامة، ومآله النجاح، وآخر أمرك الفوز. قال الشاعر: عليك بالصدق ولو أنه ... أحرقك الصدق بنار الوعيد عليك بالصدق في كل الأمور ولا ... تكذب فأقبح ما يزري بك الكذب قل للذين تخلفوا في سنة ... نبوية لا تهملوا إهمالا وأمامكم در الحديث موضح ... سبل الحياة لمن يريد كمالا ولنعم دار المتقين أحبتي ... فيها نعيم العيش عز مثالا =

10 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق (¬1)، فإن الصدق يهدي إلى البر (¬2)، والبر يهدي إلى الجنة، وما يزالُ الرجلُ يصدقُ (¬3)، ويتحرى الصدقَ حتى يُكتبَ عند الله صِدِّيقاً (¬4)، وإياكم والكذب (¬5)، فإن الكذب يهدي إلى الفجور (¬6)، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبدُ يكذبُ (¬7)، ويتحرى الكذب حتى يُكتبَ عند الله كَذَّاباً (¬8) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه، واللفظ له. 11 - وعن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصِّدْقِ، فإنه مع البر، وهما في الجنة، وإياكم والكذب، فإنه مع الفجورِ، وهما في النار" رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

= الصدق عز فلا تعدل عن الصدق ... واحذر من الكذب المذموم في الخلق ما أحسن الصدق في الدنيا لقائله ... وأقبح الكذب عند الله والناس (¬1) الزموه. (¬2) يوصل إلى الخيرات. (¬3) في السر والعلانية. (¬4) بلغ في الصدق إلى غايته ونهايته حتى دخل في زمرة الصديقين الصالحين كثيري الصدق فاستحق ثوابهم ونال درجاتهم وحشر معهم. (¬5) اتركوه. (¬6) الفسوق والمعاصي. (¬7) يتكرر ذلك منه ويستمر على طغيانه وافترائه. (¬8) يحكم له بذلك ويظهره للمخلوقين من الملأ الأعلى ويلقي ذلك في قلوب أهل الأرض وألسنتهم فيستحق بذلك صفة الكذابين وعقابهم ويزدري ويحتقر ولا يوثق بأقواله وتضيع درجة احترام قوله وتبور تجارته وتكسد صنعته. قلب نظرك في أسواق العالم تجد الرابحين الصادقين يتقدم ذكرهم وتحسن حالهم ويكثر مالهم ويتكاثر الوافدون عليهم. يود صلى الله عليه وسلم من المسلم أن يكون شريفاً شجاعاً طاهر الذمة حسن السمعة ناجحاً في أعماله موثوقاً به في قوله وفعله لينال ما يريد وليحظى بالخير ولينعم بالسعادة، قال الشاعر: عود لسانك قول الصدق تحظ به ... إن اللسان لما عودت معتاد وأصدق الناس إذا حدثتهم ... ودع الناس فمن شاء كذب الله أكبر. إن الصادق يدر عليه الخير والبر والعز في الدنيا قبل الآخرة، ولقد جربت الحياة وسبرت غور التجار فعلمت أن الأغنياء منهم صادقو المعاملة، ولقد أعد لك في القاهرة طائفة قليلة تعد على الأصابع يشار إليهم بالبنان، ويقبل الناس عليهم زرافات ووحدانا من جراء صدقهم وتحديد ثمن بضاعتهم حتى لقد قال أحد العلماء إن وجود فلان هذا نعمة من نعم الله على عباده الشارين وحسبك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان تاجراً صادقاً ولقد يذوق الكاذبون الخسارة في تجارتهم والكساد والخيبة في حياتهم وبعد مماتهم فلا حول ولا قوة إلا بالله.

إذا صدق العبد بَرَّ 12 - وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدقِ فإنه يهدي إلى البر، وهما في الجنة، وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور، وهما في النار" رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. 13 - وعن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما: "أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما عملُ الجنة؟ قال: الصدقُ، إذا صَدَقَ العبدُ بَرَّ (¬1)، وإذا بَرَّ آمَنَ (¬2)، وإذا آمن دخل الجنة. قال يا رسول الله: وما عملُ النار؟ قال: الكذبُ، إذا كذبَ العبدُ فَجَرَ (¬3)، وإذا فَجَرَ كَفَرَ (¬4)، وإذا كَفَرَ، يعني دخل النار" رواه أحمد من رواية ابن لهيعة. 14 - وعن مالكٍ أنه بلغهُ أن ابن مسعودٍ قال: "لا يزالُ العبدُ يكذبُ ويتحرى الكذبَ (¬5)، فَتَنْكُتَ (¬6) في قلبهِ نُكْتَةً حتى يَسْوَدَّ قلبهُ، فيكتبَ عند الله من الكاذبين (¬7) " ذكره مالك في الموطأ هكذا، وتقدم بنحوه متصلاً مرفوعاً. 15 - وعن سَمُرَةَ بن جُندبٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ الليلةَ رجلين أتياني قالا لي: الذي رأيته يُشَقُّ شِدْقُهُ (¬8) فَكَذَّابٌ يكذبُ الكذبةَ فتُحْملُ عنه حتى تبلغَ الآفاقَ (¬9)، فيُصْنَعُ به هكذا إلى يوم القيامة" رواه البخاري هكذا مختصراً في الأدب من صحيحه، وتقدم بطوله في ترك الصلاة. ¬

(¬1) أحسن، ومنه بر الوالدين: أي لم يسيء إليهم ولم يضيع حقهم، واسم الله تعالى البر: أي العطوف على عباده ببره ولطفه. (¬2) صدق بوجود الله تعالى وخشيه وعمل صالحاً له. (¬3) فسق، والفاجر المنبعث في المعاصي والمحارم. (¬4) زاد طغيانه وعم ضلاله وجحد نعمة ربه، والمعنى زيادة الضلال تجر إلى الكفر ونسيان حقوق الله تعالى والغفلة عن ذكره وتسبيحه. (¬5) يتتبع. (¬6) تؤثر أثراً قليلاً كالنقطة شبه الوسخ في المرآة والسيف ونحوهما. (¬7) يحشر معهم ويعذب عذابهم. (¬8) يقطع، والشق نصف الشيء وانفراج فيه، وانشق: انفرج فيه فرجة. (¬9) تعم السموات والأرضين، والمعنى أن الله تعالى ينتقم من الكاذب بتقطيع شفتيه وتمزيق أعضاء الكلام تعذيباً من جراء نطق الكذب، هكذا رآه صلى الله عليه وسلم حينما صعد إلى السموات مع سيدنا جبريل عليه السلام، قال تعالى: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" (18 من سورة النجم).

آية المنافق ثلاث 16 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافِق ثلاثٌ (¬1) إذاحَدَّثَ كذب، وإذا وعد أخلف (¬2)، وإذا عاهد غدر (¬3) " رواه البخاري ومسلم. وزاد مسلم في رواية له: "وإن صلى وصام وزعم أنه مسلمٌ (¬4) ". 17 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربعٌ من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خَصْلَةٌ منهن كانت فيه خصلة النفاق حتى يدعها: إذا ائتُمِنَ خان (¬5)، وإذا حَدَّثَ كذب، وإذا عاهد غدر، ¬

(¬1) علامة الذي يظهر خلاف ما يبطن أعدها ثلاثة. (¬2) لم يف بوعده. (¬3) أعطى عهداً ونفق نفاقاً فنكث ونقض عهده ولم يرع إلاًّ ولا ذمة، قال الشاعر: ومن يوف لا يذمم ومن يهد قلبه ... إلى مطمئن البر لا يتجمجم يرشدك صلى الله عليه وسلم إلى علامات واضحة في قوم خبثت ضمائرهم وفسدت بواطنهم يظهرون لك المحبة والولاء والمودة والصفاء وقلوبهم تضطرم من الحقد والبغض لك ويبدو عليهم الصلاح والتقوى، ولكن باطنهم مملوء نفاقاً وخداعاً وكذباً وملقاً لتكون أيها المسلم العاقل الصالح الحازم على حذر فتتجنب هذه الصفات الذميمة: (أ) الكذب. (ب) الخيانة. (جـ) الغدر. وتتحلى بثلاثة: (أ) الصدق. (ب) الأمانة. (جـ) الوفاء. (¬4) وإن رأيته مؤدياً حقوق الله تعالى، ولكن في قصر إيمانه ثغرة شوهته وشقوق صدعته ولم ينفع طلاؤه الحسن بإزالة علامات عدم الإيمان الكامل. لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الكذب، لأنه يجر إلى كذبات وأضرار جمة ويضيع الثقة بالكذب، ويجلب عليه الحزن الدائم والخوف من فضيحته فيصيبه الخزي والعار، ويكرهه الله ورسوله، وحذر صلى الله عليه وسلم من الخيانة لأنها نقيصة ورذيلة، والخائن مبغض مذموم مستحق سخط الله، ومقت الناس، وعقوبة القانون، وهو متهجم على أوامر الله تعالى مخالف شرعه قال تعالى: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" (من سورة النساء). ومن وصية عبد الله بن شداد لابنه: وعليك بصحبة الأخيار، وصدق الحديث، وإياك وصحبة الأشرار فإنه عار، وكن كما قال الشاعر: اصحب الأخيار وارغب فيهمو ... رب من صاحبته مثل الجرب ودع الناس فلا تشتمهم ... وإذا شاتمت فاشتم ذا حسب إن من شاتم وغدا كالذي ... يشتري الصفر بأعيان الذهب واصدق الناس إذا حدثتهم ... ودع الناس فمن شاء كذب (¬5) أودع عنده شيء من سر أو مال أظهر السر وأذاعه، أو تصرف في الشيء وأتلفه، ولا يؤدي ما عليه من حقوق الله جل جلاله كالصلاة، والزكاة، والحج، والصوم. قال تعالى: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل =

وإذا خاصم فَجَرَ (¬1) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 18 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاثٌ من كُنَّ فيه فهو مُنافقٌ، وإن صام وصلى وحجَّ واعتمرَ، وقال: إني مُسلمٌ: إذا حَدَّثَ كذبَ، وإذا وعد أخلفَ، وإذا ائتُمِنَ خان" رواه أبو يعلى من رواية الرقاشي، وقد وثق، ولا بأس به في المتابعات. 19 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن العبدُ الإيمان كلهُ حتى يترك الكذب في المزاحةِ (¬2) والمراء (¬3) وإن كان صادقاً" رواه أحمد والطبراني. 20 - ورواه أبو يعلى من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبلغُ العبدُ صريحَ الإيمانِ (¬4) حتى يَدَعَ (¬5) المزاحَ والكذبَ، ويَدَعَ المراء، وإن كان مُحقاً" وفي أسانيدهم من لا يحضرني حاله، ولمتنه شواهد كثيرة. 21 - وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

= المبطلون" (172 - 173 من سورة الأعراف). فهذه التكاليف والأوامر والنواهي أمانة معنوية يقوم بها المؤمن النقي التقي الوفي. (¬1) اشتد غضبه وفسق وأعلن الحرب وانتقم، وفي النهاية وحديث عمر. استحمله أعرابي؛ وقال إن ناقتي قد نقبت، فقال له كذبت، ولم يحمله فقال: أقسم بالله أبو حفص عمر ... ما مسها من نقب ولا دبر فاغفر له اللهم إن كان فجر أي كذب، ومال عن الصدق؛ والفجور الميل عن الصدق وأعمال الخير. أهـ. والفجور في المخاصمة عدم الوقوف فيها عند حدود الحق كأن ينكر حق صاحبه، أو يستحل ماله وعرضه أو يسترسل في النزاع والعداء ويكيد لخصمه بما استطاع فيحط منه؛ ويثلم عرضه، ويفتري عليه؛ ويخلق التهم له جزافاً، ويسعى به لدى الحكام والولاة؛ ويدبر المكايد، وينصب العقبات في سبيله. (¬2) الضحك والهزل؛ وفي المصباح مزح مزاحة بالفتح، والاسم المزاح؛ والمزحة المرة؛ ومازحته ممازحة ومزاحاً، من زحت الشيء عن موضعه، وأزحته عنه. إذا نحيته لأنه تنحيةس عن الجد وفيه ضعف. (¬3) الجدال والمخاصمة، والمعنى المؤمن يتحرى الصدق في جده وهزله. (¬4) خالصه وكماله. (¬5) يترك السخرية من الناس وقول الباطل ويترك الجدل والرياء، وإن كان صاحب حق لا يكثر الجدل بل ينصح ويصمت: (أ) "وكان الإنسان أكثر شيء جدلا". (ب) "ادفع بالتي هي أحسن".

"يُطبعُ (¬1) المؤمن على الخِلاَلِ كلها إلا الخيانة والكذب" رواه أحمد قال: حدثنا وكيع سمعت الأعمش قال: حُدثت عن أبي أمامة. 22 - وعن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُطبعُ المؤمن على كل خَلَّةٍ غيرَ الخيانةِ والكذب" رواه البزار وأبو يعلى، ورواته رواة الصحيح، وذكره الدارقطني في العلل مرفوعاً وموقوفاً، وقال: الموقوف أشبه بالصواب، ورواه الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث أبي عمر مرفوعاً. 23 - وعن أبي بكرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الكذبُ مُجَانِبُ الإيمانِ" رواه البيهقي، وقال: الصحيح أنه موقوف. 24 - وعن صفوان بن سُليمٍ قال: "قيل يا رسول الله أيكونُ المؤمنُ جباناً (¬2)؟ قال: نعم. قيل له: أيكونُ المؤمنُ بخيلاً (¬3)؟ قال: نعم. قيل له: أيكونُ المؤمنُ كذَّاباً؟ قال: لا" رواه مالك هكذا مرسلاً. 25 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجتمعُ الكفرُ والإيمانُ في قلب امرئٍ، ولا يجتمعُ الصدقُ والكذبُ جميعاً، ولا تجتمعُ الخيانةُ والأمانةُ جميعاً (¬4) " رواه أحمد من رواية ابن لهيعة. 26 - وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَبُرَتْ خيانةً (¬5) أن تُحَدَّثَ أخاك حديثاً هو لك مُصَدِّقٌ، وأنت له كاذبٌ" رواه أحمد عن شيخه عمر بن هارون، وفيه خلاف، وبقية رواته ثقات. ¬

(¬1) يعود على الخصال جميعها، وتكون كسجية، وتنقش صورها عنده إلا خصلتين هو براء منهما فلا تجده كاذباً خائناً. (¬2) خائفاً غير شجاع. (¬3) شحيحاً مقتراً غير جواد، ثم نفى صلى الله عليه وسلم الكذب عن المؤمن لرداءة عاقبته، ووخامة صفته. (¬4) والمعنى إذا تجلت صفة في قلب إنسان امتنعت الثانية، فالإيمان يطرد الكفر، والصدق يبعد الكذب، والأمانة لا تقبل الخيانة معها، فمن تحلى بواحدة منهما بعدت عنه الثانية، فعلامة المؤمن الكامل وجود الثلاثة في قلبه: (أ) إيمان. (ب) صدق. (جـ) أمانة. (¬5) عظم عقابها عند انتهاز فرصة التصديق، الاسترسال في تغيير الوقائع، وقلب الحقائق.

27 - وعن سفيان بن أسيدٍ الحضرميِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كَبُرَتْ خِيانةً أن تُحَدِّثَ أخاك حديثاً هو لك مصدقٌ، وأنت له به كاذبٌ" رواه أبو داود من رواية بقية بن الوليد، وذكر أبو القاسم البغويّ في معجمه سفيان هذا، وقال: لا أعلم روى غير هذا الحديث. 28 - وعن أبي بُريدةَ الأسلمي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا إن الكذب يُسَوِّدُ الوجه (¬1)، والنميمة عَذابُ القبرِ (¬2) " رواه أبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه والبيهقي كلهم من رواية زياد بن المنذر عن نافع بن الحارث، وتقدم الكلام عليها في النميمة. 29 - وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بر الوالدين (¬3) يزيدُ العمر (¬4)، والكذب يَنْقُصُ الرزقَ (¬5)، والدعاء يَرُدُّ القضاء (¬6) " رواه الأصبهاني. ¬

(¬1) يجعله أسود مثل ظلام الليل الحالك يوم القيامة. (¬2) السعي بالإفساد بين الناس، وللمأمون، في ذم النميمة، وبيان أضرارها في الدنيا قبل الآخرة: النميمة لا تقرب مودة إلا أفسدتها، ولا عداوة إلا جددتها، ولا جماعة إلا بددتها، ثم لابد لمن عرف بها، ونسب إليها أن يجتنب ويخاف من معرفته (بددتها): فرقتها. ولمحمود سامي البارودي: واخش النميمة واعلم أن قائلها ... يصليك من حرها ناراً بلا شعل كم فرية صدعت أركان مملكة ... ومزقت شمل ود غير منفصل (¬3) إكرامهما وطاعتهما، والإحسان إليهما. (¬4) يضع البركة فيه بإزالة الأمراض بإذن الله تعالى وحبه، والأمانة على وجود الأعمال الصالحة فيه بتوفيق الله تعالى، ومساعدته، ومنح الصحة التامة، والنعمة العامة للبار. (¬5) ينزع منه البركة، ويجلب الضيق والعسر، ويزيل الثقة من الكاذب فتكسد بضاعته، وتخسر تجارته، فالموظف، أو الصانع، أو التاجر، أو الزارع يضرهم الكذب ويؤخرهم، ويفسد حالهم ويجعلهم عرضة للخطر. (¬6) أي التضرع إلى الله جل وعلا يخفف في قدره ويلطف، وينتقل النازل من صعب شديد إلى خفيف سهل وفي كتابي (النهج السعيد) الله تعالى ينزل لطفه بالداعي كما إذا قضى عليه قضاء مبرماً بأن ينزل عليه صخرة، فإذا دعا الله حصل له اللطف بأن تصير مفتتة كالرمل وتنزل عليه. اللهم الطف بنا في قضائك وقدرك لطفاً يليق بكرمك. ومعنى الدعاء الطلب على سبيل التذلل والخشوع، وقيل رفع الحاجات إلى رافع الدرجات، ينفع الأحياء والأموات إن دعوت لهم، ويضرهم إن دعوت عليهم، وإن صدر من كافر على الراجح، لحديث "دعوة المظلوم مستجابة ولو كافراً" أهـ ص 108. =

إذا كذب العبد تباعد الملك عنه ميلاً من نتن ما جاء به 30 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كذب العبدُ تباعد الملك عنه ميلاً من نتن ما جاء به" رواه الترمذي وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت، وقال الترمذي: حديث حسن. 31 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما كان من خُلُقٍ أبغضَ (¬1) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ما اطلع على أحدٍ من ذاك بشيء، فيخرج من قلبه حتى يعلم أنه قد أحدث توبةً (¬2) " رواه أحمد والبزار واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، ولفظه قالت: "ما كان من خُلُقٍ أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذبِ، ولقد كان الرجلَ يكذبُ عندهُ الكذبةَ، فما يزالُ في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث فيها توبةً"، ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ولفظه قالت: "ما كان شيء أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، وما جَرَّبَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحدٍ وإن قَلَّ، فيخرج له من نفسه حتى يُجَدَّدَ له توبةً". 32 - وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: "فقلت يا رسول الله إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه: لا أشتهيه يُعَدُّ ذلك كذباً؟ قال: إن الكذب يُكتبُ كذباً حتى تُكتب الكُذَيْبَةُ كُذَيْبَةً" رواه أحمد في حديث، وابن أبي الدنيا في الصمت والبيهقي كلهم من رواية يونس بن يزيد الأيلي عن أبي شداد عن شهر بن حوشب عنها، وعن أبي شداد أيضاً عن مجاهد عنها، وقد زعم بعض مشايخنا أنا أبا شداد مجهول لم يرو عنه غير ابن جريح فقد روى عنه يونس أيضاً كما ذكرنا وغيره، وليس بمجهول، والله أعلم. 33 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ¬

= يبين صلى الله عليه وسلم أسباب السعادة، ورغد العيش واكتساب السلامة الشاملة: (أ) طاعة الوالدين. (ب) الصدق. (جـ) الدعاء. (¬1) صفة أشد كراهة. (¬2) يجتهد صلى الله عليه وسلم في التنفير من الكذب وكأنه جدد توبة للكاذب وإنابة لله، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم إذا سمع كاذباً توبه ونفره من الكذب كأن الكاذب أجرم فرجع إلى ربه واستغفر.

من قال لصبيٍ تعالَ هَاكَ (¬1)، ثم لم يُعْطِهِ، فهيَ كذبةٌ (¬2) " رواه أحمد وابن أبي الدنيا كلاهما عن الزهري عن أبي هريرة، ولم يسمع منه. 34 - وعن عبد الله بن عامرٍ رضي الله عنه قال: "دعتني أمي يوماً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ في بيتنا، فقالت: هَا تعال أُعْطِكَ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردتِ أن تُعطيهِ (¬3)؟ قالت: أردتُ أن أعطيهَ تمراً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تُعْطِهِ شيئاً كُتبتْ عليكِ كذبةٌ" رواه أبو داود والبيهقي عن مولى عبد الله ابن عامر، ولم يسمياه عنه، ورواه ابن أبي الدنيا فسماه زياداً. 35 - وعن بَهْزِ بن حكيمٍ عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويلٌ (¬4) للذي يُحَدِّثُ بالحديث لِيُضْحِكَ به القوم فيكذب، ويلٌ له، ويلٌ له" رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي. 36 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

(¬1) أي أقبل خذ. (¬2) فعل معه كذبة واحدة، والمعنى يصدق الإنسان في كل أقواله وأفعاله حتى لو مازح، أو داعب، أو نادى طفلاً، ثم لم يؤدّ ما قال فيحسب عليه أنه كذب: أي خالف الواقع ففيه التحذر واليقظة، وتحري الصدق في كل شيء. (¬3) استفهام منه صلى الله عليه وسلم ليستبين قولها، وليعطيها درساً في الصدق: أي هل أردت عطاءه؟ وهنا تدفقت الحكمة وصادفت أهلها ووقعت في النفس موقع الماء العذب للظمآن. أفهمها صلى الله عليه وسلم أن نادته لتقدم له شيئاً ولم تنفذه، كتبت كذبة واحدة في صحيفتها كما قال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" (18 من سورة ق). إن هذا أمر يسير سهل نغفل عنه ونتهاون في إرسال القول، ولكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا بتقييد ذلك بأنه عدم وفاء، وكذب صراح: لا يكذب المرء إلا من مهانته ... أو فعله السوء أو من قلة الأدب لبعض جيفة كلب خير رائحة ... من كذبة المرء في جد وفي لعب إياك من كذب الكذوب وإفكه ... فلربما مزج اليقين بشكه ولربما كذب امرؤ بكلامه ... وبصمته وبكائه وبضحكه إذا عرف الإنسان بالكذب لم يزل ... لدى الناس كذابا ولو كان صادقا فإن قال لم تصغ له جلساؤه ... ولم يسمعوا منه ولو كان ناطقا (¬4) واد في جهنم يعذب فيه الكذاب الماجن المتهاون في كلامه، ثم كرر صلى الله عليه وسلم الثبور والهلاك له.

"ثلاثةٌ لا يُكلمهم الله (¬1) يوم القيامة، ولا يُزَكِّيهِمْ (¬2)، ولا ينظرُ إليهم (¬3)، ولهم عذابٌ أليمٌ: شيخٌ زانٍ (¬4)، ومَلِكٌ كذابٌ (¬5) وعائلٌ مُستكبرٌ" رواه مسلم وغيره. ¬

(¬1) لا يحدثهم حديث رحمة ونعمة. (¬2) ولا يطهرهم من أدران ذنوبهم، ولا يسامحهم. (¬3) ولا يتجلى عليهم برضوانه ليفوزوا بإحسانه. (¬4) كبير السن الفاحش مرتكب الموبقة. (¬5) حاكم وال نافذ الأمر مطاع: إن هؤلاء الثلاثة يضاعف الله عليهم العقاب، ويشتد عليهم سخطه جل جلاله. لماذا؟ لأن داعية الكذب مفقودة في الأمير السلطان؛ وشهية الجماع في الهرم زالت ففحشه شدة إجرام، وكذا الفقير يأنف العمل ويحب البطالة والكسل. ثمرات الصدق وأضرار الكذب كما بَيَّنَها صلى الله عليه وسلم: أولاً: الصدق ينجي، ويدعو إلى حسن الخاتمة، ويدل على القبول؛ ويزيد المسلم نوراً وثباتاً على الحق كسيدنا كعب رضي الله عنه. ثانياً: يدخل صاحبه الجنة. ثالثاً: يجلب محبة الله ورسوله. رابعاً: يدل على سجية كاملة، وفطرة سليمة، وخليقة مستقيمة: (أربع من كن فيه). خامساً: يعد الصادق من الأخيار الأبرار (القلب المخموم). سادساً: يهدي إلى البر. قال في الفتح: من الهداية؛ وهي الدلالة الموصلة إلى المطلوب؛ والبر: التوسع في فعل الخير، ويطلق على العمل الخالص الدائم؛ قال ابن بطال: مصداقه في كتاب الله تعالى: "إن الأبرار لفي نعيم" (13 من سورة الانفطار) أهـ ص 389 جـ 10 سابعاً: يميل الكاذب إلى الفساد وحب الإجرام والانبعاث في المعاصي. ثامناً: يستحق الصادق كل ثناء وإطراء. تاسعاً: يعلم المخلوقون من الملائكة أنه صادق، ويلقى ذلك في قلوب أهل الأرض (صديق). عاشراً: يدخل الكاذب النار وكلما زاد كذبه ترك نقطاً سوداء على قلبه تضله وتغويه وتنسيه حقوق الله (يسود قلبه). الحادي عشر: يسلط على الكاذب زبانية جهنم فترميه في فمه بالحديد والمدي (يشق شدقه). الثاني عشر: تظهر علامات النفاق والخداع في وجه الكاذب (آية). الثالث عشر: إيمان الكاذب ناقص وضعيف، وإن أكثر من العبادة ونفسه لم تتهذب (لا يبلغ). الرابع عشر: يختم الكذب على وجهه فيراه أهل الأنوار (يطبع المؤمن) الكاذب كثير الخيانة فاقد الأمانة لص، الحديث (كبرت خيانة). الخامس عشر: يحشر الكاذب ووجهه مظلم وحالته سيئة وصورته بشعة قذرة موحشة مقفرة (يسود). السادس عشر: رزق الكاذب ضيق وعيشه نكد وأهله في فقر وأولاده في شقاء (ينقص الرزق). السابع عشر: يحيا الكاذب وجسمه جيفة قذرة وينشر برائحته الكريهة (من نتن). الثامن عشر: استمرار الكاذب على كذبه يساعده على اقتراف الذنوب ولا يتوب إلى الله تعالى إلا إذا صدق (أحدث توبة). =

37 - وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ¬

_ = التاسع عشر: إظهار القول على خلاف ما تتمنى كذيبة، وكذا مناداة إنسان لتعطيه ولم تعطه كذبة ولو طفلاً (تعال هاك). العشرون: جهة محددة للماجنين الكذابين الضحكة (ويلٌ له). الحادي والعشرون: يغضب الله على الكاذب ويحرمه من رؤية جلاله واستطلاع عظمته، ونيل رحماته والتمتع بظلاله (ثلاثة لا يكلمهم الله). الآيات الدالة على فضيلة الصدق ورذيلة الكذب: (أ) قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" (119 من سورة التوبة). (ب) وقال تعالى: "رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدقٍ واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً" (80 من سورة الإسراء). (جـ) وقال تعالى: "واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً" (41 من سورة مريم). (د) وقال تعالى: "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفوراً رحيماً" (23 - 24 من سورة الأحزاب). من الثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمقاتلة لإعلاء دين الله فإن المعاهد إذا وفى بعهده فقد صدق فيه (نحبه) نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر، وما غيروا العهد. (هـ) وقال تعالى: "ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين" (60 من سورة الزمر). أي وصفوه بما لا يجوز كاتخاذ الولد (مسودة) مظلمة بما ينالهم من الشدة أو بما يتخيل عليها من ظلمة الجهل (مثوى): مقام، وفيها تهاون الكاذب على الله بمخالفة أمره. (و) وقال تعالى: "وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب" (28 من سورة غافر). من أقارب فرعون: أي لو كان مسرفاً كذاباً لما هداه الله إلى البينات، ولما عضده بتلك المعجزات، وعرض بفرعون أنه على ضلال لم يهده الله إلى سبيل الصواب. (ز) وقال تعالى: "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً" (54 من سورة مريم). (ح) وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولاً قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً" (70 - 71 من سورة الأحزاب). (ط) وقال تعالى في بيان طلبات سيدنا إبراهيم عليه السلام: "رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم" (83 - 85 من سورة الشعراء). (حكماً): كمالاً في العلم والعمل أستعد به لخلافة الحق ورياسة الخلق، ووفقني للكمال في العمل لأنتظم به في عداد الكاملين في الصلاح الذي لا يشوب صلاحهم كبير ذنب ولا صغيره (لسان صدق): قولاً فصيحاً بليغاً مسدداً وجاهاً وحسن صيت في الدنيا يبقى أثره إلى يوم الدين، ولذلك ما من أمة إلا وهم محبون له مثنون عليه، أو صادقاً من ذريتي يجدد أصل ديني ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه، وهو محمد صلى الله عليه وسلم. =

"ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: الشيخُ الزاني، والإمامُ الكذَّابُ، والعائلُ المزهو" رواه البزار بإسناد جيد. ¬

_ = (ي) وقال تعالى: "إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر" (54 - 55 من سورة القمر). (مقعد صدق): مكان مرضي خاص بالمتقين المقربين عنده تعالى، وقد رأيت في الحديث (لا يجتمع إيمان وكذب في قلب). (ك) وقال تعالى: "واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً ورفعناه مكاناً علياً" (56 - 57 من سورة مريم). وقال الثوري في قوله تعالى: "ويوم القيامة ترى الذين كذبوا" هم الذين ادعوا محبة الله تعالى ولم يكونوا بها صادقين. وقال الجنيد في قوله تعالى: "ليسأل الصادقين عن صدقهم" قال يسأل الصادقين عند أنفسهم عن صدقهم عند ربهم، وهذا أمر على خطر، وأجمع الفقهاء والعلماء على ثلاث فيها النجاة: الإسلام الخالص عن البدعة والهوى والصدق لله تعالى في الأعمال، وطيب المطعم، وقال محمد بن سعيد المروزي: إذا طلبت الله بالصدق آتاك الله مرآة بيدك حتى تبصر كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة. بيان حقيقة الصدق ومعناه ومراتبه كما قال الغزالي: اعلم أن لفظ الصدق يستعمل في ستة معان: صدق في القول، وصدق في النية والإرادة وصدق في العزم، وصدق في الوفاء بالعزم، وصدق في العمل، وصدق في تحقيق مقامات الدين كلها، فمن اتصف بالصدق في جميع ذلك فهو صديق. (1) صدق اللسان يكون في الأخبار، وفيه يدخل الوفاء بالوعد والخلف فيه، وقيل في المعاريض مندوحة عن الكذب ورخص في تأديب الصبيان والنساء، وفي الحذر عن الظلمة، وفي قتال الأعداء والاحتراز عن اطلاعهم على أسرار الملك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توجه إلى سفر ورى بغيره، وذلك كي لا ينتهي الخبر إلى الأعداء، قال صلى الله عليه وسلم (ليس الكذب من أصلح بين اثنين فقال خيراً أو أنمى خيراً) وكذا، ومن كان له زوجتان، ومن كان في مصالح الحرب. (2) في النية والإرادة ويرجع ذلك إلى الإخلاص. (3) صدق العزم على العمل لله تعالى. (4) في الوفاء بالعزم بتذليل العقبات. (5) في الأعمال حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف به. (6) الصدق في مقامات الدين كالخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا والتوكل والحب: أ - قال تعالى: "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون" (15 من سورة الحجرات). ب - وقال تعالى: "ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون" (177 من سورة البقرة). وسئل أبو ذر عن الإيمان فقرأ هذه الآية فقيل له سألناك عن الإيمان، فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم =

ترهيب ذي الوجهين وذي اللسانين

[العائل]: هو الفقير. [المزهو]: هو المعجب بنفسه المتكبر. ترهيب ذي الوجهين وذي اللسانين 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَجِدُونَ الناس معادن (¬1) خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فَقَهُوا (¬2)، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهةً، وتجدون شر الناس ¬

= عن الإيمان فقرأ هذه الآية. أهـ باختصار ص 334 جـ 4، فمعرفة الله تعالى وتعظيمه والخوف منه لا نهاية لها بمقدار حبه لربه. خلاصة فوائد حديث سيدنا كعب رضي الله عنه أحد الثلاثة: جواز طلب أموال الكفار دون الحرب، جواز الغزو في الشهر الحرام إذا لم تقتض المصلحة ستره، وأن الإمام إذا استنفر الجيش عموماً لزمهم النفير، إباحة الغنيمة لهذه الأمة إذ قال: يريدون عير قريش فضيلة أهل بدر، والعقبة والمتابعة مع الإمام، جواز الحلف من غير استحلاف، والتأسف على ما فاته من الخير وهجران أهل البدعة، وأن للإمام أن يؤدب بعض أصحابه بإمساك الكلام عنه وترك قربان الزوجة واستحباب صلاة القادم، ودخوله المسجد أولاً، وتوجه الناس إليه عند قدومه، والحكم بالظاهر، وقبول المعاذير، واستحباب البكاء على نفسه، ومسارقة النظر في الصلاة لا تبطلها، وفضيلة الصدق، وأن السلام ورده كلام، وجواز دخوله في بستان صديقه بلا إذنه، وأن الكناية لا يقع بها الطلاق ما لم ينوه، وإيثار طاعة الله ورسوله على مودة القريب، وخدمة المرأة لزوجها والاحتياط بمجانبة ما يخاف منه الوقوع في منهي عنه إذا لم يستأذن في خدمة امرأته لذلك وجواز إحراق ورقة فيها ذكر الله إذا كان لمصلحة، واستحباب التبشير عند تجدد نعمة واندفاع الكربة، واجتماع الناس عند الإمام في الأمور المهمة وسروره بما يسر أصحابه، والتصدق بشيء عند ارتفاع الحزن، والنهي عن التصدق بكل ماله عند عدم الصبر، وإجازة البشير بخلعة، وتخصيص اليمين بالغيبة، وجواز العارية، ومصافحة القادم والقيام له والتزام مداومة الخير الذي ينتفع به، واستحباب سجدة الشكر. وفيه عظيم أمر المعصية، وعن الحسن البصري أنه قال: يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالاً حراماً، ولا سفكوا دماً حراماً ولا أفسدوا في الأرض، وأصابهم ما سمعتم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر؟ رواه ابن أبي حاتم. وفيه أن القوي يؤاخذ أشد مما يؤاخذ به الضعيف في الدين، وفي جواز إخبار المرء عن تقصيره وتفريطه، وفيه جواز مدح الرجل بما فيه من الخير إذا أمن الفتنة وتسلية نفسه بما لم يحصل له بما وقع لنظيره، وفيه جواز ترك السلام على من أذنب وجواز هجره ثلاثه أيام، وفيه تبريد حر المعصية بالتأسي بالنظير، وفيه جواز ترك رد السلام على المهجور عمن سلم عليه إذ لو كان واجباً لم يقل كعب: هل حرك شفتيه برد السلام؟ وفيه أن قول المرء: الله ورسوله أعلم ليس بخطاب ولا كلام فلا يحنث به من حلف أن لا يكلم فلاناً إذا لم ينو مكالمته، وفيه مشروعية العارية. أهـ شرح العيني ص 56 جـ 18. (¬1) أصنافاً مختلفة. (¬2) فهموا أسرار الدين وعملوا بآدابه ونفذوا أوامره واجتنبوا مناهيه.

ذا الوجهين (¬1) الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ، وهؤلاء بوجهٍ (¬2) " رواه مالك والبخاري ومسلم. 2 - وعن محمد بن زيدٍ أن ناساً قالوا لجده عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: "إننا ندخلُ على سُلطاننا فنقولُ بخلافِ ما نتكلمُ (¬3) إذا خرجنا من عنده، فقال: كنا نَعُدُّ هذا نفاقاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري. 3 - وعن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ذُو الوجهين في الدنيا يأتي يوم القيامة، وله وجهان من نارٍ (¬4) " رواه الطبراني في الأوسط. ¬

(¬1) الطائفتين المتضادتين فيطلع المنافق على أسرار كل طائفة بخداعه، أو المراد بالناس عامتهم. قال القرطبي: إنما كان ذو الوجهين شر الناس، لأن حاله حال المنافق إذ هو متعلق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس. قال النووي: هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها، وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع، وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين، وهي مداهنة محرمة، قال فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود، وقال غيره: الفرق بينهما أن المذموم من يزين لكل طائفة عملها ويقبحه عند الأخرى ويذم كل طائفة عند الأخرى، والمحمود أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى وينقل إليها ما أمكنه من الجميل، ويستر القبيح، وتأوله قوم على أن المراد به المرائي بعمله، فيرى الناس خشوعاً واستكانة، ويوهمهم أنه يخشى الله حتى يكرموه، وهو في الباطن بخلاف ذلك. أهـ فتح ص 364 جـ 10 والمعنى المداهن المتملق باعث الفتن وناشر الدسائس بين المتصافيين أو الخصمين أكثر عداوة لله تعالى ويحسب من شرور الناس، وقال القسطلاني: ويظهر عند كل منهم أنه منهم يتملق بالباطل ويخل الفساد بينهم، نعم لو أتى كل قوم بكلام فيه صلاح واعتذار ونقل ما أمكنه من الجميل وستر القبيح كان محموداً. أهـ. (¬2) أي يتزلف إلى الفريقين ليوهم كلاً منهما أنه من أنصاره وأوليائه ويخبرهما أخباراً كاذبة تزيد الجفاء والنفور وتغرس الضغائن والأحقاد في قلوبهما فتشتعل نار العداوة. أنه وضيع مهين ماكر لئيم خبثت طباعه وانحطت أخلاقه لا وازع يردعه ولا ضمير يزجره ولا خوف من الله تعالى يؤنبه، قال صلى الله عليه وسلم: "شر عباد الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة" فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه ذو وجهين لعدم الركون إليه في أقواله وطلب نبذه واحتقاره، جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فألقى إليه خبراً بشأن رجل آخر فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك فإن لم تكن كاذباً فأنت ممن يدخلون في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" (من سورة الحجرات). وإن كنت كاذباً فأنت ممن يصدق عليه قوله تعالى: "هماز مشاءٍ بنميم" (11 من سورة القلم). وإن شئت عفونا عنك، قال العفو يا أمير المؤمنين ولا أعود. فاحذر أخي أن تتردد بين متعاديين لتحسن طرق المعاداة خشية أن تكون مبغضاً عند الله تعالى مطروداً من رحمته، فهذا عمل المنافق. (¬3) أي نظهر خلاف ما نبطن ونتحدث بالثناء والإطراء، وفي غيبته نذمه ونعدد مساويه. (¬4) يخلقه الله تعالى على أبشع صورة وأقبح هيئة وأردأ حالة، لأنه يتلون في حياته ويتذبذب ويداهن =

من كان ذا لسانين جعل الله له يوم القيامة لسانين من نار 4 - وعن عمار بن ياسرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نارٍ" رواه أبو داود، وابن حبان في صحيحه. 5 - ورويَ عن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان ذا لسانين (¬1) جعل الله له يوم القيامة لسانين من نارٍ (¬2) " رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت والطبراني والأصبهاني وغيرهم. ¬

= ويمالق فيحشره الله بوجهين احتقاراً له وبلسانين ازدراء به فيراه الناس فيذمونه ويفضحونه. لماذا؟ لأنه كان يقول بلسانه ما ليس في قلبه ويتقرب إلى الناس بالباطل ليفرح بالخصام ويسر بالتفريق، ويخالف اعتقاده ويميت ضميره بمتابعة هدى غيره ومسايرته، والغرض من هذا الحديث الحث على الثبات والرزانة واجتناب السوء، والتبغيض في الإفساد بين الناس وحفظ الكرامة والترغيب في الصراحة وحب الإصلاح ليسود الصفاء ويعم الهناء فترفرف شارات السعادة في أحياء المدينة العامرة بأهلها. (¬1) أي يقابل هذا فيذم عدوه ويقدح في عرض خصمه، وإذا قابل هذا الخصم أثنى عليه وذم من كان يمدحه، وهكذا فيكيل بلسانين: (أ) المدح. (ب) الذم. (¬2) يقلب الله هئيته في الآخرة فيظهر بلسانين في جهنم زيادة عقاب ليذوق أشد الآلام ويصطلي لسانه النار مضاعفة "نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممدة" (6 - 9 من سورة الهمزة). نسأل الله السلامة والرعاية والهداية. الآيات الذامة ذا الوجهين وذا اللسانين: (أ) قال الله تعالى: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد" (204 - 206 من سورة البقرة). (الألد): الخصم الشديد العنيد، والحرث: الزرع، والعزة: الأنفة التي حملته على ارتكاب .. ، والمهاد: الفراش. (ب) وقال تعالى: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً" (145 - 146 من سورة النساء) "درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفوراً رحيما" (96 من سورة النساء). (جـ) وقال تعالى: "ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون" (8 - 12 من سورة البقرة). (د) وقال تعالى: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين" (14 - 16 من سورة البقرة). =

الترهيب من الحلف بغير الله سيما بالأمانة، ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر ونحو ذلك

الترهيب من الحلف بغير الله سيما بالأمانة، ومن قوله أنا بريء من الإسلام أو كافر ونحو ذلك 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم (¬1) من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت (¬2) " رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. ¬

= قال الغزالي: كلام ذي اللسانين الذي يتردد بين المتعاديين ويكلم كل واحد منهما بكلام يوافقه وقلما يخلو عنه من يشاهد متعاديين، وذلك عين النفاق. وقال ابن مسعود: لا يكون أحدكم إمعة قالوا وما الإمعة؟ قال الذي يجري مع كل ريح، وإذا دخل على متعاديين وجامل كل واحد منهما، وكان صادقاً فيه لم يكن منافقاً ولا ذا لسانين، نعم لو نقل كلام واحد منهما إلى الآخر فهو ذو لسانين وهو شر من النميمة إذ يصير نماماً بأن ينقل من أحد الجانبين فقط، ويدخل في ذلك إذا حسن لكل واحد منهما ما هو عليه من المعاداة مع صاحبه أو وعد أحدهما بالمساعدة والنصر أو أثنى عليه في معاداته، بل ينبغي أن يسكت أو يثني على المحق من المتعاديين، ويثني عليه في غيبته، وفي حضوره وبين يدي عدوه. قيل لابن عمر رضي الله عنهما إنا ندخل على أمرائنا فنقول القول فإذا خرجنا قلنا غيره الحديث إلى أن قال: وهذا نفاق مهما كان مستغنياً عن الدخول على الأمير، وعن الثناء عليه ويقنع بالقليل، وترك المال والجاه كما قال صلى الله عليه وسلم "حب المال والجاه ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" فأما إذا ابتلى به لضرورة وخاف إن لم يثن فهو معذور، فإن اتقاء الشر جائز، ولا يجوز الثناء ولا التصديق، ولا تحريك الرأس في معرض التقرير على كلام باطل، فإن فعل ذلك فهو منافق. بل ينبغي أن ينكر فإن لم يقدر فيسكت بلسانه وينكر بقلبه. أهـ إحياء ص 128 جـ 3 قال بشار بن برد: خير إخوانك المشارك في المر ... وأين الشريك في المر أينا الذي إن شهدت سرك في الحى ... وإن غبت كان أذنا وعينا مثل سر الياقوت إن مسه النا ... ر جلاه البلاء فازداد زينا أنت في معشر إذا غبت عنهم ... بدلوا كل ما يزينك شينا وإذا ما رأوك قالوا جميعا ... أنت من أكرم البرايا علينا ما أرى للأنام ودا صحيحا ... صار ود الأنام زورا ومينا عدوك من صديقك مستفاد ... فلا تستكثرن من الصحاب (¬1) تقول: وأبي، وأمي، وخالي، وجدي. (¬2) ليسكت الذي أراد القسم للتعظيم والإجلال فيقسم بالله جل جلاله، أو بصفة من صفاته، قال تعالى: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" (من سورة الأعراف). وفي الفتح قال العلماء: السر في النهي عن الحلف بغير الله تعالى أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، وظاهر الحديث تخصيص الحلف بالله خاصة؛ لكن قد اتفق العلماء على أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية؛ وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها، وهل المنع للتحريم؟ قولان. عند المالكية كذا قال ابن دقيق العيد: والمشهور عندهم الكراهة، والخلاف أيضاً عند الحنابلة، لكن المشهور =

2 - وفي رواية لابن ماجة من حديث بُريدة قال: "سَمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يحلفُ بأبيه فقال: "لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فَلْيَصْدُقْ (¬1)، ومن حُلِفَ لهُ بالله فَلْيَرْضَ (¬2)، ومن لم يَرْضَ بالله فليس من الله (¬3) ". 3 - وعنه رضي الله عنه: "أنه سمع رجلاً يقولُ: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا يُحْلَفُ بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (¬4) " رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 4 - وفي رواية للحاكم: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كُلُّ يمينٍ يُحْلَفُ بها دون الله شِرْكٌ (¬5) ". 5 - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "لأن أحلفَ بالله كاذباً (¬6) ¬

= عندهم التحريم، وبه جزم الظاهرية، وقال ابن عبد البر: لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع ومراده بنفي الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه، فإنه قال في موضع آخر: أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها، والخلاف موجود عند الشافعية من أجل قول الشافعي: أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية فأشعر بالتردد، وجمهور أصحابه على أنه للتنزيه. وقال إمام الحرمين: المذهب القطع بالكراهة وجزم غيره بالتفصيل، فإن اعتقد في المحلوف فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به، وكان بذلك الاعتقاد كافراً وعليه يتنزل الحديث المذكور، وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك، ولا تنعقد يمينه، قال الماوردي: لا يجوز لأحد أن يحلف أحداً بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر، وإذا حلف الحاكم أحداً بشيء من ذلك وجب عزله لجهله. أهـ ص 426 جـ 10. (¬1) يقل الحق ويضمر الخير، ويطهر نيته ويشعر بإجلاله الله وتعظيمه. (¬2) فلينفذ ما حلف عليه وليبر بقسم الحالف. (¬3) نفى عنه سبحانه وتعالى الاعتماد عليه والتوكل: أي ليس خائفاً مني، ولا وجلاً ولا شاعراً بعظتمي، ومنصرفاً لتعظيم غيري. (¬4) أي من أقسم بغير الله تعظيماً له من دونه فقد جعل لله شريكاً، وقد خرج من الإسلام، وقد جحد نعمة الله وأنكر فضله. (¬5) إدخال غير الله في التعظيم. قال المناوي: أي فَعلَ فِعل أهل الشرك وتشبه بهم إذ كانت أيمانهم بآبائهم وما يعبدونه من دون الله، أو فقد أشرك غير الله في تعظيمه. أهـ عزيزي. وقال الحفني: أي فقد فعل مثل فعل المشركين، لأنهم كانوا يحلفون بأسماء آلهتهم فيكره الحلف بغير الله تعالى، ولو ولياً أو ملكاً أو نبياً. أهـ جامع صغير. (¬6) المعنى أكثر من ذكر الله تعالى مع تغيير الأقوال الموافقة للواقع أفضل من الصدق مع القسم بغيره سبحانه.

أحبُّ إليَّ من أن أحلفَ بغيرهِ وأنا صادقٌ" رواه الطبراني موقوفاً، ورواته رواة الصحيح. 6 - وعن بُريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بالأمانة فليس منا" رواه أبو داود. 7 - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف قال إني برئٌ من الإسلام (¬1)، فإن كان كاذباً، فهو كما قال (¬2)، وإن كان صادقاً (¬3) فلن يرجع إلى الإسلام سالماً (¬4) " رواه أبو داود وابن ماجة، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمينٍ فهو كما حلف (¬5) إن قال: هو يهوديٌ، فهو يهوديٌ، وإن قال: هو نصرانيٌّ، فهو نصرانيٌّ، وإن قال هو برئٌ من الإسلام فهو برئٌ من الإسلام، ومن ادَّعَى دُعاء الجاهلية فإنه من جُثاء جهنم (¬6) قالوا: يا رسول الله، وإن صام وصلى؟ قال: وإن صام وصلى" رواه أبو يعلى والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد كذا قال. 9 - وروى ابن ماجة من حديث أنسٍ رضي الله عنه قال: "سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: أنا إذاً يهوديٌّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَجَبَتْ (¬7) ". 10 - وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف بملةٍ غير الإسلام (¬8) ¬

(¬1) أي بعيد من آدابه خارج عن سننه. (¬2) أي يتصف ببعده عن الإسلام وينقص إيمانه ويضعف دينه. (¬3) أي وإن قال معتقداً أنه خارج عن الإسلام فإسلامه عسير، وهو مشرك ولابد من النطق بالشهادتين وتجديد توبته. (¬4) المعنى أنه كفر. (¬5) أي ينال درجة من يعظم، فإن عظم اليهودية فهو يهودي أو النصرانية فهو نصراني. (¬6) شيء مجموع: أي من جماعتها، لأنه لازال متعصياً بحمية الجاهلية مائلاً لنداءاتها معظماً غير الله تعالى. (¬7) حق عليه الاتصاف بالمروق عن الإسلام، والخروج من حظيرته. (¬8) قال السندي: في حاشيته على البخاري كأن يقول إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني. أهـ فيرضى لنفسه هذه التي جاء الإسلام فنسخها وبدلها بالملة السمحاء الحنيفية.

كاذباً، فهو كما قال (¬1) رواه البخاري ومسلم في حديثٍ، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. ¬

(¬1) ظاهره أنه يكفر بذلك، وهو كذلك إن قصد الرضى بما قاله وإلا بأن قصد إبعاد نفسه عن الفعل أو أطلق، فلا يكفر لكنه ارتكب مكروها. أهـ. سندي. فصل في الأيمان: والخلاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يحلف الإنسان بأبيه أو بأي شيء غير الله تعالى، وأورد البخاري حديث سيدنا سالم: "قال ابن عمر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" قال عمر فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذاكراً ولا آثراً" (ذاكراً): عامداً، (وآثراً): أي حاكياً عن الغير. أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري، أو متفاخراً بالآباء في الإكرام، وفي الفتح: وفي هذا الحديث من الفوائد الزجر عن الحلف بغير الله، وأما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله ففيه جوابان: (أ) أن فيه حذفاً، والتقدير: ورب الشمس. (ب) يختص بالله، فإذا أراد تعظيم شيء من مخلوقاته أقسم به، وليس لغيره ذك، وأما ما وقع مما يخالف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "أفلح وأبيه إن صدق" فنفاها ابن عبد البر "أفلح والله إن صدق" ومن لفظ أبي بكر الصديق في قصة السارق الذي سرق حلي ابنته فقال في حقه: "وأبيك ما ليلك بليل سارق" أخرجه في الموطأ وغيره، وأخرج مسلم للذي سأل: أي الصدقة أفضل؟ فقال: وأبيك لتنبأن. إذا ثبت ذلك كان يجري على ألسنتهم من غير أن يقصد به القسم، والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف، وإلى هذا جنح البيهقي، وقال النووي: إنه الجواب المرضي، والثاني أنه كان يقع في كلامهم على وجهين: أحدهما للتعظيم، والآخر للتأكيد، والنهي إنما وقع عن الأول، فمن أمثلة ما وقع في كلامهم للتأكيد لا للتعظيم قول الشاعر: * لعمر أبى الواشين إني أحبها * وقول آخر: فإن تك ليلى استودعتني أمانة ... فلا وأبي أعداءها لا أذيعها قال البيهقي (أفلح وأبيه): أي ورب أبيه، ولا تنعقد يمين من حلف بغير الله سواء كان المحلوف به يستحق التعظيم لمعنى غير العبادة كالأنبياء والملائكة والعلماء الصلحاء والملوك والآباء، والكعبة، أو كان لا يستحق التعظيم كالآحاد أو يستحق التحقير والإذلال كالشياطين والأصنام، وسائر من عبد من دون الله، واستثنى بعض الحنابلة من ذلك الحلف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: تنعقد به اليمين، وتجب الكفارة بالحنث. أهـ ص 428 جـ 10 وفي تنوير القلوب يخشى على من يكثر الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم فراراً من الكفارة في الحلف باسم الله من سوء الخاتمة، لما فيه من التهاون باسم النبي صلى الله عليه وسلم، بل إن قصد ذلك كفر والعياذ بالله تعالى، واليمين تحقيق ما يحتمل الوقوع وعدمه: أي إثبات أنه لابد منه بذكر الله أو صفة من صفات ذاته، ولا يصح اليمين إلا من كل بالغ عاقل مختار قاصد، فلا تصح يمين الصبي، ومن زال عقله بنوم أو مرض، وإن زال بمحرم صحت يمينه، ومن أكره على اليمين لم تصح يمينه، ومن لم يقصد اليمين أصلاً فسبق لسانه إليها أو قصد اليمين على شيء وسبق لسانه إلى غيره لم تصح يمينه، وذلك لغو اليمين الذي لا يؤاخذ به، وتصح اليمين على =

الترهيب من احتقار المسلم وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى

الترهيب من احتقار المسلم وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ¬

_ = الماضي والمستقبل، فإن حلف على ماض وهو صادق فلا شيء عليه، وإن كان كاذباً أثم وعليه الكفارة، وهذه اليمين هي اليمين الغموس تغمس صاحبها في النار، ومن حنث في يمينه فعليه الكفارة: (أ) عتق رقبة مؤمنة. (ب) أو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد مما يجزئ في زكاة الفطر، ولا يتعين صرفه لفقراء بلده، وهو نصف قدح بالكيل المصري. (جـ) كسوتهم بما يسمى كسوة مما يعتاد لبسه كقميص أو عمامة أو منديل، فإن لم يجد شيئاً من الثلاثة لعجزه عنها فصيام ثلاثة أيام، ولا يجب تتابعها. أهـ ص 258 قد كان العرب يتفاخرون بالأنساب والأحساب فيدعوهم ذلك إلى تعظيم من يبجلون فيقسمون به، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله إشعاراً بربوبيته، واعترافاً بجبروته وقدوسه وتحدثاً بسلطانه، وبطشه ورأفته ورحمته قال تعالى: "وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه مؤئلا" (58 من سورة الكهف). أي والله تعالى البليغ بالرحمة الرءوف الغفار (موعدا): منجا، فالله جدير بتعظيمه، والقسم به سبحانه. الاستشهاد بالآيات ترهيباً من الحلف بغير الله سبحانه وتعالى: (أ) قال تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً" (21 من سورة الزخرف). (أسوة): قدوة، ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حلف بغير الله تعالى بل علمه الله تعالى الحلف به كما قال جل جلاله: "ويستنبئونك أحق هو إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين" (53 من سورة يس). أي ويستخبرونك أحق ما تقول من الوعد أو ادعاء النبوة تقول بجد أم باطل تهزل به؟ قاله حيي بن أخطب لما قدم مكة إن العذاب لكائن أو ما ادعيته لثابت: إي والله. (ب) وقال تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله" (64 من سورة النساء). ومن طاعته اتباع أوامره بالحلف به تعالى وحده. (جـ) وقال تعالى: "ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً وإياي فاتقون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون" (41 - 42 من سورة البقرة). أي ولا تستبدلوا بالأيمان بها والاتباع لها حظوظ الدنيا فإنها وإن جلت قليلة مسترذلة، وقيل كان لهم رياسة في قومهم ورسوم وهدايا منهم فخافوا عليها لو اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختاروها عليه، قيل كانوا يأخذون الرشى فيحرفون الحق ويكتمونه. (د) وقال تعالى: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم" (224 - 225 من سورة البقرة). أي لا تجعلوا الله حاجزاً لما حلفتم عليه من أنواع الخير. نزلت في الصديق رضي الله عنه لما حلف أن لا ينفق =

المسلم أخو المسلم لا يظلمهُ (¬1)، ولا يخذله (¬2)، ولا يَحْقِرُهُ (¬3) التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا (¬4)، ويشير إلى صدره، بحسب امرئٍ (¬5) من الشر أن يحقر أخاه (¬6) المسلم، كل المسلم على المسلم حرامٌ: دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ (¬7) " رواه مسلم وغيره. ¬

= على مسطح لافترائه على السيدة عائشة رضي الله عنها. أو في عبد الله بن رواحة حلف أن لا يتكلم ختنه بشير بن النعامن. ولا يصلح بينه وبين أخته، ولا تجعلوه معرضاً لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به، ولذلك ذم الحلاف في قوله تعالى: "ولا تطع كل حلاف مهين" (10 من سورة القلم). (وأن تبروا): علة للنهي: أي أنهاكم عنه إرادة بركم وتقواكم، وإصلاحكم بين الناس فإن الحلاف مجترئ على الله تعالى والمجترئ عليه لا يكون براً متقياً ولا موثوقاً به في إصلاح ذات البين. اللغو: الساقط الذي لا تعتد به من كلام وغيره، ولغو اليمين ما لا عقد معه كما سبق به اللسان أو تكلم به جاهلاً لمعناه كقول العرب لا والله، وبلى والله لمجرد التأكيد (بما كسبت قلوبكم): أي لا يؤاخذكم الله بعقوبة ولا كفارة مما لا قصد معه، ولكن بقصد الأيمان وواطأت فيها قلوبكم ألسنتكم. وقال أبو حنيفة: اللغو أن يحلف الرجل بناء على ظنه الكاذب والمعنى لا يعاقبكم بما أخطأتم فيه من الأيمان، ولكن يؤاخذكم بما تعمدتم الكذب فيه. (هـ) وقال تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون" (89 من سورة المائدة). (من أوسط): من أقصده في النوع أو القدر (فكفارته): الفعلة التي تذهب إثمه وتستره (واحفظوا أيمانكم): أي لا تضنوا بها ولا تبذلوها لكل أمر، أو بأن تبروا فيها ما استطعتم، ولم يفت بها خير، أو بأن تكفروها إذا حنثتم (آياته): أعلام شرائعه. إن دليلنا تعظيم الحلف بالله تعالى: ونهى جل جلاله عن كثرة الحلف به رجاء أن يكون من يتجنب ذلك باراً أي طائعاً لله تعالى له بصيانة اسمه عن الابتذال، وتقياً وازناً ألفاظه ليثق به الناس ويوسطوه في الإصلاح بينهم وجلب الألفة ليقبلوا حكمه. قال الإمام الشافعي: ما حلف بالله صادقاً، ولا كاذباً، وقد حاسب الله على اليمين التي ينطق بها اللسان ويقصدها القلب، وعفا عن يمين اللغو التي تصدر على سبيل العادة، لا والله: أي والله قصد تأكيد الكلام، ولا يريد الإنسان بها حلفاً فلا يعتد بها، ولا يلزم صاحبها كفارة، ولا يستحق عليها عقوبة، قال الشاعر: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مطلب (¬1) لا يأخذ شيئاً من ماله بلا سبب شرعي ولا ينقص شيئاً من أجرته لئلا يشكوه إلى حاكم يعاقبه، ويلزمه برد الحقوق إلى أربابها أو يتضرع إلى ربه فينتقم له من ظالمه: أد الأمانة والخيانة فاجتنب ... واعدل ولا تظلم يطيب المكسب من المظلوم سهماً صائباً ... واعلم بأن دعاءه لا يحجب (¬2) لا يترك نصرته ويدفع عنه الأذى، ويمنعه من أن يؤذي غيره، ويصلح بينه وبين أخيه ويغيثه إذا استغاث به. (¬3) لا يستهين به ولا يزدريه ولا يسخر منه. (¬4) خوف الله تعالى في القلب، وثمرة خشيته في قلبه يفكر فينتج الأعمال الصالحة. (¬5) كافيه. (¬6) فبين المسلم وأخيه أخوة متينة وصلة قوية توجب لكل منهما على الآخر حقوقاً يجب الوفاء بها: يحترمه، يعدل معه، ويساعده، وينصره، وينصحه. (¬7) لا يصح التعدي عليه بإراقة دمه وغيبته، وذمه، وهتك عرضه، وسرقة ماله وغصبه ونهبه.

إن الله جميل يحب الجمال 2 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ (¬1) من كِبْرٍ، فقال رجلٌ: إن الرجلَ يُحبُّ أن يكون ثوبهُ حسناً، ونعلهُ حسناً؟ فقال: إن الله تعالى جميلٌ (¬2) يحب الجمال (¬3) الكبر بَطَرُ الحق، وَغَمْطُ الناس" رواه مسلم والترمذي، والحاكم إلا أنه قال: "ولكن الكبر من بَطَرَ الحق وازدرى الناس" وقال الحاكم: احتجا برواته. [بطر الحق]: دفعه ورده. [وغمط الناس]: بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وبالطاء المهملة: هو احتقارهم وازدراؤهم كما جاء مفسراً عند الحاكم. 3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم الرجل يقولُ: هَلَكَ الناسُ (¬4) فهو أهلكهم" رواه مالك ومسلم وأبو داود وقال: قال أبو إسحاق: سمعته بالنصب والرفع، ولا أدري أيهما قال، يعني بنصب الكاف من أهلكهم أو رفعها: وفسره مالك إذا قال ذلك معجباً بنفسه مزدرياً بغيره، فهو أشد هلاكاً منهم لأنه لا يدري سرائر الله في خلقه. انتهى. 4 - وعن جُندبُ بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال رجلٌ: والله لا يغفرُ الله لفلان، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتَألَّى (¬5) عليَّ أن لا أغفر له؟ إني قد غفرتُ له وأحبطتُ عملك (¬6) " رواه مسلم. 5 - وعن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المستهزئين بالناس يُفْتَحُ لأحدهم في الآخرة بابٌ من الجنة، فيقال له: هَلُمَّ (¬7) ¬

(¬1) مقدار رأس أنملة. (¬2) متصف بكل كمال منزه عن كل نقص. (¬3) النظافة وحسن الهندام وطيب الحديث ويحب أن يرى عبده متمتعاً بنعمه، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون" (87 - 88 من سورة المائدة). (¬4) يزدري بهم ويحتقر أعمالهم فهو أشد هلاكاً وأردأ عاقبة لاستهزائه بغيره. (¬5) من يحكم عليَّ ويحلف ويتعدى عليَّ بالتهجم، وإني غفور رحيم قهار كريم عفو رحمن قد سترت ذنوبه وسامحته. (¬6) نقصتها ولم أقبلها. (¬7) أقبلوا.

فيجيء بِكَرْبِهِ (¬1) وَغَمِّهِ، فإذا جاء أُغلق دونه (¬2) ثم يُفتحُ له بابٌ آخر، فيقال له: هَلُمَّ هَلُمَّ، فيجيء بكربه وغمه، فإذا جاءه أغلق دونه، فما يزال كذلك حتى إن أحدهم لَيُفْتَحُ له البابُ من أبواب الجنة فيقالُ له: هَلُمَّ، فما يأتيه من الإياس (¬3) " رواه البيهقي مرسلاً. 6 - وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أنسابكم هذه ليست بِسِبَابٍ على أحدٍ (¬4)، وإنما أنتم ولد آدم طَفُّ الصَّاعِ لم تملؤوه ليس لأحدٍ فضلٌ على أحدٍ إلا بالدِّينِ، أو عملٍ صالحٍ (¬5) " رواه أحمد والبيهقي كلاهما من رواية ابن لهيعة، ولفظ البيهقي قال: "ليس لأحدٍ على أحدٍ فضلٌ إلا بالدين، أو عملٍ صالحٍ. حَسْبُ الرجلِ أن يكون فاحشاً بذياً بخيلاً". 7 - وفي رواية له: "ليس لأحد على أحدٍ فضلٌ إلا بدينٍ أو تقوى، وكفى بالرجلِ أن يكون بذياً فاحشاً بخيلاً". قوله [طف الصاع] بالإضافة: أي قريب بعضكم من بعض. 8 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "انظرْ فإنك لست بخيرٍ من أحْمَرَ، ولا أسودَ إلا أن تَفْضُلَهُ بتقوى (¬6) " رواه أحمد، ورواته ثقات مشهورون إلا أن بكر بن عبد الله المزني لم يسمع من أبي ذر. 9 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال: يا أيها الناس إن ربكم واحدٌ، وإن أباكم واحدٌ. ألا لا فضل لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على ¬

(¬1) بشدته. (¬2) سد في وجهه فلا يدخل. (¬3) عدم رجاء دخوله. (¬4) شتم، والسبة العار. (¬5) أي التفاضل بصالح الأعمال، قال تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" من سورة الحجرات. (¬6) زيادة درجاته بحسب خوفه من الله تعالى وخشيته وأعماله الصالحة، قال تعالى: "واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم" (7 - 8 من سورة الحجرات).

أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ، إلا بالتقوى (¬1) إن أكرمكم عند الله أتقاكم. ألا هل بلغتُ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فليبلغِ الشاهدُ الغائب" ثم ذكر الحديث في تحريم الدماء والأموال والأعراض. رواه البيهقي، وقال في إسناده بعض من يجهل. 10 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة أمر الله منادياً ينادي: ألا إني جعلتُ نسباً، وجعلتم نسباً، فجعلتُ أكرمكم أتقاكم، فأبيتم (¬2) إلا أن تقولوا: فلانُ ابن فلانٍ خيرٌ من فلان ابن فلانٍ، فاليوم أرفعُ نسبي (¬3)، وأضعُ نسبكم (¬4). أين المتقون؟ " رواه الطبراني في الأوسط والصغير والبيهقي مرفوعاً وموقوفاً، وقال: المحفوظ الموقوف، وتقدم في أول كتاب العلم حديث أبي هريرة الصحيح فيه: "من بَطّأ به عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ (¬5) ". ¬

(¬1) فسرها الإمام على رضي الله عنه بقوله: هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد للرحيل. أهـ. فأنت تجد منازل الناس عند ربهم بامتثال ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه لا ينظر إلى وفرة المال ولا شرف الأنساب، قال تعالى: "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين". قال الشاعر: لم يجدك الحسب العالي بغير تقى ... مولاك شيئاً فحاذر واتق الله وابغ الكرامة في نيل الفخار به ... فأكرم الناس عند الله أتقاها واشدد يديك بحبل الله معتصما ... فإنه الركن إن خانتك أركان من يتق الله يحمد في عواقبه ... ويكفه شر من عزوا ومن هانوا من استعان بغير الله في طلب ... فإن ناصره عجز وخذلان عليك بتقوى الله فالزمها تفز ... إن التقى هو البهي واعمل بطاعته تنل منه الرضا ... إن المطيع لربه لمقرب (¬2) امتنعتم عن التفاخر بالأعمال الصالحة والتباهي بها والاستعداد لها وأطلقتم العنان للسان بالتفاخر بالأحساب والأنساب. (¬3) درجات الأعمال الطيبة الصالحة. (¬4) أضرب به عرض الحائط، وأذل من كان يشمخ بحسبه وجاهه في حياته وأعذبه لتقصيره في تشييد الصالحات. (¬5) في (ع): من أبطأ أي من أخره عمله السيء وتفريطه في العمل الصالح لم ينفعه في الآخرة شرف النسب يقال بطأ به وأبطأ به بمعنى أهـ نهاية. فالأعمال الصالحة مطية سابقة إلى درجات النعيم وسيارة أو طيارة يوم للقيامة توصل صاحبها إلى المنازل السامية في الجنة. أما الشريف المقصر عن الأعمال الطيبة الصالحة فمطيته عرجاء بطيئة في ميدان السباق إلى الفوز والتبرز ونيل المناصب الرفيعة في الآخرة كما قال تعالى: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب" (197 من سورة البقرة). =

11 - وعن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل أذهب عنكم عُبِّيّةَ الجاهلية (¬1)، وفخرها (¬2) بالآباء، الناسُ بنو آدم، وآدمُ من تُرابٍ: مؤمنٌ تقيٌّ، وفاجرٌ شقيٌّ (¬3) لَيَنْتَهِيَنَّ (¬4) أقوامٌ يفتخرون برجالٍ (¬5) إنما هُم فحمٌ من فحمِ جهنم، أو ليكونن (¬6) أهون على الله من الجُعْلاَنِ التي تدفعُ النتن بأنفها" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وتقدم لفظه، والبيهقي بإسناد حسن أيضاً، واللفظ له، وتقدم معنى غريبه في الكبر. ¬

= فأصحاب العقول الكاملة هم المبرزون في أداء المأمورات المحصلون المدخرون الثواب من الله عز شأنه، كما قال تعالى: "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا" (30 من سورة الكهف). قال الشاعر: العلم زين فكن للعلم مكتسبا ... وكن له طالبا ما عشت مقتبسا اركن إليه وثق بالله واغن به ... وكن حليماً رزين العقل محترسا وكن فتى سالكاً محض التقى ورعا ... للدين مغتنما في العلم منغمسا فمن تخلق بالآداب ظل بها ... رئيس قوم إذا ما فارق الرؤسا ولمحمود باشا سامي البارودي: فانهض إلى صهوات (1) المجد معتليا ... فالباز (2) لم يأو إلا عالي (3) القلل ودع من الأمر أدناه لأبعده ... في لجة البحر ما يغني عن الوشل (4) قد يظفر الفاتك (5) الألوى (6) بحاجته ... ويقعد العجز بالهيابة (7) الوكل (8) وكن على حذر تسلم فرب فتى ... ألقى به الأمن بين اليأس والوجل ولا يغرنك بشر (9) من أخى ملق ... فرونق الأل (10) لا يشفي من الغلل (11) لو يعلم المرء ما في الناس من دخن (12) ... لبات ود ذوي القربى على وخل (13) (¬1) الكبر بضم العين من التعبية: أي المتكبر ذو تكلف وتعبية خلاف من يسترسل على سجيته، وبكسر العين من عباب الماء، وهو أوله وارتفاعه. أهـ نهاية. في القاموس كسر الباء وتشديدها الكبر والفخر والنخوة. (¬2) تفاخرها. (¬3) في العالم صنفان: (أ) صالح عامل بآداب الله ورسوله موحد به يخشاه ويرجو رحمته ويدعوه رغباً ورهباً. (ب) مجرم فاسق عاصٍ، وإن ربك لبالمرصاد يثيب المحسن، ويجازي المسيء. (¬4) ليبتعدن. (¬5) الأجداد الذين ماتوا على الكفر والعناء ومعاكسة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقد عذبهم بالنار فصاروا لهباً لها وحطباً موقدا. (¬6) أو ليجعل الله رائحتهم قذرة ولا احترام لهم ودرجتهم مثل الحشرات الحقيرة التي تسكن في الأماكن الخربة والمراحيض، وفي المصباح الجعل بوزن عمر: الحرباء، وهي ذكر أم حيين وجمعه جعلان مثل صرد وصردان. أهـ. =

الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك مما يذكر

الترغيب في إماطة الأذى عن الطريق، وغير ذلك مما يذكر 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمانُ بضعٌ (¬1) وستون أو سبعون شعبةً (¬2) أدناها (¬3) إماطةُ (¬4) الأذى عن الطريق، وأرْفَعُهَا (¬5) قول: لا إله إلا الله (¬6) " رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. ¬

= الله اكبر. يبين صلى الله عليه وسلم منازل المفتخرين بآبائهم وأجدادهم: منازل الحشرات الدنيئة الوضيعة في الدنيا والآخرة، إذ لا عمل صالح في صحيفتهم، ولا محامد ولا مكارم ترفعهم يوم ينظر المرء ما قدمت يداه. نتائج احتقار المسلم كما قال صلى الله عليه وسلم: أولاً: يبعد عنه أخوة الإسلام. ثانياً: يجعله في صفوف الأشرار ويقصيه عن الأخيار (بحسب امرئٍ) لا يدخله الجنة. ثالثاً: يجر له الدمار، ويجلب عليه الخيبة فهو أهلكهم. رابعاً: يثيب الله من سخر منه، ويعذب الساخر (المتألي). خامساً: عند الشدائد تفتح أمامه أبواب الجنة وتستهزئ به ملائكة الرحمة (أغلق دونه). سادساً: يدل على سفاهة الرأي وضلال العقل وحماقة وجهالة (لأن التفاخر بالدين والعمل الصالح). سابعاً: عنوان الطرد من رحمته لأن المقرب عنده سبحانه التقي "إن أكرمكم". ثامناً: يلبسه في الآخرة لباس الذل والخيبة والخسران (أضع نسبكم) المحتقر مركبه وطئ (بطرني). تاسعاً: يجر احتقار المسلم إلى الشقاء. عاشراً: درجة الساخر مثل الحشرات (الجعلان) ولسالم بن وابصة الأسدي في الأخلاق، وهو شاعر إسلامي تابعي: أحب الفتى ينفي الفواحش (1) سمعه ... كأن به عن كل فاحشة وقرا (2) سليم دواعي الصدر لا باسطا أذى ... ولا مانعا خيرا ولا قائلا هجرا (3) إذا شئت أن تدعى كريما مكرما ... أديبا ظريفا عاقلا ماجدا حرا إذا ما أتت من صاحب لك زلة ... فكن أنت محتالا لزلته عذرا غنى النفس ما يكفيك من مدخلة (4) ... فإن زاد شيئا عاد (5) ذاك الغنى فقرا كن ابن من شئت واكتسب أدبا ... يغنيك محموده عن النسب إن الفتى من يقول هأنذا ... ليس الفتى من يقول كان أبي (¬1) من الثلاثة إلى التسعة. (¬2) الشعبة: الطائفة من كل شيء والقطعة منه. (¬3) أقربها إلى نيل الثواب. (¬4) إبعاد الضرر عن المارين. (¬5) أجلها النطق بالشهادتين، لأنه يدخل في زمرة المسلمين. (¬6) مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[أماط] الشيء عن الطريق: نحاه وأزاله، والمراد بالأذى كل ما يؤذي المار كالحجر والشوكة والعظم والنجاسة ونحو ذلك. 2 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عُرضتْ عليَّ أعمالُ امتي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا (¬1)، فوجدتُ في محاسنِ أعمالها الأذى يُماطُ عن الطريق ووجدتُ في مساوي أعمالها النُّخَامةَ (¬2) تكون في المسجد لا تُدفنُ" رواه مسلم وابن ماجة. 3 - وعن أبي بَرْزَةَ رضي الله عنه قال: "قلتُ يا نبي الله: إني لا أدري نفسي تمضي أو أبقى بعدك فزودني شيئاً ينفعني الله به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افعل كذا، افعل كذا، وأمِرَّ (¬3) الأذى عن الطريق". 4 - وفي رواية قال أبو برزة: "قلتُ يا نبي الله: علمني شيئاً أنتفع به، قال: اعزل الأذى عن طريق المسلمين (¬4) " رواه مسلم وابن ماجة. 5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلاَمَى (¬5) من الناس عليه صدقةٌ كل يومٍ تطلعُ فيه الشمسُ: تَعْدِلُ بين الاثنين (¬6) صدقةٌ، وَيُعينُ الرجل في دابته (¬7)، فَيَحْمِلُهُ عليها أم يرفعُ له عليها متاعهُ (¬8) صدقةٌ، والكلمةُ الطيبةُ (¬9) صدقةٌ، وبكل خطوةٍ يمشيها إلى ¬

(¬1) جيدها ورديئها. (¬2) البصقة، وفي النهاية البزقة التي تخرج من أقصى الحلق. أهـ. فلاكتساب الثواب يواريها المسلم ويراعي نظافة المسجد. (¬3) أذهب، أمر من أمررت الشيء أمره إمراراً: إذا جعلته يمر. (¬4) نح وأبعد الأضرار، وكل ما يعطل سير المارين. (¬5) مفصل من مفاصل أعضاء الإنسان وعددها ثلثمائة وستون: والمعنى أيها الإنسان انظر إلى جسمك، وتركيبه بإبداع وإتقان فتصدق على هذه العدد المتينة المركبة من لحم ودم المتحركة بإرادة الله وقدرته. (¬6) تقول الحق وتفصل بين المتنازعين وتعين على الهداية وتتبع الصراط المستقيم في أقوالك وأعمالك يحسب لك حسنات وإنفاق في سبيل طاعة الله تعالى. (¬7) تساعد أخاك المسلم في أعماله وتقدم له الخير فينجح ويسعد. (¬8) ما يريد حمله. (¬9) الأقوال الحميدة العذبة الخالية من غضب الله وسخطه

الصلاة (¬1) صدقةٌ، ويميط الأذى عن الطريق صدقةٌ" رواه البخاري ومسلم. إن أبواب الخير لكثيرة 6 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على كُلِّ مِيْسَمٍ (¬2) من الإنسان صلاةٌ كل يومٍ، فقال رجلٌ من القومِ: هذا من أشدِّ ما أنبأتنا به. قال: أمْرُكَ بالمعروفِ (¬3)، ونهيك عن المنكر (¬4) صلاةٌ، وَحَمْلُكَ على الضعيف صلاةٌ، وإنحاؤك القَذَرَ عن الطريق صلاةٌ، وكل خطوةٍ تخطوها إلى الصلاة صلاةٌ (¬5) " رواه ابن خزيمة في صحيحه. 7 - وعن أبي ذرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقةٌ في كل يومٍ طلعت فيه الشمسُ، قيل: يا رسول الله من أين لنا صدقةٌ نتصدقُ بها؟ فقال: إن أبواب الخير لكثيرةٌ: التسبيحُ، والتحميدُ، والتكبيرُ، والتهليلُ، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتميطُ الأذى عن الطريق، وتُسْمِعُ الأصمَّ، وتُهْدِي الأعمى، وَتَدُلُّ المُستدلَّ على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحملُ بشدة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كلهُ صدقةٌ منك على نفسك" رواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي مختصراً، وزاد في رواية: "وتبسمك في وجه أخيك صدقةٌ، وإماطتك الحجرَ والشوكة والعظمَ عن طريق الناس صدقةٌ، وَهَدْيُكَ الرجلَ في أرض الضالة لك صدقةٌ". ¬

(¬1) يذهب لتأدية الفريضة في المسجد. موقع نقل الرجل إلى موضع آخر ينال عشر حسنات. خمس خصال جالبة الحسنات مزيلة السيئات: (أ) العدل. (ب) معاونة المسلم ومساعدته في أعماله. (جـ) طيب القول. (د) الذهاب إلى المسجد للصلاة. (هـ) إبعاد الأضرار عن المارين. كل هؤلاء زكاة على نعمة الصحة النضرة. (¬2) على كل عضو موسوم بصنع الله تعالى صدقة. أهـ نهاية. وسمت الشيء وسماً، والاسم: السمة، وهي العلامة ومنه الموسم، لأنه معلم يجتمع إليه، واسم الآلة التي يكون بها ويعلم ميسم بكسر الميم، وهو موسوم بالخير: ووسم وسامة: حسن وجهه. (¬3) إرشادك إلى الخير. (¬4) النصيحة عن اجتناب ما يغضب الله تعالى. (¬5) صدقة. يريد صلى الله عليه وسلم أن يتحلى الإنسان بخلال الخير ليملأ صحيفته حسنات، ويكسب أجر الله تعالى.

8 - وعن بُريدةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في الإنسانُ ستون وثلاثمائة مفصلٍ، فعليه أن يتصدق عن كُلِّ مفصلٍ منها صدقةً، قالوا: فمن يُطيقُ (¬1) ذلك يا رسول الله؟ قال: النُّخامةُ في المسجدِ تدفنُها، والشيء تُنَحِّيهِ (¬2) عن الطريق، فإن لم تقدر، فركعتا الضحى تجزي عنك (¬3) " رواه أحمد، واللفظ له، وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما. 9 - وعن المستنير بن أخضرَ بن معاوية عن أبيه قال: "كنتُ مع مَعْقِلٍ بن يسارٍ رضي الله عنه في بعض الطرقات، فمررنا بأذىً فأمَاطَهُ، أو نَحَّاهُ عن الطريق، فرأيتُ مثلهُ، فأخذتهُ فَنَحَّيْتُهُ، فأخذ بيدي وقال: يا ابن أخي ما حَمَلَكَ على ما صنعت؟ قلتُ: يا عمُّ رأيتك صنعت شيئاً، فصنعتُ مثلهُ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أماطَ أذىً من طريقِ المسلمين كُتبتْ له حسنةٌ، ومن تُقُبِّلَتْ (¬4) منهُ حسنةٌ دخل الجنة" رواه الطبراني في الكبير هكذا، ورواه البخاري في كتاب الأدب المفرد، فقال: عن المستنير ابن أخضر بن معاوية بن قرة عن جده. [قال الحافظ]: وهو الصواب. 10 - وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: "حَدَّثَ نبي الله صلى الله عليه وسلم بحديثٍ فما فَرِحْنَا بشيء مُنذُ عرفنا الإسلام أشدَّ من فَرحنا به. قال: إن المؤمن لَيُؤجَرُ (¬5) في إماطةِ الأذى عن الطريق، وفي هدايةِ السبيل (¬6)، وفي تعبيرهِ عن الأرْتمِ (¬7)، ¬

(¬1) يقدر على أدائه. (¬2) تبعده، يقال تنحيت الشيء: عزلته فتنحى. (¬3) تؤدي عنك هذه الصدقات. يدلك صلى الله عليه وسلم إلى زيادة الأجر بالمحافظة على صلاة ركعتي الضحى. (¬4) قبلها الله جل وعلا. كافأه بالنعيم الدائم: فيه أن العمل القليل قد يكون سبب السعادة والغفران واكتساب الرضوان. (¬5) ينال أجراً في إزالة الضرر. (¬6) إرشاد الضال إلى الطريق. (¬7) الأرتم كذا (ع ص 250 - 2) قال في النهاية كذا وقع في الرواية، فإن كان محفوظاً فلعله من قولهم: رتمت الشيء إذا كسرته، ويكون معناه الأرت، وهو الذي لا يفصح الكلام، ولا يصححه ولا يبينه، وإن كان بالثاء المثلثة (بيانك عن الأرتم صدقة) هو الذي لا يصحح كلامه، ولا يبينه لآفة لسانه أو أسنانه، وأصله من رتيم الحصى، وهو ما دق منه بالأخفاف، أو من رثمت أنفه: إذا كسرته حتى أرميته فكأن فمه قد كسر فلا يفصح في كلام. أهـ. وفي (ن ط) الأرثم بالثاء.

وفي منحة اللبن (¬1) حتى إنه ليؤجرُ في السلعة (¬2) تكونُ مصرورةً (¬3) فيلمسها فتخطؤها يده" رواه أبو يعلى والبزار، وزاد: "إنه ليؤجرُ في إتيانه أهله (¬4) حتى إنه ليؤجر في السلعةِ (¬5) تكون في طَرَفِ ثوبه، فيلمسها، فيفقدُ مكانها، أو كلمةً نحوها: فيخفقُ (¬6) بذلك فؤادهُ، فيردها الله عليه، ويكتبُ له أجرها" وفي إسناده المنهال بن خليفة، وقد وثقه غير واحد، وتقدم ما يشهد لهذا الحديث. 11 - وعن أبي شيبةَ الهروي قال: "كان معاذٌ يمشي، ورجلٌ معه فرفعَ حجراً من الطريق فقال: ما هذا؟ فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رفع حجراً (¬7) من الطريق كُتبتْ له حسنةٌ، ومن كانت له حسنةٌ دخل الجنة" رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات، ورواه في الأوسط من حديث أبي الدرداء إلا أنه قال: "من أخرج من طريق المسلمين شيئاً يؤذيهم كتب الله له به حسنةً، ومن كتب له عندهُ حسنةً أدخله بها الجنة". 12 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خُلِقَ كل إنسانٍ من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كَبَّرَ الله، وحمد الله، وهلل ¬

(¬1) أي يعطيه ناقة أو شاءة ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زماناً ثم يردها. (¬2) غدة تظهر بين الجلد واللحم إذا أغمزت باليد تحركت. أهـ نهاية. يقال شاة دار، وشياه درار، مثل كافر وكفار، وأدره صاحبه: استخرجه، واستدر الشاة: حلبها، والدر: اللبن. (¬3) محبوس لبنها مدة من الزمن. قال في النهاية: والحديث "لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحل صرار ناقة بغير إذن صاحبها: فإنه خاتم أهلها. من عادة العرب أن تصر ضروع الحلوبات إذا أرسلوها إلى المرعى سارحة، ويسمون ذلك الرباط صرارا فإذا راحت عشياً حلت تلك الأصرة، وحلبت فهي مصرورة ومصررة. أهـ. والمعنى يخشى الإنسان ربه فيرى لبن الحيوان محفوظاً فيمد يده فينزل اللبن خطأ فيستغفر ربه فينال أجر من الله جل وعلا. (¬4) ملامسته لزوجه كما قال تعالى: "أو لامستم النساء" أي جامعتم. (¬5) البضاعة أو الشيء الذي معه يضيع فيبحث عنه، فالله تعالى يتكرم عليه بالأجر الجزيل جزاء تلمسه ما فقده. (¬6) يضطرب قلبه من جراء ضياعها، وبذا يكسبه الله حسنات. (¬7) أزاله.

الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعَزَلَ حجراً عن طريق المسلمين، أو شوْكَةً، أو عَظْماً عن طريق المسلمين، وأمر بمعروفٍ، أو نهى عن منكرٍ عَدَدَ تلك الستين والثلاثمائةٍ، فإنه يُمسي يومئذٍ، وقد زحزح نفسهُ (¬1) عن النار. قال أبو توبة: وربما قال: يمشي، يعني بالمعجمة" رواه مسلم والنسائي. 13 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ وجد غُصنَ شوكٍ فأخَّرَهُ، فشكر الله لهُ (¬2)، فغفرَ الله له" رواه البخاري ومسلم. 14 - وفي رواية لمسلم قال: "لقد رأيت رجلاً يتَقَلَّبُ في الجنة في شجرةٍ قطعها من ظهر الطريق (¬3) كانت تؤذي المسلمين". 15 - وفي أخرى له: "مَرَّ رجلٌ بغُصنِ شجرةٍ على ظهر الطريق، فقال: والله لأنَحِيَنَّ هذا (¬4) عن المسلمين لا يُؤذيهم (¬5)، فَأُدْخِلَ الجنةَ (¬6) ". ورواه أبو داود، ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نزع رجلٌ (¬7) لم يعمل خيراً قَطُّ غُصنَ شوكٍ عن الطريقِ: إما قال: كان في شجرةٍ فقطعهُ، وإما كان موضوعاً، فأماطهُ عن الطريق، فشكر الله (¬8) ذلك لهُ، فأدخله الجنة". ¬

(¬1) أبعدها. (¬2) قبل عمله هذا فمحا ذنوبه. (¬3) وسطه. (¬4) لأبعدن. (¬5) لا يضرهم. (¬6) يتمتع بنعيم الجنة. (¬7) أزال، من عزلت الشيء: نحيته عنه. (¬8) أثنى عليه، أو قبل عمله ورحمه. فوائد أخذ ما يؤذي في الطريق وإزالته كما بينها صلى الله عليه وسلم: أولاً: يدل على الإيمان الخالص لله تعالى (شعبة). ثانياً: يكسب حسنة ويثبت صدقة. ثالثاً: يسبب دخول الجنة. رابعاً: ينجي من عذاب النار. خامساً: يجلب رضا الله تعالى (فشكر له). قال محمد اليمني الملقب بنجم الدين: ولا تحتقر كيد الضعيف فربما ... تموت الأفاعي من سموم العقارب وقد هد قدما عرش بلقيس هدهد ... وخرب حفر الفأر سد مأرب =

16 - وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "كانت شجرةٌ تُؤذي الناس، فأتاها رجلٌ فعزلها عن طريق الناس قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلقد رأيتهُ يتقلبُ في ظلها في الجنة" رواه أحمد وأبو يعلى، ولا بأس بإسناده في المتابعات. ¬

_ = إذا كان رأس المال عمرك فاحترز ... عليه من الإنفاق في غير واجب فبين اختلاف الليل والصبح معرك ... يكر علينا جيشه بالعجائب وما راعني عذر الشباب لأنني ... أنست بهذا الخلق من كل صاحب وغدر الفتى في عهده ووفائه ... وغدر المواضي في نبو المضارب وقال أبو العتاهية: خير أيام الفتى يوم نفع ... واصطناع الخير أبقى ما صنع ما ينال الخير بالشر ولا ... يحصد الزارع إلا ما زرع خذ من الدنيا الذي درت به ... واسل عما بان منها وانقطع إنما الدنيا متاع زائل ... فاقتصد فيه وخذ منه ودع وارض للناس بما ترضى به ... واتبع الحق فنعم المتبع الآيات الدالة على احترام المسلم لأخيه وعدم السخرية من الخلق: (أ) قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يب فأولئك هم الظالمون يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (12 - 14 من سورة الحجرات). قال الغزالي: معنى السخرية الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه: وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء، وقال ابن عباس في قوله تعالى: "يا ويلتنا مال لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها" (من سورة الكهف). إن الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك، وهذا إشارة إلى أن الضحك على الناس من جملة الذنوب والكبائر، وعن عبد الله بن زمعة أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب فوعظهم في ضحكهم من الضرطة فقال علام يضحك أحدكم بما يفعل؟ متفق عليه. وكل هذا يرجع إلى استحقار الغير والضحك عليه استهانة به واستصغاراً له، وعليه نبه قوله تعالى: "عسى أن يكونوا خيراً منهم" من سورة الحجرات. أي لا تستحقره استصغاراً فلعله خير منك، وهذا إنما يحرم في حق من يتأذى به فأما من جعل نفسه مسخرة، وربما فرح من أن يسخر به كانت السخرية في حقه من جملة المزاح؛ وأصله مذموم ومنهي عنه إلا ما فيه انبساط وطيب قلب، والمنهي عنه الإفراط فيه أو المداومة عليه. أما المداومة فلأنه اشتغال باللعب، والهزل فيه واللعب مباح، ولكن المواظبة عليه مذمومة، والإفراط فيه يورث كثرة الضحك وكثرة الضحك تميت القلب، وتورث الضغينة في بعض الأحوال وتسقط المهابة والوقار قال صلى الله عليه وسلم: "إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً" أهـ ص 114 جـ 3. =

الترغيب في قتل الوزغ، وما جاء في قتل الحيات وغيرها مما يذكر

الترغيب في قتل الوزغ وما جاء في قتل الحيات وغيرها مما يذكر 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل وَزَغَةً (¬1) في أول ضَربةٍ، فله كذا وكذا حسنةً، ومن قتلها في الضربةِ الثانية فله كذا وكذا حسنةً دون الحسنة الأولى، ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنةً لِدُونِ الثانية" رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. 2 - وفي رواية لمسلم: "من قتل وَزَغاً في أول ضربةٍ كتبت له مائة حسنةٍ، وفي الثانية دون ذلك (¬2)، وفي الثالثة دون ذلك". وفي أخرى لمسلم وأبي داود أنه قال: "في أول ضربةٍ سبعين حسنة". [قال الحافظ]: وإسناد هذه الرواية الأخيرة منقطع لأن سهيلاً قال: حدثتني أختي ¬

= (ب) وقال تعالى: "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين" (24 - 25 من سورة النور) (دينهم): جزاءهم. (جـ) وقال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد" (18 - 20 من سورة ق). (د) وقال تعالى: "واعتصموا بالله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" (103 من سورة آل عمران). (هـ) وقال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" (71 من سورة التوبة). (و) وقال تعالى: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون" (10 من سورة الحجرات). (ز) وقال تعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" (29 من سورة الفتح). (ح) وقال تعالى: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون" (55 - 56 من سورة المائدة). (ط) وقال تعالى: "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون" (22 من سورة المجادلة). (¬1) حشرة مؤذية تنفث السموم. (¬2) يعلمنا صلى الله عليه وسلم إصابة المرمى: أي أقل من المائة حسنة لأنه أهمل، أو ترك لها فرصة الفرار.

عن أبي هريرة، وفي بعض نسخ مسلم أخي، وعند أبي داود أخي أو أختي على الشك، وفي بعض نسخ أخي وأختي بواو العطف، وعلى كل تقدير، فأولاد أبي صالح، وهم سهيل وصالح وعبادة وسودة ليس منهم من سمع من أبي هريرة، وقد وجد في بعض نسخ مسلم في هذه الرواية قال سهيل: حدثني أبي كما في الروايتين الأُوليين، وهو غلط، والله أعلم. [الوزغ]: هو الكبار من سام أبرص. 3 - وعن سائبة مولاةِ الفَاكِةِ بن المغيرةِ: "أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها فرأت في بيتها رُمحاً موضوعاً، فقالت يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا؟ قالت: أقتلُ به الأوزَاغَ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن إبراهيم عليه السلام لما أُلقيَ في النارِ لم تكنْ دابةٌ في الأرض إلا أطفأتِ النار عنه غيرَ الوَزَغِ، فإنه كان ينفخُ عليه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهِ" رواه ابن حبان في صحيحه والنسائي بزيادة. 4 - وعن أم شريكٍ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمر بقتلِ الأوزاغ، وقال كان ينفخُ على إبراهيم" رواه البخاري، واللفظ له ومسلم والنسائي باختصار ذكر النفخ. 5 - وعن عامر بن سعدٍ عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمر بقتلِ الوزغ وسماهُ فُوَيسقاً (¬1) " رواه مسلم وأبو داود. 6 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتلَ حيةً فله سبعُ حسناتٍ، ومن قتل وزغاً فلهُ حسنةٌ، ومن ترك حيةً مخافةَ عاقبتها (¬2) فليس منا" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه دون قوله: ومن ترك إلى آخره. [قال الحافظ]: روياه عن المسيب بن رافع عن ابن مسعود، ولم يسمع منه. 7 - ورويَ عن أبي الأحْوَصِ الْجُشمي قال: "بينما ابنُ مسعودٍ يخطبُ ذات يومٍ ¬

(¬1) من الفسوق: الخروج عن الاستقامة والجور، وبه سمي العاصي فاسقاً، وإنما سميت هذه الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن، وقيل لخروجهن من الحرمة في الحل والحرم، أي لا حرمة لهن بحال، ومنه الحديث أنه سمى الفأرة فويسقة تصغير فاسقة لخروجها من جحرها على الناس وإفسادها. أهـ نهاية. (¬2) ضررها فليس على طريقتنا الكاملة لأنه جبان مكنها من الفرار.

فإذا هو بِحَيَّةٍ تَمْشِينَ على الجدار فقطع خطبته، ثم ضربها بقضيبه حتى قتلها، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قتل حيةً، فكأنما قتل مُشركاً (¬1) قد حَلَّ دَمُهُ" رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني مرفوعاً وموقوفاً، والبزار إلا أنه قال: "من قتل حيةً أو عقرباً". 8 - وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتلوا الحيات كُلَّهُنَّ، فمن خاف نَارَهُنَّ فليس مني (¬2) " رواه أبو داود والنسائي والطبراني بأسانيد رواتها ثقات إلا أن عبد الرحمن ابن مسعود لم يسمع من أبيه. 9 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما سَالمْنَاهُنَّ منذ حاربناهن، يعني الحيات، ومن ترك قتل شيء منهن خيفةً فليس منا" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه. 10 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الحيات مخافةَ طلبهنَّ فليس منا ما سالمناهن منذ حاربناهن" رواه أبو داود، ولم يجزم موسى بن مسلم راويه بأن عكرمة رفعه إلى ابن عباس. 11 - وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا نريدُ أن نكنس زمزم، وإن فيها من هذه الجِنَّانِ، يعني الحياتِ الصغار فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهنَّ" رواه أبو داود، وإسناده صحيح إلا أن عبد الرحمن بن سابط ما أراه سمع من العباس. [الجنان] بكسر الجيم وتشديد النون جمع جان، وهي الحية الصغيرة كما في الحديث، وقيل: الدقيقة الخفيفة، وقيل: الدقيقة البيضاء، ويروى عن ابن عباس الجنّان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل. 12 - وعن أبي ليلى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سئل عن ¬

(¬1) عابد صنم جعل لله شريكاً في عبادته، والمعنى ينال ثواباً لا حصر له. (¬2) ليس متبعاً سنتي، أو ليس على دين الإسلام.

جِنَّانِ البيوتِ، فقال: إذا رأيتم منهن شيئاً في مساكنكم فقولوا: أنشدكم العهد (¬1) الذي أخذ عليكم نوحٌ، أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان أن لا تؤذونا، فإن عُدْنَ (¬2) فاقتلوهنَّ" رواه أبو داود والترمذي والنسائي كلهم من رواية ابن أبي ليلى عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يأتي. 13 - وعن نافعٍ قال: "كان ابن عمر يقتلُ الحيات كلهن حتى حدثنا أبو لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل جِنَّانِ البيوت فأمسك" رواه مسلم. 14 - وفي رواية له لأبي داود: "وقال أبو لبابة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطُّفْيَتَيْنِ، فإنها اللذان يخطفان البصر، ويتبعان ما في بطون النساء". 15 - وعن أبي السائب: "أنه دخل على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في بيته قال: فوجدتهُ يُصلي، فجلستُ أنتظرهُ حتى يقضيَ صلاته، فسمعتُ تحريكاً في عراجين في ناحية البيتِ فالتفتُّ، فإذا حيةٌ، فوثبتُ (¬3) لأقتلها، فأشار إليَّ أن أجلس فجلستُ، فلما انصرف أشار إلى بيتٍ في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلتُ: نعم، قال: كان فيه فتىً منا حديثُ عهد بِعُرسٍ (¬4). قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصافِ النهار، فيرجعُ إلى أهله، فاستأذنهُ يوماً فقال: خُذ عليك سلاحك، فإني أخشى عليك قُريظةَ، فأخذ الرجل سلاحهُ، ثم رجع فإذا امرأتهُ بين البابين قائمةٌ، فأهوى إليها بالرُّمحِ ليطعنها به، وأصابتهُ غيرةٌ، فقالت له: اكْفف عليك رُمحك، وادخلِ البيت حتى تنظرَ ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحيةٍ عظيمةِ مُنطويةٍ على الفراش، ¬

(¬1) أقسم به. (¬2) قصدن الأذى بعد القسم. (¬3) قفزت بمعنى بادرت وأسرعت لأنها شاركت إبليس في إخراج سيدنا آدم من الجنة. (¬4) بكسر العين: امرأة الرجل، وبضمها طعام الوليمة.

فأهوى إليها بالرمح، فانتظمها به، ثم خرج، فَرَكَزَهُ في الدار، فاضطربتْ عليه، فما يُدْرَى أيهما كان أسرعُ موتاً: الحيةُ أم الفتى؟ قال: فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرنا ذلك له، وقلنا: ادعُ الله أن يُحْييهُ لنا، فقال: استغفروا لصاحبكم، ثم قال: إن بالمدينة جِناًّ قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئاً، فآذنوهُ ثلاثةَ أيامٍ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوهُ، فإنما هو شيطانٌ". 16 - وفي رواية نحوه، وقال فيه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لهذه البيوت عوامرَ، فإذا رأيتم منها شيئاً، فَحَرِّجُوا عليها ثلاثاً، فإن ذهبَ، وإلا فاقتلوهُ فإنه كافرٌ، وقال لهم: اذهبوا فادفنوا صاحبكم" رواه مالك ومسلم وأبو داود. 17 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يقول: "اقتلوا الحيات، واقتلوا ذا الطُّفْيَتَيْنِ والأبترَ، فإنهما يطمسانِ البصر، ويُسقطانِ الحبلَ. قال عبد الله: فبينا أنا أُطاردُ حيةً أقتلها ناداني أبو لبابة: لا تقتلها، قلتُ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَ بقتل الحياتِ، قال إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوتِ، وهُنَّ العوامرُ" رواه البخاري ومسلم، ورواه مالك وأبو داود والترمذي بألفاظ متقاربة. 18 - وفي رواية لمسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأمر بقتل الكلاب يقول: اقتلوا الحيات والكلابَ، واقتلوا ذا الطُّفْيَتَيْنِ والأبتر، فإنهما يلتمسان البصر، ويستسقطان الحبالى". [قال الزهري]: ونرى ذلك من سيمتهما، والله أعلم. قال سالم قال عبد الله بن عمر: فلبثتُ لا أتركُ حيةً أراها إلا قتلتها فبينما أنا أطارد حيةً يوماً من ذوات البيوتِ مَرَّ بي زيدُ بن الخطاب وأبو لبابة، وأنا أطاردها، فقالا: مهلاً يا عبد الله، فقلتُ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلهنَّ، قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذواتِ البيوتِ.

إن لهذه البيوت لعوامر 19 - وفي رواية لأبي داود قال: "إن ابن عمر وجد بعد ما حدثهُ أبو لبابةَ حيةً في دارهِ، فأمر بها، فأُخرجتْ إلى البقيع. قال نافعٌ: ثم رأيتها بعدُ في بيتهِ". [الطفيتان] بضم الطاء المهملة وإسكان الفاء: هما الخطان الأسودان في ظهر الحية، وأصل الطفية: خوصة المقل شبه الخطين على ظهر الحية بخوصتي المقل، وقال أبو عمر النمري: يقال إن ذا الطفيتين جنس يكون على ظهره خطان أبيضان. [والأبتر]: هو الأفعى، وقيل: جنس أبتر كأنه مقطوع الذنب، وقيل: هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب إذا نظرت إليهُ الحامل ألقت. قاله النضر بن شميل. [وقوله: يلتمسان البصر] معناه يطمسانه بمجرد نظرهما إليه بخاصية جعلها الله فيهما. [قال الحافظ]: قد ذهب طائفة من أهل العلم إلى قتل الحيات أجمع في الصحاري والبيوت بالمدينة، وغير المدينة، ولم يستثنوا في ذلك نوعاً ولا جنساً ولا موضعاً، واحتجوا في ذلك بأحاديث جاءت عامة كحديث ابن مسعود المتقدم، وأبي هريرة، وابن عباس، وقالت طائفة: تقتل الحيات أجمع إلا سواكن البيوت بالمدينة وغيرها فإنهن لا يقتلن لما جاء في حديث أبي لبابة وزيد بن الخطاب من النهي عن قتلهن بعد الأمر بقتل جميع الحيات، وقالت طائفة تنذر سواكن البيوت في المدينة وغيرها، فإن بَدَين بعد الإنذار قتلن، وما وجد منهن في غير البيوت يقتل من غير إنذار وقال مالك: يقتل ما وجد منها في المساجد، واستدل هؤلاء بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن لهذه البيوت عوامر، فإذا رأيتم منها شيئاً فَحَرِّجُوا عليها ثلاثاً، فإن ذَهَبَ، وإلا فاقتلوه"، واختار بعضهم أن يقول لها ما ورد في حديث أبي ليلى المتقدم، وقال مالك: يكفيه أن يقول: أحرج عليك بالله واليوم الآخر أن لا تبدو لنا ولا تؤذينا، وقال غيره: يقول لها: أنت في حرج إن عدت إلينا، فلا تلومينا أن نضيق عليك بالطرد والتتبع، وقالت طائفة: لا تنذر إلا حيات المدينة فقط لما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم من إسلام طائفة من الجن بالمدينة، وأما حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت فتقتل من غير إنذار لأنا لا نتحقق وجود مسلمين من الجن ثَمَّ، ولقوله صلى الله عليه وسلم

: "خمسٌ من الفواسقِ تُقتلُ في الحلِّ والحرمِ، وذكر منهن الحية"، وقالت طائفة: يقتل الأبتر وذو الطفيتين من غير إنذار سواء كن بالمدينة وغيرها لحديث أبي لبابة "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجِنَّانِ التي تكونُ في البيوتِ إلا الأبتر وذا الطفيتين"، ولكل من هذه الأقوال وجه قوي، ودليل ظاهر، والله أعلم. 20 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن نملةً قَرَصَتْ نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النملِ فَأُحرِقَتْ، فأوحى الله إليه في أن قرصتكَ نملةٌ، فأحرقتَ أمَّةً من الأمم تُسَبِّحُ". زاد في رواية: "فَهَلاَّ نملةٌ واحدةٌ" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 21 - وفي رواية لمسلم وأبي داود قال: "نزل نبيٌّ من الأنبياء تحت شجرةٍ، فلدغتهُ نملةٌ، فأمر بجهازهِ، فأُخرجَ من تحتها، ثم أمر فأحرقت، فأوحى الله إليه هَلاَّ نملةٌ واحدةٌ". [قال الحافظ]: قد جاء من غير ما وجه أن هذا النبي هو عزيز عليه السلام، وفي قوله: فَهَلاَّ نملةٌ واحدةٌ دليل على أن التحريق كان جائزاً في شريعتهم، وقد جاء في خبر أنه بقرية أو بمدينة أهلكها الله تعالى فقال: يا رب كان فيهم صبيان ودواب، ومن لم يقترف ذنباً، ثم إنه نزل تحت شجرة فجرت به هذه القصة التي قدرها الله على يديه تنبيهاً له على اعتراضه على بديع قدرة الله وقضائه في خلقه فقال: إنما قرصتك نملة واحدة فهلا قتلت واحدة، وفي الحديث تنبيه على أن المنكرَ إذا وقع في بلد لا يؤمن العقاب العام. 22 - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن قتل أربعٍ من الدواب: النملةِ والنحلةِ والهدهدِ والصُّرَدِ" رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه. [الصرد] بضم الصاد المهملة وفتح الراء: طائر معروف ضخم الرأس والمنقار له ريش عظيم نصفه أبيض، ونصفه أسود.

[قال الخطابي]: أما نهيه عن قتل النمل، فإنما أراد نوعاً منه خاصاً، وهو الكبار ذوات الأرجل الطوال لأنها قليلة الأذى والضرر، وأما النحلة فلما فيها من المنفعة، وأما الهدهد والصرد، فإنما نهى عن قتلهما لتحريم لحمهما، وذلك أن الحيوان إذا نهى عن قتله، ولم يكن لحرمة ولا لضرر فيه كان ذلك لتحريم لحمه. 23 - وعن عبد الرحمن بن عِبَانَ رضي الله عنه: "أن طبيباً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدعٍ يجعلها في دواءٍ، فنهاهُ عن قتلها" رواه أبو داود والنسائي. [قال الحافظ]: الضفدع بكسر الضاد والدال، وفتح الدال ليس بجيد، والله أعلم. تم الجزء الثالث 277 - 2 ع، ويليه الجزء الرابع، وأوله: الترغيب في إنجاز الوعد والأمانة، والترهيب من إخلافه والخيانة والغدر، وقتل المعاهد أو ظلمه بِمَكَارِمِ الأخْلاَقِ كُنْ مُتَحَلِّياً ... وَاصْدُقْ وَجِدَّ وَنَافِسِ الأبْطَالاَ وَاللهَ فَاعْبُدْ وَاسْتَقِمْ وَتَصَدَّقَنْ ... وَادْعُ الشَّكُورَ فَلاَ يَرُدُّ سُؤالاَ قُلْ مَا تَشَاءُ فَفَضْلُ رَبِّي وَاسِعٌ ... وَاللهُ وَهَّابٌ قَضَى وَأنَالا قَدْ نِلْتُ ثَانِيَةً بِفَضْلِ حَدِيثِهِ ... أُعْطِيتُ مَا أهْوَى وَأصْلَحَ بَالاَ والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم 20/ 1/ 1375 هـ 7/ 8/ 1955 م. مصطفى محمد عمارة خادم السنة النبوية مدرس اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم المصرية

الترغيب في إنجاز الوعد والأمانة، والترهيب من إخلافه ومن الخيانة والغدر، وقتل المعاهد أو ظلمه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الترغيب في إنجاز الوعد والأمانة، والترهيب من إخلافه ومن الخيانة والغدر، وقتل المعاهد أو ظلمه 1 - وَعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عَليه وسلم قالَ: تَقَبَّلُوا (¬1) لِي سِتَّاً أَتَقَبَّلْ لَكُمْ (¬2) بِالْجَنَّةِ: إِذَا حَدَّثَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَكْذِبْ، وَإِذَا وَعَدَ فَلاَ يُخْلِفْ، وَإِذَا ائْتُمِنَ فَلاَ يَخُنْ، الحديث. رواه أَبو يعلى والحاكم والبيهقي، وتقدم في الصدق. 2 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: اضْمَنُوا ليَ سِتَّاً أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ، الحديث. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي وتقدم. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَليه وسلم أَنَّهُ قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أُمَّتِهِ: اكْفُلُوا لِي (¬3) بسِتٍّ أَكْفُلْ لَكُمْ بِالجَنَّةِ، قُلْتُ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: الصَّلاَةُ، والزَّكاةُ، والأَمَانَةُ، والْفَرْجُ، والْبَطْنُ، واللِّسَانُ. رواه الطبراني في الأوسط بإِسناد لا بأس به. ¬

(¬1) افعلوا ستاً بانشراح صدر وقبول. (¬2) أتقبل كذا د وع ص 255 - وفي ن هم أقبل، والمعنى: حافظوا على هذه الثلاثة ليتحتم دخولكم الجنة بفضل الله: أ - الصدق. ب - الوفاء. جـ - الأمانة. (¬3) تحملوا بها: أي أدوا الصلاة، وأنفقوا، وأخرجوا الزكاة: وحافظوا على ما ائتمنتم عليه، ولا تفعلوا الفواحش: أي لا تزنوا، وكلوا من الطيبات: أي الحلال، واحفظوا اللسان عن الكلام القبيح، وبه تسلمون من العقاب.

4 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: حَدَّثَنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ في جَذْرِ قلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأَمَانَةِ، فَقَالَ: يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ الرَّجُلُ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِنْ أَثَرِ المَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجَتَهُ عَلَى رِجْلِك فنَفَطَ، فَتَراهُ مُنْتَبِرَاً، وَلَيْسَ فِيهِ شَيءٌ ثمَّ أَخَذَ حَصَاةً فَدَحْرَجَهَا عَلَى رِجْلِهِ فَيُصْبِحُ النّاسُ يَتَبَايَعُونَ لا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ في بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِيناً، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَظْرَفَهُ مَا أعْقَلَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ (¬1) مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمانٍ. رواه مسلم وغيره. [الجذر] بفتح الجيم وإِسكان الذال المعجمة: هو أصل الشيء. [والوكت] بفتح الواو وإسكان الكاف بعدها تاء مثناة: هو الأثر اليسير. [المجل] بفتح الميم وإسكان الجيم: هو تنفط اليد من العمل وغيره. [وقوله: مُنتبراً] بالراء: أي مرتفعاً. القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة 5 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: الْقَتْلُ في سَبِيلِ اللهِ (¬2) يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ (¬3) كُلَّهَا إِلاَّ الأَمَانَةَ قالَ: يُؤْتَى العَبْدُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَإِنْ قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ، فَيقَالُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ كَيْفَ، وقَدْ ذَهَبتِ الدُّنْيَا، فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلى الهَاوِيَةِ (¬4)، فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلى الْهاوِيَةِ، وَتُمَثَّلُ لَهُ أَمَانَتُهُ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ دُفِعَتْ إِلَيْهِ، فَيَراهَا فَيَعْرِفُها، فَيَهْوِي في أَثَرِهَا حَتَّى يُدْرِكَهَا، فَيَحْمِلُهَا عَلى مَنْكِبَيْهِ حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ خَارِجٌ قلْت عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَهُوَ يَهْوِي في أَثَرِهَا أَبَدَ الآبِدِينَ، ثُمَّ قَالَ: ¬

(¬1) حبة كذا ط وع ص 277 - 2 وكذا الجذر، وفي ن د: ذرة، وفي ن ط: الجذع. (¬2) محاربة الأعداء لنصر دين الله تعالى. (¬3) يزيل الخطايا. (¬4) جهنم لزيادة عمقها وبعد غورها.

الصَّلاَةُ أَمَانَةٌ (¬1)، وَالْوُضُوءُ أَمَانَةٌ (¬2)، وَالْوَزْنُ أَمَانَةٌ (¬3)، وَالْكَيْلُ أَمَانَةٌ، وَأَشْيَاءُ عَدَّدَهَا، وَأَشَدُّ ذَلِكَ (¬4) الْوَدَائِعُ (¬5). قال: يعني زذان: فأتيت البراءَ بن عازب فقلت: ألا ترى إِلى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا، قال: صدق. أَمَا سَمِعْتَ اللهَ يَقُولُ "إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهْلِهَا" رواه أحمد والبيهقي موقوفاً، وذكر عبد الله بن الإِمام أحمد في كتاب الزهد أَنه سأل أباه عنه فقال: إسناد جيد. 6 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَليه وسلم: لاَ إِيمانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ (¬6)، وَلاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ طَهُورَ لَهُ، الحديث. رواه الطبراني، وتقدم في الصلوات. 7 - وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا جُلُوسَاً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عليه وسلم فَطَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: أَخْبِرْني بِأَشَدِّ شَيْءٍ في هذَا الدِّينِ وأَلْيَنِهِ؟ فَقَالَ: أَلْيَنُهُ (¬7) شَهادَةُ (¬8) أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وأَشَدُّهُ (¬9) يَا أَخَا الْعَالِيَةِ الأَمَانَةُ، إِنّهُ لا دِينَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ صَلاةَ لَهُ، وَلاَ زَكَاةَ لَهُ. الحديث رواه البزار. 8 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِذا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً، فَقَدْ حَلَّ بِهَا الْبَلاَءُ. قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: إِذَا كانَ ¬

(¬1) تركها خيانة ونكث بوعده، قال تعالى: (ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالوا بلى) من سورة الأعراف. اعتراف بالربوبية له سبحانه وتعالى. (¬2) فعله بفروض وسننه. (¬3) وفاؤه بالحق كاملاً. (¬4) وأصعب ذلك في العقاب، وأكثر في الآلام. (¬5) الأشياء المتروكة لحفظها ولصونها، يقال: ودعته أدعه: تركته والوديعة فعلية بمعنى مفعولة، وأودعت زيداً مالاً: دفعته إليه ليكون عنده وديعة وجمعها ودائع، واشتقاقها من الدعة، وهي الراحة، واستودعته مالاً: دفعته له وديعة يحفظه، من الدعة: الراحة وخفض العيش. (¬6) نفى صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الخائن الغادر كما نفى الصلاة عن غير المتوضئ. (¬7) أيسره وأسهله النطق بالشهادتين والإقرار بهما. (¬8) شهادة كذا د وع ص 278 - 2 وفي ن ط: أشهد. (¬9) أكثر عناية وأصعب تحفظاً الودائع تستحق الرعاية وأداءها كاملاً، وقد نفى صلى الله عليه وسلم الدين عن الخائن فلم تهذبه صلاة ولم يقبل منه عمل صالح وترد زكاته، وقد قيل: يكمل الإنسان بالعقل والشجاعة والحلم، والسخاء، والبيان، والتواضع ليكون سيد قومه وتجمع هذه الصفات الأمانة، لأن الأمين محبوب =

المَغْنَمَ (¬1) دُوَلاً (¬2)، وَإِذَا كَانَتِ الأَمَانَةُ مَغْنَمَاً، والزَّكَاةُ مَغْرَماً (¬3)، وأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ (¬4)، وعَقَّ أُمَّهُ (¬5)، وبَرَّ صَدِيقَهُ (¬6)، وَجَفا أَبَاهُ (¬7)، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ في الْمَسَاجِدِ (¬8)، وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ (¬9) أَرْذَلَهُمْ (¬10)، وأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ (¬11)، وَشُرِبَتِ الْخَمْرُ، وَلُبِسَ الْحَرِيرُ، واتُّخِذَتِ الْقَيْنَاتُ (¬12) والْمَعَازِفُ (¬13)، وَلَعَنَ آخِرُ (¬14) هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا، فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحاً حَمْرَاءَ (¬15)، أَوْ خَسْفاً (¬16) أَوْ مَسْخاً (¬17). ¬

= عند الله والناس، ملهم بالتوفيق مسدد شريف النفس، مستقيم الخطة. إن الأمين لا يكذب ولا يداهن ولا يمالق. لأن نفسه نقية غير ملوثة بأدران الرذائل. فطرة الله التي فطر الناس عليها، لأنه تعود على عزة النفس وإباء الضيم ونقاء الضمير وصدق القول، ولأنه يخشى الله في جميع أطواره. (¬1) الغنيمة واكتساب الخيرات من العدو، الشيء المعطى يعد غنيمة وتحسب الوديعة مكسباً يضن بردها من ائتمن ويستسيغها، وينتفع بها ويملكها ظلماً. (¬2) جمع دولة بالضم، وهو ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم. (¬3) تعد غرامة وضريبة لا بد منها فتخرج بالقوة والقسر. (¬4) مشى في هواها فجرته إلى المعاصي. (¬5) عصاها وأهانها ولم يكرمها. (¬6) وأحسن إليه دون والديه. (¬7) لم يوده ولم يطعه وقطع بره. (¬8) كثر اللغو فيها. (¬9) رئيس وعظيم. (¬10) أكثرهم قباحة وقل أدبه وساء خلقه. (¬11) لشدة فجوره يعطى خشية انتقامه، ولا يجد من يردعه أو يؤدبه وضيع الحق وطغى الجبار. (¬12) المغنيات من الإماء، المفرد قينة: أي أمة، والآن باصطلاح المدنية الفاسدة كمريرة، أي خدامة سرير: أي يسترسل المسلم شهواته ويترك النكاح الحلال ويتمتع بالنساء بلا عقد شرعي، ويتهاون في حقوق الله، ومن صفات الصالحات كما قال تعالى: [ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا (69) إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً] من سورة الفرقان. (¬13) آلات الطبل واللهو الغناء، والمعنى يكثر من الطرب ويقبل على الملاهي وينسى حقوق الله .. (¬14) أي ذم أهل هذا الزمن السلف الصالح والصحابة والأبرار والعاملين التابعين، ومن حذا حذوهم، وهذا كثير الآن، نرى المتشدقين يتركون الصلاة ويتحذلقون في كلامهم ويشدون النكير على من سبق من الأولياء الصالحين، فلا حول ولا قوة إلا بالله. (¬15) إذا وجدت هذه الخصال يمر عليهم هواء كله سموم وأمراض، وغارات جوية كلها آفات تهلك الحرث. والنسل فتنتشر الدودة وتفتك بالزروع والثمار. (¬16) اهتزاز الأرض وانقلاب أطرافها فتتهدم المنازل على أصحابها وتقل الأضواء، من خسف المكان: غار في الأرض، وخسف القمر: ذهب ضوؤه. (¬17) قلب الخلقة من شيء إلى شيء كما مسخت القردة من بني إسرائيل، قال تعالى: [فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنصرين] 81 من سورة القصص. وقال تعالى: [وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً] 59 من سورة الكهف. وقال تعالى: [فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما =

رواه الترمذي، وقال: لا نعلم أحداً روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة. 9 - وفي رواية للترمذي من حديث أبي هريرة: إِذَا اتُّخِذَ الْفَيْءُ دُوَلاً (¬1) وَالأَمَانَةُ مَغْنَمَاً، والزَّكَاةُ مَغْرَمَاً، وَتُعُلِّمَ لِغَيْرِ دِينٍ (¬2)، وَأطَاعَ الرَّجُلُ اَمْرَأَتَهُ، وَعَقَّ أُمَّهُ، وأَدْنَى صَدِيقَهُ (¬3)، وأَقْصَى أَبَاهُ (¬4) وَظَهَرَتِ الأَصْوَاتُ في المَسَاجِدِ، وَسَادَ (¬5) الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ، وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ، وَظَهَرَتِ القِيْناتُ والمَعَازِفُ، وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ، وَلَعَنَ آخِرُ هذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحاً حَمرَاءَ، وخَسْفاً وَمَسْخاً وقَذْفاً (¬6)، وآيَاتٍ تَتَابَعُ (¬7) كَنِظَامٍ بَال قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ. قال الترمذي: حديث غريب. ¬

= كان يفسقون (165) فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين (166)، وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن بربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم (167)] من سورة الأعراف. لقد ترك بعض الناس آداب الدين ظهرياً فضلوا وأضلوا واتبعوا شهواتهم ولم يقتدوا بالصلحاء ولم يتوسموا مناهج العلماء العاملين وزاد الاعتداء فعم البلاء بسبب فسقهم. (عتوا) تكبروا عن ترك ما نهوا عنه (ليبعثن) ليسلطن على اليهود الإذلال وضرب الجزية. قال البيضاوي: وقد بعث الله عليهم بعد سيدنا سليمان عليه السلام بختنصر فخرب ديارهم، وقتل مقاتليهم وسبى نساءهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم، وكانوا يؤدونها إلى المجوس حتى بعث الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم ففعل ما فعل ثم ضرب عليهم الجزية فلا تزال مضروبة إلى آخر الدهر (لسريع العقاب) عاقبهم في الدنيا (لغفور) لمن تاب وآمن أهـ. تفكر في أخبار المسلمين الآن 1955 م في العالم تجد ذلاً وأسراً. لماذا؟ لأنهم تركوا تعاليم كتاب الله، وسنة نبيه، ووالله لو اتبعنا آداب ديننا كما أمر الله ورسوله لزادت النعم، وذهبت الآفات وكثر الخير، ووضعت البركة في الربح والأولاد ولتمتعنا بصنوف الحرية كما قال الله تعالى: في كلامه العزيز [الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا: ألم نكن معكم، وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين، فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً] (141) من سورة النساء. تأمل هذه الآية واقرأها مراراً لتعرف سبب ذل المسلمين، هل تقطع يد السارق الآن؟ هل تقام الحدود على حسب دين محمد صلى الله عليه وسلم؟ هل نخلص لله في طاعته؟ هل نتحلى بمكارم الأخلاق؟ هل نجتنب الغيبة والنميمة؟ هل نتحد ونتصافى ونخلص في العمل؟. (¬1) المغانم. (¬2) أي كان تعليم العلوم، واجتناء المعارف لطلب الدنيا وزخارفها وجلب أموالها واكتساب الوظائف العالية، ولم يوصل العلم إلى معرفة لباب الدين وتقوى الله وصالح الأعمال. (¬3) قربه. (¬4) أبعد أبويه. (¬5) ترأس على طائفة من الناس. (¬6) سبّاً واسترسالاً في الشتائم والشرور، يقال قذف المحصنة قذفاً: رماها بالفاحشة والقذيفة: القبيحة، وهي الشتم، وقذف بقوله: تكلم من غير تدبر ولا تأمل، والمعنى اقتراف الذنوب يصرف الإنسان عن الجد والإتقان إلى هزل القول ورديئه ولغوه وسبابه، وانتشار العداوة بين النفوس. (¬7) علامات عذاب تترى وتنزل بكثرة كعقد تقطع فتناثر.

10 - وَرُوِيَ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلِيه وسلم: ثلاَثٌ مُتَعَلِّقاتٌ بالْعَرْشِ (¬1): الرَّحِم تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي بِكَ فَلاَ أُقْطَعُ، والأَمَانَةُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي بِكَ فَلاَ أُخَانُ، وَالنِّعْمَةُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي بِكَ فَلاَ أُكْفَرُ. رواه البزار. خيركم قرني 11 - وَعَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَن النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: خَيْرُكُمْ قَرْنِي (¬2)، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ (¬3)، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ (¬4)، وَيَخُونُونَ (¬5) وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ (¬6) وَلا يُوفُونَ، وتَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ (¬7). رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) أي المستجيرة بالله طالبة الغوث منه تعالى راجية أن يحرسها بجلاله ويذب عنها بعظمته ما يؤذيها، والمراد تعظيم شأنها وفضيلة المعتنى بها: أ - صلة الرحم. ب - الأمانة. جـ - النعمة تحتاج إلى شكر الله وإنفاق في سبيل الله تعالى. (¬2) خيركم قرني كذا د وع ص 279 - 2 وفي ن د: خير القرون: أي أفضل الأزمان عند الله تعالى عصري الذي وجدت فيه وعشت فيه لكثرة الرحمات وازدهار الإسلام وبزوغ شمسه الوضاءة في قلوب العاملين الأبرار. قال تعالى: [وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم] من سورة الأنفال. فوجوده صلى الله عليه وسلم خير وبركة ونور وإرشاد، وقد نالت أمته صلى الله عليه وسلم الخيرية على الأمم السابقة بنسبتهم إليه صلى الله عليه وسلم واتباعه، فكيف لا يكون عصره أفضل العصور ما ضيها ومستقبلها؟ والقرن مائة سنة، أو جيل من الناس. (¬3) يتبعونهم بعد زمن محدد: أي الصحابة والتابعون وتابع التابعين، وبعد ثلثمائة سنة يكثر الفساد، وينتشر الضلال ويعم الشر. (¬4) لا تطلب منهم الشهادة فيقدمون أنفسهم زوراً وظلماً؛ والمعنى لا ضمير لهم يؤنبهم عن قول الباطل خوفاً من الله تعالى كما قال عز شأنه: [واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به] من سورة الحج. (¬5) يؤدون الوديعة ناقصة ولا يحفظون الشيء الذي في ذمتهم تماماً. (¬6) يلزمون أنفسهم بأداء شيء لله تعالى على سبيل الوجوب، ولا يقومون به؛ ومعنى النذر التزام قربة غير لازمة بأصل الشرع، قال الله تعالى: [وليوفوا نذورهم] وشرطه أن يكون مكلفاً مسلماً مختاراً نافذ التصرف فيما ينذره، فلا يصح من صبي ومجنون، وكافر ومكره؛ ويصح من سكران متعد، ومن محجور عليه بسفه، ومفلس في القرب البدنية كالصلاة، ولا يصح في المالية من السفيه، ولا من المفلس في العينية، ويصح منه في الذمة، ويخرج بعد حقوق الغرماء، وأركانه: ناذر ومنذور وصيغة. (¬7) لا يهمهم في الحياة إلا ملء بطونهم بالملذات وأصناف الطعام والشراب، ولا يفعلون الواجب عليهم إزاء النذر. قال القسطلاني: لحرصهم على الدنيا يتمتعون بلذاتها فتسمن أجسامهم، وتكون ضخمة، وهذه من صفات الكفار كما قال تعالى: [والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم] 12 من سورة محمد صلى الله عليه وسلم.

12 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي الْحَمْسَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَايَعْتُ (¬1) رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليه وسلم بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ فَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّةٌ وَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا في مَكَانِهِ، فَنَسِيتُ (¬2)، ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلاَثٍ، فِجِئْتُ، فَإِذَا هُوَ مَكَانَهُ (¬3) فَقَالَ: يَا فَتَى لَقَدْ شَقَقْتَ (¬4) عَلَيَّ، أَنَا هَهُنَا مُنْذُ ثَلاثٍ أَنْتَظِرُكَ. رواه أبو داود وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت كلاهما عن إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن عبد الكريم عن عبد الله بن شقيق عن أبيه عنه، وقال أبو داود: قال محمد بن يحيى: هذا عندنا عبد الكريم بن عبد الله بن شقيق. وقد ذكر عبد الله بن أبي الحمساء أبو علي بن السكن في كتاب الصحابة فقال: روى حديث إبراهيم بن طهمان عن بديل بن ميسرة عن ابن شقيق عن أبيه، ويقال عن بديل عن عبد الكريم المعلم، ويشبه أن يكون ما ذكره أبو عليّ من إسقاط عبد الكريم منه هو الصواب، والله أعلم. آية المنافق ثلاث 13 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ (¬5)، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ. رواه البخاري ومسلم. وزاد مسلم في رواية له: وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ. 14 - ورواه أبو يعلى من حديث أنس، ولفظُهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ ¬

(¬1) اتفقت معه صلى الله عليه وسلم وعاهدته. (¬2) فنسيت كذا ط وع، وفي ن د: فنسيته: أي غفلت عن وعده صلى الله عليه وسلم. (¬3) ينتظر صلى الله عليه وسلم مدة ثلاثة أيام لم ينتقل عن موعده. (¬4) فعلت معي ما يوجب التعب والشقة وكثرة آلام الانتظار. فانظر رعاك الله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحافظ على الوفاء ويمكث ثلاثة أيام في انتظار من وعده، ذلك ليعلم أمته الوفاء، وليضرب صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الوفاء بالوعد، وللمثقب العبدي الجاهلي: لا تقولن إذا ما لم ترد ... أن تتم الوعد في شيء نعم حسن قول نعم من بعد لا ... وقبيح قول: لا، بعد نعم إن: لا بعد: نعم. فاحشة ... فبلا فابدأ إذا خفت الندم وإذا قلت نعم فاصبر لها ... بنجاز الوعد إن الخف ذم (¬5) علامة التذبذب ونقص الإيمان: أ - الكذب. ب - خلف الوعد. جـ - الخيانة.

عليه وسلم يَقُولُ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَحَجَّ واعْتَمَرَ، وَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ. فذكر الحديث. أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً 15 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَها (¬1): إِذَا ائْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ (¬2)، وَإِذَا خَاصَمَ (¬3) فَجَرَ (¬4). رواه البخاري ومسلم. 16 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِذَا جَمَعَ اللهُ الأَوَّلِينَ والآخِرينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ (¬5) لِوَاءٌ (¬6)، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ (¬7) ابْنِ فُلانٍ، رواه مسلم وغيره. 17 - وفي رواية لمسلم: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ. 18 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخيَانَةِ فَإِنَّها بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ. رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة. 19 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيَضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قالَ الله تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرَّاً فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيراً، فَاسْتَوفَى مِنْهُ الْعَمَلَ، وَلَم يُوَفِّهِ أَجْرَهُ. رواه البخاري. 20 - وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْكٍ قالَ: رَأَيْتُ عَلِيّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لاَ واللهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ نقْرَؤُهُ إِلاَّ كِتَابَ اللهِ، ومَا في هذِهِ الصَّحِيفَةِ ¬

(¬1) يتركها. (¬2) عمل اتفاقاً فنكث ولم ينفذ. (¬3) اشتد غضبه. (¬4) فسق وانتقم أشد انتقام. (¬5) ناقض للعهد. (¬6) راية. (¬7) علامة غدره. قال القسطلاني: في الدنيا، وبذلك يشهر بالغدر ليذمه أهل الموقف.

فَنَشَرَهَا، فَإذَا فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ، وأَشْيَاءٌ مِنَ الْجِرَاحَاتِ، وَفِيهَا قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ذِمَّةُ الْمُسْلِمينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِماً، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ والملاَئِكَةِ والنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَدْلاً وَلاَ صَرْفاً (¬1) الْحَدِيث. رواه مسلم وغيره. [يقال: أخفر بالرجل] إذا غدره ونقض عهده. لا إيمان لمن لا أمانة له 21 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَا خَطَبَنا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَليه وسلم إِلاَّ قالَ: لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ (¬2)، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ. رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه إِلا أَنه قالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَليه وسلم فَقَالَ في خُطْبَتِهِ: فذكر الحديث، ورواه الطبرانيّ في الأوسط والصغير من حديث ابن عمر، وتقدم. 22 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلاَّ كَانَ الْقَتْلُ بَيْنَهُمْ (¬3)، وَلاَ ظَهَرَتِ الْفَاحِشَةُ (¬4) في قَوْمٍ إِلاَّ سَلَّطَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ (¬5)، وَلاَ مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكاةَ إِلاَّ حُبِسَ عَنْهُمُ الْقَطْرُ (¬6). رواه الحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم. 23 - وعن صفوانَ بن سُلَيم عن عدّة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ آبَائِهِمْ: أَنَّ رسُولَ اللهَ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ ظَلَمَ (¬7) مُعَاهَداً (¬8)، أَو انْتَقَصَهُ (¬9)، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ (¬10)، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ، فَأَنَا ¬

(¬1) فرضاً ولا نفلاً ولا توبة. (¬2) نفى صلى الله عليه وسلم الإيمان الكامل عن الخائن. (¬3) تنتشر بينهم البغضاء وتعم الحروب بسبب نكث ما عاهدوا الله عليه. (¬4) الزنا. (¬5) أي تنتشر جراثيم الأوبئة فتحصد بالأرواح حصدا. (¬6) منع عنهم التبخير وكثرة قطرات المطر فيجف ماء النيل، ولا تمطر السماء بسبب منع حقوق الله في أموالهم، ومنع الصدقات لله. أي ثلاثة سبب الخراب والدمار وإنزال الأمراض الفتاكة وجفاف الماء العذب وهي: أ - نقض العهد. ب - الزنا. جـ - البخل والشح. (¬7) تعدى عليه وسلب حقوقه. (¬8) له عهد مع المسلمين بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم. (¬9) أنقص ماله. (¬10) أتعبه ولم يتحمل.

حَجِيجُهُ (¬1) يومَ الْقِيَامَةِ. رواه أبو داود. والأبناء مجهولون. 24 - وَعَنْ عَمْرو بْنِ الْحَمِقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَمَّنَ رَجُلاً عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ (¬2)، وَإِنْ كانَ الْمَقْتُولُ كافِراً، رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه، واللفظ له، وقال ابن ماجة فَإِنَّهُ يَحْمِلُ لِوَاءَ غَدْرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة 25 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعاهَدَةً بِغَيْرِ حَقِّها لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ (¬3). 26 - وفي رواية: مَنْ قَتَلَ مُعاهَداً في عَهْدِهِ لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ. رواه ابن حبان في صحيحه، وهو عند أبي داود والنسائي بغير هذا اللفظ، وتقدم. [قوله: لم يرح] قال الكسائي: هو بضم الياءِ، من قوله: أرحت الشيءَ فأنا أريحه إذا وجدت ريحه، وقال أبو عمرو: لم يرح بكسر الراءِ من رحت أريح إذا وجدت الريح، وقال غيرهما: بفتح الياء والراء، والمعنى واحد، وهو شم الرائحة. 27 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: أَلاَ مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهَدَةً لَهُ ذِمَّةُ اللهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَقَدْ أَخْفَرَ بِذِمَّةِ اللهِ، فَلاَ يُرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفاً (¬4). رواه ابن ماجة والترمذيّ، ¬

(¬1) خصمه الذي أقيم الحجة على ظلمه، ففيه الترهيب من قتل أي إنسان مال إليه وسكن بجواره وأعطاه الضمان والأمان والاطمئنان أو أمنه الحاكم، وكذا لا يصح ظلمه وأخذ أمواله ونهبه وسلبه وسرقته وخيانته، وهكذا من المكارم التي تدل على حسن المعاملة وحسن الضيافة، وانطلاق الوجه والبشاشة والمودة وطيب السريرة وديمقراطية الإسلام. (¬2) غير منسوب إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم الخيانة ونقضه العهد. (¬3) أي مسافة شم رائحتها نحو السفر على ناقة مسرعة 100 سنة أو 500 أو 70. (¬4) سنة، يوصي صلى الله عليه وسلم بحسن الجوار وإكرام من يقصدك.

واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح.

_ الآيات الدالة على أداء الأمانات والوفاء بالعهد أ - قال تعالى: [ومن أوفى بعهده (¬1) من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم] 11 من سورة التوبة. ب - وقال تعالى: [وأَوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها (¬2) وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون] 91 من سورة النحل. جـ - وقال تعالى: [وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا] 34 من سورة الإسراء. د - وقال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود] من سورة المائدة. هـ - وقال تعالى: [وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم وإياي فارهبون] 40 من سورة البقرة. و- وقال تعالى: [ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين 75 فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون 76 فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون] 77 من سورة التوبة. ز - وقال تعالى: [وما يضل به إلا الفاسقين 26 الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه (¬3) ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم المعتدون] 27 من سورة البقرة. ح - وقال تعالى: [لا يرقبون في مؤمن إلا (¬4) ولا ذمة وأولئك هم المعتدون] 10 من سورة التوبة. ط - وقال تعالى: [وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون (12) ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم يدعوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين (13)] من سورة التوبة. ي - وقال تعالى: [إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها] من سورة النساء. ك - وقال تعالى: [إنا عرضنا الأمانة (¬5) على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا] 72 من سورة الأحزاب. ل - وقال تعالى: [والذين هم لآماناتهم وعهدهم راعون] 8 من سورة المؤمنون. م - وقال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون] 27 من سورة الأنفال. ن - وقال تعالى: [واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا] 54 من سورة مريم. يا عجباً ابن آدم يتعهد بشيء تنوء من حمله السموات والأرض خشية من الله سبحانه وتعالى ولا يقوم به خير قيام [ظلوماً] لم يف بها ولم يراع حقها [جهولاً] كثير الجهل بكنه عاقبتها. قيل المراد بالأمانة الطاعة، وبحملها الخيانة فيها والامتناع عن أدائها. والظلم والجهالة الخيانة والتقصير. وقيل إنه تعالى لما خلق هذه الأجرام خلق فيها فهما وقال لها إني فرضت فريضة وخلقت جنة لمن أطاعني فيها وناراً لمن عصاني، فقلن: نحن مسخرات على ما خلقتنا لا نحتمل فريضة، ولا نبتغي ثواباً ولا عقاباً، ولما خلق آدم عرض عليه مثل ذلك فحمله، وكان ظلوماً لنفسه بتحمله ما يشق عليها، جهولاً بوخامة عاقبته. ¬

الترغيب في الحب في الله تعالى، والترهيب من حب الأشرار وأهل البدع، لأن المرء مع من أحب

الترغيب في الحب في الله تعالى، والترهيب من حب الأشرار وأهل البدع، لأن المرء مع من أحب 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ (¬1) وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ (¬2): مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُما، وَمَنْ ¬

(¬1) حصلن واجتمعن. (¬2) ذاق طعمه وشعر بأنواره واستضاء بهديه، وفي الفتح في البخاري: باب حلاوة الإيمان. مقصود المصنف أن الحلاوة من ثمرات الإيمان استعارة تخييلية، شبه رغبة المؤمن في الإيمان بشيء حلو وأثبت له لازم ذلك الشيء وأضافه إليه، وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح، لأن المريض الصفراوي يجد طعم العسل مراً، والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه، وكلما نقصت الصحة شيئاً نقص ذوقه بقدر ذلك فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يقوى استدلال المصنف على الزيادة والنقص. قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: إنما عبر بالحلاوة، لأن الله تعالى شبه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى: [وضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة] فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة أصل الإيمان وأغصانها اتباع الأمر واجتناب النهي، وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير، وثمرها عمل الطاعات وحلاوة الثمر جني الثمرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة، وبه تظهر حلاوتها [أحب إليه] .. قال البيضاوي: المراد بالحب هنا الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه، وإن كان على خلاف هوى النفس كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله فإذا تأمل المرء أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل، والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك، تمرن على الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تبعاً له ويلتذ بذلك التذاذاً عقلياً إذ الالتذاذ العقلي إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك، وعبر الشارع عن هذه الحالة بالحلاوة، لأنها أظهر اللذائذ المحسوسة، قال: وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنواناً لكمال الإيمان، لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله تعالى، وأن لا مانح، ولا مانع في الحقيقة سواه، وأن ما عداه وسائط. والرسول يبين له مراد ربه، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه، فلا يحب إلا ما يحب ولا يحب من يحب إلا من أجله، وأن يتيقن أن جملة ما وعد أوعد حق يقيناً، ويخيل إليه الموعود كالواقع فيحسب أن مجالس الذكر ر ياض الجنة، وأن العود إلى الكفر إلقاء في النار انتهى ملخصاً، وشاهد الحديث من القرآن قوله تعالى: [قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم - إلى أن قال - أحب إليكم من الله ورسوله - ثم هدد على ذلك وتوعد بقوله: فتربصوا] من سورة التوبة. [فائدة] فيه إشارة إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، فالأول من الأول والأخير من الثاني، وقال غيره: محبة الله على قسمين: فرض وندب، فالفرض المحبة التي تبعث على امتثال أوامره والانتهاء عن معاصيه والرضى بما يقدره، فمن وقع في معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره في محبة الله حيث قدم هوى على نفسه، والتقصير تارة يكون مع الاسترسال في المباحات والاستكثار منها فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء، فيقدم على المعصية أو تستمر الغفلة فيقع، وهذا الثاني يسرع إلى الإقلاع مع الندم، وإلى الثاني يشير حديث "لا يزني الزاني وهو مؤمن" والندب أن يواظب على النوافل، ويتجنب الوقوع في الشبهات: والمتصف عموماً بذلك نادر قال: وكذلك محبة الرسول على قسمين كما تقدم، ويزاد أن لا يتلقى شيئاً من المأمورات والمنهيات إلا من مشكاته، ولا يسلك إلا طريقته ويرضى بما شرعه حتى لا يجد في نفسه خرجاً مما قضاه، ويتخلق بأخلاقه في الجود والإيثار والحلم والتواضع وغيرها، فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان، وتتفاوت مراتب المؤمنين =

2 - وفي رواية: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيْمَانِ وَطَعْمَهُ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ في اللهِ وَيَبْغَضَ في اللهِ، وَأَنْ تُوقَدَ نَارٌ عَظِيمَةٌ فَيَقَعَ فِيهَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُشْرِكَ باللهِ شَيْئَاً. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيامَةِ: أَيْنَ المُتَحابُّونَ بِجَلالِي (¬1) الْيَوْمَ أُظِمُّهُمْ في ظِلِّي (¬2) يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي. رواه مسلم. من سره أن يجد حلاوة الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا الله 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ. رواه الحاكم من طريقين وصحح أحدهما. 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ (¬3) يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ (¬4)، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللهِ (¬5)، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المسَاجِدِ (¬6)، ¬

= بحسب ذلك. قوال الشيخ محي الدين: هذا حديث عظيم أصل من أصول الدين، ومعنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات، وتحمل المشاق في الدين وإيثار ذلك على أعراض الدنيا، ومحبة العبد لله تحصل بفعل طاعته وترك مخالفته، وكذلك الرسول، وإنما قال: مما سواهما، ولم يقل ممن، ليعم من يعقل، ومن لا يعقل، قال: وفيه دليل على أنه لا بأس بهذه التثنية. (¬1) بعظمتي وابتغاء وجهي يريدون ثوابي ويتعاونون ويتوادون لأجلي، يقال فعلته من جلالك: أي من أجلك. (¬2) أرحمهم وأقيهم أهوال القيامة وأصد عنهم العذاب، ففيه الترغيب في محبة المسلم لأخيه بإخلاصٍ لله تعالى وحده. (¬3) في ظل عرشه ويحيطه برحمته ويغمره بنعيمه فيشعر بسعادة. قال المناوي: وغيره المراد يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين وقربت الشمس من الرؤوس واشتد عليهم حرها، وأخذهم العرق، ولا ظل هناك إلا ظل العرش. وقال ابن دينار: المراد بالظل هنا الكرامة والكنف والكن عن المكاره في ذلك الموقف، يقال فلان في ظل فلان: أي في كنفه وحمايته، وهذا أولى الأقوال، وقيل المراد بالظل الرحمة. (¬4) قال العلقمي: قالوا: هو كل من نظر في شيءٍ من أمور المسلمين من الولاة والحكام أهـ، أي كل من رأس عملاً فعدل، وكان سيد جماعة فصدق وقال الحق من حاكم إلى متولي أمور أسرته. (¬5) أي ابتدأ عمره في طاعة الله جل جلاله وتحصيل الصالحات فلم تكن له صبوة وما مر عليه زمن ضيعه في معصيته. وخص الشاب لكونه مظنة الشهوة وأدعى إلى الغواية، وأقرب إلى الهوى فحفظه الله من كل سوء. (¬6) شديد الحب لها يعمرها بالعبادة، ويساعد على نظافتها ويشارك في تشييدها، ويؤدي الفروض جماعة =

ورَجُلاَنِ تَحَابَّا في اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ (¬1)، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ (¬2)، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ (¬3) وَجَمَالٍ (¬4)، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا (¬5) حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً (¬6) فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. فضل الحب في الله 6 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ يعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَليه وسلم: إِنَّ مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ رَجُلاً لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ مِنْ غَيْرِ مَالٍ أَعْطَاهُ فَذلِكَ الإِيْمَانُ. رواه الطبراني في الأوسط. 7 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا تَحَابَّ رَجُلاَنِ في اللهِ إِلاَّ كانَ أَحَبُّهُمَا إِلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ أَشَدَّهُمَا حُبّاً لِصَاحِبِهِ. رواه الطبراني وأبو يعلى، ورواته رواة الصحيح إلا مبارك بن فضالة، ورواه ابن حبان في صحيحه ¬

= فيها مع الإمام الراتب: أي في أول وقتها، وليس معناه دوام القعود في المسجد قاله النووي. (¬1) تقابلا على العمل على ذكر الله وحده وجلب رضاه وتعاونا في الخير وأحب كل منهما صحابه في طلب رضاه والعمل الصالح ابتغاء أجره ولم يجتمعا لجني فائدة دنيوية أو ثمرة شهية تلهيهم عن حقوق الله تعالى. (¬2) ذهب كل واحد لمصالحه وحده فهما دامت محبتهما مجتمعين حتى ماتا أو تفرقا من مجلسهما، والمعنى في الغياب والحضور أحباب أعوان أبرار أخيار. (¬3) حسب ونسب شريف وعز وجاه قوي، ومن أسرة عريقة في المجد. (¬4) حائزة كل كمال ونضارة وصحة وجسم قوي ذات شبق واشتياق إلى النكاح، فامتنع خوفاً من ربه جل وعلا وطلق مالها وترك جمالها وغض عن محاسنها ابتغاء خشية الله تعالى، وطلب ثوابه، فهو ممن قال فيهم الحق عز شأنه: أـ[إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون] 57 من سورة المؤمنون. أي خائفون. ب ـ[إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم] 15 من سورة يونس. (¬5) بالغ في إخفائها ليبعد من الرياء وليتجنب مدح الناس، وليخلص لله في إنفاقه فهذا مبالغة في الإخفاء، وقيل أن يتصدق على الضعيف في صورة المشتري منه فيدفع له درهماً مثلاً في شيء يساوي نصف درهم، فالصورة مبايعة، والحقيقة صدقة بينه وبين ربه معاملة، وقد نظم السبعة المذكورة أبو شامة بقوله: وقال النبي المصطفى إن سبعة ... يظلهم الله العظيم بظله محب عفيف ناشئ متصدق ... وباك مصل والإمام بعمله أسأل الله جلّ جلاله أن يغمرنا بإحسانه ويوفقنا للهدى بأنواره ويجعلنا ممن جمع هذه الخصال فنال هذه الكرامة، فعليك أخي بمحبة أخيك المسلم تساعده وتنصره وتنصحه، وتحب له الخير ما استطعت. (¬6) مر على خاطره خشية الله وجلاله وعظمته وكثرة نعمه وتعداد إحسانه فبكى من تقصيره وقلة أعماله، فالسفر بعيد، والسؤال شديد، والحساب عسير، والزاد يسير، قال تعالى: [وبشر المخبتين (34) الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم] وجلت: أي خافت، من سورة الحج.

والحاكم إلا أنهما قالا: كاَنَ أَفْضَلُهُمَا أَشَدَّهُمَا حُبّاً لِصَاحِبهِ. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه 8 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيْرَانِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ. رواه الترمذي وحسنه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 9 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قالَ: مَا مِنْ رَجُلَيْنِ تَحَابَّا في اللهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ (¬1) إِلاَّ كَانَ أَحَبُّهُما إِلى اللهِ أَشَدَّهُمَا حُبَّاً لِصَاحِبهِ. رواه الطبراني بإِسناد جيد قويّ. 10 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ أَحَبَّ رَجُلاً للهِ، فَقَالَ: إِنّي أُحِبُّكَ للهِ فَدَخَلاَ جَمِيعاً الْجَنَّةَ، فَكَانَ الَّذِي أَحَبَّ أَرْفَعَ مَنْزِلَةً مِنَ الآخَرِ، وَأَحَقَّ بالذِي أَحَبَّ للهِ. رواه البزار بإِسناد حسن. 11 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخاً لَهُ في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ للهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً (¬2)، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أَخاً لِي في هذِهِ الْقَرْيَةِ. قالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قال: لاَ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّهُ في اللهِ. قالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كما أَحْبَبْتَهُ فِيهِ. رواه مسلم. [المدرجة] بفتح الميم والراءِ: هي الطريق. [قوله: تربها]: أي تقوم بها، وتسعى في صلاحها. يقول الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين فيّ 12 - وَعَنْ أَبِي إِدْريسَ الْخَوْلاَنِيِّ قالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَإِذَا فَتَىً بَرَّاقُ ¬

(¬1) في حال غياب أخيه يذكره بخير في مجلسه. (¬2) أرسل الملك يرتقب وينتظر. يريد صلى الله عليه وسلم أن يبين فضل زيارة أخ في الله بإرسال ملك من ملائكة الرحمة على صورة إنسان سار باش مفرح مبشر بسبب قبول هذه الزيارة في الله وأنها جلبت نعمة دائمة وسعادة خالدة، لأن محبة الله دليل رضوانه وقبوله.

الْثَنَايَا (¬1)، وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ فَإِذَا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ (¬2)، وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ: هذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَمَّا كانَ مِنَ الْغَدِ (¬3) هَجَّرْتُ (¬4) فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بالتَّهْجِيرِ، وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاَتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِه، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: واللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ للهِ، فَقَالَ: آللهِ (¬5). فَقُلْتُ: آللهِ. فَقَالَ: آللهِ. فَقُلْتُ: آللهِ. فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي (¬6)، فَجَذَبَنِي إِلَيْهِ (¬7)، فَقَالَ: أَبْشِر (¬8) فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ يَقُولُ: قالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ (¬9) مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ (¬10)، ولِلْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَلِلْمُتَباذِلِينَ فِيَّ (¬11). رواه مالك بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه. 13 - وَعَنْ أَبِي مُسْلِمٍ قالَ: قُلْتُ لِمُعَاذٍ: وَاللهِ إِني لأُحِبُّكَ لِغَيْرِ دُنْيَا أَرْجُو أَنْ أُصِيبَهَا مِنْكَ، وَلاَ قَرَابَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قالَ: فَلاَ شَيءَ؟ قُلْتُ: للهِ. قالَ: فَجَذَبَ حُبْوَتِي ثُمَّ قالَ: أَبْشِرْ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: المُتَحَابُّونَ في اللهِ في ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ يَغْبِطُهُمْ (¬12) بِمَكَانِهِمْ النَّبِيُّونَ (¬13) والشُّهَدَاءُ (¬14). قالَ: وَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ ¬

(¬1) أسنانه نظيفة لامعة لنضارة جسمه وبشاشة وجهه وحلاوة منظره. (¬2) سلموا له زمام الكلام وشاوروه وعملوا بنصيحته ونفذوا ما أمر فهو سيدهم. (¬3) اليوم الثاني. (¬4) بكرت، والتهجير: التبكير إلى كل شيء، والمبادرة إليه، أراد المبادرة إلى أول وقت الصلاة أهـ نهاية. (¬5) نطق بلفظ الجلالة استحساناً وزيادة فرح بمد الهمزة. (¬6) مد يديه لأطراف ثوبي، يقال احتبى الرجل: جمع ظهره وساقيه بثوب أو غيره، وقد يحتبي بيديه، والاسم الحبوة بالكسر. (¬7) ضمني قريباً منه. (¬8) لك البشرى والتهنئة. (¬9) استحقوا دخول الجنة وفازوا بنعيمها تحتماً، وهذا فضل من الله، ولكن جعله حتماً تكرماً وحلماً منه وجوداً. (¬10) أحب بعضهم بعضاً في الله فيجلسون في طاعة الله، ويتدارسون القرآن والعلم، ويذكرون ويتشاورون ويتناصحون في الله لله .. (¬11) الذين يبذلون جهد الطاقة في تحميده وتسبيحه وتكبيره متخاضعين متواضعين مائلين إلى الزهد والورع، وفي النهاية التبذل ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجملية على جهة التواضع كما قال الشاعر: * هينون لينون أيسار ذوو كرم * (¬12) يتمنون نيل هذه المنزلة الرفيعة والدرجة السامية. (¬13) الأنبياء. (¬14) الذين استبسلوا وماتوا في الجهاد في سبيل نصر دين الله تعالى وحده. =

رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: حَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَنَاصِحِينَ فِيَّ (¬1)، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، هُمْ عَلَى مَنَابِرَ (¬2) مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ والشُّهَدَاءُ والصِّدِّيقُونَ. رواه ابن حبان في صحيحه. المتحابون في جلالي لهم منابر من نور 14 - وروى الترمذي حديث معاذ فقط، ولفظه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ يَقُولُ: قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: المُتَحَابُّونَ في جَلاَلِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُور يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ. وقال: حديث حسن صحيح. 15 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَأْثُرُ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ (¬3)، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ. رواه أحمد بإِسناد صحيح. 16 - وَعَنْ شَرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ أَنَّهُ قالَ لِعَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ: هَلْ أَنْتَ مُحَدِّثِي حَدِيثاً سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لَيْسَ فِيهِ نِسْيَانٌ، ولاَ كَذِبٌ؟ قالَ: نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: قَدْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَحَابُّونَ مِنْ أَجْلِي، وَقَدْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَزَاوَرُونَ مِنْ أَجْلِي، وَقَدْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي للذِينَ يَتَبادَلُونَ مِنْ أَجْلِي، وَقَدْ حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَصَادَقُونَ مِنْ أَجْلِي (¬4). رواه أحمد ورواته ثقات، والطبراني في الثلاثة، واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 17 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ للهِ جُلَسَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ، وَكِلْتَا يَدَيِ اللهِ يَمِينٌ - عَلى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ وُجُوهُهُمْ مِنْ نُورٍ، لَيْسُوا بأَنْبِياءَ، وَلاَ شُهَدَاءَ، وَلاَ صِدِّيقِين، قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: منْ هُمْ؟ قالَ: هُمُ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلالِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعالَى، الْمُتَحَابُّونَ بِجَلالِ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى. رواه أحمد بإسناد لا بأس به. ¬

= يخبر صلى الله عليه وسلم من يحب أخاه في الله ويوده ويزوره ويكرمه، ويجالسه وتتمكن بينهم عرا الصداقة لله يعطيه ربهم في الجنة منازل سامية تشابه قصور الأبرار والأنبياء والمجاهدين. (¬1) الذين يبذلون النصيحة لله. (¬2) مرتفعات. (¬3) يزور بعضهم بعضاً. (¬4) يصدق بعضهم الحديث، ولا يغير القول ولا يضار ولا يفتري. 283 - 2. ع.

حال المتحابين في الله يوم القيامة وجزاؤهم 18 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ مِنْ عِبادِ اللهِ عِباداً لَيْسُوا بِأَنْبِياءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِياءُ والشُّهَدَاءُ. قِيلَ: مَنْ هُمْ لَعَلَّنَا نُحِبُّهْمْ؟ قالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا (¬1) بِنُورِ اللهِ مِنْ غَيْرِ أَرْحَامٍ (¬2) وَلاَ أَنْسابٍ، وُجُوهُهُمْ نُورٌ (¬3) عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ. لاَ يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ (¬4)، وَلا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ، ثُمَّ قرَأَ: [أَلاَ إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (¬5)]. رواه النسائي وابن حبان في صحيحه، واللفظ له، وهو أتمّ. 19 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ للهِ عِباداً يُجْلِسُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَغَشِّي (¬6) وُجُوهَهُمُ النُّورُ حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ حِسَابِ الْخَلائِقِ (¬7). رواه الطبراني بإسناد جيد. 20 - وَعَنِ العِرْباضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ ¬

(¬1) أظهروا المحبة على ضوء تعاليم الإسلام كما قال تعالى: [أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه] من سورة الزمر. يتزاور في الله، يحب لله، يتخذ أنصار الله ويتوادد، ويتعاون ويجد لله. (¬2) قرابة. (¬3) تضيء كالقمر ليلة البدر أو كالمصباح الوهاج الساطع. (¬4) اجتماعهم لله تعالى لا يخشون سطوة حاكم، ولا يهمهم بأس سلطان في الدنيا، وينجون من أهوال يوم القيامة. لماذا؟ لأنهم يعملون صالحاً على وفق منهج الشرع والشارع، كما قال تعالى: أ -[وكان حقاً علينا نصر المؤمنين] 47 من سورة الروم. ب -[والذين جاهدوا فينا لندينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين] 69 من سورة العنكبوت. جـ -[فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين] 3 من سورة العنكبوت. د -[وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين] 27 من سورة العنكبوت. هـ -[وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين] 11 من سورة العنكبوت. (¬5) [الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله، ذلك هو الفوز العظيم] 64 من سورة يونس. لقد بشر الله المتقين المتحابين في الله على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالفوز والنصر [وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم] 10 من سورة الأنفال. أو ما يريهم من الرؤيا الصالحة، وما يسنح لهم من المكاشفات وبشرى الملائكة عند النزع فلا يلحقهم مكروه ولا يندمون على فوات مأمول، وثقتهم بالله تامة. (¬6) يغشي وجوههم النور كذا ط وع ص 284 - 2: أي تغطي الأضواء المتلألئة وجوههم الوضاءة، وفي ن ط حذف يغشي ويحيط. (¬7) ينتهي سؤال الناس عن أعمالهم فينال المحسن جزاءه، والمسيء عقابه.

عليه وسلم: قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: المُتَحَابُّونَ بِجَلالِي في ظِلِّ عَرْشِي يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي. رواه أحمد بإسناد جيد. ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور الخ 21 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَيَبْعَثَنَّ (¬1) اللهُ أَقْوَاماً يَوْمَ القِيَامَةِ في وُجُوهِهِمُ النُّورُ عَلَى مَنَابِرِ اللُّؤْلُؤِ (¬2) يَغْبِطُهُمُ النَّاسُ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ ولا شُهَدَاءِ، قالَ: فَجَثَى (¬3) أَعْرَابِيٌّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: جَلِّهِمْ (¬4) لَنَا نَعْرِفْهُمْ، قالَ: هُمُ الْمُتَحَابُّونَ في اللهِ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى (¬5)، وَبِلادٍ شَتَّى يَجْتَمِعُونَ عَلى ذِكْرِ اللهِ يَذْكُرُونَهُ. رواه الطبراني بإِسناد حسن. 22 - وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِن مِنْ عِبادِ اللهِ لأُنَاساً مَا هُمْ بِأَنْبِياءَ، وَلاَ شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِياءُ والشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللهِ. قالُوا يَا رَسُولَ اللهِ: فَخَبِّرْنا (¬6) مَنْ هُمْ؟ قالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللهِ (¬7) عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلاَ أَمْوَالٍ يَتَعاطَوْنَهَا، فَوَاللهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ لَعَلَى نُورٍ، وَلاَ يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ (¬8)، وَلاَ يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ، وَقَرَأَ هذِهِ الآيَةَ [أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ]. رواه أبو داود. 23 - وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا واعْقِلُوا (¬9)، واعْلَمُوا أَنَّ للهِ عَزَّ وجَلَّ عِبَاداً لَيْسُوا بِأَنْبِياءَ، وَلاَ شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَنَازِلِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللهِ، فَجَثَى رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ مِنْ قَاصِيَةِ النَّاسِ، وَأَلْوَى بِيَدِهِ (¬10) إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ¬

(¬1) ليحيين. (¬2) الدرر المتلألئة غالية الثمن عظيمة القدر. (¬3) جلس على ركبتيه. (¬4) أوضح صفاتهم، يقال جل الشيء: عظم. (¬5) طوائف مختلفة وشعوب متفرقة. (¬6) فحدثنا ونبئنا. (¬7) أراد ما يحيا به الخلق ويهتدون فيكون حياة لهم. وقيل أراد أمر النبوة، وقيل هو القرآن أهـ نهاية. (¬8) لا يخشون أحداً غير الله تعالى فقلوبهم مطمئنة راضية مرضية لا يصيبهم فزع في الدنيا والآخرة، ولا يضيع رجاؤهم فيتكدرون، لأنهم غرسوا في حدائق مثمرة ضمنها الحليم الكريم الوهاب الذي لا يخلف الميعاد. (¬9) احبسوا أفكاركم في الفهم والاسترشاد. (¬10) وألوا كذا ط وع، وفي ن د: فألوى: أي أمالها من جانب إلى جانب. مكارم أخلاق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم =

فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: ناسٌ مِنَ الناسِ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلاَ شُهَداءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ، وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللهِ، أَنْعِتْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنا: يَعْنِي صِفْهُمْ لَنَا شَكِّلْهُمْ لَنا، فَسُرَّ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم (¬1) بِسُؤَالِ الأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَليه وسلم: هُمْ ناسٌ مِنْ أَفْناءِ النَّاسِ (¬2)، وَنَوازِعِ الْقَبَائِلِ (¬3) لَمْ تُصَلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ، تَحَابُّوا فِي اللهِ وَتَصَافَوْا (¬4) يَضَعُ اللهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيَجْلِسُونَ (¬5) عَلَيْهَا، فَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ نُوراً، وَثِيابَهُمْ نُوراً، يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلاَ يَفْزَعُونَ وَهُمْ أَوْلِياءُ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ما أعده الله للمتحابين فيه والمتزاورين فيه الخ 24 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ في الجَنَّةِ لَعُمُداً مِنْ يَاقُوتٍ عَلَيْهَا غُرَفٌ مِنْ زَبَرْجَدٍ لَهَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ تُضيءُ كمَا يُضِيءُ الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ. قالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: مَنْ يَسْكُنُهَا؟ قالَ: المُتَحَابُّونَ في اللهِ، والمُتَباذِلُونَ في الله، والمُتَلاقُونَ في اللهِ (¬6). رواه البزار. 25 - وَرُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ في الجَنَّةِ غُرَفاً تُرَى ظَوَاهِرُهَا مِنْ بَوَاطِنِهَا وَبَوَاطِنُهَا مِنْ ظَوَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُتَحَابِّينَ فِيهِ، وَالْمُتَزَاورِينَ فيهِ، والْمُتَبَاذِلِينَ فيهِ. رواه الطبراني في الأوسط. ¬

= أن يقبل أعرابي من جهة بعيدة، ويجلس على ركبتيه ويتهجم على حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويمد يده ليده الشريفة ويعطف عليها ويديرها فيجيبه صلى الله عليه وسلم بلطف ورفق ويمن وبشاشة، [من قاصية الناس] من جماعة قاطنة في جهة بعيدة عن المدينة المنورة لما يتذوقوا طعم الهداية فيستنيروا. (¬1) ففرح وأظهر طلاقة الوجه. (¬2) أي لم يعلم ممن هو، الواحد فنو أهـ نهاية. (¬3) جمع نازع ونزيع، وهو الغريب الذي نزع عن أهله وعشيرته: أي بعد وغاب، وقيل لأنه ينزع إلى وطنه: أي ينجذب ويميل أهـ نهاية في معنى "طوبى للغرباء قيل من هم يا رسول الله: قال النزاع من القبائل" أي طوبى للمهاجرين الذين هجروا أوطانهم في الله تعالى. (¬4) أظهروا الصفاء في المحبة، وطهرت قلوبهم من أدران الحقد والبغضاء. (¬5) في ن د أيضاً فيجلسهم. (¬6) المجتمعون المتزاورون المتجالسون المتوارون إعانة على طاعة الله.

أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله الخ 26 - وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَليه وسلم عن أفْضَلِ الإِيْمَانِ؟ قالَ: أَنْ تُحِبَّ للهِ، وَتُبْغِضَ للهِ (¬1)، وتَعْمَلَ لِسَانَكَ (¬2) في ذِكْرِ اللهِ، قالَ: وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ (¬3)، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ. رواه أحمد. 27 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى اللهُ عَلِيه وسلم يَقُولُ: لاَ يَجِدُ الْعَبْدُ صَرِيحَ الإِيْمَانِ (¬4) حَتَّى يُحِبَّ للهِ تَعَالى، وَيُبْغِضَ للهِ، فَإِذَا أَحَبَّ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَأَبْغَضَ للهِ، فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْوِلايَةَ للهِ تَعَالَى. رواه أحمد والطبراني، وفيه رشيد بن سعد. 28 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ أَعْطى للهِ، وَمَنَعَ للهِ، وأَحَبَّ للهِ، وأَبْغَضَ للهِ، وأَنْكَحَ للهِ (¬5)، فَقَدْ اسْتَكْمَلَ (¬6) إِيمَانَهُ. رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث منكر، والحاكم وقال: صحيح الإسناد والبيهقي وغيرهم. ¬

(¬1) تكره. (¬2) تشغله بإجهاد. (¬3) ما تختار لها من أنواع الخير، وصنوف البر وتبعد الشرور والأضرار عنهم كما تنحيها عن نفسك، يوضح هذه العبارة نصائح سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه لابنه الحسن: يا بني: اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك فأحب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكرهه لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وكل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً، واعلم أن حفظ ما في يدك أحب إليك من طلب ما في يد غيرك، ولا تأكل من طعام ليس لك فيه حق فبئس الطعام الحرام، وجد في تحصيل معاشك، وإياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى أهـ أي الحمقى. (¬4) خالصه ونقيه، والمعنى علامة بزوغ شموس الإيمان في القلب أن يود صاحبه أخاه، ويحبه أو يكرهه لله. (¬5) تزوج ليعف نفسه ولينجب، كما قال تعالى: [نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين] 223 من سورة البقرة. فإتيان الرجل أهله صدقة. (¬6) أي طلب كماله باتباع هذه الأعمال الخمسة: أ - الإنفاق لله. ب - الحرمان لله. جـ - المحبة لله. د - الكره لله. هـ - الزواج بقصد العصمة والتعفف، وإيجاد ولد صالح يدعو له، وامتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "تناكحوا تناسلوا".

29 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ أَحَبَّ للهِ، وأَبْغَضَ للهِ، وأَعْطَى للهِ، وَمَنَعَ للهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيْمَانَ. رواه أبو داود. إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله 30 - وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: أَيُّ عُرَى (¬1) الإِسْلامِ أَوْثَقُ؟ قالُوا: الصَّلاةُ. قالَ: حَسَنةٌ، وَمَا هِيَ بِهَا قالُوا: صِيَامُ رَمَضَانَ. قالَ: حَسَنٌ، وَمَا هُوَ بِه؟ قالُوا: الْجِهَادُ. قالَ: حَسَنٌ، وَمَا هُوَ بِهِ؟ قالَ إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الإِيْمَانِ أَنْ تُحِبَّ في اللهِ وَتُبْغِضَ في اللهِ. رواه أحمد والبيهقي، كلاهما من رواية ليث بن أبي سليم، ورواه الطبرانيّ من حديث ابن مسعود أخصر منه. 31 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أفْضَلُ الأَعْمَالِ الْحُبُّ في اللهِ، وَالْبُغْضُ في اللهِ. رواه أبو داود، وهو عند أحمد أطول منه، وقال فيه: إِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ الْحُبُّ في اللهِ، والْبُغْضُ في اللهِ. وفي إِسنادهما راوٍ لم يسمّ. 32 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَتَى السَّاعَةُ (¬2)؟ قالَ: وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا (¬3)؟ قالَ: لاَ شَيْءَ إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. قالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ (¬4). قالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه ¬

(¬1) رابطة، جمع عروة، أوثق أمتن وأشد، أي الأشياء التي أتبعها فأكسب شيئاً كثيراً وخيراً وفيراً عليه أرتكن وأعتمد وأثق، فأخبر صلى الله عليه وسلم عن الأعمال الجليلة التي تقوي رابطة الإسلام، وتزيد الإيمان وضوحاً، وكمالاً: أ - الصلاة. ب - الصوم. جـ - الدفاع عن الدين. د - والرابطة المتينة للإيمان المحبة لله والبغض في الله، وفي الغريب: العروة ما يتعلق به من عراه: أي ناحيته. قال تعالى: [فقد استمسك بالعروة الوثقى] من سورة البقرة. وذلك على سبيل التمثيل أهـ. (¬2) في أي زمن يأتي يوم القيامة. (¬3) أي شيء عملته استعداداً لحسابها العسير. (¬4) في الجنة بحسب نيته من غير زيادة عمل، لأن محبته لهم كطاعتهم والمحبة من أفعال القلوب فأثيب على معتقده، لأن النية الأصل، والعمل تابع لها، قال الله تعالى: [قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله] من سورة آل عمران. أهـ قسطلاني من الجواهر. =

وسلم: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَر وأَرْجُوا أَن أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ (¬1). رواه البخاري ومسلم. ¬

= فهذا حديث صحيح يبين أن محبة الصالحين تنفع في الدنيا والآخرة. في الدنيا تدعو إلى تشييد الأعمال الصالحة بالقدوة الحسنة، وبالمعاونة على فعل البر وبالنصيحة وبالاتفاق على بذل الطاعة. فمن أحب إنساناً رافقه، وعمل مثله واهتدى بهديه، ودله على الخير وتعهد غصنه فينمو على الكمال ويترعرع على المحامد كما أن صحبة الأشرار تضر في الدنيا والآخرة وقد أخبر الله تعالى عن نعيم المتقين كيف نالوا جزاءهم [في جنات النعيم (43) على سرر متقابلين (44) يطاف عليهم بكأس من معين (45) بيضاء لذة للشاربين (46) لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون (47) وعندهم قاصرات الطرف عين (48) كأنهم بيض مكنون (49) فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون (50) قال قائل منهم إن كان لي قرين (51) يقول إنك لمن المصدقين (52) أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإِنا لمدينون (53) قال هل أنتم مطلعون (54) فاطلع فرآه في سواء الجحيم (55) قال تالله إن كدت لتردين (56) ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين (57) من سورة الصافات. يتحادث الأصحاب في الجنة عن المعارف والفضائل، وما جرى لهم في الدنيا وعليهم فتصدى أحدهم في مكالمتهم كان لي جليس في الدنيا يوبخني على التصديق بالبعث [لمدينون] لمجزيون ثم لفت نظرهم إلى أهل النار [هل أنتم مطلعون] لأريكم ذلك القرين، وقيل القائل هو الله أو بعض الملائكة يقول لهم هل تحبون أن تطلعوا على أهل النار فتعلموا أين منزلتكم من منزلتهم، والحمد لله قد أفادت صحبة الأخيار الثبات على الإيمان. أما ذلك الشرير فلم يصاحبنا، لأنه ينكر يوم القيامة، وكان يقول لنا كما أخبر الله تعالى عنه [أفما نحن بميتين (58) إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين (59) إن هذا لهو الفوز العظيم (60) لمثل هذا فليعمل العاملون (61)] من سورة الصافات. (¬1) عمل سيدنا أنس صالحاً ووثق بالدرجات العالية لساداتنا الخلفاء الراشدين فأحبهم رجاء أن يحشر معهم. وأنا أشهد الله جل جلاله أني أحب الصحابة والتابعين وتابعي التابعين متضرعاً إليه جل وعلا أن يدخلنا برحمته في عباده الصالحين إنه قدير غفور رحيم. قال عبد القيس بن خفاف البرجمي: ودع القوارص للصديق وغيره ... كيلا يروك من اللثام العذل وصل المواصل ما صفا لك وده ... واجذذ حبال الخائن المتبدل واحذر محل السوء لا تحلل به ... وإذا نبا بك منزل فتحول وللإمام علي الرضا: من نازع الأفيال في أمرهم ... بات بعيد الرأس عن جثته من لاعب الثعبان في كفه ... هيهات أن يسلم من لسعته من عاشر الأحمق في حاله ... كان هو الأحمق في عشرته لا تصحب النذل فتردى به ... لا خير في النذل ولا صحبته من اعتراك الشك في جنسه ... وحاله فانظر إلى شيمته من غرس الحنظل لا يرتجى ... أن يجتني السكر من غرسته من جعل الحق له ناصراً ... أيده الله على نصرته وقال تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي: جهد البلاء صحبة الأضداد ... فإنها كي على الفؤاد أعظم ما يلقى الفتى من جهد ... أن يبتلى في جنسه بالضد فإنما الرجال بالإخوان ... واليد بالساعد والبنان =

33 - وفي رواية للبخاري: أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: مَتَى السَّاعَةُ قائِمَةً (¬1)؟ قالَ: وَيْلَكَ (¬2)، وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. قالَ: إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قالَ: وَنَحْنُ كَذَلِكَ؟ قالَ: نَعَمْ. فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحاً شَدِيداً. 34 - ورواه الترمذي، ولفظه قالَ: رَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَرِحُوا بِشَيْءٍ لَمْ أَرَهُمْ فَرِحُوا بِشَيْءٍ أَشَدَّ مِنْهُ. قالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ الرَّجُلَ عَلَى الْعَمَلِ مِنَ الْخَيْرِ يَعْمَلُ بِهِ، وَلاَ يَعْمَلُ بِمِثْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. 35 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: كَيْفَ تَرَى في رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمَاً وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ (¬3)؟ فَقَالَ ¬

= لا يحقر الصحبة إلا جاهل ... أو مرق عن الرشاد غافل صحبة يوم نسب قريب ... وذمة يحفظها اللبيب ولأبي الفتح البستي: من سالم الناس يسلم من غوائلهم ... وعاش وهو قرير العين جذلان من كان للعقل سلطان عليه غدا ... وما على نفسه للحرص سلطان من مد طرفاً بفرط الجهل نحو هدى ... أغضى على الحق يوماً وهو خزيان من استشار صروف الدهر قام له ... على حقيقة طبع الدهر برهان من يزرع الشر يحصد في عواقبه ... ندامة ولحصد الزرع إبان من استنام إلى الأشرار نام وفي ... قميصه منهم صل وثعبان لا تودع السر وشاء به مذلا ... فما رعى غنماً في الدو سرحان لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم ... غرائز لست تحصيهن ألوان ما كل ماء كصداء لوارده ... نعم ولا كل نبت فهو سعدان لا تخدشن بمطل وجه عارفة ... فالبر يخدشه مطل وليان لا تستشر غير ندب حازم يقظ ... قد استوى فيه إسرار وإعلان فالتدابير فرسان إذا ركضوا ... فيها أبروا كما للحرب فرسان (¬1) في أي زمن تقوم القيامة ويحشر الخلائق. (¬2) عجباً لك كما في النهاية، وقد يرد الويل بمعنى التعجب، ومنه الحديث في قوله لأبي بصير: ويله مسعر حرب تعجباً من شجاعته، وجراءته وإقدامه. يريد صلى الله عليه وسلم من السائل بيان أعماله الصالحة التي عملها حتى يسأل عنها. (¬3) لم يعمل مثلهم ولم يساوهم في عملهم.

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. رواه البخاري ومسلم، ورواه أحمد بإسناد حسن مختصراً من حديث جابر: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. 36 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِمْ. قالَ: أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قالَ: فَإِنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسولَهُ؟ قالَ: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قالَ: فَأَعَادَهَا أَبُو ذَرٍّ، فَأَعَادَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود. لا تصاحب إلا مؤمناً الخ 37 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: لا تُصَاحِبْ (¬1) إِلاَّ مُؤْمِنَاً، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ (¬2). ورواه ابن حبان في صحيحه. 38 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ثَلاثٌ هُنَّ حَقٌّ (¬3): لاَ يَجْعَلُ اللهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ في الإِسْلامِ كَمَنْ لاَ سَهْمَ لَهُ (¬4)، وَلاَ يَتَولَّى اللهُ عَبْداً (¬5) فَيُوَلِّيَهُ غَيْرَهُ (¬6). ¬

(¬1) لا تصادق غير الصالح التقي المسلم، ولا يأكل أكلك إلا كل صالح عامل بالكتاب والسنة. (¬2) ينهى صلى الله عليه وسلم عن صحبة الأشرار وإطعامهم، وينصح أن يصافي الأخيار ويطعمهم. (¬3) ثوابهن محقق، فدرجات المسلم العامل المتحلي بآداب الدين مرتفعة بوجود سهم له. (¬4) أما الذي لا سهم له فلا نصيب له في الخير كما قال تعالى: أ -[أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب] 29 من سورة ص. ب - وقال تعالى: [أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون] 21 من سور الجاثية. (¬5) العبد يعتمد على الله تعالى ويسلم له أموره، ويجعله سبحانه وتعالى وكيلاً له في كل شؤونه فبذا يتولاه الله: أي يرأف به ويعينه ويساعد ويمده برعايته كما قال تعالى: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا] من سورة المائدة. (¬6) أي لا يجعل الله عليه سلطاناً غيره، ولا يحكم فيه ولياً آخر غيره سبحانه، والله تعالى يعزه ويبعد عنه شرور الناس، ويظله برحماته ولا يتحكم فيه أي إنسان، كما قال تعالى: [ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون] 56 من سورة المائدة. فاتق الله أخي وأخلص لله وحده واتخذه لك ولياً ونصيراً، واركن إليه في كل أعمالك ينجحك وسلم إليه تظفر وفوض إليه تفز، فإذا سمت درجات الإيمان في قلب المسلم التجأ إلى ربه وقنع ورضي وعرف هذه الآية [وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين] 29 من سورة التكوير.

وَلاَ يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْماً إِلا حُشِرَ مَعَهُمْ (¬1). رواه الطبراني في الصغير والأوسط بإسناد جيد، ورواه في الكبير من حديث ابن مسعود. لا يحب رجل قوماً إلا جعله الله معهم 39 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: ثلاَثَةٌ حُلِفَ عَلَيْهِنَّ (¬2): لاَ يَجْعَلُ اللهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ في الإِسْلامِ كَمَنْ لاَ سَهْمَ لَهُ، وَأَسْهُمُ الإِسْلاَمِ ثَلاَثَةٌ: الصَّلاةُ والصَّوْمُ والزَّكاةُ، وَلاَ يَتَولَّى اللهُ عَبْداً (¬3) في الدُّنْيَا فَيُوَلِّيَهُ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (¬4)، وَلاَ يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْماً إِلاَّ جَعَلَهُ اللهُ مَعَهُمْ. الحديث. رواه أحمد بإسناد جيد. 40 - وَعَنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ الذَّرِّ (¬5) عَلَى الصَّفَا (¬6) في اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، وأَدْنَاهُ أَنْ تُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْجَوْرِ، وَتُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْعَدْلِ، وَهَلِ الدِّينُ إِلاَّ الْحُبُّ وَالْبُغْضُ. قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله (¬7)] رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد. ¬

(¬1) أحياه الله وأوجده في زمرة الصالحين يتنعم مثلهم ويغمر بالبركات الطيبات. (¬2) أقسم بالله أن نتائج هذه الثلاثة محققة فتصيب الحائز على سهم من الإسلام كبير الأجر، والخالية صحيفته من ثواب هذا السهم سوداء: أي لا يستوي عند الله تعالى في الدرجة والثواب من عمل صالحاً، وتحلى بآداب الدين وأجاب الداعي، ومن تكاسل في الصلاة، ومن بخل في الزكاة، ومن أفطر في رمضان. الله عادل: أ - يثيب المحسن. ب - ويعاقب المسيء. (¬3) يجعله سبحانه عماده وينفذ أوامره ويخشاه، ويجعل القرآن قبلته، والسنة كعبته والعلماء العاملين قدوته. (¬4) فيحكمه مخلوق مثله ويتأمر عليه ويستبد به: وإذا العناية لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلهن أمان أشاهد أفذاذاً قلائل تفكيرهم في الله وأعمالهم لله، ولا يخشون غير الله فترى السكينة ترفرف عليهم والوقار يحيط بهم، والهداية وصواب القول دينهم يغمرهم احترام الخلق وتبجيلهم ومساعدتهم لله كما وعد جل جلاله [ومن يسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى، وإلى الله عاقبة الأمور] 22 من سورة لقمان. (¬5) صغار النمل. (¬6) الصخرة الملساء، والمعنى يحذر الإنسان أن يجعل لله شريكاً في أعماله، وأقرب الشرك يتسرب من حب إنسان ظالم وتبغض العادل، فالمؤمن يحب الصالح لأعماله لله، ويكره الفاجر العاصي لمخالفته أوامر الله. (¬7) أخبر يا محمد أن الذي يريد أن الله يحبه يتبعك ويعمل بشرعك، ويتحلى بآداب القرآن فبرهان المحبة الصادقة اتباعك، والعمل بما جئت به، وكل محبة لا يؤيدها البرهان والعمل لمحبة كاذبة، وهذا مشاهد، وإن دلائل محبتك لصديقك أن تعمل مثله وتقتدي به، وتقبل على إرشاداته وتتخلق بأخلاقه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ = ولله در القائل: تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمري في القياس شنيع لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع الآيات القرآنية في الحب في الله والبغض في الله 1 - قال الله تعالى: [واعتصموا بحبل (¬1) الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون] (103) من سورة آل عمران. 2 - وقال تعالى: [والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء (¬2) بعض] من سورة التوبة. 3 - وقال تعالى: [لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم (¬3) حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم] (128) من سورة التوبة. 4 - وقال تعالى: [وإِن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء (¬4) إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (9) إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (10) يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا (¬5) أنفسكم ولا تنابزوا (¬6) بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون] (11) من سورة الحجرات. 5 - وقال الله تعالى: [محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم] من سورة الفتح. 6 - وقال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور] (13) من سورة الممتحنة. 7 - وقال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين] (51) من سورة المائدة. 8 - وقال تعالى: [ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله] من سورة النساء. 9 - وقال تعالى: [لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون] (9) من سورة الممتحنة. 10 - وقال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم (54) إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (55) ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون] (56) من سورة المائدة. 11 - وقال تعالى: [ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون (14) أعد الله لهم عذاباً شديداً إنهم ساء ما كانوا يعملون] (15) من سورة المجادلة. = ¬

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 12 - وقال عز شأنه: [لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون] (22) من سورة المجادلة. 13 - وقال تعالى: [ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير] (120) من سورة البقرة. 14 - وقال تعالى: [فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين (45) قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين] (46) من سورة هود. الثمرات التي يجنيها من يحب الله ويكره كما قال صلى الله عليه وسلم أولاً: يتذوق حلاوة الإيمان فيسري بجسمه النور المحمدي ويتغذى بلبان الإسلام فيحيا حياة السعداء. ثانياً: يحيطه الله برحمته ويقيه عاديات شدائد يوم القيامة (أين المتحابون). ثالثاً: يجلب له الأمن والسرور ويعد في صفاف السبعة الذين يظلهم برضوانه وإحسانه. رابعاً: روحة إيمانه مورقة مزهرة مباركة كاملة. خامساً: دليل على زيادة محبة الله ورسوله (ما تحاب). سادساً: برهان القبول وعنوان التوثيق (خير الأصحاب). سابعاً: زيادة درجات في الجنة (أرفع منزلة) بجوار منازل الأبرار (يغبطهم). ثامناً: قلوبهم مطمئنة آمنة من الأهوال تتلألأ وجوههم نوراً وسروراً (على منابر اللؤلؤ). تاسعاً: عروة الإيمان الوثقى من تمسك بها نجا. عاشراً: بشائر الأعمال الصالحة الموصلة إلى قبول الله المشوبة بالإخلاص لله الدالة على الهداية والنجاح. الحادي عشر: تحشر مع الصالحين (من أحببت). الثاني عشر: سلوك حسن وصحبة نافعة وسيرة طيبة ونية صالحة وعيشة سعيدة (لا تصاحب إلا مؤمناً). الثالث عشر: له نصيب في الخير وسهم في الأجر (ثلاث). الرابع عشر: يدل على كمال الدين وصفاء السريرة والعمل المتقن وخوف الله ورعاية جانبه واحترام كتابه وحب سنة حبيبه صلى الله عليه وسلم (الدين الحب والبعض). الخامس عشر: لا يتسرب إلى من يحب لله الإشراك بالله، لأنه يأمن عواقب أعماله ويضمن إخلاصه ويسلم من شوائب الإلحاد (الشرك أخفى). معنى الحب لله تعالى كما في إحياء علوم الدين قال الغزالي: الأمة مجمعة على أن الحب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فرض، وكيف يفرض ما لا وجود له، وكيف يفسر الحب بالطاعة، والطاعة تبع الحب وثمرته فلا بد وان يتقدم الحب، ثم بعد ذلك يطيع من أحب، ويدل على إثبات الحب لله تعالى قوله عز وجل [يحبهم ويحبونه] وقوله تعالى: [والذين آمنوا أشد حباً لله] من سورة البقرة. =

الترهيب من السحر وإتيان الكهان والعرافين والمنجمين بالرمل والحصى أو نحو ذلك وتصديقهم

الترهيب من السحر وإتيان الكهان والعرّافين والمنجمين بالرمل والحصى أو نحو ذلك وتصديقهم 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الموبِقَاتِ (¬1) قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ: وَمَا هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللهِ، والسِّحْرُ (¬2)، وَقَتْلُ ¬

= وهو دليل على إثبات الحب، وإثبات التفاوت فيه، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحب لله من شرط الإيمان أهـ ص 253 جـ 4. وفي دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارزقني حبك وحب من أحبك وحب ما يقربني إلى حبك، واجعل حبك أحب إلي من الماء البارد". وقال الغزالي أيضاً في بيان أن المستحق للمحبة هو الله وحده. وإن من أحب غير الله لا من حيث نسبته إلى الله فذلك لجهله وقصوره في معرفة الله تعالى، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم محمود لأنه عين حب الله تعالى، وكذلك حب العلماء والأتقياء، لأن محبوب المحبوب محبوب، ورسول المحبوب محبوب ومحب المحب محبوب، وكل ذلك يرجع إلى حب الأصل فلا يتجاوزه إلى غيره فلا محبوب بالحقيقة عند ذوي البصائر إلا الله تعالى ولا مستحق للمحبة سواه، وأبو الحسن الثوري كان ينظر إذا غلبه الوجد في قول القائل: لازلت أنزل من ودادك منزلاً ... تتحير الألباب عند نزوله فلم يزل يعد، وفي وجده على أجمة قد قطع أسبابها وبقي أصولها حتى تشققت قدماه وتورمتا، ومات من ذلك، وهذا هو أعظم أسباب الحب وأقواها، وهو أعزها وأبعدها وأقلها. وقال الثوري لرابعة: ما حقيقة إيمانك؟ قالت: ما عبدته خوفاً من ناره، ولا حباً لجنته فأكون كالأجير السوء، بل عبدته حباً له وشوقاً إليه، وقالت في معنى المحبة نظماً: أحبك حبين حب الهوى ... وحباً لأنك أهل لذاكا فأما الذي حب الهوى ... فشغلي بذكرك عمن سواكا وأما الذي هو أنت أهل له ... فكشفك إلي الحجب حتى أراكا فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا ولعلها أرادت بحب الهوى حب الله لإحسانه إليها وإنعامه عليها بحظوظ العاجلة، وبحبه لما هو أهل له الحب. جماله وجلاله الذي انكشف لها، وهو أعلى الحبين وأقواهما أهـ ص 267 جـ 4. (¬1) المهلكات. (¬2) الخداع وإظهار تخيلات لا حقيقة لها لسلب أموال الناس بالباطل كما يفعله المشعوذ بصرف الأبصار عما يفعله لخفة يد، وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع كما قال تعالى: أ -[سحروا أعين الناس واسترهبوهم] من سورة الأعراف. ب -[يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى] 66 من سورة طه. ويكون السحر أيضاً استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه وتسخيره في معرفة الأخبار كما قال تعالى أ -[هل أنبئكم على من تنزل الشياطين (221) تنزل على كل أفاك أثيم (222)] من سورة الشعراء. ب - وقال تعالى: [ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر] من سورة البقرة. أكتب هذا، وفي يدي الصحف اليومية تنبئ عن كشف خبايا لمجرم تزيا بزي الصالحين وسخر الشياطين في إغواء الناس والتكهن بمعرفة أخبارهم فادعى أن في هذا المنزل كنزَ، وفي آخر جواهر. وهكذا من سحره فجلب آلاف الجنيهات افتراء على الله، واجتراء على سلب الأموال زوراً وإضلالاً، وقد يكون السحر على =

النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّولِّي يَوْمَ الزَّحْفِ (¬1)، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ (¬2) الْغَافِلاَتِ (¬3) الْمؤْمِنَاتِ. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 2 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ عَقَدَ عُقدَةً (¬4) ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا (¬5) فَقَدْ سَحَرَ (¬6)، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ (¬7)، وَمَنْ تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ وُكِلَ إِليْهِ (¬8). رواه النسائي من رواية الحسن عن أبي هريرة، ولم يسمع منه عند الجمهور. [وقوله: تعلق]: أي وعلق على نفسه العوز والخروز. 3 - وَعَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يقُولُ: كانَ لِدَاوُدَ نَبِيِّ اللهِ صَلَوَاتُ اللهُ وَسلاَمُهُ عَلَيْهِ سَاعَةٌ يُوقِظُ فيهَا أَهْلَهُ يقُولُ: يا آلَ دَاوُدَ قُومُوا فَصَلُّوا فَإنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ (¬9) يَسْتَجِيبُ اللهُ فِيهَا الدُّعَاءَ إِلاَّ لِسَاحِرٍ ¬

= ما يذهب إليه الاغتنام، وهو اسم لفعل يزعمون أنه من قوته يغير الصور والطبائع فيجعل الإنسان حماراً، ولا حقيقة لذلك عند المحصلين. وقوله صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحراً يمدح الإنسان فيصدق فيه حتى يصرف قلوب السامعين إليه ويذمه فيصدق فيه حتى يصرف قلوبهم عنه 45 - 2 قاموس. فالنبي صلى الله عليه وسلم طلب من المسلمين أن يتركوا غش الناس وخديعتهم والادعاء أنهم يستعملون طلاسم أو يسخرون الشياطين، وهكذا من أعمال الفساق الجهلة الضالين المضلين كما قال تعالى: [يا بني آدم لا يفتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما أنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون] (27) من سورة الأعراف. (¬1) يوم الجهاد في سبيل الله نصر دين الله فالفرار من صفوف المجاهدين كبيرة. (¬2) رمي المرأة بالزنا، والمرأة تكون محصنة بالإسلام والعفاف والتزويج والحرية. (¬3) الطاهرات البعيدة عن مجالس الرجال المستترة في خدر بيتها. أما الخارجة المتهتكة السافرة العارية المتبجحة فقد عرضت نفسها لغضب الله وسخطه وذم الناس. (¬4) استعمل السحر على خيط ليوهم الناس أنه يعمل شيئاً. (¬5) يقذف الريق القليل، وهو أقل من التفل، وقد أمر سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به [ومن شر النفاثات في العقد] ومن الحية تنفذ السم. (¬6) موه وضل وأضل. (¬7) ذهب إيمانه وجعل لله مؤثراً غيره سبحانه وتعالى باستخدام الشياطين. (¬8) أسند إليه ولم يساعده سبحانه وتعالى ويفرده في أعماله ليضل ويقصر ليضر. (¬9) الساعة، كذا ن د، وفي ط وع ص 288 ساعة: أي يترقب سيدنا داود عليه السلام ساعة السحر التي يتجل الله فيها برضوانه فيجيب دعاء من دعاه إلا اثنين يرد دعاءهما، ويغضب عليهما ويطردهما من رحمته: أ - الساحر. ب - العاشر: أي الذي يأخذ عشر الأموال ظلماً وعدواناً، ويضرب ضريبة فادحة على كل شيء بلا حق شرعي، وفي النهاية، إن لقيتم عاشراً فاقتلوه: أي إن وجدتم من يأخذ العشر على ما كان يأخذه أهل الجاهلية مقيماً على دينه فاقتلوه لكفره أو لاستحلاله لذلك إن كان مسلماً، وأخذه مستحلاً وتاركاً فرض الله، وهو ربع العشر، فأما من يعشرهم على ما فرض الله تعالى فحسن جميل، قد عشر جماعة من الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم =

أَوْ عَاشِرٍ، رواه أحمد عن علي بن زيد عنه، وبقية رواته محتجّ بهم في الصحيح، واختلف في سماع الحسن من عثمان. من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد 4 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ (¬1)، أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ (¬2)، أَوْ تَكَهَّنَ (¬3)، أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ (¬4)، أَوْ سَحَرَ، أَوْ سُحِرَ لَهُ (¬5)، وَمَنْ أَتَى كاهِنَاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم. رواه البزار بإسناد جيد، ورواه الطبراني من حديث ابن عباس دون قوله: وَمَنْ أَتَى إِلى آخره بإِسناد حسن. 5 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ثَلاثٌ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، فَإِنَّ اللهَ يَغْفِرُ لَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ: مَنْ مَاتَ ¬

= وللخلفاء بعده، فيجوز أن يسمى آخذ ذلك عاشراً لإضافة ما يأخذه إلى العشر كربع العشر ونصف العشر، كيف وهو يأخذ العشر جميعه، وهو زكاة ما سقته السماء وعشر أموال أهل الذمة في التجارات أهـ؛ فالمنهي عنه سلب أموال الناس، وأخذها بالقوة كما يفعل الظلمة الذين يأخذون على كل شيء جزءاً من المال بلا وجه شرعي. (¬1) تشاءم بالشيء: أي مر على طير قابله من جهة الشمال فظن شراً، يقال التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما، وكان ذلك يصد أهل الجاهلية عن مقاصدهم فنفاه الشرع وأبطله، ونهى عنه وأخبر صلى الله عليه وسلم عن نقصان دين المتشائم، وأنه ليس على طريقة محمد صلى الله عليه وسلم أنه ناء عن الهدى بعيد عن الصواب إذ ليس لهذا تأثير في جلب نفع أو دفع أو ضر، وفي النهاية "ثلاث لا يسلم أحد منهن: الطيرة، والحسد والظن قيل فما نصنع؟ قال إذا تطيرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ؛ وإذا ظننت فلا تحقق" وإنما جعل الطيرة من الشرك، لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعاص أو يدفع عنهم ضراً إذا عملوا بموجبه، فكأنهم أشركوه مع الله في ذلك، وقوله صلى الله عليه وسلم "ولكن الله يذهبه بالتوكل" معناه إذا خطر له عارض التطير فتوكل على الله تعالى وسلم إليه ولم يعمل بذلك الخاطر غفره الله ولم يؤاخذه به، وفيه "إياك وطيرات الشباب" أي زلاتهم وعثراتهم، جمع طير أهـ. (¬2) تشاءم الناس له فصدقهم، وأعرض عن الشروع فيما كان ينوي تنفيذه، ففيه الترغيب في الاعتماد على الله والعمل بعزيمة صارمة وإرادة قوية. [فإذا عزمت فتوكل على الله] .. (¬3) يدعي معفرة الغيب ويتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويتهجم ويكذب ويقول إنه يعرف الأسرار، وما في الضمائر وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما، فمنهم من كان يزعم أن له تابعاً من الجن ورئياً يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله وحاله، وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما، والعرب تسمي كل من يتعاطى علماً دقيقاً كاهناً. (¬4) ذهب إلى كاهن وصدق أقواله. (¬5) ذهب إلى ساحر وآجره وصدق شعوذته ومال إلى إضلاله وكذبه.

لمْ يُشْرِكْ (¬1) باللهِ شَيْئاً، وَلَمْ يَكُنْ سَاحِراً يَتْبَعُ السَّحَرَةَ، وَلَمْ يَحْقِدْ (¬2) عَلى أَخِيهِ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه ليث بن أبي سليم. الكبائر تسع أعظمهنّ الإشراك بالله الخ 6 - وَعَنْ عَبِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَمِ الْكَبَائِرُ؟ قالَ: تِسْعٌ أَعْظَمُهُنَّ الإِشْرَاكُ باللهِ، وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ حَقٍّ، والْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرِّبَا. الحديث، رواه الطبراني في حديث تقدم في الفرار من الزحف. وروى ابن حبان في صحيحه حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَتَبَهُ إِلى أَهْلِ الْيَمَنِ في الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَالدِّيَاتِ (¬3) وَالزَّكَاةِ فَذَكَرَ فِيهِ: وَإِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرَ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ الإِشْرَاكُ باللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْفِرَارُ في سَبِيلِ اللهِ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ، وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ. 7 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ أَتَى كَاهِنَاً فَصَدَّقَهُ بِمَا قال، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم. رواه البزار بإسناد جيد قوي. 8 - وَعَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أَتَى كاهِناً فَصَدَّقَهُ بما يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلى مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وَمَنْ أَتَاهُ غَيْر مُصَدِّقٍ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. رواه الطبراني من رواية رشيد بن سعد. ¬

(¬1) لم يشرك، كذا في ن ط، وفي ط وع: لا يشرك: أي إذا نجا الإنسان من هذه الخصال الثلاثة محا الله ذنوبه وسلم من الإشراك والسحر والحقد. (¬2) ولم ينطو على العداوة والبغضاء، بل خلص نفسه من أدران الكراهة والنفور. (¬3) الأشياء المؤداة إلى ورثة القتيل يقتسمونها كسائر المواريث كما قال تعالى: [وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا] من سورة النساء. أي إن النبي صلى الله عليه وسلم أوضح الواجبات، وفصل الحقوق والنوافل، وبين أصناف زكاة الفطر، والزروع، والثمار، والتجارة، والمواشي وثواب الصدقات ومصارف الزكاة.

[الكاهن]: هو الذي يخبر عن بعض المضمرات، فيصيب بعضها، ويخطئ أكثرها ويزعم أن الجن تخبره بذلك. 9 - وَرُوِيَ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ أَتَى كاهِناً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ حُجِبَتْ (¬1) عَنْهُ التَّوْبَةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فإنْ صَدَّقَهُ بِمَا قالَ كَفَرَ. رواه الطبراني. لن ينال الدرجات العلى من تكهن أو استقسم الخ 10 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَنْ يَنَالَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مَنْ تَكَهَّنَ، أَوِ اسْتَقْسَمَ (¬2)، أَوْ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ تَطَيُّراً (¬3). رواه الطبراني بإسنادي رواةُ أحدهما ثقات. ¬

(¬1) منعت: أي طرد من رحمة الله ولا يقبل له عمل. (¬2) جعل أمراً أمامه في الشروع في عمل فتفاءل إن رأى خيراً ونفذه، أو تشاءم إن رأى شراً وأحجم عنه؛ بمعنى أنه يتخذ قواعد ومراسم، فإن استبشر أقدم أو استنفر ابتعد، والمسلم من اعتمد على الله في عمله ولم يصده صاد وعنده الاستخارة والرؤيا المبشرة قال تعالى: [وأن تستقسموا بالأزلام ذلك فسق] من سورة المائدة. قال البيضاوي: أي وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام، وذلك أنهم إذا قصدوا فعلاً ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، والثالث غفل، فإن خرج الآمر مضوا على ذلك، وإن خرج الناهي تجنبوا عنه، وإن خرج الغفل أجالوها ثانياً، فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم لهم، وقيل هو استقسام الجزور بالأقداح على الأنصباء المعلومة [ذلكم فسق] إشارة إلى الاستقسام، وكونه فسقاً لأنه دخول في علم الغيب وضلال باعتقاد أن ذلك طريق إليه وافتراء على الله سبحانه وتعالى إن أريد بربي الله. وجهالة وشرك إن أريد به الصنم أو الميسر المحرم، أو إلى تناول ما حرم عليهم أهـ. وفي النهاية الأزلام هي القداح التي كانت في الجاهلية عليها مكتوب الأمر والنهي افعل ولا تفعل، كان الرجل منهم يضعها في وعاء له فإذا أراد سفراً أو زواجاً أو أمراً مهما أدخل يده فأخرج منها زلماً، فإن خرج الأمر مضى لشأنه، وإن خرج النهي كف عنه ولم يفعله أهـ. ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشاؤم والاعتماد على أشياء في الغيب انفرد بها الله سبحانه وتعالى [قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله] من سورة الأعراف. ويحث على الحزم والعزم والتفويض إليه تعالى الإقدام بإذنه وعونه. (¬3) تشاؤماً. وفي الغريب يطير فلان واطير: أصله التفاؤل بالطير، ثم يستعمل في كل ما يتفاءل به ويتشاءم [قالوا إنا تطيرنا بكم] ولذلك قيل (لا طير إلا طيرك). وقال [إن تصبهم سيئة يطيروا]: أي يتشاءموا به [ألا إنما طائرهم عند الله] أي شؤمهم ما قد أعد الله لهم بسوء أعمالهم، وعلى ذلك قوله [قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله] أهـ. فأخبر صلى الله عليه وسلم عن حقارة الرجل وتأخيره في عمله ذلك الذي يدعي الغيب أو يتردد متشائماً. ولن يحظى بالمنازل السامية مدة تدليسه؛ وعش الناس وافترائه على الله أو تشبه بالجاهلية في التطير ناسياً قوله تعالى: [قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون] (52) من سورة التوبة. في ن د أيضاً من سفره وفي ن ط وع ص 289 - 2 رجع من سفر: أي تأخر عن الذهاب إلى ما يريد.

مضار إتيان العرافين والكهان 11 - وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ (¬1) عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمَاً. رواه مسلم. [العرّاف] بفتح العين المهملة وتشديد الراء كالكاهن، وقيل: هوالساحر. وقال البغوي: العرّاف: هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها كالمسروق من الذي سرقه ومعرفة مكان الضالة، ونحو ذلك، ومنهم من يسمى المنجم كاهناً انتهى. 12 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أَتَى عَرَّافاً أَوْ كاهِناً، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ (¬2). رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وفي أسانيدهم كلام ذكرته في مختصر السنن، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 13 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَنْ أَتَى عَرَّافاً أَوْ سَاحِراً أَوْ كاهِناً فَسَأَلَهُ فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ علَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. رواه البزار وأبو يعلى بإسناد جيد موقوفاً. 14 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَنْ أَتَى عَرَّافاً أَوْ سَاحِراً أَوْ كَاهِناً يُؤْمِنُ بِمَا يَقُولُ (¬3)، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ علَى مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم. رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات. 15 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

(¬1) المعنى الذي يقبل على نصاب كذاب مشعوذ يستفهم عن حظه وما يناله في حياته ترد أعماله الصالحة ويضرب بها عرض الحائط، ولا يقبل الله له صلاة، لأنها ناقصة لم تهذبه ولم تقو إيمانه بربته، ولم تذهب عنه الشك والإضلال ولم توجد عنده الثقة بربه والاعتماد عليه، فالله تعالى انفرد بالغيب وحده، وليس له شريط في ملكه يتكهن. وفي النهاية أراد بالعراف المنجم أو الحازي الذي يدعي علم الغيب، وقد استأثر الله تعالى به أهـ. (¬2) أنكر القرآن الذي يقول الله جل جلاله: أ -[عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول] من سورة الجن. ب -[إن الله عنده علم الساعة] من سورة لقمان الآية. وفي الجامع الصغير: أي ظاناً صدقه وكفره أي ستر النعمة، فإن اعتقد صدقه في دعواه الاطلاع على الغيب كفر حقيقة أهـ. (¬3) يعتقد أن قوله حتى واقع لا محالة.

لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ (¬1)، وَلاَ مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ (¬2)، وَلاَ قَاطِعُ رَحِمٍ (¬3). رواه ابنُ حبان في صحيحه. من اقتبس علماً من علم النجوم اقتبس شعبة من السحر 16 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمَاً مِنَ النُّجُومِ (¬4) اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ (¬5). رواه أبو داود وابن ماجة وغيرهما. ¬

(¬1) شارب خمر مواظب لم يتب، من أدمن إدماناً: واظبه ولازمه. (¬2) مصدق بتأثير السحر ولم يعتقد أن المؤثر هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي أوجد علم السحر ليحصل فرق بينه وبين المعجزة للنبي والكرامة للولي، كما قال تعالى في ذم الكفار [واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (103) ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون] (104) من سورة البقرة. أي نبذوا كتاب الله تعالى واتبعوا كتب السحر التي تتبعها الشياطين من الجن والإنس في عهد سليمان بن داود عليهما السلام، إذ كانوا يسترقون السمع ويصغون إلى ما سمعوا جملة أكاذيب ويلقونها إلى الكهنة، وهم يدونونها ويعلمون الناس، وفشا ذلك في عهد سيدنا سليمان عليه السلام حتى قيل إن الجن يعلمون الغيب، وأن ملك سليمان تم بهذا العلم، وأنه تسخر الجن والإنس والريح له (بابل) بلد من سواد الكوفة. يقول الملكان هاروت وماروت نحن ابتلاء من الله تعالى فمن تعلم منا السحر وعمل به كفر، ومن تعلم وتوق عمله ثبت على الإيمان، فلا تكفر باعتقاد جوازه والعمل به. وفيه دليل على أن تعلم السحر، وما لا يجوز اتباعه غير محظور، وإنما المنع من اتباعه والعمل به [ما يفرقون] أي من السحر ما يكون سبب تفريق المرء وزوجه [بضارين] لا يضر أحد أحداً إلا بإذن الله، لأن السحر وغيره من الأسباب غير مؤثرة بالذات، بل بأمره تعالى [علموا] أي اليهود [اشتراه] استبدل ما تتلوا الشياطين بكتاب الله تعالى [خلاق] نصيب [يعلمون] يتفكرون فيه أو يعلمون قبحه [آمنوا] بالرسول والكتاب [واتقوا] بترك المعاصي كنبذ كتاب الله واتباع السحر، وإن ثواب الله خير. (¬3) قاطع مودة الأقارب: أي ثلاثة لا ينعمون بنعيم الجنة: أ - السكير. ب - المصدق بالسحر والذاهب إلى السحرة ليعملوا له عملاً يضر. جـ - الذي يكره أقاربه ولا يحسن إليهم، ولا يصلهم ويبغضهم ويبغضونه. (¬4) أخذ من علم تأثيرها بأن اعتقد تأثيرها في العالم السفلي أو من علم الإخبار بالغيب كأن يقول وقت طلوع نجم كذا يحصل كذا؛ أما علم الأوقات بالنجوم فمطلوب أهـ حفنى. (¬5) في الجامع الصغير المعلوم تحريمه، ثم قال المناوي: ثم استأنف جملة بقوله زاد ما زاد؛ يعني كلما زاد من علم النجوم زاد إثمه. وقال العلقمي: قال الخطابي: علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان بأوقات هبوب الرياح ومجيء المطر وظهور الحر والبرد وتغير الأسعار، وما كان في معناها من الأمور التي يزعمون أنهم يدركون معرفتها بمسير الكواكب في مجاريها، واجتماعها وافتراقها ويدعون أن لها تأثيراً في السفليات، وأنها تجري على قضاء موجباتها، وهذا منهم تهجم على =

[قال الحافظ]: والمنهيّ عنه من علم النجوم هو ما يدّعيه أهلها من معرفة الحوادث الآتية في مستقبل الزمان كمجيء المطر، ووقوع الثلج، وهبوب الريح، وتغيير الأسعار، ونحو ذلك ويزعمون أنهم يدركون ذلك بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها في بعض الأزمان وهذا علم استأثر اللهُ به لا يعلمه أحد غيره؛ فأما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة، وكم مضى من الليل والنهار وكم بقي، فإنه غير داخل في النهي، والله أعلم. 17 - وَعَنْ قَطَنِ بْنِ قَبِيصَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: الْعِيافَةُ (¬1). ¬

= الغيب وتعاطي علم قد استأثر الله به لا يعلم الغيب سواه .. وأما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة، والخبر الذي يعرف به الزوال وتعلم به جهة القبلة، فإنه غير داخل فيما نهي عنه؛ وذلك أن معرفة رصد الظل ليس بشيءٍ أكثر من أن الظل ما دام ناقصاً فالشمس بعده صاعدة نحو وسط السماء من الأفق الشرقي، وإذا أخذ في الزيادة فالشمس هابطة من وسط السماء نحو الأفق الغربي، وهذا علم يصح دركه من جهة المشاهدة إلا أن أهل هذه الصناعة قد دبروه بما اتخذوا له من الآلات التي يستغني عنها الناظر فيها عن مراعاة مدته ومراصدته وأما ما يستدل به من النجوم على جهة القبلة فإنما هي كواكب رصدها أهل الخبرة بها من الأئمة الذين لا تشك في عنايتهم بأمر الدين، ومعرفتهم بها وصدقهم فيما أخبروا به عنها مثل أن شاهدوها بحضرة الكعبة، وشاهدوها على حال الغيبة عنها، وكان إدراكهم الدلالة منها للمعاينة وإدراكنا ذلك لقبولنا غيرهم إذ كانوا عندنا غير متهمين في دينهم، ولا مقصرين في معرفتهم انتهى ص 310 جـ 3. كفر من قال مطرنا بنوء كذا في صحيح مسلم عن عبد الله بن عتبة عن زيد بن خالد الجهني قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر السماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: قال أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب". قال النووي: النوء من ناء إذا سقط وغاب، وقيل نهض وطلع وعرف ذلك بثمانية وعشرين نجماً معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها، وهي المعروفة بمنازل القمر الثمانية والعشرين يسقط في كل ثلاثة عشرة ليلة منها نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر يقابله في المشرق من ساعة، وكان أهل الجاهلية إذا كان عند ذلك مطر ينسبونه إلى الساقط الغارب منها. وقال الأصمعي: إلى الطالع منها أهـ مختار الإمام مسلم ص 71. (¬1) زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها، وهو من عادة العرب كثيراً، وهو كثير في أشعارهم، يقال عاف يعيف عيفاً إذا زجر وحدس وظن، وبنو أسيد يذكرون بالعيافة ويوصفون بها، قيل عنهم إن قوماً من الجن تذاكروا عيافتهم فأتوهم فقالوا ضلت لنا ناقة فلو أرسلتم لنا من يعيف فقالوا لغليم لهم انطلق معهم، فاستردفه أحدهم، ثم ساروا فلقيهم عقاب كاسرة إحدى جناحيها فاقشعر الغلام وبكى فقالوا مالك؟ فقال: كسرت =

وَالطِّيَرَةُ (¬1) والطَّرْقُ (¬2) مِنَ الْجِبْت. رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه. قال أبو داود: الطرق: الزجر، والعيافة: الخط، انتهى. وقال ابن فارس: الطرق: الضرب بالعصى، وهو جنس من التكَهُّن. ¬

= جناحاً ورفعت جناحاً وحلفت بالله صراحاً ما أنت بإنسي، ولا تبغي لقاحاً: وحديث ابن سيرين أن شريحاً كان عائفاً: أي صادق الحدس والظن كما يقال للذي يصيب ظنه ما هو إلا كاهن وللبليغ في قوله: ما هو إلا ساحر إلا أنه كان يفعل فعل الجاهلية في العيافة أهـ نهاية. (¬1) زجر الطير للتيمن بطيرانه جهة اليمين أو التشاؤم بطيرانه جهة الشمال. (¬2) الضرب بالحصى والودع واستعمال الكدشينة والسمل والبخت، وكل شيء يوهم أنه يدل على المغيبات فالله تعالى استأثر وحده بها ولا ينبغي للعبد أن يكون شريكاً لسيده ومولاه فيما استأثر به وقصره عليه، ولا أن يتطلبه ويترقب الوصول إليه، قال تعالى: [ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً] (35) من سورة الإسراء. يريد صلى الله عليه وسلم من المسلمين التفويض إلى الله سبحانه وتعالى في تسيير دفة الأمور ومهام الأعمال، والرضا والقناعة والخضوع لتعاليم الكتاب والسنة وعدم الاسترشاد بالجهلة الفسقة السراق سالبي أموال الناس بالخداع والشعوذة والإضلال، قال تعالى: أ -[قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون] (188) من سورة الأعراف. ب -[إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين (196) والذي تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون] (197) من سورة الأعراف. إن شاهدنا أمره صلى الله عليه وسلم أن يخبر أنه بشر يستمد المعونة من الله ويرجو دفع الأذى من الله وأنه صلى الله عليه وسلم إنسان مرشد معلم هاد مشرع، والمؤمن يسند الأفعال لربه الذي هو ناصره ورازقه وحافظه وحده، والفاجر الفاسق يخدعه الشيطان من الإنس والجن يسلب ماله. الترهيب من إتيان الكهنة والسحرة أ - قال تعالى: [وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين (59)] من سورة الأنعام. ب - وقال تعالى [إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير] (34) من سورة لقمان. جـ - وقال تعالى: [قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون] (65) من سورة النمل. د - وقال تعالى: [ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً الله أعلم بما في أنفسهم] من سورة هود (31). هـ - وقال تعالى: [عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً] (27) من سورة الجن. أضرار السحر والكهانة على الفاعل والمفعول كما قال صلى الله عليه وسلم أولاً: أنه ارتكب كبيرة مدمرة لدينه هادمة إسلامه هالكة لجسمه وماله "موبقات". =

[الطرق] بفتح الطاء وسكون الراءِ. [والجبت] بكسر الجيم: كل ما عبد من دون الله تعالى. أضرار السحر والكهانة الخ ¬

_ = ثانياً: تجره إلى الإشراك بالله لاعتقاد تأثيرها ونسيان قدرة الله في كل شيء. ثالثاً: تمنع عنه مساعدة الله ورعايته، وتجعله أحبولة في يد الشيطان وألعوبة وضحكة "من عقد عقدة". رابعاً: يطرده السحر من حظيرة الأصفياء ويقضي الساحر والمسحور له وتسد أمامه أبواب القبول والرضوان "لداود نبي الله ساعة". خامساً: يحمل ذنوباً جمة ولا يتسرب لهما مغفرة وإحسان "ثلاث". سادساً: عقاب السحر يساوي عقاب الكافر بالله تعالى "كم الكبائر". سابعاً: الساحر والمسحور له يعاقبان مثل من ينكر القرآن ويجحد به ويصد عنه. ثامناً: يدل السحرة على السفالة ورذالة الأخلاق وانحطاط المنزلة "لن ينال الدرجات". تاسعاً: أعمال الساحر والمسحور مرفوضة ورجاؤه مردود، وليس له في صحيفته أي ثواب من جراء عمله "لم تقبل له صلاة". عاشراً: ينكران تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم "كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم". الحادي عشر: يستحيل عليهما دخول الجنة إلا بعد إدخالهما العذاب "ولا مؤمن بسحر". الثاني عشر: عمل الساحر والمسحور له مثل عابد الطواغيت (الجبت). الثالث عشر: الساحر عدو نفسه مضيع هيبته فاقد ثروته معرض لعقاب الله وقانون البشر وكائن رأينا من سحرة مشعوذين كثرت أموالهم فانفضحت أسرارهم وزجوا في السجون. الرابع عشر: الساحر يستحق لعنة الله تعالى كما قال العلماء: اللعين لبيد بن الأعصم اليهودي سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر صلى الله عليه وسلم بإخراج سحره من بئر ذي أروان بدلالة الوحي له على ذلك فأخرج منها فكان ذا عقد فحلت عقده فكان كلما حلت منه عقدة خف منه صلى الله عليه وسلم إلى أن فرغت فصار صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال. قال في الزواجر: وإنما أثر السحر في رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله تعالى: [والله يعصمك من الناس] إما لأن المراد منها عصمة القلب والإيمان دون عصمة الجسد عما يرد عليه من الحوادث الدنيوية، ومن ثم سحر وشج وجهه وكسرت رباعيته ورمي عليه الكرش والتراب وأذاه جماعة من قريش، وإما لأن المراد عصمة النفس عن الافتلات دون العوارض التي تعرض للبدن مع سلامة النفس وهذا أولى، بل هو الصواب لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحرس فلما نزلت الآية أمر بترك الحراسة. والسحر على أقسام. أولاً: سحر الكسدانيين: أي عباد الكواكب. ثانياً: أصحاب الأوهام والنفوس القوية. ثالثاً: الاستعانة بالأرواح الأرضية. رابعاً: التخيلات والأخذ بالعيون. خامساً: الأعمال العجيبة كتركيب آلات هندسية، فرس في يده بوق أو صورة ضاحكة باكية. سادساً: الاستعانة بالأدوية المبلدة والمزيلة للعقل. سابعاً: تعليق القلب بمعرفة الاسم الأعظم وأن الجن تطيعه فينقاد له ضعيف العقل قليل التمييز أهـ ص 84 جـ 1 وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الترهيب من تصوير الحيوانات والطيور في البيوت وغيرها

الترهيب من تصوير الحيوانات والطيور في البيوت وغيرها 1 - عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ (¬1) هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ (¬2). رواه البخاري ومسلم. 2 - وَعنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ (¬3) وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رآهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم تَلَوَّنَ وَجْهُهُ (¬4) وَقالَ: يَا عَائِشَةُ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ (¬5) بِخَلْقِ اللهِ. قَالَتْ: فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ. 3 - وَفي رِوَايَةٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَفي الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ (¬6) وَقَالَ: إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ. 4 - وَفِي أُخْرَى أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ. قالَتْ: فَقُلْتُ: ¬

(¬1) يعملونها من مواد مجسمة. (¬2) أدخلوا الحياة على هذه التماثيل. (¬3) رجوعاً من غزوة تبوك أو خيبر. (¬4) تغير. (¬5) يفعلون أشياء تشابه خلق الله من وجود حيوانات تامة الصورة فيها الأعضاء جميعها. (¬6) فنزعه.

يَا رَسُولَ اللهِ أَتُوبُ (¬1) إِلى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْتُ (¬2)؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا بَالُ هذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ فَقُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَصْحَابَ هذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وَقَالَ: إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْملائِكَةُ (¬3). رواه البخاري ومسلم. [السهوة] بفتح السين المهملة: هي الطاق في الحائط يوضع فيه الشيء، وقيل: هي الصفة وقيل المخدع بين البيتين، وقيل: بيت صغير كالخِزانة الصغيرة. [والقرام] بكسر القاف: هو الستر. [والنمرقة]: بضم النون والراء أيضاً، وقد تفتح الراء، وبكسرهما: هي المخدة. 5 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا، فَقالَ لَهُ: ادْنُ مِنِّيْ (¬4)، فَدَنَا، ثُمَّ قالَ: ادْنُ مِنِّي، فَدَنَا، حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يُجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْساً، فَيُعَذِّبُهُ في جَهَنَّمَ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فاصْنَعِ الشّجَرَ وَمَا لا نَفَسَ لَهُ (¬5). رواه البخاري ومسلم. 6 - وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ¬

(¬1) أندم على ما فعلت وأجد التوبة والإنابة إليه سبحانه وتعالى. (¬2) في أي شيء عملت خطأ. (¬3) ملائكة الرحمة التي تدعو لصاحب المنزل بالمغفرة والرضوان. (¬4) اقترب مني. (¬5) الشجر وما لا نفس له، كذا د وع ص 289 - 2، وفي ن ط: الشجرة وما لا تنفس له.

يَا ابْنَ عَبَّاسٍ: إِنِّي رَجُلٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التّصَاوِيرَ (¬1)؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلاَّ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً (¬2)، فَإِنَّ اللهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيها (¬3) أَبَداً، فَربَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلاّ أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْكَ بِهذا الشَّجَرِ (¬4) وَكُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ. [ربا الإنسان]: إذا انتفخ غيظاً أو كبراً. 7 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ (¬5). رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) التماثيل. (¬2) ذات روح. (¬3) فهو معذب دائماً مخلد في النار. وهذا في حق الذي يكفر بالتصوير أما في غيره وهو العاصي بفعل ذلك غير مستحل له ولا قاصد أن يعبد ثم فيعذب عذاباً يستحقه ثم يخلص منه، والمراد بالحديث الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع أهـ قسطلاني ص 238 جواهر البخاري. (¬4) أي رسم الأشجار والأزهار والقصور والأشكال الزخرفية، وهكذا من النفائس التي ليست فيها روح: أي يصح أن يخلق الله فيها الحياة. (¬5) أي الذين يصورون أشكال الحيوانات التي تعبد من دون الله تعالى فيحكونها بتخطيط أو تشكيل عالمين بالحرمة قاصدين ذلك لأنهم يكفرون به فلا يبعد دخولهم مدخل آل فرعون. أما من لا يقصد ذلك، فإنه يكون عاصياً بتصويره فقط. قال النووي قال العلماء: تصوير الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر وسواء صنعه لما يمتهن أم لغيره سواء كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها. وأما تصوير ما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام أهـ قسطلاني، وأورد البخاري عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه: أي تصاوير إلا كسره، وغير صورته. وفي دخول البيت الذي فيه الصورة وجهان: الأكثرون على الكراهة. وقال أبو محمد بالتحريم، فلو كانت الصورة في ممر الدار لا داخلها كما في ظاهر الحمامات ودهاليزها لا يمتنع الدخول، لأن الصورة في الممر ممتهنة، وفي المجلس مكرمة. والحاصل مما سبق كراهة صورة حيوان منقوشة على سقف أو جدار أو وسادة منصوبة أو ستر معلق أو ثوب ملبوس، وأنه يجوز ما على أرض وبساط يداس ومخدة يتكأ عليها ومقطوع الرأس وصورة شجر، ويحرم تصوير حيوان على الحيطان والسقوف والأرض ونسج الثوب، ومن اتخذ هذه الصور عوقب بحرمان دخول ملائكة الرحمة بيته فلا تصلي عليه؛ ولا تستغفر له أهـ قسطلاني. وفي الفتح: وخص بعضهم الوعيد الشديد بمن صور قاصداً أن يضاهي فإنه يصير بذلك القصد كافراً. وذكر القرطبي أن أهل الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء حتى إن بعضهم عمل صنمه من عجوة ثم جاع فأكله إلا نقضه. قال ابن بطال: في هذا الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينقض الصورة سواء كانت مما له ظل أم لا، وسواء كانت مما توطأ أم لا؛ سواء في الثياب، وفي الحيطان، وفي الفرش والأوراق وغيرها =

8 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قالَ اللهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ (¬1) مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوهُ ذَرَّةً، وَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا شَعِيرَةً. رواه البخاري ومسلم. 9 - وَعَنْ حَيَّانَ بْنِ حُصَيْنٍ قالَ: قالَ لِي عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَلاَ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم؟ أَلاَّ تَدَعَ (¬2) صُورَةً إِلاَّ طَمَسْتَهَا (¬3)، وَلاَ قَبْراً مُشْرِفاً (¬4) إِلاَّ سَوَّيْتَهُ (¬5). رواه مسلم وأبو داود والترمذي. 10 - وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فِي جَنَازَةٍ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَنْطَلِقُ إِلى الْمَدِينَةِ، فَلاَ يَدَعُ فِيهَا وَثنَاً إِلاَّ كَسَرَهُ، وَلاَ قَبْراً إِلاَّ سَوَّاهُ. وَلاَ صُورَةً إِلا لَطَخَهَا، فَقالَ رَجُلٌ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ فَهَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ. قالَ: فَانْطَلَقَ ثُمَّ رَجَعَ فَقالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَدَعْ بِهَا وَثَناً إِلاَّ كَسَرْتُهُ، وَلاَ قَبْراً إِلاَّ سَوَّيْتُهُ، وَلاَ صُورَةً إِلاَّ لَطَخْتُها، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ عَادَ إِلى صَنْعَةِ شَيْءٍ مِنْ هذَا ¬

= (تماثيل) الشيء المصور أعم من أن يكون شاخصاً أو نقشاً أو دهاناً أو نسجاً في ثوب (يضاهون) يشبهون ما يصنعونه بما يصنعه الله أهـ ص 299 جـ 10. (¬1) لا أحد كثير الظلم مثل الذي يدعي أنه يصنع مثل صنع الله فيصور صورة حيوان قال في الفتح: ذهب قصد كخلقي التشبيه في فعل الصورة وحدها لا من كل الوجوه، ورواية البخاري في صدر الحديث حدثنا عمارة حدثنا أبو زرعة قال دخلت مع أبي هريرة داراً بالمدينة فرأى في أعلاها مصوراً يصور فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ومن أظلم" الحديث ثم دعا بتور من ماء فغسل يديه حتى بلغ إبطه فقلت يا أبها هريرة أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال منتهى الحلية أهـ. في الفتح يشير إلى الطهارة في فضل الغرة والتحجيل في الوضوء تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء. قال ابن بطال: فهم أبو هريرة أن التصوير يتناول ما له ظل، وما ليس له ظل فلهذا أنكر ما ينقش في الحيطان (قلت) هو ظاهر من عموم اللفظ ويحتمل أن يقصر على ما له ظل من جهة قوله كخلقي، فإن خلقه الذي اخترعه ليس صورة في حائط، بل هو خلق تام، لكن بقية الحديث تقتضي تعمم الزجر عن تصوير كل شيء، وهي قوله فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة، وهي بفتح المعجمة وتشديد الراء. ويجاب عن ذلك بأن المراد إيجاد حبة على الحقيقة لا تصويرها، ووقع لابن فضيل من الزيادة "وليخلقوا شعيرة"، والمراد بالحبة حبة القمح بقرينة ذكر الشعير أو الحبة أعم، والمراد بالذرة النملة، والغرض تعجيزهم تارة بتكليفهم خلق حيوان وهو أشد وأحرى بتكليفهم خلق جماد، وهو أهون ومع ذلك لا قدرة لهم على ذلك "قوله ثم دعا بتور" أي طلب توراً، وهو بمثناة إناء كالطست أهـ ص 288 جـ 10. (¬2) أن لا تترك. (¬3) إلا محوتها وأزلت معالمها. (¬4) عالياً. (¬5) جعلته مساوياً للأرض.

فَقدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم (¬1). وإسناده جيد إن شاء الله. 11 - وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لاَ تَدْخُلُ الْملائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. 12 - وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: لا تَدْخُلُ الملائِكَة (¬2) بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ تَمَاثِيلُ. 13 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: وَاعَدَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَهُ فَرَاثَ عَلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَخَرَجَ، فَلَقِيَهُ جِبْرِيلُ صلى اللهُ عليه وسلم، فَشَكَا إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتَاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ. رواه البخاري. [راث] بالثاء المثلثة غير مهمور: أي أبطأ. 14 - وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: لاَ تَدْخُلُ الملائِكَةُ بَيْتَاً فِيهِ صُورَةٌ، وَلاَ جُنُبٌ، وَلاَ كَلْبٌ. رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه كلهم من رواية عبد الله بن يحيى. قال البخاري: فيه نظر. 15 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لِي: أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَابِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ في الْبَيْتِ كَلْبٌ ¬

(¬1) من صنع هذه الحيوانات مشابهاً خلق الله فقد جحد بتعاليم القرآن. (¬2) ملائكة الرحمة. وفي الفتح قال القرطبي في المفهم: إنما لم تدخل الملائكة البيت الذي فيه الصورة، لأن متخذها قد تشبه بالكفار، لأنهم يتخذون الصور في بيوتهم ويعظمونها فكرهت الملائكة ذلك فلم تدخل بيته هجراً له لذلك. وقال الرافعي: وفي دخول البيت الذي فيه الصورة وجهان قال الأكثر يكره، وقال أبو محمد يحرم فلو كانت للصورة في ممر الدار لا داخل الدار كما في ظاهر الحمام أو دهليزها لا يمتنع الدخول. قال: وكان السبب فيه أن الصورة في الممر ممتهنة، وفي المجلس مكرمة أهـ ص 303 جـ 10 وفي صفحة 305 ما حكاه أبو محمد الجويني أن نسج الصورة في الثوب لا يمتنع، لأنه قد يلبس وطرده المتولي في التصوير على الأرض ونحوها وصحح النووي تحريم جميع ذلك. قال النووي: ويستثنى من جواز تصويره ما له ظل، ومن اتخاذه لعب البنات لما ورد من الرخصة في ذلك، وأباح الله تبارك وتعالى توضيح صور الأشياء على صفحات الورق تيسيراً للعلم وضبط الحوادث.

فَمُرْ (¬1) بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ يُقْطَعُ فَيَصِيرَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَيُقْطَعَ فَيُجْعَلَ وِسَادَتَيْنِ مَنْبُوذَتَيْنِ تُوطَآنِ، وَمُرْ بالْكَلْبِ فَلْيَخْرُجْ. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وتأتي أحاديث من هذا النوع في اقتناء الكلب إن شاء الله تعالى. 16 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ بِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ، وَبِكلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِالمُصَوِّرينَ (¬2). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب. [عنق] بضم العين والنون: أي طائفة وجانب من النار. ¬

(¬1) فكر، كذا د وع ص 292 - 2 وفي ن ط فأمر وأمر، وأورد الفتح حديث عائشة ثم التفت، فإذا جرو كلب سريره فقال يا عائشة متى دخل هذا الكلب؟ فقالت وإيم الله ما دريت ثم أمر به فأخرج فجاء جبريل فقال: واعدتني فجلست لك فلم تأت فقال منعني الكلب الذي كان في بيتك، وفي رواية النسائي إما أن يقطع رموسها أو تجعل بسطاً توطأ. ثم قال وفي هذا الحديث ترجيح قول من ذهب إلى أن الصورة التي تمتنع الملائكة من دخول المكان التي تكون فيه باقية على هيئتها غير ممتهنة فأما لو كانت ممتهنة أو غير ممتهنة لكنها غيرت عن هيئتها إما بقطعها من نصفها أو بقطع رأسها فلا امتناع. وقال القرطبي: ظاهر حديث زيد بن خالد عن أبي طلحة الماضي؛ قيل إن الملائكة لا تمتنع من دخول البيت الذي فيه صورة إن كانت رقماً في الثوب وظاهر حديث عائشة المنع، ويجتمع بينهما بأن يحمل حديث عائشة على الكراهة. وحديث أبي طلحة على مطلق الجواز، وهو لا ينافي الكراهة؛ وفي البخاري باب كراهية الصلاة في التصاوير. قال في الفتح: أي في الثياب المصورة، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم "أميطي عني، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي" أي أزيلي، وإذا كانت تلهي المصلي وهي مقابلة فكذا تلهيه وهو لابسها، بل حالة اللبس أشد. ونقل عن الحنفية أنه لا تكره الصلاة إلى جهة فيها صورة إذا كانت صغيرة، أو مقطوعة الرأس وهذه كانت تصاويره من غير الحيوان أهـ. ولفظ الحديث كما في البخاري عن أنس رضي الله عنه قال "كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أميطي عني، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي" أهـ ص 302 جـ 10. (¬2) أي يخصص الله صورة فظيعة وحشية جهنمية نارها شديدة لثلاثة: أ - المشرك. ب - الظالم. جـ - المصور. عقاب المصور كما قال صلى الله عليه وسلم أولاً: يستمر عذابه ويزداد وعيده ويشتد عقابه. ثانياً: يعد من كبار الظالمين المفسدين العتاة الطغاة (ومن أظلم). =

الترهيب من اللعب بالنرد

الترهيب من اللعب بالنرد 1 - عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ (¬1) فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي دَمِ خِنْزِيرٍ. رواه مسلم. وله لأبي داود وابن ماجة: فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِيْ لَحْم خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ. ¬

= ثالثاً: يكلف بالمستحيل تعجيزاً له وردعاً وزجراً. رابعاً: إن استحل هذا فقد كفر بالكتاب والسنة. خامساً: يعاقب بمنع دخول ملائكة الرحمة التي تدعو له بالمغفرة والرضوان والرحمة. سادساً: يخصص له هيئة عذاب انتقاماً له (عنق). سابعاً: يبكته الله تعالى ويرسل ملك العذاب يقول للمصور اجعل هذا حيواناً ذا روح كما ضاهيت في حياتك في رسمك [أحيوا ما خلقتم]. ثامناً: يكتسب من حرام ويأكل من باطل ويربح من مكروه، ويحترف بمهنة منهي عنها، لأنه يصور حيواناً أما إذا صور شجراً ونحوه مما لا روح فيه فلا تحرم صنعته ولا التكسب به كما قال النووي ص 195 جـ 2 مختار الإمام مسلم، وفي المدخل لابن الحاج، ولا فرق في ذلك أعني في لحوق الإثم بين من صنعها وبين من استحسّها، وبين من جلس إليها، وبين من رضي بها وأحبها، وبين من رآها ولم ينكر وله القدرة على التغيير بحسب مراتب التغيير، وهذا فيمن لم يستحل ذلك، أما من استحله فالحكم ظاهر فيه معلوم؛ وإذا كان ذلك محرماً فلا يجوز اتخاذ شيء من ذلك للرجل، ولا لامرأة عموماً أهـ ص 273 جـ 1. وأذكر أني سألت أستاذي المرحوم الشيخ محمد النجدي شيخ رواق الشراقوة فأفتى بإباحة الصورة التي على الورقة وقال إنها تشبه صورة المرأة أو النظر في الزير والنهر، وقد سألت المرحوم الشيخ محمد بخيت فأفتى بإباحتها ولدي الآن نسخة: أي رسالة استنباط فضيلته، عنوانها (الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي) ومنها قال ابن عبدين: الذي يظهر من كلامهم إن العلة إما التعظيم أو التشبه ص 14. ومنها واختلف المحدثون في امتناع ملائكة الرحمة بما على النقدين؛ فنفاه عياض وأثبته النووي، وصرح في الفتح وغيره بأن الصورة الصغيرة لا تكره في البيت قال وقد نقل أنه كان على خاتم أبي هريرة ذبابتان أهـ ولو كانت منع دخول الملائكة لكره اتخاذها في البيت، لأنه يكون شر البقاع، وكذا المهانة كما في الحديث "اقطعها وسائد أو اجعلها بسطاً". هذا كله في اقتناء الصورة. وأما فعل التصوير فغير جائز مطلقاً، لأنه مضاهاة لخلق الله تعالى كما مر، وفي آخر خطر المجتبى عن أبي يوسف يجوز بيع اللعبة، وأن يلعب بها الصبيان أهـ وفي تفسير الألوسي عند قوله تعالى: [ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون] 52 من سورة الأنبياء. التمثال الصورة شبيهة بمخلوق من مخلوقات الله تعالى: [يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل] من سورة سبأ. قال الضحاك: كانت صورة حيوانات. وقال الزمخشري: صور الملائكة والأنبياء والعلماء كانت تعمل في المساجد من نحاس وصفر وزجاج ورخام ليراها الناس فيعبدون نحو عبادتهم، وكان اتخاذ الصور في ذلك الشرع جائزاً كما قال الضحاك وأبو العالية أهـ ص 15. (¬1) النرد: اسم أعجمي معرب وشير بمعنى حلو. قال النووي: صبغ يده أي في حال أكله منهما وهو تشبيه لتحريمه بتحريم أكلهما والله أعلم أهـ ص 334 جـ 3 مختار الإمام مسلم.

2 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ لَعِبَ بِنَرْدٍ أَوْ نَرْدَشِيرَ فقَدء عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ (¬1). رواه مالك واللفظ له وأبو داود وابن ماجة والحاكم والبيهقي، ولم يقولوا: أَوْ نَرْدَشِيرَ، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. قال البيهقي: وروينا من أوجه أخر عن محمد بن كعب عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لاَ يَقْلِبُ كَعَبَاتِهَا (¬2) أَحَدٌ يَنْتَظِرُ مَا تَأْتِي بِهِ إِلاَّ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ. ¬

(¬1) أي خالف أوامرهما وصرف وقته في لهو ولعب. (¬2) لا يقلب كعابها كذا ط وع ص 292 - 2 وفي ن د: لا يطلب أحد ينتظر ما كعباتها تأتي به: أي يرمي طلعها ليتبين عدد نقطها ويرجو إصابة غرضه فقد كثر لغطه وزاد لهوه. وقد أخرج البيهقي كما في الزواجر عن يحيى بن أبي كثير قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم يلعبون بالنرد فقال: قلوب لاهية وأيد عاملة وألسنة لاغية" وأخرج أحمد "إياكم وهاتان الكعبتان المرسومتان اللتان يزجران زجراً فإنهما ميسر العجم". ونقل القرطبي في شرح مسلم اتفاق العلماء على تحريم اللعب به مطلقاً ونقل الموفق الحنبلي في مغنيه الإجماع على تحريم اللعب به. وقال القاضي البيضاوي في شرح المصابيح: يقال أول من وضعه سابور بن أردشير ثاني ملوك الساسان ولأجله يقال له النردشير وشبه رقبته بالأرض وقسمها أربعة أقسام تشبيهاً بالفصول الأربعة. وقال الماوردي قيل إنه على البروج الإثني عشر والكواكب السبعة، لأن بيوته اثنا عشر كالبروج ونقطه من جانبي القصر سبع كالكواكب السبعة فعدل به إلى تدبير الكواكب والبروج أهـ ص 166 جـ 2. يخبر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتباعدوا عن هذه اللعبة المضيعة للوقت الجالبة للنفور الباعثة كل آلام التي تجلب الغفلة عن الله والسهو عن ذكره ونسيان حقوقه وعدم أداء الصلاة في أوق وقتها ويشبه لاعبها بالقصاب الذي يذبح الخنزير ويغمس يده في لحمه بجامع التحريم، وإذا كان الله جل جلاله نهى المؤمنين أن تلهيهم أموالهم وأولادهم فيزداد النهي في تضييع الوقت في النرد يقول الله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون] (10) من سورة المنافقون. أي لا يشغلكم التصرف في الأموال والسعي في تدبير أمرها بالنماء وطلب النتاج ولا سرور أولادكم وشفقتكم عليهم والقيام بمؤنهم عن الصلوات الخمس أو عن القرآن أهـ نسفي، ويقول جل جلاله [ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله] فهذا لهو الحديث فما بالك بالنرد؟ ويقول تعالى [وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها] قال البيضاوي: فإن المراد من اللهو الطبل الذي كانوا؛ يستقبلون به العير والترديد للدلالة على أن منهم من انفض لمجرد سماع الطبل ورؤيته. روي "أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب الجمعة فمرت عليه عير يحمل الطعام فخرج الناس إليهم إلا اثني عشر رجلاً فنزلت". هؤلاء فرحوا بقدوم بضائع وحاجات الطعام فتركوا استماع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذا من لعب النرد مشتغلاً بها عن ذكر الله وأداء حقوقه. يقول الله تعالى: [زين للناس حب الشهوات] أي المشتهيات، سماها شهوات مبالغة وإيماء على أنهم انهمكوا في محبتها حتى حبوا شهوتها، والمزين هو الله تعالى لأنه الخالق للأفعال والدواعي ولعله زينه ابتلاء أو لأنه يكون وسيلة إلى السعادة الأخروية إذا كان على وجه يرتضيه الله تعالى، أو لأنه من أسباب التعيش وبقاء النوع، وقيل الشيطان فإن الآية في معرض الذم أهـ بيضاوي، والنفس تميل إلى اللعب فالنرد من الشهوات المنهي عنها، ويقول الله تعالى [ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق] ثم يقول عز شأنه: [اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو] من سورة الحديد. قال النسفي كلعب الصبيان وكلهو الفتيان =

الترغيب في الجليس الصالح والترهيب من الجليس السيء وما جاء فيمن جلس وسط الحلقة وأدب المجلس وغير ذلك

[قال الحافظ]: قد ذهب جمهور العلماء إلى أن اللعب بالنرد حرام، ونقل بعض مشايخنا الإجماع على تحريمه، واختلفوا في اللعب بالشطرنج؛ فذهب بعضهم إلى إباحته لأنه يستعان به في أمور الحرب ومكائده لكن بشروط ثلاثة: أحدها: أن لا يؤخر بسببه صلاة عن وقتها. والثاني: أن لا يكون فيه قمار. والثالث: أن يحفظ لسانه حال اللعب عن الفحش والخناء، ورديء الكلام؛ فمتى لعب به، أو فعل شيئاً من هذه الأمور كان ساقط المروءة مردود الشهادة، وممن ذهب إلى إباحته سعيد بن جبير والشعبي، وكرهه الشافعي كراهة تنزيه، وذهب جماعات من العلماء إلى تحريمه كالنرد، وقد ورد ذكر الشطرنج في أحاديث لا أعلم لشيء منها إسناداً صحيحاً ولا حسناً، والله أعلم. الترغيب في الجليس الصالح والترهيب من الجليس السيء وما جاء فيمن جلس وسط الحلقة وأدب المجلس وغير ذلك 1 - عَنْ أَبِي موسى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ (¬1) والْجَلِيسِ السُّوءِ (¬2) كَحَامِلِ الْمِسْكِ (¬3)، وَنَافِخِ الْكِيرِ (¬4)، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ (¬5)، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحاً طَيِّبَةً، ¬

= [وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد] من سورة الحديد. والإنسان خلق للعمل والجد والعبادة وطاعة الله وتسبيحه وشكره والله أعلم. (¬1) التقي النقي الطاهر المستقيم العامل بكتاب الله وسنة نبيه. (¬2) الشرير المجرم الفاسق العاصي. (¬3) طيب الرائحة، وفي المصباح معروف وهو معرب، والعرب تسميه المشموم، وهو عندهم أفضل الطيب. والمسك والعنبر خير طيب ... أخذتا بالثمن الرغيب فالجليس الصالح يهديك ويرشدك ويدلك على الخير، وترى منه المحامد والمحاسن والمكارم، وهو كله منافع وثمرات. (¬4) كير الحداد، وهو المبني من الطين، وقيل الزق الذي ينفخ به النار والمبني الكور، ومنه الحديث "المدينة كالكير تنفي خبثها وتنصع طيبها" أهـ نهاية. يشبه صلى الله عليه وسلم الصاحب الشرير بنافخ الكير يضر ويؤذي ويعدي بالأخلاق الرديئة، ويجلب السيرة المذمومة وهو باعث الفساد والإضلال ومحرك كل فتنة وموقد نار العداوة والخصام. (¬5) تشتريه منه. قال النووي: يحذيك: أي يعطيك وفيه ندب مجالسة الصالحين، وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر والبدع ومن يغتاب الناس أو يكثر =

وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً خَبِيثَةً. رواه البخاري ومسلم [يحذيك]: أي يعطيك. 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ (¬1)، وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْكِيرِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ. رواه أبو داود والنسائي. 3 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ (¬2). رواه أبو داود. 4 - وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ أَنَّ رَجُلاً قَعَدَ وَسْطَ حَلْقَةٍ. قالَ حُذَيْفَةُ: مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم أَوْ لَعَنَ اللهُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم بنحوه، وقال: صحيح على شرطهما. 5 - وَعَنِ الشِّرِّيدِ بْنِ سُوَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَأَنَا جَالِسٌ وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِي الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي، واتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي (¬3) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ تَقْعُدْ قِعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ. رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه. وزاد قال ابْن جريج: وَضَعْ رَاحَتَيْكَ (¬4) عَلَى الأَرْضِ. ¬

= فجره، وفيه طهارة المسك أهـ ص 462 جـ 2 مختار الإمام مسلم. وقال القسطلاني في رواية "لا يعدمك من صاحب المسلك": أي لا يعدوك. فيه النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا أهـ ص 89 جواهر البخاري. (¬1) رائحته الذكية وشذا عطره. (¬2) أبعد الله من رحمته من ترك صفوف الرجال المصطفة المتراصة وقعد في الوسط منفرداً شاذاً متكبراً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في درسه يجلس السامعين مثل الحلقة الدائرة. وفي النهاية "الجالس وسط الحلقة ملعون" لأنه إذا جلس في وسطها استدبر بعضهم بظهره فيؤذيهم بذلك فيسبونه ويلعنونه أهـ. (¬3) أصلها، وفي النهاية فتفل في عين علي رضي الله عنه ومسحها بألية إبهامه ألية الإبهام أصلها وأصل الخنصر الضرة، ومنه حديث البراء رضي الله عنه "السجود على أليتي الكف" أراد ألية الإبهام وضرة الخنصر فغلب كالعمرين والقمرين أهـ أي جلس جلس المتكبرين المتجبرين القساة العصاة. (¬4) راحتيك كذا ع ص 294 - 2، وفي ن ط راحتيه: أي يديك كما قال الشاعر: له راحة لو أن معشار جودها ... على البر كان البر أندى من البحر

6 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَامَ لَهُ رَجُلٌ عَنْ مَجْلِسِهِ، فَذَهَبَ لِيَجْلِسَ فِيهِ، فَنَهاهُ (¬1) رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم. رواه أبو داود. 7 - وَفي رواية له عن سعد بن أبي الحسن قال: جَاءَ أَبُو بَكْرَةَ في شَهَادَةٍ، فَقَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ، وَقالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم نَهَى عَنْ ذَا. لا يقيمنّ أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه الخ 8 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ رَجُلاً مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ، وَلكِنْ تَوَسَّعُوا وَتَفَسَّحُوا (¬2) يَفْسَح اللهُ لَكُمْ. 9 - وفي رواية قال: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ. رواه البخاري ومسلم. 10 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا النبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي (¬3). رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن حبان في صحيحه. 11 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلاَّ بِإذْنِهِمَا. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن. 12 - وفي رواية لأبي داود: لاَ يُجْلَسُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إِلاَّ بإِذْنِهِمَا. ¬

(¬1) فنهاه كذا د وع، وفي ن ط: فنحاه، أي حذره أن يختص بمكان كان سبقه إليه وفاز به. (¬2) توسعوا فيه وليفسح بعضكم عن بعض، من قولهم افسح عني: أي تنح قال الله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير] (12) من سورة المجادلة. [انشزوا] انهضوا للتوسعة أو لما أمرتم به كصلاة أو جهاد، أو ارتفعوا عن المجلس. (¬3) ينتهي، كذا ط وع، وفي ن د انتهى: أي يجلس في المكان الواسع المعد له المنتظر فلا يزاحم أحداً ولا يزحزح آخر عن مكانه.

13 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهث أَن رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِه (¬1). رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة. 14 - وَعَنْ وَهْبِ بْنِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَن رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ، فَإِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ. رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه. 15 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: خَيْرُ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا. رواه أبو داود. إياكم والجلوس بالطرقات 16 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِيَّاكُمْ والْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ (¬2). قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَنَا بُدٌّ (¬3) مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنْ أَبَيْتُمْ فأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ. قالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: غَضُّ الْبَصَرِ (¬4)، وَكَفُّ الأَذَى (¬5)، وَرَدُّ السَّلاَمِ (¬6)، والأَمْرُ بالمعْرُوفِ (¬7)، والنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ (¬8). رواه البخاري ومسلم وأبو داود. ¬

(¬1) أولى بجلوسه فيه بالأسبقية. (¬2) احذروا وابتعدوا. أي تجنبوا مواضع سير الناس. (¬3) لا نستغني عنها. لشدة حاجة الانتظار فيها. (¬4) منعه من إطالة النظر في المارين خشية أن تخجل السيدات أو أصحاب البضائع. (¬5) منعه، فلا ينبغي لأحد أن يضيق الطريق أو يجلس في مكان يتأذى به غيره أو يسيء إلى أحد بالقول أو الإشارة أو يصد التجار والصناع عن المرور. (¬6) على من يحيي به من المارين؛ لأن ذلك إكرام وأمان له. ولذا كان الرد فرضاً والبدء سنة. (¬7) النصح لمن يحيد عن الحق والصواب وإرشاد الضالين وإجابة من يبتغي فهم أمر الدين باللين والرفق واجتناب الشدة والغلظة. (¬8) طلب الإقلاع عن ارتكاب المعاصي والفجور والنهي عن اقتراف الذنوب ومنع المتعدي على النفس والمال مع مراعاة النصائح والأدب واللطف والهداية، فأنت ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الآداب العامة التي يتحلى بها المسلمون قاطبة ليكونوا ذوي مروءة كاملة وأخلاق مرضية، وينهانا صلى الله عليه وسلم عن المكث، والجلوس في الطرق العامة والشوارع والحارات والأزقة المعدة للسير فيها ولفتح الأبواب إليها خشية مضايقة المارين أو أن يعوق السير، فإذا حصل جلوس تضايق المارون وضجر السائرون وبخاصة إذا كانت ضيقة فمن اضطر إلى الجلوس لسبب قهري وجب عليه رعاية حقوقها، ولصالح بن عبد القدوس في الحكم: واحذر مؤاخاة الدنيء لأنه ... يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب واختر صديقك واصطفيه تفاخرا ... إن القرين إلى المقارن ينسب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ودع الكذوب ولا يكن لك صاحبا ... إن الكذوب لبئس خلاً يصاحب وذر الحقود وإن تقادم عهده ... فالحقد باق في الصدور مغيب والسر فاكتمه ولا تنطق به ... فهو الأسير لديك إذ لا ينشب واحرص على حفظ القلوب من الأذى ... فرجوعها بعد التنافر يصعب (إن القلوب إذا تنافر ودها ... شبه الزجاجة كسرها قد يعطب واحذر عدوك إذ تراه باسما ... فالليث يبدو نابه إذ يغضب وإذا الصديق رأيته متملقا ... فهو العدو وحقه يتجنب لا خير في ود امرئ متملق ... حلو اللسان وقلبه يتلهب يعطيك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ منك كما يروغ الثعلب يلقاك يحلف أنه بك واثق ... وإذا توارى عنك فهو العقرب وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة ... وخشيت فيها أن يضيق المكسب فارحل فأرض الله واسعة الفضا ... طولاً وعرضاً شرقها والمغرب ولابن أبي بكر المقري: عقل الفتى ليس يغني عن مشاورة ... كحدة السيف لا تغني عن البطل إن المشاور إما صائب غرضا ... أو مخطئ غير منسوب إلى الخطل لا تحقر الرأي يأتيك الحقير به ... فالنحل وهو ذباب طيب العسل ولا يغرنك ود من أخي أمل ... حتى تجربه في غيبة الأمل لا تجزعن لخطب ما به حيل ... تغني وإلا فلا تعجز عن الحيل وقدر شكر الفتى لله نعمته ... كقدر صبر الفتى للحادث الجلل وإن أخوف نهج ما خشيت به ... ذهاب حرية أو مرتضى عمل لا تعرض لسقطات الرجال ولا ... تهزأ بغيرك واحذر صولة الدول فجل مال الفتى مال يصون به ... عرضا وينفقه في أشرف السبل إن الصنائع أطواق إذا شكرت ... وإن كفرت فأغلال لمنتحل ظواهر العتب للإخوان أيسر من ... بواطن الحقد في التسديد للخلل دع الجموح وسامحه تغظه ولا ... تصحب سوى السمح واحذر سقطة العجل والق الأحبة والإخوان إن قطعوا ... حبل الوداد بحبل منك متصل فأعجز الناس حر ضاع من يده ... صديق ود فلم يردده بالحيل من يقظة بالفتى إظهار غفلته ... مع التحفظ من غدر ومن ختل وكن مع الخلق ما كانوا لخالقهم ... واحذر معاشرة الأوغاد والسفل واخش من الأذى عند إكرام اللئيم كما ... تخشى الأذى إن أهنت الحر ذا النبل شر الورى من يعيب الناس مشتغل ... مثل الذباب يراعي موضع العلل يا ظالماً جار فيمن لا نصير له ... إلا المهيمن لا تغتر بالمهل غداً تموت ويقض الله بينكما ... بحكمه الحق لا بالزيغ والميل وإن أولي الملا بالعفو أقدرهم ... على العقوبة إن يظفر بذي زلل ولتقي الدين أبي بكر بن حجة الحموي: والشهم من يصلح أمر نفسه ... ولو بقتل ولده وعرسه =

الترهيب أن ينام المرء على سطح لا تحجير له أو يركب البحر عند ارتجاجه

الترهيب أن ينام المرء على سطح لا تحجير له أو يركب البحر عند ارتجاجه 1 - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيٍّ: يَعْنِي ابْنَ شَيْبَانَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ ¬

_ = فإن من يقصد قلع ضرسه ... لم يعتمد إلا صلاح نفسه وإن من خص اللئيم بالندى ... وجدته كمن يربي أسدا وليس في طبع اللئيم شكر ... وليس في أصل الدنيء نصر وإن من ألزمه وكلفه ... ضد الذي في طبعه ما أنصفه كذاك من يصطنع الجهالا ... ويؤثر الأرذال والأنذالا لو أنكم أفاضل أحرار ... ما ظهرت بينكم الأسرار وللإمام علي الرضا: من أظهر الناس على سره ... يستوجب الكي على مقلته من مازح الناس استخفوا به ... وكان مذموماً على مزحته كن عن جميع الناس في معزل ... قد يسلم المعزول في عزلته ولصلاح الدين الصفدي: واستشعر الحلم في كل الأمور ولا ... تسرع ببادرة يوماً إلى رجل وإن بليت بشخص لا خلاق له ... فكن كأنك لم تسمع ولم يقل ولا تمار سفيهاً في محاورة ... ولا حليماً لكي تقصى عن الزلل ولا يغرنك من يبدي بشاشته ... إليك خدعاً فإن السم في العسل وإن أردت نجاحاً في كل آونة ... فاكتم أمورك عن حاف ومنتعل ولعمر بن الوردي: في ازدياد العلم إرغام العدا ... وجمال العلم إصلاح العمل أنا لا أختار تقبيل يد ... قطعها أجمل من تلك القبل ملك كسرى تغني عنه كسرة ... وعن البحر اجتزاء بالوشل اطرح الدنيا فمن عاداتها ... تخفض العالي وتعلى من سفل عيشة الراغب في تحصيلها ... عيشة الجاهل فيها أو أقل كم جهول بات فيها مكثرا ... وعليم بات منها في علل قد يسود المرء من دون أدب ... وبحسن السبك قد ينفي الزغل قيمة الإنسان ما يحسنه ... أكثر الإنسان منه أم أقل بين تبذير وبخل رتبة ... وكلا هذين إن زاد قتل ليس يخلو المرء من ضد ولو ... حاول العزلة في رأس جبل آيات الترغيب في معاشرة الأخيار والترهيب من مخالطة الأشرار أ - قال تعالى: [وإذا رأيت الذي يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين (68) وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون] (69) من سورة الأنعام. =

رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ (¬1) لَيْسَ لَهُ حِجَارٌ (¬2) فَقَدْ بَرِئَتْ منْهُ الذِّمَّةُ. رواه أبو دود. [قال الحافظ]: هكذا وقع في روايتنا حجار بالراء بعد الألف، وفي بعض النسخ: حجاب بالباء الموحدة هو بمعناه. 2 - وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنْ يَنَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ (¬3) عَلَيْهِ. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب. 3 - وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ رَمَانَا بِاللَّيْلِ (¬4) فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ رَقَدَ (¬5) عَلَى سَطْح لاَ جدَارَ لَهُ فَمَاتَ فَدَمُه هَدَرٌ (¬6). رواه الطبراني. ¬

= ب - وقال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور] (13) من سورة الممتحنة. جـ - وقال تعالى: [ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون] (113) من سورة هود. د - وقال تعالى: [واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا (1)] (28) من سورة الكهف. هـ - قال تعالى: [ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون] (56) من سورة المائدة. (¬1) أي نام ليلاً على سطح بيت بلا وقاية وسور مانع. (¬2) جمع حجر بالكسر: وهو الحائط، أو من الحجرة، وهو حظيرة الإبل أو حجرة الدار: أي أنه يحجر الإنسان النائم ويمنعه عن الوقوع والسقوط، ويروى حجاب بالباء، وهو كل مانع عن السقوط. ورواه الخطابي حجي بالياء؛ ومعنى براءة الذمة منه، لأنه عرض نفسه للهلاك ولم يحترز لها أهـ نهاية. أدب جم يا رسول الله، تعلم المسلمين الحيطة والانتباه وعدم التعرض للهلاك والعمل بقوله تعالى [خذوا حذركم] وأن المتهاون في نفسه المعرض للخطر غير مسلم إسلاماً كاملاً كما قال تعالى: [ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا] من سورة البقرة. (¬3) أي ليس له ما يحفظ النائم لو قام ساهياً غافلاً، يقال حجر عليه حجراً منعه التصرف. (¬4) أي أعلن الحرب علينا غدراً وأمدنا بسوء وقصد أذانا. (¬5) نام (¬6) أي ذهب دمه بلا فائدة ولا تعويض يقال ذهب دمه هدراً كما في المصباح: أي باطلاً لا قود فيه، لأنه هو الجاني على نفسه. يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم التعرض للخطر وأخذ الحيطة والانتباه، فلا ينام الإنسان على سطح بيت بلا سور خشية أن يقوم فيسقط، وكذا لا ينام تحت جداره أو بجوار عدو أو وحش وهكذا مما يظن فيه الضرر ووقوع الأذى.

الترهيب أن ينام الإنسان على وجهه من غير عذر

4 - وَعَنْ أَبي عِمْرَانَ الجَوْنِيِّ قالَ: كُنَّا بِفَارِسَ، وَعَلَيْنَا أَمِيرٌ يُقَالُ لَهُ: زُهَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَأَبْصَرَ إِنْسَاناً فَوْقَ بَيْتٍ أَوْ إِجَّارٍ لَيْس حَوْلَهُ شَيْءٌ، فَقَالَ لِي: سَمِعْتَ في هذَا شَيْئاً؟ قُلْتُ: لاَ. قالَ: حَدَّثَني رَجُلٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ بَاتَ فَوْقَ إِجَّارٍ، أَوْ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَ حَوْلَهُ شَيْءٌ يَردُّ رِجْلَهُ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ بَعْدَمَا يَرْتَجُّ (¬1) فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ. رواه أحمد مرفواعاً هكذا وموقوفاً ورواتهما ثقات والبيهقي مرفوعاً. 5 - وفي رواية للبيهقي عن أبي عمران أيضاً قال: كُنْتُ مَعَ زُهَيْرٍ الشَّنَوِيِّ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ نَائِمٍ عَلَى ظَهْرِ جِدَار، وَلَيْسَ لَهُ مَا يَدْفَعُ رِجْلَيْهِ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، ثُمَّ قالَ قُمْ، ثُمَّ قَالَ زُهَيْرٌ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ جِدَارٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَا يَدْفَعُ رِجْلَيْهِ، فَوَقَعَ فَمَاتَ، فَقَدْ بَرئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ في ارْتِجَاجِهِ، فَغَرِقَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ. قال البيهقي: ورواه شعبة عن أبي عمران عن محمد بن أبي زهير، وقيل: عن محمد بن زهير بن أبي علي، وقيل: عن زهير بن أبي جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: غير ذلك. [الإجّار] بكسر الهمزة وتشديد الجيم: هو السطح. [وارتجاج البحر]: هيجانه. الترهيب أن ينام الإنسان على وجهه من غير عذر 1 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَرَّ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم بِرَجُلٍ مُضْطَجِعٍ (¬2) عَلَى بَطْنِهِ، فَغَمَزَهُ (¬3) بِرِجْلِهِ، وَقال: إِنَّ هذِهِ ضَجْعَةٌ (¬4) لاَ يُحِبُّهَا اللهُ عَزَّ ¬

(¬1) أي يهتز ويتمايل ويضطرب، والمعنى إذا رأى الإنسان ضرراً لاحقاً أو مقبلاً فلا يقدم عليه خشية الهلاك. (¬2) نائم مستلق. (¬3) حركه. (¬4) هيئة اضطجاع تدل على قلة أدب، وعدم حياء يكرهها الله عز وجل.

وَجَلَّ. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، واللفظ له، وقد تكلم البخاري في هذا الحديث. 2 - وَعَنْ يَعِيشَ بْنِ طخْفَةَ بْنِ قَيْسِ الْغِفَاريِّ قال: كانَ أَبي مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: انْطَلِقُوا بِنَا إِلى بَيْتِ عَائِشَةَ، فَانْطَلَقْنَا فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَطْعِمِينَا فَجَاءَتْ بِحَشِيشَةٍ (¬1) فَأَكَلْنَا، ثُمَّ قالَ: يَا عَائِشَةُ أَطْعِمِيْنَا، فَجَاءَتْ بِحَيْسَةٍ (¬2) مِثْلِ الْقَطاةِ فَأَكَلْنَا، ثُمَّ قالَ: يَا عَائِشَةُ اسْقِنَا، فَجَاءَتْ بِعُسٍّ (¬3) مِنْ لَبنٍ فَشَرِبْنَا، فَجَاءَتْ بِقَدَحٍ صَغِيرٍ فَشَرِبْنَا، ثُمَّ قالَ: إِنْ شِئْتُمْ بِتُّم (¬4)، وَإِنْ شِئْتُمْ انْطَلَقْتُمْ إِلى المسْجِدِ. قَال: فَبَيْنَا أَنَا مُضْطَجِعٌ مِنَ السَّحَرِ (¬5) عَلَى بَطْنِي إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يُحْرِكُنِي بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ ضَجْعَةٌ يَبْغُضُهَا (¬6) اللهُ عَزَّ وجَلَّ. قالَ: فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم. رواه أبو داود واللفظ له، ورواه النسائي عن قيس بن طغفة بالغين المعجمة قال: حدثني أبي فذكره وابن ماجة عن قيس بن طهفة بالهاء عن أبيه مختصراً، ورواه ابن حبان في صحيحه عن قيس بن طغفة بالغين المعجمة عن أبيه كالنسائي، ورواه ابن ماجة أيضاً عن ابن طهفة أو طخفة على اختلاف النسخ عن أبي ذر قال: مَرَّ بِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وأَنَا مُضْطَجِعٌ عَلَى بَطْنِي، فَرَكَضنِي بِرِجْلِهِ (¬7)، وَقالَ: يَا جُنَيْدَبُ (¬8) إِنَّما هذِهِ ضَجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ، قالَ أَبو عمر النمري: اختلف فيه اختلافاً كثيراً ¬

(¬1) نبات يؤكل. (¬2) بحيسة. الحيس: الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت. (¬3) العس القدح الكبير وجمعه عساس وأعساس. (¬4) قضيتم الليلة. (¬5) بعد نصف الليل وقت التهجد والعبادة إلى قبيل الفجر. يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النوم، والاستراحة وحالة الأدب والكمال. (¬6) بغض ككرم ونصر وفرح. (¬7) ضرب بشدة، يقال ركضت الفرس ضربته ليعدو، قال تعالى: [اركض برجلك] .. (¬8) تصغير جندب، أراد صلى الله عليه وسلم أن ينبهه إلى ما يكره ويعلمه استراحة الأدب والكمال، وحسن الاضطجاع كما قال صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" إذا أكمل الرحمن للمرء عقله ... فقد كملت أخلاقه ومآربه قال أبو تمام: إذا جاريت في خلق دنيئا ... فأنت ومن تجاريه سواء رأيت الحر يجتنب المخازي ... ويحميه عن الغدر الوفاء يعيش المرء ما استحيا بخير ... ويبقى العود ما بقي اللحاء فلا والله ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء =

الترهيب من الجلوس بين الظل والشمس والترغيب في الجلوس مستقبل القبلة

واضطرب فيه اضطراباً شديداً، فقيل طهفة بن قيس بالهاء، وقيل: طخفة بالخاء، وقيل: ضغفة بالغين، وقيل: طقفة بالقاف والفاء، وقيل: قيس بن طخفة، وقيل: عبد الله بن طخفة عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم، وقيل: طهفة عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم، وحديثهم كلهم واحد قال: كُنْتُ نَائِماً بِالصُّفَّةِ، فَرَكَضَنِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بِرجْلِهِ، وَقَالَ: هذِهِ نَوْمةٌ يَبْغَضُهَا اللهُ. وكان من أهل الصفة، ومن أهل العلم من يقول إن الصحبة لأبيه عبد الله، وإنه صاحب القصة انتهى، وذكر البخاري فيه اختلافاً كثيراً، وقال طغفة بالغين خطأ، والله أعلم. [الحيسة] على معنى القطعة من الحيس: وهو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض الأقط دقيق. [والعس]: القدح الكبير الضخم حرز ثمانية أرطال أو تسعة الترهيب من الجلوس بين الظل والشمس والترغيب في الجلوس مستقبل القبلة نهى رسول الله أن يجلس الرجل بين الضح والظل 1 - عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم نَهى أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ بَيْنَ الضَّحِّ والظِّلِّ، وَقالَ: مَجْلِسُ الشَّيْطَانِ. رواه أحمد بإسناد جيد، والبزار بنحوه من حديث جابر، وابن ماجة بالنهي وحده من حديث بريدة. [الضحّ] بفتح الضاد المعجمة وبالحاء المهملة: هو ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض. وقال ابن الأعرابي: هو لون الشمس. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْفَيءِ، وَفِي روايَةٍ: فِي الشَّمْسِ، فَقَلَصَ (¬1) عَنْهُ الظِّلُّ، فَصَارَ بَعْضُهُ ¬

= إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستح فاصنع ما تشاء. (¬1) زال وبعد. وشاهدت رجلاً نام تحت ظل شجرة ظهراً فقلص عنه ظلها فأثرت الشمس على مرارته فمرض ولا حول ولا قوة إلا بالله، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيب النفوس حكيم الجسوم =

الترغيب في سكنى الشام وما جاء في فضلها

في الشَّمْسِ، وَبَعْضُهُ فِي الظِّلِّ فَلْيَقُمْ. رواه أبو داود، وتابعيه مجهول، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ولفظه: نَهى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ بَيْنَ الظِّلِّ والشَّمْسِ. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَيِّداً، وَإِنَّ سَيِّدَ الْمَجَالِسِ (¬1) قُبَالَةُ الْقِبْلَةِ. رواه الطبراني بإسناد حسن. 4 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَكْرَمُ المَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ. رواه الطبراني في الأوسط. 5 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفاً (¬2)، وَإِنَّ أَشْرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ. رواه الطبراني، وفيه أحاديث غير هذه لا تسلم من مقال. الترغيب في سكنى الشام وما جاء في فضلها 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: اللَّهُم بَارِكْ لَنَا في شَامِنَا (¬3)، وَبَارِكْ لَنَا في يَمَنِنَا (¬4). قالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا، وَبَارِكْ لَنَا في يَمَنِنَا. قالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قالَ: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ (¬5)، وَبِهَا أَوْ قالَ: مِنْهَا يَخْرُجُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ (¬6). رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب. ¬

= يأمر من تمده الأشعة الشمسية بالتباعد منها وعدم التمادي في الجلوس فيها خشية ألمها وتأثيرها، وكائن رأينا من ضربته الشمس فأصابه الدوخان والصداع وتألم كثيراً، وقد عمل عمر طوسون إحصائية عن تأثير الشمس، فبين أنها أصابت قوماً وكانت سبب الوفاة. (¬1) أفضل الجلسة ما كان صدرك متجهاً للكعبة قبلة الصلاة (¬2) ميزه سمواً وعلواً، وحميده التوجه إلى جهة شطر المسجد الحرام. نحو قبلة المسلمين. (¬3) أكثر الخير والبركات والنعم في بلاد الشام مهبط الأنبياء وموطن الرسل والأولياء. (¬4) اليمن. (¬5) الاضطرابات. (¬6) ناحية رأسه وجانبه، وفي الغريب: قرن الفلاة حرفها، وقرن الشمس وقرن الشيطان كل ذلك تشبيه بالقرن، وبقراءة أحاديث صحيح مسلم أفهم فتنة الشيطان إضلال الناس، وقرب الفساد والجشع في طلب الدنيا وجمع المال وظهور علامات الساعة والمهدي، ونزول سيدنا عيسى عليه السلام يحكم بالعدل.

2 - وَعَنِ ابْنِ حَوَالَةَ، وَهُوَ عَبْدُ اللهِ قالَ: قالَ رَسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم: سَيَصِيرُ الأَمْرُ أَنْ تَكُونُوا أَجْناداً مُجَنَّدَةً: جُنْدٌ بالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِاليَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ قال ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي (¬1) يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيَرَةُ اللهِ (¬2) مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبي (¬3) إِلَيْهَا خِيَرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِن أَبَيْتُمْ (¬4) فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ (¬5)، فَإنَّ اللهَ تَوَكَّلَ، وَفِي رِوَايَةٍ: تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ. رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 3 - وَعَنْهُ أَنَّهُ قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ خِرْ لِي بَلَداً أَكُونَ فِيهِ، فَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَبْقَى لَمْ أَخْتَرْ عَنْ قُرْبِكَ شَيْئاً، فَقَالَ علَيْكَ بِالشَّامِ، فَلَمَّا رَأَى كَرَاهِيَتِي لِلشَّامِ قالَ: أَتَدْرِي مَا يَقُولُ اللهُ فِي الشَّامِ؟ إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَزَّ يَقُولُ: يَا شَامُ أَنْتِ صَفْوَتِي مِنْ بِلادِي أُدْخِلُ فِيكِ خِيرَتِي مِنْ عِبَادِي. إِنَّ اللهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِه. رواه الطبراني من طريقين إحداهما جيدة. 4 - وَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ قامَ يَوْماً في النَّاسِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوشِكُونَ أَنْ تَكُونُوا أَجْنَاداً مُجَنَّدَةً: جُنْدٌ بِالشَّامِ وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ، وَجنْدٌ بالْيَمَن، فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكَنِي ذلِكَ الزَّمَانُ فاخْتَر لِي قالَ: إِنِّي أَخْتَارُ لَكَ الشَّامَ، فَإِنَّهُ خِيَرَةَ الْمُسْلِمينَ، وَصَفْوَةُ اللهِ مِنْ بِلادِه يَجْتَبي إلَيْهَا صَفْوَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ. فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِه، وَلْيَسق مِنْ غُدُرِهِ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشامِ وأَهْلِهِ. رواه الطبراني، ورواته ثقات، ورواه البزار والطبراني أيضاً من حديث أبي الدرداء بنحوه بإسناد حسن. 5 - وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ¬

(¬1) اختر لي، وفي المصباح قال في البارع: خرت الرجل على صاحبه أخيره من باب باع خيراً وزان عنب وخيرة وخرته: إذا فضلته عليه أهـ. (¬2) صفوة الله. (¬3) يختار ويفضل. (¬4) امتنعتم. (¬5) جمع غدير: أي أنهاره.

يُجَنَّدُ النَّاسُ أَجْنَاداً: جُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجندٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالمَشْرِقِ، وَجُنْدٌ بِالْمَغْرِب فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ خِرْ لِي إِنِّي فَتَىً شَابٌّ فَلَعَلِّي أُدْرِك ذَلِكَ، فَأَيُّ ذلِكَ تَأْمُرُنِي؟ قالَ: عَلَيْكَ بِالشَّامِ. رواه الطبراني من طريقين إحداهما حسنة. 6 - وفي رواية عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَهُمَا يَسْتَشِيرَانِهِ فِي الْمَنْزِلِ، فَأَوْمَأَ إِلى الشَّامِ (¬1)، ثمّ سَأَلاَهُ فَأَوْمَأَ إِلى الشَّامِ. قالَ: عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ، فإِنَّهَا صَفْوَةُ بِلاَدِ اللهِ يُسْكِنُهَا خِيرَتَهُ مِنْ خَلْقِه، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ، وَلْيَسْقِ مِنْ غُدُرِهِ، فَإنَّ اللهَ تَكَفَّلَ بِالشَّامِ وأَهْلِهِ. 7 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مَهَاجِرَ إِبْرَاهِيمَ وَيَبْقَى في الأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ، وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللهِ، وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ والْخَنَازِيرِ. رواه أبو داود عن شهر عنه، والحاكم عن أبي هريرة عنهُ، وقال: صحيح على شرط الشيخين كذا قال. 8 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَإذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ (¬2) إِلى الشَّامِ. أَلاَ وَإِنَّ الإِيمانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ رواه الطبراني في الكبير والأوسط، والحاكم، وقال: صحيح على شرطهما. 9 - وفي رواية للطبراني: إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ فَالأَمْنُ بِالشَّامِ. وَرواه أحمد من حديث عمرو بن العاصي. 10 - وَعَنْ أَبِي الدّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

(¬1) أشار صلى الله عليه وسلم إلى اختيار مسكن الشام. (¬2) عمد به، كذا ط وع ص 298 - 2، وفي ن د عمدته، يشير صلى الله عليه وسلم إلى ظهور الفتن وكثرة الهرج أي القتل وظهور يأجوج ومأجوج، وهكذا من أشراط الساعة، والشام يكون أهلها في مأمن وحفظ وهداية ونور ساطع للإسلام. لأنها موطن الأنبياء وإشراقهم.

بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَعُمِدَ بِهِ (¬1) إِلى الشام. أَلاَ وَإِنَّ الإِيمانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ. رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح. 11 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَمُوداً أَبْيَضَ كَأَنَّهُ لُؤْلُؤَةٌ تَحْمِلُهُ الْملائِكَةُ. قُلْتُ: مَا تَحْمِلُونَ؟ فَقَالُوا: عَمُودَ الْكِتَابِ أُمِرْنَا أَنْ نَضَعَهُ بِالشَّامِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ اخْتُلِسَ (¬2) مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي. فَظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَخَلَّى مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ بَيْنَ يَدَيَّ حَتَّى وُضِعَ بِالشَّامِ، فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ خِرْ لِي، قالَ عَلَيْكَ بِالشَّامِ. رواه الطبراني، ورواته ثقات. الشام صفوة الله من بلاده 12 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: الشَّامُ صَفْوَةُ اللهِ مِنْ بِلاَدِهِ إِلَيْهَا يَجْتَبي صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَمَنْ خَرَجَ مِنَ الشَّامِ إِلى غَيْرِهَا فَبِسَخَطِهِ (¬3)، وَمَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِهَا فَبِرَحْمَتِهِ. رواه الطبراني والحاكم كلاهما من رواية عفير بن معدان، وهو واهٍ عن سليم بن عام عنه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد كذا قال. 13 - وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: نَزَلَتْ عَلَيَّ النُّبُوَّة مِنْ ثَلاَثَةِ أَمَاكِنَ: مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ والشَّامِ، فَإنْ أُخْرِجَتْ مِنْ إِحْدَاهُنَّ لَمْ تَرْجِعْ (¬4) إِلَيْهِنَّ أَبَداً. رواه أبو داود في المراسيل من رواية بقية. 14 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَهْلُ الشَّامِ، وَأَزْوَاجُهُمْ، وَذَرَارِيهِمْ، وَعَبِيدُهُمْ، وَإِمَاؤُهمْ إِلى مُنْتَهَى الْجَزِيرَةِ (¬5) مُرَابِطُونَ، فَمَنْ نَزَلَ مَدِينَةً مِنَ الْمَدَائِنِ (¬6) فَهُوَ في رَبَاطٍ، أَوْ ثَغْراً (¬7) مِنَ الثُّغُورِ فَهُوَ ¬

(¬1) فعمد به كذا ط وع، 298 - 2 وفي ن: فعمدته. (¬2) أُخذ خفية من تحت فراش الرأس. (¬3) فبكراهته لفضائل الشام. (¬4) لم ترجع كذا د وع، وفي ن ط لم يرجع. (¬5) جزيرة العرب. (¬6) قرية فهو في عبادة، مجاهد في سبيل الله تعالى حيث تحرى الأمكنة الطاهرة. (¬7) ضاحية واقعة على بحر. المعنى وجوده في أي بلد مثل المطيع ربه المجاهد في سبيل نصر دينه، لأنه يأمن فتنة المسيح الدجال وينبت إيمانه ويكمل إسلامه ويقوى دينه.

في جِهَادٍ. رواه الطبراني وغيره عن معاوية بن يحيى أبي مطيع، وهو حسن الحديث عن أرطاة بن المنذر عمن حدثه عن أبي الدرداء، ولم يسمه. 15 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَوْماً ونحْنُ عِنْدَهُ: طُوبَى (¬1) لِلشَّامِ. إِنَّ مَلائِكَةَ الرَّحْمنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهِ. رواه الترمذي وصححه وابن حبان في صحيحه والطبراني بإسناد صحيح، ولفظه: قالَ: رسول الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ عِنْدَهُ: طُوبَى للشَّامِ. قُلْنَا: مَالَهُ يَا رَسُولَ الله؟ قالَ: إِنَّ الرَّحمنَ لَبَاسِطٌ رَحْمَتَهُ عَلَيْهِ. 16 - وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: سَيَخْرُجُ عَلَيْكُمْ في آخِر الزَّمَانِ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ. قالَ: قُلْنَا: بِمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولُ اللهِ؟ قالَ: عَلَيْكُمْ بِالشّامِ رواه أحمد والترمذي، وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 17 - وَعَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: أَهْلُ الشّامِ سَوْطُ اللهِ في أَرْضِهِ يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤمِنِيهِمْ، وَلاَ يَمُوتُوا إِلاَّ هَمَّاً وَغما. رواه الطبراني مرفوعاً هكذا وأحمد موقوفاً، ولعله الصواب، ورواتهما ثقات، والله أعلم. 18 - وَعَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ في الْمَلْمَحَةِ الْكُبْرَى: فُسْطَاط الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ فِيهَا مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ خَيْرُ مَنَازِلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. [قوله فسطاط المسلمين] بضم الفاء: أي مجتمع المسلمين. ¬

(¬1) شجرة في الجنة يملك مكان ظلها ساكن الشام المستظل بدعاء ملائكة الرحمة عند وجود الفتن والاضطرابات المخلة بالدين، اللهم ببركة محمد الرسول صلى الله عليه وسلم انصر العرب اليوم على اليهود وأيدهم بقوتك ورد المهاجرين إلى أوطانهم سعداء أعزاء آمنين مكرمين.

الترهيب من الطيرة

الترهيب من الطيرة 1 - عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال: الطِّيَرَةُ شِرْكٌ (¬1). الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، وَمَا مِنَّا إِلاَّ (¬2) وَلكِنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ (¬3). رواه أبو داود، واللفظ له والترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. [قال الحافظ]: قال أبو القاسم الأصبهاني وغيره: في الحديث إضمار والتقدير وما منا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك، يعني قلوب أمته، ولكن الله يذهب ذلك عن قلب كل من يتوكل على الله، ولا يثبت على ذلك، هذا لفظ الأصبهاني، والصواب ما ذكره البخاري وغيره أن قوله: وما منا إلى آخره من كلام ابن مسعود مدرج غير مرفوع. [قال الخطابي]: وقال محمد بن إسماعيل: كان سليمان بن حرب ينكر هذا الحرف، ويقول: ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنه قول ابن مسعود، وحكى الترمذي عن البخاري أيضاً عن سليمان بن حرب نحو هذا. 2 - وَعَنْ قَطَنِ بْنِ قَبِيصَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: الْعِيَافَةُ (¬4). ¬

(¬1) التشاؤم عند ظهور ما يكرهه الناظر أو التفاؤل عند وجود شيء سار، وكانت العرب إذا أرادت المضي لمهم مرت بمجاثم الطير وأثارتها لتستفيد تمضي أو ترجع، فنهى الشارع عن ذلك وقال "لا هام ولا طيرة" وقال "أقروا الطير في وكناتها" أي على مجاثمها، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المتشائم الذي يعتقد تأثيراً لغير الله مشرك إذ الأفعال كلها لله وحده، والمؤثر هو الله وحده. قال تعالى [وعلى الله فليتوكل المؤمنون] (11) من سورة إبراهيم. (¬2) أي كل واحد تعرض له أمور. (¬3) أي يذهب الله ما يعرض عليه بالاعتماد عليه جل وعلا وتنفيذ العزيمة والإرادة الصارمة بالتوكل، والتفويض إليه سبحانه كما قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون [وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد] (44) من سورة غافر. ب - وقال تعالى: [وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون] (12) من سورة إبراهيم. جـ - وقال تعالى: [ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره] من سورة الطلاق. فمن أحجم عن عمل متشائماً مما رأى غير جاعل لربه التصريف والتأثير فهو مشرك ملحد زنديق غير مسلم والمؤمن يعتقد أن كل شيء من الله [وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين] (29) من سورة التكوير. (¬4) زجر الطير، وهو أن يرى غراباً فيتطير به أهـ مصباح، ويدخل في ذلك كل من تشاءم في مقابلة جرة =

الترهيب من اقتناء الكلب إلا لصيد أو ماشية

وَالطِّيَرَةُ، وَالطَّرْقُ (¬1) مِنَ الْجِبْتِ (¬2). رواه أبو داود والنسائي، وابن حبان في صحيحه. وقال أبو داود: الطرق: الزجر، والعيافة: الخط. 3 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَنْ يَنَالَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مَنْ تَكَهَّنَ (¬3) أَوِ اسْتَقْسَمَ (¬4) أَوْ رَجَعَ مِنْ سَفَرٍ تَطَيُّراً (¬5). رواه الطبراني والبيهقي، وأحد إسنادي الطبراني ثقات. الترهيب من اقتناء الكلب إلا لصيد أو ماشية 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَنِ اقْتَنَى كَلْباً (¬6) إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُضُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ ¬

= فارغة، وهكذا لأن في العيافة تأثيراً لغير الله جل وعلا وعدم إسناد تصاريف الأمور إليه سبحانه وتعالى. (¬1) ترقب الكواكب ومعرفة الحوادث بالنجوم والتكهن. (¬2) من عبادة الأصنام: أي هذه الأشياء من أعمال الجاهلية لا تصح من مسلم مؤمن. (¬3) صارت الكهانة له طبيعة وغريزة وجعل النصب والاحتيال وادعاء العيب مهنة وصناعة له. (¬4) أن يسأل توزيع الأشياء على أربابها كما قال تعالى [وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق] من سورة المائدة وذلك أنهم إذا قصدوا فعلاً ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، والثالث غفل، فإن خرج الآمر مضوا على ذلك، وإن خرج الناهي تجنبوا عنه، وإن خرج الغفل أجالوها ثانية، فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم لهم أهـ بيضاوي. (¬5) تشاؤماً، ولم يعتمد على مولاه وينفذ نيته ويقدم مفوضاً له الأمر سبحانه وتعالى. (¬6) أوجده عنده، وفي الفتح قال ابن عبد البر: في هذا الحديث إباحة اتخاذ الكلاب للصيد والماشية، وكذلك الزرع، لأنها زيادة حافظ وكراهة اتخاذها لغير ذلك إلا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر اتخاذها لجلب المنافع ودفع المضار قياساً فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس، وامتناع دخول الملائكة للبيت الذي هم فيه، وفي قوله "نقص من عمله" أي من أجر عمله ما يشير إلى أن اتخاذها ليس بمحرم لأن ما كان اتخاذه محرماً امتنع اتخاذه على كل حال سواء نقص الأجر أو لم ينقص فدل ذلك على أن اتخاذها مكروه لا حرام. قال ووجه الحديث عندي أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعاً لا يكاد يقوم بها المكلف ولا يتحفظ منها فربنا دخل عليه باتخاذها ما ينقص أجره من ذلك. ويروى أن المنصور سأل عمرو بن عبيد عن سبب هذا الحديث فلم يعرفه فقال المنصور، لأنه ينبح الضيف ويروع السائل أهـ وما ادعاه من عدم التحريم واستند له بما ذكره ليس بلازم، بل يحتمل أن تكون العقوبة تقع بعد التوفيق للعمل بمقدار قيراط مما كان يعمله من الخير لو لم يتخذ الكلب، ويحتمل أن يكون الاتخاذ حراماً. والمراد بالنقص أن الإثم الحاصل باتخاذه، وهو قيراط أو قيراطان، وقيل سبب النقصان امتناع الملائكة من دخول بيته، أو ما يلحق المارين من الأذى، أو لأن بعضها شياطين، أو عقوبة لمخالفة النهي، أو لولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها فربما يتنجس الطاهر منها، فإذا استعمل في العبادة لم يقع موقع الطاهر .. وقال ابن التين المراد أنه لو لم يتخذه لكان =

قِيرَاطَانِ. رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي. ¬

_ = عمله كاملاً، فإذا اقتناه نقص من ذلك العمل، ولا يجوز أن ينقص من عمل مضى، وإنما المراد أنه ليس عمله في الكمال عمل من لم يتخذه أهـ، وما ادعاه من عدم الجواز منازع فيه، فقد حكى الروياني في البحر اختلافاً في الأجر هل ينقص من العمل الماضي أو المستقبل، وفي محل نقصان القيراطين، فقيل من عمل النهار قيراطاً، ومن عمل الليل قيراطاً آخر، وقيل من الفرض قيراطاً، ومن النفل آخر، وفي سبب النقصان يعني كما تقدم. واختلفوا في اختلاف الروايتين في القيراطين والقيراط، فقيل الحكم للزائد لكونه حفظ ما لم يحفظه الآخر أو أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بنقص قيراط واحد فسمعه الراوي الأول ثم أخبر ثانياً بنقص قيراطين زيادة في التأكيد في التنفير من ذلك فسمعه الراوي الثاني، وقيل ينزل على حالين، فنقصان القيراطين باعتبار كثرة الأضرار باتخاذها، ونقص القيراط باعتبار قلته، وقيل يختص نقص القيراطين بمن اتخذها بالمدينة الشريفة خاصة والقيراط بما عداها، وقيل يلتحق بالمدينة في ذلك سائر المدن والقرى ويختص القيراط بأهل البوادي، وهو يلتفت إلى معنى كثرة التأذي وقلته، وكذا من قال يحتمل أن يكون في نوعين من الكلاب، ففيما لابسه آدمي قيراطان، وفيما دونه، قيراط، وجوز ابن عبد البر أن يكون القيراط الذي ينقص أجر إحسانه إليه، لأنه من جملة ذوات الأكباد الرطبة أو الحرى، ولا يخفى بعده. واختلف في القيراطين المذكورين هنا هل هما كالقيراطين المذكورين في الصلاة على الجنازة؟ فقيل بالتسوية، وقيل اللذان في الجنازة من باب الفضل واللذان هنا من باب العقوبة وباب الفضل أوسع من غيره، والأصح عند الشافعية إباحة اتخاذ الكلاب لحفظ الدرب إلحاقاً للمنصوص بما في معناه كما أشار إليه ابن عبد البر. واتفقوا على أن المأذون في اتخاذه ما لم يحصل الاتفاق على قتله وهو الكلب العقور، وأما غير العقور، فقد اختلف هل يجوز قتله مطلقاً أم لا واستدل به على جواز تربية الجرو الصغير لأجل المنفعة التي يثول أمره إليها إذا كبر، ويكون القصد لذلك قائماً مقام وجود المنفعة به كما يجوز بيع ما لم ينتفع به في الحال لكونه ينتفع به في المآل، واستدل به على طهارة الكلب الجائز اتخاذه، لأن في ملامسته مع الاحتراز عنه مشقة شديدة فالإذن في اتخاذه إذن في مكملات مقصورة، كما أن المنع من لوازمه مناسب للمنع منه، وهو استدلال قوي لا يعارضه إلا عموم الخبر الوارد في الأمر من غسل ما ولغ فيه الكلب من غير تفصيل، وتخصيص العموم غير مستنكر إذا سوغه الدليل. وفي الحديث الحث على تكثير الأعمال الصالحة والتحذير من العمل بما ينقصها والتنبيه على أسباب الزيادة فيها والنقص منها لتجتنب أو ترتكب، وبيان لطف الله تعالى بخلقه في إباحة ما لهم به نفع وتبليغ نبيهم صلى الله عليه وسلم له أمور معاشهم ومعادهم، وفيه ترجيح المصلحة الراجحة على المفسدة لوقوع استثناء ما ينتفع به مما يحرم اتخاذه أهـ ص 5 جـ 5. وقال الفقهاء في قوله تعالى: [وإذا حللتم فاصطادوا] من سورة المائدة. الأمر بالصيد يقتضي حل المصيد أما الاصطياد فهو إماتة المأكول من الحيوان بكل محدد كالسهم أو بكل جارحة من سباع البهائم كالكلب والفهد والنمر، ومن جوارح الطير كصقر وباز وعقاب في أي موضع كانت إصابتها أهـ فالكلب معدود عندهم مثل غيره، وفي البخاري باب اقتناء الكلب للحرث. قال العيني: اقتناه إذا اتخذه لنفسه دون البيع ومنه القنية، وهو ما اقتني من شاة أو ناقة أو غيرهما، يقال غنم قنوة وقنية، قيل أراد البخاري إباحة الحرث بدليل إباحة اقتناء الكلاب المنهي عن اتخاذها لأجل الحرث، فإذا رخص من أجل الحرث في الممنوع من اتخاذه كان أقل درجاته أن يكون مباحاً ثم أورد البخاري "من أمسك كلباً" قيراط: أي مقدار معلوم عند الله، والمراد نقص جزء من أجزاء عمله (أو قيراطان) يجوز أن يكونا في نوعين من الكلاب أحدهما أشد إيذاء، وقيل القيراطان في المدن والقرى، والقيراط في البوادي. واختلفوا في سبب النقص، فقيل امتناع الملائكة من دخول بيته أو ما يلحق المارين من الأذى أو ذلك عقوبة لهم لاتخاذهم ما نهي عن اتخاذه أو لكثرة أكله النجاسات أو لكراهة رائحتها أو لأن بعضها شيطان أو لولوغه في الأواني عند غفلة =

2 - وفي رواية للبخاري أنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنِ اقْتَنَى كَلْباً لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ. 3 - ولمسلم: أَيُّمَا أَهْلِ دَارٍ اتَّخَذُوا كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ (¬1) أَوْ كَلْبَاً صَائِداً (¬2) نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أَمْسَكَ كَلْباً فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ (¬3) أَوْ مَاشِيَةٍ. رواه البخاري ومسلم. 5 - وفي رواية لمسلم: مَنِ اقْتَنَى كَلْباً لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ، وَلاَ مَاشِيَةٍ، وَلاَ أَرْضٍ (¬4)، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ. 6 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنِّي لَمِمَّنْ يَرْفَعُ أَغْصَانَ الشَّجَرَةِ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ الْكِلابَ أُمَّةٌ (¬5) مِنَ الأُمَمِ لأَمَرْتُ بِقَتْلهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بِهِيمٍ (¬6)، وَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَرْتَبطُونَ ¬

= صاحبها أهـ 158 جـ 12، إن دين الإسلام دين نظافة وطهارة يرشد إلى أضرار الكلب، ويحذر من لعابه، وينهى عن اقتنائه إلا لفائدة مرجوة وثمرة منتظرة مثل وجوده في زراعة أو حارس الإبل أو البقر أو الغنم. قال ابن التين المراد به أنه لو لم يتخذه لكان عمله كاملاً، فإذا اقتناه نقص من ذلك العمل. نسأل الله الهداية. (¬1) حيوانات يحرسها وأكثر ما يستعمل في الغنم ويجمع على مواشي. (¬2) قانصاً معلماً بحيث لو أرسل هاج أو زجر وقف في ابتداء الأمر وبعده، وإذا أمسك صيداً لا يتركه، وإذا قتل صيداً لم يأكل شيئاً من لحمه أو جلده أو أمعائه قبل قتله أو عقبه، ولا بأس بلعق دمه ونتف ريشه. (¬3) مزرعة أو مثمرة، ومنه كلب حرث قال في الغريب الحرث إلقاء البذر في الأرض وتهيؤها للزرع، ويسمى المحروث حرثاً قال الله تعالى: [أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين] (22) من سورة القلم. [نساؤكم حرث لكم] من سورة البقرة. على سبيل التشبيه فبالنساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان. (¬4) ينحيها ويزيلها. (¬5) كل جماعة يجمعهم أمر ما، إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيراً أو اختياراً وجمعها أمم قال تعالى: [وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم] من سورة الأنعام. أي كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله تعالى عليها بالطبع، فهي من بين ناسجة كالعنكبوت، وبانية كالسرفة، ومدخرة كالنمل، ومعتمدة على قوت وقته كالعصفور والحمام إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع أهـ غريب لحصل الأمر من الله تعالى. (¬6) شديد السواد، لأنه على صورة الشيطان قال الخطابي (في رواية: رعاة الإبل البهم على نعت الرعاة وهم السود البهم) جمع بهيم، وهو المجهور الذي لا يعرف.

كَلْباً إِلاَّ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ، أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن وابن ماجة إلا أنه قال: وَمَا مِنْ قَوْمٍ اتَّخَذُوا كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوْ كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ إِلا نَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ. إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب أو صورة 7 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: وَاعَدَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم جِبْرِيلُ صلى اللهُ عليه وسلم في سَاعَةٍ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ. قَالَتْ: وَكَانَ بِيَدِهِ عَصاً، فَطَرَحَهَا مِنْ يَدِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلاَ رُسُلُهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ: مَتَى دَخَلَ هذَا الْكَلْبُ؟ فَقُلْتُ: واللهِ مَا دَرَيْتُ (¬1)، فَأَمَرَ بِهِ فأُخْرِجَ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ صلى اللهُ عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ، وَلَمْ تَأْتِنِي؟ فَقَالَ: مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ في بَيْتِكَ. إِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتَاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ. رواه مسلم. 8 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: مَا حَبَسَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ. رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح. 9 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ (¬2)، فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ في بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ (¬3) الرِّجَالِ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ (¬4) فِيهِ تَمَاثِيلُ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَال الَّذِي فِي الْبَابِ فَلْيُقْطَعْ (¬5)، ¬

(¬1) ما علمت. (¬2) اليوم الذي قبل يومك. (¬3) الصور، يقال مثلت: أي صورت مثالاً والتمثال الاسم منه، وظل كل شيء تمثاله. (¬4) ستر رقيق فيه رقم ونقوش. (¬5) أي فلتنزل ولتذهب حتى لا تصح إعادة الروح فيها فتجد صورة كاملة لو فرض. وفي زماننا هذا: 1955 م أصبح التصوير فناً وتوضيحاً للحوادث العمرانية.

الترهيب من سفر الرجل وحده أو مع آخر فقط وما جاء في خبر الأصحاب عدة

فَيَصِيرَ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلَ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ (¬1) مُنْتَبِذَتَيْنِ (¬2) تُوطَآنِ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجَ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جِرْواً لِلْحُسَيْنِ أَوْ لِلْحَسَنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فأُخْرِجَ (¬3). رواه أبو داود والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي وابن حبان في صحيحه. [النضد] بفتح النون والضاد المعجمة: هو السرير لأنه ينضد عليه المتاع. 10 - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَعَلَيْهِ الْكَآبَةُ، فَسَأَلْتُهُ مَا لَهُ (¬4)؟ فَقَالَ: لَمْ يَأْتِنِي جِبْرِيلُ مُنْذُ ثَلاثٍ، فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ بَيْنَ بُيُوتِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، فَبَدَا لَهُ (¬5) جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَهَشَّ (¬6) إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَالَكْ لَمْ تَأْتِنِي (¬7)؟ فَقَالَ: إِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتَاً فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ تَصَاوِيرُ. رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح، ورواه الطبراني في الكبير بنحوه، وقد روى هذه القصة غير واحد من الصحابة بألفاظ متقاربة، وفيما ذكرناه كفاية. الترهيب من سفر الرجل وحده أو مع آخر فقط وما جاء في خبر الأصحاب عدة 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لوْ أَنَّ النَّاسَ يَعْلَمُونَ مِنَ الْوِحْدَةِ (¬8) مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ. رواه البخاري والترمذي وابن خزيمة في صحيحه. ¬

(¬1) تستخدم في الفرش والوطاء امتهاناً واحتقاراً. (¬2) مطروحتين غير معتنى بهما. (¬3) فأخرج كذا د وع ص 301 - 2 وفي ن ط فأخرجه. (¬4) أي شيءٍ غيره وأتعبه وجلب له الحزن. (¬5) ظهر. (¬6) قابله بالبشر والسرور. وفي النهاية فرح به واستسر وارتاح له وخف. (¬7) أي شيء دعاك إلى التأخير، والمراد بالملائكة التي تمتنع كما قال النووي وملائكة الرحمة والاستغفار. (¬8) سفر المسافر وحده من المشقة والعذاب والغربة والحاجة إلى المعاونة والمساعدة والمؤانسة. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيب النفوس واجتماعي محض ورسول الرحمة والرأفة يعلم المسلمين =

2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَعَنَ (¬1) رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مُخَنِّثِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَشَبَّهُونَ بالنِّسَاءِ (¬2)، وَالمُتَرَجِّلاَتِ (¬3) مِنَ النِّسَاءِ المُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ، وَرَاكِبَ الْفَلاَةِ (¬4) وَحْدَهُ. رواه أحمد من رواية الطيب بن محمد، وبقية رواته رواة الصحيح. 3 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ صَحِبْتَ؟ قالَ: مَا صَحِبْتُ أَحَداً، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم: الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ (¬5)، والرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلاَثَةُ رَكْبٌ (¬6). رواه الحاكم وصححه، وروى المرفوع منه مالك وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه، وبوّب عليه باب النهي عن سير الاثنين، والدليل على أن ما دون الثلاثة من المسافرين عصاة إذ النبيّ صلى اللهُ عليه وسلم قد أعلم أن الواحد شيطان، والاثنان شيطانان، ويشبه أن يكون معنى قوله شيطان: أي عاص كقوله: شياطين الإنس والجن معناه عصاة الإنس والجن انتهى. ¬

= الاتحاد، والتآلف والتآزر والانضمام في السفر، ويذم العزلة ويكره الوحدة والانفراد في السير. ولقد عرفت ببلدي رجلاً كان يمشي وحده ليلاً فقابله اللصوص فمثلوا به وسلبوا ماله وضربوه فتاب إلى الله تعالى، وما كان ينفرد بالسير. فالدين دين رأفة وسعادة وميل إلى التضافر والاطمئنان، وفي الجامع الصغير قيد بالراكب والليل، لأن الخطر بالليل أكثر والتحرز فيه أصعب ولنفور المركوب براكبه من أدنى شيء، وربما أوقعه في وهدة. قال العلقمي قال ابن المنير: السير لمصلحة الحرب أخص من السفر، والخبر ورد في السفر فيؤخذ من حديث جابر، وهو ندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير، وفي بعض طرقه ما يدل على أن الزبير توجه وحده جواز السفر منفرداً للضرورة والمصلحة أهـ وقوله صلى الله عليه وسلم "ما أعلم" أي من الضرر الديني كفقد الجماعة والدنيوي كفقد المعين أهـ ص 205 جـ 3. ففيه الترغيب باختيار الأصحاب في السفر والترهيب من الانفراد بمشي الليل. (¬1) طلب من الله أن يبعده من رحمته ويطرده من رضوانه وإحسانه. (¬2) في الكلام واللين والتكسر والملابس، قال بعض الأئمة خنث الرجل في كلامه بالتثقيل إذا شبهه بكلام النساء ليناً ورخامة فالرجل مخنث. (¬3) المتشبهات بالرجال في الملابس والكلام. (¬4) الأرض التي لا ماء فيها: أي كل جهة بعيدة عن السكان والعمران ليس بها أنيس مسامر. (¬5) بعيد من الحق بعيد عن رحمة الله تعالى مخاطر بنفسه عات متمرد، ووصف أعرابي فرسه فقال: كأنه شيطان في أشطان. (¬6) جمع: كنفر ورهط.

ترهيب المرأة أن تسافر وحدها بغير محرم

4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: الْوَاحِدُ شَيْطَانٌ، والاثْنَانِ شَيْطَانَان، والثَّلاثَةُ رَكْبٌ. رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. 5 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا (¬1) أَرْبَعُمِائَةٍ، وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلافٍ، وَلَنْ يُغْلَبَ (¬2) اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً مِنْ قِلَّةٍ. رواه أبو داود والترمذي وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، ولا يسنده كبير أحد، وذكر أنه روي عن الزهري مرسلاً. ترهيب المرأة أن تسافر وحدها بغير محرم 1 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ يَحِلُّ لامْرَأَةٍ (¬3) تُؤْمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَراً يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فصاعِداً إِلاَّ وَمَعَهَا أَبُوهَا، أَوْ أَخُوهَا، أَوْ زَوْجُهَا، أَوِ ابْنُهَا، أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا (¬4). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. ¬

(¬1) طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها السرايا سمواً بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم، من الشيء السري: النفيس، قيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سراً وخفية أهـ نهاية. يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قواعد الصحبة وقوانين الحرب فجعل الرفقة المختارة المفضلة الخيرة أربعة، ثم بين أن أفضل السرية التي تغزو المكونة المعمورة من نحو 400 فارس ثم نفى صلى الله عليه وسلم الغلبة والقهر والانهزام عن الجيش الذي بلغ نحو اثني عشر ألف ألف مقاتل مهاجم مدافع محارب. (¬2) ولن يغلب كذا د وع ص 302 - 2 وفي ن ط: ولم يغلب، والله أعلم. (¬3) أي مؤمنة كاملة الإيمان والإسلام. (¬4) ذو محرم كذا ط وع، وفي ن د: أو ذو رحم: أي قرابة متينة. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الحشمة والوقار والهيبة والجلال والاحترام وعدم الريبة والشك في عرض السيدة فنهاها أن تسافر بلا محرم لها يحفظها ويصونها ويراعي طلباتها ويمنع عنها الإثم والشبهة، ولقد رافقتني سيدة أثناء سفري لتأدية فريضة الحج، وكان عمرها فوق التسعين سنة فاختار أحد العلماء الصالحين العاملين خالي الشيخ محمد حسن رحمه الله تعالى أن تعقد عقدها الشرعي علي حتى نفر من هذا النهي ونعمل بقوله صلى الله عليه وسلم. فانظر رعاك الله مدى حب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وسن آداب تزيدهم رفعة وسمواً وكمالاً وتقدماً وجلالاً وهيبة ووقاراً. والآن تخرج المتبرجات المتهتكات السافرات ولا يصحبها محرم، وتغشى دور الفجور ومحلات الفسوق بلا وازع أو رادع فلا حول ولا قوة إلا بالله. =

الترغيب في ذكر الله لمن ركب دابته

2 - وَفي رواية للبخاري ومسلم: لاَ تُسَافِرُ المَرْأَةُ يَوْمَيْن مِنَ الدَّهْر إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ زَوْجُهَا. 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لاَ يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ ثَلاثَاً إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا. رواه البخاري ومسلم وأبو داود. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ اللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلاّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا وفي رواية: مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَفِي أُخْرَى: مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا. رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه. وفي رواية لأبي داود وابن خزيمة: أَنْ تُسَافِرَ بَرِيداً. الترغيب في ذكر الله لمن ركب دابته 1 - عَنْ أَبِي لاَسٍ الخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: حَمَلَنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَلى إِبِلٍ (¬1) مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ بُلَّحٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا نَرَى أَن تَحْمِلَنَا هذِهِ؟ فَقَالَ: مَا مِنْ بَعِيرٍ إِلاَّ فِي ذِرْوَتِهِ (¬2) شَيْطَانٌ، فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا رَكِبْتُمُوهَا كما أَمَرَكُمُ اللهُ، ثُمّض امْتَهِنُوهَا (¬3) لأَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّمَا يَحْمِلُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ. رواه أحمد والطبراني وابن خزيمة في صحيحه. [قوله: بلح] هو بضم الموحدة وتشديد اللام بعدها حاء مهملة، ومعناه أنها قد أعيت ¬

= وفي النهاية: ذو المحرم من لا يحل له نكاحها من الأقارب كالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهما، وفي رواية "مع ذي حرمة منها" أهـ فاتقوا الله عباد الله واحفظوا بناتكن من التبرج والسفر بلا محرم. (¬1) بعير. (¬2) إلا في ذروته كذا ط وع: وفي ن د إلا وفي ذروته: أي في سنامه وصاعد أعلى جزء منه شيطان خناس وسواس. (¬3) سخروها لأنفسكم وذللوها وقودوها. يمتهن أي يداس ويبتذل من المهنة وهي الخدمة.

وعجزت عن السير. يقال: بلح الرجل بتخفيف اللام وتشديدها: إذا أعيا، فلم يقدر أن يتحرك، واسم أبي لاس بالسين المهملة عبد الله بن غنمة، وقيل: زياد له حديثان عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم أحدهما هذا. 2 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ عَمْروٍ الأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: علَى كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ، فَإِذَا رَكِبْتُمُوهَا، فَسَمُّوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ تُقَصِّرُوا (¬1) عَنْ حَاجَاتِكُمْ رواه أحمد والطبراني وإسنادهما جيد. الحث على ذكر الله عز شأنه بعد ركوب الدابة 3 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَرْدَفَهُ (¬2) عَلَى دَابَّتِهِ فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا (¬3) كَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ثَلاثَاً (¬4) وَحَمِدَ اللهَ ثَلاثَاً، وسَبَّحَ اللهَ ثَلاثَاً، وَهَلَّلَ اللهَ وَاحِدَةً، ثُمَّ اسْتَلْقَى (¬5) عَلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلَيْهِ (¬6) فَقَالَ: مَا مِنِ امْرئٍ يَرْكَبُ دَابَّتَهُ (¬7)، فَصَنَعَ مَا صَنَعْتُ إِلاَّ أقْبَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ (¬8)، فَضَحِكَ إِلَيْهِ (¬9). رواه أحمد. 4 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا مِنْ رَاكِبٍ يَخْلُو في مَسِيرِهِ بِاللهِ (¬10) وَذِكْرِهِ إِلاَّ رَدِفَهُ مَلَكٌ (¬11)، وَلاَ يَخْلُو بِشِعْر وَنَحْوِهِ إِلاَّ رَدِفَهُ شَيْطَانٌ (¬12). رواه الطبراني بإسناد حسن. ¬

(¬1) أي انطلقوا معتمدين على ربكم سبحانه واذكروا اسمه تحفظوا. (¬2) حمله خلفه على ظهر الدابة فهو رديف، ومنه ردف المرأة عجزها. (¬3) ركب مستريحاً. (¬4) قال الله أكبر 33 والحمد لله 33 وسبحان الله 33 ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. (¬5) مال عليه مستبشراً فرحاً. (¬6) توجه نحوه مبتسماً. (¬7) يمتطي صهوتها. (¬8) رضي عنه وأمده برضوانه ورحماته. (¬9) قبل عمله وغفر له ذنوبه. (¬10) أي يوحده ويمجده ويسبحه ويحمده ويكبره. (¬11) صاحبه ملك من ملائكة الرحمة يدعو له ويستغفر له. (¬12) أي كلام من كلام الشعراء أو أي شيءٍ من أحوال الدنيا إلا ركب خلفه شيطان يغويه ويضله" ويزيل عنه كل هدى: ففيه الترغيب في ذكر الله سبحانه وتعالى عند ركوب الدابة كما قال تعالى: [والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون (12) لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (13) وإنا إلى ربنا لمنقلبون (14)] من سورة الزخرف. [الأزواج]: أصناف المخلوقات. [لتستووا]: لتصعدوا على ظهور ما تركبونه من الفلك والأنعام [ثم تذكروا] أي تذكروا بقلوبكم معترفين بها حامدين عليها [سخر]: ذلل لنا هذا المركوب. [مقرنين]: مطيقين، وعنه عليه =

الترهيب من استصحاب الكلب والجرس في سفر وغيره

الترهيب من استصحاب الكلب والجرس في سفر وغيره 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ تَصْحَبُ الْملاَئِكَة (¬1) رُفقةً فِيهَا كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ (¬2). رواه مسلم وأبو داود والترمذي. 2 - وفي رواية لأبي داود: وَلاَ تَصْحَبُ الْمَلائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جِلْد نَمرٍ. ذَكَرَهَا فِي اللِّبَاسِ. الجرس مزامير الشيطان 3 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْه أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: الجَرَسُ مَزَامِيرُ (¬3) الشَّيْطَانِ. رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه. ¬

= الصلاة والسلام: "كان إذا وضع رجله في الركاب قال باسم الله، فإذا استوى على الدابة قال الحمد لله على كل حال سبحان الذي سخر لنا هذا الآية وكبر ثلاثاً وهلل ثلاثاً، وقالوا إذا ركب في السفينة قال باسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم". قال النسفي وحكي أن قوماً ركبوا وقالوا: سبحان الذي سخر لنا هذا الآية، وفيهم رجل على ناقة لا تتحرك هزالاً فقال إني مقرن لهذه فسقط منها لوثبتها واندقت عنقه. وينبغي أن لا يكون ركوب العاقل للتنزه والتلذذ: بل للاعتبار ويتأمل عنده أنه هالك لا محالة ومنقلب إلى الله تعالى غير منفلت من قضائه أهـ. قال البيضاوي لمنقلبون: أي راجعون واتصاله بذلك لأن الركوب للتنقل، والنقلة العظمى هو الانقلاب إلى الله تعالى أو لأنه مخطر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله تعالى أهـ. فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلمك الاستعاذة بالله وتسبيحه، وذكره عند ركوب دابة أو سفينة أو سيارة أو طيارة أو أي مركب رجاء شكره وحفظه وعنايته بك سبحانه وتعالى: وأن تثني عليه على ما ذلل لك هذه كما قال تعالى: [هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور] (16) من سورة الملك. [ذلولاً] أي لينة سهلة مذللة لا تمنع المشي فيها [مناكبها]: جوانبها استدلالاً واسترزاقاً أو جبالها أو طرقها وإليه سبحانه وتعالى نشوركم، فهو سائلكم عن شكره على ما أنعم به عليكم أهـ نسفي. وقال البيضاوي: يسهل لكم السلوك فيها وهو مثل لفرط التذليل، فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب، ولا يتذلل له فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء لم يتذلل والتمسوا من نعم الله أهـ. (¬1) ملائكة الدعاء بالرحمة من الله جل وعلا. (¬2) هو الجلجل الذي يعلق على الدواب، قيل إنما كرهه لأنه يدل على أصحابه بصوته، وكان عليه الصلاة والسلام يحب أن لا يعلم العدو به حتى يأتيهم فجأة، وقيل غير ذلك أهـ نهاية. وقال النووي: لأنه شبيه بالنواقيس أو لأنه من المعاليق المنهي عنها، وهي كراهة تنزيه أهـ ص 296 مختار الإمام مسلم. يرشد صلى الله عليه وسلم إلى كراهة وجود الجرس في المنازل أو يعلق على الأطفال أو على الحيوانات اتقاء ملازمة الشيطان لها واجتناب الملائكة التي تدعو للإنسان بالقبول واللطف والرأفة وتطلب له السعادة والصحة والنعمة والأمن والسعة ورغد العيش. انظر إلى الكنائس الآن. وهل تسمع صوت النواقيس تدق فيها فيخبر صلى الله عليه وسلم عن ابتعاد ملائكة الرحمة عن كل مكان فيه جرس. (¬3) أي صوته ونغمه وإضلاله والجمع مزمور، ومنه حديث أبي بكر أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية مزمارة: والمزمار: أي الآلة التي يزمر بها والزمارة: البغي الحسناء.

4 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: لاَ تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ جَرَسٌ، وَلاَ تَصْحَبُ المَلاَئِكَةُ رُفْقَةً (¬1) فِيهَا جَرَسٌ. رواه أبو داود والنسائي. 5 - وَعَنْ أُمِّ حَبيبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لاَ تَصْحَبُ الملائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ. رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه، ولفظه: قالَ: إِنَّ الْعِيرَ الَّتِي فِيهَا الْجَرَسُ لاَ تَصْحَبُهَا الملاَئِكَةُ. 6 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَمَرَ بالأَجْراسِ أَنْ تُقْطَعَ (¬2) مِنْ أَعْناقِ الإِبِلِ يَوْمَ بَدْرٍ (¬3)، رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) صحبة تحرم من مصاحبة ملائكة الرحمة. (¬2) تزال كراهة أن يسمع صوتها الأعداء فيستعدوا للنزال أو الدفاع. يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعمال الخفية والترتيبات المبهمة والاستعداد المستتر، وعدم التظاهر والتفاخر والرياء. (¬3) غزوة بدر فيها نحو 1900 ألف وتسعمائة رجل من الكفار، وعميدهم أبو سفيان، وكان معه عير لقريش فيها أموال مقبلة من الشام إلى مكة معها ثلاثون واستنفر أهل مكة لعيرهم، فاستشار صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين والأنصار فقالوا: لو استعرضت هذا البحر لخضناه معك، وتنكب سفيان بالعير إلى طريق الساحل ونجا وشدد أبو جهل وصار يستصرخ العرب ويهيج عواطف إحساساتهم يقول: لا نرجع حتى نرد ماء بدر ونقيم به ثلاثاً وتهابنا العرب. سبقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ماء بدر وثبطهم عنه مطر نزل وبله مما يليهم وأصاب مما يلي المسلمين دهس الوادي وأعانهم على السير ثم نزل حيث أشار الحباب بن المنذر وبنوا حوضاً فملأه ثم بنوا له عريشاً يكون فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى يريهم مصارع القوم واحداً واحداً، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً فيهم فارسان: الزبير والمقداد .. توافقت الفئتان، وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش وأقبلت قريش بخيلائها وفخرها فلما رآها قال: "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصر الذي وعدتني اللهم أحنهم الغداة" ثم قام عامر وصرخ واعمراه واعمراه فحميت الحرب ونادت الرجال على الرجال والنبي يدعو ويلح ويقول في دعائه "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض، اللهم أنجز لي ما وعدتني ثم أخفق (أي حرك رأسه من نعاس) ثم انتبه فقال: أبشر يا أبا بكر قد أتى نصر الله ثم خرج يحرض الناس ورمى في وجوه القوم بحفنة من حصى، وهو يقول: شاهت الوجوه" ثم تزاحفوا وجال القوم جولة هزم المشركون فيها، وقتل منهم يومئذ سبعون رجلاً فيهم نحو العشرين من مشاهيرهم وأسر نحواً من عشرين رجلاً من كبرائهم واستشهد من المسلمين ثمانية: خمس من المهاجرين، وواحد من الأنصار وواحد من الأوس وواحد من الخزرج، وانجلت الحرب وقسمت الغنائم كما أمر الله تعالى، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ودخلها لثمان بقين من رمضان أهـ من حماة الإسلام ص 35 في السنة الثانية من الهجرة. فأنت ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحين الفرص للهجوم على أعداء الدين وحمل المسلمين على حظهم بالجهاد وامتشاط الحسام وإسلال السيف من غمده وأمر صلى الله عليه وسلم بقطع الأجراس من أعناق الإبل رجاء كتم تدابيره واستعداده وهجومه بعد أن دعا الكفار إلى الإسلام وأفحمهم بالحجة وقطع العذر وأزال الشبه وصار الذي يمنعهم من الإقرار بالتوحيد الهوى والحمية دون الجهل والحيرة، ثم افتدت قريش أكثر أسارى بدر وأمر بقتل كعب بن الأشرف من أكابر اليهود وسن قانون الاعتماد على الله وحده وعدم تعليق شيء حرصاً على الثقة بالله وحفظه سبحانه وتعالى. =

7 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم أَمَرَ بقَطْعِ الأَجْرَاسِ. رواه ابن حبان في صحيحه أيضاً. 8 - وَعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنّ مَوْلاةً لَهُمْ ذَهَبَتْ بِابْنَةِ الزُّبَيْرِ إِلى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَفي رِجْلَيْهَا أَجْرَاسٌ، فَقَطَعَهَا عُمَرُ (¬1) وَقال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ مَعَ كُلِّ جَرَسٍ شَيْطَاناً. رواه أبو داود، ومولاة لهم مجهولة، وعامر لم يدرك عمر بن الخطاب. 9 - وَعَنْ بُنَانَةَ مَوْلاةِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ حَيَّانَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا إِذْ دَخَلَ عَلَيْهَا جَارِيةٌ وَعَلَيْهَا جَلاَجِلُ يُصَوِّتْنَ، فَقَالَتْ: لاَ تُدْخِلْنَهَا عَلَيَّ إِلاَّ أَنْ تَقْطَعَنَّ جَلاَجِلَهَا (¬2)، وَقالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: لاَ تَدْخُلُ الْملائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ جَرَسٌ. رواه أبو داود. ¬

= نقلت لك هذه الغزوة لتعلم حكمة منع الأجراس من الإبل خشية أن يعلم الأعداء صوتها فيستعدوا، وهذا النهي عمومي لكل مسلم يضع جرساً في عنق ابنه أو حيوانه معتقداً أنه يمنع العين ويدفع الضرر، ولا يجعل لله أثراً في الحفظ والصيانة كما قال جل شأنه [فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين] يؤيد هذا المعنى حديث رواية مسلم عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري أخبره أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً، قال عبد الله بن أبي بكر حسبت أنه قال: والناس في مبيتهم لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت. قال مالك: أرى ذلك من العين أهـ. قال النووي النهي مخصص بمن فعل ذلك للعين، أي بسبب دفع ضرر العين، وأما من فعله لغير ذلك من زينة أو غيرها فلا بأس إعلاناً أن الأوتار لا ترد شيئاً، أما التعاويذ فجائزة بحجة أنها بركة آية قرآنية كما يجوز الاستظهار بالتداوي قبل المرض أهـ ص 292 جـ 2 مختار الإمام مسلم. 403 - 2: ع فأنت ترى النهي لسبب، كذلك قطع الأجراس لسبب: أ - إعلام الخصوم. ب - أو اعتقاد تأثيرها من دون الله. جـ - أو إعلام العبادة في الكنائس والأديرة. أما اتخاذها في المدارس لانتهاء الدروس أو بدئها أو تتخذ على (النضد) لإحضار من يحب فأرى - والله أعلم - لا بأس بوجودها، والدين يسر لا عسر. (¬1) لأنها معلقة على رجليها كتميمة * وذوو التمائم من بنيك الصغار * (¬2) جمع جلجل، وهو الجرس الصغير الذي يعلق في أعناق الدواب وغيرها أهـ نهاية والجلجلة حركة مع صوت، فتعليق هذه الأشياء للزينة، بل لدفع العين أو إزالة ضر فمنعت السيدة عائشة رضي الله عنها دخول هذه الجارية المعلقة عليها الأجراس خشية امتناع ملائكة الرحمة من بيتها الطاهر المبارك بسبب هذه التعاويذ، والمؤثر هو الله تعالى، والفاعل هو الله تعالى، وهو الواقي المانع الضار النافع. ولقد أرشدتني أختي رحمها الله تعالى إلى تعليق أشياء كانت على أولادها رجاء أن يعيشوا في اعتقادها فتموت الأولاد فرأت في منامها رجلاً يقطع هذه التمائم والجلاجل فاستيقظت فرحة وتابت واستبشرت إلى الله جل جلاله ورمت ما على ابنها الطفل واعتمدت عليه جل وعلا وسلمت =

الترغيب في الدلجة وهو السفر بالليل والترهيب من السفر أوله ومن التعريس في الطرق والافتراق في المنزل والترغيب في الصلاة إذا عرس الناس

[بنانة]: بضم الباء الموحدة ونونين. 10 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لاَ تَصْحَبُ المَلائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جُلْجُلٌ. 11 - وفي رواية: قالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْخٍ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ سَالِمٍ، فمرَّ بِنَا رَكْبٌ لأُمِّ الْبَنِينِ مَعَهُمْ أَجرَاسٌ، فَحَدّثَ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ أَنّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لاَ تَصْحَبُ الْملائِكَةُ رَكْباً مَعَهُمْ جُلْجُلٌ كَمْ تَرَى مَعَ هَؤلاءِ (¬1) مِنْ جُلْجُلٍ؟. رواه النسائي. الترغيب في الدلجة، وهو السفر بالليل والترهيب من السفر أوّله، ومن التعريس في الطرق، والافتراق في المنزل والترغيب في الصلاة إذا عَرَّس الناسُ 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: عَلَيْكُمْ بالدُّلْجَةِ (¬2)، فَإِنَّ الأَرْضَ تُطْوَى بِالَّليْلِ. رواه أبو داود. 2 - وَعَنْ جَابِرٍ، وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ تُرْسِلُوا مَوَاشِيَكُمْ (¬3) إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، ¬

= أمورها إليه وفوضت إليه الحفظ فعاش هذا الولد ومن بعده وبارك الله فيه وفي ذريته والحمد لله. فالنبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يعتمد الإنسان على ربه في حفظه، ولا يعتقد لغيره سبحانه تأثيراً. (¬1) أي كثيراً مع هذا الصحب من جملة أجراس. (¬2) يقال أدلج إذا سار أول الليل. قال في النهاية: ومنهم من جعل الإدلاج لليل كله وكأنه المراد في هذا الحديث لأنه عقبه بقوله "فإن الأرض تطوى بالليل" ولم يفرق بين أوله وآخره وأنشدوا لعلي رضي الله عنه: اصبر على السير والإدلاج في السحر ... وفي الرواح على الحاجات والبكر فجعل الإدلاج في السحر يرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى انتهاز فرصة زمن الليل والسفر فيه خشية حر النهار وشدة الشمس، وقد رأيت ذلك في الحجاز نسافر ليلاً على الإبل ونستريح نهاراً فكنا نشعر بالسرور والحبور ولم نتألم من حرارة القيظ. (¬3) ينهى صلى الله عليه وسلم عن ترك المواشي في غلسة الليل خشية الذئاب وفتك الشياطين بها واللصوص في ذلك الوقت بين غروب الشمس والعشاء.

فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تُبْعَثُ (¬1) إِذَا غَابَت الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ. رواه مسلم وأبو داود والحاكم، ولفظه: احْبِسُوا صِبْيَانَكُمْ حَتَّى تَذْهَب فوْعَة الْعِشَاءِ، فإنهَا سَاعَةٌ تَخْتَرقُ فيهَا الشَّيَاطِينُ. وقال: صحيح على شرط مسلم. 3 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَقِلُّوا الْخُروجَ إِذَا هَدَأَتِ الرِّجْلُ. إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبُثُّ (¬2) في لَيْلِهِ مِنْ خَلْقِهِ مَا يَشَاء. رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه، واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الخِصْبِ (¬3)، فأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا (¬4) مِنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُم في الجَدْبِ (¬5)، فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طَريقُ الدَّوَابِّ (¬6). وَمَأْوَى الْهَوَامِ بِالَّليْلِ. رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. [نقيها] بكسر النون وسكون القاف بعدها ياء مثناة تحت: أي مخها: ومعناه أسرعوا حتى تصلوا مقصدكم قبل أن يذهب مخها من ضنك السير والتعب. ¬

(¬1) تبعث: أي ترسل كذا د وع ص 304 - 2، وفي ن ط: تعبث: أي تفسد وتضر وتنطلق ويكثر أذاها. يحذرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم باليقظة والانتباه والاحتراس من ظلام الليل الحاصل بعد غروب الشمس إذ فيها تضر الشياطين بالإنس والمواشي، كما قال صلى الله عليه وسلم "إذا استجنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ" وقال النووي: في رواية مسلم: "إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشيطان ينتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم" جنح الليل: أي ظلامه، والنجاة من الشيطان. فكفوا: أي امنعوهم من الخروج في ذلك الوقت، مواشي كل شيء منتشر مثل سائر البهائم. وفي الحديث: "إن العبد إذا سمى عند دخول بيته قال الشيطان لا مبيت، وكذا إذا سمى عند جماع أهله، وقال: اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا سلم مولوده منه". فحمة العشاء: ظلمتها أهـ ص 268 جـ 2 مختار الإمام مسلم. يرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى الحذر من هذه الساعة واجتناب ضررها وابتعاد الأطفال عن الجري واللعب وقتها مدة ساعة الغلسة. (¬2) ينشر ويذيع، مكارم أخلاق منك يا رسول الله كما قال تعالى: [لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (128)] من سورة التوبة. (¬3) أي الأرض التي فيها زرع وثمر. (¬4) حظها كذا ط وع ص 304، وفي ن د: حقها: أي أشبعوها وقدموا لها من نبات الأرض. (¬5) الصحراء. (¬6) الحشرات المؤذية والحيات والعقارب والذباب والوحوش.

5 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى جَوَّادِ (¬1) الطَّرِيقِ، وَالصَّلاَةَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا مَأْوَى الحَيَّاتِ والسِّبَاعِ، وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ عَلَيْهَا، فَإِنَّها الملاَعِن (¬2). رواه ابن ماجة، ورواته ثقات. [التعريس]: هو نزول المسافر آخر الليل ليستريح. 6 - وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشْنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلُوا تَفَرَّقوا فِي الشِّعَابِ (¬3) وَالأَوْدِيَةِ (¬4)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي الشِّعَابِ والأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلَمْ يَنْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلاً إِلاّ انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ (¬5). رواه أبو داود والنسائي. 7 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: ثلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ، وثَلاَثَةٌ يُبْغَضُهُمُ اللهُ. أَمَّا الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ: فَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ (¬6) حَتى إِذا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إلى أَحَدِهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ نَزَلُوا (¬7) فَوَضَعُوا رُؤُوسَهُمْ (¬8)، فَقَامَ يَتَمَلَّقُنِي (¬9) وَيَتْلوا آياتي. فذكر الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما. وتقدم في صدقة السرّ بتمامه. ¬

(¬1) جمع جادة: معظم الطريق. (¬2) جمع ملعنة: وهي الفعلة التي يلعن بها فاعلها كأنها مظنة للعن ومحل له. وهي أن يتغوط الإنسان على قارعة الطريق أو ظل الشجرة أو جانب النهر، فإذا مر بها الناس لعنوا فاعلها أهـ نهاية. (¬3) طرق في الجبل. (¬4) السهول بمعنى أنهم تباعدوا في جهات مختلفة. (¬5) تقاربوا في المكان وتجمعوا في جهة واحدة وتراصوا كالبنيان. الله أكبر يعلمهم صلى الله عليه وسلم عدم التفرق والاتحاد والتآلف والتقارب والتضامن والتآزر. (¬6) مشوا بالليل. (¬7) استراحوا. (¬8) من شدة التعب وغلبة النعاس يحبون أن يضطجعوا فيتنحى أحدهم ويبعد عنهم ليصلي، ويقرأ القرآن ويتضرع لربه عز وجل فهو أعظم أجراً منهم وأكثر صواباً. قال الحنفي مما يعدل به: أي يقابل به من المال بحيث لو قيل لهم تقابلون نومكم بمال أو نحوه يرضوا لشدة حبهم للنوم لما حصل لهم من المشقة (يتملقني) أي يتحبب إلي ويتقرب بالعبادة. وقال العزيزي: يتملقني أي يتضرع إلي ويزيد في الود والدعاء والابتهال، قال في النهاية: الملق بالتحريك الزيادة في التودد، والدعاء والتضرع فوق ما ينبغي أهـ ص 190 جـ 2 قال تعالى: [ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون (19)] من سورة الأحقاف. مراتب من جزاء ما عملوا. (¬9) يدعوني ويرجو رضاي، ويطلب مغفرتي ويتمنى إدراك رحمتي، ويقرأ القرآن ويصلي نافلة. =

الترغيب في ذكر الله لمن عثرت دابته

الترغيب في ذكر الله لمن عثرت دابته 1 - عَنْ أَبِي الْمَليْحِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ رَدِيفَ (¬1) النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، فَعَثُرَ بَعِيرُنَا (¬2) ¬

= خلاصة ما يبينه صلى الله عليه وسلم في السفر قائد ماهر صلى الله عليه وسلم ومربٍ يقظ وحكيم. يضع دستور السعادة. أولاً: يعلم ما يجلب لأصحابه الخير ويدفع عنهم الضير. ثانياً: يرشد إلى السير بالليل في جو معتدل ونسيم عليل. ثالثاً: عدم ترك الأطفال والحيوان في الساعة المظلمة عند غياب الشفق الأحمر حتى تذهب فرعة العشاء. رابعاً: إطعام الدابة التي يركب عليها المسافر ويسقيها ويعلفها ويشبعها لتقوى على السير. خامساً: الإسراع بالسير في الأرض المجدبة. سادساً: عند الاستراحة ينزل المسافرون في مكان نظيف، ومأمن بعيد من الهوام. سابعاً: اجتماع القلوب في السفر والاتحاد والانضمام رجاء زيادة الأمن والاطمئنان وسهولة قضاء الحاجات، والمؤانسة والمؤازرة. ثامناً: لا نيسى المسافر حق الله وذكره والثناء عليه (يتملقني): فيكثر من الرغبة في رحمته أ - قال تعالى: [ليسأل الصادقين عن صدقهم] من سورة الأحزاب. ب -[اذكروا نعمة الله عليكم] من سورة الأحزاب. ولعمر بن الوردي: اعتزل ذكر الأغاني والغزل ... وقل الفصل وجانب من هزل ودع الذكرى لأيام الصبا ... فلأيام الصبا نجم أفل واترك الغادة لا تحفل بها ... تمس في عز رفيع وتجل وافتكر في منتهى حسن الذي ... أنت تهواه تجد أمراً جلل واهجر الخمرة إن كنت فتىً ... كيف يسعى في جنون من عقل واتق الله فتقوى الله ما ... جاورت قلب امرئ إلا وصل ليس من يقطع طرقاً بطلاً ... إنما من يتقي الله البطل كتب الموت على الخلق فكم ... فل من جيش وأفنى من دول اطلب العلم ولا تكسل فما ... أبعد الخير على أهل الكسل واحتفل للفقه في الدين ولا ... تشتغل عنه بمال أو خول واهجر النوم وحصله فمن ... يعرف المطلوب يحقر ما بذل قصر الآمال في الدنيا تفز ... فدليل العقل تقصير الأمل لا يضر الفضل إقلال كما ... لا يضر الشمس إطباق الطفل حبك الأوطان عجز ظاهر ... فاغترب تلق عن الأهل بدل فبمكث الماء يبقى آسناً ... وسري البدر به البدر اكتمل (¬1) راكباً خلفه. (¬2) اصطدمت رجله، والعثرة: الزلة.

فَقُلْتُ: تَعَسَ الشَّيْطَانُ (¬1) فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ تَقُلْ تَعَسَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّهُ يَعْظُمُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الْبَيْتِ، وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي، وَلكِنْ قُلْ: بِسْمِ اللهِ (¬2)، فَإِنَّهُ يَصْغُرُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الذُّبَابِ. رواه النسائي والطبراني والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. النهي عن الدعاء على الشيطان بالتعسة 2 - وَعَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ عَمَّنْ كَانَ رِدْفَ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: كُنْتُ رِدْفَهُ عَلَى حِمَارٍ، فَعَثُرَ الْحِمَارُ، فَقُلْتُ: تَعَسَ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ تَقُلْ تَعَسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: تَعَسَ الشَّيْطَانُ تَعَاظَمَ في نَفْسِهِ، وَقالَ: صَرَعْتُهُ بِقُوَّتِي (¬3)، وَإِذَا قُلْتَ: بِسْمِ اللهِ تَصَاغَرَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ (¬4) حَتَّى يَكُونَ أَصْغَرَ مِنْ ذُبَابٍ (¬5) رواه أحمد بإسناد جيد والبيهقي، والحاكم إلا أنه قال: وَإِذَا قِيلَ: بِسْمِ اللهِ خَنَسَ (¬6) حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الذُّبَابِ. وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) عثر وانكب لوجهه وخسئ. من باب قطع اطلب أن تتحصن باسمه تعالى وتتبرك به كما قال تعالى: [فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (98) إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون (99) إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون (100)] من سورة النحل. (¬2) أي الشيطان يفتخر إذا أسندت له شيئاً، ولكن التسمية تحقره وتذله وتطرده. (¬3) ينسب له قوة الشيطان ويدعي أنه عمل هذا مع أنه ضعيف لا أثر له. (¬4) حقرت وأهينت. (¬5) من ذباب كذا ط وع ص 305 - 2 وفي ن د: من الذباب: أي حشرة قذرة كما قال النسفي في قوله تعالى: [إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له] من سورة الحج. وتخصيص الذباب لمهانته وضعفه واستقذاره، وسمي ذباباً لأنه كلما ذب لاستقذاره آب لاستكباره أهـ. يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع الأذى بالاعتماد على الله وحده والتفويض إليه والتحصين بذكره والتبرك، وأن لا يجعل الإنسان للشيطان أثراً ما فهو الفعال جل جلاله الوهاب القادر القوي قال تعالى: [وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير (18)] من سورة الأنعام. فمنه وحده العصمة والحفظ والهداية والرحمة، أما الذي ينسب العمل للشيطان فضال مضل متبع غير الله كما قال جل جلاله: [ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين (50)] من سورة القصص. وقال تعالى: [فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين (36) وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم (37)] من سورة الجاثية. وقال تعالى: [يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم (31) ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين (32)] من سورة الأحقاف. ففيه طاعته سبحانه وذكره رجاء الرضوان والرحمة والعصمة من الزلل إذ لا ينجي منه مهرب سبحانه، وهو الولي الناصر وحده، ومن التجأ إلى الشيطان خسر. (¬6) انقبض وتأخر قال تعالى: [من شر الوسواس الخناس (4) الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس (6)] من سورة الناس. =

الترغيب في كلمات يقولهن من نزل منزلا

الترغيب في كلمات يقولهن من نزل منزلاً 1 - عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً (¬1)، ثُمَّ قالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ (¬2) التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (¬3) لَمْ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ (¬4) مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ. رواه مالك ومسلم والترمذي وابن خزيمة في صحيحه. 2 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجْتُ مِنْ حِمْصَ (¬5)، فَأَوَانِي اللَّيْلُ إِلى الْبَيْعَةِ، فَحَضَرنِي مِنْ أَهْلِ الأَرْض، فَقَرَأْتُ هَذِهِ الآيَةَ مِنَ الأَعْرَافِ: [إِن رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرْضَ] إِلى آخر الآية. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: احْرُسُوهُ الآنَ (¬6) حَتَّى يُصْبِحَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ (¬7) رَكِبْتُ دَابَّتِي. رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح إلا المسيب بن واضح. ¬

= قال النسفي: الخناس الذي عادته أن يخنس منسوب إلى الخنوس، وهو التأخر كالعواج والبتات لما روي عن سعيد بن جبير "إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى، وإذا غفل رجع ووسوس إليه" أهـ فإياك أن تجعل للشيطان سبيلاً يتعاظم به، وعليك بذكر الله كما قال تعالى: [ألا بذكر الله تطمئن القلوب (28)] من سورة الرعد. (¬1) دخل بيتاً، أو أوى مأوى. (¬2) أتحصن بكلمات الله، قال في النهاية قيل هي القرآن. وإنما وصف كلامه بالتمام، لأنه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام الناس، وقيل معنى التمام ههنا أنها تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الآفات وتكفيه. (¬3) من الإنس والجن والهوام وكل دابة مؤذية. (¬4) يفارق هذا المكان ببركة آياته البينات. (¬5) بلد بالشام: أي وكل الله به حفظة بسبب تلاوة هذه الآية، قال تعالى: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين (54) ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين (55) ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين (56)] من سورة الأعراف. (¬6) احرسوه: أي احفظوه وأبعدوا عنه الشر وامنعوا عنه الأذى ببركة هذه الآية كما قال الله تعالى: أ -[قل أعوذ برب الفلق (1) من شر ما خلق (2) ومن شر غاسق إذا وقب (3) ومن شر النفاثات في العقد (4) ومن شر حاسد إذا حسد (5)] من سورة الفلق. ب -[قل أعوذ برب الناس (1) ملك الناس (2) إله الناس (3) من شر الوسواس الخناس (4) الذي يوسوس في صدور الناس (5) من الجنة والناس (6)] من سورة الناس. (¬7) جاء الصباح ركبت دابتي وسافرت سالماً آمناً ناجياً بحفظ الله ورعايته وعنايته لم أر سوءاً ولم يصبني شر فالله =

الترغيب في دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر

الترغيب في دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب سيما المسافر 1 - عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ¬

_ = الواقي المانع كل أذى. قال النسفي: بيان الذي يوسوس على أن الشيطان ضربان: جني وإنسي كما قال تعالى: [شياطين الجن والإنس] وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال لرجل: هل تعوذت بالله من شيطان الإنس؟ روي أنه صلى الله عليه وسلم سحر فمرض فجاءه ملكان، وهو نائم، فقال أحدهما لصاحبه ما باله؟ فقال: طب، قال: ومن طبه؟ قال بيد بن أعصم اليهودي، قال: وبم طبه؟ قال بمشط ومشاطة في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذي أروان فانتبه صلى الله عليه وسلم فبعث زبيراً وعلياً وعماراً رضي الله عنهم فنزحوا ماء البئر، وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر فنزلت هاتان السورتان فكلما قرأ جبريل آية انحلت عقدة حتى قام صلى الله عليه وسلم عند انحلال العقدة الأخيرة كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل يقول: باسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء يؤذيك، ولهذا جوز الاسترقاء بما كان من كتاب الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لا بما كان بالسريانية والعبرانية، والهندية فإنه لا يحل اعتقاده والاعتماد عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا وأقوالنا أهـ. نقلت هذا لأستدل على التعوذ بالله، وذكر اسمه سبحانه ينفع ويحفظ ويطرد المؤذين بإذنه جل جلاله، قال تعالى: [والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم (2)] من سورة محمد صلى الله عليه وسلم. قال البيضاوي: أي حالهم في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد، وقال تعالى: [أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم (14)] من سورة محمد. وقال تعالى: [إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم (25)] من سورة محمد. (سول) سهل لهم اقتراف الكبائر وحملهم على اتباع الشهوات ومد لهم في الآمال والأماني فأمهلهم الله تعلى ولم يعاجلهم بالعقوبة. ولقد جربت فائدة الاستعاذة به سبحانه وتعالى وأكثرت من ذكره سبحانه وتعالى صباحاً: أ - يا لطيف. ب - يا حكيم. جـ - يا أرحم الراحمين. د - أعوذ بكلمات الله التامات. هـ - المعوذتين والإخلاص وآية الكرسي والآيتين من آخر سورة البقرة. و- لإيلاف قريش. السورة. ز -[لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (128) فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم (129)] من سورة التوبة. فشعرت بحفظ الله طيلة اليوم، قال تعالى: [ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور (15) أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور (16) أم أمنتم من السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير؟ (17)] من سورة الملك. اللطيف: أي العالم بدقائق الأشياء. الخبير العالم بحقائق الأشياء، وفيه إثبات خلق الأقوال فيكون دليلاً على خلق أفعال العباد، وقال تعالى: [أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض؟] من سورة النمل. قال النسفي: الاضطرار افتعال من الضرورة. وهي الحالة المحوجة إلى اللجا. والمضطر الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجا والتضرع إلى الله تعالى، أو المذنب إذا استغفر، أو المظلوم إذا دعا أو من رفع يديه ولم ير لنفسه غير التوحيد، وهو منه على خطر. السوء الضر أو الجور (خلفاء) يتوارثون الأرض في التصرف فيها أهـ. ومن فعله سبحانه الحفظ ومنع الأذى.

صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا دَعَا الرَّجُلُ لأَخِيهِ (¬1) بِظَهْرِ الْغَيْبِ قالَتِ الملاَئِكَةُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ (¬2). رواه مسلم وأبو داود واللفظ له. [قال الحافظ]: أمّ الدرداء هذه هي الصغرى تابعية، واسمها هجيمة، ويقال: جهيمة بتقديم الجيم، ويقال: جمانة ليس لها صحبة إنما الصحبة لأم الدرداء الكبرى، واسمها خيرة وليس لها في البخاري ولا مسلم حديث قاله غير واحد من الحفاظ. 2 - وَرُويَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: دَعْوَتَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللهِ حَجَابٌ (¬3): دَعْوَةُ المظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المرْءِ لأخيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ. رواه الطبراني. إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب 3 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنّ أَسْرَعَ الدُّعَاءِ إِجَابةً (¬4) دَعْوَةُ غَائِبٍ لِغائِبٍ. رواه أبو داود والترمذي كلاهما من رواية عبد الرحمن بن يزاد بن أنعم، وقال الترمذي: حديث غريب. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الوَالِدِ، وَدَعْوَةُ المظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ (¬5) رواه أبو داود والترمذي في موضعين وحسنه في أحدهما والبزار، ولفظه قالَ: ¬

(¬1) قال تعالى: [والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم (10)] من سورة الحشر. الدعاء لأخيه المسلم وهو غائب يريد له الخير، ويتمنى له التوفيق والإرشاد إلى الصواب والحكمة والإتقان. قال المناوي: أي الملك الموكل بنحو ذلك كما يرشد إليه تعريفه أهـ أي أدعو الله أن يجعل لك مثل ما دعوت به لأخيك، وإرادة الإخبار بعيدة، والمراد بالغائب: الغائب عن المجلس أهـ جامع صغير ص 118. (¬2) ولك بمثل كذا ط وع ص 306 - 2 أي الله يعطيك لنفسك كما تحب وترضى لأخيك، وفي ن د: بمثله على سبيل الاستظهار والتساند وفعل القوة والتظاهر والتعاون والتساعد. (¬3) مانع: أن تصعدان إلى الله جل وعلا فيجيبهما: أ - دعاء المستغيث الذي ظلم وضاع حقه وهضم وأوذي. ب - الدعاء للغائب. (¬4) أدعاها إلى القبول دعوة غائب لغائب كذا ط وع، وفي ن د: دعوة لغائب. (¬5) أي ثلاثة ترجى فيهن الإجابة لصدورها بإخلاص القادر العظيم: دعاء الوالد والمظلوم والمسافر سفر طاعة ومصلحة مفيدة.

الترغيب في الموت في الغربة

ثلاَثٌ حَقٌّ عَلى اللهِ أَنْ لاَ يَرُدَّ لَهُمْ دَعْوَةً: الصَّائِمُ (¬1) حَتَّى يُفْطِرَ (¬2) والمظْلُومُ حَتَّى يَنْتَصِرَ (¬3)، والمسَافِرُ حَتَّى يَرْجِعَ (¬4). 5 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرِ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: ثَلاثٌ مُسْتَجَابٌ دَعْوَتُهُمْ: الْوَالِدُ وَالْمُسَافِرُ والمظْلُومُ. رواه الطبراني في حديث بإسناد جيد. الترغيب في الموت في الغربة 1 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: مَاتَ رَجُلٌ بِالمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِهَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ثُمَّ قالَ: يَا لَيْتَهُ مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ (¬5) قالوا: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: إِنّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ قِيسَ بَيْنَ مَوْلِدِهِ إِلى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ في الْجَنَّةِ. رواه النسائي، واللفظ له، وابن ماجة وابن حبان في صحيحه. 2 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه ¬

(¬1) يجيب الله دعاءه لتلبسه بالطاعة. قال العلقمي: قال الدميري يستحب للصائم أن يدعو في حال صومه بمهمات الآخرة والدنيا له، ولمن يحب وللمسلمين لهذا الحديث أهـ. (¬2) يفطر: أي يتناول الإفطار بالفعل أو يدخل أوان فطره بغروب الشمس. (¬3) يزول ظلمه. (¬4) يأتي من غيبته، وفي الجامع الصغير (لأخيه) في الدين (بظهر الغيب) أي بحيث لا يشعر، ولو كان حاضراً بالمجلس (عند رأسه ملك موكل به) أي بتأمين دعائه (آمين) أي استجب يا رب ولك أيها الداعي بمثل ما دعوت به لأخيك فالدعاء بظهر الغيب أقرب إلى الإجابة (المظلوم) أي على من لمه، لأنه مضطر ملتجئ إلى ربه كما قال تعالى: [أم من يجيب المضطر إذا دعاه] من سورة النمل. ففيه الترغيب في حب الخير والدعاء للأصدقاء الأصحاب في الله في غيابهم، لأنه أدعى إلى الصفاء والإخلاص. يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة الصالحين والتعلق بأهدابهم، وذكرهم بالدعاء لهم عند عدم حضورهم وجاء أن الله يثبت المحبة ويزيد المودة، ويجيب الدعاء ويغفر الذنوب ويعمم الإحسان والرضوان أما إذا دعا الإنسان بإثم وشر فيرده الله جل وعلا تفضلاً وعناية بعبده الغائب كما في الحديث الصحيح عند البزار عن عمران بن حصين "دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يرد" قال الغريزي: أي ما لم يدع بإثم، لأنه أقرب إلى الإخلاص. قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت" إسناده صحيح. (¬5) تمنى صلى الله عليه وسلم أن تسبقه السعادة فيموت بعيداً عن مكان ولادته ليوسع له في قبره، وينال مركزاً سامياً في الجنة ويزداد نعيمه ويعظم احترامه.

وسلم: مَوْتُ غُرْبَةٍ (¬1) شَهَادَةٌ. 3 - رواه ابن ماجة. وروى الطبراني من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة، وهو متروك عن أبيه عن جده، قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ: مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: مَنْ قُتِلَ في سَبِيلِ اللهِ (¬2) قالَ إِنّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذاً لَقَلِيلٌ مَنْ قُتِلَ في سَبِيلِ اللهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَالمُتَرَدِّي شَهِيدٌ (¬3)، والنُّفَسَاءُ شَهِيدٌ (¬4)، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ (¬5)، وَالسُّلُّ شَهِيدٌ (¬6)، والْحَرِيقُ شَهِيدٌ (¬7)، والْغَرِيبُ شَهِيدٌ (¬8). ¬

(¬1) بعيد عن أهله ووطنه زيادة الدرجات ورفع مكان وغفران ذنوب وأدعى إلى القبول منه جل وعلا. (¬2) في الجهاد في سبيل نصر دين الله. (¬3) الواقع من جهة عالية والساقط من شاهق. (¬4) المرأة التي ماتت في أثناء الولادة. (¬5) الذي مات غريقاً. (¬6) الذي مات بمرض الصدر، والعياذ بالله تعالى، وكذا كل مرض صعب عضال أعيا نطس الأطباء. (¬7) الذي مات محروقاً واشتعلت النار فيه. (¬8) الذي مات مفارقاً وطنه الأصلي كما قال تعالى: [ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً (100)] من سورة النساء. (مراغماً) طريقاً يراغم قومه بسلوكه: أي يفارقهم على رغم أنوفهم (وقع أجره) أي ثبت عند الله تعالى ثبوت الأجر الواجب، فكل من خرج لعمل صالح، ودرك الطيبات، وجد في الأرض غائباً عن وطنه فمات قبل الله أوبته وضاعف ثوابته، قال البيضاوي: الآية التي نزلت في جندب بن ضمرة حمله بنوه على سرير متوجه إلى المدينة، فلما بلغ التنعيم أشرف على الموت فصفق بيمينه على شماله، فقال: اللهم هذه لك، وهذه لرسولك أبايعك على ما بايع عليه رسولك صلى الله عليه وسلم فمات أهـ. يحث رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على السفر والدأب في تحصيل المحامد والرزق الرغد. فقد ضمن الله السعادة لمن مات: أولاً: غريباً وعده شهيداً: أي وعده الدرجات العالية مثل المجاهد المدافع عن بيضة الإسلام الذاب عن حياضه المستبسل في إزالة هجوم الأعداء عن الوطن، قال تعالى: [يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين (171)] من سورة آل عمران. إن النبي صلى الله عليه وسلم يحث على السياحة، وحب الغربة، والجد في طلب الزرق، والعمل الصالح. وهذه نبذة من أقوال الشعراء يحثون على السفر. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في مدح السفر ما في المقام لذي عقل وذي أدب ... من راحة فدع الأوطان واغترب سافر تجد عوضاً عمن تفارقه ... وانصب فإن لذيذ العيش في النصب إني رأيت وقوف الماء يفسده ... إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب =

[قال الحافظ]: وقد جاء في أن موت الغريب شهادة جملة من الأحاديث لا يبلغ شيء منها درجة الحسن فيما أعلم. ¬

_ = الأسد لولا فراق الغاب ما افترست ... والسهم لولا فراق القوس لم تصب والشمس لو وقفت في الفلك دائمة ... لملها الناس من عجم ومن عرب والبدر لولا أفول منه ما نظرت ... إليه في كل حين عين مرتقب والتبر كالترب ملقى في أماكنه ... والعود في أرضه نوع من الحطب فإن تغرب هذا عز مطلبه ... وإن أقام فلا يعلو على رتب إذا ما ضاق صدرك من بلاد ... ترحل طالباً أرضاً سواها عجبت لمن يقيم بدار ذل ... وأرض الله واسعة فضاها فذاك من الرجال قليل عقل ... بليد ليس يعلم من طحاها فنفسك فز بها إن خفت ضيما ... وخل الدار تنعى من بناها فإنك واجد أرضاً بأرض ... ونفسك لم تجد نفساً سواها إن قل نفعك في أرض حللت بها ... سافر لتدرك قصداً أم ترى أملا فالبيض لو لازمت أغمادها تلفت ... والشمس لو لم تسر ما حلت الحملا وقال الحريري في الحث على السفر في مقامة له لا تقعدن عن ضر ومسغبة ... لكي يقال عزيز النفس مصطبر وانظر بعينك هل أرض معطلة ... من النبات كأرض حفها الشجر فعذ عما تشير الأغبياء به ... فأي فضل لعود ما له ثمر وارحل ركابك عن ربع ظمئت به ... إلى لجناب الذي يهمي به المطر واستنزل الري من در السحاب فإن ... بلت يداك به فليهنك الطفر بلاد الله واسعة فضاء ... ورزق الله في الدنيا فسيح فقل للقاعدين على هوان ... إذا ضاقت بكم أرض فسيحوا وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة ... وخشيت فيها أن يضيق المكسب فارحل فأرض الله واسعة الفضا ... طولاً وعرضاً شرقها والمغرب إذا ما كنت في قوم غريبا ... فعاملهم بفعل يستطاب ولا تحزن إذا فاهو بفحش ... غريب الدار تنبحه الكلاب وما طلب المعيشة بالتمني ... ولكن ألق دلوك في الدلاء تجيء بمثلها طوراً وطوراً ... تجيء بحمأة وقليل ماء ولا تقعد على كسل التمني ... تميل على المقدر والقضاء فإن مقادر الرحمن تجري ... بأرزاق الرجال من السماء مقدرة بقبض أو ببسط ... وعجز المرء أسباب البلاء.

كتاب التوبة والزهد

كتاب التوبة والزهد الترغيب في التوبة، والمبادرة بها، وإتباع السيئةِ الحسنة 1 - عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ (¬1) يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ (¬2)، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا (¬3). رواه مسلم والنسائي. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَلَيْهِ. رواه مسلم. 3 - وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ مِنْ قِبَلِ المغْرِبِ لَبَاباً مَسِيرَةُ عَرْضِهِ أَرْبَعُونَ عَاماً (¬4) أَوْ سَبْعُونَ سَنَةً فَتَحَهُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ لِلتَّوْبَةِ (¬5) يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ فَلاَ يُغْلِقُهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ (¬6). ¬

(¬1) ينجلي بالرضوان: ويقبل بعفوه ورحمته، ويفتح أبواب السعادة زمن السحر. (¬2) ليرجع إلى ربه مذنب يومه، كذا سبحانه يقبل توبة من اقترف الذنوب ليلاً ويستمر سبحانه على ذلك حتى تظهر علامات الساعة وقرب يوم القيامة. (¬3) تتغير الشمس، وتطلع من جهة المغرب، وتترك جهة المشرق. كما قال تعالى: [إن عذاب ربك لواقع (7) ما له من دافع (8) يوم تمور السماء موراً (9) وتسير الجبال سيراً (10)] من سورة الطور. [لواقع] لنازل. تمور: تضطرب. وتصير الجبال هباءً، فلا تقبل توبة، وقد عد علماء التوحيد من علامات الساعة طلوع الشمس من مغربها بعد نزول سيدنا عيسى عليه السلام إلى الأرض: ويحكم بشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويكثر الأمن في زمنه، والخصب، والرخاء، والبركة، ويشرق نوره على المنارة البيضاء شرق دمشق وقت صلاة الصبح كذا قالوا. وأول الساعة من النفخة الثانية كما قال تعالى: [لا تأتيكم إلا بغتة]. ثم يخرج المهدي، والدجال، ويأجوج، ومأجوج من السد الذي حجزهم به ذو القرنين، وهم من ولد يافث بن نوح عليه السلام، كذا خروج الدابة كما قال الله تعالى: [وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون (82)] من سورة النمل: أي تكلمهم ببطلان الأديان ما عدا دين الإسلام أهـ من كتابي (النهج السعيد في علم التوحيد) ص 156. (¬4) أي يساوي مسافة سير نحو 40 سنة أو 70 سنة. (¬5) للرجوع إلى الله عز وجل. (¬6) يقرب قيام الساعة كما قال تعالى: [إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب] =

رواه الترمذي في حديث والبيهقي، واللفظ له، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 4 - وفي رواية له وصححها أيضاً، قال: زِرٌّ، يعني ابن حبيش: فَمَا بِرِحَ يَعْنِي صَفْوان يُحَدِّثُنِي حَتَّى حَدَّثَني أَنَّ اللهَ جَعَلَ بِالمَغْرِبِ بَاباً عَرْضُهُ مَسِيرَةُ سَبْعِينَ عَاماً لِلتّوبَةِ لاَ يُغْلَقُ مَا لَمْ تَطلُعِ الشَّمْسُ مِنْ قِبَلِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ: [يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا (¬1) الآية. وليس في هذه الرواية ولا الأول تصريح برفعه كما صرح البيهقي، وإسناده صحيح أيضاً. للجنة ثمانية أبواب، الحديث 5 - وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لِلْجَنَّةِ ثَمانِيَةُ أَبْوَابٍ: سَبْعَةٌ مُغْلَقَةٌ، وبَابٌ مَفْتُوحٌ لِلتّوْبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ. رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد. 6 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: ¬

= من سورة النساء. قال البيضاوي: أي قبل حضور الموت لقوله تعالى: [حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن] من سورة النساء. وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر" أهـ. فعدم قبول التوبة في حالتين: أ - عند الاحتضار. ب - وعند تغير شروق الشمس: حينئذ تسد أبواب الرحمة، ويخرج دخان الفتن التي تؤذن بالعذاب، وحلول الحساب وابتداء العقاب. نسأل الله السلامة ونتوب إليه جل جلاله، ونستغفر ونحمده سبحانه. (¬1) قال الله تعالى: [وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون (155)] من سورة الأنعام إلى أن قال جل جلاله: [فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون (157) هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا إنا منتظرون (158)] من سورة الأنعام. صدف: أعرض أو صد: فضل وأضل. [الملائكة]: أي ملائكة العذاب، أو ملائكة الموت لقبض روحه. [آيات ربك]: أشراط الساعة. عن حذيفة بن اليمان والبراء بن عازب "كنا نتذاكر الساعة إذ أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ما تذكرون؟ قلنا: نتذاكر الساعة. قال: إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات: الدخان. ودابة الأرض. وخسفاً بالمشرق، وخسفاً بالمغرب، وخسفاً بجزيرة العرب، والدجال، وطلوع الشمس من مغربها، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى عليه السلام وناراً تخرج من عدن، فلا ينفع الإيمان عند الاحتضار، أو عند ظهور هذه العلامات. يريد صلى الله عليه وسلم الإسراع إلى الإنابة إلى الله تعالى وتجديد التوبة وعدم التسويف في فعل الصالحات خشية الاحتضار.

لَوْ أَخْطَأْتُم (¬1) حَتَّى تَبْلُغَ السَّمَاءَ، ثُمَّ تُبْتُمْ لَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ (¬2). رواه ابن ماجة بإسناد جيد. 7 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَطُولَ عُمُرُهُ، وَيَرْزُقَهُ اللهُ الإِنَابَةَ (¬3). رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. من أراد أن يسبق الدائب المجتهد فليكفّ عن الذنوب 8 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْبِقَ الدَّائِبَ المُجْتَهِدَ فَلْيَكُفَّ (¬4) عَنِ الذُّنُوبِ. رواه أبو يعلى، ورواته رواة الصحيح إلا يوسف بن ميمون. [الدائب]: بهمزة بعد الألف: هو المتعب نفسه في العبادة المجتهد فيها. 9 - وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: المؤْمِنُ وَاهٍ رَاقِعٌ، فَسَعِيدٌ مَنْ هَلَكَ عَلى رَقْعِه. رواه البزار والطبرانيّ في الصغير والأوسط وقال: معنى واهٍ: مذنب، وراقع يعني تائب مستغفر. 10 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَثلُ المؤْمِنِ وَمَثَلُ الإِيمَانِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ في آخِيَّتِهِ يَجُولُ ثُمَّ يَرِجِعُ إِلى آخِيَّتِهِ، وَإِنَّ المؤْمِنَ يَسْهُو (¬5) ثُمَّ يَرِجِعُ، فَأَطْعِمُوا طَعَامَكُمْ الأَتْقِياءَ، وَأَوْلُوا مَعْرُوفَكُمْ المؤمِنينَ. رواه ابن حبان في صحيحه. [الآخيّة] بمد الهمزة وكسر الخاء المعجمة بعدها ياء مثناة تحت مشددة: هي حبل يدفن في الأرض مثنيّاً، ويبرز منه كالعروة تشد إليها الدابة، وقيل: هو عود يعرض في الحائط تشد إليه الدابة. ¬

(¬1) أي فعلتم ذنوباً كثرت حتى ارتفعت درجاتها ع ص 307 - 2 ثم أدركتم الرجوع إلى الله جل وعلا. وفي ن ط: تبلغ الشمس. (¬2) أي لقبل توبتكم وصفح عنكم وأغدق عليكم رحمته. (¬3) الرجوع إلى الله جل وعلا وعقد النية على تشييد الصالحات. وفي الغريب: الإنابة الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة وإخلاص العمل، قال تعالى: أ - وخر راكعاً وأناب. ب - وإليك أنبنا. جـ - وأنيبوا إلى ربكم. د - منيبين إليه واتقوه (¬4) فليمتنع عن فعل السيئات. (¬5) ينسى ويغفل.

11 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ (¬1)، وَخَيْرُ الخطَّائِينَ التَّوَّابُونَ (¬2). رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم كلهم من رواية علي بن مسعدة، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 12 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ عَبْداً أَصَابَ ذَنْباً، فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَذنَبْتُ ذَنْباً فاغْفِرْهُ (¬3)، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيأْخُذُ بِه (¬4)، فَغَفَرَ لَهُ، ثُمَّ مَكثَ (¬5) مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْباً آخَرَ، وَرُبَّمَا قالَ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْباً آخَرَ، فَقَالَ: يا رَبِّ إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْباً آخَرَ فاغْفِرْهُ لِي. قالَ رَبُّهُ: علِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، فَغَفَرَ لَهُ، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْباً آخَرَ، وَرُبَّمَا قالَ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْباً آخَرَ فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْباً فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِه، فَقَالَ رَبُّهُ: غَفَرْتُ (¬6) لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ. رواه البخاري ومسلم. [قوله: فليعمل ما شاء] معناه والله أعلم: أنه ما دام كلما أذنب ذنباً استغفر وتاب منه، ولم يعد إليه بدليل قوله: ثم أصاب ذنباً آخر فليفعل إذا كان هذا دأبه ما شاء لأنه كلما أذنب كانت توبته واستغفاره كفارة لذنبه فلا يضره، لا أنه يذنب الذنب، فيستغفر منه بلسانه من غير إقلاع ثم يعاوده، فإن هذه توبة الكذابين. ¬

(¬1) كثير الأخطاء. (¬2) الذين يندمون على جريرتهم ويذمون أنفسهم على تقصيرها، ويكثرون التضرع إلى الله جل وعلا بالغفران وطلب الرضوان والعفو عما اقترفوه. (¬3) اللهم اعف وسامح. (¬4) يعاقب عليه. (¬5) انتظر زمناً طويلاً. (¬6) الذنوب الثلاثة وعفوت عنه تفضلاً. قال القسطلاني: إذا كان هذا دأبه يذنب الذنب فيتوب منه ويستغفر لا أنه يذنب الذنب ويتوب ثم يعود إليه، فإن هذه توبة الكذابين. قال أبو العباس: في المفهم: هذا الحديث يدل على عظم فائدة الاستغفار وكثرة فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه، لكن هذا الاستغفار هو الذي يثبت معناه في القلب مقارناً للسان لتنحل به عقدة الإصرار، ويحصل معه الندم ويشهد له حديث "خياركم كل مفتن تواب" أي الذي يتكرر منه الذنب والتوبة فكلما وقع في ذنب عاد إلى التوبة، لا من قال أستغفر الله بلسانه وقلبه مصر على تلك المعصية أهـ ص 354 من جواهر البخاري.

13 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ المؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْباً كَانَتْ نُكْتَةٌ (¬1) سَوْدَاءُ في قَلْبِه، فَإِنْ تَابَ (¬2)، وَنَزَعَ (¬3)، واسْتَغْفَرَ (¬4) صُقِلَ (¬5) مِنْهَا، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ (¬6) حَتَّى يُغَلَّفَ بِهَا قَلْبُهُ، فَذلِكَ الرَّانُ الذي ذَكَرَ اللهُ في كِتَابِهِ: [كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ]. رواه الترمذي وصححه النسائي، وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم، واللفظ له من طريقين قال في أحدهما: صحيح على شرط مسلم. ولفظ ابن حبان وغيره: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً يُنْكَتُ في قُلْبِهِ نُكْتَةٌ، فَإِنْ هُوَ نَزَعَ واسْتَغْفَرَ وَتَابَ صَقُلَتْ، فَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ الحديث. 14 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَجْعَلْ لَنَا الصَّفَا ذَهَباً (¬7)، فَإِنْ أَصْبَحَ ذَهَبَاً اتَّبَعْنَاكَ، فَدَعا رَبَّهُ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ لَكَ: إِنْ شِئْتَ أُصْبِحُ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَباً، فَمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ عَذَّبْتُهُ (¬8) عَذَاباً لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ والرَّحْمَةِ (¬9). ¬

(¬1) أي أثر قليل كالنقطة، شبه الوسخ في المرآة والسيف ونحوهما أهـ نهاية: أي يترك علامة قليلة من جراء فعل الذنب. (¬2) رجع إلى الله وندم. (¬3) أقلع عن ارتكاب المعصية، وامتنع خوفاً من الله جل وعلا. (¬4) أكثر من الاستغفار. (¬5) نظف وطهر. (¬6) وإن أذنب وارتكب خطايا تراكمت النقط على قلبه فأكسبته الغفلة والنسيان. قال النسفي: ران أي غلب على قلوبهم حتى غمرها ما كانوا يكسبون من المعاصي، وعن الحسن الذنب بعد الذنب حتى يسود القلب، وعن الضحاك: الدنيا موت القلب. وعن أبي سليمان: الرين والقسوة زماما الغفلة ودواؤهما إدمان الصوم، فإن وجد بعد ذلك قسوة فليترك الإدام [كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون] ردع عن الكسب الرائن على القلب لممنوعون عن رؤية ربهم. قال الزجاج: في الآية دليل على أن المؤمنين يرون ربهم وإلا فلا يكون التخصيص مفيداً. وقال الحسين بن الفضل: كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في العقبى عن رؤيته. وقال مالك بن أنس رحمه الله: لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه، وقيل من كرامة ربهم لأنهم في الدنيا لم يشكروا نعمه فيئسوا في الآخرة عن كرامته مجازاة، والأول أصح، لأن الرؤيا أقوى الكرامات فالحجب عنها دليل الحجب عن غيرها أهـ ص 755 جـ 2. (¬7) جبل بجوار البيت الحرام كما قال تعالى: [إن الصفا والمروة من شعائر الله]. (¬8) تعذيباً جديداً في العقوبة؛ من العالمين: أي من عالمي زمانهم، أو العالمين مطلقاً. (¬9) تجليت عليهم بالمغفرة لمن أناب.

قالَ: بَلْ بَابَ التَّوْبَةِ والرَّحْمَةِ (¬1). رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح. 15 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ (¬2). رواه ابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن. [يغرغر] بغينين معجمتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وبِراء مكررة: معناه ما لم تبلغ روحه حلقومه فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به. 16 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي (¬3)؟ قالَ: عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ (¬4) مَا اسْتَطَعْتَ (¬5)، ¬

(¬1) أي أطلب قبول التوبة ونزول الرحمة إنك يا الله غفور رحيم، قال تعالى: [حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم (2) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير (3)] من سورة غافر. [الطول] الفضل بترك العقاب المستحق. [المصير]: يرجع إليه جل وعلا في إثابة المطيع وتعذيب العاصي، اختار صلى الله عليه وسلم فتح باب رضوان الله وطلب عليه الصلاة والسلام إنعامه على عباده وإحسانه وتفضله ورغب عن المال، لأنه عرض زائل فان. ماذا يفيدك أيها المسلم لو حول الله لك الجبال ذهباً؟ ماذا تصنع بها. [وكل نفس ذائقة الموت] وكل نعيم لا محالة زائل [وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو ولدار الآخرة خير للذين يتقون] من سورة الأنعام. فهل تتوب إلى ربك جل وعلا وتقبل على الأعمال الصالحات وتكثر من ذكر الله والصدقات وتدخر ثوابها عند العزيز الوهاب فتتنعم بها في آخرتك [ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (96) من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97)] من سورة النحل. إن شاهدنا وعد الله حفظ النعيم للصالح التقي أن يمده بإفضاله وإكرامه، وهذا ما طلبه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته. صلى الله عليك يا رسول الله علمت المطيعين المخلصين الزهد والقناعة والرغبة في فعل البر والخير والإكثار من طاعة الله جل وعلا والإقبال عليه سبحانه بجليل الأعمال، وكنت لنا المثل الأعلى في ترك حطام الدنيا ونبذه وتشييد المحامد والمكارم، وقد روى لنا الإمام مسلم في حديث أبي هريرة "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو أبي بكر وعمر فقال ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قال الجوع يا رسول الله قال وأنا الذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما قوموا فقاموا معه فأتى رجلاً من الأنصار" الحديث ص 275 مختار الإمام مسلم. قال النووي: فيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكبار أصحابه من التقلل من الدنيا وما ابتلوا به من الجوع وشيق العيش، فإذا حصل يسر أنفق في طاة الله من وجوه البر وإيثار المحتاجين وتجهيز السرايا: أي الجيش يحارب في سبيل الله تعالى أهـ، فلعلك فهمت سر الإعراض عن الجبال أن تكون ذهباً ورغبته صلى الله عليه وسلم في قبول التوبة وفعل الصالحات لله تعالى. نسأل الله الهداية والتوفيق. (¬2) مدة عدم احتضاره وقرب خروج روحه، ففيه الحث على سرعة التوبة والندم والعمل بكتاب الله وسنة نبيه. (¬3) انصحني نصائح أعمل بها. (¬4) الزم الخوف من الله والعمل لإرضائه وتجنب سخطه واترك المعاصي وصحبة الأشرار. (¬5) قدر طاقتك ومدة استطاعتك كما قال تعالى: [فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (16)] من سورة التغابن. =

واذْكُرِ اللهَ عِنْدَ كُلِّ حَجَرٍ وَشَجَرٍ (¬1)، وَمَا عَمِلْتَ مِنْ سُوءٍ فَأَحْدِثْ (¬2) لَهُ تَوْبةً، السِّرُّ بِالسِّرِّ (¬3)، وَالْعَلانِيَةُ بِالْعَلانِيَةِ (¬4). رواه الطبراني بإسناد حسن إلا أن عطاء لم يدرك مُعاذاً، ورواه البيهقي، فأدخل بينهما رجلاً لم يسمّ. 17 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا تَابَ الْعَبْدُ مِنْ ذُنُوبِهِ أَنْسَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ حَفَظَتَهُ (¬5) ذُنُوبَهُ، وَأَنْسَى ذَلِكَ ¬

= أي ابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم، واسمعوا مواعظه وأطيعوا أوامره وأنفقوا في وجوه الخير خالصاً لوجهه. (¬1) أي سبحه ومجده وعظمه سبحانه: أي تفكر في صنعه تعالى وخلقه واحمده كما قال تعالى: [يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون (21) الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون (22)] من سورة البقرة. أي أطيعوا بارئكم بارئ آبائكم وأجدادكم والأمم السابقة راجين أن تنخرطوا في سلك المتقين الأبرار الفائزين بالهدى والفلاح المستوجبين جوار الله تعالى. نبه به على أن التقوى منتهى درجات السالكين، وهي التبري من كل شيء سوى الله تعالى إلى الله تعالى، وأن العابد ينبغي أن لا يغتر بعبادته، ويكون ذا خوف ورجاء كما قال تعالى: [يدعون ربهم خوفاً وطمعاً] من سورة السجدة. [يرجون رحمته ويخافون عذابه] من سورة الإسراء. (فراشاً) مبسوطة سهلة منبثة (بناء) قبة مضروبة عليكم مرفوعة بلا عمد (أندادا) أشباهاً وأمثالاً في إسناد الأفعال إلى غيره: أي وحدوه واعتقدوا أنه الفعال لكل شيء. (¬2) جدد له ندماً ورجوعاً إلى الله جل وعلا. (¬3) إذا فعلت خفية فتب إلى الله في سرك وتضرع إليه جل وعلا واندم. (¬4) إذا أذنبت جهاراً فأعلن توبتك وأعلم الناس إقلاعك عما فعلت وأكثر من التضرع تنجح. قال تعالى: أ -[وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، وهو الله لا إله إلا هو الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون (70)] من سورة القصص. ب - وقال تعالى: [قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون (101)] من سورة يونس. جـ - وقال تعالى: [قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأ كم تعودون فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة] من سورة الأعراف. د - وقال تعالى: [فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين (99)] من سورة الحجر. هـ - وقال تعالى: [نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين، ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون (57)] من سورة يوسف. (¬5) الملائكة المرافقين الذين يحصون سيئاته كما قال تعالى: [عن اليمين وعن الشمال قعيد (17) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18)] من سورة ق. فيتكرم الله جل وعلا أن يلهم الملائكة بترك ذكر الذنوب تفضلاً منه جل وعلا إذا قبل التوبة ومات تاب الله عليه كما قال تعالى: [وهو الذي يقبل التوبة عن عبادة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون (25)] من سورة الشورى.

جَوَارِحَهُ (¬1) وَمَعالِمَهُ (¬2) مِنَ الأَرْضِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ مِنَ اللهِ بِذَنْبٍ (¬3). رواه الأصبهاني. 18 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: النَّادِمُ (¬4) يَنْتَظِرُ مِنَ اللهِ الرَّحْمَةَ، وَالمُعْجِبُ (¬5) يَنْتَظِرُ الْمَقْتَ (¬6)، واعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ (¬7) سَيَقْدُمُ عَلَى عَمَلِهِ، وَلاَ يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَرَى ¬

(¬1) أيديه وأرجله. (¬2) آثاره التي دب فيها للمعصية ومشى فيها، قال تعالى: [من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد (46)] من سورة فصلت. فاتق الله يا عبد الله وأسرع بالتوبة واعمل بأوامر الله لتربح، واعلم أن عمرك محدود ولن تضمن طوله فقد وعدك الله جل وعلا أن ينسى الكتبة ماعملت من سوء ويبعد جوارحك عن الشهود عليك بما اقترفت من الذنوب، ويضيع آثار مشيك للأذى، أو لارتكاب المعاصي؛ وقد قال تعالى في محكم كتابه [ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهو يوزعون (19) حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودها بما كانوا يعملون (20) وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا؟ قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون (21) وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم، ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعلمون (22) وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادكم فأصبحتم من الخاسرين (23)] من سورة فصلت. وقال تعالى [يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، يومئذ يوفيهم الله يدنهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين (25)] من سورة النور. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لنا الدواء الناجع، ألا وهو التوبة وعقد الخناصر على طاعته سبحانه وتقوية العزيمة في عبادته، وأشار إلى السلاح القاطع الذي يخرس كل شهود على العصيان، ألا وهو الإنابة إلى الله مع ذكره سبحانه وتأدية الواجبات والابتعاد عن السيئات، قال تعالى: أ -[ولمن خاف مقام ربه جنتان (46)] من سورة الرحمن. ب -[هل جزاء الإحسان إلا الإحسان (60)] من سورة الرحمن. جـ - وفي سورة الواقعة ذكر سبحانه وتعالى (1). أ - الزرع. ب - الماء. جـ - النار، أي أنه هو السبب في إيجاد أولئك، قال جل شأنه [فسبح باسم ربك العظيم (74)] من سورة الواقعة. قال النسفي: أي فنزع ربك عما لا يليق به أيها المستمع المستدل: أي قل سبحان ربي العظيم أهـ لأنه جدير بذلك. (¬3) دليل مسامحته لا يرى عليه شاهداً أبداً. (¬4) الباكي على خطاياه والحزين على تقصيره، وفي المصباح: ندم إذا حزن أو فعل شيئاً ثم كرهه. (¬5) المترفع المتكبر الذي يستحسن عمله الذي يتعاظم ويتفاخر. (¬6) السخط والعذاب لأنه مراء كذاب. ينتظر المقت كذا ط وع ص 309 - 2 وفي ن د: ينتظر من الله المقت. (¬7) إنسان في الحياة أو إنسانة سيقبل يوم القيامة ويرى صحائف أعماله إن خيراً وإن شراً كما قال تعالى: أ -[والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا =

حُسْنَ عَمَلِهِ (¬1)، وَسُوءَ عَمَلِهِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِها، وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مُطِيَّتانِ (¬2)، فَأحْسِنُوا السَّيْرَ عَلَيْهِمَا إِلى الآخِرَةِ، وَاحْذَرُوا التَّسْوِيفَ (¬3)، فَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً (¬4)، وَلاَ يَغْتَرَّنَّ أَحَدُكُمْ بِحِلْمِ (¬5) اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَقْرَبُ إِلى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ (¬6) نَعْلِهِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ (¬7) خَيْراً يَرَهُ (¬8)، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ]. رواه الأصبهاني من رواية ثابت بن محمد الكوفيّ العابد. ¬

= وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (10)] من سورة الحديد. ب - وقال تعالى: [إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين (6) يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد (7)] من سورة المجادلة. (¬1) عند الاحتضار يبشر الله الصالح بنعيمه، والطالح بالعذاب. (¬2) موصلتان للأعمال لمن يريد التحصيل وتشييد المحامد فالإنسان خلق ليعمل وينتهز فرصة وجوده فيكد في البر والخير ويجد في المكارم كما قال تعالى: [تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير (1) الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور (2)] من سورة الملك. (¬3) التأجيل في التوبة ونية التأخير في عمل صالح، بل أسرعوا وتوبوا إلى الله واعملوا صالحاً؛ ففيه الترغيب في الإنابة إلى الله والعمل بكتابه وسنة نبيه وترك الآمال والأماني الكاذبة. (¬4) فجأة. (¬5) بتأجيل عقاب المذنب، والحليم من أسماء الله تعالى ومعناه الذي لا يستخفه شيء من عصيان العباد، ولا يستفزه الغضب عليهم. سبحانه صبور مؤخر عقاب المسيء يمهل وينتظر الإنابة "ويتوب الله على من تاب" .. (¬6) أقرب شيء يملكه، ومعنى الشراك: أحد سيور النمل التي تكون على وجهها، وهذا على سبيل التقريب والتفهيم إلى أن النعيم أو العذاب مدرك بسرعة، وبعد خروج الروح يرى المؤمن الطائع ثوابه والعاصي عقابه، فالعاقل من تاب إلى الله وأسرع في الطاعة وجد في العبادة، ولا يعلم انتهاء العمل إلا الله جل جلاله؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يرغب المؤمن في التوبة رجاء إدراك رحمة الله وثوابه، ويبغضه في القنوط وينفره من الكبر والغرور كما قال تعالى: [اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً، وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (20) سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (21)] من سورة الحديد. (¬7) مقدار رأس نملة صغيرة. (¬8) يدرك جزاءه ويتمتع بنعيمه. قال النسفي، روي أن جد الفرزدق أتاه عليه السلام ليستقرئه فقرأ عليه هذه الآية فقال حسبي حسبي، وهي أحكم آية، وسميت الجامعة، والله أعلم أهـ. قال البيضاوي: ولعل حسنة الكافر وسيئة المجتنب عن الكبائر تؤثران في نقص الثواب والعقاب، وقيل الآية مشروطة بعدم الإحباط والمغفرة أو من الأولى مخصوصة بالسعداء والثانية بالأشقياء لقوله تعالى: [يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم (6)] من سورة الزلزلة. أي من مخارجهم من القبور إلى الموقف متفرقين بحسب مراتبهم أهـ.

19 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: التَّائِبُ (¬1) مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجة والطبراني كلاهما من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع منه، ورواةُ الطبراني رواة الصحيح، ورواة ابن أبي الدنيا والبيهقي مرفوعاً أيضاً من حديث ابن عباس، وزاد: وَالمسْتَغْفِرُ مِنَ الذَّنْبِ (¬2) وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ، وقد روي بهذه الزيادة موقوفاً، ولعله أشبه. 20 - وَعَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَقالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: النَّدَمُ تَوْبَةٌ؟ قالَ: نَعَمْ (¬3). رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) النادم على فعله المقبل على ربه بطاعته يعفو عنه ربه سبحانه ويثيبه ويحط ذنوبه ويمحو خطاياه تفضلاً، ويجعل صحيفته نقية مثل الذي ليست له ذنوب كما قال تعالى: [إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما (70) ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا (71)] من سورة الفرقان. (¬2) الذي يطلب إزالة ذنوبه بطلب المغفرة مع إصراره على العصيان وعكوفه على الفسوق تهجم منه على عظمة الله وسخرية منه ومجون وطمع في رحمة القادر القهار الجبار واستهزاء بالخالق المنتقم، وقد حكى الله تعالى عن اليهود والمنافقين مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسمون بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحترامه ونصره كذباً وخداعاً، ولكن يصرون على عداوته ويضمرون الخصام له فخزاهم الله ولم يقبل أي عمل لهم وفضحهم كما قال تعالى في سورة المجادلة [ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون (14) أعد الله لهم عذاباً شديداً إنهم ساء ما كانوا يعلمون (15) اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين (16) لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (17) يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون (18) استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون (19)] من سورة المجادلة. قال البيضاوي فتمرنوا على سوء العمل وأصروا عليه. إن الفساق الآن يتهاونون في حقوق الله امتهاناً بأنفسهم وتساهلاً واستهزاءً بعقولهم الضالة التائهة الغافلة عن الله فترى العصاة يسوفون في الصلاة ويؤجلون عمل الخير إلحاداً وإفساداً كما قال تعالى فيهم: [نسوا الله فنسيهم] قال في الغريب إذا نسب ذلك إلى الله فهو تركه إياهم استهانة بهم ومجازاة لما تركوه كما قال تعالى: [فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا] من سورة الأعراف. وكما قال تعالى: [ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون (19)] من سورة الحشر أي تركوا ذكره عز وجل وما أمرهم به فتركهم سبحانه من ذكره بالرحمة والتوفيق. مسكين من لم يتب وماذا ينتظر.؟ والله تعالى له رقيب وحسيب فليستيقظ الإنسان من سباته وليكثر من الاستغفار في الأسحار رجاء غفرانه سبحانه: ما أحسن الخلوة فيذكر الإنسان هول الموقف وما أحاطه من نعم مولاه وماذا عمل استعداداً، وبذا يتجلى الإله برأفته ورحماته فيظله برضوانه ويكون أحد السبعة [ذكر الله خالياً ففاضت عيناه]. (¬3) أجاب سيدنا أنس أن البكاء على التقصير في عمل الصالحات توبة والتضرع إلى المولى بالقول وإقلاع =

21 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ قالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ أَبِي: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: النَّدَمُ تَوْبَةٌ؟ قالَ: نَعَمْ. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 22 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا عَلِمَ اللهُ مِنْ عَبْدٍ نَدَامَةً عَلَى ذَنْبٍ إِلاَّ غَفَرَ لَهُ (¬1) قَبْلَ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ مِنْهُ. رواه الحاكم من رواية هشام بن زياد، وهو ساقط، وقال: صحيح الإسناد. 23 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ المدْحُ (¬2) مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ (¬3) مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ (¬4)، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ (¬5) مِنَ اللهِ ¬

= الإصرار على العصيان وشحذ العزيمة على الطاعة وتقوية الإرادة الصارمة على العبادة مما يسبب قبول الله، ويجلب رضاه، وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يبسط يده. قال النووي: بسط اليد استعارة في قبول التوبة، وخوطب العرب بأمر حسي يفهمونه وهو مجاز، فإن يد الجارحة مستحيلة في حق الله سبحانه وتعالى والعرب إذا رضي أحدهم بالشيء بسط يده لقبوله، وإذا كرهه قبضها عنه أهـ ص 515 مختار الإمام مسلم. (¬1) سامحه وعفا عنه. (¬2) الثناء على الله جل وعلا، ولذا فرض الصلوات الخمس وكلف الإنسان بواجبات ليشكر له فضله وإحسانه وسمى الإنسان المقصر في الطاعة جحوداً كما قال تعالى: [إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد. وإنه لحب الخير لشديد (8)] من سورة العاديات. قال النسفي لكنود: أي لكفور: أي لنعمة ربه خصوصاً لشديد الكفران، وإنه على كنوده يشهد على نفسه، ولأجل حب المال لبخيل ممسك، أو أنه لحب المال قوي، وهو لحب عبادة الله ضعيف أهـ قال تعالى: أ -[وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)] من سورة الذاريات. ب -[ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (180)] من سورة الأعراف. (¬3) شديد الانتقام بقوة وأكثر عقاباً، ومعنى الغيرة الحمية والأنفة وشدة اليقظة، يقال رجل غيور وامرأة غيور. (¬4) منع المعاصي ما ظهر منها وما بطن كالزنا والسرقة والحسد وهكذا من الأشياء القبيحة الفظيعة. (¬5) التوبة والندم. قال النووي: قال القاضي: أي اعتذار العباد إليه من تقصيرهم وتوبتهم من معاصيهم فيغفر لهم سبحانه، قال تعالى: [وهو الذي يقبل التوبة عن عباده] من سورة الشورى. وقد فسر صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم "وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله" رواه أبو هريرة، وفي رواية للبخاري "ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين" قال القسطلاني: الفواحش كل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال (المدح) المدح والثناء بذكر أوصاف الكمال أهـ، وزاد البخاري " ومن أجل ذلك وعد الله الجنة" يخبر صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يحب الذي يتحلى بثلاثة: أ - المدح: أي يكون كثير التضرع والدعاء كما قال تعالى [ادعوني أستجب لكم] وكما قال صلى الله عليه وسلم "الدعاء مخ العبادة". =

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ (¬1)، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ. رواه مسلم. لو لم تذنبوا وتستغفروا لذهب الله بكم، الحديث 24 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ (¬2) لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ (¬3)، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ. رواه مسلم وغيره. 25 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَهِيَ حُبْلى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَصَبْتُ حَدّاً (¬4)، فَأَقِمْهُ ¬

= ب - شديد الغيرة باجتناب ما نهى الله عنه وترك المعاصي. جـ - التوبة والالتجاء إلى الله تعالى كما قال سبحانه: [نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم (49) وأن عذابي هو العذاب الأليم (50)] من سورة الحجر. (¬1) الكتب السماوية المنزلة من السماء وحي من الله جل وعلا على الرسل صلوات الله وسلامه عليهم لتستبين أوامره وتتجلى مقاصده فيعمل بها العبد ليتقرب إلى ربه وأشهرها أربعة: التوراة لسيدنا موسى، والإنجيل لسيدنا عيسى، والزبور لسيدنا داود، والفرقان لسيدنا محمد صلى الله عليهم وسلم كما أنه أرسل الرسل مهذبين ومرشدين ومعلمين ليبينوا للناس الحق فيتبعوه والباطل فيجتنبوه قال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم: [منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك] من سورة النساء. وقد قال علماء التوحيد يجب معرفة خمسة وعشرين منهم، وهم ساداتنا: آدم. إدريس. نوح. هود. صالح. إبراهيم. لوط. إسماعيل. إسحق. يعقوب. يوسف. أيوب. شعيب. موسى. هارون. ذو الكفل. داود. سليمان. إلياس. اليسع. يونس. زكرياء. يحيى. عيسى. أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليهم وسلم وأولو العزم خمسة: أي الذين صبروا وتحملوا المشاق. محمد إبراهيم موسى كليمه ... فعيسى فنوح هم أولو العزم فاعلم وإن الله تعالى ما أرسل الرسل إلا ليعرفوا الناس آلاءه، وأنه تعالى جدير بكل ثناء وخليق بكل تذلل وخشوع وعبادة وطاعة وحقيق بالتوبة إليه كما قال جل شأنه [وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (48) والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون (49)] من سورة الأنعام. (¬2) يقسم صلى الله عليه وسلم بالقادر الذي بيده تصاريف الأمور ذي الفضل والرحمة والحلم سبحانه وتعالى. (¬3) لأماتكم وأفناكم وأوجد أمة أخرى تقع منها الخطايا، وفي هذا بشرى بقبول التوبة والترغيب في عدم اليأس وإرسال أشعة الرجاء والأمل في نفوس العاصين ليتوبوا كما قال تعالى: [قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم (53) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون (54) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنت لا تشعرون (55) أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين (56) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين (58) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين (59)] من سورة الزمر. (¬4) فعلة كبيرة تحتاج إلى رجم وطلبت إقامة الحد من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثابة توبة وندم وعزم قويّ على عدم ارتكاب الزنا.

عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيُّ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَلِيَّهَا فَقَالَ: أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا، فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَدْ زَنَتْ؟ قالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ (¬1). رواه مسلم. 26 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يُحَدِّثُ حَدِيثاً لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَلكِنْ سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: كَانَ الْكِفْلُ (¬2) مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يَتَورَّعُ (¬3) مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَاراً عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ أُرْعِدَتْ (¬4) وَبَكَتْ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ أَكْرَهْتُكِ؟ قالتْ لاَ، وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ (¬5)، وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلاَّ الْحَاجَةُ (¬6)، فَقَالَ: تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا، وَمَا فَعَلْتِهِ قَطُّ (¬7)، اذْهَبِي فَهِيَ لَكِ (¬8)، وَقالَ: لاَ وَاللهِ لا أَعْصِي اللهَ (¬9) بَعْدَهَا أَبَداً، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَأَصْبَحَ مَكْتُوباً عَلَى بَابِهِ: إِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ. رواه الترمذي وحسنه، واللفظ له، وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً يَقُولُ: فذكر بنحوه، والحاكم والبيهقي من طريقه وغيرها، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 27 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَتْ قَرْيَتَانِ إِحْدَاهُمَا صَالِحَةٌ، ¬

(¬1) في تنفيذ حده خاضعة ماثلة إلى عدل الله وعقابه في الدنيا. (¬2) رجل زير. (¬3) يميل إلى عصيان الله تعالى وغشيان الفجور ويحب الفسوق. (¬4) ارتعش جسمها وبرد. (¬5) لم أرتكب فاحشة في حياتي. (¬6) الفقر الذي دعاني إلى التفريط في عرضي. (¬7) قد خفت الله من عصيانه وما بدت منك فاحشة. (¬8) النقود هبة لك. (¬9) هذا العزم بمثابة توبة قبلها الله تعالى فشكر له وسامحه وستر ذنوبه تفضلاً. لمحة رضى وثانية عطف من الزمن وجزء من الوقت أدركته سعادة الله ورضوانه فعفا عنه بسبب مرور خشيته ردحاً من الزمن، فالعاقل يتوب إلى الله في كل لحظة رجاء أن يشمله كرم مولاه سبحانه كما شمل ذلك الرجل الفحاش طيلة عمره ويتوب الله على من تاب.

وَالأُخْرَى ظَالِمَةٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْقَرْيَةِ الظَّالِمَةِ يُرِيدُ (¬1) الْقَرْيَةَ الصَّالِحَةَ، فَأَتَاهُ الْمَوْتُ حَيْثُ شَاءَ اللهُ، فاخْتَصَمَ فِيهِ الملَكُ والشَّيْطَانُ، فَقَالَ الشَّيْطَانُ: واللهِ مَا عَصَانِي قَطُّ فَقَالَ الْمَلَكُ: إِنَّهُ قَدْ خَرَجَ يُرِيدُ التَّوْبَةَ، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا أَنْ يُنْظَرَ إِلى أَيِّهِمَا أَقْرَبُ، فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إِلى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ. قالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: قَرَّبَ اللهُ إِلَيْهِ الْقَرْيَةَ الصَّالِحَةَ. رواه الطبراني بإسناد صحيح، وهو هكذا في نسختي غير مرفوع. 28 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكَمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْساً، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْساً فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لاَ، فَقَتَلَهُ فَكَمَلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ مَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ. انْطَلِقْ إِلى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاساً يَعْبُدُونَ اللهَ، فاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلاَ تَرْجِعْ إِلى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَّفَ الطَّرِيقَ، فَأَتَاهُ مَلَكُ الْمَوتُ فاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِباً مُقْبلاً بِقَلْبِهِ إِلى اللهِ تَعَالَى، وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آَدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ، فَإِلى أَيَّتِهِمَا كانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ (¬2). ¬

(¬1) أي يذهب متجهاً بنية صادقة. (¬2) تسلمته إلى نعيم الله وإحسانه بسبب غفران ذنوبه باهتمامه وسيره إلى بلد الصالحين المطيعين .. هذا رجل تاب الله عليه بسبب عزمه على السير إلى هذه القرية، فما بالك بمن أحب الصالحين وعاشرهم وأكرمهم وودهم وزارهم وحضر مجالسهم وتبرك بدعواتهم الطيبة؟ أرى أن الله كريم وعظيم يبقبله ويوفقه ويهديه إلى الخير ويغفر ذنوبه، ومن أحب قوماً حشر معهم. حسبك قوله صلى الله عليه وسلم "أنت مع من أحببت" نسأل الله السلامة. قال النووي: في باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله: (ثم أفتاه العالم بأنه له توبة) هذا مذهب أهل العلم وإجماعهم على صحة توبة القاتل عمداً ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس، وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمراد قائله الزجر عن سبب التوبة، لا أنه يعتقد بطلان توبته، وهذا الحديث ظاهر فيه، وإن كان شرعاً لمن قبلنا، وفي الاحتجاج به خلاف. فليس موضع الخلاف وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره، =

وفي رواية: فَكَانَ إِلى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَجُعِلَ مِنْ أَهْلِهَا. وفي رواية: فأَوْحَى اللهُ إِلى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَإِلى هَذَهِ أَن تَقَرَّبِي، وَقَالَ: قِيسُوا بَيْنَهُمَا فَوَجَدُوهُ إِلى هذِهِ أقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ. وفي رواية: قال قتادة قال الحسن: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ نَأَى بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا. رواه البخاري ومسلم وابن ماجة بنحوه. 29 - وَعَنْ أَبِي عَبْدِ رَبِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ رَجُلاً أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَقِيَ رَجُلاً فَقَالَ: إِنّ الآخَرَ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْساً كُلَّهُمْ ظُلْماً، فَهَلْ تَجِدْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: إِنْ حَدَّثْتُكَ أَنَّ اللهَ لاَ يَتُوبُ عَلى مَنْ تَابَ كَذَبْتُكَ، ههُنا قَوْمٌ يَتَعَبَّدُونَ، فَأْتِهِمْ تَعْبُدِ (¬1) اللهَ مَعَهُمْ، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ، فَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ فاجْتَمَعَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَمَلائِكَةُ الْعَذَابِ فَبَعَثَ اللهُ إِلَيْهِمْ مَلَكاً فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ المَكانَيْنِ، فَأَيُّهُمْ كانَ أقْرَبَ فَهُوَ مِنْهُمْ، فَوَجَدُوهُ أقْرَبَ إِلى دَيْرِ التَّوَّابِينَ بِأَنْمُلَةٍ فَغُفِرَ لَهُ. رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد، ورواه أيضاً بنحوه بإِسناد لا بأس به عن عبد الله بن عمرو، فذكر الحديث إِلى أن قال: ثُمَّ أَتَى رَاهِباً آخَرَ فَقَالَ: إِنِّي قَتَلْتُ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ تَجِدُ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَقَدْ أَسْرَفْتَ وَمَا أَدْرِي (¬2)، وَلكِن ههُنَا قَرْيَتَانِ قَرْيَةٌ يُقَالُ لها: نَصْرَةُ، والأُخْرَى يُقَالُ لَها: كَفْرَةُ، فأَمَّا أَهْلُ نَصْرَةَ فَيَعْمَلُونَ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ (¬3) لاَ يَثْبُتُ فِيهَا غَيْرُهُمْ، وَأَمَّا ¬

= فإن ورد كان شرعاً لنا بلا شك، وهذا قد ورد شرعنا به، وهو قوله تعالى [والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً (69) إلا من تاب] من سورة الفرقان. وأما قوله تعالى [ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها] من سورة النساء. فالصواب في معناها أن جزاءه جهنم، وقد يجازى به وقد يجازى بغيره، وقد لا يجازى بل يعفى عنه، فإن قتل عمداً مستحلاً له بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد يخلد به في جهنم بالإجماع، وإن كان غير مستحل بل معتقداً تحريمه فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة جزاؤه جهنم خالداً فيها، لكن بفضل الله تعالى ثم أخبر أنه لا يخلد من مات موحداً فيها فلا يخلد هذا، ولكن قد يعفى عنه فلا يدخل النار أصلاً، وقد لا يعفى عنه، بل يعذب كسائر العصاة الموحدين ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يدخل في النار فهذا هو الصواب في معنى الآية أهـ ص 83 جـ 17. (¬1) تطعه وتتقرب إليه سبحانه. (¬2) لا أعلم. (¬3) أي يعملون عملاً صالحاً موصلاً لنعيم الله سبحانه وتعالى.

أَهْلُ كَفْرَةَ، فَيَعْمَلُونَ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ لاَ يَثْبُتُ فِيهَا غَيْرُهُمْ، فَانْطَلِقْ إِلى أَهْلِ نَصْرَةَ، فَإِنْ ثَبَتَّ فِيهَا، وَعَمِلْتَ عَمَلَ أَهْلِهَا، فَلاَ شَكَّ في تَوْبَتِكَ (¬1)، فانْطَلَقَ يَؤُمُّها (¬2) حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ الْقَرْيَتِيْنِ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَسَأَلَتِ الملائِكَةُ رَبَّهَا عَنْهُ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلى أَي الْقَرْيَتِينِ كانَ أقْرَبَ، فَاكْتُبُوهُ مِنْ أَهْلِهَا، فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إِلى نَصْرَةَ بِقيدِ أُنْمُلَةٍ (¬3) فكُتِبَ مِنْ أَهْلِهَا. أنا عند ظن عبدي بي 30 - وَعَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي (¬4)، وَأَنا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي (¬5)، وَاللهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ (¬6) يَجِدُ ضَالَّتَهُ (¬7) بِالْفَلاَةِ (¬8)، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ¬

(¬1) أي علامة قبولك سلوكك مسلك المطيعين. (¬2) يقصدها. (¬3) أي بمقدار ذرة صغيرة جداً. فانظر إلى سعة رحمة الله ولطفه وإدراكه من أناب إليه كما قال تعالى: [ويعفو عن كثير]. (¬4) قال القاضي: قيل معناه بالغفران له إذا استغفر والقبول إذا تاب والإجابة إذا دعا والكفاية إذا طلب الكفاية، وقيل المراد به الرجاء وتأميل العفو، وهذا أصح أهـ نووي ص 2 جـ 17. (¬5) أي معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية، وأما قوله تعالى: [وهو معكم أينما كنتم] فمعناه بالعلم والإحاطة. (¬6) قال العلماء: فرح الله تعالى رضاه. وقال المازري: الفرح ينقسم إلى عدة وجوه: منها السرور والسرور يقاربه الرضا بالمسرور به فالمراد هنا أن الله تعالى يرضى توبة عبده أشد مما يرضى واجد ضالته بالفلاة فعبر عن الرضا بالفرح تأكيداً لمعنى الرضا في نفس السامع ومبالغة في تقريره أهـ نووي ص 60 جـ 17. بخ بخ أيها المسلم بحب الله لك التوبة: أي ترجع إليه نادماً مقصراً على درك الحسنات وتستعد للمستقبل فتعمل صالحاً ليشملك بعزه وبرضاه، وتأمل في الحديث. رجل في مفازة يملك شيئاً نفيساً عزيزاً غالياً ثميناً فتفقده فلم يجده وضاع منه وصار يبحث عنه بجد وكد ثم وجده. ما مقدار فرحه بالعثور على بغيته والحصول على ماله؟ إنه لشديد الحبور. والله تعالى كثير الرضا عن التائب أكثر من الذي وجد ما يهوى: أ -[أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم (74)] من سورة المائدة. ب -[وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون (60) وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون (61) ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين (62) قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين (63) قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون (64)] من سورة الأنعام. إن شاهدنا مراقبة الله تعالى لعبده أن جعل له ملائكة تحفظ أعماله ومع ذلك يعفو سبحانه فيثق العبد بلطف سيده ويعتمد على عفوه وستره [مولاهم] الذي يتولى أمورهم ويحكم بالحق: أي العدل، ثم ساق لهم بعض نعمه [تضرعاً وخفية] معلنين ومسرين [كرب] غم ولكن تعودون إلى الشرك ولا توفون بالعهد. فانظر إلى مدى حلم الله بعباده. (¬7) الشيء المفقود. (¬8) الصحراء: أي الأرض القفر.

شِبْراً (¬1) تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعَاً (¬2)، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِليَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِليهِ بَاعاً، وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ. رواه مسلم، واللفظ له، والبخاري بنحوه. من أقبل إلى الله عزّ وجلّ ماشياً أقبل إليه مهرولاً 31 - وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ قالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْفُسْطَاطِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ تَقَرَّبَ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ شِبْراً تَقَرَّبَ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ ذِرَاعَاً تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بَاعاً، وَمَنْ أَقْبَلَ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَاشِياً أَقْبَلَ إِلَيْهِ مُهَرْوِلاً، واللهُ أَعْلَى وأَجَلُّ، واللهُ أَعْلَى وأَجَلُّ، واللهُ أَعْلى وأَجَلُّ. رواه أحمد والطبراني، وإسنادهما حسن. 32 - وَعَنْ شُرَيْحٍ هُوَ ابْنُ الْحَرِثِ قالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: قالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ قُمْ (¬3) إِلَيَّ أَمْشِ إِلَيْكَ (¬4)، وَامْشِ إِلَيَّ أُهَرْوِلْ إِلَيْكَ. رواه أحمد بإسناد صحيح. 33 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلى بَعِيرِهِ (¬5)، وَقَدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضٍ فَلاَةٍ. رواه البخاري ومسلم. 34 - وفي رواية لمسلم: لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضٍ فَلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ (¬6) عَنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، ¬

(¬1) أي مقدار شبر في الطاعة والعمل الصالح. (¬2) أي أغدقت عليه الثواب مضاعفاً وآجرته أكثر إنعاماً وإحساناً، والله تعالى منزه عن الجوارح والمشابهة والمماثلة. قال النووي: ومعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة، وإن زاد زدت فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة: أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود، والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه أهـ ص 4 جـ 17. (¬3) أخلص لي في العبادة واعمل صالحاً لي وأكثر من ذكري والصلاة على حبيبي. (¬4) أرحمك وأحسن إليك وأكثر رزقك وأمتعك بالصحة وزيادة النضارة. (¬5) وقع عليه وصادفه من قصد أهـ نووي. (¬6) فرت منه ورمحت ونفرت وانطلقت.

فَأَيِسَ مِنْهَا (¬1)، فَأَتَى شَجَرَةً، فاضْطَجَعَ (¬2) فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ (¬3) مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا (¬4)، ثُمَّ قالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ (¬5). 35 - وَعَنِ الحرِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ في أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مُهْلِكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ (¬6) فاسْتَيْقَظَ، وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ، فَطَلَبَهَا حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ تَعَالَى: قالَ: أَرْجِعُ إِلى مَكَانِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فاسْتَيْقَظَ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ عَلَيْهَا زَادُهُ وَشَرَابُهُ، فاللهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هذَا بِرَاحِلَتِهِ. رواه البخاري ومسلم. [الدّوية] بفتح الدال المهملة، وتشديد الواو والياء جميعاً: هي الفلاة القفر والمفازة (¬7). من أحسن فيما بقي من عمره غفر له ما مضى 36 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَقِيَ (¬8) غُفِرَ لَهُ مَا مَضَى، وَمَنْ أَسَاءَ فِيمَا بَقِيَ (¬9) أُخِذَ (¬10) بِمَا مَضَى وَمَا بَقِيَ. رواه الطبراني بإسناد حسن. 37 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه ¬

(¬1) جرى وراءها فلم يمسكها. (¬2) استراح ونام. (¬3) زال أمله وقل رجاؤه في العثور عليها. (¬4) زمامها وقبض عليه. (¬5) هذا تمثيل لنهاية السرور الصادر من العبد الذي وجد ناقته ليقرب لك رضا الله تعالى بتوبة عبده والرجوع إليه والأخذ في طاعته والشروع في العمل الصالح له. (¬6) كذا فنام فاستيقظ د وع ص 313، 2، ورواية مسلم وفي ن ط: فنام نومة فاستيقظ. (¬7) قال النووي من قولهم فوز الرجل إذا هلك، وقيل على سبيل التفاؤل بفوزه ونجاته منها كما يقال للديغ سليم أهـ ص 61 جـ 17. (¬8) في ن د زيادة من عمره: أي تاب إلى الله وأخلص في حياته الآتية المستقبلة سامحه الله وعفا عنه ما عمله في الأزمان السابقة تفضلاً. (¬9) أخطأ في مستقبله. (¬10) حاسبه الله على الأعمال الماضية والمستقبلية ففيه الترغيب في التوبة رجاء ستر الله لما عمله سابقاً.

وسلم: إِنَّ مَثَلَ الَّذِي يَعْمَلُ السَّيِّئَاتِ، ثُمَّ يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ عَلَيْهِ دِرْعٌ (¬1) ضَيِّقَةٌ قَدْ خَنَقَتْهُ (¬2)، ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً فانْفَكَّتْ (¬3) حَلْقَةٌ، ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً أُخْرَى، فانْفَكَّتْ أُخْرَى حَتَّى تَخْرُجَ إِلى الأَرْضِ. رواه أحمد والطبراني بإسنادين، رواةُ أحدهما رواة الصحيح. إذا أسأت فأحسن 38 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَرَادَ سَفَراً فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: أَوْصِنِي. قالَ: اعْبُدِ اللهَ وَلا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئاً، قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ زِدْنِي، قالَ: إِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ (¬4) وَلْيَحْسُنْ خُلُقُكَ (¬5). رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة 39 - ورواه الطبراني بإسناد، ورواتُه ثقات: عَنْ أَبي سَلَمَةَ عَنْ مُعَاذٍ قالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي، قالَ: اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ (¬6)، واعْدُدْ نَفْسَكَ في المَوْتَى (¬7)، واذْكُرِ اللهَ عِنْدَ كُلِّ حَجَرٍ (¬8)، وَعِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ، وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فاعْمَلْ بِجَنْبِهَا ¬

(¬1) الزردية أي الواقية من الحديد أو النحاس. (¬2) ضيقت عليه وآلمته. (¬3) انفرجت، والمعنى أن الحسنات تذهب السيئات وتفك المسلم من عقال ذنوبه وتدفع عنه السوء وتجعله في بحبوحة الرخاء والسعادة؛ كما قال تعالى [إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين (114)] من سورة هود. (¬4) فاجتنب الخطأ وأجد في عملك وأكثر من الصالحات. (¬5) يزيد أدبك وتتحلى بمكارم الأخلاق وتتصف بالمحامد والمحاسن والكمال. (¬6) أي تستحضر أن الحق مطلع عليك ومراقب أفعالك فتشعر دوحة الخشوع بمعرفة جلاله وعظمته وتزداد خشيته سبحانه أمامك فتخلص العمل وتفرغ قلبك لمناجاته جل وعلا، فدائماً تستمر على التذلل له والإحسان في كل ما يسند إليك رجاء إرضاء من يراك، وفي الفتح، وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعاً من التلبس بشيء من النقائص احتراماً لهم واستحياء منهم، فكيف بمن لا يزال الله مطلعاً عليه في سره وعلانيته أهـ ص 89 جـ 1. وفي مجلس العمل حضر جبريل عليه السلام فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنه تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك". (¬7) أي ازهد ولا تطمع في الدنيا بكثرة العمل واستعد للآخرة بقرب الأجل كأنك مع من ماتوا فيسألهم ربهم عن أعمالهم فكأنك تحت الطلب كما قال تعالى: [كل نفس ذائقة الموت] فأد ما عليك من الديون. (¬8) إذا رأيت آثاره البديعة في خلقه فسبحه واحمده واشكر له نعمه. واعلم أن كل صنعة لا بد لها من صانع ويعدد الله لنا بعض صنائعه لنوحده كما قال تعالى: أ -[أم من خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة] من سورة النمل. ب -[وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين (22)] من سورة الحجر. جـ -[وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهوراً لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسى كثيرا (49) ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا (50)] من سورة الفرقان. =

حسَنَةً (¬1) السِّرُّ بِالسِّرِّ، والْعَلاَنِيَةُ بالْعَلاَنِيَةِ. وأبو سلمة لم يدرك معاذاً. ورواه البيهقي في كتاب الزهد من رواية إسماعيل بن رافع المدنيّ عن ثعلبة بن صالح عن سليمان بن موسى عن معاذ قالَ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، فَمَشَى قَلِيلاً، ثُمَّ قالَ يَا مُعَاذُ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ (¬2)، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ (¬3)، وَوَفَاءِ الْعَهْدِ (¬4)، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ (¬5)، وَتَرْكِ الْخِيَانَةِ، وَرُحْمِ الْيَتِيمِ (¬6)، وَحِفْظِ الْجِوَارِ (¬7)، وَكَظْمِ الْغَيْظِ (¬8)، وَلِينِ الْكَلاَمِ (¬9)، وَبَذْلِ السَّلاَمِ (¬10)، وَلُزُومِ الإِمَامِ (¬11)، ¬

= يسوق الله تعالى هذه الدلائل ليتأمل العبد في بدائع قدرته وجمال حكمته فيذكره. (¬1) بعدها عملاً صالحاً يمحو أثرها بعد التوبة. (¬2) خشيته والرهبة منه بإخلاص القلب، كما قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر كل نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (18)] من سورة الحشر. قال النسفي: أي في أوامره فلا تخالفوها، وعبر عن الآخرة بالغد كأن الدنيا والآخرة نهاران. وكرر الأمر بالتقوى تأكيداً، أو اتقوا الله في أداء الواجبات؛ لأنه قرن بما هو عمل، واتقوا الله في ترك المعاصي، لأنه قرن بما يجري مجرى الوعيد: وهو أن الله خبير؛ وفيه تحريض على المراقبة، لأن من علم وقت فعله أن الله مطلع على ما يرتكب من الذنوب يمتنع عنه أهـ. (¬3) القول يطابق الواقع والأخبار توافق الحق. (¬4) تنفيذ ما اتفق عليه كما قال تعالى. [وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم لله عليكم كفيلا] من سورة النحل. قال البيضاوي: أي البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أهـ. وأنا أقول: وأيضاً الوفاء بالعمل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله والتحلي بمكارم الأخلاق. (¬5) المحافظة على الوديعة وتسليمها كاملة وحفظ الأسرار للأخيار والابتعاد عن السرقة والأذى وفعل الإضرار. (¬6) الرأفة بالذي مات والده وتقدم الخير والمساعدة له وإكرامه والعناية بشؤونه ومراعاة تثمير ماله وحفظه وعدم اغتياله أو إضراره، كما قال تعالى: [فأما اليتيم فلا تقهر (9)] من سورة الضحى. (¬7) إكرام الجار ومراعاة حرمته وتقديم صنوف الخير له كما قال تعالى: [والجار ذي القربى والجار الجنب] أي الذي قرب جواره، وقيل الذي له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين، والجنب البعيد الذي لا قرابة له وعنه عليه الصلاة والسلام "الجيران ثلاثة فجار له ثلاث حقوق حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام وجار له حقان حق الجوار وحق الإسلام، وجار له حق واحد، وهو المشرك من أهل الكتاب" أهـ بيضاوي. (¬8) الإمساك عن الغضب وحبس الانتقام والكف عن إمضاء العقاب كما قال تعالى: [والكاظمين الغيظ]. (¬9) طيبه وعذوبة ألفاظه وبديع أسلوبه وحسن خطابه ورشيق عباراته كما قال الشاعر: فيه السماحة والفصاحة والتقى ... والبأس أجمع والحجى والخير (¬10) إفشاؤه كما قال صلى الله عليه وسلم حينما سئل "تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" قال القسطلاني من المسلمين فلا نخص به أحداً تكبراً أو تجبراً أهـ. (¬11) اتباع أوامر الحاكم واستماع نصائحه وطاعته وعدم بث الفتن ضده كما قال تعالى: [أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم] من سورة النساء. وملازمة العلماء ومجالسة الأخيار الأبرار الأصفياء وحضور الجماعات في المسجد واختيار الأصحاب في الله لله.

وَالتَّفَقُّهِ في الْقُرْآنِ (¬1)، وَحُبِّ الآخِرَةِ (¬2)، وَالْجَزَعِ مِنَ الْحِسَابِ (¬3)، وَقِصَرِ الأَمَلِ (¬4) وَحُسْنِ الْعَمَلِ، وَأَنْهَاكَ أَنْ تَشْتِمَ مُسْلِمَا (¬5)، أَوْ تُصَدِّقَ كَاذِباً، أَوْ تُكَذِّبَ صَادِقاً، ¬

(¬1) تفهم آياته والتبحر في معرفة أسراره والعكوف على تلاوته والإكثار من ذكره والتفكر في معناه كما قال تعالى: أ -[ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب (269)] من سورة البقرة. ب - وقال تعالى: [ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر الله] من سورة لقمان. جـ - وقوله صلى الله عليه وسلم "ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين". (¬2) الاستعداد ليوم القيامة والإيمان به، لأنه لا بد منه كما قال تعالى: [وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور (7)] من سورة الحج. (¬3) الخوف من يوم تشتد فيه الأهوال وتعظم فيه المسؤولية كما قال تعالى: [وقفوهم إنهم مسؤولون (24) ما لكم لا تناصرون (25) بل هم اليوم مستسلمون (26) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون (27) قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين (28) قالوا بل لم تكونوا مؤمنين (29) وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوماً طاغين (30) فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون (31) فأغويناكم إنا كنا غاوين (32) فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون (33) إنا كذلك نفعل بالمجرمين (34)] من سورة الصافات. أي احبسوهم في الموقف فإنهم مسؤولون عن عقائدهم وأعمالهم [مستسلمون] منقادون لعجزهم وانسداد الحيل عليهم يسأل الرؤساء والأتباع، وبين الله تعالى سبب عقابهم [إنهم كانوا إذا قيل لهم: لا إله إلا الله يستكبرون (35) ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون (36) بلى جاء بالحق وصدق المرسلين (37) إنكم لذائقوا العذاب الأليم (38) وما تجزون إلا ما كنتم تعملون (39) إلا عباد الله المخلصين (40) أولئك لهم رزق معلوم (41) فواكه وهم مكرمون (42) في جنات النعيم (43)] من سورة الصافات. أرأيت هذه الحكاية يمثلها الله تعالى لعباده المصدقين الآن العاملين بالكتاب والسنة ليخشوا الله ويستعدوا ليوم، وصفه الرب جل جلاله [لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير (284) آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير (285)] من سورة البقرة. (¬4) عدم استرسال الأماني الحلوة والركون إلى زخارف الدنيا بانتظار سعة الرزق وزيادة الأموال وتشييد القصور وتسويف في عمل البر وفعل الخير وتأجيل غرس الصالحات وبذر الطيبات، فالمؤمن يقنع ويجد ويعمل عملاً طيباً من وقته. (¬5) يحذر من سب المسلم وأذاه والركون إلى الكاذب الفاجر أو يرد كلام الصالح المتقي ويغير أقواله افتراء عليه أو يعلن الحرب على رئيسه ويخاصمه ويوقد نار العداوة ويبث الفتن والمخالفة وقد اشترط صلى الله عليه وسلم الطاعة بالعدل واتباع الحق. أما إذا خالف الإمام وفعل ما يغضب ربه فليجتنبه فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، بل الإنسان يركن إلى ربه ويخشاه ويؤدي حقوقه، ولا يخاف إلا ربه وحده، يريد صلى الله عليه وسلم أن يتحلى المسلم بست عشرة صفة: الخوف الداعي إلى إيجاد الصالحات، والصدق، والوفاء، والأمانة، والشرف والضمير النقي، ومراقبة الخالق، والعطف على المسكين واليتيم، وحسن الجوار؛ وحبس النفس عن الغضب وطيب القول، وإفشاء التحية، وموافقة الأمير، والتزود بتعليم الكتاب والسنة والاشتياق إلى ملاقاة الرب جل وعلا مع الاعتقاد بالجزاء إن خيراً وإن شراً، وعدم الغرور وكبح جماح الشيطان الغرور الذي يبعث الشر والجشع وجمع الدنيا والضرب بسهم في الأعمال الصالحة وإصابة المرمى في تشييد المكارم ووجود آثارها ظاهرة جليلة (قيمة المرء ما يحسنه) قال المتنبي: =

أَوْ تَعْصِيَ إِمَامَاً عَادِلاً، وَأَنْ تُفْسِدَ فِي الأَرْضِ. يَا مُعَاذُ اذْكُرِ اللهَ عِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ، وَأَحْدِثْ لِكُلِّ ذَنْبٍ تَوْبَةً. السِّرُّ بِالسِّرِّ، والْعَلانِيَةُ بِالْعَلانِيَةِ. 40 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: اتَّقِ اللهَ (¬1) حَيْثُمَا كُنْتَ، وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ (¬2) تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ (¬3). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن. ¬

= ومن يجد الطريق إلى المعالي ... فلا يذر المطي بلا سنام ولم أر في عيوب الناس شيئاً ... كنقص القادرين على التمام ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي فعل فقر عليكم بداري فاهدموها فإنها ... تراث كريم لا يخاف العواقبا إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... وأعرض عن ذكر العواقب جانبا ولم يستشر في رأيه غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا (¬1) أي اخش الله سبحانه في كل زمان ومكان وراقبه، واعلم أنه مطلع عليك فلا تعصه. قال النووي: أي اتقه في الخلوة كما تتقيه في الجلوة بحضرة الناس كما قال تعالى. [ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم] الآية من سورة المجادلة. والتقوى كلمة جامعة لفعل الواجبات وترك المنهيات أهـ. (¬2) إذا أخطأت فتب واشفعها بفعل صالح ليزيل أثر ما بدر منك ويبعد ما تركته الهفوة من جفوة. قال النووي: أي إذا فعلت سيئة فاستغفر الله تعالى منها وافعل بعدها حسنة تمحها. هذه السيئة المتعلقة بحق الله تعالى، أما السيئة المتعلقة بحق العباد من الغضب والغيبة والنميمة فلا يمحوها إلا الاستحلال من العباد ولا بد أن يعين له جهة الظلامة فيقول قلت عليك كيت وكيت. وفي الحديث دليل على أن محاسبة النفس واجبة قال صلى الله عليه وسلم "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا" وقال الله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدم لغد] من سورة الحشر. (¬3) استعمل مع العالم حسن المعاملة بإظهار الأدب ولين الجانب والبشاشة واللطف والحلم. قال النووي: الخلق الحسن كلمة جامعة للإحسان إلى الناس، وإلى كف الأذى عنهم أهـ. ولنا قدوة حسنة بسيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل عليه السلام حين نزل قوله تعالى: [خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199)] من سورة الأعراف. قال في تفسير ذلك أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك، وقال تعالى: أ -[ادفع بالتي هي أحسن] الآية، وقال تعالى. ب -[وإنك لعلى خلق عظيم (4)] من سورة القلم. كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن يأتمر بأمره وينزجر بزواجره ويرضى لرضاه ويسخط لسخطه عليه الصلاة والسلام. وفي الحديث بيان أن المرء يسود بثلاثة ويرقى إلى العلياء: أ - تقوى الله في السر والعلانية. ب - فعل الخير وإيجاد البر الجالب لحسن المعاملة. جـ - مكارم الأخلاق والتحلي بآداب الشرع، ولابن الوردي: سارع إلى فعل الجميل وقلد الـ ... أعناق حسنى فالزمان عواري واجعل إلى الأخرى بدارك بالتقى ... تغنم فما الدنيا بدار بدار =

41 - وروى أحمد بإسناد جيد عن أبي ذرّ ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما: أَنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: سِتَّةُ أَيَّامٍ (¬1)، ثُمَّ اعْقِلْ يَا أَبَا ذَرٍّ مَا يُقَالَ لَكَ بَعْدُ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ قالَ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ في سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلانِيَتِه (¬2)، وَإِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ (¬3)، وَلاَ تَسْأَلَنَّ أَحَداً شَيْئاً، وَإِنْ سَقَطَ سَوْطُكَ (¬4)، وَلاَ تَقْبِضْ أَمَانَةً (¬5). ¬

= وتوخ فعل المكرمات تبرعا ... فالمكرمات حميدة الآثار كن عالماً في الناس أو متعلما ... أو سامعا فالعلم ثوب فخار من كل فن خذ ولا تجهل به ... فالحر مطلع على الأسرار والعلم مهما صادف التقوى يكن ... كالريح إذا مرت على الأزهار هل يستوي العلماء والجهال في ... فضل أم الظلماء كالأنوار لا ظل للمرء يغني عن تقى ورضا ... وإن أظللته أوراق وأفنان لا تغترر بشباب ناعم خضل ... فكم تقدم قبل الشيب شبان فالروض يزدان بالأنوار ناعمه ... والحر بالعدل والإحسان يزدان (¬1) أي انتظر ستة أيام وتمثل ثم افهم الذي أقوله لك من حسن المواعظ ولباب الإرشاد. (¬2) الزم خوف الله في كل أمورك خفيها وظاهرها. (¬3) إذا أذنبت فتب واعمل صالحاً وأحسن نيتك وافعل الخير. (¬4) اعتمد على الله وعلى نفسك في قضاء مصالحك واترك التواكل والتباطؤ وتعهد شؤونك بنفسك، وصغير الأمور ككبيرها، وإن ركبت وسقطت عصاك فانزل وخذها وقوي في نفسك العزيمة والاعتماد على النفس وقوة الإرادة. والسوط معروف وجمعه أسواط وسياط قال تعالى: [سوط عذاب] أي ألم سوط عذاب، والمراد الشدة والمراد في الحديث لا تتهاون ولا تطلب شيئاً من أحد، ولو سقط ما في يدك فعل حقارته هاته. (¬5) لا تودع عندك أمانة خشية أن لا تقوم بحفظها، وتؤديها كاملة تامة، ينصح صلى الله عليه وسلم بأربعة: أ - التقوى. ب - إتقان العمل والتوبة عن الإساءة ثم الإحسان. جـ - الاعتماد على النفس. د - عدم قبول الودائع إذا آنس الإنسان عدم حفظها. وقد بين الله تعالى فوائد التقوى في قوله عز شأنه: 1 - [ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار (11)] من سورة الطلاق. 2 - [ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم (11)] من سورة التغابن. 3 - [ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب] من سورة الطلاق. 4 - [ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا (4)] من سورة الطلاق. 5 - [ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا (5)] من سورة الطلاق. فأنت ترى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشوق أبا ذر للدرس الجديد ويسوق المرغبات المحسنات، ويدعوه إلى العمل بما يقوله صلى الله عليه وسلم وتفهمه وعض النواجذ على إدراكه وفهمه رجاء أن يثمر أدب الشرع: وإنما المرء حديث بعده ... فكن حديثاً حسناً لمن وعى ما اعتن لي يأس يناجي همتي ... إلا تحداه رجاء فاكتمى.

42 - وَعَنْ أَبي الدَّرْدَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَوْصِنِي. قال: إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً، فَأَتْبِعْهَا (¬1) حَسَنَةً تَمْحُهَا. قالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمِنَ الْحسَنَاتِ (¬2) لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ؟ قالَ: هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ. رواه أحمد عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه عنه. 43 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنِ امْرَأَةٍ قُبْلَةً (¬3) وفي رواية: جاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً في أَقْصَى الْمَدِينَةِ (¬4)، وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا (¬5)، فَأَنا هذَا (¬6) فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ سَتَرَكَ اللهُ (¬7) لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ. قال: وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم شيئاً، فَقَامَ فانْطَلَقَ، فَأَتْبَعَهُ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم رَجُلاً فَدَعَاهُ، فَتَلا عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ [وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ (¬8) وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ (¬9) إِنَّ الْحَسَناتِ (¬10) يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذلِكَ ذِكْرَى للذَّاكِرِينَ (¬11)]. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللهِ هذَا لَهُ خَاصَّةً؟ قالَ: بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً. رواه مسلم وغيره. ¬

(¬1) إذا هفوت فأزل ما أخطأت بإتقان عملك وفعل الحسنات رجاء عفو الله سبحانه لك، قال الشاعر: وإذا استسقى لك ذو الإساءة عثرة ... فأقله إن ثواب ذلك أوسع لا تجزعن عن الحوادث إنما ... خرق الرجال على الحوادث لا يجزع (¬2) سأله أبو الدرداء رضي الله عنه عن كلمة التوحيد فعدها صلى الله عليه وسلم من أفضل أعمال البر، ففيه التوبة والذكر والتسبيح والدعاء والصدقات وأنواع الطاعة تعد حسنات فتجلب رضا الله تعالى وإحسانه. (¬3) وضع الفم على الوجه على سبيل الحب والود والتلذذ. (¬4) جهة بعيدة منها. (¬5) أي شيئاً غير ملامستها ومجامعتها. منها ما دون كذا في ن ع ص 314 - 2 وفي ن د: منها دون. (¬6) أنا واقف بين يديك خاضع لحكم الله في تنفيذ حده. (¬7) أي فعلت هذا، والله تعالى لم يفضحك بإظهار عملك للناس. (¬8) الصبح والظهر والعصر. (¬9) المغرب والعشاء ويدخل فيه ساعة السحر التهجد والاستغفار والندم والتضرع إلى القادر جل وعلا التواب. (¬10) الصالحات وفروع العبادة. قال النووي: معنى عالجت: أي تناولت واستمتعت بها، والمراد بالمس الجماع ومعناه استمتعت بها بالقبلة والمعانقة وغيرهما من جميع أنواع الاستمتاع إلا الجماع (كافة) أي كلهم. هكذا تستعمل كافة حالاً، ولا يضاف فيقال كافة الناس ولا الكافة. وهذا تصريح بأن الحسنات تكفر السيئات. واختلفوا في المراد بالحسنات هنا فنقل الثعلبي أن أكثر المفسرين على أنها الصلوات الخمس واختاره ابن جرير وغيره من الأئمة .. وقال مجاهد: هو قول العبد: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ويحتمل أن المراد الحسنات مطلقاً أهـ ص 79 جـ 17. (¬11) عظة للمتعظين [واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين (115)] من سورة هود. =

من فعل ذنوباً كثيرة فهل له من توبة؟ 44 - وَعَنْ أَبِي طَوِيلٍ شَطْبٍ الْمَمْدُودِ أَنَّهُ أَتَّى النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: أَرَأَيْتَ مَنْ عَمِلَ الذُّنُوبَ (¬1) كُلَّهَا، وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئَاً، وَهُوَ في ذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ حَاجَةً وَلا دَاجَةً (¬2) إِلاَّ أَتَاهَا، فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قالَ: فَهَلْ أَسْلَمْتَ (¬3)؟ قالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لا إِله إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. قالَ: تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ (¬4)، وَتَتْرُكُ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهُنَّ اللهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهُنَّ. قالَ: وَغَدَرَاتِي (¬5) وَفَجَرَاتِي (¬6)؟ قالَ: نَعَمْ (¬7) قالَ: اللهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى (¬8). رواه البزار والطبراني ¬

= أي تصبر على فعل الطاعات واحبس نفسك عن اتباع المعاصي. قال البيضاوي: عدول عن الضمير ليكون كالبرهان على المقصود ودليلاً على أن الصلاة والصبر إحسان وإيماء بأنه لا يعتد بهما دون الإخلاص. (¬1) أي كان شديد الفجور والفسوق وارتكب كل ذنب. (¬2) الحاجة الصغيرة، والداجة الحاجة الكبيرة أهـ نهاية. (¬3) دخلت في الإسلام بالنطق بالشهادتين وثبت على توحيد الله جل وعلا وعزمت على طاعة الله سبحانه. (¬4) تعمل صالحاً وتجعل لك في الطيبات ذكراً حسناً وتتقي الله وتجتنب المعاصي ليبدل الله ذنوبك حسنات كما قال الله تعالى: [إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً (70) ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا (71)] من سورة الفرقان. أو قد عزم الرجل على فعل الخير. ومنها المحافظة على الصلاة، وقد رأيت قول من أصاب قبلة هذه الآية لي أي صلاتي مذهبة لمعصيتي مختصة بي أو عامة للناس كلهم. وقال القسطلاني: فيه عدم الحد في القبلة، ونحوه، وسقوط التعزير عمن أتى شيئاً منها وجاء تائباً نادماً، وقال ابن المنذر: فيه أنه لا حد على من وجد مع أجنبية في لحاف واحد، والله أعلم ص 196 جواهر البخاري. (¬5) أفعالي الذميمة التي نقضت فيها العهد ونكثت وخنت، يقال: غدر به: نقض عهده. (¬6) ارتكابي المعاصي وفعل الموبقات، من فجر العبد فجوراً: فسق وزنى، وفجر الحالف فجوراً وكذب، وفي النهاية: التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله. الفجار جمع فاجر وهو المنبعث في المحارم والمعاصي أهـ. (¬7) أجاب صلى الله عليه وسلم بغفران ذنوبه إذا تاب وأناب. (¬8) اختفى عن أعين الناظرين إليه، ففيه الترغيب بالسرعة في الرجوع إلى من فتح أبواب التوبة لعباده رجاء إدراك رحمته إنه غفور رحيم شكور [ومن يغفر الذنوب إلا الله؟]. آيات الترغيب في التوبة من الذنوب أ - قال الله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه] من سورة التحريم. ب - وقال تعالى: [وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (31)] من سورة النور. جـ - وقال [والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (135) أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين (136)] من سورة آل عمران. =

واللفظ له، وإسناده جيد قوي، وشطب قد ذكره غير واحد في الصحابة إلا أن البغوي ¬

_ = د - وقال عز شأنه [أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم (74)] من سورة المائدة. هـ - وقال عز شأنه: [إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً (17) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تب الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً (18)] من سورة النساء. و- وقال تعالى: [ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً (71)] من سورة الفرقان. ز - وقال تعالى: [فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم (7)] من سورة غافر. ح - وقال تعالى: [إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً (70)] من سورة الفرقان. ط - وقال الله تعالى: [قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم (53)] من سورة الزمر. ي - وقال تعالى: [استغفروا ربكم إنه كان غفارا (10)] من سورة نوح. ك - وقال تعالى: [وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير (3) إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير (4)] من سورة هود. نذير بالعقاب على الشرك، وبشير بالثواب على التوحيد [يمتعكم] يعيشكم في أمن ودعة ولا يهلككم بعذاب الاستئصال والأرزاق والآجال ويعط كل ذي فضل في دينه جزاء فضله في الدنيا والآخرة، وهو وعد للموحد التائب بخير الدارين. إن شاهدنا طلب الاستغفار والتوبة، وهذا ما يريده كل نبي من الأنبياء رجاء رحمة الله وإغداق نعمه وزيادة الأرزاق وإزالة الآفات ووضع البركة في النعم المعطاة كما حكى الله أيضاً عن سيدنا شعيب عليه السلام [ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد (89) واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود (90) قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز (91) قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه ورائكم ظهرياً إن ربي بما تعملون محيط (92) ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب (93) ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين (94) كأن لم يغنوا فيها ألا بعداً لمدين كما بدت ثمود (95)] من سورة هود. [رحيم] عظيم الرحمة للتائبين [ودود] فاعل بهم من اللطف والإحسان ما يفعل البليغ المودة بمن يوده، وهو وعد على التوبة بعد الوعيد على الإصرار [رهطك] قومك وعزتهم عندنا لكونهم على ملتنا لا لخوف من شوكتهم ص 3 جـ 10 لقتلناك برمي الحجارة فصاح بهم جبريل فهلكوا [جاثمين] ميتين. وأن النبي صلى الله عليه وسلم رؤوف بأمته يرغب في التوبة ابتغاء نيل ثواب الله تعالى. قال النووي: أصل التوبة الرجوع عن الذنب ولها ثلاثة أركان: الإقلاع والندم على فعل تلك المعصية والعزم على أن لا يعود إليها أبداً، فإن كانت المعصية لحق آدمي فلها ركن رابع، وهو التحلل من صاحب ذلك الحق وأوصلها الندم، وهو ركنها الأعظم. واتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبة وأنها واجبة على الفور لا يجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أم كبيرة، والتوبة من مهمات الإسلام وقواعده المتأكدة، ووجوبها عند أهل السنة بالشرع، وعند المعتزلة بالعقل؛ ولا يجب على الله قبولها إذا وجدت بشروطها عقلاً عند أهل السنة لكنه سبحانه وتعالى يقبلها كرماً وفضلاً وعرفنا قبولها بالشرع والإجماع خلافاً لهم، وإذا تاب من ذنب ثم ذكره هل يجب تجديد الندم. قال ابن الأنباري: يجب، وقال إمام الحرمين: لا يجب، وتصح التوبة من ذنب وإن كان مصراً =

ذكر في معجمه أن الصواب عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير مرسلاً. ¬

_ = على ذنب آخر، ولو تكررت التوبة ومعاودة الذنب صحت، وتوبة الكافر من كفره مقطوع بقبولها، وغيره مظنون، والله أعلم ص 60 جـ 17. حقيقة التوبة قال الغزالي: التوبة عبارة عن معنى ينتظم ويلتئم من ثلاثة أمور: علم وحال وفعل أما العلم فهو معرفة عظم ضرر المعرفة تألم للقلب بسبب فوات المحبوب، فإن القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألم فإن كان فواته بفعله تأسف على الفعل المفوت فيسمى تألمه بسبب فعله المفوت لمحبوبه ندماً إذا غلب هذا الألم على القلب واستولى انبعث من هذا الألم في القلب حالة أخرى تسمى إرادة وقصداً إلى فعل له تعلق بالحال وبالماضي وبالاستقبال، أما تعلقه بالحال فبالترك للذنب الذي كان ملابساً له، وأما بالاستقبال فبالعزم على ترك الذنب المفوت للمحبوب إلى آخر العمر، وأما بالماضي فيتلافى ما فات بالجبر والقضاء إن كان قابلاً للجبر، فالعلم هو الأول، وهو مطلع هذه الخيرات وأعني بهذا العلم الإيمان واليقين فإن الإيمان عبارة عن التصديق بأن الذنوب سموم مهلكة، واليقين عبارة عن تأكد هذا التصديق وانتفاء الشك عنه واستيلائه على القلب فيثمر نور هذا الإيمان مهما أشرق على القلب نار الندم فيتألم بها القلب بحيث يبصر بإشراق نور الإيمان أنه صار محجوباً عن محبوبه كمن يشرق عليه نور الشمس، وقد كان في ظلمه فيسطع النور عليه بانقشاع سحاب أو انحسار حجاب فرأى محبوبه، وقد أشرف على الهلاك فتشتعل نيران الحب في قلبه وتنبعث تلك النيران بإرادته للانتهاض للتدارك، فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي ثلاثة معان مرتبة في الحصول فيطلق اسم التوبة على مجموعها، وكثيراً ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده ويجعل العلم كالسابق والمقدمة والترك كالثمرة والتابع المتأخر، وبهذا الاعتبار قال عليه الصلاة والسلام "الندم توبة" إذ لا يخلو الندم عن علم أوجبه وأثمره، وعن عزم يتبعه ويتلوه، قيل في حد التوبة إنه ذوبان الحشا لما سبق من الخطأ أو نار في القلب تلتهب وصدع في الكبد لا ينشعب أو خلع لباس الجفاء ونشر بساط الوفاء. قوال سهل بن عبد الله التستري: التوبة تبديل الحركات المذمومة بالحركات المحمودة ولا يتم ذلك إلا بالخلوة والصمت وأكل الحلال أهـ ص 4 جـ 2. واعلم أن وجوب التوبة ظاهر بقوله صلى الله عليه وسلم من حديث مسلم "يا أيها الناس توبوا إلى الله" وقول الله تعالى: [وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (31)] من سورة النور. وقول الله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا] من سورة التحريم. والنصوح الخالص لله تعالى الخالي عن الشوائب، ويدل على فضل التوبة قول الله تعالى [إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (222)] من سورة البقرة. قال الغزالي وهو واضح بنور البصيرة عند من انفتحت بصيرته وشرح الله بنور الإيمان صدره حتى اقتدر على أن يسعى بنوره الذي بين يديه في ظلمات الجهل مستغنياً عن قائد يقوده في كل خطوة، فالسالك إما أعمى لا يستغني عن القائد في خطوه: وإما بصير يهدى إلى أول الطريق ثم يهتدي بنفسه، وكذلك الناس في طريق الدين إما قاصر يفتقر إلى سماع نص من كتاب الله وسنة رسوله أو سعيد يتنبه بأدنى إشارة لسلوك طريق معوصة وقطع عقبات متعبة ويشرق في قلبه نور الإيمان. ثم قال معنى التوبة الرجوع عن الطريق المبعد عن الله المقرب إلى الشيطان، ولا يتصور إلا من عاقل ولا تكمل غريزة العقل إلا بعد كمال غريزة الشهوة والغضب وسائر الصفات المذمومة التي هي وسائل الشيطان إلى إغواء الإنسان، والشهوات جنود الشيطان، والعقول جنود الملائكة، وتكمل الشهوات في الصبا والشباب، فإن كمل العقل وقوي كان أول شغله قمع جنود الشيطان بكسر =

أن رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم طَوِيلٌ شَطْبٌ. ¬

_ = الشهوات ومفارقة العادات الملائمة للإنسان كما حكى الله تعالى عن إبليس [لأحتنكن ذريته إلا قليلا] وقد قيل: فلا تحسبن هنداً لها العذر وحدها ... سجية نفس كل غانية هند فالتوبة فرض عين في حق كل شخص. وكل بشر لا يخلو عن معصية بجوارحه إذ لم يخل عنه الأنبياء كما ورد في القرآن والأخبار من خطايا الأنبياء وتوبتهم وبكائهم على خطاياهم، فإن خلا في بعض الأحوال عن معصية الجوارح فلا يخلو عن الهم بالذنوب بالقلب أو عن وسواس الشيطان بإيراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذكر الله تعالى. أولا يخلو عن غفلة وقصور في العلم بالله وصفاته وأفعاله، وكل ذلك نقص، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام "إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة" الحديث، ولهذا أكرمه الله تعالى [ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر] من سورة الفتح. وإذا كان هذا حاله فكيف حال غيره؟ أهـ ص 9 جـ 4. وفي بيان ما تعظم به الصغائر من الذنوب. أولاً: الإصرار والمواظبة. ثانياً: وأن يستصغر الذنب. ثالثاً: وأن يفرح بالصغيرة ويبجح بها. رابعاً: وأن يتهاون بستر الله عليه وحلمه عنه وإمهاله إياه كما قال تعالى: [ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير (8)] من سورة المجادلة. خامساً: أن يذكر الذنب بعد إتيانه، أو يأتيه في مشهد غيره. سادساً: أن يكون المذنب عالماً يقتدى به، وفي شروط التوبة: أ - الندم: أي توجع القلب عند شعوره بفوات المحبوب، وعلامته طول الحسرة وانسكاب الدمع وطول البكاء والفكر. ب - أن يكون بطلان النزوع بسبب قوة اليقين وصدق المجاهدة السابقة إذ بلغ مبلغاً قمع هيجان الشهوة حتى تأدبت بأدب الشرع. وفي بيان أقسام العباد في دوام التوبة: أولاً: أن يتوب العاصي ويستقيم على التوبة إلى آخر عمره فيتدارك ما فرط من أمره، ولا يحدث نفسه بالعود إلى ذنوبه، وتسمى التوبة النصوح. ثانياً: تائب سلك طريق الاستقامة في أمهات الطاعات وترك كبار الفواحش كلها إلا أنه ليس ينفك عن ذنوب يقترفها لا عن عمد وتجريد قصد، ولكن يبتلى بها ثم يندم وتسمى النفس اللوامة، والأولى النفس الساكنة المطمئنة الراضية، قال تعالى: [الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة] من سورة النجم. ثالثاً: أن يتوب ويستمر على الاستقامة مدة ثم تغلبه الشهوة في بعض الذنوب فيقدم عليها عن صدق وقصد شهوة لعجزه عن قهر الشهوة إلا أنه مع ذلك مواظب على الطاعات وترك جملة من الذنوب مع القدرة والشهوة وإنما قهرته هذه الشهوة الواحدة أو الشهوتان، هو يود لو أقدره الله تعالى على قمعها وكفاء شرها، وعند الفراغ يتندم، وتسمى النفس المسولة وصاحبها من الذين قال الله فيهم [وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم] من سورة التوبة. رابعاً: أين يتوب ويجري مدة على الاستقامة، ثم يعود إلى مقارفة الذنب أو الذنوب من غير أن يحدث نفسه بالتوبة، ومن غير أن يتأسف على فعله، بل ينهمك انهماك الغافل في اتباع شهواته فهذا من جملة المصرين، وهذه النفس هي الأمارة بالسوء الفرارة من الخير، ويخاف على هذا سوء الخاتمة، وأمره في مشيئة الله، نسأل الله حسن الخاتمة. ثم بين الغزالي أن الحسنات المكفرة للسيئات إما بالقلب بالتضرع إلى الله تعالى في سؤال المغفرة والعفو ويتذلل تذلل العبد الآبق ويضمر الخير للمسلمين والعزم على الطاعات، وإما باللسان فبالاعتراف بالظلم =

والشطب في اللغة: الممدود، فصحفه بعض الرُّواة، وظنه اسم رجل، والله أعلم. ¬

_ = والاستغفار فيقول رب ظلمت نفسي وعملت سوءاً فاغفر لي ذنوبي ويكثر من ضروب الاستغفار، وأما بالجوارح فبالطاعات والصدقات وأنواع العبادات. وفي الآثار ما يدل على أن الذنب إذا أتبع بثمانية أعمال كان العفو عنه مرجواً: أربعة من أعماق القلب؛ وهي التوبة أو العزم على التوبة وحب الإقلاع عن الذنب وتخوف العقاب عليه ورجاء المغفرة له. وأربعة من أعمال الجوارح: وهي أن تصلي عقب الذنب ركعتين ثم تستغفر الله تعالى بعدهما سبعين مرة وتقول: سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة ثم تتصدق بصدقة ثم تصوم يوماً. وفي بعض الآثار تسبغ الوضوء وتدخل المسجد وتصلي ركعتين. وفي بعض الأخبار تصلي أربع ركعات. وكان بعض الصحابة يقول كان لنا أمانان ذهب أحدهما، وهو كون الرسول فينا، وبقي الاستغفار معنا؛ فإن ذهب هلكنا، قال الله تعالى [وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون (33)] من سورة الأنفال. فوائد التوبة كما قال صلى الله عليه وسلم أ - يتجلى الله تعالى على التائب برضوانه وإحسانه "يبسط يده". ب - تفتح له أبواب رحماته فتدركه نعمه "باب مفتوح". جـ - تدل توبته على سعادته وإنعامه وقبوله. د - يعد من خير الناس التواب. هـ - يسعه حلم الله وعفوه "غفرت لعبدي". و- ويجلي قلبه بالتوبة ويزيل الصدأ [الران]. ز - يدخل في الصالحين الذين زهدوا في الذهب واختاروا التوبة "الصفا ذهباً". ح - يغير التائب صحائف أعماله بأحسن منها بتشييد الصالحات والمحامد "فأحدث توبة". ط - يأمل التائب أن ينال من خيرات الله وكراماته "النادم ينتظر". ي - ربما تصادفه العناية بالسعادة بسبب التوبة فيدخل الجنة "الكفل". ك - قد تون العزيمة مسببة لغفران الكبائر "قاتل مائة". ل - يحظى بفرح ربه به "لله أفرح". م - يقبل الله تعالى على التائب أضعاف أضعاف إقبال عبده عليه بطاعته "أهرول". ن - قد تسبب التوبة غفران الماضي والإحسان في المستقبل "من أحسن فيما بقي". س - يوسع التائب على نفسه ويزيل الضيق ويذهب الهم ويبعد الكروب "عمل حسنة فانفكت حلقة". ع - يعمل التائب بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبوصيته "إذا أسأت فأحسن". وقد سمى علماء الصوفية النفس بحسب قربها إلى ربها بالطاعة، وإخلاص العبادة والاستقامة: أ - المطمئنة. ب - اللوامة. جـ - المسولة. د - الأمارة بالسوء. هل تجدد معي التوبة لله ونعزم علىطاعة الله والعمل بكتاب الله وسنة رسول الله رجاء أن يقبلنا الله الذي غمرنا بنعمائة وحبانا بأفضاله الجدير بعبادته، والإخلاص له والخوف منه كما قال تعالى: [أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم (22) قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون (23) قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون (24)] من سورة الملك. [مكباً] يعثر كل ساعة ويعصي ربه كل وقت ويخر على وجهه صاغراً غير معتمد على ربه الرزاق [سوياً] مطيعاً قائماً على الحق مرتكناً إلى القوي ربه سالماً من الأخطاء، وتكرم الخالق جل وعلا بخلق الحواس لتنتفعوا بها فتسمعوا المواعظ وتنظروا صنائعه فتجلوه بحق وتتفكروا في بدائع خلقه فتعتبروا وتتوبوا [ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (25) قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين (26)] من سورة الملك. =

الترغيب في الفراغ للعبادة والإقبال على الله تعالى والترهيب من الاهتمام بالدنيا والانهماك عليها

الترغيب في الفراغ للعبادة، والإقبال على الله تعالى والترهيب من الاهتمام بالدنيا، والانهماك عليها 1 - عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَقُولُ رَبُّكُمْ: يَا ابْنَ آدَمَ (¬1) تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي (¬2) أَمْلأْ قَلْبَكَ غِنَىً (¬3)، وأَمْلأْ يَدَكَ رِزْقاً (¬4). يَا ابْنَ آدَمَ لاَ تَبَاعَدْ مِنِّي (¬5) أَمْلأْ قَلْبَكَ فَقْراً، ¬

= يسألون عن الحشر أو ما وعدوا به من العذاب وإرسال الخسف والحصب. يهدد الله الكفار والطغاة والفسقة إن لم يسلموا أو يتوبوا [أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور (16) أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير (17) ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير (18) أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير (19) أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور (20) أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور (21)] من سورة الملك. [من في السماء] الملائكة الموكلين على تدبير هذا العالم أن يزلزلوا الأرض بكم أيها العصاة فأسرعوا وتوبوا إلى الله [حاصباً] يرسل لكم وباء هالكاً وحمى فاشية مدمرة مميتة [الرحمن] الشامل رحمته كل شيء هيأهن للجري في الهواء بحكمته [أمسك رزقه] منع الأمطار فتجف الأنهار فلا زرع ولا ضرع ولم يهيئ أسباب المعيشة الرغدة [لجوا] تمادوا في عناد [ونفور]: أي شراد عن الحق لتنفر طباعهم عنه. إن شاهدنا كفر الكفار وعصيان المسلمين يسبب العذاب من الخالق الجبار إن لم يتوبوا. ولأبي نواس في وصف النرجس واتخاذه دليلاً على التوحيد. تأمل في نبات الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات ... بأبصار هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك لجين: فضة. السبيك؛ المسبوك: أي المذاب، والمعنى أن النرجس بأوراقه البيض المستديرة، وما في وسطه من الكرات الذهبية يشبه عيوناً من ذهب محيط بها إطار من فضة على قوائم خضر من الزبرجد، ليفكر العبد فيتوب إلى من صنع هذا ويعبده بإخلاص قال تعالى: [تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً (61) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكروا أو أراد شكورا (62)] من سورة الفرقان. [سراجاً] الشمس بالنهار والقمر يضيء بالليل [خلفة] يخلف كل منهما الآخر [يذكر] يتذكر آلاء الله ويتفكر في صنعه فيعلم أنه لا بد من صانع حكيم يطيعه ويتوب إليه ويشكر الله تعالى على ما فيه من النعم بإظهار أنواع الطاعات. تبنا إلى الله. (¬1) يخاطب الله تعالى الإنسان الذي ركب فيه عقلاً يرشده إلى صالحه ومعاشه ومعاده وسعادته. (¬2) تخل لطاعتي والعمل لي وابذل طاقتك في رضاي ووقتك في خدمتي. (¬3) قناعة وبسطة ورخاء وسعة. (¬4) نعماً: أي أكثر عليك الخير وأوفر لك الحاجات الكثيرة التي يهمك أمرها في الدنيا فتشعر بكل سرور. (¬5) لا تباعد، كذا ط وع ص 315 جـ - 2 وفي ن د لا تتباعد: أي لا تعص أوامري ولا تستعمل الفجور والطمع.

وَامْلأْ يَدَكَ شُغْلاً (¬1). رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: تَلاَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ (¬2) الآية. قالَ: يَقُولُ اللهُ: ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأْ صَدْرَكَ غِنىً، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلأْتُ صَدْرَكَ شُغْلاً (¬3)، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ. رواه ابن ماجة والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن، وابن حبان في صحيحه باختصار إلا أنه قال: مَلأْتُ يَدَكَ شُغْلاً، والحاكم والبيهقي في كتاب الزهد، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 3 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنْبَتَيْها مَلَكَانِ إِنَّهُمَا يُسَمِّعَانِ أَهْلَ الأَرْضِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ (¬4): يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا (¬5) إِلى رَبِّكُمْ، فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى (¬6)، وَلاَ غَرَبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ وَبُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكانِ يُنَادِيَانِ: اللَّهُمَّ عَجِّلْ لِمُنْفِقٍ خَلَفاً (¬7)، وَعَجِّلْ لِمُمْسِكٍ تَلَفاً (¬8). رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم، واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد، ورواه البيهقي من طريق الحاكم، ولفظه: ¬

(¬1) اجعل أعمالك كثيرة بلا فائدة، وأسلط عليك الدنيا تسخر بجشعها. (¬2) الآية [من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب (20)] من سورة الشورى. ثوابها، شبه بالزرع من حيث إنه فائدة تحصل بعمل الدنيا، ولذلك قيل الدنيا مزرعة الآخرة، والحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض ويقال للزرع الحاصل منه (نزد) نعطه بالواحد عشراً إلى سبعمائة فما فوقها (نؤته منها) أي من الدنيا شيئاً على حسب ما قسمناه له، وليس له في آخرته أجر على أعماله إذ الأعمال بالنيات أهـ بيضاوي وقال النسفي (نزد له في حرثه) بالتوفيق في عمله أو التضعيف في إحسانه أو بأن ينال به الدنيا والآخرة. وماله نصيب قط في الآخرة. [الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز (19)] من سورة الشورى. في إيصال المنافع وصرف البلاء من وجه يلطف إدراكه، وهو بر بليغ البر بهم قد توصل بره إلى جميعهم، وقيل هو من لطف بالغوامض علمه وعظم من الجرائم حلمه، أو من ينشر المناقب ويستر المثالب أو يعفو عمن يهفو أو يعطي العبد فوق الكفاية ويكلفه الطاعة دون الطاقة. وعن الجنيد لطف بأوليائه فعرفوه، ولو لطف بأعدائه ما جحدوه أهـ نسفي. (¬3) أعمالاً تفكر في أدائها بلا ثمرة. (¬4) الإنس والجن. (¬5) أقبلوا عليه بالطاعات. (¬6) شغل عن العبادة. (¬7) لجواد كريم عوضاً وسعة وبسطة رزق. (¬8) لبخيل شحيح خسارة وتلفا. النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أن من ملائكة الرحمة اثنين يدعوان الله جل وعلا =

قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا مِنْ يَوْمٍ طَلَعَتْ شَمْسُهُ إِلاَّ وَكَانَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ نِدَاءً يَسْمَعُهُ مَا خَلَقَ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَليْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلى رَبِّكُمْ. إِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَلا آبَتِ الشَّمْسُ إِلاَّ وَكَانَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ نِدَاءً يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللهِ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَأَعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في ذلِكَ قُرْآناً في قَوْلِ المَلَكَيْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلى رَبِّكُمْ في سُورَةِ يُونُسَ: [واللهُ يَدْعُو إِلى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (¬1)]، وَأَنْزَلَ اللهُ في قَوْلِهِمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفَا، وَأَعْطِ مُمْسِكَاً تَلَفاً: ¬

= صباح مساء أن يخلف على الجواد ويعطي المحسن ويزيد في رزق المتصدق الكريم، ويبارك في نعمه وفي أولاده، ويعاقب البخيل بإقلال رزقه، وينزع البركة مما أعطى ويصيبه التلف والدمار والبوار، كما قال تعالى في حكاية رجلين من بني إسرائيل ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطروا فاشترى الكافر بها ضياعاً وعقاراً وصرفها المؤمن في وجوه البر، أو في أخوين من بني مخزوم: كافر، وهو الأسود بن عبد الأشد، ومؤمن وهو أبو سلمة عبد الله زوج أم سلمة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم [واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا (22) إلى قوله تعالى وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً (42)] من سورة الكهف. فالأول بخيل مقصر في حقوق الله وفي وجوه الإحسان فسلط الله عليه الآفات فأهلكت ثمراته. المثل الثاني بستان نضير وحديقة فيحاء غناء لرجل صالح بصنعاء على بعد فرسخين منها يكرم الفقراء لله تعالى فورثه بنوه فضنوا على المساكين وقالوا لو فعلنا كأبينا ضاق علينا الأمر وحلفوا بالله ليقطعن الثمرة مبكرين ولم يسندوا الأمر للرزاق الواحد القهار، كما قال تعالى في سورة القلم [إذا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين (17) ولا يستثنون (18) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون (19) فأصبحت كالصريم (20)] من سورة القلم. أي كالبستان الذي قطع ثماره بحيث لم يبق فيه شيء هذان مثلان في القرآن الكريم يضربهما الله للأغنياء أصحاب الثروة الواسعة رجاء أن يجودوا بمالهم وينفقوا في وجوه البر وتشييد الصالحات وإلا تسلب منهم هذه النعم وتفنى الأموال وتزول الثروة: حليف الندى يدعو الندى فيجيبه ... قريباً ويدعو الندى ويجيب هو العسل الماذي لينا وشمعة ... وليث إذا يلقى العدو غضوب حليم إذا ماسورة الجهل أطلقت ... حبى الشيب للنفس اللجوج غلوب فتى أريحى كان يهتز للندى ... كما اهتز ماضي الشفرتين قضيب (¬1) قال النسفي: درا السلام الجنة، أضافها إلى اسمه تعظيماً لها، أو السلام السلامة لأن أهلها سالمون من كل مكروه، وقيل لفشو السلام بينهم وتسليم الملائكة عليهم إلا قيلاً سلاماً سلاما (ويهدي) يرفق إلى السلام أو طريق السنة فالدعوة عامة على لسان رسول الله بالدلالة والهداية خاصة من لطف المرسل بالتوفيق والعناية، والمعنى يدعو العباد كلهم إلى دار السلام ولا يدخلها إلا المهديون (للذين أحسنوا الحسنى) للذين آمنوا بالله ورسوله المثوبة الحسنى وهي الجنة (وزيادة) رؤية الرب عز وجل، وقيل الزيادة المحبة في قلوب العباد، وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان (ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة) ولا يغشى وجوههم غبرة فيها سواد ولا أثر هوان، والمعنى ولا يرهقهم ما يرهق أهل النار أهـ ..

[وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، والنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى، وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثَى (¬1) إِلى قَوْلِهِ: لِلْعُسْرَى]. 4 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: تَفَرَّغُوا مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا مَا اسْتَطَعْتُمْ (¬2)، فَإِنَّهُ مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّهِ (¬3) أَفْشَى اللهُ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ (¬4)، وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ (¬5) أَكْبَرَ هَمِّهِ جَمَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ أُمُورَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ في قَلْبِهِ (¬6)، وَمَا أَقْبَلَ عَبْدٌ بِقَلْبِهِ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ جَعَلَ اللهُ قُلُوبَ المؤْمِنينَ تَفِدُ إِلَيْهِ (¬7) بِالْوُدِّ والرَّحْمَةِ، وَكَانَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ إِلَيْهِ ¬

(¬1) [إن سعيكم لشتى (4) فأما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى (6) فسنيسره لليسرى (7) وأما من بخل واستغنى (8) وكذب بالحسنى (9) فسنيسره للعسرى (10)] من سورة الليل. مساعيكم في الدنيا مختلفة. هذا يعمل لله، وذا للرياء. أعطى الطاعة واتقى المعصية وصدق بالكلمة الحسنى وهي ما دلت على حق الكلمة كتوحيد ووصلت إلى خير فسنهيء له طريق الجنة واليسر والسعادة. بخل بما أمر به وشح في الواجبات واستلذ بالشهوات وناء عن البر بجانبه بالموبقات وابتعد عن الصالحات الموصلة إلى حسن العقبى ونعيمها [العسرى] نوصله إلى ما يتمنى من العسر والضيق والشدة لميله إلى ملذاته. (¬2) بقدر استطاعتكم بكبح جماح النفس عن المعاصي وشره جمع المال بلا حق. (¬3) نهاية ما يرجو من كده وزع الله طلباته الجمة ونشر حاجاته وأكثر جشعه وشرهه. (¬4) مهما أعطى من المال يتخيل له الفقر والدعة والذل. (¬5) يوم القيامة فيعمل لحسابه كما قال تعالى: [من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحورا (18) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا (19) كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك، وما كان عطاء ربك محظورا (20) انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا (21)] من سورة الإسراء. [ما نشاء] بإرادة الله لا ما يشاء ذلك الطماع الشره. قال النسفي: أي من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة تفضلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد، فقيد المعجل بمشيئته والمعجل له بإرادته، وهكذا الحال. ترى كثيراً من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضاً منه، وكثيراً منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة، وأما المؤمن التقي فقد اختار غنى الآخرة فإن أوتي حظاً من الدنيا فبها، وإلا فربما كان الفقر خيراً له [يصلاها] يدخلها [مذموماً] ممقوتاً [مدحورا] مطروداً من رحمة الله [مؤمن] مصدق لله في وعده ووعيده [مشكورا] مقبولاً عند الله تعالى مثاباً عليه. عن بعض السلف: من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله: إيمان ثابت، ونية صادقة، وعمل مصيب وتلا الآية فإنه شرط فيها ثلاث شرائط في كون السعي مشكوراً إرادة الآخرة والسعي فيما كلف، والإيمان الثابت أهـ. (¬6) رزقه القناعة والرضى والسرور بكل ما ينال والاستبشار وانتظار الفرج ويزول عنه اليأس. (¬7) تقبل عليه وتزوره وتحبه وتجله وتساعده على مهام أموره فتروج تجارته ويذاع صيته وينتشر ذكره الطيب ويتبرك به وتهابه الحكام وتخشى سطوته الأشرار، وقد شاهدت رجلاً صالحاً عالماً احترمه الناس لعمله الصالح وبجلوه فاهتدوا بأنواره ووثقوا بأقواله وكان حجة ثبتاً نبراساً منيراً في دياجي الشبهات وحاول الأشرار =

بِكُلِّ خَيْرٍ أَسْرَعَ (¬1). رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي في الزهد. 5 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ يَقُولُ: مَنْ كَانَتِ الدُّنيَا هَمَّهُ (¬2) فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ (¬3) جَمَعَ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ (¬4). رواه ابن ماجة، ورواته ثقات، والطبراني، ولفظه: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّهُ مَنْ تَكُنِ الدُّنْيَا نِيَّتَهُ يَجْعَلِ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَيُشَتِّتْ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَلاَ يُؤْتِيهِ مِنْهَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ تَكُنِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ يَجْعَل اللهُ غِنَاهُ في قَلْبِهِ، وَيَكْفِيهِ ضَيْعَتَهُ، وَتَأْتِيهِ الدُّنْيَا، وَهِيَ رَاغِمَةٌ. رواه في حديث بإسناد لا بأس به، ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه، وتقدم لفظه في العلم. [قوله: شتت عليه ضيعته] بفتح الضاد المعجمة، وإسكان المثناة تحت: معناه فرق عليه حاله وصناعته ومعاشه، وما هو مهتم به، وشعّبه عليه ليكثر كدُّه، ويعظم تعبه. 6 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ ¬

= أن يؤذوه وأطلقوا عليه من بنادقهم ناراً فحماه الله ووقاه ومرت الرصاصة بجوار أذنه سالماً، وبعد حين وقع المجرمون في حادثة بعيدة منه فنالوا جزاءهم وأخذوا عقابهم الصارم. (¬1) يوصل إليه أنواع البر والبركات بسرعة عاجلة. (¬2) جمع المال مقصده بلا إيجاد عمل صالح في سعيه. (¬3) نهاية ما يرجو في حياته فيكثر من طاعة الله ابتغاء ثوابه. (¬4) أقبلت عليه النعم الجمة مسافة منقادة، قال في النهاية: لما كان العاجز الذليل لا يخلو من غضب، قالوا ترغم إذا غضب وراغمه إذا غاضبه. وقد فسر حديث أسماء "إن أمي قدمت علي راغمة مشركة أفأصلها قال نعم" تريد أنها قدم علي غضبى لإسلامي وهجرتي متسخطة لأمري أو كارهة مجيئها إلي لولا مسيس الحاجة؛ وقيل هاربة من قومها من قوله تعالى [يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة]: أي مهرباً ومتسعاً أهـ ص 89. فأنت ترى بشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم للصالح التقي المؤمن العابد أن يبسط الله له رزقه ويجعل عيشه رغداً وييسر أموره ويقضي آماله ويذلل له مصاعب الدنيا فتكون له سهلة: إذا صح عون الخالق المرء لم يجد ... عسيراً من الآمال إلا ميسرا

الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ. رواه الترمذي عن يزيد الرقاشي عنه، ويزيد قد وُثق، ولا بأس به في المتابعات، ورواه البزار، ولفظه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الآخِرَةَ جَعَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْغِنَى في قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ. وَنزَعَ الْفَقْرَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، فلاَ يُصْبِحُ إِلاَّ غَنِيّاً، وَلاَ يُمْسِي إِلاَّ غَنِيّاً، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا جَعَلَ اللهُ الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَلاَ يُصْبِحُ إِلاَّ فَقِيراً، وَلا يُمْسِي إِلاّ فَقِيراً. رواه الطبراني بلفظ تقدم في الاقتصاد. من انقطع إلى الله عز وجل كفاه الله كل مؤنة الحديث 7 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلم: مَنِ انْقَطَعَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَفَاهُ اللهُ كُلَّ مُؤْنَةٍ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ، وَمَنْ انْقَطَعَ إِلى الدُّنْيَا وَكَلَهُ اللهُ إِلَيْهَا (¬1). رواه أبو الشيخ بن حبان والبيهقي من رواية الحسن عن عمران، واختلف في سماعه منه. 8 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ جَعَلَ الْهَمَّ (¬2) هَمَّاً وَاحِداً كَفَاهُ اللهُ هَمَّ دُنْيَاهُ (¬3)، وَمَنْ تَشَعَّبَتْهُ الْهُمُومُ (¬4) لَمْ يُبَالِ اللهُ في أيِّ أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا هَلَكَ. رواه الحاكم والبيهقي من طريقه وغيرها، وقال الحاكم: صحيح الإِسناد، ورواه ابن ماجة في حديث عن ابن مسعود. ¬

(¬1) أي تركه بلا مساعدة لتشغله الدنيا وتسخره وتستخدمه. (¬2) الكد والتكفير لطلب شيء واحد وهو إرضاء الله جل وعلا وحده والسعي لطاعته والعمل له بإخلاص. (¬3) حفظه الله من جميع الهموم، ووقاه وأبعد عنه مشاغل الدنيا وأكدارها. (¬4) فرقته وشغلته كثرة الحاجيات، قال الشاعر أبو الحسن التهامي: طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفواً من الأقذار والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار فالعمر نوم والمنية يقظة ... والمرء بينهما خيال سار فالدهر يخدع بالمنى ويغض إن ... هنا ويهدم ما بني ببوار ليس الزمان وإن حرصت مسالماً ... خلق الزمان عداوة الأحرار ثوب الرياء يشف عما تحته ... وإذا التحفت به فإنك عار شيئان ينقشعان أول وهلة ... ظل الشباب وخلة الأشرار الدنيا كثيرة المناحي متفرقة الحاجات وهمومها جمة ودواؤها التقوى وحب العمل الصالح للآخرة كما قال تعالى [وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب (197)] من سورة البقرة.

9 - وفي رواية له عن ابن مسعود أيضاً قالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمَّاً وَاحِداً هَمَّ الْمَعَادِ (¬1) كَفَاهُ اللهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ أَحْوَال الدُّنْيَا (¬2) لَمْ يُبَالِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في أَيِّ أَوْدِيَتِه هَلَكَ. 10 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أَصْبَحَ وَهَمُّهُ الدُّنْيَا (¬3) فَلَيْسَ مِنَ اللهِ في شَيْءٍ (¬4) الحديث رواه الطبراني. 11 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ أَصْبَحَ حَزِيناً (¬5) عَلَى الدُّنْيَا أَصْبَحَ سَاخِطاً عَلَى رَبِّهِ (¬6). رواه الطبراني. ¬

(¬1) نشر الخلائق وجودهم للحساب، ولجرير يمدح عمر بن عبد العزيز: يعود الفضل منك على قريش ... وتفرج عنهم الكرب الشدادا وقد أمنت وحشتهم برفق ... ويعيى الناس وحشك أن يصادا وتدعو الله مجتهداً ليرضى ... وتذكر في رعيتك المعادا فسيدنا عمر يتقي الله ويعمل صالحاً ليوم القيامة ويخاف سؤال الله في الرعية التي يدبر أمورها. (¬2) تنتابه الوساوس وتكثر الأفكار المبعدة عن الله تعالى فيحرم من توفيق الله تعالى له فيضل ويخطئ ويسخره الشيطان للغواية. (¬3) حبها وجمع المال لشهواتها وزخارفها وزينتها. (¬4) فهو محروم من طاعة الله وليس له ثواب البتة. (¬5) كئيباً غضبان محملاً بأثقال الدنيا من كد وتعب من جراء حطامها وتقليل النعمة المتمتع بها والتكدير مما أصاب من خيرها وطلب الاستزادة وعدم القناعة. (¬6) غير راض عن فعله يائساً من فرجه وروحه غير مستسلم لقضائه وقدره، ففيه أن يقنع ويحمد الله على ما أعطى ويشكر له فضله ويطلب الهداية ووضع البركة فيما منح عاملاً بقول الإمام علي كرم الله وجهه: وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غد ... عسى نكبات الدهر عنك تزول يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم المسلمين القناعة والرضا ومقابلة الشدائد بصدر رحب وثغر باسم، ولا يفكر في هموم الدنيا لحظة، فإن مع العسر يسراً: عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب الثمرات التي يجنيها المطيع ربه سبحانه وتعالى أولاً: يملأ الله فؤاده سروراً وغنى وقناعة (تفرغ). ثانياً: يقيه عاديات الزمان ويبعد عنه هموم الدنيا. ثالثاً: يكتسب رضا الله ودعوات الملائكة الصالحة (هلموا). رابعاً: يبسط الله له رزقه ويمد له المعونة ويهب له الصحة التامة والنعمة العامة (كفاء الله). خامساً: يزيد عنه الأكدار ويرضيه ويفتح له طرق السعادة والسيادة لأنه عبد [العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد (9)] من سورة البروج. =

[قال الحافظ]: وتقدم في الاقتصاد في طلب الرزق وغيره غير ما حديث يليق بهذا الباب، ويأتي في الزهد إن شاء الله تعالى أحاديث أخر. ¬

_ = الآيات القرآنية الذامة الدنيا الحاثة علىطاعة الله أ - قال الله تعالى: [قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا (77)] من سورة النساء. [قليل] سريع التقضي ولا تنقضون أدنى شيء من ثوابكم فلا ترغبوا عنه. ب - وقال تعالى: [ولله ما في السموات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا (126)] من سورة النساء. جـ - وقال تعالى: [من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعاً بصيرا (134)] من سورة النساء. [ولله ما في السموات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنياً حميدا (121) ولله ما في السموات وما في الأرض. وكفى بالله وكيلا (122) إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين، وكان الله على ذلك قديرا (123)] من سورة النساء. د - وقال تعالى: [زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضل والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (14) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله، والله بصير بالعباد (15) الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار (16) الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار (17)] من سورة آل عمران. [المآب] أي المرجع وهو تحريض على استبدال ما عنده من اللذات الحقيقية الأبدية بالشهوات الفانية: سبحانه يثيب المحسن ويعاقب المسيء، خبير بأحوال خلقه. هـ - وقال تعالى: اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (20) سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (21) ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير (22) لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور (23) الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد (24)] من سورة الحديد. و- وقال تعالى: [إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم (65) فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (26)] من سورة التغابن. ز - وقال تعالى: [بل تؤثرون الحياة الدنيا (16) والآخرة خير وأبقى (17) إن هذا لفي الصحف الأولى (18) صحف إبراهيم وموسى (19)] من سورة الأعلى. ح - وقال تعالى: [يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً، إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور (33)] من سورة لقمان. [لا يجزي] لا يقضي عنه [وعد الله] ثوابه وعقابه لا يمكن خلفه [الغرور] الشيطان بأن يرجيكم التوبة والمغفرة فيجرئكم على المعاصي.

الترغيب في العمل الصالح عند فساد الزمان

الترغيب في العمل الصالح عند فساد الزمان 1 - عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشّعْبَانِيِّ قالَ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيَّ قالَ: قُلْتُ يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ كَيْفَ تَقُولُ في هذِهِ الآيَةِ: [عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ]؟ قالَ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيراً (¬1)، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: ائْتَمِرُوا (¬2) بِالمعْرُوفِ، وانْتَهُوا (¬3) عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحَّاً مُطَاعَاً (¬4) وَهَوىً مُتَّبَعَاً (¬5) وَدُنْيَا مُؤثَرَةً (¬6) وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ (¬7)، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ (¬8)، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ (¬9) الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ (¬10) لِلعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ ¬

(¬1) استفهمت من رجل بصير ثقة ثبت. (¬2) أي فليظهر كل منكم النصيحة لأخيه ويتشاور وليأمر بالمعروف، وفي الغريب والائتمار قبول الأمر، ويقال للتشاور اتئمار لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به، قال تعالى: [إن الملأ يأتمرون بك] أهـ، وقوله تعالى: [وائتمروا بينكم بمعروف] أي وليأمر بعضكم بعضاً بجميل الأفعال وحميد الخصال. (¬3) ابتعدوا عن الموبقات واحجزوا أنفسكم عن القبائح. (¬4) تقصيراً في الواجبات وبخلاً متبعاً وتقتيراً. (¬5) نفوساً مائلة إلى الشهوات. (¬6) مختارة محبوبة مقدمة على الآخرة بالميل فيها إلى الترف والدنايا والفجور. (¬7) أي أصلح نفسك وكملها بآداب الدين واعمل صالحاً إذا فشا بخل الناس وكثرت المعاصي ومال الناس إلى حب الدنيا ولم يعملوا للآخرة. (¬8) واترك الناس .. (¬9) إزاء هذا الصبر وحبس النفس على طاعة الله تعالى الأعلى: أي الرفيع سلطانه المنيع في شأنه القوي القاهر المعبود بحق الصمد كما قال الله تعالى لحبيبه [وللآخرة خير لك من الأولى (4)] من سورة الضحى. أي ما أعد الله لك في الآخرة من المقام المحمود والحوض المورود والخير الموعود، خير مما أعجبك في الدنيا. هذا درس لنا يرغبنا الله في الأعمال الصالحة اتقاء القارعة [يوم يكون الناس كالفراش المبثوث (4) وتكون الجبال كالعهن المنفوش (5) فأما من ثقلت موازينه (6) فهو في عيشة راضية (7) وأما من خفت موازينه (8) فأمه هاوية (9) وما أدراك ما هيه (10) نار حامية (11)] من سورة القارعة. الفراش الحشرات. قال النسفي: شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما يتطاير الفراش إلى النار أهـ. العهن: الصوف المصبغ بالألوان (المنفوش) المتفرق أجزاؤه. (¬10) أي كبح جماح النفس عن المعاصي صعب مر ومحرق مثل القبض على النار، ولكن في ذلك ثواباً لمن اتقى الله واجتنب صحبة الفساق والأشرار فالعابد يعطيه الله أجر خمسين من عمل مثله ففيه الترغيب في اجتناب المعاصي مهما زاد روادها وكثر الداعون لها كما قال تعالى: [ألهاكم التكاثر (1) حتى زرتم المقابر (2) كلا سوف تعلمون (3)] من سورة التكاثر. أي شغلكم التباري في الكثرة والتباهي في الأموال والأولاد عن طاعة الله حتى أدرككم الموت (كلا) =

خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ. رواه ابن ماجة والترمذيّ، وقال: حديث حسن غريب، وأبو داود، وزاد: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ: أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قالَ: بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ. 2 - وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قالَ: عِبَادَةٌ في الهَرْجِ (¬1) كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ. رواه مسلم والترمذي وابن ماجة. ¬

= ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي للناظر لنفسه أن تكون الدنيا جميع همه ولا يهتم بدينه [سوف تعلمون] عند النزع سوء عاقبة ما كنتم عليه ثم في القبور ثم لتسألن عن الأمن والصحة فيم أفنيتموها. (¬1) أي طاعة الله واتباع أوامره والعمل بكتابه وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم أثناء انتشار المعاصي مثل مفارقة وطنه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم والسكن بجواره والقرب منه والعمل بشرعه واقتفاء أثره. أ - قال الله تعالى: [وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون (33)] من سورة الأنعام. ب - وقال تعالى: [إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون (34)] من سورة يونس. أي حال الدنيا العجيبة في سرعة تقضيها وذهاب نعيمها بعد إقبالها واغترار الناس بها (زخرفها) حسنها وبهجتها (حصيدا) شبيها بما جنى وقطع كأن لم يفن زرعها: أي لم يلبث، وشاهدنا إسراع المؤمن في اكتساب العبادة خشية ذهاب زهرة الدنيا بموته. آية [عليكم أنفسكم] درس تربية وتكميل ما أجمل معنى هذه الآية [عليكم أنفسكم] تطلب من الإنسان أن يكمل نفسه ويؤدبها ويقبل على تعاليم ربه فيعمل بها ويعكف على التفقه في السنة والتفهم في الدين لتثمر دوحة عرفانه وتشرق شمس فعله وضاءة وضاحة الجبين يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته ... أتطلب الربح فيما فيه خسران أقبل على النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان ماذا ينتظر الإنسان في حياته؟ ينتظر أن يعمل صالحاً فيرضي ربه فيهدأ باله ويرتاح ضميره وبعد الآية تقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تجد إرشاداً إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل واتباع النصائح، واجتناب القبائح والتوصية بالحق والصبر وترك ميدان الجهلة تسرح وتمرح كالسائمة وعدم مجاراة العصاة الطغاة والإقبال على الطاعات فالله تعالى يقول [ولا تزر وازرة وزر أخرى] فإذا أطاع العبد ربه سلم من العقاب ونال الثواب، وربما صار قدوة حسنة وهداية ونبراساً لأهل زمانه، وقد وعد صلى الله عليه وسلم العابد العامل أن له أجراً مضاعفاً من الله جل جلاله، مثل أجر أصحابه وأتباعه [أجر خمسين منكم] أي أيها الصحابة الأجلاء. لماذا؟ لأنه في وقت فشت فيه المعصية. وضل عامة الناس. وساء العمل. وازداد الفسوق. وعم الترف وكثرت الشهوات فلا حلو ولا قوة إلا بالله: إن هذه الآية تطلب من كل فرد أن يصلح نفسه لتسعد الأمة، وتتقدم إلى ذروة العلا وتنبه الوعاظ والعلماء أن يكونوا أسوة حسنة وعنواناً للأعمال الصالحة: لو أنصف الناس استراح القاضي ... وبات كل عن أخيه راضي =

[الهرج]: هو الاختلاف والفتن، وقد فسر في بعض الأحاديث بالقتل لأن الفتن والاختلاف من أسبابه، فأقيم المسبب مقام السبب. ¬

_ = قال أبو الأسود الدؤلي يصف أحوال الناس ويطلب من القادة العمل وتهذيب النفس وتأديبها: حسدوا الفتى إذا لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم وترى اللبيب محمداً لم يجترم ... شتم الرجال وعرضه مشتوم وكذاك من عظمت عليه نعمة ... حساده سيف عليه صروم فاترك مجاراة السفيه فإنها ... ندم وغب بعد ذاك وخيم فإذا جريت مع السفيه كما جرى ... فكلاكما في جريه مذموم وإذا عتبت على السفيه ولمته ... في مثل ما تأتي فأنت ظلوم يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى ... كيما يصح به وأنت سقيم وأراك تصلح بالرشاد عقولنا ... أبداً وأنت من الرشاد عديم لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى ... بالعلم منك وينفع التعليم لا تكلمن عرض ابن عمك ظالما ... فإذا فعلت فعرضك المكلوم وحريمه أيضاً حريمك فاحمه ... كيلا يباع لديك منه حريم وإذا اقتصصتك من ابن عمك كلمة ... فكلومه لك إن عقلت كلوم وإذا طلبت إلى كريم حاجة ... فلقاؤه يكفيك والتسليم فإذا رآك مسلماً ذكر الذي ... كلمته فكأنه ملزوم ورأى عواقب حمد ذاك وذمه ... للمرء تبقى والعظام رميم فارج الكريم وإن رأيت جفاءه ... فالعتب منه والكريم كريم إن كنت مضطراً وإلا فاتخذ ... نفقاً كأنك خائف مهزوم واتركه واحذر أن تمر ببابه ... دهرا وعرضك إن فعلت سليم فالناس قد صاروا بهائم كلهم ... ومن البهائم قاتل وزعيم عمي وبكم ليس يرجى نفعهم ... وزعيمهم في النائبات مليم وإذا طلبت إلى لئيم حاجة ... فألح في رفق وأنت مديم والزم قبالة بيته وفنائه ... بأشد ما لزم الغريم غريم وعجبت للدنيا ورغبة أهلها ... والرزق فيما بينهم مقسوم والأحمق المرزوق أعجب من أرى ... من أهلها والعاقل المحروم ثم انقضى عجبي لعلمي أنه ... رزق مواف وقته معلوم إن أبا الأسود الدؤلي كان في صدر الإسلام، وفي إبان عزه وعظمته وشروق شمسه الساطعة بالأعمال الصالحة وعاصر الإمام علياً كرم الله وجهه. ولكن أثبت لنا أن في العالم حسداً وخصومة وغيبة ونميمة وسفاهة، ووجه اللائمة على الوعاظ وطلب أن تعملوا بإرشادهم رجاء أن تنفع الموعظة، وهكذا من خلال الخير، ونحن الآن في سنة 1355 هـ فانتشرت المعاصي أضعافاً مضاعفة وساءت الحال وزاد الطغيان فالعاقل المؤمن من يكمل نفسه ويؤدبها بآداب الدين ويعمل بالآية، قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون (105)] من سورة المائدة. =

الترغيب في المداومة على العمل وإن قل

الترغيب في المداومة على العمل وإن قل 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: كانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم حَصِيرٌ (¬1)، وَكَانَ يَحْجُزُهُ بِاللَّيْلِ (¬2)، فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ (¬3) فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ (¬4) إِلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَيُصَلُّونَ بِصَلاتِه حَتَّى كَثُرُوا فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ (¬5) فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ (¬6)، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ (¬7) حَتَّى تَمَلُّوا (¬8)، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلى اللهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ (¬9). 2 - وفي رواية: وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ إِذَا عَمِلُوا عَمَلاً وأَثْبَتُوهُ. 3 - وفي رواية قالت: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم سُئِلَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلى اللهِ؟ قالَ: أَدْوَمُهُ وإِنْ قَلَّ. ¬

= احفظوها والزموا إصلاحها لا يضركم الضلال إذا كنتم مهتدين، والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون إيمانهم، وقيل كان الرجل إذا أسلم قالوا له سفهت آباءك، وعد ووعيد للفريقين، وتنبيه على أن أحداً لا يؤخذ بذنب غيره أهـ بيضاوي. (¬1) فرش من نبات يسمى سمارا. (¬2) من باب قتل منعه من التصرف، قال القسطلاني: أي يتخذه كالحجرة، وفي رواية يحتجز يجعله حاجزاً بينه وبين غيره من يحجزه أهـ. (¬3) يفرشه فرشاً. (¬4) يرجعون. (¬5) أي توجه صلى الله عليه وسلم نحوهم يعطيهم درساً. (¬6) قدر طاقتكم ومقدار جهدكم فلا تحملوا أنفسكم صعاب الأعمال، فالدين يسر لا عسر. (¬7) لا تنتهي رحماته، ولا ينقص فضله لمن أطاعه وأجره جزيل وكنزه لا يفنى كما قال صلى الله عليه وسلم "يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار"، وكما قال الله تعالى: [ما عندكم ينفد وما عند الله باق] من سورة النحل. (¬8) تضعفوا؛ الإنسان مركب من لحم ودم يحتاج إلى راحة من عناء عمله فإذا استمر في العبادة عجز عن المواصلة وضعف عن الزيادة، والنبي صلى الله عليه وسلم يريد الترغيب في العمل الصالح ما أمكن كما قال الله تعالى: [فاتقوا الله ما استطعتم] وقال القسطلاني. حتى تملوا: أي لا يقطع عنكم فضله حتى تتركوا سؤاله أهـ. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو العاملين إلى الجد والكد جهد الطاقة والسعي مدة الاستطاعة والأخذ بنصيب وافر في الصالحات مع الراحة والاطمئنان والهدوء، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، ولأبي بكر المقري: وقيمة المرء ما كان يحسنه ... فاطلب لنفسك ما تعلو به وصل وكل علم جناه ممكن أبداً ... إلا إذا اعتصم الإنسان بالكسل وأفضل البر ما لا من يتبعه ... ولا تقدمه شيء من المطل جـ (¬9) الذي تستمر المواظبة عليه وخير الأمور الوسط وشر الأمور الشطط ففيه الترغيب في إتقان العمل بتؤدة وتأني فإنه لا ينظر إلى زمنه، لكن ينظر إلى جودته.

4 - وفي رواية: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: سَدِّدُوا (¬1) وَقارِبُوا (¬2)، واعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ (¬3)، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلى اللهِ أَدْوَمُهَا وإِنْ قَلَّ. رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) اقصدوا السداد وتحروا الصواب. (¬2) كونوا مقاربين لفعل الخير. (¬3) بل بفضل الله ورحمته، وليس المراد توهين العمل، بل الإعلام بأن العمل إنما يتم بفضل الله ورحمته فلا ينبغي أن تتكلوا علي أعمالكم، وهذا الحديث لا يعارضه قوله تعالى: [ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون] لأن العمل إنما حصل بتوفيق الله ورحمته. وقال النووي: ظاهر الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، والجمع بينها وبين الحديث أن التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها وقبولها إنما هو برحمة الله وفضله فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو من رحمة الله تعالى أهـ عزيزي ص 320 جـ 2. يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يسيروا على منهج القرآن الكريم ويستضيئوا بأنواره الوضاءة رجاء السداد والإصابة واتباع الحكمة والرشد، ومهما أحسن العابد يكثر الخوف والرجاء كما قال تعالى في أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم [يدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين] ولا يغتر الإنسان بعمله فالنعيم من فضل الله تعالى، قال الشاعر: من لم تكن حلل التقوى ملابسه ... عار وإن كان مغموراً من الحلل ومن يطع اللهو عصر الصبا ... فذلك في الشيب لا يرجع وكم فرحة جلبت ترحة ... وكم ضحك بعده مطمع لا تنس في الصحة أيام السقم ... فإن عقبى تارك الحزم الندم أ - وقال تعالى: [من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون (15) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون (16)] من سورة هود. ب - وقال تعالى: [المال والبنون زينة الحياة والدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً (46) ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً (47) وعرضوا على ربك صفاً] من سورة الكهف. وقال النسفي [زينة الحياة الدنيا] لا زاد القبر وعدة العقبى وأعمال الخير التي تبقى ثمرتها للإنسان. أو الصلوات الخمس. أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر [خير عند ربك ثواباً] جزاء، لأنه وعد صادق وأكثر الآمال. كاذبة، يعني أن صاحبها يأمل في الدنيا ثواب الله ويصيبه في الآخرة ويوم نسير الجبال في الجو بأن تجعل هباء منثوراً منبثاً، وليس على الأرض ما يسترها من الجبال والأشجار، وحشرنا الموتى فلم نترك غادرة: أي تركه وعرضوا مصطفين ظاهرين. جـ - وقال تعالى: [فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم (79)] من سورة القصص. خرج قارون على بغلة شهباء عليه الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف على زيه. قيل كانوا مسلمين وإنما تمنوا على سبيل الرغبة في اليسار كعادة البشر. ولكن الصالحين يأبون أن يتشبهوا بالفساق قال تعالى: [وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون (80)] من سورة القصص. [ويلكم] دعاء بالهلكة ثم استعمل في الردع والزجر والبعث على ترك ما لا يرضي. وأن شاهدنا أن العلماء عرفوا الثواب الباقي للطاعات فطلقوا الدنيا وهانت عليهم فتفانوا في العمل الصالح واقتدوا بالمثل الأعلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم [حصير يحجره].

الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد

ولمالك والبخاري أيضاً: قالَتْ: كانَ أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلى الله عَزَّ وجَلَّ الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. ولمسلم: كانَ أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلى اللهِ أَدْوَمَهَا وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ. ورواه أبو داود، ولفظه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ اكْلُفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلى اللهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلاً أَثْبَتَهُ. 5 - وفي رواية له قال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئاً مِنَ الأَيَّامِ؟ قالَتْ: لاَ، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَسْتَطِيعُ. ورواه الترمذي. ولفظه: كَانَ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَا دِيمَ عَلَيْهِ. 6 - وفي رواية له: سُئِلَتْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَيُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالا: مَا دِيمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ. [يحجره]: أي يتخذه حجرة وناحية ينفرد عليه فيها. [يثوبون]: بثاء مثلثة ثم واو ثم باء موحدة: أي يرجعون إليه، ويجتمعون عنده. أحب العمل ما داوم عليه العبد 7 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم حَتَّى كَانَ أَكْثَرُ صَلاَتِهِ، وَهُوَ جَالِسٌ، وَكَانَ أَحَبَّ الْعَمَلِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ (¬1) وَإِن كَانَ شَيْئاً يَسِيراً (¬2) رواه ابن حبان في صحيحه. الترغيب في الفقر وقلة ذات اليد وما جاء في فضل الفقراء والمساكين والمستضعفين وحبهم ومجالستهم 1 - عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِن ¬

(¬1) الذي استمر عليه طيلة عمره. (¬2) قليلا.

بَيْنَ أَيْدِيكُمْ عَقَبَةً كَؤُوداً لاَ يَنْجُو مِنْهَا إِلاَّ كُلُّ مُخِفّ. رواه البزار بإسناد حسن. إن وراءكم عقبة كؤوداً لا يجوزها المثقلون 2 - وَعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قُلْتُ لَهُ: مَالَكَ لاَ تَطْلُبُ مَا يَطْلُبُ فُلانٌ وَفُلاَنُ؟ قالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ وَرَاءَكُمْ عَقَبَةً كَؤُوداً لاَ يَجُوزُهَا المثْقِلُونَ (¬1) فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَتَخَفَّفَ (¬2) لِتِلْكَ الْعَقَبَةِ. رواه الطبراني بإسناد صحيح. [الكؤود] بفتح الكاف وبعدها همزة مضمومة: هي العقبة الصعبة. 3 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَوْماً وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ أَبِي ذَرٍّ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرّ: أَعَلِمْتَ أَنَّ بَيْنَ أَيْدِينَا عَقَبَةً كَؤُوداً لا يَصْعَدُهَا إِلاَّ المخِفُّونَ. قالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمِنَ الْمُخِفِّينَ (¬3) أَنَا أَمْ مِنَ الْمُثْقَلِينَ؟ قالَ: عِنْدَكَ طَعَامُ يَوْمٍ؟ قالَ: نَعَمْ، وَطعَامُ غَدٍ (¬4). قالَ: وَطَعَامُ بَعْدَ غَدٍ (¬5)؟ قالَ: لاَ. قالَ: لَوْ كَانَ عِنْدَكَ طَعَامُ ثَلاثٍ كُنْتَ مِنَ الْمُثْقَلِينَ (¬6). رواه الطبراني. ¬

(¬1) أصحاب الغنى واليسار والأموال الوفيرة إلا بعد الحساب. (¬2) أكون خفيف السؤال قال تعالى: [ألم نجعل له عينين (8) ولساناً وشفتين (9) وهديناه النجدين (10) فلا اقتحم العقبة (11) وما أدراك ما العقبة (12) فك رقبة (13) أو إطعام في يوم ذي مسغبة (14) يتيماً ذا مقربة (15) أو مسكيناً ذا متربة (16) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة (17) أولئك أصحاب الميمينة (18)] من سورة البلد. الله تعالى يمن على عبده ليعمل له عينين يبصر بهما المرئيات ولساناً يعبر به عما في ضميره وشفتين يستر بهما ثغره ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ، وهديناه طريق الخير والشر المفضيين إلى الجنة والنار فلم يشكر الإنسان تلك الأيادي والنعم بالأعمال الصالحة من فك الرقاب أو إطعام اليتامى والمساكين ثم بالإيمان الذي هو أصل كل طاعة وأساس كل خير، بل غمط النعم وكفر بالمنعم، والمعنى أن الإنفاق على هذا الوجه مرضي نافع عند الله لا أن يهلك ماله لبدا: أي كثيراً في الرياء والفخار، وعن الحسن: عقبة والله شديدة مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان، بخ بخ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعد لمجاوزة هذه العقبة ويتقلل من حطام الدنيا ويتزود بالتقوى لتقدي به أمته. (¬3) هل أنا من الذين أحمالهم خفيفة أو ثقيلة؟ (¬4) اليوم التالي. (¬5) اليوم الثالث. هذا درس زهد وورع والإقبال على الله والإخلاص له وعدم الركون إلى زخارف الدنيا. يسأل أبو ذر حبيبه ومرشده صلى الله عليه وسلم ليعلمه طريق النجاة وسبيل الخلاص. إن الذي يمر بسلام هو القانع الذي يحب طاعة الله ويتصدق ولا يغتر بالدنيا ولا يجمع إلا ما سد الرمق وأزال الجوع. والمثقل من عنده طعام ثلاثة أيام. فما حال الأغنياء الآن؟ وما عملوه بأموالهم للنجاة من حساب الله؟ (¬6) الذي حمل نفسه فوق طاقتها وأثقلها من كثرة الحساب كما قال تعالى: [ولتسألن يومئذ عن النعيم] وكما قال صلى الله عليه وسلم: "وأصحاب الجد محبوسون".

4 - وَعَنْ أَبِي أَسْمَاءَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ بِالرَّبَذَةِ (¬1) وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ مُشَنَّعَةٌ (¬2) لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ الْمَحَاسِنِ (¬3)، وَلا الْخَلُوقِ (¬4)، فَقَالَ: أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلى مَا تَأْمُرُني هَذِهِ السُّوَيْدَاءُ؟ تَأْمُرُني أَنْ آتِيَ الْعِرَاقَ، فَإِذَا أَتَيْتُ الْعِرَاقَ مَالُوا عَلَيَّ (¬5) بِدُنْيَاهُمْ، وَإِنَّ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم عَهِدَ (¬6) إِليَّ أَنَّ دُونَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيقاً ذَا دَحْضٍ وَمَزَلَّةٍ، وَإِنَّا أَنْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ (¬7)، وَفي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ (¬8) واضْطِمَارٌ أَحْرَى (¬9) أَنْ نَنْجُوَ مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ، وَنَحْنُ مَوَاقِيرُ (¬10). رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح. [الدَّحض] بفتح الدال وسكون الحاء المهملتين، وبفتح الحاء أيضاً، وآخره ضاد معجمة: هو الزلق. 5 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَحْمِي (¬11) عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ الدُّنْيَا، وَهُوَ يُحِبُّهُ كما تَحْمُونَ مَرِيضَكُمُ الطَّعَامَ والشَّرَابَ (¬12). رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. إذا أحب الله عز وجل عبداً حماه الدنيا 6 - وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا أَحَبَّ اللهُ (¬13) عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَاً حَمَاهُ الدُّنْيَا كما يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الماءَ. ¬

(¬1) قرية كانت عامرة في صدر الإسلام، وبها قبر أبي ذر الغفاري وجماعة من الصحابة، وهي في وقتنا دارسة لا يعرف بها رسم، وهي عن المدينة في جهة الشرق على طريق حاج العراق نحو ثلاثة أيام أهـ مصباح. (¬2) مشنعة شعرها متفرق منتشر كذا ع ص 319، - 2 وفي ن ط: مسفعة، وفي النهاية السفعة نوع من السواد ليس بالكثير، وقيل سواد مع لون آخر. (¬3) المحامد والجمال. (¬4) العطر والرائحة الزكية. (¬5) أقبلوا علي بأعمالهم الكثيرة التي تشغلني عن طاعة الله. (¬6) أفهمني وأعلمني أن غير الجسر عقبة صعبة وطريق كؤود ذات زلق ووحل وكدر وزلل. (¬7) نمر عليه خفافاً لا ثقالا. (¬8) قدرة على حمل أعبائه. (¬9) أولى بالفوز. (¬10) محملون أثقالاً، من أوقر الدابة: أثقلها: ودابة وقرى. (¬11) ليحفظ. (¬12) زاد في ن د: تخافون عليه. المعنى أن الله تعالى بلطفه وحكمته وقدرته، يسلم المطيع من آفات الحياة ويقيه أضرارها ويبعده من همومها، رزقه القناعة والرضاء نضارة الصحة كعطف الأب على ابنه إذا مرض، أو عطف القريب على قريبه فيخشى عليه تناول الأكل ويلزمه الحمية، ويراعيه ويعتني بطلباته، فالله أحق بالرأفة، وهو تعالى: الرؤوف الرحيم، ففيه الترغيب في العبادة، والتفويض إلى الله تعالى في كل الأمور رجاء السلامة من أدران الدنيا: [فالله خير حافظاً]. (¬13) أقبل عليه برضوانه لكثرة عبادته له سبحانه.

رواه الطبراني بإسناد حسن، ورواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم بلفظ من حديث أبي قتادة وقال الحاكم: صحيح الإسناد. أكثر أهل الجنة الفقراء 7 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: اطَّلَعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَراءَ (¬1)، واطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ. رواه البخاري ومسلم، ورواه أحمد بإِسناد جيد من حديث عبد الله بن عمرو إلا أنه قال فيه: واطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الأَغْنِيَاءَ والنِّسَاءَ. 8 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: إِنَّ مُوسَى صلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ قالَ: أَيْ رَبِّ عَبْدُكَ الْمؤْمِنُ تُقَتِّرُ عَلَيْهِ (¬2) في الدُّنْيَا؟ قالَ: فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا، قالَ لَهُ: يَا مُوسَى: هَذَا مَا أَعْدَدْتُ لَهُ، فَقَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ وَجَلالِكَ لَوْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ يُسْحَبُ عَلَى وَجْهِه مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَانَ هَذَا مَصِيرَهُ لَمْ يَرَ بُؤْساً (¬3) قَطُّ. قَالَ: ثُمَّ قالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ عَبْدُكَ الْكَافِرُ تُوَسِّعُ عَلَيْهِ في الدُّنْيَا؟ قالَ: فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ النَّارِ، فَيُقَالَ لَهُ: يَا مُوْسَى! هَذَا مَا أَعْدَدْتُ لَهُ. فَقَالَ مُوْسَى: أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ وَجَلالِكَ لَوْ كَانَ لَهُ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَانَ هَذَا مَصِيرَهُ كَأَنْ لَمْ يَرَ خَيْراً قَطُّ. رواه أحمد من طريق ابن لهيعة عن دراج. أول من يدخل الجنة الفقراء 9 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: هَلْ تَدْرُونَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُل الجَنَّةَ مِنْ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قالُوا: الله ¬

(¬1) يخبر صلى الله عليه وسلم أن الفقراء أسبق الناس إلى دخول الجنة لأن حسابهم يسير، وأكثر الناس دخولاً في النار النساء، وبين صلى الله عليه وسلم السبب في حديث البخاري: "قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: يكفرن. قيل يكفرن بالله. قال يكفرن العشير. ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً، قالت ما رأيت منك خيراً قط". قال القسطلاني العشير: أي إحسان الزوج. لأنها كالمصرة على كفران النعمة، والإصرار على المعصية سبب العذاب أهـ ص 239 جواهر البخاري. (¬2) تضيق رزقه وتقلل حاجاته. (¬3) ضيقاً وشدة.

وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قالَ: الْفُقَرَاءُ المُهَاجِرُونَ (¬1) الَّذِينَ تُسَدُّ (¬2) بِهِمُ الثُّغُورُ، وَتُتقَى بِهِم (¬3) المَكَارِهُ، وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَحَاجَتُهُ في صَدْرِهِ لاَ يَسْتَطِعُ لها قَضَاءً، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ يَشَاءُ مِن مَلائِكَتِه: ائْتُوهُمْ فَحَيُّوهُمْ، فَتَقُولُ الملائِكَةُ: رَبَّنَا نَحْنُ سُكَّانُ سَمَائِكَ وَخِيرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ، أَفَتَأْمُرُنُا أَنْ نَأْتِيَ هؤُلاءِ فَنُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ؟ قالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا عِبَاداً يَعْبُدُونِي، وَلاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً، وَتُسَدُّ بِهِمُ الثُّغُورُ، وَتُتَّقَى بِهِمُ المكَارِهُ، وَيَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَحَاجَتُهُ في صَدْرِهِ (¬4) لاَ يَسْتَطِيعُ لها قَضَاءً (¬5). قالَ: فَتَأْتِيهِمُ الملائِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَيَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ (¬6) بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (¬7) رواه أحمد والبزار، ورواتهما ثقات، وابن حبان في صحيحه. أول الناس وروداً على الحوض فقراء المهاجرين 10 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ حَوْضِي (¬8) مَا بَيْنَ عَدَن (¬9) إِلى عَمَّانَ أَكْوَابُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ الثَّلْج وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ وُرُوداً عَلَيْهِ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ. قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ¬

(¬1) الذين تركوا وطنهم وعاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، أو فارقوا أوطانهم، وذهبوا إلى بلاد الإسلام وطاعة الله موفورة. (¬2) تسد كذا ط وع ص 320 - 2 وفي ن د: يسد بالياء: أي يكونون عرضة لصد هجمات الأعداء، وحصوناً قوية منيعة لرد الخصوم الكفار الفجار، وفي النهاية: الثغر: الموضع الذي يكون حداً فاصلاً بين بلاد المسلمين والكفار؛ وهو موضع المخافة من أطراف البلاد. (¬3) يكونون سبباً لإبعاد المخاوف، وهم قواد مهرة يعتمد عليهم في إزالة الكروب. (¬4) أي فقراء لهم مطالب، ولا يشكون إلا الله. (¬5) أداء. (¬6) بشارة بدوام السلامة كما قال تعالى: [جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب (23) سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار (24)] من سورة الرعد. أي هذا الثواب بسبب صبركم على الشهوات، أو على أمر الله، أو بسلام: أي نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم، والأول أوجه أهـ نسفي. (¬7) أي أمدح هذه النتيجة التي أوصلتكم إلى الجنات، نعم كلمة مدح وثناء، وعقبى بمعنى عاقبة وثمرة مجناة كما قال تعالى: [والعاقبة للتقوى]. (¬8) قال عنه علماء التوحيد: هو جسم مخصوص كبير متسع الجوانب ترده أمته صلى الله عليه وسلم حين خروجهم من قبورهم عطاشاً يكون على الأرض المبدلة البيضاء كالفضة، من شرب منه لا يظمأ أبدا، وهو حق ويفسق من أنكره. (¬9) بين هذين البلدين كناية عن أنه واسع المدى عذب المذاق كبير جداً. وعمان كشداد بلد بالشام كذا القاموس ون ع، وعمان كغراب بلد باليمن.

صِفْهُمْ لَنَا قالَ: شُعْثُ الرُّؤُوسِ (¬1) دُنْسُ الثِّيَابِ (¬2) الَّذِينَ لا يَنْكِحُونَ المتَنَعِّمَاتِ (¬3)، وَلا تُفْتَحُ لَهُمْ السُّدُدُ الَّذِينَ يُعْطُونَ مَا عَلَيْهِمْ (¬4)، وَلاَ يُعْطَوْنَ مَا لَهُمْ. رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح، وهو في الترمذي وابن ماجة بنحوه. [السدد] هنا: هي الأبواب. 11 - وَعنْ أَبي سَلاَمِ الأَسْوَدِ أَنَّهُ قالَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَمِعْتُ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم حَوْضِي مَا بَيْنَ عَدَنَ إِلى عَمَّانَ الْبَلْقَاءِ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَوَانِيهِ عَدَدُ النُّجُومِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ (¬5) بَعْدَهَا أَبَداً، وَأَوَّلُ النَّاسِ وُرُوداً عَلَيْهِ فُقَراءُ المهَاجِرِينَ الشُّعْثُ رُؤوساً، الدُّنْسُ ¬

(¬1) رؤوسهم متغيرة متلبدة، وفي المصباح: شعث الشعر شعثاً: تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن، ورجل أشعث وامرأة شعثاء، وهو أشعث أغبر: أي من غير استحداد ولا تنظف؛ والمعنى يهمهم طاعة الله وحده ولا يعتنون بأجسامهم، مثل هذا الزمن الذي يحب خدمة نفسه ويترك طاعة الله تعالى كما وصف الله الكفار: [إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار، والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم (12)] من سورة محمد صلى الله عليه وسلم. (¬2) أي ملابسهم بالية قذرة. (¬3) المتنعمات كذا د وع ص 320 - 2 وفي ن د: المنعمات: أي لا يتزوجون السيدات المترفة اللاتي لا يساعدنهن على تقوى الله. (¬4) يؤدون الواجب، وحقوق الناس كاملة وحقوقهم مهضومة، وأموالهم يطمع الناس فيها لتسامحهم ولعكوفهم على العبادة، والمعنى وراد حوض رسول الله الذين يشربون من مائه العذب متحلون بصفات: أ - ليس عندهم شيء من حطام الدنيا يلهيهم عن ذكر الله وتسبيحه. ب - يتركون محال الفجور واللهو، ويحضرون مجالس العلم، ويعملون صالحاً، ويقطعون صحبة الأشرار: (المهاجرون). جـ - يقبلون على تكميل أنفسهم بآداب الشرع، ولا يتجملون ولا يعتنون بالمظاهر الكذابة (شعث). د - سيداتهم مطيعة محتجبة بعيدة عن العصيان عابدة قانتة طيبة (غير المتنعمة). هـ - نفوسهم متواضعة سهلة لينة لا يؤبه لهم ولا تحترمهم الظلمة الجهلة، ويعطون ما عليهم كاملاً، ولا يأخذون الذي استقر لهم طمعاً في حلمهم وكرمهم. فتى كان يدنيه الفتى من صديقه ... إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر فتى لا يعد المال ربا ولا ترى ... به جفوة إن نال مالاً ولا كبر فتىً كان يعطي السيف في الروع حقه ... إذا ثوب الداعي وتشفى به الجزر وهون وجدي أنني سوف أغتدي ... على إثره يوماً وإن نفس العمر (¬5) لم يطرأ عليه عطش أبداً ولا يصيبه ألم ولا شدة. وشرباً بفتح الشين المصدر، وبضمها وبكسرها: اسم [فشاربون شرب الهيم].

ثِيَاباً، الَّذِينَ لاَ يَنْكِحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ، وَلاَ تُفْتَحُ لَهُمُ السُّدَدُ. قالَ عُمَرُ (¬1): لكِنِّي قَدْ نَكَحْتُ الْمُنَعَّمَاتِ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الملِكِ، وَفُتِحَتْ إِليَّ السُّدَدُ، لاَ جَرَمَ أَنِّي (¬2) لاَ أَغْسِلُ رَأْسِي حَتَّى يَشْعَثَ (¬3)، وَلاَ ثَوْبِي الَّذِي يَلِي جَسَدِي حَتَّى يَتَّسِخَ. رواه الترمذي، وابن ماجة والحاكم، واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد. يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً 12 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: يَدْخُلُ فُقَراءُ أُمَّتِي الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفاً (¬4)، فَقِيلَ: صَفْهُمْ لَنَا؟ قالَ: الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمُ الشَّعِثَةُ رُؤُوسُهُمْ الَّّذِينَ لاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ عَلَى السُّدَاتِ (¬5)، وَلاَ يَنْكِحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ (¬6) تُوَكَّلُ بِهِمْ مَشَارِقُ الأَرْضِ وَمَغَارِبُهَا يُعْطُونَ كُلَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَلاَ يُعْطَوْنَ كُلَّ الَّذِي لَهُمْ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورواته ثقات. ورواه مسلم مختصراً: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ فُقَرَاءَ أُمَّتِي الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفاً. رواه ابن حبان في صحيحه مختصراً أيضاً، وقال: بِأَرْبَعِينَ عَاماً. 13 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: يَجْتَمِعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: أَيْنَ فُقَراءُ هذِهِ الأُمَّةِ؟ قالَ: فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا عَمِلْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا ابْتُلِينَا (¬7) فَصَبَرْنَا، وَوَلّيْتَ الأَمْوَالَ وَالسُّلْطَانَ غَيْرَنَا، فَيَقُولُ اللهُ جَلَّ ¬

(¬1) سيدنا عمر تزوج النساء الجميلات اللائي وصفن بالنعيم والعز وقوبل بكل إجلال واحترام وخشي الناس بأسه. ثم أراد أن يتقشف ويخشوشن، ولقد ثبت أنه رقع ثوبه وخصف نعله كرسول الله صلى الله عليه وسلم ولبس الثوب المرقع. وفي حلية الأولياء مشى مرة وهو أمير المؤمنين فخلع نعله وعبر ماء كان يملأ الشارع. (¬2) حقاً أني. (¬3) يتغير ويتلبد. والمعنى سأقبل على تكميل الباطن، وأدع الظاهر فلا أجعله كل عنايتي. (¬4) سنة. (¬5) يقفون مدة طويلة على الأبواب إذا طلبوا السؤال فلا يعتنى بهم لتواضعهم وحلمهم، وذهبت عنهم صف التكبر والتجبر. (¬6) المتنعمات توكل كذا د وع، وفي ن ط: المنعمات يوكل. المعنى نفوسهم خاضعة خاشعة لله فانية في ذكره. (¬7) أي أفقرتنا اختباراً لنا فأطعناك ورضينا وحبسنا الأنفس عن الجزع، ولم نعصك. ووليت الأموال والسلطان كذا د وع، وفي ن ط: ووليت السلطان والأموال: أي يا رب أسندت إدارة الأموال الوفيرة، والنعم الكثيرة لغيرنا من عبادك وكذا الحكم والأمر النافذ والسلطة القاهرة وجعلتنا فقراء في الحياة الدنيا.

وَعَلا: صَدَقْتُمْ. قالَ: فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ، وَيَبْقَى شِدَّةُ الحِسَابِ عَلَى ذَوِي الأَمْوَالِ والسُّلْطَانِ (¬1). قالُوا: فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قالَ: يُوضَعُ لَهُمْ كَرَاسِيُّ مِنْ نُورٍ وَيُظَلّل عَلَيْهِمُ الْغَمَامُ (¬2) يَكُونُ ذَلِكَ اليَوْمُ (¬3) أَقْصَرَ عَلى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ. رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه. إن فقراء المسلمين يزفون كما تزف الحمام 14 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَابِطٍ قالَ: أَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلى سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ: إِنَّا مُسْتَعْمِلُوكَ (¬4) عَلى هَؤلاءِ تَسِيرُ بِهمْ إِلى أَرْضِ الْعَدُوِّ، فَتُجَاهِدُ بِهِمْ. قال فذكر حديثاً طويلاً قال فيه: قال سعيد: وَمَا أَنَا بِمُتَخَلِّفٍ عَنِ الْعَنَقِ الأَوَّلِ (¬5) بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ يُزَفُّونَ كَمَا تُزَفُّ الْحَمَامُ (¬6) فَيُقَالَ لَهُمْ: قِفُوا لِلْحِسَابِ، فَيَقُولُونَ: وَاللهِ مَا تَرَكْنَا شَيْئاً نُحَاسَبُ بِهِ، فَيَقُولُ اللهُ عَزّ ¬

(¬1) يسألهم ربهم عز وجل فيم أنفقتم أموالكم؟ وأين أضعتموها؟ وما الصالحات التي شيدتموها. ولماذا ملكتم فظلمتم؟ وهكذا يسألون عن الصغيرة والكبيرة. قال تعالى: [ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير (70)] من سورة الحج. سبحانه لا يخفى عليه شيء، وإن الإحاطة به، وإثباته في اللوح المحفوظ، أو الحكم بينكم على الله يسير، أي سهل لأن علمه مقتضى ذاته المتعلق بكل المعلومات سواء. وشاهدنا إحاطة الله بأعمال عباده ليثيب المحسن، ويعاقب المسيء كما قال تعالى: [وما للظالمين من نصير] نسأل الله السلامة: إن الدين يدعو إلى النظافة، والنظافة من الإيمان، فالمعنى أن هؤلاء الصالحين يحبون تحسين الباطن وتكميله وانشغاله بربه، وإذا قربت إليهم أيها الأخ المسلم وجدت رائحتهم جميلة طاهرة نقية لأن الله تعالى جميل. ويحب الجميل والنبي صلى الله عليه وسلم جعل الطهارة أساساً لصحة الصلاة. وقال الله تعالى [وثيابك فطهر]. (¬2) أي السحاب يكون عليهم كالظلة يقيهم حر الشمس المحرقة .. (¬3) أي يوم القيامة يمر عليهم بسلام لا يشعرون فيه بألم أو شدة، الله أكبر التقشف والتقلل من حطام الدنيا والتباعد عن الرياسة والسلطة ينجي من شدائد يوم الحساب، ويتمتع الزاهد الفقير بالأضواء المشرقة، والنعيم المقيم كما قال الله تعالى: [فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا (11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12)] من سورة الدهر، والله تعالى أخبرنا في كتابه [للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون (8)] من سورة الحشر. قال البيضاوي: فإن كفار مكة أخرجوهم وأخذوا أموالهم. وقد جاهدوا في الله حق جهاده بأنفسهم وأموالهم أهـ. وينال ثوابهم من هاجر في سبيل نصر دين الله، وأقام شعائره وعمل بكتابه وسنة رسوله وترك الأشرار والعصاة ونبذ صحبتهم. (¬4) أي نستفهم عن سير الأبطال المجاهدين. (¬5) الفوج: أي الطائفة المسرعة في طاعة الله تعالى، وفي المصباح: العنق ضرب من السير فسيح سريع، من أعنق إعناقا. (¬6) الطيور المغردة جميلة الصورة حسنة الهيئة يفرح بها أصحابها ويطربون بها.

وَجَلَّ: صَدَقَ عِبَادِي، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النّاسِ بِسَبْعِينَ عَامَاً. رواه الطبراني وأبو الشيخ بن حبان في الثواب، ورواتهما ثقات إلا يزيد بن أبي زياد. يأتي قوم يوم القيامة نورهم كنور الشمس 15 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَوْماً، فَطَلَعَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: يَأْتِي قَوْمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُورُهُمْ كَنُورِ الشَّمْسِ قالَ أَبُو بَكْرٍ: نَحْنُ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: لاَ، وَلَكُمْ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَلكِنَّهُمُ الْفُقَراءُ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ (¬1) مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ. فذكر الحديث. رواه أحمد والطبراني وزاد ثم قال: طُوبَى (¬2) لِلْغُرَبَاءِ. قِيلَ: مَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قالَ: أُناسٌ صَالِحُونَ قَلِيلٌ في نَاسٍ سُوءٍ (¬3) كَثِيرٌ مَنْ يَعْصِيِهِمْ (¬4) أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ. وأحد إِسنادَيِ الطبراني رواته رواة الصحيح. 16 - وَعَنْ أَبِي الصِّدِّيق النَّاجِي عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِياءِ بَأَرْبَعِمِائَةِ عَامٍ. قالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَسَنَ يَذْكُرُ أَرْبَعِينَ عَاماً؟ فَقَالَ: عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أَربَعُمِائَةِ عَامٍ حَتَّى يَقُولَ الْمُؤْمِنُ الْغَنِيُّ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ عَيِّلاً (¬5). قالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: سَمِّهِمْ لَنَا بِأَسْمَائِهِمْ؟ قالَ: هُمْ الَّذِينَ إِذَا كَانَ مَكْرُوهٌ (¬6) بُعِثُوا إِلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ نَعِيمٌ بُعِثَ إِلَيْهِ سِوَاهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ يُحْجَبُونَ عَنِ الأَبْوَابِ (¬7). رواه أحمد من رواية زيد بن الحواريّ عنه. يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم 17 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

(¬1) يوجدون من جميع جهاتها. (¬2) مكان في الجنة يناله البعيد عن وطنه حباً في رضا الله تعالى ورسوله وابتغاء فراق الأشرار العصاة. (¬3) ناس سوء، أي فساق عصاة فجرة طغاة ظلمة فيفارقهم الصالحون خشية العدوى والقدوة السيئة. (¬4) الذي يوافقهم في المعاصي أكثر من الأبرار المطيعين. (¬5) مؤمناً فقيراً لا أملك شيئاً في حياتي حتى يقل حساب ما أنعم علي به في دنياي. (¬6) يرسلون للشدائد ويواجهون الصعاب لشدة إيمانهم بالله تعالى والثقة بنصره كما قال تعالى: [إن الله يدافع عن الذين آمنوا] ويرسل غيرهم لكسب الأموال وجلب الخيرات ونيل الأرزاق الواسعة والعيش الرغد. (¬7) معناه لزهادتهم في الدنيا يمنعون من الدخول على الحكام: أي لا يحترمهم الناس لتواضعهم، وخلعوا رداء الكبر عنهم "هينون لينون أيسار ذوو كرم".

يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِياءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ. رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. [قال الحافظ]: ورواته محتجّ بهم في الصحيح، ورواه ابن ماجة بزيادة من حديث موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر. 18 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الْتَقَى مُؤْمِنَانِ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ: مُؤْمِنٌ غَنِيٌّ، وَمُؤْمِنٌ فَقِيرٌ كَانَا فِي الدُّنْيَا، فَأُدْخِلَ الْفَقِيرُ الْجَنَّةَ، وَحُبِسَ الْغَنِيُّ (¬1) مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُحْبَسَ، ثُمَّ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، فَلَقِيَهُ الْفَقِيرُ فَقَالَ: يَا أَخِي مَاذَا حَبَسَكَ (¬2)؟ وَاللهِ لَقَدْ حُبِسْتَ حَتَّى خِفْتُ عَلَيْكَ، فَيَقُولُ: يَا أَخِي إِنِّي حُبِسْتُ بَعْدَكَ مَحْبساً (¬3) فَظِيعاً كَرِيهاً مَا وَصَلْتُ إِلَيْكَ حَتَّى سَالَ مِنِّي مِنَ الْعَرَقِ مَا لَوْ وَرَدَهُ أَلْفُ بَعِيرٍ كُلُّهَا أَكَلَةُ حُمْضِ النَّبَاتِ لَصَدَرَتْ عَنْهُ رِوَاءً. رواه أحمد بإِسناد جيد قويّ. [الحُمض]: ما ملح وأمرّ من النبات. مراتب الصحابة في الجنة 19 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعَ مَا كَانُوا، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ مَنَازِلَكُمْ في الْجَنَّةِ، وَقُرْبَ مَنَازِلِكُمْ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عليه وسلم أَقْبَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ: إِنِّي لأَعْرِفُ رَجُلاً أَعْرِفُ اسْمَهُ، واسْمَ أَبِيهِ وأُمِّهِ لاَ يَأْتِي بَاباً مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلاَّ قَالُوا: مَرْحَباً (¬4) مَرْحَباً، فَقَالَ سَلْمَانُ: إِنَّ هَذَا: الْمُرْتَفِع شَأْنُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: فَهُوَ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا عُمَرُ لَقَدْ رَأَيْتُ في الْجَنَّةِ قَصْراً مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ لُؤْلُؤهُ أَبْيَضُ، مُشَيَّدٌ بِالْيَاقُوتِ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هذَا؟ فَقِيلَ: لِفَتَىً مِنْ قُرَيْشٍ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ لِي، فَذَهَبْتُ لأَدْخُلَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدْ هذَا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَمَا مَنَعَنِي مِنْ دُخُولِهِ إِلاَّ غَيْرَتَكَ (¬5) يَا أَبَا حَفْصٍ، فَبَكَى عُمَرُ ¬

(¬1) انتظر للحساب على أمواله. (¬2) أي شيء أبعدك عن دخول الجنة؟ (¬3) حبساً شديد الأهوال. (¬4) وجدت مكاناً راحباً: أي واسعاً وسروراً وتشريفاً مباركاً. (¬5) الحمية والأنفة والشهامة على حفظ الحريم.

وَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي عَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ يَا عُثْمَانُ إِنَّ لِكُلِّ نَبيٍّ رَفِيقاً فِي الْجَنَّةِ، وَأَنْتَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ يَا عَليُّ: أَوَمَا تَرْضَى أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُكَ فِي الْجَنَّةِ مُقَابِلَ مَنْزِلِي (¬1)، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: يَا طَلْحَةُ وَيَا زُبَيْرُ: إِنَّ لِكُلِّ نَبيٍّ حَوَارِيَّ (¬2)، وَأَنْتُمَا حَوَارِييِّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: لَقَدْ بَطَّأَ (¬3) بِكَ عَنَّا مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي حَتَّى خَشِيتُ أَنْ تَكُونَ هَلَكْتَ، وَعَرِقْتُ عَرَقاً شَدِيداً، فَقُلْتُ: مَا بَطَّأَ بِكَ؟ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ مِنْ كَثْرَةِ مَالِي مَا زِلْتُ مَوْقُوفاً مُحَاسَباً أَسْأَلُ عَنْ مَالِي مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتُهُ، وَفِيما أَنْفَقْتُهُ، فَبَكَى عَبْدُ الرَّحْمنِ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ مَائَةُ رَاحِلَةٍ جَاءَتْنِي اللَّيْلَةَ مِنْ تِجَارَةِ مِصْرَ، فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهَا عَلَى فُقَراءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَيْتَامِهِمْ لَعَلَّ اللهَ يُخَفِّفُ عَنِّي ذَلِكَ الْيَومَ. رواه البزار، واللفظ له والطبراني ورواته ثقات إلا عمار بن سيف، وقد وُثق. [قال الحافظ]: وقد ورد من غير وجه، ومن حديث جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْواً لِكَثْرَةِ مَالِهِ، ولا يسلم أجودُها من مقال، ولا يبلغ منها شيء بانفراده درجة الحسن، ولقد كان ماله بالصفة ¬

(¬1) أن يكون منزلك في الجنة مقابل منزلي كذا ط وع ص 322 - 2، وفي ن د: أن تكون منزلتك مقابل منزلتي. (¬2) أنصاراً مخلصين وأتباعاً صالحين. (¬3) بطأ: أي أخرك. استفهم صلى الله عليه وسلم عن سبب تأخيره، ولم يلحق درجات الصالحين الأوائل حتى خاف صلى الله عليه وسلم أن يهلك عبد الرحمن، فأجاب رضي الله عنه بوفرة أمواله، ودقة الحساب: من أي مكان أوجده؟ وعلى من أنفقه؟ وفي أي الوجوه صرفه؟ ثم أثمر درسه صلى الله عليه وسلم فأكثر سيدنا عبد الرحمن من أفعال البر ووجه خيرات مائة راحلة إلى الفقراء والأيتام ذخيرة عند ربه جل وعلا ورجا أن ينجيه من أهوال القيامة. انتبهوا يا أصحاب الأموال والضيعات فالله تعالى سيحاسبكم عليها. أنفقوا في حياتكم وشيدوا أعمال البر وساعدوا على إنشاء المشروعات المفيدة، إن الوطن يناديكم أن توجدوا أعمالاً حرة لأبنائه .. شيدوا مصنوعات وأنشئوا الشركات الوطنية، وحرام عليكم أن تودعوا الأموال في المصارف مكدسة مخزونة بلا استثمار طيب وحلال، وقد رأيتم سيدنا عبد الرحمن، وهو صاحب المنزلة الرفيعة في الدين، ومع ذلك وقف ليسأل، وتأخر عن زملائه، وبعبارة أخرى "يدخل الجنة حبواً": أي يدرج على بطنه ويزحف على الأرض. لماذا؟ لأنه كثير الغلات وافر الخيرات مع شهادة عدول له أنه رضي الله عنه سباق =

التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ، فَأَنى تنقص درجاته في الآخرة، أو يقصر به دون غيره من أغنياء هذه الأمة؟ فإنه لم يرد هذا في حق غيره إنما صح سبق فقراء هذه الأمة أغنياءهم على الإطلاق، والله أعلم. 20 - وَعَنْ أُسَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَكَانَ عَامّة مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ (¬1)، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ (¬2) مَحْبُوسُونَ (¬3) غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاء. رواه البخاري ومسلم. [الجد]: بفتح الجيم: هو الحظ والغنى. 21 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: رَأَيْتُ أَنِّي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَعَالِي أَهْلِ الْجَنَّةِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، وَذَرَارِي (¬4) الْمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ أَقَلَّ مِنَ الأَغْنِياءِ وَالنِّسَاءِ، فَقِيلَ لِي: أَمَّا الأَغْنِياءُ فَإِنَّهُمْ عَلَى الْبَابِ يُحَاسَبُونَ وَيُمَحَّصُونَ (¬5)، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَأَلْهَاهُنَّ الأَحْمَرَانِ: الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ (¬6). الحديث. رواه أبو الشيخ ابن حبان وغيره من طريق عبد الله بن زُحَر عن علي بن يزيد عن القاسم عنه. 22 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: اللَّهُمَّ ¬

= إلى المكارم جواد وكريم محسن "نعم المال الصالح للرجل الصالح": أي أمدح المال إذا وفق صاحبه لأعمال البر مثل سيدنا عبد الرحمن. فأين الثريا والثرى من أغنياء زمننا هذا وما يفعلون بغناهم الآن؟ هل استعدوا ليوم الحساب. (¬1) الفقراء. (¬2) الغنى. (¬3) منتظرون للحساب على باب الجنة. فيم أنفقوا؟ من أين جمعوا؟. (¬4) الصغار الذين لم يبلغوا الحلم. (¬5) يزكون ويطهرون كما قال تعالى: [وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين] وليمحص ما في قلوبكم فالتمحيص: التزكية، وأصله إزالة ما يشوبه من خبث وتخليص الشيء مما فيه من عيب كالفحص. (¬6) غرهن التنعم والترف فقصرن في حقوق الله.

أحْيِني مِسْكِيناً (¬1)، وَأَمِتْنِي مِسْكِيْناً، وَاحْشُرنِي في زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفاً يَا عَائِشَةُ لاَ تَرُدِّي مِسْكِيناً، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. يَا عَائِشَةُ حُبِّي الْمَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ، فَإِنَّ اللهَ يُقَرِّبُك يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب، وتقدم في صلاة الجماعة حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، وفي رواية: رَبِّي في أَحْسَنِ صُورَةٍ. فذكر الحديث إلى أن قال: قالَ ياَ مَحمَّدْ. قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ (¬2). فَقَالَ: إِذَا صَلَّيْتَ، قُل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْك المُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً (¬3)، فاقْبِضْنِي إلَيْكَ (¬4) غَيْرَ مَفْتُونٍ. الحديث. رواه الترمذي وحسنه. 23 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي مِسْكِيناً، وَتَوَفَّنِي مِسْكِيناً، وَاحْشُرْنِي في زُمْرَةِ المَسَاكِينِ وَإِنَّ أَشْقَى الأَشْقِيَاءِ (¬5) مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَقْرُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الآخِرَةِ. رواه ابن ماجة إلى قوله: المساكين، والحاكم بتمامه، وقال صحيح الإسناد. ورواه أبو الشيخ والبيهقي عن عطاء بن أبي رباح سمع أبا سعيد يقول: يا أَيُّهَا النَّاسُ: لاَ تَحْمِلَنَّكُمُ الْعُسْرَةُ (¬6) عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ (¬7) مِنْ غَيْرِ حِلَّهِ، فَإِنِّي ¬

(¬1) المسكين: الذي لا شيء له، وهو أبلغ من الفقير. يدعو صلى الله عليه وسلم أن يرزقه الله الهيبة والخشية ويبعد عنه زخارف الدنيا حتى يخلص لعبادته سبحانه. (¬2) إجابة بعد إجابة وإسعاداً بعد إسعاد. ثم أمر صلى الله عليه وسلم بطلب ثلاثة: أ - الإعانة على تشييد الصالحات وإيجاد المحامد وغرس المكارم. ب - الابتعاد عن القبائح، وهجر الموبقات وصحبة الأشرار. جـ - إكرام الضعفاء والتقرب إلى الصالحين ومودتهم وصحبة الأخيار الأبرار. (¬3) اختباراً. (¬4) فألحقني إلى الرفيق الأعلى سليماً من كل محنة. (¬5) أكثر الناس شقاءً وتعباً: الذي ضيع دنياه وآخرته، فذاق فقرها وعصى ربه فيها، فعذبه عذاباً شديداً بعد موته. (¬6) الضيق والشدة. (¬7) جمع المال من وجوه الحرام خشية عذاب الله في الآخرة لكم. قال تعالى: أ -[يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين (18)] من سورة البقرة. ب - وقال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله] من سورة البقرة.

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: اللَّهُمَّ تَوَفَّنِي فَقِيراً، وَلاَ تَوَفَّنِي غَنِيّاً، واحْشُرْنِي في زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ أَشْقَى الأَشْقِيَاءِ مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَقْرُ الدُّنْيَا، وَعَذَابُ الآخِرَةِ. قال أبو الشيخ: زاد فيه غير أبي زرعة عن سليمان بن عبد الرحمن: وَلاَ تَحْشُرْنِي في زُمْرَةِ الأَغْنِياءِ. أحبوا الفقراء وجالسوهم 24 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعاً: أَحِبُّوا الْفُقَراءَ (¬1)، وَجَالِسُوهُمْ وَأحِبَّ الْعَرَبَ (¬2) مِنْ قَلْبِكَ، وَلْيرُدُّكَ عَنِ النَّاسِ مَا تَعْلَمُ مِنْ نَفْسِكَ (¬3). رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 25 - وَعَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلاَلٍ في نَفَرٍ (¬4)، فَقَالُوا (¬5): مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللهِ مَأْخَذَهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَتَقُولُونَ هذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ (¬6) وَسَيِّدِهِمْ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَجَارَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ: لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ؟ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغَضَبْتَ رَبَّكَ (¬7)، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهُ أَغْضَبْتُكُمْ (¬8)؟ قَالُوا: لاَ (¬9) يَغْفِرُ اللهُ لَكَ يَا أُخَيُّ. رواه مسلم وغيره. ¬

(¬1) أظهروا مودتهم، وقدموا لهم الإكرام والاحترام. (¬2) أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأهله وأتباعه، ومن سلك سنته إلى يوم القيامة. (¬3) وليبعدك عن الناس تقصيرك في حقوق الله وكل ما تعلمه من خلالك خيرها وشرها. (¬4) جماعة. (¬5) ساداتنا سليمان وصهيب وبلال تهكموا بأبي سفيان فأنكر قولهم أبو بكر وسماه سيدا، وأمر صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلح هؤلاء السادة الأبرار لأن رضاهم من رضا الله جل وعلا كما قال تعالى: [إن أكرمكم عند الله أتقاكم] فذهب رضي الله عنه يستعطفهم ويستميلهم عذراً ويتمنى رضاهم. أبو سفيان رجل كبير في قومه ذو مكانة سامية، ولكن احتقره هذا النفر لكفره وعناده وعداوته لله ورسوله. فدافع عنه أبو بكر، ولكن أسف واستغفر ربه، والله غفور رحيم (¬6) حماه وهو رئيس قبيلة وصاحب كلمة نافذة وسلطان قوي، وأنجب ابنه سيدنا معاوية رضي الله عنه رأس الدولة الأموية. (¬7) إذ تعديت على أوليائه. (¬8) هل تكدرتم من دفاعي عن أبي سفيان؟ فأظهروا غضبهم من الدفاع عن أهل الكفر، والله ولي المؤمنين ففيه محبة المسلمين، وعدم الدفاع عن الفسقة الملحدين. (¬9) أي ما أغضبتنا، ثم ادعوا له بالغفران وزيادة الإحسان لأنه رضي الله عنه أخوهم في الدين. وهنا درس أخلاقي، يحمي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان، ثم يلزم أبا بكر بإرضاء أصحابه فيسترضيهم ويطلبون له الخير والعزة والسعادة.

26 - وَعَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ (¬1) بِصَعَالِيكِ (¬2) المسْلِمِينَ. رواه الطبراني، ورواتُه رواة الصحيح، وهو مرسل. وفي رواية: يَسْتَنْصِرُ بِصَعَالِيكِ الْمُسْلِمِينَ. حديث يعقوب عليه السلام مع من آخاه في الله تعالى 27 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: كَانَ لِيَعْقُوبَ أَخٌ مُؤَاخٍ (¬3) فِي اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا يَعْقُوبُ (¬4) مَا الَّذِي أَذْهَبَ بَصَرَكَ (¬5)؟ قاَلَ: الْبُكَاءُ عَلَى يُوسُفَ (¬6). قالَ: مَا الَّذِي قَوَّسَ ظَهْرَكَ (¬7)؟ قالَ الْحُزْنُ عَلَى بِنْيَامِينَ، فَأَتَأهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا يَعْقُوبُ! إِنَّ اللهَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ. وَيَقُولُ: أَمَا تَسْتَحِي أَنْ تَشْكُوَنِي إِلى غَيْرِي؟ قالَ: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي (¬8) وَحُزْنِي إِلى اللهِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: اللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَشْكُو يَا يَعْقُوبُ، ثُمَّ قالَ يَعْقُوبُ: أَيْ رَبِّ أَمَا تَرْحَمُ (¬9) الشَّيْخَ الْكَبِيرَ! أَذْهَبْتَ بَصَرِي، وَقَوَّسْتَ ظَهْرِي، فازْدُدْ عَليَّ رَيْحَانَتِي أَشمُّهُ شَمَّةً قَبْلَ الْمَوْتِ، ثُمَّ اصْنَعْ بِي مَا أَرَدْتَ، قالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يُقْرِئكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ لَكَ: أَبْشِرْ، وَلْيَفْرِحْ قَلْبُكَ، فَوَعِزَّتِي لَوْ كَانَا مَيِّتَيْنِ لَنَشَرْتُهُمَا (¬10)، فاصْنَعْ طَعَاماً لِلْمَسَاكِين (¬11) فَإِنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إِلَيَّ الأَنْبِيَاءُ والْمَسَاكِينُ، وَتَدْرِي (¬12) لِمَ أَذْهَبْتُ بَصَرَكَ وَقَوَّسْتُ ظَهْرَكَ، وَصَنَعَ إِخْوَةُ يُوسُفَ بِيُوسُف مَا صَنَعُوا؟ إِنَّكُمْ ذَبَحْتُمْ شَاةً، فَأَتَاكُمْ مِسْكِينٌ يَتيم (¬13)، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمْ تُطْعِمُوهُ مِنْهُ شَيْئاً. قَالَ: فَكانَ ¬

(¬1) يطلب الفتح والفوز. (¬2) فقرائهم، ففيه أن الإنسان يتبرك ويستبشر بالضعفاء، كما قال صلى الله عليه وسلم "هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم". (¬3) صديق متفق معه على طاعة الله تعالى. (¬4) يوم يا يعقوب كذا د وع ص 324 - 2 وفي ن ط: يوم ليعقوب يا يعقوب. (¬5) سأله صاحبه في الله عن السبب الذي أذهب ضوء عينيه. (¬6) لفقده وذهابه. (¬7) حناه. (¬8) كشف ما انطويت عليه من الغم، وفي الغريب: أي غمي الذي يبثه عن كتمان فهو مصدر في تقدير مفعول أو بمعنى غمي الذي بث فكري نحو توزعني الفكر، فيكون في معنى الفاعل أهـ. (¬9) توسل به سبحانه وتعالى يعقوب في الخلوة ودعاه وطلب الرأفة منه جل وعلا. (¬10) لأحييتهما. (¬11) اعمل موائد أكل للفقراء لله تعالى. (¬12) هل تعلم .. (¬13) فقير مات أبوه.

يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَ الْغَدَاءَ أَمَرَ مُنَادِيَاً فَنَادَى: أَلاَ مَنْ أَرَادَ الْغَدَاءَ مِنَ الْمَسَاكِينِ فَلْيتَغَذَّ مَعَ يَعْقُوبَ، وَإِنْ كانَ صَائِمَاً أَمَرَ مُنَادِياً فَنَادى: أَلاَ مَنْ كَانَ صَائِماً مِنَ الْمَسَاكِينِ فَلْيُفْطِرْ مَعَ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. رواه الحاكم ومن طريقه البيهقي عن حفص بن عمر بن الزبير عن أنس قال الحاكم: كذا في سماعي عن حفص بن عمر بن الزبير، وأظن الزبير وهم، وأنه حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة، فإن كان كذلك فالحديث صحيح، وقد أخرجه إسحق بن راهويه في تفسيره قال: أنبأنا عمرو بن محمد حدثنا زافر بن سليمان عن يحيى بن عبد الملك عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذرّ 28 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بِخِصَالٍ مِنَ الْخَيْرِ: أَوْصَانِي أَنْ لا أَنْظُرَ إِلى مَنْ هُوَ فَوْقِي (¬1)، وَأَنْظُرَ إِلى مَنْ هُوَ دُونِي (¬2)، وَأَوْصَانِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ (¬3) وَأَوْصَانِي أَنْ أَصِلَ رَحِمِي (¬4)، وَإِنْ أَدْبَرَتْ. الحديث رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه. 29 - وَعَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُسْتَضْعَفٍ لَوْ يُقْسِمُ عَلى اللهِ لأَبَرَّهُ. أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ. رواه البخاري ومسلم وابن ماجة. ¬

(¬1) الذي هو أعلى مني في المال والجاه والصحة. (¬2) أقل مني في النعم والصحة. (¬3) القرب منهم والعطف عليهم وإكرامهم. (¬4) أزور أقاربي وأمدهم بالمودة والعطاء، وإن قاطعت، أو تباعدت، أو هجرت. ينصح صلى الله عليه وسلم أبا ذر أن يتبع مناهج أربعة هي منابع العز ومعين السعادة والسرور وكثرة الرزق. أ - الرضا بالقليل، وعدم الفكر في رقي من سما عليه خشية استصغار نعم الله التي فاز بها وتمتع بخيراتها، فيغضب أو يحسد أو يغتاب أو يسخط. ب - يقارن نفسه بالذي هو أقل منه في النعم رجاء الحمد والشكر والقناعة وكثرة العبادة كما قال تعالى: [لئن شكرتم لأزيدنكم]. جـ - حب الفقراء ومجالستهم. د - زيارة الأقارب والإحسان إليهم.

[العتلّ] بضم العين والتاء وتشديد اللام: هو الجافي الغليظ. [والجوّاظ] بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره ظاء معجمة: هو الضخم المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين، وقيل الجموع المنوع. 30 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: أَهْلُ النَّارِ كُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ جَمَّاعٍ (¬1) مَنَّاعٍ (¬2)، وَأَهْلُ الْجَنَّة الضُّعَفَاءُ الْمَغْلُوبُونَ (¬3). رواه أحمد والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. [الجعظريّ] بفتح الجيم وإِسكان العين المهملة وفتح الظاء المعجمة قال ابن فارس: هو المنتفخ بما ليس عنده. 31 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في جَنَازَةٍ فَقَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ عِبَادِ اللهِ؟ الْفَظُّ الْمُسْتَكْبِرُ (¬4). أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ عِبَادِ اللهِ: الضَّعِيفُ الْمُسْتَضْعَفُ ذُو الطِّمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ (¬5) لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ. رواه أحمد ورواته رواة الصحيح إلا محمد بن جابر. [الطمر] بكسر الطاء: هو الثوب الخلق. 32 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنْ مُلُوكِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى قال: رَجُلٌ ضَعِيفٌ مُسْتَضْعَفٌ ذُو طِمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ. رواه ابن ماجة، ورواة إسناده محتجّ بهم في الصحيح إلا سويد بن عبد العزيز. 33 - وَعضنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشَمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: يَا سُرَاقَةُ أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. ¬

(¬1) يحب جمع المال لطمعه وشرهه. (¬2) لا يرجى خير منه. (¬3) الذين يغلب على أمرهم لقناعتهم ورضاهم. (¬4) الخشن الجافي فظيع المعاملة قاسي الطبع. (¬5) لا يعتنى به.

قالَ: أَمَّا أَهلُ النَّارِ، فَكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ، وَأمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَالضُّعَفَاءُ الْمَغْلُوبُونَ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 34 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: احْتَجَّتِ (¬1) الْجَنَّةُ والنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: فِيَّ الْجَبَّارُونَ (¬2) وَالْمُتَكَبِّرُونَ، وَقالَتِ الْجَنَّةُ: فِيَّ ضُعَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينُهُمْ، فَقَضَى اللهُ بَيْنَهُمَا: إِنَّكِ الْجَنَّة رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَإِنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكِلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا. رواه مسلم. 35 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ (¬3) السَّمِينُ (¬4) يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. رواه البخاري ومسلم. 36 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٌ. مَا رَأْيُكَ في هَذَا؟ قالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ (¬5): هَذَا وَاللهِ حَرِيٌّ (¬6) إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ (¬7) أَنْ يُشَفَّعَ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا رَأْيُكَ في هذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ. هذَا أَحْرَى (¬8) إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ ¬

(¬1) تخاصمتا بلسان المقال أو الحال. (¬2) اختصصت بالمتكبر المتعظم بما ليس فيه والمتجبر الظالم الممنوع الذي لا يوصل إليه، أو الذي لا يكترث بأمر ضعفاء الناس وسقطهم، وفسر القسطلاني ضعفاء الناس وسقطهم بالمحتقرين بين الناس الساقطين من أعينهم لتواضعهم لربهم أهـ. (¬3) في الطول والجاه المنتفخة أوداجه المترف المتنعم الممتلئ صحة. (¬4) الأكول الشروب، وزاد البخاري وقال اقرؤوا [فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا]. قال البيضاوي: أي فنزدري بهم ولا نجعل لهم مقداراً واعتباراً، أو لا نضع لهم ميزاناً توزن به أعمالهم لانحباطها أهـ. وقال النسفي فلا يكون لهم عندنا وزن ومقدار أهـ. (¬5) سراتهم وساداتهم وعظمائهم. (¬6) جدير وحقيق، وأولى إن أراد زواج أي سيدة أعطى ونكح وعقد العقد الشرعي عليها. (¬7) رجا في مسألة أجيب طلبه وقضيت حاجته. (¬8) أحق ألا يزوج لفقره، ولا يرجوه أحد لضعته، وهوانه على الناس، قال أن لا يسمع، كذا ط وع ص 326 - 2 وفي ن د. قال لا يسمع؛ والمعنى إن تكلم غضوا النظر عنه، ولم ينصتوا لقوله وازدروا به واحتقروه =

وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم هذا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هذَا. رواه البخاري ومسلم وابن ماجة. 37 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَا أَبَا ذَرٍّ: أَتَرَى كَثْرَةَ الْمَالِ هُوَ الْغَنَى؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: فَتَرَى قِلَّةَ الْمَالِ هُوَ الْفَقْرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى الْقَلْبِ، والْفَقْرُ فَقْرُ الْقَلْبِ، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قالَ: هَلْ تَعْرِفُ فُلاَناً؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: فَكَيْفَ تَرَاهُ أَوْ تُرَاهُ. قُلْتُ: إِذَا سَأَلَ أُعْطِي (¬1)، وَإِذَا حَضَرَ أُدْخِل (¬2). قالَ: ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ (¬3)، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُ فُلاناً؟ قُلْتُ: لاَ وَاللهِ مَا أَعْرِفُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا زَالَ يُجَلِّيهِ (¬4) وَيُنْعِتُهُ حَتَّى عَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: قَدْ عَرَفْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: فَكَيْفَ تَرَاهُ أَوْ تُرَاهُ؟ قُلْتُ: هُوَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ. فَقَالَ: هُوَ خَيْرٌ (¬5) مِنْ طِلاعِ الأَرْضِ (¬6) مِنَ الآخَرِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلا يُعْطَى مِنْ بَعْضِ مَا يُعْطَى الآخَرُ؟ فَقَالَ: إِذَا أُعْطِيَ خَيْراً فَهُوَ أَهْلُهُ (¬7)، وَإِذَا صُرِفَ عَنْهُ فَقَدْ أُعْطِيَ حَسَنَةً. رواه النسائي مختصراً وابن حبان في صحيحه واللفظ له. ¬

= فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه أفضل من ذلك المتكبر المتجبر الطاغية من ملايين ملايين تملأ الدنيا مثل ذلك الحقير لكفره، أو لعصيانه ربه وظلمه. صلى الله عليك يا رسول الله تضرب مثلاً أعلى للعزة والرفعة باتباع الدين والعمل بكتاب رب العالمين ليسمو الإنسان عند ربه، ويحظى بالدرجات العالية، وتضرب صفحاً عن حطام الدنيا وزخارفها الموجودة عند الفسقة العصاة المجرمين كما قال الله تعالى: أ -[ولله العزة ولرسوله والمؤمنين]. ب -[إن العزة لله جميعاً]. وهكذا النفوس العامرة بالإيمان عالية سامية تشعر بعزة الله ونصره وقوته، ولا تخشى بأس سواه. (¬1) أي إذا طلب من الناس شيئاً أسرعوا في إعطائه. (¬2) إذا وجد في محفل بجلوه واحترموه ودخل موقراً معززاً. (¬3) هم فقراء المهاجرين، ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه، فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة يسكنونه أهـ نهاية. (¬4) يذكر محامده وبدائع خلاله. (¬5) فقال هو خير، كذا د وع، وفي ن ط قال فهو خير. (¬6) مما طلعت عليه الشمس: أي كل ما يظهر على سطح الأرض. لماذا؟ لأنه فقير مخلص لربه مطيع. (¬7) أخذه باستحقاق، وإذ حرم نال ثواب صبره ورضاه بما قسم له.

38 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: انْظُرْ أَرْفَعَ رَجُلٍ في الْمَسْجِدِ قالَ: فَنَظَرْتُ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ حُلَّةٌ، قُلْتُ: هذا، قالَ: قالَ لي: انْظُرْ أَوْضَعَ رَجُلٍ في الْمَسْجِدِ، قالَ: فَنَظَرْتُ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ أَخْلاقٌ، قالَ: قُلْتُ: هَذَا، قالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَهَذَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هذَا. رواه أحمد بأسانيد رواتها محتج بهم في الصحيح، وابن حبان في صحيحه. 39 - وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قالَ: رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ. رواه البخاري والنسائي، وعنده: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّمَا تُنْصَرُ هذِهِ الأُمَّةُ بِضَعِيفِيهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلاتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ. 40 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: ابْغُونِي في ضُعَفَائِكُمْ، فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ. رواه أبو داود والترمذي والنسائي. 41 - وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ في أصْحَابِ الصُّفَةِ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا مِنَّا إِنْسَانٌ عَلَيْهِ ثَوْبٌ تَامٌّ، وَأَخَذَ الْعَرَقُ في جُلُودِنَا طُرُقاً مِنَ الْغُبَارِ وَالْوَسَخِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: لِيَبْشُرْ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ شَارَةٌ حَسَنَةٌ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم لاَ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ إِلاَّ كَلَّفَتْه نَفْسُهُ أَنْ يَأْتِي بِكَلاَمٍ يَعْلُو كَلاَمَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يُحِبُّ هذَا وَضَرْبَهُ (¬1) يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ لِلنَّاسِ (¬2) ¬

_ (¬1) وضربه كذا د وع ص 327 - 2، وفي ن ط وأضرابه: أي أمثاله. وفي النهاية ضرب الأمثال، وهو اعتبار الشيء بغيره وتمثيله به والضرب المثال والضرباء الأمثال والنظراء، وأحدهم ضريب أهـ. (¬2) كناية عن الكذب وتخرص الحديث. قال تعالى: [يلوون ألسنتهم بالكتاب]. وقال تعالى: =

لَيَّ الْبَقَر (¬1) بلِسَانِهَا الْمَرْعَى كَذَلِكَ يَلْوِي اللهُ (¬2) عَزَّ وَجَلَّ أَلْسِنَتَهُمْ وَوُجُوهَهُمْ في النَّارِ. رواه الطبراني بأسانيد أحدها صحيح. لو تعلمون ما ادّخر لكم ما حزنتم على ما زوي عنكم 42 - وَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم يَخْرُجُ إِلَيْنَا في الصُّفَّةِ، وَعَلَيْنَا الْحَوْتَكِيَّةُ، فَقَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا ادُّخِرَ (¬3) لَكُمْ مَا حَزِنْتُمْ عَلَى مَا زَوِيَ (¬4) عَنْكُمْ، وَلَتُفَتَّحَنَّ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ (¬5). رواه أحمد بإسناد لا بأس به. [الحوتكية] بحاء مهملة مفتوحة ثم واو ساكنة ثم تاء مثناة فوق، قيل: هي عمة يتعممها الأعراب يسمونها بهذا الاسم، وقيل: هو مضاف إلى رجل يسمى حوتكا كان يتعممها، والحوتك: القصير، وقيل: هي خميصة منسوبة إليه وإلى القصر، وهذا أظهر، والله أعلم. 43 - وَعَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِكَ (¬6)، وَشَهِدَ أَنِّي رَسُولُكَ، فحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَأَقْلِلْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا (¬7)، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ، وَيَشْهَدْ أَنِّي رَسُولُكَ، فَلاَ تُحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَلاَ تُسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَكَثِّرْ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا. رواه ابن أبي الدنيا ¬

= [لياً بألسنتهم]، ويقال فلان لا يلوي على أحد إذا أمعن في الهزيمة، قال تعالى: [إذ تصعدون ولا تلوون على أحد] أهـ غريب. (¬1) ميلان الماشية بلسانها لتأكل في المرعى. (¬2) يميلها فيقعون في جهنم. لماذا؟ لتجبرهم وتكبرهم وارتفاع صوته أمام حضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو أمام العلماء الفضلاء والسادة الأتقياء ويتطاولون على الناس باللسان البذيء والقول الدنيء تعاجباً وتظاهراً ورياء كما تمد البقر ألسنتها إلى الكلأ. (¬3) ما ادخر: أي الذي كنز وعد ذخيرة لكم عند الله جل وعلا. (¬4) أي خفي. (¬5) أي والله ليفتح الله لكم بلاد فارس والروم فتدخلونها ظافرين وتحكمون أهلها فرحين مستبشرين، وتفوزون بثمراتها وتسعدون بخيراتها، والمعنى أبشروا فالله سيكثر لكم الفتوح وتكونون سادة قادة. (¬6) صدق بوجودك واعترف برسالتي فأعنه على طاعتك ليشتاق إلى مناجاتك ويرضى بأفعالك، ويقنع ويصبر ويحلم ويسعد. (¬7) اجعل رزقه قليلاً ليتيسر له العكوف على عبادتك ولتبعد عنه مشاغل الدنيا ولهوها ولعبها وزينتها. دعاء مستجاب للمؤمن التقي: أ - الطاعة. ب - الرضا. جـ - الكفاف. وللفاجر الشقي: أ - عدم الخوف من الله تعالى. ب - السخط والتبرم من الحوادث. جـ - جشعه على ملذات الدنيا وجمع المال بلا أعمال صالحة.

والطبراني وابن حبان في صحيحه، وأبو الشيخ ابن حبان في الثواب، ورواه ابن ماجة من حديث عمرو بن غيلان الثقفي وهو مختلف في صحبته قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي، وَعَلِمَ أَنَّ مَا جِئْتُ بِهِ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَقْلِلْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَعَجِّلْ لَهُ الْقَضَاءَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِي، وَلَمْ يُصَدِّقْنِي، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ عُمُرَهُ. 44 - وَعَن مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلى اللهُ عليه وسلم قالَ: اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ (¬1)، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ المالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ (¬2). رواه أحمد بإسنادين رواة أحدهما محتج بهم في الصحيح، ومحمود له رؤية، ولم يصح له سماع فيما أرى، وتقدم الخلاف في صحبته في باب الرياء وغيره، والله أعلم. 45 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ قَلَّ مَالُهُ، وَكَثُرَتْ عِيَالُهُ (¬3)، وَحَسُنَتْ صَلاَتُهُ (¬4)، وَلَمْ يَغْتَبِ الْمُسْلِمِينَ (¬5) جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مَعِي كَهَاتَيْنِ. رواه أبو يعلى والأصبهاني. رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره 46 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

(¬1) الفناء والذهاب من الدنيا، ولكن الموت خير من الاستمرار في المعاصي والمحن والميل إلى الشهوات. (¬2) يوم القيامة يسأل الله تعالى عن المال فيم أنفقه؟ ومن أين اكتسبه؟ وقلته تخفف الحساب وتجعل صحيفة الإنسان نقية بيضاء من الذنوب، والمؤمن يتذكر دائماً الموت ويحب العيش الكفاف. (¬3) أفراد أسرته. (¬4) صلاها صلاة كاملة مستوفية الشروط والأركان والسنن. (¬5) ولم يذكر المسلمين بسوء. المعنى الذي اتصف بصفات أربعة يجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، ويكون مكانه قريباً منه عليه الصلاة والسلام: أ - الزهد في الدنيا والرضا بعيشه والقناعة برزقه. ب - رجل منجب معيل منتج مثمر يكد في حياته، ويجمع لأهله وأولاده فيخدم أمته بوجود أولاد بررة مصلحين عاملين. جـ - يؤدي الصلاة في أوقاتها تامة بخشوع. د - يسلم المسلمون من لسانه ويده. هذه أربعة خلال تجعلك قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رُبَّ أَشْعَثَ (¬1) أَغْبَرَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ (¬2) لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ. رواه مسلم. 47 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ رُبَّ أَشْعَثَ (¬3) أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ مُصفِحٍ (¬4) عَنْ أَبْوَابِ النَّاسِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ. رواه الطبراني في الأوسط، ورواته رواة الصحيح إلا عبد الله بن موسى التيمي. 48 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم. إِنَّ مِنْ أُمَّتِي (¬5) مَنْ لَوْ جَاءَ أَحَدَكُمْ يَسْأَلُهُ دِيَنَاراً لَمْ يُعْطِهِ، وَلَوْ سَأَلَهُ دِرْهَمَاً لَمْ يُعْطِهِ، وَلَوْ سَأَلَهُ فَلْساً (¬6) لَمْ يُعْطِهِ، فَلَوْ سَأَلَ اللهَ الْجَنَّةَ أَعْطَاهَا إيَّاهُ، ذِي طِمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ. رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح. ما جاء في فضل الفقراء الذين لا يعبأ بهم في الدنيا 49 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: إِنَّ أَغْبَطَ ¬

(¬1) الملبد الشعر المغبر. (¬2) لا قدر له عند الناس، فهم يدفعونه عن أبوابهم ويطردونه عنهم احتقاراً له، ولو حلف على وقوع شيء أجاب الله سؤاله لعظم منزلته عند الله تعالى أهـ نووي. فعليك أخي بمحبة الصالحين الزاهدين الورعين واطلب دعواتهم فإنها مستجابة كما قال صلى الله عليه وسلم. وفي الجامع الصغير (أشعث) ثائر الرأس مغبره قد أخذ فيه الجهد حتى أصابه الشعث وعلته الغبرة، ويكرمه الله بإجابة سؤاله وصيانته من الحنث في يمينه. وقال الحفني أشعث: أي اشتغل بربه عن تعهد بدنه بالتنظيف حتى تغير لونه وشعث شعره، ولو حلف بالله أو بنفسه بأن يقول والله أو وحياتي لا بد من كذا، وقيل المراد لو عبد الله لقبل عبادته فالقسم العبادة والبر القبول، والأولى حمله على ظاهره، فإن أهل الدلال يقسمون عليه تعالى ملاحظين تلك النعمة التي أنعم بها عليهم من إجابتهم بعين ما طلبوا، فقد نقل عن بعضهم أنه أراد أن يجامع زوجته فأخبرته بأن أولاده مستيقظون فدعا عليهم بالموت فماتوا جميعاً وكانوا سبعة، فأخبر من هو أرقى منه بذلك فدعا عليه بالموت فمات وقال لو عاش لأمات ناساً كثيرين. وكان لسيدي أبي محمود الحنفي ولد ليس له غيره، وكان إذا طلب من أحد شيئاً ولم يعطه قال له مت فيموت فدعا عليه أبوه فمات نفعنا الله بهم جميعاً أهـ ص 288 جـ 2. (¬3) أشعث: جعد الرأس، أغبر: غير الغبار لونه. ذي طمرين: تثنية طمر وهو الثوب الخلق (تنبو عنه أعين الناس) أي ترجع وتغض عن النظر إليه احتقاراً له (لو أقسم) الانكسار ورثاثة الحال والهيئة من أعظم أسباب الإجابة أهـ عزيزي. (¬4) معرض ولم يذهب إليها تعففاً وقناعة وزهادة. من أصفحه رده. (¬5) يوجد في أمتي فقير يطلب من الناس فيحرم، ولو طلب من ربه تعالى لأجابه ما هو أفضل وأبقى وهو النعيم المقيم. (¬6) الذي يتعامل به، يقال أفلس الرجل كأنه صار إلى حال ليس له فلوس: كما يقال أقهر إذا صار إلى حال يقهر عليه أهـ مصباح، ففيه الترغيب في إكرام الفقير السائل وطلب دعواته رجاء الفوز بالجنة.

أَوْلِيَائِي عِنْدِي (¬1) لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحاذِ ذُو حَظٍّ مِنْ صَلاَةٍ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَأَطَاعَهُ في السِّرِّ (¬2)، وَكَانَ غَامِضاً في النَّاسِ (¬3) لاَ يُشَارُ إِلَيْهِ بالأَصَابِعِ، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافاً (¬4)، فَصَبَرَ عَلى ذَلِكَ (¬5)، ثُمَّ نَقَرَ بِيَدِهِ (¬6) فَقَالَ: عَجِلَتْ مَنِيَّتُهُ، قَلَّتْ بَواكِيهِ، قَلّ تُرَاثُهُ. رواه الترمذي من طريق عبيد الله بن زحر عن عليّ بن يزيد عن القاسم بن أبي أمامة ثم قال: وهذا الإِسناد عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِيَ بَطْحَاءَ مَكَّةَ (¬7) ذَهَبَاً، قُلْتُ: لاَ يَا رَبِّ، وَلكِنْ أَشْبَعُ يَوْماً، وأَجُوعُ يَوْماً، أَوْ قالَ: ثَلاَثاً، أَوْ نَحْوَ هذَا، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ (¬8) إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ (¬9)، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ. ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن. 50 - وروى ابن ماجة والحاكم الحديث الأول إلا أنهما قالا: أَغْبَطُ النَّاسِ ¬

(¬1) أوليائي عندي كذا ط وع ص 329 - 2 وفي ن د أولياء الله عز وجل. وأرى أن نسخة دار الكتب أقرب إلى الصحة: أي أن أحسن شيء يتمنى المؤمنون الأتقياء البررة أن ينال حظ ذلك الذي تحلى بخلال ستة. أ - ماله قليل. ب - يحسن الصلاة. جـ - يخلص في العبادة. د - يميل إلى الأعمال الصالحة التي تفعل في السر. هـ - لا يحب الشهرة وإذاعة الصيت. و- عيشة كفاف، خفيف الحساب. (¬2) بعيداً من الرياء. (¬3) يميل إلى العكوف في عقر داره. (¬4) الكفاف هو الذي لا يفضل عن الشيء، ويكون بقدر الحاجة، ومنه حديث عمر: وددت أني سلمت من الخلافة كفافاً لا علي ولا لي أهـ نهاية. (¬5) فحبس نفسه على الطاعة ورضي وقنع. (¬6) أي دق بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم وزاد من صفاته قرب منيته وقلة من ينعيه ويرثيه وقلة الإرث ففيه الترغيب بالإقبال على الذكر والتسبيح والطاعة والتقليل من زخارف الدنيا ما أمكن. (¬7) الحصى الصغار الموجودة في الجبال. لم يرض صلى الله عليه وسلم بزهرة الدنيا لشدة قناعته وزهده وإعراضه عن الدنيا واختار صلى الله عليه وسلم قليلاً يأكل يوماً فيشبع فيحمد ربه ويثني عليه جل وعلا، ولا يجد شيئاً يوماً فيجوع فيتضرع إلى ربه ويسأله سمو الدرجات وعظيم الرضوان، وفي هذا المعنى يقول الإمام البوصيري يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى ... أن اشتكت قدماه الضر من ورم وشد من سغب أحشاءه وطوى ... تحت الحجارة كشحا مترف الأدم وراودته الجبال الشم من ذهب ... عن نفسه فأراها أيما شمم وأكدت زهده فيها ضرورته ... أن الضرورة لا تعدو على العصم وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من ... لولاه لم تخرج الدنيا من العدم (¬8) التجأت إليك طالباً بذل وخشوع. (¬9) سبحتك كثيراً.

عِنْدِي (¬1). والباقي بنحوه. قال الحاكم: صحيح الإسناد كذا قال: [قوله: خفيف الحاذ] بحاء مهملة وذال معجمة مخففة: خفيف الحال قليل المال. إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء 51 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلى الْمَسْجِدِ فَوَجَدَ مُعاذَاً عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَبْكِي، فقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قالَ: حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: الْيَسِيرُ (¬2) مِنَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ، وَمَنْ عَادَى (¬3) أَوْلِيَاءَ اللهِ فَقَدْ بَارَزَ (¬4) اللهَ بِالْمُحَارَبَةِ (¬5) إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الأَبْرَارَ الأَتْقِياءَ الأَخْفِياءَ الَّذِينَ إِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا (¬6)، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا. قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الدُّجَى يَخْرُجُونَ مِنْ كلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ (¬7). رواه ابن ماجة والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح، ولا علة له. ¬

(¬1) أكثر الناس غبطة، وفي النهاية غبطت الرجل أغبطه غبطاً: إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ماله، وأن يدوم عليه ما هو فيه؛ وحسدته أحسده حسداً إذا اشتهيت أن يكون لك ماله، وأن يزول عنه ما هو فيه، ومنه الحديث "على منابر من نور يغبطهم أهل الجمع. واللهم غبطاً لا هبطاً": أي أولنا منزلة نغبط عليها وجنبنا منازل الهبوط والضعة، وقيل معناه نسألك الغبطة: وهي النعمة والسرور ونعوذ بك من الذل والخضوع أهـ ص 148. (¬2) القليل من العمل لغير الله إشراك وإلحاد. (¬3) حاربهم وآذهم وقدم لهم كل شر قال تعالى: [إن أولياؤه إلا المتقون]. (¬4) فقد بارز كذا د وع ص 329 - 2 في ن ط: بارز. (¬5) أظهر لله العداوة والعصيان، من برز بروزاً: ظهر، وبارز في الحرب مبارزة وبرازاً فهو مبارز، وبرز الرجل في العلم تبريزاً: برع وفاق نظراءه. (¬6) لم يسأل عنهم لتواضعهم إلى ربهم لا يحبون المحافل التي تجتمع على غير طاعة الله تعالى. (¬7) ينجيهم الله تعالى من كل الفتن والظلمات كما في حديث علي رضي الله عنه "يوشك أن تغشاكم دواجي ظلمة": أي ظلمها واحدها داجية أهـ ولكن الصالحين يقيهم الله شرور الدنيا بأنوار إيمانهم بربهم قال تعالى: أ -[قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين (120)] من سورة النحل. ب - وقال تعالى: [والذين آمنوا أشد حباً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب (165)] من سورة البقرة. وشاهدنا الأبرار لا تنقطع محبتهم لله تعالى بخلاف محبة الأشرار الفساق أصحاب الشهرة والصيب الكاذب فأغراضهم لغير الله فاسدة لا ثواب لها. جـ - وقال تعالى: [وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم (163) إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك .. الآية] من سورة البقرة. ساقها الله للعقلاء الذين يتدبرون معنى القرآن ويعملون بأوامره فيعتزون به وحده. وشاهدنا النبراس الوهاج المتلألئ المضيء في قلوب من يتفكر في بدائع صنع الله. =

[قال الحافظ]: ويأتي بقية أحاديث هذا الباب بعده إن شاء الله تعالى. ¬

_ = خلاصة أقواله صلى الله عليه وسلم في التخشن والزهد في الدنيا وحب الفقراء أولاً: تنجي قلة المال من شدائد القيامة "عقبة". ثانياً: تسرع بالفوز ودرك النعيم "يصعدها المخفون". ثالثاً: مطية مسرعة ومركب وطيء وسيارة البهجة والسرور إلى طريق الجنة "لست ذا دحض ومزلة". رابعاً: سبب إقبال الله تعالى على عبده الفقير وإغداقه بالرحمات وحفظه من الأكدار والهموم "حماه الدنيا". خامساً: بشره النبي صلى الله عليه وسلم بدخول الجنة، وكان من السابقين "اطلعت في الجنة". سادساً: يفوز بالنعيم والفوز الذي وثق به سيدنا موسى عليه السلام واختاره الله لعبده الصالح "يفتح له باب الجنة فينظر إليه قال موسى أي رب ما أعددت له". سابعاً: يسبق أهل المحشر ويشرب من حوضه صلى الله عليه وسلم "أكثر وروداً عليه الفقراء المهاجرون" ثامناً: يسبق الفقير الغني الصالح بسنين عديدة "أربعين أو خمسمائة". تاسعاً: تستقبل الملائكة الفقراء باحتفال العز والسرور "يزفون كما تزف الحمام". عاشراً: صحيفة الفقير نقية بيضاء من أدران الدنيا لخفة ما له فيها " مؤمن فقير ومؤمن غني". الحادي عشر: فاز الأصحاب بالسبق إلا سيدنا عبد الرحمن حتى قال صلى الله عليه وسلم "لقد بطأ بك غناك من بين أصحابي". الثاني عشر: الفقير داخل في زمرة دعوته صلى الله عليه وسلم المستجابة "أحيني مسكيناً". الثالث عشر: حب الفقراء يجلب السعادة والنصر والصحة التامة والنعمة العامة "يستفتح بصعاليك". الرابع عشر: إكرامهم يدفع البلاء ويزيل كروب الدنيا ويجلب النضارة كما في حديث سيدنا يعقوب "فاصنع طعاماً للمساكين".\ الخامس عشر: تظهر على الفقير علامات أهل الجنة ودعاؤه مقبول "أشعث أغبر". السادس عشر: حركات الفقير وسكناته وكل أعماله حسنات له "ألا أخبركم عن ملوك الجنة". السابع عشر: أفضل خلق الله الفقير "خير من ملء الأرض". الثامن عشر: أهل الصفة قال الله تعالى عنهم "أولئك الذين صدقوا". التاسع عشر: وجود الفقير يوسع الرزق المنفق عليه "ابقوني في ضعفائكم". العشرون: الفقير سعيد، لأنه اختار أن يجوع يوماً ويشبع يوماً مثل ما خير حبيبيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "بطحاء مكة ذهباً". الحادي والعشرون: فليهنأ الفقير فأوقاته كلها في طاعة، وهي من دلائل رضوان الله ورحماته وهو مثل سيدنا رسول الله في المعيشة "أشبع يوماً وأجوع يوماً" والله تعالى ولي التوفيق. الثاني والعشرون: قلب الفقير الراضي ثريا وضاءة وشمس مشرقة تتفتح لها ينابيع الحكمة "مصابيح الدجى". الثالث والعشرون: ترفرف عليهم شارات السعادة وراحة الضمير وهناءة الحياة "إن غابوا لم يفتقدوا" فتجد حقارة الدنيا عندهم محققة لا يهمهم زخارفها ولا يعتنون بمشاغلها، رضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم كما قال سيدنا سليمان عليه السلام "رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين (19) " من سورة النمل. أي اجعلني أزع شكر نعمتك عندي وأن أوفق للعمل بكتابك إتماماً للشكر واستدامة النعمة يا رب، وقال تعالى: أ -[والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم (74) والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم] من سورة الأنفال. =

الترغيب في الزهد في الدنيا والاكتفاء منها بالقليل والترهيب من حبها والتكاثر فيها والتنافس وبعض ما جاء في عيش النبي صلى الله عليه وسلم في المأكل والملبس والمشرب ونحو ذلك

الترغيب في الزهد في الدنيا والاكتفاء منها بالقليل والترهيب من حبها والتكاثر فيها والتنافس، وبعض ما جاء في عيش النبي صلى الله عليه وسلم في المأكل والملبس والمشرب ونحو ذلك 1 - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللهُ (¬1)، وَأَحَبَّنِي النَّاسُ (¬2)، فَقَالَ: ازهَدْ في الدُّنْيَا (¬3) يُحِبُّكَ اللهُ (¬4)، وازْهَدْ فِيمَا أَيْدِي النَّاسِ (¬5) ¬

= أي من جملتكم أيها المهاجرون والأنصار، وقال تعالى: ب -[إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم (218)] من سورة البقرة. جـ - وقال تعالى: [زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب (212)] من سورة البقرة. (¬1) رضي عني وقبل عملي وأسعدني. (¬2) أكرموني وزادوا في احترامي. (¬3) ارض بقليل الشيء فيها، ولا تكثر من حطامها ولا تحب زخارفها وارغب عن زينتها، وأقبل على ربك بالعبادة، وفي النهاية "أفضل الناس مؤمن مزهد" المزهد القليل الشيء. وحديث الزهري وسئل عن الزهد في الدنيا فقال: هو أن لا يغلب الحلال شكره ولا الحرام صبره أراد أن لا يعجز ويقصر شكره على ما رزقه الله من الحلال ولا صبره عن ترك الحرام أهـ. (¬4) يرحمك ويحسن إليك ويثبك. (¬5) لا تنظر إلى ما في أيدي الناس، وفي الجامع الصغير (ازهد) أي أعرض عنها بقلبك، ولا تحصل منها إلا على ما تحتاج إليه (يحبك الله) لأن الله تعالى يحب من أطاعه وطاعته لا تجتمع مع محبة الدنيا، لأن حبها رأس كل خطيئة (وازهد فيما في أيدي الناس) أي فيما عندهم من الدنيا (يحبك الناس) قال المناوي لأن طباعهم جبلت على حب الدنيا ومن نازع إنساناً في محبوبه قلاه: ومن تركه له أحبه واصطفاه. قال الدارقطني: أصول الحديث أربعة هذا منها أهـ. وقال الحفني: الزهد لغة ترك الشيء احتقاراً له سواء كان محتاجاً له أو لا، واصطلاحاً ترك ما زاد على حاجته من الحلال، والورع ترك الحرام والشبهة في الدنيا: أي الشاغلة عن طاعة الله تعالى المترتب عليها ضياع حقوق الخلق والحق وهي المعنية بحديث "تعس عبد الدينار" الخ وحديث "الدنيا ملعونة" الخ، أما المعينة على الطاعة فممدوحة كما في حديث "نعمت الدنيا مطية المؤمن. المؤمن بها يصل إلى الخير وينجو من الشر". قال المناوي: وليس من الزهد ترك الجماع فقد قال سفيان بن عيينة كثرة النساء ليست من الدنيا فقد كان علي كرم الله وجهه أزهد الصحابة وله أربع زوجات وتسع عشرة سرية. وقال ابن عباس: خير هذه الأمة أكثرها نساء، وكان الجنيد شيخ القوم يحب الجماع ويقول إني أحتاج إلى المرأة كما أحتاج إلى الطعام (يحبك الناس) ولذا قيل لأهل البصرة. من سيدكم؟ فقالوا الحسن البصري فقيل: فيم سادكم؟ فقالوا احتجنا لعلمه واستغنى عن دنيانا أهـ ص 186 جـ 1. حديث بديع جمع التربي الدينية والدنيوية فيغرس في قلب المؤمن القناعة، والرضا، والصبر، والحلم والكرم =

يُحِبُّكَ النَّاسُ. رواه ابن ماجة، وقد حسن بعض مشايخنا إسناده، وفيه بعد لأنه من رواية خالد بن عمرو القرشي الأموي السعيدي عن سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل، وخالد هذا قد ترك واتُّهم، ولم أر من وثقه، لكن على هذا الحديث لامعة من أنوار النبوة، ولا يمنع كون راويه ضعيفاً أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وقد تابعه عليه محمد بن كثير الصنعاني عن سفيان، ومحمد هذا قد وثق على ضعفه وهو أصلح حالاً من خالد، والله أعلم. 2 - وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ دُلَّنِي عَلى عَمَلٍ يُحِبُّنِي اللهُ عَلَيْهِ، وَيُحِبُّنِي النَّاسُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْعَمَلُ الَّذِي يُحِبُّكَ اللهُ عَلَيْهِ فالزُّهْدُ في الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْعَمَلُ الَّذِي يُحِبُّكَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ مَا فِي يَدَيْكَ مِنَ الْحُطَامِ (¬1). رواه ابن أبي الدنيا هكذا معضلا، ورواه بعضهم عنه عن منصور عن ربعي بن حراش قال: جَاءَ رَجُلٌ. فذكره مرسلاً. الزهد في الدنيا يريح القلب والجسد. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا (¬2) يَرِيحُ الْقَلْبَ والْجَسَدَ. رواه الطبراني، وإسناده مقارب. من أزهد الناس 4 - وَعَن الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: ¬

= والإنفاق في الخير وتشييد المحامد والمحاسن فيبعد عن اللهو والطمع والشره والبخل، وهكذا من صفات المطرودين من رحمة الله تعالى وكلما زاد الإيمان بالله أقبل العبد على الطاعات وقلل من الدنيا وجعلها سوقاً رابحة نافقة لإيجاد صالح الأعمال فيها وفرصة سانحة لفعل المكرمات. وانظر رعاك الله إلى حال الكفار، والفجار الذين غفلوا عن طاعة الله تعالى وسروا بنعيم الدنيا وبما بسط لهم فيها، وقد حكى الله جل جلاله حادثهم [الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع (26)] من سورة الرعد. نعمة الدنيا فانية، وما هي بجانب النعيم الباقي إلا متعة لا تدوم كعجالة الراكب وزاد الراعي. قال البيضاوي: والمعنى أنهم أشروا بما نالوا من الدنيا، ولم يصرفوه فيما يستوجبون به نعيم الآخرة واغتروا بما هو في جنبه نزر قليل النفع سريع الزوال أهـ. (¬1) أظهر السخاء والجود واجعل ما معك سهل الجنى قريب الفائدة يعود عليهم بالخير والبركة. ولسعيد بن حميد: تمتع من الدنيا فإنك فاني ... وإنك في أيدي الحوادث عاني ولحاتم: لعمري لقد ما عضني الجوع عضة ... فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا فقولا لهذا اللائمي اليوم أعفني ... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا (¬2) التقلل من جمع المال يسبب راحة الضمير وسعادة الحياة ويطرد الهموم ويبعد المشاغل والوساوس، ويعطي الجسم الراحة التامة.

يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَزْهَدُ النَّاسِ (¬1)؟ قالَ: مَنْ لَمْ يَنْسَ الْقَبْرَ (¬2) وَالْبِلَى (¬3)، وَتَرَكَ فَضْلَ زِينَةِ الدُّنْيَا (¬4)، وآثَرَ مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى (¬5)، وَلَمْ يَعُدَّ غَداً في أَيَّامِهِ (¬6)، وَعَدَّ نَفْسَهُ مِنَ الْمَوْتَى. رواه ابن أبي الدنيا مرسلاً وستأتي له نظائر في ذكر الموت إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) استفهام عن أكثر الناس قناعة وزهادة، وفي الجامع الصغير: أي أكثرهم زهداً في الدنيا. (¬2) يعني الموت ونزول القبر ووحدته ووحشته وسؤال الملكين وظلمته فيستعد له بزرع الأعمال الصالحة في حياته ليجنيها بعد مماته. (¬3) الفناء والاضمحلال والتغير والانتقال من دنيا إلى أخرى سنة الله في خلقه. (¬4) مع إمكان نيلها، واجتنب الزخرفة والبهجة وكمل باطن نفسه بآداب الشرع. (¬5) اختار الآخرة وما ينتفع بها على الدنيا وما فيها. ترك الشهوات وأقبل على الطاعات. اجتنب مجالس السوء ورغب في مجالس الذكر والعلم وصاحب الأبرار الأخيار. (¬6) لجعله الموت نصب عينيه على توالي اللحظات فيسرع في أداء حقوق الله وسداد الدين وترك المظالم، ويبيض صحيفته بكثرة الاستغفار والصلاة على المختار، وذكر الجبار القهار الغفور الوهاب. قال الشاعر أبو الفتح البستي يبين هوان الدنيا على الصالحين الذين فهموا لباب الدين: زيادة المرء في دنياه نقصان ... وربحه غير محض الخير خسران وكل وجدان حظ لا ثبات له ... فإن معناه في التحقيق فقدان يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً ... بالله هل لخراب العمر عمران ويا حريصاً على الأموال يجمعها ... أنسيت أن سرور المال أحزان دع الفؤاد من الدنيا وزينتها ... فصفوها كدر والوصل هجران وأرع سمعك أمثالاً أفصلها ... كما يفصل ياقوت ومرجان أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسان إحسان يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته ... أتطلب الربح مما فيه خسران أقبل على النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان وكن على الدهر معواناً لذي أمل ... يرجو نداك فإن الحر معوان واشدد يديك بحبل الله معتصماً ... فإنه الركن إن خانتك أركان من يتق الله يحمد في عواقبه ... ويكفه شر من عزوا ومن هانوا من استعان بغير الله في طلب ... فإن ناصره عجز وخذلان من كان للخير مناعاً فليس له ... على الحقيقة إخوان وأخدان من جاد بالمال مال الناس قاطبة ... إليه والمال للإنسان فتان كن ريق البشر إن الحر همته ... صحيفة وعليهما البشر عنوان ورافق الرفق في كل الأمور فلم ... يندم رفيق ولم يذممه إنسان ولا يغرنك حظ جره حزن ... فالحزن هدم ورفق المرء بنيان لا ظل للمرء يعري من نهى وتقى ... وإن أظلته أوراق وأفنان يا ظالماً فرحاً بالعز ساعده ... إن كنت في سنة فالدهر يقظان يا أيها العالم المرضي سيرتي ... أبشر فأنت بغير الماء ريان ويا أخا الجهل لو أصبحت في لجج ... فأنت ما بينها لا شك ظمآن لا تحسبن سروراً دائماً أبداً ... من سره زمن ساءته أزمان =

5 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَاجَى مُوسى بِمَائَةِ أَلفٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ كَلِمَةٍ في ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، فَلَمَّا سَمِعَ مُوسى كَلاَمَ الآدَمِيِّينَ مَقَتَهُمْ (¬1) لِمَا وَقَعَ فِي مَسَامِعِهِ مِنْ كَلامِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ فِيمَا نَاجَاهُ رَبُّهُ أَنْ قالَ: يَا مُوسى إِنَّهُ لَمْ يَتَصَنَّعْ لِي (¬2) الْمُتَصَنِّعُون بِمِثْلِ الزُّهْدِ (¬3) في الدُّنْيَا، وَلَمْ يَتَقَرَّبْ إِلَيَّ الْمُتَقَرِّبُونَ بِمِثْلِ الْوَرَعِ (¬4) عَمَّا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتَعَبَّدْ إِلَيَّ الْمتَعَبِّدُونَ بِمِثْلِ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَتِي (¬5) قالَ مُوسى: يا رَبَّ الْبَرِيَّةِ (¬6) كُلِّهَا، وَيَا مَالِكَ يَوْمِ الدِّينِ، وَيَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ: مَاذَا أَعْدَدْتَ لَهُمْ، وَمَاذَا جَزَيْتَهُمْ؟ قالَ: أَمَّا الزُّهَّادُ في الدُّنْيَا، فَإِنِّي أَبَحْتُهُمْ جَنَّتِي (¬7) يَتَبَوَّؤُونَ مِنْهَا حَيْثُ شَاؤُوا، وَأَمَّا الْوَرِعُونَ عَمَّا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ لَمْ يَبْقَ عَبْدٌ إِلاَّ نَاقَشْتُهُ وَفَتَّشْتُهُ إِلاَّ الْوَرِعُونَ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ (¬8) وَأُجِلُّهُمْ وَأُكْرِمُهُمْ، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا الْبَكَّاؤونَ مِنْ خَشْيَتِي فَأُولئِكَ لَهُمُ الرَّفِيقُ الأَعْلَى (¬9) لاَ يُشَارَكُونَ فِيهِ. رواه الطبراني والأصبهاني. 6 - وَرُوِيَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَا تَزَيَّنَ الأَبْرَارُ (¬10) في الدُّنْيَا بِمِثْلِ الزُّهْدِ في الدُّنْيَا. رواه أبو يعلى. 7 - وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا رأَيْتُمْ مَنْ يَزْهَدُ في الدُّنْيَا فَادْنُوا مِنْهُ (¬11)، فَإِنَّهُ يُلَقَّى الْحِكْمَةَ. رواه أبو يعلى. ¬

= يا رافلاً في الشباب الوصف منتشياً ... من كأسه هل أصاب الرشد نشوان ويا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم ... يكن لمثلك في الإسراف إمعان وكل كسر فإن الدين يجبره ... وما لكسر قناة الدين جبران (¬1) أبغضهم أشد البغض عن أمر قبيح، المعنى أنكر هذا الصوت المنكر منهم إزاء صوت الرب جل وعلا. (¬2) يفعل ما فيه رضاي ويتزلف إلي ويتقرب. (¬3) الرغبة عن زينتها والتقلل من التعب في جمع مالها. (¬4) البعد عن الشبهات وتحري الحلال. (¬5) الخوف من عقابه جل وعلا والشوق إلى ثوابه. (¬6) سيد العالم أجمع وخالقها. (¬7) جعلتها مباحة. (¬8) أترك سؤالهم حباً في حيائهم .. (¬9) أعلى مكان في الجنة "الفردوس". (¬10) تحلى وتجمل وتكمل. (¬11) تقربوا إليه وجالسوه فإنه يلهم الصواب ويلقن الرشاد ويقول الحق. قال المناوي: أي يعلم دقائق =

صلاح هذه الدنيا بالزهادة واليقين 8 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ رَفَعَهُ قالَ: صَلاَحُ أَوِّلِ (¬1) هذِهِ الأُمَّةِ بِالزَّهَادَةِ وَالْيَقِينِ (¬2)، وَهَلاَكُ آخِرِهَا بِالْبُخْلِ (¬3) وَالأَمَلِ (¬4). رواه الطبراني، وإسناده محتمل للتحسين، ومتنه غريب. 9 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قالَ: يُنَادِي مُنَادٍ: دَعُوا الدُّنْيَا لأَهْلِهَا، دَعُوا الدُّنْيَا لأَهْلِهَا، دَعُوا الدُّنْيَا لأَهْلِهَا. مَنْ أَخَذَ مِنَ الدُّنْيَا أَكْثَرَ مِمَّا يَكْفِيهِ أَخَذَ حَتْفَهُ (¬5)، وَهُوَ لا يَشْعُرُ. رواه البزار، وقال: لا يروى عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم إلا من هذا الوجه. 10 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ (¬6). ¬

= الإشارات الشافية لأمراض القلوب المانعة من اتباع الهوى أهـ. وفي الجامع الصغير في تفسير قوله تعالى: [يؤتي الحكمة من يشاء] أي العلم النافع المؤدي إلى العمل. قال العلقمي قال سفيان بن عيينة: الزهد ثلاثة أحرف: زاي وهاء ودال، فالزاي ترك الزينة، والهاء ترك الهوى والدال ترك الدنيا بجملتها، وحقيقة الزهد الشرعية استصغار الدنيا بجملتها واحتقار جميع شأنها، فمن كانت الدنيا عنده صغيرة حقيرة هانت عليه فالزاهد هو المستصغر للدنيا المحتقر بها الذي انصرف قلبه عنها لصغر قدرها عنه، ولا يفرح لشيء منها ولا يحزن على فقده، ولا يأخذ منها إلا ما أمر بأخذه مما يعينه على طاعة ربه، ويكون مع ذلك دائم الشغل بذكر الله تعالى، وذكر الآخرة. قال الفضيل بن عياض: جعل الله الشر كله في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد فيها، وقال أحمد وسفيان الثوري وغيرهما: الزهد قصر الأمل، وقال ابن المبارك: الزهد الثقة بالله، وقال أبو سليمان الداراني: الزهد ترك ما يشغل عن الله أهـ ص 123 جـ 1. (¬1) أول وجود الإسلام، وفي زهرته وفتوته. (¬2) سكون الفهم مع ثبات الحكم مع الثقة بوجود الله والتوكل عليه جل وعلا وعقد العزيمة على طاعته والتفاني في الإخلاص له عز شأنه. (¬3) التقصير في أداء الحقوق وعدم الإنفاق في وجوه البر. (¬4) التسويف في الأعمال الصالحة وحب المال إلى درجة الميل إلى تشييد القصور ووفرة الخيرات مع الترف والبذخ. (¬5) هلاكه، معناه الذي يسلم نفسه لمطامع الحياة والاسترسال في آمال جبي الأموال وقع في الهاوية ولا يدري لماذا؟ لأن أعمال الدنيا خالية من الثواب المدخر له بعد مماته فمهما جمع من زخارف الدنيا ومات لا ينفعه شيء إلا إذا يد بماله قصور الصالحات التي أعد الله أجرها للمحسنين: هي الدنيا تقول بملء فيها ... حذار حذار من بطشي وفتكي شباب بلا تقوى كغصن بلا جنى ... يرى غير مأسوف عليه فيحطب حتفه كذا ط وع ص 331 - 2، وفي ن د جيفه: أي إن حطام الدنيا مهما زاد قذر نتن لا يفيده في الآخرة بشيء ولا ينتفع به. (¬6) أي أفضل العبادة التي تصدر من مطيع بعيد من الرياء وحب الظهور والشهرة.

وَخَيْرُ الرِّزْقِ أَوِ الْعَيْشِ مَا يَكِفِي (¬1)، الشَّكُّ من ابن وهب. رواه أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما والبيهقي. إن الدنيا حلوة خضرة 11 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ (¬2) خَضِرَةٌ (¬3)، وَإِنَّ اللهَ تَعَالى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا (¬4) فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا (¬5) وَاتَّقُوا النِّسَاءَ. رواه مسلم والنسائي. وزاد: فَمَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ (¬6) ¬

(¬1) الذي يسد الحاجة ويبعد الجوع. (¬2) طعم جمع المال فيها لذيذ تميل النفس إلى زينتها، يقال حلا بفمي يحلو. (¬3) نضرة زاهرة زاهية. وفي البخاري في باب المنافسة في الدنيا قوله صلى الله عليه وسلم "أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا" قال القسطلاني: فيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى الهلاك في الدين أهـ. وفي باب فضل النفقة في سبيل الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم "خضرة حلوة ونعم صاحب المسلم لمن أخذه بحقه فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين وابن السبيل". قال القسطلاني: خضرة من حيث المنظر، حلوة من حيث الذوق، نعم المال لمن جمعه من حلال وأنفقه في جميع أنواع الخير. (¬4) جاعلكم أولياء خلفاء في إنفاق المال تتصرفون فيه تصرف المالك، وفي الحقيقة الله تعالى المنعم المعطي الوهاب الرزاق، قال تعالى: [آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير (7)] من سورة الحديد. قال البيضاوي من الأموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها فهي في الحقيقة له لا لكم، أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تملكها والتصرف فيها، وفيه حث على الإنفاق وتهوين له عن النفس أهـ. (¬5) احذروا الدنيا وابتعدوا عن حيل النساء واخشوا أن يمنعنكن عن طاعة الله. فاتقوا الدنيا كذا ط وع ص 331 - 2 وهي مصححة بكشط، ولكن في ن د: فاتقوا الله. يأمرنا صلى الله عليه وسلم باليقظة والحذر من ثنتين: أ - الدنيا، لأنها رأس كل خطيئة وسبب كل نقص، وحبها يجر الغفلة عن ذكر الله، ومشاغلها جمة تلهي عن الله. ب - النساء لأنهن شرك المتن وحبائل الشيطان قد يسببن قطيعة الرحم أو يمنعن فعل الخير أو يكن لاهيات لاعبات مائلات مميلات لضعفاء الإيمان. وقد تقدم ثنتان في الحديث هما سببان قويان في نصر الإسلام وإشراق شمسه وبلوغ أوج عزه وطلوع كواكب نجمه متألقة في سماء الرفعة والمجد: هما الزهد واليقين. (¬6) أكثر إضراراً. يحذر صلى الله عليه وسلم من الميل إلى حب السيدات وإرخاء العنان لطلباتهن بلا محكم الشرع بينهن، قال تعالى: [إن كيدكن عظيم]، وقال تعالى: [إن كيد الشيطان كان ضعيفا]: إن النساء شياطين خلقنا لنا ... نعوذ بالله من شر الشياطين كم شخص حن إلى المرأة فمال إليها وعصى الله في طاعتها فدعته إلى فراق شقيقه وغضب قريبه والإكثار من غشيان الملاهي والتمتع بشراب الخمر، وأكتب هذا وفي يدي صحيفة تنبئ عن رجل موظف يعول أسرة كبيرة كباراً وصغاراً، ولكن أحب فتاة وروادها عن نفسها ولمس عفافها فحملت سفاحاً ثم وضعت ولداً وقبل أن يظهر أمرها للنيابة ذهب إلى مقر وظيفته وودع رئيسه وزملاءه وذهب إلى بيته فقبل أولاده الصغار وقال لهم =

عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ (¬1). رب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم القيامة 12 - وَعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا (¬2) بَارَكَ اللهُ لَهُ فِيهَا، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ (¬3) في مَالِ اللهِ وَرَسُولِهِ لَهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيامَةِ. رواه الطبراني بإسناد حسن. 13 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا (¬4) بَارَكَ اللهُ لَهُ فِيهَا، وَرُبَّ ¬

= إني سأموت ودخل في حجرة وأحكم إقفال نوافذها ووجه فوهة البندقية على عنقه وانتحر فيتم أطفاله. لماذا؟ خشي الفضيحة من عاره ولطخ جبين الإنسانية بهتك عرض المرأة. ولقد صدق من قال: فتش عن المرأة فإن لها في كل جناية أصبعا. (¬1) قال العلقمي: في الحديث إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى: [زين للناس حب الشهوات من النساء] من سورة آل عمران. فجعلهن من عين الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك. ويقع في المشاهدة حب الرجل ولده من امرأته التي هي عنده محبوبة أكثر من حبه ولده من غيرها، ومن أمثلة ذلك قصة النعمان بن بشير في الهبة. وقد قال بعض الحكماء: النساء شر كلهن وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن، ومع أنها ناقصة العقل والدين تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين لشغله عن طلب أمور الدين وتحمله على التهالك على طلب الدنيا، وذلك أشد الفساد. وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد في أثناء حديث "واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" أهـ عزيزي من الجامع الصغير ص 244 جـ 3. النساء أساس الخصومة بين المتحابين ومنبع الجرائم بين الأشرار والداء العضال الذي أعيا المصلحين الأطباء في علاج الاتحاد والتآلف والتوادد والتحابب. هذا في العموم. ولا يخلو كل عصر من فضليات النساء اللاتي لهن اليد الطولى في تشييد قصور المحامد وإيجاد صالحات الأعمال، وكن المثل الأعلى في التربية السامية والكمال، والآداب وأنجبن بنين وخدمن الوطن والدين أمثال السيدة خديجة والسيدة عائشة، ومن على شاكلتهما وحذا حذوهما إلى الآن وبذا قال الشاعر: ولو كان النساء كمثل هذي ... لفضلت النساء على الرجال وقالت أخرى تبين فوائدها في العالم: إن النساء رياحين خلقن لكم ... وكلكم يشتهي شم الرياحين (¬2) جمع فيها المال الحلال من وجوه شريفة وطرق شرعية. (¬3) أصل الخوض المشي في الماء وتحريكه، ثم استعمل في التلبس في الأمر والتصرف فيه: أي رب متصرف في مال الله تعالى بما لا يرضاه الله تعالى، والتخوض تفعل منه، وقيل هو التخليط في تحصيله من غير وجه كيف أمكن. أهـ نهاية. المعنى الدنيا محبوبة مائلة إلى زينتها النفس ومشتاقة إلى كثرة خيراتها، ولكن يختار المؤمن حلالها وطيبها ليعمل صالحاً به، والفاجر العاصي يستعمل هذه النعم في شهواته فيهوي بها في جهنم، لأن الذي وهب له هذه النعم سيحاسبه عليها، وهل عمل بها حسب شرع حبيبه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (¬4) بحقها، كذا د وفي ع أيضاً مصححة ص 338 - 2، وفي ن ط: بحقه.

مُتَخَوِّضٍ (¬1) فِيمَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ لَيْسَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاّ النَّارُ. رواه الطبراني في الكبير. ورواته ثقات. 14 - وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ قَضَى نَهْمَتَهُ (¬2) في الدُّنْيَا حِيلَ (¬3) بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَهْوَتِهِ في الآخِرَةِ، وَمَنْ مَدَّ عَيْنَيْهِ إِلى زِينَةِ الْمُتْرَفِينَ (¬4) كَانَ مَهِيناً (¬5) في مَلَكُوتِ السَّمَواتِ، وَمَنْ صَبَرَ (¬6) عَلَى الْقُوتِ الشَّدِيدِ صَبْراً جَمِيلاً أَسْكَنَهُ اللهُ مِنَ الْفِرْدَوْسِ حَيْثُ شَاءَ. رواه الطبراني في الأوسط والصغير من رواية إسماعيل بن عمرو البجلي، وبقية رواته رواة الصحيح، ورواه الأصبهاني إلا أنه قال: كَانَ مَمْقُوتاً فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ، والباقي مثله. لا يصيب عبد من الدنيا شيئاً إلا نقص من درجاته عند الله 15 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لاَ يُصِيبُ (¬7) عَبْدٌ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئاً إِلاَّ نَقَصَ مِنْ دَرَجَاتِهِ عِنْدَ اللهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كَرِيماً. رواه ابن أبي الدنيا، وإسناده جيد، وروي عن عائشة مرفوعاً، والموقوف أصحّ. 16 - وَرُوِيَ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَكْفِينِي مِنَ الدُّنْيَا؟ قالَ مَا سَدَّ جَوْعَتَكَ، وَوَارَى (¬8) عَوْرَتَكَ، وَإِنْ كَانَ لَكَ بَيْتٌ يُظِلُّكَ فَذَاكَ (¬9) وَإِنْ كَانَتْ لَكَ دَابَّةٌ فَبَخٍ (¬10). رواه الطبراني في الأوسط. ¬

(¬1) تارك العنان لنفسه تدله على المعاصي وترتكب الشهوات الذميمة فينفق في وجوه الشرور والعصيان وعقابه دخول جهنم، والعياذ بالله تعالى. (¬2) أي أدرك طلب نفسه وذاق حلاوة ما يتمنى في حياته. وفي النهاية النهمة: بلوغ الهمة في الشيء، ومنه النهم من الجوع. (¬3) بعد. (¬4) أي نظر إلى رغد المنعمين واطلع على خيراتهم، وأن تضجر وحسد ولم يصبر على ما أعطاه الله تعالى. (¬5) واقعة عليه كل إهانة وأذى من الملائكة البررة. وفي النهاية ملكوت اسم مبني من الملك كالجبروت والرهبوت، من الجبر والرهبة، وفي ن د: ملكوت السموات والأرض. (¬6) حبس نفسه على تحمل الجوع وقنع برزقه ورضي بالقليل ملكه الله أعلى جهة في الجنة يتمتع بنعيمها جزاء صبره في حياته. (¬7) لا ينال العبد شيئاً من خيرات الدنيا إلا حاسبه الله عليه وأخذ منه درجات سامية كانت له في آخرته. (¬8) ستر. وعورة الرجل: ما بين السرة والركبة، وعورة المرأة جميع جسمها إلا وجهها وكفيها. (¬9) هذا كافيك. (¬10) كلمة تقال عند المدح والرضا أهـ نهاية: أي العاقل يطلب في حياته: =

يسأل العبد يوم القيامة عن كل ما ملكه إلا ثلاثاً 17 - وَعَنْ أَبي عَسِيبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لَيْلاً فَمَرَّ بِي فَدَعَانِي فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ بِأَبي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللهُ فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ بِعُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَانْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ (¬1) حَائِطَاً لِبَعْضِ الأَنْصَارِ فَقَالَ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ: أَطْعِمْنَا، فَجَاءَ بِعِذْقٍ (¬2) فَوَضَعَهُ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ بَارِدٍ فَشَرِبَ فَقَالَ: لَتُسْأَلُنَّ (¬3) عَنْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللهُ الْعِذْقَ، فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ حَتَّى تَنَاثَرَ الْبُسْرُ (¬4) قِبَلَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، ثُمَّ قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا لَمَسْؤُولُونَ عَنْ هذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قالَ: نَعَمْ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ (¬5): خِرْقَةٍ كَفَّ بِهَا عَوْرَتَهُ، أَوْ كِسْرَةٍ سَدَّ بِهَا جَوْعَتَهُ، أَوْ جُحْرٍ يَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الْحَرِّ والْقَرِّ. رواه أحمد، ورواته ثقات. 18 - وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَيْسَ لابْنِ آدَمَ حَقٌّ في سِوَى هذِهِ الْخِصَالِ: بَيْتٌ يُكِنُّه (¬6)، وَثَوْبٌ يَوارِي (¬7) عَوْرَتَهُ، وَجِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ. رواه الترمذي والحاكم وصححاه والبيهقي، ولفظه: ¬

= أ - ما يقيه شر الجوع. ب - ما يكنه ويقيه شر الحر والبرد ويغطي سوءته. جـ - مركب وطيء سهل يجلب له الراحة ويوفر عليه التعب؛ وما زاد على ذلك ينفقه في وجوه البر ادخاراً عند الله جل وعلا. (¬1) دخل حائطاً كذا ط وع ص 338 - 2، وفي ن د: أتى حائطاً، وفي النهاية الحائط ههنا: البستان من النخيل إذا كان عليه حائطاً، وهو الجدار، وجمعه حوائط أهـ. (¬2) العرجون بما فيه من الشماريخ. (¬3) والله ليسألنكم عن هذه الأكلة الجميلة الحلوة البديعة. (¬4) التمر، تفرق أمام حضرته صلى الله عليه وسلم. (¬5) من ثلاث كذا ط وع. وفي ن د ثلاثة: خرقة قطعة من نسيج تستر العورة، أو قطعة من خبر تطرد الجوع. أو جحر يدخل كذا د وع. وفي ن ط: أو حجر يتدخل، والمعنى بيت على قدر منع الحر والبرد فقط، وما زاد عن هذه الثلاثة يحاسب الله عليها حساباً عسيراً، ففيه الترغيب في طلب ثلاثة على قدر الحاجة الواقية: أ - ملبس. ب - طعام. جـ - منزل. (¬6) يقيه ويمنع عنه الأذى والسرقة. وفي النهاية: السكن: ما يرد الحر والبرد من الأبنية والمساكن، وقد كننته أكنه كناً، والاسم الكن، واستكن: استتر أهـ. (¬7) يداري، من واراه مواراة: ستره، وتوارى: استخفى.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: كُلُّ شَيْءٍ فَضَلَ (¬1) عَنْ ظِلِّ بَيْتٍ، وَكِسَرِ خُبْزٍ، وَثُوْبٍ يُوارِي عَوْرَةَ ابْنِ آدَمَ فَلَيْسَ لابْنِ آدَمَ فِيهِ حَقٌّ. قالَ الْحَسَنُ. فَقُلْتُ لِحُمْرَانَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَأْخُذَ؟ وَكَانَ يُعْجِبُهُ الْجَمَالُ، يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّ الدُّنْيَا تَقَاعَدَتْ بِي. [الجلف] بكسر الجيم وسكون اللام بعدهما فاء: هو غليظ الخبز وخشنه، وقال النضر بن شميل: هو الخبز ليس معه إدام. 19 - وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمنِ الْجُبْلِي قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاص، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَلَسْتُ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: أَلَكَ امْرَأَةٌ (¬2) تَأْوِي إِلَيْهَا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ (¬3) تَسْكُنُهُ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَأَنْتَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ. قالَ: فَإِنِّي لِي خَادِماً؟ قالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ. رواه مسلم موقوفاً. 20 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا فَوْقَ الإِزَارِ (¬4)، وَظِلِّ الحائِطِ، وَحَرِّ الماءِ فَضْلٌ (¬5) يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَوْ يُسْأَلُ عَنْهُ. رواه البزار، ورواته ثقات إلا ليث بن أبي سليم، وحديثه جيد في المتابعات 21 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ أُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ (¬6)، وَأَرْوِكَ مِنَ الْمَاءِ البَارِدِ. ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. إن أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب 22 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ لِي رَسُولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم: إِنْ أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي (¬7) فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ (¬8)، وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ (¬9) ¬

(¬1) زيادة داعية إلى الترف يسأل الله معطيها فيم استعمله؟ من باب نصر. (¬2) زوجة ترجع إليها من عملك فتجد قرة عين وسروراً وحياة سعيدة. (¬3) منزل تسكنه كذا ط وع، وفي ن د: تسكن إليه، وفي ن د: أنت، والمعنى ثنتان ملكتهما فعدك الله من الموسرين الأغنياء: أ - زوجة. ب - بيت، والثالثة خادم يقضي له حاجاته لراحته فعده عبد الله بن عمر بن العاص [وفي الأصل فعده صلى الله عليه وسلم] من الملوك. (¬4) الرداء: أي الزائد عن ستر العورة. (¬5) زيادة عن حق العبد يسأل عن نعيمها. (¬6) ألم أعطك صحة ونضارة وأزيل ظمأك؟ (¬7) مرافقتي في الجنة. (¬8) قدر زاد المسافر. (¬9) احذري مجالسة أصحاب الأموال والثروة.

الأَغْنِيَاءِ، وَلاَ تَسْتَخْلِقي (¬1) ثَوْباً حَتَّى تُرَقِّعِيهِ. رواه الترمذي والحاكم والبيهقي من طريقها وغيرها كلهم من رواية صالح بن حسان، وهو منكر الحديث عن عروة عنها، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وذكره رزين فزاد فيه: قال عروة: فَمَا كَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَجِدُّ ثَوْباً حَتَّى تُرَقِّعَ ثَوْبَهَا وَتُنَكِّسَهُ (¬2)، وَلَقَدْ جَاءَهَا يَوْماً مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ ثَمَانُونَ أَلْفَاً، فَما أَمْسَى عِنْدَهَا دِرْهَمٌ، قَالَتْ لَهَا جَارِيَتُها: فَهَلاَّ اشْتَرَيْتِ لَنَا مِنْهُ لِحْمَاً بِدِرْهَمٍ؟ قَالَتْ: لَوْ ذَكَّرْتِنِي لَفَعَلْتُ. 23 - وَعَنْ أَبِي سُفيْنٍ عَنْ أَشْيَاخِهِ قالَ: قَدِمَ سَعْدٌ عَلَى سَلْمَانَ يَعُودُهُ قالَ: فَبَكَى، فَقَالَ سَعْدٌ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ تُوَفِّي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، وَتَرِدُ عَلَيْهِ الْحَوْضَ، وَتَلْقَى أَصْحَابَكَ. فَقَالَ: مَا أَبْكِي جَزَعاً (¬3) مِنَ الْمَوْتِ، وَلاَ حِرْصَاً عَلَى الدُّنْيَا (¬4)، وَلكِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيْنَا عَهْداً قالَ: لِتَكُنْ بُلْغَةُ (¬5) أَحَدِكُمْ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ، وَحَوْلِي هذِهِ الأَسَاوِدُ، قالَ: وَإِنَّمَا حَوْلَهُ إِجَّانَةٌ (¬6) وَجَفْنَةٌ (¬7) وَمِطْهَرَةٌ (¬8)، فَقَالَ: يَا سَعْدُ: اذْكُرِ اللهَ عِنْدَ هَمِّكَ (¬9) إِذَا هَمَمْتَ، وَعِنْدَ يَدَيْكَ إِذَا قَسَمْتَ (¬10)، وَعِنْدَ حُكْمِكَ إِذَا حَكَمْتَ (¬11). رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد كذا قال: ¬

(¬1) ولا تأتي بثوب جديد. ثلاثة تقربك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ - التقليل من الدنيا. ب - مجالسة الفقراء لا المنعمين. جـ - التخشن والتقشف والقناعة والزهد في الملبس. (¬2) تقلبه، من نكسته نكساً، من باب قتل، والمعنى لا تتركه حتى يبلى ولا يصلح للبس. (¬3) خوفاً. (¬4) شدة الطمع. والمعنى يبكي سليمان خشية أن يسأله ربه عن هذه الأشياء التي تركها: أ - طست. ب - ما يوضع عليه الطعام. جـ - إبريق. (¬5) ما يتبلغ ويتوصل به إلى الشيء المطلوب. (¬6) إناء يغسل فيه الثياب، والجمع أجاجين. (¬7) مائدة، والعرب تدعو السيد المطعام جفنة، لأنه يضعها ويطعم الناس فيها: أي مضيفة للجود والإحسان. (¬8) إداوة: أي إناء التطهير والنظافة. (¬9) عزمك على إيجاد عمل. (¬10) وزعت: أي سو بالعدل وفرق بالحق. (¬11) إذا حضرت النزاع بين متخاصمين فاعدل.

[قوله: وهذه الأساود حولي] قال أبو عبيد: أراد الشخوص من المتاع، وكل شخص سواد من إنسان أو متاع أو غيره. 24 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: اشْتَكَى سَلْمَانُ فَعَادَهُ سَعْدٌ فَرَآهُ يَبْكِي فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا يُبْكِيكَ يَا أخِي؟ أَلَيْسَ قَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، أَلَيْسَ، أَلَيْسَ؟ قالَ سَلْمَانُ: مَا أَبْكِي وَاحِدَةً مِنَ اثْنَتَيْنِ مَا أَبْكِي ضَنَّاً (¬1) عَلَى الدُّنْيَا، وَلاَ كَرَاهِيةَ ¬

(¬1) بخلاً، من ضن ضنانة. إن الإنسان خلق ليعمل في هذه الحياة ويجد في جني ثمار الصالحات بما كسبت يداه فلا يمنع الزهد أن يتقن الموظف عمله أو يحترف الصانع أو يبيع التاجر ليربح، وهكذا، فالله تعالى يقول [فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه] وهذا الشاعر نفسه تطمح إلى المعالي بكده وعرق جبينه، يقول المتنبي: ليس التعلل بالآمال من أربي ... ولا القناعة بالإقلال من شيمي ولا أظن بنات الدهر تتركني ... حتى تسد عليها طرقها هممي لم الليالي التي أخنت على جدتي ... برقة الحال واعذرني ولا تلم أرى أناساً ومحصولي على غنم ... وذكر جود ومحصولي على الكلم بنات الدهر: أي حوادثه. محصولي: أي حصولي على مواعيد. فيريد أن المجد يرقى إلى العلياء بكده ويكسب المال بعرق جبينه ولا يرضى الصغائر: لا تركن إلى الهوى ... واحذر مفارقة الهواء يوماً تسير إلى الثرى ... ويفوز غيرك بالثراء ينهى الشاعر عن اتباع الشهوات. ثم يحبب الإنسان إلى التمتع بخيرات الدنيا في وجوه الحلال ويرغبه بتشييد الصالحات ذخراً له بعد مماته [والباقيات الصالحات خير]. قد عضني ناب النوائب ... ورأيت آمالي كواذب والمرء يعشق لذة الد ... نيا فتفقره المصائب وإذا تفرق درها ... زينته حين يلذ شارب لا تجد بالعطاء في غير حق ... ليس في منع غير ذي الود بخل إنما الجود أن تجود على من ... هو للجود والندى منك أهل إن الذي يرغب في الزهد صلى الله عليه وسلم كان راعي غنم في إبان صغره. ثم تاجر فربح مالاً وفيراً ثم عكف على طاعة ربه حتى اصطفاه الله لرسالته فكان ملكاً عادلاً ورسولاً أدى الرسالة بأمانة وشجاعة، وكان رئيس القواد فأكثر الفتوح ودانت له المعمورة ومع وفرة النعم يقول صلى الله عليه وسلم في حديثه "أجوع يوماً وأشبع يوماً" ثم قفى أثره أصحابه الأبرار وابتع منهجه المسلمون الأخيار حتى إن السيدة عائشة رضي الله عنها جاءها يوماً آلاف الدنانير فوزعتها ولم تجد ما تفطر عليه. هذا هو معنى الزهد أيها السادة. وليس الزهد الميل إلى الكسل والبطالة والخلو من العمل، وللشيخ عمر الأنسي: إذا أنت لم تعمل بما أنت قائل ... فأنت أسير الجهل أو أنت تكذب ولا تصحبن زاداً سوى البر والتقى ... وإلا فشر الزاد ما أنت تصحب ولأحمد الكيواني: يا مكثراً من ذم كل ذميم ... ابدأ بنفسك قبل كل ملوم هل تنجح الآداب عند معاشر ... مع زهدهم في العلم والتعليم

الآخِرَةِ، وَلكِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَهِدَ إِلَيْنَا عَهْداً مَا أَرَانِي إِلاَّ قَدْ تَعَدَّيْتُ. قالَ: وَمَا عَهِدَ إِلَيْكَ؟ قالَ عَهِدَ إلَيْنَا أَنَّهُ يَكْفِي أَحَدَكُمْ مِثْلُ زَادِ الرَّاكِبِ، وَلاَ أُرَانِي إِلاَّ قَدْ تَعَدَّيْتُ (¬1)، وَأَمَّا أَنْتَ يَا سَعْدُ فَاتَّقِ اللهَ (¬2) عِنْدَ حُكْمِكَ إِذَا حَكَمْتَ، وَعِنْدَ قَسْمِكَ (¬3) إِذَا قَسَمْتَ: وَعِنْدَ هَمِّك (¬4) إِذَا هَمَمْتَ. رواه ابن ماجة ورواته ثقات احتج بهم الشيخان إلا جعفر بن سليمان فاحتج به مسلم وحده. [قال الحافظ]: وقد جاء في صحيح ابن حبان أن مال سلمان رضي الله عنه جُمِعَ، فبلغ خمسة عشر درهماً، وفي الطبراني: أن متاع سلمان بيع، فبلغ أربعة عشر درهماً، وسيأتي إن شاء الله. يا أيها الناس هلموا إلى ربكم 25 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ما طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا (¬5) مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الأَرْضِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ (¬6): يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلى رَبِّكُمْ (¬7). فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى (¬8). رواه أحمد في حديث تقدم، ورواتُه رواة الصحيح وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 26 - وروى الطبراني من حديث فضالة عن أبي أمامة قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى ¬

(¬1) تجاوزت حدوده. (¬2) اخش الله وخف عقابه واعدل ولا تظلم عند حكمك، كذا ط وع ص 333 - 2، وفي ن د: فاتق الله في حكمك. (¬3) القسم إفراز النصيب: أي إذا أردت أن تعطي كل ذي حق حقه فخف ربك واعدل. (¬4) الهم ما هممت به في نفسك، وهو الأصل، ولذا قال الشاعر (وهمك ما لم تمضه لك منصب) قال الله تعالى [إذا هم قوم أن يبسطوا] أي خف الله عند تفكيرك في الإقدام على شيء، ومع ذلك تراه رضي الله عنه خائفاً من حساب ربه "مع نفيقة". حسبك مما تبتغيه القوت ... والفقر فيما جاوز الكفافا (¬5) بناحيتيها. (¬6) الإنس والجن. (¬7) أقبلوا على ربكم بطاعته وذكره. (¬8) شغل عن عبادته.

اللهُ عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلى رَبِّكُمْ، فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى. يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا هُمَا نَجْدَانِ نَجْدُ خَيْرٍ وَنَجْدُ شَرٍّ، فَمَا جَعَلَ نَجْدَ الشَّرِّ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ نَجْدِ الْخَيْرِ؟ [النجد] هنا: الطريق، ومنه قوله تعالى: وهديناه النجدين: أي الطريقين: طريق الخير، وطريق الشر. 27 - وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: طُوبَى (¬1) لِمَنْ هُدِيَ للإِسْلامِ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافاً وَقَنِعَ. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً 28 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قالَ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وَقَنَّعَهُ (¬2) اللهُ بِمَا آتَاهُ. رواه مسلم والترمذي وابن ماجة. [الكفاف] الذي ليس فيه فضل عن الكفاية. 29 - وروى أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب عن سعيد بن عبد العزيز أنَّهُ سُئِلَ مَا الْكَفَافُ مِنَ الرِّزْقِ؟ قالَ: شِبَعُ يَوْمٍ، وَجُوعُ يَوْمٍ. 30 - وَعَنْ نُقَادَةَ الأَسَدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِلى رَجُلٍ يَسْتَمْنِحُهُ (¬3) نَاقَةً، فَرَدَّهُ (¬4)، ثُمَّ بَعَثَنِي إِلى رَجُلٍ آَخَرَ يَسْتَمْنِحُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِنَاقَةٍ، فَلَمَّا أَبْصَرَهَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهَا وَفِيمَنْ بَعَثَ بِهَا. قالَ نُقَادَةُ: فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَفِيمَنْ جَاءَ بِهَا؟ قالَ: ¬

(¬1) مكان في الجنة تظله شجرة واسعة الظلال يستظل بها الذي وفق لآداب الإسلام وعمل بها. (¬2) أرضاه باليسير، وفي النهاية: قنع يقنع قنوعاً إذا رضي، والقناعة كنز لا ينفد، لأن الإنفاق منها لا ينقطع كلما تعذر عليه شيء من أمور الدنيا قنع بما دونه ورضي، ومنه الحديث "عز من قنع وذل من طمع" لأن القانع لا يذله الطلب فلا يزال عزيزاً، وقنع بالفتح سأل أهـ. (¬3) أي يطلب منه ناقة يأخذ لبنها، وفي النهاية منحة اللبن أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاها لينتفع بوبرها وصوفها زماناً ثم يردها. (¬4) لم يعطه لأن ذلك الرجل بخيل محروم من نور الله تعالى غير سعيد وغير موفق.

وَفِيمَنْ جَاءَ بِهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُلِبَتْ فَدَرَّتْ (¬1)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَ فُلانٍ لِلْمَانِعِ (¬2) الأَوَّلِ، واجْعَلْ رِزْقَ فُلاَنٍ يَوْمَا بِيَوْمٍ لِلَّذِي بَعَثَ بِالنَّاقَةِ. رواه ابن ماجة بإسناد حسن. اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً 31 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً (¬3). وفي رواية: كَفَافاً. رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة. 32 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا مِنْ غَنِيٍّ وَلاَ فَقِيرٍ إِلاَّ وَدَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (¬4) أَنَّهُ أُوتِيَ مِنَ الدُّنْيَا قُوتاً. رواه ابن ماجة. ¬

(¬1) جاءت بلبن كثير جم. (¬2) الذي لم يرسل الناقة. دعا عليه صلى الله عليه وسلم بكثرة ماله ليشغله. وليكثر سؤاله عنه يوم القيامة وليثقل حسابه. لماذا؟ لأنه طماع جشع فالدعاء من جنس آماله. صلى الله عليك يا رسول الله. لا يرسل المسؤول الناقة فتطلب له زيادة النعم ووفرة الخيرات وكثرة الدنيا ثم تتكرم بالدعاء للموفق المحسن الصالح بقربه منك ودنو منزلته بجوارك وابتعاد مشاغل الدنيا عنه وإعطائه الرزق يوماً بيوم. أي الفلاسفة؟ أين علماء التربية لأدلهم على معنى السعادة التي ينشدونها في مقالاتهم: هي الصحة ورزق يوم بيوم والتوفيق لعبادة الله وحده كما كافأ سيدنا رسول الله مسدي إليه المعروف بشموله برضوان الله والتقلل من الدنيا، وبذا يجني ثمرات صبره يوم القيامة ويبدل الله عسره يسراً وفقره غنى كما قال تعالى: [وإن للمتقين حسن مآب (49) جنات عدن مفتحة لهم الأبواب (50) متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب (51) وعندهم قاصرات الطرف أتراب (52) هذا ما توعدون ليوم الحساب (53) إن هذا لرزقنا ما له من نفاد (54) هذا وإن للطاغين لشر مآب (55) جهنم يصلونها فبئس المهاد (56) هذا فليذوقوه حميم وغساق (57) وآخر من شكله أزواج (58) هذا فوج مقتحم معكم لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار (59)] من سورة ص. [مآب] مرجع [قاصرات] لا ينظرن إلى غير أزواجهن [أتراب] لدات لهم، فإن التحاب بين الأقران أثبت أو بعضهن لبضع لا عجوز فيهم ولا صبية [نفاد] انقطاع [المهاد] الممهد المفترش، مستعار من فراش النائم والمخصوص بالذم جهنم [غساق] صديد أهل النار [أزواج] أصناف جمة من العذاب [فوج] حكاية. ما يقال للرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار واقتحمها معهم فوج: أي جماعة تتبعهم في الضلال، والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها. إن شاهدنا المقلون في الجنة والمكثرون في النار إن لم يعملوا بالكتاب والسنة، لأنهم صرفوا أموالهم في شهواتهم الفانية ولم يدخروا لآخرتهم كما صبر الفقراء الصالحون. (¬3) أي بقدر ما يمسك الرمق من المطعم أهـ نهاية. سيدنا رسول الله يضرب المثل الأعلى للصالحين الراضين أن يتكرم الله عليه وعلى آل بيته بالرزق الضروري الذي يطرد الجوع فقط، وكذا كل من اتبع سنته إلى يوم القيامة رجاء ادخار الثواب في آخرته. (¬4) إذا أطلع الله الإنسان على ما أعده من النعيم للفقراء في الدنيا تمنى لو كان فقيراً ليحظى بهذا النعيم. =

33 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يَتْبَعُ (¬1) المَيِّتَ ثَلاثٌ (¬2): أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ، يَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ. رواه البخاري ومسلم. 34 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ (¬3) وَلاَ أَمَةٍ إِلاَّ وَلَهُ ثَلاَثُ أَخِلاَّءَ (¬4)، فَخَلِيلٌ يَقُولُ: أَنَا مَعَكَ فَخُذْ مَا شِئْتَ، وَدَعْ مَا شِئْتَ، فَذَلِكَ مَالُهُ، وَخَلِيلٌ يَقُولُ: أَنَا مَعَكَ، فَإِذَا أَتَيْتَ بَابَ الْمَلِكِ تَرَكْتُكَ فَذلِكَ خَدَمُهُ وَأَهْلُهُ. وَخَلِيلٌ يَقُولُ أَنَا مَعَكَ حَيْثُ دَخَلْتَ وَحَيْثُ خَرَجْتَ فَذَلِكَ عَمَلُهُ. رواه الطبراني في الكبير بأسانيد أحدها صحيح، ورواه في الأوسط، ولفظه: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَثَلُ الرَّجُلِ وَمَثَلُ الْمَوْتِ كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ ثَلاَثَةُ أَخِلاَّء فَقَالَ أَحَدُهُمْ: هذَا مَالِي، فَخُذْ مِنْهُ مَا شِئْتَ، وَأَعْطِ مَا شِئْتَ، وَدَعْ مَا شِئْتَ، وَقَالَ الآخَرُ: أَنَا مَعَكَ أَخْدُمُكَ، فَإِذَا مِتَّ تَرَكْتُكَ، وَقَالَ الآخَرُ: أَنَا مَعَكَ أَدْخُلُ مَعَكَ، وأَخْرُجُ مَعَكَ، إِنْ مِتَّ وَإِنْ حَيِيتَ، فأَمَّا الَّذِي قالَ: هَذَا مَالِي فَخُذْ مِنْهُ مَا شِئْتَ، وَدَعْ مَا شِئْتَ، فَهُوَ مَالُهُ، وَالآخَرُ عَشِيرَتُهُ (¬5)، والآخَرُ عَمَلُهُ، يَدْخُلُ مَعَهُ، وَيَخْرُجُ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ. 35 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَثَلُ ابْنِ آدَمَ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ وَعَمَلِهِ كَرَجُلٍ لَهُ ثَلاثَةُ إِخْوَةٍ أَوْ ثَلاَثَةُ أَصْحَابٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا مَعَكَ حَيَاتَكَ (¬6) فَإِذَا مِتَّ فَلَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي، وقالَ الآخَرُ: أَنَا مَعَكَ فَإِذَا بَلَغْتَ تِلْكَ ¬

= قال الشاعر: إذا الجود لم يرزق خلاصاً من الأذى ... فلا الحمد مكسوباً ولا المال باقيا وللنفس أخلاق تدل على الفتى ... أكان سخاء ما أتى أم تساخيا (¬1) يتبع كذا د وع ص 335 - 2، وفي ن ط: يتتبع. (¬2) يرافقه في تشييع جنازته ثلاث: أ - أقرباؤه وأصحابه. ب - جميع ما يملك. جـ - أعماله، وهي التي تدخل معه في قبره. (¬3) ذكر أو أنثى. (¬4) أصدقاء: أ - ماله يرافقه في حياته. ب - حشمه وخدمه وأقرباؤه، ولكن لا ينفعونه عند الحاكم. جـ - العمل يرافقه بعد مماته، وفي حياته. (¬5) أسرته وأخدانه. (¬6) مدة حياتك.

الشَّجَرَةَ فَلَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي، وقالَ الآخَرُ: أَنَا مَعَكَ حَيّاً وَمَيِّتاً. رواه البزار ورواته رواة الصحيح. 36 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَقُولُ الْعَبْدُ: مَالِي مَالِي (¬1)، وإِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى (¬2)، أَو لَبِسَ فَأَبْلَى (¬3)، أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى (¬4) مَا سِوَى ذلِكَ، فَهُوَ ذَاهِبٌ، وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ. رواه مسلم. 37 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِيرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم، وَهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ قالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأَمْضَيْتَ (¬5). رواه مسلم والترمذي والنسائي، وتقدم أحاديث من هذا النوع في الصدقة وفي الإنفاق. 38 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَرَّ بِالسُّوقِ، والنَّاسُ كَنَفَتَيْهِ، فَمَرّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ: فَتَنَاوَلَهُ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَن هذا بِدِرْهَمٍ؟ فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنُّهُ لَنَا بِشَيءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قالَ: أَتُحِبُّونَ أَنُّهُ لَكُمْ؟ قالُوا: واللهِ لَوْ كَانَ حَيَّاً لَكَانَ عَيْباً فِيهِ لأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: واللهِ لَلدُّنيا أَهْوَنُ علَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ مِنْ هذَا عَلَيْكُمْ. رواه مسلم. [قوله: كنفتيه] أي عن جانبيه. [والأسك] بفتح الهمزة والسين المهملة أيضاً وتشديد الكاف: هو الصغير الأذن. ¬

(¬1) أحب مالي أنا متعلق بمالي. (¬2) الذي أطعمه وتذوقه وانتفع به وانتهى. (¬3) جعله خلقاً قطعاً، يقال بلى الثوب خلق فهو بال، وبلى الميت أفنته الأرض. (¬4) تصدق أو أنفق فادخر ثواب ذلك عند الله جل وعلا، وفي المصباح أقناه أعطاه وأرضاه واقتنيت اتخذت لنفسي قنية، والمعنى يشيد بماله المكارم لتبقى ذخيرة له في حياته، وفي آخرته. فأقنى ن ط، وفي ن د وع: فاقتنى. (¬5) أي فأسرعت وأنفذت رجاء إيجاد قصور الصالحات الشامخة الذي يسطع أجرها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

39 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ قَدْ أَلْقَاهَا أَهْلُهَا فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا. رواه أحمد بإسناد لا بأس به. والله للدنيا أهون على الله من هذه السخلة على أهلها 40 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم بِدِمْنَةِ (¬1) قَوْمٍ فِيهَا سَخْلَةٌ مَيِّتَةٌ فَقَالَ: مَا لأَهْلِهَا فِيهَا حَاجَةٌ؟ قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ كَانَ لأَهْلِهَا فِيها حَاجَةٌ مَا نَبَذُوهَا (¬2)، فَقَالَ: واللهِ للدنيا أَهْوَنُ علَى اللهِ مِنْ هَذِهِ السَّخْلَةِ عَلَى أَهْلِهَا فَلا أُلْفِيَنَّهَا (¬3) أَهْلَكَتْ أَحَداً مِنْكُمْ. رواه البزار والطبراني في الكبير من حديث ابن عمر بنحوه، ورواتهما ثقات، ورواه أحمد من حديث أبي هريرة ولفظه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَرَّ بِسَخْلَةٍ جَرْبَاءَ (¬4) قَدْ أَخْرَجَهَا أَهْلُهَا، فَقَالَ: أَتَرَوْنَ هذِه هَيِّنَةً عَلَى أَهْلِهَا؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلى اللهِ مِنْ هَذِهِ عَلى أَهْلِهَا. 41 - وَفي رواية للطبراني من حديث ابن عمر أيضاً نحوه، وزاد فيه: وَلَوْ كَانَتْ تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ لَمْ يُعْطِها إِلاَّ لأَوْلِيَائِهِ وأَحْبَابِهِ مِنْ خَلْقِهِ. [الدمنة] بكسر الدال: هي مجتمع الدمن، وهو السرجين الملبد بعضه على بعض [والسخلة] الأنثى من ولد الضأن. [وقوله: فلا ألفينها] بالفاء وتشديد النون: أي فلا أجِدَنَّها. 42 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ (¬5) عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ. رواه ابن ماجة والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. 43 - وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جاءَ قَوْمٌ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ¬

(¬1) آثار. (¬2) ما تركوها. (¬3) فلا أجدنها هالكة مميتة. (¬4) مصابة بالجرب. (¬5) تساوي.

فَقَالَ لَهُمْ: أَلَكُمْ طَعَامٌ؟ قالُوا: نَعَمْ. قالَ: فَلَكُمْ شَرَابٌ؟ قالُوا: نَعَمْ، قالَ: وَتُبَرِّدُونَهُ؟ قالُوا: نَعَمْ. قالَ: فَإِنَّ مَعَادَهُمَا كَمَعَادِ الدُّنْيَا (¬1) يقُومُ أَحَدُكُمْ إِلى خَلْفِ بَيْتِهِ فَيُمْسِكُ أَنْفَهُ مِنْ نَتْنِهِ. رواه الطبراني، ورواته محتجّ بهم في الصحيح. 44 - وَعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ لَهُ: يَا ضَحَّاكُ: مَا طَعَامُكَ؟ قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اللَّحْمُ واللَّبَنُ. قالَ: ثُمَّ يَصِيرُ إِلى مَاذَا؟ قالَ: إِلى مَا قَدْ عَلِمْتَ. قالَ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى ضَرَبَ مَا يَخْرُجُ مِنِ ابْنِ آدَمَ مَثَلاً لِلدُّنْيَا. رواه أحمد، ورواتُه رواة الصحيح إلا عليّ بن زيد بن جدعان. 45 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ مَطْعَمَ ابْنِ آدَمَ جُعِلَ مَثَلاً لِلدُّنْيَا وَإِنْ قَزَّحَهُ وَمَلَحَهُ، فانْظُرْ إِلى مَا يَصِيرُ؟ رواه عبد الله بن أحمد وابن حبان في صحيحه. [قوله: قزَّحه] بتشديد الزاي: هو من القزح، وهو التابل يقال: قزحت القدر: إذا طرحت فيها الأبزار. [وملحه] بتخفيف اللام: معروف. إن الدنيا ملعونة 46 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ (¬2) مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ ذِكْرُ اللهِ، وَمَا وَالاَهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ. رواه ابن ماجة والبيهقي والترمذي، وقال: حديث حسن. 47 - وَعَنْ الْمُسْتَوْلِدِ أَخِي بَنِي فِهْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ كما يَجْعَلُ أَحَدُكُم اصْبُعَهُ في هذِهِ الْيَمِّ (¬3)، وَأَشَارَ يَحْيى بْنُ يَحْيى بالسَّبَّابَةِ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ؟ رواه مسلم. تعس عبد الدينار وعبد الدرهم 48 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: ¬

(¬1) أي هذا له وقت محدد ثم يقذر وينتن ويرمم، كذلك الدنيا زمنها محدد وبعد ذلك تفنى. (¬2) مطرودة من رحمة الله تعالى. (¬3) أي الدنيا قليلة القدر بمقدار وضع الأصبع في البحر.

تَعِسَ (¬1) عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ (¬2) إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ (¬3)، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانْتَكَسَ (¬4) وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ (¬5) في سَبِيلِ اللهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، وَإِنْ كانَ في الحرَاسَةِ كَانَ في الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ في السَّاقَةِ كَانَ في السَّاقَةِ (¬6)، وَإِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنَ لَهُ (¬7)، وَإِنْ شَفَعَ (¬8) لَمْ يُشَفَّعْ. رواه البخاري، وتقدم مع شرح غريبه في الرباط. 49 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ (¬9) أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، ومَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، فَآثِرُوا (¬10) مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنى. رواه أحمد ورواته ثقات، والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي في الزهد وغيره، كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبي موسى وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. ¬

(¬1) عثر وانكب لوجهه، وهو دعاء عليه بالهلاك: أي هلاك ودمار وخيبة وخسران للطماع الشره الذي همه أن يجمع المال ولا يعمل صالحاً به. (¬2) ثوب خز أو صوف معلم أو سوداء معلمة، والمعنى عبد رهين تأنق بملابسه: أي يعتني بثيابه، ولا يكمل نفسه بالتقوى هو شره في الدنيا ذو مصلحة مؤقتة خالية من طاعة الله ورضاه. (¬3) إن ربح فرح وإن خسر غضب وكره وسب ولعن. (¬4) أي انقلب على رأسه وهو دعاء عليه بالخيبة، لأن من انتكس في أمره فقد خاب وخسر أهـ نهاية. (¬5) اللجام الذي يملك زمام التصرف فيها: أي ذهب بحصانه يحارب ويجاهد ورأسه ملبد وقدماه مغبرتان عليهما تراب الحرب وغبار الدفاع وعلامة الاستبسال. (¬6) الساقة: جمع سائق، وهم الذين يسوقون جيش الغزاة ويكونون من ورائه يحفظونه، ومنه ساقة الحاج أهـ نهاية. (¬7) أي إنه متواضع سهل القياد، لين الجانب. (¬8) أي إذا كان شفيعاً لأحد في مصلحة لم يجب طلبه لهوانه على الناس، وذا من علو نفسه وكرم أخلاقه وبراءته من اللؤم والمكر والخبث وحيل الأشرار. (¬9) من أقبل عليها بشرهه وتقصيره في الأعمال الصالحة خلت آخرته، ومن أكمل نفسه وأدبها بالشرع فاز بالنعيم وقصر في أعمال دنياه الفانية ووصفها الله تعالى بقوله [وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب] من سورة الأنعام. [ومن يضلل الله فما له من هاد (36) ومن يهد الله فما له من مضل، أليس الله بعزيز ذي انتقام؟ (37)] من سورة الزمر. (¬10) فاختاروا الدار الآخرة الباقي نعيمها المدخر ثوابها على الدنيا الفانية التي هي سوق الأعمال، ولو ربح الإنسان فيها ما ربح لا ينفعه إلا صالح الأعمال كما قال تعالى: [ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون (47) وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون (48)] من سورة الزمر. وعيد شديد وإقناط كلي للكفار والعصاة الذين اختاروا الدنيا فضلوا وأضلوا وظلموا وعصوا ربهم. =

[قال الحافظ]: المطّلب لم يسمع من أبي موسى، والله أعلم. 50 - وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قالَ: يَا مَعْشَرَ الأَشْعَرِيِّينَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِد الْغَائِبَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: حُلْوَةُ الدُّنْيَا (¬1) مُرَّةُ الآخِرَةِ، وَمُرَّةُ الدُّنْيَا حُلْوَةُ الآخِرَةِ. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. 51 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهث قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أُشْرِبَ (¬2) حُبَّ الدُّنْيَا الْتَاطَ (¬3) مِنْهَا بِثَلاثٍ: شَقَاءٍ (¬4) لاَ يَنْفَدُ عَنَاهُ، وَحِرْصٍ (¬5) لاَ يَبْلُغُ غِنَاهُ، وَأَمَلٍ (¬6) لاَ يَبْلُغُ مُنْتَهَاهُ، فَالدُّنْيَا طَالِبَةٌ وَمَطْلُوبَةٌ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبْتَهُ الآخِرَةُ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ فَيَأْخُذَهُ، وَمَنْ طَلَبَ الآخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوفِيَ مِنْهَا رِزْقَهُ رواه الطبراني بإسناد حسن. 52 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذْ ¬

= وظهرت صحائف أعمالهم فيها السيئات مقيدة ثابتة في صحائفهم ناطقة بما اقترفوا في دنياهم (وحاق) أي أحاط بهم جزاؤه. (¬1) الإقدام على شيء فيها زينه الشيطان يكون حلواً على النفس مقبولاً، ولكن عاقبته في الآخرة عذاب ومرارة. حلوة، كذا د وع ص 337 - 2، وفي ن ط: حلاوة. كذا الإقدام على فعل الصالحات فيها مجاهدة النفس، وتحمل مشاق، ولكن في الآخرة نعيم مقيم وسعادة ونيل الثواب من الوهاب القدير [وكذلك نجزي المحسنين] (¬2) أي اختلط به حب الدنيا مثل اختلاط الشراب في الجسم، وفي الغريب في قوله تعالى [وأشربوا في قلوبهم العجل] قيل من قولهم: أشربت البعير شددت حبلاً في عنقه فكأنما شد في قلوبهم العجل لشغفهم به. وقال بعضهم: معناه أشرب في قلوبهم حب العجل، وذلك أن من عادتهم إذا أرادوا العبارة عن مخامرة حب أو بغض استعاروا له اسم الشراب إذ هو أبلغ إنجاع في البدن، ولذلك قال الشاعر: تغفل حيث لم تبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور والمعنى أن الدنيا شغلته وسخرته وصار هو عبداً لشهواته ذليلاً لمآربها الدنيئة. (¬3) التصق به. (¬4) تعب مستمر. (¬5) طبع لأحد له مهما جمع من المال. (¬6) ورجاء في كثرتها وأفكار في وفرة خيراتها، فمن أقبل على الله بعبادته وطاعته سعى إليه رزقه وبارك الله له فيه، ومن غفل عن طاعة الله واشتغل بالدنيا قطف غصنه الموت ولم ينفعه ما جمعه في حياته من حطام الدنيا. فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أحب الدنيا ذاق مرارة ثلاثة: أ - شقاء. ب - طمع. جـ - آمال كأحلام تجلب الوساوس والمشاغل. أما الذي يميل إلى الآخرة رزقه الله القناعة وسعادة الحياة وراحة الضمير وابتسامة الثغر وصحة البدن، والدنيا تسعى إليه راغمة خادمة فينال ما قدره الله له بسرور.

قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ في غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (¬1). قال: في الدُّنْيَا رواه ابن حبان في صحيحه وهو في مسلم بمعناه في آخر حديث يأتي إن شاء الله تعالى. 53 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ (¬2) أُرْسِلا في غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلى المالِ والشَّرَفِ لِدِينِهِ (¬3). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وابن حبان في صحيحه. 54 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا ذِئْبَانِ ضارِيَانِ (¬4) جَائِعَانِ بَاتَا في زَرِيبَةِ (¬5) غَنَمٍ أَغْفَلَهَا أَهْلُهَا يَفْتَرِسَانِ وَيَأْكُلانِ بِأَسْرَعَ فِيهَا فَسَادَاً مِنْ حُبِّ المالِ والشَّرَفِ في دِينِ المرْءِ الْمُسْلِمِ. رواه الطبراني واللفظ له وأبو يعلى بنحوه، وإسنادهما جيد. 55 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا ذِئْبَانِ ضَارِبَانِ في حَظِيرَةٍ (¬6) يَأْكُلانِ وَيُفْسِدَانِ بِأَضَرَّ فِيهَا (¬7) مِنْ حُبِّ الشَّرَفِ، وَحُبِّ المَالِ في دِينِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ. رواه البزار بإسناد حسن. ¬

(¬1) الآية قول الله تبارك وتعالى: [وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون (39)] من سورة مريم. أي يوم يتحسر المسيء على إساءته والمحسن على قلة إحسانه وقت أن فرغ من الحساب وذهب هذا إلى الجنة وآخر إلى النار [أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين] تعجب، معناه أن استماعهم وإبصارهم يوم القيامة جدير بأن يتعجب منهما بعدما كانوا صماً عمياً في الدنيا، وقد ظلموا أنفسهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين ينفعهم وسجل على إغفالهم بأنه ضلال بين وركنوا إلى زخارف الدنيا وعصوا الله. (¬2) ما الذئبان الجائعان بأشد إفساداً للغنم من إفساد المرء المذكور لدينه، فإن الحرص على المال والجاه يوقعان في البخل والبطر والكبر المفسدات لصاحبها أهـ حفني، وفي الجامع الصغير كأنه كقيل بأفسد لأي شيء، قيل لدينه والقصد أن الحرص على المال والشرف أكثر فساداً للدين من إفساد الذئبين للغنم أهـ ص 248 جـ 3. (¬3) أي ثنتان يضيعان جمال الدين: أ - حب المال. ب - حب التظاهر والصيت والتفاخر. (¬4) معتديان من ضرى بالشيء ضراوة اعتاده واجترأ عليه فهو ضار والأنثى ضارية، وضرى به لزمه وأولع به كما يضري السبع بالصيد. (¬5) مكان الماشية نام عن حراستها أصحابها. (¬6) مكان الوقاية، من حظرته حظراً: منعته وحزته، يقال لما حظر به على الغنم وغيرها من الشجر ليمنعها ويحفظها حظيرة. (¬7) أكثر ضرراً وأشد إفساداً من الميل إلى اثنتين: أ - المال. ب - الجاه. هذان يذهبان كمال دين المسلم.

56 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: هَلْ مِنْ أَحَدٍ يَمْشِيْ عَلَى الماءِ إِلاَّ ابْتَلَّتْ قَدَمَاهُ؟ قالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: كَذَلِكَ صَاحِبُ الدُّنْيَا لاَ يَسْلَمُ مِنَ الذُّنُوبِ (¬1). رواه البيهقي في كتاب الزهد. 57 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً (¬2)، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي المالُ (¬3). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 58 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لاَ دَارَ لَهُ، وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ (¬4). رواه أحمد والبيهقي. وزاد: وَمَالُ مَنْ لاَ مَالَ لَهُ. وإسنادهما جيد. 59 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنِ انْقَطَعَ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَفَاهُ اللهُ كُلَّ مُؤْنَةٍ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسبُ ¬

(¬1) من يحب الدنيا لا يخلو من عيوب، ففيه الترغيب في الزهد في زخارف الدنيا رجاء تنقية صحيفته وكسب الحسنات: ولي نفس مقام الذل تأبى ... ولو رفعت على السبع الشداد ترى رفض اللئيم أجل فرضا ... وخفر ذمامه خير اعتقاد علام تضيق بي أعطان قومي ... وأرض الله واسعة المهاد ومن طلب المفاخر والمعالي ... يهيم بحبها في كل واد فإن ير وصلها سهر الليالي ... وجافى جفنه سنة الرقاد (¬2) ما يحصل عنه العذاب كما قال تعالى: أ -[ألا في الفتنة سقطوا]. ب -[ونبلوكم بالشر والخير فتنة]. جـ -[واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة]. د -[واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة] اعتبار بما ينال الإنسان من الاختبار بهم. هـ -[والفتنة أشد من القتل] إيقاع العداوة وإشعال نار الخصام والحروب. و- بإن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق (10)] من سورة البروج. أي بلوهم بالأذى لهم جهنم بكفرهم والعذاب الزائد في الإحراق بفتنتهم، وقيل المراد بالذين فتنوا أصحاب الأخدود وبعذاب الحريق ما روي أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم أهـ بيضاوي. (¬3) حب المال يجر إلى كل معصية. (¬4) لجهله ولغباوته اختار الركون إلى الدنيا ولم يعمل صالحاً لآخرته الباقية.

وَمَنِ انْقَطَعَ إِلَى الدُّنْيَا وَكَلَهُ اللهُ إِلَيْهَا (¬1). رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب من رواية الحسن عن عمران، في إسناده إبراهيم بن الأشعث ثقة، وفيه كلام قريب. من كانت همته الدنيا حرّم الله عليه جواري 60 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَنْ أَصْبَحَ وَهَمُّهُ الدُّنْيَا فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيءٍ (¬2)، وَمَنْ أَعْطَى الذِّلَّةَ مِنْ نَفْسِهِ طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ فَلَيْسَ مِنَّا (¬3). رواه الطبراني، وتقدم في العدل حديث أبي الدحداح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: وَمَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ الدُّنْيَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ جِوَارِي (¬4)، فَإِنِّي بُعِثْتُ بِخَرَابِ الدُّنْيَا، وَلَمْ أُبْعَثْ بِعِمَارَتِهَا. رواه الطبراني. 61 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ أَصْبَحَ حَزِيناً عَلَى الدُّنْيَا أَصْبَحَ سَاخِطاً عَلَى رَبِّهِ تَعَالَى، وَمَنْ أَصْبَحَ يَشْكُو مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ فَإِنَّمَا يَشْكُو اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ تَضَعْضَعَ (¬5) لِغَنِيٍّ لِيَنَالَ مِمَّا في يَدَيْهِ أَسْخَطَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ أُعْطِيَ الْقُرْآنَ (¬6) فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللهُ. رواه الطبراني في الصغير، ورواه أبو الشيخ في الثواب من حديث أبي الدرداء إلا أنه قال في آخره: وَمَنْ قَعَدَ أَوْ جَلَسَ إِلى غَنِيٍّ فَتَضَعْضَعَ لَهُ لِدُنْيَا تُصِيبُهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ، وَدَخَلَ النَّارَ. 62 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم رَحِمَ اللهُ مَنْ سَمِعَ مَقَالَتِي حَتَّى يُبَلِّغَهَا غَيْرَهُ: ثَلاثٌ (¬7) لا يَغُلُّ (¬8) عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلاصُ الْعَمَلِ للهِ (¬9) ¬

(¬1) أسنده الله إليها تلعب به وتسخر منه تشغله وتشقيه وتتعبه. (¬2) ليس معتمداً على ربه تعالى. (¬3) ليس على طريقتنا الكاملة. (¬4) أبعد الله مكانه عني. (¬5) أذل نفسه له وخشع أمامه. (¬6) الذي أعطاه الله القرآن ولم يعمل به. (¬7) ثلاث، كذا د وع ص 339 - 2 وفي ن ط: ثلاثاً. (¬8) من الإغلال: الخيانة في كل شيء، ويروى يغل بفتح الياء من الغل، وهو الحقد والشحناء: أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق، وروي يغل بالتخفيف من الوغول الدخول في الشر، والمعنى أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر وعليهن في موضع الحال تقديره لا يغل كائناً عليهن قلب مؤمن أهـ نهاية ص 168. (¬9) يعمل العمل لوجهه وحده خالياً من الرياء.

وَالنُّصْحُ لأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ (¬1)، وَاللُّزُومُ لِجَمَاعَتِهِمْ (¬2)، فَإِنَّ دُعَاءَهُمْ يُحِيطُ (¬3) مِنْ وَرَائِهِمْ، إِنَّهُ مَنْ تَكُنِ الدُّنْيَا نِيَّتَهُ (¬4) يَجْعَلِ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَيُشَتِّتْ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ (¬5)، وَلاَ يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ (¬6)، وَمَنْ تَكُنِ الآخِرَةُ نِيَّتُهُ يَجْعَلِ اللهُ غِنَاهُ في قَلْبِهِ، وَيَكْفِيهِ ضَيْعَتَهُ، وَتَأْتِيهِ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ (¬7). رواه ابن ماجة وتقدم لفظه وشرح غريبه في الفراغ للعبادة، والطبراني واللفظ له وابن حبان في صحيحه، وتقدم لفظه في سماع الحديث. من تكن الآخرة نيته يجعل الله غناه في قلبه 63 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا فَقَدِمَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أبي عُبَيْدَةَ، فَوَافَوا صَلاةَ الْفَجْرِ (¬8) مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَآهُمْ ثُمَّ قالَ: أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيءِ مِنَ الْبَحْرَيْنِ؟ قالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: أَبْشِرُوا (¬9) وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى (¬10) عَلَيْكُمْ، وَلكِنْ أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ (¬11) الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كما بُسِطَتْ عَلى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنافَسُوهَا (¬12) كما تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ. رواه البخاري ومسلم. ما أخشى عليكم الفقر ولكن أخشى عليكم التكاثر 64 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

(¬1) بإعانتهم على الحق وطاعتهم فيه وتنبههم عند الغفلة برفق وسد خلتهم عند الهفوة ورد القلوب النافرة إليهم، وأما أئمة الاجتهاد فببعث علومهم ونشر مناقبهم وتحسين الظن بهم أهـ قسطلاني. (¬2) حضور مجالس الصالحين وأداء الصلاة جماعة مع الأئمة العاملين. (¬3) يحيط، كذا ط وع، وفي ن د محيط أي يعم ويستجاب كما قال تعالى: [والله من روائهم محيط]. المعنى: أن دعاء العلماء الصالحين أقرب إلى الإجابة. (¬4) طلبه وقصده. (¬5) يفرق طلباته. (¬6) ما قدر له. (¬7) مكرهة منقادة، لأن الله تعالى قدر الأرزاق لأصحابها، ولا بد أن تسعى إليهم كما قال تعالى: [الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر]. (¬8) صلاة الفجر كذا ط وع، وفي ن د: صلاة الصبح. (¬9) لكم البشرى والتهنئة وارجوا وانتظروا ما يفرحكم من إقبال الخير الكثير. (¬10) أخافه. (¬11) تزداد الأرزاق. (¬12) أظهروا في جمعها التهالك على جمعها والتشاحن والمسابقة.

مَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ، وَلكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ التَّكَاثُرَ (¬1)، وَمَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْخَطَأَ، وَلكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ التَّعَمُّدَ (¬2). رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 65 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يُجَاءُ بِابْنِ آدَمَ كَأَنَّهُ بَذجٌ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَيقُولُ اللهُ لَهُ: أَعْطَيْتُكَ وَخَوَّلْتُكَ (¬3)، وَأَنْعَمْتُ عَلَيْكَ، فَماذَا صَنَعْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ جَمَعْتُهُ وَثَمَّرْتُهُ، فَتَرَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ (¬4)، فَارْجِعْنِي آتِكَ بِهِ، فَيقُولُ لَهُ: أَيْنَ مَا قَدَّمْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ جَمَعْتُهُ وَثَمَّرْتُهُ، فَتَرْكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ، فَارْجِعْنِي آتِكَ بِهِ، فَإِذَا عَبْدٌ لَمْ يُقَدِّمْ خَيْراً، فَيُمْضَى بِهِ إِلى النَّارِ. رواه الترمذي عن إسماعيل بن مسلم، وهو المكي رواه عن الحسن وقتادة، وقال: رواه غير واحد عن الحسن ولم يسندوه. [قوله: البذج] بباء موحدة مفتوحة ثم ذال معجمة ساكنة وجيم: هو ولد الضأن، وشبه به من كان هذا عمله لما يكون فيه من الصَّغَار والذل والحقارة والضعف يوم القيامة. 66 - وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: الْفَقْرَ تَخَافُونَ أَوِ الْعَوَزَ أَمْ تَهُمُّكُمُ الدُّنْيَا؟ فَإِنَّ اللهَ فَاتِحٌ عَلَيْكُمْ فَارِسَ وَالرُّومَ، وَتُصَبُّ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا (¬5) صَبَّاً حَتَّى لا يُزِيغَكُمْ بَعْدَ أَنْ زِغْتُم (¬6) إِلاَّ هيَ. رواه الطبراني وفي إسناده بقية. [العوز] بفتح العين والواو: هو الحاجة. ¬

(¬1) التكاثر: التباري في كثرة المال والعز. (¬2) العمل بقصد وعزم ونية، فالله تعالى تجاوز لأمته عن الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه. (¬3) مَلكتكه، من خوله الله مالاً، أعطاه. (¬4) تضاعف المال وثمر ولكن لا عمل صالح له فيتمنى العودة والرجوع إلى الدنيا فيرمى في جهنم. (¬5) يكثر خيرها. (¬6) زغتم، كذا ط وع أي ملتم وانحرفتم عن الجادة، وفي ن د: رغمتم أي الدنيا يزداد نعيمها فتطغيكم وتبعدكم عن صالح الأعمال. والزيغ الميل عن الاستقامة، والتزايغ التمايل قال تعالى: [فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم] أي لما فارقوا الاستقامة عاملهم بذلك.

67 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَيْسَ عَدُوُّكَ الَّذِي إِنْ قَتَلْتَهُ كَانَ لَكَ نُوراً، وَإِنْ قَتَلَكَ دَخَلْتَ الْجَنَّةَ، وَلكِنّ أَعْدَى عَدُوٍّ لَكَ وَلَدُكَ الَّذِي خَرَجَ مِنْ صُلْبِكَ (¬1)، ثُمَّ أَعْدَى عَدُوٍ لَكَ مَالُكَ الَّذِي مَلَكَتْ يَمِينُكَ. رواه الطبراني. 68 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قالَ الشَّيْطَانُ لَعَنَهُ اللهُ (¬2): لَنْ يَسْلَم مِنِّي صَاحِبُ الْمَالِ مِنْ إِحْدَى ثَلاثٍ: أَغْدُو (¬3) عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَرُوحُ: أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، وَإِنْفَاقِهِ في غَيْرِ حَقِّهِ، وَأُحَبِّبُهُ إِلَيْهِ، فَيَمْنَعُهُ مِنْ حَقِّهِ. رواه الطبراني بإسناد حسن. 69 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي النَّاسَ عَطَاءَهُمْ فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَأَعْطَاهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قالَ: خُذْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الدِّيْنَارُ والدِّرْهَمُ، وَهُمَا مُهْلِكَاكُمْ. رواه البزار بإسناد جيد. 70 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه ¬

(¬1) أي ذريتك إن شغلتك عن الله تعالى، ومالك الذي تنفقه في معصية كما قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم (14) إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم (15) فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (16)] من سورة التغابن. أي أن من الأزواج أزواجاً يعادين بعولتهن ويخاصمنهم، وكذا الأولاد. قال النسفي: قيل إن ناساً أرادوا الهجرة عن مكة فثبطهم أزواجهم وأولادهم وقالوا تنطلقون وتضيعوننا فرقوا لهم ووقفوا، فلما هاجروا بعد ذلك ورأوا الذين سبقوهم قد فقهوا في الدين أرادوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم فزين لهم العفو [فتنة] بلاء ومحنة لأنهم يوقعون في الإثم والعقوبة ولا بلاء أعظم منهما: أي عدوان لدودان يبعدان عن الله: أ - المال. ب - الولد. (¬2) طرده الله من رحمته وأقصاه من رأفته. (¬3) أبكر وأصبح وأمسي: أي أجعل همي ثلاثة: أ - أسعى لأخذ الإنسان المال الحرام. ب - يصرف في المعاصي. جـ - يشغف بجمعه ويبخل ويشح في إخراج زكاته. تلك طلبات ثلاث قبلتي ومقصدي لأضل ابن آدم في ماله.

وسلم: اطَّلَعْتُ (¬1) في الجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، واطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الأَغْنِيَاءَ والنِّسَاءَ (¬2) رواه أحمد بإسناد جيد. إن مما أخاف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهرة الدنيا وزينتها 71 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلَى اللهُ عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ: إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ (¬3) الدُّنْيَا وَزِيْنَتِهَا. رواه البخاري ومسلم في حديث. 72 - وَعَن أبي سنان الدؤلي أنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلى سَفَطٍ أُتِيَ بِهِ مِنْ قَلْعَةِ الْعِرَاقِ، فَكَانَ فِيهِ خَاتَمٌ فَأَخَذَهُ بَعْضُ بَنِيهِ، فَأَدْخَلَهُ في فِيهِ، فَانْتَزَعَهُ عُمَرُ مِنْهُ، ثُمَّ بَكَى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ: لِمَ تَبْكِي، وَقَدْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ، وَأَظْهَرَكَ عَلى عَدُوِّكَ (¬4)، وَأَقَرَّ عَيْنَكَ (¬5)؟ فَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: لاَ تُفْتَحُ الدُّنْيَا عَلَى أَحَدٍ إِلاّ أَلقى اللهُ عُزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ والْبَغضَاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَشْفَقُ (¬6) مِنْ ذَلِكَ. رواه أحمد بإسناد حسن والبزار وأبو يعلى. [السفط] بسين مهملة وفاء مفتوحتين: هو شيء كالقفة أو كالجوالق. 73 - وَعَنْ أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم جَالِسٌ إِذْ قامَ أَعْرَابِيٌّ فِيهِ جَفَاءٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَكَلَتْنَا الضَّبُعُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: غَيْرُ ذَلِكَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ حِينَ تُصَبُّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبَاباً، فَيَا لَيْتَ أُمَّتِي لاَ تَلْبَسُ الذَّهَبَ، رواه أحمد والبزار، ورواة أحمد رواة الصحيح. [الضبع] بضاد معجمة مفتوحة وباء موحدة مضمومة: هي السنة المجدبة. ¬

(¬1) الله تعالى تكرم وأعطاه قوة في النظر فرأى أغلب سكان الجنة الفقراء الذين لا يملكون إلا القوت الضروري، وأصحاب الأموال في النار جزاء بخلهم وشحهم وتقصيرهم في المكرمات وتأخيرهم عن إيجاد الصالحات وانغماسهم في الشهوات واتباع الملذات مع الغفلة عن ذكر الله وتحميده وشكره. (¬2) لانشغالهن في أعمالهن عن أداء حقوق الله وكما قال صلى الله عليه وسلم: أ - يكفرن العشير. ب - يكفرن الإحسان. (¬3) خيراتها. (¬4) نصرك عليه وأمدك بالفتوح الجمة. (¬5) أفرحك. (¬6) أخاف.

إن الدنيا حلوة خضرة 74 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لأَنَا لِفِتْنَةِ (¬1) السَّرَّاءِ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ مِنْ فِتْنَةِ الضَّرَّاءِ إِنَّكُمُ ابْتُلِيتُمْ بِفِتْنَةِ الضَّرَّاءِ فَصَبَرْتُمْ، وَإِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ. رواه أبو يعلى والبزار، وفيه راوٍ لم يسمّ وبقية رواته رواة الصحيح. 75 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في حَرَّةٍ (¬2) بِالْمَدِينَةِ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ (¬3)، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: مَا يَسُرُّني أَنَّ عِنْدِي مِثْلُ أُحُدٍ هَذَا ذَهَباً تَمْضِي (¬4) عَلَيْهِ ثَالِثَةٌ، وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلاّ شَيءٌ أَرْصُدُهُ (¬5) لِدَيْنٍ إِلاَّ أَنْ أَقُولَ في عِبَادِ الله: هَكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا (¬6) عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، وَعَنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ سَارَ فَقَالَ: إِنَّ الأَكْثَرِينَ (¬7) هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ مَنْ قَالَ: هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا عَنْ يَمِينِهِ، وَعنْ شِمَالِهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، ¬

(¬1) والله لأنا كثير الخوف من ابتلاء الله لكم في حالة غناكم وإرسال نعمه الجمة لكم. (¬2) الأرض ذات الحجارة السود. (¬3) جبل. (¬4) تمضي عليه ثالثة كذا ط وع ص 341 - 2 وفي ن د: يمضي على ثالثة. (¬5) أي أعده يقال رصدته إذا قعدت له على طريقه تترقبه. وأرصدت له العقوبة إذا أعددتها له، وحقيقته جعلتها على طريقة كالمترقبة له أهـ نهاية: أي أسد به الدين وأدفع به الطلب. قال القسطلاني: لا يحب صلى الله عليه وسلم على تقدير ملكه لأحد [الجبل المعروف بمكة] ذهباً أن يبقى عنده بعد ثلاث ليال من ذلك المال دينار موصوف بكونه ليس مرصداً لوفاء دين عليه في حال أن له قابلاً لا يجده أهـ ص 404 جواهر البخاري. (¬6) أي أتصدق وأنفح وأمنح، قال الإمام البوصيري: دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ... وانسب إلى قدره ما شئت من عظم فإن فضل رسول الله ليس له ... حد فيعرب عنه ناطق بفم لو ناسبت قدره آياته عظما ... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم لم يمتحنا بما تعيا العقول به ... حرصاً علينا فلم نرتب ولم نهم أعيا الورى فهم معناه فليس يرى ... للقرب والبعد فيه غير منفحم كالشمس تظهر للعينين من بعد ... صغيرة وتكل الطرف من أمم كالزهر في ترف والبدر في شرف ... والبحر في كرم والدهر في همم كأنه وهو فرد من جلالته ... في عسكر حين تلقاه وفي حشم كأنما اللؤلؤ المكنون في صدف ... من معدني منطق منه ومبتسم (¬7) أصحاب النعيم هم قلائل أو الأغنياء هم أقل الناس نعيماً يوم القيامة لعدم وجود ثواب لهم مدخر قد عملوه في حياتهم بالإنفاق في وجوه البر.

وَقَلِيلٌ مَا هُمْ (¬1)، ثُمَّ قالَ لِي: مَكَانَكَ (¬2) لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ، الحديث. رواه البخاري واللفظ له ومسلم، وفي لفظ لمسلم قال: انْتَهَيْتُ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ في ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي قالَ: هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. قالَ: فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ، فَلَمْ أَتَقَارَّ (¬3) أَنْ قُمْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: فِدَاكَ أَبِي (¬4) وَأُمِّي مَنْ هُمْ؟ قالَ: هُمُ الأَكْثَرُونَ (¬5) أَمْوالاً إِلاَّ مَنْ قالَ: هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا (¬6) مِنْ يَدِيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، الحديث. الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة ورواه ابن ماجة مختصراً: الأَكْثَرُونَ هُمُ الأَسْفَلُونَ (¬7) يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ مَنْ قالَ: هكَذَا وَهكَذَا، وَكَسْبُهُ مِنْ طَيِّبٍ (¬8). 76 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في نَخْلٍ لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ (¬9) إِلاَّ مَنْ قالَ: هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ حَثَا بِكَفَّيْهِ (¬10) عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَقَلِيلٌ مَا هُم، الحديث. رواه أحمد، ورواتُه ثقات وابن ماجة بنحوه. 77 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: نَحْنُ الآخِرُونَ (¬11) الأَوَّلُونَ (¬12) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَسْفَلُونَ (¬13) إِلاَّ ¬

(¬1) هم قليل. (¬2) الزم مكانك هذا لا تفارقه حتى أحضر. (¬3) لم ألبث، وأصله، أتقارر فأدغمت الراء في الراء. قاروا الصلاة أي اسكنوا فيها ولا تتحركوا ولا تعبثوا وهو تفاعل من القرار، وأقرت الصلاة بالبر والزكاة: أي استقرت معهما وقرنت بهما أهـ نهاية. (¬4) أفديك بوالدي. (¬5) أصحاب الثروة الطائلة. (¬6) أعطى جميع جيرانه وعمم الصدقات. (¬7) الأغنياء أقل الناس منازل وأوطى إلا المنفقون في وجوه البر. (¬8) ربحه من حلال. (¬9) أصحاب رغد العيش والسعة. (¬10) رمى بكثرة: أي ينتهز فرصة وجود أمواله فينفق البدرات، ويقيم المشروعات العظيمة لأبناء وطنه من إيجاد مستشفى أو بنيان معهد علم أو مصنع يتعلم فيه أبناء الأمة الصناعة، وهكذا من ضروب الإحسان. (¬11) آخر الأمم. (¬12) أسبق الناس إلى دخول الجنة والفوز بنعيمها. (¬13) درجاتهم في الجنة منحطة متأخرة.

مَنْ قَالَ: هكَذَا وهكَذَا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَحْسي بِثَوْبِهِ (¬1). رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه ابن ماجة باختصار. وقال في أوله: وَيلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. [قال الحافظ]: وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة تدور على هذا المعنى اختصرناها. 78 - وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ سَأَلَ عَنِّي (¬2)، أَوْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظرَ إِلَيَّ فَلْيَنْظُرْ إِلى أَشْعَثَ شَاحِبٍ مُشَمِّرٍ (¬3) لَمْ يَضَعْ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ (¬4)، وَلاَ قَصَبَةً عَلَى قَصَبَةٍ، رُفِعَ لَهُ عَلَمٌ فَشَمَّرَ إِلَيْهِ (¬5)، الْيَوْمَ الْمِضْمَارُ (¬6) وَغداً السِّبَاقُ (¬7)، والْغَايَةُ الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ. رواه الطبراني في الأوسط. أقلوا الدخول على الأغنياء 79 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَقِلُّوا الدُّخُولَ عَلَى الأَغْنِياءِ (¬8)، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ لا تَزْدَرُوا نِعَمَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) يهوله بيده ويملأ ثوبه ليصرفه على المساكين المحتاجين. (¬2) الذي يستفهم عن خلاله الحميدة أو يحب أن يراه صلى الله عليه وسلم فليتأمل في صفات رجل رأسه متلبد متغير الوجه مستعد للدفاع. (¬3) نشيط. وفي النهاية: التشمير: الهم، وهو الجد فيه والاجتهاد، وفي المصباح: التشمير في الأمر: السرعة فيه والخفة. وشمرت السهم: أرسلته مصوباً على الصيد: أي اطلبني في صفات المجدين الزاهدين المتواضعين المحاربين. (¬4) ليس له بيت بناه. (¬5) نودي للجهاد فلبى واستغيث فأغاث وطلب للنجدة فأجاب. (¬6) الدنيا ميدان الأعمال وسوق التحصيل ومزرعة الثواب والتنافس والتسابق والادخار. (¬7) والآخرة الفوز وإدراك ثمرة تعب الدنيا ونهاية ما يرجى فالمحسن فيها إلى الجنة والمسيء إلى النار. (¬8) ابتعدوا عن مجالسة أصحاب الأموال خشية أن يتسرب إليكم احتقار النعم التي هي عندكم فتسخطون وتغضبون وتحقرونها. يأمر صلى الله عليه وسلم بمصاحبة الفقراء رجاء أن يكثر حمد الله تعالى على ما أنعم ويوجد الرضى وتحل القناعة وتزداد الطاعة، وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" رواه أبو هريرة عن مسلم. (أجدر) أحق (تزدروا) تحتقروا. قال ابن جرير وغيره هذا حديث جامع لأنواع من الخير، لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه، وإذا نظر إلى من دونه فيها ظهرت له نعمة الله تعالى عليه فشكرها وتواضع وفعل ما فيه الخير أهـ ص 587 مختار الإمام مسلم.

فصل منه

فصل 80 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم مِنْ طَعَامٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ تِباعَاً (¬1) حَتَّى قُبِضَ (¬2). 81 - وفي رواية قال أبو حازم: رأيت أبا هريرة يشير بأصبعه مراراً يقول: والَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ مَا شَبِعَ نَبِيُّ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعَاً مِنْ خُبْزِ حِنْطَةٍ حَتَّى فارَقَ الدُّنْيَا. رواه البخاري ومسلم. 82 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَبِيتُ اللَّيَالِيَ (¬3) المُتَتَابِعَةَ وَأَهْلُهُ طَاوِياً (¬4) لاَ يَجِدُونَ عَشَاءً، وَإِنَّمَا كَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمُ الشَّعِيرُ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين 83 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا قالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمدٍ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم. رواه البخاري ومسلم. 84 - وفي رواية لمسلم قالت: لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَزَيْتٍ في يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ. 85 - وفي رواية للترمذي قال مسروق: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَدَعَتْ لِي بِطَعامٍ، فَقَالَتْ: مَا أَشْبَعُ، فَأَشَاءُ أَنْ أَبْكِيَ (¬5) إِلاَّ بَكَيْتُ. قُلْتُ: لِمَ؟ قالَتْ: أَذْكُرُ الْحَالَ الَّتِي فارَقَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم الدُّنْيَا، واللهِ مَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ مَرَّتَيْنِ في يَومٍ. ¬

(¬1) متتابعة. (¬2) التحق بالرفيق الأعلى. يخبر أبو هريرة رضي الله عنه أن عيشة المصطفى صلى الله عليه وسلم كانت كلها كفافاً على قدر الحاجة مع قناعة وزهد واخشوشنة ورضا، وما مر عليه شبع مطلقاً هو وأهله حتى فارقا الدنيا، فهل من مدكر؟ فكر في حال المسلمين الآن. رزقهم واسع وعيشهم رغد فهل من مقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم ويحمد ربه على ما أنعم ويطيعه سبحانه. (¬3) يظل ويستمر. (¬4) خالي البطن جائعاً لم يأكل، يقال طوى من الجوع يطوي. (¬5) أود أن أبكي زهداً في الدنيا ورغبة في اللحوق برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية 86 - وفي رواية للبيهقي قالَتْ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيةً، وَلَوْ شِئْنَا لَشَبِعْنَا (¬1)، وَلكِنَّهُ كَانَ يُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ (¬2). 87 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا (¬3) نَاوَلَتْ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم كِسْرَةً مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ فَقَالَ لَهَا: هَذَا أَوَّلُ طَعَامٍ أَكَلَهُ أَبُوكِ مُنْذُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ. رواه أحمد والطبراني. وزاد: فَقَالَ: مَا هذِهِ؟ فَقَالَتْ: قُرْصٌ خَبَزْتُهُ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَتَيْتُكَ بِهذِهِ الْكِسْرَةِ. فقال: فذكره، ورواتهما ثقات. 88 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بِطَعَامٍ سُخْنٍ فَأَكَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ قالَ: الْحَمْدُ للهِ، مَا دَخَلَ بَطْنِي طَعَامٌ سُخْنٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا. رواه ابن ماجة بإسناد حسن والبيهقي بإسناد صحيح. إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا 89 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم حَتَّى دَخَلَ بَعْضَ حِيطَانِ الأَنْصَارِ، فَجَعَلَ يَلْتَقِطُ مِنَ التَّمْرِ وَيَأْكُلُ، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عُمَرَ مَالَكَ لاَ تَأْكُلُ؟ قُلْتُ: لاَ أَشْتَهِيهِ (¬4) يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: وَلكِنِّي أَشْتَهِيهِ، وَهذِهِ صُبْحُ رَابِعَةٍ (¬5) مُنْذُ لَمْ أَذُقْ طَعَاماً، وَلَوْ شِئْتُ لَدَعَوْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَأَعْطَانِي مِثْلَ مُلْكِ كِسْرَى وَقَيْصَر، فَكَيْفَ بِكَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِذَا بَقِيتَ في قَوْمٍ يَخْبِئُونَ (¬6) رِزْقَ ¬

(¬1) الرزق واسع والعيش رغد، ولو أردنا لشبعنا، ولكن زهداً في الدنيا وإقبالاً على الطاعة وتقشفاً واخشوشنة. (¬2) يحب أن يبقى ليتفضل على غيره. وفي الغريب: ويستعار الأثر للفضل والإيثار للتفضل، ومنه آثرته، وقوله تعالى: أ -[ويؤثرون على أنفسهم] من سورة الحشر. ب -[تالله لقد آثرك الله علينا] من سورة يوسف. جـ -[بل تؤثرون الحياة والدنيا] من سورة الأعلى. (¬3) السيدة فاطمة رضي الله عنها كريمة المصطفى صلى الله عليه وسلم تقدم له قطعة من خبز الشعير فيخبرها صلى الله عليه وسلم أنه صبر على عدم الأكل ثلاثة أيام ابتغاء ثواب الله جل وعلا، لأن الله تعالى ينير قلب الجائع ويعطيه الحكمة والرشاد ويهب له الصواب والتوفيق. (¬4) لا أريد أكله. (¬5) صبح رابعة كذا ط وع ص 343 - 2 وفي ن د: أربعة. (¬6) يكنزون لا ينفقون وتقل الثقة بالله تعالى ويزداد الطمع في الدنيا.

سَنَتِهِمْ، وَيَضْعُفُ الْيَقِينُ، فَوَاللهِ مَا بَرِحْنَا حَتَّى نَزَلَتْ: [وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لاَ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم (¬1)]. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْنِي بِكَنْزِ الدُّنْيَا (¬2)، وَلاَ بِاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ (¬3)، فَمَنْ كَنَزَ دُنْيَا يُرِيدُ بِهَا حَيَاةً بَاقِيَةً، فَإِنَّ الْحَيَاةَ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَلاَ وَإِنِّي لاَ أَكْنِزُ دِينَاراً، وَلاَ دِرْهَمَاً، وَلاَ أَخْبَأُ (¬4) رِزْقاً لِغَدٍ. رواه الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب. 90 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: عَرَض عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ (¬5) ذَهَباً. قُلْتُ: لاَ يَا رَبِّ، وَلكِنْ أَشْبَعُ يَوْمَاً، وَأَجُوعُ يَوْماً، وَقَالَ ثَلاثاً، أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ (¬6) وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ (¬7). رواه الترمذي من طريق عبيد الله بن زُحَر عن عليّ بن يزيدَ عن القاسم عنه، وقال: حديث حسن. 91 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مِنَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَشْبَع هُوَ وَلاَ أَهْلُهُ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ. رواه البزار بإسناد حسن. ¬

(¬1) (60) من سورة العنكبوت وما بعدها [ولئن سألتم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون (61) الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم (62) ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون (63) وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون (64)] من سورة العنكبوت. المسؤول عنهم أهل مكة والله الموسع، الرزق والمضيقة والآخرة دار الحياة الباقية لا موت فيها، وقال تعالى: [وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقربها ومستودعها كل في كتاب مبين (7)] من سورة هود. غذاؤها ومعاشها لتكفله إياه تفضلاً ورحمة، وإنما أتي بلفظ الوجوب تحقيقاً لوصوله وحملاً على التوكل فيه ويعلم أماكنها في الحياة والممات، أو الأصلاب والأرحام، أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ومودعها من المواد والمقارحين كانت بعد بالقوة. محفوظ في اللوح المحفوظ أهـ بيضاوي. (¬2) ادخارها وحفظ خيراتها. (¬3) بالميل إلى زينتها وزخارفها. (¬4) لا أبقى، يقال خبأت الشيء: سترته، والخبء اسم لما خبئ. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من دأبه: أ - يزهد في الدنيا. ب - لا يخزن نقوداً. جـ - لا يحفظ شيئاً من متاع الدنيا لليوم التالي. لماذا؟ ثقة بربه الرزاق واعتماداً عليه جل وعلا وإقبالاً عليه في عبادته حتى لا يمر عليه صلى الله عليه وسلم أي شاغل من متاعب الدنيا. (¬5) جبالها فرفضها صلى الله عليه وسلم، واختار ما عند الله أن يعينه على صالحات الأعمال، ورغب عن الذهب. (¬6) أظهرت الذل والخشوع له سبحانه. (¬7) أثنيت عليه جل وعلا وشكرت له فضله.

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير 92 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ فَدَعَوْهُ (¬1)، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، وَقَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مِنَ الدُّنْيَا، وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ. رواه البخاري والترمذي. [مصلية]: أي مشوية. 93 - وَرُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في يَوْمٍ شَبْعَتَيْنِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. رواه الطبراني. 94 - وَرُوِيَ أَيْضاً عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: واللهِ مَا شَبِعَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مِنْ غَدَاءٍ (¬2) وَعَشَاءٍ حَتَّى لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ. 95 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: مَا كَانَ يَبْقَى عَلى مَائِدَةِ (¬3) رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ لعيه وسلم مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ قَلِيلٌ وَلاَ كَثِيرٌ. رواه الطبراني بإسناد حسن. 96 - وفي رواية له: مَا رُفِعَتْ مَائِدَةُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مِنْ بَيْن يَدَيْ ¬

(¬1) طلبوه رضي الله عنه فتعفف وقنع وامتنع زهداً. (¬2) لم يشبع بل أكل أكلاً قليلاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: أ - ثلث لطعامه. ب - ثلث لشرابه. جـ - ثلث لنفسه. صلى الله عليك يا رسول الله تعلمنا آداب الأكل لاكتساب الصحة التامة حتى تنقى المعدة من الطعام وتبعد من التخمة وتقوى على الطاعة، وقد نصح الأطباء الآن المرضى بالتخفيف من الطعام كما قال تعالى: [كلوا واشربوا ولا تسرفوا] وله صلى الله عليه وسلم أكلتان اثنتان فقط: أ - الغداء. ب - العشاء. ولصالح بن عبد القدوس: وغرور دنياك التي تسعى لها ... دار حقيقتها متاع يذهب تباً لدار لا يدوم نعيمها ... ومشيدها عما قليل يخرب فاقنع ففي بعض القناعة راحة ... ولقد كسى ثواب المذلة أشعب فعليك تقوى الله فالزمها تفز ... إن التقى هو البهى الأهيب واعمل بطاعته تنل منه الرضا ... إن المطيع لربه لمقرب (¬3) الطبق الذي عليه الطعام، يقال ما دنى يميدني: أي أطعمني، وقيل يعشيني، وقوله تعالى: [أنزل علينا مائدة من السماء] قيل استدعوا علماً من حيث إن العلم غذاء القلوب كما أن الطعام غذاء الأبدان أهـ غريب. المعنى يقدم الطعام على قدر الحاجة، ورأيت في حماة الإسلام في صفاته صلى الله عليه وسلم "ما أكل على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق، وكان يجيب دعوة الملوك على خبز الشعير" أهـ ص 64.

رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَعَلَيْهَا فَضْلَةٌ (¬1) مِنْ طَعَامٍ قَطّ. رواه ابن أبي الدنيا إلا أنه قال: وَمَا رُفِعَ بَيْنَ يَدِيْهِ كِسْرَةٌ فَضْلاً حَتَّى قُبِضَ. 97 - وللترمذي وحسنه من حديث أبي أمامة قال: مَا كَانَ يَفْضُلُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم خُبْزُ الشَّعِيرِ. إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى معادنه 98 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَرَأَيْتُهُ مُتَغَيِّراً (¬2) فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ، مَالِي أَرَاكَ مُتَغَيِّراً؟ قالَ: مَا دَخَلَ جَوْفِي مَا يَدْخُلُ جَوْفَ ذَاتِ (¬3) كَبِدٍ مُنْذُ ثَلاثٍ. قالَ: فَذَهَبْتُ فَإِذَا يَهُودِيٌّ يَسْقِي إِبِلاً لَهُ، فَسَقَيْتُ لَهُ عَلَى كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ (¬4)، فَجَمَعْتُ تَمْراً، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ يَا كَعْبُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: أَتُحِبُّنِي (¬5) يَا كَعْبُ؟ قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ (¬6) نَعَمْ. قالَ: إِنَّ الْفَقْرَ أَسْرَعُ إِلى مَنْ يُحِبُّنِي مِنَ السَّيْلِ (¬7) إِلى مَعَادِنِهِ، وَإِنَّهُ سَيُصِيبُكَ بَلاءٌ (¬8)، فَأَعِدَّ لَهُ تَجْفَافاً (¬9). قَالَ: فَفَقَدَهُ (¬10) النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: مَا فَعَلَ كَعْبٌ؟ قَالُوا: مَرِيضٌ، فَخَرَجَ يَمْشِي حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ يَا كَعْبُ (¬11)، فَقَالَتْ أُمُّهُ: هَنِيئاً لَكَ الْجَنَّةُ يَا كَعْبُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ هذِهِ الْمُتَأَلِّيَةُ (¬12) عَلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ؟ قُلْتُ: هِيَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: ¬

(¬1) شيء زائد، من فضل فضلاً: زاد، وخذ الفضل: أي الزيادة، والفضالة بالضم اسم لما يفضل، والفضلة مثله وتفضل عليه وأفضل إفضالاً بمعنى، وفضلته على غيره تفضيلاً: صبرته أفضل منه. والفضيلة والفضل: الخير. (¬2) على وجهه علامة الجوع الذي يؤثر على الجسم فيضعفه. (¬3) أي ورح فيه الحياة: أي لم أذق طعاماً وشراباً مدة ثلاثة أيام ابتغاء صفاء الجسم لله وإشراق نور الحكمة في فؤاده ورغبة عن متاع الدنيا الزائل وحباً في الإخلاص لله تعالى. (¬4) بتمرة كذا ط وع ص 342 - 2 وفي ن د: على كل دلو تمرة بأبي أنت وأمي. (¬5) هل أنا حبيب لك؟. (¬6) أفديك بأبي، وهذا دعاء متناول لم يوجد أعز منه عندهم. (¬7) جري الماء إلى منابعه. (¬8) اختبار على صبرك ومحن تصهر إيمانك. (¬9) ما يجلل به الفرس من سلاح وآلة تقيه الجراح، وفرس مجفف عليه تجفاف والجمع التجافيف أهـ نهاية. أي خذ العدة لتحمل آلام اختبار الله جل وعلا واستعد. (¬10) غاب عنه وسأل عنه فلم يجده فسأل عنه صلى الله عليه وسلم شأن الراعي الرؤوف برعيته يبحث عن أصحابه ويتطلع إلى أخبارهم .. (¬11) لك البشرى والتهنئة. (¬12) التي تحكم على الله عز وجل، ومنه حديث "من يتألى على الله يكذبه" أي من حكم عليه وحلف.

مَا يُدْرِيكِ (¬1) يَا أُمَّ كَعْبٍ لَعَلَّ كَعْباً قالَ مَا لاَ يَنْفَعُهُ (¬2)، وَمَنَعَ مَا لاَ يُغْنِيهِ. رواه الطبراني، ولا يحضرني إسناده إلا أن شيخنا الحافظ أبا الحسن رحمه الله كان يقول: إسناده جيد. لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات 99 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَمْ يَأْكُلِ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم عَلَى خِوَانٍ (¬3) حَتَّى مَاتَ، وَلَمْ يَأْكُلْ خُبْزاً مُرَقَّقاً حَتَّى مَاتَ. وفي رواية: وَلا رَأَى شَاةً سَمِيطاً (¬4) بِعَيْنِهِ قَطُّ. رواه البخاري. 100 - وَعَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يُوَاسِي (¬5) النّاسَ بِنَفْسِهِ حَتَّى جَعَلَ يُرَقِّعُ إِزَارَهُ بِالأَدَمِ (¬6)، وَمَا جَمَعَ بَيْنَ غَدَاءٍ وَعَشَاءٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلاءٍ (¬7) حَتَّى لَحِقَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع مرسلاً. 101 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَا رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم النَّقِيَّ مِنْ حِينِ ابْتَعَثَهُ (¬8) اللهُ تَعَالَى حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، فَقِيلَ: هَلْ كَانَ لَكُمْ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مُنْخُلٌ (¬9)؟ قالَ: مَا رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مُنْخُلاً مِنْ حِينِ ابْتَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، فَقِيلَ: فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ وَنَنْفُخُهُ (¬10)، فَيَطِيرُ مَا طَارَ، وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ. رواه البخاري. [النَّقِيُّ]: هو الخبز الأبيض الحواري. [ثَرَّيْنَاهُ] بثاء مثلثة مفتوحة وراء مشددة بعدها ياء مثناة تحت ثم نون: أي بللناه وعجناه. ¬

(¬1) ما يعلمك؟ (¬2) أي تحدث بما لا يفيده ولغا وشح وقصر في الإنفاق لله، يقال: ما أغنى فلان شيئاً أي لم ينفع في مهم ولم يكف مؤونة: وإن نلت الغنى لم أغل فيه ... ولم أخصص بجفوتي الموالي (¬3) ما يوضع عليه الطعام عند الأكل. (¬4) أي مشوية، فعيل بمعنى مفعول. وأصل السمط: أن ينزع صوف الشاة المذبوحة بالماء الحار، وإنما يفعل بها ذلك في الغالب لتشوى أهـ نهاية. (¬5) يصلح، من أسوت بين القوم وآسيته بنفسي، وفي لغة اليمن واسيته، والمعنى يرأف بهم ويمدهم ويساعدهم ويعينهم. (¬6) بالجلد. (¬7) تباعاً: أي يستغني عن أكلة واحدة في اليوم. (¬8) أرسله رسولاً. (¬9) منخلاً كذا، ط د ن. وفي ن، مناخل وكذا ع ص ص 344 - 2. (¬10) نذريه فيطرح الهواء الحثالة.

ترفع النبي صلى الله عليه وسلم عن الدنيا 102 - وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا غَرْبَلَتْ (¬1) دَقِيقاً، فَصَنَعَتْهُ لِلنَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم رَغِيفاً، فَقَالَ: مَا هذَا؟ قَالَتْ: طَعَامٌ نَصْنَعُهُ بِأَرْضِنَا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَصْنَعَ لَكَ مِنْهُ رَغِيفاً، فَقَالَ: رُدِّيهِ فِيهِ، ثُمَّ اعْجِنِيهِ. رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع وَغيرُهما. 103 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَمْ يَكُنْ يُنْخَلُ لِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم الدَّقِيقُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ قَمِيصٌ وَاحِدٌ. رواه الطبراني في الصغير والأوسط. 104 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: أَلَسْتُمْ في طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صلى اللهُ عليه وسلم، وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأُ بَطْنَهُ. رواه مسلم والترمذي. 105 - وفي رواية لمسلم عن النعمان قالَ: ذَكَرَ عُمَرُ مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي (¬2) مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأُ بَطْنَهُ. [الدقل] بدال مهملة وقاف مفتوحتين: هو رديء التمر. 106 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنْ كَانَ لَيَمُرُّ بِآلِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم الأَهِلَّةُ (¬3) مَا يُسْرَجُ في بَيْتِ أَحَدٍ مِنْهُمْ سِرَاجٌ (¬4)، وَلاَ يُوقَدُ (¬5) فِيهِ نَارٌ إِنْ وَجَدُوا زَيْتاً ادَّهَنُوا بِهِ (¬6). ¬

(¬1) أخرجت النخالة وصفت الدقيق، يقال نخلت الدقيق نخلاً، والنخالة قشر الحب ولا يأكله الآدمي كذا في المصباح، والمنخل: ما ينخل به، وبكسر الميم اسم آلة، وتنخلت كلامه: تخيرت أجوده، وانتخلت الشيء أخذت أفضله، والنخال الذي ينخل التراب في الأزقة لطلب ما سقط من الناس. (¬2) يستمر طيلة النهار يلتوي: أي يصبر على ألم الجوع، ومنه " وجعلت خيلنا تلوي خلف ظهورنا" أي تتلوى، يقال لوى عليه إذا عطف وعرج. (¬3) الشهور العربية. (¬4) لا يضيء مصباح. (¬5) لا تشتعل. (¬6) جعلوه دهناً لأجسامهم ليزيل الرطوبة ويمنع البرد.

وَإِنْ وَجَدُوا وَدَكاً (¬1) أَكلُوهُ. رواه أبو يعلى، ورواته ثقات إلا عثمان بن عطاء الخراساني وقد وُثق. 107 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: أَرْسَلَ إِليْنَا آلُ أَبِي بَكْرٍ بِقَائِمَةِ شَاةٍ (¬2) لَيلاً، فَأَمْسَكْتُ (¬3)، وَقَطَعَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم، أَوْ قَالَتْ: فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَقَطَعْتُ. قالَ: فَتَقُولُ لِلَّذِي تُحَدِّثُهُ هذَا عَلى غَيْرِ مِصْبَاحٍ. رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح والطبراني. وزاد: فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنينَ عَلَى مِصْبَاحٍ؟ قالَتْ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا دُهْنٌ غَيْرُ مِصْبَاحٍ لأَكَلْنَاهُ. 108 - وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: واللهِ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلى الْهِلالِ، ثُمَّ الهِلالِ، ثُمَّ الْهِلالِ ثَلاثَةَ أَهِلَّةٍ في شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَ في أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم نَارٌ. قُلْتُ: يَا خَالَةُ، فَما كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتِ: الأَسْوَدَانِ (¬4): التَّمْرُ والْمَاءُ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم جِيرَانٌ مِنَ ¬

(¬1) دسم اللحم ودنه الذي يستخرج منه. الله أكبر بيت النبوة أسمى قدراً من بيت الملوك قاطبة: أ - يضيئة نور الله الطبيعي. ب - لا يوجد فيه طبخ مدة من الزمن. جـ - خال من أنواع المطاعم والمشارب اللذيذة الممتعة. لماذا؟ لهوان الدنيا على الله لم يجعل لحبيبه منها إلا القوت الضروري فقط، وحب الدنيا صفة من صفات الكفار كما قال تعالى: [الله الذي له ما في السموات وما في الأرض، وويل للكافرين من عذاب شديد (2) الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً أولئك في ضلال بعيد (3)] من سورة إبراهيم. وعيد لمن كفر بالكتاب ولم يخرج به من الظلمات إلى النور، ومن تعاليمه الزهد في الدنيا والإقبال على الله بطاعته واختيار نعيم الآخرة والإعراض عن نعيم الدنيا كما أعرض عنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ويبغونها] ويبغون لها زيغاً ونكوباً عن الحق ليقدحوا في القرآن وليطمعوا في زخارف الحياة وغفلوا عن الله. إنك يا رسول الله ضربت مثلاً عالياً في الزهادة ورضيت بالقليل حباً في سمو الدرجات، وكنت للمسلمين قدوة حسنة فجزاك الله خيراً. (¬2) قطعة من الشاة. (¬3) قبضت على اللحم، والذي يقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو السيدة عائشة قطعت اللحم وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القابض عليها ويعملان هذا على ظلام. أرأيت أزهد من هذا؟ أكبر من كل ملك وأجل إنسان اصطفاه الله وزوجه رضي الله عنها يأتي لهما رزق ساقه الله إليهما فيأخذان في إنضاجه وتهيئته للعشاء بلا ضوء، لماذا؟ لحقارة الدنيا وزينتها عند الله ورسوله. (¬4) أما التمر فأسود، وهو الغالب على تمر المدينة فأضيف الماء إليه ونعت بنعته إتباعاً والعرب تفعل ذلك في الشيئين يصطحبان فيسميان معاً باسم الأشهر منهما كالقمرين والعمرين أهـ نهاية ص 191.

الأَنْصَارِ: وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَايحُ (¬1) فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ (¬2). رواه البخاري ومسلم. رضا النبي صلى الله عليه وسلم وآله بالقليل من الدنيا 109 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّا كُنَّا نَشْبَعُ مِن التَّمْرِ فقَدْ كَذَبَكُمْ (¬3)، فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قُرَيْظَةَ أَصَبْنَا شَيْئاً مِنَ التَّمْرِ وَالْوَدَكِ. رواه ابن حبان في صحيحه. 110 - وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: شَكَوْنَا إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم الجُوعَ، وَرَفَعْنَا ثِيَابَنَا عَنْ حَجَرِ حَجَرٍ (¬4) عَلى بُطُونِنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَنْ حَجَرَيْنِ. رواه الترمذي. 111 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَوْماً فَوَجَدْتُهُ جَالِساً، وَقَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ (¬5) بِعِصَابَةٍ، فَقُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: لِمَ عَصَبَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بَطْنَهُ؟ فَقَالُوا: مِنَ الْجُوعِ، فَذَهَبْتُ إِلى أَبي طَلْحَةَ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُليْمٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ قَدْ رأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: مِنَ الْجَوعِ، فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّي فَقَالَ: هَلْ ¬

(¬1) نوق أو شياه ينتفع بلبنها. (¬2) يشرب صلى الله عليه وسلم من لبنها ويسقينا منه. إخبار أن عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أصناف. أ - تمر. ب - ماء. جـ - لبن. وتلك لعمري نهاية الزهد: أي نفس الآن تعيش على ذلك وترضى أن يمر عليها أيام وليالي على تمر وماء أو ينتظر جاره أن يهديه لبناً. إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رغب عن متاع الدنيا واختار ما عند الله وجد في العبادة ليل نهار حتى ورمت قدماه ولسانه لا يفتر لحظة عن ذكر الله وجاهد وجالد وأشرقت كواكبه متلألئة في سماء المحامد والصالحات يستضيء بأنواره المسلمون إلى [يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار (48)] من سورة إبراهيم. عن علي رضي الله عنه تبدل أرضاً من فضة وسموات من ذهب، وعن ابن مسعود وأنس رضي الله تعالى عنهما: يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة. (¬3) لم يخبر بالواقع الحق. (¬4) عن حجر حجر هكذا ط وع ص 346 - 2، وفي ن د: عن حجر، أي وأحد الصحابة وضعوا حجراً على بطونهم ليضغط على المعدة فلا تؤلمهم حرارة الجوع فأراهم صلى الله عليه وسلم حجرين موضوعين لهذا الغرض ليزداد صبرهم وليكثر إيمانهم وليقوى يقينهم. (¬5) شده وربطه.

مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ وَتَمَراتٍ، فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَحْدَهُ أَشْبَعْنَاهُ، وَإِنْ جَاءَ آخَرُ مَعَهُ قَلّ عَنْهُمْ (¬1). فذكر الحديث رواه البخاري ومسلم. 112 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلى الصَّفَا (¬2)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَا جِبْرِيْلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمْسَى لآلِ مُحَمَّدٍ سَفَةٌ (¬3) مِنْ دَقِيقٍ وَلاَ كَفٌّ (¬4) مِنْ سَوِيقٍ فَلَمْ يَكُنْ كَلاَمُهُ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ سَمِعَ هَدَّةً (¬5) مِنَ السَّمَاءِ أَفْزَعَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَرَ اللهُ الْقِيَامَةَ أَنْ تَقُومَ؟ قالَ: لاَ وَلكِنْ أَمَرَ إِسْرَافِيلَ، فَنَزَلَ إِلَيْكَ (¬6) بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ أَنْ أُسَيِّرَ مَعَكَ جِبَالَ تِهَامَةَ زُمُرُّداً وَيَاقُوتاً وذَهَباً وَفِضَّةً فَعَلْتُ، فَإِنْ شِئْتَ نَبِيّاً مَلِكاً، وَإِنْ شِئْتَ نَبيّاً عَبْداً فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ أَنْ تَوَاضَعْ (¬7) فَقَالَ: بَلْ نَبِيّاً عَبْداً ثَلاثاً. رواه الطبراني بإسناد حسن والبيهقي في الزهد وغيره. 113 - ورواه ابن حبان في صحيحه مختصراً من حديث أبي هريرة، ولفظه قال: جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، فَنَظَرَ إِلى السَّمَاءِ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هذَا الْملَكُ مَا نَزَلَ مُنْذُ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ، فَلَمَّا نَزَلَ قالَ: يَا مُحَمَّدُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ أَمَلِكاً أَجْعَلُكَ أَمْ عَبْداً رَسُولاً؟ قالَ لَهُ جِبْرِيلُ: تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لا، بَلْ عَبْداً رَسُولاً (¬8). ¬

(¬1) ما عندنا لا يكفي اثنان ولكن بفضل الله يشبعان. (¬2) جبل بجوار البيت الحرام. (¬3) ما يستف. (¬4) قدر ملء كف من السويق: وهو ما يعمل من الحنطة والشعير، ومنه أكثر شربي السويق ملتوتاً. (¬5) رجفة وصوت مزعج. (¬6) أرسلني إليك. (¬7) أظهر اللين والخشوع لربك. (¬8) أريد أن أكون عبداً: أي أظهر التذلل لك والخضوع. وفي الغريب العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى ولهذا قال [ألا تعبدوا إلا إياه] العبد على أربعة أضرب: الأول عبد بحكم الشرع، وهو الإنسان الذي يصح بيعه وابتياعه نحو [العبد بالعبد، =

114 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أُتِيتُ بِمَقَالِيدِ الدُّنْيَا عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ (¬1) عَلَى قَطِيفَةٍ مِنْ سُنْدِسٍ (¬2) رواه ابن حبان في صحيحه. 115 - وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بِقَدَحٍ فِيهِ لَبَنٌ وَعَسَلٌ فَقَالَ: شَرْبَتَيْنِ في شَرْبَةٍ، وَأُدْمَيْنِ (¬3) فِي قَدَحٍ، لاَ حَاجَةَ لِي بِهِ، أَمَا إِنِّي لاَ أَزْعُمُ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ أَنْ يَسْأَلَنِي اللهُ عُزَّ وَجَلَّ عَنْ فَضُولِ الدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَتَوَاضَعُ للهِ، فَمَنْ تَوَاضَعَ للهِ رَفَعَهُ اللهُ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللهُ، وَمَنِ اقْتَصَدَ (¬4) أَغْنَاهُ اللهُ، ومَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ (¬5) أَحَبَّهُ اللهُ، رواه الطبراني في الأوسط. 116 - وَعَنْ سُلْمَى امْرَأَةِ أَبي رَافِعٍ قالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَقَالُوا: اصْنَعِي لَنَا طَعَاماً مِمَّا كَانَ يُعْجِبُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم أَكْلُهُ، فَقَالَتْ: يَا بَنِيَّ إِذاً لاَ تَشْتَهُونَهُ الْيَوْمَ، فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ شَعِيراً فَطَحَنْتُهُ وَنَسَفْتُهُ (¬6) وَجَعَلْتُ مِنْهُ خُبْزَةً، وَكَانَ أُدْمُهُ الزَّيْتُ، وَنَثَرْتُ عَلَيْهِ الْفُلْفُلَ ¬

= وعبداً مملوكاً لا يقدر على شيء]. الثاني: عبد بالإيجاد، ذلك ليس إلا لله وإياه قصد [إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً (93)] من سورة مريم. والثالث عبد بالعبادة والخدمة، والناس في هذا ضربان عبد الله مخلصاً وهو المقصود بقوله [ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً (3)] من سورة الإسراء. [نزل الفرقان على عبده] [إن عبادي ليس لك عليهم سلطان] [كونوا عباداً لي] وعبد للدنيا وأعراضها وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها، وإياه قصد النبي صلى الله عليه وسلم "تعس عبد الدينار" أهـ ص 321. (¬1) أبيض. (¬2) مارق من الديباج. (¬3) ما يؤتدم به مائعاً كان أو جامداً وأدم جمع إدام مثل كتاب وكتب: بيت النبوة فوق بيت الملك يضاء بنور الله تعالى ليس فيه النور الصناعي وخلا من متاع الدنيا وأهله زهاد: ملك القناعة لا يخشى عليه ولا ... يحتاج فيه إلى الأنصار والخول يدعو صلى الله عليه وسلم إلى الله ولا يطمع في شيء ما وتأتي إليه صلى الله عليه وسلم آلاف الدنانير فيوزعها لله يسوق الله تعالى له صلى الله عليه وسلم كوب لبن ومقدار كوب عسل فيستغني عنهما زهادة وقناعة ثقة بالله المقيت، ويبين أن هذا حلال من الطيبات من الرزق، ولكن يخشى سؤال الله تعالى عن هذه النعمة زائدة عن الحاجة، ولقد صدق صلى الله عليه وسلم "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم". (¬4) راعى الحد الأوسط في الإنفاق. (¬5) استعد للآخرة وترك الأمل ولم يسوف في الصالحات. (¬6) تعرضه للهواء ليزيل الذي لا يؤكل، يقال نسفت الريح التراب: اقتلعته وفرقته.

فَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِمْ وَقُلْتُ: كَانَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم يُحِبُّ هذَا. رواه الطبراني بإسناد جيد. 117 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَقَدْ أُخِفْتُ (¬1) في اللهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ (¬2) في اللهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاَثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِيَ وَلِبَلالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ (¬3) إِلاَّ شَيءٌ يُوَارِيهِ (¬4) إِبْطُ بِلالٍ. رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. [ومعنى هذا الحديث] حِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم هَارِباً مِنْ مَكَّةَ، وَمَعَهُ بِلاَلٌ إِنَّمَا كَانَ مَعَ بِلاَلٍ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَحْمِلُ تَحْتَ إِبْطِهِ، انْتَهَى. مالي وللدنيا 118 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: نَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصِيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ (¬5). قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ: لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً (¬6)؟ فَقَالَ: مَالِي وَلِلدُّنْيَا (¬7) مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا. رواه ابن ماجة والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. والطبراني ولفظه قال: دَخَلْتُ علَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، وَهُوَ في غُرْفَةٍ كَأَنَّهَا بَيْتُ حَمَّامٍ، وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ بِجَنْبِهِ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا عَبْدَ اللهِ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ كِسْرَى وَقَيْصَرُ يَطَؤُونَ عَلَى الْخَزِّ وَالدِّيْبَاجِ وَالْحَرِيرِ، وَأَنْتَ نَائِمٌ عَلى هذا الْحَصِيرِ قَدْ أَثَّرَ بِجَنْبِكَ؟ قالَ: فَلاَ تَبْكِ يَا عَبْدَ اللهِ، فَإِنَّ لَهُمُ الدُّنْيَا، وَلَنَا الآخِرَةُ (¬8) وَمَا أَنَا والدُّنْيَا، وَمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلاَّ كَمَثَلِ رَاكِبٍ نَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ سَارَ وَتَرَكَهَا. ورواه أبو الشيخ في كتاب الثواب بنحو الطبراني. ¬

(¬1) لقد أخافني الله: أي حصل مني خوف. (¬2) لأقد أذاني الناس أثناء دعوتهم إلى الله أي تحملت الأذى والمشقة. (¬3) فيه الحياة. (¬4) يداريه ويخفيه. (¬5) جعل خطوطاً. (¬6) فرشاً ليناً ومهاداً وطيئاً وقد وطؤ الفراش فهو وطئ. (¬7) أي شيء لي والدنيا وليس وجودي في الدنيا إلا مثل المسافر المستظل مدة تحت شجرة، ثم بعد منها هكذا الدنيا كحلم نائم، وبعد نصحو ونستيقظ للدار الباقية. (¬8) أي لنا النعيم الباقي بطاعة الله.

[قوله: كأنها بيت حمام] هو بتشديد الميم: ومعناه أن فيها من الحر والكرب كما في بيت الحمام. مثل النبي صلى الله عليه وسلم ومثل الدنيا 119 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ، وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اتَّخَذْتَ فِرَاشاً أَوْثَرَ مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: مَالِي وَلِلدُّنْيَا، مَا مِثلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ سَارَ في يَوْمٍ صَائِفٍ، فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي. 120 - وَعنه رضي الله عنه قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَهُوَ عَلى حَصِيرٍ قالَ: فَجَلَسْتُ، فَإِذَا عَلَيْهِ إِزَارُهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، وَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِير نَحْوَ الصَّاعِ، وَقَرَظٍ (¬1) في نَاحِيَةٍ في الْغُرْفَةِ، وَإِذَا إِهَابٌ مُعَلَّقٌ، فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، فقَالَ: مَا يُبْكِيكَ ¬

(¬1) ورق السلم ليدبغ به الإهاب وقيل شجر البلوط، وفي النهاية أهب جمع إهاب، وهو الجلد، وقيل إنما يقال للجلد إهاب قبل الدبغ فأما بعده فلا والعطلة المنتنة التي هي في دباغها، ومنه الحديث لو جعل القرآن في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق. قيل كان هذا معجزة للقرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما تكون الآيات في عصور الأنبياء، وقبل المعنى من علمه الله القرآن لم تحرقه نار الآخرة فجعل جسم حافظ القرآن كالإهاب له، ومنه الحديث "أيما إهاب دبغ فقد طهر" أهـ. ما هذه الحقارة المتناهية للدنيا عند سيدنا رسول الله الذي طبق ذكره الآفاق وشرح الله صدره ورفع له ذكره مع ذكره جل وعلا في الأذان والصلاة والإقامة وأمرنا بالصلاة عليه والإيمان به، يحدث عمر ابن عباس: ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم سوى: أ - رداء. ب - حصير. جـ - قبضة شعير. د - جلد. فأخذته الرأفة والشفقة على حبيبه واغرورقت عيناه، فنظر إليه سيدنا رسول الله وسأل عن سبب بكائه، وأنه علم خزائن كسرى وقيصر. أعلمت الجواب الشافي والبلسم الوافي لنا الآخرة، هذه القدوة الحسنة للمسلمين رجاء أن يجدوا في العمل الصالح ويزهدوا في الدنيا ويؤدوا حقوق الله تعالى ولا يطمعوا في كثرتها ولا يغتروا بزخارفها كما قال جل شأنه [وللدار الآخرة خير] قال الغزالي: فالدنيا غدارة خداعة، قد تزخرفت لكم بغرورها وفتنتكم بأمانيها، وتزينت لخطابها فأصبحت كالعروس المجلية، العيون إليها ناظرة، والقلوب عليها عاكفة، والنفوس لها عاشقة، فكم من عاشق لها قتلت، ومطمئن إليها خذلت، فانظروا إليها بعين الحقيقة فإنها دار كثير بوائقها، وذمها خالقها، جديدها يبلى وملكها يفنى، وعزيزها يذل، وكثيرها يقل، ودها يموت وخيرها يفوت أهـ ص 183 جـ 3 إحياء، وكان الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يتمثل كثيراً ويقول: يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها ... إن اغترارً بظل زائل حمق ولما ذكرت الدنيا عند الحسن البصري رحمه الله أنشد وقال: أحلام نوم أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع وقال ابن مسعود: ما أصبح أحد من الناس إلا وهو ضيف وماله عارية، فالضيف مرتحل والعارية مردودة، وفي ذلك قيل: =

يَا بْنَ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ وَمَالِي لاَ أَبْكِي! وَهذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ في جَنْبِكَ وَهذِهِ خِزَانَتُكَ لاَ أَرَى فِيهَا إِلاَّ مَا أَرَى، وَذَاكَ كِسْرَى وَقَيْصَرُ في الثِّمارِ وَالأَنْهَارِ، وَأَنْتَ نَبيُّ اللهِ وَصَفْوَتُهُ وَهذِهِ خِزَانَتُكَ. قالَ: يَا بْنَ الْخَطَّابِ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ ولَهُمُ الدُّنْيَا؟ رواه ابن ماجة بإسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. ولفظه قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اسْتَأْذَنْتُ علَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ في مَشْرُبَةٍ (¬1) وَإِنَّهُ لَمُضْطَجِعٌ عَلَى خَصَفَةٍ (¬2) إِنَّ بَعْضَهُ لَعلَى التُّرَابِ وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مَحْشُوَّةٌ لِيفاً، وَإِنَّ فَوْقَ رَأْسِهِ لإِهَاباً (¬3) عَطِناً، وَفي نَاحِيَةِ الْمَشْرُبَةِ قَرَظٌ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: أَنْتَ نَبِيُّ اللهِ وَصَفْوَتُهُ، وَكِسْرَى وَقَيْصَرُ عَلى سُرُرِ الذَّهَبِ وَفُرشِ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ، فَقَالَ: أُولئِكَ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ وَهِيَ وَشِيكَةُ الانْقِطَاعِ، وَإِنَّا قَوْمٌ أُخِّرَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنا في آخِرَتِنَا. رواه ابن حبان في صحيحه عن أنس أن عمر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه. [المشربة] بفتح الميم، والراء وبضم الراء أيضاً: هي الغرفة. [وشيكة الانقطاع]: أي سريعة الانقطاع ¬

= وما المال والأهلون إلا ودائع ... ولا بد يوماً أن ترد الودائع أرى طالب الدنيا وإن طال عمره ... ونال من الدنيا سروراً وأنعما كبان بنى بنيانه فأقامه ... فلما استوى ما قد بناه تهدما هب الدنيا تساق إليك عفواً ... أليس مصيرك ذاك إلى انتقال وما دنياك إلا مثل فيءٍ ... أظلك ثم آذن بالرحيل وقال أبو الدرداء: من هوان الدنيا على الله أن لا يعصى إلا فيها ولا ينال ما عنده إلا بتركها، وفي ذلك قيل: إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق (¬1) الغرفة، كذا في النهاية. (¬2) الجلة التي يكنز فيها التمر، ومنه الخصف وهو ضم الشيء إلى الشيء لأنه شيء منسوج من الخوص ومنه الحديث "كان له خصفة يحجرها ويصلي عليها. أسمى من الملك وأثاثه فرش من خصوص. نهاية الزهد يا رسول الله. (¬3) لجلداً مرق شعره وأنتن في الدباغ، والمعطون المنتن المتمرق في الشعر، يقال عطن الجلد فهو عطن ومعطون. يشهد سيدنا عمر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة أشبه بالكوخ على نسيج الخوص ويعلق راوية كإناء للماء ليطهر وليتنظف وليشرب منه، ووجهه صلى الله عليه وسلم يتلألأ سروراً من هذه الحالة هو راض قانع مستبشر فرح ذو ثقة بثواب الله تعالى المدخر له ولمن صبر من أمته. قال سيدنا عيسى =

121 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: كانَ لِرسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم سَرِيرٌ مُزَمَّلٌ (¬1) بِالْبَرْدِي عَلَيْهِ كِسَاءٌ أَسْوَدُ قَدْ حَشَوْنَاهُ بِالْبَرْدِي، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَيْهِ، فَإِذَا النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم نَائِمٌ عَلَيْهِ، فَلمَّا رَآهُما اسْتَوَى جَالِساً فَنَظَرَا فَإِذَا أَثَرُ السَّرِير في جَنْبِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمَا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا يُؤْذِيكَ خُشُونَةُ مَا نَرَى مِنْ فِرَاشِكَ وَسَرِيرِكَ، وَهذَا كِسْرَى وَقَيْصَرُ عَلَى فِرَاشِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ؟ فَقَالَ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ تَقُولا هذَا، فَإِنَّ فِرَاشَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ في النَّارِ، وَإِنَّ فِرَاشِي وَسَرِيري هذَا عَاقِبَتُهُ إِلى الْجَنَّةِ. رواه ابن حبان في صحيحه من رواية الماضي بن محمد. 122 - وَعَنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَماً (¬2) حَشْوُهُ لِيفٌ. 123 - وفي رواية: كانَ وِسَادُ (¬3) رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم الَّذِي يَتَّكِئُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 124 - وَعَنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فرَأَتْ فِرَاشَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قَطِيفَةً (¬4) مَثْنِيَّةً (¬5)، فَبَعَثَتْ إِلَيّ بِفِرَاشٍ حَشْوُهُ ¬

= عليه السلام: يا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين كما رضي أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا، وفي معناه قيل: أرى رجالاً بأدنى الدين قد قنعوا ... وما أراهم في العيش بالدون فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدين وقال عيسى عليه السلام: يا طالب الدنيا لتبر، طلبك الدين أبر. (¬1) مغطى بنوع من الثياب والجمع أبراد وبرود، والبردة: الشملة المخططة، وقيل كساء أسود مربع فيه صفر تلبسه الأعراب أهـ نهاية. يشهد أبو بكر وعمر أن أثاث رسول الله، وهو أفضل من جميع ملوك الدنيا قاطبة سرير يلف عليه نوع من النسيج وحصل على جنبه تأثير خشونة أعواد السرير فتأثرا وغضبا ورجوا من الله تعالى عزة كسرى وقيصر وأبهة ملكهما وزيادة نعيمهما، فنهاهما صلى الله عليه وسلم وحبب إليهما الرضا، وهذه الحالة على شريطة طاعة الله الموصلة إلى نيل رضوانه وإحسانه. (¬2) جمع أديم أدم بفتحتين وضمتين: جلد مدبوغ. (¬3) كان وساد كذا ط وع ص 348، وفي ن د كان وسادة، وفي النهاية الوساد والوسادة: المخدة والجمع وسائد، وقد وسدته الشيء فتوسده إذا جعلته تحت رأسه. (¬4) كساء له خمل. (¬5) مربوطة بحبلين بأحد طرفيها ويسمى ذلك الحبل الثناية، ومنه حديث عمر "كان ينحر بدنته مثنية": أي معقولة بعقالين.

الصُّوفُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ قالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: فُلانَةُ الأَنْصَارِيَّةُ دَخَلَتْ فَرَأَتْ فِرَاشَكَ فَذَهَبَتْ فَبَعَثَتْ إِليَّ بِهذَا، فَقَالَ: رُدِّيهِ يَا عَائِشَةُ. فَوَاللهِ لَوْ شِئْتُ (¬1) لأَجْرَى اللهُ مَعِي جِبَالَ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ. رواه البيهقي من رواية عباد بن عباد المهلبي عن مجالد بن سعيد. 125 - ورواه أبو الشيخ في الثواب عن ابن فضيل عن مجالد عن يحيى بن عباد عن امرأة من قومهم لم يسمّها قالت: دَخَلْتُ علَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَمَسَسْتُ فِرَاشَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، فَإِذَا هُوَ خَشِنٌ، وَإِذَا دَاخِلُهُ بُرْدِيٌّ (¬2) أَوْ لِيفٌ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمؤْمِنِينَ إِنَّ عِنْدِي فِرَاشاً أَحْسَنَ مِنْ هذَا وأَلْيَنَ. فذكره أطول منه. 126 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَبِسَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الصُّوفَ واحْتَذَى (¬3) المخصُوفَ، وَقالَ: أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بَشِعاً وَلَبِسَ حِلْساً خَشِناً (¬4). قِيل لِلْحَسَنِ: مَا الْبَشِعُ؟ قالَ: غَلِيظُ الشَّعِيرِ، مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم يُسِيغُهُ (¬5) إِلاَّ بِجُرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ. رواه ابن ماجة والحاكم كلاهما من رواية يوسف بن أبي كثير وهو مجهول، عن نوح بن ذكوان، وهو واهٍ، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وعنده خشناً موضعُ بَشِعاً. ¬

(¬1) لو أردت لحول الله الجبال لي ذهباً، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يرض متاع الدنيا، ويعطي درساً عملياً في الزهد والإقبال على الله بطاعته فقط كما حكى الله تعالى عن أهل العلم [فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم (79) وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون (80)] من سورة القصص. أصحاب الدنيا الغافلون عن الله يتمنون نعيم الدنيا، ولكن العلماء يرفضون متاعها. وهل رأيت أصبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم على حالته هو وأهله، تأتي جارة صالحة مؤمنة وتقدم فراشاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيرفضه ويطمئنها أن الجبال تراوده أن تصير ذهباً وفضة فيرغب عنها زهداً فيها، هكذا يكون الناصح الواعظ المرشد يعمل بعلمه قبل قوله. (¬2) نبات يعمل منه الحصر على لفظ المنسوب إلى البرد. (¬3) يلبس الحذاء المرقع، وفيه هو قاعد يخصف نعله، أي كان يخرزها، ومنه شعر العباس يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق أي في الجنة حيث خصف آدم وحواء عليهما من ورق الجنة أهـ نهاية. (¬4) أي كساء ممتهناً، وفي المصباح: كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله. والحلس: بساط يبسط في البيت، وفي النهاية حديث أبي بكر رضي الله عنه "كن حلس بيتك حتى تأتيك يد خاطية وميتة قاضية". (¬5) يسهل انزلاقه من الحلق، من ساغ الشراب: سهل انحداره وأساغه وجرعة: حسوة منه.

127 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: خرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ، وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ. رواه مسلم وأبو داود والترمذي، ولم يقل: مرحل. [المرط] بكسر الميم وإسكان الراء: هو كساء من صوف أو خزّ يُؤتزر به. [والمرحل] بتشديد الحاء المهملة مفتوحة: هو الذي فيه صور الرحال. 128 - وَعَنْ أَبي بُرْدَةَ بْنِ أَبي مُوسى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أَخْرَجَتْ لَنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كِسَاءً مُلَبَّداً وَإِزَاراً غَلِيظاً قالَتْ. قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في هذَيْنِ. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم. [قوله: ملبداً]: أي مرقّعاً، وقد لبَدْت الثوب بالتخفيف، ولبدته بالتشديد، يقال للرقعة التي يرقع بها صدر القميص اللبدة، والرقعة التي يرقع بها قبّ القميص القبيلة. 129 - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا قالَتْ: صَنَعْتُ سُفْرَةً (¬1) لِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في بَيْتِ أَبي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلى الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَجِدْ لِسُفْرَتِه، وَلاَ لِسَقائِه (¬2) مَا يَرْبِطُهُمَا بِه، فَقُلْتُ لأَبي بَكْرٍ: وَاللهِ مَا أَجِدُ شَيْئاً أَرْبُطُ بِهِ إِلاَّ نِطَاقِي؟ قالَ: فَشُقِّيهِ بِاثْنَيْنِ وَارْبُطِي بِوَاحِدٍ السِّقَاءَ، وَبِوَاحِدٍ السُّفْرَةَ، فَفَعَلْتُ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ. رواه البخاري. [النطاق] بكسر النون: شيء تشدّ به المرأة وسطها لترفع به ثوبها عن الأرض عند قضاء الأشغال. 130 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ عَلَيْهَا، وَعِنْدَهَا جَارِيةٌ لَهَا عَلَيْهَا دِرْعٌ ثَمَنُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَقَالَتِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلى جَارِيَتِي انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهَا تَزْهُو عَلى أَنْ تَلْبَسَهُ في الْبَيْتِ، وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهُنَّ دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ¬

(¬1) طعام يتخذه المسافر، وأكثر ما يحمل في جلد مستمر فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمي به. (¬2) ظرف الماء من الجلد ويجمع على أسقية، ويربط بضم الباء وكسرها.

فَما كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ (¬1) بِالْمَدِينَةِ إِلاَّ أَرْسَلَتْ إِليَّ تَسْتَعِيرُهُ. رواه البخاري 131 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَلَيْسَ عِنْدِي شَيءٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ (¬2) إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ في رَقٍ لي (¬3)، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ (¬4) عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ (¬5) فَفَنِيَ. رواه البخاري ومسلم والترمذي. ما تركه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته 132 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحرِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عِنْدَ مَوْتِهِ دِرْهَمَاً وَلاَ دِيناراً، وَلا عَبْداً، وَلا أَمةً، وَلا شَيئاً إِلا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ التي كانَ يَرْكَبُهَا وَسِلاحَهُ، وَأَرْضاً جَعَلَهَا لابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً (¬6). رواه البخاري. ¬

(¬1) تزين لزفافها، والتقيين: التزيين، والقينة: الأمة غنت أو لم تغن والماشطة. (¬2) صاحب حياة ذو روح. (¬3) جلد. وفي رواية: رف 350 - 2 - ع (¬4) بارك الله لي فيه مدة طويلة. (¬5) قدرته أي لما أحصته وتوجهت همتها إليه وتعلقت به فني. وقد كنا عائلة خمسة إخوة يأكلون في إناء واحد وتأتي الذرة فتوضع في مخازنها، وكذا القمح فكان أحدنا المتصرف ينفق ويبيع، ولا تنقص المخازن حتى تأتي الزراعة الجديدة والغلة الحديثة وكنا نلمس البركة وندرك خير الألفة ونجني ثمرة المحبة، ولما كلنا وحسبنا وعددنا وتفرقنا نقص المحصول ونفدت الذرة أو القمح من المخازن ولم يكف ما نتج فاشترينا. (¬6) رسول الله صلى الله عليه وسلم فارق الدنيا بجليل الأعمال الصالحة الطيبة المثمرة وترك فيها: أ - مركباً. ب - سلاح الجهاد والدفاع لتعرف أمته أن عزها في شجاعتها وشممها وحسن استعدادها. جـ - صدقة جارية. ما ترك ضيعة أو ذهباً أو قصوراً. لماذا؟ لزهده، ولأن الفقر يقرب إلى الله تعالى كما قال سبحانه: أ -[أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا]. قال الغزالي وجاء في التفسير على الزهد في الدنيا. ب - وقال جل شأنه [إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً] قيل معناه أيهم أزهد فيها فوصف الزهد بأنه من أحسن الأعمال. جـ - وقال جل شأنه [من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب]. د - وقال تعالى للمثل الأعلى للزهد الذي أقبل على ربه بالطاعات ليل نهار وجاهد وجالد [ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزاوجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى (131) وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى (132)] من سورة طه. التاريخ الصحيح نقل لنا أخبار عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد الثقات بذلك، وقد حضر آلاف من المسلمين في عصره فلما وجدوا له شيئاً. لماذا؟ لزهده. يا عجباً الذي دانت له المعمورة وخضعت له الأكاسرة وذلت له الجبابرة وسار ذكره مسير الشمس وطار صيته وعظم جاهه لا يترك إلا بغلة وسلاحاً، نعم لأنه صلى الله عليه وسلم يريد ما عند الله تعالى ولتتأس به أمته وتترك التطاحن والتشاحن والتكالب على حب الدنيا ولتقبل على الله الرزاق الحي الموجود، قال الشاعر: يا راقد الليل مسروراً بأوله ... إن الحوادث قد يطرقن أسحارا كم قد أبادت صروف الدهر من ملك ... قد كان في الدهر نفاعاً وضرارا =

133 - وَعَنْ عُلَيِّ بْنِ رِبَاحٍ قالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَقَدْ أَصْبَحْتُمْ وَأَمْسَيْتُمْ تَرْغَبُونَ فِيمَا كَانَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم يَزْهَدُ فِيهِ، أَصْبَحْتُمْ ترْغَبُونَ في الدُّنْيَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَزْهَدُ فِيهَا، وَاللهِ مَا أَتَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لَيْلَةٌ من دَهْرِهِ إِلاَّ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي لَهُ قالَ: فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قَدْ رَأَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَسْتَسلِفُ. رواه أحمد ورواتُه رواة الصحيح، والحاكم إلا أنه قال: مَا مَرَّ بِهِ ثَلاثٌ مِنْ دَهْرِهِ إِلاَّ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنَ الَّذِي لَهُ، وقال: صحيح على شرطهما. ورواه ابن حبان في صحيحه مختصراً: كَانَ نَبِيُّكُمْ صلى اللهُ عليه وسلم أَزْهَدَ النَّاسِ في الدُّنْيَا، وَأَصْبَحْتُمْ أَرْغَبَ النَّاسِ فِيهَا. 134 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: وَدِرْعُهُ (¬1) مَرْهُونَةٌ (¬2) عِنْدَ يَهُودِيٍّ في ثَلاثِينَ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ (¬3). رواه البخاري ومسلم والترمذي. 135 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ذاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هذِهِ السَّاعَةَ؟ قالاَ: الجُوعُ يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: وَأَنَا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَوا رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ فلمَّا رأَتْهُ الْمَرْأَةُ قالَتْ: مَرْحَباً (¬4) وَأَهْلاً، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَيْنَ فُلانٌ؟ ¬

= يا من يعانق دنيا لا بقاء لها ... يمسي ويصبح في دنياه سفارا هلا تركت من الدنيا معانقة ... حتى تعانق في الفردوس أبكارا إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها ... فينبغي لك أن لا تأمن الدارا (¬1) وقايته من حديد على صدره. (¬2) مودعة عند يهودي على أخذ شيء، يقال رهنته المتاع بالدين رهناً: حبسته به فهو مرهون. والدرع: الزردية. (¬3) يضرب صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى في الزهد فيعطي شيئاً لليهودي ويأخذ منه شيئاً من الشعير لينفق ويتصدق ويكرم ويجود، [فإن مع العسر يسرا] ويرغب في القناعة ويحث على العمل، ومن أصابه عسر استلف ويجد ليسدد الدين. (¬4) أتيت مكاناً رحباً واسعاً، وأتيت أهلاً للضيافة، كما قال الشاعر: فقالت لنا أهلاً وسهلاً وزودت ... جنى النحل بل ما زودت منه أطيب

قالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ (¬1) لَنَا الماءَ، إِذْ جَاءَ الأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قالَ: الْحَمْدُ للهِ مَا أَحَدٌ اليَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافاً مِنِّي، فانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ، وَقالَ: كُلُوا، وَأَخَذَ المُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ (¬2)، فَذَبَحَ لَهُمْ فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرُوُوا قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه مالك بلاغاً باختصار ومسلم، واللفظ له والترمذي بزيادة، والأنصاري المبهم: هو أبو الهيثم بن التيهاني بفتح المثناة فوق وكسر المثناة تحت وتشديدها، كذا جاء مصرحاً به في الموطأ والترمذي، وفي مسند أبي يعلى ومعجم الطبراني من حديث ابن عباس أنه أبو الهيثم وكذا في المعجم أيضاً من حديث ابن عمر؛ وقد رُويت هذه القصة من حديث جماعة من الصحابة مصرح في أكثرها بأنه أبو الهيثم، وجاء في معجم الطبراني الصغير والأوسط وصحيح ابن حبان من حديث ابن عباس وغيره أنه أبو أيوب الأنصاري، والظاهر أن هذه القصة اتفقت مرة مع أبي الهيثم، ومرة مع أبي أيوب. والله أعلم، وتقدم حديث ابن عباس في الحمد بعد الأكل. [العذق] هنا بكسر العين وهو الكباسة والقِنْو، وأما بفتح العين فهو النخلة. رفض النبي صلى الله عليه وسلم للدنيا 136 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فاستَسْقَى (¬3)، فَأُتِيَ بِمَاءٍ وَعَسَلٍ، فَلَمَّا وَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ بَكَى وانْتَحَبَ (¬4) حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ بِهِ ¬

(¬1) يأتي بماء عذب جميل الطعم حلو المذاق. (¬2) اترك الشاة التي تدر باللبن. سيدنا رسول الله وصاحباه أبو بكر وعمر ضيوف الأنصاري فيقدم لهم القرى، وتقابلهم السيدة المصونة العفة النقية المتحجبة الطاهرة بالبشاشة واللطف والأدب، ولقد ساق الله إليهم هذه النعم الجليلة. أ - التمر. ب - الماء القراح. جـ - اللحم، فشكروا الله وحمدوه وأثنوا عليه جل وعلا ثم تواصلوا بالعمل الصالح استعداداً لسؤال الله جل وعلا عن هذه الأكلة. (¬3) طلب أن يشرب فقدم له صنفان. أ - ماء. ب - عسل. (¬4) بكى بصوت طويل ومد، والنحيب والانتحاب بمعنى واحد.

شَيْئَاً (¬1)، وَلاَ نَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمَّا فَرَغَ قُلْنَا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ مَا حَمَلَكَ عَلَى هذَا الْبُكَاء؟ قالَ: بِيْنَمَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِذْ رَأَيْتُهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ شَيْئاً، وَلاَ أَرَى شَيْئاً، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الذِي أَرَاكَ تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِكَ (¬2)، وَلاَ أَرَى شَيْئاً قالَ: الدُّنْيَا تَطَوَّلَتْ لِي، فَقُلْتُ: إِلَيْكِ عَنِّي (¬3)، فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّكَ لَسْتَ (¬4) بِمُدْرِكِي. قالَ أَبُو بَكْرٍ. فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ (¬5)، وَخِفْتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ خَالَفْتُ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَلَحِقَتْنِي الدُّنْيا (¬6). رواه ابن أبي الدنيا والبزار، ورواته ثقات إلا عبد الواحد بن زيد، وقد قال ابن حبان: يعتبر حديثه إذا كان فوقه ثقة، ودونه ثقة، وهو هنا كذلك. 137 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قالَ: اسْتَسْقَى (¬7) عُمَرُ، فَجِيءَ بِمَاءٍ قَدْ شِيبَ (¬8) بِعَسَلٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَطَيِّبٌ (¬9) لكِنِّي أَسْمَعُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَعَى (¬10) عَلَى قَوْمٍ شَهَوَاتِهِمْ ¬

(¬1) أن في نفسه ألماً. (¬2) تصد وتدفع، أي تمثلت لي على هيئة شيء يتصل بي. (¬3) تنحي واذهبي وتباعدي. (¬4) فألهمها الله جل وعلا أن تبشره أن زخارفها لا تحيط به وهي ممنوعة عنه، وهو صلى الله عليه وسلم معصوم محصن [والله يعصمك من الناس]. (¬5) صعب على نفسي أن يتصل به حب الدنيا. لماذا؟ يطلب سقياً فيقدم له الماء والعسل. ما هذه النعم؟ وما هذه الزينة؟ رضي الله عنك يا أبا بكر قد كنت شديد الرغبة في طاعة الله متأسياً برسول الله متبعاً أثره؛ ولقد بلغ من إكرام الله تعالى لك أن أرسل إليك سيدنا جبريل "هل أنت راض عن الله؟ كما أن الله راض عنك" فلا غرو أن تخشى زخارف الدنيا ونقرأ عنك هذا الحديث العذب لنعلمه لأبنائنا رجاء الإقبال على الله تعالى والزهد في الدنيا. وفقنا الله جل وعلا على النهج نحو منهجك والسير على نبراس رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬6) أدركني نعيم الدنيا فيسألني الله تعالى. (¬7) طلب السقي أو الاستسقاء: أي طلب أن يعطى ما يشرب. (¬8) خلط. (¬9) لجميل الطعم حلو المذاق حسن الرواء. (¬10) عاب عليهم يقال نعيت على الرجل أمراً إذا عبته به ووبخته عليه ونعى عليه ذنبه: أي شهر به أهـ نهاية سيدنا عمر مع جلالة زهده ونهاية ورعه واتفاق المؤرخين على عدله وتقواه، يخشى أن يشرب كوباً حلواً في حياته خوفاً من سؤال ربه يوم القيامة، وأنه استذاق هذا الحلو وقرأ هذه الآية [ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون (20)] من سورة الأحقاف. أي عند تعذيبهم بالنار يقال لهم أخذتم حظكم من الدنيا، وقد فزتم به فلم تعملوا صالحاً، وعن عمر رضي الله عنه لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأحسنكم لباساً، ولكني أستبقي طيباتي أهـ نسفي. الهون الهوان. وقال تعالى: [ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها، ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين (145)] من سورة آل عمران. ثواب الدنيا الغنيمة، تعريض لمن شغلتهم الغنائم يوم أحد. ثواب الآخرة إعلاء كلمة الله والدرجة في الآخرة، والله يجزي من لم يشغلهم شيء عن الجهاد والدفاع عن الدين وفعل الخير.

فَقَالَ: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا واسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا) فَأَخَافُ أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، فَلَمْ يَشْرَبْهُ. ذكره رزين، ولم أره. ما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لابن عمه وجاره 138 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ عُمَرَ رَأَى في يَدِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ دِرْهَمَاً فَقَالَ: مَا هذَا الدِّرْهَمُ؟ قالَ: أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ بِهِ لأَهْلِي لَحْماً قَرِمُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَكُلَّ مَا اشْتَهَيْتُمْ (¬1) اشْتَرَيْتُمْ، مَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَطْوِيَ بَطْنَهُ (¬2) لابْنِ عَمِّهِ وَجَارِهِ أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْكُمْ هذِهِ الآيَةُ: [أَذَهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا واسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا] رواه الحاكم من رواية القاسم بن عبد الله بن عمر، وهو واهٍ، وأراه صححه مع هذا، ورواه مالك عن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب أدرك جابر بن عبد الله فذكره، وتقدم حديث جابر في الترهيب من الشبع. [قوله: قرِموا إليه] أي اشتدت شهواتهم له، والقَرَم: شدة الشهوة للحم حتى لا يصبر عنه. 139 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ المؤمِنِينَ وَقَدْ رَقَّعَ (¬3) بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقاعٍ (¬4) ثَلاثٍ لَبَّدَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ. رواه مالك. 140 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلى الْمِنْبَرِ عَلَيْهِ إِزَارٌ عَدَنِيٌّ (¬5) غَلِيظٌ ثَمَنُهُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ أَوْ خَمْسَةٌ، وَرَيْطَةٌ كُوفِيَّةٌ (¬6) مُمَشَّقَةٌ (¬7) ضَرْبَ اللَّحْمِ (¬8)، طَوِيلَ اللِّحْيَةِ حَسَنَ الْوَجْهِ. رواه الطبراني بإسناد حسن، وتقدم في اللباس مع شرح غريبه. كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة. الحديث 141 - وَعَنْ محمد بن كعب القرظي قال: حدثني من سمع عليّ بن أبي طالب يقول: ¬

(¬1) أكل شيء يتعلق به حب أنفسكم تحضرونه؟ (¬2) يتحمل الجوع ويحسن إلى قريبه أو جاره. (¬3) جعل مكان القطع خرقة واسمها رقعة وجمعها رقاع وغزوة ذات الرقاع سميت بذلك: لأنهم شدوا الخرق على رجلهم من شدة الحر لفقد النعال. (¬4) قطع متلبدة رقاع. (¬5) رداء صنع عدن. (¬6) ثوب رقيق لين والجمع رياط وريط، صنع الكوفة. (¬7) مصبوغة: أي لها لون يقال ثوب ممشق: أي مصبوغ، ويقال أمشقت الثوب إمشاقاً: صبغته بالمشق بكسر الميم المغرة والمغرة كما في المصباح الطين الأحمر، والأمغر في الخيل الأشقر. (¬8) هو الخفيف اللحم الممشوق المستدق كما في صفة موسى عليه السلام أنه ضرب من الرجال أهـ نهاية.

إِنَّا لَجُلوسٌ مَعَ رِسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في المسْجِد إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ مَا عَلَيْهِ إِلاّ بُرْدَةٌ (¬1) لَهُ مَرْقُوعَةٌ بِفَرْوَةٍ (¬2)، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بَكَى (¬3) لِلَّذِي كَانَ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَالَّذِي هُوَ فِيهِ الْيَوْمَ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: كَيْفَ بِكُمْ إِذَا غَدَا أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ (¬4)، وَرَاحَ فِي حُلَّة، وَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ صَحْفَةٌ، وَرُفِعَتْ أُخْرَى، وَسَتَرْتُمْ بُيُوتَكُمْ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ؟ قالَوا: يَا رَسُولَ اللهِ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مِنَّا الْيَوْمَ: نَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ (¬5)، وَنُكْفَى الْمَؤُونَةَ (¬6)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لأَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ. رواه الترمذي من طريقين تقدم لفظ أحدهما مختصراً، ولم يسم فيهما الراوي عن عليّ، وقال: حديث حسن غريب، ورواه أبو يعلى ولم يسمه أيضاً، ولفظه: أنتم اليوم خير أم إذا غُدِيَ على أحدكم بجفنة من خبز ولحم عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجْتُ في غَدَاةٍ (¬7) شَاتِيَةٍ، وَقَدْ أَوْبَقَنِي (¬8) الْبَرْدُ فَأَخَذْتُ ثَوْباً مِنْ صُوفٍ كَانَ عِنْدَنَا، ثُمَّ أَدْخَلْتُهُ في عُنُقِي، وَحَزَّمْتُهُ عَلَى صَدْرِي أَسْتَدْفِئُ بِهِ، واللهِ مَا فِي بَيْتِي شَيءٌ آكُلُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ في بَيْتِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ لَبَلَغَنِي (¬9)، فَخَرَجْتُ في بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَة، فَانْطَلَقْتُ إِلى يَهُودِيٍّ في حَائِطٍ (¬10) فاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ ثَغْرَةٍ (¬11) في جِدَارِهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَعْرَابِيُّ هَلْ لَكَ في دَلْوٍ (¬12) بِتَمْرَةٍ. قُلْتُ: نَعَم، افْتَحْ لِي الْحَائِطَ، فَفَتَحَ فَدَخَلْتُ فَجَعَلْتُ أَنْزِعُ الدَّلْوَ (¬13) وَيُعْطِينِي تَمْرَةً حَتَّى مَلأْتُ كَفِّي، قُلْتُ: حَسْبِي مِنْكَ الآنَ، فَأَكَلْتُهُنَّ، ثُمَّ جَرَعْتُ ¬

(¬1) كساء صغير مربع، ويقال كساء أسود صغير أهـ مصباح. (¬2) بالية ممزقة تسد ثغرتها فروة من جلد. (¬3) رأف به صلى الله عليه وسلم ورثى لحاله وتذكر ما كان فيه من سعة العيش ورغده، وقد زال وجاء إليه الفقر. (¬4) على أي حال تكونون إذا أصبح أحدكم في ملابس جديدة وأمسى في غيرها من شدة الترف وكثرة النعيم وتقدم له طعام شهي وخلفه أشهى وأحلى منه، وبنيتم لكم قصوراً شاهقة ومنازل شامخة وقد حصل والحمد لله. الآن سنة 1375. (¬5) نخلص لطاعة الله تعالى. (¬6) نقضي حاجاتنا فأخبر صلى الله عليه وسلم أن حالتهم على القلة أفضل من حالة الأغنياء أصحاب الثروة والضيعات، وأنهم على الحالة الأولى أكثر ثواباً لو أغناهم الله. (¬7) صبيحة يوم بارد ممطر. (¬8) أهلكني وآلمني. (¬9) لنلته ووصلني. (¬10) بستان. (¬11) شق. (¬12) في إخراج الماء كل دلو تأخذ تمرة أجراً على هذا. (¬13) أخرجه من البئر.

مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ جِئْتُ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ في الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مَعَ عِصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَطَلَعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ في بُرْدَةٍ لَهُ مَرْفُوعَةٍ بِفَرْوَةٍ، وَكَانَ أَنْعَمَ غُلامٍ بِمَكَّةَ، وَأَرْهَفَهُ عَيْشاً (¬1)، فَلَمَّا رآهُ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم ذَكَرَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَرَأَى حَالَهُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، فَذَرِفَتْ (¬2) عَيْنَاهُ فَبَكَى، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرٌ أَمْ إِذَا غُدِيَ (¬3) عَلَى أَحَدِكُمْ بِجَفْنَةٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، وَرِيحَ عَلَيْهِ بِأُخْرَى، وَغَدَا في حُلَّةٍ، وَرَاحَ في أُخْرَى، وَسَتَرْتُمْ بُيُوتَكُمْ كَما تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ؟ قُلْنَا: بَلْ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ نَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ. قالَ: بَلْ أَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرٌ (¬4). شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أهل بيته 142 - وَعَنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَتَاهَا يَوْماً فَقَالَ: أَيْنَ ابْنَايَ؟ يَعْنِي حَسَناً وَحُسَيْناً، قالَتْ: أَصْبَحْنَا، وَلَيْسَ في بَيْتِنَا شَيْءٌ يَذُوقُهُ (¬5) ذَائِقٌ، فَقالَ: عَلِيٌّ: أَذْهَبُ بِهِمَا، فَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ يَبْكِيَا عَلَيْكِ، وَلَيْسَ عِنْدَكِ شَيْءٌ، فَذَهَبَ إِلى فُلانٍ الْيَهُودِيِّ، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم، فَوَجَدَهُمَا يَلْعَبَانِ في شَرَبَةٍ (¬6) بَيْنَ أَيْدِيهِمَا فَضْلٌ مِنْ (¬7) تَمْرٍ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَلا تَقْلِبُ (¬8) ابْنَيَّ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ الْحَرُّ؟ قالَ: أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ في بَيْتِنَا شَيءٌ (¬9)، فَلَو جَلَسْتَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى أَجْمَعَ ¬

(¬1) أكثر رفاهة ونعمة وسعة من الرزق. (¬2) دمعت، وذرف الدمع: سال. (¬3) جاء إليه غدوة، وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس: أي أقبل عليه أنواع الطعام صباحاً ومساءً وغمر بالنعيم وأغدق بالخير وكثرت عنده حاجات المعيشة ووفرت ملابسه وزاد ترفه. (¬4) حالتكم الآن أفضل وأكثر قبولاً للأعمال الصالحة. (¬5) يطعمه طاعم. (¬6) حوض يكون في أصل النخلة وحولها يملأ ماء لتشرب أهـ نهاية، أي يلعبان في فناء واسع. (¬7) زيادة. (¬8) ألا تردهما، يقال قلبته قلباً: حولته عن وجهه: أي أود أن تذهبهما إلى البيت اتقاء الحر. (¬9) بيته ليست فيه أطعمة ولا شيء مع علو كعبه وإذاعة صيته، ولكنه رضي بالقليل زهداً في الدنيا. وهذا الشاعر محمود باشا سامي البارودي: والدهر كالبحر لا ينفك ذا كدر ... وإنما صفوه بين الورى لمع لو كان للمرء فكر في عواقبه ... ما شان أخلاقه حرص ولا طمع وكيف يدرك ما في الغيب من حدث ... من لم يزل بغرور العيش ينخدع دهر يغر وآمال تسر وأعمال تمر وأيام لها خدع يسعى الفتى لأمور قد تضربه ... وليس يعلم ما يأتي وما يدع يا أيها السادر المزور من صلف ... مهلاً فإنك بالأيام منخدع دع ما يريب وخذ ما قد خلقت له ... لعل قلبك بالإيمان ينتفع =

لِفَاطِمَةَ فَضْلَ تَمَرَاتٍ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم حَتَّى اجْتَمَعَ لِفَاطِمَةَ فَضْلٌ مِنْ تَمْرٍ، فَجَعَلَهُ فِي خِرْقَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ، فَحَمَلَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم أَحَدَهُمَا، وَعَلِيٌّ الآخَرَ حَتَّى أَقْلَبَهُمَا (¬1). رواه الطبراني بإسناد حسن. 143 - وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: حَضَرْنَا (¬2) عِرْسَ عَلِيٍّ وَفاطِمَةَ، ¬

= إن الحياة لثوب سوف تخلعه ... وكل ثوب إذا ما رث ينخلع (لمع) بقية الماء المنقطع في الأرض. فلم يغتر بالدنيا وزخارفها الإمام علي رضي الله عنه ولم يفكر إلا في طاعة الله تعالى هو وأهل بيته. السادر الشوم المتكبر (المزور) الرجل الذي لا يبالي بما فعل، كناية عن الكبر، نقلت هذا الشعر لأصور لك صورة من كلام الفصحاء الذين أعربوا عن دنايا الدنيا، ولن تجد قدوة حسنة في زهدها مثل بيت النبوة صلى الله عليه وسلم الذي لا يجد شيئاً. (¬1) حتى أقلبهما كذا ع ص 353 أي صرفهما من هذا الفناء إلى المنزل وفي النهاية. كان يقول لمعلم الصبيان: اقلبهم: أي اصرفهم إلى منازلهم، وفي ن د أقبل بهما، وفي ن ط أقلباهما. يلعب الحسن والحسين في جهة واسعة بين النخيل فيخشى جدهما صلى الله عليه وسلم عليهما الشمس فيجلس معهما مدة انتظار أن يجمع علي وزوجه رضي الله عنهما التمر ثم يذهبون إلى المنزل بيت النبوة وبيت علي ليس فيهما شيء من حطام الدنيا يأتي القوت كل يوم أولاً أولاً على قدر الحاجة. (¬2) ليلة الزفاف واجتماع العروسين في عقد شرعي ونكاح حلال، كان عشاء من وجد تمراً وزبيباً وأثاث العروسة جلد محشو بليف فقط. هذا لبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن يتأسى بها الآن؟ من يزهد؟ من يقنع؟ من يرضى بما قسم الله له؟ ويهدأ ويطمئن ويقبل على الله بأعماله الصالحة فقط، ويفهم قول الله تبارك وتعالى [فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون (36)] من سورة الشورى. ما عند الله من الثواب: نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين تصدق بجميع ماله فلامه الناس. أهـ نسفي. فانتظار نعيم الله في الآخرة هو الذي دعا هؤلاء الأبطال إلى التقلل من الدنيا وليضربوا المثل الأعلى في الزهد. وأما الكفرة والفسقة والأغنياء اللاهون عن الله المضيعون حقوق الله المترفون المنعمون في الدنيا فقد حكى الله عنهم [ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون (69) الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون (70) إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون (71) في الحميم ثم في النار يسجرون (72) ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون (73) من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئاً كذلك يضل الله الكافرين (74) ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون (75) ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين (76) فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون (77) ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك] من سورة المؤمن. [بالكتاب] بالقرآن أو بجنس الكتب السماوية، وفرح بالدنيا ولم يعمل صالحاً [يسجرون] يحرقون وقد بين الله سبب العذاب [ذلكم بما كنتم تفرحون] أي تبطرون وتتكبرون وتتفاخرون وتتطاولون بوفرة مالكم [بغير الحق] وهو الشرك والطغيان وشدة الترف وحرمان حقوق الله والفقراء [تمرحون] تتوسعون في الفرح [بعض الذي نعدهم] أي نرينك قتلهم وأسرهم وهزيمتهم واندحارهم ثم يرجعون إلينا لنجازيهم بأعمالهم، أي أن نعذبهم في حياتك أو نعذبهم في الآخرة أشد العذاب. وإن شاهدنا الدرس الوافي في عاقبة الترف والغفلة عن الله عذابه الأليم في الدنيا والآخرة. =

فَمَا رَأَيْنَا عِرْساً كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ، حَشَوْنَا الْفِرَاشَ، يَعْنِي مِنَ اللِّيفِ، وَأُوتِينَا بِتَمْرٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلْنَا، وكانَ فِرَاشُهَا لَيْلَةَ عِرْسِهَا إِهَابَ كَبْشٍ. رواه البزار. [الإهاب] الجلد، وقيل: غير المدبوغ. 144 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لَمَّا جَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَاطِمَةَ إِلى عَلِيٍّ بَعَثَ مَعَهَا بِخَمِيلٍ (¬1) قالَ عَطَاءٌ: مَا الْخَمِيلُ؟ قالَ: قَطِيفَةٌ وَوِسادَةٌ مِنْ أُدُمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِذْخِرٌ (¬2) وَقِرْبَةٌ كَانَا يَفْتَرِشَانِ الْخَمِيلَ وَيَلْتَحِفَانِ بِنِصْفِهِ. رواه الطبراني من رواية عطاء بن السائب، ورواه ابن حبان في صحيحه عَنْ عَطاءٍ بْنِ السَّائِبِ أَيْضاً عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَهَّزَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَاطِمَةَ في خَمِيلَةٍ وَوِسَادَةٍ أُدُمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ. زهد الصحابة رضي الله عنهم في الدنيا ورضاهم بالقليل منها 145 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ في مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقاً (¬3)، فَكَانَتْ إِذَا كانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ في قِدْرٍ، ثُمَّ تَجْعَلُ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهُ، فَتَكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عِرْقَهُ، قالَ سَهْلٌ: كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَيْهَا مِنْ صَلاةِ الْجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَرِّبُ ذلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا، فَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذلِكَ. ¬

= وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يكسبون آلاف الدراهم وتوزع من وقتها صدقة وادخار ما عند الله، وترى معيشتهم التقلل من الدنيا ما أمكن. لماذا؟ لأن الله تعالى يقول: [لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد (196) متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد (197) لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً من عند الله وما عند الله خير للأبرار (198)] من سورة آل عمران. قال النسفي: والخطاب لكل أحد أو للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به غيره ولأن مدره القوم، ومقدمهم يخاطب بشيء فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعاً، فكأنه قيل لا يغرنكم، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غير مغرور بحالهم فأكد عليه ما كان عليه (متاع) أي تقلبهم متاع قليل، وأراد قلته في جنب ما فاتهم من نعيم الآخرة، أو في جنب ما أعد الله للمؤمنين من الثواب، أو أراد أنه قليل في نفسه لانقضائه، وكل زائل قليل أهـ ص 158. رسول الله يزوج بنته للإمام علي ويشرح هذه الآيات للمسلمين: بزهده وقناعته، وأنه ليس في بيته ولا ببيت ابن عمه شيء إلا قليلاً من تمر وقطيفة فرش وغطاء. هكذا يكون المرشد الواعظ يبدأ بنفسه وأهله كي ينفع العلم والتعليم. ولذا سرى الإسلام في المعمورة سريان الدم في شرايين الجسم أو طلع نوره فعم الدنيا. (¬1) كل ثوب له خمل من أي شيء. (¬2) نبات معروف ذكي الريح، وإذا جف ابيض أهـ مصباح. (¬3) نبات يطبخ. وفي القاموس يجلو ويحلل ويلين ويفتح ويسر النفس نافع للنقرس والمفاصل وعصير أصله ترياق وجع الأذن والسن والشقيقة.

وفي رواية: لَيْسَ فِيهَا شَحْمٌ وَلاَ وَدَكٌ، وَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ. رواه البخاري. 146 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: وَالَّذِي لاَ إلهَ إِلاَّ هُوَ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ ولَقَدْ قَعَدْتُ يَوْماً عَلَى طَرِيقِهمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمرَّ بِي أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ في كِتَابِ اللهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِيَسْتَتْبِعَنِي (¬1) فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ (¬2) ثُمَّ مَرَّ عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلا لِيَسْتَتْبِعَنِي، ثُمَّ مَرَّ أَبُوا الْقَاسِمِ صلى اللهُ عليه وسلم فَتَبَسَّمَ حِينَ رآنِي، وَعَرَفَ مَا فِي وَجْهِي، وَمَا فِي نَفْسِي، ثُمَّ قالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ قالَ: أَلْحِقْ وَمَضى فَأَتْبَعْتُهُ، فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَوَجَدَ لَبَناً (¬3) في قَدَحٍ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هذَا اللَّبَنُ؟ قالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلانٌ أَوْ فُلانَةُ قالَ: يَا أَبَا هِرٍّ (¬4) قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: أَلْحِقْ إِلى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي، قالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ لاَ يَأْوُونَ (¬5) عَلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ وَلاَ عَلَى أَحَدٍ إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ (¬6) بِهَا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا (¬7) شَيْئاً، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، وَأَصَابَ مِنْهَا (¬8)، وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا فَسَاءَنِي ذلِكَ (¬9) فَقُلْتُ: وَمَا هذَا اللَّبَنُ في أَهْلِ الصُّفَّةِ؟ كُنْتُ أَحَقَّ أَنْ أُصِيبَ مِنْ هذَا اللَّبَنِ شُرْبةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذَا جَاؤُوا أَمَرَنِي، فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي (¬10) مِنْ هذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بُدُّ (¬11) فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا واسْتَأْذَنُوا فَأُذِنَ لَهُمْ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ قالَ: يَا أَبَا هِرٍّ (¬12) قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: خُذْ فَأَعْطِهِمْ، فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ حَتَّى انْتَهَيْتُ ¬

(¬1) ليستتبعني كذا ع ص 353 - 2، وفي ن ط ليشبعني. (¬2) أدركني وذهب. (¬3) هذا اللبن جاء هدية. (¬4) يا أبا هر كذا ن ع، وفي ن ط يا أبا هريرة. (¬5) لا يلتجئون إلى قرابة، وليس لهم مال. (¬6) أرسل. (¬7) ولم يأخذ منها شيئاً تعففاً وقناعة وإيثار الأضياف الصالحين المساكين. (¬8) أخذ منها تبركاً .. (¬9) تكدر أبو هريرة لحرمانه. (¬10) كان يرجو أن ينال شيئاً. (¬11) غنىً. (¬12) يا أبا هر كذا ن ع، وفي ن ط يا أبا هريرة.

إِلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم وَقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ قال: بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ؟ قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: اقْعُدْ فَاشْرَبْ فَشَرِبْتُ، فَقَالَ: اشْرَبْ فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: اشْرَبْ حَتَّى قُلْتُ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بالْحَقِّ لاَ أَجِدُ مَسْلَكاً (¬1) قالَ: فَأَرِنِي (¬2)، فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ، فَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى وَسَمَّى (¬3) وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ (¬4). رواه البخاري وغيره، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. زهد الصحابة رضي الله عنهم 147 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَإِنِّي كنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لِشَبَعِ بَطْنِي حِينَ لاَ آكُلُ الْخَمِيرَ، وَلاَ أَلْبَسُ الْحَرِيرَ، وَلاَ يَخْدُمُنِي فَلانٌ وَفُلانَةٌ، وَكُنْتُ أُلْصِقُ بَطْنِي بالْحَصْبَاءِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لأَسْتَقْرئُ (¬5) الرَّجُلَ الآيَةَ هِيَ مَعِيَ لِكَيْ يَنْقَلِبَ (¬6) بِي فَيُطْعِمَنِي، وَكانَ خَيْرَ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كانَ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ في بَيْتِه حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ (¬7) الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ فَنَشُقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا. رواه البخاري والترمذي، ولفظه: قالَ: إِنْ كُنْتُ لأَسْأَلُ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَنِ الآيَاتِ مِنَ الْقُرْآنِ، أَنَا أَعْلَمُ بِهَا مِنْهُ، مَا أسْأَلُهُ إِلاَّ لِيُطْعِمَنِي شَيْئاً، وَكُنْتُ إِذَا سأَلْتُ جَعْفَرَ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يُجِبْنِي حَتَّى يَذْهَبَ بِي إِلى مَنْزِلِهِ، فَيَقُولَ لامْرَأَتِهِ: يَا أَسْمَاءُ أَطْعِمِينَا، فَإِذَا أَطْعَمَتْنَا أَجَابَنِي، وَكَانَ جَعْفَرُ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ. وَيَجْلِسُ إِلَيْهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يُكَنِّيهِ بَأَبِي الْمسَاكِينِ. ¬

(¬1) سلوكاً: أي أملأت أوعية الطعام وشبعت. (¬2) تقربه مني، فأرني كذا في ن ع، وفي ن ط فأدني. (¬3) قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. (¬4) الباقية. (¬5) أطلب منه القراءة. (¬6) يرجع إلى منزله. (¬7) العكة من السمن أو العسل: هي وعاء من جلود مستدير يختص بهما. وهو بالسمن أخص سيلاناً. أبو هريرة راوي الحديث الفقيه الذي دعا له صلى الله عليه وسلم بالحفظ كان في شدة الجوع: وليس في بيته شيء ويحتاج إلى من يزيل ألم جوعه ويسد رمقه ويلعق إناء السمن قوتاً، هذا هو معنى الزهد يا أخي فأين نحن الآن من هذا العصر الزاهر الباهر الذي أنجب الله فيه أبرار قادة سادة سيرتهم أذكى من المسك الأذقر، ورضي الله عنهم وأرضاهم ونفع بهم إلى يوم القيامة.

رضى الصحابة بالقليل من الدنيا 148 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ مِنْ كَتَّانٍ، فَمَخَطَ (¬1) في أَحَدِهِمَا، ثُمَّ قالَ: بَخٍ بَخٍ (¬2) يَمْتَخِطُ أَبُو هُرَيْرَةَ في الْكَتَّانِ (¬3) لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأخِرُّ فيما بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ مِنَ الْجُوعِ مَغْشِيَّاً عَلَيَّ (¬4)، فَيَجِيءُ الْجائِي فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِي يَرَى أَنَّ بِيَ الْجُنُونَ (¬5)، وَمَا هُوَ إِلاَّ الْجُوعُ. رواه البخاري والترمذي وصححه. [المشق] بكسر الميم: المغرة، وثوب ممشق: مصبوغ بها. 149 - وَعَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى اللهُ عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى بالنَّاسِ يَخِرُّ رِجَالٌ (¬6) مِنْ قَامَتِهِمْ في الصَّلاةِ مِنَ الْخَصَاصَةِ، وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ، حَتَّى يَقُولُ الأَعْرَابُ: هؤُلاءِ مَجَانِينُ أَوْ مَجَانُونَ، فَإِذَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا لَكُمْ عِنْدَ اللهِ لأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدَادُوا فَاقَةً وَحَاجَةً. رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح، وابن حبان في صحيحه. [الخصاصة] بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين: هي الفاقة والجوع. 150 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ لَمْ أَطْعَمْ، فَجِئْتُ أُرِيدُ الصُّفَّةَ فَجَعَلْتُ أَسْقُطُ، فَجَعَلَ الصِّبْيَانُ يَقُولُونَ: جُنَّ أَبُو هُرَيْرَةَ، قالَ: فَجَعَلْتُ أُنَادِيهِمْ وأَقُولُ: بَلْ أَنْتُمُ الْمَجَانِينُ حَتَّى انْتَهَيْنَا (¬7) إِلى الصُّفَّةِ، فَوَافَقْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِقَصْعَتَيْنِ مِنْ ثَرِيدٍ، فَدَعَا عَلَيْهَا أَهْلَ الصُّفَّةِ، وَهُمْ يَأْكُلُونَ مِنْهَا، فَجَعَلْتُ أَتَطَاوَلُ كَيْ يَدْعُوَنِي حَتَّى قامَ الْقَوْمُ، وَلَيْسَ في الْقَصْعَةِ إِلاَّ شَيْءٌ في نَوَاحِي الْقَصْعَةِ، فَجَمَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَصَارَتْ لُقْمَةً فَوَضَعَهُ عَلَى أَصَابِعِهِ ¬

(¬1) أخرج مخاطه من أنفه. (¬2) كلمة تقال عند الرضا بالشيء. (¬3) نبات تؤخذ أليافه للنسيج وله بذر يعتصر ويستصبح به. (¬4) مغمى عليه من شدة ألم الجوع. (¬5) من شدة الإغماء يحضر الآتي فيظن أن به مرض الجنون. أرأيت أبدع من هذا الزهد والتفاني وحب الله والإعراض عن حطام الدنيا؟. وانظر إلى حالة من استفاد بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬6) يسقطون من شدة الجوع، وفي الغريب وعبر عن الفقر الذي لم يسد بالخصاصة. (¬7) انتهينا كذا ن ط وع ص 355، وفي ن د انتهيت.

فَقَالَ لِي: كُلْ بِاسْمِ اللهِ، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا زِلْتُ آكُلُ مِنْهَا حَتَّى شَبِعْتُ (¬1) رواه ابن حبان في صحيحه. 151 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قالَ: أَقَمْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةً فَقَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا لَنَا ثِيَابٌ إِلا الأَبْرَادُ الْخَشِنَة (¬2) وَإِنَّهُ لَيَأْتِي عَلَى أَحَدِنَا الأَيَّامُ مَا يَجِدُ طَعَاماً يُقِيمُ بِهِ صُلْبَهُ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَأْخُذُ الْحَجَرَ فَيَشُدُّ بِهِ عَلَى أَخْمُصِ (¬3) بَطْنِهِ ثُمَّ يَشُدُّهُ بِثَوْبِهِ لِيُقِيمَ صُلْبَهُ. رواه أحمد وراوتُه رواة الصحيح. بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بالخير لأصحابه على القليل من الدنيا 152 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِلى الْجُوعِ في وُجُوهِ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُغْدَى (¬4) عَلَى أَحَدِكُمْ بِالْقَصْعَةِ مِنَ الثَّرِيدِ، وَيُرَاحُ عَلَيْهِ (¬5) بِمِثْلِهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ؟ قالَ: بَلْ أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ (¬6). رواه البزار بإسناد جيد. 153 - وَعَنْ أَبي بَرْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا في غَزَاةٍ لَنَا فَلَقِينَا أُنَاساً مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَجْهَضْنَاهُمْ عَنْ مَلَّةٍ لَهُمْ، فَوَقَعْنَا فِيهَا فَجَعَلْنَا نَأْكُلُ مِنْهَا، وَكُنَّا نَسْمَعُ في الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهُ مَنْ أَكَلَ الْخُبْزَ سَمِنَ (¬7)، فَلَمَّا أَكَلْنَا ذَلِكَ الْخُبْزَ جَعَلَ أَحَدُنَا يَنْظُرُ في عِطْفَيْهِ هَلْ سَمِنَ؟. رواه الطبرانين رواتُه رواة الصحيح. [أجهضاهم] أي أزلناهم عنها وأعجلناهم. رضى الصحابة رضي الله عنهم بالقليل من الدنيا 154 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ ¬

(¬1) معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإثبات البركة في القليل إذ أشبع الله أبا هريرة من لقمة واحدة، حي على أهل الفلاح البركة من الله. (¬2) والأبراد: نوع من الثياب جمع برد. الأبراد الخشنة كذا ع، وفي ن د البراد الخشنة، وفي ن ط: البراد المتفتقة. (¬3) بطنه الجائع، والمخمصة المجاعة: وخمص الشخص خمصاً فهو خميص: إذا جاع. (¬4) يبكر ويصبح. (¬5) يمسي. (¬6) حالتكم الآن على الفقر خير من كثرة الخير عند الله جل وعلا. (¬7) كثر لحمه وشحمه، وفي المثل "سمن كلبك يأكلك" واستسمنه: عده سميناً، والسمن اسم منه.

عليه وسلم، وَأَمَّرَ (¬1) عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَلْتَقِي عِيرَ (¬2) قُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَاباً مِنْ تَمْرٍ لَمْ نجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً، فَقِيلَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ قَالُوا: نَمَصُّهَا كَما يَمَصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلى اللَّيْلِ، وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا (¬3) الْخَبَطَ، ثُمَّ نَبُلُّهُ فَنَأْكُلُهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رواه مسلم. 155 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ أَصَابَهُمْ جُوعٌ وَهُمْ سَبْعَةٌ، قالَ: فَأَعْطَانِي النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم سَبْعَ تَمَرَاتٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ تَمْرَةٌ. رواه ابن ماجة بإسناد صحيح. 156 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ ¬

(¬1) جعله أميراً، يقال أمرته تأميراً فتأمر، وأمرته فائتمر: أي سمع وأطاع. (¬2) إبلاً بأحمالها آتية من الشام. (¬3) ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها، واسم الورق الساقط خبط بالتحريك فعل بمعنى مفعول، وهو من علف الإبل. قوم غزاة على رأسهم سيدنا أبو عبيدة يذهبون إلى الجهاد ولمحاربة الكفار ويصدون تجارتهم ويمنعون سيرهم، ويظهرون هيبة الإسلام وشوكته وسلطانه ويخيفون عدو الدين، ومع هذا طعامهم تمرة تمرة، ويا ليتها تؤكل بل تمص، هذا هو سر الزهد. يحاربون لنصر دين الله لا طمعاً في مال أو غنيمة ويدخرون ما عند الله، وبهؤلاء سطع نوع الإسلام وتأسست أركانه وثبتت قواعده لإيمانهم بالله ورسوله، ولأن القرآن أثمر وترعرعت أفنانه فعلموا [كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (185)] من سورة آل عمران. وعد ووعيد للمصدق والمكذب (زحزح) بعد ونجا ولم يغتر بلذات الدنيا وزخارفها، شبهها بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه، هذا لطالب الدنيا. يذكر في هذا التفسير قول الله تبارك وتعالى [الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم (172)] من سورة آل عمران. [القرح] الجرح [الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (173) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (174)] من سورة آل عمران. روي أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة، فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج في طلب أبي سفيان فخرج يوم الأحد من المدينة مع سبعين رجلاً حتى بلغوا حمراء الأسد، وهي من المدينة على ثمانية أميال، وكان بأصحابه القرح فألقى الله الرعب في قلوبهم فذهبوا. هذا نوع من قتال أصحابه صلى الله عليه وسلم؛ لترى أيها القارئ اعتماد المجاهدين على الله وثقتهم به سبحانه، والزهد في الدنيا لثواب الله.

النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلمَ يَأْتِي عَلَيْهِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ لاَ يَجِدُ شَيْئاً يَأْكُلُهُ، فَيَأْخُذُ الْجِلْدَةَ (¬1) فَيَشْوِيهَا فَيَأْكُلُهَا، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ شَيْئاً أَخَذَ حَجَراً (¬2) فَشَدَّ صُلْبَهُ. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع بإسناد جيد. 157 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنِّي لأَوَّلُ الْعَرَبِ (¬3) رَمَى بِسَهْمٍ في سَبِيلِ اللهِ، وَلَقَدْ كُنَّا نَغْزُوا (¬4) مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَالَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الْحُبْلَةِ، وَهَذَا السَّمُرُ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ (¬5) كما تَضَعُ الشَّاةُ مَالَهُ خِلْطٌ. رواه البخاري ومسلم. [الحبل] بضم الحاء المهملة وإسكان الباء الموحدة. [والسمر] بفتح السين المهملة وضم الميم: كلاهما من شجر البادية. إن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء 158 - وعن خالد بن عمير العدويّ قال: خطبنا عتبة بن غزوان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَ أَمِيراً بِالْبَصْرَةِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلى دَارٍ لاَ زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ (¬6)، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَيَهْوِي فِيها سَبْعِينَ عَامَاً لاَ يُدْرِكُ لَهَا قَعْراً (¬7)، وَاللهِ لَتُمْلأَنَّ (¬8)، أَفَعَجِبْتُمْ؟ وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعِينِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِيْنَ عَاماً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ، وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ، وَلَقَدْ رأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ (¬9) أَشْدَاقُنَا ¬

(¬1) الجلد كذا ط وع ص 356 - 2، وفي ن د: الحلد. (¬2) ربط بطنه ليعطيه قوة ومناعة بالضغط على المعدة انتظاراً لفرج الله. (¬3) جاهد وحارب. (¬4) نحضر الغزوات ونهجم على الأعداء في بلادها. (¬5) يقضي حاجته، وفي النهاية: أي لا يختلط نجوهم بعضه ببعض لجفافه ويبسه فإنهم كانوا يأكلون خبز الشعير وورق الشجر لفقرهم وحاجتهم. إن هؤلاء يحاربون لنصر دين الله وإذاعة كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله لا يريدون غنائم أو مالاً أو جاهاً، فلا غرو إذا أغدق الله عليهم بصنوف نعمه. (¬6) ما بحضرتكم كذا ع، وفي ن ط ما يحضرنكم. (¬7) نهاية أسفله أي إنها واسعة جداً. (¬8) ليملؤها الله تعالى من العصاة. (¬9) جرحت.

فالْتَقَطْتُ بُرْدَةً (¬1) فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا، واتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا، فَمَا أصْبَحَ الْيَوْمَ مِنَّا أَحَدٌ إِلا أَصْبَحَ أَمِيراً عَلَى مِصْرٍ (¬2) مِنَ الأَمْصَارِ، وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيماً وَعِنْدَ اللهِ صَغِيراً. رواه مسلم وغيره. [آذنت] بمد الألف: أي أعلمت. [بصرم] هو بضم الصاد وإسكان الراء: بانقطاع وفَناء. [حذاء] هو بحاء مهملة مفتوحة ثم ذال معجمة مشددة ممدوداً، يعني سريعة. [والصبابة] بضم الصاد: هي البقية اليسيرة من الشيء. [يتصابها] بتشديد الموحدة قبل الهاء: أي يجمعها. [والكظيظ] بفتح الكاف وظاءين معجمتين: هو الكثير الممتلئ. إنما لباسنا الصوف وطعامنا الأسودان 159 - وَعَنْ أَبي مُوسى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَوْ رَأَيْتَنَا وَنَحْنُ مَعَ نَبِيِّنَا صلى اللهُ عليه وسلم لَحَسِبْتَ أَنَّمَا رِيحُنَا (¬3) الضَّأْنُ، إِنَّمَا لِباسُنَا الصُّوفُ، وَطَعامُنَا الأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ والماءُ. رواه الطبراني في الأوسط، ورواتُه رواة الصحيح، وهو في الترمذي وغيره دون قوله: إِنما لِبَاسُنَا إلى آخره، وتقدم في اللباس. 160 - وَعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ فمِنَّا مَنْ مَاتَ (¬4) لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئاً، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ بِهِ إِلاَّ بُرْدَةً إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ، وَمِنَّا مَن أَيْنَعَتْ ¬

(¬1) فأخذت شملة. (¬2) مدينة عامر حاضرة. يخطب الناس هذا الأمير الصالح أن نعيم الدنيا زائل، ويطلب الجد في صالح الأعمال للآخرة اتقاء عذاب الله ويشوق إلى نضارة الجنة ويحذر من الركون إلى زخارف الدنيا ويخبر عن حاله وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قلة الطعام وخشونة عيش مع جهاد في سبيل نصر دين الله ويستغيث بالله أن يجيره من نفسه ويتمنى قبول أعماله عنده سبحانه. (¬3) ريحنا الضان كذا د وع ص 357 - 2؛ وفي ن ط: ريحنا ريح الضأن. (¬4) من مات لم يأكل، وفي ن د من مات ولم يأكل.

لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدُبُهَا (¬1). رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود باختصار. [البردة]: كساء مخطط من صوف، وهي النمرة. [أينعت] بياء مثناة تحت بعد الهمزة: أي أدركت ونضجت. [يهدبها] بضم الدال المهملة وكسرها بعدها باء موحدة: أي يقطعها ويجنيها. حديث وفاة أبي ذر رضي الله عنه 161 - وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، يَعْنِي ابْنَ الأَشْتَرِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَضَرَهُ الْمَوْتُ، وَهُوَ بالرَّبَذَةِ فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: أَبْكِي فَإِنَّهُ لا يَدَ لِي بِنَفْسِكَ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُ لَكَ كَفَنَاً، قالَ: لاَ تَبْكِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قالَ: فَكُلُّ مَنْ كَانَ مَعِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مَاتَ في جَمَاعَةٍ وَقَرْيَةٍ، فلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ غَيْرِي، وَقَدْ أَصْبَحْتُ بِالفَلاةِ أَمُوتُ، فَرَاقِبِي (¬2) الطرِيقَ، فَإِنَّكَ سَوْفَ تَرَيْنَ (¬3) مَا أَقُولُ، فَإِنِّي واللهِ مَا كَذَبْتُ (¬4) وَلاَ كُذِّبْتُ (¬5). قالَتْ: وَأَنَّى ذَلِكَ (¬6)، وَقَدِ انْقَطَعَ الْحَاجُّ؟ قالَ: رَاقِبي الطّرِيقَ. قالَ: فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا هِيَ بِالْقَوْمِ تَخُبُّ (¬7) بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ (¬8)، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ حَتَّى وَقَفُوا عَلَيْهَا فَقَالُوا: مَالَكِ (¬9)؟ فَقَالَتِ: امْرُؤٌ (¬10) مِنَ الْمُسْلِمِينَ ¬

(¬1) يقطعها. يخبر سيدنا خباب رضي الله عنه عن جهاده وأصحابه في سبيل الله لا ينتظرون إلا ثوابه ولا يودون إلا رضاه، ولا يبتغون إلا إعلاء كلمة الله، وكانوا يستقبلون الموت بصدر رحب استشهاداً: ولن يجدوا لمن مات كفناً، ولكن من أحياه الله جل وعلا أدرك ثمرة الانتصار وجنى زهرة الفوز وذاق لذة النجاح وربح في الدنيا بكثرة خيراتها ووفرة فتوحها؛ وفي الآخرة بالأجر المدخر كما قال تعالى: أ -[وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور (186)] من سورة آل عمران. ب -[وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا (166)] من سورة آل عمران. جمع المسلمين، وجمع المشركين، يريد أن ما كان من غزوة أحد فهو كائن بقضائه ليتميز المؤمنون. جـ -[ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين (129) إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس] من سورة آل عمران. (نداولها) نصرفها بينهم ... فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوماً نسر (¬2) انتظريه. (¬3) تبصرين. (¬4) ما غيرت الأخبار ولفقت في الأقوال. (¬5) عشت صادقاً ما كذبني أحد ما. (¬6) كيف ذلك وقد خلت الطريق من زوار بيت الله وانتهى وقت الحج. (¬7) تسرع. (¬8) طائر يأكل العذرة، وهو من الخبائث، وليس من الصيد: ولهذا لا يجب على المحرم الفدية بقتله، لأنه لا يؤكل أهـ. مصباح. (¬9) ماذا تريدين؟ (¬10) رجل.

تُكَفِّنُوهُ (¬1) وتُؤْجَرُوا فِيهِ؟ قالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قالَتْ: أَبُو ذَرٍّ، فَفَدَوْهُ بِآبَائِهمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ في نُحُورِهَا (¬2) يَبْتَدِرُونَهُ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّكُمُ النَّفَرُ الَّذِينَ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فِيكُمْ مَا قالَ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ الْيَوْمَ حَيْثُ تَرَوْنَ، وَلَوْ أَنَّ لِي ثَوْبَاً مِنْ ثِيَابي يَسَعُ كَفَنِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلاَّ فِيهِ، فَأَنْشُدُكُمْ (¬3) بِاللهِ لا يُكَفِّنُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ كَانَ عَرِيفاً (¬4) أَوْ أَمِيراً (¬5) أَوْ بَرِيداً (¬6) فَكُلُّ الْقَوْمِ قَدْ نَالَ مِنْ ذلِكَ شَيْئاً ¬

(¬1) تحضرون ما يستره بعد موته وتشيعونه. (¬2) أي أقبلوا عليه يسرعون إلى رؤيته. (¬3) أقسم به. (¬4) القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم فعيل بمعنى فاعل، والعرافة عمله أهـ نهاية. (¬5) حاكماً أسند إليه عمل. (¬6) رسول أخبار وساعياً، وفي الحديث "إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد": أي لا أحبس الرسل الواردين علي. قال الزمخشري: البرد جمع بريد أهـ. أي أنا بريء أن يصيبني شيء من ثلاثة: أ - ولي عمل. ب - إداري رأس قوماً وحكم. جـ - واسطة بين قوم يحمل أمانة والأشياء التي معه ليس له فاختار رجلاً من سكان المدينة لم يرأس أسرته؛ ولم يرع عملاً أسند إليه فيصبح راعياً مسؤولاً، ولم يكن رسولاً لأي إنسان. سيدنا أبو ذر لم يجد كفناً ولم يجد أي شيء في بيته. لماذا لأنه صحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول الله تعالى له [فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم (43) وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون (44) واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون؟ (45)] من سورة الزخرف. إن شاهدنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على حق، وكذا أصحابه وقد زهدوا في الدنيا، فالطمع فيها على غير حق وغرور فيجب علينا أن نقتدي بالزاهدين الصابرين ونعمل صالحاً. هذا أبو ذر الذي انتفع بتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم وتغذى بلبان القرآن، وسرح نظرك في سورة الدخان تجد ما حكى الله عن الأغنياء الطغاة والكفرة العصاة وجمعوا آلافاً مؤلفة وقناطير مقنطرة من الذهب والفضة وتركوها للورثة ولم يعد عليهم شيء منه، قال تعالى: [كم تركوا من جنات وعيون (25) وزروع ومقام كريم (26) ونعمة كانوا فيها فاكهين (27) كذلك وأورثناها قوماً آخرين (28) فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين (29) ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين (30) من فرعون إنه كان عالياً من المسرفين (31) ولقد اخترناهم على علم على العالمين (32) وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين (33)] من سورة الدخان. (مقام) محافل مزينة ومنازل حسنة (ونعمة) وتنعم (فاكهين) متنعمين (فما بكت) مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم (منظرين) ممهلين إلى وقت آخر (العذاب) من استعباد فرعون وقتله أبناءهم (عالياً) متكبراً (على علم) عالمين لكثرة الأنبياء فيهم. ثم وصف سبحانه وتعالى حال المتقين الزاهدين المطيعين الله ورسوله المتبعين سنته [إن المتقين في مقام أمين (51) في جنات وعيون (52) يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين (53) كذلك وزوجناهم بحور عين (54) يدعون فيها بكل فاكهة آمنين (55) ولا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم (56) فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم (57) فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون (58) فارتقب إنهم مرتقبون (59)] من سورة الدخان". يأمن الصالحون الزاهدون يوم القيامة المكاره ويخاف المترفون الأغنياء، فالصالحون ملابسهم ما رقّ من الديباج وما غلظ منه (سندس وإستبرق) يتآنسون ويتقابلون في مجالسهم، وهو أتم للأنس والمحبة =

إِلاَّ فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ، وَكَانَ مَعَ الْقَوْمِ قالَ: أَنَا صَاحِبُكَ، ثَوْبَانَ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي وَأَحَدُ ثَوْبَيَّ هذَيْنِ اللَّذِيْنِ عَلَيَّ. قالَ: أَنْتَ صَاحِبِي. رواه أحمد، واللفظ له، ورجالُه رجال الصحيح، والبزار بنحوه باختصار. [العيبة] بفتح العين المهملة وإسكان المثناة تحت بعدها موحدة: هي ما يجعل المسافر فيها ثيابه. 162 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ: إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ قَدْ رَبَطُوا في أَعْنَاقِهِمْ، مِنْها مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ. رواه البخاريّ والحاكم مختصراً، وقال: صحيح على شرطهما. 163 - وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: اسْتَكْسَيْتُ (¬1) رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَكَسَانِي خَيْشَيْنِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا أَكْسَى (¬2) أَصْحَابي. رواه أبو داود من رواية إسماعيل بن عياش. [الخيشة] بفتح الخاء المعجمة وإسكان المثناة تحت بعدهما شين معجمة: هو ثوب يتخذ من مشاقة الكتاب يغزل غليظاً وينسج رقيقاً. 164 - وَعَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ قَالَ: عَادَ خَبَّاباً نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالُوا: أَبْشِرْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ تَرِدُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم الْحوْضَ فَقَالَ: كَيْفَ بِهذَا؟ وَأَشَارَ إِلى أَعْلَى الْبَيْتِ وأَسْفَلِهِ، وَقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه ¬

= وقرناهم بأزواج حسناء حوراء: أي شديدة سواد العين والشديدة بياضها، وهو غاية في الرونق والنضارة، تمر عليهم أصناف الفواكه الشهية الهنية الشيقة، أمنوا زوالها وانقطاعها والموت إذ ذاقوا الموت في الدنيا، ولا عذاب فصرف العذاب عنهم، ودخول الجنة نجاح وفوز (فارتقب) أي انتظر يا محمد ما يحل بالطغاة الكفرة والفسقة. هنيئاً لك يا أبا ذر تلك عاقبة صبرك وزهدك وحبك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لم تطمع في الدنيا ولم تطمع في مال وتوصي بإبعاد ثلاثة: أ - رئيس الجماعة. ب - حاكم ظالم راع. جـ - محمل أمانة ليست ملكه. واخترت صالحاً خالصاً ماله من حلال. (¬1) طلبت منه كسوة وملابس. (¬2) أكثر أصحابي كسوة.

وسلم إِنَّما يَكْفِي أَحَدَكُمْ كَزَادِ الرَّاكِبِ. رواه أبو يَعْلَى والطبراني بإسناد جيد. 165 - وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ قالَ: جَاءَ مُعَاوِيَةُ إِلى أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ وَهُوَ مَرِيضٌ يَعُودُهُ (¬1) فَوَجَدَهُ يَبْكِي، فَقَالَ: يَا خَالُ مَا يُبْكِيكَ، أَوَجِعٌ يُشْئِزُكَ أَمْ حِرْصٌ عَلَى الدُّنْيَا؟ قالَ: كَلاَّ، وَلكِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَهِدَ إِلَيْنَا عَهْداً لَمْ نَأْخُذْ بِهِ، قالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّمَا يَكْفِي مِنْ جَمْعِ الْمَالِ خَادِمٌ (¬2) وَمرْكَبٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَجِدُنِي الْيَوْمَ قَدْ جَمَعْتُ. رواه الترمذي والنسائي، ورواه ابن ماجة عن أبي وائل عن سمرة بن سهم عن رجل من قومه لم يسمّه، قال: نَزَلْتُ على أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ فَجَاءَهُ مُعَاويَةُ، فذكر الحديث بنحوه. ورواه ابن حبان في صحيحه عن سمرة بن سهم قال: نَزَلْتُ علَى أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ وَهُوَ مَطْعُونٌ (¬3)، فَأَتَاهُ مُعَاوِيةُ فذكر الحديث. وذكره رزين، فزاد فيه: فَلَمَّا مَاتَ حُصِرَ مَا خَلَّفَ (¬4) فَبَلغَ ثَلاثِينَ دِرْهَماً وَحُسِبَتْ فِيهِ الْقَصْعَةُ الَّتِي كَانَ يَعْجِنُ فِيهَا وَفِيهَا يَأْكُلُ. [يُشئزك] بشين معجمة ثم همزة مكسورة وزاي: أي يقلقك، وزنه ومعناه. 166 - وَعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ سَلْمَانَ الْخَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ عَرَفُوا مِنْهُ بَعْضَ الْجَزَعِ، فَقَالُوا: مَا يُجْزِعُكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ وَقدْ كانَتْ لَكَ سَابِقَةٌ فِي الْخَيْرِ، شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَغَازِيَ حَسَنَةً وَفُتُوحاً عِظَاماً. قالَ: يُجْزِعُنِي أَنَّ حَبِيبَنَا صلى اللهُ عليه وسَلَّم حِينَ فَارَقَنَا عَهِدَ إِلَيْنَا، قالَ لِيَكْفِ الْمَرْءَ مِنكمْ (¬5) كَزَادِ الرَّاكِب، فهذَا الَّذِي أَجْزَعَنِي (¬6)، فَجُمِعَ مَالُ سَلْمَانَ فَكَانَ قِيمَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمَاً. رواه ابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) يزوره في مرضه. (¬2) أي يكفي وجود خادم ومركب يساعد على نصر دين الله. (¬3) أصابه مرض الطاعون. (¬4) عد ما ترك. (¬5) ليكفي مثل زاد الراكب المرء. (¬6) خوفني. =

167 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ بُدَيْمَةَ قالَ: بِيعَ مَتَاعُ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ ¬

_ = خلاصة نتائج الزهد في الدنيا وثمرات التقلل منها كما قال صلى الله عليه وسلم: 1 - يسبب الزهد حب الله. 2 - يجلب الراحة التامة والنعمة العامة. (يريح القلب). 3 - يجلب له الخير ويدفع عنه الضير. 4 - يدخل الجنة (أبحتهم). 5 - الزهد زينة المتقين وحلية الفضلاء العاملين (تزين الأبرار). 6 - يدل على تقدم الأمة وعنوان رقيها وبزوغ شمسها (صلاح أول هذه الأمة). 7 - الإقبال على الدنيا دمار وخراب (أخذ حقه). 8 - يتجنب العاقل زخارف الدنيا (اتقوا الدنيا). 9 - التمتع بزينة الدنيا يحرمه من نعيم الآخرة (قضى نهمته). 10 - كثرة الترف والتزود بنعيمها نقص درجات عند الله (لا يصيب عبد). 11 - أخذ القليل منها دليل الحكمة ومنبع السعادة (ما سد جوعتك). 12 - يقتدي الزاهد بخير الخلق صلى الله عليه وسلم وصاحبيه (لتسألن عن هذا). 13_ يأخذ من الدنيا حقه (بيت يكنه). 14 - يبعد من حساب الله يوم القيامة على نعمه (ما فوق الإزار). 15 - يوصل إلى الدرجات العالية المجاورة لمكان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم (اللحوق بي). 16_ يشبه الزاهد في الأخلاق سيدنا سلمان (إجانة وجفنة ومطهرة). 17 - يعود الكرم فينفق الزاهد طمعاً في اليسر والرخاء وانتظار فرج الله وسعة رزقه (ملكان). 18 - الزاهد مقبل على ربه بورعه (هلموا إلى ربكم). 19 - الزاهد له الجنة (طوبى). 20 - يفوز بدعوة مستجابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخل في زمرة آله (اللهم اجعل). 21 - يشيعه عمله فقط (يتبع الميت). 22 - خليله عمله فقط. 23 - يأخذ كفايته وينبذ ما لا ينفعه (مالي مالي). 24 - يختار أطيب الرائحة ويلفظ النتن القذر (جدي رأسك). 25 - ينظر الزاهد إلى الدنيا نظرة احتقار وكراهة كما ينظر الله إليها (جناح بعوضة). 26 - يبتعد الزاهد عن شيء لعنه الله (ملعونة الدنيا). 27 - يتجنب العثور والانكباب والسقوط على وجه لحرصه على الدينار وتحمل الذل لأجل الجنيه (تعس وانتكس) أي عاود المرض كما بدأ به، وهو دعاء بالخيبة، وإذا شيك أصابته شوكة لا قدرة على إخراجها بالمنقاش، وهو معنى قوله فلا انتقش، يقال نقشت الشوكة أخرجتها بالمنقاش، وإن كان في الحراسة: أي يكون في مقدم الجيش خشية هجوم العدو، الساقة مؤخر الجيش. 28 - يكره الزاهد الدنيا ويحب الآخرة (أضر). 29 - يسعى إلى إدراك النعيم الباقي الحلو اللذيذ فيقبل على الأعمال الصعبة الصالحة بصدر منشرح وثغر باسم (حلاوة الدنيا مرة الآخرة). 30 - الزاهد يقظ منتبه لمصلحته (وهم في غفلة). 31 - الطماع في الدنيا مضيع آداب دينه أشد من الذئب الضاري (بأفسد لها). =

عَشَرَ دِرْهَمَاً. رواه الطبراني، وإسناده جيد إلا أن عليّاً لم يدرك سلمان. ¬

_ = 32 - جامع المال في فتنة تلعب به الدنيا لعب الكرة "الدنيا دار". 33 - طالب الدنيا لا يساعده الله، محروم من معانته، والزاهد فيها منصور موفق مساعد، والله في عونه "من انقطع إلى الله". 34 - طالب الدنيا غضبان يعلن الحرب على ربه ساخط على قضائه "من أصبح حزيناً". 35 - مهما أعطى الشره الطماع يتمثل الفقر والجوع بين عينيه "ثلاث لا يغل عليهن". 36 - أهل الدنيا في شقاق وتنافس وقتال وعداوة "ما الفقر أخشى عليكم". 37 - يموت طالب الدنيا فيتحسر على عدم وجود ثمرته يوم القيامة "كأنه بذج". 38 - ما جمعه طالب الدنيا يتمثل يوم القيامة عدواً ألد "ليس عدوك". 39 - طالب الدنيا ألعوبة الشيطان ومصيدة له يقع في شرك الردى "لن يسلم مني". 40 - يدخل الزاهد الجنة مع السابقين الفائزين "اطلعت". 41 - طلاب الدنيا في مصائب وشقاق وكدر وهموم "لا تفتح الدنيا". 42 - أهل اليسار والغنى في فتن "فالفتنة الثراء". 43 - أهل الفقر خفاف صحفهم بيضاء "إن الأكثرين هم الأقلون". 44 - تقرب صفات الفقير من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل عني" صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله تاريخ ناصع البياض وسيرتك طاهرة نقية ذكية، ولقد صبرت في الحياة كما قال الله تعالى لك [واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين] ولقد علمتنا يا رسول الله الزهد كالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ودعوتنا إلى صالح الأعمال لتبقى في صحائفنا: وزهدتنا في الدنيا وأخبرتنا أن فرعون وقومه جمعوا الدنيا وتركوها ومالهم في النار كما قال تعالى [فأخرجناهم من جنات وعيون (57) وكنوز ومقام كريم (58) كذلك وأورثناها بني إسرائيل (59) فأتبعوهم مشرقين (60) فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون (61) قال كلا إن معي ربي سيهابن (62) فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر. فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم (63) وأزلفنا ثم الآخرين (64) وأنجينا موسى ومن معه أجمعين (65) ثم أغرقنا الآخرين (66) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين (67) وإن ربك لهو العزيز الرحيم (68)] من سورة الشعراء. عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله وأصحابه أي في كيفية معيشتهم في أيام حياتهم وبيان كيفية معيشته عليه الصلاة والسلام في أيام حياته إلى أن التحق بالرفيق الأعلى. 1 - لم يشبع صلى الله عليه وسلم من طعام "تباعاً". 2 - طعامه الخبز والحنطة يظل طوال الليالي جائعاً وأهله "طاوين". 3 - أدمه الزيت. 4 - اختار صلى الله عليه وسلم أن يجوع يوماً ويشبع آخر ولم يختر كثرة الذهب "بطحاء مكة ذهباً". 5 - يحب الفقر وكذا من يحبه "تجفافاً". 6 - يتواضع في أكله ويتقشف، وليس له خوان. 7 - خبزه خشن غير مرقق. 8 - يكتفي بضوء الله في بيته "ما يسرج ولا يوقد في بيته نار". 9 - يربط بطنه بحجرين من شدة الجوع "حديث أبي طلحة". =

[قال الحافظ]: ولو بسطنا الكلام على سيرة السلف وزهدهم لكَان من ذلك مجلدات ¬

_ = 10 - معاملة حسنة متواضعة "لا بل عبداً"ز 11 - استعداده وزاده في الحياة مثل زاد المسافر "كراكب استظل". 12 - يجلس على حصير تؤثر في جنبه، وأثاث بيته مخدة ليف من أدم "فراشي وسريري عاقبته إلى الجنة". 13 - يرقع ثوبه ويخصف نعله، وفي بيته في مهنة أهله "احتذى المخصوف". 14 - يسافر معه سفرة وسقاء فقط فلم يجد إلا نطاق السيدة أسماء "فشقيه باثنين". 15 - توفي صلى الله عليه وسلم ولم يترك شيئاً إلا مركباً وسلاحاً "بغلته البيضاء". 16 - إذا احتاج إلى شيء أخذه من جاره اليهودي "يستسلف". 17 - توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة. 18 - قدم إلى صديقه أبي بكر رضي الله عنه شراباً حلواً فأبى أن يشربه وبكى فانتحب، وكذا سيدنا عمر "أخاف أن تكون حسناتنا عجلت لنا". 19 - يرقع سيدنا عمر ثوبه "برقاع ثلاث لبد". 20 - كرى سيدنا علي رضي الله عنه نفسه "يا أعرابي هل لك في دلو بتمرة". 21 - ليس في بيت فاطمة شيء "أين ابناي الحسن والحسين". 22 - عرس فاطمة رضي الله عنها كان على تمر وزيت، ومخدتها ليف من جلد ونبات وقربة وخميل. 23 - يفرح سيدنا سهل بن سعد وأصحابه أن يضيفوا امرأة على أكلة سلق. 24 - أبو هريرة رضي الله عنه يستقرئ الناس في الطريق ليطعموه من شدة الجوع (فسألته عن آية). 25 - ينظر إلى أهل الصفة من شدة الجوع كأنهم مجانين (فيضع رجله على عنقي). 26 - سيدنا عبد الله بن شقيق روى شدة جوعه (ما يجد طعاماً يقيم به صلبه). 27 - سيدنا أبو عبيدة وجند يقابلون تجارة كفار قريش ويصدونهم وزادهم التمر (يعطينا تمرة تمرة غصها). 28 - لا يجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً (فيأخذ الجلدة فيشويها). 29 - سيدنا سعد بن أبي وقاص يحارب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وطعامهم ورق الشجر (الحبلة والسمر). 30 - سيدنا خباب بن الأرت يروي الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم نجد ما نكفنه إلا بردة). 31 - سيدنا أبو ذر بالربذة ولم يجدوا ما يكفنه وقال لامرأته (فراقبي الطريق). 32 - سبعون من أهل الصفة يلبسون ما يستر العورة فقط (إزار أو كساء). 33 - سيدنا عتبة بن عبد السلمى طلب كسوة من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (خيشتين) 34 - كل آمال الصاحب رضي الله عنه أن يحظى بخادم ومركب ويعد نفسه من السعداء الأغنياء (يشئزك). 35 - سيدنا هاشم بن عتبة يبكي من شدة الخوف من الله تعالى ومع هذا وجدوا عنده ثلاثين درهماً. 36 - سيدنا سليمان يرتدع فؤاده من حساب الله جل وعلا مع أنه جاهد في الله حق جهاده وعد ماله خمسة عشر درهماً، هذه أخبار الثقات الرواة عن رسول الله وأصحاب رسول الله. أرأيت لو جمعنا الله يوم القيامة في صعيد واحد من لدن آدم إلى فناء الدنيا، ماذا في صحيفة هؤلاء الزاهدين وأين هم وملوك العالم من البذخ والنعيم؟. اقرأ التاريخ وتزود بمعلومات صحيحة عن آثار الأمم التي دالت، والأمم الحالية هل تجد مثل أعمال سيدنا رسول الله وأصحابه، ثم اقرأ قوله تعالى في سورة النساء (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً (40) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً (42)] من سورة النساء. قال البيضاوي: لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصغر شيء كالذرة وهي النملة الصغيرة. وإن يكن. =

لكنه ليس من شرط كتابنا، وإنما أملينا هذه النبذة استطراداً تبركاً بذكرهم ونموذجاً لما تركنا من سيرهم، والله الموفق من أراد، لا ربّ غيره. ¬

_ = مثقال الذرة حسنة يضاعف ثوابها وعطي صاحبها من عنده على سبيل التفضل زائداً على ما وعد في مقابلة العمل عطاء جزيلاً، فكيف حال هؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى وغيرهم (بشهيد) يعني نبيهم يشهد على فساد عقائدهم وقبح أعمالهم، وجئنا بك يا محمد تشهد على صدق هؤلاء الشهداء لعلمك بعقائدهم واستجماع شرعك مجامع قواعدهم. يود الكفرة والعصاة أن يدفنوا فتسوى بهم الأرض كالموتى، أو لم يبعثوا أولم يخلقوا وكانوا هم والأرض سواء لا يقدرون على كتمان العصيان، لأن جوارحهم تشهد عليهم أهـ. الله أكبر عروس القيامة يسطع نوره شاهداً وشفيعاً. لماذا؟ لزهده في الدنيا وطاعة ربه فبلغ الرسالة وأدى الأمانة وأخلص لربه، ويعجبني قول النسفي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ سورة النساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ قوله [وجئنا بك على هؤلاء شهيداً] فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال حسبنا أهـ، نعم حسبه. وفقنا الله للعمل بكتاب الله وسنته إنه قدير. وفي بيان الزهد وآدابه حديث عمر رضي الله عنه رواية الترمذي وابن ماجة قال لما نزل قوله تعالى [والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم] قال صلى الله عليه وسلم تباً للدنيا تباً للدينار والدرهم فقلنا يا رسول الله نهانا الله عن كنز الذهب والفضة؛ فأي شيء ندخر؟ فقال صلى الله عليه وسلم ليتخذ أحدكم لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً وزوجة صالحة تعينه على أمر آخرته. ويبين الغزالي درجات الزهد: (1) وهي السفلى أن يزهد في الدنيا وهو لها مشته وقلبه إليها مائل ونفسه إليها ملتفتة، ولكنه يجاهدها ويكفها. (2) الذي يترك الدنيا طوعاً لاستحقاره إياها بالإضافة إلى ما طمع فيه. (3) العليا أن يزهد طوعاً ويزهد في زهده. وأما انقسام الزهد بالإضافة إلى المرغوب فيه: (1) السفلى أن يكون المرغوب فيه النجاة من النار، ومن سائر الآلام كعذاب القبر ومناقشة الحساب. (2) أن يزهد رغبة في ثواب الله ونعيمه واللذات الموعود بها في جنته من الحور والقصور. (3) العليا أن لا يكون له رغبة إلا في الله؛ وفي لقائه فلا يلتفت قلبه إلى الآلام ليقصد الخلاص منها ولا إلى اللذات ليقصد نيلها والظفر بها، بل هو مستغرق الهم بالله تعالى، وهو الذي أصبح وهمومه هم واحد، وهو الموحد الحقيقي الذي لا يطلب غير الله تعالى، لأن من طلب غير الله فقد عبده، وكل مطلوب معبود وكل طالب عبد بالإضافة إلى مطلبه، وطلب غير الله من الشرك الخفي، وهذا زهد المحبين وهم العارفون لأنه لا يحب الله تعالى خاصة إلا من عرفه. وأما انقسامه بالإضافة إلى المرغوب عنه: (1) كل ما سوى الله فينبغي أن يزهد فيه حتى يزهد في نفسه. (2) أن يزهد في كل صفة للنفس فيها متعة. (3) أن يزهد في المال والجاه كما قال تعالى: أ -[زين للناس حب الشهوات] من سورة آل عمران. ب -[إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة] من سورة الحديد. جـ -[ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى (41)] من سورة النازعات. والهوى حظوظ النفس. د -[قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل] من سورة النساء. الزاهدون المحبون لله تعالى فقاتلوا في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص، وانتظروا إحدى الحسنيين، وكانوا إذا دعوا إلى القتال يستنشقون رائحة الجنة ويبادرون إليه مبادرة الظمآن للماء البارد، حرصاً على نصرة دين الله أو نيل رتبة الشهادة، وكان من مات منهم على فراشه يتحسر على فوت الشهادة حتى إن خالد بن الوليد رضي الله عنه لما احتضر الموت على فراشه كان يقول: كم غزوت بروحي وهجمت على الصفوف طمعاً في الشهادة، وأنا =

الترغيب في البكاء من خشية الله تعالى

الترغيب في البكاء من خشية الله تعالى 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: سَبْعَةٌ يُظِلهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا في اللهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ ذَكَرَ اللهَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ (¬1) مِنْ خَشْيَةِ اللهِ حَتَّى يُصِيبَ الأَرْضَ مِنْ دُمُوعِهِ لَمْ يُعَذَّبْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. 3 - وَعَنْ أَبي رَيْحَانَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْن دَمَعتْ أَوْ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ في سَبِيلِ اللهِ، وَذَكَرَ عَيْناً ثَالِثَةً. رواه أحمد واللفظ له والنسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ¬

= الآن أموت موت العجائز، فلما مات عد على جسده ثمانمائة ثقب من آثار الجراحات، هكذا كان حال الصادقين في الإيمان رضي الله عنهم أجمعين، وأما المنافقون ففروا من الزحف خوفاً من الموت فقيل لهم إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم [أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين] وأما المخلصون فإن الله تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة. وفي تفصيل الزهد فيما هو من ضروريات الحياة: (1) المطعم من قوت حلال يقيم صلبه. (2) أن يدخر لشهر أو أربعين يوماً. (3) أن يدخر لسنة فقط، وهذه رتبة ضعفاء الزهد. (4) أثاث البيت. كان سيدنا عيسى يصحبه مشط وكوز فرأى إنساناً يمشط لحيته بأصابعه فرمى بالمشط ورأى آخر يشرب من النهر بكفيه فرمى بالكوز. ولينظر إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة. رضوان الله عليهم أجمعين. (5) المنكح. (6) الوسيلة إلى هذه الخمسة المال والجاه. وفي بيان علامات الزهد: أ - أن لا يفرح بموجود ولا يحزن على مفقود كما قال تعالى [لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم] ب - أن يستوي عنده ذامه ومادحه. جـ - أن يكون أنسه بالله تعالى والغالب على قلبه حلاوة الطاعة أهـ من إحياء علوم الدين للغزالي ص 209 جـ 4. زهدت يا رسول الله في الحياة فضربت في جمع نواحيها بسهم صائب وكنت لنا قدوة حسنة، وقد فاز من اتبع وردك الشهي وجنى ثمرك الجني. (¬1) بكى على تقصيره في حقوق الله خوفاً من عقابه.

4 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: عَيْنَان لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ (¬1) في سَبِيلِ اللهِ. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: حُرِّمَ عَلَى عَيْنَيْنِ أَنْ تَنَالَهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بكتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ الإِسْلاَم وَأَهْلَهُ مِنَ الْكُفْر. رواه الحاكم، وفي سنده انقطاع. 6 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم. لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ، وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ (¬2) في سَبِيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد. [لا يلج] أي لا يدخل. 7 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ [أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ (¬3) تَعْجَبُونَ (¬4) وَتَضْحَكُونَ (¬5) وَلاَ تَبْكُونَ (¬6)] بَكَى أَصْحَابُ الصُّفَّةِ حَتَّى جَرَتْ دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم حِسَّهُمْ بَكَى مَعهُمْ فَبَكَيْنَا بِبُكَائِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ يَلِجُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَلاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُصِرٌّ (¬7) عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ. رواه البيهقي. 8 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَاتَتْ تَكْلأُ (¬8) في سَبِيلِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ. ¬

(¬1) ظلت طوال ليلها يقظة ساهرة ترقب جيوش الأعداء على كثب وتحفظ مكامن جيوشها. (¬2) ذرات. معناه من جاهد في سبيل الله وحضر المعارك وجاهد لا يشم دخان النار أبداً. (¬3) القرآن. (¬4) إنكاراً. (¬5) استهزاء. (¬6) تحزناً على ما فرطتم (وأنتم سامدون) أي لاهون أو مستكبرون أو غافلون لاعبون. قال النسفي: وكانوا إذا سمعوا القرآن عارضوه بالغناء ليشغلوا الناس عن استماعه (فاسجدوا لله واعبدوا) ولا تعبدوا الآلهة. (¬7) عازم على الاستمرار فيما يغضب الله ولم يتب حتى مات. (¬8) ترعى.

رواه أبو يعلى ورواته ثقات والطبراني في الأوسط إلا أنه قال: عَيْنَانِ لاَ تَرَيَانِ النَّارَ. 9 - وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ بِمَ أَتَّقِي النَّارَ؟ قالَ بِدُمُوعِ عَيْنَيْكَ: فَإِنَّ عَيْناً بَكَتْ منْ خَشْيَةِ اللهِ لاَ تَمَسُّهَا النَّارُ أَبداً. رواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني. ثلاثة لا ترى عينهم النار 10 - وَعَنْ مُعَاوِيَة بْنِ حَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ثَلاَثَةٌ لاَ تَرَى أَعْيُنُهُمُ النَّارَ: عَيْنٌ حَرَسَتْ في سَبِيلِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ كَفَّتْ (¬1) عَنْ مَحَارِمِ اللهِ. رواه الطبراني، ورواته ثقات إلا أن أبا حبيب المنقري لا يحضرني الآن حاله. 11 - وَعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: عَيْنَان لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ في جَوْفِ اللَّيْلِ (¬2) مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ في سَبِيلِ اللهِ. رواه الطبراني من رواية عثمان عن عطاء الخراساني، وقد وثق. 12 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ (¬3) يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ عَيْنٌ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ، وَعَيْنٌ سَهِرَتْ في سَبِيلِ اللهِ، وَعَيْنٌ خَرَجَ مِنْهَا مِثْلُ رَأْسِ الذُّبَابِ (¬4) مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. رواه الأصبهاني. 13 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

(¬1) امتنعت عن النظر فيما يجلب سخط الله كما قال تعالى: أ -[قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم] من سورة النور. ب -[وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن] من سورة النور. (¬2) صاحبها استيقظ والنار نيام فتذكر الوقوف بين يدي الله جل وعلا وأنه شديد الحساب كثير العقاب. (¬3) أي من شدة الأهوال كما قال تعالى [قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة] وينجي الله ثلاثة: أ - عين لا تنظر إلى المعاصي. ب - الساهرة في ليالي الجهاد. جـ - التي كانت تبكي خوفاً وفزعاً من يوم القيامة: ومن العرض على ذي الجلال والإكرام فتسمى في حياتها لكسب الأعمال الصالحة. (¬4) أي دمعت العين قليلاً.

مَا مِنْ مُؤْمِن يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ دُمُوعٌ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ رَأْسِ الذُّبَابِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، ثُمَّ تُصِبُ شَيْئاً مِنْ حَرِّ وَجْهِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ. رواه ابن ماجة والبيهقي والأصبهاني، وإسناد ابن ماجة مقارب. 14 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: لَيْسَ شَيءٌ أَحَبُّ إِلى اللهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ: قَطْرَةُ دُمُوعٍ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهْرَاقُ (¬1) فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَمَّا الأَثَرَانِ فَأَثَرٌ في سَبِيلِ اللهِ (¬2)، وَأَثَرٌ في فَرِيضَةٍ (¬3) مِنْ فَرَائِضِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن. 15 - وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا اغْرَوْرَقَتْ عَيْنٌ بِمَائِهَا إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ سَائِرَ ذَلِكَ الْجَسَدِ عَلَى النَّارِ، وَلاَ سَالَتْ قَطْرَةٌ عَلَى خَدِّهَا فَيْرْهَقَ (¬4) ذلِكَ الْوَجْهَ قَتَرٌ (¬5) وَلاَ ذِلَّةٌ، وَلَوْ أَنّ بَاكِياً بَكَى في أُمَّةٍ مِنْ الأُمَمِ رُحِمُوا وَمَا مِنْ شَيءٍ إِلاّ لَهُ مِقْدَارٌ وَمِيزانٌ إِلاَّ الدَّمْعَةَ، فَإِنَّهُ تُطْفَأُ بِهَا بِحَارٌ مِنْ نَارٍ (¬6). رواه البيهقي هكذا مرسلاً، وفيه راوٍ لم يسمّ، وروى عن الحسن البصري، وأبي عمران الجونيّ، وخالد بن معدان غير مرفوع وهو أشبه. 16 - وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قالَ: جَلَسْنَا إِلى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في الْحِجْرِ فَقَالَ: ابْكُوا (¬7)، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا بُكاءً فَتَبَاكَوْا، لَوْ تَعْلَمُوا الْعِلْم (¬8) لَصَلَّى أَحَدُكُمْ حَتَّى يَنْكَسِر ظَهْرُهُ، وَلَبَكَى حَتَّى يَنْقَطِعَ صَوْتُهُ. رواه الحاكم مرفوعاً وقال: صحيح على شرطيهما. ¬

(¬1) تراق وتسيل في ميدان الحرب لنصر دينه والذب عنه والدفاع عن بيضة الإسلام وقتال الكفار الأعداء. (¬2) جهاد وعمل صالح مخلد باق حباً في ثواب الله. (¬3) أي علامات مشيه في الأرض لأداء الصلاة جماعة في مسجد كما قال تعالى [ونكتب ما قدموا وآثارهم] ففيه الترغيب في كثرة الخطأ إلى الصلاة. (¬4) يغطيه بشدة. (¬5) دخان صاعد ساطع من الشواء والعدو كما قال تعالى [ترهقها فترة] نحو غبرة شبه دخان يغشى الوجه من الكذب ويسلم منه الباكي في حياته على تقصيره نحو ربه فيجد في نيل الصالحات ويطيع الله جل جلاله. (¬6) قد تكون الدمعة الواحدة سبب إطفاء بحار من نار. (¬7) تندموا واملؤوا قلوبكم خشية منه جل وعلا وخوفاً من حساب الآخرة، وكلفوا أنفسكم البكاء قسراً وكراهة وكرهاً. (¬8) شدة عذاب يوم القيامة لأكثر من الصلاة ولخشع وتأنى وبكى بنحيب وتأثر وخشع.

17 - وَعَنْ مُطَرَّفٍ عَنْ أَبِيهِ قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يُصَلِّي وَلِصَدْرِهِ أَزِيرٌ كَأَزِيزِ الرَّحَا مِنَ الْبُكَاءِ. رواه أبو داود واللفظ له، والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وقال بعضهم: وَلِجَوْفِهِ أَزِيرٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ. [قوله: أَزيز كأزيز الرحا]: أي صوت كصوت الرحا، يقال: أَزَّت الرحا إذا صوّتت، والمرجل: القدر، ومعناه أن لجوفه حنيناً كصوت غليان القدر إذا اشتد. 18 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَا كَانَ فِينَا فارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلاَّ نَائِمٌ إِلاَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم تَحْتَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي وَيَبْكِي حَتى أَصْبَحَ. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 19 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَاجى مُوسى عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ كَلِمَةٍ في ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَ فِيمَا نَاجَاهُ بِهِ أَنْ قالَ: يَا مُوسى: إِنّهُ لَمْ يَتَصَنَّعْ إِلَيَّ الْمُتَصَنِّعُونَ (¬1) بِمِثْلِ الزُّهْدِ في الدُّنْيَا، وَلَمْ يَتَقَرَّبْ إِلَيَّ الْمُتَقَرِّبُونَ بِمِثْلِ الْوَرَعِ عَمَّا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَتَعَبَّدْ إِلَيَّ الْمُتَعَبِّدُونَ بِمِثْلِ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَتِي، فذكر الحديث إلى أن قال: وَأَمَّا الْبَكَّاؤُونَ مِنْ خَشْيَتِي فَأُولَئِكَ لَهُمُ الرَّفِيقُ الأَعْلَى لاَ يُشَارَكُونَ فِيهِ. رواه الطبراني والأصبهاني، وتقدم بتمامه. 20 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ؟ قالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ (¬2)، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ. رواه الترمذي وابن أبي الدنيا والبيهقي، كلهم من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيدَ عن القاسم عنه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. 21 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: طُوبَى ¬

(¬1) المتكلفون الطالبون رضاي. (¬2) احفظ لسانك من كل سب وشتم وغيبة ونميمة وأذى.

لِمَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ، وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ، وَبَكَى عَلَى خَطِيتِهِ. رواه الطبراني في الأوسط والصغير وحسّن إسناده. 22 - وَعَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، فَبَكَى رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: لَوْ شَهِدَكُمُ الْيَوْمَ كُلُّ مُؤْمِنٍ عَلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي لَغُفِرَ لَهُمْ بِبُكَاءِ هذَا الرَّجُلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلائِكَةَ تَبْكِي وَتَدْعُو لَهُ، وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ شَفِّعِ الْبَكَّائِينَ فِيمَنْ لَمْ يَبْكِ. رواه البيهقي وقال: هكذا جاءَ هذا الحديث مرسَلاً. 23 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى اللهُ عليه وسلم هذه الآية: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ (¬1) وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ] تَلاَهَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى أَصْحَابِهِ فَخَرَّ فَتَىً مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَوَضَعَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم يَدَهُ عَلَى فُؤَادِهِ، فَإِذَا هُوَ يَتَحَرَّكُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَا فَتَى قُلْ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، فَقَالَهَا فَبَشَّرَهُ بالْجَنَّةِ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمِنْ بَيْنِنَا؟ فَقَالَ: أَوَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَهُ تَعَالى: [ذَلِك لِمَنْ خَافَ مَقَامِي (¬2) وَخَافَ وَعِيدِ (¬3)]. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد كذا قال. 24 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: تَلاَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم هذِهِ الآيَةَ: [وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ] فَقَالَ: أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ وأَلْفُ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ وَأَلْفُ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لاَ يُطْفَأُ لَهِيْبُهَا قالَ: وَبَيْن يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم رَجُلٌ أَسْوَدُ فَهَتَفَ بِالْبُكَاءِ (¬4) فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ ¬

(¬1) يترك المعاصي بالنصح والتأديب [عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (6)] من سورة التحريم. (غلاظ) الأقوال (شداد) الأفعال. (¬2) موقفي؛ الذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة، أو قيامي عليه وحفظي لأعماله. (¬3) وعيدي بالعذاب، أو عذابي الموعود للكفار. (¬4) أكثر البكاء من خشية الله.

عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ: مَنْ هذَا الْبَاكِي بَيْنَ يَدِيْكَ؟ قالَ: رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ (¬1) مَعْرُوفاً، قالَ: فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي وَارْتِفَاعِي فَوْقَ عَرْشِي لاَ تَبْكِي عَيْنُ عَبْدٍ في الدُّنْيَا مِنْ مَخَافَتِي إِلاَّ أَكْثَرْتُ ضَحِكَهَا في الْجَنَّةِ (¬2)، رواه البيهقي والأصبهاني. إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه 25 - وَرُوِيَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا اقْشَعَرَّ (¬3) جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تَحَاتَّتْ (¬4) عَنْهُ ذُنُوبُهُ كما يَتَحاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ (¬5) وَرَقُهَا. رواه أبو الشيخ ابن حبان في الثواب والبيهقي واللفظ له. 26 - وفي رواية له قال: كُنَّا جُلُوساً مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم تَحْتَ شَجَرَةٍ فَهَاجَتِ الرِّيْحُ (¬6)، فَوَقَعَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ وَرَقٍ نَخِرٍ (¬7) وَبَقِيَ مَا كَانَ مِنْ وَرَقٍ أَخْضَرَ ¬

(¬1) مدحه. (¬2) أدخلت عليه السرور في الجنة والنعيم. (¬3) أصابته رعدة وقشعريرة. (¬4) تناثرت وبعدت. (¬5) الجافة. (¬6) اضطربت وتحركت. (¬7) بلي وتفتت. الثمرات التي يجنيها من يبكي من خوف الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم أولاً: يظله الله في ظله (أحد السبعة). ثانياً: يكون في مأمن ومنجى ترفرف عليه شارة الاطمئنان والفوز والأمن (لم يعذب). ثالثاً: هو محصن من النار (حرمت عليه). رابعاً: لا يرى لهب النار ولا يخوف بها. خامساً: يدرك محاسن الجنة وتقر العين بمناظرها الجميلة (كل عين باكية). سادساً: يحبه الله تعالى. سابعاً: يعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (يصلي ولصدره أزيز). ثامناً: يعد من العباد الزهاد المخلصين لله (المتعبدين). تاسعاً: يزيل الذنوب ويفرطها ويبعدها (وابك على خطيئتك). عاشراً: له مكان في الجنة معد له (طوبى). الحادي عشر: يكون الباكي شفيعاً موجوداً ذا أمل عند الله (اللهم شفع البكائين). الثاني عشر: يكون البكاء سبب قبول التوبة جالبة المغفرة (فبشره بالجنة). الثالث عشر: يرفع الله به الدرجات ويكثر من الحسنات. صفات الأبرار الخوف من الله تعالى والبكاء كما قال الله تعالى: أ - قال تعالى: [والذين يصدقون بيوم الدين (26) والذين هم من خشية ربهم مشفقون (27) إن عذاب ربهم غير مأمون (28)] من سورة المعارج. =

الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل والمبادرة بالعمل وفضل طول العمر لمن حسن عمله والنهي عن تمني الموت

فقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا مَثَلُ هذِهِ الشَّجَرَةِ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ إِذَا اقْشَعَرَّ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَعَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ، وَبَقِيَتْ لَهُ حَسَنَاتُهُ. الترغيب في ذكر الموت وقصر الأمل والمبادرة بالعمل، وفضل طول العمر لمن حسن عمله، والنهي عن تمني الموت 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

_ = ب - وقال تعالى: [قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2)] من سورة المؤمنون. جـ -[أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين (55) نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (56) إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون (57) والذين هم بآيات ربهم يؤمنون (58) والذين هم بربهم لا يشركون (59) والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون (60) أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون (61)] من سورة المؤمنون أيضاً. د - وقال تعالى بعد ذكر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام [إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين (90)] من سورة الأنبياء. هـ - وقال تعالى [إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (13) أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء ما كانوا يعملون (14)] من سورة الأحقاف. و- وقال تعالى [إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور (28) إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور (29) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور (30)] من سورة فاطر. قال الغزلي: فأخوف الناس لربه أعرفهم بنفسه وبربه، ولذا قال صلى الله عليه وسلم. إني لأخشاكم لله وأتقاكم له. والخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال. والخوف لا يتحقق إلا بانتظار مكروه كالنار أو يفضي إلى مكروه كالمعاصي أو يتمثل المكروه كسكرات الموت وشدته أو سؤال منكر ونكير أو عذاب القبر أو هول المطلع أو هيبة الموقف بين يدي الله تعالى والحياء من كشف الستر أو السؤال عن النقير والقطمير أو الخوف من الصراط أو الحرمان من النعيم والملك المقيم أو الفراق والحجاب عن الله تعالى ولا سعادة للعبد إلا في لقاء مولاه والقرب منه، ويحصل الإنس بالمحبة ودوام الذكر وقمع الشهوات، وقد خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته بين البقاء في الدنيا وبين القدوم على الله تعالى وكان يقول أسألك الرفيق الأعلى. والتقوى عبارة عن كف بمقتضى الخوف، وقد خصص الله تعالى التقوى بالإضافة إلى نفسه فقال تعالى: أ -[لن ينال الله لحومها، ولا داؤها ولكن يناله التقوى منكم]. ب -[إن أكرمكم عند الله أتقاكم]. جـ -[ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله]. د - وقال عز وجل: [وخافون إن كنتم مؤمنين] أهـ ص 140 جـ 40. هـ - وقال تعالى: [ولمن خاف مقام ربه جنتان].

أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّات (¬1) يَعْنِي الْمَوْتَ. رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن وابن حبان في صحيحه وزاد: فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ في ضِيقٍ إِلاَّ وَسَّعَهُ، ولا ذَكَرَهُ في سَعَةٍ إِلاَّ ضَيَّقَهَا عَلَيْهِ. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هاذِمِ اللَّذَّات، يَعْنِي الْمَوْتَ، فَإِنَّهُ مَا كَانَ في كَثِيرٍ إِلاَّ قَلَّلَهُ، وَلاَ قَلِيلٍ إِلاَّ جَزَّأَهُ (¬2) رواه الطبراني بإسناد حسن. 3 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَرَّ بِمَجْلِسٍ وَهُمْ يَضْحَكُونَ فَقَالَ: أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّات، أَحْسِبُهُ قالَ: فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ في ضِيقٍ مِنَ الْعَيْشِ إِلاَّ وَسَّعَهُ، وَلاَ في سَعَةٍ إِلاَّ ضَيَّقَهُ عَلَيْهِ. رواه البزار بإسناد حسن والبيهقي باختصار، وتقدم في باب الترهيب من الظلم حديث أبي ذرّ، وفيه: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلاَمُ (¬3)؟ قالَ: كانَتْ عِبَراً ¬

(¬1) هاذم أي قاطع فمعناه مزيل الشيء من أصله. قال السهيلي: الرواية بالمعجمة (الموت) أزجر عن المعصية وأدعى إلى الطاعة فإكثار ذكره سنة مؤكدة، وللمريض آكد أهـ جامع صغير، وقال الحفني هاذم أي مفرق ومشتت اللذات، وبالمهملة مزيل الشيء من أصله كهدم الجدار، وكل صحيح أهـ ص 266. يأمر صلى الله عليه وسلم أن يتذكر المسلمون الموت دائماً، فكل نفس ذائقته ليقل الطمع والشره على جمع الدنيا ولتؤدى الحقوق كاملة تامة وليكثر الإنسان من الأعمال الصالحة ادخاراً لثواب الله، وليقصر الأمل في اتساع الثروة وتشييد القصور، وهكذا من الأشياء التي تجلب الغفلة عن الله تعالى. (¬2) شتته وفرقه. أين من بنى وشيد؟ أين أصحاب الضيعات الواسعة والقصور الشاهقة؟ (¬3) الكتب المنزلة على سيدنا موسى تتعجب: أ - من ابن آدم يسر ومآله الفناء. ب - يبتسم ويلهو ويلعب وأمامه نار حامية. جـ - الأفعال لله بقضائه وقدره ومشيئته والأرزاق مساقة لأصحابها، ومع ذلك يتعب الإنسان ويكد في حياته. ويجاهد ويجالد ولن يناله إلا ما قسم له. د - الدنيا غدارة فتانة أحوالها غير ثابتة ويركن الإنسان إليها. هـ - يجمع الله الخلائق يوم القيامة، وكل شاة برجلها معلقة، وسيحاسب الله على الصغيرة والكبيرة، ومع ذلك يغفل ابن آدم عن الأعمال الصالحة، ولا يستعد لهذه الأهوال، قال تعالى: [هأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا (109) ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً (110) ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليماً حكيماً (111) ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً (112)] من سورة النساء. أي الدنيا ميدان جهاد يظهر فيها المدافع المحامي، ولكن تخرس الألسنة يوم القيامة ولا مدرء يحميهم من =

كُلُّهَا: عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ثُمَّ هُوَ يَفْرَحُ. عَجبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ ثُمَّ هُوَ يَضْحَكُ عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ هُوَ يَنْصَبُ. عَجِبْتُ لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبِهَا بِأَهْلِهَا ثُمَّ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا. وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَداً ثُمَّ لاَ يَعْمَلُ. رواه ابن حبان في صحيحه وغيرُه. 4 - وَعَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مُصَلاَّهُ فَرَأَى نَاساً كأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ (¬1) فَقَالَ: أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذّاتِ أَشْغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى الْمَوْتِ فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ: المَوْتِ (¬2) فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلاَّ تَكَلَّمَ فِيهِ فَيَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ (¬3)، وَأَنَا بَيْتُ الْوَحْدَةِ وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ، فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْمؤْمِنُ قالَ لَهُ الْقَبْرُ: مَرْحَباً (¬4) وَأَهْلاً أَمَا إِنْ كُنْتَ أَحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي أَيْ فَإِذْ وَلِيتُكَ (¬5) الْيَوْمَ فَسَتَرَى صَنِيعِي بِكَ قالَ فَيَتّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ (¬6)، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلى الْجَنَّةِ (¬7)، وَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ أَوِ الْكَافِرُ فَقَالَ لَهُ الْقَبْرُ: لاَ مَرْحَباً وَلاَ أَهْلاً أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ فَإِذَا وَلِيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِي بِكَ قالَ: فَيَلْتَئِمُ (¬8) عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَقِيَ عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفَ أَضْلاَعُهُ قالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بِأَصَابِعِهِ، فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا في جَوْفِ بَعْضٍ قالَ [وِيَقيَّضُ (¬9) لَهُ سَبْعُونَ تِنِّيناً (¬10) لَوْ أَنَّ وَاحِدَاً مِنْهَا نَفَخَ في الأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئاً مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا (¬11) فَتَنْهَشُهُ وَتَخْدِشُهُ حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلى الْحِسَابِ]. القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ¬

= عذاب الله إلا صالح الأعمال (سوءاً) قبيحاً يسوء به غيره (يظلم نفسه) يشرك أو يعص الله بتحملها الذنوب (خطيئة) صغيرة أو ما لا عمد فيه (إثماً) كبيرة أو عن عمد (بهتاناً) كذباً. إذا تذكر الإنسان الموت استعد بزاده للحياة الثانية الجديدة الباقية، وفيها تجنى ثمرات الصالحات. (¬1) يظهرون أسنانهم من شدة الضحك، يقال كاشره: إذا ضاحكه وباسطه. (¬2) عطف بيان أي هو مبعد الشهوات. (¬3) الفرقة. (¬4) أتيت مكاناً واسعاً ووجدت ضيافة حسنة. (¬5) الآن صرت والياً ورئيساً عليك، من الولاية. (¬6) الله يوسع قبره اتساعاً عظيماً يساوي نهاية مد بصره. (¬7) فيرى نعيمها ويتمتع بخيراتها. (¬8) فيضغط عليه ويضمه فتنكسر عظامه .. (¬9) يرسل ليستولي عليه استيلاء القيض على البيض، وهو القشر الأعلى كما قال تعالى [وقيضنا لهم قرناء] وقوله تعالى [ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً] أي تنح. (¬10) أفعى تنهشه وتعذبه. (¬11) مدة بقائها، وهذه الزيادة ابتداء من جملة (ويقيض له - إلى الحساب) من ن ط فقط وليست في ن ع، ولذا وضعتها بين قوسين.

قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ. رواه الترمذي واللفظ له والبيهقي كلاهما من طريق عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو واهٍ، عن عطية وهو العوفي عن أبي سعيد، وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. 5 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في جَنَازَةٍ، فَجَلَسَ إِلىَ قَبْر مِنْهَا فَقَالَ: مَا يَأْتِي عَلَى هذَا الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلاَّ وَهُوَ يُنادِي بِصَوْتٍ ذَلِقٍ طَلِقٍ: يَا ابْنَ آدَمَ نَسِيتَنِي أَلَمْ تَعْلَمْ (¬1) أَنِّي بَيْتُ الْوَحْدَةِ وَبَيْتُ الْغُرْبَةِ وَبَيْتُ الْوَحْشَةِ وَبَيْتُ الدُّودِ وَبَيْتُ الضِّيقِ إِلاَّ مَنْ وَسَّعَنِي اللهُ (¬2) عَلَيْهِ، ثُمَّ قال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الْقَبْرُ إِمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّار. رواه الطبراني في الأوسط. 6 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم عَاشِر (¬3) عَشْرَةٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ مَنْ أَكْيَسُ (¬4) النَّاسِ وأَحْزَمُ النَّاس؟ قالَ: أَكْثَرُهُمْ ذِكْرَاً لِلْمَوْتِ، وَأَكْثَرُهُمُ اسْتِعْدَاداً لِلْمَوْتِ، أُولئِكَ الأَكْيَاسُ ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَكَرَامَةِ الآخِرَةِ. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت والطبراني في الصغير بإسناد حسن، ورواه ابن ماجة مختصراً بإسناد جيد، والبيهقي في الزهد، ولفظه: أَنَّ رَجُلاً قالَ لِلنَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: أَيُّ الْمؤمِنينَ أَفْضَلُ؟ قالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً. قالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنيِنَ أَكْيَسُ؟ قالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْراً، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَاداً، أُولئكَ الأَكْيَاسُ، وذكره رزين في كتابه بلفظ البيهقي من حديث أنس، ولم أره. ¬

(¬1) ألم تعلم كذا ط وع ص 364 - 2، وفي ن د: أما تعلم. (¬2) استثنى قبر الرجل الصالح يوسعه الله ويملؤه نعيماً وزينة جزاء ما عمل في دنياه. (¬3) أي مع عشرة هو العاشر. (¬4) أعقل، من كان يكيس كيسا.

7 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، فَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يُثنُونَ (¬1) عَلَيْهِ، وَيَذْكُرُونَ مِنْ عِبَادَتِهِ وَرَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم سَاكِتٌ، فَلَمَّا سَكَتُوا قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: هَلْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَ الْمَوتِ؟ قَالُوا: لاَ. قالَ: فَهَلْ كَانَ يَدَعُ (¬2) كَثِيراً مِمَّا يَشْتَهِي؟ قالُوا: لاَ. قالَ: مَا بَلَغَ صَاحِبُكُمْ كَثِيراً مِمَّا تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ. رواه الطبراني بإسناد حسن، ورواه البزار من حديث أنس قالَ: ذُكِرَ عنْدَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم رَجُلٌ بِعِبَادَةٍ وَاجْتِهَادٍ فَقَالَ: كَيْفَ ذِكْرُ (¬3) صَاحِبُكُمْ لِلْمَوْتِ؟ قالُوا: مَا نَسْمَعُهُ يَذْكُرُهُ قالَ: لَيْسَ صَاحِبُكُمْ هُنَاكَ. 8 - وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: عَلَى الْمِنْبَرِ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ: أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَحْيِياً فَلاَ يَبِيتَنَّ لَيْلَةً إِلاَّ وَأَجَلُهُ (¬4) بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ وَمَا وَعَى (¬5)، والرَّأْسَ وَمَا حَوَى (¬6)، وَلْيَذْكُر الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَلْيَتْرُكْ زِينَةَ الدُّنْيَا. رواه الطبراني في الأوسط. من أراد الآخرة ترك زينة الدنيا 9 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قالَ: قُلْنَا يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّا لَنَسْتَحِي وَالْحَمْدُ للهِ قالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، وَلكِن الاسْتِحْيَاءُ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ (¬7) وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ¬

(¬1) يمدحونه ويذكرون محاسنه. (¬2) يترك مشتهياته. (¬3) ما حال أفكاره بالنسبة لمعيشته؟ هل كان طويل الأمل؟ (¬4) لا يسوف وينتظر انتهاء عمره وليتمثلن أمامه الموت. ظاهراً يراه عياناً فيعمل طيباً يخشى الله. (¬5) يدخل فيه أكل الحلال ويحفظ الفرج من الزنا. (¬6) يحفظ السان من الغيبة، والعين من النظر إلى الحرام ويحفظ الأذن أن تسمع حراماً والفم أن يطعم حراماً. (¬7) الموت: أخذ الروح ومفارقة الحياة، والبلى الفناء والانتهاء من الدنيا، يقال بلى الثوب، بلى وبلاء: خلق فهو بال، وبلى الميت: أفنته الأرض.

فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب إنما نعرفه من حديث أبانَ بن إسحاق عن الصباح بن محمد. [قال الحافظ]: أبان والصباح مختلف فيهما، وقد قيل: إن الصباح إنما رفع هذا الحديث وَهْماً منه وضعف برفعه، وصوابه موقوف، والله أعلم. 10 - وَعنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَزْهَدُ النَّاسِ؟ فَقالَ: مَنْ لَمْ يَنْسَ الْقَبْرَ وَالْبلَى، وَتَرَكَ فَضْلَ (¬1) زِينَةِ الدُّنْيَا، وآثَرَ مَا يَبْقَى (¬2) عَلَى مَا يَفْنَى، وَلَمْ يَعُدَّ غَداً (¬3) مِنْ أَيَّامِهِ، وَعَدَّ نَفْسَهُ مِنَ الْمَوْتَى رواه ابن أبي الدنيا، وهو مرسل. كفى بالموت واعظاً 11 - وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظاً (¬4)، وَكَفَى بِالْيَقِينِ غِنىً (¬5). رواه الطبراني. 12 - وَعَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فِي جَنَازَةٍ، فَجَلَسَ عَلى شَفِيرِ (¬6) الْقَبْرِ، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى (¬7)، ثُمَّ قالَ: يَا إِخْوَانِي لِمِثْلِ هذَا (¬8) فَأَعِدُّوا. رواه ابن ماجة بإسناد حسن. 13 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَرْبَعَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ (¬9): جُمُودُ الْعَيْنِ (¬10)، ¬

(¬1) زيادة. (¬2) اختار العمل الصالح للآخرة الباقي ثوابه المدخر نعيمه. (¬3) ولم يحسب اليوم التالي من عمره فيؤدي ما عليه من الواجبات. (¬4) مذكراً ومنبهاً على زوال الدنيا، وفي الجامع الصغير (كفى بالدهر واعظاً): أي كفى تقلبه بأهله، وسببه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن فلاناً جاري يؤذيني فقال: اصبر على أذاه وكف عنه أذاك قال فما لبث إلا يسيراً إذ جاء فقال يا رسول الله إن جاري ذاك مات فذكره أهـ وقال الحفني (مفرقاً) لأن تفريقه لا عود بعده إلا في الآخرة بخلاف فرقة غير الموت أهـ ص 73 جـ 3. (¬5) الثقة بالله والاعتماد عليه في تيسير الأمور وسعة الرزق وفك الضيق وإزالة الهموم، وفي المصباح: اليقين العلم الحاصل عن نظر واستدلال، ويقن الأمر: ثبت ووضح، ويقال يقنته ويقنت به (¬6) حرفه. (¬7) جعل نداوة، يقال بللته فابتل، والثرى: التراب. (¬8) ينادي أصحابه استعدوا لهذه الحفرة واعملوا صالحاً في دنياكم ادخاراً لثواب الله هنا. (¬9) التعاسة وقلة الراحة وعنوان الأذى وجالبة كل مقت وغضب. (¬10) قلة دمعها في التفكير بمصيرها بعد موتها فتنتظر إلى الصالحين العاملين فلا تبك لإهمالها لأنها لا تخاف ربها ولم تخش بأسه، وهو الواحد القهار الذي يهابه كل شيء.

وَقَسْوَةِ الْقَلْبِ (¬1)، وَطُولُ الأَمَلِ (¬2)، والْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا. رواه البزار. 14 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا لا أَعْلَمُهُ إِلاّ رَفَعَهُ قالَ: صَلاَحُ أَوَّلِ هذِهِ الأُمَّةِ (¬3) بِالزَّهَادَةِ وَالْيَقِينِ، وَهَلاَكُ آخِرِهَا بِالْبُخْلِ والأَمَلِ. رواه الطبراني، وفي إسناده احتمال للتحسين. يهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل ورواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني كلاهما من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: نَجَا أَوَّلُ هذِهِ الأُمَّةِ بِالْيَقِينِ والزُّهْدِ، وَيَهْلِكُ آخِرُ هذِهِ الأُمَّةِ بالْبُخْلِ والأَمَلِ. 15 - وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ الْوَلِيدِ بِنْتِ عُمَرَ قالَتِ: اطَّلَعَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ذَاتَ عَشِيَّةٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ تَسْتَحْيُونَ (¬4)؟ قالُوا: مِمَّ ذَاكَ (¬5) يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: تَجْمَعُونَ ما لاَ تأْكُلُونَ، وَتَبْنُونَ مَا لاَ تَعْمُرُونَ (¬6)، وَتأْمَلُونَ مَا لاَ تُدْرِكُونَ (¬7)، أَلاَ تَسْتَحْيُونَ مِنْ ذَلِكَ؟ رواه الطبراني. 16 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: اشْتَرى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ¬

(¬1) غلظته في الجمود فلا يتأثر بالمواعظ ولم ينزجر بأحكام القرآن ولم يرق لسماع كلام الله تعالى ولم ينتفع بالسنة فيستمر في غفلة، وهو عن ربه لاه قد انتزعت منه الرأفة وزالت منه الرحمة. (¬2) رجاء ما تحبه النفس من طول عمر وزيادة غنى، وأناط الحكم بطوله ليخرج أصله فإنه لا بد منه في بقاء هذا العالم أهـ جامع صغير. قوال الحفني وطول الأمل أصله من الرحمة إذ لولاه لما أرضعت والدة ولدها ولا غرس شخص ولا سافر شخص لتجارة وغير ذلك وإنما ذم طول الأمل، لأنه يقتضي الحرص على الدنيا وعدم التنبه لما ينفعه في الآخرة أهـ ص 179. (¬3) الأمة المحمدية الإسلامية صلاحها باثنين التقلل من الدنيا والقناعة وعدم الانهماك في جمع المال وحسن الاعتماد على الله جل وعلا، وفناء آخرها بخصلتين ذميمتين الشح والتقصير في حقوق الله والشره وجمع المال والغفلة عن الله تعالى وكثرة الرجاء بتشييد قصور وإنشاء مصانع ومتاجر وانهماك في الربح بلا مرور ذكر الموت وبلا استعداد للآخرة بصالح الأعمال وغرس الباقيات. الزهادة واليقين خصلتان اجتمعتا في قلب المسلمين في صدر الإسلام فانتشر ذكره وذاع صيته، والآن سنة 1375 هـ عم البخل وفشا الجهل وزاد الشح وعلقنا الآمال في كيت وكيت فتأخرنا واستعبدنا وذللنا، فلا حول ولا قوة إلا بالله. (¬4) ألا يصيبكم الحياء والخجل. (¬5) من أي شيء؟. (¬6) ما لا تعمرون كذا ط وع ص 366 - 2 وفي ن د تسكنون. (¬7) ترجون المستقبل وتتعشمون فيه، ففيه الترغيب في قصر الأمل والإسراع بإنجاز حقوق الله وحسن أدائها والسعي للأعمال الصالحة وغرس دوحات البر والخير حتى تترعرع.

وَلِيدَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلى شَهْرٍ (¬1) فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: أَلاَ تَعْجَبُونَ مِنْ أُسَامَةَ الْمُشْتَرِي إِلى شَهْرٍ (¬2) إِنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الأَمَلِ، والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا طَرَفَتْ عَيْنَايَ إِلاّ ظَنَنْتُ أَنَّ شُفَرَيَّ (¬3) لاَ يَلْتَقِيَانِ حَتَّى يَقْبِضَ اللهُ رُوحِي، وَلاَ رَفَعْتُ قَدَحاً (¬4) إِلى فِيَّ، فَظَنَنْتُ أَنِّي وَاضِعُهُ حَتَّى أَقْبَضَ، وَلاَ لَقَمْتُ لُقْمَةً إِلاَّ ظَنَنْتُ أَنِّي لاَ أُسِيغُهَا (¬5) حَتَّى أُغَصَّ بِهَا (¬6) مِنَ الْمَوتِ، وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لآتٍ (¬7)، وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (¬8). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب قصر الأمل، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي والأصبهاني. كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل 17 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: أَخذَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بِمَنْكِبي فَقَالَ: كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبيلٍ (¬9)، وَكَانَ ¬

(¬1) مدة شهر. (¬2) إن له رجاء في طول العمر. (¬3) طرفيهما. (¬4) كوب ماء. (¬5) أزدردها بسهولة وأطعمها. (¬6) أصاب بشرق فالسائغ لا يغص شاربه، يقال غصصت بالماء أغص غصصاً فأنا غاص وغصان إذا شرقت به أو وقف في حلقك فلم تكد تسيغه أهـ نهاية. (¬7) لمدرككم. (¬8) بمتأخرين. (¬9) وضع يده الشريفة على مجمع عضد الكتف ثم نصحه أن تكون حاله في حياته مثل الأجنبي الذي فارق وطنه ليقضي عملاً له ثم يرجع، أو المسافر المار مرور السحاب، وفي الجامع الصغير شبه الناسك السالك بالغريب الذي ليس له مسكن يأويه ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر سبيل، لأن الغريب قد يسكن في بلد الغربة بخلاف عابر السبيل، وهذا الحديث أصل في الحث على الفراغ من الدنيا والزهد فيها والاحتقار لها والقناعة فيها بالبلغة. وقال النووي: معنى الحديث لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه. وقال غيره عابر السبيل هو المار على الطريق طالباً وطنه، فالإنسان كعبد أرسله سيده في حاجة فحقه أن يبادر لقضائها، ثم يعود إلى وطنه. قال العلقمي: أي اعمل ما تلقى نفعه بعد موتك وبادر أيام صحتك بالعمل الصالح، فإن المرض قد يطرأ فيمنع من العمل فيخشى على من فرط في ذلك أن يصل إلى المعاد بغير زاد ولا يعارض ذلك الحديث "إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً" لأنه ورد في حق من يعمل، والتحذير الذي في حديث ابن عمر في حق من لم يعمل شيئاً فإنه إذا مرض ندم على ترك العمل وعجز لمرضه عن العمل فلا يفيده الندم. قال بعض العلماء كلام ابن عمر منتزع من الحديث المرفوع، وهو متضمن لنهاية قصر الأمل .. وقال الحفني: غريب لأن شأن الغريب عدم السكون والطمأنينة، بل دائماً قلبه متعلق بالرجوع لوطنه فهو قد ذهب في الغربة ليكتسب لأهله ما يتبسط به في وطنه فينبغي للمؤمن أن يكون مسارعاً في اكتساب ما ينفعه في وطنه الدائم، وهو الآخرة، فإن من اشتغل في غربته باللهو واللعب، ولم يكتسب رجع إلى أهله ووطنه بدون ربح فيعيش معهم في كدر وتعب ونكد، فكذا من اشتغل بالدنيا بهوى نفسه رجع إلى الآخرة صفر اليدين فلم يجد ما ينفعه، بل يضره. عابر طريق فإنه ينزع حينئذ لعدم محل يأويه ولخوف من الحشرات والوحوش فهو إضراب ومبالغة في شدة التعلق بالآخرة والاقتصار من الدنيا على ما لا يتعلق به.

خذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ (¬1) فَلاَ تَنْتَظِر الصَّباحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ (¬2) لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ (¬3) لِمَوْتِكَ. رواه البخاري والترمذي ولفظه: قالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ: كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكض غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَعُدَّ نَفْسَكَ في أَصْحَابِ الْقُبُورِ (¬4)، وَقَالَ لي: يَا ابْنَ عُمَرَ إِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ فلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بالصَّبَاحِ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ غداً ورواه البيهقي وغيره نحو الترمذي. 18 - وَعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَوْصِنِي قالَ: اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، واعْدُدْ نَفْسَكَ في الموْتَى، واذْكُرِ اللهَ عِنْدَ كُلِّ حَجَرٍ وعِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ، وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فاعْمَلْ بِجَنْبِهَا حَسَنَةً، السِّرُّ بِالسِّرِّ والْعَلانِيَةُ بالْعَلانِيَةِ. رواه الطبراني بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعاً بين أبي سلمة ومعاذ. 19 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم وَأَنَا أُطَيِّنُ (¬5) حَائِطاً لِي أَنَا وأُمِّي فَقَالَ: مَا هذَا يا عَبْدَ اللهِ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَهَى فَنَحْنُ نُصْلِحُهُ فَقَالَ: الأَمْرُ (¬6) أَسْرَعُ مِنْ ذَلك. ¬

(¬1) دخل المساء وهو بعد الظهر فسلم لله نفسك ولا تأمل أن تصبح حياً. (¬2) اعمل في حالة الصحة وادخر واقتصد. (¬3) خذ من حياتك زاداً يصحبك بعد الموت، وهو العمل الصالح في الدنيا. (¬4) مع الموتى. (¬5) أبني وأمرر عليه طبقة من الطين دهاكة. (¬6) حال الآخرة أصعب وأعسر وأسرع من اللحوق بك قبل أن تبلى، ولقد ثبت أن الذي يستغرق عمره في الدنيا بآماله وأمانيه هو الذي استولى عليه الشيطان. وكان قائده في حياته ودخل في زمرة أعوانه كما قال تعالى في الشيطان "لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً (118) ولأضلهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً (119) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً (120) أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصاً (121) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وعد والله حقاً ومن أصدق من الله قيلا (122)] من سورة النساء. إن شاهدنا ولأمنينهم: أي أطلق لهم الأفكار في الأماني وطول الأمل وفسحة الأجل وأحبب لهم المال زهرة الدنيا، ولكن الصالح التقي العامل بالسنة يزهد ويقنع.

20 - وَفي رِوَايَةٍ قالَ: مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَنَحْنُ نُعَالِجُ خُصّاً لَنَا وَهَى، فَقَالَ: مَا هذَا؟ فَقُلْنَا: خُصٌّ (¬1) لَنَا وَهَى، فَنَحْنُ نُصْلِحُهُ فَقَالَ: مَا أَرَى الأَمْرَ إِلاَّ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ. رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح وابن ماجة وابن حبان في صحيحه. 21 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَطَّ (¬2) النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم خَطَّاً مُرَبَّعاً، وَخَطَّ خَطَّاً في الْوَسَطِ خَارِجَاً مِنْهُ، وَخَطَّ خُطُوطاً صِغَاراً إِلى هذا الَّذِي في الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي في الْوَسَطِ فَقَالَ: هذَا الإِنْسَانُ وَهذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهذِهِ الْخطُطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هذَا نَهَشَهُ (¬3) هذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هذَا نَهَشَهُ هذَا. رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة. وهذا صورة ما خط صلى الله عليه وسلم ص 367 - 2 ... ع 22 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَطَّ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم خَطّاً، وَقالَ: هذَا الإِنْسَانُ، وَخَطَّ إِلى جَنْبِهِ خَطّاً وقالَ: هذَا أَجَلُهُ، وَخَطَّ آخَرَ بَعِيداً مِنْهُ فَقَالَ: هذَا الأَمَلُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كذلِكَ إذْ جَاءَهُ الأَقْرَبُ (¬4). رواه البخاري، واللفظ له، والنسائي بنحوه. ¬

(¬1) مقدار عش أو كوخ حقير. (¬2) يوضح النبي صلى الله عليه وسلم تقارب الإنسان بأجله وأمله ورزقه وما يصيبه في دنياه فهذا مرة يناله وغداً يبعد عنه، وهكذا حتى يأخذ حظه وما قدر له ثم يفنى. (¬3) تناوله من بعيد كنهش الحية، وقيل قبض عليه وعضه ثم نثره، يقال نهشته الحية ونهشه الكلب: أي الإنسان هدف لثلاثة. أ - عمره. ب - أمانيه. جـ - رزقه. والعاقل الصالح يوجه دفة سفينتها إلى وجوه البر وفعل الخير لتصل إلى بر السلامة فينتهي من الحياة وثمار أعماله أينعت ودوحات خلاله أزهرت فيجنيها فرحاً مسروراً كما قال تعالى [الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون (32)] من سورة النحل. (¬4) أي هو سارح في بحار أمانيه الحلوة في الدنيا يشيد قصراً ويشتري ضيعة ويعلم أولاده، وهكذا من حلاوة دنياه فيهجم عليه الأقرب الموت الخاطف، فالكيس من انتهز فرصة صحته وغناه وعمل لمولاه ادخاراً لآخرته.

23 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: هذَا ابْنُ آدَمَ وَهذَا أَجَلُهُ، وَوَضَعَ يَدَهُ عِنْدَ قَفَاهُ ثُمَّ بَسَطَهَا وَقَالَ: وَثُمَّ أَمَلُهُ (¬1)، وَثُمَّ أَمَلُهُ. رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، ورواه النسائي أيضاً وابن ماجة بنحوه. 24 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: هَلْ تَدْرُونَ مَا مِثْلُ هذِهِ وَهذِهِ؟ وَرَمَى بِحَصَاتَيْنِ. قالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قالَ: هذَا الأَمَلُ وذَاكَ الأَجَلُ (¬2). رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. اقتربت الساعة 25 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ (¬3)، ¬

(¬1) يجاور ابن آدم أجله وهما متلاصقان متقاربان متصاحبان ويليهما الأمل الذي يحبب إليه الكد في الدنيا والجد ويجمع المال ليفعل كيت وكيت، وهكذا من صنوف الأفكار. إن الله تعالى أباح الجد في الدنيا والعمل والسعي لطلب الرزق والربح، ولكن التحذير من طول الأمل الذي فيه الغفلة عن الله وضياع حقوق الله والتقصير في واجب الله فلا صلاة ولا صوم ولا صدقة ولا خير يفعل أبداً ما، وتعلل النفس بكثرة الخير ووفرته ولا يوجد في حلال هذا عمل صالح لله. هذا المنهي عنه فقط، وهذا الأمل الكاذب والسراب الخادع. (¬2) الأمل والأجل صنوان متقاربان بينهما مثل البعد بين حصاتين رميتهما. (¬3) قرب قيام يوم القيامة، والنبي صلى الله عليه وسلم علامة من علامات قرب يوم القيامة وآية قربها كما قال تعالى [اقتربت الساعة وانشق القمر (1) وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر (2) وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر (3) ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر (4) حكمة بالغة فما تغني النذر (5) فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر (6) خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر (7) مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر (8)] من سورة القمر. ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم آية صدقه وعلامة رسالته، قال ابن مسعود رضي الله عنه: رأيت حراء بين فلقتي القمر فأعرض الكفار عن تأملها والإيمان بها (مستمر) قوي محكم مستقر كائن في وقته أو منته إلى غاية من خذلان أو نصر في الدنيا وشقاوة أو سعادة في الآخرة (الأنباء) أخبار القرون الماضية أو أنباء الآخرة من تعذيب أو وعيد (الداع) إسرافيل (نكر) فظيع وهو هول يوم القيامة لم تعهد النفوس مثله يخرجون من القبور خاشعة ذليلة أبصارهم من الهول (مهطعين) مسرعين مادي أعناقهم إليه، أو ناظرين إليه (عسر) صعب شديد. تتجلى عليهم أنوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يقبلون على تعاليمه ولا يعكفون على طاعة الله وأمامنا القرآن الآن والسنة فنعرض عن العمل بهما فنزداد تباعداً فلا حول ولا قوة إلا بالله. يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبر المسلمين بدنو القيامة فالبدار البدار لصالح الأعمال والتحلي بالكمال وغرس الباقيات بكثرة ذكر الله تعالى وتسبيحه والإنفاق في الطاعات وإلا نموت ونحيا فنعذب كما أخبر الله تعالى عن تعذيب من لم يؤمن بالرسل كما قال تعالى [أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون (1) ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون (2)] من سورة النحل. كان الكفار يستعجلون ما أوعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم من قيام الساعة أو إهلاك الله تعالى إياهم كما فعل يوم بدر استهزاء وتكذيباً ويقولون إن صح ما تقوله فالأصنام تشفع لنا وتخلصنا منه فنزلت (أتى أمر الله) والمعنى أن الأمر الموعود به بمنزلة الآتي المحقق من حيث إنه واجب الوقوع فلا تستعجلوا وقوعه فإنه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم منه (بالروح) بالوحي أو بالقرآن فإنه يحيي به القلوب الميتة بالجهل أو يقوم في الدين مقام =

وَلاَ نَزْدَادُ مِنْهُمْ إِلاَّ بُعْداً (¬1). رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ولفظه: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، وَلاَ يَزْدَادُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا إِلا حِرْصاً (¬2)، وَلاَ تَزْدَادُونَ مِنَ اللهِ إِلاَّ بُعْدَاً (¬3). 26 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ (¬4)، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ. رواه البخاري وغيره. ¬

= الروح في الجسد أن الشأن لا إله إلا أنا فالتنبيه على التوحيد منتهى كمال القوة العلمية والأمر بالتقوى أقصى كمال القوة العملية، أي تظهر ثنتان في المرء: أ - الإيمان بالله ورسوله. ب - إيجاد العمل الصالح. (¬1) أن ننصح هؤلاء ونشرح لهم آيات الله جل وعلا فلا يقبلون عليها كما قال تعالى [ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين (36) إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين (37)] من سورة النحل. الرسول يأمر الناس بعبادة الله وحده واجتناب الشيطان الطاغية، ولكن انقسم الناس: أ - فريق وفقهم الله للإيمان به وطاعته باتباع إرشادات الرسول. ب - فريق اتبع الغواية فلم يوفقهم سبحانه ولم يرد هداهم، ثم أمر سبحانه أن ننظر إلى عاقبة عاد وثمود وقوم تبع لنعتبر ونطيع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن من حقت عليه الضلالة مطرود من رحمة الله ليس له ناصر يدفع العذاب عنه، قال تعالى [إنما قولنا لشيء إذا أردنا أن نقول له كن فيكون (40)] من سورة النحل. فاطمئن يا محمد وأبشر، فالسعيد من انتفع بالقرآن، وهداه الله كما قال تعالى: أ -[إن عليك إلا البلاغ]. ب -[من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا (17)] من سورة الكهف. أي الموفق الذي أصاب الفلاح، ومن يخذله فلا أحد غير الله يليه ويرشده. (¬2) طمعاً وإقبالاً على جني ثمراتها. (¬3) كثرة الأموال تشغلكم عن الله كما قال تعالى [شغلتنا أموالنا وأهلونا]. (¬4) أحد سيور النعل، والمعنى أن الجنة دانية الجنى قريبة الإدراك لا ينالها إلا الصالحون، والموت قريب إذا أتى نالوا ثواب أعمالهم كما أن النار قريبة للأشرار المجرمين، وفي الجامع الصغير، لأن سبب دخول الجنة والنار صفة الشخص، وهو العمل الصالح والسيئ، وهو أقرب من شراك نعله إذ هو مجاور له والعمل صفة قائمة به. قال ابن بطال فيه أن الطاعة موصلة إلى الجنة، وأن المعصية مقربة إلى النار، وأن الطاعة والمعصية قد تكون في أيسر الأشياء فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه، ولا في قليل من الشر أن يتجنبه فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها ولا السيئة التي يسخط عليه بها. وقال ابن الجوزي: معنى الحديث أن تحصيل الجنة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة، والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية. وقال الحفني: المراد بالقرب في الحديث القرب المعنوي: أي الأعمال الصالحة وضدها لها اتصال بكم كاتصال شراك النعم بكم فهي يسيرة سهلة الإتيان فاجتهدوا في العمل الصالح الموصل لذلك فإنه قريب كشراك النعل، وإنما كان موصلاً لأنه سبب لرضا الله الذي ندخل الجنة به وإن كان أصل الدخول بمحض فضله تعالى أهـ ص 201 جـ 2.

27 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِني. قالَ: عَلَيْكَ بالإِيَاسِ (¬1) مِمَّا في أَيْدِي النَّاسِ وَإِيَّاكَ والطَّمَعَ فَإِنَّهُ الْفَقْرُ الْحَاضِرُ، وَصَلِّ صَلاَتَكَ (¬2) وَأَنْتَ مُوَدِّعٌ، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ (¬3). رواه الحاكم والبيهقي في الزهد، وقال الحاكم واللفظ له: صحيح الإسناد. 28 - ورواه الطبراني من حديث ابن عمر قال: أَتى رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ، واجْعَلْهُ مُوجَزاً، فَقَالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: صَلِّ صَلاَةَ مُوَدِّعٍ فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ لاَ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَراكَ (¬4)، وايْأَسْ مِمَّا في أَيْدِي النَّاسِ تَكُنْ غَنِيّاً، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ. 29 - وروى الطبراني عن رجل من بني النخع قال: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قالَ: أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: اعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، واعْدُدْ نَفْسَكَ فِي الْمَوْتَى، وَإيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ (¬5) فَإِنَّهَا تُسْتَجَابُ، الحديث. 30 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قالَ: نَزَلْنَا مِنَ الْمَدَائِنِ عَلَى فَرْسَخٍ، فَلَمَّا جَاءَتِ الْجُمُعَةُ حَضَرْنَا فَخَطَبَنَا حُذَيْفَةُ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ الْقَمَرُ، أَلاَ وَإِنَّ السّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، أَلاَ وَإِنَّ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقّ، أَلاَ وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ (¬6) بِفِرَاقٍ، أَلاَ وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارُ (¬7)، وَغداً السِّبَاقُ، فَقُلْتُ لأَبِي: أَيَسْبِقُ النَّاسُ غداً؟ قالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَجَاهِلٌ، إِنَّمَا يَعْنِي: الْعَمَلُ الْيَوْمَ والْجَزَاءُ غداً، فَلَمّا جَاءَتِ ¬

(¬1) الزم اليأس والقنوط والاستغناء عما في أيدي الناس. أي تباعد. (¬2) أد فروضك تامة كاملة كأنك تقابل من فرضها، وهو الله تعالى واستعد وأوف. (¬3) اجتنب الأخطاء واحذر أن تعمل عملاً يحتاج إلى عذر. (¬4) الله تعالى مقبل عليك برحماته يرى حركاتك فأخلص له وخف منه. (¬5) احذر أن تظلم فيقتص الله منك. (¬6) أعلمت بانتهاء. (¬7) الدنيا ميدان أعمال والآخرة فيها الفوز والسبق في مضمار النجاح لمن أطاع الله، والخيبة والخذلان والشقاء لمن عصى الله تعالى.

الْجُمعَةُ الأُخْرَى حَضَرْنَا فَخَطَبَنَا حُذَيْفَةُ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُولُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقّ الْقَمَرُ، أَلاَ وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِفِرَاقٍ، أَلاَ وَإِنّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارُ وَغَداً السِّبَاقُ، أَلاَ وَإِنَّ الْغَايَةَ النَّارُ، وَالسَّابِقُ مَنْ سَبَقَ إِلى الْجَنَّةِ. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. بادروا بالأعمال 31 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: بَادِرُوا بالأَعْمَالِ (¬1) فِتَناً كَقَطْعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمناً وَيُمْسِي كَافِراً، وَيُمْسِي مُؤْمِناً ويُصْبِحُ كَافِراً يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ (¬2) مِنَ الدُّنْيَا. رواه مسلم. ¬

(¬1) أي أسرعوا في إيجاد الأعمال الصالحة قبل وقوع الفتن وانتشار الفساد وتأثير الطغاة. قال العلقمي: قال شيخنا معناه المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث الفتن الشاغلة المتراكمة المتكاثرة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر، ووصف صلى الله عليه وسلم نوعاً من شواهد تلك الفتن بقوله: يصبح الإنسان فيها مؤمناً: أي لعظمتها يتقلب الإنسان من الإيمان إلى الكفر، وعكسه في اليوم الواحد أهـ ص 129 جـ 2. (¬2) أي بقليل من حطامها، والعرض ما عرض لك من منافع الدنيا. وقال الحفني: فتناً جمع فتنة: الداهية العظيمة أي بادروا قبل وقوع الفتن كقطع الليل بجامع عدم الاهتداء إلى مقصوده عند وجود كل بعرض: أي ما يعرض، ويحدث من متاع الدنيا مما يرغب فيه. يخبر صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يحثوا على السير على منهج حبيبه والاستضاء بكتابه، والعمل بشريعته فالبدار البدار خشية أن يفشو الجهل ويزداد الظلم وتكثر الطغاة وتسود العصاة ويقل الصالحون، وحينئذ يعم الفساد والضلال وتشغل الدنيا أهلها بزخارفها فيطبع الران على قلوبهم وتظلم القلوب من الإيمان بالله وتقفر من صالحات الأعمال فتنقلب آونة مؤمنة، وأخرى كافرة منحرفة عن جادة الصواب، فلا تجد رادعاً يزجرها ونفساً مطمئنة تقتدي بها، قال تعالى: [من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعاً بصيراً (134)] من سورة النساء. ثواب الدنيا كالمجاهد الذي يحارب لأخذ الغنيمة، إنه يطلب طلباً خسيساً، ولكن الذي يقبل على الله ويعمل لله حاز الفلاح في دنياه وآخرته كما قال تعالى [ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة] من سورة آل عمران [من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب (20)] من سورة الشورى. وقد علم الله تعالى أصحاب رسول الله إذا جاهدوا يجاهدون لوجه الله. روي أن سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم غزت أهل فدك فهربوا وبقي مرداس ثقة بإسلامه فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى منعرج من الجبل وصعد فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، السلام عليكم فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد وجداً شديداً وقال قتلتموه إرادة ما معه ثم قرأ قوله تعالى [يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا (94)] من سورة النساء. أي تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع النفاد، فهو الذين يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من =

32 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: بَادِرُوا بالأَعْمَالِ سِتّاً: طُلُوعُ الشّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا (¬1)، أَوِ الدُّخَانُ، أَوِ الدَّجّالُ، أَوِ الدّابّةُ (¬2)، ¬

= تقتلونه، والعرض المال سمي به لسرعة فنائه أهـ نسفي، أي نحن الآن 1955 م من الصدر الأول الذين شرح الله صدورهم للإسلام وعملوا بإرشادات خير الأنام فأفلحوا، ولقد شغلتنا زينة الدنيا عن حقوق الله فقل العمل الصالح وزاد الطمع، نسأل الله السلامة، نحضر مجالس اللهو. ونتتبع عورات بعضنا بالغيبة والنميمة والحسد ونؤخر الصلاة عن وقتها ولعبت بنا المدنية الحديثة أدواراً قاسرة كارهة، وطغت المادة على القلوب فأفسدتها وهجرنا تعاليم القرآن والسنة، ويطلب منا الرب جل وعلا [أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (24)] من سورة محمد. (¬1) علامات قيام الساعة: أ - تغيير مطلع الشمس. ب - يعم دخان المعمورة. جـ - ظهور الدجال الكذاب الذي يفتن الناس. وعند قوله صلى الله عليه وسلم يبين صفات الدجال: أ - تعلمون أنه أعور، وأن الله تبارك وتعالى ليس بأعور. ب - مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه من كره عمله أو يقرؤه كل مؤمن. جـ - الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار. قال النووي: تعلمون: أي اعلموا وتحققوا، وفيه تنبيه على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة. والدجال شخص ابتلى الله به عباده يدعي الإلهية: وهو عاجز عن إزالة عوره وشاهد كفره المكتوب بين عينيه ويقدره الله تعالى على إحياء الميت الذي يقتله ويزهر له خصب الدنيا، ومعه جنة ونار امتحاناً للمؤمنين ويأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل، ولا غيره، ويبطل أمره، ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت (جفال الشعر) أي كثيره أهـ ص 580 جـ 2 مختار الإمام مسلم. د - ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة. (¬2) الجساسة في الحديث طولها ستون ذراعاً لا يدركها طالب، ولا يفوتها هارب، ولها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان، وقيل لها رأس ثور وعين خنزير، وأذن فيل وقرن إيل، وعنق نعامة، وصدر أسد، ولون نمر وخاصرة هرة وذنب كبش وخف بعير، وما بين المفصلين اثنا عشر ذراعاً تخرج من الصفا فتكلمهم بالعربية قال تعالى: [وإذ وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون (82)] من سورة النمل. أي لا يوقنون بخروجي أهـ نسفي. [ويوم نحشر من كل أمة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون (83) حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها عليماً أم ماذا كنتم تعملون (84) ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون (85)] من سورة النمل (يوزعون) يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا، وهو عبارة عن كثرة عددهم وتباعد أطرافهم. إذا جاؤوا إلى المحشر: أي أي شيء كنتم تعملونه؟ فحل بهم العذاب الموعود بسبب ظلمهم وعصيانهم ربهم والتكذيب بآيات الله. ما عذر من لم يصل؟ أو لم يزك؟ أو لم يصم؟ ما عذر المقصرين في الأعمال الصالحة؟ لقد بسط الله الرزق وحصحص الحق، وأضاء الإسلام بشموسه للعاملين. أرجو أن ننهض بأنفسنا إلى صالح الأعمال عسى الله أن يشملنا برحمته ويدركنا بلطفه وتوفيقه فهو ولي الهداية، وهو القائل ترغيباً في إجادة الأعمال [من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون (89) ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون (90)] من سورة النمل. =

أَوْ خَاصَّةُ أَحَدِكُمْ (¬1)، أَوْ أَمْرُ الْعَامَّةِ (¬2). رواه مسلم. 33 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: بَادِرُوا بالأَعْمَالِ سَبْعَاً (¬3): هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْراً مُنْسِياً، أَوْ غِنَىً مُطْغِياً، أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً، أَوْ هَرَمَاً مُفْنِداً (¬4) أَوْ مَوْتاً مُجْهِزاً (¬5)، أَوِ الدَّجّالَ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ فالسَّاعَةُ ¬

= قال البيضاوي إذ ثبت له الشريف بالخسيس والباقي بالفاني وسبعمائة بواحدة، وقيل خير منها: أي خير حاصل من جهتها، وهو الجنة (فزع) يعني به خوف عذاب يوم القيامة الأهوال والعظائم، ولذلك يعم الكافر والمؤمن، (بالسيئة) قيل بالشرك أهـ. (¬1) قال الدستوائي: الموت أو شواغل نفسه. (¬2) قال قتادة: هو القيامة كذا في مختار الإمام مسلم، عن النووي، والمعنى انهض بنفسك أيها الإنسان وكملها وزودها بالتقوى وصالح الأعمال قبل أن يدركك الموت أو تقوم القيامة. (¬3) أي أسرع بإنجاز صالحات الأعمال وخيرها خشية أن تنال سبعة: أ - الفقر الذي يضيع أفكارك ويصرف همتك عن العبادة ويزيدك ألماً وضعفاً ووساوس وتقصيراً في حق الله تعالى والذي ينسيط أداء الصلوات والصدقات ويغرس في قلبك الشره وحب المال وجمعه. ب - الحق بنفسك قبل غناك الذي يزيدك طغياناً ويمكنك من اتباع الشهوات وفعل الموبقات، وعصيان الرحمن المعطي النعم ويغطي قلبك برين النعم ووفرتها فلا تزكي ولا تعمل خيراً بها. جـ - أسرع واعمل صالحاً خشية مرض يلحقك أو يصيبك فيعجزك ويقعدك عن الطاعة وعبادة الله. د - اعمل بسرعة قبل أن يدركك الكبر والشيخوخة والخور والضعف. هـ - انتهز فرصة قوتك واعمل صالحاً قبل هجوم الموت القاهر فيسليك. و- اعمل قبل وجود الفتان المكذب الساحر المضل الدجال. ز - اعمل قبل قيام القيامة فتفوت عليك فرصة التحصيل وجني ثمرات العمل. يخبر صلى الله عليه وسلم عن أعداء الإنسان الذين يهجمون عليه ولا يدري وقت هجومها. أولاً: الفقر. ثانياً: الغنى المضر المفسد. ثالثاً: المرض. رابعاً: الكبر. خامساً: الموت. سادساً: الدجال. سابعاً: القيامة، قال تعالى: [بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر (46)] من سورة القمر. أي موعد عذابهم، وما يحيط بهم في الدنيا فمن طلائعه، والساعة أشد والداهية أمر فظيع لا يهتدى لدوائه. ثم بين تعالى أن الناس صنفان: أ - إن المجرمين في ضلال وسعر. ب -[إن المتقين في جنات ونهر (54)] من سورة القمر. (¬4) بسبب الضعف والخرف والخرق، وفي النهاية الفند في الأصل الكذب، وأفند: تكلم بالفند، ثم قالوا للشيخ إذا هرم قد أفندى. لأنه يتكلم بالمخرف من الكلام عن سنن الصحة، وأفنده: الكبر إذا أوقعه في الفند. (¬5) سريعاً، يقال أجهز على الجريح يجهز إذا أسرع قتله وحزه.

أَدْهَى وَأَمَرُّ. رواه الترمذي من رواية محرر، ويقال: محرز بالزاي، وهو واهٍ عن الأعرج عنه وقال: حديث حسن. 34 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ (¬1): شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ (¬2)، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ (¬3)، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ (¬4)، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شغْلِكَ (¬5)، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ (¬6). رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما. ¬

(¬1) خمسة سوق نافقة ينتهز فرصة وجودها العاقل، ويعمل صالحاً فيها ويكد ويجد: الشباب والصحة والغنى والفراغ والحياة: أ - القوة والفتوة: نضارة الجسم ب - جودة الصحة. جـ - وفرة المال كثرة النعم. د - الخلو من العمل راحة الضمير. هـ - وجوده في الدنيا. ولها أضداد لا بد أن تمر أدوارها على كل إنسان، وفي الجامع الصغير: أي افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة. (¬2) أي افعل الطاعة حال قدرتك قبل هجوم الكبر عليك. (¬3) أي العمل الصالح حال صحتك قبل حصول مانع كمرض. (¬4) أي التصدق بما فضل عن حاجة من تلزمك نفقته قبل عروض جائحة تتلف مالك فتصير فقيراً في الدارين. (¬5) قال المناوي: أي فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر. وهو بضم الشين وفتحها. (¬6) أي اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك، فإن من مات انقطع عمله أهـ ص 233. وقد ساق الله لنا حكاية اثنين [جعلنا لأحدهما جنتنين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً (32)] من سورة الكهف. أي بساتين من كروم وفواكه وأقوات، ولكن صاحبها كافر بربه غير محسن طويل الأمل. قال النسفي [ما أظن أن تبيد هذه أبداً] أي أن تهلك هذه الجنة. شك في بيدودة جنته لطول أمله وتمادي غفلته واغتراره بالمهلة، وترى أكثر الأغنياء من المسلمين تنطق ألسنة أحوالهم بذلك أهـ نعمة لم تدم كما قال تعالى: [وأحيط بثمره] هو عبارة عن إهلاكه فندم على إشراكه، والنصرة لله وحده [هنالك الولاية لله الحق هو خير ثواباً وخير عقبا (44) واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا (45) المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً (46)] من سورة الكهف. ولعلك فهمت حكمة قصر الأمل والإسراع إلى تشييد الأعمال الصالحة بانتهاز فرصة وجود الصحة، والمال خشية أن تزول هذه النعمة فلا يمكن للإنسان أن يعمل عملاً كما حكى الله عن الكافر أو الغني المقصر [فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً (42)] من سورة الكهف. قال النسفي يضرب إحداهما على الأخرى ندماً وتحسراً، وكرومها المعروشة سقطت، وقد تذكر موعظة أخيه فعلم أنه من جهة كفره وطغيانه فتمنى لو لم يكن مشركاً حتى لا يهلك الله بستانه حين لم ينفعه التمني أهـ. وشاهدنا الآن يقظة الأغنياء، ولا بد من أن يشاركوا بأموالهم في مشروعات الخير. ولا بد من الانتباه =

35 - وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا (¬1) إِلى اللهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا وَبَادِرُوا بالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا (¬2)، وَصِلُوا الّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ وَكَثْرَةِ الصّدَقَةِ في السِّرِّ والْعَلانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا. رواه ابن ماجة. 36 - وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: الْكَيِّسُ (¬3) مَنْ دَانَ نَفْسَهُ (¬4)، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، والْعَاجِزُ (¬5) مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ (¬6). رواه ابن ماجة والترمذي، وقال: حديث حسن. 37 - وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ، قالَ الأَعْمَشُ: وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: التُّؤَدَةُ في كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إِلاَّ في عَمَلِ الآخِرَةِ. رواه أبو داود والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما. [قال الحافظ]: لم يذكر الأعمش فيه مَنْ حدثه، ولم يجزم برفعه. [التؤدة] بفتح المثناة فوق وبعدها همزة مضمومة ثم دال مهملة مفتوحة وتاء تأنيث هي التأني والتثبت وعدم العجلة. ¬

= والتصدق والإنفاق، وفعل البر وعمل الخير وأداء حقوق الله تعالى وحقوق الناس بلا تسويف خشية أن تحل أضداد الخمسة المذكورة في الحديث. أرأيت ذلك المغتر بماله. المتغطرس بكبريائه. المخدوع بحديقته الغناء لم يقبل النصيحة فذهبت ثمرات أعماله هباء منثوراً وضاعت نفقاته سدى. لماذا؟ لأنه لم يحمد الله على ما أنعم، ولم يعمل خيراً يحصن ماله ويحفظه ويزكيه، ويطهره ولم يؤمن بربه كما قال تعالى: [واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور (7) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (8)] من سورة المائدة. قال البيضاوي: نعمة الله بالإسلام لتذكركم المنعم وترغبكم في شكره، وميثاقه الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، أو ميثاق ليلة العقبة أو بيعة الرضوان، واتقوا الله في إنساء نعمته ونقض ميثاقه فهو العليم بخفياتها فيجازيكم عليها فضلاً عن جليات أعمالكم أهـ. الميثاق الذي نتعاهد به القرآن والسنة فلنعمل بهما ولنتق الله ولنستضيء بضوئهما. (¬1) ارجعوا إلى الله بالندم وكثرة الاستغفار والذكر. (¬2) تلهيكم الدنيا بزخارفها وأمراضها. (¬3) العاقل. (¬4) أي أذلها واستعبدها، وقيل حاسبها أهـ نهاية. (¬5) المقصر من مال إلى شهواته. (¬6) أكثر الطلب بلا عمل، واسترسل في آماله بلا أخذ العدة لإصلاح نفسه، ويسوف في أعمال البر.

38 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلاَّ نَدِمَ. قَالُوا: وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: إِنْ كَانَ مُحْسِناً نَدِمَ أَنْ لاَ يَكُونَ ازْدَادَ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئاً نَدِمَ أَنْ لاَ يَكُونَ نَزَعَ (¬1). رواه الترمذي والبيهقي في الزهد. 39 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْراً اسْتَعْمَلَهُ. قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 40 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْداً عَسَلهُ. قالُوا: مَا عَسَلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: يُوَفِّقُ لَهُ عَمَلاً صَالِحاً بَيْنَ يَدَيْ رِحْلَتِهِ يَرْضَى عَنْهُ جِيرانُهُ، أَوْ قالَ: مَنْ حَوْلَهُ. رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي من طريقه وغيرهما. [عسله] بفتح العين والسين المهملتين من العسل: وهو طِيب الثناء، وقال بعضهم: هذا مثل، أي وفقه الله لعمل صالح يتحفه به كما يتحف الرجل أخاه إذا أطعمه العسل. 41 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَعْذَرَ اللهُ (¬2) إِلى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلغَ سِتِّينَ سَنَةً. رواه البخاري. ¬

(¬1) كف وأقلع عنه، إذا أحيا الله المرء يوم القيامة، فإن كان صالحاً تنعم من أصناف النعيم ونال جزاءه وود لو زاد أكثر مما عمل سابقاً، وإن كان عاصياً عذب فأنب نفسه عما اقترفت في الأيام الخالية، علامة السداد السير على منهج الكتاب والسنة قبل الموت والاستضاء بهديهما فمن يرد الله به خيراً يعنه على الطاعة ويبعد عنه المعاصي. (¬2) أي لم يبق فيه موضعاً للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدة، ولم يعتذر، يقال أعذر الرجل إذا بلغ أقصى الغاية من العذر: وقد يكون أعذر بمعنى عذر أهـ نهاية. من بلغ ستين سنة ولم يعمل صالحاً ولم يوفق ولم يشيد المكارم فلا حجة له مقبولة عند ربه. لماذا؟ لأن الله تعالى أطال عمره وأمد في حياته فلم يعمل خيراً فعذره غير مقبول " ومن أنذر فقد أعذر" ومنه الحديث "لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم" يقال أعذر فلان من نفسه إذا أمكن منها، يعني أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم فيستوجبون العقوبة، ويكون لمن يعذبهم عذر كأنهم قاموا بعذره، وفي الجامع الصغير. قال العلقمي: قال شيخنا زكريا: أي أزال عذره فلم يبق له اعتذار حيث أمهله هذه المدة ولم يعتبر: أي لم يفعل ما يغنيه عن الاعتذار فالهمزة للسلب وقال شيخ شيوخنا: الإعذار إزالة العذر، والمعنى أنه لم يبق له اعتذار كأن يقول لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به، يقال =

42 - وَعَنْ سَهْلٍ مَرْفُوعاً: مَنْ عَمَّرَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ فَقَدْ أَعْذَرَ اللهُ إِلَيْهِ في الْعُمُرِ. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 43 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَلاَ أُنَبِّؤُكُمْ (¬1) بِخَيْرِكُمْ؟ قالُوا: نَعَمْ. قالَ: خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَاراً، وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالاً. رواه أحمد، ورواته رواة الصحيح، وابن حبان في صحيحه والبيهقي، ورواه الحاكم من حديث جابر وقال: صحيح على شرطهما. 44 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ. قالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ (¬2). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والطبراني بإِسناد صحيح والحاكم والبيهقي في الزهد وغيره. 45 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ. رواه الترمذي وقال حديث حسن. 46 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَلا أُنَبِّؤُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْماراً إِذَا سَدَّدُوا (¬3). رواه أبو يعلى بإِسناد حسن. 47 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ ¬

= أعذر إليه إذا بلغه أقصى الغاية في العذر، ومكنه منه، وإن لم يكن له عذر في ترك الطاعة منه مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستفسار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية، ونسبة الإعذار إلى الله مجازية، والمعنى أن الله لم يترك للعبد سبباً للاعتذار يتمسك به. والحاصل أنه لا يعاقب إلا بعد حجة (أخر أجله) أي أطاله (ستين سنة) قال العلقمي قال ابن بطال إنما كانت الستون حداً، لأنها قريبة من المعترك، وهي سن الإنابة والخشوع ووقت ترقب المنية أهـ ص 222. (¬1) ألا أعلمكم بأفضلكم قدراً وثواباً، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه الذي مد الله في عمره فشغله، في طاعة الله وصالح الأعمال، ففيه الترغيب في الإقبال على الله تعالى بحسن الأعمال. (¬2) قبح. (¬3) قاربوا السداد وتحروا الصواب واكتسوا بلباس التقوى.

عليه وسلم: إِنَّ للهِ عِبَاداً يَضِنُّ (¬1) بِهِمْ عَنِ الْقَتْلِ، وَيُطِيلُ أَعْمَارَهُمْ في حُسْنِ الْعَمَلِ، وَيُحْسِنُ أَرْزَاقَهُمْ، وَيُحْييهِمْ في عَافِيَةٍ، وَيَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ في عَافِيَةٍ (¬2) عَلَى الْفَرْشِ، وَيُعْطِيهِمْ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ. رواه الطبراني، ولا يحضرني الآن إسناده. 48 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رَجُلانِ مِنْ بَلي، حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ أَسْلَمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، فاسْتَشْهَدَ أَحَدُهُمَا (¬3)، وَأُخِّرَ الآخَرُ سَنَةً قالَ طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: فَرَأَيْتُ الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الشَّهِيدِ، فَتَعَجَّبْتُ لِذلِكَ فأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلافِ رَكْعَةٍ وَكَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلاةَ سَنَةٍ رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه والبيهقي كلهم عن طلحة بنحوه أطول منه، وزاد ابن ماجة وابن حبان في آخره: فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ (¬4). 49 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّ نَفَراً مِنْ بَنِي عَذْرَةَ ثَلاثَةً أَتَوُا النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَأَسْلَمُوا قالَ: فَقَالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ يَكْفِيهمْ؟ قالَ طَلْحَةُ أَنَا قالَ: فَكَانُوا عِنْدَ طَلْحَةَ، فَبَعَثَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم بَعْثاً، فَخَرَجَ فيهِ أَحَدُهُمْ فاسْتَشْهَدَ ¬

(¬1) يبعدهم عن سبب القتل فيحفظ صحتهم: ويقيهم شر المكاره ويبسط لهم الأرزاق تفضلاً منه جل وعلا. (¬2) في أمن واطمئنان [تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا] من سورة الشورى. ويعطيهم الدرجات السامية في الجنة بجوار منازل المجاهدين في سبيل الله تعالى الذين استبسلوا في حومة الوغى [يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم (21) خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم (22)] من سورة التوبة. يخبر صلى الله عليه وسلم بوجود طائفة من أمته يحبها الله وينعم عليهم بنضارة الحياة ولذيذها وعظيمها فيعيشون مكرمين معززين مطاعين لتقواهم وورعهم. (¬3) مات مجاهداً في سبيل الله، ولقد فاقه صديقه في الدرجات وفاز وحاز قصب السبق بدخول الجنة قبله. لماذا؟. أجاب صلى الله عليه وسلم بزيادة عبادة سنة في صحيفته. (¬4) قيست المسافة بين منزل الشهيد وزميله الذي عاش بعده سنة فوجدت كبعد ما بين السماء والأرض. صلى الله عليك يا رسول الله ترغب في أداء الفرائض وصلاة النفل والضرب بسهم صائب في الأعمال الصالحة رجاء نيل الجنة وترغب في استقبال الحياة بثغر باسم وتنسم هوائها بصدر منشرح وضياع أوقاتها في العبادة والذكر، وفعل البر، وهذا دليل على أن الدين براء من الانتحار والتبرم من الحياة، والسخط عليها وهكذا.

ثُمَّ بَعَثَ بَعْثاً فَخَرَجَ فِيهِ آخَرُ فاسْتَشْهَدَ، ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ. قالَ طَلْحَةُ فرأيْتُ هؤُلاءِ الثَّلاثَةَ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدِي في الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ المَيِّتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَمَامَهُمْ، وَرَأَيْتُ الذِي اسْتَشْهَدَ أَخِيراً يَلِيهِ، وَرَأَيْتُ أَوَّلَهُمْ آخِرَهُمْ. قالَ: فَدَاخَلَنِي مِنْ ذلِكَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلِكَ لَهُ فَقَالَ: وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ؟ لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ في الإِسْلامِ (¬1) لِتَسْبيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ. رواه أحمد وأبو يعلى، ورواتُهما رواة الصحيح، وفي أوله عند أحمد إرسال كما مرّ، ووصَلَه أبو يعلى بذكر طلحة فيه. لا تتمن الموت، إن كنت محسناً تزداد إحساناً إلى إحسانك الخ 50 - وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم دَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَهُوَ يَشْتَكِي (¬2) فَتَمَنَّى الموْتَ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لاَ تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتَ مُحْسِناً تَزْدَادُ إِحْسَاناً إِلى إِحْسَانِكَ خَيْرٌ لَكَ (¬3)، وَإِنْ كُنْتَ مُسِيئاً، فَإِنْ تُؤَخَّرْ (¬4) تَسْتَعْتِبْ (¬5) مِنْ إِسَاءَتِكَ خَيْرٌ لَكَ، لاَ تَتَمَنَّ الْمَوْتَ. رواه أحمد والحاكم واللفظ له، وهو أتمّ وقال: صحيح على شرطهما. ¬

(¬1) يعطى مدة طويلة، وفي الغريب العمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة فهو دون البقاء فإذا قيل طال عمره فمعناه عمارة بدنه بروحه [وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير (11)] من سورة فاطر. فتجد هذا أفضل عند الله تعالى، لأنه شغل أوقاته الواسعة في تمجيده سبحانه، وفي طاعته، وفي أنواع أفعال الخير فليس بدعاً أن يسبق من استشهد، لأن الله تعالى عادل ولا يضيع أجر المحسنين كما قال تعالى: [وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد (31) هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ (32) من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب (33) ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود (34) لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد (35)] من سورة ق. أي قربت لكل رجاع إلى الله تواب أواب، وحفيظ أي حافظ لحدوده، بسلام: أي سالمين من العذاب وزوال النعم أو مسلماً عليكم من الله وملائكته، وعندنا مزيد: أي زيادة مما لا يخطر ببالهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وأورد النسفي قوله صلى الله عليه وسلم "من حافظ على أربع ركعات في أول النهار كان أواباً حفيظاً" أهـ وهذا شاهدنا، كثرة العبادة وخشيته سبحانه سعادة، والخشية انزعاج القلب عند ذكر الخطيئة، والخاشي ينال رحمة منه سبحانه وتعالى. لماذا؟ لأن قلبه منيب: أي راجع إلى ربه بخشوع وتذلل بسريرة مرضية وعقيدة صحيحه، فاللهم ارزقنا عمراً وتوفيقاً لنعمل. (¬2) يتألم من المرض. (¬3) طول العمر خير لك حينئذ. (¬4) يمتد أجلك. (¬5) ترجع عن الإساءة وتطلب الرضى، وقال القسطلاني في باب تمني المريض الموت ودعائه، وإما أن يكون مسيئاً فلعله أن يستعتب يطلب العتبى: أي يطلب رضا الله بالتوبة ورد المظالم، وتدارك الفائت، وفي الحديث: =

51 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ تَتَمَنُّوا الْمَوْتَ، فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ (¬1) شَدِيدٌ، وَإِنَّ مِنَ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمُرُ الْعَبْدِ، وَيَرْزُقَهُ اللهُ الإِنَابَةَ (¬2). رواه أحمد بإسناد حسن والبيهقي. 52 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ. رواه البخاري، واللفظ له ومسلم. 53 - وفي رواية لمسلم: لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، وَلاَ يَدْعُوا بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ (¬3)، وَإِنَّهُ إِذَا مَاتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ (¬4)، وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمُرُهُ إِلاَّ خَيْراً. 54 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ (¬5) نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كانَ وَلاَ بُدَّ فاعِلاً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ (¬6) خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْراً لِي. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. ¬

= فسددوا وقاربوا: أي اقصدوا السداد والصواب، وقاربوا: أي لا تفرضوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملالة فتتركوا العمل فتفرطوا أهـ ص 260 جواهر البخاري؟ (¬1) القيامة. (¬2) التوبة والعمل الصالح. (¬3) لا يطلبه من الله تعالى قبل أن ينزل به، وزيادة العمر إذا اتقى الله فيه أكسبته حسنات. (¬4) مضى زمن التحصيل وابتدأ يجني ثمرة عمله في حياته [يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه] من سورة آل عمران. (¬5) مرض أو فقر. (¬6) مدة خيرية الحياة أعني عليها بالعمل الصالح وإلا فاقبضني إليك وسلمني من فتن الدنيا. دين الإسلام دين حضارة ومنهج عمران وسنة صالحة للحياة، يحث على الخير دائماً كما قال تعالى: [يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم (16)] من سورة المائدة من اتبع رضاه سبحانه وتعالى يهديه بالقرآن وبالسنة ويدله على طرق السلامة والنجاة من العذاب ويضيء له سبل الرشاد فلا يضجر ولا يسأم ولا يسخط، ولا يغضب ولا يصخب ولا يتمنى الموت، فالحياة ميدان جهاد وسوق نافقة لصالح الأعمال، فتاجر فيها أيها المسلم وجد وكد واستقم واذكر ربك.

الترغيب في الخوف وفضله

الترغيب في الخوف وفضله 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ فَذَكَرَهُمْ إِلى أَنْ قالَ: وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ (¬1) وَجَمَالٍ (¬2) فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ. رواه البخاري ومسلم، وتقدم بتمامه. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: كَانَ الْكِفْلُ (¬3) مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يَتَورَّعُ (¬4) مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَاراً علَى أَنْ يَطَأَهَا (¬5) فَلَمَّا أَرَادَهَا عَلَى نَفْسِهَا ارْتَعَدَتْ (¬6) وَبَكَتْ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قالَتْ: لأَنَّ هَذَا عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلاَّ الْحَاجَةُ، فَقَالَ تَفْعَلِينَ أَنْتِ هذا مِنْ مَخَافَةِ اللهِ، فَأَنَا أَحْرَى (¬7) اذْهَبِي فَلَكِ مَا أَعْطَيتُكِ، وَوَاللهِ مَا أَعْصِيهِ بَعْدَهَا أَبَداً، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَأَصْبَحَ مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِهِ: إِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ للْكِفْلِ فَعَجِبَ (¬8) النَّاسُ مِنْ ذلِكَ. رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) درجة سامية في قومها وبنت رجل كبير خطير. (¬2) حسن قوام ونضارة وصحة فامتنع عن الفاحشة خوفاً من الله. ما جزاؤه؟ يظله ربه في كنفه ويحيطه برحمته جزاء عمله هذا في حياته كما قال تعالى: [ولمن خاف مقام ربه جنتان] وكما وصف الصالحين سبحانه [يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون (50)] من سورة النحل. (¬3) اسم رجل. (¬4) لا يستحي. (¬5) ينكحها. (¬6) رجف فؤادها وارتعش جسمها. (¬7) أحق به، هنيئاً لك أيها الرجل الذي لاحظتك سعادة الله بمرور زمن عليك خفت عقابه وخشيت بأسه وتبت منه إليه ورجعت ذليلاً من كل عمل عملته فاغفر لي، ولمن قرأ هذا وعاهدنا على طاعتك إنك غفور رحيم. إن هذا الكفل من بني إسرائيل أخبر الله تعالى نبيه عن فعله وقبول توبته لنتعظ كما قال تعالى: [وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه] الكتاب القرآن [بالحق] بسبب الحق وإثباته وتبيين الصواب من الخطأ (مصدقاً لما بين يديه) لما تقدمه نزولاً وموافقتها في التوحيد والعبادة وتجديد التوبة وتبيين الصواب من الخطأ (مصدقاً لما بين يديه) لما تقدمه نزولاً وموافقتها في التوحيد والعبادة وتجديد التوبة والله تواب رحيم (ومهيمناً) أي وشاهداً لأنه يشهد بالصحة والثبات قال تعالى: [ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير (40)] من سورة المائدة .. (¬8) زادت دهشتهم من مسامحة الله للكفل، ولكن الله تعالى يقول على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم [قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم (53)] من سورة الزمر.

فضل الزهد ودرجاته 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ يَرْتَادُونَ (¬1) لأَهْلِهِمْ فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ فَلَجَؤُوا (¬2) إِلى جَبَلٍ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ لِبَعْضٍ: عَفَا الأَثَرُ (¬3)، وَوَقَعَ الْحَجَرُ، وَلاَ يَعْلَمُ بِمَكَانِكُمْ إِلاَّ اللهُ، فَادْعُوا اللهَ بِأَوْثَقِ أَعْمَالِكُمْ (¬4)، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كانَتِ امْرَأَةٌ تُعْجِبُنِي فَطَلَبْتُهَا فَأَبَتْ عَلَيَّ فَجَعَلْتُ لَهَا جُعْلاً (¬5)، فَلَمَّا قَرَّبَتْ نَفْسَهَا تَرَكْتُهَا (¬6)، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي إِنَّما فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحْمَتِكَ وَخَشْيَةَ عَذَابِكَ فافْرُجْ عَنَّا (¬7) فَزَالَ ثُلُثُ الْحَجَرِ، وَقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كانَ لِي وَالِدَانِ فَكُنْتُ أَحْلُبُ (¬8) لَهُمَا في إِنَائِهِمَا، فَإِذَا أَتَيْتُهُمَا وَهُمَا نَائِمَانِ قمْتُ حَتَّى يَسْتَيْقِظَا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَا شَرِبَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحْمَتِكَ وَخَشْيَةَ عَذَابِكَ فافْرُجْ عَنَّا فَزَالَ ثُلُثُ الْحَجَرِ، وَقَالَ الثّالِثُ: اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيراً (¬9) يَوْماً فَعَمِلَ لِي نِصْفَ النّهَارِ، فَأَعْطَيْتُهُ أَجْراً فَسَخِطَهُ (¬10) وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَوَفّرْتُهَا عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالُ (¬11)، ثُمَّ جَاءَ يَطْلُبُ أَجْرَهُ فَقُلْتُ: خُذْ هذَا كُلّهُ، وَلَوْ شِئْتُ لَمْ ¬

(¬1) ينتجعون ويطلبون الخير، وأصل الرائد الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث. (¬2) أووا إلى غار أي بيت منقور في جبل. (¬3) درس وامحى آثار المشي بالأقدام فلا يعرفنا أحد وانحطت الصخرة علينا فأخفت معالمنا. (¬4) بأرجى عمل عملتموه تثقون بقبوله. (¬5) أجراً لأتمكن منها وألمس عفافها. (¬6) تذكرت عقابك وزدت رهبة وامتنعت خوفاً منك. (¬7) أزل عنا ووسع علينا ما نحن فيه من الضيق. (¬8) أخرج اللبن من ضرع الشاة .. (¬9) عاملاً يأجر نحو اثني عشر قرشاً الآن. (¬10) غضب عليه. (¬11) نمى هذا الأجر واستثمره في تربية الماشية حتى أوجد منه وادياً مملوءاً بقراً مع راعيها، وسلمه ما استثمر ونمى. بخ بخ أي نفس مؤمنة تحفظ أجر ذلك العامل قليل الأجر، وتستخدمه في التجارة وتنمية الماشية حتى يكثر ويتضاعف مقداره ملايين، ويسلمه لصاحبه مضاعفاً. وقال النووي: في قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال يستحب للإنسان أن يدعوه جل وعلا في حال كربه بصالح عمله. وفيه فضل بر الوالدين وخدمتهما وإيثارهما على الأولاد والزوجة، وفضل العفاف والانكفاف عن المحرمات لا سيما بعد القدرة عليها والهم بفعلها ويترك لله تعالى خالصاً وجواز الإجازة وأداء الأمانة وحسن العهد والسماحة في المعاملة وإثبات كرامات الأولياء أهـ ص 502 جـ 2 مختار الإمام مسلم.

أُعْطِيهِ إِلاَّ أَجْرَهُ الأَوَّلَ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحْمَتِكَ وَخَشْيَةَ عَذَابِكَ فافْرُجْ عَنَّا، فَزَالَ الْحَجَرُ وَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ. رواه ابن حبان في صحيحه، ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عمر بنحوه وتقدم. فضل الخوف من الله تعالى 4 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: كَانَ رَجُلٌ (¬1) يُسْرِفُ (¬2) عَلَى نَفْسِهِ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَاحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي (¬3) في الرِّيحِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَّرَ اللهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبُنِي عَذَاباً مَا عَذَّبَهُ أَحَداً، فَلَمَا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذلِكَ، فَأَمَرَ اللهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ، أَوْ قالَ: مَخَافَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ (¬4). 5 - وَفي رواية: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: قالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لأَهْلِهِ: إِذَا مِتُّ فَحَرِّقُوهُ ثُمَّ ذَرُّوا نِصْفَهُ في الْبَرِّ وَنِصْفَهُ في الْبَحْرِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَّرَ اللهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا يُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ، فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا بِهِ مَا أَمَرَهُمْ فأَمَرَ اللهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ أَنْ يَجْمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قالَ: لِمَ فَعَلْتَ هذا؟ قالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ فَغَفَرَ اللهُ تَعَالى لَهُ. رواه البخاري ومسلم، ورواه مالك والنسائي ونحوه. 6 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللهُ مالاً فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حَضَرَ: أَيَّ أَبٍ (¬5) كُنْتُ لَكُمْ؟ قالوا خَيْرَ أَبٍ. فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ فَإِذَا مِتُّ فَاحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي ¬

(¬1) من بني إسرائيل. (¬2) يحملها فوق طاقتها من شدة خوفه من الله جل وعلا. (¬3) دقوا أجزاء جسمي وفرقوها متناثرة، من التذرية، وهو التفريق. (¬4) سامحه من جراء كثرة خشيته، ففيه الترغيب بأن يملأ الإنسان قلبه خوفاً منه جل وعلا ويتذكر سطوته ويرجو رحمته ويخشى عذابه. (¬5) على أي حال كان والدكم.

في رِيحٍ عَاصِفٍ (¬1) فَفَعَلُوا فَجَمَعَهُ اللهُ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ فَقَالَ: مَخَافَتُكَ، فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ؛ رواه البخاري ومسلم. [رغسه] بفتح الراء والغين المعجمة بعدهما سين مهملة. قال أبو عبيدة: معناه أكثر له منه وبارك له فيه. 7 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمَاً أَوْ خَافَنِي في مَقَامٍ (¬2). رواه الترمذي والبيهقي، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. 8 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلاَ تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي (¬3) فاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً. الحديث رواه البخاري ومسلم وتقدم بتمامه في الإخلاص، وفي لفظ مسلم: إِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَايَ (¬4) أَيْ مِنْ أَجْلِي. وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين 9 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فِيما يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلا أَنَّهُ قالَ: وَعِزَّتِي لا أَجْمَعُ عَلى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ: إِذَا خَافَنِي (¬5) في الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي في الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ في الآخِرَةِ. رواه ابن حبان في صحيحه. ألا إن سلعة الله الجنة 10 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَيَضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه ¬

(¬1) شديد الريح قوياً جداً. (¬2) موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة فترك المعاصي، أو فأدى الفرائض كما قال تعالى: [ولمن خاف مقام ربه جنتان (46)] من سورة الرحمن. جنة الإنس الخائف وجنة الجن الخائف [ذواتا أفنان] أغصان تورق وتثمر، فمنها تمتد الظلام ومنها تجتنى الثمار: ومن كل أفنان اللذاذة والصبا ... لهوت به والعيش أخضر ناضر (¬3) ابتغاء ثوابي وخوفاً من عقابي وحباً في رضاي. (¬4) أي من أجل خوفي. (¬5) اتقاني. وأثرت التقوى، وأثمرت صالح الأعمال وأينعت مكارم الأخلاق.

وسلم يَقُولُ: منْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمنْزِلَ، أَلاَ إِن سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الْجَنَّةُ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن. [أدلج] بسكون الدال: إذا سار من أول الليل؛ ومعنى الحديث: أن من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة، والمبادرة بالأعمال الصالحة خوفاً من القواطع والعوائق. 11 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ دَخَلَتْهُ خَشْيَةُ اللهِ فَكَانَ يَبْكِي عِنْدَ ذِكْرِ النَّارِ حَتَّى حَبَسَهُ ذَلِكَ في الْبَيْتِ فَذُكِرَ ذلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَجَاءَهُ في الْبَيْتِ، فَلَمَا دَخَل عَلَيْهِ اعْتَنَقَهُ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم وَخَرَّ مَيِّتاً فَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: جَهِّزُوا صَاحِبَكُمْ فَإِنَّ الْفَرَقَ فَلَذَ كَبِدَهُ. رواه الحاكم والبيهقي من طريقه وغيره، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين، والأصبهاني من حديث حذيفة، وتقدم حديث ابن عباس في البكاء قريباً من معناه، وحديث النبي أيضاً. [الفرق] بفتح الفاء والراء: هو الخوف. [وفلذ كبده] بفتح الفاء واللام وبالذال المعجمة: أي قطع كبده. 12 - وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ قالَ: أَمَّنَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في مَسْجِدِ بَنِي قُشَيْرٍ (¬1) فَقَرَأَ الْمُدَّثِّرَ، فَلَمَّا بَلَغَ نُقِرَ في النَّاقُورِ (¬2) خَرَّ مَيِّتاً (¬3). رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. 13 - وَعَنْ أَبي هَرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ (¬4) مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ ¬

(¬1) قشير كذا ع ص 273 - 2 وفي ن ط بشير. (¬2) نفخ في الصور، وهي النفخة الأولى [يا أيها المدثر (1) قم فأنذر (2) وربك فكبر (3) وثيابك فطهر (4) والرجز فاهجر (5) ولا تمنن تستكثر (6) ولربك فاصبر (7) فإذا نقر في الناقور (8) فذلك يومئذ يوم عسير (9) على الكافرين غير يسير (10)] من سورة المدثر. (¬3) سقط مفارق الحياة. (¬4) العذاب الشديد.

اللهِ مِنْ الرَّحْمَةِ (¬1) مَا قَنَطَ (¬2) مِنْ رَحْمَتِهِ. رواه مسلم. من برّ والديه حياً وميتاً كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة 14 - وَعَنْ أَبي كاهِلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَا أَبَا كاهِلٍ أَلاَ أُخْبِرُكَ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قالَ: أَحْيَا اللهُ قَلْبَكَ، وَلاَ يُمِتْهُ يَوْمَ يَمُوتُ بَدَنُكَ. اعْلَمْ يَا أَبَا كاهِلٍ أَنَّهُ لَمْ يَغْضَبْ رَبُّ الْعِزَّةِ عَلَى مَنْ كانَ فِي قَلْبِهِ مَخَافَةٌ (¬3)، وَلاَ تَأْكُلُ النَّارُ مِنْهُ هُدْبَةً (¬4) اعْلَمْ يَا أَبَا كاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ حَيَاءً مِنَ اللهِ (¬5) سِرّاً وَعَلانِيَةً كانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ (¬6) يَوْمَ الْقِيَامَةِ. اعْلَمْ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنّهُ مَنْ دَخَلَ حَلاَوَةَ الصَّلاَةِ (¬7) قَلْبَهُ حَتَّى يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا كانَ حَقّاً على اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. اعْلَمْ (¬8) يَا أَبَا كاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْمَاً وَأَرْبَعِيَنَ لَيْلَةً في جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كانَ حَقّاً علَى اللهِ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ (¬9). اعْلَمَنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مَعَ شَهْرِ رَمَضَانَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُرْوِيَهُ (¬10) يَوْمَ الْعَطَشِ. اعْلَمَنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ كَفَّ (¬11) أَذَاهُ عَنِ النَّاسِ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ عَذَابَ الْقَبْرِ. اعْلَمَنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ حَيّاً وَمَيِّتاً كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قُلْتُ: كَيْفَ يَبَرُّ وَالِدَيْهِ إِذَا كَانَا مَيِّتَيْنِ؟ قالَ: بِرُّهُمَا أَنْ يَسْتَغْفِرَ (¬12) ¬

(¬1) فضله ورأفته. (¬2) ما يئس. وفي ن ط: ما قنط من رحمته أحد. (¬3) خوف وخشية. (¬4) قطعة من جسمه. وفيه "ما من مؤمن يمرض إلا حط الله هدبة من خطاياه" أي قطعة منها، وطائفة: أي لا تمس منه جزءاً مثل هدب العين: أي الذي نبت من الشعر على أشفارها، والجمع أهداب، مثل قفل وأقفال ورجل أهدب: طويل الأهداب، وهدبة الثوب طرته. (¬5) في د: حياء من الله عز وجل: أي في حالة الإخفار والإجهار: أي يراقبه ويخشاه في كل حالة له خفية وجهرة. (¬6) لا يفضحه على رؤوس الأشهاد، ويقرره بذنوبه بينه تعالى وبينه، فلا يطلع أحداً من أهل المحشر. ثم يكرمه بالعفو. (¬7) استلذ بصلاته وسرت في جسمه وذاق طعمها وشعر بالخشوع والرهبة والرغبة والخشية. (¬8) اعلم كذا د وع ص 374 - 2. وفي ن ط: اعلمن .. (¬9) إجازة وعتقاً. (¬10) يزيل ظمأه ويسقيه يوم شدة العطش من الأهوال والعذاب. (¬11) منع. (¬12) يكثر من طلب المغفرة لهما والدعاء لهما بالرحمة، ولا يشتم أحداً خشية أن يشتم أبويه كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يعلن الرجل والديه" وفسرها صلى الله عليه وسلم " يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه أو يسب أمه".

لِوَالِدَيْهِ، وَلاَ يَسُبَّهُمَا، وَلاَ يَسُبَّ وَالِدَيْ أَحَدٍ فَيَسُبَّ وَالِدَيْهِ. اعْلَمنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنّهُ مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ عِنْدَ حُلُولِهَا كانَ حَقّاً عَلى اللهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ رُفَقَاءِ الأَنْبِيَاءِ (¬1). اعْلَمنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ قلّتْ عِنْدَهُ حَسَنَاتُهُ، وَعَظُمَتْ عِنْدَهُ سَيِّئَاتُهُ كانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يُثْقِلَ مِيزانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. اعْلَمَنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ يَسْعَى عَلَى امْرَأَتِهِ وَوَالِدِهِ، وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ (¬2) يُقِيمُ فِيهِمْ أَمْرَ اللهِ يُطِعِمُهُمْ مِنْ حَلالٍ (¬3) كَانَ حَقّاً عَلى اللهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مَعَ الشُّهَدَاءِ (¬4) في دَرَجَاتِهِمْ. اعْلَمَنَّ يَا أَبَا كَاهِلٍ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ (¬5) ثَلاَثَ مَرّاتٍ حُبّاً لِي، وَشَوقَاً إِلَيَّ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ بِكُلِّ مَرَّةٍ ذُنُوبَ حَوْلٍ. رواه الطبراني، وهو بجملته منكر، وتقدم في مواضع من هذا الكتاب ما يشهد لبعضه، والله أعلم بحاله. والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً 15 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، وَلَضَحِكْتُمُ قَلِيلاً، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَيَّ الصُّعُدَاتِ (¬6) تَجْأَرُونَ إِلى اللهِ لاَ تَدْرُونَ تَنْجُونَ أَوْ لاَ تَنْجُونَ. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. [تجأرون] بفتح المثناة فوق وإسكان الجيم بعدهما همزة مفتوحة: أي تضجون وتستغيثون. والله لوددت أني شجرة تعضد 16 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: [هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ] حَتَّى خَتَمَهَا ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ. أَطَّتِ السَّماءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَ مَا فِيهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلاَّ مَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدَاً للهِ، وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، وَمَا ¬

(¬1) من الصديقين المصاحبين للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في الدرجات العالية في الجنة. (¬2) خدمه وحشمه وأقرباؤه الذين تجب نفقتهم عليه. (¬3) مكسبه من حلال طيب. (¬4) مع الذين ماتوا مجاهدين في سبيل الله في الدرجة. (¬5) من أكثر الصلاة عليه محبة واشتياقاً محا الله عنه ذنوب سنة، وأقلها ثلاث مرات: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (¬6) الطرق جمع صعد، وقيل جمع صعدة كظلمة، وهي فناء باب الدار وممن الناس بين يديه. أطلع الني صلى الله عليه وسلم على نعيم الجنة لو رأى الناس ذلك لهاموا وهربوا وبكوا.

تَلَذَّذْتُمْ (¬1) بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَيَّ الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلى اللهِ، وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَد (¬2). رواه البخاري باختصار والترمذي إلا أنه قال: مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، والحاكم واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد. [أطت] بفتح الهمزة وتشديد الطاء المهملة من الأطيط: وهو صوت القتب والرحل ونحوهما إذا كان فوقه ما يثقله، ومعناه أن السماء من كثرة ما فيها من الملائكة العابدين أثقلها حتى أطت. [والصعدات] بضم الصاد والعين المهملتين: هي الطرقات. 17 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ فَقَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وُجُوهَهُمْ لَهْم خَنِينٌ (¬3). رواه البخاري ومسلم. 18 - وفي رواية: بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ فَخَطَبَ ¬

(¬1) من شدة هول ما ترون لم تحصل لكم لذة النساء، والتمتع بجمالهن كما قال تعالى: [وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا] من سورة النور. قال النسفي وكونوا حذرين خاشعين، لأنهم إذا حذروا دعاهم الحذر إلى اتقاء كل سيئة وعمل كل حسنة أهـ وقال أهل المعرفة المطلوب ثلاثة أشياء: البكاء على الجفاء، والدعاء على العطاء، والرضا بالقضاء؛ فمن ادعى المعرفة ولم يكن فيه هذه الثلاثة فليس بصادق في دعواه. (¬2) تقطع، يقال عضدت الشجرة أعضدها عضداً. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يميزه الله بميزات ويعطيه كرامات ويؤيده بمعجزات ووعده سبحانه بزيادة الدرجات، ومع شدة الرهبة يود "أني شجرة تقطع" لماذا؟ نهاية المعرفة بقدر ربه وكثرة خشيته، ولقد صدق "إني لأخشاكم لله" وسورة الدهر التي قرأها، أولها [هل أتى على الناس حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا (1) إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا (2) إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا (3) إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا (4) إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا (5)] من سورة الدهر. (حين) طائفة من الزمن الممتد كان الإنسان منسياً غير مذكور. (أمشاج) أخلاط من مني الرجل والمرأة: أي من نطفة قد امتزج فيها الماءان: مشجه مزجه: أي خلقناه مبتلين أي مريدين ابتلاءه بالأمر والنهي له (سميعاً) ذا سمع وبصر. ثم بينا له طريق الهدى بأدلة العقل والسمع (شاكراً) مؤمناً. (كفوراً) كافراً (كافورا) أي ماء كافور، وهو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته ويرده، وللكافرين سلاسل بها يقادون وأغلال بها يقيدون وناراً بها يحرقون. (¬3) ضرب من الكباء دون الانتحاب. وأصل الخنين: خروج الصوت من الأنف: كالخنين من الفم، وفيه أنه كان يسمع خنينه في الصلاة أهـ نهاية.

فَقَالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ والنَّارُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ في الْخَيْرِ والشَّرِّ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ غَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ. [الخنين] بفتح الخاء المعجمة بعدها نون: هو البكاء مع غنة بانتشار الصوت من الأنف. إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه 19 - وَرُوِيَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا اقْشَعَرَّ (¬1) جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تَحَاتَّتْ (¬2) عَنْهُ ذُنُوبُهُ كما يَتَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ وَرَقُهَا. رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب والبيهقي. 20 - وفي رواية للبيهقي قال: كُنَّا جُلُوساً مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَهَاجَتِ (¬3) الرِّيحُ، فَوَقَعَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ وَرَقٍ نَخِرٍ (¬4)، وَبَقِيَ مَا كَانَ مِن وَرَقٍ أَخْضَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صل اللهُ عليه وسلم: مَا مَثَلُ هذِهِ الشَّجَرَةِ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: مَثَلُ الْمؤْمِنِ إِذَا اقْشَعَرَّ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَعَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ وَبَقِيَتْ لَهُ حَسَنَاتُهُ. 21 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: لما أنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى اللهُ عليه وسلم هذِهِ الآيَةَ: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا (¬5) أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارا (¬6) ¬

(¬1) مر على العبد ذكر الله فخشي وارتجف فؤاده وأصابته رعدة من تقصيره في حقوق الله. (¬2) تساقطت. (¬3) اضطربت واشتدت. (¬4) يابس، يقال نخر العظم من باب تعب بلي وتفتت فهو نخر وناخر. (¬5) اجعلوا لها وقاية حافظة تبعدكم عن الوقوع في النار بترك المعاصي، وفعل الطاعات (وأهليكم) أقاربكم وأصحابكم وخدمكم بالنصح والتأديب. (¬6) ناراً تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب "عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" (6) من سورة التحريم. أي الزبانية التسعة عشر، وأعوانهم غلاظ الأقوال شداد الأفعال يتقبلون أوامره ويلتزمونها [ويفعلون ما يؤمرون] إنهم يؤدون ما يؤمرون به ولا يتثاقلون عنه، ولا يتوانون فيه أهـ نسفي. وقال البيضاوي لا يعصون فيما مضى ويفعلون فيما يستقبل، أولا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به أهـ، هذه الآية تطلب من كل مسلم أن يتقي الله ويخشى عذابه وينصح أهله بالاستقامة ويرشدهم إلى صالح الأعمال، ويدعوهم إلى التحلي بمكارم الأخلاق والدأب في تحصيل وجوه البر، وقد حكى الله تعالى عن طائفة سمعت كلام الله تعالى فخرت خاضعة له فوقاهم ربهم عذاب الجحيم بحسب خوفهم قال تعالى: [لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا =

الترغيب في الرجاء وحسن الظن بالله عز وجل سيما عند الموت

وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ] تَلاَهَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى أَصْحَابِهِ فَخَرَّ فَتىً مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَوَضَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى فُؤَادِهِ فَإِذَا هُوَ يَتَحَرَّكُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَا فَتَى قُلْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ فَقَالَها، فَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمِنْ بَيْنِنَا؟ قالَ: أَوَ مَا سَمِعْتُمْ قَوْلَهُ تَعَالَى: [ذلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامي وَخَافَ وَعِيدِ]. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد كذا قال. من خاف الله عز وجل خوف الله منه كل شيء 22 - وَرُوِيَ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ خَافَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَوَّفَ اللهُ مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَمَنْ لَمْ يَخَفِ اللهَ خَوَّفَهُ اللهُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ. رواه أبو الشيخ في كتاب الثواب ورفعه منكر. الترغيب في الرجاء وحسن الظن بالله عز وجل سيما عند الموت 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: قالَ اللهُ تَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي (¬1) وَرَجَوْتَنِي (¬2) غَفَرْتُ لَكَ (¬3) عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ، وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ (¬4) ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ¬

= وأنهم لا يستكبرون (82) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين (83) وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين (84) فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين (85) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (86)] من سورة المائدة. يبين الله لك طائفة حنت إلى تعاليم الإسلام واشتاقت إلى سماع كتاب الله تعالى وامتلأت قلوبهم إيماناً به فحسن يقينهم بالله [ترى أعينهم تفيض من الدمع] قال البيضاوي بيان لرقة قلوبهم وشدة خشيتهم ومسارعتهم إلى قبول الحق وعدم تأبيهم عنه: أي جعلت أعينهم من فرط البكاء كأنها تفيض بأنفسها (المحسنين) الذين أحسنوا النظر والعمل، أو الذين اعتادوا الإحسان في الأمور. روي أنها نزلت في النجاشي وأصحابه بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه فقرأه؛ ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه، وأحضر الرهبان والقسيسين فأمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ سورة مريم فبكوا وآمنوا بالقرآن، وقيل نزلت في ثلاثين أو سبعين رجلاً من قومه وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم سورة يس فبكوا وآمنوا. (¬1) طلبت مني. (¬2) أملت وتضرعت إلي. (¬3) محوت ذنوبك. (¬4) السحاب الواحدة عنانة، وقيل ما عن لك منها: أي اعتراض وبدا لك إذا رفعت رأسك، ويروى أعنان السماء: أي نواحيها واحدها عنن وعن أهـ نهاية.

يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا، ثُمّ لَقِيتَني لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئاً (¬1) لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً. رواه الترمذي وقال: حديث حسن. [قراب الأرض] بكسر القاف وضمها أشهر: هو ما يقارب ملأها. 2 - وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم دَخَلَ على شَابٍّ وَهُوَ في الْمَوْتِ فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قالَ: أَرْجُو اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ يَجْتَمِعَانِ في قَلْبِ عَبْدٍ في مِثْلِ هذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو، وَأَمّنَهُ مِمَّا يَخَافُ. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب وابن ماجة وابن أبي الدنيا كلهم من رواية جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس. [قال الحافظ]: إسناده حسن، فإن جعفراً صدوق صالح احتج به مسلم، ووثقه النسائي وتكلم فيه الدارقطني وغيره. أول ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة 3 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ مَا أَوَّلُ مَا يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا أَوَّلُ مَا يقُولُونَ لَه؟ قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ قالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِلْمُؤْمِنينَ هَلْ أَحْبَبْتُمْ لِقَائِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ يَا رَبَّنَا، فَيَقُولُ: لِمَ؟ فَيَقُولُونَ: رَجَوْنَا عَفْوَكَ (¬2) وَمَغْفِرَتَكَ، فَيَقُولُ: قَدْ وَجَبَتْ (¬3) لَكُمْ مَغْفِرَتِي. رواه أحمد من رواية عبيد الله بن زحر. [قال الحافظ]: وتقدم في الباب قبله حديث الغار وغيره، وفي الباب أحاديث كثيرة ¬

(¬1) اعتقدت أني واحد في ذاتي وصفاتي وأفعالي وأخلصت لي في العبادة. (¬2) كنا في الحياة نعمل ونأمل رضاك ونتعشم إحسانك ونطمئن نفوسنا بكرمك وحلمك وسعة رحمتك فأنت القائل: أ -[ورحمتي وسعت كل شيء]. ب -[كتب ربكم على نفسه الرحمة]. جـ -[قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم (53) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون (54) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون (55)] من سورة الزمر. فقد أنبنا إليك ما استطعنا. (¬3) حقت تفضلاً مني كما قال تعالى [إن الله لا يخلف الميعاد] فوعده حتى لا يتخلف.

جداً تقدمت في هذا الكتاب ليس فيها تصريح بفضل الخوف والرجاء، وإنما هي ترغيب أو ترهيب في لوازمهما ونتائجهما لم نعد ذلك فليطلبه من شاء. 4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي (¬1) وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي الحديث. رواه البخاري ومسلم. حسن الظن من حسن العبادة 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: حُسْنُ الظّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ. رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه واللفظ لهما والترمذي والحاكم ولفظهما قال: إِنّ حُسْنَ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ اللهِ. 6 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ: لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ. رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة. 7 - وَعَنْ حَيَّانَ أَبِي النَّضْرِ قالَ: خَرَجْتُ عَائِداً لِيَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ فَلَقِيتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ وَهُوَ يُرِيدُ عِيَادَتَهُ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَلَمّا رَأَى وَاثِلَة بَسَطَ يَدَهُ وَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْهِ فَأَقْبَلَ وَاثِلَةُ حَتَّى جَلَسَ فَأَخَذَ يَزِيدُ بِكَفَّي وَاثِلَةَ فَجَعَلَهُمَا عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ: كَيْفَ ظَنُّكَ باللهِ؟ قالَ: ظَنِّي بِاللهِ واللهِ حَسَنٌ. قالَ: فَأَبْشِرْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: قالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي إِنْ ظَنَّ خَيْراً فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرّاً فَلَهُ (¬2). رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي. ¬

(¬1) إن ظن أني أعفو عنه وأغفر له فله ذلك، وإن ظن أني أعاقبه وأؤاخذه فكذلك، فينبغي للمرء أن يجتهد بقيام وظائف العبادات موقناً بأن الله يقبله ويغفر له، لأنه وعده بذلك، وهو لا يخلف الميعاد، فإن اعتقد خلاف ذلك فهو آيس من رحمة الله، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وكل إلى ظنه، وأما ظن المغفرة مع الإصرار على المعصية فذلك محض الجهل والغفلة (معه) أي بعلمي ومعه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية والإعانة أهـ 245 جواهر البخاري. إن المرجو فيك أن تكثر من الرغبة في طاعة الله والتذلل إليه دائماً في إتمام أعمالك والتضرع إليه في جميع حاجياتك فأنت عبد محتاج إلى عطفه وإلى فضله، وهو الكبير الكريم المتعال. (¬2) اعتقد سوء الخاتمة فأرخى العنان لنفسه في العصيان وعاند وجاهر ربه بالفسوق.

8 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: وَالَّذِي لاَ إِلهَ غَيْرُهُ لاَ يُحْسِنُ عَبْدٌ باللهِ الظَّنَّ إِلاَّ أَعْطَاهُ ظَنّهُ، وَذَلِكَ بِأَنَّ الْخَيْرَ في يَدِهِ رواه الطبراني موقوفاً، ورواته رواة الصحيح إلا أن الأعمش لم يدرك ابن مسعود. 9 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ إِلى النَّارِ، فَلَمَا وَقَفَ على شَفَتِهَا (¬1) الْتَفَتَ فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ يَا رَبِّ إِنْ كَانَ (¬2) ظَنِّي بِكَ لَحَسَنٌ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: رُدُّوهُ أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِ بِي. رواه البيهقي عن رجل من ولد عبادة بن الصامت لم يسمه عن أبي هريرة. ¬

(¬1) طرفها. (¬2) إن ظني بك لحسن كان والله يا رب. يقسم بذاته وبجلاله إنه في حياته كان حسن الظن به ولذا نودي "أبعدوه عن النار فلقد صدق" وهو سبحانه المطلع على الضمائر. وإن مخففة من الثقيلة أي أنه وكان زائدة. ولقد أخذت درساً عملياً من والدي رحمه الله فقد كان حسن الظن بربه دائماً، ومع هذا أراه زاهداً في حياته لا يتعامل، ولا يحمل نقوداً، ويكثر من قراءة القرآن ليل نهار، وينصحني أن أتقي الله وأرجو رحمته، وأخشى عذابه. قال تعالى: [ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين (93)] من سورة المائدة. (جناح) أي إثم في كل ما لم يحرم عليهم (اتقوا) المحرم وثبتوا على الإيمان والأعمال الصالحة (ثم اتقوا) ما حرم عليهم بعد كالخمر (ثم اتقوا) وثبتوا على اتقاء المعاصي وأحسنوا وتحروا الأعمال الصالحة روي أنه لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر؟ فنزلت، ويحتمل أن يكون التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة أو باعتبار الحالات الثلاث: استعمال الإنسان التقوى، والإيمان بينه وبين نفسه، وبينه وبين الناس، وبينه وبين الله تعالى، ولذلك بدل الإيمان بالإحسان في الكرة الثالثة إشارة إلى ما قاله عليه الصلاة والسلام في تفسيره "أن تعبد الله كأنك تراه" أو باعتبار المراتب الثلاث المبدأ والوسط والمنتهى، أو باعتبار ما يتقي فإنه ينبغي أن يترك المحرمات توقياً من العقاب والشبهات تحرزاً من الوقوع في الحرام، وبعض المباحات، تحفظاً للنفس عن الخسة وتهذيباً لها عن أنس الطبيعة (المحسنين) لا يؤاخذهم بشيء وفيه من فعل ذلك صار محسناً، ومن صار محسناً صار لله محبوباً أهـ بيضاوي. إن شاهدنا تكرار التقوى لطلب الخوف من الله تعالى: أ - اتقوا الشرك. ب - اتقوا المعاصي. جـ - اتقوا الشبهات، وبعد الابتعاد عن الثلاثة يحصل الرجاء. آيات الترهيب من سوء الظن بالله تعالى واليأس من رحمته أ - قال تعالى: [قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم (52)] من سورة الزمر. ب - وقال تعالى: [ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون (156)] من سورة الأعراف. =

كتاب الجنائز وما يتقدمها

كتاب الجنائز وما يتقدمها الترغيب في سؤال العفو والعافية سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قالَ: سَلْ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ (¬1) وَالْمُعَافَاة في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، ثُمَّ أَتَاهُ في الْيَوْمِ الثَّانِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَاهُ في الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذلِكَ قالَ: فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَافِيَةَ في الدُّنْيَا وَأُعْطِيتَهَا في الآخِرَةِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ (¬2). رواه الترمذي واللفظ له وابن أبي الدنيا كلاهما من حديث سلمة بن وردان عن أنس، وقال الترمذي: حديث حسن. سلوا الله العفو والعافية 2 - وَعَنْ أَبي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قامَ عَلى المِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: قَامَ فِينَا ¬

= جـ - وقال تعالى: [إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (116)] من سورة النساء. د - وقال تعالى: [إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون (87)] من سورة يوسف. هـ - وقال تعالى: [وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا] من سورة الحشر. و- وقال تعالى: [ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون (22) وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين (23) فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين (24)] من سورة فصلت. ز - وقال تعالى: [بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوماً بورا (12)] من سورة الفتح. ح - وقال تعالى: [وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً (36)] من سورة يونس. ط - وقال تعالى: [وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً (7)] من سورة الجن. ي - وقال تعالى: [فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين (147)] من سورة الأنعام. (¬1) أن تسلم من الأسقام والبلايا، وهي الصحة ضد المرض، والمعافاة أن يعافيك الله من الناس، ويعافيهم منك: أي يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم، وقيل هي مفاعلة من العفو، وهو أن يعفو عن الناس ويعفوا هم عنه. والعفو اسم من أسماء الله تعالى، وهو فعول من العفو، وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه أهـ نهاية. يعلمك رسول الله صلى الله عليه وسلم آداب الدعاء وصيغته فتطلب من الله التوفيق والسعادة والتيسير. أسأل الله العافية والعفو والمغفرة والرحمة. (¬2) فزت ونجحت.

رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَامَ أَوَّلَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ والْعَافِيَةَ فَإِنَّ أَحَداً لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْراً مِنَ الْعَافِيَةِ. رواه الترمذي من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل وقال: حديث حسن غريب، ورواه النسائي من طرق، وعن جماعة من الصحابة. وأحد أسانيده صحيح. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا مِنْ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ والْعَافِيَةَ. 4 - وَفي رِوَايَةٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْمُعَافَاةَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ. رواه ابن ماجة بإسناد جيد. 5 - وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي؟ قالَ: قُلِ اللَّهُمَّ اغْفِر لِي وارْحَمْنِي وَعَافِنِي وارْزُقْنِي، ويَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إِلاَّ الإِبْهَامَ، فَإِنَّ هؤلاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وآخِرَتَكَ. رواه مسلم. 6 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسَلَّم: يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم أَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ بِالْعَافِيةِ. رواه ابن أبي الدنيا والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري. 7 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ والإِقَامَةِ (¬1). قَالُوا: فَمَاذَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن. 8 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَا سُئِلَ اللهُ شَيْئاً أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَافِيَةِ. رواه الترمذي وقال: حديث غريب، وابن أبي الدنيا والحاكم في حديث، وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) وقت الاستجابة الذي تتفتح له أبواب الرحمة يجاب دعاء الداعي.

الترغيب في كلمات يقولهن من رأى مبتلى

[قال الحافظ]: رووه كلهم من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وهو ذاهب الحديث عن موسى بن عقبة عن نافع عنه. 9 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قالَ: قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. الترغيب في كلمات يقولهن من رأى مبتلى 1 - عَنْ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلاءٍ (¬1) فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ الذِي عَافَانِي (¬2) مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ (¬3)، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً، لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلاءُ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، ورواه ابن ماجة من حديث ابن عمر، ورواه البزار والطبراني في الصغير من حديث ¬

(¬1) مرض أو محنة أو عاهة فشكر الله وأثنى عليه. (¬2) أبعد عني. (¬3) اختبرك، وفي الجامع الصغير مبتلى في بدنه أو دينه: أي علم بحضوره. ويستحب مع ذلك أن يسجد شكراً لله تعالى على سلامته من ذلك، ويجهر له بذلك إن أمن من شره، وكان سبب حصوله معصية. وقال الحفني ويظهر ذلك له إن كان فاسقاً متجاهراً كأن كان حذرنا الخ لينزجر غيره وإلا أخفاه أهـ ص 329. يعلمك رسول الله صلى الله عليه وسلم الرضا والقناعة، وأن تملأ قلبك ثقة به، لأنه غمرك بنعمه وإحسانه، وتكثر من حمده وتمجيده رجاء معافاتك، وفي الغريب أسألك العفو والعافية: أي ترك العقوبة والسلامة قال تعالى: "إن الله كان عفواً غفوراً" أهـ. وفي شرح قوله صلى الله عليه وسلم "أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله" إطلاق الدعاء على الحمد من باب المجاز ولعله جعل أفضل الدعاء من حيث إنه سؤال لطيف يدق مسلكه، ومن ذلك قول أمية بن أبي الصلت حين خرج إلى بعض الملوك يطلب نائلة. إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاك من تعرضه الثناء وقيل إنما جعل الحمد أفضل، لأن الدعاء عبارة عن ذكر، وأن يطلب منه حاجة والحمد لله يشملها، فإن من حمد الله إنما يحمده على نعمه، والحمد على النعمة طلب مزيد قال تعالى: [لئن شكرتم لأزيدنكم] وقوله صلى الله عليه وسلم "أفضل الدعاء أن تسأل ربك العفو: أي محو الذنوب والعافية" قال العلقمي قال شيخنا بأن تسلم من الأسقام والبلايا، وقال أيضاً، وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن. (أفلحت) قال في الدر: الفلاح البقاء والفوز والظفر. وقال الحفني: هو أبلغ من الغفر لأنه الستر والعفو المحو والمعافاة مفاعلة فإذا سألها الإنسان كان المعنى: أطلب منك يا رب أن يعفو الناس عني وأن أعفو عنهم لا أن المفاعلة بينه وبين الرب سبحانه أهـ جامع صغير ص 240.

الترغيب في الصبر سيما لمن ابتلي في نفسه أو ماله وفضل البلاء والمرض والحمى، وما جاء فيمن فقد بصره

أبي هريرة وحده، وقال فيه: فَإِذَا قالَ ذلِكَ شَكَرَ تِلْكَ النِّعْمَةَ. وإسناده حسن. الترغيب في الصبر سيما لمن ابتلي في نفسه أو ماله وفضل البلاءِ والمرض والحمى، وما جاء فيمن فقد بصره الصبر ضياء 1 - عَنْ أَبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الطُّهُورُ (¬1) شَطْرُ الإِيْمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ (¬2)، وَسُبْحَانَ اللهِ (¬3) وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ أَوْ تَمْلأُ (¬4) مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ (¬5)، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ (¬6) وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ (¬7)، ¬

(¬1) بالضم على الأفصح، والمراد به الفعل والتطهير والنظافة والنقاء من الأوساخ والأقذار والبراءة من العيوب الباطنة. قال الحفني: أي الطهارة شرط صحة في الصلاة، وإن أريد بالإيمان حقيقته أعني التصديق القلبي كان المعنى على التشبيه: أي هو كالشطر منه بجامع توقف كمال الإيمان عليه، وقال العلقمي، أي نصفه، والمعنى أن الأجر فيه ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان، وقيل الإيمان يجب ما قبله من الخطايا، وكذا الوضوء إلا أنه لا يصح إلا بالإيمان فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر. وقيل المراد بالإيمان الصلاة والطهارة شرط في صحتها فصارت كالشطر، ولا يلزم من الشطر أن يكون نصفاً حقيقياً. وقال النووي: وهذا أقرب الأقوال. (¬2) يملأ ثوابها. (¬3) بفرض الجسمية لو مثل ثواب قائل الحمد لله وشاكر ربه لرجحت كفت ميزانه وزاد وزنها. ففيه الترغيب بكثرة الثناء على الله والإقبال عليه بأداء أوامره وشكره رجاء ثقل الميزان بكسب الحسنات. (¬4) يملأ ثواب كل منهما لو جسم لقدر حجمه كما بين السماء والأرض. قال المناوي: وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله: سبحان الله والتفويض والافتقار بقوله: الحمد لله، فعليك أخي بكثرة تسبيح الله وتحميده وتمجيده وذكره رجاء نيل أجر الله .. (¬5) قال العلقمي لأنها تمنع عن المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به، وقيل يكون أجر الصلاة نوراً لصاحبها يوم القيامة؛ وقيل لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف، وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها وإقباله على الله، وقيل يكون نوراً ظاهراً على وجهه يوم القيامة: وفي الدنيا أيضاً على وجهه بالبهاء، بخلاف من لم يصل. (¬6) قال العلقمي أي حجة على إيمان فاعلها، فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها، زاد النووي قال صاحب التحرير: معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول تصدقت به وقال: ويجوز أن يوسم المتصدق بسيمة يعرف بها فتكون برهاناً له على حاله ولا يسأل عن مصرف ماله. (¬7) قال العلقمي قال النووي: معناه الصبر المحبوب في الشرع، وهو الصبر عل طاعة الله والصبر عن معصيته والصبر أيضاً على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا، والمراد أن الصبر المحبوب لايزال صاحبه مستضيئاً مهتدياً مستمراً على الصواب. قال إبراهيم الخواص الصبر هو الثبات على الكتاب والسنة وقال الأستاذ أبو علي الدقاق حقيقة الصبر أن لا يعترض على المقدور فأما إظهار البلاء لا على وجه الشكوى، فلا ينافي الصبر، قال تعالى =

القرآن حجة لك أو عليك وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا (¬1) أَوْ مُوبِقُهَا (¬2) رواه مسلم. ¬

= في أيوب [إنا وجدناه صابرا] مع أنه قال: مسني الضر [والقرآن حجة لك] أي تنتفع به إن تلوته وعملت به أو عليك إن أعرضت عنه [كل الناس] أي كل منهم يغدو: أي يتوجه نحو مايريد. (¬1) فمبعدها من النار. (¬2) أي مهلكها، قال العلقمي معناه أن كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعها فيوبقها: أي يهلكها كأنه قيل ما حال الناس بعد ذلك؟ فأجيب كل الناس أهـ ص 394 جامع صغير. بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فوائد سبعة هن عماد الحياة ومنبع السعادة ومعين الخير وبحار المكارم وجالبة كل المحامد. أ - النظافة والطهارة. ب - الثناء على الله تعالى وشكره على جميع ما أنعم وتفضل. جـ - تسبيحه وعبادته وذكره حتى لا يغفل القلب عن ربه. د - إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على أحسن وجه وأكمله، فمن صلى تلألأ وجهه نوراً، وأشرق قلبه سروراً، وامتلأ إيماناً وحبوراً والتصدق بطاقة الإجازة من العذاب والإنفاق لله شهادة صدق بصالح الأعمال، والزكاة عنوان استقامة وطهارة، وسبيل الهداية في الحياة الدنيا، وبرهان ناطق لسلوك فاعلها مناهج الأبرار الأخيار. هـ - حبس النفس عن المكاره اتقاء السخط، والباعث على ذلك التجمل والتكمل المنبعث من أشعة الإيمان الساطعة في القلب كما قال الحفني الصبر على المصائب مع عدم الضجر أو الصبر على الأوامر والمنهيات سبب في حصول الضياء في القلب أي النور الشديد الكامل أهـ. وفي الغريب: الصبر الإمساك في ضيق أو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع أو هما يقتضيان حبسها عنه، والصبر لفظ عام وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبراً لا غير، ويضاده الجزع، وإن كان في محاربة سمي شجاعة، ويضاده الجبن، وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر، ويضاده الضجر، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتماناً ويضاده الذل، وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبراً ونبه على ذلك بقوله [والصابرين في البأساء والضراء. والصابرين على ما أصابهم، والصابرين والصابرات] وسمي الصوم صبراً لكونه كالنوع له وقال عليه السلام "صيام شهر الصبر وثلاثة أيام في كل شهر يذهب وحر الصدر" وقوله تعالى [فما أصبرهم على النار] وقوله تعالى [اصبروا وصابروا] أي احبسوا أنفسكم على العبادة وجاهدوا أهواءكم، وقوله تعالى [واصطبر لعبادته] أي تحمل الصبر بجهدك، وقوله تعالى [أولئك يجزون الغرفة بما صبروا] أي بما تحملوا من الصبر في الوصول إلى مرضاة الله تعالى، وقوله تعالى [فصبر جميل] معناه الأمر والحث على ذلك، والصبور القادر على الصبر، والصبار يقال إذا كان فيه ضرب من التكلف والمجاهدة قال تعالى [إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور] ويعبر عن الانتظار بالصبر لما كان حق الانتظار أن لا ينفك عن الصبر بل هو نوع من الصبر، قال تعالى [فاصبر لحكم ربك] أي انتظر حكمه لك على الكافرين أهـ ص 275. و- وجود القرآن بين أظهرنا نسمع آياته ليل نهار شاهد عدل علينا، ويكون شفيعاً لمن عمل به وتمسك بحبله واهتدى بقبسه وانتفع بآياته واسترشد بأحكامه، ويكون خصماً ألد للفاسقين والعاصين والطغاة الفاجرين. يقرأ القارئ فيتحدثون في مجالسه، ويتكلمون ويشربون التبغ وتتشتت أفكارهم وشابهوا الكفار في قول الله تعالى: [وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون (26) فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً ولنجزينهم أسوأ الذين كانوا يعملون (27) ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون (28) وقال الذين كفروا: ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين (29)] من سورة فصلت. [والغوا فيه] وعارضوه بالخرافات، أو ارفعوا أصواتكم بها لتشوشوه على القارئ (دار الخلد) دار إقامتهم. =

2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: وَمَنْ يَتَصَبَّرْ (¬1) يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً (¬2) وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ. رواه البخاري ومسلم في حديث تقدم في المسألة. ما رزق الله عبداً خيراً له ولا أوسع من الصبر ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة مختصراً: مَا رَزَقَ اللهُ عَبْدَاً خَيْراً لَهُ وَلاَ أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ. وقال: صحيح على شرطهما. 3 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: أَرْبَعٌ لاَ يُصَبْنَ ¬

= (يججدون) ينكرون الحق أو يلغون (أضلانا) هما إبليس وقابيل فإنهما سنا الكفر والقتل (نجعلهما) ندوسهما انتقاماً منهما أو نجعلهما في الدرك الأسفل مكاناً أو ذلاً أهـ بيضاوي. ثم بين صلى الله عليه وسلم أننا في الدنيا صنفان. أ - صنف تقي نقي صالح طاهر عامل بالكتاب والسنة، وهذا هو الفائز الناجح السعيد الذي ضرب بسهم صائب وبرز في ميدان الفلاح بالسبق إلى رضوان الله ونعيمه فخلص نفسه من ربقة العذاب وأسر الشهوات فنجا. ب - صنف خائب خاسر يسعى لحتفه بظلفه، ويسترسل في الدنايا والمعاصي فيقع في الهاوية وينحط إلى الجحيم، ويسود وجهه [يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد (6)] من سورة المجادلة. لماذا؟ لأن القرآن والسنة أشرقتا بالأنوار فلم يهتد بهديهما، ولم يعمل صالحاً في حياته، وغمس في الترف والرفاهية وخلت صحيفته من كل مكرمة أو محمدة، فلا حول ولا قوة إلا بالله؛ ونسأل الله السلامة والعافية والعفو، وفي النهاية: من أسماء الله تعالى الصبور هو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام، وهو من أبنية المبالغة، ومعناه قريب من معنى الحليم، والفرق بينهما أن المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصبور كما يأمنها في صفة الحليم، ومنه "لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل" أي أشد حلماً عن فاعل ذلك وترك المعاقبة عليه. (¬1) من يتكلف تحمل المصائب والمكاره يعنه الله ويساعده. (¬2) أفضل وأكثر ثواباً. يعلمنا الله تعالى طول البال، واستقبال الشدائد بصدر رحب، والتطلع إلى فرج الله ورحمته. إن الأمور إذا اشتدت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كل ما رتجا لا تيأسن وإن طالت مطالبه ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا إذا ما أتاك الدهر يوماً بنكبة ... فأفرغ لها صبراً وأوسع لها صدرا فإن تصاريف الزمان عجيبة ... فيوماً ترى يسراً ويوماً ترى عسرا كن حليماً إذا بليت بغيظ ... وصبوراً إذا أتتك مصيبة فالليالي من الزمان حبالى ... مثقلات يلدن كل عجيبة تصبر أيها العبد اللبيب ... لعلك بعد صبرك ما تخيب وكل الحادثات إذا تناهت ... يكون وراءها فرج قريب

إِلاَّ بِعَجَبٍ (¬1): الصَّبْرُ وَهُوَ أَوَّلُ الْعِبَادَةِ، وَالتَّوَاضُعُ، وَذِكْرُ اللهِ، وَقِلَّةُ الشَّيْءِ. رواه الطبراني والحاكم كلاهما من رواية العوام بن جويرية، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وتقدم في الصمت. 4 - وَرَوَى التِّرمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الزَّهَادَةُ (¬2) في الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِتَحْرِيمِ الْحَلالِ وَلاَ إِضَاعَةِ المالِ، وَلَكِنَّ الزّهَادَةَ في الدُّنْيَا أَنْ لاَ تَكُونَ بِمَا في يَدِكَ أَوْ ثَقَ مِنْكَ بِمَا في يَدِ اللهِ، وَأَنْ تَكُونَ في ثَوَابِ المُصِيبَةِ إِذَا أَنْتَ أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ. قال الترمذي حديث غريب. الصبر نصف الإيمان 5 - وَعَنْ عَلْقَمَةَ قالَ: قالَ عَبْدُ اللهِ: الصَّبْرُ نِصْفُ الإِيْمَانِ، وَالْيَقِينُ (¬3) الإِيمانُ كُلُّهُ. رواه الطبراني في الكبير، ورواتُهُ رواة الصحيح، وهو موقوف، وقد رفعه بعضهم. 6 - وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: الصَّبْرُ مِعْوَلُ المُسْلِمِ (¬4). ذكره رُزَين العبدوي، ولم أره. ¬

(¬1) أربعة أشياء تصادف المؤمن هبة يندهش لها الإنسان لعروضها على حالة شاذة. وفي الغريب: العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء، ولهذا قال بعض الحكماء: العجب ما لا يعرف الإنسان سببه، ولهذا قيل لا يصح على الله التعجب، إذ هو علام الغيوب لا تخفى عليه خافية، يقال: عجبت عجباً ويقال للشيء الذي يتعجب منه عجب، ولما لم يعهد مثله عجيب قال تعالى: [أكان للناس عجباً أو حيناً] تنبيهاً أنهم قد عهدوا مثل ذلك قبله. وها هي الأربعة. أ - تحمل الآلام. ب - اللين وكرم الأخلاق. جـ - تسبيح الله وطاعته. د - القناعة والرضا بالقليل. (¬2) ترك الشيء، والإعراض عنه، يقال زهد في الشيء وزهد عنه زهداً وزهادة، ومنه حديث علي رضي الله عنه إنك لزهيد وحديث خالد إلى غمر رضي الله عنه إن الناس قد اندفعوا في الخمر وتزاهدوا الحد. أي احتقروه وأهانوه ورأوه زهيداً، والمعنى نهاية التعفف والتقلل من الدنيا أن يكون الزاهد واثقاً بما عند الله أكثر مما في يده مالئاً قلبه اعتماداً عليه تعالى وغنى ورضا، ويصبر عند حلول المصيبة مائلاً إلى إبقائها لكثرة أجرها عند الله تعالى ففيه الترغيب بالتفويض إلى الله والصبر. (¬3) اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية، يقال علم اليقين ولا يقال معرفة اليقين، وهو سكون الفهم مع ثبات الحكم، قال تعالى - وفي الأرض آيات للموقنين - فالإيمان نهاية الثقة بالله تعالى. (¬4) الذي يعتمد عليه ويستعين به في إزالة همومه وتفريج غمومه، من عولت على الشيء تعويلاً اعتمدت عليه وعولت به، وفي النهاية، ومنه رجز عامر * وبالصياح عولوا علينا * أي أجلبوا واستعانوا أهـ معول كذا في ط وع ص 379 - 2 بكسر الميم وسكون العين وفتح الواو: اسم آلة: أي يتعاون به المسلم على دفع مصائبه. والصبر سلوانه وقبلته في إزالة ما يكره، وفي ن د معوال.

7 - وَعَنْ صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: عَجَباً (¬1) لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ لَهُ كُلَّهُ (¬2) خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ (¬3)، فَكَانَ خَيْرَاً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ (¬4) صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ. رواه مسلم. 8 - وَعَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قالَ: يَا عِيسى (¬5) إِنِّي بَاعِثٌ مِنْ بَعْدِكَ أُمَّةً إِنْ أَصَابَهُمْ مَا يُحِبُّونَ حَمِدُوا اللهَ، وَإِنْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ احْتَسَبُوا (¬6) وَصَبَرُوا (¬7)، وَلاَ حِلْمَ وَلاَ عِلْمَ (¬8)، فَقَال: يَا رَبِّ كَيْفَ يَكُونُ هذَا؟ قالَ: أُعْطِيهِمْ مِنْ حِلْمِي وَعِلْمِي (¬9). رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري. 9 - وَرُوِيَ عَنْ سَخْبَرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أُعْطِيَ فَشَكَرَ، وابْتُلِيَ فَصَبَرَ، وَظَلَمَ فاسْتَغْفَرَ، وَظُلِمَ فَغَفَرَ، ثُمَّ سَكَتَ فَقَالُوا: ¬

(¬1) أعجب عجباً. (¬2) إن أمره له كله خير، كذا د وع، وفي ن ط: أمره كله له. (¬3) أربعة أشياء مفرحة: حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله. (¬4) أشياء مؤلمة كارهة. النبي صلى الله عليه وسلم يبشر المؤمن بما يصيبه ويخبره أن كل شيء أحاطه كسب منه ثواباً: فإن أمده الله بنعم فحمده نال أجراً، وإن أصابته سيئة فصبر نال ثواباً فهو في الحالتين مكرم مثاب ومؤجر. (¬5) سيدنا عيسى عليه السلام وبعده أمة محمد صلى الله عليه وسلم. (¬6) سلموها لله تعالى طلباً لوجه الله تعالى وثوابه فالاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد، وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه، لأن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به، والحسبة اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد والاحتساب في الأعمال الصالحة. وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر، وتحصيله بالتسليم والصبر أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجو منها أهـ نهاية. (¬7) تحملوا الآلام. (¬8) ليس عندهم خلقا الحلم والعلم. (¬9) أهب لهم خلق الحلم بطول البال والأناة فلا يستفزهم غضب وأرزقهم التثبت في الأمور والترتب. وفي النهاية: وفي أسمائه تعالى الحليم: أي الذي لا يستخفه شيء من عصيان العباد، ولا يستفزه الغضب عليهم، ولكنه جعل لكل شيء مقداراً فهو منته إليه أهـ. يبشر النبي صلى الله عليه وسلم على لسان سيدنا عيسى عليه السلام بإكرام أمته وتفضله عليهم بالسداد في الرأي والصواب في العمل والحكمة والتوفيق.

يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَهُ (¬1)؟ قالَ: أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. رواه الطبراني. [سخبرة] بفتح السين المهملة وإسكان الخاء المعجمة بعدهما باء موحدة يقول: إن له صُحبةً، والله أعلم. 10 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَثَلُ المؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ (¬2) مِنَ الزَّرْعِ تُفِيئُهَا (¬3) الرِّيحُ تَصْرَعُهَا (¬4) مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى حَتَّى تَهِيجَ (¬5). 11 - وفي رواية: حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ، وَمَثَلُ الكافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ الْمُجْدِبَةِ عَلى أَصْلِهَا لاَ يُصِيبُهَا شَيءٌ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا (¬6) مَرَّةً وَاحِدَةً. رواه مسلم. 12 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لاَ تَزَالُ الرِّيَاحُ تفِيئُهُ، وَلاَ يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ بَلاءٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأُرْزِ لاَ تَهْتَزُّ حَتّى تَسْتَحْصِدَ. رواه مسلم والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح: ¬

(¬1) أي شيء يلحقه؟ الفريق الناجي المطمئن الذي لا يصيبه فزع ولا خوف، وهم سادة موفقون: أ - من هم أصحاب النعمة الذين يحمدون الله عليها وينتهزون فرصة وجود الخير فيؤسسون المشروعات النافعة؟ ب - الذين يصابون بالمحن والفتن فيصبرون ولا يضجرون ولا يتألمون، حباً في ثواب الله تعالى. جـ - الذين إذا فعلوا ذنباً أكثروا من الاستغفار وتابوا إلى الله وعملوا صالحاً. د - الذين وقع عليهم ظلم وتعد فسامحوا وعفوا لله. تلك أربعة طوائف ناجية فائزة مفلحة يوم القيامة. (¬2) الطاقة الغضة الطرية. (¬3) تميلها. (¬4) تصرعها، كذا د وع ص 380 - 2 أي تجذبها وتحركها بشدة. وفي ن ط: تصرمها: أي تقطعها. قال القسطلاني: لأن المؤمن إن جاءه أمر الله أطاعة ومضى به فإن جاءه خير فرح به، وإن وقع به مكروه صبر ورجا فيه الأجر أهـ. (¬5) حتى تضطرب. (¬6) انقلاعها أو انكسارها من وسطها، لأن المنافق لا يتفقده الله باختياره، بل يجعل له التيسير في الدنيا ليتعسر الحال عليه في المعاد حتى إذا أراد إهلاكه قصمه فيكون موته أشد عذاباً وألما أهـ ص 257 جواهر. يخبر صلى الله عليه وسلم عن علامات المؤمن التقي المقبول عمله أن تمر عليه المحن فيصبر ويزداد طاعة، وهو عرضة للصحة وللمرض والغنى والفقر، وهكذا من تفن الدنيا ليكثر ثوابه بإقباله على ربه مهما أصيب فيحمد الله دائماً لينال أجره تعالى وافراً جزيلاً في الآخرة. وأما الكافر والعاصي فتزهر له الدنيا وتبتسم له الحياة فينعم عيشه ويصفو فيزداد كفراً أو طغياناً حتى إذا أخذه لم يفلته.

[الأرز] بفتح الهمزة وتضم وإسكان الراء بعدهما زاي: هي شجرة الصنوبر، وقيل: شجرة الصنوبر الذكر خاصة، وقيل: شجرة العرعر، والأول أشهر. 13 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَا ابْتَلَى اللهُ عَبْداً بِبلاَءٍ، وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةٍ يَكْرَهُهَا إِلاَّ جَعَلَ اللهُ ذلِكَ الْبَلاءَ كَفَّارَةً (¬1) وَظُهُوراً مَا لَمْ يُنْزِلْ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْبَلاءِ بِغَيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ (¬2)، أَوْ يَدْعُو غَيْرَ اللهِ في كَشْفِهِ (¬3). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات، وأمّ عبد الله ابنة أبي ذئاب لا أعرفها. أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل 14 - وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً (¬4)؟ قالَ: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ (¬5) فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ (¬6) عَلَى ¬

(¬1) ماحياً لذنوبه ونقاه تنقية. (¬2) مدة عدم إسناد هذا لغير الله وحده، بمعنى أنه يثاب ما دام يعتقد أن هذا المرض أو المحن من الله تعالى، وهو الذي يكشف الكروب وحده، فإذا حاد وضجر ويئس وأسند ما أصابه إلى غير الله وشكا لغير الله فلا ثواب له البتة، نسأل الله السلامة. (¬3) يعتقد أن الطبيب يشفيه، أو غيره يزيل همومه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله". يعلمك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر إذا أصابك مكروه رجاء ثواب الله سبحانه، وأن تتحمل الآلام في سبيل رضاه سبحانه والرضا بقضائه، وألا تلجأ إلى مخلوق في كشف هذا الضر فالله وحده مفرج الكروب مزيل الهموم كما قال محمد بن بشير: كم من فتى قصرت في الرزق خطوته ... ألفيته بسهام الرزق قد فلجا إن الأمور إذا انسدت مسالكها ... فالصبر يفتق منها كل ما ارتتجا لا تيأسن وإن طالت مطالبة ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا قدر لرجلك قبل الخطو موضعها ... فمن علا زلقاً من غرة زلجا ولا يغرنك صفو أنت شاربه ... فربما كان بالتكدير ممتزجا فلج: غلب. ارتتج: انشق. يلج: يدخل. غرة: غفلة. زلج: زل وسقط. (¬4) محناً وشدائد. (¬5) المقارب لهم في الفضل والطاعة والإيمان. (¬6) يختبر بمقدار دينه فكثير الإيمان يرضى ويستبشر بالفرج، وينتظر الخير الكثير ويغدق بالحسنات وتزال عنه الذنوب. ويروى عن أكثم بن صيفي قال: خير السخاء ما وافق الحاجة. ومن عرف قدره لم يهلك، ومن صبر ظفر، وأكر أخلاق الرجال العفو أهـ. =

حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْباً (¬1) اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ في دِينِهِ رِقَّةٌ (¬2) ابْتَلاَهُ اللهُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ (¬3) الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ. رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. 15 - ولابْنِ حَبَّانَ في صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْعَلاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه سلم أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قالَ: الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى النَّاسُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِمْ، فَمَنْ ثَخُنَ (¬4) دِينُهُ اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَمَنْ ضَعُفَ دِينُهُ ضَعُفَ بلاؤُهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُصِيبُهُ الْبَلاءُ حَتَّى يَمْشِيَ في النَّاسِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ (¬5). 16 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَهُوَ مَوْعُوكٌ، عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَوَضَعَ يَدَهُ فَوْقَ الْقَطِيفَةِ فَقَالَ: مَا أَشَدَّ حُمَّاكَ (¬6) يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: إِنَّا كَذلِكَ (¬7) يُشَدَّدُ عَلَيْنَا الْبَلاءُ (¬8) وَيُضَاعَفُ لَنَا الأَجْرُ، ثُمَّ قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ¬

= قال الشاعر: تصبر ففي اللأواء قد يحمد الصبر ... ولولا صروف الدهر لم يعرف الحر وإن الذي أبلى هو العون فانتدب ... جميل الرضا يبقى لك الذكر والأجر وثق بالذي أعطى ولاتك جازعا ... فليس بحزم منك أن يردعك الضر فلا نعم تبقى ولا نقم ولا ... يدوم كلا الحالين عسر ولا يسر تقلب هذا الأمر ليس بدائم ... لديه مع الأيام حلو ولا مر (¬1) أي قوي الإيمان ثابت اليقين بفرج الله وإزالة الكرب. (¬2) ضعف لأنه لا يعمل بالكتاب والسنة، وتراه مقصراً في واجبات ربه سبحانه، قال الشاعر: اصبر على نوب الزما ... ن وإن أبى القلب الجريح فلكل شيء آخر ... إما جميل أو قبيح وقال آخر: إني رأيت الصبر خير معول ... في النائبات لمن أراد معولا ورأيت أسباب القناعة أكدت ... بعرى الفتى فجعلتها لي معقلا فإذا نبا بي منزل جاوزته ... وجعلت منه غيره لي منزلا وإذا غلا شيء علي تركته ... فيكون أرخص ما يكون إذا غلا (¬3) أي يستمر الاختبار بالمصائب والأمراض حتى يطهر من كل الآثام، كما قال الشاعر: بنى الله للأخيار بيتاً سماؤه ... هموم وأحزان وحيطانه الضر وأدخلهم فيه وأغلق بابه ... وقال لهم مفتاح بابكم الصبر وقال آخر: اصبر قليلاً وكن بالله معتصماً ... لا تعجلن فإن العجز بالعجل الصبر مثل اسمه في كل نائبة ... لكن عواقبه أحلى من العسل (¬4) قوي وعظم. (¬5) من شدة صبره صحيفته نقية من الذنوب. (¬6) حرارتك. (¬7) نحن الأنبياء. (¬8) يسرون بدخول المصائب.

مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً؟ قالَ: الأَنْبِيَاءُ. قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: الْعُلَمَاءُ. قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: الصَّالِحُونَ كَانَ أَحَدُهُمْ يُبْتَلَى بِالْقَمْلِ حَتَّى يَقْتُلَهُ، وَيُبْتَلَى أَحَدُهُمْ بالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِدَ إِلاَّ الْعَبَاءَةَ يَلْبَسُهَا وَلأَحَدُهُمْ كَانَ أَشَدَّ فَرَحاً (¬1) بِالْبَلاءِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِالْعَطَاءِ. رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات، والحاكم واللفظ له وقال: صحيح على شرط مسلم، وله شواهد كثيرة. 17 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاءِ الثَّوابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كانَتْ قُرِضَتْ بِالْمَقَارِيضِ. رواه الترمذي وابن أبي الدنيا من رواية عبد الرحمن بن مغراءَ، وبقية رواته ثقات، وقال الترمذي: حديث غريب، ورواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود موقوفاً عليه، وفيه رجل لم يسمّ. 18 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يُؤْتَى بالشَّهِيدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ لِلْحِسَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمُتَصَدِّقِ فَيُنْصَبُ لِلْحِسَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلاءِ فَلا يُنْصَبُ لَهُمْ مِيزَانٌ، وَلاَ يُنْصَبُ لَهُمْ دِيوَان، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمُ الأَجْرُ صَبّاً حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْعَافِيَةِ لَيَتَمَنَّوْنَ في الموْقِفِ أَنَّ أَجْسَادَهُمْ قُرِضَتْ بِالمقَارِيضِ مِنْ حُسْنِ ثَوابِ اللهِ. رواه الطبراني في الكبير من رواية مجاعة بن الزبير، وقد وُثّق. 19 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدَاً أَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَافِيَهُ صَبَّ عَلَيْهِ الْبَلاءَ صَبّاً وَثَجَّهُ (¬2) عَلَيْهِ ثَجّاً. فَإِذَا دَعَا الْعَبْدُ قالَ: يَا رَبَّاهُ، قالَ اللهُ: لَبَّيْكَ يَا عَبْدِي لاَ تَسْأَلُنِي شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَيْتُكَ إِمَّا أَنْ أُعَجِّلَهُ لَكَ، وَإِمَّا أَنْ أَدّخِرَهُ لَكَ. رواه ابن أبي الدنيا. ¬

(¬1) أكثر من وجود النعم لماذا؟ لزيادة أجر الحكيم الوهاب في الآخرة يتمنى أصحاب الصحة والنعيم حينما يرون ما أعده الله يوم القيامة للمرضى لو قطعت جلودهم بآلات القطع والحدادة حتى ينالوا الأجر مثلهم، وحسبك انصباب الأجر صباً بلا ميزان ولا عد. (¬2) أساله كسيل منهمر، يقال ثج الماء من باب ضرب: همل، وثججته: أسلته وصببته، و"أفضل الحج العج والثج" فالعج رفع الصوت بالتلبية، والثج إسالة دم الهدي.

من يرد الله به خيراً يصب منه 20 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ. رواه مالك والبخاري. [يُصِبْ منه]: أي يوجه إليه مصيبة ويصيبه ببلاء. 21 - وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِذَا أَحَبّ اللهُ قَوْماً ابْتَلاهُمْ؛ فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ، وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ. رواه أحمد ورواتُه ثقات. ومحمود بن لبيد رأى النبي صلى اللهُ عليه وسلم، واختُلِف في سماعه منه. 22 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاهُمْ، فَمنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ. رواه ابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن غريب. 23 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللهِ الْمَنْزِلَةُ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ فَمَا يَزَالُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ (¬1) حَتَّى يُبَلِّغَهُ إِيّاهَا. رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه من طريقه، وغيرُهما. 24 - وَرُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَا أَصَابَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَكْبَةٌ (¬2) فَمَا فَوْقَهَا حَتَّى ذَكَرَ الشَّوْكَةَ إِلاَّ لإِحْدَى خَصْلَتَيْنِ: إِمَّا لِيَغْفِرَ اللهُ لَهُ مِنَ الذُّنُوبِ ذَنْباً لَمْ يَكُنْ لِيَغْفِرَهُ لَهُ إِلاَّ بِمِثْلِ ذلِكَ، أَوْ يَبْلُغَ بِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ كَرَامَةً (¬3) لَمْ يَكُنْ لِيَبْلُغَهَا إِلاَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ. رواه ابن أبي الدنيا. 25 - وَعَنْ مُحَمّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللهِ مَنْزِلَةٌ فَلَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلٍ ابْتَلاهُ اللهُ في جَسَدِهِ (¬4)، أَوْ مَالِهِ، أَوْ في وَلَدِهِ، ثُمَّ ¬

(¬1) يستمر أن يمنحه ما يكره من الأمراض والمصائب حتى يرتقي إلى العلياء. (¬2) حادثة. وإذا أصابك نكبة فاصبر لها ... من ذا رأيت مسلماً لا ينكب (¬3) المنزلة العالية في الجنة. (¬4) أي بمرض أو فقر أو فقدان ولد.

صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبَلِّغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللهِ عَزّ وَجَلَّ. رواه أحمد وأبو داود وأبو يَعلى والطبراني في الكبير والأوسط، ومحمد بن خالد لم يرو عنه غير أبي المليح الرقيّ. ولم يرو عن خالد إلا ابنه محمد، والله أعلم. 26 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: انطَلِقُوا إِلى عَبْدِي فَصُبُّوا عَلَيْهِ الْبَلاءَ صَبّاً، فَيَحْمَدُ اللهَ، فَيَرْجِعُونَ فَيَقُولُونَ: يَا رَبّنَا صَبَبْنَا عَلَيْهِ الْبَلاءَ صَبّاً كَمَا أَمَرْتَنَا، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ. رواه الطبراني في الكبير. 27 - وَرُوِيَ فِيهِ أَيْضاً عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ اللهَ لَيُجَرِّبُ أَحَدَكُمْ (¬1) بِالْبَلاءِ كَمَا يُجَرِّبُ أَحَدُكُمْ ذَهَبَهُ بِالنَّارِ، فَمِنْهُ مَا يَخْرُجُ كَالذَّهَبِ الإِبْرِيزِ، فَذَاكَ الَّذِي حَمَاهُ اللهُ مِنَ الشُّبُهَاتِ، وَمِنْهُ مَا يَخْرُجُ دُونَ ذَلِكَ فَذَلِكَ الَّذِي يَشُكُّ بَعْضَ الشَّكِّ، وَمِنْهُ مَا يَخْرُجُ كالذَّهَبِ الأَسْوَدِ فَذَاكَ الَّذِي افْتَتَنَ. المصيبة تبيض وجه صاحبها يوم تسود الوجوه 28 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: المصِيْبَةُ تُبَيِّضُ وَجْهَ صَاحِبِهَا يَوْمَ تَسْوَدُّ الْوُجُوه. رواه الطبراني في الأوسط. 29 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَب، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حَزَنٍ، وَلاَ أَذَىً، وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُّهَا إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ. رواه البخاري ومسلم ولفظه: مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنُ مِنْ وَصَبٍ، وَلا نَصَبٍ، وَلاَ سَقَمٍ، وَلاَ حُزْنٍ حَتَّى الْهُمّ يَهُمُّهُ إِلاَّ كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة وحده. 30 - وفي رواية له: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُشَاكُ بِشَوْكَةٍ في الدُّنْيَا يَحْتَسِبُهَا إِلاَّ قُصَّ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. [النصب]: التعب. [الوصب]: المرض. ¬

(¬1) يمتحن ويختبر مقدار جلده وصبره، وهو سبحانه عالم به.

31 - وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، وَطَبِيبٌ يُعَالِجُ قَرْحَةً في ظَهْرِهِ وَهُوَ يَتَضَرَّرُ فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ بَعْضُ شَبَابِنَا فَعَلَ هذَا لَعِبْنَا ذلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي لا أَجِدُهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذَىً (¬1) مِنْ جَسَدِهِ، إِلاَّ كَانَ كَفَّارَةً لِخَطَايَاهُ (¬2). رواه ابن أبي الدنيا، وروى المرفوع منه أحمد بإِسناده رواتُه محتج بهم في الصحيح إلا أنه قال: ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله عنه من سيئاته سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ في جَسَدِهِ يُؤذِيهِ إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهِ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ. ورواه الطبراني، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 32 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ عَنْهُ بِهَا، حَتّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُّهَا. رواه البخاري ومسلم. 33 - وفي رواية مسلم: لا يُصِيبُ الْمُؤْمِنُ شَوْكَةٌ (¬3) فَمَا فَوْقَهَا إِلاَّ نَقَصَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطِيئَتِهِ. وفي أخرى: إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً. 34 - وفي أخرى له قال: دَخَلَ شَبَابٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَهِيَ بِمِنَىً، وَهُمْ يَضْحَكُونَ، فَقَالَتْ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ قَالُوا: فُلانٌ خَرَّ عَلى طنُبِ (¬4) فُسْطَاطٍ ¬

(¬1) مرض. (¬2) ماحياً لذنوبه. (¬3) قال النووي: أي يصيبه أي ألم ولو مثل الشوكة في الصغر فله حسنات وتكفير الذنوب، وفيه بشارة عظيمة للمسلمين فإنه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور، وفيه تكفير الخطايا بالأمراض، والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها، والحكمة في كون الأنبياء أشد بلاء ثم الأمثل فالأمثل أنهم مخصوصون بكمال الصبر وصحة الاحتساب ومعرفة أن ذلك نعمة من عند الله تعالى ليتم له الخير ويضاعف لهم الأجر، والكافر لا يكون كذلك أهـ ص 438 جـ 2 مختار الإمام مسلم. (¬4) في ن ط لهب شدة اشتعال الخيمة التي يستظل الناس بها، وفي رواية مسلم وع ص 383 - 2 خر على طنب فسطاط. قال النووي هو الحبل الذي يشد به الفسطاط، وهو الخباء مثل الخيمة ونحوه: وفيه النهي عن الضحك =

فَكَادَتْ عُنُقُهُ أَوْ عَيْنُهُ أَنْ تَذْهَبَ، فَقَالَتْ: لاَ تَضْحَكُوا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ بِشَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلاّ كُتِبَتْ لَهُ بِها دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ. 35 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ في نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ تَعَالى وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 36 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ بِمَالِهِ أَوْ في نَفْسِهِ فَكَتَمَها وَلَمْ يَشْكُهَا إِلى النَّاسِ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ. رواه الطبراني، ولا بأس بإسناده. 37 - وَرُوِيَ عَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم شَجَرَةً فَهَزَّهَا حَتَّى تَسَاقَطَ وَرَقُهَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَتسَاقَطَ، ثُمَّ قالَ: لَلْمُصِبَاتُ والأَوْجَاعُ أَسْرَعُ في ذُنُوبِ ابْنِ آَدَمَ مِنِّي في هذِهِ الشَّجَرَةِ. رواه ابن أبي الدنيا وأبو يعلى. 38 - وَرُوِيَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: عَادَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَأَكَبَّ (¬1) عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ مَا غَمَضْتُ مُنْذُ سِبْعٍ، وَلاَ أَحَدٌ يَحْضُرُنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَيْ أَخِي اصْبِرْ أَيْ أَخِي اصْبِرْ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ ذُنُوبِكَ كَمَا دَخَلْتَ فِيهَا. قالَ: وقالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: سَاعَاتُ الأَمْرَاضِ يُذْهِبْنَ سَاعَاتِ الْخَطَايَا (¬2). رواه ابن أبي الدنيا. 39 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ما مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ حَزَنٍ، وَلاَ وَصَبٍ حَتَّى الْهَمّ يَهُمُّه (¬3) ¬

= على مثل هذا إلا أن يحصل غلبة لا يمكن دفعه، وأما تعمده فمذموم، لأن فيه إشماتاً بالمسلم وكسراً لقلبه أهـ. (¬1) أقبل ولازمه. (¬2) أزمان المحن والأسقام تزيل أخطاء المعاصي. (¬3) يدركه الغم والكدر لم يظهر ضجره لمخلوق مثله.

إِلاَّ يُكَفِّرُ اللهُ عَنْهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ. رواه ابن أبي الدنيا والترمذي وقال: حديث حسن. 40 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: وَصَبُ (¬1) الْمؤْمِنِ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَاهُ. رواه ابن أبي الدنيا، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 41 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُ الْعَبْدِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُكَفِّرُهَا (¬2) ابْتَلاهُ اللهُ بِالحُزْنِ لِيُكَفِّرَهَا عَنْهُ. رواه أحمد، ورواته ثقات إلا ليث بن أبي سليم. 42 - وَعَنْ عَائِشَةَ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِذَا اشْتَكَى الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ (¬3) أَخْلَصَهُ اللهُ مِنَ الذُّنُوبِ كَما يُخَلِّصُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني واللفظ له، وابن حبان في صحيحه. 43 - وَعَنْ عَطاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قالَ: قالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ فَقُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ (¬4) وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ (¬5)، فَادْعُ الله لِي، قالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ، فَقَالَتْ: أَصْبِرُ (¬6)، فَقالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فادْعُ اللهَ لي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) دوام الوجع ولزومه، وقد يطلق الوصب على التعب والفتور في البدن أهـ نهاية. (¬2) يمحوها. (¬3) اشتكى المؤمن كذا ط وع ص 384 - 2، وفي ن د: العبد المؤمن يطهره الله من الذنوب كما يطهر كير الحداد خبث الحديد وينقيه. وفي النهاية كما ينفي الكير. الخبث هو ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا أهـ. (¬4) أمرض بمرض عصبي. قال في المصباح: الصرع داء يشبه الجنون. (¬5) أستيقظ منه فينجلي عني بعد مدة. قال النووي: دليل على أن الصرع يثاب عليه أكمل ثواب أهـ ص 441. يعطي النبي صلى الله عليه وسلم درساً عملياً لمن مرض مرضاً أعيا نطس الأطباء أن يتصبر، ويتكلف التحمل رجاء الثواب الجزيل، وهنا ننحني باللائمة على من يقتل نفسه انتحاراً فراراً من عاهة أو كربة. (¬6) لما رأت من كثرة ثواب هذا المرض اشتاقت إلى ما عند الله تعالى وطلبت منه إبقاءه، يقال كشفته فانكشف.

44 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِهَا لَمَمٌ (¬1) إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ لِي فَقَالَ: إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكِ، وَإِنْ شِئتِ صَبَرْتِ وَلاَ حِسَابَ عَلَيْكِ؟ قالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ وَلاَ حِسَابَ عَلَيَّ. رواه البزّار وابن حبان في صحيحه. 45 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ رَسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّه قالَ لأَصْحَابِهِ: أَتُحِبُّونَ أَنْ لاَ تَمْرَضُوا؟ قالُوا: وَاللهِ إِنَّا لَنُحِبُّ الْعَافِيَةَ (¬2) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: وَمَا خَيْرُ أَحَدِكُمْ أَنْ لا يَذْكُرَهُ اللهُ (¬3). رواه ابن أبي الدنيا، وفي إسناده إسحاق بن محمد الفرويّ. ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله به عنه خطيئة 46 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَا ضَرَبَ عَلَى مُؤْمِنٍ عِرْقٌ (¬4) قَطُّ إِلاَّ حَطَّ اللهُ بِهِ عَنْهُ خَطِيئَةً، وَكَتَبَ لَهُ حَسَنَةً، وَرَفَعَ لَهُ دَرَجَةً. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط بإسناد حسن واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) مقاربة المعصية ويعبر به عن الصغيرة، ويقال فلان يفعل كذا لمما: أي حيناً بعد حين، وكذلك قوله تعالى [الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم] من سورة النجم. وهو من قولك ألممت بكذا: أي نزلت به وقاربته من غير مواقعه أهـ نهاية. كأن ما أصابها خفف حسابها وأزال عقابها واختارت المرض لأنه يكفر ما اقترفته. (¬2) الصحة الشاملة. (¬3) ليس فضل أحدكم عدم ذكر الله له في إدخال المرض عليه كما قال تعالى: أ -[وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور (154)] من سورة آل عمران. ب -[وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم (179)] من سورة آل عمران. جـ - وقال تعالى: [وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور (186)] من سورة آل عمران. د - وقال تعالى: [ذلك تخفيف من ربكم ورحمة] من سورة البقرة. هـ - وقال تعالى: [يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر] من سورة البقرة. و- وقال تعالى: [وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى (82)] من سورة طه. ز - وقال تعالى: [يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون (56) كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون (57) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين (58) الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون (59)] من سورة العنكبوت. (¬4) ما اشتد ألم عرق ينبض في الجسم إلا أزال الله بقدر هذا الأمل ذنباً وأثبت حسنة وأعلاه درجة في الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم "وإن في الجنة لمائة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض".

إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحا 47 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ (¬1) أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً (¬2). رواه البخاري وأبو داود. 48 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ يُصَابُ بِبلاءٍ في جَسَدِهِ إِلاَّ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الملائِكَةَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ قالَ: اكْتُبُوا لِعَبْدِي في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَا كَانَ يَعْمَلُ مِنْ خَيْرٍ مَا كَانَ في وَثَاقِي. رواه أحمد واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 49 - وفي رواية لأحمد قال رسولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ مِنَ الْعِبَادَةِ ثُمَّ مَرِضَ قِيلَ لِلْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِهِ (¬3): اكْتُبْ لَهُ مِثْلَ عَمَلِهِ ¬

(¬1) المؤمن وكان يعمل عملاً قبل مرضه ومنعه المرض، ونيته لولا المانع مداومته عليه، أو سافر سفر طاعته ومنعه السفر من عمل الطاعات. (¬2) الله تعالى يتكرم فيعطي المريض أو المسافر ثواب الذي كان يعمله سابقاً تفضلاً وتكرماً، وحمل ابن بطال كما في القسطلاني الحكم على النوافل لا الفرائض فلا تسقط بالسفر والمرض، وتعقبه ابن المنير بأنه تحجر واسعا، تدخل فيه الفرائض التي شأنها أن يعمل بها، وهو صحيح، فإذا عجز عن جملتها أو بعضها بالمرض كتب له أجر ما عجز عنه فعلاً لأنه قام به عزماً أن لو كان صحيحاً حتى صلاة الجالس في الفرض لمرضه يكتب له عنها أجر صلاة القائم أهـ ص 133 جواهر البخاري. فيه أن العاقل ينتهز فرصة صحته وفراغه ويكثر من العبادة وذكر الله رجاء استدرار فضل الله ورحماته كل وقت [ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (4)] من سورة الجمعة. (¬3) المتلقي الإنسان المرافق له الملازم يمينه كما قال تعالى: [ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد (16) إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد (17) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18) وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد (19) ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد (20) وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد (21) لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (22)] من سورة ق. الوسوسة: الصوت الخفي وما يخطر بباله ويهجس في ضميره من حديث النفس (أقرب إليه) مثل في فرط القرب. والتلقي التلقن بالحفظ والكتابة. والقعيد المقاعد، وحكمة العليم البصير المطلع عل أخفى الخفيات كما قال النسفي زيادة لطف له في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات أهـ. حلم وفضل من القادر أن يجعل للإنسان حفيظاً رقيباً رجاء أن يرتدع أو ينزجر فيكثر من الصالحات. (رقيب) حافظ (عتيد) حاضر يكتبان كل شيء حتى أنينه في مرضه (تحيد) تنفر وتهرب (سائق وشهيد) ملكان أحدهما يسوقه إلى المحشر، والآخر يشهد عليه بعمله (غطاءك) فأزلنا غفلتك أيها الإنسان بما تشاهده واستيقظ وانظر نتيجة أعمالك في الدنيا.

إذَا كَانَ طَلِيقاً حَتَّى أُطْلِقَهُ (¬1) أَوْ أَكْفِتَهُ إِلَيَّ. وإسناده حسن. [قوله: أكفته إليّ] بكاف ثم فاء ثم تاء مثناة فوق: معناه أضمه إليَّ وأقبضه. 50 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا ابْتَلَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَبْدَ المسْلِمَ بِبِلاءٍ في جَسَدِهِ، قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَكِ: اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ، وَإِنْ شَفَاهُ (¬2) غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ وَإِنْ قَبَضَهُ غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ. رواه أحمد، ورواتُه ثقات. ما من عبد يمرض مرضاً إلا أمر الله حافظه الحديث 51 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا مِنْ عَبْدٍ يَمْرَضُ مَرَضاً إِلاَّ أَمَرَ اللهُ حَافِظَهُ (¬3) أَنَّ مَا عَمِلَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَلا يَكْتُبُهَا، وَمَا عَمِلَ مِنْ حَسَنَةٍ أَنْ يَكْتُبُهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَأَنْ يَكْتُبَ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ كَمَا كَانَ يَعْمَلُ (¬4) وَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ. رواه أبو يَعْلَى وابن أبي الدنيا. 52 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: عَجَبٌ (¬5) لِلْمُؤْمِنِ وَجَزَعِهِ مِنَ السَّقَمِ، وَلَوْ كَانَ يَعْلَمُ مَا لَهُ مِنَ السَّقَمِ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ سَقِيماً الدَّهْرَ (¬6)، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم رَفَعَ رَأْسَهُ إِلى السَّمَاءِ فَضَحِكَ ¬

(¬1) أشفيه وأمد في عمره فيخرج سليماً معافى. (¬2) إن برئ نقاه مرضه وأزال خطاياه، فالله تعالى يريد الخير لعباده، فليستبشر المريض بزيادة الأجر وغفران الذنوب وتبييض صحيفته، قال تعالى: أ -[إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين (90)] من سورة يوسف. ب -[واصبر وما صبرك إلا بالله] من سورة النحل. جـ -[فاصبر إن وعد الله حق] من سورة الروم. د -[إنما أشكو بثي وحزني إلى الله] من سورة يوسف. هـ -[وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم (107)] من سورة يونس. (¬3) المرافقين له. (¬4) يتفضل الله عليه تعالى فيثيبه مثل ما كان يعمل في الزمن الماضي، والذي منعه الآن مرضه. (¬5) تعجب واستعجاب وغرابة واندهاش لحالة المؤمن التقي وخوفه من المرض، ومعناه الإنكار والذم لمن يحصل منه فزع. (¬6) اختار أن يمرض طول عمره.

فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ مِمَّ رَفَعْتَ رَأْسَكَ إِلى السَّمَاءِ (¬1) فَضَحِكْتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: عَجِبْتُ مِنْ مَلَكَيْنِ كَانَا يَلْتَمِسَانِ عَبْداً في مُصَلَّى كَانَ يُصَلِّي فِيهِ فَلَمْ يَجِدَاهُ فَرَجَعَا فَقَالا: يَا رَبّنَا عَبْدُكَ فُلانٌ كُنَّا نَكْتُبُ لَهُ في يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ عَمَلَهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ فَوَجَدْنَاهُ حَبَسْتَهُ في حِبَالِكَ (¬2) قالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى: اكْتُبُوا لِعَبْدِي عَمَلَهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ في يَوْمِهِ ولَيْلَتِهِ، وَلاَ تَنْقُصُوا مِنْهُ شَيْئاً، وَعَلَيَّ أَجْرُهُ مَا حَبَسْتُهُ، وَلَهُ أَجْرُ مَا كَانَ يَعْمَلُ. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط والبزار باختصار. بيان أن الله يكفر سيئات المريض ويحط عنه الخطايا 53 - وَعَنْ أَبي الأَشْعَثِ الصِّنْعَانِيِّ أَنَّهُ راحَ إِلى مَسْجِدِ دِمِشْقَ، وَهَجَّرَ الرَّوَاحَ، فَلَقِيَ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ وَالصُّنَابِحِيُّ مَعَهُ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدَانِ يَرْحَمُكُمَا اللهُ تَعَالَى؟ فَقالاَ: نُرِيدُ ههُنَا إِلى أَخٍ لَنَا مِنْ مُضَرَ نَعُودُهُ، فانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا حَتّى دَخَلاَ عَلَى ذلِكَ الرَّجُلِ فَقَالا لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَقَالَ: أَصْبَحْتُ بِنِعْمَةٍ، فَقَالَ شَدَّادٌ: أَبْشِرْ بِكَفَّارَاتِ السَّيِّئَاتِ وَحَطِّ الخطَايَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ اللهَ يَقُولُ: إِذَا ابْتَلَيْتُ (¬3) عَبْداً مِنْ عِبَادِي مُؤْمِناً (¬4). ¬

(¬1) مم رفعت رأسك، كذا د وع ص 385 - 2، وفي ن ط: حذف رأسك. (¬2) منعه المرض، كناية عن وجوده في شراك المرض. وفي النهاية ومنه حديث دعاء الجنازة: "اللهم إن فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك" من الإجارة والأمان والنصرة، ومنه الحديث "بيننا وبين القوم حبال": أي عهود ومواثيق، وكتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض: أي نور ممدود، يعني نور هداه أهـ. فكأن المرض وصلة بين العبد وربه ومنحة وتطهير ونقية، ودليل محبة من الله جل وعلا، ليرضى المسلمون بحلول الأسقام ولا ينزعجوا ولا يتألموا ولا يئنوا. فالنعمة والمال والصحة وزيادة العلو في الدنيا امتحان للإنسان كما قال تعالى: [وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم] آخر سورة الأنعام. (خلائف) يخلف بعضكم بعضاً، أو خلفاء الله في أرضه تتصرفون فيها، على أن الخطاب عام، أو خلفاء الأمم السالفة على أن الخطاب للمؤمنين أهـ بيضاوي. وقال النسفي: خلائف، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فأمته قد خلفت سائر الأمم، أو لأن بعضهم يخلف بعضاً أو هم خلفاء الله في أرضه يملكونها ويتصرفون فيها، فوق بعض في الشرف والرزق وغير ذلك ليختبركم فيما أعطاكم من نعمة الجاه والمال، وكيف تشكرون تلك النعمة، وكيف يصنع الشريف بالوضيع، والغني بالفقير والمالك بالمملوك أهـ. أتيت بهذه الآية لأستدل على أن المرض نعمة تطهيرا للسيئات كما قال صلى الله عليه وسلم ولأرجو أن يصير المسلم ليزداد فضل الله عليه فيرحمه ويحسن إليه. (¬3) اختبرته بحلول سقم بجسمه. (¬4) مصدقاً بوجودي منقاداً لفعلي ومطيعاً ومثنياً علي شاكرا.

فَحَمِدَنِي عَلَى مَا ابْتَلَيْتُهُ فَأَجْرُوا لَهُ كما كُنْتُمْ (¬1) تُجْرُونَ لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ. رواه أحمد من طريق إسماعيل بن عياش عن راشد الصِّنعاني، والطبراني في الكبير والأوسط، وله شواهد كثيرة. 54 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي الْمُؤْمِنَ فَلَمْ يَشْكُنِي إِلى عُوَّادِهِ (¬2) أَطْلَقْتُهُ مِنْ إِسَارِي (¬3)، ثُمَّ أَبْدَلْتُهُ لَحْماً خَيْراً مِنْ لَحْمِهِ، وَدَماً خَيْراً مِنْ دَمِهِ، ثُمُّ يَسْتَأْنِفُ (¬4) الْعَمَلَ. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 55 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: لاَ يَمْرَضُ مُؤْمِنٌ (¬5) وَلاَ مُؤْمِنَةٌ، وَلاَ مُسْلِمٌ وَلاَ مُسْلِمَةٌ (¬6). ¬

(¬1) فأجروا له كما كنتم: أي فاكتبوا له ثواب ما كان يعمل سابقاً قبل مرضه هذا، كذا ط وع ص 385 - 2 وفي ن د: فأجروا له ما كنتم، وقوله صلى الله عليه وسلم (مؤمناً) يخرج الكافر فلا ثواب له في مرضه، وفي الحديث الذي بعده: عبدي المؤمن: أي المتصف بالإيمان المنقاد المستبشر بالخير. (¬2) فلم يتألم أمام زواره. (¬3) أسري وقوتي. وفي النهاية، ومنه حديث الدعاء "فأصبح طليق عفوك من إسار غضبك"الإسار بالكسر مصدر أسرته أسراً وإساراً، والإسر القوة والحبس، ومنه سمي الأسير أهـ أي مننت عليه بالعفو وأخرجته من مرضه الحابس معافى سليماً صحيح الجسم. ثم بعثت له نضارة الصحة. (¬4) يبتدئ عمله بفتوة وقوة، قال الأزهري: استأنفت الشيء إذا ابتدأته. (¬5) الحائز صفات ثلاثة: أ - التصديق بقلبه أن الله واحد. ب - الإقرار بلسانه. جـ - العامل بجوارحه بالكتاب والسنة، فلو أقر وعمل على غير علم منه، ومعرفة بربه لا يستحق اسم مؤمن، ولو عرفه وعمل وجحد بلسانه وكذب ما عرف من التوحيد لا يستحق اسم مؤمن، وذلك إذا أقر بالله تعالى وبرسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولم يعمل بالفرائض لا يسمى مؤمناً بالإطلاق، قال تعالى: [إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم (4)] من سورة الأنفال. وقيل المؤمن المنصف بالقول والعمل، وهذا مذهب أهل السنة. (¬6) المستسلم لأحكام الشرع المنقاد لأوامر الله تعالى العامل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن بطال: الإسلام على الحقيقة هو الإيمان الذي هو عقد القلب المصدق لإقرار اللسان الذي لا ينفع عند الله تعالى غيره أهـ وجاء سيدنا جبريل وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان؟ وما الإسلام؟ بيان لأصلهما: أ - التصديق بالباطن. ب - الاستسلام والانقياد الظاهر. =

إِلاَّ حَطَّ اللهُ (¬1) بِهِ خَطِيْئَتَهُ، وفي رواية: إِلاَّ حَطَّ اللهُ عَنْهُ مِنْ خَطَايَاهُ. رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: إِلاَّ حَطَّ اللهُ بِذَلِكَ خَطَايَاهُ كما تَنْحَطُّ (¬2) الْوَرَقَةُ عَنِ الشَّجَرَةِ. 56 - وَعَنْ أَسَدِ بْنِ كُرْزٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: المرِيضُ تَحَاتُّ (¬3) خَطَايَاهُ كما يَتَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ. رواه عبد الله بن أحمد في زوائده وابن أبي الدنيا بإسناد حسن. 57 - وَعَنْ أُمِّ الْعَلاءِ، وَهِيَ عَمَّةُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قالَتْ: عَادَنِي (¬4) رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَأَنَا مَرِيضَةٌ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْعَلاءِ، أَبْشِرِي، فَإِنَّ مَرَضَ الْمُسْلِمِ يُذْهِبُ اللهُ بِهِ خَطَايَاهُ كما تُذْهِبُ النَّارُ (¬5) خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالْفِضة. رواه أبو داود. 58 - وَعَنْ عَامِرٍ الرَّامِ أَخِي الْخَضِرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ أَبُو دَاوُدَ، قال النُّفَيْليُّ هُوَ الْخَضِرُ وَلكِنْ كَذَا قالَ: قالَ إِنِّي لَبِبِلاَدِنَا إِذْ رُفِعَتْ لَنَا رَايَاتٌ وَأَلْوِيَةٌ (¬6) فَقُلْتُ: مَا هذَا؟ قالُوا: هذَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ تَحْتَ شَجَرَةٍ قَدْ بُسِطَ لَهُ كِسَاءٌ (¬7) وَهُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلم الأَسْقَامَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَصَابَهُ السَّقَمُ، ثُمَّ أَعْفَاهُ اللهُ مِنْهُ كانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، وَمَوْعِظَةً لَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ إِذَا مَرِضَ ثُمَّ أُعْفِيَ كَان ¬

= وحكم الإسلام في الظاهر ثبت بالشهادتين، وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة والحج والصوم لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله في قوله صلى الله عليه وسلم "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته .. الخ. والإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة .. الخ" أهـ ص 148 شرح النووي. بعنوان كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً. (¬1) محا ذنوبه. (¬2) تسقط. (¬3) تحات أي تتساقط. (¬4) زارني، يقال عدت المريض عيادة. (¬5) ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس إذا أذيبا، والمعنى يصهر المرض النفس وينقيها من أدران المعاصي ويطهرها من النجاسات ويزيل منها كل رديء. (¬6) أعلام، جمع لواء. (¬7) فرش له رداء.

كالْبَعِيرِ عَقَلَهُ (¬1) أَهْلُهُ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ (¬2) فَلمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوهُ وَلَمْ يَدْرِ لِمَ أَرْسَلُوهُ (¬3) فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ حَوْلَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الأَسْقَامُ، وَاللهِ مَا مَرِضْتُ قَطُّ؟ قالَ: قُمْ عَنَّا فَلَسْتَ مِنَّا (¬4). رواه أبو داود، وفي إسناده راوٍ لم يسمّ. 59 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: [مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (¬5)] فَقَالَ: إِنَّا لَنُجْزَى بِكُلِّ مَا عَمِلْنَا هَلَكْنَا إذاً، فَبَلَغَ ذلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: نَعَمْ يُجْزَى بِهِ في الدُّنْيَا مِنْ مُصِيبَةٍ في جَسَدِهِ مِمَّا يُؤْذِيهِ. رواه ابن حبان في صحيحه. 60 - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ الصَّلاحُ بَعْدَ هذِهِ الآيَةِ [لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ (¬6)] الآية، وَكُلُّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ جُزِينَا بِهِ؟ فَقَالَ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَمْرَضُ؟ أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ يُصِيبُكَ اللّأْوَاءُ؟ فَقُلْتُ: بَلَى. قالَ: هُوَ مَا تُجْزَوْن بِهِ. رواه ابن حبان في صحيحه أيضاً. [واللَّأْوَاء] بهمزة ساكنة بعد اللام وهمزة في آخره ممدودة: هي شدة الضيق. 61 - وَعَنْ أُمَيْمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ هذِهِ الآيَةِ: [وَإِنْ تُبْدُوا مَا في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ (¬7)] الآيَةَ، وَ [مَنْ يَعْمَلْ سُوءاَ يُجْزَ بِهِ] فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا سَأَلَنِي أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ ¬

(¬1) قيده. (¬2) أطلقوه وفكوا أغلاله. (¬3) لأي شيء وضعوه في قيد لحبسه. (¬4) لست على طريقتنا الكاملة التي يختارها الله تعالى إذ أنه لم يختبر بمرض. (¬5) تمام الآية [ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا (123) ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا (104)] من سورة النساء. قال البيضاوي: أي ليس ما وعد الله من الثواب ينال بأمانيكم أيها المسلمون، ولا بأماني أهل الكتاب، وإنما ينال بالإيمان والعمل الصالح أهـ. (¬6) عاجلاً أو آجلاً. (¬7) [لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير (284)] من سورة البقرة. العالم ملك لله والله يعلم كل شيء (يحاسبكم) يكافئكم ويجازيكم فلا تدخل الوساوس وحديث النفس فيما يخفيه الإنسان لأن ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه، ولكن ما اعتقده وعزم عليه.

رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ لِي النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: يَا عَائِشَةُ هذِهِ مُبَايَعَةُ اللهِ الْعَبْدَ بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ الْحُمَّى والْنَّكْبَةِ والشَّوْكَةِ حَتَّى الْبِضَاعَةِ يَضَعُهَا في كُمِّهِ فَيَفْقِدُهَا فَيَفْزَعُ لَهَا فَيَجِدُهَا في ضِبْنِهِ حَتَّى إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا يَخْرُجُ الذّهَبُ الأَحْمَرُ مِنَ الْكِيرِ (¬1). رواه ابن أبي الدنيا من رواية علي بن يزيدَ عنه. [الضِّبن] بضاد معجمة مكسورة ثم باء موحدة ساكنة ثم نون: هو ما بين الإبط والكشح، وقد أضبنت الشيء: إذا جعلته في ضِبْنِك فأمسكتَه. 62 - وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ بَعَثَ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ (¬2) فَقَالَ: انْظُرُوا مَا يَقُولُ لِعُوَّادِهِ (¬3)، فَإِنْ هُوَ إِذَا جَاؤُوهُ حَمِدَ اللهَ وأَثْنَى عَلَيْهِ رَفَعَا ذَلِكَ إِلى اللهِ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَيَقُولُ: لِعَبْدِي عَلَيَّ إِنْ تَوَفَّيْتُهُ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ أَنَا شَفَيْتُهُ (¬4) أَنْ أُبْدِلَهُ لَحْماً خَيْراً مِنْ لَحْمِهِ، وَدَماً خَيْراً مِنْ دَمِهِ، وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ. رواه مالك مُرسَلا، وابن أبي الدنيا، وعنده: فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنّ لِعَبْدِي هذَا عَلَيَّ إِنْ أَنَا تَوَفَّيْتُهُ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ أَنَا رَفَعْتُهُ أَنْ أُبَدِّلَهُ لَحْمَاً خَيْراً مِنْ لَحْمِهِ، وَدَماً خَيْراً مِنْ دَمِهِ، وَأَغْفِرَ لَهُ. 63 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَمَسَسْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تُوعَكُ (¬5) وَعْكاً شَدِيداً؟ فَقَالَ: أَجَلْ إِنِّي أُوعَكُ كما يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ، قُلْتُ: ذَلِكَ بِأَنَّ لَكَ (¬6) أَجْرِيْنِ؟ قالَ: أَجَلْ (¬7) مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيْبُهُ أَذَىً مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاّ حَطّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشّجَرَةُ وَرَقَهَا. رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) زق الحداد الذي ينفخ به في النار ليصهر المعادن ويذيبها ويزيل رديئها ووحشها فيخرج الإنسان من المرض نقي الصحيفة كالذهب الخالص من الحثالة. (¬2) من ملائكة الرحمة رسل الخير. (¬3) زواره. (¬4) أعطيه صحة تامة، فلا يخرج المريض إلا بخير على كل حال: أ - إما صحة وحياة. ب - وإما مغفرة ودخول الجنة. (¬5) تصيبك حرارة الحمى وإصابة بالغة نهاية الألم. (¬6) بأن لك كذا د وع ص 387 - 2 وفي ن ط: بأن لكم أي ثوابين. (¬7) نعم.

64 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ هذِهِ الأَمْرَاضَ الَّتِي تُصِيبُنَا مَا لَنَا بِها (¬1)؟ قالَ: كَفَّارَاتٌ (¬2). قالَ أُبَيُّ يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنْ قَلَّتْ؟ قالَ: وَإِنْ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا، فَدَعَا عَلَى نَفْسِهِ (¬3) أَنْ لاَ يُفَارِقَهُ الْوَعَكُ حَتَّى يَمُوتَ، وَأَنْ لاَ يَشْغَلَهُ عَنْ حَجٍّ وَلاَ عُمْرَةٍ وَلاَ جِهَادٍ في سَبِيلِ اللهِ، وَلاَ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ في جَمَاعَةٍ، قالَ: فَمَا مَسَّ إِنْسَانٌ جَسَدَهُ إِلاَّ وَجَدَ حَرَّهَا حَتَّى مَاتَ. رواه أحمد وابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه. [الوعك]: الحمى. 65 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ الصُّدَاعَ والْمَلِيلَةَ لاَ تَزَالُ بالْمُؤْمِنِ، وَإِنَّ ذَنْبَهُ مِثْلُ أُحُدٍ (¬4) فَمَا تَدَعُهُ (¬5) وَعَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ. ما يزال المرء المسلم به المليلة والصداع الحديث 66 - وفي رواية: مَا يَزالُ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بِهِ الْمَلِيلَةُ والصُّدَاعُ، وَإِنَّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا لأَعْظَمَ مِنْ أُحُدٍ حَتَّى تَتْرُكَهُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ. رواه أحمد واللفظ له وابن أبي الدنيا والطبراني، وفيه ابن لهيعة وسهل بن معاذ. ¬

(¬1) أي شيء يصيبنا بها؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم أن الأمراض مزيلة للذنوب ومطهرة من العيوب، ومفرجة الكروب. (¬2) كفارات، المفردة كفارة، وهي عبارة عن الفعلة والخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة: أي تسترها وتمحوها، وهي فعالة للمبالغة كقتالة وضرابة، وهي من الصفات الغالبة في باب الإسمية أهـ نهاية. (¬3) رأى ذلك الرجل ثواب وجود الحمى في جسمه فطلب من الله إبقاءها، وإعانته على أفعال البر وأن لا تمنعه عن: أ - الحج. ب - الجهاد. جـ - أداء الفرائض في جماعة. هكذا يكون الإيمان بالله، والتحلي بلباس التقوى، يستقبل المرض مع طلب الاستعانة من الله على أداء العبادات كاملة. (¬4) لو قدر وزنها لساوت جبل أحد بمكة. (¬5) فما تتركه إلا وهرت صحيفته من كل الأخطاء وتنقى فلا يبقى شيء قليل يساوي ذرة من حب الخردل من الذنوب.

[المليلة] بفتح الميم بعدها لام مكسورة: هي الحمى تكون في العظم. 67 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ تَزَالُ الْمَلِيلَةُ وَالصُّدَاعُ بِالْعَبْدِ والأَمَةِ، وَإِنَّ عَلَيْهِمَا مِنَ الْخَطَايَا مِثْلَ أُحُدٍ فَمَا تَدْعُهُمَا وَعَلَيْهِمَا مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ. رواه أبو يعلى ورواتُه ثقات. 68 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ صُدِعَ رَأْسُهُ في سَبِيلِ اللهِ فاحْتَسَبَ (¬1) غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ ذَنْبٍ. رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن. 69 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: صُدَاعُ (¬2) الْمُؤْمِنِ وَشَوْكَةٌ يُشَاكُهَا، أَوْ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ دَرَجَةً، وَيُكَفِّرُ عَنْهُ بِهَا ذُنُوبَهُ. رواه ابن أبي الدنيا، ورواتُه ثقات. إن الله ليبتلي عبده بالسقم حتى يكفر ذلك عنه كل ذنب 70 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ اللهَ لَيَبْتَلِي (¬3) عَبْدَهُ بِالسَّقَمِ (¬4) حَتَّى يُكَفِّرَ ذَلِكَ عَنْهُ كُلَّ ذَنْبٍ. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 71 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي لاَ أُخْرِجُ أَحَداً مِنَ الدُّنْيَا أُرِيدُ أَغْفِرُ لَهُ حَتّى أَسْتَوْفِيَ كُلَّ خَطِيئَةٍ في عُنُقِهِ بِسَقَمٍ في بَدَنِهِ، وَإِقْتَارٍ (¬5) في رِزْقِهِ. ذكره رُزَين، ولم أره. 72 - وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً جَاءَهُ الْمَوْتُ في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ رَجُلٌ: هَنِيئاً لَهُ مَاتَ وَلَمْ يُبْتَلَ (¬6) بِمَرَضٍ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ ¬

(¬1) طلب الثواب من الله جل وعلا وصبر، أزال الله جميع خطاياه السابقة التي اقترفها قبل مرضه. (¬2) مرض في الدماغ. (¬3) ليختبر صبره ويمتحن خلقه. (¬4) المرض، ومنه قول سيدنا إبراهيم الخليل "إني سقيم". (¬5) تضييق. أخبر صلى الله عليه وسلم أن المرض والفقر عاملان هادمان يبيدان الذنوب. فليرض الفقير بحاله فصحيفته طاهرة نقية من الخطايا التي تحسب على الأغنياء. (¬6) ولم يختبر بسقم.

عليه وسلم: وَيْحَكَ (¬1) مَا يُدْرِيكَ (¬2) لَوْ أَنَّ اللهَ ابْتَلاَهُ بِمَرَضٍ يُكَفِّرُ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ. رواه مالك عنه مرسَلاً. 73 - وَعَنْ أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُصْرَعُ صَرْعَةً مِنْ مَرَضٍ إِلاّ بَعَثَهُ اللهُ مِنْهَا طَاهِرَاً. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الكبير، ورواتُه ثقات. 74 - وَعَنْ جَابِرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: مَا لَكِ تُزَفْزِفِينَ؟ قالَتِ: الْحُمَّى، لاَ بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَالَ: لاَ تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَما يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ. رواه مسلم. [تزفزفين] روي براءين وبزاءين، ومعناهما متقارب: وهو الرِّعدة التي تحصل للمحموم. إن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه الحديث 75 - وَعَنْ أُمِّ الْعَلاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: عَادَنِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَأَنَا مَرِيضَةٌ فَقَالَ: أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْعَلاءِ، فَإِنَّ مَرَضَ الْمُسْلِمِ يُذْهِبُ اللهُ بِهِ خَطَايَاهُ كما تُذْهِبُ النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ. رواه أبو داود. 76 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّمَا مَثَلُ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ حِينَ يُصِيبُهُ الْوَعَكُ والْحُمَّى كَحَدِيدَةٍ تَدْخُلُ النَّارَ فَيَذْهَبُ خَبَثُهَا وَيَبْقَى طِيبُهَا (¬3). رواه الحاكم، وقال: صحيح الإِسناد. 77 - وَعَنْ فَاطِمَةَ الْخُزَاعِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: عَادَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ وَهِيَ وَجِعَةٌ فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ تَجِدِينَكِ؟ فَقَالَتْ: بِخَيْرٍ إِلاَّ أَنَّ أُمَّ مِلْدَامٍ قَدْ بَرَحَتْ بِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: اصْبِرِي، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَبَثَ ابْنِ آدَمَ ¬

(¬1) كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد تقال بمعنى المدح والتعجب، وهي منصوبة على المصدر أهـ نهاية. (¬2) ما يعلمك أن المرض كان خيراً له لو أصابه. (¬3) كما أن النار تصهر المعادن وتذيبها وتزيل رديئها كذلك المرض يشتد على الجسم، فتكرم الله تعالى بإزالة الذنوب التي اكتسبها أيام الصحة. إذن المرض نعمة لا نقمة يسر به المؤمن تطهيراً له وتنظيفاً من أدران المعاصي.

كما يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ. رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح. إن الله ليكفر عن المسلم خطاياه بحمى ليلة 78 - وَعَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَفَعَهُ، قالَ: إِنَّ اللهَ لَيُكَفِّرُ عَنِ الْمُؤْمِنِ خَطَايَاهُ كلَّهَا بِحُمَّى لَيلَةٍ. رواه ابن أبي الدنيا من رواية ابن المبارك عن عمر بن المغيرة الصنعاني عن حوشب عنه، وقال: قال ابن المبارك: هذا من جيد الحديث. 79 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانُوا يَرْجُونَ في حُمَّى لَيلَةٍ (¬1) كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنَ الذُّنُوبِ. رواه ابن أبي الدنيا أيضاً، ورواته ثقات. 80 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ وُعِكَ لَيْلَةً (¬2) فَصَبَرَ وَرَضِيَ بِهَا عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمَّهُ. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الرضا وغيره. 81 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: اسْتَأْذَنَتِ الْحُمَّى عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ هذِهِ؟ قالَتْ: أُمُّ مِلْدَمٍ (¬3)، فَأَمَرَ بِهَا إِلَى أَهْلِ قُبَاءٍ، فَلَقَوْا مِنْهَا مَا يَعْلَمُ اللهُ، فَأَتَوْهُ فَشَكَوْا ذلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا شِئْتُمْ (¬4)؟ إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللهَ فَكَشَفَهَا عَنْكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَكُونَ لَكُمْ طَهُوراً (¬5)؟ قالُوا: أَوَ تَفْعَلُ (¬6)؟ قالَ: نَعَمْ. قالُوا: فَدَعْهَا (¬7). رواه أحمد، ورواتُه رواة الصحيح، وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه، ورواه الطبراني بنحوه من حديث سلمان، وقال فيه: فَشَكَوُا الْحُمَّى إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: مَا شِئْتُمْ؟ إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللهَ فَدَفَعَهَا عَنْكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمُوهَا وَأَسْقَطَتْ بَقِيَّةَ ذُنُوبِكُمْ؟ قالُوا: فَدَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ. ¬

(¬1) مدة وجودها ليلة تزيل ذنوب ما سبق. (¬2) أصابته الحمى طيلة ليلة فلم يتألم ولم يشك ولم يضجر. (¬3) اسم الحمى. (¬4) أي شيء تريدونه؟ (¬5) آلة تطهير وتنظيف من الذنوب. (¬6) أو تفعل، كذا د وع ص 389 - 2 وفي ن ط أو تفعله. فاختاروا رضي الله عنهم إبقاءها لتكون مطهرة لهم ومنقية ومذهبة الخطايا. (¬7) فاتركها اعتماداً على الله وتفويض الأمور إليه.

82 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ مَا جَزَاءُ الحُمَّى؟ قالَ: تَجْرِي الْحَسَنَاتُ عَلَى صَاحِبِهَا مَا اخْتَلَجَ (¬1) عَلَيْهِ قَدَمٌ أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهِ عِرْقٌ. قالَ أُبَيُّ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُمَّى لاَ تَمْنَعُنِي خُرُوجاً في سَبِيلِكَ وَلاَ خُرُوجَاً إِلى بَيْتِكَ، وَلاَ مَسْجِدِ نَبِيِّكَ. قالَ: فَلَمْ يُمَسَّ أُبَيٌّ قَطُّ إِلاَّ وَبِهِ حُمَّى. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وسندُه لا بأس به. محمد وأبوه ذكرهما ابن حبان في الثقات وتقدم حديث أبي سعيد بقصة أبيّ أيضاً. 83 - وَعَنْ أَبي رَيْحَانَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ (¬2) جَهَنَّمَ، وَهِيَ نَصِيبُ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني كلاهما من رواية شهر بن حوشب عنه. 84 - وَعَنْ أَبي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: قالَ: الْحُمَّى كِيرٌ مِنْ جَهَنّمَ فَمَا أَصَابَ الْمُؤْمِنَ مِنْهَا كَانَ حَظَّهُ مِنْ جَهَنَّمَ. رواه أحمد بإسناد لا بأس به. 85 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: الْحُمَّى حَظ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنَ النَّارِ. رواه البزار بإِسناد حسن. ¬

(¬1) تحرك واضطرب: أي تنال الحسنات ويدرك الأجر من الله تعالى مدة وجود ألم في الجسم ففرح أبي بذلك وطلب من الله تعالى إبقاء الألم في جسمه رجاء كسب الثواب على شريطة أن لا يعوقه عن الجهاد في حرب أعداء الدين أو يمنعه عن أداء فريضة الحج أو يعوقه عن صلاة الجماعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. بخ بخ يتمنى أُبي رضي الله عنه وجود مرض جالب لسمو الدرجات مع إعانة الله تعالى على تشييد الصالحات: أي يتمنى مرضاً خفيفاً لطيفاً لا يحول بينه وبين أعمال الصالحين المجاهدين المتقين. (¬2) سطوع الحر وفورانه. فاحت القدر تفوح وتفيح: إذا غلت، وقد أخرجه مخرج التمثيل والتشبيه: أي كأنه نار جهنم في حرها أهـ نهاية. يتكرم الله تعالى على عبده الصالح في حياته أن يدرك حرارة مرض الحمى، وهو حظه الذي قدر له من جهنم كما قال تعالى: [وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً (71) ثم ننجي الذين اتقوا وننذر الظالمين فيها جثياً (72) من سورة مريم] وفي الآخرة يمر على طريقها مر الكرام ويبعد الله عنه لهبها. قال النسفي: وعند علي وابن عباس رضي الله عنهم واردها داخلها والمراد النار، ولقوله عليه الصلاة والسلام: الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم، وتقول النار للمؤمن: جز يا مؤمن، فإن نورك أطفأ لهبي، وعن الحسن وقتادة، الورود: المرور على الصراط، لأن الصراط ممدود عليها فيسلم أهل الجنة ويتقاذف أهل النار. وعن مجاهد: ورود المؤمن النار: هو مس الحمى جسده في الدنيا لقوله عليه الصلاة والسلام "الحمى حظ كل =

فصل منه

فصل 86 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي (¬1) بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ. رواه البخاري والترمذي ولفظه: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَيْ عَبْدِي فِي الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ جَزَاءٌ عِنْدِي إِلاَّ الْجَنَّةَ. 87 - وفي رواية له: مَنْ أَذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ واحْتَسَبَ لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَاباً دُونَ الْجَنَّةِ. 88 - وَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: يَعْنِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قالَ: إِذَا سَلَبْتُ مِنْ عَبْدِي كَرِيمَتَيْهِ وَهُوَ بِهِمَا ضَنِينٌ لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَاباً دُونَ الْجَنَّةِ إِذْ هُوَ حَمِدَنِي (¬2) عَلَيْهِمَا. رواه ابن حبان في صحيحه. عزيز على الله أن يأخذ كريمتي مؤمن ثم يدخله النار 89 - وَعَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: عَزِيزٌ عَلَى اللهِ أَنْ يَأْخُذَ كَرِيمَتِيْ مُؤْمِنٍ ثُمَّ يُدْخِلَهُ النَّارَ. قالَ يُونُسُ: يَعْنِي عَيْنَيْهِ. رواه أحمد والطبراني من رواية عبد الرحمن بن عثمان الحاطبيّ. 90 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: ¬

= مؤمن من النار" وقال رجل من الصحابة لآخر: أيقنت بالورود؟ قال نعم، وأيقنت بالصدر، قال لا، ففيم الضحك وفيم التثاقل؟ أهـ ص 33 جـ 3. (¬1) قال القسطلاني عبدي: أي المؤمن، بمحبوبتيه: أي عينيه لأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه، والجنة أعظم العوض، لأن الالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا، والالتذاذ بالجنة باق ببقائها أهـ ص 258 جواهر البخاري. يبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرض بعينيه فزال نورهما بنعيم دائم وعز مقيم، وأن الله تعالى اختار له الأصلح والأحسن والفوز بدخول الجنة، فليصبر وليحتسب وليرض ليدرك هذا الأجر. (¬2) شكر فعلي هذا ورضي وسبح واستغفر وأكثر من الطاعة: أي إذا قرن فقد عيني العبد برضاه وعدم سخطه وشكر ربه عوضه الله خيراً منهما بالجنة، ففيه الترغيب باستقبال المرض بالصبر وتحمل ألمه، والترهيب من الضجر والسآمة والملل والصخب والشكوى والسخط خشية حصول المرض، ووقوعه بلا أجر فيخسر المريض دنياه وآخرته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

لاَ يَذْهَبُ اللهُ بِحَبِيبَتَيْ عَبْدٍ فَيَصْبِرَ وَيَحْتَسِبَ إِلاَّ أَدْخلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ. رواه ابن حبان في صحيحه. 91 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَقُولُ اللهُ: إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَي عَبْدِي فَصَبَرَ واحْتَسَبَ لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَاباً دُونَ الْجَنَّةِ. رواه أبو يعلى، ومن طريقه ابن حبان في صحيحه. 92 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا ابْتُلِيَ عَبْدٌ بَعْدَ ذَهَابِ دِينِهِ بِأَشَدَّ مِنْ ذَهَابِ بَصَرِهِ، وَمَنِ ابْتُلِيَ بِبَصَرِهِ فَصَبَرَ حَتَّى يَلْقَى اللهَ، لَقِيَ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلاَ حِسَابَ عَلَيْهِ. رواه البزار من رواية جابر الْجُعْفي. 93 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَنْ يُبْتَلَى عَبْدٌ بِشَيْءٍ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الشِّرْكِ باللهِ، وَلَنْ يُبْتَلَى عَبْدٌ بِشَيْءٍ بَعْدَ الشِّرْكِ باللهِ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ ذَهَابِ بَصَرِهِ، وَلَنْ يُبْتَلَى عَبْدٌ بِذَهَابِ بَصَرِهِ إِلاَّ غَفَرَ اللهُ لَهُ. رواه البزّار من رواية جابر أيضاً. 94 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أَذْهَبَ اللهُ بَصَرَهُ فَصَبَرَ واحْتَسَبَ كانَ حَقّاً عَلَى اللهِ وَاجِباً أَنْ لاَ تَرَى عَيْنَاهُ النَّارَ. رواه الطبراني في الصغير والأوسط. 95 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلم عَنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا ثَوَابُ عَبْدِي إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَيْهِ (¬1) إِلاَّ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِي (¬2) وَالْجِوَارَ في دَارِي (¬3). قالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم يَبْكُونَ حَوْلَهُ يُرِيدُونَ أَنْ تَذْهَبَ أَبْصَارُهُمْ (¬4). رواه الطبراني في الأوسط. ¬

(¬1) أخذت كريمتيه كذا ط وع ص 391 - 2 وفي ن د: أذهبت. (¬2) أتجلى عليهم برضواني فيرون جلالي وعظمتي، ولا أسخط عليهم أبداً من جراء رضاهم في الدنيا. (¬3) سكن الجنة. (¬4) اشتياقاً إلى رؤية الله جل وعلا. =

الترغيب في كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده

الترغيب في كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده 1 - عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبي الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ ¬

_ = آيات الصبر عند المصيبة والرضاء بالقضاء والقدر أ -[وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا] من سورة الأعراف. ب -[ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97)] من سورة النحل. جـ -[أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا] من سورة القصص. د -[إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب (10)] من سورة الزمر. هـ -[واصبروا إن الله مع الصابرين (46)] من سورة الأنفال. و-[وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون (24)] من سورة السجدة. ز - وقال تعالى [وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (157)] من سورة البقرة. ح - وقال تعالى: [وبشر المخبتين (34) الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم] من سورة الحج. ي - وقال تعالى: [أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما (75)] من سورة الفرقان. ك - وقال تعالى: [وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى (132)] من سورة طه. (اصطبر) داوم عليها والثمرة الحلوة المحمودة للذين يتقون الله ويصبرون، روي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة وتلا هذه الآية. قال النسفي: أهلك أمتك وأهل بيتك، لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك وفرغ بالك لأمر الآخرة، لأن من كان في عمل الله كان الله في عمله، وعن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى ما عند السلاطين قرأ، ولا تمدن عينيك الآية. ثم ينادي: الصلاة الصلاة رحمكم الله. وكان بكر بن عبد الله المزني إذا أصاب أهله خصاصة قال: قوموا فصلوا، بهذا أمر الله ورسوله. وعن مالك بن دينار مثله وحسن العاقبة لأهل التقوى أهـ ص 55. يأمر الله تعالى رسوله ليعلم المسلمين المداومة على الصلاة، وهي دليل الصبر الجميل كما قال تعالى في موضع آخر: [واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا (28)] من سورة الكهف. قال الكفار الرؤساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم نح هؤلاء الموالي، وهم صهيب وعمار وخباب وسلمان، وغيرهم من فقراء المسلمين حتى نجالسك فنزلت الآية: أي واحبسها معهم وثبتها، دائبين على الدعاء في كل وقت أو بالغداة لطلب التوفيق والتيسير، العشي لطلب عفو التقصير أو هما صلاة الفجر والعصر يريدون رضا الله تعالى ولا تجاوز النظر عنهم إلى غيرهم، واترك من جعلنا قلبه غافلاً عن الذكر، وهو دليل لنا على أنه تعالى خالق أفعال العباد (فرطا) مجاوزاً عن الحق. ل - وقال تعالى: [وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين (114) واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين (115)] من سورة هود. (طرفي النهار) غدوة وعشية (وزلفا) ساعات (من الليل) إن الصلوات الخمس يذهبن الذنوب =

عليه وسلم وَجَعاً يَجِدُهُ في جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ضَعْ ¬

_ = كما قال صلى الله عليه وسلم: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها" أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (ذكرى) عظة للمتعظين، وإن شاهدنا (واصبر) على امتثال ما أمرت به والانتهاء عما نهيت عنه فلا يتم شيء منه إلا به. م - وقال تعالى: [فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك] من سورة المؤمن. ن - وقال تعالى: [والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3)] من سورة العصر. أقسم سبحانه وتعالى بصلاة العصر لفضلها، أو بعصر النبوة، أو بالدهر لاشتماله على الأعاجيب. إن الناس لفي خسران في مساعيهم وصرف أعمارةم ومطالبهم، وعدم الاجتهاد في طاعة الله تعالى إلا الذين اشتروا الآخرة بالدنيا ففازوا بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية وتعاهدوا على إظهار الحق أي الثابت الذي لا يصح إنكاره من اعتقاد أو عمل، واتفقوا على الصبر عن المعاصي أو على الحق أو ما يبلو الله به عباده. قال تعالى [فاصبر لحكم ربك، فاصبر صبراً جميلاً]. س - وعلق النصرة على الصبر فقال تعالى: [بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين (125)] من سورة آل عمران. معنى الصبر نصف الإيمان وبيان أقسامه وفي معنى الصبر نصف الإيمان: أي للإيمان ركنان: أ - اليقين. ب - الصبر. والمراد باليقين المعارف القطعية الحاصلة بهداية الله تعالى عبده إلى أصول الدين، والمراد بالصبر العمل بمقتضى اليقين إذ اليقين يعرفه أن المعصية ضارة والطاعة نافعة، ولا يمكن ترك المعصية والمواظبة على الطاعة إلا بالصبر وهو استعمال باعث الدين في قهر باعث الهوى والكسل فيكون الصبر نصف الإيمان. أو يطلق على الأحوال المثمرة للأعمال لأعلى المعارف، وعند ذلك ينقسم جميع ما يلاقيه العبد إلى ما ينفعه في الدنيا والآخرة أو يضره فيهما، وله بالإضافة إلى ما يضره حال الصبر وبالإضافة إلى ما ينفعه حال الشكر. قال ابن مسعود رضي الله عنه: الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر. وأقسام الصبر: أولاً: أن يقهر داعي الهوى فلا تبقى له قوة المنازعة ويتوصل إليه بدوام الصبر، وعند هذا يقال: من صبر ظفر. ثانياً: أن تغلب دواعي الهوى وتسقط بالكلية منازعة باعث الدين فيسلم نفسه إلى جند الشياطين، ولا يجاهد ليأسه من المجاهدة، وهؤلاء هم الغافلون. ثالثاً: أن يكون الحرب سجالاً بين الجندين، فتارة له اليد عليها، وتارة لها عليه، وهذا من المجاهدين، وينقسم باعتبار حكمه إلى فرض ونقل ومكروه. فالصبر على المحظورات فرض، وعلى المكاره نفل، والصبر على الأذى المحظور محظور كمن تقطع يده أو يد ولده، وهو يصبر عليه ساكتاً، وكمن يقصد حريمه بشهوة محظورة فتهيج غيرته فيصبر عن إظهار الغيرة، ويسكت على ما يجري على أهله فهذا الصبر محرم، والصبر المكروه هو الصبر على أذى يناله بجهة مكروهة في الشرع فليكن الشرع محك الصدر. وفي بيان مظان الحاجة إلى الصبر القسم الأول. أولاً: ما يوافق الهوى، وهو الصحة والسلام والمال والجاه وكثرة العشيرة واتساع الأسباب وكثرة الأتباع والأنصار وجميع ملاذ الدنيا، وما أحوج العبد إلى الصبر على هذه الأمور فإنه إن لم يضبط نفسه عن الاسترسال والركون إليها والانهماك في ملاذها المباحة منها، أخرجه ذلك إلى البطر والطغيان فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى. ثانياً: ما يرتبط باختياره، وهو سائر أفعاله التي توصف بكونها طاعة أو معصية. ثالثاً: بعد الفراغ من العمل إذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به للسمعة والرياء والصبر عن النظر إليه =

يَدَكَ عَلَى الَّذِي يَأْلَمُ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ: بِسْمِ اللهِ ثَلاثاً: وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ باللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ (¬1). رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وعند مالك: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ. قالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَب اللهُ مَا كَانَ بِي فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهَا أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ. وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ مِثْلُ ذلِكَ وَقَالاَ في أَوَّلِ حَدِيثِهِمَا: أَتَانِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: امْسَحْ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قُلْ أَعُوذُ (¬2) بِعِزَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ الْحديث. 2 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَنِ اشْتَكَى مِنْكُمْ شَيْئاً، أَوِ اشْتَكَاهُ (¬3) أَخٌ لَهُ فَلْيَقُلْ: رَبُّنَا اللهُ الَّذِي في السَّمَاءِ تَقَدَّسَ اسْمُكَ، وَأَمْرُكَ في السَّمَاءِ والأَرْضِ كما رَحْمَتُكَ في السَّمَاءِ فاجْعَلْ رَحْمَتَكَ في الأَرْض. اغْفِرْ لَنَا حَوْبَنَا (¬4) وَخَطَايَانَا أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ أَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ، وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ على هذَا الْوَجَعِ فَيَبْرَأُ (¬5). رواه أبو داود. 3 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ قالَ: قالَ لِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: يَا مُحَمَّدُ إِذَا اشْتَكَيْتَ فَضَعْ يَدَكَ حَيْثُ تَشْتَكِي، ثُمَّ قُلْ: بِسْمِ اللهِ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ ¬

= بعين العجب والكبرياء، وعن كل ما يبطل عمله ويحبط أثره كما قال تعالى: " ولا تبطلوا أعمالكم" وكما قال تعالى "لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى". أ - الطاعة والعبد يحتاج إلى الصبر عليها. ب - المعاصي فما أحوج العبد إلى الصبر عنها كما قال تعالى [وينهى عن الفحشاء والمنكر]. القسم الثاني ما لا يرتبط هجومه باختياره، وله اختيار في دفعه كما لو أوذي بفعل أو قول وجنى عليه في نفسه أو ماله فالصبر على ذلك بترك المكافأة تارة يكون واجباً، وتارة يكون فضيلة كما قال تعالى [ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون (12)] من سورة إبراهيم. القسم الثالث: ما لا يدخل تحت حصر الاختيار أو له وآخره كالمصائب مثل: موت الأعزة، وهلاك الأموال وزوال الصحة بالمرض وعمى العين وفساد الأعضاء، وبالجملة سائر أنواع البلاء ودواؤه معجون العلم: والعمل بالمواظبة على ذكر الله والفكر في وجوده وإيجاد الأعمال الصالحة أهـ إحياء ص 64 جـ 4. (¬1) أخاف. (¬2) وقل أعوذ كذا د وع ص 391: - 2 - وفي ن ط: ثم قل. (¬3) تألم. (¬4) ذنبنا. (¬5) فيشفى.

الترهيب من تعليق التمائم والحروز

مِنْ وَجَعِي هذَا ثُمَّ ارْفَعْ يَدَكَ ثُمَّ أَعِدْ ذَلِكَ وِتْراً (¬1). فإِن أنس بن مالك حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك. رواه الترمذي. الترهيب من تعليق التمائم والحروز من علق تميمة فلا أتم الله له. الحديث 1 - عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً (¬2) فَلاَ أَتَمَّ اللهُ لَهُ (¬3)، وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً (¬4) فَلاَ وَدَعَ (¬5) اللهُ لَهُ. رواه أحمد وأبو يعلى بإسناد جيد، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. من علق فقد أشرك 2 - وَعَنْ عُقْبَةَ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَاءَ في رَكْبٍ عَشَرَةٌ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فقَالُوا: مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ في عَضُدِهِ ¬

(¬1) مرة أو ثلاثة أو خمسة أو سبعة. (¬2) قال في النهاية خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين بزعمهم أهـ. (¬3) فلا أوجد الله لها فائدة ولا أحاطه بحفظه ولا أناله ما يريد. يحذر صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يعلقوا شيئاً على أولادهم أو أموالهم أو أجسامهم انتظار خير منها فلا خير يدرك من ذلك، ولا تمنع الحسد أو تحصد العين حاشا لله، الأفعال لله، وقد رأيت دعوته صلى الله عليه وسلم المجابة (فلا أتم الله له). (¬4) شيء يخرج من البحر كالصدف على نحو ولده. (¬5) فلا جلب الله له خيراً ولا جعله في دعة وسكون وراحة واطمئنان ولا أمنه الشر. أي ابتعدوا أيها المسلمون عن تعليق هذه الأشياء فلا تضر ولا تنفع، وفي الجامع الصغير: من علق تميمة فقد أشرك: أي فعل فعل أهل الشرك وهم يريدون دفع المقادير المكتوبة، فلا ودع أي لأجله في دعة وسكون أي لا خفف الله عنه ما يخافه. وقال الحفني عطف التميمة على الودعة فهي غيرها من نحو كاغد يكتب فيه شيء من القرآن مثلاً، ويكون قوله فقد أشرك: أي إن اعتقد أنها تؤثر بطبعها وإلا فلا بأس بذلك، بل يسن التبرك بحمل شيء من القرآن (فلا ودع) أي فلا خفف عنه ولا جعله في دعة وراحة مما يخاف منه أهـ ص 343 جـ 3. يذكرني هذا ما كتبته في رسالتي شرح قوله تعالى [اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة] من سورة المائدة. حادثة شقيقتي. كانت تعلق تمائم على أطفالها فيموتون، وبعد هذا وضعت ولداً فأراها الله جل وعلا في منامها أنها تقطع هذه التمائم إرباً إرباً فاستيقظت واستفادت من الرؤيا وقطعت ما علق على ابنها وفوضت أمرها إلى الله وحده فعاش ابنها وبارك الله فيه ورزقها سبحانه بغيره. تلك حادثة لمستها وأخذتها درساً عملياً أفهمتني الآن قوله صلى الله عليه وسلم: أ - "فلا أتم الله له". ب - "فلا ودع الله له". فليفوض المسلمون أمورهم إلى ربهم جل وعلا ويعتمدوا عليه سبحانه، ويصلحوا أنفسهم بالإقبال على العمل بالكتاب والسنة ويقطعوا تمائم أبنائهم قال تعالى [وما تشاؤون إلا أن يشاء الله] من سورة الدهر. وفي ن ط: فلا أودع الله له.

تَمِيمَةً فَقَطَعَ الرَّجُلُ التَّمِيمَةَ، فَبَايَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ثُمَّ قالَ: مَنْ عَلَّقَ فَقَدْ أَشْرَكَ. رواه أحمد والحاكم واللفظ له، ورواة أحمد ثقات. [التميمة] يقال إنها خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات، واعتقاد هذا الرأي جهل وضلالة، إذ لا مانع إلا الله، ولا دافع غيره. ذكره الخطابي. 3 - وَعَنْ عِيسَى بْنِ حَمْزَةَ قالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ حَكِيمٍ وَبِهِ حُمْرَةٌ فَقُلْتُ أَلاَ تُقَلِّقُ تَمِيمَةً؟ فَقَالَ: نَعُوذُ باللهِ مِنْ ذَلِكَ، قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ عَلَّقَ شَيْئاً وُكِلَ إِلَيْهِ (¬1). رواه أبو داود والترمذي إلا أنه قال: فَقُلْنَا: أَلاَ تُعَلِّقُ شَيْئاً؟ فَقَالَ: الْمَوْتُ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ (¬2). وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. 4 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَبْصَرَ عَلى عَضُدِ رَجُلٍ حَلَقَةً، أُرَاهُ قالَ: مِنْ صُفْرٍ (¬3) فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا هذِهِ؟ قالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ. قالَ: أَمَا إِنَّهَا لاَ تَزِيدُكَ إِلاَّ وَهْناً (¬4) انْبِذْهَا عَنْكَ (¬5)، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ (¬6). أبداً. رواه أحمد وابن ماجة دون قوله: انْبِذْهَا إلى آخره، وابن حبان في صحيحه وقال: فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ وُكِلْتَ إِلَيْهَا. والحاكم وقال: صحيح الإسناد ¬

(¬1) أسند إليه وحرم من حفظ الله له: أي تركه الله لهذا الشيء وسلب منه إعانته ورأفته ورحمته. (¬2) حب الموت أفضل من تعليق شيء. (¬3) من صفر، وفي رواية وفي يده خاتم من صفر فقال ما هذا قال هذا من الواهنة. الواهنة: عرق يأخذ في المنكب، وفي اليد كلها فيرقى منها، وقيل هو مرض يأخذ في العضد، وربما علق عليها جنس من الخرز يقال له خرز الواهنة، وهي تأخذ الرجال دون النساء، وإنما نهاه عنها لأنه إنما اتخذها على أنها تعصمه من الألم فكان عنده في معنى التمائم المنهي عنها أهـ نهاية. ولقد حدثتني سيدة وأعتقد صدقها وإخلاصها لربها أن رزقت بأولاد فيموتون فرأت في منامها أن جمعت كل هذه الأشياء التي كانت تعلقها على أولادها بعد موت بنت لها خامس خمسة ورمتها في البحر وتقول زال الشر. زال الشر. زال الشر. الشر راح. (¬4) ضعفاً. لماذا لأن الثقة بالله ممنوعة، وهو تعالى الواقي الحافظ [فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين (64)] من سورة يوسف. (¬5) اطرحها. (¬6) لم تفز بنعيم الجنة، لماذا؟ لضعف الإيمان بالله تعالى، واعتقاد تأثير الحلقة في منع المرض والله تعالى وحده النافع الضار.

[قال الحافظ]: رووه كلهم عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن عمران، ورواه ابن حبان أيضاً بنحوه عن أبي عامر الخزّار عن الحسن عن عمران، وهذه جيدة إلا أن الحسن اختلف في سماعه من عمران، وقال ابن المديني وغيره: لم يسمع منه، وقال الحاكم: أكثر مشايخنا على أنّ الحسن سمع من عمران، والله أعلم. 5 - وَعَنِ ابْنِ أُخْتِ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ عَنْ زَيْنَبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: كَانَتْ عَجُوزٌ تَدْخُلُ عَلَيْنَا تُرَقِّي مِنَ الْحُمْرَةِ (¬1)، وَكَانَ لَنَا سَرِيرٌ طَوِيلُ الْقَوَائِمِ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا دَخَلَ تَنَحْنَحَ وَصَوَّتَ فَدَخَلَ يَوْمَاً فَلَمَّا سَمِعَتْ صَوْتَهُ احْتَجَبَتْ مِنْهُ (¬2)، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلى جَانِبي فَمَسَّنِي، فَوَجَدَ مَسَّ خَيْطٍ فَقَالَ: مَا هذَا؟ فَقُلْتُ: رُقِيَ لِي فِيهِ مَن الْحُمْرَةِ (¬3)، فَجَذَبَهُ فَقَطَعَهُ فَرَمَى بِهِ ثُمَّ قالَ: لَقَدْ أَصْبَحَ آلُ عَبْدِ اللهِ أَغْنِيَاءَ عَنِ الشِّرْكِ (¬4) سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ والتِّوَلَةَ شِرْكٌ (¬5). قُلْتُ: فَإِنِّي خَرَجْتُ يَوْماً فَأَبْصَرَنِي فُلانٌ فَدَمَعَتْ عَيْنِي الَّتِي تَلِيهِ، فَإِذَا رَقَيْتُهَا سَكَنَتْ (¬6) دَمْعَتُهَا، وَإِذَا تَرَكْتُهَا دَمَعَتْ (¬7)؟ قالَ: ذَلِكَ الشَّيْطَانُ إِذَا أَطَعْتَهُ تَرَكَكِ، وَإِذَا عَصِيتِهِ طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ في عَيْنِكِ، وَلكِنْ لَوْ فَعَلْتِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم كانَ خَيْراً لَكِ، وَأَجْدَرُ (¬8) أَنْ تُشْفَي: تَنْضَحِي (¬9) في عَيْنِكِ الْماءَ وَتَقُولِي: أَذْهِبِ الْبَأْسَ (¬10) رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ ¬

(¬1) من الحمرة كذا د وع ص 392 - 2 أي مرض يجعل على الجسم بثوراً حمراء مع حرارة شديدة، وقانا الله تعالى. (¬2) امتنعت عن رؤيته. (¬3) في الأصل بالجيم، وهي الجمرة. (¬4) أي بعيدين من إسناد أي أثر فعال لغير الله وحده. (¬5) لاعتقاد أنها نافعة من دون الله. (¬6) زالت. (¬7) الدمع ماء العين، دمع من باب نفع وتعب وعين دامعة: أي سائل دمعها. (¬8) وأحق. (¬9) ترشي الماء رشاً، وفي النهاية وقد يرد النضح بمعنى الغسل والإزالة. (¬10) أزل الألم يا خالق كل شيء .. علمها رضي الله عنه طريقة البرء والاعتماد على الله تعالى في إزالة المرض بالالتجاء إلى الله وحده في شفائها، قال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم [قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (49)] من سورة يونس. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه ربه أن الأفعال بيد الله ولا يجلب لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضراً. لماذا؟ لأنه عبد حادث: والرب قادر ضار نافع وحده، فلما أنذر صلى الله عليه وسلم الكفار لكفرهم بالله واستبعدوا عذاب الله واستهزؤوا به [ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (48)] من سورة يونس. قال البيضاوي خطاب منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فقال صلى الله عليه وسلم: فكيف أملك لكم =

سَقَمَاً (¬1). رواه ابن ماجة، واللفظ له وأبو داود باختصار عنه إلا أنه قال: عن ابن أخي زينب، وهو كذا في بعض نسخ ابن ماجة، وهو على كلا التقديرين مجهول، ورواه الحاكم أخصر منهما، وقال: صحيح الإسناد: قال أبو سليمان الخطابي: المنهيّ عنه من الرقى ما كان بغير لسان العرب فلا يدري ما هو، ولعله قد يدخله سحر أو كفر، فأما إذا كان مفهوم المعنى وكان فيه ذكر الله تعالى فإنه مستحب متبرَّك به، والله أعلم. 6 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَفِي عُنُقِهَا شَيْءٌ مَعْقُودٌ فَجَذَبَهُ (¬2) فَقَطَعَهُ ثُمَّ قالَ: لَقَدْ أَصْبَحَ آلُ عَبْدِ اللهِ أَغْنِيَاءَ عَنْ أَنْ يُشْرِكُوا (¬3) بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً (¬4)، ثُمَّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ الرُّقَى (¬5) ¬

= فأستعجل في جلب العذاب إليكم [إلا ما شاء الله] أن أملكه، أو ولكن ما شاء الله من ذلك كائن [لكل أمة أجل] مضروب لهلاكهم أهـ. (¬1) إن برءك يا الله لا يترك أي مرض. (¬2) مده إليه. (¬3) أغنياء عن أن يشركوا كذا ط وع ص 393 - 2 وفي ن د أغنياء أن يشركوا. (¬4) ما لم ينزل بإشراكه كتاباً أو لم ينصب عليه دليلاً أهـ بيضاوي. يفسر قوله تعالى: [وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون (81)] من سورة الأنعام في قصة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام ورزقنا الله اليقين وقوة الإيمان به سبحانه وتعالى والهداية، والمعنى أن سيدنا عبد الله بن مسعود أنكر تعليق شيء بقصد التأثير في إزالة المرض، إذ لم يرد هذا في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولذا قطعه وأزاله كما قال تعالى [وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب (7)] من سورة الحشر. قال البيضاوي: وما أعطاكم من الفيء أو من الأمر فخذوه، لأنه حلال لكم، أو فتمسكوا به، لأنه واجب الطاعة، وما نهاكم عن أخذه منه أو عن إتيانه فانتهوا عنه واتقوا الله في مخالفة رسوله إن الله شديد العقاب لمن خالفه أهـ. إن شاهدنا الأمر باتباع شريعته والتأسي بأفعاله والابتعاد عن منهياته، وهو صلى الله عليه وسلم النبراس الوهاج والقمر المنير لكل عمل. (¬5) الرقية: العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات. ويكره من الرقى ما كان بغير اللسان العربي وبغير أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة: وأن يعتقد أن الرقيا نافعة لا محالة فيتكل عليها، وإياها أراد بقوله صلى الله عليه وسلم "ما توكل من استرقى" ولا يكره منها ما كان في خلاف ذلك كالتعوذ بالقرآن وأسماء الله تعالى والرقى المروية، ولذلك قال للذي رقى بالقرآن وأخذ عليه أجراً "من أخذ برقية باطل فقد أخذت برقية حق" وفي حديث جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال اعرضوها علي فعرضناها فقال لا بأس بها إنما هي مواثيق كأنه خاف أن يقع فيها شيء مما كانوا يتلفظون به ويعتقدونه من الشرك في الجاهلية، وما كان بغير اللسان العربي مما لا يعرف له ترجمة، ولا يمكن الوقوف عليه فلا يجوز استعماله، وقوله صلى الله عليه وسلم: لا رقية إلا من عين أو حمة، فمعناه لا رقية أولى وأنفع، وفي صفة أهل الجنة =

وَالتَّمَائِمَ (¬1)، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ قالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ هذِهِ الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ قَدْ عَرَفْنَاهُمَا فَمَا التِّوَلَةُ؟ قالَ: شَيءٌ تَصْنَعُهُ النِّسَاءُ يَتَحَبَّبْنَ إِلى أَزْوَاجِهِنَّ. رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم باختصار عنه وقال: صحيح الإسناد. [التِّوَلَة] بكسر المثناة فوق وبفتح الواو: شيء شبيه بالسحر أو من أنواعه تفعله المرأة ليحببها إلى زوجها. 7 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: لَيْسَ التَّمِيمَةُ مَا تُعُلِّقَ بِهِ بَعْدَ الْبَلاءِ (¬2) إِنَّمَا التَّمِيمَةُ (¬3) مَا تُعُلِّقَ بِهِ قَبْلَ الْبلاءِ. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. ¬

= "لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون" فهذا من صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا الذين لا يلتفتون إلى شيء من علائقها، وتلك درجة الخواص لا يبلغها غيرهم. فأما العوام فمرخص لهم في التداوي والمعالجات، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص والأولياء، ومن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج والدواء ألا ترى أن الصديق لما تصدق بجميع ماله لم ينكر عليه علماً منه بيقينه وصبره، ولما أتاه الرجل بمثل بيضة الحمام من الذهب وقال لا أملك غيره ضربه به بحيث لو أصابه عقره وقال فيه ما قال أهـ. نهاية ص 98 جـ 2. (¬1) خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطلها الإسلام، ومنه حديث ابن عمر، وما أبالي ما أتيت إن تعلقت تميمة، وإنما جعلها شركاً لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم، وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه أهـ نهاية. فاعتمد أخي على الله وحده فهو الذي يكشف الكرب ويشفي. واترك ما تفعله الجهلة في الرقية بألفاظ قبيحة سيئة رديئة وانبذ ما يعلق على الجسم رجاء الحفظ فالله تعالى يقول في كتابه العزيز [فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين (64)] من سورة يوسف. ولا بأس أن تتبرك بتلاوة آية قرآنية أو أحاديث نبوية من رجل صالح تقي بار عامل، ولا مانع أن تعلق ورقة فيها آية قرآنية أو أحاديث نبوية أيضاً على قصد التبرك والمحبة والتقرب إلى الله تعالى بطاعته. (¬2) ينفي صلى الله عليه وسلم حسبان ما علق على الجسم بعد برئه وشفائه، ولا يعده تميمة إنما يعده قبل نزول المرض بمعنى أن الإنسان في صحة فيعلق الشيء على جسمه احتياطاً ومانعاً وحافظاً ومعتقداً أن ما علق يقيه العين والمرض. (¬3) إنما التميمة كذا ط وع، وفي ن د: وإنما التميمة. آيات الترهيب من تعليق التمائم أ - قال الله تعالى: [وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم (107)] من سورة يونس. أي إن يصبك بمرض فلا مزيل له إلا الله. قال النسفي قطع بهذه الآية على عباده طريق الرغبة والرهبة إلا إليه والاعتماد إلا عليه. الغفور المكفر بالبلاء الرحيم المعافى بالعطاء. ب - وقال تعالى حاكياً عن إبراهيم [فإنهم عدو لي إلا رب العالمين (77) الذي خلقني فهو يهدين (78) والذي هو =

الترغيب في الحجامة ومتى يحتجم

الترغيب في الحجامة ومتى يحتجم 1 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ ¬

_ = يطعمني ويسقين (79) وإذا مرض فهو يشفين (80) والذي يميتني ثم يحيين (81) والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين (82) رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين (83) واجعل لي لسان صدق في الآخرين (84) واجعلني من ورثة جنة النعيم (85)] من سورة الشعراء. جـ - وقال تعالى: [وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين (83) فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين (84)] من سورة الأنبياء. قال البيضاوي: وصف ربه بغاية الرحمة بعد ما ذكر نفسه بما يوجبها واكتفى بذلك عن عرض المطلوب لطفاً في السؤال، وكان رومياً من ولد عيص بن إسحق استنبأه الله وكثر أهله وماله فابتلاه الله بهلاك أولاده بهدم بيت عليهم وذهاب أمواله والمرض في بدنه ثماني عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو سبعاً أو سبعة أشهر. وشاهدنا شفاه الله من مرضه وأكثر له أولاده أضعافاً فهو المعطي. آيات الترهيب من إتيان الكهان أ - قال تعالى: [وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين (59)] من سورة الأنعام. ب - وقال تعالى: [إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (34)] من سورة لقمان. جـ - وقال تعالى: [قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون (35)] من سورة النحل. د - وقال تعالى: [ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك] من سورة هود. هـ - وقال تعالى: [عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً (27)] من سورة الجن. و- وقال تعالى: [فإنهم عدو لي إلا رب العالمين (77) الذي خلقني فهو يهدين (78) والذي هو يطعمني ويسقين (79) وإذا مرضت فهو يشفين (80) والذي يميتني ثم يحيين (81) والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين (82)] من سورة الشعراء. ز - وقال تعالى: [وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم (107)] من سورة يونس. المصائب التي يجنيها ضعيف الإيمان المعلق التمائم أولاً: يحرم من رعاية الله له فيكون عرضة للحوادث وألعوبة في يد الشيطان ومصيدة للمردة (فلا أتم الله له). ثانياً: حامل الخرز مهين محتقر ناقص الإسلام متأخر (فلا أودع الله له). ثالثاً: ثقته بالله ضعيفة وإيمانه معدوم (أشرك). رابعاً: محروم من وقاية الله ومساعدته عرضة للشيطان (وكل إليه). =

عليه وسلم يَقُولُ: إِنْ كَانَ في شَيءٍ (¬1) مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ (¬2) أَوْ لَدْغَةٍ بِنَارٍ (¬3)، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتوِيَ. رواه البخاري ومسلم. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنْ كَانَ في شَيءٍ مِمَّا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ خَيْرٌ فَالْحِجَامَةُ. رواه أبو داود وابن ماجة. 3 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَهُ أَن الْحَجْمَ (¬4) أَنْفَعُ مَا تَدَاوَى بِهِ النَّاسُ. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما. 4 - وَعَنْ مَالِكٍ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنْ كَانَ دَوَاءٌ يَبْلُغُ الدَّاءَ فَإِنَّ الْحِجَامَةَ تَبْلُغُهُ. ذكره في الموطأ هكذا. 5 - وَعَنْ سَلْمَى خَادِمِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَتْ: مَا كَانَ أَحَدٌ يَشْتَكِي إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَجَعاً في رَأْسِهِ إِلاَّ قالَ: احتَجِمْ، وَلاَ وَجَعاً في ¬

= خامساً: حامل الخيبة عليه عنوان الحقارة والدناءة (ما أفلح أبداً). سادساً: يوسوس له الشيطان وينفخ في عروقه ويؤلمه ويسبب له الأوجاع (طعن بأصبعه في عينك). سابعاً: الذي لا يحمل شيئاً من التمائم محصن محفوظ محترم واثق بربه كامل الإيمان متبرك بأسمائه تعالى وصفاته (أذهب البأس رب الناس). ثامناً: انفرد الله بخلق عباده وحفظهم وهذه لا فائدة فيها بل هي دلائل النقص ورمز الفجور ومعالم الخسة ومنابع الجهالة. (¬1) الشيء الذي يستعمل للبرء وإزالة السقم، وفي النهاية المحجم الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المص والمحجم أيضاً مشرط الحجام. أنعم بك يا رسول الله لقد مهرت في الطب وبرعت في الحكمة وعرفت علاج النفوس ومصحة الأجسام فأرشدت إلى الحجامة وهي الآن عماد الأطباء في تخفيف ويلات ضغط الدم. (¬2) لعقة من عسل النحل كما قال الله تعالى - فيه شفاء للناس. (¬3) الكي، وفي رواية البخاري "وأنهى أمتي عن الكي" ثلاثة تسعمل في العلاج الناجح الناجع. أ - الحجامة. ب - تناول عسل النحل. جـ - الكي، وينفي صلى الله عليه وسلم محبته عن استعمال النار علاجاً. (¬4) حجم الحاجم حجماً من باب قتل: شرطه، وهو حجام واسم لصناعة حجامة بالكسر والقارورة محجمة، والمحجم: موضع الحجامة مثل جعفر، ومنه يندب غسل المحاجم أهـ. مصباح.

رِجْلَيْهِ إِلاّ قالَ: اخْضِبْهُمَا (¬1). رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال: حديث غريب إنما نعرفه من حديث فائد. [قال الحافظ]: إسناده غريب. [فائد]: هو مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع يأتي الكلام عليه، وعلى شيخه عبيد الله بن علي. 6 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: حَدَّثَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ عَلَى مَلأٍ مِنَ الْملائِكَةِ إِلاَّ أَمَرُوهُ أَنْ مُرْ أُمَّتَكَ بِالْحِجَامَةِ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. [قال الحافظ] عبد الرحمن لم يَسمع من أبيه عبد الله بن مسعود، وقيل: سَمِع. 7 - وَعَنْ عِكْرِمَةَ قالَ: كَانَ لابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا غِلْمَةٌ ثَلاثَةٌ حَجَّامُونَ، وَكانَ اثْنَانِ مِنْهُمْ يُغِلاَّنِ عَلَيْهِ (¬2) وَعَلَى أَهْلِهِ، وَوَاحِدٌ يَحْجُمُهُ وَيَحْجُمُ أَهْلَهُ. قالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ نَبِيُّ اللهِ صلى اللهُ عليه وسَلَّم: نِعْمَ الْعَبْدُ الْحَجَّامُ يُذْهِبُ الدَّمَ، وَيُخِفُّ الصُّلْبَ، وَيَجْلُو عَنِ الْبَصَرِ (¬3)، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم حَيْثُ عُرِجَ بِهِ مَا مَرَّ عَلَى مَلإٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: عَلَيْكَ بالْحِجَامَةِ، وَقَالَ: إِنَّ خَيْرَ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ يَوْمُ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَيَوْمُ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَيَوْمُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقالَ: إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ: السَّعُوطُ (¬4) وَاللَّدُودُ (¬5) وَالْحِجَامَةُ وَالْمَشْيُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى ¬

(¬1) أي ادلكهما بالحناء، يقال خضبت اليد بالخضاب. (¬2) يغلان أي يجلبان له أموالاً جمة، يقال: أغلت الضيعة: صارت ذا غلة: والغلة كل شيء يحصل من ريع الأرض أو أجرتها أو نحو ذلك. (¬3) يزيد ضوءه. (¬4) ما يجعل من الدواء في الأنف. نهاية، وفي رواية البخاري كما في الجواهر "احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فخففوا عنه. وقال: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري، وقال لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة وعليكم بالقسط" الغمز العصر باليد، والعذرة وجع الحلق ويسمى سقوط اللهاة أي اللحمة التي في أقصى الحلق، وكان يعالج برفع الحنك بالأصبع وقد رؤي صبي عند عائشة رضي الله عنها به عذرة أو وجع في رأسه يسيل منخراه دماً فقال: أيما امرأة أصاب ولدها عذرة، أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطاً هندياً فتحكه بماء ثم تسعطه إياه فصنع ذلك فشفي أهـ قسطلاني ص 387. (¬5) من الأدوية ما يسقاه المريض في أحد شقي الفم أربعة أدوية: =

اللهُ عليه وسلم لَدَّهُ الْعَبَّاسُ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ لَدَّنِي؟ فَكُلُّهُمْ أَمْسَكُوا، فَقَالَ: لاَ يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ في الْبَيْتِ إِلاَّ لُدَّ غَيْرَ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ. قال النضر: اللدود: الوَجور. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عباد بن منصور، يعني الناجي. 8 - وَرَوَى ابْنُ مَاجَة مِنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا مَرَرْتُ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي بِمَلإٍ مِنَ الْملائِكَةِ إِلاَّ كُلُّهُمْ يَقُولُ لِي: عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ بالْحِجَامَةِ. ورواه الحاكم بتمامه مفرقاً في ثلاثة أحاديث، وقال في كل منها: صحيح الإسناد. 9 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَحْتَجِمُ في الأَخْدَعَيْنِ والْكَاهِلِ، وَكَانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسعَ عَشْرَةَ. رواه الترمذي: وقال: حديث حسن غريب، وأبو داود ولفظه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم احْتَجَمَ ثَلاثاً في الأَخْدَعَيْنِ والْكَاهِلِ. قالَ مَعْمَرٌ: احْتَجَمْتُ فَذَهَبَ عَقْلِي حَتَّى كُنْتُ أُلَقَّنُ فاتِحَةَ الْكِتَابِ في صَلاتِي، وَكَانَ احْتَجَمَ عَلَى هَامَتِهِ. [الهامة]: الرأس. [والأخدع]: بخاء معجمة ودال وعين مهملتين. قال أهل اللغة: هو عرق في سالفة العنق. [والكاهل]: ما بين الكتفين. من احتجم لسبع عشرة من الشهر كان له شفاء من كلّ داء 10 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنَ الشَّهْرِ كَانَ لَهُ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ. رواه الحاكم فقال: صحيح على شرط مسلم. ¬

_ = أ - النشوق في الأنف. ب - وضع شيء في الفم. جـ - إراقة دم من عرق معين. د - الرياضة البدنية والنزهة في الحدائق والتمتع بمناظر الطبيعة المعبر عنه بالمشي.

ورواه أبو داود أطول منه قال: مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ. الأيام التي تفضل فيها الحجامة 11 - وفي رواية ذكرها رزين ولم أرها: إِذَا وَافَقَ يَوْمُ سَبْعَ عَشْرَةَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ كَانَ دَوَاءَ السَّنَةِ لِمَنِ احْتَجَمَ فِيهِ. وقد روى أبو داود من طريق أبي بكرة بكّار بن عبد العزيز عن كبشة بنت أبي بكرة عن أبيها أنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَهْلَهُ عَنِ الْحِجَامَةِ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَيَزْعُمُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَرْقَأُ (¬1). 12 - وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ لَهُ: يَا نَافِعُ تَبَيَّغَ بِي الدَّمُ فالْتَمِسْ لِي حَجَّاماً واجْعَلْهُ رَفِيقَاً إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَلاَ تَجْعَلْهُ شَيْخاً كَبِيراً؛ وَلاَ صَبِيّاً صَغِيراً فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ أَمْثَلُ (¬2)، وَفِيهَا شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ، وَتَزِيدُ في الْعَقْلِ وَفي الْحِفْظِ، وَاحْتَجِمُوا (¬3) عَلَى بَرَكَةِ اللهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ واجْتَنِبُوا بالْحِجَامَةِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ والْجُمُعَةِ والسَّبْتِ والأَحَدِ تَحَرِّياً (¬4)، واحْتَجِمُوا يَوْمَ ¬

(¬1) لا ينقطع بعد جريانه، يقال وقأ الدم والدمع. (¬2) أفضل وأقرب إلى الصواب والبركة، ومنه الطريقة المثلى، وفي النهاية "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل"، أي الأشرف فالأشرف، والأعلى فالأعلى في الرتبة والمنزلة، يقال: هذا أمثل من هذا أي أفضل وأدنى إلى الخير، وأماثل الناس خيارهم. (¬3) واحتجموا كذا ط وع ص 396 - 2 وفي ن د: فاحتجموا. (¬4) اتباعاً للأصوب. فوائد الحجامة كما قال صلى الله عليه وسلم أولاً: تخفف وطأة ضغط الدم ثانياً: تزيل الأمراض. ثالثاً: تجلب الشفاء. رابعاً: تسبب البرء (شرطة محجم). خامساً: أنجع وسيلة لاكتساب الصحة ونضارة الحياة. سادساً: تزيل صداع الرأس وألمه. سابعاً: نصيحة متوارثة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ملائكة الرحمة (مر أمتك). ثامناً: تقوي النظر وتصححه وتزيد نوره (يجلو عن البصر). تاسعاً: أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم موفقة ملهمة الحكمة، فمن احتجم فاز وشفي وعمل كرسول الله صلى الله عليه وسلم (يحتجم في الأخدعين والكاهل). عاشراً: عمل المحتجم بالطب الحديث الآن.

الترغيب في عيادة المرضى وتأكيدها والترغيب في دعاء المريض

الاثْنَيْنِ والثُّلاثَاءِ، فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي عَافَى اللهُ فِيهِ أَيُّوبَ، وَضَرَبَهُ بِالْبَلاءِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يَبْدُوا جُذَامٌ وَلاَ بَرَصٌ إِلاَّ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَلَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ. رواه ابن ماجة عن سعيد بن ميمون، ولا يحضرني فيه جرح ولا تعديل عن نافع، وعن الحسن بن أبي جعفر عن محمد بن جحادة عن نافع، وَيأتي الكلام عن الحسن ومحمد ورواه الحاكم عن عبد الله بن صالح حدثنا عطاف بن خالد عن نافع. [قال الحافظ]: عبد الله بن صالح هذا كاتب الليث، أخرج له البخاري في صحيحه، واختلف فيه وفي عطاف ويأتي الكلام عليهما. [تَبَيغ به الدم]: إذا غلبه حتى يقهره، وقيل: إذا تردد فيه مرة إلى هنا ومرة إلى هنا فلم يجد مخرجاً، وهو بمثناة فوق مفتوحة ثم موحدة ثم مثناة تحت مشددة ثم غين معجمة. الأيام التي تجتنب فيها الحجامة 13 - وَعَنْ مَعْمَرٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنِ احْتَجَمَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَصَابَهُ وَضحٌ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ. رواه أبو داود هكذا وقال: قد أُسند ولا يصح. [الوضح] بفتح الواو والضاد المعجمة جميعاً بعدها حاء مهملة، والمراد به هنا: البرص. 14 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فاسْتَعِينُوا بِالْحِجَامَةِ لاَ يَتَبَيَّغُ الدَّمُ بِأَحَدِكُمْ فَيَقْتُلَهُ. رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد. الترغيب في عيادة المرضى وتأكيدها والترغيب في دعاء المريض 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: حَقُّ الْمُسْلِمِ (¬1) عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ (¬2)، واتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ (¬3)، ¬

(¬1) للمسلم أداؤها وجوباً بمعنى أنه يسأل عنه يوم القيامة كما قال العلماء. (¬2) زيارته. (¬3) تشييعه، والسير وراء نعشه حتى يوارى في التراب على شريطة أن لا يلغو أو يتحدث في أمور الدنيا

وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ (¬1)، وَتَشْمِيتُ (¬2) الْعَاطِسِ. رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة. حقوق المسلم على المسلم 2 - وفي رواية لمسلم: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ (¬3) قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ (¬4)، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ (¬5)، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ (¬6) فانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ (¬7)، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ (¬8)، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبعْهُ (¬9). ورواه الترمذي والنسائي بنحو هذه. 3 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ (¬10) فَلَمْ تَعُدْنِي؟ قالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلْمَتْ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ (¬11). يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمنِي؟ قالَ: يَا رَبِّ ¬

(¬1) الذهاب إلى وليمة عرس: أي زواج، لأن فيها إشهاراً للنكاح على سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. (¬2) الدعاء بالخير والبركة، يقال: شمت فلاناً وشمت عليه تشميتاً فهو مشمت واشتقاقه من الشوامت وهي: القوائم كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله تعالى، وقيل معناه أبعدك الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك، أهـ نهاية. يعلمك رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء عليها العمران، وكسب المحبة وجلب الألفة والمودة ومعين التعاون والصفاء وعنوان الإخلاص والوفاء: أ - أن ترد السلام على من سلم عليك. ب - أن تزور المريض. جـ - أن تساعد على تشييع الميت ودفنه وتحزن لفقده. د - أن تذهب إلى مكان أفراحه وتعلن شعائر الدين معه وتفرح لفرحه. هـ - أن تدعو له بالخير إذا عطس، وفي الجامع الصغير: خمس من الخصال، والحق يعم وجوب العين والكفاية والندب، رد السلام فرض عين من الواحد وفرض كفاية من جماعة يسلم عليهم، وأما عيادة المريض المسلم فهي واجبة حيث لا متعهد له، وإلا فمندوبة واتباع الجنائز، فهو فرض كفاية وإجابة الدعوة إلى وليمة العرس فتجب فإن كانت لغيرها ندبت، وتشميت العاطس والدعاء له بالرحمة إذا حمد الله وعطف السنة على الواجب جائز مع القرينة قال بعضهم: ولا يضيع حق أخيه بما بينهما من مزيد المودة. ولما قدم الحريري من الحج، وكان صديق الجنيد بدأ به الحريري قبل دخوله منزله، فسلم عليه ثم ذهب لمنزله فلم يستقر إلا والجنيد عنده فقال: إنما بدأت لئلا تجيء. فقال: هذا حقك وذاك فضلك. وقال الحفني: من حق المسلم إكرامه ودفع الأذى عنه والتوسيع له في المجلس. أهـ ص 212 جـ 2. (¬3) من الخصال المحمودة. (¬4) قل السلام عليكم ورحمة الله ندبا. (¬5) إذا طلبك لفرح فاذهب إليه وجوباً لزواج، وندباً لغيره. (¬6) طلب منك الإرشاد والهداية فأرشده وجوباً، وكذا يجب النصح وإن لم يستنصحه. (¬7) أن تقول له: يرحمك الله ندبا. (¬8) زره في مرضه. (¬9) اذهب إليه وساعد في دفنه وكن مع أهله حتى يصلى عليه ويدفن. مكارم أخلاق يا رسول الله ترشد أمتك إلى ما فيه الخير والمحبة ليعيشوا في سرور واتحاد وتواد. (¬10) قال النووي: أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى. والمراد العبد تشريفاً للعبد وتقريباً له. أهـ. (¬11) وجدت ثوابي وكرامتي وفيه إشارة إلى أكثرية أجر العيادة، إذ قال: وجدتني عنده، =

كَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ. أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلِكَ عِنْدِي. يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِني؟ قالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلان فَلَمْ تَسْقِهِ. أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي (¬1). رواه مسلم. 4 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: عُودُوا الْمَرْضَى، واتْبَعُوا الْجَنَائِزَ تُذَكِّرْكُمُ الآخِرَةَ. رواه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه. 5 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: خَمْسٌ مَنْ عَمِلَهُنَّ في يَوْمٍ كَتَبَهُ اللهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ: مَنْ عَادَ مَرِيضاً، وَشَهِدَ جَنَازَةً، وَصَامَ يَوْمَاً وَرَاحَ إِلى الْجُمُعَةِ، وَأَعْتَقَ رَقبَةً. رواه ابن حبان في صحيحه. 6 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: خَمْسٌ مَنْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِناً (¬2) عَلَى اللهِ عَزّ وَجَلَّ: مَنْ عَادَ مَرِيضاً، أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ (¬3)، أَوْ خَرَجَ غَازِياً (¬4)، أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامٍ (¬5) يُرِيدُ تَعْزِيرَهُ (¬6) وَتَوْقِيرَهُ (¬7)، أَوْ قَعَدَ في بَيْتِهِ (¬8) فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ، وَسَلِمَ مِنَ النَّاسِ (¬9). رواه أحمد ¬

= وهي: فرض كفاية. أهـ نووي ص 473 جـ 2 مختار الإمام مسلم. (¬1) ثوابه تعالى، وفي هذا الحديث يبين الله جل وعلا لعباده فضل أعمال صالحة ثلاثة تجلب الثواب الجليل. أ - زيارة المريض. ب - إطعام الفقير. جـ - سقيه جرعة ماء لإزالة ظمئته وينسب هذه الأشياء له جل وعلا، وهو واهب النعم، ومعطي الأرزاق تشريفاً وتكريماً لمن مرض أو جاع؛ أو عطش فحمد الله وصبر، وفيه الترغيب في عيادة المريض والإحسان إلى الفقراء بإطعام الطعام وسقي الماء استبقاء للنعم واستزادة لها. كما قال تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم. (¬2) أي كان الفاعل المحسن مضموناً على الله ثابتاً ثوابه بدخول الجنة، أي شمله فضل ربه مع السابقين الفائزين. (¬3) ليصلي عليها ويساعد في دفنها. (¬4) مجاهداً في سبيل نصر دين الله بقصد إعلاء كلمته سبحانه. (¬5) قال المناوي: يريد الإمام الأعظم. (¬6) تعظيمه ومساعدته على اتباع الحق والعدل. (¬7) نصرته وإعانته. (¬8) ابتعد عن الناس، لا يقدم لهم أذى ولا يصاب بأذاهم. (¬9) خصال أربعة جماع الخير ومصدر الفوز: أ - صوم نفل. ب - إطعام مسكين. جـ - تشييع جنازة مسلم. د - زيارة مريض.

والطبراني واللفظ له وأبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وروى أبو داود نحوه من حديث أبي أمامة، وتقدم في الأذكار. 7 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِماً؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ: مَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِيناً؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ: مَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قالَ: مَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضاً؟ قالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا اجْتَمَعَتْ هذِهِ الْخِصَالُ قَطُّ في رَجُلٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 8 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ عَادَ مَرِيضاً نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: طِبْتَ (¬1) وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً (¬2). رواه الترمذي وحسنه وابن ماجة واللفظ له وابن حبان في صحيحه، كلهم من طريق أبي سنان، وهو عيسى بن سنان القسملي عن عثمان بن أبي سودة عنه، ولفظ ابن حبان عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ أَوْ زَارَهُ قالَ اللهُ تَعَالَى: طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مَنْزِلاً في الْجَنَّةِ. 9 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ في خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قالَ: جَنَاهَا. رواه أحمد ومسلم واللفظ له والترمذي. [خرفة الجنة] بضم الخاء المعجمة وبعدها راء ساكنة: هو ما يخترف من نخلها. أي يجتنى. 10 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوَضُوءَ وَعَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ مُحْتَسِباً بُوعِدَ (¬3) مِنْ جَهَنَّمَ (¬4) سَبْعِينَ خَرِيفاً. قُلْتُ: ¬

(¬1) فعلت حسناً خيراً طيباً. (¬2) حسن مسعاك ونلت من الجنة مكاناً. (¬3) حصل تباعد بينه وبين النار مسافة سير سبعين سنة: بقطار مسرع. (¬4) بوعد من جهنم سبعين كذا ط وع ص 397 - 2، وفي ن د: بوعد من جهنم مسيرة سبعين.

يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا الْخَرِيفُ؟ قالَ: الْعَامُ. رواه أبو داود من رواية الفضل بن دلهم القصاب. فضل عيادة المريض 11 - وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِماً غُدْوَةً (¬1) إِلاّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَ عَشِيَّةً (¬2) إِلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ في الْجَنَّةِ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وقد رُوي عن عليّ موقوفاً انتهى، ورواه أبو داود موقوفاً على علي، ثم قال: وأسند هذا عن علي من غير وجه صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رواه مسنداً بمعناه. ولفظ الموقوف: مَا مِنْ رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضاً مُمْسِياً إِلاّ خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ في الْجَنَّةِ، وَمَنْ أَتَاهُ مُصْبِحَاً خَرَجَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ في الْجَنَّةِ. ورواه بنحو هذا أحمد وابن ماجة مرفوعاً. وزاد في أوله: إِذَا عَادَ الْمُسْلِمُ أَخاهُ مَشَى في خِرَافَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ. الحديث، وليس عندهما: وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ في الْجَنَّةِ، ورواه ابن حبان في صحيحه مرفوعاً أيضاً، ولفظه: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمَاً إِلاَّ يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ في أَيِّ سَاعَاتِ النَّهَارِ حَتَّى يُمْسِيَ، وفي أَيِّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ حَتَّى يُصْبِحَ. وَرواه الحاكم مرفوعاً بنحو الترمذي وقال: صحيح على شرطهما. [قوله: في خرافة الجنة] بكسر الخاء: أي في اجتناء ثمر الجنة. يقال: خرفت النخلة أخرفها فشبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه المخترف من الثمر. هذا قول ابن الأنباري. 12 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

(¬1) صباحاً مبكراً. (¬2) وقت المساء.

مَنْ عَادَ مَرِيضاً وَجَلَسَ عِنْدَهُ سَاعَةً أَجْرَى اللهُ لَهُ عَمَلَ أَلْفِ سَنَةٍ لاَ يُعْصَى اللهُ فِيهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات، ولوائح الوضع عليه تلوح. 13 - وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ وأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ قالا: مَنْ مَشَى فِي حَاجَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ أَظَلَّهُ اللهُ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَدْعُونَ لَهُ، وَلَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَفْرُغَ، فَإِذَا فَرَغَ كَتَبَ اللهُ لَهُ حَجَّةً وَعُمْرَةً، وَمَنْ عَادَ مَرِيضاً أَظلَّهُ اللهُ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ لاَ يَرْفَعُ قَدَماً إِلاَّ كُتِبَ لَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَلاَ يَضَعُ قَدَمَاً إِلاَّ حُطَّ عَنْهُ سَيِّئَةٌ وَرُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ حَتَّى يَقْعُدَ في مَقْعَدِهِ، فَإِذَا قَعَدَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى إِذَا أَقْبَلَ حَيْثُ يَنْتَهِي إِلى مَنْزِلِهِ. رواه الطبراني في الأوسط، وليس في أصلي رفْعُه. 14 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضاً فَإِنَّمَا يَخُوضُ في الرَّحْمَةِ (¬1)، فَإِذَا قَعَدَ عِنْدَ الْمَرِيضِ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ. قالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: هذَا لِلصَّحِيحِ الذِي يَعُودُ المرِيضَ فَمَا لِلْمَرِيضِ؟ قالَ: تُحَطُّ (¬2) عَنْهُ ذُنُوبُهُ. رواه أحمد، ورواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الصغير والأوسط. وزاد: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ (¬3). من عاد مريضاً لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس 15 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ في الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا (¬4). رواه مالك بلاغاً، وأحمدُ، ورواته رواة الصحيح والبزار وابن حبان في صحيحه، ورواه الطبراني من حديث أبي هريرة بنحوه، ورواته ثقات. 16 - وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

(¬1) يخوض في الرحمة كذا ط وع ص 398 - 2. (¬2) تمحى سيئاته. (¬3) أي صحيفته تنقى وتطهر وتنظف من الذنوب. (¬4) أغدقه الله بنعمه وعمه برضاه.

فصل منه

مَنْ عَادَ مَرِيضاً خاضَ في الرَّحْمَةِ، فَإِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ اسْتَنْقَعَ فِيهَا (¬1). رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني في الكبير والأوسط، ورواه فيهما أيضاً من حديث عمرو بن حَزْم رضي الله عنه، وزاد فيه: وَإِذَا قامَ مِنْ عِنْدِهِ فَلاَ يَزَالُ يَخُوضُ فِيهَا حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ. وإسناده إِلى الْحُسْنِ أقرب فصل 17 - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا دَخَلْتَ عَلَى مَرِيضٍ فَمُرْهُ يَدْعُو لَكَ (¬2) فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْملائِكَةِ (¬3). رواه ابن ماجة. ورواته ثقات مشهورون إلا أن ميمون بن مهران لم يسمع من عمر. إن دعوة المريض مستجابة 18 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: عُودُوا (¬4) الْمَرْضَى وَمُرُوهُمْ فَلْيَدْعُو لَكُمْ، فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَرِيضِ مُسْتَجَابَةٌ وَذَنْبُهُ مَغْفُورٌ. رواه الطبراني في الأوسط. 19 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لاَ تُرَدُّ دَعْوَةُ الْمَرِيضِ حَتَّى يَبْرَأَ (¬5). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات. الترغيب في كلمات يدعى بهن للمريض وكلمات يقولهن المريض 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ¬

(¬1) أي يدخلها ويتبرد فيها، وفي النهاية النقيع: شراب يتخذ من زبيب أو غيره ينقع في الماء من غير طبخ، وكان عطاء يستنقع في حياض عرفة. أهـ. (¬2) أي فاطلب منه رجاء الدعوات الصالحات. (¬3) مستجاب مقبول. (¬4) زوروهم. (¬5) دعاؤه مستجاب حتى يشفى، وفيه الترغيب في زيارة المريض وطلب دعائه ورضاه.

أَنْ يَشْفِيكَ إِلاَّ عَافَاهُ اللهُ (¬1) مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ. رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري. [قال الحافظ] فيما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم للمريض أو أمر به أحاديثُ مشهورة ليست من شرط كتابنا أضربنا عن ذكرها. 2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: مَنْ قالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ صَدّقَهُ رَبُّهُ، فَقَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا وَأَنَا أَكْبَرُ، وَإِذَا قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَحْدَهُ، قالَ: يَقُولُ: لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا وَحْدِي، وَإِذَا قالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريْكَ لَهُ، قالَ: يَقُولُ: صَدَقَ عَبْدِي لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا وَحْدِي لاَ شَرِيكَ لِي، وَإِذَا قالَ: لاَ إِلهَّ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْطَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، قالَ: يَقُولُ: لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا لِيَ الْمُلْكُ وَلِيَ الْحَمْدُ، وَإِذَا قالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَلاَ حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ قالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِي، وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ قالَهَا في مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن وابن ماجة والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم. 3 - وفي رواية للنسائي عن أبي هريرة وحده مرفوعاً: مَنْ قالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلِهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ (¬2) لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَلاَ شَرِيكَ لَهُ، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ يَعْقِدُهُنَّ خَمْساً بِأَصَابِعِه، ثُمَّ قالَ: مَنْ قَالَهُنَّ فِي يَوْمٍ أَوْ في لَيْلَةٍ أَوْ في شَهْرٍ، ثُمَّ مَاتَ في ذلِكَ الْيَوْمِ أَوْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَوْ في ذلِكَ الشَّهْرِ، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ. 4 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: في قَوْلِهِ: لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (¬3): أَيُّمَا مُسْلِمٍ دَعَا بِهَا ¬

(¬1) شفاه وأبرأه وأزال سقمه. (¬2) أنت الواحد لا إله إلا أنت، أنزهك من أن يعجزك شيء، فأنت القادر الموجد القهار. (¬3) المتحملين المعاصي التائبين لك الطالبين المغفرة والرضوان. وقالها سيدنا يونس، فنجاه الله (من الظالمين) أي لنفسي بالمبادرة إلى الهجرة (إذ أبق إلى الفلك المشحون) وعن النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء، إلا استجيب له.

في مَرَضِهِ أَرْبَعِينَ مَرَّةً فَماتَ في مَرَضِهِ ذلِكَ أُعْطِيَ أَجْرَ شَهِيدٍ، وَإِنْ بَرَأَ بَرَأَ (¬1) وَقَدْ غُفِرَ لَهُ جَمِيعُ ذُنُوبِهِ. رواه الحاكم وقال: رواه أحمد بن عمرو بن أبي بكر السكسكي عن أبيه عن محمد بن زيد عن ابن المسيِّب عنه. 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى اللهُ عليه وسلم: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَمْرٍ هُوَ حَقٌّ، مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ في أَوَّلِ مَضْجَعِهِ مِنْ مَرَضِهِ نَجَّاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ؟ قُلْتُ: بَلَى بِأَبِي وَأُمِّي (¬2). قالَ: فاعْلَمْ أَنَّكَ إِذَا أَصْبَحْتَ لَمْ تُمْسِ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ لَمْ تُصْبِحْ، وَأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذلِكَ في أَوَّلِ مَضْجَعِكَ مِنْ مَرَضِكَ نَجَّاكَ اللهُ مِنَ النَّارِ أَنْ تَقُولَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعِبَادِ وَالْبِلادِ، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً كِبْرِيَاءُ رَبِّنَا وَجَلالُهُ وَقُدْرَتِهِ بِكُلِّ مَكَانٍ. اللَّهُمَّ إِنْ أَنْتَ (¬3) أَمْرَضْتَنِي لِتَقْبِضَ رُوحِي في مَرَضِي هذَا فاجْعَلْ رُوحِي في أَرْوَاحِ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْكَ الْحُسْنَى (¬4)، وَأَعِذْنِي (¬5) مِنَ النَّارِ كما أَعَذْتَ أَوْلِيَاءَكَ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنْكَ الْحُسْنَى، فَإِنْ مُتَّ في مَرَضِكَ ذلِكَ فَإِلى رِضْوَانِ اللهِ والْجَنَّةِ. وَإنْ كُنْتَ قَدِ اقْتَرَفْتَ (¬6) ذُنُوباً تَابَ اللهُ عَلَيْكَ (¬7). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات، ولا يحضرني الآن إسناده. 6 - وَرُوِيَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ فَرَافِصَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا مِنْ مَرِيضٍ يَقُولُ: سُبْحَانَ الْملِكِ الْقُدُّوسِ (¬8) الرَّحْمنِ الملِكِ الدّيَّانِ (¬9) لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ مُسَكِّنُ الْعُرُوقِ (¬10) الضَّارِبَةِ، وَمُنَيِّمُ الْعُيُونِ السَّاهِرَةِ إِلاَّ شَفَاهُ اللهُ تَعَالى. رواه ابن أبي الدنيا في آخر كتاب المرض والكفارات هكذا مُعْضَلا. ¬

(¬1) شفي. (¬2) نعم أفديك بهما. (¬3) إن أنت كذا ط وع ص 400، وفي ن د إن كنت. (¬4) الجنة. (¬5) وأجرني. (¬6) ارتكبت وفعلت أثاماً. (¬7) سامحك وعفا عنك. (¬8) أنزه المالك كثير الإجلال والاحترام والتطهير والعبادة، وفي النهاية، وفي أسمائه تعالى: القدوس: هو الطاهر المنزه عن العيوب. (¬9) قيل هو القهار، وقيل هو الحاكم والقاضي، وهو فعال، من دان الناس، أي قهرهم على الطاعة، يقال دنتهم فدانوا: أي قهرتهم فأطاعوا، ومنه شعر الأعشى الحرمازي يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: يا سيد الناس وديان العرب، ومنه الحديث: كان علي ديان هذه الأمة. أهـ. (¬10) واقف حركتها مذهب الحياة منها. يعلمك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتضرع إلى مولاك =

الترغيب في الوصية والعدل فيها والترهيب من تركها أو المضارة فيها وما جاء فيمن يعتق ويتصدق عند الموت

الترغيب في الوصية والعدل فيها والترهيب من تركها أو المضارة فيها، وما جاء فيمن يعتق ويتصدق عند الموت 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ (¬1) يَبِيتُ فِيهِ لَيْلَتِينِ. ¬

= بهذا الدعاء المنزه له عن كل نقص المعترف بعظمته وإجلاله وتطهيره وقدرته رجاء أن يبرأ. كما قال تعالى: أ -[كتب ربكم على نفسه الرحمة]. ب -[ذلك تخفيف من ربكم ورحمة]. جـ -[هدى ورحمة للمحسنين]. د -[هدى وبشرى للمؤمنين]. هـ -[قل لا أملك لنفس ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله]. و-[قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون (52)] من سورة التوبة. ز_[وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين]. ح -[قل يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين. قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا هو خير من مما يجمعون (58)] من سورة يونس. ط - وقال تعالى: [ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور (10) ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور (11) إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير (12)] من سورة هود، أي ولئن أعطيناه نعمة بحيث يجد لذتها. أهـ بيضاوي. وقال النسفي: رحمة أي نعمة من صحة وأمن وجده، واللام في لئن توطئة القسم، ثم سلبناه تلك النعمة إنه شديد اليأس، وقال البيضاوي، قطوع رجائه من فضل الله تعالى لقلة صبره وعدم ثقته به مبالغ في كفران ما سلف له من النعمة، نعماء كصحة بعد سقم وغنى بعد عدم، السيئات: المصائب ساءته. فرح: بطر بالنعم مغتر بها، صبروا في المحنة والبلاء: وهذا شاهدنا. (¬1) شيء يريد أن يوصي فيه. وشيء أشمل من المال لأنها تعم ما يتمول وما لا يتمول كالمختصات والله أعلم. والمراد الحزم والاحتياط لأنه قد يفجؤه الموت، وهو على غير وصية، ولا ينبغي للمؤمن أن يغفل عن ذكر الموت والاستعداد له، وهذا عن الشافعي، ونقل ابن المنذر عن أبي ثور أن المراد بوجوب الوصية في الآية والحديث يختص بمن عليه حق شرعي يخشى أن يضيع على صاحبه إن لم يوص كوديعة، ودين لله أو لآدمي. قال ويدل على ذلك تقييده بقوله (له شيء يريد أن يوصي به) ساغ له. وحاصله أن يرجع إلى قول الجمهور إن الوصية غير واجبة لعينها وأن الواجب لعينه الخروج من الحقوق الواجبة للغير سواء كانت بتنجيز أو وصية، ومحل وجوب الوصية إنما هو فيما إذا كان عاجزاً عن تنجيز ما عليه، وكان لم يعلم بذلك غيره ممن يثبت الحق بشهادته، فأما إذا كان قادراً، أو علم بها غيره فلا وجوب. فالوصية واجبة أو مندوبة لمن رجا منها كثرة الأجر، ومكروهة في عكسه، ومباحة فيمن استوى الأمران فيها، ومحرمة فيما إذا كان فيها إضرار كما ثبت عن ابن عباس "الإضرار في الوصية من الكبائر". رواه سعيد بن منصور موقوفاً بإسناد صحيح، واحتج ابن بطال تبعاً لغيره بأن ابن عمر لم يوص، فلو كانت الوصية واجبة لما تركها. وقوله مكتوبة استدلال على جواز الاعتماد =

وَفِي رِوَايَةٍ: ثَلاَثَ لَيَالٍ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ (¬1) عِنْدَهُ. قالَ نَافِعٌ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ ذلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي مَكْتُوبَةٌ. رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 2 - وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سَبِيلٍ (¬2). ¬

= على الكتابة والخط، ولو لم يقترن ذلك بالشهادة أي مكتوبة عنده بشرطها بإضمار الإشهاد كما قال تعالى "شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية" فإنه يدل على اعتبار الإشهاد في الوصية. وقال القرطبي: ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التوثيق، وإلا فالوصية المشهود بها متفق عليها، ولو لم تكن مكتوبة والله أعلم. واستدل بقوله وصيته مكتوبة عنده على أن الوصية تنفذ وإن كانت عند صاحبها ولم يجعلها عند غيره، وكذلك لو جعلها عند غيره وارتجعها، وفي الحديث منقبة لابن عمر لمبادرته لامتثال قول الشارع ومواظبته عليه. وفيه الندب إلى التأهب للموت، والاحتراز قبل الفوت لأن الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت لأن ما من سن يقرض إلا وقد مات فيه جمع جم، وكل واحد بعينه جائز أن يموت في الحال، فينبغي أن يكون متأهباً لذلك فيكتب وصيته ويجمع فيها ما يحصل له به الأجر ويحط عنه الوزر من حقوق الله وحقوق عباده والله المستعان. واستدل بقوله: له شيء، أو له مال على صحة الوصية بالمنافع: وهو قول الجمهور ومنعه ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود وأتباعه واختاره ابن عبد البر. وفي الحديث الحض على الوصية ومطلقها يتناول الصحيح لكن السلف خصوها بالمريض، وإنما لم يقيد به في الخبر لاطراد العادة به. وقوله مكتوبة أعم من أن تكون بخطه أو بغير خطه. ويستفاد منه أن الأشياء المهمة ينبغي أن تضبط بالكتابة لأنها أثبت من الضبط بالحفظ لأنه يخون غالباً أهـ فتح 131 جـ 5. وفي شرح العيني: ما حق، لكمة ما معنى ليس. ليلتين، أي لا ينبغي له أن يمضي عليه زمان، وإن قليلاً إلا ووصيته مكتوبة. وقال النووي: والحاصل أن ذكر الليلتين أو الثلاثة لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها، ففسح له هذا المقدار ليتذكر ما يحتاج إليه. ذكر ما يستفاد منه: الحث على الوصية. وجواز الاعتماد عل الكتابة والخط ولو لم يقترن ذلك بالشهادة. والندب إلى التأهب للموت والاحتراز قبل الفوت. لأن الإنسان لا يدري متى يفجأه الموت، ويستدل بقوله: شيء أو له مال على صحة الوصية بالمنافع أهـ ص 29 جـ 14. (¬1) والمعنى وصية الرجل ينبغي أن تكون مكتوبة عنده، وإنما ذكره بهذه الصورة، قصداً للمبالغة وحثاً على كتابة الوصية. عيني. (¬2) طريق واضح ولم يترك منازعات وقضايا لأهله وسهل التقاضي وبين ماله أو عليه. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرشد المسلمين إلى اليقظة والحذر وتقييد الديون التي عليهم والأموال التي خرجت من أيديهم سلفة حتى إذ طرأ الموت ارتاح ضميره وانشرح صدره لخلوه من حقوق الناس وأدى ما عليه أمام الله ببيان ما تعلق بذمته حتى ينجو من الحساب. والوصية في الشرع تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وسميت وصية لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بما بعد مماته، وتطلق شرعاً أيضاً على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات وأورد البخاري في كتاب الوصايا قول الله تبارك وتعالى [كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم. فمن خاف من موصٍ جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم]. =

وَسُنَّةٍ (¬1) وَمَاتَ عَلَى تُقىً (¬2) وَشَهَادَةٍ (¬3)، وَمَاتَ مَغْفُوراً لَهُ. رواه ابن ماجة. 3 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَاتَ فُلانٌ. قالَ: أَلَيْسَ كَانَ مَعَنا آنِفاً (¬4)؟ قالُوا: بَلى، قالَ: سَبْحَانَ اللهِ كَأَنَّهَا أَخْذَةٌ عَلى غَضَبٍ (¬5). الْمَحْرُومُ (¬6) مَنْ حُرِمَ وَصِيَّتَهُ. رواه أبو يعلى بإسناد حسن. ورواه ابن ماجة مختصراً قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ وَصِيَّتَهُ. 4 - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: تَرْك الْوَصِيَّةِ عَارٌ في الدُّنْيَا وَنَارٌ وَشَنَارٌ (¬7) في الآخِرَةِ. رواه الطبراني في الصغير والأوسط. 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ أَوِ الْمَرْأَةَ بِطَاعَةِ اللهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ في الْوَصِيَّةِ، فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ ثُمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: [مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ] (¬8) حَتَّى بَلَغَ: [وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعظِيمُ]. رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة، ولفظه: ¬

= قال العيني: كان ذلك واجباً ونسختها آية المواريث المقررة فريضة من الله تعالى يأخذها أهلوها حتماً من غير وصية ولا تحمل أمانة الوصي كما قال صلى الله عليه وسلم "إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث، فيستحب أن يوصي لأقاربه الذين لا ميراث لهم من الثلث استئناساً بآية الوصية، بالمعروف أي بالرفق والإحسان. وقال الحسن: المعروف أن يوصي لأقربائه وصية لا يجحف بورثته من غير إسراف ولا تقتير (حقاً) أي واجب على المتقين الذين يتقون الشرك. أهـ ص 27 جـ 14". (¬1) شريعة ممهدة منورة. (¬2) خوف من الله جل وعلا. (¬3) بيان حقوق واضحة. ولقد توليت وصاية تركة مات عائلها بلا بيان ما عليه أوله فزاد الطلب وكثرت القضايا والمنازعات ووقعنا في حيص بيص لولا لطف الله وعنايته بنا سبحانه. (¬4) الآن، ومنه "أنزلت علي آنفاً" وروضة أنف: جديدة النبت لم ترع. (¬5) كان الموت أخذه على كره بغتة. (¬6) قال المناوي: قاله لما قيل له هلك فلان الحديث أهـ، أي المحروم من الثواب والأجر العظيم المقصر في بيان ماله أو عليه المهمل في توضيح المطلوب منه. (¬7) خزي وفضيحة، وفي الجامع الصغير عار عيب، وشنار أقبح العيب والعار أهـ. والمعنى إذا مات الميت ولم يوضح الذي في ذمته مر الديون أو الأمانات المسندة إليه في حياته ذمه الناس وسلقوه بألسنة حداد وسبوه وعدوا عليه بالسخط والغضب، يؤتى يوم القيامة يعذب أشد العذاب ويؤتى على رؤوس الأشهاد لينال الفضيحة والألم من جراء كتمانه ما كان عنده. (¬8) وصية من الله والله عليم حليم (10) تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري =

قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ (¬1) سَبْعِينَ سَنَةً. فَإِذَا أَوْصَى خَافَ (¬2) في وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ ¬

= من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداص فيها وله عذاب مهين (11)] من سورة النساء. (غير مضار) أي غير مضار لورثته بالزيادة على الثلث أو قصد المضارة بالوصية دون القرابة والإقرار بدين لا يلزمه (وصية) أي لا يضار وصية من الله وهو الثلث فما دونه بالزيادة أو وصية منه بالأولاد بالإسراف في الوصية والإقرار الكاذب (والله عليم) بالمضار وغيره (حليم) لا يعاجل بعقوبته (تلك) إشارة إلى الأحكام التي قدمت في أمر اليتامى والوصايا والمواريث (حدود الله) شرائعه التي هي كالحدود المحدودة التي لا يجوز مجاوزتها. أهـ بيضاوي. (¬1) بعمل أهل الخير كذا ط وع ص 400 - 2 وفي ن د: بعمل الخير. (¬2) جار وظلم وسواء كان حاكماً أو غير حاكم فهو خائف. يذكر في هذا الحديث والذي قبله (عار في الدنيا) حادثة شاهدتها أنا بنفسي، وذلك أنه تقرب إلي رجل هرم اشتغل رأسه شيباً وأدركه الكبر فأراد أن يوصي فأحضرت له كتاب الوصايا من البخاري وقرأت عليه هذا الموضوع فصمم على تنفيذ عمله وأحضر الكاتب الأول في المحكمة الشرعية وأوصى بما يملك لواحد دون آخر. ماذا كانت النتيجة؟. شهرة جائرة وعمل فاضح وعدم ويتم وسخط وغضب ودعاء بالويل والثبور وقضايا من أعز الأصحاب وأقرب الأقرباء والالتجاء إلى المحاكم في إبطال ما عمله الميت وخصام وشقاق ونفور وحرب وهكذا مما تخجل له الإنسانية فلا حول ولا قوة إلا بالله؛ وهذه الحكمة المشرقة المتلألئة تتجلى ثمرتها للعاملين في قوله تعالى [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين] ومن الرحمة بيان ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم وما يجلب لهم الذكر الحسن والصيت الطيب والعمل الصالح والاتحاد والمحبة والوفاق، وأعتقد لو كان ذلك الشيخ الهرم سعيداً لوفقه الله إلى عدم الأثرة والاستبداد وتفضيل أحد أولاده عن الآخرين ولحفظ الله سيرته من الذم وماله من الضياع وابنه من الخصام. وحادثة ثانية يزيدها كر الجديدين عظة واعتباراً، وهي تدعو العقلاء إلى عض النواجذ على العمل بالكتاب والسنة والتمسك بآدابهما وعقد الخناصر على إقامة شعائر دين الله، رجاء سعادة الدارين. رجل أحسبه صالحاً كتب أرضه لابنيه، وحرم بناته وتوفي. أي عار الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم لقد أغنى الله البناء عن هذا التراث، وأنا أشهد ذلك وافتقر الولدان وتعاملا بالربا وتجمد عليهما مبلغ أخذ ما يساوي نصيب البنات، وأعتقد لولا هذه الوصية الجائرة لاتفق الورثة وساد الوفاق، وعم الوئام، ولبارك الله في أولاده فاتبعوا منهج والديهم كرماً وصلاحاً وتقوى؛ ولكن حصل جشع وطمع وفشا الربا فضيع الحلال فلا حول ولا قوة إلا بالله. حادثة ثالثة: شيخ صالح تقي يشهد له عمله البار وجد اثني عشر فداناً من والده ففكر في أصل الثروة فرأى أن والده له أخوان يعملان ويجدان ويزرعان معه فخاف الله وقسم العقار ثلاثة أقسام ورضي بالثلث واختار ما عند الله وترك أولاده فقراء: ولكن الرزاق موجود، والوهاب حي فكبر الأولاد وبارك الله فيهم وضاعف ثروتهم وأغناهم، ومصداق ذلك قوله تعالى: أ -[وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً] ب -[وكان أبوهما صالحاً]. جـ -[كلوا من الطيبات] ولقد شرحت هذه الحوادث الثلاثة قوله صلى الله عليه وسلم (إذا أوصى خاف) ليتنبه المسلمون لأداء حقوق العباد ولتحري الحلال كما قال تعالى:، ألم تر كيف فعل ربك بعاد (5) إرم ذات العماد (6) التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابو الصخر بالواد (7) وفرعون ذي الأوتاد. إلى قوله تعالى: إن ربك لبالمرصاد (14)] من سورة الفجر. وإن هذا درس تعلمته في حياتي، وأحمد ربي وأشكر له هدايته إذ دعيت لكتابة عقد الحرمان والتفضيل فأبيت، وكنت في إبان العقد الثالث من عمري، =

لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ في وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ. 6 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: الإِضْرَارُ في الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ (¬1)، ثُمَّ تَلاَ: [تِلْكَ حُدُودُ (¬2) اللهِ]. رواه النسائي. 7 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ فَرَّ بِمِيرَاثِ وَارِثِهِ قَطَعَ اللهُ مِيرَاثَهُ (¬3) مِنَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه ابن ماجة. 8 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ (¬4) أَجْراً؟ قالَ: أَنْ تَصَّدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ (¬5) شَحِيحٌ (¬6) تَخْشَى الْفَقْرَ (¬7)، وَتَأْمُلُ الْغِنَى (¬8)، وَلاَ تُمْهِلْ حَتّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (¬9). قُلْتَ لِفُلانٍ كَذَا، وَلِفُلانٍ كَذا، وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ كَذَا. رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة بنحوه، وأبو داود إلا أنه قال: أَنْ تَصَّدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ تَأْمُلُ الْبَقَاءَ وَتَخْشَى الْفَقْرَ. ¬

= والآن وقد فقهت قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" وأعلم علم اليقين أن الدين سياج منيع وحصن قوي ومنبع سعادة لمن اتبع صراطه المستقيم. لماذا؟ لأن سيد الخلق ينصح بالعدل ويبشر بحسن الخاتمة لمن عدل، وينذر بسوء الخاتمة لمن ظلم. (¬1) جمع كبيرة: الفعلة القبيحة من الذنوب المنهي عنها شرعاً العظيم أمرها كالقتل والزنا والفرار من الزحف. وغير ذلك، وهي من الصفات الغالبة. (¬2) قد بين الله حدوده في آيات الميراث. (¬3) أدخله النار. (¬4) أفضل. (¬5) سليم معافى. (¬6) تحب المال حباً جماً. (¬7) تخاف من قلة الشيء. (¬8) ترجو زيادة الخير ولا تؤخر الصدقة حتى إذا كدت تفارق الحياة وتحتضر. (¬9) أي بلغت الروح موضع خروجها ففي هذا الوقت انتهى العمل وخرج المال من يد المورث إلى الورثة فلا تنفع الصدقة كما لا تنفع التوبة. قال القسطلاني: الواجب أن يتصدق الإنسان في حال الصحة والقوة ورجاء الغنى ليثاب. أهـ ص 88 جواهر البخاري. يشير صلى الله عليه وسلم إلى قبول الصدقة وكثرة أجرها من الله. أ - صاحبها معافى غير مريض ب - ميله إلى حب المال وجمع الثروة وصعوبة إنفاقه على النفس. جـ - الخوف من الفقر المدقع والحاجة المريرة المؤلمة. د - حب الغنى والثروة الطائلة. هـ - عدم التسويف حتى يدركه الموت.

9 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لأَنْ يَتَصَدَّقَ الْمَرْءُ في حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ بِدِرْهَمٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِمِائَةٍ (¬1) رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه كلاهما عن شرحبيل بن سعد عن أبي سعيد. 10 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَثَلُ الَّذِي يُعْتِقُ عِنْدَ مَوْتِهِ كَمَثلِ الَّذِي يُهْدِي إِذَا شَبِعَ. رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وابن حبان في صحيحه إلا أنه قالَ: مَثَلُ الَّذِي يَتَصَدَّقُ عِنْدَ مَوْتِهِ مَثَلُ الَّذِي يُهْدِي بَعْدَ مَا يَشْبَعُ. ورواه النسائي، وعنده قالَ: أَوْصَى رَجُلٌ بِدَنَانِيرَ في سَبِيلِ اللهِ فَسُئِلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَحَدّثَ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، قالَ: مَثَلُ الَّذِي يُعْتِقُ وَيَتَصَدَّقُ عِنْدَ مَوْتِهِ مَثَلُ الَّذِي يُهْدِي بَعْدَ مَا شَبِعَ (¬2). ¬

(¬1) المعنى ثواب إنفاق درهم في حال الصحة والنضارة والقوة أكثر من إنفاق مائة في الموت وبعده، وفيه الترغيب في سرعة التصدق لوجه الله وعدم التأجيل في فعل الخير خشية هجوم الموت، وقد شبهه صلى الله عليه وسلم بالشبعان الذي فاض منه شيء فوزعه أو رماه، لماذا؟ لأنه لا يحتاج إليه، ولو لم يجد أحداً لرماه. أما الجوعان فنفسه مشتاقة للطعام وحريصة عليه وتواقة إلى الأكل فإنفاقه دليل على سخاء النفس وجهادها في سبيل ثواب الله: كذلك صحيح الجسم يجاهد نفسه في الإنفاق والكرم لله. (¬2) بعد ما شبع كذا ط وع ص 401 - 2 وفي ن د: بعد ما يشبع. أي بعد ما تكثر من الطعام، وتزود. يقال شبعت لحماً وخبزاً. وصاياه صلى الله عليه وسلم وفي الفتح الوصايا بغير الخلافة: أ - عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي مات فيه: ما فعلت الذهبية؟ قلت: عندي قال: أنفقيها. ب - وفي حديث ابن أبي أوفى: أوصى بكتاب الله تعالى. جـ - وحين حضره الموت: الصلاة وما ملكت أيمانكم، وأداء الزكاة. د - وحذر من الفتن ولزوم الجماعة والطاعة. هـ - أوصى فاطمة إذا مت فقولي: إنا لله وإنا إليه راجعون. و- الوصاية بالسابقين الأولين والمهاجرين وأبنائهم من بعدهم أهـ ص 233 جـ 5. وفي البخاري: باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس. عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول: جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا بمكة، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها، قال يرحم الله ابن عفراء، قلت: يا رسول الله أوصي بماله كله؟ قال: لا، قلت فالشطر؟ قال: لا، قلت: الثلث، قال: فالثلث والثلث كثير إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم. أهـ ص 231 جـ 5. =

[قال الحافظ]: وقد تقدم في كتاب البيوع ما جاء في المبادرة إلى قضاء دين الميت، والترغيب في ذلك. ¬

_ = النبي صلى الله عليه وسلم يحث المسلمين على تقييد مالهم وما عليهم خشية موت الفاجئة يبين صلى الله عليه وسلم عدم طول الأمل وانتظار قرب الأجل والتفكير في الدار الآخرة والاستعداد لها بأخذ الزاد وأداء حقوق العباد ويضرب مثلاً أعلى بفعله صلى الله عليه وسلم (وصيتي مكتوبة) ذلك ليجعل المسلم له مذكرة في بيته في صيوانه الخاص يوضح فيه الديون أو الأمانات احتياطاً خوفاً من هجوم الموت فلا يستطيع أن يذكر ماله أو عليه، فيكون هذا سبب عذابه. وكان في مكة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم مشركون يطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم التقوى والإسلام واجتناب الوقائع التي ابتليت بها الأمم الكاذبة بأنبيائها وما خلفهم من أمر الساعة، أو فتنة الدنيا وعقوبة الآخرة كما قال تعالى: [وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون (45) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين (46) وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين (47) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (48) ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون (49) فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون (50)] من سورة يس. يزعم جهلة الكفرة حلم الله عليهم تسويفاً ويتبجحون بعدم الإنفاق قائلين: لا والله أيفقره الله ونطعمه نحن؟ (صيحة) النفخة الأولى (يخصمون) يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم الموت كما قال تعالى [أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون (107)] من سورة يوسف. وقال النسفي: والمعنى تأخذهم، وبعضهم يخصم بعضاً في معاملاتهم فلا يستطيعون أن يوصوا في شيء من أمورهم وصية، ولا يقدرون على الرجوع إلى منازلهم بل يموتون حيث يسمعون الصيحة. أهـ. وإن شاهدنا (فلا يستطيعون توصية) أي في شيء من أمورهم وإن كانت هذه الآية لزنادقة مكة ولكن نأخذ منها دليلاً على يقظة المسلم لتقييد ماله وما عليه خشية الموت بغتة كما في حديث البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي. فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك". قال القسطلاني (بمنكبي) أي بمجمع العضد والكتب (غريب) قدم بلداً لا سكن فيها يأويه ولا ساكن يسليه عابر سبيل) قاصد البلد الشاسع. أهـ. وقال في الفتح فلا فرق في الوصية الصحيحة بين الرجل والمرأة ولا يشترط فيها إسلام ولا رشد ولا ثيوبة ولا إذن زوج، وإنما يشترط في صحتها العقل والحرية. أهـ. وفي كفاية الأخيار الوصية لها أركان: الموصى به ويشترط فيه كونه غير معصية فلو أوصى ببناء كنيسة للتعبد، أو كتب التوراة: وألحق الماوردي بذلك كتب النجوم والفلسفة وألحق القاضي حسين كتابة الغزل فإنها محرمة، ووجه عدم الصحة أن الوصية شرعت اجتلاباً للحسنات واستدراكاً لما فات وذلك ينافي المقصود، ولو أوصى بمال ليسرج به في الكنائس إن قصد تعظيمها لم يجز وإن قصد الضوء على من يأوي إلها صح. أهـ[ذوا عدل منكم] من أقاربكم الأجانب. قال النسفي: حين الوصية بدل منه فيدل على وجود الوصية ولو وجدت بدون الاختيار لسقط الابتلاء فنقل إلى الوجوب، وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الأجل. أهـ. آيات الوصية وكراهة تمني الموت وبيان حدود الله في المواريث أ - قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل =

الترهيب من كراهية الإنسان الموت والترغيب في تلقيه بالرضا والسرور إذا نزل حبا للقاء الله عز وجل

الترهيب من كراهية الإنسان الموت والترغيب في تلقيه بالرضا والسرور إذا نزل حبا للقاء الله عز وجل 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ ¬

_ = منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحسبونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذاً لمن الآثمين (94)] من سورة المائدة. ب - وقال تعالى: [قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين (94) ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين (95)] من سورة البقرة. جـ - وقال تعالى: [قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين (6) ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين (7) قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون (8)] من سورة الجمعة. د - وقال تعالى: [يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إن الله كان عليماً حكيماً (11) ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين، ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم، من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم تلك حدود الله (12)] من سورة النساء. و- وقال تعالى: [يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخ أو أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم (176)] من سورة النساء. عواقب الجور في الوصية كما قال صلى الله عليه وسلم أولاً: الذي يظلم في الوصية يموت على جهالة ويتوفى على ضلالة، ومن يعدل يموت على سبيل وسنة. ثانياً: تمحى ذنوب العادل فيها وتنصب الخطايا على الجائر الحائد عن قانون الإرث الإلهي. ثالثاً: تصيبه الفضائح ويلحقه العار في حياته وبعد مماته. رابعاً: تسوء خاتمته وتقل درجته ويقبح ذكره وتنزع البركة من ماله وتضيع ثروته من بعده ويدخل فيها الربا (بشر عمله). خامساً: هو مرتكب كبيرة ومقترف ذنباً عذابه شديد. =

أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ ¬

_ = سادساً: يحرم من دخول الجنة (قطع الله ميراثه). سابعاً: لم يجلب عليه ماله الذي تركه إلا كل خزي ولا ثواب له البتة في إبقائه (بعد ما شبع). وافهم أخي قول الله تعالى: [آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً] من سورة النساء: أي لا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم فتحروا فيهم ما أوصاكم الله به ولا تعمدوا إلى تفضيل بعض وحرمان بعض (فريضة من الله) أي يأمركم ويفرض عليكم (إن الله كان عليما) بالمصالح والرتب (حكيما) فيما قضى ودبر. أهـ بيضاوي. وقال النسفي: والمعنى فرض الله الفرائض على ما هو على حكمة، ولو وكل ذلك إليكم لم تعملوا أيهم أنفع لكم فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة والتفاوت في السهام بتفاوت المنافع وأنتم لا تدرون تفاوتها فتولى الله ذلك فضلاً منه ولم يكلها إلى اجتهادكم لعجزكم عن معرفة المقادير (فريضة) أي فرض ذلك فرضاً (عليما) بالأشياء قبل خلقها (حكيما) في كل ما فرض وقسم من المواريث وغيرها. أهـ. تعريف الوصية من فقه الشافعية هي تبرع بحق مضاف لما بعد الموت ليس بتدبير ولا تعليق وعتق بصفة. والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: أ -[من بعد وصية يوصى بها] الآية من سورة النساء. ب - وقوله صلى الله عليه وسلم "المحروم من حرم الوصية" الحديث. وقال الدميري: رأيت بخط ابن الصلاح أن من مات من غير وصية لا يتكلم في مدة البرزخ والأموات يتزاورون سواه فيقول بعضهم لبعض: ما بال هذا؟ فيقال مات على غير وصية. وكانت واجبة في صدر الإسلام فنسختها آية المواريث كما تقدم وبقي استحبابها في ثلث التركة فأقل لغير الوارث وإن قل المال وكثر العيال ولا فرق في كون الوصية من الثلث بين أن يوصى في الصحة أو المرض لاستواء الكل في كونه تمليكاً بعد الموت. وتكره الوصية لوارث ولا تنفذ إلا إن أجازها باقي الورثة المطلقو التصرف لقوله صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوارث إلا أن يجيزها باقي الورثة) رواه البيهقي بإسناده، وكذلك تكره الوصية بالزائد على الثلث لأجنبي ولا تنفذ إلا إن أجازها الورثة أيضاً. وأركانها أربعة: (موص) ويشترط فيه تكليف وحرية اختيار (وموصى له) ويشترط فيها عدم المعصية في الوصية له سواء كان جهة أو غيرها، فإن كان غير جهة اشترط فيه أيضاً كونه معلوماً أهلاً للملك فلا تصح لكافر بمسلم لكونها معصية، ولا لأحد هذين الرجلين للجهل به، ولا لميت لأنه ليس أهلاً للملك (وموصى به) ويشترط فيه كونه مباحاً يقبل النقل من شخص إلى آخر فلا تصح بمزمار وطنبور ولا بما لا ينقل كأم ولد فإنها لا تقبل النقل من شخص إلى آخر (وصيغة) ويشترط فيها لف يشعر بالوصية كأوصيت له بكذا، أو أعطوه له أو هو له أو وهبته له بعد موتي، ولا بد لاعتبار الوصية من شاهدي عدل فلا تعتبر الكتابة ولا الختم مثلاً بعد الموت إلا بالشهادة. (تنبيه) الإيصاء هو إثبات تصرف مضاف لما بعد الموت وإن لم يكن فيه تبرع كالإيصاء بالقيام على أمر أطفاله ورد ودائعه وقضاء ديونه فإنه واجب ولو في الصحة إن ترتب على تركه ضياع الحقوق التي عنده أو عليه كالودائع والديون التي لا تعرف إلا بإيصاء أهـ من تنوير القلوب ص 333. والذي فهمته من خلاصة الأحاديث: أ - الحرص على أداء حقوق الناس وإظهارها في مذكرة محفوظة عنده خشية الموت فلا يمكن أن يؤدي ما عليه فيحاسب حساباً عسيراً ويرهن حتى تسمح أصحاب الأمانات والديون فإن أوصى طهرت ذمته ونقت صحيفته وحسنت خاتمته. ب - ثم يوصي بصدقة جارية ما استطاع يدوم ثمرها بعد مماته ويخلد ذكراه ويتضوع شذاه كما قال صلى الله عليه وسلم "إذا مات الميت انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". =

أَكَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ فَكُلُّنَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ؟ قالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، وَلكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. 2 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ كُلُّنَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ؟ قالَ: لَيْسَ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ، وَلكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حُضِرَ (¬1) جَاءَهُ الْبَشِيرُ مِنَ اللهِ فَلَيْسَ شَيءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ لَقِيَ اللهَ فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَإِنَّ الْفَاجِرَ (¬2) أَوِ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ جَاءَهُ مَا هُوَ صَائِرٌ (¬3) إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ، أَوْ مَا يَلْقَى مِنَ الشَّرِّ فَكَرِهَ لِقَاءَ اللهِ فَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ. رواه أحمد ورواتُه رواه الصحيح، والنسائي بإسناد جيد، إلا أنه قال: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا مِنَّا أَحَدق إِلاَّ يَكْرَهُ الْمَوْتَ؟ قالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِكَرَاهِيَةِ الْمَوْتِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا جَاءَهُ الْبُشْرَى مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ لِقَاءِ اللهِ، وَكَانَ ¬

= جـ - تفويض الأمر لله في ماله على حسب الشرع. وقال العلماء في الجور في الوصية استدلالاً من قوله تعالى: أ -[إنما أموالكم وأولادكم فتنة]. ب -[إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم]. فالعداوة والفتنة من الوصية لهذا دون آخر. (¬1) يبين صلى الله عليه وسلم حالة المؤمن عند الاحتضار تنزل عليه ملائكة الرحمة تطمئنه وتبشره بالرضوان ويفتح الله له أبواب الجنة فينظر إلى نعيمها وزهرتها فينشرح صدره ويبسم ثغره كما قال تعالى: [إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون (30) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم (32)] من سورة فصلت. (قالوا) أي نطقوا بالتوحيد وثبتوا على الإقرار ومقتضياته، وعن الصديق رضي الله عنه استقاموا فعلاً كما استقاموا قولاً، وعن عمر رضي الله عنه: لم يراوغوا روغان الثعالب أي لم ينافقوا، وعن عثمان رضي الله عنه: أخلصوا العمل، وعن علي رضي الله عنه: أدوا الفرائض، وعن الفضيل: زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية أهـ نسفي. (¬2) العاصي. (¬3) انفتح له باب النار، قال النسفي: كما أن الشياطين قرناء العصاة وإخوانهم، فكذلك الملائكة أولياء المتقين وأحباؤهم في الدارين.

اللهُ لِلِقَائِهِ أَحَبَّ، وَإنّ الْكَافِرَ إِذَا جَاءَهُ مَا يَكْرَهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِنْ لِقَاءِ اللهِ، وَكَانَ اللهُ لِلِقَائِهِ أَكْرَهَ. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (¬1): إِذَا أَحَبّ عَبْدِي لِقَائِي (¬2) أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ (¬3)، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ. رواه مالك والبخاري واللفظ له ومسلم والنسائي. 4 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ. رواه البخاري ومسل والترمذي والنسائي. 5 - وَعَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِكَ، وَشَهِدَ أَنِّي رَسُولُكَ فَحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَأَقْلِلْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ، وَلَمْ يَشْهَدْ أَنِّي رَسُولُكَ فَلا تُحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَلاَ تُسهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَأَكْثِرْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا. رواه ابن أبي الدنيا والطبرانيّ وابن حبان في صحيحه، ورواه ابن ماجة من حديث عمرو بن غيلان الثقفي، وهو ممن اختلف في صحبته، ولفظه: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي، وَعَلِمَ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ، فأَقْلِلْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَحَبِّبْ إَلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَعَجِّلْ لَهُ الْقَضَاءَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِي، وَلَمْ يُصَدِّقْنِي، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا جئْتُ بِهِ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وأَطِلْ عُمُرَهُ. تحفة المؤمن الموت 6 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ الْمَوْتُ. رواه الطبراني بإسناد جيد. ¬

(¬1) قال الله عز وجل كذا د وع ص 402 - 2 وفي ن ط: يعني عن الله. (¬2) اشتاق إلى نعيمي وتذكرت الموت. (¬3) أكرمته وغفرت له ذنوبه وأغدقت عليه الخير.

الترغيب في كلمات يقولهن من مات له ميت

7 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ مَا أَوَّلُ مَا يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا أَوَّلُ مَا يَقُولُونَ لَهُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ ياَ رَسُولَ اللهِ، قالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: هَلْ أَحْبَبْتُمْ لِقَائِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ يَا رَبَّنَا، فَيَقُولُ: لِمَ؟ فَيَقُولُونَ: رَجَوْنَا عَفْوَكَ وَمَغْفِرَتَكَ فَيَقُولُ: قَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ مَغْفَرِتي. رواه أحمد من رواية عبيد الله بن زحر. الترغيب في كلمات يقولهن من مات له ميت 1 - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ أَوِ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْراً فَإِنَّ الْملائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ (¬1) عَلَى مَا تَقُولُونَ. قالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ؟ قالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ، وأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً، فَقُلْتُ ذلِكَ (¬2) فَأَعْقَبَنِي اللهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ: مُحَمَّداً صلى اللهُ عليه وسلم. رواه مسلم هكذا بالشك، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة: الميِّتَ، بلا شك. ما يقوله المصاب عند مصيبته 2 - وَعَنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ: اللَّهُمَّ آجِرْنِي في مُصِيبَتي، وَاخْلُفْ لِي خَيْراً مِنْهَا مِنْهَا إِلاَّ آجَرَهُ اللهُ تَعَالَى في مُصِيبَتِهِ. وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْراً مِنْهَا. قالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللهُ لِي خَيْراً مِنْهُ: رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم. رواه مسلم وابو داود والنسائي والترمذي، ولفظه قالت: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا أَصابَ أَحَدَكُمْ مُصِيْبَةٌ فَلْيَقُلْ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راَجِعُونَ. اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فَأْجُرْنِي بِهَا وَأَبْدِلْنِي خَيْراً مِنْهَا، فَلَمَّا ¬

(¬1) يقولون: آمين، اللهم استجب. (¬2) فقلت ذلك، في ن ط فقلت فقط.

احْتُضِرَ أَبُو سَلَمَة قالَ: اللَّهُمَّ اخْلُفْنِي في أَهْلِي خَيراً مِنِّي، فَلَمَّا قُبِضَ قالَتْ أُمُّ سَلَمَة: [إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ]، عِنْدَ اللهِ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِيْ فَأْجُرِني فِيهَا. رواه ابن ماجة بنحو الترمذي. فضل الرجوع إلى الله والتسليم له عند المصيبة 3 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى: [الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ (¬1) قالُوا: إِنَّا للهِ (¬2) وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (¬3) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ (¬4) مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (¬5)] قالَ: أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا سَلَّمَ لأَمْرِ اللهِ وَرَجَعَ فاسْتَرْجَعَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ كُتِبَ لَهُ ثلاثُ خِصَالٍ مِنَ الْخَيْرِ: الصَّلاةُ مِنَ اللهِ والرَّحْمَةُ، وَتَحْقِيقُ سَبِيلِ الْهُدَى، وَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنِ اسْتَرْجَعَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، جَبَرَ (¬6) اللهُ مُصِيبَتَهُ، وَأَحْسَنَ عُقْبَاهُ (¬7)، وَجَعَلَ لَهُ خَلَفاً (¬8) يَرْضَاهُ. رواه الطبرانيّ في الكبير. 4 - وفي رواية له قال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أُعْطِيَتْ أُمَّتِي شَيْئاً لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الأُمَمِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ: [إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ]. 5 - وَرُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَذَكَرَ مُصِيبَتَهُ فَأَحْدَثَ اسْتِرْجَاعَاً، وَإِنْ تَقَادَمَ عَهْدُهَا، كَتَبَ اللهُ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَهُ يَوْمَ أُصِيبَ. رواه ابن ماجة. 6 - وَعَنْ أَبِي مُوسى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قالَ اللهُ تَعَالَى لِملائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ (¬9)؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: ¬

(¬1) لحقتهم شدة. (¬2) أقروا لله بالملك وخضعوا لقضائه. (¬3) إقرار على نفوسنا بالهلك. (¬4) حنو وتعطف. قال النسفي: والمعنى عليهم رأفة بعد رأفة ورحمة بعد رحمة. (¬5) لطريق الصواب حيث استرجعوا وأذعنوا لأمر الله، قال عمر رضي الله عنه: نعم العدلان ونعم العلاوة: أي الصلاة والرحمة والاهتداء. (¬6) عوضه الله خيرا. (¬7) عاقبته. (¬8) بدلاً وعوضاً. (¬9) فلذة كبده وزهرة حياته.

الترغيب في حفر القبور وتغسيل الموتى وتكفينهم

حَمِدَكَ (¬1) واسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتَاً في الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ. رواه الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه. الترغيب في حفر القبور وتغسيل الموتى وتكفينهم فضل حفر القبور وتغسيل الموتى وتكفينهم وتعزية المصاب 1 - عَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً فَكَتَمَ عَلَيْهِ (¬2) غَفَرَ اللهُ لَهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرةً، وَمَنْ حَفَرَ لأَخِيهِ قَبْراً حَتَّى يُجْنِبَهُ (¬3) فَكَأنَمَّا أَسْكَنَهُ مَسْكَنَاً حَتَّى يُبْعَثَ. رواه الطبراني في الكبير، ورواته محتجّ بهم في الصحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ولفظه: مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً فَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً، وَمَنْ كَفَّنَ (¬4) مَيِّتاً كَسَاهُ اللهُ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ (¬5) في الْجَنَّةِ، وَمَنْ حَفَرَ لِمَيِّتٍ قَبْراً، فَأَجنَّهُ فِيهِ (¬6) أَجْرَى اللهُ لَهُ مِنَ الأَجْرِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أَسْكَنَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ورواه الطبراني في الأوسط من حديث جابر، وفي سنده الخليل بن مرة، ولفظه: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ حَفَرَ قَبْراً بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتاَ في الْجَنَّةِ، وَمَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَمَنْ كَفَّنَ مَيِّتاً كَسَاهُ اللهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ عَزَّى حَزِيناً (¬7) أَلْبَسَهُ اللهُ الْتَّقْوَى (¬8)، وَصَلّى عَلَى رُوحِهِ في الأَرْوَاحِ، وَمَنْ عَزّى مُصَاباً كَسَاهُ اللهُ حُلَّتَيْنِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ لاَ تَقُومُ لَهُمَا الدُّنْيَا، وَمَنْ تَبِعَ جَنَازَةً ¬

(¬1) قال: الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون. (¬2) ستر عيوبه ولم يظهر عورته. (¬3) يدفنه ويواري جثته. حتى يجنبه. كذا ط. وفي ن د وع ص 4.4 - 2 حتى يجنه. (¬4) جعل له كفناً. (¬5) نوعان من الحرير. (¬6) فستره وأخفاه ودفنه. يحبب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مساعدة الميت وسرعة دفنه وحفر قبر له، رجاء كسب الأجر من الله جل وعلا الدائم الذي لا ينقطع ثوابه إلى يوم القيامة. (¬7) أساء وخفف آلامه وشاطره في إزالة همومه، ومنه التعزي: التأسي والتصبر عند المصيبة. (¬8) كساء الله حلل الإيمان ووضع عليه علامات القبول وزاده إجلالاً، ففي الحديث طائفة من صالحات الأعمال: أ - حفر قبر. ب - تغسيل ميت. جـ - تكفينه. د - تعزية أهله. هـ - مواساة المصاب. و- اتباع جنازة. ز - كفالة يتيم أو امرأة مات زوجها.

حَتَّى يُقْضَى دَفْنُهَا كَتَبَ اللهُ لَهُ ثَلاَثَةَ قَرَارِيطَ، الْقِيراطُ مِنْهَا أَعْظَمُ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ، وَمَنْ كَفَلَ يَتِيماً أَوْ أَرْمَلَةً أَظَلَّهُ اللهُ في ظِلِّهِ، وأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ. 2 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً فَكَتَمَ عَلَيْهِ طَهَّرَهُ اللهُ مِنْ ذُنُوبِهِ، فَإِنْ كَفَّنَهُ كَسَاهُ اللهُ مِنَ السُّنْدُسِ. رواه الطبراني في الكبير. 3 - وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً وَكَفَّنَهُ وَحَنَّظَهُ وَحَمَلَهُ وَصَلّى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا رَأَى، خَرَجَ مِن خَطِيئَتِهِ مِثْلَ مَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. رواه ابن ماجة. 4 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً فَأدَّى فِيهِ الأَمَانَةَ (¬1)، وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. رواه أحمد والطبراني من رواية جابر الجعفيّ. زر القبور تذكر بها الآخرة 5 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: زُرِ الْقُبُورَ تَذْكُرْ (¬2) بِهَا الآخِرَةَ، واغْسِلِ الْمَوْتَى فَإِنَّ مُعَالَجَةَ جَسَدٍ خَاوٍ (¬3) مَوْعِظَةٌ بَلِيغَةٌ، وَصَلِّ عَلَى الْجَنائِزِ لَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يُحْزِنَكَ (¬4)، فَإِنَّ الْحَزِينَ في ظِلِّ اللهِ (¬5) يَتَعرَّضُ كُلَّ خَيْرٍ. رواه الحاكم وقال: رواته ثقات. ¬

(¬1) غسله بعناية وطهره وستر عيوبه. (¬2) تتذكر مآلك فتعمل صالحاً في حياتك: فالموت باب وكل الناس داخله. الموت كأس وكل الناس شاربه. الموت حق ولكل إنسان حفرة إما روضة من رياض الجنة بسبب أعماله الطيبة في حياته، وإما حفرة من حفر النار بسبب رداءة أعماله وتقصيره في حقوق الله، قال الله تعالى: [يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود ولا هو جاز عن والده شيئاً] من سورة لقمان. (¬3) خال من الحياة بال فان. (¬4) لعل ذلك أن يحزنك كذا د وع ص 405 - 2 وفي ن ط: لعل ذلك يحزنك: أي رجاء أن الصلاة تخوفك وتملأ قلبك إيماناً به تعالى وخشية عقابه وتنذرك فلا تتبع الهوى وترشدك إلى صالح الأعمال ادخاراً ليوم مثل هذا. (¬5) في رحمة الله وعنايته، والفرح مغرور، والله لا يحب الفرحين الذين غفلوا عن الله، وعن العمل للآخرة.

الترغيب في تشييع الميت وحضور دفنه

الترغيب في تشييع الميت وحضور دفنه 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: حَقُّ الْمُسْلِمِ (¬1) عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ. قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فاتْبَعْهُ. رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. 2 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم كانَ يَقُولُ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ (¬2) لاَ يَظْلِمُهُ (¬3) وَلاَ يَخْذُلُهُ (¬4)، وَيَقُولُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَيُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا (¬5) إِلاَّ بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا. وَكَانَ يَقُولُ: لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: يُشَمِّتُهُ إِذَا عَطَسَ، وَيَعُودُهُ إِذَا مَرِضَ، وَيَنْصَحُهُ إِذَا غَابَ أَوْ شَهِدَ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، ويُجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ، وَيَتْبَعُهُ إِذَا مَاتَ. رواه أحمد بإسناد حسن. 3 - وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سِتُّ خِصَالٍ وَاجِبَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ خَصْلَةً مِنْهَا فَقَدْ تَرَكَ حَقّاً وَجِباً، فذكر الحديث بنحو ما تقدم، ورواه الطبراني وأبو الشيخ في الثواب، ورواتهما ثقات إلا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم. ¬

(¬1) فرض عليه يزيده ثواباً اتباع ست خصال: أ - التسليم عليه عند المقابلة. ب - إجابة وليمة العرس واجبة، وغيرها مندوبة. جـ - تقديم الإرشاد له في أموره رجاء تسديد أعماله لله واتباع الصواب. د - قول يرحمك الله إذا عطس فحمد الله. هـ - زيارته أثناء مرضه. و- تشييع جنازته ومساعدة أهله في الدفن. (¬2) مساعده ومعاونه مثل أخوة النسب كما قال تعالى: [إنما المؤمنون إخوة] قال النسفي: فالإيمان قد عقد بين أهله من السبب القريب والنسب اللاصق ما إن يفضل الإخوة لم ينقص عنها أهـ فالأخوة في الإسلام أمضى وأنفذ في المساعدة عن أخوة النسب. (¬3) لا يقدم له ضرراً. (¬4) لا يهزمه ولا يترك نصرته. (¬5) لا يحصل تفريق بين المتآخيين.

4 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: خَمْسٌ مَنْ عَمِلَهُنَّ في يَوْمٍ كَتَبَهُ اللهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ: مَنْ عَادَ مَرِيضاً، وَشَهِدَ جَنَازَةً، وَصَامَ يَوْماً (¬1)، وَرَاحَ (¬2) إِلى الْجُمُعَةِ، وَأَعْتَقَ رَقَبَةً (¬3). رواه ابن حبان في صحيحه. 5 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: عُودُوا الْمَرْضَى واتْبَعُوا الْجَنَائِزَ (¬4) تُذَكِّرْكُمُ الآخِرَةَ. رواه أحمد والبزار وابن حبان في صحيحه، وتقدم هو وغيره في العيادة. 6 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيراطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ (¬5). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. وفي رواية لمسلم وغيره: أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ. 7 - وفي رِوَاية البخاري: مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَاناً واحْتِسَاباً، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيُفَرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيراطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ. 8 - وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ قَاعِداً عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟ يَقُولُ إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صل اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا واتَّبَعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ ¬

(¬1) نفلاً. (¬2) ذهب مبكراً. (¬3) فك خص من أسر وذل. (¬4) امشوا معها حتى تدفن، واذكروا أن لكم مثل هذا فاستعدوا له بصالح الأعمال. (¬5) يرغب صلى الله عليه وسلم في حضور الصلاة على الميت رجاء كسب ثواب لو وزن لساوى في الثقل جبل أحد بمكة، ومن رافقها حتى توارى في التراب نال ثواب وزن جبلين.

مِنَ الأَجْرِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ، فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ خَبَّاباً (¬1) إِلى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ بِمَا قالَتْ، وَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصَى الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا في يَدِهِ حَتَّى يَرْجِعَ فَقَالَ: قالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بالْحَصَى الَّذِي كَانَ في يَدِهِ الأَرْضَ ثُمَّ قالَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا (¬2) فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. رواه مسلم. 9 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ، الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ. رواه مسلم. وابن ماجة أيضاً من حديث أبي بكر بن كعب. وزاد في آخره: والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ الْقِيراطُ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ هذَا. من تبع جنازة حتى يصلى عليها فإن له قيراطا 10 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَن تَبِعَ جَنَازَةً حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَإِنَّ لَهُ قِيرَاطاً، فَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَنِ الْقِيرَاطِ، فَقَالَ: مِثْلُ أُحُدٍ (¬3). وفي رواية قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مِثْلُ قَرارِيطِنَا هذِهِ؟ قالَ: لا بَلْ مِثْلُ أُحُدٍ وَأَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ. رواه أحمد، ورواته ثقات. 11 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ أَتَى جَنَازَةً فِي أَهْلِهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ اتَّبَعَهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنِ انْتَظَرَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطٌ. رواه البزار، ورواتُه رواة الصحيح إلا معديّ بن سليمان. 12 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِماً؟ قالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ: مَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِيناً؟ قالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قالَ: مَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضاً؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، ¬

(¬1) سيدنا خباب رضي الله عنه يسألها عن هذا الحديث ليتحقق منه وليعمل به. (¬2) قصرنا. (¬3) لو مثل حجمه لشابه جبل أحد في وزن الصواب.

الترغيب في كثرة المصلين على الجنازة وفي التعزية

فَقَالَ: مَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا اجْتَمَعَتْ هذِهِ الْخِصَالُ (¬1) قَطُّ في رَجُلٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ. رواه ابن خزيمة في صحيحه. 13 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُجَازَى (¬2) بِهِ الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُغْفَرَ لِجَمِيعِ مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَتَهُ. رواه البزار. الترغيب في كثرة المصلين على الجنازة وفي التعزية 1 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ (¬3) مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ (¬4). رواه مسلم والنسائي والترمذي، وعِنْدَهُ: مِائِةً فَمَا فَوْقَهَا. 2 - وَعَنْ كُرَيْبٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مَاتَ لَهُ ابْنٌ بِقَدِيدَ أَوْ بِعُسْفَانَ فَقالَ: يَا كُرَيْبُ انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ النَّاسِ؟ قالَ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدِ اجْتَمَعُوا، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: تَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ؟ قالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قالَ: أَخْرِجُوهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً لاَ يُشْرِكُونَ باللهِ شَيْئاً إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ. رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة. ما من رجل يصلي عليه مائة إلا غفر الله له 3 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ مِائَةٌ إِلاَّ غَفَرَ اللهُ لَهُ. رواه الطبراني في الكبير، وفيه مبشر بن أبي المليح لا يحضرني حاله. ¬

(¬1) صوم نفل، وإطعام فقير وزارة مريض، وتشييع جنازة، خلال أربعة تدخل صاحبها الجنة. (¬2) يكرم به العبد أن يتكرم الله بغفران خطايا المشيعين له. ففيه الترغيب بتشييع الجنازة رجاء المغفرة والحرص على اتباع جنازة الرجل الصالح التقي الطاهر. (¬3) جماعة. (¬4) أي قبلت شفاعتهم فيه.

الترغيب في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن

4 - وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ فَرُّوخٍ قالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو الْمَلِيحِ عَلَى جَنَازَةٍ فَظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ كَبَّرَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَلْتَحْسُنْ شَفَاعَتُكُمْ. قالَ أَبُو الْمليح: حدثني عبد الله عن إِحدى أمهات المؤمنين، وهي ميمونةٌ زوج النبي صلى اللهُ عليه وسلم قالت: أَخْبَرَنِي النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ، فَسَأَلْتُ أَبَا الْمَلِيحِ عَنِ الأُمَّةِ؟ قالَ أَرْبَعُونَ. رواه النسائي. 5 - وَعَنْ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ أَوْجَبَ (¬1)، وَكَانَ مَالِكٌ إِذَا اسْتَقْبَلَ أَهْلَ الْجَنَازَةِ جَزَّأَهُمْ (¬2) ثَلاثَةَ صُفُوفٍ لهذَا الْحَدِيثِ. رواه أبو داود واللفظ له وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن. [قوله: أوجب]: أي وجبت له الجنة. من عزى مصاباً فله مثل أجر صاحبه 6 - وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ عَزَّى مُصَاباً فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ صَاحِبهِ. رواه الترمذي وقال: حديث غريب، وقد رُوِيَ موقوفاً. 7 - وَرَوى الترمذي أيضاً عن أَبي برَّرَة عن النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ عَزَّى ثَكْلَى (¬3) كُسِيَ بُرْداً (¬4) في الْجَنَّةِ، وقالَ: حديث غريب. 8 - وَرَوَى ابْنُ مَاجَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلاَّ كَسَاهُ اللهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. الترغيب في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن 1 - عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: أَسْرِعُوا ¬

(¬1) أي استحق دخول الجنة بسبب كثرة المصلين الشافعين. (¬2) قسمهم صفوفاً لتكثر الرحمة وتعم الرأفة. (¬3) حزينة والثكل: فقد الولد، وامرأة ثاكل وثكلى. (¬4) بردا جمع بردة: نوع من الثياب دقيق بديع المنظر.

الترغيب في الدعاء للميت وإحسان الثناء عليه والترهيب من سوى ذلك

بِالْجَنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 2 - وَعَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ في جَنَازَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكُنَّا نَمْشِي مَشْياً خَفِيفاً فَلَحِقَنَا أَبُو بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَرَفَعَ صَوْتَهُ قالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم نَرْمُلُ (¬1) رَمَلاً. رواه أبو داود والنسائي. 3 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَأَلْنَا نَبِيَّنَا صَلى اللهُ عليه وسلم عَنِ الْمَشْيِ مَعَ الْجَنَازَةِ فَقَالَ: مَا دُونَ الْخَبَبِ إِنْ يَكُنْ خَيْراً فَعَجِّلْ إِلَيْهِ، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ فَبُعْداً لأَهْلِ النَّارِ. رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث غريب لا نعرفه من حديث عبد الله بن مسعود إلا من هذا الوجه، يعني من حديث يحيى إمام بني تيم الله عن أبي ماجد عن عبد الله. [قال الحافظ] يحيى هذا هو ابن عبد الله بن الحارث الجابر الكوفيّ التيميّ. قال أحمد: ليس به بأس، وقال ابْنُ مَعِين والنَّسائي ضعيف، وقال ابن عديّ أحاديثه متقاربة، وأرجو أنه لا بأس به، وابو ماجد في عِداد من لا يعرف، وقال البخاري: ضعيف، وقال النسائي، منكر الحديث، والله أعلم. [الخبب] بخاء معجمة مفتوحة وباءين موحدتين: ضرب من العَدْو، وقيل: هو الرمَل. الترغيب في الدعاء للميت وإحسان الثناء عليه والترهيب من سوى ذلك 1 - عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا (¬2) لأَخِيكُمْ، واسْأَلُوا لَهُ بِالتّثْبِيتَ (¬3) ¬

(¬1) نسرع الخطا ونهرول. (¬2) اطلبوا له المغفرة والرضوان. (¬3) الجواب الحق والطمأنينة والثبات.

فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ (¬1). رواه أبو داود. 2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مَرُّوا عَلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوا عَلَيْهَا خَيْراً، فَقَالَ وَجَبَتْ، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوا عَلَيْهَا شَرّاً، فَقَالَ: وَجَبَتْ ثُمَّ قالَ: إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ شَهِيدٌ. رواه أبو داود واللفظ له وابن ماجة. 3 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، فَقَالَ عُمَرُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ فَقُلْتَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرٌّ فَقُلْتَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرَّاً وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الأَرْضِ. رواه البخاري ومسلم واللفظ له والترمذي والنسائي وابن ماجة. أيما مسلم شهد له أربعة نفر بخير أدخله الله الجنة 4 - وَعَنْ أَبِي الأَسْوَدِ قالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَجَلَسْتُ إِلى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ فَأَثْنُوا عَلَى صَاحِبِهَا خَيْراً، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَجَبَتْ، ثُمَّ مَرَّ بِأُخْرَى فَأَثْنَوا على صاحِبِهَا خَيْراً فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ، ثُمَّ بِالثَّالِثَةِ فَأَثْنَوا عَلَى صَاحِبِهَا شَرّاً، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ. قالَ أَبُو الأَسْوَدِ: فَقُلْتُ مَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ؟ قالَ: قُلْتُ كَمَا قالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ قالَ: فَقُلْنَا: وَثَلاثَةٌ؟ فَقَالَ: وَثَلاثَةٌ. فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ؟ قالَ: واثْنَانِ، ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ. رواه البخاري. 5 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَرْبَعَةٌ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ (¬2) إِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ إِلاَّ خَيْراً ¬

(¬1) يسأله الملكان من ربك وما دينك وما الذي مت عليه؟ (¬2) الأقربين المجاورين له، ففيه التحدث بجميل ما صنع وبحسن أعماله.

إِلاَّ قالَ اللهُ: قَدْ قَبِلْتُ عِلْمَكُمْ فِيهِ، وَغَفَرْتُ لَهُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه. 6 - وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ ثَلاثَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ بِخَيْرٍ إِلاَّ قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى مَا عَلِمُوا، وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ. 7 - وَرُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مِنْهُ شَرّاً، وَيَقُولُ النَّاسُ خَيْراً، قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِملائِكَتِهِ: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى عَبْدِي وَغَفَرْتُ لَهُ عِلْمِي فِيهِ. رواه البزار. 8 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِذَا دُعِيَ إِلى جَنَازَةٍ سَأَلَ عَنْهَا، فَإِنْ أُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرٌ قَامَ فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَإِنْ أُثْنِيَ عَلَيْهَا غَيْرُ ذلِكَ قالَ لأَهْلِهَا: شَأْنُكُمْ بِهَا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا. رواه أحمد، ورواتُهُ رواة الصحيح. اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم 9 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: اذْكُرُوا مَحَاسِنَ (¬1) مَوْتَاكُمْ، وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ (¬2). رواه أبو داود والترمذي. حديث غريب، سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: عمران بن أنس منكر الحديث. [قال الحافظ] وتقدم حديث أم سلمة الصحيح قالت: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْراً فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُؤْمِّنُونَ (¬3) عَلَى مَا تَقُولُونَ. 10 - وَعَنْ مُجَاهِدٍ قالَ. قالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: مَا فَعَلَ يَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ لَعَنَهُ اللهُ؟ قالُوا: قَدْ مَاتَ، قَالَتْ: فَأسْتَغْفِرُ اللهَ، فَقَالُوا لَهَا: مَالَكِ لَعَنْتِهِ (¬4) ثُمَّ قُلْتِ أَسْتَغْفِرُ ¬

(¬1) أفعالهم الصالحة. (¬2) ابتعدوا عن عيوبهم. (¬3) يطلبون الإجابة من الله تعالى. (¬4) أي شيء سبب لعنته وطلب طرده من رحمة الله تعالى.

الترهيب من النياحة على الميت والنعي ولطم الخد وخمش الوجه وشق الجيب

اللهَ؟ قالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ أَفْضَوْا (¬1) إِلى مَا قَدَّمُوا. رواه ابن حبان في صحيحه، وهو عند البخاري دون ذكر القصة. ولأبي داود: إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ (¬2) لاَ تَقَعُوا فِيهِ (¬3). الترهيب من النياحة على الميت والنعي ولطم الخدّ وخمش الوجه وشق الجيب الميت يعذب في قبره بما نيح عليه 1 - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: المَيِّتُ يُعَذَّبُ في قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ (¬4). وفي رواية: مَا نِيحَ عَلَيْهِ. رواه البخاري ومسلم وابن ماجة والنسائي، وقال: بِالنِّيَاحَةِ عَلَيْهِ. 2 - وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه البخاري ومسلم. 3 - وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ تَبْكِي: وَاجَبَلاهُ، وَاكَذَا، وَاكَذَا، تُعَدِّدُ عَلَيْهِ، فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْتِ شَيْئاً إِلاَّ قِيلَ لِي: أَنْتَ كَذَلِكَ (¬5). رواه البخاري. وزاد في رواية: فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ. ورواه الطبراني في الكبير عن الأعمش عن عبد الله بن عمر بنحوه، وفيه: فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ: أُغْمِيَ عَلَيَّ فَصَاحَتِ النِّسَاءُ: وَاعِزَّاهُ وَاجَبَلاهُ، فَقَالَ مَلَكٌ مَعَهُ ¬

(¬1) انتهوا إلى نتيجة أعمالهم. (¬2) اتركوا سيرته والتحدث عنه. (¬3) لا تسبوه ولا تكثروا من هجوه. قال القسطلاني: أفضوا: وصلوا إلى ما قدموا من خير أو شر فيجازى كل بعمله أهـ. (¬4) المعنى: الله تعالى يرسل عذابه للميت بسبب نوح أهله عليه، وفي الجامع الصغير: إن أوصاهم بفعله، فمثلاً إذا نادوا عنه بشيء يذهب هذا الشيء ممثلاً ليؤلمه، مثل واجملاه وهكذا. (¬5) هل أنت عصمة لهم وملجأ وحصن حصين وجبل رصين، ويعذب.

مِرْزَبَّةٌ فَجَعَلَهَا بَيْنَ رِجْلَيَّ فَقَالَ: أَنْتَ كَمَا تَقُولُ: قُلْتُ: لاَ، وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ ضَرَبَنِي بِهَا (¬1). والأعمش لم يدرك ابن عمر. 4 - وَعَنِ الْحَسَنِ قالَ: إِنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ تَقُولُ: وَاجَبَلاهُ أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى، فَلَمَّا أَفَاقَ قالَ: مَا زِلْتِ مُؤْذِيَةً لِي مُنْذُ الْيَوْمَ قالَتْ: لَقَدْ كَانَ يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ أُوذِيَكَ قالَ: مَا زَالَ مَلَكٌ شَدِيدُ الانْتِهَارِ (¬2) كُلَّمَا قُلْتِ كَذَا، قالَ: أَكَذَاكَ أَنْتَ؟ (¬3) فَأَقُولُ: لاَ. رواه الطبراني في الكبير، والحسن لم يدرك معاذاً. 5 - وَعَنْ أَبِي مُوسى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِمْ (¬4) فَيَقُولُ: وَاجَبَلاهُ وَاسَيِّدَاهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إِلاَّ وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يُلْهِزَانِهِ هكَذَا كُنْتَ. رواه ابن ماجة والترمذي، واللفظ له، وقال: حديث حسن غريب. [اللهز]: هو الدفع بجميع اليد في الصدر. إن الميت ليعذب ببكاء الحي 6 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ إِذَا قالَتْ وَاعَضُدَاهُ، وَامَانِعَاهُ، وَانَاصِرَاهُ، وَاكَاسِيَاهُ جُبِذَ (¬5) الْمَيِّتُ فَقِيلَ: أَنَاصِرُهَا أَنتَ، أَكَاسِيهَا أَنْتَ؟. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. 7 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: اثْنَتَانِ في النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ (¬6) في النّسَبِ، والنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ. رواه مسلم. 8 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ثَلاثَةٌ مِنَ الْكُفْرِ باللهِ (¬7) ¬

(¬1) لآلمه بالآلة التي في يده. (¬2) التأنيب والردع، يقال انتهرته: زجرته ونهرته. (¬3) هل أنت مثل ما يقولون؟. (¬4) المولول الصارح الولهان الجزع. (¬5) جذب وشد بسرعة مزعجة. (¬6) الطعن والذم ورمي الإنسان بالفسوق وارتكاب الفاحشة، وأن أولاده ليست من صلب فلان ففيه الترغيب في عدم السب والغيبة والتكهن، وعدم ظن السوء. (¬7) من أفعال أهل الكفر بالله.

شَقُّ الْجَيْبِ (¬1)، والْنِّيَاحَةُ، والطَّعْنُ في النَّسَب. رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وفي رواية لابن حبان: ثَلاثَةٌ هِيَ الْكُفْرُ. وفي أُخْرى: ثَلاثٌ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُنُنَّ أَهْلُ الإِسْلامِ، فذكر الحديث. [الجيب]: هو الخرق الذي يُخرج الإنسان منه رأسه في القميص ونحوه. 9 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسَلَّم مَكَّةَ رَنَّ (¬2) إِبْلِيسُ رَنَّةً اجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ جُنُودُهُ فَقَالَ: ايْأَسُوا (¬3) أَنْ تَردُّوا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى الشِّرْكِ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هذَا، وَلكِنِ افْتِنُوهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَأَفْشُوا فِيهِمْ النَّوْحَ. رواه أحمد بإسناد حسن. 10 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ: مِزْمَارٌ (¬4) عِنْدَ نِعْمَةٍ وَرَنَّة (¬5) عِنْدَ مُصِيبَةٍ. رواه البزار، ورواته ثقات. لا تصلي الملائكة على نائحة ولا مُرِنَّة 11 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لاَ تُصَلِّي الْملائِكَةُ (¬6) عَلَى نَائِحَةٍ وَلا مُرِنَّةٍ. رواه أحمد وإسناده حسن إن شاء الله. 12 - وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي (¬7) مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ: ¬

(¬1) تمزيق الثوب غضباً وسخطاً، وفي الجامع الصغير فإنه عمل الجاهلية ولا يزال المسلمون يفعلون ذلك وذا من معجزاته، فإنه إخبار عن غيب وقع، والنسب: أي أنساب الناس أهـ. (¬2) صوت. (¬3) أدخلوا عليكم اليأس والقنوط: أي ثبت الإسلام فلا تنتظروا تأثير الكفر على أحد ولكن اجتهدوا في نشر الفتن والدسائس والبكاء بصوت والعويل، قال العلماء ولا بأس بالبكاء. (¬4) المزمور والمزمار: الآلة التي يزمر بها، يقال غناء زمير: أي حسن، وزمر: إذا غنى. (¬5) صوت وصراخ وعويل. (¬6) ملائكة الرحمة لا تدعو لصاخبة ومصوتة، والرنين: الصوت. (¬7) في الجامع الصغير: أي خصال أربع كائنة في أمتي من أفعال أهل الجاهلية. قال العلقمي قال شيخنا قال الطيبي: في أمتي، ومن أمر الجاهلية ولا يتركونهن.

الْفَخْر في الأَحْسَابِ (¬1)، والطَّعْنُ في الأَنْسَابِ (¬2)، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ (¬3)، والنِّيَاحَةُ (¬4) وَقَالَ: النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعُ مِنْ جَرَبٍ. رواه مسلم وابن ماجة، ولفظه: النياحة من أمر الجاهلية قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: النِّيَاحَةُ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّ النَّائِحَةَ إِذَا مَاتَتْ وَلَمْ تَتُبْ قَطَعَ اللهُ لَهَا ثِيَاباً مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعاً مِنْ لَهَبِ النَّارِ. [القطران]: بفتح القاف وكسر الطاء، قال ابن عباس: هو النحاس المذاب، وقال الحسن: هو قطران الإبل، وقيل: غير ذلك. 13 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ هذِهِ النَّوائِحَ يُجْعَلْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَّيْنِ في جَهنَّمَ: صَفٌّ عَنْ يَمِينِهِمْ وَصَفٌّ عَنْ يَسَارِهِمْ فَيَنْبَحْنَ عَلَى أَهْلِ النَّارِ كما تَنْبَحُ الْكِلابُ. رواه الطبراني في الأوسط. 14 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: النَّائِحَةَ والْمُسْتَمِعَةَ (¬5). رواه أبو داود، وليس في إسناده من ترك، ورواه البزار والطبراني فزاد فيه وَقالَ: لَيْسَ لِلنّسَاءِ فِي الْجَنَازَةِ (¬6) نَصِيبٌ. 15 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: لَمّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: غَرِيبٌ، وفي أَرْضِ غُرْبَةٍ لأَبْكِيَنَّهُ بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ فَكُنْتُ قَدْ تَهَيَّأْتُ لِلْبُكَاءِ عَلَيْهِ إِذْ ¬

(¬1) الشرف بالآباء والتعاظم بمناقبهم. (¬2) أي الوقوع فيها بنحو قدح أو ذم. (¬3) الاعتقاد أن نزول المطر بنجم كذا. (¬4) أي رفع الصوت بندب الميت وتعديد شمائله أهـ ص 177 جـ 1. ولقد عمت البلوى وزادت الشكوى من وجود معددة نائحة تحرك ساكن السيدات الثكلى وترفع صوتها بكلمات مزعجة مؤلمة، ولا دين يردعها ولا زوج يمنعها، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وقد ادخر الله عقابها أن كساها بمادة قذرة سوداء رائحتها رديئة كريهة وأحاطها بلباس من حديد مصلي بالنار يضغط عليها ويؤلمها فتصطلي جهنم هذا إلى أن تكون نابحة صخابة. (¬5) أي الجالسة تسمع قول النائحة، وهي راضية ماثلة صاغية. (¬6) في تشييع الميت إلى مقر دفنه.

أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ تُرِيدُ أَنْ تُسَاعِدَنِي، فاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تُدْخِلي الشَّيْطَانَ بَيْتاً أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْهُ، فَكَفَفْتُ عَنِ الْبُكَاءِ فَلَمْ أَبْكِ (¬1) رواه مسلم. 16 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: لَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ، قالَتْ: وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ شَقِّ الْبَابِ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فأَمَرَ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ غَلَبْنَنِي أَوْ غَلَبْنَنَا، فَزَعَمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: فَاحْثُ (¬2) في أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ، فَقُلْتُ: أَرْغَمَ (¬3) اللهُ أَنْفَكَ، فَوَ اللهِ مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ، وَلاَ تَرَكْتَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مِنَ الْعَنَا (¬4). رواه البخاري ومسلم. النهي عن النعي 17 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّه قالَ إِذْ حُضِرَ (¬5): إِذَا أَنَا مِتُّ فَلا يُؤْذِنُ (¬6) عَلَيَّ أَحَدٌ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْياً، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وذكره رُزَين فزاد فيه: فَإِذَا مِتُّ فَصَلُّوا عَلَيَّ وَسَلُّونِي (¬7) إِلى رَبِّي سَلاَّ. ورواه ابن ماجة إلا أنه قال: كَانَ حُذَيْفَةُ إِذَا مَاتَ لَهُ الْمَيِّتُ قالَ: لاَ تُؤْذِنُوا بِهِ أَحَداً، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْياً، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بِأُذُنَيَّ هَاتَيْنِ يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ. ¬

(¬1) امتنعت السيدة أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البكاء بصوت وحرقة وألم، لماذا؟ إطاعة لنصيحة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتعاداً للشيطان وتطهيراً منه. (¬2) أي ارم، من حثا يحثو، يريد به الخيبة والزجر والامتناع عن النياحة. (¬3) دعت السيدة عائشة رضي الله عنها على هذا الرجل بالذلة والمسكنة والضعة شفقة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرصاً على عدم زيادة غضبه وطرداً له من وجوده وبعداً، إذ أنه غير قادر على منعهن. (¬4) من العنا كذا ط وع ص 412 - 2 وفي ن د من العناء: أي التعب، أي شدة الألم. (¬5) قال إذ حضر كذا ط وع، وفي ن د لما حضر. (¬6) فلا يعلم. (¬7) العرب كانوا إذا مات منهم شريف أو قتل بعثوا راكباً إلى القبائل ينعاه إليهم أهـ نهاية، والآن يذكر خبر الوفاة في الصحف اليومية. وانضم إلى صاحب الترغيب رحمه الله مبيحاً للإعلان عن وفاته إخباراً للأصدقاء.

18 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم كانَ يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ، وَقَالَ: إِيَّاكُمْ والنَّعْيَ، فَإِنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ. قالَ عَبْدُ اللهِ: وَالنَّعْيُ أَذَانٌ بالمَيِّتِ. رواه الترمذي مرفوعاً، وقال: غريب، ورواه من طريق أخرى قال نحوه ولم يرفعه، ولم يذكر فيه: والنعْيُ أذَانٌ بالميِّتِ، وقال: وهذا أصح، وقد كره بعض أهل العلم النعي، والنعي عندهم أن ينادي في الناس أن فلاناً مات ليشهدوا جنازته، وقال بعض أهل العلم لا بأس أن يعلم الرجل أهل قرابتِه وإخوانه انتهى. 19 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عْنَهُ لَمَّا طُعِنَ عَوَّلَتْ عَلَيْهِ حَفْصَةُ فَقَالَ لَهَا عُمَرُ يَا حَفْصَةُ أَمَا سَمِعْتِ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ الْمُعْوَلَ عَلَيْهِ (¬1) يُعَذَّبُ قالَتْ: بَلَى. رواه ابن حبان في صحيحه. 20 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَيْسَ مِنَّا (¬2) مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ (¬3)، وَشَقَّ الْجُيُوبَ (¬4)، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ (¬5). رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. ليس منا من حلق ولا خرق ولا صلق 21 - وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ قالَ: وُجِعَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَرَأْسُهُ في حِجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَقْبَلَتْ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ (¬6) فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئاً، فَلَمَا أَفَاقَ قالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ والْحَالِقَةِ والشَّاقَّةِ. رواه البخاري وابن ماجة والنسائي إلا أنه قالَ: أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ كما بَرئَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَلاَ خَرَقَ وَلاَ صَلَقَ. [الصالقة]: التي ترفع صوتها بالندب والنياحة. ¬

(¬1) أي الذي يبكى عليه من الموتى، يقال أعول يعول إعوالاً: إذا بكى رافعاً صوته، قيل أراد به من يوصي بذلك، وقيل أراد الكافر، وقيل أراد شخصاً بعينه علم بالوحي حاله، ولهذا جاء به معرفاً أهـ نهاية. (¬2) أي ليس على طريقتنا الكاملة. (¬3) لطمها بقوة وسخط. (¬4) مزق ملابسه. (¬5) نادى بألفاظ الندبة والاستغاثة. (¬6) بصوت وألم.

الترهيب من إحداد المرأة على غير زوجها فوق ثلاث

[والحالقة]: التي تحلق رأسها عند المصيبة [والشاقة]: التي تشق ثوبها. 22 - وَعَنْ أَسِيدِ بْنِ أَبِي أَسِيدٍ التَّابِعِيِّ عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ قالَتْ: كانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في الْمَعْرُوفِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ لا نَخْمِشَ (¬1) وَجْهاً، وَلاَ نَدْعُو وَيْلاً (¬2)، وَلاَ نَشُقَّ جَيْباً، وَلاَ نَنْشُرَ شَعْراً. رواه أبو داود. من دعا عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم باللعن 23 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لَعَنَ الْخَامِشَةَ وَجْهَهَا، والشَّاقَّةَ جَيْبَهَا، والدَّاعِيَةَ بِالْوَيْلِ والثُّبُور. رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه. الترهيب من إحداد المرأة على غير زوجها فوق ثلاث 1 - عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبيِّ صلى ¬

(¬1) لا نحدث فيه أثراً من الضرب عليه. (¬2) لا نطلب هلاكاً. آيات تشييع الميت والصلاة عليه ودفنه وتعزية أهله أ - قال تعالى: [وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان] من سورة المائدة. ب - وقال تعالى: [محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم] من سورة الفتح. آيات طلب عدم النياحة على الميت ولطم الخدود وشق الجيوب أ - قال تعالى: [ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين (14)] من سورة النساء. ب - وقال تعالى: [يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن، وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم (12)] من سورة الممتحنة. آيات النهي على الجلوس على القبر وكسر عظم الميت أ - قال تعالى: [ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)] من سورة الإسراء. ب - وقال تعالى: [إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً (57) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا (58)] من سورة الأحزاب.

الترهيب من أكل مال اليتيم بغير حق

اللهُ عَليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَدَعَتْ بِطِيب (¬1) فِيهِ صُفْرَةُ خَلُوقٍ (¬2) أَوْ غَيْرِهِ فَدَهَنَتْ (¬3) مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ: واللهِ مَالِي (¬4) بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: لاَ يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ (¬5) عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثِ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً، قالَتْ زَيْنَبُ: ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قالَتْ: أَمَا وَاللهِ مَالِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: لاَ يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. الترهيب من أكل مال اليتيم بغير حق لا تَلِيَنَّ مال يتيم 1 - عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ لَهُ: يَا أَبا ذَرٍّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفاً، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي: لاَ تُؤَمَّرَنَّ (¬6) عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَلِيَنَّ (¬7) مَال يَتِيمٍ. رواه مسلم وغيره. ¬

(¬1) طلبت رائحة زكية وعطراً طيباً. (¬2) طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة. (¬3) تلطخت به وتعطرت صفحتا الخدين. (¬4) ليس لي حاجة من هذا. (¬5) تحزن عليه وتلبس ثياب الحزن وتترك الزينة، يقال أحدث تحد فهي محد أهـ نهاية. يطلب النبي صلى الله عليه وسلم من السيدات أن تمتنع عن زينة أنفسهن مدة ثلاثة أيام فقط إذا مات أبوها أو أخوها أو كل قريب لها، وللزوج تحد أربعة أشهر وعشراً، وبعد ذلك تتطهر وتتزين وتتطيب وتتحلى بملابسها وتملأ عين زوجها، وتقضي إربته وتمتعه، وهكذا من فعل صنوف المحبة، وهذه السيدة أم حبيبة مات والدها فتعطرت وتزينت وأزالت علامة الحزن مع فقد والدها العزيز، وكذا السيدة زينب بنت جحش زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً تزينت وتعطرت وتضمخت بالطيب فلتحذر المسلمات من الاسترسال في الحزن وهجر الزينة والغسل والتطيب عند فقد أي إنسان غير الزوج. (¬6) لا تكن رئيساً، ومنه الإمرة والإمارة. (¬7) ولا تكفلن، ينهى صلى الله عليه وسلم الإنسان عن اثنتين: أ - الرياسة بين اثنين وإدارة أمورهما وتولي شؤونهما خشية أن يظلم فيسأل يوم القيامة كما في الحديث: "كلكم راع". ب - عدم تولي مال اليتيم وإدارة إيراده خشية أن يغتال أو يأكل بغير حق، وقد عد أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر المهلكات، قال تعالى: =

2 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قالُوا يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللهِ، والسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. ورواه البزار، ولفظه قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الْكَبَائِرُ سَبْعٌ، أَوَّلُهُنَّ: الإِشْرَاكُ باللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَفِرَارُ يَوْمِ الزَّحْفِ (¬1) وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ (¬2)، والانْتِقَالُ إِلى الأعْرَابِ (¬3) بَعْدَ هِجْرَةٍ. [الموبقات]: المهلكات. 3 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: أَرْبَعٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ أَنْ لاَ يُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ وَلاَ يُذِيقَهُمْ نَعِيمَها: مُدْمِنُ الْخَمْرِ (¬4)، وَآكِلُ الرِّبَا، وَآكِلُ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ (¬5). رواه الحاكم من طريق إبراهيم بن خثيم بن عراك وقد ترك، عن أبيه عن جده عن أبي هريرة وقال: صحيح الإسناد. 4 - وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم كَتَبَ إِلى أَهْلِ الْيَمَنِ بِكِتَابٍ فِيهِ: وَإِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الإِشْرَاكُ باللهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، والْفِرَارُ في سَبِيلِ اللهِ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَةِ، وَتَعَلُّمُ السِّحْرِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ ¬

= أ -[وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيرا (2)] من سورة النساء. ب -[أرأيت الذي يكذب الدين فذلك الذي يدع اليتيم] من سورة الماعون. جـ -[ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم (220)] من سورة البقرة. د -[وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدا (9)] من سورة النساء. (¬1) الهروب من ميدان الحروب والتخلي عن الدفاع عن الوطن. (¬2) سب العفيفات. (¬3) الذهاب إلى سكان البوادي المشركين بعد الإسلام. (¬4) المداوم على شربها. (¬5) عاصيهما.

الترغيب في زيارة الرجال القبور والترهيب من زيارة النساء واتباعهن الجنائز

الْيَتِيم. فذكر الحديث، وهو كتاب طويل فيه ذكر الزكاة والديات وغير ذلك. رواه ابن حبان في صحيحه. 5 - وَعَنْ أَبي بَرْزَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْمٌ مِنْ قُبُورِهِمْ تَأَجَّجُ (¬1) أَفْوَاهُهُمْ نَاراً فَقِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: [إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمَاً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَاراً] رواه أبو يعلى، ومن طريقه ابن حبان في صحيحه من طريق زياد بن المنذر أبي الجارود عن نافع بن الحارث، وهما واهيان مُتَّهَمان عن أبي برزة. الترغيب في زيارة الرجال القبور والترهيب من زيارة النساء واتباعهن الجنائز 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: زَارَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، واسْتَأْذَنْتُهُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ (¬2). رواه مسلم وغيره. 2 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنِّي نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّ فِيهَا عَبْرَةً. رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح. 3 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوا الْقُبُورَ (¬3) فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ في الدُّنْيَا (¬4) وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ. رواه ابن ماجة بإسناد صحيح. ¬

(¬1) تتوقد وتلتهب. (¬2) تكون الزيارة عظة. (¬3) فزوروا القبور كذا ط وع ص 415 - 2 وفي ن د فزوروها. (¬4) تدعو إلى القناعة وتقلل من الطمع والشره في جمع الدنيا: لماذا؟ لأن الإنسان يعرف أن القبر منتهاه من الدنيا فلا بد أن يعمل صالحاً اتقاء ظلمته وعذابه. قال العلماء: القبر أول منزلة من منازل الآخرة، والعاقل يعمل لمثل هذا.

زر القبور تذكر بها الآخرة 4 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: زُرِ الْقُبُورَ تَذْكُرْ بِهَا الآخِرَةَ، واغْسِلْ الْمَوْتَى فَإِنَّ مُعَالَجَةَ جَسَدٍ خَاوٍ مَوْعِظَةٌ بَلِيغَةٌ، وَصَلِّ عَلَى الْجَنَائِزِ لَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يُحْزِنَكَ، فَإِنَّ الْحَزِينَ في ظِلِّ اللهِ يَتَعَرَّضُ كُلَّ خَيْرٍ. رواه الحاكم وقال: رواته ثقات، وتقدم قريباً. 5 - وَعَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ في زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. [قال الحافظ]: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور نهياً عامّاً للرجال والنساء ثم أذن للرجال في زيارتها، واستمر النهي في حق النساء، وقيل: كانت الرخصة عامة، وفي هذا كلام طويل ذكرته في غير هذا الكتاب، والله أعلم. 6 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لَعَنَ زَائِرَاتِ (¬1) الْقُبُورِ، وَالْمُتّخِذِينَ (¬2) عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ والسُّرُجَ. رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، كلهم من رواية أبي صالح عن ابن عباس. [قال الحافظ]: وأبو صالح هذا هو باذام، ويقال: باذان مكيّ مولى أم هانئ، وهو صاحب الكلبيّ قيل: لم يسمع من ابن عباس، وتكلم فيه البخاري والنسائي وغيرهما. 7 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ. رواه الترمذي وابن ماجة أيضاً وابن حبان في صحيحه، كلهم من رواية عمر بن أبي سلمة، وفيه كلام عن أبيه عن أبي هريرة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. التحذير من زيارة النساء للقبور 8 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قَبَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، يَعْنِي مَيِّتاً، فَلَمَّا فَرَغْنَا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وانْصَرَفْنَا مَعَهُ، فَلَمّا حَاذَى رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بَابَهُ وَقَفَ، فَإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ ¬

(¬1) طلب من الله سبحانه وتعالى أن يبعدهن من رحمة الله. (¬2) البانين عليها مصلى، المضيئين المصابيح عليها خشية افتتان الناس بها.

مُقْبِلَةٍ قالَ: أَظُنُّهُ عَرَفَهَا فَلَمَّا ذَهَبَتْ إِذا هِيَ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا أَخْرَجَكِ يَا فَاطِمَةُ (¬1) مِنْ بَيْتِكِ؟ قالَتْ: أَتَيْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَهْلَ هذَا الْمَيِّتِ فَرَحِمْتُ إِلَيْهِمْ مَيِّتَهُمْ أَوْ عَزَّيْتُهُمْ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمْ الْكُدَا؟ فَقَالَتْ: مَعَاذَ اللهِ (¬2) وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ فِيهَا مَا تَذْكُرُ. قالَ: لَوْ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَا؟ فَذَكَرَ تَشْدِيداً فِي ذلِكَ، قالَ: فَسَأَلْتُ رَبِيعَةَ بْنَ سَيْفٍ عَنِ الْكُدَا فَقَالَ: الْقُبُورُ فِيمَا أَحْسِبُ. رواه أبو داود والنسائي بنحوه إلا أنه قال في آخره: فَقَالَ: لَوْ بَلَغْتِهَا مَعَهُمْ مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيكِ. وربيعة هذا من تابعي أهل مصر، فيه مقال لا يقدح في حسن الإسناد. [الكدا] بضم الكاف وبالدال المهملة مقصوراً: هو المقابر. 9 - وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَإِذَا نِسْوَةٌ جُلُوسٌ قالَ: مَا يُجْلِسُكُنَّ؟ قُلْنَ: نَنْتَظِرُ الْجَنَازَةَ، قالَ: هَلْ تُغَسِّلْنَ؟ قُلْنَ: لاَ. قالَ: هَلْ تَحْمِلْنَ؟ قُلْنَ: لاَ. قالَ: هَلْ تُدْلِيَنَّ فِيمَنْ يُدْلِي؟ قُلْنَ: لا. قالَ فارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ (¬3) غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ. رواه ابن ماجة ورواه أبو يعلى من حديث أنس. ¬

(¬1) أي سبب دعاك للخروج؟. (¬2) نلتجئ إليه ونستنصر به أن نفعل ذلك، فإن ذلك سوء نتحاشى من تعاطيه، والعوذة ما يعاذ به من الشيء أهـ غريب. استنكرت السيدة فاطمة رضي الله عنها وطلبت من الله العصمة والحفظ من الوقوع في مثل هذا، ليعتبر المسلمات الآن فلا يذهبن إلى المقابر، وهذه عادة فاشية في الجهلة يذهبن إلى المقابر بلا أدب بلا حياء بلا خوف من الله جل وعلا. (¬3) متحملات ذنوباً مرتكبات خطايا، غير نائلات ثواباً قال تعالى: أ -[وقرن في بيوتكن]. ب - وقال تعالى: [وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن] من سورة النور. جـ - وقال تعالى: [وأطعن الله ورسوله] من سورة الأحزاب. د - وقال تعالى: [ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين (14)] من سورة النساء. فليس على النساء غسل الميت ولا حمله ولا مساعدة، فلا يصح خروجهن البتة، وإلا خالفن الشرع.

الترهيب من المرور بقبور الظالمين وديارهم ومصارعهم مع الغفلة عما أصابهم وبعض ما جاء في عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير عليهما السلام

الترهيب من المرور بقبور الظالمين وديارهم ومصارعهم مع الغفلة عما أصابهم، وبعض ما جاء في عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير عليهما السلام 1 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ لأَصْحَابِهِ: يَعْنِي لَمَّا وَصَلُوا الْحِجْرَ دِيَارَ ثَمُودَ (¬1) لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لاَ يُصِيبُكُمْ (¬2) مَا أَصَابَهُمْ. رواه البخاري ومسلم. لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين 2 - وفي رواية قالَ: لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ صلى اللهُ علهي وسلم بِالْحِجْرِ قالَ: لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، ثُمَّ قَنَعَ (¬3) رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ. فصل 3 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. قالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه ¬

(¬1) مساكن ثمود: قبيلة أرسل إليهم سيدنا صالح عليه السلام. قال تعالى: [قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب (61)] من سورة هود. (¬2) خشية أن يقع بكم العذاب. قال النووي: بمناسبة مرورهم في غزوة تبوك، وفيه الحث على المراقبة عند المرود بديار الظالمين ومواضع العذاب، ومثله الإسراع في وادي محسر لأن أصحاب الفيل هلكوا هناك أهـ ص 595 جـ 2 مختار الإمام مسلم. يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيطة من مصاحبة الظالمين وعدم الذهاب إلى أماكنهم، وإذا مررنا نحوها أسرعنا فارين من عذاب الله خشية أن يلحق بنا ما أصابهم كما قال تعالى: أ -[ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون (113)] من سورة هود. ب -[ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون (52)] من سورة يونس. (¬3) رفع بميل، قال النووي: ساق ناقته سوقاً كثيراً حتى خلفها (ثم زجر فأسرع حتى خلفها) أي جاوز المساكين.

وسلم عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ. قالَتْ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بَعْدُ - صَلَّى صَلاةً إِلاَّ تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. رواه البخاري ومسلم. 4 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الْمَوءتَى لَيُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ حَتَّى إِنَّ الْبَهَائِمَ لَتَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن. 5 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ عَذَابَ الْقَبْرِ. رواه مسلم. القبر أول منزل من منازل الآخرة 6 - وَعَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ قالَ: كانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ والنَّارَ فَلاَ تَبْكِي، وَتَذْكُرُ الْقَبْرَ فَتَبْكِي؟ فَقَالَ: إِنِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ، قالَ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مَنْظَراً قَطُّ إِلاَّ والْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وزاد درزين فيه مما لم أره في شيء من نسخ الترمذي، قال هانئ: وَسَمِعْتُ عُثْمَانَ ينْشدُ عَلَى قَبْرٍ: فَإِنْ تَنْجُ مِنْ ذِي عَظِيمَةٍ ... وَإِلاَّ فَإِنِّي لا إِخَالُكَ (¬1) نَاجِياً 7 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ (¬2) إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ: هذَا مَقْعَدُكَ (¬3) حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود دون قوله: فَيُقَالُ إِلى آخِره. ¬

(¬1) لا أظنك. (¬2) بالصباح والمساء. (¬3) مكانك، قال النووي: فيه تنعيم للمؤمن وتعذيب للكافر حتى يحيي الله النفوس فتخرج من قبورها.

8 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يُسَلَّكُ عَلَى الْكَافِرِ في قَبْرِهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّيناً (¬1) تَنْهَشُهُ وَتَلْدَغُهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَلَوْ أَنَّ تِنِّيناً مِنْهَا نَفَخَتْ في الأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ خَضْرَاءَ. رواه أحمد وأبو يعلى، ومن طريقه ابن حبان في صحيحه، كلهم من طريق درّاج عن أبي الهيثم. يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنيناً الخ 9 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ فِي قَبْرِهِ لَفِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فَيُرَحَّبُ لَهُ قَبْرَهُ سَبْعُونَ ذِرَاعاً، وَيُنَوِّرُ لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَتَدْرُونَ فِيمَا أُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَةُ (¬2): [فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى] قالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمَعِيشَةُ الضَّنْكُ؟ قالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: عَذَابُ الْكَافِرِ في قَبْرِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّيناً أَتَدْرُونَ مَا التِّنِينُ؟ سَبْعُونَ حَيَّةً لِكُلِّ حَيَّةٍ سَبْعُ رُؤُوسٍ يَلْسَعُونَهُ وَيَخْدِشُونَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه واللفظ له، كلاهما من طريق درّاج عن ابن حجيرة عنه. 10 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ذَكَرَ فَتَّانَ الْقَبْرِ فَقَالَ عُمَرُ: أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: نَعَمْ كَهَيْئَتِكَ الْيَوْمَ، فَقَالَ عُمَرُ بِفِيهِ الْحَجَرُ (¬3). رواه أحمد من طريق ابن لهيعة والطبراني بإسناد جيد. 11 - وَعَنْ عَائشِةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ تُبْتَلى هذِهِ الأُمَّةُ ¬

(¬1) أفاعي كبيرة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين حية. (¬2) قال تعالى [ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى (125) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا (126) قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (127) وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه لعذاب الآخرة أشد وأبقى (128)] من سورة طه. أعمى البصر أو القلب، جاءتك الدلائل واضحة نيرة فعميت عنها وتركتها غير منظور إليها والآن تترك في العمى والعذاب، نجزي من أسرف بالانهماك في الشهوات والإعراض عن الآيات (ولم يؤمن) بل كذب بآيات ربه وخالفها، والحشر على العمى أشد من ضنك العيش، ولعله إذا دخل النار زال عماه ليرى محله أو مما فعله من ترك الآيات والكفر بها. (¬3) أي يلقم الفتان الحجر كأنه أفحم وأرتج عليه.

في قُبُورِهَا فَكَيْفَ بي وأَنَا امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ. قالَ: [يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا (¬1) بِالْقَوْلِ الثّابِتِ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفي الآخِرَةِ (¬2)]. رواه البزار، ورواته ثقات. جواب المؤمن والكافر والمنافق حين يسألون في القبر 12 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ (¬3) إِذَا انْصَرَفُوا أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ: مَا كَنْتَ تَقُولُ في هذَا النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلى مَقَعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الْجَنَّةِ، قالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم: فَيَراهُمَا جَمِيعاً، وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوِ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ، فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ (¬4) وَلاَ تَلَيْتَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلا الثّقَلَيْنِ (¬5). رواه البخاري واللفظ له، ومسلم. 13 - وفي رواية: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذا وُضِعَ في قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟ فَإِنَّ اللهُ هَدَاهُ قالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللهَ. فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ في هذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَمَا يُسْأَلُ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا، فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلى بَيْتٍ كَانَ لَهُ في النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هذَا كانَ لَكَ، وَلكِنَّ اللهُ عَصَمَكَ (¬6) فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتاً في الْجَنَّةِ فَيَرَاهُ فَيَقُولُ: دَعُوني حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ ¬

(¬1) يديمهم عليه فيحفظون قواهم وينطقون بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله في الحياة ثابتين على الإيمان عاملين بآداب الإسلام. قال النسفي: حتى إذا فتنوا في دينهم لم يزلوا كما ثبت الذي فتنهم أصحاب الأخدود وغير ذلك. (¬2) الجمهور على أنه في القبر بتلقين الجواب وتمكين الصواب، فعن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن فقال ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره فيقولان له: من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي، فذلك قوله: [يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت] ثم يقول الملكان: عشت سعيداً ومت حميداً نم نومة العروس. (¬3) صوت أحذيتهم [ويضل الله الظالمين] فلا يثبتهم على القول الثابت في مواقف الفتن، وتزل أقدامهم أول شيء وهم في الآخر أضل وأزل. (¬4) لا علمت ولا نطقت. (¬5) الإنس والجن. (¬6) ثبتك على الحق وأنطقك جواب الحكمة. يا رب هذا مقام العائذ بك. يرجف فؤادي وأنا أحبك وأحب رسولك فثبتني واجعل قبري روضة والمسلمين.

أهْلِي فَيُقَالُ لَهُ. اسْكُنْ. قالَ: وَإِنَّ الْكَافِرَ أَوِ الْمُنَافِقَ (¬1) إِذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرَهُ (¬2) فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ، فَيُقَالُ لَهُ مَا كَنْتَ تَقُولُ في هذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيَضْرِبُهُ بِمِطْرَاقٍ بَيْنَ أُذنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا الْخَلْقُ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ. ورواه أبو داود نحوه والنسائي باختصار، ورواه أحمد بإِسناد صحيح من حديث أبي سعيد الخدري بنحو الرواية الأولى وزاد في آخره: فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ في يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلاَّ هِيلَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: [يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ]. ما ورد في الاستعاذة من فتنة القبر وعذابه وفتنة الدجال 14 - وَعَنْ عَائِشَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: جَاءَتْ يَهُودِيَّةٌ اسْتَطْعَمَتْ عَلَى بَابِي فَقَالَتْ: أَطْعِمُونِي أَعَاذَكُمُ اللهُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَالِ وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ، قالَتْ: فَلَمْ أَزَلْ أَحْبِسُهَا حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا تَقُولُ هذِهِ الْيَهُودِيَّةُ قالَ: مَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: تَقُولُ: أَعَاذَكُمُ اللهُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ قالَتْ عَائِشَةُ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدّاً يَسْتَعِيذُ بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ، ثُمَّ قالَ: أَمَّا فِتْنَةُ الدَّجَّالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلاَّ حَذَّرَ (¬3) أُمَّتَهُ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثْ لَمْ يُحَذِّرْهُ نَبِيٌّ أُمَّتَهُ: إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ اللهُ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، فَأَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ فَبِي يُفْتَنُونَ وَعَنِّي يُسْأَلُونَ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ أُجْلِسَ في قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَلاَ مَشْعُوفٍ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ فَمَا كَنْتَ تَقُولُ في الإِسْلامِ؟ فَيُقَالُ: مَا هذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ جاءَ بالْبَيِّنَاتٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَصَدَّقْنَاهُ فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ (¬4) قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضاً فَيُقالُ لَهُ: انْظُرْ إِلى مَا وَقَاكَ اللهُ (¬5)، ثُمَّ تُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ إِلى الْجَنَّةٍ فَيَنْظُرُ إِلى ¬

(¬1) المذبذب غير ثابت الإيمان كثير العصيان. (¬2) فيزجره. (¬3) خوف. (¬4) تفتح له ثغرة. (¬5) حفظك.

زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا، فَيُقَالُ لَهُ: هذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا، وَيُقَالُ: عَلَى الْيَقِينِ كنْتَ، وَعَلَيْهِ مِتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ أُجْلِسَ في قَبْرِهِ فَزِعاً مَشْعُوفاً فَيُقالُ لَهُ: فَمَا كُنْتَ تَقُولُ؟ فَيَقُولُ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلاً فَقُلْتُ كمَا قَالُوا فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ إِلى الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلى مَا صَرَفَ اللهُ عَنْكَ، ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يُحَطِّمُ بَعْضها بَعْضاً، وَيُقَالُ: هذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا، عَلى الشَّكِّ كُنْتَ، وَعَلَيْهِ مِتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُعَذَّبُ. رواه أحمد بإسناد صحيح. [قوله] غير مشعوف، هو بشين معجمة بعدها عين مهملة وآخره فاء، قال أهل اللغة: الشعف، هو الفزع، حتى يذهب بالقلب. 15 - وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فانْتَهَيْنَا إِلى الْقَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ (¬1) بَعْدُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرُ (¬2)، وَبِيَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ (¬3) بِهِ في الأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً. زاد في رواية وقالَ: إِن الْمَيِّتَ يَسْمَعُ خَفْقَ (¬4) نِعَالِهِمْ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (¬5) حِينَ يُقَالُ لَهُ: يَا هذَا مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟. وفي رواية: وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: وَمَا دينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِي الإِسْلامُ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ، فَيَقُولانِ لَهُ: وَمَا يُدْرِيكَ (¬6)؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ وآمَنْتُ وَصَدَّقْتُ. ¬

(¬1) إلى الآن لم يلحد. (¬2) في هدوء وسكون كأنا نطرق لصيد الطير، كناية عن الصفاء وعدم الحركة. (¬3) يؤثر فيها بعصا فعل المفكر المهموم، أصله من النكت بالحصا ونكت الأرض بالقضيب. (¬4) صوت. (¬5) ذاهبين. (¬6) وما يعلمك؟ وقراءته في حياته تثبيت له وحفظ.

إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة الخ زاد في رواية فذلك قَوْلُهُ: [يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفي الآخِرَةِ] فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَافْرُشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلى الْجَنَّةِ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ في قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، وَإِنَّ الْكَافِرَ فَذَكَرَ مَوْتَهُ قالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ في جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَان فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِي: فَيَقُولانِ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِي، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ (¬1) لاَ أَدْرِي فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قَدْ كَذَبَ فَافْرُشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ، وافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، ويُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ (¬2) فِيهِ أَضْلاعُهُ. زاد في رواية: ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضَرَبَ بِهَا جَبَلاً لَصَارَ تُرَاباً فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَنْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرَاباً ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ (¬3). رواه أبو داود، ورواه أحمد بإسناد رواتُهُ محتجٌّ بهم في الصحيح أطول من هذا، ولفظه قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فذَكَرَ مِثْلَهُ إِلى أَنْ قالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اسْتَعِيذَوا (¬4) بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثَاً، ثُمَّ قالَ: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ في انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ (¬5) مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، وَيَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلامُ حَتَّى يُجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ قالَ: فَتَخْرُجُ فَتَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ في (¬6) السِّقَاءِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا في يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ ¬

(¬1) يظهر صوت الغفلة واللهو. (¬2) تتكسر وتتمزق. (¬3) يحيا ليذوق العذاب من جراء كفره أو عصيانه. (¬4) اطلبوا من الله الوقاية من عذاب القبر. (¬5) في الإشراق. (¬6) فم القربة.

كيف يكون حال المؤمن في القبر ومآله حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا في ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفي ذلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ، وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، قالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلاَ يَمُرُّونَ عَلى مَلأٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: مَا هذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولاَنِ: فُلاَنٌ ابْنُ فُلانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ التي كَانَ يُسَمَّى بِهَا في الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرِّبُوهَا إِلى السَّمَاءِ التي تليها، حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ (¬1)، وَأَعِيْدُوهُ إِلى الأَرْضِ في جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، فَيَقُولاَنِ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِي الإِسْلامُ، فَيَقُولانِ: مَا هذَا الرَّجُلُ الّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ، فَيَقُولاَنِ: مَا يُدْرِيكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ (¬2)، وَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُهُ فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلى الْجَنَّةِ. قالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا (¬3) وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ في قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ. قالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بالّذِي يَسُرُّكَ، هذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الْحَسَنُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ، رَبِّ أَقَمِ السَّاعَةَ، حَتَّى أَرْجِعَ إِلى أَهْلِي وَمَالِي. وَإِنّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ في انْقِطَاعٍ مِنَ الْدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمُ الْمُسُوحُ (¬4) فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ؛ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلى سَخَطٍ مِنَ اللهِ، وَغَضَبٍ فَتَفَرَّقُ في جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا (¬5) كَنَا يُنْتَزَعُ السَّفُودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا في يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا في تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَتَخْرُجُ مِنْهَا ¬

(¬1) في أعلى درجة في الجنة. (¬2) القرآن. (¬3) رائحتها ونسيمها. (¬4) مجارف من حديد. (¬5) فينتزعها كذا ط وع ص 431 - 2 وفي ن د فينزعها الملك: أي يشدها وفي المصباح: المسح البلاسي، والجمع المسوح مثل حمل وحمول.

كيف يكون حال الكافر في القبر ومآله؟ كَأَنْتَنِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: مَا هذِهِ الرِّيحُ الْخَبِيثَةُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلانُ ابْنُ فُلاَنٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ التي كَانَ يُسَمَّى بِهَا في الدُّنْيَا؛ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلاَ يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ (¬1) السَّمَاءِ، وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ (¬2) الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِيَاطِ) فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ في سِجِّينٍ في الأَرْضِ السُّفْلَى، ثُمَّ تُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحاً، ثُمَّ قَرَأَ: [وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ (¬3) مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ (¬4) أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ في مَكَانٍ سَحِيقٍ (¬5)] فَتُعَادُ رُوحُهُ في جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي. قالَ: فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِي. قالَ: فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هذَا الرَّجُلُ الّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلى النَّارِ. فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفُ فِيهِ أَضْلاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: أَبشِرْ بالّذِي يَسُوؤُكَ، هذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الْقَبِيحُ يُجِيءُ بِالشَّرِّ! فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيبُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ. وفي رواية له بمعناه وزاد: فَيَأْتِيهِ آتٍ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِهَوَانٍ مِنَ اللهِ وَعَذَابٍ مُقِيمٍ، فَيقُولُ: بَشَّرَكَ اللهُ بِالشَّرِّ، مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: ¬

(¬1) لأدعيتهم وأعمالهم، أو لأرواحهم كما تفتح لأعمال المؤمنين، وأرواحهم لتتصل بالملائكة. (¬2) يدخل: أي حتى يدخل ما هو مثل في عظم الجرم وهو البعير فيما هو مثل في ضيق المسك، وهو ثقبة الإبرة وذلك مما لا يكون فكذا ما يتوقف عليه قال تعالى: [وكذلك نجزي المجرمين (40)] من سورة الأعراف. مثل ذلك الجزاء الفظيع. (¬3) هوى الذي يجعل لله شريكاً قال البيضاوي، لأنه سقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر. (¬4) فإن الأهواء الرديئة توزع أفكاره. (¬5) بعيد فإن الشيطان قد طوح به في الضلالة فيكون المعنى: ومن يشرك بالله فقد هلكت نفسه هلاكاً يشبه أحد الهلاكين.

أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ كُنْتَ بَطِيئاً عَنْ طَاعَةِ اللهِ سَرِيعاً في مَعْصِيَتِهِ فَجَزَاكَ اللهُ بِشَرٍّ، ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَصَمُّ أَبْكَمُ في يَدِهِ مِرْزَبَّةٌ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ كَانَ تُرَاباً، فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً فَيَصِيرُ تُرَاباً ثُمَّ يُعَيدُهُ اللهُ كَمَا كَانَ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلاّ الثَّقَلَيْنِ. قالَ الْبَرَاءُ: ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ النَّارِ، وَيُمَهَّدُ لَهُ مِنْ فَرْشِ النَّارِ. [قال الحافظ]: هذا الحديث حديث حسن، ورواته محتج بهم في الصحيح كما تقدم، وهو مشهور بالمنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء، كذا قال أبو موسى الأصبهاني رحمه الله، والمنهال روى له البخاري حديثاً واحداً، وقال ابن معين: المنهال ثقة وقال أحمد العجلي: كوفي ثقة وقال أحمد بن حنبل: تركه شعبة على محمد. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: لأنه سُمِع من داره صوت قراءة بالتطريب، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: أبو بشر أحب إليّ من المنهال، وزاذان ثقة مشهور ألانه بعضهم، وروى له مسلم حديثين في صحيحه، ورواه البيهقي من طريق المنهال بنحو رواية أحمد، ثم قال: وهذا حديث صحيح الإسناد، وقد رواه عيسى بن المسيب عن عدي بن ثابت عن البراء عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم، وذكر فيه اسم الملكين فقال في ذكر المؤمن: فَيُرَدُّ إِلى مَضْجَعِهِ فَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ يُثِيرَانِ الأَرْضَ بِأَنْيَابِهِمَا وَيَلْجُفَانِ الأَرْضَ بِشِفَاهِهِمَا فَيُجْلِسَانِهِ؛ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: يَا هذَا مَنْ رَبُّكَ؟ فَذَكَرَهُ وَقَالَ في ذِكْرِ الْكَافِرِ: فَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكيرٌ يُثِيرَانِ الأَرْضَ بِأَنْيَابِهِمَا، ويَلْجُفَانِ الأَرْضَ بِشفَاهِهِمَا، أَصْوَاتُهُمَا كَالرَّعْدِ الْقَاصِفِ، وَأَبْصَارُهُمَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ فَيُجْلِسَانِهِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا هذَا مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، فَيُنَادَى مِنْ جَانِبِ الْقَبْرِ: لاَ دَرَيْتَ وَيَضْرِبَانِهِ بِمِرْزَبَّةٍ مِنْ حَدِيدٍ، لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا منْ بَيْن الْخَافِقِيْنِ لَمْ يُقِلُّوهَا يَشْتَعِلُ مِنْهَا في قَبْره ناراً، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ. [قوله: هاه هاه] هي كلمة تقال في الضحك وفي الإبعاد، وقد تقال للتوجع، وهو أليق بمعنى الحديث والله أعلم. 16 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ

الْمُؤْمِنَ إِذَا قُبِضَ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ، فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي إِلى رَوْحِ اللهِ (¬1) فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ حَتّى إِنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَيَشُمُّونَهُ حَتّى يَأْتُوا بِهِ بَابَ السَّمَاءِ؛ فَيَقُولُونَ: مَا هذِهِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ الّتِي جَاءَتْ مِنَ الأَرْضِ، وَلاَ يَأْتُونَ سَمَاءً إِلاَّ قالُوا مِثْلَ ذَلِكَ حَتّى يَأْتُوا بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحاً بِهِ مِنْ أَهْلِ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ، فَيَقُولُونَ: مَا فَعَلَ فُلانٌ؟ فَيَقُولُونَ: دَعُوهُ حَتَّى يَسْتَرِيحَ فَإِنَّهُ كَانَ في غَمِّ الْدُّنْيَا، فَيَقُولُ: قَدْ مَاتَ أَمَا أَتَاكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: ذُهِبَ بِهِ إِلى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَأْتِيهِ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي إِلى غَضَبِ اللهِ فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ، فَيُذْهَبُ بِهِ إِلى بَابِ الأَرْضِ. رواه ابن حبان في صحيحه، وهو عند ابن ماجة بنحوه بإسناد صحيح. ما يجري بين الميت في القبر وبين منكر ونكير في القول. 17 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: شَهِدْنَا جَنَازَةً مَعَ نَبِيِّ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهَا، وانْصَرَفَ النَّاسُ، قالَ نَبِيُّ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّهُ الآنَ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِكُمْ أَتَاهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ أَعْيُنُهُمَا مِثْلُ قُدُورِ (¬2) النُّحَاسِ، وَأَنْيَابُهُمَا مِثْلُ صَيَاصِي الْبَقَرِ، وأَصْوَاتُهُمَا مِثْلُ الرَّعْدِ فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَسْأَلاَنِهِ مَا كَانَ يَعْبُدُ وَمَنْ كَانَ نَبِيُّهُن فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْبُدُ اللهَ قالَ: أَعْبُدُ اللهَ، وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ صلى اللهُ عليه وسلم، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَآمَنَّا بِهِ واتَّبَعْنَاهُ فَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ: [يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بالْقَوْلِ الثَّابِتِ، في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ] فَيُقَالُ لَهُ: عَلَى الْيَقِينِ حَيِيتَ، وَعَلَيْهِ مِتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ (¬3)، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيُوَسَّعُ لَهُ في حُفْرَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّكِّ قالَ: لاَ أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئاً فَقُلْتُهُ، فَيُقَالُ لَهُ عَلَى الشَّكِّ حَيِيتَ، وَعَلَيْهِ مِتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلى النَّارِ، وَتُسَلَّطُ عَلَيْهِ عَقَارِبُ وَتَنانِينُ لَوْ نَفَخَ أَحَدُهُمْ عَلَى الدُّنْيَا مَا أَنْبَتَتْ شَيْئاً تَنْهَشُهُ، وَتُؤْمَرُ الأَرْضُ فَتَضْطَمُّ عَلَيْهِ (¬4) ¬

(¬1) نعيمه. (¬2) أواني. (¬3) وعليه تبعث كذا ط وع ص 423 - 2 وفي ن د زيادة إن شاء الله. مات يموت ويمات من باب يخاف ومت بالكسر. (¬4) فتضطم كذا ط وع، وفي ن د: فتنضم.

حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ. رواه الطبراني في الأوسط، وقال: تفرد به ابن لهيعة: [قال الحافظ]: ابن لهيعة حديثه حسن في المتابعات، وأما ما انفرد به فقليل من يحتج به، والله أعلم. [صياصي البقر]: قرونها. بيان أن الأعمال الصالحة تنفع المرء المسلم في القبر 18 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ؛ أَوْ قالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَادَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ وللآخَرِ النَّكِيرُ، فَيَقُولانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ في هذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هذاَ، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ في قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعاً في سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلى أَهْلِي فأُخْبِرُهُمْ؟ فَيَقُولانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الذِي لاَ يُوقِظُهُ إِلاَّ أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ (¬1) ذلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقاً قالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلاً فَقُلْتُ مِثْلَهُ لاَ أَدْرِي فَيَقُولانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ فَيُقَالُ للأَرْضِ: الْتَئِمِي عَلَيْهِ فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ فَتَخْتَلِفُ أَضْلاعُهُ فَلاَ يَزَالُ فِيهَا مُعَذّباً، حَتَّى يَبْعَثُهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وابن حبان في صحيحه. [العروس] يطلق على الرجل وعلى المرأة ما داما في أعراسهما. يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة 19 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ، إِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يَوَلُّوا مُدْبِرِينَ، فَإِنْ كانَ مُؤْمِناً كانَتِ الصَّلاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَانَتِ الزّكاةُ عَنْ شِمَالِهِ وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْراتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصَّلاةِ والْمَعْرُوفِ والإِحْسَانِ إِلى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَتَقُولُ الصَّلاَةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ (¬2) ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ الصِّيَامُ: ¬

(¬1) مكانه الذي استراح فيه. (¬2) ليس جهتي مكان دخول. اللهم في نفحة السحر أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. يا رب اقبل هذه الشهادة من عبدك الخاضع لجلالك حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم آمين.

مَا قِبَلي مَدْخلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ فَتَقُولُ الزَّكَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَيَقُولُ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ إِلى النَّاسِ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ فَيُقَالُ لَهُ اجْلِسْ فَيَجْلِسُ قَدْ مُثِّلَتْ لَهُ الشَّمْسُ، وَقَدْ دَنَتْ لِلْغُرُوبِ فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كانَ قِبَلَكُمْ مَا تَقُولُ فِيهِ، وَمَاذَا تَشْهَدُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَيَقُولُونَ إِنَّكَ سَتَفْعَلُ أَخْبِرْنَا عَمَّا نَسْأَلُكَ عَنْهُ أَرَأَيْتَكَ هذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ قِبَلَكُمْ مَاذَا تَقُولُ فِيهِ، وَمَاذَا تَشْهَدُ عَلَيْهِ؟ قالَ: فَيَقُولُ: مَحَمَّدٌ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَأَنَّهُ جَاءَ بالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَيُقَالُ لَهُ: عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ، وَعَلى ذَلِكَ مِتَّ، وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: هذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا، وَمَا أَعَدَّ اللهُ لَكَ فِيهَا فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُوراً، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هذَا مَقْعَدُكَ وَمَا أَعَدَّ اللهُ لَكَ فِيهَا لَوْ عَصَيْتَهُ فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُوراً، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعاً وَيُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، وَيُعَادُ الْجَسَدُ (¬1) كَما بَدَأَ مِنْهُ فَتُجْعَلُ نَسَمَتُهُ في النَّسِيمِ الطَّيِّبِ وَهِيَ طَيْرٌ تَعْلَقُ في شَجَرِ الْجَنَّةِ (¬2) فَذلِكَ قَوْلُهُ: [يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثابِتِ، في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفي الآخِرَةِ] الآيَة، وَإِنّ الْكَافِرَ إِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ ثُمَّ أُتِيَ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يُوجَدُ شَيْءٌ، ثُمَّ أُتِيَ عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يُوجَدُ شَيْءٌ، ثُمَّ أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَلاَ يُوجَدُ شَيْءٌ. فَيُقَالُ لَهُ: اجْلِسْ فَيَجْلِسُ مَرْعُوباً (¬3) خَائِفاً، فَيُقَالُ: أَرَأَيْتَكَ هذَا الرّجُلُ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَاذَا تَقُولُ فِيهِ وَمَاذَا تَشْهَدُ عَلَيْهِ؟ فَيَقُولُ: أَيُّ رَجُلٍ وَلاَ يَهْتَدِي لاسْمِهِ فَيُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: لا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ قَالُوا قَوْلاً فَقُلْتُ كَمَا قالَ النَّاسُ فَيُقَالُ لَهُ: عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ، وَعَلَيْهِ مِتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هذَا مَقْعَدُكَ مِنَ النَّارِ وَمَا أَعَدَّ اللهُ لَكَ فِيهَا فَيَزْدَادُ حَسْرَةً وَثُبُوراً (¬4) ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِن أَبْوَابِ الْجنَّةِ قالَ لَهُ: هذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا وَمَا أَعَدَّ اللهُ ¬

(¬1) يحييه الله كما بدأه. كما بدا كذا ط وع ص 424 - 2 وفي ن د: كما بدئ منه فتعجل نسمته وفي ن ط: فتجعل نسمة. (¬2) في شجر الجنة كذا د وع، وفي ن ط: شجرة الجنة .. (¬3) فزعاً. (¬4) تألماً وهلاكاً.

لَكَ فِيهَا لَوْ أَطَعْتَهُ فَيَزْدَادُ حَسْرَةً وَثُبُوراً، ثُمَّ يُضَيَّقْ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ فَتِلْكَ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكَةُ (¬1) الَّتِي قالَ اللهُ: [فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً، وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (¬2)]. رواه الطبراني في الأوسط، وابن حبان في صحيحه واللفظ له، وزاد الطبراني قال: أبو عمر يعني الضرير قلت لحماد بن سلمة: كان هذا من أهل القبلة؟ قال: نعم. قال أبو عمر: كان شهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع إلى قلبه كان يسمع الناس يقولون شيئاً فيقوله. 20 - وفي رواية للطبراني: يُؤتَى الرَّجُلُ في قَبْرِهِ فَإِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ دَفَعَتْهُ تِلاوَةُ الْقُرْآنِ، وَإِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ يَدَيْهِ دَفَعَتْهُ الصَّدَقَةُ، وَإِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ دَفَعَهُ مَشْيُهُ إِلى الْمَسَاجِدِ الْحديث. [النسمة] بفتح النون والسين: هي الروح. [قوله: تعلق] بضم اللام: أي تأكل. [قال الحافظ]: وقد أملينا في الترهيب من إصابة البول الثوب؛ وفي النميمة جملة من الأحاديث في أن عذاب القبر من البول والنميمة لم نعد من تلك الأحاديث هنا شيئاً، والأحاديث في عذاب القبر وسؤال الملكين كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية، والله الموفق لا رب غيره. ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر 21 - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلاّ وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ (¬3). رواه الترمذي وغيره وقال الترمذي: حديث غريب، وليس إسناده بمتصل. الترهيب من الجلوس على القبر، وكسر عظم الميت 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ (¬4) فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ ¬

(¬1) الضيقة. (¬2) ضالاً معذباً. قال تعالى [ومن أعرض عن ذكري ..]. (¬3) أي حماه الله وأبعد عنه عذاب القبر، وحفظه تفضلاً وإكراماً لهذا اليوم المبارك أو ليله. (¬4) نار متقدة.

فَتَخْلصَ (¬1) إِلى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ. رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 2 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لأَنْ أَمْشِيَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ (¬2) أَوْ أَخْصِفَ نَعْلِي (¬3) بِرِجْلِي أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ. رواه ابن ماجة بإسناد جيد. 3 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لأَنْ أَطَأَ (¬4) عَلَى جَمْرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَأَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِم. رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن وليس في أصلي رفعه. 4 - وَعَنْ عِمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: رَآنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: جَالِساً عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الْقَبْرِ انْزِلْ مِنْ عَلى الْقَبْرِ، لاَ تُؤْذِي صَاحِبَ الْقَبْرِ (¬5) وَلاَ يُؤْذِيكَ (¬6). رواه الطبراني في الكبير من رواية ابن لهيعة. ¬

(¬1) فتصل إلى جلده. قال العلقمي قيل أراد للإحداد والحزن، وهو أن يلازمه فلا يرجع عنه. وقال المناوي هذا مفسر بالجلوس للبول والغائط، فالجلوس والوطء عليه لغير ذلك مكروه لا حرام عند الجمهور أهـ جامع صغير 17 جـ 3. يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم احترام القبور وعدم إضاعة كرامتهن وعدم امتهانهن، ويخبر أن الجلوس على النار الملتهبة أخف عقاباً وأقل عذاباً من الجلوس على القبر. لماذا؟ لأن عقاب الله أشد في الآخرة من نار الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم: "ناركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم". (¬2) أو أمشي على حد سيف. (¬3) أخيط نعلي بجلد مقطوع من رجلي، يقال خصف النعل: خرزها وخصف الورق على بدنه: ألزقها وأطبقها عليه ورقة ورقة: أي ثلاثة أخف في العقاب من الجلوس على القبر: أ - المشي على نار. ب - المشي على ظبى السيف وحده الحاد. جـ - تقطيع جزء الجسم وتخييط القدم منه. (¬4) أمشي قال المناوي: المراد قبر المسلم المحترم، وظاهره إخراج قبور أهل الذمة، وظاهر الحديث الحرمة واختاره كثير من الشافعية لكن المصحح عندهم الكراهة والكلام في غير حالة الضرورة أهـ جامع صغير. وقال الحفني: على قبر ظاهره، حرمة ذلك فيحمل على ما إذا وطئ القبر ووضع عقبه عليه ليبول أو يتغوط فإنه يحرم البول ونحوه عليه؛ أما مجرد المشي على القبر فمكروه إلا لحاجة كأن لا يصل إلى زيارة قبره إلا بالمشي على القبور فلا بأس به حينئذ للحاجة، فإن كان المراد من الحديث مجرد المشي على القبر، كان المراد التنفير عنه لا أنه حرام أهـ. مكارم أخلاق من الحي أن يحترم الميت، ولا يدوس على قبره ولا يمهنه. (¬5) بالجلوس على قبره لإهانته. (¬6) يسبب لك عذاب الله في الآخرة بسبب هذا الجلوس.

5 - وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيَّاً (¬1) رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه. ¬

(¬1) المعنى أن الله تعالى يعاقب من اعتدى على الميت بكسر شيء من عظامه، كما كان يعاقب بكسر شيء منه أثناء حياته قال تعالى: [ولقد كرمنا بني آدم] الآيات وتقدم ذكرها. تنوير القلوب يبين خلاصة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الجنائز اعلم أن الموت من أعظم المصائب والغفلة عنه أعظم منه. فيجب لكل مكلف أن يستعد للموت، ويكثر من ذكره، وتجب عليه التوبة من الذنوب، ورد المظالم إلى أهلها والخروج منها ويتأكد طلب ذلك من المريض ويرد ما عنده من الأمانات، ويشهد بما عليه من الديون والحقوق ويستحل خصماءه ومن بينه وبينه معاملة، ويوصي ولا يتضجر من المرض، ولا يترك شيئاً من فروض الصلاة، ولو بإجراء الأركان على قلبه لأنها لا تسقط ما دام العقل باقياً ليلقى ربه على أحسن حالة. ويسن عيادة المريض المسلم، ولو في أول يوم من مرضه، ولو عدوّاً ومن لا يعرفه، وكذا الكافر والذمي والمعاهد والمستأمن إن كان جاراً أو قريباً أو نحوهما أو رجى إسلامه، فإن انتفى ذلك جازت عيادته بلا كراهة، وتكره عيادة ذي بدعة منكرة وأهل الفجور والمكس إذا لم تكن قرابة ولا نحو جوار ولا رجاء توبة لأنا مأمورون بهجرهم. ويندب أن تكون العيادة غباً: أي يوماً بعد يوم. نعم نحو القريب والصديق ممن يستأنس به المريض أو يتبرك به يسن له المواصلة ويسن للعائد أن يخفف المكث عند المريض ويدعو له بالعافية إن طمع في حياته، وأن يكون الدعاء بالوارد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضاً لم يحضر أجله فقال أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات عافاه الله من ذلك المرض" ويطيب نفسه بمرضه بأن يذكر له من الآثار والأخبار ما تطمئن به نفسه، وإن لم يطمع في حياته فليرغبه في توبة ووصية ويذكر له أحوال الصالحين في ذلك، ويطلب الدعاء منه قال صلى الله عليه وسلم "وإذا دخلت على مريض فمره فليدع لك فإن دعاءه كدعاء الملائكة" ويسن للمريض أن يوصي أهله بالصبر عليه وترك النوح وتحسين خلقه واجتناب المنازعة في أمور الدنيا واسترضاء من له به علاقة ويحسن المريض ظنه بالله تعالى بأن يظن به أن يرحمه ويعفو عنه ويكره له الشكوى ويكره تمني الموت لضر نزل به، أما تمنيه عند خشية الفتنة في الدين فلا يكره، ويكره إكراه المريض على تناول الدواء والطعام، وإذا حضره أمارات الموت أضجع على شقه الأيمن وجعل وجهه إلى القبلة كالوضع في اللحد، فإن تعذر لمشقة كضيق المكان وشدة المرض فعلى قفاه، ويجعل وجهه وأخماصه للقبلة ويرفع رأسه بشيء ليستقبل بوجهه. ويسن تلقينه لا إله إلا الله ولا يسن زيادة محمد رسول الله: لأنه لم يرد ولا يلح عليه ولا يقال له قل لئلا يتأذى بذلك، بل يذكر الشهادة بين يديه ليتذكرها، أو يقال ذكر الله مبارك فلنذكر الله جميعاً "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" والأفضل تلقين غير الوارث والعدو والحاسد، فإذا قالها لم تعد عليه حتى يتكلم، فإذا تكلم ولو بغير كلام الدنيا أعيدت عليه للخبر الصحيح "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة" أي مع الفائزين. ويندب أن يقرأ عند يس لخبر أبي داود "اقرؤوا على موتاكم يس" ولحديث "ما من مريض يقرأ عنده يس إلا مات ريان، وأدخل قبره ريان" فإذا مات غمض عيناه وشد لحياه بعصابة عريضة ولينت مفاصله وتنزع عنه ثيابه التي مات فيها ويستر بدنه بثوب خفيف يجعل أحد طرفيه تحت رأسه والآخر تحت رجليه ويوضع على بطنه شيء ثقيل نحو عشرين درهماً من حديد كسيف ومرآة ثم طين رطب، ثم ما تيسر لئلا ينتفخ ويستقبل به القبلة كالمحتضر كما مر ويندب جعله على سرير من غير فرش لئلا يتغير بنداوة الأرض ويتولى جميع ما تقدم أرفق محارمه به المتحد معه ذكورة وأنوثة ويبادر ببراءة ذمته كقضاء دينه، وتنفيذ وصيته حالاً إن تيسر وغلا سأل وليه غرماءه أن يحللوه ويحتالوا به عليه، فإن فعلوا برئ في الحال، ويستحب الإعلام بموته لا للرياء والسمعة بذكر الأوصاف =

كتاب البعث وأهوال يوم القيامة

كتاب البعث وأهوال يوم القيامة [قال الحافظ]: وهذا الكتاب بجملته ليس صريحاً في الترغيب والترهيب، وإنما هو ¬

_ = غير اللائقة به، بل الصلاة والدعاء والترحم: ويجوز البكاء عليه قبل موته وبعده، لكن البكاء عليه بعد الموت خلاف الأولى، ويحرم النوح والندب والجزع بضرب الصدر والوجه وشق الجيب ونشر الشعر أو حلقه وتسويد الوجه ويجب على سبيل فرض الكفاية في الميت خمسة أشياء (الأول) غسله وأقله تعميم بدنه بالماء مرة فيجب غسل ما يظهر من فرج الثيب عند جلوسها على قدميها وما تحت قلفة الأقلف، فإن تعذر غسله فإن كان ما تحتها طاهراً يمم عنه، قال ابن حجر: وكذلك إن كان متنجساً للضرورة ويصلى عليه حينئذ، وأكمله أن يغسل في خلوة لا يدخلها إلا الغاسل ومن يعينه ووليه، ويجعل الميت على شيء مرتفع، وأن يكون محل رأسه أعلى. وأن يستر في نحو قميص بال، فإن فقد وجب ستر العورة، وأن يكون الماء بارداً إلا لحاجة كوسخ أو برد، وأن يكون الماء في إناء كبير بعيد عن المغتسل، وأن يجلسه الغاسل برفق مائلاً إلى ورائه ويضع يمينه على كتفه وإبهامه بنقرة قفاة ويسند ظهره بركبته اليمنى ويمر يسراه على بطنه مرة بعد أخرى ليخرج ما فيها من الفضلات، ويكون عنده مجمرة قائمة بطيب والمعين يصب عليه الماء. ثم يضجعه لقفاه ويغسل بخرقة ملفوفة على يساره سوأتيه وباقي عورته، ولف اليد بالخرقة حينئذ واجب إن كان الغاسل غير أحد الزوجين، ثم يأخذ خرقة نظيفة بدل الأولى، وينظف أسنانه ومنخريه، ثم يوضئه كوضوء الحي بنية بأن يقول نويت الوضوء المسنون لهذا الميت فلا يصح بلا نية، والغسل لا يتوقف على نية مع أنه واجب. ثم يغسل رأسه فلحيته ويسرحهما بمشط واسع الأسنان برفق ويرد الساقط من الشعر إليه. ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر كذلك ويحرم كبه على وجهه ويستعين في ذلك كله بنحو سدر كصابون. ثم يصب عليه ماء من رأسه إلى قدمه ليزيل ما عليه من نحو صابون. ثم يصب عليه ماء خالصاً فيه قليل. كافور بحيث لا يغيره ما لم يكن محرماً لم يتحلل التحلل الأول وإلا حرم وضع الكافور في ماء غسله. وهذا الغسلات الثلاث تعد واحدة إذ لا يحسب منها إلا الأخيرة لتغير الماء فيما قبلها ويسن ثانية وثالثة كذلك فتكون الغسلات تسعاً ويلين مفاصله بعد الغسل. ثم ينشفه تنشيفاً بليغاً. ولو خرجت بعد غسله نجاسة وجب إزالتها فقط ويحرم على الغاسل وغيره النظر إلى عورته ويسن أن لا ينظر من بدنه إلا بقدر الحاجة، وأن يغطي وجهه بخرقة، وأن لا يمس شيئاً من بدنه سوى عورته إلا بخرقة، وأن يكون الغاسل أميناً، فإن رأى خيراً ذكره أو ضده حرم ذكره إلا لمصلحة، ومن تعذر غسله لفقد ماء أو احتراق بحيث لو غسل تهرى يمم، ويجب أن يغسل الرجل الرجل والمرأة المرأة وللزوج غسل زوجته، ولها غسل زوجها، فإن لم يحضر في المرأة إلا رجل أجنبي أو في الرجل إلا امرأة أجنبية يمما وجوباً من وراء حائل، بخلاف ما لو كان على بدن أحدهما نجاسة فالأوجه أن يزيلها الأجنبي والأجنبية لأن إزالة النجاسة لا بد لها بخلاف غسله، ولكل من الرجال والنساء تغسيل صغير وصغيرة لم يبلغا حد الشهوة ويجب إبقاء أثر الإحرام إن كان الميت محرماً، فلا يطيب ولا يستر رأسه ولا يغسل الشهيد، وهو من مات في معركة المشركين بسبب القتال ولا يصلى عليه. والسقط وهو النازل قبل تمام أقل الحمل إن ظهرت أمارة الحياة فحكمه =

حكاية أمور مهولة تؤول بالسعداء إلى النعيم، وبالأشقياء إلى الجحيم، وفي غضونها ما هو صريح ¬

_ = كالكبير وإلا فإن ظهر خلقه وجب فيه ما عدا الصلاة، وإن لم يظهر خلقه فلا يجب فيه شيء، بل يسن ستره بخرقة ودفنه. أما النازل بعد تمام أقل الحمل فلا يسمى سقطاً، ويجب فيه ما في الكبير وإن لم تعلم حياته. بل وإن لم يظهر خلقه (الثاني) تكفينه بما يجوز لبسه حياً، وكره المغالاة فيه وأقله ثوب يستر جميع بدنه وأكمله للذكر ثلاث لفائف يعم كل واحدة منها البدن وجاز وإن لم يكن نحو قاصر أن يزيد تحتها قميصاً وعمامة، وللأثنى خمسة أثواب: إزار فقميص فخمار فلفافتان. ويسن أن يكون أبيض، وأن يذر على كل من اللفائف نحو حنوط كطيب وكافور، وأن يشد أليتاه بخرقة بعد أن يدس بينهما بقطن عليه حنوط، وأن يجعل على أنفه ومنخريه وأذنيه وجبهته وركبتيه قطن عليه حنوط وتلف عليه اللفائف وتشد بخرقة وتحل في القبر (الثالث) الصلاة عليه وأركانها سبعة (النية) بأن يقول نويت أن أصلي أربع تكبيرات على هذا الميت أو على من حضر من أموات المسلمين فرضاً أو فرض كفاية، ولا بد أن يلاحظ ذلك بقلبه حال النطق بتكبيرة الإحرام (والقيام) فإن عجز صلى قاعداً (وأن يكبر) أربع تكبيرات بتكبيرة الإحرام (وقراءة الفاتحة) عقب التكبيرة الأولى (والصلاة على النبي) صلى الله عليه وسلم عقب الثانية وأقلها اللهم صل على سيدنا محمد، وأكملها اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد (والدعاء) للميت عقب الثالثة، وأقله اللهم اغفر له أو ارحمه، وأكمله اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وكبيرنا وصغيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم إن هذا عبدك وابن عبديك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك وأنت أعلم به منا، اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به وأصبح فقيراً إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته ولقه برحمتك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وافسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبه ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه آمناً إلى جنتك برحمتك يا أرحم الراحمين. وإن كان الميت صغيراً يقول مع الدعاء الأول: اللهم اجعله فرطاً لأبويه وسفاً وذخراً وعظة واعتباراً وشفيعاً وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تحرمهما أجره ولا وتفتنهما بعده واغفر لنا ولهما ولجميع المسلمين (ويقول) بعد التكبيرة الرابعة ندباً: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله (والسلام) بعد التكبيرة الرابعة، وأقله السلام عليكم، وأكمله السلام عليكم ورحمة الله مرتين يميناً وشمالاً. ولو تخلف عن إمامه بلا عذر بتكبيرة حتى شرع إمامه في أخرى بطلت صلاته، والمسبوق يكبر ويقرأ الفاتحة فلو كبر إمامه قبل إتمام قراءته تابعه في تكبيره وسقطت عنه القراءة وتدارك الباقي بعد سلام إمامه. وشرط لصحتها شروط غيرها: وهي تقدم طهر الميت بغسل أو تيمم وطهر ما اتصل به، فإن كان في القبر صحت الصلاة عليه وإن متصلاً بنجس. وأن لا يتقدم المصلي على الميت الحاضر ولو في القبر تنزيلاً للميت منزلة الإمام ويسن أن تكون الصلاة بمسجد وبثلاثة صفوف فأكثر، وأن تجعل رأس الذكر على يسار الإمام ويقف الإمام قريباً من رأسه ورأس الأنثى عن يمينه ويقف عند عجزها ومثله المنفرد، وأن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوق صلاته وتصح الصلاة على غائب عن البلد ولو كان في غير جهة القبلة والمصلي متوجه إليها، فإن كان الغائب مخصوصاً اشترط تعيينه وإلا كفى أن يقول أصلي على من مات في هذا اليوم ممن تصح الصلاة عليه. ويشترط في المصلي أن يكون من أهل فرضها قبل الدفن بزمن يمكن فعلها فيه بأن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً طاهراً من حيض ونفاس، أما الحاضر بالبلد فلا يصلي عليه إلا من حضر عنده وتصح الصلاة على القبر أيضاً (الرابع) حمله وأقله أن يحمل على هيئة غير مزرية وأكمله أن يحمل على ثلاثة واحد من أمامه بأن يجعل العمودين على كتفيه، وأقله أن يحمل على هيئة غير مزرية وأكمله أن يحمل على ثلاثة واحد من أمامه بأن يجعل العمودين على كتفيه، واثنين من خلفه يحمل كل واحد عموداً، وهذا أفضل من التربيع لما روى البيهقي "أنه صلى الله عليه وسلم حمل جنازة =

فيها أو كالصريح على إملاءِ نبذ منه يحصل بالوقوف عليها الإِحاطة بجميع معاني ما ورد فيه على طرف من الإجمال، ولا يخرج عنها إلا زيادة شاذة في حديث ضعيف أو منكر، إذ لو ¬

_ = سعد بن معاذ بين عمودين، ولما يلزم على ذلك من اختلاف الحاملين في سرعة المشي أو عدمها أو ذهاب أحدهما يميناً والآخر شمالاً فيحصل ضرر للميت، وإن كان الميت ثقيلاً يزاد على ذلك بحسب الحاجة، ولا يحمل الجنازة إلا الرجال. ويسن المشي أمامها وقربها والإسراع بها والتفكر في الموت وما بعده وكره اللغط والحديث في أمور الدنيا ورفع الصوت إلا بالقرآن والذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس به الآن، لأنه شعار للميت فتركه مزر به وما في القليوبي من كراهة ذلك أيضاً إنما هو باعتبار ما كان في الصدر الأول كما قاله الرملي وقال في حاشية المنهج: ولو قيل بندب ما يفعل الآن أمام الجنازة من اليمانية وغيرها لم يبعد. لأن في تركه إزراء بالميت وتعرضاً للكلام فيه وفي ورثته. وقال ابن زياد اليماني في فتاويه 8: وقد عمت البلوى بما يشاهد من اشتغال المشيعين بالحديث الدنيوي وربما أداهم إلى الغيبة فالمختار اشتغال أسماعهم بالذكر المؤدي إلى ترك الكلام أو تقليله، ويكره القيام لمن مرت به جنازة إن لم يرد الذهاب معها والأمر بالقيام لها منسوخ، ويكره اتباعها بنار ولو في مجمرة، واتباع النساء للجنازة إن لم يتضمن حراماً وإلا حرم. ويستحب لمن رأى الجنازة أن يقول عند رؤيتها: الله أكبر الله أكبر الله أكبر (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً) أو يقول سبحان الحي الذي لا يموت أبداً (الخامس) دفنه وأقله أن يدفن في حفرة تمنع رائحته والسبع عنه مستقبل القبلة، وأكمله أن يدفن في قبر بعمق قامة وبسطة ويوسع قدر ذراع وشبر على يمينه، وأن يوجه للقبلة وجوباً فإن لم يوجه نبش ووجه إن لم يتغير ويجعل في لحد إن صلبت الأرض، وفي شق إن كانت رخوة، وأن يقول من يدخل فم القبر: بسم الله وعلى ملة رسول الله، وأن يقال اللهم افتح أبواب السماء لروحه وأكرم نزله ووسع مدخله ووسع له في قبره فقد ورد أن من قيل عند دفنه ذلك رفع الله العذاب عنه أربعين سنة، ويجعل خد الميت على كثيب تراب (فائدة) يؤخذ من محل دفنه كف تراب، ويقرأ عليه سورة القدر سبع مرات ويذر على كفنه فإنه لا يعذب، ثم سشد عليه ويهال التراب وبعد تمام الدفن يسن أن يجلس واحد على القبر يلقنه بلغة يفهمها إن كان الميت بالغاً عاقلاً غير نبي ولا شهيد فيقول: يا عبد الله ابن أمة الله اذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا، وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن الجنة حق والنار حق والبعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور وأنك رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبيا ورسولاً وبالقرآن إماماً وبالقبلة كعبة وبالمؤمنين إخواناً وورد "إن الميت إذا لقن يأخذ أحد الملكين بيد صاحبه ويقولان مالنا ولرجل قد لقنه الله حجته". ويسن أن تمكث جماعة بعد دفنه يدعون ويسألون التثبيت قدر ما ينحر الجمل ويفرق لحمه لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" فيقولون اللهم اغفر له وراحمه نصف المدة واللهم ثبته عند السؤال باقيها، وأن يرش القبر بماء بارد، وأن يوضع عليه نحو حجر. ويحرم البناء على المقبرة الموقوفة إلا لنبي أو شهيد أو عالم أو صالح. ويحرم دفن اثنين في قبر واحد إلا لضرورة كضيق الأرض وكثرة الموتى، ومن مات في سفينة وتعذر دفنه في البر يحل أن يوضع بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه بين لوحين مثلاً ويرمى في البحر، وأن يثقل بنحو حجر ليصل إلى القرار فهو ألوى. ويسن تعزية أهل الميت قبل الدفن وبعده إلى ثلاثة أيام، ويقول في تعزية المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك، وفي تعزية المسلم بالكافر: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك، وفي تعزية الكافر بالمسلم: أحسن الله عزاءك وغفر لميتك، وفي تعزية الكافر بالكافر أخلف الله عليك ولا نقص من عددك. ويحرم نقل الميت إلى بلد آخر ليدفن فيها، وإن أمن تغيره إلا من كان قريباً من مكة أو المدينة أو بيت المقدس أو مقبرة قوم صالحين فيجوز نقله بلا كراهة ولو زادت المسافة عن يوم إن أمن تغيره قبل الوصول إليه، ولو اعتاد أهل بلدة التنقل إلى مقبرة بلد آخر جاز نقله إليها بلا كراهة أيضاً. =

استوعبنا منه كما استوعبنا من غيره من أبواب هذا الكتاب لكان ذلك قريباً مما مضى، ولخرجنا عن غير المقصود إلى الإطناب المملّ، والله المستعان، وجعلناه فصولاً. ¬

_ = زيارة القبور تسن زيارة قبور المسلمين للرجال لأجل تذكر الموت والآخرة وإصلاح فساد القلب ونفع الميت بما يتلى عنده من القرآن لخبر مسلم "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" ولقوله عليه الصلاة والسلام "اطلع في القبور واعتبر بالنشور" خصوصاً قبور الأنبياء والأولياء وأهل الصلاح، وتكره من النساء لجزعهن وقلة صبرهن ومحل الكراهة إن لم يشتمل اجتماعهن على محرم وإلا حرم. ويندب لهن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وكذا قبور سائر الأنبياء والعلماء والأولياء وتتأكد يوم العيد ومن عشية خميس إلى طلوع شمس سبت ويكره المبيت بها لما فيه من الوحشة والمشي والجلوس عليها، ويحرم البور والغائط وإلقاء نجاسة عليها. ويسن أن يكون الزائر متوضئاً، وأن يقول عند دخوله: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويقرأ ما تيسر من القرآن لأن القراءة تنفع الميت في ثلاثة مواضع: إذا قرئ في حضرته أو في غيبته لكن دعا له عقبها أو قصده بها وإن لم يدع له. ويسن قراءة الإخلاص إحدى عشرة مرة، وأن يقول: اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان أو للموتى وورد "من قرأ آية الكرسي وجعل ثوابها لأهل القبور أدخل الله في كل قبر من المشرق إلى المغرب أربعين نوراً ووسع عليهم مضاجعهم" وأن يتصدق عليهم فينفعهم ذلك ويصل ثوابه إليهم، وأن يقرب من مزوره كقربه منه حياً ويسلم عليه مستقبلاً وجهه لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام" ثم يتوجه إلى القبلة فيدعو له بنحو: اللهم رب هذه الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل عليها روحاً منك وسلاماً مني، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم. والدعاء ينفع لدفع العذاب ورفع الدرجات قال صلى الله عليه وسلم "ما الميت في قبره إلا كالغريق المغوث ينتظر دعوة تلحقه من ابنه أو أخيه أو صديق له فإذا لحقته كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها وإن هدايا الأحياء للأموات الدعاء والاستغفار" ويندب وضع الجريد والريحان على القبر كما جرت به العادة لأنه يستغفر للميت ما دام رطباً ولما روي "أن النبي صلى الله علهي وسلم شق الجريدة نصفين ثم غرس على قبر نصفاً وعلى قبر نصفاً وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا" رواه الشيخان. ومنه يعلم أن قراءة القرآن تنفع الميت، لأنه إذا وصل النفع إليه بسببهما حال رطوبتهما فانتفاعه بقراءة القرآن من الرجل المؤمن من باب أولى انتهت عبارات الشيخ الكردي رحمه الله تعالى ونفعنا به وبعلومه. وفي إحياء علوم الدين ص 216 في بيان حال القبر. أول منزل الآخرة كما قال صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد: أول ما يكلم ابن آدم حفرته فيقول: أنا بيت الدود وبيت الوحدة وبيت الغربة وبيت الظلمة هذا ما أعددت لك، فما أعددت لي؟ ويروى أن فاطمة بنت الحسين نظرت إلى جنازة زوجها الحسن بن الحسن. فغطت وجهها وقالت: وكانوا رجاء ثم أمسوا رزية ... لقد عظمت تلك الرزايا وجلت وقد أنشدوا في أهل القبور: قف بالقبور وقل على ساحاتها ... من منكم المغمور في ظلماتها ومن المكرم منكم في قعرها ... قد ذاق برد الأمن من روعاتها أما السكون لذي العيون فواحد ... لا يستبين الفضل في درجاتها لو جاوبوك لأخبروك بألسن ... تصف الحقائق بعد من حالاتها أما المطيع فنازل في روضة ... يفضي إلى ما شاء من دوحاتها والمجرم الطاغي بها متقلب ... في حفرة يأوي إلى حياتها وعقارب تسعى إليه فروحه ... في شدة التعذيب من لدغاتها =

فصل في النفخ في الصور وقيام الساعة

فصل في النفخ في الصور وقيام الساعة 1 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: مَا الصُّورُ؟ قالَ: قَرْنٌ (¬1) يُنْفَخُ فِيهِ. رواه أبو داود والترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه. ¬

= ومر داود الطائي على امرأة تبكي على قبر وتقول: عدمت الحاية ولا نلتها ... إذا كنت في القبر وقد ألحدوكا فكيف أذوق لطعم الكرى ... وأنت بيمناك قد وسدوكا ثم قالت يا أبتاه ليت شعري بأي خديك بدأ الدود، فصعق داود مكانه وخر مغشياً عليه. وقال مالك بن دينار: مررت بالمقبرة فنوديت من بينها أسمع صوتاً ولا أرى شخصاً يقول: تفانوا جميعاً فما مخبر ... وماتوا جميعاً ومات الخبر تروح وتغدو بنات الثرى ... فتمحو محاسن تلك الصور فيا سائلي عن أناس مضوا ... أمالك فيما ترى معتبر ووجد مكتوباً على قبر: تناجيك أجداث وهن صموت ... وسكانها تحت التراب خفوت أيا جامع الدنيا لغير بلاغه ... لمن تجمع الدنيا وأنت تموت ووجد على قبر آخر مكتوباً: أيا غانم أما ذراك فواسع ... وقبرك معمور الجوانب محكم وما ينفع المقبور عمران قبره ... إذا كان فيه جسمه يتهدم وقال السماك: مررت على المقابر فإذ على قبر مكتوب: يمر أقاربي جنبات قبري ... كأن أقاربي لم يعرفوني ذوو الميراث يقتسمون مالي ... وما يألون إن جحدوا ديوني وقد أخذوا سهامهم وعاشوا ... فيا الله أسرع ما نسوني (¬1) مثل البوق قال الغزالي صيحة واحدة تنفرج بها القبور عن رؤوس الموتى فيثورون دفعة واحدة فتوهم نفسك، وقد وثبت متغيراً وجهك مغبراً بدنك من فوقك إلى قدمك من تراب قبرك مبهوتاً من شدة الصعقة شاخص العين نحو النداء، وقد ثار الخلق ثورة واحدة من القبور التي طال فيها بلاؤهم، وقد أزعجهم الفزع والرعب مضافاً إلى ما كان عندهم من الهموم والغموم وشدة الانتظار لعاقبة الأمر كما قال تعالى: [ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون (68)] من سورة الزمر. وقال تعالى: [فإذا نقر في الناقور (8) فذلك يومئذ يوم عسير (9) على الكافرين غير يسير (10)] من سورة المدثر. =

2 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: كَيْفَ أَنْعَمُ (¬1) وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ (¬2)، وَأَصْغى سَمْعَهُ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْمَرَ فَيَنْفُخَ فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ (¬3) عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: فَكَيْفَ تَفْعَلُ يَا رَسُولَ الهِ أَوْ نَقُولُ؟ قالَ: قُولُوا حَسْبُنَا اللهُ (¬4) وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا، وَرُبَّمَا قالَ: تَوَكلْنَا عَلَى اللهِ. رواه الترمذي واللفظ له، وقال: حديث حسن وابن حبان في صحيحه، ورواه أحمد والطبراني من حديث زيد بن أرقم ومن حديث ابن عباس أيضاً. 3 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحرِثِ قالَ: كَنْتُ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَعِنْدَهَا كَعْبُ الأَحْبَارِ فَذُكِرَ إِسْرَافِيلُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا كَعْبُ أَخْبِرْنِي عَنْ إِسْرَافِيلَ؟ فَقَالَ كَعْب: عِنْدَكُمْ الْعِلْمُ قالَتْ: أَجَلٌ (¬5) قالَتْ: فَأَخْبِرْنِي، قالَ: لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ جَنَاحَانِ في الْهَواءِ وَجَنَاحٌ قَدْ تَسَرْبَلَ بِهِ (¬6)، وَجَنَاحٌ عَلى كَاهِلِهِ (¬7)، والْقَلَمُ عَلى أُذُنِهِ، فإِذَا نَزَلَ (¬8) الْوَحْيُ كَتَبَ الْقَلَمُ، ثُمَّ دَرَسَتِ الْمَلائِكَةُ، وَمَلَكُ الصُّورِ جَاثٍ (¬9) عَلَى إِحْدَىرُكْبَتَيْهِ وَقَدْ نَصَبَ (¬10) الأُخْرَى فالْتَقَمَ الصُّورَ يُحْنِي ظَهْرَهُ (¬11)، وَقَدْ أُمِرَ إِذَا رَأَى إِسْرَافِيلُ قَدْ ضَمَّ جَنَاحَهُ أَنْ يَنْفُخَ في الصُّورِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. ¬

= وقال تعالى: [ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (48) ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون (49) فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون (50) ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون (51) قالوا يا ويلنا، من بعثنا من مرقدنا، هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون (52)] من سورة يس. أهـ ص 437 جـ 4. وفي كتب التوحيد: الصور قرن من نور كهيئة البوق الذي يزمر به، لكنه عظيم كعرض السماء والأرض ثم يدعو الله الأرواح ويلقيها في الصور، ويأمر إسرافيل بالنفخ فتخرج الأرواح مثل النحل فتمشي في الأجساد ممشى السم في اللديغ وهذا هو المسمى النشر: أي إحياء الموتى أهـ ص 158 من النهج السعيد في علم التوحيد. (¬1) أهنا وأحظى بالنعم الجزيلة. (¬2) مال إلى انتظار الإذن. (¬3) ثقل كذا د وع ص 426 - 2 وفي ن ط فكان ذلك ثقلاً. (¬4) كافينا وواقينا أي الذي يكفينا الله ونعم الوكيل ونعم الموكول إليه هو. (¬5) نعم. (¬6) جعله كالجلباب. (¬7) عنقه. (¬8) فإذا نزل كذا ط وع، وفي ن د فإذا أنزل الرحمن. (¬9) جالس. (¬10) أقام. (¬11) يحني ظهره كذا ط وع، وفي ن د محني ظهره.

4 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: تَطْلُعُ عَلَيْكُمْ قَبْلَ السَّاعَةِ سَحَابَةٌ سَوْدَاءُ مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ مِثْلُ التُّرْسِ فَلاَ تَزَالُ تَرْتَفِعُ في السَّمَاءِ وَتَنْتَشِرُ حَتَّى تَمْلأَ السَّمَاءَ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَى أَمْرُ اللهِ (¬1) فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ، قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَيْنِ يَنْشُرَانِ الثَّوْبَ فَلاَ يَطْوِيَانِهِ (¬2)، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَمْدُرُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِي مِنْهُ شَيْئًا أَبَدًا، وَالرَّجُلُ يَحْلُبُ نَاقَتَهُ فَلا يَشْرَبُهُ أَبدًا. رواه الطبراني بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون. [مدر الحوض] أي طيّنه لئلا يتشرب منه الماء. 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَتَقُومُ السَّاعَةُ وَثَوْبُهُمَا بَيْنَهُمَا لاَ يُبَايِعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومُ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ بِلَبَنِ لَفْحَتِهِ لاَ يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومُ السَّاعَةُ يَلُوطُ حَوْضَهُ لاَ يَسْقِيهِ، وَلَتَقُومُ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ لُقْمَتَهُ إِلى فِيهِ لاَ يَطْعَمُهَا. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه. [لاطه] بالطاء المهملة بمعنى مدره. 6 - وَعَنْ أَبِي مَرِيَةَ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، أَوْ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: النَّافِخَانِ في السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ رَأْسُ أَحَدِهِمَا بِالْمَشْرِقِ وَرِجْلاَهُ بالْمَغْرِبِ، أَوْ قالَ: رَأْسُ أَحَدِهِمَا بِالْمَغْرِبِ وَرِجْلاهُ بالْمَشْرِقِ يَنْتَظِرَانِ مَتَى يُؤْمَرَانِ أَنْ يَنْفُخَا في الصُّورِ فَيَنْفُخَانِ. رواه أحمد بإسناد جيد هكذا على الشك في إرساله أو اتصاله. ¬

_ (¬1) أي يأتي: أي بمنزلة الآتي الواقع، وإن كان منتظرا لقرب وقوعه، قال تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)} من سورة النحل. قال النسفي: کانوا يستعجلون ما وعدوا من قيام الساعة ونزول العذاب بهم بدر استهزاء وتکذيبا بالوعد فقيل لهم: أتى أمر الله اهـ. (¬2) أي ينشر الثوب فتقوم الساعة فلا يطوى، والمعني: ينتظر أن تأتي بغتة: فجأة فلا يمكن لساقي الزرع إتمام سقي زرعه أو حالب الناقة أن يأخذ مما حلبه، وهكذا من الأشياء التي يفعلها الإنسان وربما لا يتمها لقيام الساعة حتى اللقمة لا يطعمها، ففيه الترغيب في سرعة التوبة والنهوض بالعمل الصالح خشية قيام الساعة، فجد الجد واقترب الأمر وقضي الحق.

7 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ قِيلَ: أَرْبَعُونَ يَوْماً؟ قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَبَيْتُ، قالَ (¬1): أَرْبَعُونَ شَهْرَاً؟ قالَ: أَبَيْتُ. قالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قالَ: أَبَيْتُ. ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءٌ فَيَنْبُتُونَ كما يَنْبُتُ الْبَقْلُ (¬2)، وَلَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلاَّ يَبْلَى (¬3) إِلاَّ عَظْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ عَجْبُ الذنَبِ، مِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه البخاري ومسلم. 8 - ولمسلم قال: إِنَّ في الإِنْسَانِ عَظْمَاً لاَ تَأْكُلُهُ الأَرْضُ أَبَداً، فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قالُوا: أَيُّ عَظْمٍ هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: عَجْبُ الذَّنَبِ. ورواه مالك وأبو داود والنسائي باختصار، قال: كُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ الأَرْضُ إِلاَّ عَجْبَ الذَّنَبِ، مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ. [عجب الذنب] بفتح العين وإسكان الجيم بعدها باء أو ميم، وهو العظم الحديد الذي يكون في أسفل الصلب، وأصل الذنب من ذوات الأربع. 9 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَأْكُلُ التُّرَابُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الإِنْسَانِ إِلاَّ عَجْبَ ذَنَبِهِ، قِيلَ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْهُ تُنْشَؤُونَ (¬4). رواه أحمد وابن حبان في صحيحه من طريق دراج عن أبي الهيثم. 10 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: الْمَيِّتُ يُبْعَثُ (¬5) في ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا. رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه، وفي إسناده يحيى بن أيوب وهو الغافقي المصري احتج به البخاري ومسلم وغيرهما، وله مناكير، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال أحمد سيء الحفظ، وقال ¬

(¬1) قال كذا د وع ص 427 - 2 وفي ن ط قالوا. (¬2) النبات. (¬3) يفنى. (¬4) يحصل الإيجاد. (¬5) يحيا، والبعث: إحياء الأبدان من القبور، والحشر: سوق الناس إلى المحشر، وهو الموقف الذي يقفون فيه من أرض القدس المبدلة التي لم يعص الله عليها لفصل القضاء بينهم.

فصل في الحشر وغيره

النسائي: ليس بالقويِّ، وقد قال كل من وقفت على كلامه من أهل اللغة: إن المراد بقوله: يُبْعَثُ في ثِيَابِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا، أي في أعماله قال الهروي: وهذا كحديثه الآخر يُبْعَثُ الْعَبْدُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ، قال: وليس قول من ذهب إلى الأكفان بشيء، لأن الميت إنما يكفن بعد الموت، انتهى. [قال الحافظ]: وفعل أبي سعيد راوي الحديث يدل على إجرائه على ظاهره، وان الميت يبعث في ثيابه التي قبض فيها، وفي الصحاح وغيرها أن الناس يبعثون عراة كما سيأتي في الفصل بعده إن شاء الله، فالله سبحانه أعلم. فصل في الحشر وغيره 11 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: إِنَّكُمْ مُلاقُو الله حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً. زاد في رواية: مُشَاةً. إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا 12 - وفي رواية قال: قامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بِمَوْعِظَةٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلى اللهِ حُفَاةً (¬1) عُرَاةً (¬2) غُرْلاً (¬3) [كما بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ (¬4) وَعْداً (¬5) عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (¬6)]. أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلائِقِ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، أَلاَ وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي، فَيَقُولُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ؟ فَأَقُولُ كما قالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: وَكُنْتُ ¬

(¬1) أقدامهم عارية بلا نعال. (¬2) أجسامهم ظاهرة. (¬3) جمع الأغرل، وهو الأقلف، والغرلة: القلفة أهـ نهاية. (¬4) أي مثل الذي بدأناه نعيده، وبدء الخلق إيجاده، أي فكما أوجده أولاً يعيده ثانياً، تشبيهاً للإعادة بالإبداء. (¬5) وعداً كائناً علينا لا محالة. (¬6) أي محققين هذا الوعد فاستعدوا له وقدموا صالح الأعمال للخلاص من هذه الأهوال.

عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ (¬1) إِلى قَوْلِهِ: الْعَزِيزُ الْحكِيمُ. قالَ: فَيَقُالُ لِي: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ (¬2) عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ. زاد في رواية: فأَقُولُ: سُحقاً سُحْقاً (¬3). رواه البخاري ومسلم، ورواه الترمذي والنسائي بنحوه [الغُرْل] بضم الغين المعجمة وإسكان الراء: جمع أغرل، وهو الأقلف. 13 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يقُولُ: يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً. قالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعاً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ؟ قالَ: الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذلِكَ. وفي رواية: مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ. رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة. يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غرلا 14 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةً، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاسَوْأَتَاهُ ينْظُرُ بَعْضُنا إلى بَعْضٍ فَقَالَ: شُغِلَ النَّاسُ، قُلْتُ: مَا شَغَلَهُمْ؟ قالَ: نَشْرُ الصَّحَائِفِ فِيهَا مَثَاقِلُ الذَّرِّ (¬4)، وَمَثَاقِيل الْخَرْدَلِ. رواه الطبراني في الأوسط بإسناد صحيح. 15 - وَعَنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يُبْعَثُ النَّاسُ حُفَاةً عرَاةً غُرْلاً قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَبَلَغَ شُحُومَ الآذَانِ، فَقُلْتُ: ¬

(¬1) مدة وجودي فيهم [فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد (117) إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم (118)] من سورة المائدة. (¬2) راجعين عن طريق الصواب. وفي الغريب: الارتداد والردة الرجوع في الطريق الذي جاء منه لكن الردة تختص بالكفر، والارتداد يستعمل فيه وفي غيره، قال تعالى: [ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله] من سورة الأنعام. وقوله تعالى: [إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم (25)] من سورة محمد. وقوله تعالى: [ولا ترتدوا على أدباركم] أي إذا تحققتم أمراً وعرفتم خيراً فلا ترجعوا عنه أهـ. (¬3) بعداً بعداً، ومنه مكان سحيق: أي بعيد أهـ نهاية. يرى صلى الله عليه وسلم رجالاً كانوا أصدقاء له في الدنيا، ولكن عقيدتهم كانت زائغة وغيروا طريقتهم المثلى بعد وفة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فيرأف بهم وقت تعذيبهم فيقال له إنهم غيروا وبدلوا وحادوا وزاغوا فيتبرأ منهم صلى الله عليه وسلم ويطلب البعد البعد. (¬4) قدر رأس النمل وقدر وزن حبة الخردل.

يُبْصِرُ بَعْضُنَا بَعْضاً؟ فَقَالَ: شُغِلَ النَّاسُ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (¬1) رواه الطبراني ورواته ثقات. 16 - وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يُحشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ يَرَى بَعْضُنَا بَعْضاً؟ فَقَالَ: إِنَّ الأَبْصَارَ شَاخِصَةٌ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلى السَّمَاءِ (¬2)، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتِي، قالَ: اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتَهَا. رواه الطبراني، وفيه سعيد بن المرزُبان وقد وُثق. يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء 17 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ لَيْسَ فِيْهَا عَلَمٌ لأَحَدٍ. وفي رواية قال سهل أو غيره: لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لأَحَدٍ. رواه البخاري ومسلم. [العفراء] هي البيضاء ليس بياضها بالناصع. [والنقيّ]: هو الخبز الأبيض. [والمعلم] بفتح الميم: ما يجعل علماً وعلامة للطريق والحدود، وقيل: المعلم: الأثر، ومعناه أنها لم توطأ قبل فيكون فيها اثر أو علامة لأحد. 18 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قالَ اللهُ تَعَالَى: [الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ (¬3) إِلى جَهَنَّمَ] أَيُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ؟ قالَ ¬

(¬1) الكل يشتغل بنفسه طالباً النجاة كما قال تعالى: [فإذا جاءت الصاخة (33) يوم يفر المرء من أخيه (34) وأمه وأبيه (35) وصاحبته وبنيه (36) لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه (37) وجوه يومئذ مسفرة (38) ضاحكة مستبشرة (39) ووجوه يومئذ عليها غبرة (40) ترهقها قترة (41) أولئك هم الكفرة الفجرة (42)] من سورة عبس. الصاخة: النفخة، يشتغل المرء بشأنه وعلمه بأنهم لا ينفعونه أو للحذر من مطالبتهم بما قصر في حقهم (يغنيه) يكفيه في الاهتمام به (مسفرة) مضيئة لما ترى من النعيم (غبرة) غبارة وكدورة (قترة) يغشاها سواد وظلمة. أولئك الذين جمعوا إلى الكفر الفجور والفسوق أهـ. (¬2) يدعو صلى الله عليه وسلم أن يخفف عذابه وينجي الصالحين. (¬3) أي مقلوببين أو مسحوبين عليها أو متعلقة قلوبهم بالسفليات متوجهة وجوههم إليها [أولئك شر مكاناً وأضل سبيلا] والمفضل عليه هو الرسول صلى الله عليه وسلم على طريقة قوله تعالى: [قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه] كأنه قيل إن حاملهم على هذه الأسئلة تحقير مكانه وتضليل سبيله ولا يعلمون حالهم ليعلموا أنهم شر مكاناً وأضل سبيلاً. وقيل إنه متصل بقوله: [أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا] ووصف السبيل بالضلال من الإسناد المجازي للمبالغة أهـ بيضاوي.

رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسلم: أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ في الدُّنْيَا قادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ؟ قالَ قَتَادَةٌ حِينَ بَلَغَهُ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا (¬1). رواه البخاري ومسلم. 19 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاثَةَ أَصْنَافٍ (¬2). صِنْفَاً مُشَاةً، وَصِنْفاً رُكْباناً، وَصِنْفاً عَلى وُجُوهِهِمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ قالَ: إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ قادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَمَا يَتَّقُونَ بَوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ وَشَوْكٍ، رواه الترمذي وقال: حديث حسن. إنكم تحشرون رجالاً وركباناً وتجرون على وجوهكم 20 - وَعَنْ بَهَزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ علهي وسلم: يَقُولُ: إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ رِجَالاً (¬3) وَرُكْبَاناً. وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن. 21 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ حَدَّثّنِي أَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ ثَلاثَةَ أَفْوَاجٍ (¬4) فَوْجاً رَاكِبِينَ (¬5) طَاعِمِينَ كَاسِينَ، وَفَوْجَاً تَسْحَبُهُمُ الْملائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ، وَفَوْجاً يَمْشُونَ وَيَسْعَوْنَ. الحديث رواه النسائي. 22 - وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يَبْعَثُ ¬

(¬1) نعم قادر، وجلاله وعظمته. (¬2) يحيي الله الخلائق ويسوقهم إلى المحشر على ثلاثة أصناف: أ - يمشون على أرجلهم. ب - يركبون مراكب وطيئة سهلة ذلولا. جـ - يسحبون على وجوههم منكسين كما قال تعالى: [إن المجرمين في ضلال وسعر (47) يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر (48) إنا كل شيء خلقناه بقدر (49) وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر (50) ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر (51) وكل شيء فعلوه في الزبر (52) ولك صغير وكبير مستطر (53) إن المتقين في جنات ونهر (54) في مقعد صدق عند مليك مقتدر (55)] من سورة القمر. (في ضلال) عن الحق في الدنيا ونيران في الآخرة (يسحبون) أي يجرون فيها كما قال النسفي ويقال لهم ذوقوا حر النار (مدكر) متعظ (في الزبر) في دواوين الحفظة (مستطر) مسطور في اللوح (في مقعد) في مكان مرضي (عند مليك) عندية منزلة وكرامة، لا مسافة ومماسة (مقتدر) قادر. قال البيضاوي مقربين عند من تعالى أمره في الملك والاقتدار بحيث أبهمه ذوو الإفهام. (¬3) مشاة. (¬4) جماعات. (¬5) ممتطين منعمين بأصناف الطعام والشراب والفواكه ويلبسون أفخر الملابس جزاء أعمالهم الصالحة في حياتهم

اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاساً في صُوَرِ الذَّرِّ (¬1) يَطَؤُهُمْ النَّاسُ بِأَقْدَامِهِمْ، فَيُقَالُ: مَا هؤُلاءِ في صُوَرِ الذَّرِّ؟ فَيُقَالُ: هؤُلاءِ الْمُتَكَبِّرُونَ فِي الدُّنْيَا. رواه البزار. 23 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ يُسَاقُونَ إِلى سِجْنٍ في جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ: بُؤْلَسُ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةِ الْخَبَالِ (¬2). رواه النسائي والترمذي، وقال: حديث حسن، وتقدم مع غريبه في الكبير. يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق 24 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ علهي وسلم: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلاثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ وَرَاهِبِينَ، واثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا. رواه البخاري ومسلم. [الطرائق] جمع طريقة: وهي الحالة. 25 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ في الأَرْضِ عَرَقُهُمْ سَبْعِينَ ذِرَاعاً، وَإِنَّهُ يُلْجِمُهُمْ (¬3) حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ. رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) الذين تكبروا في الدنيا يصغرهم الله مثل رؤوس النمل في المحشر، ويذلهم استحقاراً ويكونون تحت نعال الماشين امتهاناً. (¬2) طينة الخبال كذا ط وع ص 429 - 2 وفي ن د: طينته الخبال، أي يعذب الله أهل الكبر والعظمة بقدرته ويوجد من صفاتهم الذميمة عصارة. وفي الغريب: الخبال الفساد الذي يلحق الحيوان فيورثه اضطراباً كالجنون المؤثر في العقل والفكر، قال الله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا] من سورة آل عمران. وقال عز وجل: [ما زادوكم إلا خبالا] قال زهير: ... * هنالك أن يستخبلوا المال يخبلوا * أي إن طلب منهم إفساد شيء من إبلهم أفسدوه أهـ ص 141. وقال البيضاوي: أي لا يقصرون لكم في الفساد. (¬3) يغمرهم العرق مثل الماء حتى يصل إلى آذانهم فلا يقدرون على النطق.

26 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين) قالَ: يَقُومُ أَحَدُهُمْ في رَشْحِهِ إِلى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ. رواه البخاري ومسلم واللفظ له، ورواه الترمذي مرفوعاً وموقوفاً، وصحح المرفوع. ما جاء في دنو الشمس من رؤوس الخلق يوم القيامة 27 - وَعَنِ الْمِقْدَادِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: تُدْنَى (¬1) الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ. قالَ سَلِيمُ بْنُ عَامِرٍ: واللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ مَسَافَةَ الأَرْضِ، أَوِ الْمِيلَ الَّتِي تُكْحَلُ بِهِ الْعَيْنُ، قالَ: فَتَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ في الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى حَقْوَيْهِ (¬2)، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَاماً، وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بِيَدِهِ إِلى فِيهِ. رواه مسلم. 28 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: تَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الأَرْضِ فَيَعْرَقُ النَّاسُ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَبْلُغُ عَرَقُهُ عَقِبيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلى الْعَجُزِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ الْخَاصِرَة، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ مَنْكِبَيْهِ،، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ عُنُقَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ وَسَطَهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ أَلْجَمَهَا فَاهُ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يُشِيرُ هكَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُغَطِّيْهِ عَرَقُهُ: وَضَرَبَ بِيَدِهِ وَأَشَارَ وَأَمَرَّ يَدَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصِيبَ الرَّأْسَ دَوْرُ رَاحَتَيْهِ يَمِيناً وَشِمَالاً. رواه أحمد والطبراني وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإِسناد. 29 - وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَطَّارِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لا أَعلمه إلا رفعه قالَ: لَمْ يَلْقَ ابْنُ آدَمَ شَيْئاً مُنْذُ خَلَقَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ، ثُمَّ إِنَّ الْمَوتَ أَهْوَنُ ¬

(¬1) تقرب، ويكون العرق على حسب الخطايا في الدنيا: أ - طائفة عرقها على قدر رجليها. ب - ركبتيها. جـ - فخذيها. د - فغطى أجسامهم كلها وهكذا. (¬2) في المصباح الحقو: موضع شد الإزار وهو الخاصرة، ثم توسعوا حتى سموا الإزار الذي يشد على العورة حقواً والجمع أحق وحقق مثل فلس وأفلس وفلوس، وقد يجمع على حقاء مثل سهم وسهام أهـ.

مِمَّا بَعْدَهُ، وَإِنَّهُمْ لَيَلْقَوْنَ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ شِدَّةً حَتَّى يُلْجِمَهُمُ الْعَرَقُ (¬1) حَتَّى إِنَّ السُّفُنَ لَوْ أُجْرِيَتْ فِيهِ لَجَرَتْ. رواه أحمد مرفوعاً باختصار والطبراني في الأوسط على الشك هكذا واللفظ له وإِسنادهما جيد. الأرض كلها نار يوم القيامة 30 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: الأَرْضُ كُلُّهَا نَارٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْجَنَّةُ مِنْ وَرَائِهَا كَوَاعِبُهَا وَأَكْوَابُهَا، والَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللهِ بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لِيَفِيضُ عَرَقَاً حَتَّى يَسِيحَ في الأَرْضِ قامَتَهُ (¬2)، ثُمَّ يَرْتَفِعُ حَتَّى يَبْلُغَ أَنْفَهُ، وَمَا مَسَّهُ الْحِسَابُ. قالُوا: مِمَّ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ؟ قالَ: مِمَّا يَرَى النَّاسَ (¬3) يَلْقَوْنَ، رواه الطبراني موقوفاً بإسناد جيد قويّ. 31 - وَعَنْ عَبْد اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُلْجِمُهُ الْعَرَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَرِحْنِي (¬4) وَلَوْ إِلى النَّارِ. رواه الطبراني في الكبير بإِسناد جيد، وأبو يعلى، ومن طريقه ابن حبان إلا أنهما قالا: إِنَّ الْكَافِرَ. ورواه البزار والحاكم من حديث الفضل بن عيسى وهو واهٍ عن المنكدر عن جابر، ولفظه: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الْعَرَقَ لَيَلْزَمُ الْمَرْءَ في الْمَوْقِفِ حَتَّى يَقُولَ: يَا رَبِّ إِرْسَالُكَ بِي إِلى النَّارِ أَهْوَنُ عَلَيِّ مِمَّا أَجِدُ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا فِيهَا مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ. وقال الحاكم: صحيح الإِسناد. 32 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) مِقْدَارَ نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَيَهُونُ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ إِلى أَنْ تَغْرُبَ، رواه أبو يعلى بإِسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه. 33 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: ¬

(¬1) يسيل العرق ويجري مثل البحار. (¬2) مثل طوله. (¬3) مما يرى الناس يلقون، كذا ع ص 431 أي مما يراه الناس وينظرون شدته ويقاسون آلامه. وفي ن ط: مما يرى الناس ويلقون. (¬4) أطلب راحتي ولو أذهب إلى النار، فالنار أخف من هذا الموقف.

يَوْماً كَانَ مِقْدَارُهُ خَمسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فَقِيلَ: مَا أَطْوَلَ هذَا الْيَوْمَ! قالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ (¬1). رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه كلهم من طريق درّاج عن أبي الهيثم. 34 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: تَجْتَمِعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: أَيْنَ فُقَرَاءُ هذِهِ الأُمَّةِ وَمَسَاكِينُهَا؟ فَيَقُومُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا عَمِلْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا ابْتَلَيْتَنَا (¬2) فَصَبَرْنَا، وَوَلَّيْتَ الأَمْوَالَ وَالسُّلْطَانَ غَيْرَنَا، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقْتُمْ. قالَ: فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ، وَتَبْقَى شِدَّةُ الْحِسَابِ عَلَى ذَوِي الأَمْوَالِ وَالسُّلْطَانِ. قالُوا: فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ (¬3)؟ قال تُوضَعُ لَهُمْ كَرَاسِيُّ مِنْ نُورٍ، وَيُظَلَّلُ عَلَيْهِمْ الْغَمَامُ يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَقْصَرَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه. [قال الحافظ]: وقد صح أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، وتقدم ذلك في الفقر. يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم 35 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يَجْمَعُ اللهُ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ لِميقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (¬4) قِيَامَاً أَرْبَعِينَ سَنَةً شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ. قالَ: وَيَنْزِلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ مِنَ الْعَرشِ إِلى ¬

(¬1) معناه الرجل الصالح يمر عليه الموقف مثل أداء الفريضة لا يتجاوز دقائق. (¬2) اختبرتنا بالمحن وأرسلت الأمراض لنا فلم نجزع وشكرنا وحمدنا. (¬3) في أي مكان يوجد المؤمنون في هذا الوقت؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم بإقامة سرادق احتفالاً وابتهاجاً وتصف الكراسي متلألئة وضاءة وتشرق عليهم السعادة، ويحجب السحاب عنهم وهج الشمس وحرارتها، وتقصر مدة الحساب كساعة محدودة، لماذا؟ لأن حياتهم شغلوها في طاعته سبحانه وتعالى، وكان القرآن إمامهم ومصباحهم المضيء المشرق والسنة نبراسهم فيعملون صالحاً كما قال تعالى: [الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب (28) الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب (29)] من سورة الرعد. وكما قال تعالى: [ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً للمتقين (48) الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون (49) وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون (50)] من سورة الأنبياء. (¬4) لوقت مقدر محدود.

أهوال يوم القيامة الْكُرْسِيِّ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَيُّهَا النَّاسُ: أَلَمْ تَرْضَوْا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ، وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً أَن يُوَلِّي كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ في الدُّنْيَا، أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلاً مِنْ رَبِّكُمْ؟ قالُوا: بَلَى، فَيَنْطَلِقُ كُلُّ قَوْمٍ إِلى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَيَتَوَلَّوْنَ فِي الدُّنْيَا، قالَ: فَيَنْطَلِقُونَ وَيُمَثَّلُ لَهُمْ أَشْبَاهُ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يُنْطَلِقُ إِلى الشَّمْسِ (¬1)، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلى الْقَمَرِ وَالأَوْثَانِ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَأَشْبَاهِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ. قالَ: وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عِيسَى شَيْطَانُ عِيسَى وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عُزَيْراً شَيْطَانُ عُزَيْرٍ، وَيَبْقَى مُحَمَّدٌ صلى اللهُ عليه وسلم وأُمَّتُهُ قالَ: فَيَتَمَثَّلُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَأْتِيهِمْ فَيَقُولُ: مَا لَكُمْ لا تَنْطَلِقُونَ كما انْطَلَقَ النَّاسُ؟ قالَ: فَيَقُولُونَ: إِنَّ لَنَا إلهاً ما رأَيْنَاهُ: فيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَهُ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ؟ فَيَقُولُونَ: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ علامَةً إِذَا رَأَيْنَاهَا عَرَفْنَاهَا. قالَ: فَيَقُولُ: مَا هِيَ؟ فَيَقُولُونَ: يَكْشِفُ عَنْ ساقِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَخِرُّ كُلُّ مَنْ كَانَ مُشْرِكَاً يُرَائِي لِظَهْرِهِ، وَيَبْقَى قَوْمٌ ظُهُورُهُمْ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ (¬2) يُرِيدُونَ السُّجُودَ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ (¬3)، وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ، فَيَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ فَيُعْطِيهِمْ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ (¬4)؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ يَسْعَى بَيْنَ ¬

(¬1) يذهب إليها لأنهم كانوا يعبدونها من دون الله. (¬2) كقرونها .. (¬3) لا يقدرون على السجود لأنهم كانوا يتركونه في الدنيا كما قال تعالى: [يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون (42) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون (43)] من سورة القلم. (يوم يكشف) يوم يشتد اللأمر ويصعب الخطب (ويدعون) توبيخاً على تركهم السجود إن كان اليوم يوم القيامة أو يدعون إلى أداء الصلوات لأوقاتها إن كان وقت النزع فلا يستطيعون لذهاب وقته أو زوال القدرة عليه (ترهقهم) تلحقهم ذلة، وقد كانوا يدعون إلى السجود في الدنيا أو زمان الصحة (وهم سالمون) متمكنون منه مزاحوا العلل فيه أهـ بيضاوي. (¬4) الصالحة في الدنيا، تكون الأنوار: أ - طائفة مثل الجبل. ب - طائفة أقل منه. جـ - طائفة نورها مثل النخلة، وهكذا، ويكون مرورهم أيضاً على حسب أعمالهم: أ - يمر بسرعة مثل تحريك رمش العين. =

أَيْدِيهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى مِثْلَ الْنَّخْلَةِ بِيَدِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ رَجُلاً يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهامِ قَدَمِهِ يُضِيءُ مَرَّةً وَيُطْفَأُ مِرَّةً، فَإِذَا أَضَاءَ قَدَمُهُ قَدِمَ، وَإِذَا أُطْفِئَ قامَ. قالَ: والرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَامَهُمْ حَتَّى يَمُرَّ بِهِمْ إِلى النَّارِ فَيَبْقَى أَثَرُهُ كَحَدِّ السَّيْفِ. قالَ: فَيَقُولُ: مُرُّوا فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ نُورِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كانْقِضَاضِ الْكَواكِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الْفَرَسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرِّجْلِ حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي يُعْطَى نُورَهُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ يَحْبُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، تُجَرُّ يَدٌ، وَتُقَلَّقُ يَدٌ، وَتُجَرُّ رِجْلٌ وَتُعَلَّقُ رِجْلٌ، وَتُصِيبَ جَوَانِبَهُ النَّارُ، فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَخْلُصَ، فَإِذَا خَلَصَ وَقَفَ عَلَيْهَا فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَعْطَانِي مَا لَمْ يُعْطِ أَحَداً إِذْ أَنْجَانِي مِنْهَا بَعْدَ إِذْ رَأَيْتُهَا. قالَ: فَيُنْطَلقُ بِهِ إِلى غَدِيرٍ (¬1) عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُ فَيَعُودُ إِلَيْهِ رِيحُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَلْوَانُهُمْ فَيَرَى مَا في الْجَنَّةِ مِنْ خَلَلِ (¬2) الْبَابِ فَيَقُولُ: رَبِّ: أَدْخلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللهُ: أَتَسْأَلُ الْجَنَّةَ وَقَدْ نَجَّيْتُكَ مِنَ النَّارِ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ اجْعَلْ بَينِي وَبَيْنَهَا حِجَاباً حَتَّى لا أَسْمَعَ حَسِيسَهَا (¬3) قال: فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَيَرى أَوْ يُرْفَعُ لَهُ مَنْزِلٌ أَمَامَ ذَلِكَ كَأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ حلْمٌ فَيَقُولُ: رَبِّ أَعْطِنِي ذَلِكَ الْمَنْزِلَ، فَيَقُولُ لَعَلَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهُ تَسْأَلُ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُ غَيْرَهُ، وَأَيُّ مَنْزِلٍ أَحْسَنُ مِنْهُ فَيُعْطَاهُ فَيَنْزِلُهُ، وَيَرَى أَمَامَ ذَلِكَ مَنْزِلاً كَأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ حلْمٌ قالَ: رَبِّ أَعْطِنِي ذلِكَ الْمَنْزِلَ فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَهُ تَسْأَلُ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ، وَأَيَّ مَنْزِلٍ أَحْسَنُ مِنْهُ فيُعْطَاهُ فَيَنْزِلُهُ ثُمَّ يَسْكُتُ، فَيَقُولُ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: مَالَكَ لاَ تَسْأَلُ (¬4)؟ فَيَقُولُ: رَبِّ ¬

= ب - يمر كالبرق اللامع في السماء لحظة. جـ - يمر كما يمر السحاب. د - يمر كانتهاء النجم. هـ يمر مثل هبوب النسيم، وهكذا يتفاوت العبور على قدر الأعمال قوة وضعفاً. (¬1) نهر. (¬2) ثقوب. (¬3) صوتها. (¬4) أي شيء أصابك حتى امتنعت من طلب زيادة الدرجات.

قَدْ سَأَلْتُكَ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُكَ فَيَقُولُ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: أَلَمْ تَرْضَ أَنْ أُعْطِيكَ مِثْلَ الدُّنْيَا مُنذُ خَلَقْتُهَا إِلى يَوْمِ أَفْنَيْتُهَا وَعَشْرَةَ أَضْعَافِهِ؟ فَيَقُولُ: أَتَهْزَأُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ؟ قالَ: فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ ذِكْرُهُ: لاَ وَلكِنِّي عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ، فَيَقُولُ: أَلْحِقْنِي بِالنَّاسِ، فيَقُولُ: الْحَقْ بِالنَّاسِ. قالَ: فَيَنْطَلِقُ يَرْمُلُ في الْجَنَّةِ حَتَّى إِذَا دَنَا (¬1) مِنَ النَّاسِ رُفِعَ لَهُ قَصْرٌ مِنْ دُرَّةٍ فَيَخِرُّ سَاجِداً، فَيَقُولُ لَهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ مَالَكَ (¬2) فَيَقُولُ: رَأَيْتُ رَبِّي أَوْ تَرَاءَى لِي رَبِّي، فَيُقَالُ: إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ مِنْ مَنازِلِكَ، قالَ: ثُمَّ يَأْتِي رَجُلاً فَيَتَهَيَّأُ لِلسُّجُودِ فَيُقَالُ لَهُ: مَهْ (¬3) فَيَقُولُ: رَأَيْتُ أَنَّكَ مَلَكٌ مِنَ الْملائِكَةِ، فَيَقُولُ: إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ مِنْ خُزَّانِكَ وَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِكَ تَحْتَ يَدِي أَلْفُ قَهْرَمَان (¬4) عَلَى مَا أَنَّا عَلَيْهِ. قالَ: فَيَنْطَلِقُ أَمَامَهُ حَتَّى يَفْتَحَ لَهُ بَابَ الْقَصْرِ. قالَ: وَهُوَ مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ سَقَائِفُهَا (¬5) وَأَبْوَابُهُا وأغْلاقُهَا (¬6) وَمَفاتِيحُهَا مِنْهَا، يَسْتَقْبِلُهُ جُوْهَرَةٌ خَضْرَاءُ مُبَطَّنَةٌ بِحَمْراءَ فِيهَا سَبْعُونَ باباً، كُلُّ بَابٍ يُفْضِي (¬7) إِلى جَوْهَرَةٍ خَضْرَاءَ مُبَطَّنَةٍ (¬8) كُلُّ جَوْهَرَةٍ تُفْضِي إِلى جَوْهَرَةٍ عَلَى غَيْرِ لَوْنِ الأُخْرَى، فِي كُلِّ جَوْهَرَةٍ سُرُرٌ وأَزْوَاجٌ وَوَصائِفُ (¬9) أَدْنَاهُنَّ حَوْرَاءُ عَيْنَاءُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ حُلَلِهَا، كَبِدُهَا مِرْآتُهُ وَكَبِدُهُ مِرْآتُهَا، إِذَا أَعْرَضَ عَنْهَا إِعْرَاضَةً ازْدَادَتْ في عَيْنِهِ سَبْعِينَ ضِعْفَاً عَمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ لَهَا: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتِ فِي عَيْنِي سَبْعِينَ ضَعْفاً، وَتَقُولُ لَهُ: وَأَنْتَ ازْدَدْتَ فِي عيْنِي سَبْعِينَ ضِعْفاً، فَيُقَالُ لَهُ: أَشْرِفْ (¬10) ¬

(¬1) قرب. (¬2) أي شيء اعتراك؟ (¬3) اكفف. (¬4) هو كالخازن والوكيل والحافظ لما تحت يده والقائم بأمور الرجل بلغة الفرس أهـ نهاية. (¬5) سقفها. (¬6) أقفالها. (¬7) يؤدي ويوصل. (¬8) لها بطانة. (¬9) جمع وصيفة: أمة أو جارية أو خادمة. (¬10) تقرب واملكه، وقد بينت في كتابي [النهج السعيد في علم التوحيد]. تحشر الزناة على صورة القردة، وعلى صورة الخنازير من يأكل السحت، وكالأعمى الجائر في الحكم، وكالأصم المعجب بعلمه، وكمن يمضغ لسانه ويسيل القيح من فمه الوعاظ غير العاملين الذين يقولون ما لا يفعلون، وكمقطوع الأيدي والأرجل الذين يؤذون الجيران، وكمن يصلب على جذع النخل السعادة بالناس إلى السلطان، وكالجيفة الذي يقبلون على الشهوات، وكمن يلبس جبة سابغة من قطران أهل الكبر والعجب والخيلاء، وهناك يشتد الخوف والهول والكرب فيتمنى الناس الانصراف، ولو إلى النار، ويتقدم سيد الأمم صلى الله عليه وسلم للشفاعة ويقول أنا لها أنا لها أمتي أمتي، ثم يخر ساجداً تجت العرش كسجود الصلاة فيقال يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه =

فصل في ذكر الحساب وغيره

فَيُشْرِفُ فَيُقَالُ لَهُ: مُلْكُكَ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ يَنْفُذُهُ بَصَرُكَ قالَ: فَقَالَ: لَهُ عُمَرُ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا يُحَدِّثُنَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ يَا كَعْبُ عَنْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً فَكَيْفَ أَعْلاهُمْ؟ قالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، فذكر الْحَديث. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني من طرق أحدها صحيح واللفظ له والحاكم وقال: صحيح الإِسناد. فصل في ذكر الحساب وغيره 36 - عَنْ أَبِي بُرْدَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: ¬

_ = واشفع تشفع. صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله. هأنذا أخلص لله النية والعمل ما استطعت فكن لي شفيعاً فالآن يرجف فؤادي وأدخر محبتك رجاء لهذا الوقت. وفي الغريب: الشفاعة الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه، قال تعالى: أ -[لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً (87)] من سورة مريم. ب -[لا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له الرحمن] من سورة طه. جـ -[لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا (38) ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا (39)] من سورة عم. هـ - وكما قال تعالى: [الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم (56) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين (57) والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً وإن الله لهو خير الرازقين (58) ليدخلنهم مدخلاً يرضونه وإن الله لعليم حليم (59)] من سورة الحج. أرأيت أبدع من هذا؟ قتلوا في الجهاد في سبيل الله تعالى أو عملوا صالحاً ومات الإنسان المخلص حتف أنفه، قال البيضاوي: سوى في الوعد لاستوائهما في القصد وأصل العمل. روي "أن بعض الصحابة رضي الله عنهم قالوا يا نبي الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله تعالى من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا؟ فنزلت" أهـ. و- وقال تعالى: [يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار (48) وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد (49) سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار (50) ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب (51)] من سورة إبراهيم. (وبرزوا) أي أحياهم الله من أجدائهم (لله) لمحاسبته ومجازاته (مقرنين) قرن بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم في العقائد والأعمال (سرابيلهم) قمصانهم من مادة ما يتحلب من الأبهل فيطبخ فيهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحدته وهو أسود منتن تشتعل فيه النار بسرعة تطلى به جلود أهل النار حتى يكون طلاؤه لهم كالقمص ليجتمع عليهم لذع القطران ووحشة لونه ونتن ريحه مع إسراع النار في جلودهم، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين، ويحتمل أن يكون تمثيلاً لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الرديئة والهيئات الوحشية فيجلب إليها أنواعاً من الغموم والآلام (وتغشى وجوههم النار) وتتغشاها لأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا =

لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ (¬1) فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاهُ؟ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. 37 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ (¬2) فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذا عَمِلَ فِيهِ. رواه البزار والطبراني بإِسناد صحيح واللفظ له. 38 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ، فَقُلْتُ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ: [فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً (¬3) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ (¬4) مَسْرُوراً] (¬5) فَقَالَ: إِنَّما ذَلِك الْعَرْضُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ هَلَكَ. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. ¬

= في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت فيها لأجله كما تطلع على أفئدتهم لأنها فارغة عن المعرفة مملوؤة بالجهالات، ونظيره قوله تعالى [أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة] وقوله تعالى [يوم يسحبون في النار على وجوههم]. (¬1) يسأله الله تعالى عن هذا الزمن في أي شيء صرفه؟ وأي شيء استفاد بعلمه فعمل؟ من أي مكان جمع ماله؟ وفي أي شيء أنفقه؟ وفي أي الأعمال أفنى جسمه؟ أربعة أشياء يحاسب عليها العبد: أ - العمر، ب - العلم. جـ - المال. د - الجسم. لا بد أن تسخر هؤلاء في وجوه البر. (¬2) قوة جمسه ونضارته وفتوته. في أي شيء أذهبه؟. (¬3) سهلاً لا يناقش فيه. (¬4) إلى عشيرته المؤمنين: أو فريق المؤمنين، أو أهله في الجنة من الحور [وأما من أوتي كتابه وراء ظهره (10) فسوف يدعو ثبورا (11) ويصلى سعيرا (12) إنه كان في أهله مسرورا (13) إنه ظن أن لن يحور (14) بلى إن ربه كان به بصيرا (15)] من سورة الإنشقاق. يتمنى الثبور ويقول يا ثبوراه وهو الهلاك: تغل يمناه ويؤتى كتابه بشماله في أهله في الدنيا بطراً بالمال والجاه فارغاً من الآخرة (لن يحور) لن يرجع إلى الله تعالى. (¬5) قبل هذه الآية [يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه] والكدح: السعي إلى لقاء جزائه، وفي سورة الحاقة [فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه (19) إني ظننت أني ملاق حسابيه (20) فهو في عيشة راضية (21) في جنة عالية (22) قطوفها دانية (23) كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية (24) وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه (25) ولم أدر ما حسابيه (26) يا ليتها كانت القاضية (27) ما أغنى عني ماليه (28) هلك عني سلطانيه (29) خذوه فغلوه (30) ثم الجحيم صلوه (31) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه (32) إنه كان لا يؤمن بالله العظيم (33) ولا يحض على طعام المسكين (34) فليس له اليوم =

39 - وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ (¬1). رواه البزار والطبراني في الكبير بإِسناد صحيح. 40 - وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً يَخِرُّ عَلَى وَجْهِهِ (¬2) مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلى يَوْمِ يَمُوتُ هَرِماً، في مَرْضَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَحَقَّرَهُ (¬3) يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه الطبراني ورواته ثقات إلا بقية. 41 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، أَحْسِبُهُ رَفَعَهُ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلى يَوْمِ يَمُوتُ هَرَماً في طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَحَقَّرَهُ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَلَوْ دَانَهُ (¬4) رُدَّ إِلى الدُّنْيَا كَيْمَا يَزْدَادَ مِنَ الأَجْرِ وَالثَّوَابِ. رواه أحمد ورواته، رواة الصحيح. 42 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يُخْرَجُ لابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاَثَةُ دَوَاوِينَ: دِيوَانٌ فِيهِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَدِيوَانٌ فِيهِ ذُنُوبُهُ، وَدِيوَانٌ فِيهِ النِّعَمُ مِنَ اللهِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لأَصْغَرِ نِعْمَةٍ، أَحْسِبُهُ قالَ: في دِيوَانِ النِّعَمِ خُذِي ثَمَنَكِ مِنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ، فَتَسْتَوعِبُ (¬5) عَمَلَهُ الصَّالِحَ، ثُمَّ تَنَحَّى (¬6) ¬

= ههنا حميم (35) ولا طعام إلا من غسلين (36) لا يأكله إلا الخاطئون (37)] من سورة الحاقة. (بما أسلفتم) بما قدمتم من الأعمال الصالحة (بشماله فيقول) لما يرى من قبح العمل وسوء العاقبة (القاضية) القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها (سلطانيه) ملكي وتسلطي على الناس، أو حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا (فاسلكوه) فأدخلوه فيها. لماذا؟ أ - لعدم إيمانه. ب - لا يحث على بذل طعام الفقير أو على إطعامه. (حميم) قريب يحميه (غسلين) غسالة أهل النار، وصديدهم (الخاطئون) أصحاب الخطايا. (¬1) أي الذي يناقشه الله على جميع أعماله وقع في الهاوية وزل، والناجي من عفا الله عنه: اللهم اعف عنا. يخبرك صلى الله عليه وسلم عن سعة فضل الله ورحمته كما في الحديث "حتى إذا قرره بذنوبه، وظن أنه هلك". (¬2) أي يسجد ويخشع ويخضع لربه مدة حياته من المهد إلى اللحد، من سن الطفولة إلى سن الشيخوخة والكبر قاضياً هذا العمر كله في طاعة الله عز وجل. (¬3) لأذله وأهانه إذا ناقشه الله على جليل نعمه، وحاسبه على فضله الذي غمره في حياته. (¬4) لتمنى أن يرجع إلى الدنيا ليزداد من الصالحات. (¬5) فأخذ ثواب أعماله كلها ولا يبقى له أجر إزاءها. (¬6) ثم تنحى، أي تنصرف وميزانها أثقل من حسناته.

وَتَقُولُ: وَعِزَّتُكَ مَا اسْتَوْفَيْتُ، وَتَبْقَى الذُّنُوبُ والنِّعَمُ، وَقَدْ ذَهَبَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَرْحَمَ عَبْداً (¬1) قالَ: يَا عَبْدِي قَدْ ضَاعَفْتُ لَكَ حَسَنَاتِكَ، وَتَجَاوَزْتُ عَنْ سَيِّئَاتِكَ، أَحْسِبُهُ قالَ: وَوَهَبْتُ لَكَ نِعَمِي. رواه البزار. 43 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْحَبَشَةِ أَتَى النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فُضِّلْتُمْ عَلَيْنَا بِالأَلْوَانِ وَالنُّبُوَّةِ، أَفَرَأَيْتَ إِنْ آمَنْتُ بِمِثْلِ مَا آمَنْتَ بِهِ، وَعَمِلْتُ بِمِثْلِ مَا عَمِلْتَ بِهِ إِنِّي لَكَائِنٌ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: نَعَمْ (¬2)، ثُمَّ قالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ قالَ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ كانَ لَهُ بِهَا عَهْدٌ (¬3) عِنْدَ اللهِ، وَمَنْ قالَ: سُبْحَانَ اللهِ (¬4) كُتِبَ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ نَهْلِكُ بَعْدَ هذَا؟ فَقَالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِعَمَلٍ لَوْ وُضِعَ عَلَى جَبَلٍ لأَثْقَلَهُ (¬5)، فَتَقُومُ النِّعْمَةُ مِنْ نِعَمِ اللهِ، فَتَكَادُ تَسْتَنْفِدُ (¬6) ذلِكَ كُلَّهُ لَوْلاَ مَا يَتَفَضَّلُ (¬7) اللهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، ثُمَّ نَزَلَتْ: [هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (¬8)؟]. إلى قوله: [وَإِذَا ¬

(¬1) يرأف به ولا يعذبه تكرماً، يزيد في ثقل حسناته، ويعفو عن خطاياه تكرماً ويسامحه تفضلاً ويغض عن نعمه التي تمتع بها ويجعلها له هبة ومنحة. (¬2) يدخل الجنة باثنين: أ - الإيمان بالله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر، والإيمان بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره. ب - العمل بالأوامر واجتناب المناهي. (¬3) ميثاق توحيده. (¬4) تنزيهاً لله عن كل صغيرة وكبيرة، ففيه الترغيب بكثرة ذكر الله. (¬5) في الثواب يزن مثقال جبل، بل يزيد عنه في الثقل. (¬6) نرجح كفة النعمة. (¬7) وينقذ الإنسان من هذا الحساب تجاوز الله وتفضله بالعفو .. (¬8) [إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا (2) إنا هديناه السبيل، إما شاكراً وإما كفورا (3) إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا (4) إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا (5) عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا (6) يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا (7) ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا (8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا (9) إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا (10) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا (11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12) متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا (13) ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا (14) ويطاف عليهم بآنية من فضة، وأكواب كانت قواريرا (15) قواريراً من فضة قدروها تقديرا (16) ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجيبيلا (17) عيناً فيها تسمى سلسبيلا (18) ويطوف عليهم =

رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً]. فَقَالَ الْحَبَشِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ تَرَى عَيْنِي في الْجَنَّةِ مِثْلَ مَا تَرَى عَيْنُكَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: نَعَمْ، فَبَكَى الْحَبَشِيُّ حَتَّى فاضَتْ نَفْسُهُ (¬1) قالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يُدْلِيهِ (¬2) في حُفْرَتِهِ. رواه الطبراني من رواية أيوب بن عتبة. 44 - وَرُوِيَ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يَبْعَثُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْداً لاَ ذَنْبَ لَهُ، فَيَقُولُ اللهُ: أَيُّ الأَمْرَيْنِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ أَجْزِيَكَ بِعَمَلِكَ، أَوْ بِنِعْمَتِي عِنْدَكَ؟ قالَ: يَا رَبِّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَعْصِكَ، قالَ خُذُوا عَبْدِي بِنِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِي، فَمَا تَبْقَى لَهُ حَسَنَةٌ إِلاَّ اسْتَغْرَقَتْهَا (¬3) تِلْكَ النِّعْمَةُ، فَيَقُولُ: رَبِّ بِنِعْمَتِكَ وَرَحْمَتِكَ فَيَقُولُ: بِنِعْمَتِي وَرَحْمَتِي. رواه الطبراني. 45 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: خَرَجَ مِنْ عِنْدِي خَلِيلِي جِبْرِيلُ آنِفاً (¬4) فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَالَّذِي بَعَثَكَ (¬5) بِالْحَقِّ، إِنَّ للهِ عَبْداً مِنْ عِبَادِهِ عَبَدَ اللهَ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ في الْبَحْرِ عَرْضُهُ وَطُولُهُ ثَلاثُونَ ¬

= ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثورا (19) وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيرا (20) عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهوراً (21) إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا (22)] من سورة الدهر. (الإنسان) آدم عليه السلام (حين) أربعون سنة مصورا قبل نفخ الروح فيه (أمشاج) امتزج فيها ماء الرجل مع ماء المرأة (نبتليه) مريدين ابتلاءه بالأمر والنهي له (السبيل) بينا له طريق الهدى بأدلة العقل والسمع (شاكرا) مؤمناً (سعيرا) ناراً موقدة (الأبرار) الصادقين في الإيمان، أو الذين لا يؤذون الذر ولا يضمرون الشر (كأس) خمر ماؤه في بياض الكافور ورائحته وبرده (عينا) وهو اسم عين في الجنة (تفجيرا) سهلاً لا يمتنع عليهم (شره مستطيرا) شدائده منتشرة (على حبه) حب الطعام مع الاشتهاء والحاجة إليه أو على حب الله (لوجه الله) لطلب ثوابه (جزاء) هدية على ذلك ولا ثناء (قمطريرا) شديد العبوس (نضرة) حسناً في الوجوه، وفرحاً في القلوب (الأرائك) الأسرة (زمهريرا) برداً شديداً أي ظلها دائم وهواؤها معتدل (قطوفها) ثمارها (مشكورا) محموداً مقبولاً مرضياً أهـ نسفي. إن شاهدنا (نبتليه) أي مريدين اختباره (فجعلناه سميعاً بصيرا) ليرى دلائل وجود الخالق سبحانه وتعالى، فيعبده بإخلاص ويتمكن من مشاهدة دلائل قدرته فيكثر من طاعته وحمده وشكره، على أنه لو أفنى طول حياته في عبادة ربه، ثم جسم ثواب العبادة ووضع في كفة ميزان ثم حاسبه الخالق جل وعلا على إحدى النعم لرجحت كفة النعمة وثقلت. (¬1) خرجت روحه. (¬2) يدخله في قبره. (¬3) أي وازنتها فأنفذتها. (¬4) أي الآن. (¬5) أرسلك.

فضل الله تعالى لا نهاية له ذِرَاعاً في ثَلاثِينَ ذِرَاعاً، والْبَحْرُ مُحِيطٌ بِهِ أَرْبَعَةُ آلافِ فَرْسَخٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ عَيْناً عَذْبَة بِعَرْضِ الأَصْبُعِ تَفِيضُ بِمَاءٍ عَذْبٍ فَيَسْتَنْقِعُ (¬1) في أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَشَجَرَةُ رُمَّانٍ تُخْرِجُ لَهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً يَتَعَبَّدُ يَوْمَهُ، فَإِذَا أَمْسَى نَزَلَ فَأَصَابَ مِنَ الْوَضُوءِ، وَأَخَذَ تِلْكَ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا؛ ثُمَّ قامَ لِصَلاتِهِ فَسَأَلَ رَبَّهُ عِنْدَ وَقْتِ الأَجَلِ أَنْ يَقْبِضَهُ سَاجِداً، وَأَنْ لاَ يَجْعَلَ للأَرْضِ وَلاَ لِشَيْءٍ يُفْسِدُهُ عَلَيْهِ سَبِيلاً حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ وَهُوَ سَاجِدٌ قالَ: فَفَعَلَ فَنَحْنُ نَمُرُّ عَلَيْهِ إِذَا هَبَطْنَا وَإِذَا عَرَجْنَا (¬2)، فَنَجِدُ لَهُ في الْعِلْمِ أَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي (¬3) فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي فَيَقُولُ اللهُ: قايِسُوا عَبْدِي بِنِعْمَتِي عَلَيْهِ وَبِعَمَلِهِ، فَتُوجَدُ نِعْمَةُ الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَةِ خَمْسِمَائَةِ سَنَةٍ، وَبَقِيَتْ نِعْمَةُ الْجَسَدِ فَضْلاً عَلَيْهِ فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي النَّارَ، فَيُجَرُّ إِلى النَّارِ فَيُنَادشي: رَبِّ بِرَحْمَتِكَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رُدُّوهُ (¬4) فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ يَا عَبْدِي مَنْ خَلَقَكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: مَنْ قَوَّاكَ لِعِبَادَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ فَيَقُولُ مَنْ أَنْزَلَكَ فِي جَبَلٍ وَسَطَ اللُّجَّةِ، وَأَخْرَجَ لَكَ الْماءَ الْعَذْبَ مِنَ الْمَاءِ الْمَالِحِ. وَأَخْرَجَ لَكَ كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً، وَإِنَّما تَخْرُجُ مَرَّةً في السَّنَةِ، وَسَأَلْتَهُ أَنْ يَقْبِضَكَ سَاجِداً فَفَعَلَ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ، قالَ: فَذَلِكَ بِرَحْمَتِي، وَبِرَحْمَتِي أُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ ¬

(¬1) فيجتمع. (¬2) صعدنا. (¬3) فهم هذا العبد أنه أفنى حياته كلها في طاعة الله سبحانه وتعالى وقد حشره الله ساجداً لها خاضعاً متضرعاً ذليلاً، ولكن عند حساب ربه على أقل نعمة من نعمه طاش ثواب ما عمل أمام هذه النعمة نعمة الإبصار، وأين نعمة جميع أجزاء الجسم؟ وهكذا قال تعالى: [وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار (34)] من سورة إبراهيم. أي لا تحضروها ولا تطيقوا عد أنواعها فضلاً عن أفرادها. فإنها غير متناهية (ظلوم) يظلم النعمة بإغفال شكرها، أو يظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان (كفار) شديد الكفران، وقيل: ظلوم في الشدة يشكو ويجزع (كفار) في النعمة يجمع ويمنع أهـ بيضاوي كفار يستر النعم. (¬4) ردوه إلى الجنة. لماذا؟ لأنه تضرع إلى ربه جل وعلا وطلب إدراك رحمته ورأفته، وهو سبحانه الغفور الرحيم الحليم الرؤوف، وقد اعترف أمامه خالقه جل وعلا أنه خلقه وأعطاه التوفيق والهداية والقوة على الطاعة وأغدق عليه بنعمه الوافرة وأنبع له الماء العذب وأتحفه بالفاكهة الرمانة كل ليلة كرامة له وتفضلاً في وجودها مع مخالفة العادة وأجاب داعاءه بأخذ روحه وهو ساجد.

أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ فَنِعْمَ الْعَبْدُ كُنْتَ يَا عَبْدِي فَأَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ. قالَ جِبْرِيلُ: إِنَّمَا الأَشْيَاءُ بِرَحْمَةِ اللهِ يَا مُحَمَّدُ. رواه الحاكم عن سليمان بن هرم عن محمد بن المنكدر عن جابر وقال: صحيح الإسناد. لن يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله 46 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: سَدِّدُوا (¬1) وَقَارِبُوا (¬2) وَأَبْشِروا (¬3)، فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ أَحَداً الْجَنَّةَ عَمَلُهُ. قالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي (¬4) اللهُ بِرَحْمَتِهِ. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. 47 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ إِلاَّ بِرَحْمَةِ اللهِ، قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِرَحْمَتِهِ، وَقَالَ بِيَدِهِ فَوْقَ رَأْسِهِ. رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه البزار والطبراني من حديث أبي موسى، والطبراني أيضاً من حديث أسامة بن شريك، والبزار أيضاً من حديث شريك بن طارق بإسناد جيد. 48 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَتُؤَدَّنَّ الْحُقوقُ إِلى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ (¬5). رواه مسلم والترمذي. وَرواه أحمد ولفظه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يُقْتَصُّ لِلْخَلْقِ بَعْضُهُمْ ¬

(¬1) اقصدوا السداد والصواب وتحروا الحق واتبعوا منهج الكتاب والسنة. (¬2) قال القسطلاني: أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملالة فتتركوا العمل فتفرطوا أهـ. يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنن الصالحين ومجالستهم ومصاحبة الأخيار، رجاء التقرب إلى الحكمة وجني ثمار الهداية إلى سبل الخير والاستضاءة بنبراس التسديد والتوفيق. (¬3) لكم التهنئة بزيادة الأجر والتفضل برحمة الله. (¬4) أي يلبسنيها ويسترني، مأخوذ من غمد السيف، وهو غلافه، يقال غمدت السيف وأغمدته أهـ نهاية: معناه أن العمل الصالح لا يدخل الجنة إلا إذا صحبه رجاء رحمة الله. (¬5) ذات القرن.

مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لِلْجَمَّاءِ (¬1) مِنَ الْقَرْنَاءِ، وَحَتَّى لِلذَّرَّةِ مِنَ الذَّرَّةِ. ورواته رواة الصحيح. [الجلحاء]: التي لا قرن لها. ليختصمن كل شيء يوم القيامة 49 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَيَخْتَصِمَنَّ كُلُّ شَيْءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى الشَّاتَانِ فِيمَا انتَطَحَتَا (¬2). رواه أحمد بإسناد حسن ورواه أحمد أيضاً وأبو يعلى من حديث أبي سعيد. 50 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم جَلَسَ بَيْنَ يَدِيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يُكَذِّبُونَنِي وَيَخُونُونَنِي وَيَعْصُونَنِي وَأَضْرِبُهُمْ وَأَشْتِمُهُمْ فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يُحْسَبُ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وَكَذَّبُوكَ وَعِقَابُكَ إِيَّاهُمْ، فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ دُونَ ذُنُوبِهِمْ (¬3) كَانَ فَضْلاً لَكَ (¬4)، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كَانَ كَفَافاً (¬5) لاَ لَكَ وَلاَ عَلَيْكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِم (¬6) اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الْفَضْلُ الَّذِي بَقِيَ قَبلَكَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَبْكِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَيَهْتِفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَالَكَ (¬7) مَا تَقْرَأُ (¬8) كِتَابَ اللهِ؟ [وَنَضعُ الْمَوَازِينَ (¬9) الْقِسَطَ (¬10) لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ (¬11) مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (¬12)]. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَجِدُ شَيْئاً خَيْراً مِنْ ¬

(¬1) التي لا قرن لها، والمعنى يظهر عدل الله ونهاية الاطمئنان فكل ينال قسطه من الحق. (¬2) على أي شيء اعتدت إحداهما على الأخرى، ومنه الحديث "لا ينتطح فيها عنزان" أي لا يلتقي فيها اثنان ضعيفان، لأن النطاح من شأن التيوس والكباش لا العنوز أهـ نهاية (¬3) أقل من إجرامهم. (¬4) زيادة لك في الثواب. (¬5) على قدر عملهم فلا ثواب ولا عقاب. (¬6) زيادة عما اقترفوه أخذ منك الحساب وتحملت ذنوباً لهذه الزيادة. (¬7) أي شيء أصابك؟ (¬8) ألم تسمع قول الله تبارك وتعالى أو لم تقرأ؟. (¬9) جمع ميزان، ما يوزن به الشيء فتعرف كميته. وعن الحسن هو ميزان له كفتان ولسان وإنما جمع الموازين لتعظيم شأنها. (¬10) العدل فلا يحصل ظلم البتة. (¬11) وإن كان الشيء مثقال حبة أحضرناها. (¬12) عالمين حافظين. عن ابن عباس رضي الله عنهما، لأن من حفظ شيئاً حسبه وعلمه أهـ نسفي.

فِرَاقِ هؤُلاءِ، يَعْنِي عَبِيدَهُ، أُشْهِدُكَ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ (¬1). رواه أحمد والترمذي وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه غلا من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وقد روى أحمد بن حنبل هذا الحديث عن عبد الرحمن بن غزوان انتهى. [قال الحافظ]: وإِسناد أحمد والترمذي متصلان ورواتهما ثقات، عبد الرحمن هذا يكنى أبا نوح ثقة احتج به البخاري، وبقية رجال أحمد ثقات احتج بهم البخاري ومسلم. 51 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في بَيْتِي، وَكَانَ بِيَدِهِ سِوَاكٌ، فَدَعَا وَصِيفَةً (¬2) لَهُ أَوْ لَهَا حَتَّى اسْتَبَانَ (¬3) الْغَضبُ في وَجْهِهِ فَخَرَجَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إِلى الْحُجُرَاتِ فَوَجَدَتِ الْوَصِيفَةَ وَهِيَ تَلْعَبُ بِبَهْمَةٍ (¬4) فَقَالَتْ: أَلاَ أَرَاكِ تَلْعَبِينَ بِهَذِهِ الْبَهْمَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَدْعُوكِ؟ فَقَالَتْ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا سَمِعْتُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَوْلاَ خَشْيَةُ الْقَوَدِ (¬5) لأَوْجَعْتُكِ بِهذَا السِّوَاكِ. وفي رواية: لَوْلاَ الْقِصَاصُ لَضَرَبْتُكِ بِهذَا السِّوَاكِ. رواه أبو يعلى بأسانيدَ أحدها جيّد. من ضرب مملوكه سوطاً ظلماً اقتصّ منه يوم القيامة 52 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَنْ ضَرَبَ مَمْلُوكَهُ (¬6) ¬

(¬1) عتقهم الله تعالى وأعطاهم الحرية ابتداء ثواب الله جل وعلا وخشية عقاب الله سبحانه. هذا الرجل يملك عبيداً فيخوفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عقاب الله ليراعي حسن المعاملة والرأفة بهم والرحمة ويرغب في العتق ويحببه في عمل البر، وفعل الخير، نسأل الله التوفيق. (¬2) جارية ملكاً له صلى الله عليه وسلم أو ملكاً للسيدة أم سلمة رضي الله عنها. (¬3) ظهر. (¬4) ولد الضأن الذكر والأنثى وجمع البهم بهام، وأولاد المعز سخال. وفي حديث الصلاة "إن بهمة مرت بين يديه وهو يصلي" أهـ نهاية. (¬5) القصاص، يقال استقدت الحاكم: سألته أن يقيدني واقتدت منه. مكارم أخلاق تحليت بها يا رسول الله، هذه جاريتك وملك يمينك، وهي تحت طوعك ورهينة إشارتك تلعب ببهمة فتحلم عليها وتتأنى وترفق بها وتكظم غيظك من تأخيرها عن إجابة طلبك وتخشى قصاص الله جل وعلا إذا ضربتها بالسواك: العود الصغير الذي لم يتجاوز طوله عن أقل من شبر، هكذا يكون الحلم والرحمة والرأفة وحسن المعاملة وكظم الغيظ والعفو والصبر وخوف الله تعالى: أ -[فهل من مدكر]. ب -[لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة]. (¬6) عبده الذي يملكه.

سَوْطاً (¬1) ظُلْمَاً اقْتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه البزار والطبراني بإسناد حسن. يحشر العباد يوم القيامة عراة غرلا بُهما 53 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: يحشُرُ اللهُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَوْ قالَ: النَّاسَ عُرَاةً غُرْلاً بُهْماً. قالَ: قُلْنَا: وَمَا بُهْمَاً؟ قالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الدَّيَّانُ، أَنَا الملِكُ، لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةَ. قالَ: قُلْنَا: كَيْفَ (¬2) وَإِنَّنَا نَأْتِي عُرَاةً غُرْلاً بِهُمَاً؟ قالَ: الْحَسَنَاتُ والسَّيِّئَاتُ. رواه أحمد بإسناد حسن. 54 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يُجيءُ الظَّالِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى إِذَا كَانَ عَلَى جسْر جَهَنَّمَ بَيْنَ الظُّلْمَةِ (¬3) وَالْوَعِرَةِ لَقِيَهُ الْمَظْلُومُ فَعَرَفَهُ وَعَرَفَ مَا ظَلَمَهُ بِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الَّذِينَ ظُلِمُوا يُقَصُّونَ (¬4) منَ الَّذِينَ ظَلَمُوا حَتَّى يَنْزِعُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَسَنَاتٌ رُدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ حَتَّى يُورَدُوا الدَّرْكَ الأَسْفَلَ مِنَ النَّارِ (¬5). رواه الطبراني في الأوسط، ورواتُه مختلف في توثيقهم. ¬

(¬1) آلة عذاب وانتقام، واحتراس جميل تقييد الضرب بالظلم. أما الضرب لأجل التأديب فهو حلال ولا بد من حسن تربيته كما قال صلى الله عليه وسلم "فأحسن إليهن" قال العلماء: أي أدبهن ورباهن على سنن العدل والشرع. قال الشاعر: فقسا ليزدجروا ومن يك حازما ... فليقس أحيانا على من يرحم (¬2) على أي حال. (¬3) شدة الظلمة السوداء صعبة المسلك. (¬4) يقصون ع 438 - 2. وفي ن ط: حتى يقصون. (¬5) أي في الطبق الذي في قعر جهنم. والنار سبع دركات؛ سميت بذلك، لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض، وإنما كان المنافق أشد عذاباً من الكافر لأنه أمن السيف في الدنيا فاستحق الدرك الأسفل في العقبى تعديلاً، ولأنه مثله في الكفر وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله أهـ نسفي. قال تعالى: [إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً (146)] من سورة النساء. (تابوا) من النفاق (وأصلحوا) ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم في حال النفاق (واعتصموا بالله) واتقوا بالله ولا يبتغون بطاعتهم إلا وجهه. يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشدة الحساب يوم القيامة وإقامة ميزان العدل ليأخذ كل ذي حق حقه بأخذ حسنات الظالم للمظلوم حتى يخلو من الحسنات فيهوي في جهنم.

المفلس يوم القيامة وتقدم في الغِيبة حديث عن أبي هريرة رضي اللهُ عَنه عن رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: الْمُفْلِسُ (¬1) مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هذَا، وَقَذَفَ هذَا، وأَكَلَ مَالَ هذَا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فَيُعْطَى هذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وهذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ. رواه مسلم وغيره. 55 - وَرُوِيَ عَنْ زَاذَانَ قالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ سَبَقَ إِلَى مَجْلِسِهِ أَصْحَابُ الْخَزِّ وَالدِّيبَاجِ، فَقُلْتُ: أَدْنَيْتَ النَّاسَ وَأَقْصَيْتَنِي؟ فَقَالَ لِي: ادْنُ فَأَدْنَانِي حَتَّى أَقْعَدَنِي عَلَى بِسَاطِهِ، ثُمَّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّهُ يَكُونُ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى وَلَدِهِمَا دَيْنٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَتَعَلَّقَانِ بِهِ، فَيَقُولُ: أَنَا وَلَدُكُمَا، فَيَوَدَّانِ (¬2) أَوْ يَتَمَّنَيانِ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ. رواه الطبراني. 56 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم جَالِسٌ إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ (¬3)، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ (¬4) يَا رَسُولَ اللهِ؟ بِأبِي أَنْتَ وَأُمِّي (¬5) قالَ: رَجُلانِ مِنْ أَمَّتِي جَثَيَا (¬6) بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلَمَتِي (¬7) مِنْ أَخِي، فَقَالَ اللهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِأَخِيكَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ؟ قالَ يَا رَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي (¬8)، وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ¬

(¬1) الذي لم يبق له شيء، من أفلس الرجل كأنه صار إلى حال ليس له فلوس. وفي المصباح: حقيقته الانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر، أي مسكين فقير من أكثر من العبادة وله حسنات جمة، ولكن حصل اعتداء منه للناس وسب وشتم وسلب ونهب وقتل فيقتص الله منه بأخذ حسنات العبادة حتى يخلو منها فيهوي في النار. لماذا؟ لأنه يؤدي الفروض أداء أعمى فلم تنفعه صلاته أو صيامه أو زكاته، ولم تثمر عبادته تقوى أو تنتج خوف الله كما قال تعالى: أ -[إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر] من سورة العنكبوت. ب -[إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه] من سورة فاطر. فاتقوا الله عباد الله واتركوا القبائح وطهروا الذمم ونقوا الصحائف من السباب والفسوق فالله تعالى رقيب وحسيب لا تخفى عليه خافية كما قال تعالى: [للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد (18)] من سورة الرعد. (¬2) يرجو الوالدان لو كان ابنهما قصر أكثر من هذا لاستفدنا وأخذنا حسنات. (¬3) نواجذه (¬4) ما الذي سبب لك الفرح والضحك والسرور يا رسول الله؟. (¬5) أفديك بهما. (¬6) جلسا على ركبتيهما. (¬7) ظلامتي. (¬8) ذنوبي.

بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَيَوْمٌ عَظِيمٌ يَحْتضاجُ النَّاسُ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ فذكر الحديث. رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد وتقدم بتمامه في العفو. العباد الذين يقرّرهم ربهم يوم القيامة على نعمه مع تقصيرهم في العمل 57 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ في رُؤْيَةِ الشَّمْسِ في الظَّهِيرَةِ (¬1) لَيْسَتْ في سَحَابَةٍ؟ قالُوا: لاَ. قالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ في رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ في سَحَابَةٍ؟ قالُوا: لاَ. قال: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تُضَارُّونَ (¬2) في رُؤيَةِ رَبِّكُمْ إِلاَّ كَمَا تُضَارُّونَ في رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، فَيَلْقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ (¬3) أَلَمْ أُكْرِمْكَ (¬4) وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ، وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لاَ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لاَ، فَيَقُولُ: إِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلُ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرَ لَكَ الْخَيْلَ والإِبِلَ وأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: أَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقِيَّ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُولُ: هَهُنَا إذاً، ثُمَّ يَقُولُ: الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَاً عَلَيْكَ، فَيَتَفَكَّرُ في نَفْسِهِ مَنْ ذَا الَّذِي يِشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقالُ لِفَخِذِهِ: انْطِقِي، فَيَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذلِكَ لِيُعْذَرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْه. رواه مسلم. [ترأس] بمثناة فوق ثم راء ساكنة ثم همزة مفتوحة: أي تصير رئيساً. ¬

(¬1) وقت الظهر. (¬2) يحصل لكم ضرر وضيم. (¬3) يا فلان. (¬4) أقدم لك الإكرام والنعم وأجعلك سيداً رئيساً مطاعاً محترماً، وأجعل لك زوجة.

[وتربع] بموحدة بعد الراء مفتوحة: معناه يأخذ ما يأخذه رئيس الجيش لنفسه، وهو ربع المغانم، ويقال له: المرباع. من كان يعبد شيئاً فليتبعه 58 - وَعَنْهُ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّاسَ قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قالَ: هَلْ تُمَارُونَ في الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ قالَ: هَلْ تُمَارُونَ في الشَّمْسِ لَيْسَ دَونَهَا سَحابٌ؟ قالُوا: لاَ. قالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئاً فَلْيَتْبَعْهُ (¬1)، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الْقَمَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْبَعُ الطَّوَاغِيتَ (¬2)، وَتَبْقَى هذِهِ الأُمَّةُ، فِيهَا مُنَافِقُوهَا (¬3)، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَدْعُوهُمْ، وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ (¬4) جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ (¬5) مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلاَّ الرُّسُلُ، وَسَلامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ (¬6)، وَفي جَهَنَّمَ كَلالِيبُ (¬7) مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ. هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قالُوا: نَعَمْ. قالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللهُ، تَخْطفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ (¬8) بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ (¬9)، ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ اللهُ الملائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ (¬10)، وَحَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ وَقَدْ امْتَحَشُوا (¬11) فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ (¬12) مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا ¬

(¬1) فليتبعه، كذا د وع ص 437 - 2. وفي ن ط: فليتبع. (¬2) الأصنام والشياطين. (¬3) المذبذبون العاصون الفاسقون. (¬4) وسط. (¬5) يمر. (¬6) نسأل الله النجاة والسلامة. (¬7) المفرد كلوب. وفي النهاية: الكلوب حديدة معوجة الرأس، وفي حديث الرؤيا "وإذا آخر قائم بكلوب من حديد" أهـ. (¬8) يهلك. (¬9) يوزن بميزان العدل .. (¬10) بعلامات السجود الباقية على الجبهة. (¬11) أي احترقوا، والمحش: احتراق الجلد وظهور العظم، ويروى "امتحشوا" لما لم يشم فاعله وقد محشته النار تمحشه محشاً أهـ نهاية. (¬12) فيصب عليهم، كذا د وع ص 440 - 2. وفي ن ط: فيصب عليه.

كرم الله الذي لا نهاية له تَنْبُتُ الْحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ (¬1)، ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ والنَّارِ، وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ (¬2) قِبَلَ النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ (¬3) وَجْهِي عَنِ النَّارِ قَدْ قَشَبَني (¬4) رِيحُها، وَأَحْرَقَنِي ذكَاهَا (¬5)، فَيَقُولُ: هَلْ عَسِيتَ إِنْ أَفْعَلْ (¬6) أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ فَيُعْطِي اللهَ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ (¬7)، فَيَصْرِفُ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا (¬8) سَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قالَ: يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، فَيقُولُ اللهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: فَمَا عَسِيتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَ هذاَ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَيُقَدِّمُهُ إِلى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا رَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ والسُّرُورِ فَسَكَتَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسْكُتَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللهُ: وَيْحَكَ (¬9) يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ (¬10) أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَنِي الْعُهُودَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ، فَيَضْحَكُ اللهُ (¬11) مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ في دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: تَمَنَّ (¬12) فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ (¬13) قالَ اللهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا يُذَكِّره رَبُّهُ (¬14) حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قالَ اللهُ: لكَ ذلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. ¬

(¬1) هو ما يجيء به السيل من طين أو غشاء فعيل بمعنى مفعول، فإذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها أهـ نهاية، والجمع حمائل. (¬2) متجه جهتها. (¬3) أبعد. (¬4) أي سمني، وكل مسموم قشيب ومقشب، يقال قشبتني الريح وقشبتني، والقشب الاسم. (¬5) لهبها. (¬6) هل رجوت لو أفعل وأجبت طلبك أن تطلب شيئاً غير هذا. (¬7) اتفاق معين. (¬8) نضرتها .. (¬9) كلمة رحمة. (¬10) ما أكثر غدرك وخلف وعدك. (¬11) يعجب سبحانه بكثرة تضرعه ويغمره برحمته. (¬12) اطلب ما تريد. (¬13) رجاؤه وانقطعت آماله. (¬14) يفتح له ابواب النعم ليطلب من فضله فيغمره بإحسانه ويضاعف له العطاء ويكثر من الهبة والتفضل والتكرم.

قالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: قالَ اللهُ: لَكَ ذلِكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ. قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِلاَّ قَوْلَهُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قالَ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ. قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ. رواه البخاري. [أي فل]: أي يا فلان حذفت منه الألرف والنون لغير ترخيم، إذ لو كان ترخيماً لما حذفت الألف. قال الأزهريّ: ليست ترخيم فلان، ولكنها كلمة على حدها توقعها بنو أسد على الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد، وأما غيرهم فيثنّي ويجمع ويؤنث. [أُسوِّدك] بتشديد الواو وكسرها: أي أجعلك سيداً في قومك. [السعدان]: نبت ذو شوك معقَّف. [المخردل]: المرميّ المصروع، وقيل: المقطع، يقال: لحم خراديل إذا كان قطعاً؛ والمعنى أنه تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار. [امتحش] بضم التاء وكسر الحاء المهملة بعدها شين معجمة: أي احترق، وقال الهيثم: هو أن تذهب النار الجلد وتبدي العظم. [الحبة] بكسر الحاء: هي بزور البقول والرياحين، وقيل: بزر العشب، وقيل نبت في الحشيش صغير، وقيل: جمع بزور النبات، وقيل: بزر ما نبت من غير بذر، وما بذر تفتح حاؤه. [حميل السيل] بفتح الحاء المهملة وكسر الميم: هو الزَّبد وما يلقيه على شاطئه. [قشبني ريحها]: أي آذاني. [ذكاها] بذال معجمة مفتوحة مقصور: هو إشعالها ولهبها. رؤية الله عز وجل يوم القيامة 59 - وَعَنْ سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: نَعَمْ، فَهَلْ تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْواً (¬1) لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ، وَهَلْ تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْر ¬

(¬1) صافية من الغيوم.

صَحْواً لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: فَمَا تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ كَمَا تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: لِتَتْبَعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلاَ يَبْقَى أَحَدٌ كانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَابِ إِلاَّ يَتَسَاقَطُونَ في النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفاجِرٍ وَغُبَّرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْراً ابْنَ اللهِ فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قالُوا: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فاسْقِنَا فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلاَ تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً فَيَتَسَاقَطُونَ في النَّارِ، ثُمَّ تُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ ولَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُون: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فاسْقِنَا فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ (¬1) يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَيَتَسَاقَطُونَ في النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أَتَاهُمُ اللهُ في أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا، قالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قالُوا: يَا رَبَّنَا فَارَقْنَا النّاسَ (¬2) في الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ (¬3)، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ لاَ نُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثاً حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكادُ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ (¬4) فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، فَلاَ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلاَّ أَذِنَ الله لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلاَ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً (¬5) إِلاَّ جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ ¬

(¬1) اللامع في المفازة كالماء، وذلك لانسرابه في مرأى العين، قال تعالى: [كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء] .. (¬2) قال القسطلاني: أي فارقنا الذين زاغوا من الطاعة في الدنيا وتركنا مجالسهم لله أهـ. (¬3) أي نحن فارقنا أقاربنا وأصحابنا ممن كانوا يحتاج إليهم في المعاش لزوماً لطاعتك، ومقاطعة لأعدائك أعداء الدين، وغرضهم التضرع إلى الله في كشف الشدة خوفاً عن المصاحبة في النار أهـ. اللهم خفف عنا شدة يوم القيامة آمين أهـ. (¬4) علامة. قال القسطلاني: يحتمل أن الله تعالى عرفهم على ألسنة الرسل والأنبياء أو الملائكة أن الله جعل لهم علامة تجليه الساق، وهو الشدة من الأمر كما قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: [يوم يكشف عن ساق] أهـ ص 349 جواهر البخاري. (¬5) حذراً ونفاقاً.

طَبَقَةً وَاحِدَةً (¬1) كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ في صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ (¬2) عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قالَ: دَحْضٌ (¬3) مَزَلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكَةٌ (¬4) يَكُونُ بِنَجْدٍ، فِيهَا تَشْوِيكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ. فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعِيْنِ (¬5)، وَكالْبَرْقِ، وَكالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ (¬6) وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ (¬7) مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوشٌ (¬8) فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى إِذَا خَلَصَ (¬9) الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ بِأَشَدِّ (¬10) مُنَاشَدَةً للهِ في اسْتِيفاءِ الْحَقِّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ للهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ في النَّارِ. وفي رواية: فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً في الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنينَ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ (¬11) إِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا في إِخْوَانِهِمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا كانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا، وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ؟ فَيُقَالَ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ، فَتَحْرُمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلى نِصْفِ سَاقِهِ وَإِلى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، فَيُقَالُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ (¬12) دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ (¬13) فِيهَا أَحَداً مِمَّنْ أَمَرْتَنَا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ ¬

(¬1) قال القسطلاني كالصحيفة فلا يقدر على السجود. (¬2) يقام الصراط. (¬3) الدحض: الزلق، والمزلة: موضع ذلل الأقدام. (¬4) نبات ذو شوك. (¬5) أي يمر كلمح البصر. (¬6) الحصن المسرعة. (¬7) مخموش ممزق. (¬8) مصروع. وفي النهاية في حديث الصراط: ومنهم مكدوس في النار أي مدفوع، وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط، ويروى من الكدش، وهو السوق الشديد، والكدش الطرد والجرح أيضاً أهـ. (¬9) نقى وطهر. (¬10) بأكثر شدة في إتمام الحق واتباع العدل. (¬11) معناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي، يقال جبر الخلق وأجبرهم وأجبر أكثر، وقيل: هو العالي فوق خلقه، وفعال من أبنية المبالغة، ومنه قولهم نخلة جبارة، وهي العظيمة التي تفوت يد المتناول، ومنه حديث: يا أمة الجبار أهـ. (¬12) وزن. (¬13) لم نترك.

فَيُخْرِجُونَ خَلْقَاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَداً، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقَاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيْهَا خَيْراً، وَكان أَبو سعيد يقول: إِن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقْرَؤُوا إِنْ شئْتُم: [إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ (¬1) وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدنْه أَجْراً عَظِيماً] فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلائِكَةُ (¬2) وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ (¬3) قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْماً مِنَ النَّارِ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْراً قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَماً فَيُلْقِيهِمْ في نَهْرٍ في أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: نَهْرُ الْحِيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ، أَلا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلى الْحَجَرِ (¬4) أَوْ إِلى الشَّجَرِ، مَا يَكُونُ إِلى الشَّمْسِ أُصَيْفِرَ وَأُخَيْضِرَ، وَمَا يَكُون مِنْهَا إِلى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ (¬5) قالَ: فَيَخْرُجُونَ كَالُّلؤْلُؤِ (¬6) في رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِيمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ اللهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ ¬

(¬1) لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصفر شيء كالذرة، وهي النملة الصغيرة ويقال لكل جزء من أجزاء الهباء. والمثقال مفعال من الثقل. وفي ذكره إيماء إلى أنه وإن صغر قدره عظيم جزاؤه، وإن يكون مثقال الذرة حسنة يضاعف ثوابها ويعط صاحبها من عنده على سبيل الفضل زائداً على ما وعد في مقابلة العمل عطاء جزيلاً أهـ بيضاوي. وقال النسفي: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أدخل يده في التراب فرفعه، ثم نفخ فيه فقال كل واحدة من هؤلاء ذرة أهـ. (¬2) طلبت الملائكة رحمة جملة من عبادي، وكذلك النبيون، وفي كتابي (النهج السعيد) الشفاعة العظمى مختصة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: أي بعد طول الموقف على الناس يلهمون أن الأنبياء هم الواسطة بين الله وبين خلقه فيذهبون إليهم يستشفعون بهم واحداً واحداً فيعتذر كل منهم بما وقع له من صورة الخطيئة ويقول: لست هنا كم نفسي نفسي كما في الحديث الصحيح. فإذا انتهى الأمر للرئيس الأكمل والسيد الأعظم الأفخم المحترم قال: أنا لها أنا لها أمتي أمتي، ثم يخر ساجداً تحت العرش فيقال يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه وأشفع تشفع، فيرفع راسه ويشفع صلى الله عليه وسلم في فصل القضاء أهـ ص 159. قال تعالى: [ولا تنفع الشفاعة عنده إلا من أذن له]. (¬3) يخرج سبحانه وتعالى جملة تفضلاً منه ورحمة. (¬4) تميل إلى لون الحجر في الصفرة واللمعان؛ أو إلى الشجر في الخضرة. (¬5) أي أجدت الوصف وأحكمت التعبير وأحسنت وأصبت الإصابة كلها كأنك موجود في البادية، وهي أمامك تصف نباتها. (¬6) الجوهر المضيء في أعناقهم علامات إحسان الله إليهم وتكرمه عز وجل عليهم.

تُعْطِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ! فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هذَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا أَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ هذَا؟ فَيَقُولُ: رَضَايَ (¬1) فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَداً. رواه البخاري ومسلم واللفظ له. [الغُبَّر] بغين معجمة مضمومة ثم باء موحدة مشددة مفتوحة: جمع غابر وهو الباقي، وقوله دحض مزلة، الدحض بإسكان الحاء: هو الزلق، والمزلة: هو المكان الذي لا يثبت عليه القدم إلا زلّت. [المكدوش] بشين معجمة: هو المدفوع في نار جهنم دفعاً عنيفاً. [الحمم] بضم الحاء المهملة وفتح الميم: جمع حممة، وهي الفحمة، وبقية غريبه تقدم. نطق الجوارح وشهادتها على العبد 60 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَضَحِكَ (¬2) فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ (¬3) مِمَّ أَضْحَكُ؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي (¬4) مِنَ الظُّلْمِ؟ يَقُولُ: بَلَى. فَيَقُولُ: إِنِّي لا أُجِيزُ (¬5) الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي شَاهِداً إِلاَّ مِنِّي، فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً، وَالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ (¬6) شُهُوداً. قالَ: فَيَخْتِمُ عَلَى فِيهِ، وَيَقُولُ لأَرْكَانِهِ: انْطِقي فَتَنْطِقُ بأَعْمَالِهِ ثُمَّ يُخَلِّي (¬7) بَيْنَهُ وبَيْنَ الْكَلامِ فَيَقُولُ: بُعْداً لَكُنَّ وَسُحْقاً، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ. رواه مسلم. ¬

(¬1) يتجلى عليهم برضوانه فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم. (¬2) أظهر السرور والفرح. (¬3) هل تعلمون ما سبب الضحك؟ (¬4) تحفظني. (¬5) لا أسمح كما قال تعالى: [وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً (13)، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً (14)] من سورة الإسراء. (طائره) عمله (في عنقه) يعني أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل للعنق لا يفك عنه (منشورا) غير مطوي ليمكنه قراءته، اقرأ كتاب أعمالك، وكل يبعث قارئاً كفى نفسك رجلاً، حسيباً بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير أهـ نسفي. (¬6) الملائكة المكرمين عند الله تعالى لتعظيم جزائهم كما قال تعالى: [وإن عليكم لحافظين (10) كراماً كاتبين (11) يعلمون ما تفعلون (12)] من سورة الانفطار. قال النسفي أي لحافظين أعمالكم وأقوالكم من الملائكة. يعني أنكم تكذبون بالجزاء والكاتبون يكتبون عليكم أعمالكم لتجازوا بها. لا يخفى عليهم شيء من أعمالكم. وفيه إنذار وتهويل للمجرمين ولطف للمتقين، وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها قال ما أشدها من آية على الغافلين. (¬7) يحول بينه وبين النطق بلسانه فتنطق جوارحه، وبعد ذلك يدعو عليها بالبعد والألم.

[أناضل] بالضاد المعجمة: أي أجادل وأخاصم وأدافع. 61 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم هذه الآية: [يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (¬1)] قالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قالَ: فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا (¬2) تَقُولُ: عَمِلَ كَذَا وَكَذَا. رواه ابن حبان في صحيحه. 62 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في قوله: [يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ (¬3)]. ¬

(¬1) أي تحدث الخلق، قيل ينطقها الله وتخبر بما عمل عليها من خير وشر. وفي الحديث: تشهد على كل واحد بما عمل على ظهرها، قال تعالى: [إذا زلزلت الأرض زلزالها (1) وأَخرجت الأرض أثقالها (2) وقال الإنسان مالها (3) يومئذ تحدث أخبارها (4) بأن ربك أوحى لها (5) يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم (6) فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره (8)] سورة الزلزلة. أي حركت زلزالها الشديد (أثقالها) كنوزها وموتاها (مالها)؟ ما هذا الزلزال، وقد لفظت الأرض ما في بطنها عند النفخة الثانية لما يبهر الناس من الأمر الفظيع، قيل هذا قول الكافر لأنه كان لا يؤمن بالبعث، فأما المؤمن فيقول: [هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون] الجواب بسبب إيحاء ربك إليها وأمره إياها بالتحديث. فيصدر الناس من القبور: أ - بيض الوجوه آمنين. ب - سود الوجوه فزعين (مثقال ذرة) نملة صغيرة. فأنت ترى الرجل الصالح يأمن الفزع الأكبر، ويبشر بالتحية والنعيم كما قال تعالى: [الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون: سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون (32)] من سورة النحل. (طيبين) أي طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر وبعيدين من ذنوب المعاصي، قال النسفي: قيل إذا أشرف العبد المؤمن على الموت جاءه ملك فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام، ويبشره بالجنة، أو طيبين فرحين ببشارة الملائكة، أو طيبين بقبض أرواحهم. (¬2) أي عمله العبد مدة حياته في الدنيا من خير أو شر. (¬3) بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين، وقيل بكتاب أعمالهم التي قدموها فيقال يا صاحب كتاب كذا، أي تنقطع علاقة الأنساب وتبقى نسبة الأعمال. وقيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وأفعالهم، وقيل بأمهاتهم جمع أم كخف وخفاف، والحكمة في ذلك إجلال عيسى عليه السلام وإظهار شرف الحسن والحسين رضي الله عنهما، وأن لا يفتضح أولاد الزنا أهـ بيضاوي. قال تعالى: [يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلا (71) ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (72)] من سورة الإسراء. أي كتاب عمله ابتهاجاً أو تبجحاً بما يرون فيه ولا ينقصون من أجورهم أدنى شيء. أعمى القلب لا يبصر رشده كان في الآخرة أعمى لا يرى طريق النجاة فاليقظ المبصر لدرك الصالحات يحيا على يقظته وانتباهه مضاء بالقرآن والسنة في حياته، وبعد مماته، نسأل الله الهداية. =

قالَ: يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَيُمَدُّ لَهُ في جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعَاً وَيَبْيَضُّ وَجْهُهُ ¬

_ = الآيات القرآنية الدالة على إثبات الحساب أ - قال تعالى: [فوربك لنسألنهم أجمعين (92) عما كانوا يعملون (93)] من سورة الحجر. ب - وقال تعالى: [والله سريع الحساب (39)] من سورة النور. جـ - وقال تعالى: [إن إلينا إيابهم (25) ثم إن علينا حسابهم (26)] من سورة الغاشية. د - وقال تعالى: [لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير (284)] من سورة البقرة. هـ - وقال تعالى [فأما من أوتي كتابه بيمينه (7) فسوف يحاسب حساباً يسيرا (8)] من سورة الانشقاق. والحساب من الأشياء السمعية كما قال علماء التوحيد ثابت بالكتاب والسنة، وإجماع المسلمين، وإنكاره كفر. وينكر الكافر فتشهد جوارحه عليه، وكيفية الحساب مختلفة، فمنه اليسير والعسير والسر والجهر والفضل والعدل، وأول من يحاسب الأمة المحمدية لشرف نبيها سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وعظيم قدره عند الله تبارك وتعالى، ويجب اعتقاد أن الأمم يؤتون صحائفهم، وهي الكتب التي كتبت الملائكة فيها أعمالهم في الدنيا يأخذها المؤمنون بأيمانهم، والكفار بشمائلهم كما قال تعالى: [فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول: هاؤم اقرؤوا كتابيه (19) من سورة الحاقة. أي لأهل المحشر، والكافر أو الفاسق يرى سوء عاقبته [وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه (25) ولم أدر ما حسابيه (26) يا ليتها كانت القاضية (27)] من سورة الحاقة. أهـ النهج السعيد في علم التوحيد ص 162. صفة نفخ الصور وأرض المحشر والعرق وقد شرح الغزالي نفخة الصور بصيحة واحدة تنفرج بها القبور عن رؤوس الموتى فيثورون دفعة واحدة كما قال تعالى: [ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون (68)] من سورة الزمر. وقال تعالى: [فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير. على الكافرين غير يسير (10)] من سورة المدثر وقال تعالى: [ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون (49)] من سورة يس. وأرض المحشر: أرض بيضاء قاع صفصف لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، ولا ترى عليها ربوة يختفي الإنسان وراءها ولا وهدة يتخفض عن الأعين فيها، بل هي صعيداً واحداً بسيط لا تفاوت فيه يساقون إليه، فسبحان من جمع الخلائق على اختلاف أصنافهم من أقطار الأرض إذ ساقهم بالراجفة تتبعها الرادفة، والراجفة النفخة الأولى والرادفة النفخة الثانية. وصفة العرق: يزدحم على الموقف أهل السموات السبع والأرضين السبع، من ملك وجن وإنس وشيطان ووحش وسبع وطير، وقد أشرقت عليهم الشمس وتضاعف حرها، وتبدلت عما كانت عليه من خفة أمرها. ثم أدنيت من رؤوس العالمين كقاب قوسين فلم يبق على الأرض ظل إلا ظل عرش رب العالمين، ولم يمكن من الاستظلال به إلا المقربون، فمن بين مستظل بالعرش، وبين مضح لحر الشمس قد صهرته بحرها. واشتد كربه وغمه من وهجها. ثم تدافعت الخلائق ودفع بعضهم بعضاً لشدة الزحام، واختلاف الأقدام وانضاف إليه شدة الخجلة والحياء من الافتضاح والاختزاء عند العرض على جبار السماء ففاض العرق من أصل كل شعرة حتى سال على صعيد القيامة ثم ارتفع على أبدانهم على قدر منازلهم. وصفة طول يوم القيامة، قال كعب وقتادة: [يوم يقوم الناس لرب العالمين] يقومون مقدار ثلثمائة عام قال الحسن مقدار خمسين ألف سنة لا يأكلون فيها أكلة، ولا يشربون فيها شربة حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشاً =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = واحترقت أجوافهم جوعاً انصرف بهم إلى النار فسقوا من عين آنية قد آن حرها واشتد لفحها فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاعة لهم به كلم بعضهم بعضاً في طلب من يكرم على مولاه ليشفع في حقهم فلم يتعلقوا بنبي إلا دفعهم. وقال دعوني دعوني شغلني أمري عن غيري حتى يشفع نبينا صلى الله عليه وسلم لمن يؤذن له فيه [لا يملكون الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا] أهـ ص 440 جـ 4. صفة يوم القيامة قال الغزالي: فاستعد يا مسكين لهذا اليوم العظيم شأنه المديد زمانه القاهر سلطانه القريب أوانه يوم ترى السماء فيه قد انفطرت، والكواكب من حوله قد انتثرت، والنجوم الزواهر قد انكدرت، والشمس قد كورت، والجبال قد سيرت، والعشار قد عطلت، والوحوش قد حشرت، والبحار قد سجرت، والنفوس إلى الأبدان قد زوجت، والجحيم قد سعرت، والجنة قد أزلفت، والجبال قد نسفت، والأرض قد مدت يوم ترى الأرض قد زلزلت فيه زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم، يوم تحمل الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة، فيومئذ وقعت الواقعة، وانشقت السماء فهي يومئذ واهية، والملك على أرجائها، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية، يوم تسير الجبال سيرا، وترى الأرض بارزة يوم ترج الأرض فيه رجا وتبس الجبال فيه بسا فكانت هباء منبثا. يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش. يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت. وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد. يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار يوم تنسف فيه الجبال نسفاً فتترك قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، يوم ترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب. يوم تنشق فيه السماء فتكون وردة كالدهان فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان يوم يمنع فيه العاصي عن الكلام، ولا يسأل فيه عن الإجرام، بل يؤخذ بالنواصي والأقدام. يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً يوم تعلم كل نفس ما أحضرت، وتشهد ما قدمت وأخرت يوم تخرس فيه الألسن، وتنطق الجوارح، يوم شيب ذكره سيد المرسلين إذ قال له الصديق رضي الله عنه أراك قد شبت يا رسول الله؟ قال شيبتني هود وأخواتها، وهي الواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت، فيا أيها القارئ العاجز ما حظك من قراءتك أن تمجمج القرآن وتحرك به اللسان، ولو كنت متفكراً فيما تقرؤه لكنت جديراً بأن تنشق مرارتك مما شاب منه شعر سيد المرسلين، وإذا قنعت بحركة اللسان فقد حرمت ثمرة القرآن، فالقيامة أحد ما ذكر فيه؛ وقد وصف الله بعض دواهيها، واكثر من أساميها لتقف بكثرة أساميها على كثرة معانيها أهـ ص 420 جـ 4. وفي صفة المساءلة. قال الغزالي: ثم تفكر يا مسكين بعد هذه الأحوال فيما يتوجه عليك من السؤال شفاهاً من غير ترجمان فتسأل عن القليل والكثير والنقير والقطمير فبينما أنت في كرب القيامة وعرقها وشدة عظائمها إذ نزلت ملائكة من أرجاء السماء بأجسام عظام وأشخاص ضخام غلاظ شداد أمروا أن يأخذوا بنواصي المجرمين إلى موقف العرض على الجبار الخ. وفي صفة الميزان: ثم لا تغفل عن الفكر في الميزان وتطاير الكتب إلى الأيمان والشمائل، فإن الناس بعد السؤال ثلاث فرق: فرقة ليس لهم حسنة فيخرج من النار عنق أسود فيلقهم لقط الطير الحب وينطوي عليهم ويلقيهم في النار فتبتلعهم النار وينادى عليهم: شقاوة لا سعادة بعدها. وقسم آخر لا سيئة لهم فينادي مناد ليقم الحمادون لله على كل حال فيقومون ويسرحون إلى الجنة. ثم يفعل ذلك بأهل قيام الليل، ثم لمن لم تشغله تجارة الدنيا، ولا بيعها عن ذكر الله تعالى، وينادي عليهم سعادة لا شقاوة بعدها: ويبقى قسم ثالث وهم الأكثرون خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وقد يخفى عليهم، ولا يخفى على الله تعالى أن الغالب حسناتهم أو سيئاتهم، ولكن يأبى الله إلا أن يعرفهم ذلك ليبين فضله عند العفو وعدله عند العقاب فتطاير الكتب والصحف منطوية =

فصل في الحوض والميزان والصراط

وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ (¬1) مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلأْلأُ. قالَ: فَيَنْطَلِقُ إِلى أَصْحَابِهِ فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي هذَا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ، فَيَقُولُ: أَبْشِرُوا (¬2)، فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هذَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ مُسْوَدَّاً وَجْهُهُ، وَيُمَدُّ لَهُ في جِسْمِهِ (¬3) سِتُّونَ ذِرَاعاً عَلَى صُورَةِ آدَمَ، وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ نَارٍ، فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اخْزِهِ، فَيَقُولُ: أَبْعَدَكُمُ اللهُ، فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هذا. رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه واللفظ له والبيهقي في البعث. فصل في الحوض والميزان والصراط 63 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ (¬4) مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ (¬5) مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لاَ يَظْمَأُ أَبَداً. 64 - وفي رواية: حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ (¬6)، وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ. رواه البخاري ومسلم. 65 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

= على الحسنات والسيئات، وينصب الميزان وتشخص الأبصار إلى الكتب أتقع في اليمين أو في الشمال. ثم لسان الميزان أيميل إلى جانب السيئات أو إلى جانب الحسنات، وهذه حالة هائلة تطيش فيها عقول الخلائق أهـ ص 444. (¬1) إكليل يوضع على الرأس. (¬2) لكم التهنئة. (¬3) يمتد طولاً وعرضاً. (¬4) أي مسافة طوله نحو سير شهر بمركب مسرعة. (¬5) أي كثيرة، أي لون شرابه أبيض، وله رائحة ذكية وأكواب جمة، وفي المصباح: الكوب كوز مستدير الرأس لا أذن له، ويقال قدح لا عروة له. (¬6) أي نواحيه واسعة، وهو طويل جداً، وأواني الشرب عديدة ورائحته طيبة أحلى مذاقاً من عسل النحل وماؤه بارد أبيض، شربة منه تزيل الظمأ وتجلب الري. وفي النهج السعيد: الحوض جسم مخصوص كبير متسع الجوانب ترده أمته صلى الله عليه وسلم حين خروجهم من قبورهم عطاشا يكون على الأرض المبدلة البيضاء كالفضة. وأهله من تمسك بشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبدلوا ولم يغيروا، ومن لم يتخذ عقيدة غير ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين خروجهم من قبورهم عطاشاً يكون على الأرض المبدلة البيضاء كالفضة. وأهله من تمسك بشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبدلوا ولم يغيروا، ومن لم يتخذ عقيدة غير ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أما من غير أو بدل، فإنه يطرد عنه كالمرتد والمخالف لجماعة المسلمين كالخوارج والروافض المعتزلة والظلمة الجائرين، والمعلن بالكبائر المستخف بالمعاصي، وأهل الزيغ والبدع والكفار أهـ ص 169.

66 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال: إِنَّ اللهَ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفَاً بِغَيْرِ حِسَابٍ، فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الأَخْنَسِ: واللهِ مَا أُولئِكَ في أُمَّتِكَ إِلاَّ كَالذُّبَابِ الأَصْهَبِ (¬1) في الذُّبَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قَدْ وَعَدَنِي سَبْعِينَ أَلْفاً مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلفاً وَزَادَنِي ثلاث حَثَيَاتٍ (¬2). قال فَمَا سَعَةُ حَوْضِكَ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: كَمَا بَيْنَ عَدَنٍ إِلى عَمَّانَ (¬3) وَأَوْسَعُ وَأَوْسَعُ، يُشِيرُ بِيَدِهِ قالَ: فِيهِ مَثْعَبَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ. قالَ: فَمَاءُ حَوْضِكَ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمُسْكِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً وَلَمْ يَسْوَدَّ وَجْهُهُ. رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح وابن حبان في صحيحه. ولفظه قال: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ الأَخْنَسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا سَعَةُ حَوْضِكَ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مَذَاقَةً مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَداً وَلَمْ يَسْوَدَّ وَجْهُهُ أَبَداً. [المثعب] بفتح الميم والعين المهملة جميعاً بينهما ثاء مثلثة وآخره موحدة: وهو مسيل الماء. 67 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ لأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ، فَسُئِلَ عَنْ عَرْضِهِ؟ فَقَالَ: مِنْ مَقَامِي (¬4) إِلى عَمَّانَ، وَسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ فَقَالَ: أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، ¬

(¬1) الأحمر، والصهوبة: احمرار الشعر. (¬2) قبضات اليد، يقال حثا الرجل التراب يحثوه حثواً ويحثيه حثياً إذا هاله بيده، وبعضهم يقول قبضه بيده ثم رماه، ومنه: فاحثوا التراب في وجهه: ولا يكون إلا بالقبض والرمي أهـ. (¬3) بلدان بعيدان، يضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً محسوساً لسعته وامتداده، ويتلألأ مجرياه من ذهب وفضة بيرقان. وعمان بلد بالشام. (¬4) من المدينة إلى عمان طولاً ليقرب صلى الله عليه وسلم لهم مقداره، ينصب الماء من ميزابه بتدفق متتابع من الجنة، شق أحدهما من الذهب والآخر من الفضة.

حوضي مثل ما بين عدن وعمان والبلقاء وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ وَالآخَرُ مِنْ وَرَقٍ رواه مسلم، وروى الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي سلام الحبشي قال: بعث إليّ عمر بن عبد العزيز فحملت عن البريد، فلما دخلت إليه قلت يا أمير المؤمنين: لقد شق على مركبي البريد، فقال: يا أبا سلام ما أردت أن أشق عليك ولكن بلغني عنك حديث تحدثه عن ثوبان عن رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في الحوض فأحببت أن تشافهني به، فقلت: حدثني ثوبان أن رسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال: حَوْضِي مِثْلُ مَا بَيْنَ عَدَنٍ إِلى عَمَّانَ الْبَلْقَاءِ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَكْوَابُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً، وَأَوَّلُ النَّاسِ وُرُوداً علَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ (¬1) الشُّعْثُ رُؤْوساً (¬2) الدُّنُسُ (¬3) ثِياباً، الَّذِينَ لاَ يَنْكِحُونَ الْمنَعَّمَاتِ، وَلاَ تُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السُّدَدِ، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ أَنْكَحْتُ الْمُنَعَّمَاتِ (¬4) فاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَفُتِحَتْ لِي أَبْوَأبُ السُّدَدِ لاَ جَرَمَ (¬5) لاَ أَغْسِلُ رَأْسِي حَتَّى يَشْعَثَ، وَلاَ ثَوْبِي الَّذِي يَلِي جَسَدِي حَتَّى يَتَّسِخَ. [عقر الحوض] بضم العين وإسكان القاف: هو مؤخره. [أذود الناس لأهل اليمن]: أي أطردهم وأدفعهم ليرد أهل اليمن. [يرفضّ] بتشديد الضاد المعجمة: أي يسيل ويترشش. [يغتّ فيه ميزابان] هو بغين معجمة مضمومة ثم تاء مثناة فوق: أي يجريان فيه جرياً له صوت، وقيل: يدفقان فيه الماء دفقاً متتابعاً دائماً، من قولك: غت الشارب الماء جرعاً بعد جرع. [الشعث] بضم الشين المعجمة: جمع أشعث، وهو البعيد العهد بدهن رأسه وغسل وتسريع شعره. ¬

(¬1) الذين هاجروا من مكة إلى المدينة، وكل من ترك المعاصي وهجر ما نهى الله عنه. (¬2) الذي شعره متلبد مغبر غير ظاهر عليه أثر النعيم متفرق. (¬3) لتواضعهم إلى ربهم لا يعتنون بالملابس المفتخرة البهيجة المتلألئة الجديدة التي تدل على التأنق والترف. (¬4) السيدات الممتعة بالعز والسعادة والنعيم. (¬5) حقاً، لأترك غسل رأسي حتى يظهر عليه تفرق الشعر، وعدم الاعتناء بملابسي.

[الدنس] بضم الدال والنون. جمع دنس، وهو الوسخ. حوضي كما بين عدن وعمان 68 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال: حَوْضِي كما بَيْنَ عَدَنٍ وَعَمَّانَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ رِيحاً مِنَ الْمِسْكِ أَكْوَابُهُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً أَوَّلُ النَّاسِ عَلَيْهِ وُرُوداً صَعَالِيكُ الْمُهَاجِرِينَ. قالَ قائِلٌ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: الشَّعِثَةُ رُؤُوسُهُمُ الشَّحِبَةُ وُجُوهُهُمُ، الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ، لاَ تُفْتَّحُ لَهُمُ السُّدَدُ، وَلاَ يَنْكِحُونَ الْمُنَعَّمَاتِ الَّذِينَ يُعْطُونَ كُلَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَلاَ يَأْخُذُونَ كُلَّ الَّذِي لَهُمْ. رواه أحمد بإِسناد حسن. [قوله: الشحبة وجوههم] بفتح الشين المعجمة وكسر الحاء المهملة بعدها باءٌ موحدة هو من الشحوب: وهو تغيّر الوجه من جوع أو هزال أو تعب. [وقوله: لا تفتح لهم السدد]: أي لا تفتح لهم الأبواب. 69 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِليِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: حَوْضِي كما بَيْنَ عَدَنٍ وَعَمّانَ، فِيهِ أَكاوِيبُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأ بَعْدَهَا أَبَداً، وَإِنَّ مَنْ يَرِدُهُ عَلَيَّ مِنْ أُمَّتِي الشَّعِثَةُ رُؤُوسُهُمُ الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ لاَ يَنْكِحَونَ الْمُنَعَّمَاتِ وَلاَ يَحْضُرُونَ السُّدَدَ، يَعْنِي أَبْوَابَ السُّلْطَانِ. رواه الطبراني وإسناده حسن في المتابعات [الأكاويب] جمع كوب: وهو كوب لا عروة له، وقيل: لا خرطوم له، فإذا كان له خرطوم فهو إبريق. 70 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا بَيْنَ جَنْبَتَيْ حَوْضِي كما بَيْنَ صَنْعَاءَ (¬1) وَالْمَدِينَةِ. وفي رواية: مِثْلُ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَعَمَّانَ. وفي رواية: تَرَى فِيهِ أَبَارِيقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ. زَادَ في رواية: أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. ¬

(¬1) يقدر طوله بمسافة بعيدة تشبه بين صنعاء اليمن والمدينة المنورة تقريباً لأفهام السامعين ودلالة واضحة على أنه بعيد المدى اللهم اسقنا منه من فضلك يا رب العالمين.

أعطيت الكوثر 71 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: أُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ (¬1) فَضَرَبْتُ بِيَدِي، فَإِذَا هِيَ مِسْكَةٌ ذَفِرَةٌ (¬2)، وَإِذَا حَصْبَاؤُهَا (¬3) اللُّؤْلُؤ، وَإِذَا حَافتَاهُ (¬4) أَظُنُّهُ قالَ: قِبَابٌ تَجْرِي عَلَى الأَرْضِ جَرْياً لَيْسَ بِمَشْقُوقٍ. رواه البزار وإسناده حسن في المتابعات، ويأتي أحاديث الكوثر في صفات الجنة إن شاء الله تعالى. 72 - وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قامَ أَعْرَابِيٌّ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: مَا حَوْضُكَ الَّذِي تُحَدِّثُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: هُوَ كَما بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلى بُصْرَى ثُمَّ يَمُدُّنِي اللهُ فِيهِ بِكُرَاعٍ (¬5) لاَ يَدْرِي بَشَرٌ (¬6) مِمَّنْ خُلِقَ أَيُّ طَرْفَيْهِ (¬7) قالَ: فَكَبَّرَ عُمَرُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ صلى اللهُ عليه وسلم: أَمَّا الْحَوْضُ فَيَزْدَحِمُ عَلَيْهِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ (¬8) الَّذِينَ يُقْتَلُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَيَمُوتُونَ في سَبِيلِ اللهِ، وَأَرْجُوا أَنْ يُورِدَنِي اللهُ الْكُرَاعَ فَأَشْرَبَ مِنْهُ (¬9). رواه ابن حبان في صحيحه. [الكراع] بضم الكاف: هو الأنف الممدد من الحرة، استعير هنا، والله أعلم. 73 - وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: مَا بَيْنَ نَاحِيَتِيْ حَوْضِي كما بَيْنَ أَيْلَةَ إِلى صَنْعَاءَ مَسِيرَةُ شَهْرٍ (¬10) عَرْضُهُ كَطُولِهِ ¬

(¬1) أعطاني الله نهراً في الجنة. (¬2) طيبة الريح، عطرة الشذى؛ يقال ذفر الشيء من باب تعب، وامرأة ذفرة: ظهرت رائحتها واشتد طيبها. (¬3) صغار الحصى مثل الجواهر المتلألئة. (¬4) طرفاه مثل بيت مستدير، ومنه القبة من الخيام: أي بيت صغير مستدير من بيوت العرب. يصف صلى الله عليه وسلم حوضه الجميل البديع يفوح شذاه، ويتضوع طيبه، ومجراه معادن متلألئة غالية الثمن وضاءة وطرفاه مستدير هندسي الشكل حسن المنظر منظم متقن ليس فيه ثقوب أو خروق (صنع الله الذي أتقن كل شيء). (¬5) طرف من ماء الجنة مشبه بالكراع لقلته كما في النهاية: وفي حديث الحوض: فبدأ الله بكراع. (¬6) إنسان. (¬7) أي حافتيه، أو أي جهتيه. والكراع جانب مستطيل من الحرة كما في النهاية: أي يساوي طوله اتساعاً كما بين هذين البلدين. ثم بعد ذلك يأتي مدد: وزيادة من ماء الجنة لا يعلم أحد من أي ناحية أتى ذلك الفضل من الله ففرح سيدنا عمر بهذه البشرى، وقال: الله أكبر الله أكبر. (¬8) الذين تركوا أوطانهم وجاهدوا في سبيل الله تعالى ابتغاء نصر دينه. (¬9) يعلمنا صلى الله عليه وسلم الرجاء والتضرع إلى الله والدعاء رجاء نيل ثوابه؛ ودرك نعيمه وإحسانه. (¬10) يسير الراكب متبعاً طوله فيستغرق في السير شهراً، وكذا عرضه: أي حوضه صلى الله عليه وسلم طويل جداً وعريض.

فِيهِ مِرْزَابَانِ (¬1) يَنْبَعِثَانِ (¬2) مِنَ الْجَنَّةِ مِنْ وَرِقٍ (¬3) وَذَهَبٍ، أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، فِيهِ أَبَارِيقُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ. رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه من رواية أبي الوازع، واسمه جابر بن عمر عن أبي برزة، واللفظ لابن حبان. إن لي حوضاً ما بين الكعبة وبيت المقدس 74 - وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ لِي حَوْضاً مَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَبْيَضُ مِثْلُ اللَّبَنِ، آنِيَتُهُ كَعَدَدِ (¬4) النُّجُومِ، وَإِنِّي لأَكْثَرُ الأَنْبِيَاءِ تَبَعاً (¬5) يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه ابن ماجة من حديث زكريا عن عطية وهو العوفيّ عنه. 75 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ عَلى الْحَوْضِ إِذَا زُمْرَةٌ (¬6) حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ: هَلُمَّ (¬7) فَقُلْتُ: إِلى أَيْنَ (¬8)؟ قالَ: إِلى النَّارِ وَاللهِ. فَقُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ فَقَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا (¬9) عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى، ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ أُخْرَى حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ (¬10)، فَقَالَ لَهُمْ: هَلُمَّ، قُلْتُ: إِلى أَيْنَ؟ قالَ: إِلى النَّارِ وَاللهِ. قُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا علَى أَدْبَارِهِمْ فَلاَ أَرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلاَّ مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ. رواه البخاري ومسلم. 76 - وَلمسلم قال: تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي الْحَوْضَ وَأَنَا أَذُودُ (¬11) النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عَنْ إِبِلِهِ. قالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ تَعْرِفُنَا؟ قالَ نَعَمْ لَكُمْ سِيمَا (¬12) لَيْسَتْ لأَحَدٍ غَيْرِكُمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرّاً (¬13) مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، وَلَيُصَدَّنّ عَنِي طَائِفَةٌ مِنْكُمْ فَلاَ يَصِلُونَ ¬

(¬1) مرزابان كذا ط وع ص 446 - 2، وفي ن د: ميزابان، وفي المصباح الأرزبة والجمع أرازب، والجمع مرازب والمرازب لغة في الميزب. (¬2) يتدفقان. (¬3) فضة. (¬4) كعدد كذا ع ص 446 - 2، وفي ن ط عدد. (¬5) أفراد تابعة. (¬6) جماعة. (¬7) أقبلوا. (¬8) إلى أي مكان. (¬9) رجعوا وراءهم متأخرين: أي غيروا عقائدهم في الله وتأخروا عن صالحات الأعمال. (¬10) وسط أصحابه. (¬11) أدفع وأمنع. (¬12) علامة. (¬13) بيض الجباه: وفي النهاية الغر جمع الأغر من الغرة بياض الوجه، يريد بياض وجوههم بنور الوضوء يوم القيامة، وفي موضع آخر: أمتي الغر المحجلون: أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والوجه =

فَأقُولُ: يَا رَبِّ هؤُلاءِ مِنْ أَصْحَابِي (¬1) فيُجِيبُنِي مَلَكٌ فَيَقُولُ: وَهَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ؟ [همل النعم]: ضوالّها، ومعناه أن الناجي قليل كضالة النعم بالنسبة إلى جملتها. 77 - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ: إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ أَنْظُرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ فَوَ اللهِ لَيُقْتَطَعَنَّ دُونِي رِجَالٌ فَلأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ مِنْ أُمَّتِي (¬2)، فَيَقُولُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي ¬

= والأقدام، استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس، ويديه ورجليه أهـ ص 204. (¬1) المتبعين سنتي، وقد قال لي أحد العلماء في ضريح سيدنا الحسين رضي الله عنه لم يثبت في التاريخ، وفي السنة أن أحداً من أصحابه زاغ أو حاد أو غير وبدل، وإنما يعني من جاء بعده من المسلمين الذي لم يعملوا بالكتاب والسنة وأرخوا العنان لعقلهم الفاسد وفكرهم الكاسد فضلوا وأضلوا وحرموا من نور الله ونعيمه ولم يزدهم في الدنيا إلا جهلاً كما قال تعالى [يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون (7)] من سورة الروم. (¬2) أي من أتباعي ومن المسلمين الذين استضاؤوا بنبراس المسلمين، فيجاب أنهم انحرفوا عن جادة الصواب وأنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة، ولكن لا تعلم ماذا فعل بعدك هؤلاء؟ وفي الغريب رجع على عقبه إذا انثنى راجعاً وانقلب على عقبيه نحو رجع حافرته، قال تعالى: أ -[ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله] من سورة الأنعام. ب -[ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين (144)] من سورة آل عمران. أي من يرجع إلى الكفر بارتداده، فأنت تجد أن الله تعالى أخبر بوجود طائفة معاصرة له صلى الله عليه وسلم غير ثابتة الإسلام وغير تامة الإيمان وعقيدتها ضعيفة فمالت عن تعاليم الإسلام فطردت من الورود على حوضه صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى [وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين (144) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين (145) وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين (147) فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين (148) يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين (149) بل الله مولاكم وهو خير الناصرين (150)] من سورة آل عمران. (ربيون) ربانيون علماء أتقياء أو عابدون لربهم، وقيل جماعات فما فتروا وما ضعفوا عن العدو أو في الدين، وما خضعوا للعدو فآتاهم الله بسبب الاستغفار واللجوء إليه تعالى النصر والغنيمة والعز وحسن الذكر في الدنيا والجنة والنعيم في الآخرة. آخذ من هذه الآية وجود منافقين عاصروا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتظاهروا بالإسلام فهؤلاء هم المطرودون من رحمة الله في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين (149)] من سورة آل عمران. قال البيضاوي نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمة: ارجعوا إلى دينكم وإخوانكم، ولو كان محمد نبياً لما قتل، وقيل إن تستكينوا لأبي سفيان وأشياعه وتستأمنوهم يردوكم إلى دينكم، وقيل عام في مطاوعة الكفرة والنزول على حكمهم فإنه يستجر إلى موافقتهم [بل الله مولاكم] ناصركم فاستغنوا به عن ولاية غيره: ونصره =

ما أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، مَا زَالُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. رواه مسلم، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. 78 - وَعَنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا يُبْكِيكِ؟ قُلْتُ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ. فَهَلْ تَذْكَرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: أَمَّا في ثَلاثَةِ مُوَاطِنَ فَلاَ يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَداً. عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ (¬1) أَمْ يَثْقُلُ؟ وَعِنْدَ تَطَايُرِ الصُّحُفِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعَ كِتَابُهُ في يَمِينِهِ أَمْ فِي شِمَالِهِ أَمْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ؟ وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ حَتَّى يَجُوزَ. رواه أبو داود من رواية الحسن عن عائشة، والحاكم إلا أنه قال: وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ حَافَتَاهُ كَلالِيبُ كَثِيرَةٌ وَحَسَك كَثِيرَةٌ، يَحْبِسُ اللهُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَنْجُو أَمْ لا؟ الحديث وقال: صحيح على شرطهما لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة. 79 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنْ ¬

= [سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين (151) ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم، ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين (152)] من سورة آل عمران. فاطمئن أيها المسلم واعلم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على هدى، وعلى بصيرة وعلى حق كما قال صلى الله عليه وسلم: أ - (أصحابي كالنجوم). ب - (الله في أصحابي). (¬1) قال علماء التوحيد: ميزان واحد على الراجح حسى له قصبة وعمود وكفتان كل واحدة منهما أوسع من طباق السموات والأرض، وجبريل آخذ بعموده ناظر إلى لسانه وميكائيل أمين عليه، ومحله بعد الحساب، إحدى كفتيه نيرة، وهي اليمنى المعدة للحسنات والأخرى مظلمة، وهي اليسرى المعدة للسيئات، وثقله على كيفيته المعهودة في الدنيا، ما ثقل نزل إلى أسفل ثم يرفع إلى عليين، وما خف طاش إلى أعلى. ثم ينزل إلى سجين. وبذلك صرح القرطبي. والوزن هو وزن أعمال العباد، ولا يكون للأنبياء والملائكة، ومن يدخل الجنة بغير حساب، ولا مانع من وزن سيئات الكفار ليجازوا عليها بالعقاب، قال تعالى: أ - والوزن يومئذ الحق - وأما قوله تعالى: [فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا (105)] من سورة الكهف أي وزنا نافعاً أهـ ص 165 النهج السعيد، وقال تعالى: ب -[فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم] من سورة المؤمنون.

يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: أَنَا فَاعِلٌ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. قُلْتُ: فأَيْنَ أَطْلُبُكَ (¬1) قالَ: أَوَّل مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصَّرَاطِ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصَّرَاطِ قالَ: فاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ قالَ: فاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ، فَإِنِّي لا أُخْطِئُ هذِهِ الثَّلاثَةَ مَوَاطِنَ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، والبيهقي البعث وغيره. 80 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ قالَ: مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِالمِيْزَانِ فَيُؤْتَى بِابْنِ آدَمَ فَيُوقَفُ بَيْنَ كَفَّتَيِ الْمِيزَانِ فَإِنْ ثَقُلَ مِيزَانُهُ نَادَى مَلَكٌ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخلائِقَ: سَعِدَ (¬2) فُلاَنٌ سَعَادَةً لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَداً، وَإِنْ خَفَّ مِيزَانُهُ نَادَى مَلَكٌ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلائِقَ شَقِيَ (¬3) فُلانٌ شَقَاوَةً لاَ يِسْعَدُ بَعْدَهَا أَبداً. رواه البزار والبيهقي. 81 - وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يُوضَعُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَوْ دُرِّيَ (¬4) فِيهِ السَّموَاتُ وَالأَرْضُ لَوَسِعَتْ، فَتَقُولُ الملائِكَةُ: يَا رَبِّ لِمَنْ يَزِنُ (¬5) هذَا؟ فَيَقُولُ اللهُ لِمَنْ شِئْتُ (¬6) مِنْ خَلْقِي، فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ (¬7) مَا عَبدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ. رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 82 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: يُوضَعُ الصِّرَاطُ (¬8) عَلَى سَوَاءِ جَهَنَّمَ مِثْلَ حَدِّ السَّيفِ الْمُرْهَفِ (¬9) مَدْحَضَةٌ (¬10) مَزَلَّةٌ (¬11) عَلَيْهِ كَلالِيبُ (¬12) ¬

(¬1) في أي مكان أجدك؟ أرشده صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة. عند الصراط أو الميزان أو الحوض. (¬2) فاز ونجا. (¬3) خسر وهوى في النار. لماذا؟ لأن الله تعالى وزن أعماله في الدنيا فرجحت سيئاته وثقلت خطاياه فعمت بلواه وندم ولا ينفع الندم. (¬4) فلو دري فيه السموات والأرض لوسعت كذا ع ص 448 - 2 وفي ن ط: لو وزن فيه السموات والأرض لوضعت وكذا د. (¬5) تسأل الملائكة ربها لمن يزن أعماله هذا؟ (¬6) لمن أردت حسابه. (¬7) تنزيهاً لك وثناء عليك فإنا لم نوف حقك من الطاعة مع أنهم ليل نهار في عبادة كما قال تعالى: [لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (6)] من سورة التحريم. فأين أنت يا ابن آدم؟ وأمامك حساب الله الدقيق، وقد غمرك بنعمه فأطعه واتقه واخشه. (¬8) جسر ممدود على متن جهنم يرده الأولون والآخرون حتى الكفار أرق من الشعرة وأحد من السيف وأوله في الموقف وآخره على باب الجنة وطوله مسيرة ثلاثة آلاف سنة: ألف منها صعود وألف منها هبوط وألف منها استواء كذا قال مجاهد والضحاك أهـ من النهج السعيد ص 169. (¬9) الحاد الدقيق، يقال رهفت السيف وأرهفته فهو مرهوف ومرهف: أي رققت حواشيه. (¬10) مزلقة دحضت زلقة والدحض الزلق، ومنه "إن دون جسر جهنم طريقاً ذا دحض" أهـ نهاية. (¬11) داعية إلى السقوط. (¬12) خطاطيف من حديد.

مِنْ نَارٍ يَخْطَفُ بِهَا، فَمُمْسَكٌ يَهوِي فِيهَا، وَمَصْرُوعٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ فَلا يَنْشَبُ (¬1) ذلك أَنْ يَنْجُوَ، ثُم كالرِّيحِ فَلا يَنْشَبُ ذلِكَ أَنْ يَنْجُوَ، ثُمَّ كَجَرْي الْفَرَسِ، ثُمَّ كَرَمَلِ الرِّجْلِ (¬2) ثُمَّ كَمَشْيِ الرِّجْلِ ثُمَّ يَكُونُ آخِرَهُمْ إِنْسَاناً رَجُلٌ قَدْ لَوَّحَتْهُ (¬3) النَّارُ وَلَقِيَ فِيهَا شَرّاً حَتَّى يُدْخِلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: تَمنَّ وَسَلْ (¬4)، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَتَهْزَأُ مِنِّي (¬5) وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ وَسَلْ حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ (¬6) قالَ: لَكَ مَا سَأَلْتَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ. رواه الطبراني بإِسناد حسن، وليس في أصلي رفعُه، وتقدم بمعناه في حديث أبي هريرة الطويل. لا يدخل النار إن شاء الله من أهل الشجرة أحد 83 - وَعَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: لاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أَهْلِ الشَّجَرَةِ (¬7) أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا. قالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ فانْتَهَرَهَا (¬8). فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا (¬9)، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: قَدْ قالَ اللهُ تَعَالَى: [ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ ¬

(¬1) أي يقع فيما لا مخلص له منه ولم يلبث. (¬2) هرولة: أي السير بسرعة، يقال رملت رملاً: هرولت، (¬3) غيرت لونه، من لاحه يلوحه ولوحه. (¬4) اطلب ما تريد واسأل من فضل الله تعالى. (¬5) أتسخر؟. (¬6) الآمال المرجوة يتفضل الله عليه ويعطيه ما تمنى، وما يسار به تكرماً سبحانه رب العزة: أي الغلبة، وهو العزيز الذي يقهر ولا يقهر. (¬7) سمرة، وكانوا ألفاً وأربعمائة، قال الله تعالى: [لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً (18) ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيما (19)] من سورة الفتح. هي بيعة الرضوان؛ النبي صلى الله عليه وسلم نزل بالحديبية فبعث خراش بن أمية الخزاعي رسولاً إلى مكة فهموا به فمنعه الأحابيش فلما رجع دعا بعمر ليبعثه فقال إذاً أخافهم على نفسي لما عرف من عداوتي إياهم فبعث عثمان بن عفان فخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائراً البيت فوقروه واحتبس عندهم فأرجف بأنهم قتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نبرح حتى نناجز القوم، ودعا الناس إلى البيعة فبايعوه على أن يناجزوا قريشاً ولا يفروا تحت الشجرة أهـ نسفي. وقال البيضاوي: كانوا ألفاً وثلثمائة أو أربعمائة أو خمسمائة (فعلم ما في قلوبهم) من الإخلاص (السكينة) الطمأنينة وسكون النفس بالتشجيع أو الصلح (فتحاً قريباً) فتح خيبر غب انصرافهم، وقيل مكة أو هجر. مغانم خيبر (عزيزاً) غالباً مراعياً مقتضى الحكمة أهـ. (¬8) زجرها. (¬9) أي ليس كل أحد إلا داخل النار. قال النسفي: الورود الدخول عند علي وابن عباس رضي الله عنهم وعليه جمهور أهل السنة لقوله تعالى [فأوردهم النار] ولقوله تعالى: [لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها] ولقوله تعالى: [ثم ننجي الذين اتقوا] إذ النجاة إنما تكون بعد الدخول.

اتَّقَوْا (¬1) وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً]. رواه مسلم وابن ماجة 84 - وَعَنْ أَبِي سُمَيَّةَ قالَ: اخْتَلَفْنَا في الْوُرُودِ؟ فَقَالَ بَعْضُنَا: لاَ يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ، وَقالَ بَعْضُنَا: يَدْخُلُونَهَا جَمِيعاً ثُمَّ يُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوا، فَلَقِيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فَقُلْنَا: إِنَّا اخْتَلَفْنَا ههُنَا في الْوُرُودِ؟ فَقَالَ: تَرِدُونَهَا جَمِيعاً. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّا اخْتَلَفْنَا في ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُنَا: لاَ يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ، وَقالَ بَعْضُنَا: يَدْخُلُونَهَا جَمِيعاً، فَأَهْوَى بِأُصْبُعَيْهِ إِلى أُذُنَيْهِ وَقالَ صُمَّتَا (¬2) إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: الْوُرُودُ الدُّخُولُ لاَ يَبْقَى بَرٌّ (¬3) وَلاَ فَاجِرٌ (¬4) إِلاَّ دَخَلَهَا فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَرْداً وَسَلامَاً كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ، أَوْ قالَ: لِجَهَنَّمَ ضَجِيجَاً (¬5) مِنْ بَرْدِهِمْ، ثُمَّ يُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَيَذَرُ الظَّالِمِينَ. رواه أحمد ورواته ثقات، والبيهقي بإِسناد حسنه. وإن منكم إلا واردها 85 - وَعَنْ قَيْسٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ قالَ: كانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَاضِعاً رَأْسَهُ في حِجْرِ امْرَأَتِهِ فَبَكَى فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قالَتْ: رَأَيْتُكَ تَبْكِي فَبَكَيْتُ، قالَ: إِنِّي ذَكَرْتُ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا (¬6) وَلاَ أَدْرِي أَنْجُو مِنْهَا أَمْ لاَ؟ رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما كذا قال. اختلاف الناس في مرورهم على الصراط 86 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالاَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ فذكر الحديث إلى أن قالا: فَيَأْتُونَ (¬7) مُحَمَّداً صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، ¬

(¬1) ابتعدوا عن الشرك وهم المؤمنون. قال البيضاوي فيساقون إلى الجنة جثياً: أي منهاراً بهم كما كانوا، وهو دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها، وأن المؤمنين يفارقون الفجرة إلى الجنة بعد تجاثيهم، وتبقى الفجرة فيها منهاراً بهم على هيئاتهم أهـ. (¬2) أصابهم صمم وعدم السمع. (¬3) مطيع. (¬4) فاسق عاص كافر. (¬5) صوتاً. (¬6) [وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً (71) ثم ننجي الذي اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا (72)] من سورة مريم. (إلا واردها) إلا واصلها وحاضر دونها يمر بها المؤمن، وهي خامدة وتنهار بغيرهم (فأولئك عنها مبعدون) أي عذابها، وقيل ورودها: الجواز على الصراط فإنه ممدود عليها. (مقضياً) أي كان ورودهم واجباً أوجبه الله على نفسه وقضى به بأن وعد به وعداً لا يمكن خلفه. وقيل أقسم عليه أهـ بيضاوي. (¬7) يأتي الناس سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شفيعاً.

فَيَقُومُ وَيُؤْذَنُ لَه وَتُرْسَلُ مَعَهُ الأَمَانَةُ (¬1) وَالرَّحِمُ (¬2) فَيَقُومَانِ جَنْبَتَي الصَّرَاطِ يَمِيناً وَشِمَالاً فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ (¬3) كَالْبَرْقِ. قالَ قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ صَلى اللهُ عليه وسلم قائِمٌ عَلى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ (¬4) سَلِّمْ حَتَّى تَعْجَزُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَاحِفاً قالَ: وَفِي حَافَّتَيِ الصِّراطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ تَأْخُذُ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ (¬5) نَاجٍ، وَمَكْدُوشٌ (¬6) في النَّارِ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ (¬7) جَهَنَّمَ لَسَبْعِينَ خَرِيفاً. رواه مسلم، ويأتي بتمامه في الشفاعة إن شاء الله، وتقدم حديث ابن مسعود في الحشر، وفيه: والصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضٌ (¬8) مَزَلَّةٌ. قالَ: فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ نورِهِمْ (¬9) فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كانْقِضَاضِ (¬10) الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالطَّرْفِ (¬11)، وَمِنْهُمْ ¬

(¬1) حفظ حقوق الناس وودائعها. (¬2) القرابة، ثنتان تقفان بجوار الصراط: أ - الأمانة. ب - القرابة مثل العمومة والخئولة. (¬3) الفائز السابق يمر مثل ظهور البرق اللامع في السماء أقل من لحظة. (¬4) يطلب السلامة والنجاة. (¬5) أثرت في جلده خطف قطعة الحديد. (¬6) مأخوذ بشدة، وفي النهاية، ومنهم مكدوس في النار: أي مدفوع، وتكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فقط، ويروى مكدوش بالشين المعجمة من الكدش، وهو السوق الشديد، والكدش: الطرد والجرح أيضاً أهـ. (¬7) نهاية عمقها وغورها مسافة سير سبعين عاماً، والمعنى أنها واسعة وعميقة فليحذرها المسلمون. (¬8) زلق وسقوط. (¬9) أضوائهم التي اكتسبوها من صالحي أعمالهم في حياتهم كما قال تعالى: [يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم (12) يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب (13) ينادونهم ألم نكن معكم قالوا: بلى، ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور (14) فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير (15)] من سورة الحديد. (يسعى نورهم) أي ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة. (انظرونا) أي انتظرونا فإنهم يسرع بهم كالبرق الخاطف أو انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم (بسور) بحائط (فتنتم أنفسكم) بالنفاق (وتربصتم) بالمؤمنين الدوائر (وارتبتم) وشككتم في الدين (وغركم) امتداد العمر (الغرور) الشيطان، أو الدنيا أهـ بيضاوي. (¬10) كظهور وسقوط بهدة. (¬11) كطرف العين.

مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيْحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرّجْلِ وَيَرْمُلُ رَمْلاً (¬1) فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمَيْهِ تَخِرُّ يَدٌ وَتَعْلُقُ يَدٌ (¬2)، وَتَخِرُّ رِجْلٌ وَتَعْلُقُ رِجْلٌ، فَتُصيبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني والحاكم واللفظ له، وروى الحاكم أيضاً بإِسناد ذكر أنه على شرط مسلم عن المسيب قال: سَأَلْتُ مَرَّةً عَنْ قَوْلِهِ تَعَالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا فَحَدَّثَنِي أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا (¬3) بِأَعْمَالِهِمْ، وَأَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، ثُمَّ كَلَمْحِ الرِّيْحِ، ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ، ثُمَّ كَالرَّاكِبِ (¬4) في رَحْلِهِ، ثُمَّ كَشَدِّ الرّجْلِ (¬5) ثُمَّ كَمَشْيِهِ. ما جاء في الصراط والمرور عليه 87 - وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ مِثْلُ حَرْفِ السَّيْفِ، بِجَنْبَتَيْهِ الْكَلالِيبُ (¬6) وَالْحَسَكُ، فَيَرْكَبُهُ النَّاسُ فَيَخْتَطِفُونَ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَإِنَّهُ لَيُؤْخَذُ بِالْكَلُّوبِ الْوَاحِدِ أَكْثَرُ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ (¬7). رواه البيهقي مرسلاً وموقوفاً على عبيد بن عمير أيضاً. 88 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَلْقَى رَجُلٌ (¬8) أَبَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا أَبَتِ أَيَّ ابْنٍ كُنْتُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: خَيْرَ ¬

(¬1) يهرول. (¬2) تسقط وترفع، والمعنى يتخبط في مشيه ويعز ويزل ويتحرك حتى تحفه النار ويصيبه لهبها كما قال تعالى: [من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها] من سورة الكهف. قال البيضاوي: لا ينجي اهتداؤه غيره، ولا يردي ضلاله سواه [ولا تزر وازرة وزر أخرى] من سورة فاطر. (¬3) يبعدون عنها بقدر أعمالهم الصالحة البارة: أ - يمر مثل البرق. ب - مثل هبوب النسيم. جـ - مثل جري الحصان، والحضر العدو كما في النهاية، وأحضر يحضر فهو محضر: إذا عدا. د - أي مثل المشي بسرعة. هـ - يمر مثل المشي بتؤدة مشي العادة. (¬4) ثم كالراكب كذا ع ص 449 - 2، وفي ن ط كالركاب: أي يمر مثل مرور الراكب الممتطي ناقة. (¬5) كمد خطاها. (¬6) بحافتيه وطرفيه خطاطيف الحديد وشجر الشوك. (¬7) أي يخطف كلوب واحد جماعة كثيرة مثل قبيلتي ربيعة ومضر وعدد أفرادهما جمة. (¬8) يلقى رجل كذا ط وع، وفي ن د يلقى الرجل.

ابْنٍ (¬1) فَيَقُولُ: هَلْ أَنْتَ مُطِيعِي (¬2) الْيَوْمَ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ: خُذْ بِأُزْرَتِي (¬3) فَيَأْخُذُ بِأُزْرَتِهِ ثُمَّ يَنْطَلِقُ حَتَّى يَأْتِيَ اللهَ تَعَالَى وَهُوَ يَعْرِضُ بَيْنَ (¬4) الْخَلْقِ فَيَقُولُ: يَا عَبْدِي (¬5) ادْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتَ، فَيَقُولُ: أَيْ ربِّ وَأَبِي (¬6) مَعِي فَإِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي (¬7)؟ قالَ: فَيَمْسَخُ (¬8) اللهُ أَبَاهُ ضَبُعاً فَيَهْوِي (¬9) في النَّارِ فَيَأْخُذُ (¬10) بِأَنْفِهِ فَيَقُولُ اللهُ: يَا عَبْدِي أَبُوكَ هَوَى؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ (¬11). رواه الحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم، وهو في البخاري إلا أنه قال: يَلْقَى إِبراهيم أَبَاهُ آزَرَ فذكر القصة بنحوه. ¬

(¬1) كنت مطيعاً باراً صالحاً تقياً، ففيه إكرام الوالدين سعادة. (¬2) هل تطيعني اليوم؟ (¬3) مد يدك لشد ردائي لتغيثني وتقيني من النار، والأزرة الحالة والهيئة. (¬4) يعرض بين الخلق: أي يظهر لأهل المحشر كذا ع ص 450 - 2، وفي ن ط يعرض بعض الخلق. (¬5) أيها التقي البار الصالح. (¬6) والدي أرجو أن يرافقني. (¬7) أن لا تخزيني كذا ع ص 450 - 2، وفي ن ط: أن لا تخزنني. (¬8) يحول الله خلقه كصورة الحيوان الضبع. والمسخ تشويه الخلق والخلق وتحويلهما من صورة إلى صورة. (¬9) يسقط. (¬10) فيشد. (¬11) نكره إذ تحولت صورته من الآدمية إلى الوحشية فهذا الابن أطاع ربه في حياته ووالده كان عاصياً فلم تنفعه النبوة التقية، ففيه الحث على صالحات الأعمال وفعل البر وتشييد المكارم ابتغاء ثواب الله تعالى ولقد أنذرنا الله في كتابه [فإذا جاءت الصاخة (33) يوم يفر المرء من أخيه (34) وأمه وأبيه (35) وصاحبته وبنيه (36) لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه (37)] من سورة عبس. (الصاخة) النفخة لاشتغال كل إنسان بعمله وبشأنه وعلمه بأنهم لا ينفعونه أو للحذر من مطالبتهم بما قصر في حقهم. آيات التذكير بالله تعالى واليوم الآخر أ - قال تعالى: [واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (281)] من سورة البقرة. ب - وقال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد] من سورة التحريم. جـ - وقال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (18) ولا تكونوا كالدين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون (19) لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون (20)] من سورة الحشر. د - وقال تعالى: [يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم (1) يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حلمها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد (2)] من سورة الحج. هـ - وقال تعالى: [يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك (8)] من سورة الانفطار. و- وقال تعالى: [يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه (27)] من سورة عبس. =

فصل في الشفاعة وغيرها

فصل في الشفاعة وغيرها [قال الحافظ]: كان الأولى أن يقدم ذكر الشفاعة على ذكر الصراط لأن وضع الصراط متأخر عن الإذن في الشفاعة العامة من حيث هي، ولكن هكذا اتفق الإملاء والله المستعان. 89 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: كُلُّ نَبِيٍّ سَأَلَ (¬1) سُؤَالاً. أَوْ قالَ: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَاهَا لأُمَّتِهِ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ (¬2) دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي. رواه البخاري ومسلم. ¬

= ز - وقال تعالى: [يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى (41)] من سورة النازعات. ح - وقال تعالى: [يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا (40)] من سورة النبأ. ط - وقال تعالى: [ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا (29)] من سورة الفرقان. ي - وقال تعالى: [يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين (91)] من سورة الشعراء. ك - وقال تعالى: [يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا] من سورة آل عمران. ل - وقال تعالى: [إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيما (56)] من سورة النساء. م - وقال تعالى: [فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية (11)] من سورة القارعة. ن - وقال تعالى: [ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة؟ نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة (9)] من سورة الهمزة. س - وقال تعالى: [ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون (16)] من سورة الحديد. (¬1) طلب طلباً. (¬2) ادخرتها وجعلتها عنده خبيئة. اختبأت ط وع ص 450 - 2، وفي ن د: أخبأت، وأورد القسطلاني على هذا قول الله تبارك وتعالى: [ادعوني أستجب لكم] أمر بالدعاء سبحانه وتعالى والتضرع. وتكفل بالإجابة فضلاً وكرماً، لأن الدعاء من أشرف أنواع الطاعات، لقد أخر صلى الله عليه وسلم طلبه من مولاه حتى يوم القيامة فيشفع لمن عصى مولاه ويمنع عنه العذاب.

90 - وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: أُرِيتُ مَا تَلْقَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، وَسَفْكَ (¬1) بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ فَأَحْزَنَنِي، وَسَبَقَ ذَلِكَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا سَبَقَ فِي الأُمَمِ قَبْلَهُمْ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يُولِيَنِي (¬2) فِيهِمْ شَفَاعَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَفَعَلَ. رواه البيهقي في البعث وصحح إسناده. لقد أعطيت الليلة خمساً ما أعطيهن أحد قبلي 91 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ قامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فاجْتَمَعَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْرُسُونَهُ حَتَّى إِذَا صَلَّى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ: لَقَدْ أُعْطِيتُ اللَّيْلَةَ خَمْساً مَا أُعْطِيَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: أَمَّا أَنَا فَأُرْسِلْتُ إِلى النَّاسِ كُلِّهِمْ عَامَّةً، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا يُرْسَلُ إِلى قَوْمِهِ، وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ (¬3) وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ شَهْرٍ لَمُلِئَ مِنْهُ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ (¬4) أَكْلُهَا، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ أَكْلَهَا، وَكَانُوا يَحْرِقُونَهَا (¬5)، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسَاجِدَ (¬6) وَطَهُوراً (¬7) أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي (¬8) الصَّلاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ في كِنَائِسِهِمْ (¬9) وَبِيَعِهِمْ (¬10)، والْخَامِسَةُ هِيَ مَا هِيَ؟ قِيلَ لِي: سَلْ فَإِنَّ ¬

(¬1) إراقة. (¬2) يعطيني. (¬3) يلقي الله في قلوب أعدائه الخوف منه، ومن جيشه العرمرم الشجعان لامتلأ فزعاً ورعباً وخوفاً ولو بعدت الشقة وطالت المسافة. (¬4) الأشياء التي تؤخذ من العدو، والغنم: إصابته والظفر به. ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدو وغيرهم، قال تعالى: أ -[واعلموا أنما ما غنمتم حلالاً طيباً] من سورة البقرة. ب -[فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً] من سورة البقرة. والمغنم ما يغنم، وجمعه مغانم. جـ -[ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً (19)] من سورة الفتح. د -[فعند الله مغانم كثيرة]. (¬5) يشعلون النار بها ويزيلون الانتفاع بها وأكلها محرم. (¬6) أماكن للصلاة والسجود. (¬7) الشيء الذي يتطهر به بفتح الطاء كالماء الذي يتطهر به كالوضوء بفتح الواو، وضم الطاء التطهر، والماء الطهور بفتح الطاء في الفقه هو الذي يرفع الحدث ويزيل النجس فكأنه تناهى في الطهارة، والماء الطاهر غير الطهور هو الذي لا يرفع الحدث، ولا يزيل النجس كالمستعمل في الوضوء والغسل. (¬8) في أي مكان وجدت تيمم أو توضأ وصل. (¬9) أماكن عبادة اليهود، سميت بها. لأنه يصلى فيها. (¬10) أماكن عبادة النصارى كما قال تعالى: [ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40)] من سورة الحج. =

كُلّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ فَأَخَّرْتُ مَسْأَلَتِي إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ. رواه أحمد بإسناد صحيح. 92 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: انْطَلَقْتُ في وَفْدٍ (¬1) إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَأَتَيْنَاهُ فَأَنَخْنَا بِالْبَابِ وَمَا في النَّاسِ أَبْغَضُ إِلَيْنَا مِنْ رَجُلٍ نَلِجُ (¬2) عَلَيْهِ، فَمَا خَرَجْنَا حَتَّى مَا كَانَ في النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ قائِلٌ مِنَّا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلاَ سأَلْتَ رَبَّكَ مُلْكاً كَمُلْكِ سُلَيْمَانَ؟ قالَ فَضَحِكَ ثُمَّ قالَ: فَلَعَلَّ لِصَاحِبِكُمْ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلَ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ، إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً إِلاَّ أَعْطَاهُ دَعْوةً، مِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَهَا دُنْيَا فَأُعْطِيَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ دَعَا بِهَا عَلَى قَوْمِهِ إِذْ عَصَوْهُ فَأُهْلِكُوا بِهَا، فَإِنَّ اللهَ أَعْطَانِي دَعْوَةً فَاخْتَبَأْتُهَا عِنْدَ رَبِّي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه الطبراني والبزار بإِسناد جيد. 93 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أُعْطِيتُ خَمْسَاً لَمْ يُعْطَهُنّض أَحَدٌ قَبْلِي: جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُوراً وَمَسْجِداً، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِنَبِيٍّ كَانَ قَبْلِي، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ عَلَى عَدُوِّي، وَبُعِثْتُ إِلى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ (¬3)، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، ¬

= صوامع الرهبانية. اختص سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بخمسة أشياء ميزة وهبة. أ - رسالته للإنس والجن كما قال تعالى: [وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيرا] من سورة سبأ. ب - نصر الله ومدده ووضع الخوف في قلوب أعدائه والهيبة والرهبة. جـ - الفوز بالغنائم والانتفاع بها. د - الأرض كلها صالحة لعبادة الله وطاعته والسجود له. هـ - الشفاعة العظمى. (¬1) جماعة. (¬2) ندخل عليه. نلج كذا د وع ص 451 - 2 وفي ن ط يلج، فالله تعالى أوجد محبته صلى الله عليه وسلم حتى لا يوجد أفضل ولا أعظم منه لأنه محاط بعناية الله مكسو بالوقار والسكينة والجلال. وليس رجل أبغض. (¬3) إلى سكان القارات الخمسة، الجنس الأحمر سكان أوروبا، والأسود سكان أفريقية: أولاً: صلاحية الأرض للعبادة، وهي طاهرة. ثانياً: إباحة الانتفاع بالغنائم. ثالثاً: خوف أعدائه منه صلى الله عليه وسلم. رابعاً: أرسله إلى العالم أجمع. خامساً: الشفاعة.

وَهِيَ نَائِلَةٌ (¬1) مِنْ أُمَّتِي مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً. رواه البزار وإسناده جيد إلا أن فيه انقطاعاً والأحاديث من هذا النوع كثيرة جداً في الصحاح وغيرها. 94 - وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم سَفَراً حَتَّى إِذَا كَانَ في اللَّيْلِ أَرِقَتْ (¬2) عَيْنَايَ فَلَمْ يَأْتِنِي النَّوْمُ فَقُمْتُ فَإِذَا لَيْسَ في الْعَسْكَرِ (¬3) دَابَّةٌ (¬4) إِلاَّ وَاضِعٌ خَدَّهُ إِلى الأَرْضِ وَأُرَى وَقْعَ كُلِّ شَيءٍ في نَفْسِي، فَقُلْتُ لآتِيَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وَسَلم فلأَكْلأَنَّهُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أُصْبِحَ. فَخَرَجْتُ أَتَخَلَّلُ الرِّجَالَ (¬5) حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَإِذَا بِسَوَادٍ فَتَيَمَّمْتُ ذلِكَ السَّوَادَ فَإِذَا هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ فَقَالاَ لِي: مَا الَّذِي أَخْرَجَكَ؟ فَقُلْتُ: الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، فَإِذَا نَحْنُ بِغَيْضَةٍ (¬6) مِنَّا غَيْرَ بَعِيدَةٍ فَمَشَيْنَا إِلى الْغَيْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ نَسْمَعُ فِيهَا كَدَوِيِّ النَّحْلِ وَكَخَفِيقِ الرِّيَاحِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ههُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قالَ: وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قالَ: وَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم لا نَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، وَلاَ يَسْأَلُنَا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى رَجَعَ إِلى رَحْلِهِ، فَقَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا خَيَّرَنِي رَبِّي آنِفاً (¬7)؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يُدْخِلَ ثُلُثَيْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ، وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الَّذِي اخْتَرْتَ؟ قالَ: ¬

(¬1) صائبة من أسلم بالله ولم يجعل له وحده شريكاً. (¬2) سهرت. (¬3) الجيش. (¬4) حيوان تدب فيه الحياة. (¬5) أمر من بينهم. (¬6) بغيضة كذا ط ومعناها الشجر الملتف، لأنهم إذا نزلوا تفرقوا فيها فتمكن منهم العدو، وفي حديث عمر "لا تنزلوا المسلمين الغياض فتضيعوهم" أهـ نهاية. وفي ن ع ص 451 - 2 ورد بغيظة منا غير بعيد فمشينا إلى الغيظة بالظاء. والغيظة صفة تغير في المخلوق عند احتداده يتحرك لها. (¬7) الآن. هنيئاً لك أيتها الأمة المحمدية، لقد حباك الله برسول عظيم يكون سبباً لنعيمك وإدخال السرور عليك وحمايتك من عذاب ربه سبحانه فيفوز ثلثاك ويكرم معظم ويشفع فيك السيد المحبوب المقرب عند الله تعالى كما قال تعالى: أ -[ولسوف يعطيك ربك فترضى (5)] من سورة الضحى. ب -[ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى].

اخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ، قُلْنَا جَمِيعاً: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ شَفَاعَتِكَ، قالَ: إِنَّ شَفَاعَتِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ. رواه الطبراني بأسانيد أحدها جيد وابن حبان في صحيحه بنحوه إلا أن عنده الرجلين: معاذَ بن جبل وأبا موسى، وهو كذلك في بعض روايات الطبراني، وهو المعروف. وقال ابن حبان في حديثه: فَقَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَتِي فاجْعَلْنِي مِنْهُمْ قالَ: أَنْتَ مِنْهُمْ. قالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو مُوسَى: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا تَرَكْنَا أَمْوَالَنَا وَأَهْلِينَا وذَرَارِينَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فاجْعَلْنَا مِنْهُمْ قالَ: أَنْتُمَا مِنْهُمْ. قالَ: فانْتَهَيْنَا إِلى الْقَوْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَخَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أَمَّتِي الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللهِ اجْعَلْنَا مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَنْصِتُوا فَأَنْصَتُوا (¬1) حَتَّى كَأَنَّ أَحَداً لَمْ يَتَكَلَّمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: هِيَ لِمَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً (¬2). 95 - وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: تُعْطَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَرَّ عَشْرِ سِنينَ ثُمَّ تُدْنَى مِنْ جَمَاجِمِ النَّاسِ (¬3). قالَ: فذكر الحديث، قال: فَيَأْتُونَ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَيَقُولُونَ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَنْتَ الَّذِي فَتَحَ اللهُ لَكَ، وَغَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، وَقَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ فاشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكُمْ، فَيَخْرُجُ يَجُوسُ (¬4) بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى يَنْتَهِي إِلى بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَأْخُذ بِحَلْقَةٍ في الْبَابِ مِنْ ذَهَبٍ فَيَقْرَعُ الْبَابَ فَيَقُولُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيُفْتَحُ لَهُ حَتَّى يَقُومَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَسْجُدُ فَيُنَادِيَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمُحْمُودُ (¬5) رواه الطبراني بإسناد صحيح. ¬

(¬1) فاستمعوا. (¬2) ومن عبده بإخلاص ووحده في ذاته وصفاته وأفعاله وعمل صالحاً. (¬3) تقرب من رؤوس الناس. (¬4) يمر وسطهم، ومنه قوله تعالى: [فجاسوا خلال الديار] أي توسطوها وترددوا بينها. (¬5) مقاماً يحمده القائم فيه، وكل من عرفه وهو مطلق في كل مقام يتضمن كرامة، والمشهور أنه مقام الشفاعة أهـ بيضاوي. قال تعالى: [أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (78) ومن =

96 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ أَنْتَظِرُ أُمَّتِي تَعْبُرُ (¬1) إِذْ جَاءَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ قالَ: فَقَالَ هذِهِ الأَنْبِيَاءُ قَدْ جَاءَتْكَ يَا مُحَمَّدُ يَسْأَلُونَ، أَوْ قالَ: يَجْتَمِعُونَ إِلَيْكَ يَدْعُونَ اللهَ أَنْ يَفْرُقَ بَيْنَ جَمْعِ الأُمَمِ إِلى حَيْثُ يَشَاءُ لِعِظَمِ مَا هُمْ فِيهِ، فالْخَلْقُ مُلْجَمُونَ في الْعَرَقِ، فَأَمَّا الْمُؤمِنُ فَهُوَ عَلَيْهِ كَالزُّكْمَةِ (¬2)، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَتَغَشَّاهُ (¬3) الْمَوْتُ، قالَ يَا عِيسَى: انْتَظِرْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ: قالَ: وَذَهَبَ نَبِيُّ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَامَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَلَقِيَ مَا لَمْ يَلْقَ مَلَكٌ مُصْطَفَىً (¬4)، وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، فَأَوْحَى اللهُ إِلى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنِ اذْهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ فَقُلْ لَهُ: ارْفَعْ رَأسَكَ سَلْ تُعْطَهْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ. قالَ: فَشَفَعْتُ في أُمَّتِي أَنْ أُخْرِجَ مِنْ كُلِّ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ إِنْسَانَاً وَاحِداً. قالَ: فَمَا زِلْتُ أَتَرَدَّدُ عَلَى رَبِّي فَلا أَقُومُ فِيهِ مَقَاماً إِلاَّ شَفَعْتُ حَتَّى أَعْطَانِي اللهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ قالَ: أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مِنْ خَلْقِ اللهِ مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ (¬5) يَوْماً وَاحِداً مُخْلِصاً وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ. رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح. 97 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَدْخُلُ مِنْ أَهْلِ هذِهِ الْقِبْلَةِ النَّارَ مَنْ لاَ يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلاَّ اللهُ بِمَا ¬

= الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا (79) وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيرا (80)] من سورة الإسراء. (لدلوك الشمس): أي لزوالها: (إلى غسق الليل) ظلمته وهو وقت صلاة العشاء الأخيرة (وقرآن الفجر) صلاة الصبح تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، أدخلني في القبر إدخالاً مرضياً وأخرجني منه عند البعث إخراجاً ملقى بالكرامة (سلطاناً) حجة تنصرني بها على من خالفني أو ملكاً ينصر الإسلام على الكفر فاستجاب له بقوله: أ -[فإن حزب الله هم الغالبون]. ب -[ليظهره على الدين كله]. جـ -[ليستخلفنهم في الأرض]. د - الشفاعة العظمى له صلى الله عليه وسلم. (¬1) تمر مرور السحاب على الصراط وتجوزه. (¬2) الزكام: أي رطوبة بسيطة في الأنف. (¬3) فيغطيه. (¬4) مختار مرضي. (¬5) من اعتقد وحدتي وعمل لي بإخلاص.

عَصَوُا اللهَ، واجْتَرَؤوا (¬1) عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَخَالَفُوا طَاعَتَهُ، فَيُؤْذَنُ لِي في الشَّفَاعَةِ فأُثْنِي عَلَى اللهِ سَاجِداً (¬2) كما أُثْنِي عَلَيْهِ قائِماً (¬3) فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهُ واشْفَعْ تُشَفَّعْ. رواه الطبراني في الكبير والصغير بإسناد حسن. 98 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَاذَا رَدَّ إِلَيْكَ رَبُّكَ في الشَّفَاعَةِ؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بَيَدِهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَوَّلُ مَنْ يَسْأَلُنِي عَنْ ذَلِكَ مِنْ أُمَّتِي لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْعِلْمِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَا يَهُمُّنِي مِنِ انْقَصافِهِمْ (¬4) عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ أَهَمُّ عِنْدِي مِنْ تَمَامِ شَفَاعَتِي لَهُمْ. وَشَفَاعَتِي لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ مُخْلِصاً وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ يُصَدِّقُ (¬5) لِسَانَهُ قَلْبُهُ وَقَلْبَهُ لِسَانُهُ. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه. تنحي المرسلين عن الشفاعة إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم 99 - وَعَنْ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَصَلَّى الْغَدَاةَ (¬6) ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى إذَا كَانَ مِنَ الضُّحَى ضَحِكَ (¬7) رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَجَلَسَ مَكَانَهُ حَتَّى صَلَّى الأُولَى وَالْعَصْرَ والْمَغْرِبَ، كُلُّ ذَلِكَ لاَ يَتَكَلَّمُ حَتَّى صلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ ثُمَّ قَامَ إِلى أَهْلِهِ فَقَالَ النَّاسُ لأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: سَلْ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَا شَأْنُهُ؟ صَنَعَ الْيَوْمَ شَيْئاً لَمْ يَصْنَعْهُ قَطُّ فَقَالَ: نَعَمْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَجُمِعَ الأَوَّلُونَ والآخِرُونَ بِصَعِيدٍ وَاحِدٍ حَتَّى انْطَلَقُوا إِلى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَالْعَرَقُ يَكَادُ يَلْجِمُهُمْ (¬8) فَقَالُوا: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ اصْطَفَاكَ اللهُ، اشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ فَقَالَ: قَدْ لَقِيتُ مِثْلَ الَّذِي لَقِيتُمْ، انْطَلِقُوا إِلى ¬

(¬1) أسرعوا بالهجوم على ارتكاب الذنوب من غير توقف وأقدموا على فعل ما يغضبه تبارك وتعالى. (¬2) أحمده ساجداً خاضعاً متضرعاً. (¬3) راكعاً مصلياً. (¬4) يعني استسعادهم بدخول الجنة وأن يتم لهم ذنب أهم عندي من أن أبلغ أنا منزلة الشافعين المشفعين لأن قبول شفاعته كرامة له، فوصولهم إلى مبتغاهم آثر عنده من نيل هذه الكرامة لفرط شفقته على أمته. 259 - 2 نهاية. (¬5) يوافق قوله عمله ويشبه عمله قوله نية وفعلاً. (¬6) صلاة الصبح. (¬7) أظهر فرحه وزاد سروره وبدت نواجذه. (¬8) يقرب أن يصمهم ويعمي أبصارهم.

أَبِيْكُمْ بَعْدَ أَبِيكُمْ إِلى نُوحٍ [إِنَّ اللهَ اصْطَفَى (¬1) آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ] فَيَنْطَلِقُونَ إِلى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ فَأَنْتَ اصْطَفَاكَ اللهُ، واسْتَجَابَ لَكَ في دُعَائِكَ [فَلَمْ يَدَعْ (¬2) عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارا] فَيَقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، فانْطَلِقُوا إِلى إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ اللهَ اتَّخَذَهُ خَلِيلاً (¬3) فَيَنْطَلِقُونَ إِلى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَيَقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، فانْطَلِقُوا إِلى مُوسَى فَإِنَّ اللهَ كَلَّمَهُ تَكْلِيماً (¬4)، فَيَنْطَلِقُونَ إِلى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَيقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَإِنَّهُ كَانَ يُبْرِئُ (¬5) الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى، فَيَقُولُ عِيسَى: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ (¬6) فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، انْطَلِقُوا إِلى مُحَمَّدٍ فَلْيَشْفَعَ لَكُمْ إِلى رَبِّكُمْ قالَ: فَيَنْطَلِقُونَ إِلَيَّ، وَآتِي جَبْرِيلَ، فَيَأْتِي جَبْرِيلُ رَبَّهُ فَيَقُولُ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بالْجَنَّةِ قالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِ جَبْرِيلُ فيَخِرُّ سَاجِداً قَدْرَ جُمُعَةٍ (¬7)، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ (¬8) وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَإِذَا نَظَرَ إِلى رَبِّهِ خَرَّ ¬

(¬1) اختار بالرسائل والخصائص الروحانية والجسمانية، ولذلك قووا على ما لم يقو عليه غيرهم لما أوجب طاعة الرسول، وبين أنها الجالبة لمحبة الله تعالى عقب ذلك ببيان مناقبهم تحريضاً عليها وبه استدل على فضلهم على الملائكة. وآل إبراهيم إسماعيل وإسحق وأولادهما، وقد دخل فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وآل عمران موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، أو عيسى وأمه مريم بنت عمران [ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (34)] من سورة آل عمران. (¬2) فلم يترك أحداً كما حكى الله تعالى في قوله عز شأنه [وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا (26) إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا (27) رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا (28)] من سورة نوح عليه السلام. (ديارا: أحدا) قال ذلك لما جربهم واستقرى أحوالهم ألف سنة إلا خمسين فعرف شيمهم وطباعهم. (بيتي) منزلي أو مسجدي وسفينتي. (تبارا) هلاكاً. (¬3) إبراهيم مفتقر إلى ربه سبحانه في كل حال الافتقار المعني بقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام [رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير (24)] من سورة القصص. وعلى هذا الوجه قيل اللهم أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك. وقيل من الخلة واستعمالها فيه كاستعمال المحبة فيه والثناء. (¬4) تجلى عليه وأسمعه كلامه كما قال تعالى: [وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً] من سورة الشورى. (¬5) ينير بصر الأعمى ويشفي من عنده بياض في الجلد كهيئة نقط وبقع، ويعطي الحياة لمن فارقته روحه. (¬6) سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. (¬7) مقدار أسبوع. (¬8) يسمع كذا ع ص 454 - 2، وفي ن ط: تسمع أي يسمع الله نداءك.

سَاجِداً قَدْرَ جُمُعَةٍ أُخْرَى، فَيَقُولُ اللهُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَيَذْهَبُ لِيَقَعَ سَاجِداً فيَأْخُذُ جِبْرِيلُ بِضَبْعَيْهِ (¬1)، وَيَفْتَحُ (¬2) اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الدُّعَاءِ مَا لَمْ يَفْتَحُ عَلَى بَشَرٍ قَطُّ (¬3) فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ جَعَلْتَنِي سَيِّدَ (¬4) وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ، وَأَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ (¬5) عَنْهُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ حَتَّى إِنَّهُ لَيَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ أَكْثَرُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وأَيْلَةَ (¬6)، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ فَيَشْفَعُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الأَنْبِيَاءَ فيَجِيءُ النَّبِيُّ مَعَهُ الْعِصَابَةُ (¬7) وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ، والنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الشُّهَدَاءَ فَيَشْفَعُونَ فِيمَنْ أَرَادُوا، فَإِذَا فَعَلَتِ الشُّهَدَاءُ ذلِكَ يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلا: أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئاً فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ثُمَّ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: انْظُرُوا في النَّارِ هَلْ فِيهَا مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْراً قَطُّ؟ فَيَجِدُونَ في النَّارِ رَجُلاً فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ (¬8) النَّاسَ في الْبَيْعِ فَيَقُولُ اللهُ: اسْمَحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ إِلى عَبِيدِي، ثُمَّ يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ آخَرُ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أَمَرْتُ وَلَدِي إِذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي بِالنَّارِ ثُمَّ اطْحَنُونِي حَتَّى إِذَا كُنْتُ مِثْلَ الْكُحْلِ اذْهَبُوا بِي إِلى الْبَحْرِ فَذُرُّونِي في الرِّيحِ، فَقَالَ اللهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قالَ مِنْ مَخَافَتِكَ، فَيَقُولُ: انْظُرْ إِلى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشْرَةَ أَمْثَالِهِ، فَيَقُولُ: لِمَ تَسْخَرُ بِي (¬9) وَأَنْتَ الْمَلِكُ. فَذَلِكَ الذِي ضَحِكْتُ بِهِ مِنَ الضُّحَى (¬10). رواه أحمد، والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه، وقال: ¬

(¬1) بعضديه. الضبع: وسط عضده، وقيل: هو ما تحت الإبط. (¬2) يلهمه. (¬3) إنسان قط. (¬4) أفضلهم وأكثرهم درجات، وفي النهاية قاله إخباراً عما أكرمه الله تعالى به من الفضل والسودد، وتحدثا بنعمة الله تعالى عنده وإعلامه لأمته ليكون إيمانهم به على حسبه وموجبه، ولهذا تبعه بقوله ولا فخر: أي أن هذه الفضيلة التي نلتها كرامة من الله لم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بقوتي. فليس لي أن أفتخر بها وفيه قيل يا رسول الله من السيد؟ قال: يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، قالوا: فما في أمتك من سيد؟ قال: بلى، من آتاه الله مالاً ورزق سماحة فأدى شكره وقلت شكايته في الناس أهـ ص 190. (¬5) تفتح. (¬6) يأتي جماعة تملأ فضاء ما بين البلدين صنعاء وأيلة. (¬7) الجماعة من الناس والجمع عصائب. والعصبة: القرابة الذكور .. (¬8) أسامح: أي أعطي عن كرم وسخاء. (¬9) تستهزئ. وأنت الملك. (¬10) ضحكت به من الضحى كذا د وع ص 454 - 2 أي الذي أفرحني فضحكت وقت =

قال إسحق يعني ابن إبراهيم: هذا من أشرف الحديث، وقد روى هذا الحديثَ عدة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، منهم حذيفة وأبو مسعود وأبو هريرة وغيرهم انتهى. [العصابة] بكسر العين: الجماعة لا واحد له قاله الأخفش، وقيل: هي ما بين العشرة أو العشرين إلى الأربعين. 100 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْبَراً مِنْ نُورٍ وَإِنِّي لَعَلَى أَطْوَلِهَا وَأَنْوَرِهَا فَيَجِيءُ مُنَادٍ يُنَادِي أَيْنَ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ؟ قالَ: فَتَقُولُ الأَنْبِيَاءُ كُلُّنَا نَبِيٌّ أُمِّيٌّ، فَإِلَى أَيْنُ أُرْسِلَ، فَيَرْجِعُ الثَّانِيَةَ فَيَقُولُ: أَيْنَ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ؟ قالَ: فَيَنْزِلُ مُحَمَّدٌ صلى اللهُ عليه وسلم حَتَّى يَأْتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَيَقْرَعُهُ فَيَقُولُ: مَنْ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ أَوْ أَحْمَدُ، فَيُقَالُ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُ فَيَدْخُلُ فَيَتَجَلَّى لَهُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلاَ يَتَجَلَّى لِشَيْءٍ قَبْلَهُ، فَيَخِرُّ للهِ سَاجِداً، وَيَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ وَلَنْ يَحْمَدَهُ بِهَا أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ بَعْدَهُ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ تَكَلَّمْ تُسْمَعْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ. فذكر الحديث رواه ابن حبان في صحيحه. 101 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالاَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَجْمَعُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ قالَ: فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ (¬1) لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا اسْتَفْتِحْ (¬2) لَنَا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ؟ (¬3) لَسْتُ بَصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ ¬

= الضحى وقد سألتم عن سببه. وفي ن ط: ضحكت منه من الضجر .. الله أكبر، رجل من بني إسرائيل أخذه الخوف كل مأخذ وامتلأ قلبه خشية ورهبة فأوصى أبناءه، في اعتقاده أن يحرق فيذرى فيكون ذرات دقيقة تنتشر رجاء الابتعاد من حساب الله تعالى؛ ولكن الله جل جلاله أحسن إليه وعطف عليه فأنعم عليه بنعم جمة وفضل كبير ملك أعظم ملك، ويضاعف. (¬1) تقرب كما قال تعالى: [وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين (91)] من سورة الشعراء. (¬2) اطلب فتحها. (¬3) أكله من الشجرة التي نهاه الله عن أكلها كما قال تعالى: [فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا =

قالَ: فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلاً مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ (¬1) اعْمَدُوا إِلى مُوسَى الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ تَكْلِيماً، قالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذلِكَ، اذْهَبُوا إِلى عِيسَى كَلِمَة (¬2) اللهِ وَرُوحِهِ (¬3) فَيَقُولُ عِيسَى: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّداً صلى اللهُ عليه وسلم، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ (¬4)، وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ والرَّحِمُ فَيَقُومَانِ جَنْبَتِي الصِّرَاطِ يَمِينَاً وَشِمَالاً، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ. قالَ قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَالْبَرْقِ؟ قالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّحَالِ تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ (¬5) حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفاً. قالَ: وفي حَافتَيِ الصِّرَاطِ كَلالِيبُ (¬6) مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ (¬7) وَمَكْدُوشٌ (¬8) ¬

= يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى (121) ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى (122)] من سورة طه. أكل من الشجرة فضل عن المطلوب وخاب حيث طلب الخلد بأكل الشجرة أو عن المأمور به أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو. ثم اصطفاه وقربه بالحمل على التوبة والتوفيق لها وقبل توبته وثبت عليها. (¬1) من وراء وراء كذا ط وع ص 455 - 2، وفي ن د: من وراء من وراء: أي أنا في حاجة إلى رحمته ورأفته بي افتقاراً وتضرعاً: عمن قصد من باب ضرب. (¬2) لكونه موجداً بتأثير أمره سبحانه وتعالى (كن) المذكور في قوله تعالى: [إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (59)] من سورة آل عمران. وقيل لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله تعالى، وقيل: سمى به لما خصه الله تعالى به في صغره حيث قال وهو في مهده: [إني عبد الله قد آتاني الكتاب وجعلني نبياً. وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً] الآية، وقيل: سمي كلمة الله تعالى من حيث إنه صار نبياً كما سمى النبي صلى الله عليه وسلم [ذكراً رسولاً] أهـ غريب ص 455. (¬3) معطى الحياة بلا أب. وفي الغريب وسمي عيسى عليه السلام روحاً في قوله تعالى: [وروح منه] وذلك لما كان له من إحياء الأموات أهـ قال تعالى: [وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله] من سورة آل عمران. (¬4) يأخذ إذناً بالشفاعة كما قال تعالى: [يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن] من سورة طه ويمر الناس على الصراط بحسب أعمالهم الصالحة: أ - تمر كالبرق، ب - تمر كمرور الطير. جـ - تمر مقدار إقامة عمل. د - تمر طائفة تزحف زحفاً. (¬5) النجاة النجاة. (¬6) خطاطيف من حديد خاطفة بشدة. (¬7) أصابه تأثير الاحتكاك والشد، يقال خدشته جرحته في ظاهر الجلد وسواء رمى الجلد أو لا. (¬8) مساق بعنف ومأخوذ بقوة شديدة ومطرود من رحمة الله.

في النَّارِ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ (¬1) جَهَنَّمَ لَسَبْعِينَ خَرِيفاً. رواه مسلم. 102 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ (¬2) وَلاَ فَخْرَ، وَمَا مِنْ بَنِي آَدَمَ يَوْمَئِذٍ (¬3) فَمَنْ سِوَاهُ إِلاَّ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلاَ فَخْرَ (¬4). قالَ: فَيَفْزَعُ (¬5) النَّاسُ ثَلاث فَزَعَاتٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ فذكر الحديث إِلى أَنْ قالَ: فَيَأْتُونِي فَأَنْطَلِقُ مَعَهُمْ، قالَ ابنُ جُدْعَانَ: قالَ أَنَسٌ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، قالَ: فآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ فَأُقَعْقِعُها (¬6)، فَيُقَالُ، مَنْ هَذَا؟ فَيُقَالُ: مُحَمَّدٌ، فَيَفْتَحُونَ لِي وَيُرَحِّبُونَ فَيَقُولُونَ: مَرْحَباً فَأَخِرُّ سَاجِداً (¬7) فَيُلْهِمُنِي اللهُ مِنَ الثَّنَاءِ والْحَمْدِ فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهُ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَقُلْ يُسْمَعْ لِقَوْلِكَ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي قالَ اللهُ: [عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً]. رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وروى ابن ماجة صدرَه قال: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آَدَمَ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ (¬8) وَأَوَّلُ مُشَفَّعْ (¬9) وَلاَ فَخْرَ، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ. وفي إسنادهما علي بن يزيد بن جدعان. 103 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في دَعْوَةٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً (¬10) وَقالَ: أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللهُ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَتَدْنُو (¬11) مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ ¬

(¬1) نهاية قعرها مسافة سير سبعين سنة. (¬2) راية وشارة الثناء على الله. (¬3) في هذا الوقت. (¬4) هذا إكرام من الله وأنا متواضع لا افتخار عندي. (¬5) فيخاف. والفزع: الذعر. (¬6) فأقعقعها: أي أحركها لتصوت، والقعقعة حكاية حركة الشيء يسمع له صوت. (¬7) أسقط وأضع جبهتي على الأرض متضرعاً. (¬8) يعني شفيعاً. (¬9) رجاه الناس وأملوا فيه الشفاعة. (¬10) أخذ اللحم بأطراف أسنانه: أي تناول قليلاً قناعة. (¬11) تقرب.

وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلاَ تَرَوْنَ إِلى مَا أَنْتُمْ فِيهِ، وَإِلَى مَا بَلَغَكُمْ، أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَبُوكُمْ آدَمُ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: يَا آَدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ (¬1) وَأَمَرَ الْملائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ، أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا، فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلى غَيْري اذْهَبُوا إِلى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللهُ عَبْدَاً شَكُوراً (¬2) أَلاَ تَرَى إِلى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلاَ تَرَى إِلى مَا بَلَغَنَا، أَلاَ تَشْفَعُ إِلى رَبِّكَ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِ] نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبيُّ اللهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لِهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ (¬3) فَذَكَرَهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلى مُوسَى، فَيَأْتُونَ ¬

(¬1) وهب لك الحياة. (¬2) خاضعاً كثير الشكر والثناء .. (¬3) الكذبة الأولى: رأى إبراهيم النجوم في السماء متفكراً في نفسه كيف يحتال لاعتقاد قومه علم النجوم فأوهمهم أنه استدل بأمارة على أنه يسقم كما قال تعالى: [فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فتولوا عنه مدبرين (90)] من سورة الصافات. أي مشارف للسقم، وهو الطاعون، وكان أغلب الأسقام عليهم، وكانوا يخافون العدوى ليتفرقوا عنه فهربوا منه إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام، وليس معه أحد ففعل بالأصنام ما فعل. قال النسفي: والكذب حرام إلا إذا عرض، والذي قاله إبراهيم عليه السلام معراض من الكلام: أي سأسقم، أو من الموت في عنقه سقيم، ومنه المثل كفى بالسلامة داء أهـ. قال لبيد: فدعوت ربي بالسلامة جاهداً ... ليصحني فإذا السلامة داء الكذبة الثانية: نزل إبراهيم عليه السلام مع زوجه السيدة سارة رضي الله عنها مدينة ملكها زير النساء فسأله عن هذه السيدة فقال: أختي علماً منه أن الرجل يغار على زوجته أكبر من أخته وخاف إبراهيم أن يقتله إذا علم الملك أنها زوجته، وذهبت إليه وذهب إبراهيم يصلي وقال لها: قلت إنك أختي فسلمها الله وحفظها من هذا الطاغية الجبار وأعطاها خادمة لها السيدة هاجر رضي الله عنها أعلمت أن الله كبت الكافر وأخذ مني وليدة. الكذبة الثالثة: ما حكى الله تعالى في كتابه المحكم [قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم (62) قال بل فعله كبيرهم =

مُوسَى، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسولُ اللهِ فَضَّلَكَ اللهُ بِرِسَالاَتِهِ (¬1) وَبِكلامِهِ (¬2) عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ، أَمَا تَرَى إِلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسَاً لَمْ اُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلى عِيسَى فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ (¬3)، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ في الْمَهْدِ (¬4) اشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْباً، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلى مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم فَيَأْتُونِي (¬5) فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ (¬6) وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِداً لِرَبِّي ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي ¬

= هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون (63) فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون (64)] من سورة الأنبياء. قال البيضاوي أسند الفعل إليه تجوزاً، لأن غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم له تسبب لمباشرته إياه، أو تقريراً لنفسه مع الاستهزاء والتبكيت على أسلوب تعريضي تسمية للمعاريض كذباً لما شابهت صورتها صورته أهـ ص 461. (¬1) أي اجتباك واختارك على أهل زمانك. (¬2) بتكليمه إياك كما قال الله تعالى: [قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين (144)] من سورة الأعراف. أي أعطيتك من شرف النبوة والحكمة. قيل خر موسى صعقاً يوم عرفة وأعطى التوراة يوم النحر. (¬3) أراد ما يحيا به. (¬4) المهد مصدر سمي به ما يمهد للصبي في مضجعه، قال تعالى: [ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين (46)] من سورة آل عمران: أي يكلمهم حال كونه طفلاً وكهلاً كلام الأنبياء من غير تفاوت، قيل رفع شاباً، والمراد وكهلاً بعد نزوله أهـ. (¬5) فيأتوني، كذا ط وع 2457 - 2 أي يقبلون علي، وفي ن د: فيأتون. (¬6) جميع ما فرط منك مما يصح أن تعاتب عليه كما قال تعالى: [إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيما وينصرك الله نصراً عزيزاً (3)] من سورة الفتح. وعد صلى الله عليه وسلم بفتح مكة، واتفق أن فتح خيبر، وحصل صلح في الحديبية، وقد نزح ماء بئر في الحديبية فمضمض، ثم مجه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه، ويتم نعمته بإعلاء الدين وضم الملك إلى النبوة، ويهديك في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرياسة بنصر فيه عزة ومنعة، أو يعز فيه المنصور.

يَا رَبُّ أُمَّتِي يَا رَبُّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ (¬1) مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كما بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى. رواه البخاري ومسلم. 104 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا رَبَّاهُ! فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلا: يَا لَبَّيْكَاهُ (¬2) فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ حَرَّقْتَ بَنِيَّ (¬3)؟ فَيَقُولُ: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةٌ (¬4) أَوْ شَعِيرَةٌ مِنْ إِيمَانٍ. رواه ابن حبان في صحيحه، ولا أعلم في إسناده مطعنا. وروى الطبراني عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يُشَفِّعُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ذُرِّيّتِهِ في مِائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ، وَعَشْرَةِ آلاَفِ أَلْفٍ. 105 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ قالَ: جَلَسْتُ إِلى قَوْمٍ أَنَا رَابِعُهُمْ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. قُلْنَا: سِوَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: سِوَايَ. قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم؟ قالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا قامَ قُلْتُ: مَنْ هذَا؟ قالُوا: ابْنُ الْجَدْعَاءِ أَوِ ابْنُ أَبِي الْجَدْعَاءِ. رواه ابن حبان في صحيحه وابن ماجة إلا أنه قال: عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْجَدْعَاءِ. 106 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ لَيْسَ بِنَبِيٍّ مِثلُ الْحَيَّيْنِ (¬5) رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوَمَا رَبِيعَةُ مِنْ مُضَرٍ؟ قالَ: إِنَّمَا أَقُولُ مَا أَقُولُ. رواه أحمد بإسناد جيد. ¬

(¬1) المصرع من الباب: الشطر، يعني ما بين نصفي الباب مسافة بعيدة تساوي البعد الذي بين مكة وهجر، أو بين مكة وبصرى. (¬2) يا إبراهيم إجابة بعد إجابة. (¬3) أبنائي في النار. (¬4) قدر رأس نملة. (¬5) الحي: القبيلة من العرب، والجمع أحياء أهـ مصباح.

107 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَشْفَعُ لِلرَّجُلَيْنِ وَالثَّلاثَةِ. رواه البزار، ورواته رواة الصحيح. 108 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يُوضَعُ للأَنْبِيَاءِ مَنَابِرُ (¬1) مِنْ نُورٍ يَجْلِسُونَ عَلَيْهَا، وَيَبْقَى مِنْبَرِي لاَ أَجْلِسُ عَلَيْهِ أَوْ قالَ: لاَ أَقْعُدُ عَلَيْهِ، قائِماً (¬2) بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي مَخَافَةَ أَنْ يُبْعَثَ بِي (¬3) إِلى الْجَنَّةِ وَتَبْقَى أُمَّتِي بَعْدِي، فَأَقُولُ: يَا رَبُّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا مُحَمَّدُ مَا تُرِيدُ أَنْ أَصْنَعَ بِأُمَّتِكَ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ عَجِّلْ حِسَابَهُمْ (¬4) فَيُدْعَى بِهِمْ فَيُحَاسَبُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِي، فَمَا أَزَالُ أَشْفَعُ حَتَّى أُعْطَى صِكَاكاً بِرِجَالٍ قَدْ بُعِثَ بِهِمْ إِلى النَّارِ حَتَّى إِنَّ مَالِكاً (¬5) خَازِنَ النَّارِ لَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ مَا تَرَكْتَ لِغَضَبِ رَبِّكَ في أُمَّتِكَ مِنْ نِقْمَةٍ (¬6). رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبيهقي في البعث، وليس في إسنادهما من ترك. [الصِّكاك]: جمع صك، وهو الكتاب. 109 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: أَشْفَعُ (¬7) لأُمَّتِي حَتَّى يُنَادِيَنِي (¬8) رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَقُولُ: أَقَدْ رَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَأَقُولُ: إِيْ رَبِّ (¬9) قَدْ رَضِيتُ. رواه البزار والطبراني وإسناده حسن إن شاء الله. شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي 110 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: شَفَاعَتِي (¬10) لأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي. رواه أبو داود والبزار والطبراني وابن حبان في صحيحه والبيهقي، ورواه ابن حبان أيضاً والبيهقي من حديث جابر. ¬

(¬1) أمكنة مرتفعة. (¬2) متضرعاً راجياً. (¬3) خشية أن أذهب. (¬4) أنقذهم من هذا الموقف. (¬5) حتى إن مالكاً، كذا ع ص 458 - 2، وفي ن ط وحتى. (¬6) من نقمة كذا ط وع، وفي ن د من نقمته: أي عذاب. (¬7) أشفع، كذا د وع؛ وفي ن ط: ما أزال أشفع: أي أستمر شافعاً. (¬8) حتى يناديني، كذا ط وع، وفي ن د: ينادي. (¬9) في ن د: قد رضيت. (¬10) رجائي لمن فعل الذنوب التي عقابها شديد.

111 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ أَوْ يَدْخُلُ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ لأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَمَا إِنَّهَا لَيْسَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ (¬1)، وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ (¬2) الْخَطَّائِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ (¬3). ¬

(¬1) السلف الصالح. (¬2) مرتكبين الآثام الذي يفعلون الأخطاء. (¬3) المصابين بالذنوب. الشفاعة العظمى لخير الخلق صلى الله عليه وسلم أ - قال الله تعالى: [ولسوف يعطيك ربك فترضى (5)] من سورة الضحى. وعد شامل لما أعطاه من كمال النفس وظهور الأمر وإعلاء الدين، ولما ادخر له مما لا يعرف كنهه سواه أهـ بيضاوي، قال الشاعر: قرأنا في الضحى ولسوف يعطى ... فسر قلوبنا ذاك العطاء وحاشا يا رسول الله ترضى ... وفينا من يعذب أو يساء قال النسفي: ولسوف يعطيك أي في الآخرة ومقام الشفاعة وغير ذلك. ولما نزلت قال صلى الله عليه وسلم "إذاً لا أرضى قط وواحد من أمتي في النار". ب - وقال تعالى: [فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى (120)] من سورة طه. صل وأنت حامد لربك على هدايته وتوفيقه، أو نزهه عن الشرك وسائر ما يضيفون إليه من النقائص حامداً له على ما ميزك بالهدى معترفاً بأنه المنعم المتفضل طمعاً أن تنال عند الله ما ترضى. جـ -[وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيرا (80)] من سورة الإسراء. قال النسفي: عسى أن يبعثك يوم القيامة فيقيمك مقاماً محموداً وهو مقام الشفاعة عند الجمهور، أو هو مقام يعطى فيه لواء الحمد. وقال الغزالي: واعلم أنه إذا حق دخول النار على طوائف المؤمنين، فإن الله تعالى يقبل بفضله فيهم شفاعة الأنبياء والصديقين، بل شفاعة العلماء والصالحين؛ وكل من له عند الله تعالى جاه وحسن معاملة فإن له شفاعة في أهله وقرابته وأصدقائه ومعارفه، فكن حريصاً على أن تكتسب لنفسك عندهم رتبة الشفاعة، وذلك بأن لا تحقر آدمياً أصلاً فإن الله تعالى خبأ ولايته في عباده فلعل الي تزدريه عينك هو ولي الله. ولا تستصغر معصية أصلاً فإن الله تعالى خبأ غضبه في معاصيه فلعل مقت الله فيه، ولا تستحقر طاعة أصلاً فإن الله تعالى خبأ رضاه في طاعته فلعل رضاه فيه، ولو الكلمة الطيبة أو اللقمة أو النية الحسنة أو ما يجري مجراه وروى عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم عليه السلام [رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم] وقول عيسى عليه السلام [إن تعذبهم فإنهم عبادك]. ثم رفع يديه وقال أمتي أمتي ثم بكى فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله فأخبره والله أعلم به فقال يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك الخ ص 449 جـ 4. وفي صفة الحوض أنه مكرمة عظيمة خص الله بها نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نرجو أن يرزقنا الله تعالى في الدنيا علمه، وفي الآخرة ذوقه وأورد قوله تعالى: [إنا أعطيناك الكوثر] السورة. قال صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر وعدنيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير، عليه حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة" ص 452 جـ 2. يا رب تتفضل أن نشْرب من هذا الكوثر تكرماً. =

رواه أحمد والطبراني، واللفظ له، وإسناده جيد، ورواه ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري بنحوه. ¬

_ = آيات الإخلاص أ - قال تعالى: [قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين (12)] من سورة الزمر. ب - وقال تعالى: [وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة (5)] من سورة البينة. جـ - وقال تعالى: [إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً (146)] من سورة النساء. د - وقال تعالى: [إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين (2)] من سورة الزمر. هـ - وقال تعالى: [كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين (24)] من سورة يوسف. و- وقال تعالى: [واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً وكان رسولاً نبياً (51)] من سورة مريم. ز - وقال تعالى: [يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم (88)] من سورة الشعراء. ح - وقال تعالى: [ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير (265)] من سورة البقرة. ط - وقال تعالى: [ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوماً عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا (11)] من سورة الإنسان. ي - وقال تعالى: [وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون (29)] من سورة الأعراف. آيات الاعتصام بالكتاب والسنة أ - قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه (1) إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)] من سورة النساء. ب - وقال تعالى: [وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله] من سورة النساء. جـ - وقال تعالى: [إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً وأن الذين لا يؤمنون بالآخر وأعتدنا لهم عذاباً أليما (10)] من سورة الإسراء. د - وقال تعالى: [إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله] من سورة النساء. هـ - وقال تعالى: [وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (44)] من سورة النحل. و- وقال تعالى: [لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا (21)] من سورة الأحزاب. ز - وقال تعالى: [قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (32)] من سورة آل عمران. =

[قال الحافظ]: وتقدم في الجهاد أحاديث في شفاعة الشهداء وأحاديث الشفاعة كثيرة وفيما ذكرناه غنية عن سائرها، والله الموفق. ¬

_ = ح - وقال تعالى: [وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون (28)] من سورة سبأ. ط - وقال تعالى: [الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذين يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم (1) والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (157)] من سورة الأعراف. ي - وقال تعالى: [من يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا (80)] من سورة النساء. ل - وقال تعالى: [ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين نعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما (70)] من سورة النساء. م - وقال تعالى: [وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون (155)] من سورة الأنعام آيات الترغيب في التوبة من الذنوب أ - قال الله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا (2) عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه] من سورة التحريم. ب - وقال تعالى: [وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (31)] من سورة النور. جـ - وقال تعالى: [والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين (136)] من سورة آل عمران. د - وقال تعالى: [أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم (74)] من سورة المائدة. هـ - وقال تعالى: [إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليما (18)] من سورة النساء. و- وقال تعالى: [ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب (3) إلى الله متابا (71)] من سورة الفرقان. ز - وقال تعالى: [فاغفر للذين تابوا واتبعوا (4) سبيلك وقهم عذاب الجحيم (7)] من سورة غافر. ح - وقال تعالى: [إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما (70)] من سورة الفرقان. ط - وقال تعالى [قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم (53)] من سورة الزمر.

كتاب صفة الجنة والنار

كتاب صفة الجنة والنار الترغيب في سؤال الجنة والاستعاذة من النار 1 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم: كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هذَا الدُّعَاء كما يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ (¬1) مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ (¬2) الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ (¬3). رواه مالك ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 2 - وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: سَمِعَنِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَأَنَا أَقُولُ: اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ، وَبِأبِي: أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: سَأَلْتِ اللهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ (¬4)، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ (¬5) لَنْ يُعَجِّلَ (¬6) شَيْئاً مِنْهَا قَبْلَ أَجَلِهِ (¬7) وَلاَ يُؤَخِّرَ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعِيذَكِ (¬8) مِنَ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ كانَ خَيْراً وَأَفْضَلَ. رواه مسلم. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا اسْتَجَارَ عَبْدٌ مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلاَّ قالَتِ النَّارُ: يَا رَبُّ إِنَّ عَبْدَكَ فُلاناً اسْتَجَارَ مِنِّي فَأَجِرْهُ (¬9)، وَلاَ سَأَلَ عَبْدٌ الْجَنَّةَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلاَّ قالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبُّ إِنَّ عَبْدَكَ فُلاناً سَأَلَنِي فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ. رواه أبو يعلى بإسناد على شرط البخاري ومسلم. 4 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ¬

(¬1) أطلب الغوث وأستجير. (¬2) الكذاب الذي يضل الناس. (¬3) الضلال قبل الموت وبعد الموت. (¬4) محدودة. (¬5) مقدرة. (¬6) لن يعجل، كذا ط وع 259 - 2، وفي ن د: لا يعجل. (¬7) موعده المحقق المقدر. (¬8) أن يبعدك. (¬9) أبعده من لهيبي.

الترهيب من النار أعاذنا الله منها بمنه وكرمه

مَنْ سَأَلَ اللهَ الْجَنَّةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ قالَتِ الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَمَنِ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ قالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ. رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه ولفظهم واحد، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ للهِ مَلائِكَةً سَيَّارَةً يَتَّبِعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فذكر الحديث إلى أن قال: فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ. قالَ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ قالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قالُوا: لاَ أَيْ رَبِّ، قالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ. قالَ: وَمِمَّا يَسْتَجِيرونِي (¬1)؟ قالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ. قالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قالُوا: لاَ. قالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي. قالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ قالَ فَيَقُولُ (¬2): قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا. الحديث رواه البخاري ومسلم واللفظ له، وتقدم بتمامه في الذكر. الترهيب من النار أعاذنا الله منها بمنه وكرمه 1 - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً (¬3) وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رواه البخاري. 2 - وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: اتَّقُوا النَّارَ، قالَ: وَأَشَاحَ، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلاثَاً حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ. رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) مما يستجيروني، كذا ط وع، وفي ن د: يستجيرونني. (¬2) في ن د فيقول الله. (¬3) قال البيضاوي يعني الصحة والكفاف وتوفيق الخير، وفي الآخرة حسنة يعني الثواب والرحمة، وقنا بالعفو والمغفرة، وقول علي رضي الله عنه: الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة، وفي الآخرة الحوراء، وعذاب النار: المرأة السوء، وقول الحسن: الحسنة في الدنيا العلم والعبادة، وفي الآخرة الجنة، وقنا عذاب النار، ومعناه احفظنا من الشهوات والذنوب المؤدية إلى النار أهـ.

[أشاح] بشين معجمة وحاء مهملة: معناه حذر النار كأنه ينظر إليها، وقال الفراء: المشيح على معنيين: المقبل إليك، والمانع لما وراء ظهره، قال وقوله: أعرض وأشاح: أي أقبل. 3 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: [وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] (¬1) دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قُرَيْشَاً فاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ فَقَالَ: يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا (¬2) أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً. رواه مسلم واللفظ له، والبخاري والترمذي والنسائي بنحوه. 4 - وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ: أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ أَنْذَرْتُكُمُ النَّارَ حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلاً كانَ بِالسُّوقِ (¬3) لَسَمِعَهُ مِنْ مَقَامِي هذَا حَتَّى وَقَعَتْ خَمِيصَةٌ (¬4) كَانَتْ عَلَى عَاتِقِهِ (¬5) عِنْدَ رِجْلَيْهِ. رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم. 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أَمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَاراً (¬6) فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ، وأَنَتُمْ تَقَحَّمُونَ (¬7) فِيهَا. رواه البخاري ومسلم. ¬

(¬1) الأقرب منهم فالأقرب، فإن الاهتمام بشأنهم أهم. روي "أنه لما نزلت صعد الصفا وناداهم فخذاً فخذاً حتى اجتمعوا إليه فقال: لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" أهـ بيضاوي. (¬2) أخرجوها من جهنم بسبب الأعمال الصالحة. (¬3) مكان اجتماع الناس للتجارة وطلب الربح. (¬4) ثوب خز أو صوف معلم، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت من لباس الناس أهـ نهاية. (¬5) صفحة عنقه. (¬6) أشعلها. (¬7) أي تقعون فيها، يقال: اقتحم الإنسان الأمر العظيم وتقحمه إذا رمى نفسه فيه من غير روية وتثبت أهـ نهاية. وقال القسطلاني: أي مثل دعائي الناس إلى الإسلام المنقذ لهم من النار. وهذه الدواب كالبرغش والجندب والفراشة تتهافت في السراج طالبة ضوء النهار فإذا رأت السراج بالليل ظنت أنها في بيت مظلم، وأن السراج كوة في البيت المظلم فتتهافت إلى الموضع المضيء، ولا تزال تطلب الضوء لتنجو من الظلام حتى تحترق. قال الغزالي: ولعلك تظن أن هذا بنقصانها وجهلها فاعلم أن جهل الإنسان أضر وأعظم من جهلها فإن حالة الإنسان في الإكباب على الشهوات حتى ينغمس فيها ويهلك ويبقى في النار أبد الآباد أكبر من جهل الفراش، ولذلك =

6 - وفي رواية لمسلم: إِنَّمَا مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهذِهِ الدَّوابُّ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ (¬1) وَيَغْلِبْنَهُ، فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا. قال: فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، وَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَيَغْلِبُونِي وَيَقْتَحِمُونَ فِيهَا. 7 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَاراً فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ (¬2) عَنْهَا وَأَنَا آخِذ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفْلِتُونَ مِنْ يَدَيَّ. رواه مسلم. [الحجز] بضم الحاء وفتح الجيم: جمع حجزة: وهي معقد الإزار. 8 - وَرُوِيَ عَنْ كُلَيْبِ بْنِ حَزْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: اطْلُبُوا الْجَنَّةَ جُهْدَكُمْ (¬3)، وَاهْرُبُوا مِنَ النَّارِ جُهْدَكُمْ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَنَامُ طَالِبُهَا، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يَنَامُ هَارِبُهَا، وَإِنَّ الآخِرَةَ الْيَوْمَ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ، وَإِنَّ الْدُّنْيَا مَحْفُوفَةٌ بِاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ فَلا تُلْهِيَنَّكُمْ عَنِ الآخِرَةِ. رواه الطبراني. 9 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، وَلاَ مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا. رواه الترمذي وقال: هذا حديث إنما نعرفه من حديث يحيى بن عبيد الله، يعني ابن موهب التيمي. [قال الحافظ]: قد رواه عبد الله بن شريك عن أبيه عن محمد الأنصاري، والسدي عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه البيهقي وغيره. 10 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ: ارْغَبُوا فِيمَا رَغَّبَكُمُ اللهُ فِيهِ، واحْذَرُوا مِمَّا حَذَّرَكُمُ اللهُ مِنْهُ، وَخَافُوا مِمَّا خَوَّفَكُمُ اللهُ بِهِ مِنْ عَذَابِهِ وَعِقَابِهِ، وَمِنْ جَهَنَّمَ، فَإِنَّهَا لَوْ كانَتْ قَطْرَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ مَعَكُمْ ¬

= كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنكم تتهافتون في النار تهافت الفراش وأنا آخذ بحجزكم" أهـ ص 156 جواهر البخاري. (¬1) يمنعهن، ولكن يدخلن كرهاً منه، ويسقطن. (¬2) يدفعهن. (¬3) على قدر استطاعتكم.

في دُنْيَاكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا حَلَّتْهَا لَكُمْ، وَلَوْ كَانَتْ قَطْرَةٌ مِنَ النَّارِ مَعَكُمْ في دُنْيَاكُمُ التِي أَنْتُمْ فِيهَا خَبَأتْهَا عَلَيْكُمْ. رواه البيهقي، ولا يحضرني الآن إسناده. تمثل العصاة ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم 11 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أُتِيَ بِفَرَسٍ يَجْعَلُ كُلَّ خَطْوٍ مِنْهُ أَقْصَى بَصَرِهِ، فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَأَتَى عَلَى قَوْمٍ يَزْرَعُونَ في يَوْمٍ وَيَحْصُدُونَ في يَوْمٍ كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلاءِ؟ قالَ: هَؤُلاءِ الْمُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ، تُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِسَبْعِمِائَةِ ضَعْفٍ وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ شَيءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ (¬1) رُؤُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كما كَانَتْ، وَلا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، قالَ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤلاءِ؟ قالَ: هؤلاءِ الَّذِينَ تَثَاقَلَتْ (¬2) رُؤُوسُهُمْ عَنِ الصَّلاَةِ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقاعٌ (¬3)، وَعَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقاعٌ يَسْرَحُونَ كما تَسْرَحُ الأَنْعَامُ إِلى الضَّرِيعِ (¬4) وَالزَّقوم (¬5) وَرَضْفِ جَهَنَّمَ (¬6) قالَ: مَا هَؤلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قالَ: هَؤلاءِ الَّذِينَ لاَ يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ (¬7) أَمْوَالِهِمْ، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ، وَمَا اللهُ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (¬8). ثُمَّ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ جَمَعَ حُزْمَةً عَظِيمَةً لاَ يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا، قالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هذَا؟ قالَ: هذَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ عَلَيْهِ أَمَانَةُ النَّاسِ لاَ يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يزيدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ (¬9)، كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كما كَانَتْ، لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، قالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَؤلاءِ؟ قالَ: خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ ¬

(¬1) تدق وتكسر. (¬2) كسلوا وقصروا في ع 467 - 2 تثاقل. (¬3) أراد بالرقاع ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع. (¬4) نبت بالحجاز له شوك كبار، ويقال له الشبرق. (¬5) الشرب المفرط واللقم الشديد يسمى زقما، وفي صفة النار كما في النهاية "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا". الزقوم ما وصف الله في كتابه العزيز قال: [إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين] أهـ. (¬6) الحجارة المجماة على النار. ومنه "بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم". (¬7) زكاتها من زروع وثمار ومواش، وذهب وفضة وعروض تجارة .. (¬8) وليس الله ظالماً خلقه، ولكن يحاسب على حدوده كما قال تعالى: [ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين (14)] من سورة النساء. (¬9) تقطع بآلات حادة.

جهنم تقول يا رب ائتني بأهلي ثُمَّ أَتَى عَلَى جُحْرٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ ثَوْرٌ عَظِيمٌ فَيُرِيدُ الثَّوْرُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ فَلا يَسْتَطِيعُ، قالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قالَ هذَا الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بالْكَلِمَةِ الْعَظِيمةِ فَيَنْدَمُ عَلَيْهَا فَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا فَلا يَسْتَطِيعُ، ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَوَجَدَ رِيحاً طَيِّبَةً وَوَجَدَ رِيحَ مِسْكٍ مَعَ صَوْتٍ، فَقَالَ: مَا هذَا؟ قالَ: صَوْتُ الْجَنَّةِ تَقُولُ: يَا رَبِّ ائْتِنِي بِأَهْلِي وَرِمَا وَعَدْتَنِي فَقَدْ كَثُرَ غَرْسِي وَحَرِيرِي وَسُنْدُسِي وَإسْتَبْرَقِي وَعَبْقَرِييِّ وَمَرْجَانِي وَفِضَّتِي وَذَهَبِي وَأَكْوَابِي وَصِحَافِي وَأَبَارِيقِي وَفَوَاكِهِي وَعَسَلِي وَمَائِي وَلَبَنِي وَخَمْرِي، ائْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي قالَ: لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي، وَعَمِلَ صَالِحَاً وَلَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئاً، وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَاداً (¬1) فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَمَنْ أَقْرَضَنِي (¬2) جَزَيْتُهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيَّ كَفَيْتُهُ (¬3). إِنِّي أَنَا اللهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا، لاَ خُلْفَ لِمِيعَادِي، قَدْ أَفْلَحَ (¬4) الْمُؤْمِنُونَ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (¬5) فَقَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ، ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتاً مُنْكَراً، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا هذَا الصَّوْتُ؟ قالَ: هذَا صَوْتُ جَهَنَّمَ تَقُولُ: يَا رَبِّ ائْتِنِي بِأَهْلِي وَبِمَا وَعَدْتَنِي فَقَدْ كَثُرَتْ سَلاسِلِي (¬6) وَأَغْلالِي وَسَعِيرِي (¬7). ¬

(¬1) شركاء. (¬2) تصدق ابتغاء ثوابي وساهم في مشروعات الخير. وفي الغريب: وسمي ما يدفع إلى الإنسان من المال بشرط رد بدله قرضاً، قال تعالى: [من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط] من سورة البقرة. (¬3) اعتمد علي وفوض أمره إلي. (¬4) فازوا بأمانيهم .. (¬5) فتعالى شأنه في قدرته وحكمته يدخل في الجنة المسلم المؤمن الذي له في الصالحات قدم صدق متجنب الإشراك به المتضرع طالباً رحمته الخائف عذابه المتصدق المزكي المعتمد عليه جل جلاله في كل أفعاله وتسيير أموره ونعيم الجنة: أ - أنواع الفواكه. ب - أفخر الملابس والأثاث. جـ - الجواهر والذهب. د - ألذ الشراب. (¬6) قيود من حديد وآلات تعذيب وانتقام وأسر وشدة. (¬7) حري شديد كما قال تعالى: أ -[وسيصلون سعيرا (10)] من سورة النساء. ب -[وإذا الجحيم سعرت (12)] من سورة التكوير. جـ -[إن المجرمين في ضلال وسعر (47)] من سورة القمر.

للنار كل جبار لا يؤمن بيوم الحساب وَحَمِيمِي (¬1) وَغَسَّاقِي وَغِسْلِينِي (¬2)، وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي (¬3)، وَاشْتَدَّ حَرِّي، ائْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي، قالَ: لَكِ كُلُّ مُشْرِكٍ (¬4) وَمُشْرِكَةٍ، وَخَبِيثٍ وَخَبِيثَةٍ (¬5)، وَكُلُّ جَبَّارٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (¬6)، قالَتْ: قَدْ رَضِيتُ، فذكر الحديث في قصة الإسراء وفرض الصلاة وغير ذلك. رواه البزار عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أو غيره عن أبي هريرة. لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا 12 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: ¬

(¬1) الماء الشديد الحرارة، قال تعالى: أ -[وسقوا ماء حميما]. ب -[إلا حميماً وغساقا]. جـ -[والذين كفروا لهم شراب من حميم] من سورة الأنعام. د - وقال عز وجل: [يصب من فوق رؤوسهم الحميم (19)] من سورة الحج. هـ - وقال تعالى: [ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم (67)] من سورة الصافات. و- وقال تعالى: [هذا فليذوقوه حميم وغساق (57)] من سورة ص. والغساق ما يقطر من جلود أهل النار. (¬2) غسالة أبدان الكفار في النار كما قال تعالى: [ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون (37)] من سورة الحاقة. (¬3) عمقي واسع جداً. (¬4) الذي يجعل لله شريكاً في ذاته أو صفاته أو أفعاله. أي أصحاب النار: أ - من يشرك بربه. ب - الردئ اعتقاده الخسيس عمله، محب الباطل، مائل إلى كذب المقال، قبيح الفعال، قال عز وجل: أ -[ويحرم عليهم الخبائث]: أي ما لا يوافق النفس من المحظورات. ب - وقال تعالى: [ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث] فكناية هذا عن إتيان الرجال. جـ - وقال تعالى: [ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب] أي الأعمال الخبيثة من الأعمال الصالحة والنفوس الخبيثة من النفوس الزكية. د - وقال تعالى: [ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب] أي الحرام بالحلال. هـ - وقال تعالى: [الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات]. و- وقال تعالى: [قل لا يستوي الخبيث والطيب] أي الكافر والمؤمن والأعمال الفاسدة والأعمال الصالحة أهـ غريب. (¬5) الظلمة الفسقة. (¬6) مكذب بوجود يوم الحساب. هذا إخبار من طبيب النفوس صلى الله عليه وسلم يبشر بدار الجزاء لمن أطاع الله يرى نعيمه، ومن خالف كتابه وسنته اصطلى ناراً، فاحذروا عباد الله العصيان وأقبلوا على القرآن والسنة وشيدوا لكم في المكارم قصوراً، وفي الطيبات ثماراً جنية دانية، واتقوا الله وراقبوه، وعليكم بمجالسة أهل العلم يرشدوكم.

وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُم كَثِيراً. قالُوا: وَمَا رَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قالَ: رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ. رواه مسلم وأبو يعلى. 13 - وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم مَرَّ بِقَوْمٍ وَهُمْ يَضْحَكُونَ فَقَالَ: تَضْحَكُونَ وَذِكْرُ الْجَنَّةِ والنَّارِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ (¬1). قالَ: فَمَا رُئِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ضَاحِكَاً حَتَّى مَاتَ، قالَ: وَنَزَلَتْ فِيهِمْ: [نَبِّئْ عِبَادِي (¬2) أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ]. رواه البزار، وليس في إسناده من ترك ولا اتّهم. 14 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: لاَ تَنْسَوا الْعَظِيمَتِينِ: الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى جَرَى أَوْ بَلَّ دُمُوعُهُ جَانِبَيْ لِحْيَتِهِ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ لَمَشَيْتُمْ إِلى الصَّعِيدِ (¬3) وَلَحَثَيْتُمْ (¬4) عَلَى رُؤُوسِكُمْ التُّرَابَ. رواه أبو يعلى. 15 - وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلى النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في حِينٍ غَيْرِ حِينِهِ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ فِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَالِي أَرَاكَ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ؟ فَقَالَ: مَا جِئْتُكَ حَتَّى أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَنَافِخِ النَّارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَا جِبْرِيلُ صِفْ لِي النَّارَ، وانْعَتْ لي جَهَنَّمَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتعَالَى أَمَرَ بِجَهَنَّمَ فَأُوْقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ أَمَرَ فأُوقِدَ علَيْهَا أَلْفُ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، ثُمَّ أَمَرَ فَأُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ ¬

(¬1) موجودة الآن قائمة منشأة. (¬2) أخبر من اتقاني أني متصف بالغفران والرحمة والرضوان. قال النسفي: تقريراً لما ذكر وتمكيناً له في النفوس قال عليه الصلاة والسلام "لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن حرام، ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه في العبادة ولما أقدم على الذنب". اللهم إني أرجح عفوك وأخشى عذابك فقني الأذى واحفظني منه وأجرني ووفقني والمسلمين. (¬3) أي لذهبتم إلى الطريق باكين على تقصيركم، ومنه الحديث "ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله". (¬4) لوضعتم، من حاثه: هاله بيده أو قبضه بيده ثم رماه، المعنى لو أطلعكم الله على عاقبة أعمالكم لهرولتم إلى المساجد عابدين عاكفين على طاعته طالبين رضاه ولبكيتم على إهمالكم في حقوق الله وأصابتكم الذلة والمسكنة والوجل.

فَهِيَ سَوْدَاءٌ مُظْلِمَةٌ لا يُضِيءُ شَرَرُهَا، وَلاَ يُطْفَأُ لَهَبُهَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ قَدْرَ ثُقْبِ (¬1) إِبْرَةٍ فُتِحَ مِنْ جَهَنَّمَ لَمَاتَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً مِنْ حَرِّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ خَازِناً مِنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ بَرَزَ (¬2) إِلى أَهْلِ الدُّنْيَا لَمَاتَ مَنْ في الأَرْضِ كُلُّهُمْ من قُبْحِ وَجْهِهِ (¬3)، وَمِنْ نَتْنِ (¬4) رِيحِهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ حَلْقَةً مِنْ حِلَقِ سَلْسِلَةِ أَهْلِ النَّارِ الَّتِي نَعَتَ اللهُ في كِتَابِهِ (¬5) وُضِعَتْ عَلَى جِبَالِ الدُّنْيَا لأَرْفَضَتْ (¬6) وَمَا تَقَارَّتْ (¬7) حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلى الأَرْضِ السُّفْلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: حَسْبِي (¬8) يَا جِبْرِيلُ لاَ يَنْصَدِعُ قَلْبِي فَأَمُوتَ! قال: فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِلى جِبْرِيْلَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ: تَبْكِي يَا جِبْرِيلُ وَأَنْتَ مِنَ اللهِ بِالمكانِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ (¬9)؟ فَقَالَ: وَمَالِي لا أَبْكِي؟ أَنَا أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ لَعَلِّي أَكُونُ فِي عِلْمِ اللهِ عَلَى غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا، وَمَا أَدْرِي لَعَلِّي أُبْتَلَى بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ (¬10) إِبْلِيسُ (¬11) فَقَدْ كَانَ مِنَ الْمَلائِكَةِ، وَمَا أَدْرِي لَعَلِّي أُبْتَلَى بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ هَارُوتُ وَمَارُوتُ (¬12). قالَ: فَبَكَى ¬

(¬1) أي لو فتح من جهنم على العالم أجمع قدر ثقب الإبرة لهلك النبات والشجر والحيوان من شدة لهبها. (¬2) ظهر. (¬3) رداءة هيئته ودمامته. (¬4) جيفة قذرة. نتن الشيء نتونة ونتانة فهو نتين ونتن نتنا. (¬5) [ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه (32)] من سورة الحاقة. طويلة أي فأدخلوه فيها بأن تلقوها على جسده، وهو فيما بينها مرهق لا يقدر على حركة. (¬6) تركت، من رفضته رفضاً. (¬7) استقرت أي لم يوجد لها قرار، يقال قر الشيء استقر، والاستقرار التمكن. (¬8) كافيني ما رأيت خشية أن ينفطر قلبي وينشق فؤادي ويطير لبي فرقاً، ويذهب شعاعاً خوفاً من النار. (¬9) الدرجة العظيمة المقربة إلى الله تعالى الآمنة. (¬10) اختبر. (¬11) طلب الله منه أن يسجد لآدم فامتنع كما قال تعالى: [وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (34)] من سورة البقرة. أي امتنع عما أمر به استكباراً من أن يتخذه وصلة في عبادة ربه أو يعظمه ويتلقاه بالتحية أو يخدمه ويسعى فيما فيه خيره وصلاحه. الله أكبر لمحة من لمحات غضب الرب أخرجت إبليس من رضوان الله. وماذا عليه لو أطاع أمر به؟ ولكن غرور النفس حرمته من حظيرة القدس فلا حول ولا قوة إلا بالله، وانظر عذره كما حكى الله عنه [قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين (32) قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون (33) قال فاخرج منها فإنك رجيم (34) وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين (35) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون (36) قال فإنك من المنظرين (37) إلى يوم الوقت المعلوم (38)] من سورة الحجر. هكذا يكون الخوف من الله، وهكذا تكون النفوس المقربة إلى الله. (¬12) ملكان أنزلا يعلمان الناس السحر ابتلاء من الله تعالى، من تعلمه منهم، وعمل به كان كافراً، والمطلوب أن يعلمه الإنسان، ليتوقى شره وليعرف الفرق بين المعجزة وهي الشيء الخارق للعادة من الله تعالى وفعل السحر: =

يا جبريل ويا محمد إن الله عز وجل قد أمنكما أن تعصياه رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسَلَّم، وَبَكَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَما زَالاَ يَبْكِيَانِ حَتَّى نُودِيَا أَنْ يَا جِبْرِيلُ وَيَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَّنَكُمَا (¬1) أَنْ تَعْصِيَاهُ. فارْتَفَعَ جِبْرِيلُ ¬

= أي عمل الطلاسم والتشعوذ قال تعالى: [وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم] الآية من سورة البقرة. قال البيضاوي سميا ملكين باعتبار صلاحهما (ببابل) من سواد الكوفة: أي هما رجلان وقيل هما ملكان أنزلا لتعليم الناس السحر أهـ. (¬1) كساكما الله حلل أمنه، ولذا قال جبريل عليه السلام: جئت يا محمد بالبشرى والطمأنينة لي كما قال الله تعالى: [إنه لقول رسول كريم (19) ذي قوة عند ذي العرش مكين (20) مطاع ثم أمين (21) وما صاحبكم بمجنون (22)] من سورة التكوير. (رسول كريم) يعني جبريل عليه السلام فإنه قال عن الله تعالى (مكين) عند الله ذي مكانة (مطاع) في ملائكته (أمين) على الوحي، ويؤخذ من ذلك حفظه وتوفيقه وأمنه وطمأنينته، فهو تعالى الحق العدل كما قال تعالى في وعده الصادق (وكذلك نجزي المحسنين). سيدنا جبريل ومحمد عليهما السلام يخافان سوء العاقبة لنعمل مثلهما. آيات تنزيه الله تعالى عن الظلم قال الله تعالى: أ -[إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيما (40)] من سورة النساء. ب -[ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (47)] من سورة الأنبياء. جـ -[اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم (1) اليوم إن الله سريع الحساب (17)] من سورة غافر. د -[يومئذ يوفيهم الله دينهم (2) الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين (25)] من سورة النور. هـ -[وأن ليس للإنسان (3) إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى (41)] من سورة النجم. و-[فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون (94)] من سورة الأنبياء. ز -[يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم (89)] من سورة الشعراء. ح -[ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (1)] من سورة الطلاق. ط -[ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (229)] من سورة البقرة. ي -[والكافرون هم الظالمون (254)] من سورة البقرة. ك -[وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (40)] من سورة العنكبوت. آيات الترهيب من الأمن من مكر الله أ - قال تعالى: [أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون (99)] من سورة الأعراف. ب -[ومكروا مكراً ومكرنا مكرا (4) وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعملون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون (53)] من سورة النمل. =

عَلَيْهِ السَّلامُ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَضْحَكُونَ وَيَلْعَبُونَ فَقَالَ: أَتَضْحَكُونَ وَوَرَاءَكُمْ جَهَنَّمُ فَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، وَلَما أَسَغْتُمُ الطَّعَامَ (¬1) وَالشَّرَابَ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلى الصَّعَدَاتِ (¬2) تَجْأَرُونَ (¬3) إِلى اللهِ. رواه الطبراني في الأوسط، وتقدم شرح بعض غريبه في حديث آخر في ذكر الموت. 16 - وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ جَاءَ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم حَزِيناً لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَالِي أَرَاكَ يَا جِبْرِيلُ حَزِيناً؟ قالَ: إِنِّي رَأَيْتُ نَفْحَةً (¬4) مِنْ جَهَنَّمَ فَلَمْ تَرْجِعْ إِلِيَّ رُوحِي (¬5) بَعْدُ. رواه الطبراني في الأوسط. 17 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ¬

= جـ -[وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك (1) أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (30)] من سورة الأنفال. د -[ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي (2) لهم خيراً لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين (178)] من سورة آل عمران. هـ -[ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص (3) فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء (43)] من سورة إبراهيم. و-[أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (56)] من سورة المؤمنون. ز -[نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم (50)] من سورة الحجر. ح -[ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم (4) والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون (157)] من سورة الأعراف. ط -[أم حسب الذين اجترحوا (5) السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (21)] من سورة الجاثية. ي -[أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار (28)] من سورة ص. ك -[أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون (36)] من سورة القلم. (¬1) سهل تناول الطعام عليكم وازدراده. (¬2) الطرق. (¬3) تلجؤون إليه وتتضرعون بإزالة كربه. (¬4) هبوب ريح ونفسها، ونفح الطيب فاح، وأول نفحة من دم الشهيد: أي أول فورة تفور منه. (¬5) من شدة ألم الحر تتأخر روحه.

فصل في شدة حرها وغير ذلك

أَنَّهُ قالَ لِجِبْرِيلَ: مَالِي لاَ أَرَى مِيكَائِيلَ ضَاحِكاً قَطُّ؟ قالَ: مَا ضَحِكَ مِيكائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ. رواه أحمد من رواية إسماعيل بن عياش، وبقية رواته ثقات. 18 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: تَلا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم هذِهِ الآيَةَ [وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ (¬1)]، فَقَالَ: أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ وَأَلْفُ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، وَأَلْفُ عَامِ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لاَ يُطْفَأُ (¬2) لَهَبُهَا، الحديث. رواه البيهقي والأصبهاني وتقدم بتمامه في البكاء. 19 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ نَارَكُمْ هذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَوْلا أَنَّهَا أُطْفِئَتْ (¬3) بِالمَاءِ مَرَّتَيْنِ مَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا، وَإِنَّهَا لَتَدْعُونَا اللهَ أَنْ لاَ يُعِيدَهَا فِيهَا. رواه ابن ماجة بإسناد واهٍ والحاكم عن جسر بن فرقد وهو واهٍ عن الحسن عنه، وقال: صحيح الإسناد. 20 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يُؤْتَى بِالنَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ (¬4) مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا. رواه مسلم والترمذي. فصل في شدة حرها وغير ذلك 21 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: نَارُكُمْ ¬

(¬1) قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (7)] من سورة التحريم. (قو أنفسكم) بترك المعاصي وفعل الطاعات، وأهليكم بالنصح والتأديب، ناراً تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب، ملائكة تلي أمرها وهم الزبانية، غلاظ الأقوال شداد الأفعال، أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة لايعصون فيما مضى. يؤمرون في المستقبل، أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها، أو يؤدون ما يؤمرون به. (¬2) دائماً في اشتعال. (¬3) الله تعالى خفف لهبها وهون استعمالها وأضعف قوتها رجاء أن ننتفع بها كما قال تعالى: [الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون (80)] من سورة يس. (¬4) ناحية أو جهة أو ثغرة مفتوحة فيها من زم الأنوف: أي خرقها ويعمل فيها زمام: أي خيط كزمام الناقة لتقاد به وتشد.

هذِهِ مَا يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، قالُوا وَاللهِ إِنْ كانَتْ لَكَافِيَةً قالَ: إِنَّهَا فُضِّلَتْ (¬1) عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءاً كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا. رواه مالك والبخاري ومسلم والترمذي، وليس عند مالك: كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا. ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي فزادوا فيه: وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْن، وَلَوْلا ذَلِكَ مَا جَعَلَ اللهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لأَحَدٍ. 22 - وفي رواية للبيهقي: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: تَحْسَبُونَ أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ مِثْلُ نَارِكُمْ هَذِهِ، هِيَ أَشَدُّ سَوَاداً مِنَ الْقَارِ، هِيَ جُزْءٌ مِنْ بِضْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءاً مِنْهَا أَوْ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ. شك أبو سهيل. [قال الحافظ]: وجميع ما يأتي في صفة الجنة والنار معزوّاً إلى البيهقي فهو مما ذكره في كتاب البعث والنشور، وما كان من غيره من كتبه أعزوه إليه إن شاء الله. إن هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم 23 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: إِنَّ هَذِهِ النَّارُ جُزْءٌ مِنْ مَائَةِ جُزْءٍ مِنْ جَهَنَّمَ. رواه أحمد ورواته رواة الصحيح. 24 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَوْ كانَ في هذَا الْمَسْجِدِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَتَنَفَّسَ فَأَصَابَهُمْ نَفَسُهُ لاحْتَرَقَ (¬2) الْمَسْجِدُ وَمَنْ فِيهِ. رواه أبو يعلى وإسناده حسن، وفي متنه نكارة. ورواه البزار ولفظه قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَوْ كَانَ في هذَا الْمَسْجِدِ مَائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ثُمَّ تَنَفَّسَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لأَحْرَقَهُمْ. 25 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَوْ أَنَّ غَرْباً مِنْ جَهَنَّمَ جُعِلَ في وَسَطِ الأَرْضِ لأَذَى نَتْنُ رِيحِهِ وَشِدَّةُ حَرِّهِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ، وَلَوْ أَنَّ شَرَرَةً مِنْ شَرَرِ جَهَنَّمَ بِالْمَشْرِقِ لَوَجَدَ حَرَّهَا مَنْ بِالمَغْرِبِ. رواه الطبراني وفي إسناده احتمال للتحسين. ¬

(¬1) زادت. (¬2) في ع 463 - 2 لأحرق المسجد.

[الغرب] بفتح الغين المعجمة وإسكان الراء بعدها باء موحدة: هي الدلو العظيمة. 26 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا. قالَ: فَجَاءَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلى مَا أَعَدَّ اللهُ لأَهْلِهَا فِيهَا. قالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ قالَ: وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا، فَأُمِرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالمَكَارِهِ (¬1)، فَقَالَ. ارْجِعْ إِلَيْهَا فانْظُرْ إِلى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ، وَقَالَ اذْهَبْ إِلى النَّارِ فانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا، فَأُمِرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَواتِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَنْجُو مِنْهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَها رواه أبو داود والنسائي والترمذي واللفظ له وقال: حديث حسن صحيح. صفة جهنم أعاذنا الله منها 27 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى: [إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ] مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ، وذلِكَ إِذَا أُتِيَ بِجَهَنَّمَ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ يُشَدُّ بِكُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَوْ تُرِكَتْ لأَتَتْ عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفاجِرٍ (¬2): [سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (¬3)]. تَزْفِرُ (¬4) زَفْرَةً وَلاَ تَبْقَى قَطْرَةٌ مِنْ دَمْعٍ إِلاَّ نَدَرَتْ، ثُمَّ تَزْفِرُ ¬

(¬1) الشدائد. (¬2) تقي وعاص. (¬3) قال تعالى: [تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا، إذ رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيرا وإذا لقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيرا، قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاؤون خالدين، كان على ربك وعداً مسؤولا (16)] من سورة الفرقان. (جعل لك) في الدنيا لكن أخره في الآخرة ليكون له خيراً وأبقى (بل كذبوا بالساعة) فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوية وظنوا أن الكرامة هي بالمال فطعنوا فيك لفقرك (سعيرا) ناراً شديدة (إذا رأتهم) أي كانت بمرأى منهم (من كان بعيد) هو أقصى ما يمكن أن يرى منه (تغيظا) صوت تغيظ، شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ، وزفيره وهو صوت يسمع من جوفه (ضيقا) لزيادة العذاب فإن الكرب مع الضيق (مقرنين) قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل (دعوا) يتمنون الهلاك وينادونه فيقولون تعال يا ثبوراه فهذا حينك فأنواع العذاب كثيرة (ما يشاؤون) ما يطلبون من أنواع النعم أهـ بيضاوي. (¬4) تصوت بصوت شديد يحصل منه رعدة وقشعريرة وشدة برد.

فصل في ظلمتها وسوادها وشررها

الثَّانِيَةَ فَتَقْطَعُ الْقُلُوبَ مِنْ أَمَاكِنهَا، تَقْطَعُ اللَّهَوَاتِ (¬1) وَالْحَنَاجِرَ (¬2) وَهِيَ قَوْلُهُ: [وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ]. رواه آدم بن أبي إياس في تفسيره موقوفاً. فصل في ظلمتها وسوادها وشررها 28 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفُ سَنَةٍ (¬3) حَتَّى احْمَرَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ كَاللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي، وقال الترمذي: حديث أبي هريرة في هذا موقوف أصح، ولا أعلم أحداً رفعه غير يحيى بن أبي بكير عن شريك. ورواه مالك والبيهقي في الشعب مختصراً مرفوعاً قال: أَتَرَوْنَهَا حَمْرَاءَ كَنَارِكُمْ هذِهِ لَهِيَ أَشَدُّ سَوَاداً مِنَ الْقَارِ. [والقار]: الزفت. زاد رزين: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ أَصَابُوا نَارَكُمْ هذِهِ لَنَامُوا فِيهَا أَوْ قالَ: لَقَالُوا فِيهَا. ¬

(¬1) اللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى الفم، والجمع لهى ولهيات مثل حصاة وحصى وحصيات ولهوات أيضاً على الأصل أهـ مصباح. (¬2) رعباً، فإن الرئة تنتفخ من شدة الرعب والفزع والروع فيرتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة، وهي منتهى الحلقوم مدخل الطعام والشراب قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ جاءكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا (12)] من سورة الأحزاب. (جنوداً) الأحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير وكانوا زهاء اثني عشر ألفاً (ريحا) ريح الصبا (وجنود) الملائكة روي أنه عليه الصلاة والسلام "لما سمع بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة ثم خرج إليهم ثلاثة آلاف والخندق بينه وبينهم ولا حرب إلا الترامي بالنبل والحجارة وبعث الله عليهم ريحاً بارداً في ليلة شاتية فأخصرتهم وسفت بالتراب في وجوههم وأطفأت نيرانهم وقلعت خيامهم وماجت الخيل بعضها في بعض وكبرت الملائكة في جوانب العسكر، فقال طليحة بن خويلد الأسدي أما محمد فقد بدأكم بالسحر فالنجاة النجاة فانهزموا من غير قتال" (ابتلي) اختبر فظهر المخلص من المنافق (مرض) ضعف اعتقاد (غرورا) وعداً باطلاً. (¬3) مدة ألف عام.

فصل في أوديتها وجبالها

29 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ نَارَكُمْ هذِهِ فَقَالَ: إِنَّهَا لَجُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَمَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ حَتَّى أَحْسِبَهُ قالَ: نُضِحَتْ (¬1) مَرَّتَيْنِ بِالمَاءِ لِتُضِيءَ لَكُمْ، وَنَارُ جَهَنَّمَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ. رواه البزار، وتقدم أن الحاكم صححه. 30 - وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: تَلاَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم هذِهِ الآيَةَ: [وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ]، فَقَالَ: أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، وَأَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، وَأَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لاَ يُضيءُ لَهَبُهَا. وفي رِوَايَةٍ: لاَ يُطْفَأُ لَهَبُهَا. رواه البيهقي والأصبهاني وتقدم. 31 - وَعَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (¬2)] قالَ: أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ كالشَّجَرَةِ (¬3)، وَلَكِنْ كَالْحُصونِ وَالْمَدَائِنِ. رواه البيهقي بإسناد لا بأس به، فيه خديج بن معاوية وقد وثقه أبو حاتم. فصل في أوديتها وجبالها 32 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: وَيْلٌ وَادٍ في جَهَنَّمَ يَهْوِي (¬4) فِيهِ الْكافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفاً قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ. رواه أحمد والترمذي إلا أنه قال: ¬

(¬1) النضح: البل بالماء والرش. (¬2) [انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالت صفر ويل يومئذ للمكذبين (34)] من سورة المرسلات. (ظل) دخان جهنم يتشعب لعظمه كما ترى الدخان العظيم يتفرق تفرق الذوائب، وخصوصية الثلاث إما لأن حجاب النفس عن أنوار القدس الحس والخيال والوهم، أو لأن المؤدي إلى هذا العذاب هو القوة الواهمة الحالة في الدماغ والغضبية التي في يمين القلب والشهوية التي في يساره ولذلك قيل شعبة تقف فوق الكافر وشعبة عن يمينه وشعبة عن يساره (لا ظليل) تهكم به، وغير مغن عنهم من حر اللهب شيئاً، كل شرارة كالقصر في عظمها أهـ بيضاوي. (¬3) لا تشبه الشجرة في الارتفاع والقدر، ولكن تشبه في العظم القلعات المنيعة والقصور المشيدة الشامخة المرتفعة والمدائن المقامة. (¬4) يسقط، ومدة نزوله نحو أربعين عاماً.

وَادٍ بَيْنَ جَبَلَينِ يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ سَبْعِينَ خَرِيفاً قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ. ورواه ابن حبان في صحيحه بنحو رواية الترمذي، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ورواه البيهقي من طريق الحاكم إلا أنه قال: يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفاً قَبْلَ أَنْ يُفْرَغَ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ. [قال الحافظ]: رووه كلهم من طريق عمرو بن الحرث عن درّاج عن أبي الهيثم إلا الترمذي فإنه رواه من طريق ابن لهيعة عن دراج، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة عن دراج. 33 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ في قَوْلِهِ، [سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (¬1)] قالَ: جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يُكَلَّفُ أَنْ يَصْعَدَهُ فَإِذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ذَابَتْ، فَإِذَا ¬

(¬1) سأغشيه عقبة شاقة المصعد، وهو مثل لما يلقى من الشدائد أهـ بيضاوي. ثم ذكر الحديث. قال تعالى: [فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالاً ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيماناً ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر (31)] من سورة المدثر. (فاصبر) أي فاستعمل الصبر على مشاق التكاليف وأذى المشركين (نقر) نفخ في الصور من النقر أي التصويت وأصله القرع (ذرني) نزلت في الوليد بن المغيرة (ممدوداً) مبسوطاً كثيراً ممداً بالنماء، وكان له الزرع والضرع والتجارة (وبنين شهودا) حضوراً معه بمكة يتمتع بلقائهم لا يحتاجون إلى سفر لطلب المعاش استغناء بنعمته، ولا يحتاج إلى أن يرسلهم في مصالحه لكثرة خدمه أو في المحافل والأندية لوجاهتهم واعتبارهم، قيل كان له عشرة بنين أو أكثر كلهم رجال فأسلم منهم ثلاثة خالد وعمارة وهشام (ومهدت) وبسطت له الرياسة والجاه العريض، حتى لقب ريحانة قريش (وحيدا): أي باستحقاقه الرياسة والتقدم (كلا) ردع له عن الطمع بمعاندة آيات المنعم المانعة عن الزيادة، قيل ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان ماله حتى هلك (فكر وقدر) فكر فيما يخيل طعناً في القرآن، وقدر في نفسه ما يقول فيه (فقتل كيف قدر) تعجب من تقديره استهزاء به أو لأنه أصاب أقصى ما يمكن أن يقال عليه. روي "أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ حم السجدة فأتى قومه وقال: لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس والجن، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه ليعلو ولا يعلى، فقالت قريش صبأ الوليد فقال ابن أخيه أبو جهل: أنا أكفيكموه فقعد إليه حزيناً وكلمه بما أحماه فقام فناداهم، فقال تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه يخنق؟ وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن؟ وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعراً؟ فقالوا: لا، فقال: ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ففرحوا بقوله وتفرقوا عنه متعجبين منه (ثم قتل كيف قدر ثم نظر) =

الصعود جبل من نار. الحديث رَفَعَهَا عَادَتْ، وَإِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَيْهِ ذَابَتْ، فَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ، يَصْعَدُ سَبْعِينَ خَرِيفاً ثُمَّ يَهْوِي كَذَلِكَ. رواه أحمد والحاكم من طريق درّاج أيضاً وقال: صحيح الإسناد، ورواه الترمذي من طريق ابن لهيعة عن دراج مختصراً قالَ: الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ الْكَافِرُ سَبْعِينَ خَرِيفاً، وَيَهْوِي بِهِ كَذَلِكَ أَبَداً وقال: غريب لا نعرفه معروفاً إلا من حديث ابن لهيعة. [قال الحافظ]: رواه الحاكم مرفوعاً كما تقدم من حديث عمرو بن الحرث عن دراج عن أبي الهيثم عنه، ورواه البيهقي عن شريك عن عمار الدُّهْنِي عن عطية العوفي عنه مرفوعاً أيضاً، ومن حديث إسرائيل وسفيان كلاهما عن عمار عن عطية عنه موقوفاً بنحوه بزيادة. 34 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (¬1)] قالَ: وَادٍ ¬

= في أمر القرآن مرة أخرى (ثم عبس) أي قطب وجهه لما لم يجد فيه مطعناً ولم يدر ما يقول (ثم أدبر) عن الحق أو عن الرسول صلى الله عليه وسلم (لواحة) مسودة لأعالي الجلد أو لائحة للناس (عليها تسعة عشر) ملكاً أو صنفاً من الملائكة يلون أمرها ليخالفوا جنس المعذبين فلا يرقون لهم ولا يستروحون إليهم ولأنهم أقوى الخلق بأساً وأشدهم غضباً لله. روي أن أبا جهل لما سمع عليها تسعة عشر قال لقريش: أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم فنزلت (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة) ليكتسبوا اليقين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق القرآن لما رأوا ذلك موافقاً لما في كتابهم وليحصل شك أو نفاق فيكون إخبار بمكة عما سيكون في المدينة بعد الهجرة فيقول الكافرون (أي شيء أراد الله بهذا العدد المستغرب استغراب المثل) وقيل لما استبعدوه حسبوا أنه مثل مضروب (كذلك يضل) أي مثل ذلك الإضلال والهدى يضل الكافرين ويهدي المؤمنين (جنود ربك) إذ لا سبيل لأحد إلى حصر الممكنات والاطلاع على حقائقها وصفاتها (وما هي) وما سقر أو عدة الخزنة (إلا ذكرى) إلا موعظة وتذكرة للناس. (¬1) سيجدون في مستقبلهم ناراً شديدة جزاء اتباعهم الشهوات، قال النسفي جزاء غي، وكل شر عند العرب غي، وكل خير رشاد. وعن ابن عباس وابن مسعود وهو واد في جهنم أعد للمصرين على الزنا وشارب الخمر وآكل الربا والعاق وشاهد الزور أهـ قال تعالى: [فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتياً لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا (63)] من سورة مريم. (تاب) رجع عن كفره (ولا يظلمون) أي لا ينقصون شيئاً من جزاء أعمالهم ولا يمنعونه بل يضاعف لهم (وعده) موعوده وهو الجنة (لغوا) فحشاً أو كذبا أو ما لا طائل تحته من الكلام، وهو المطروح منه. وفيه الملائكة (نورث) نجعلها ميراث أعمالهم يعني ثمرتها وعاقبتها. (خلف) أولاد سوء. (أضاعوا الصلاة) تركوا الصلاة المفروضة (الشهوات) ملاذ النفوس. وعن علي رضي الله عنه: من بنى الشدائد، وركب المنظور وليس المشهور، وعن قتادة رضي الله عنه هو في هذه الأمة.

في جَهَنَّمَ يُقْذَفُ فِيهِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ: رواه الطبراني والبيهقي من رواية أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود ولم يسمع منه، ورواة بعض طرقه ثقات. 35 - وفي رواية للبيهقي قال: نَهْرٌ في جَهَنَّمَ بَعِيدُ الْقَعْرِ خَبِيثُ الطَّعْمِ. وإسناد هذه جيد لولا الانقطاع. 36 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: [وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (¬1)] قالَ: وَادٍ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ. رواه البيهقي وغيره من طريق يزيد بن درهم، وهو مختلف فيه. 37 - وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: تَعَوَّذُوا باللهِ مِنْ جُبِّ الْحَزْنِ أَوْ وَادِي الْحَزْنِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا جُبُّ الْحَزْنِ أَوْ وَادِي الْحَزْنِ؟ قالَ: وَادٍ في جَهَنَّمَ تَتَعَوَّذُ مِنْهُ جَهَنَّمُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً أَعَدَّهُ اللهُ لِلْقُرَّاءِ المرَائِينَ. رواه البيهقي بإسناد حسن. 38 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جُبِّ الْحَزْنِ (¬2) قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ وَمَا جُبُّ الْحَزْنِ؟ قالَ: وَادٍ في جَهَنَّمَ تَتَعَوَّذُ مِنْهُ (¬3) جَهَنَّمُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَمَائَةِ مَرَّةٍ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ يَدْخُلُهُ؟ قالَ: أُعِدَّ لِلْقُرَّاءِ (¬4). ¬

(¬1) قال البيضاوي: مهلكاً يشتركون فيه وهو النار، أو عداوة هي في شدتها هلاك لقول عمر رضي الله عنه لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا. والموبق. اسم مكان من وبق يوبق وبقاً: هلك، وقيل البين الوصل: أي وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكاً يوم القيامة أهـ. قال تعالى: [ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتهم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقاً ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا (53)] من سورة الكهف. (عضدا) أعواناً لي، رداً لاتخاذهم أولياء من دون الله شركاء له في العبادة، فإن استحقاق العبادة من توابع الخالقية (فدعوهم) فنادوهم للإغاثة (وجعلنا بينهم) أي بين الكفار وآلهتهم. (¬2) الجب: بئر لم تطو كما في المصباح، والحزن كما في النهاية: المكان الغليظ الخشن، والغلوظة: الخشونة، وفسره صلى الله عليه وسلم بجهة صعبة وأراد أن يسمى جده سهلاً. (¬3) تستجير منه. (¬4) الذين يقرؤون القرآن ويدرسون العلم، ولكن لا يعملون بتعاليم القرآن أو العلم المائلين إلى حب الرياء والفخر والزهو، البعيد منهم الإخلاص لله تعالى وحده، وأشدهم عقاباً الذين يوادون الحكام الظالمين، يقال هو جور عن طريقنا: أي مائل عنه ليس على جادته، من جار يجور: إذا مال وضل كما قال تعالى: [إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا (143)] من سورة النساء. =

الْمُرائِينَ (¬1) بِأَعْمَالِهِمْ، وَإِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الْقُرَّاءِ إِلى اللهِ الَّذِينَ يَزُورونَ الأُمَرَاءَ الْجَوَرَةَ (¬2) رواه ابن ماجة واللفظ له والترمذي وقال: حديث غريب رواه الطبراني من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: إِنَّ في جَهَنَّمَ لَوَادِياً تَسْتَعِيذُ جَهَنَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ أُعِدَّ لِلْمُرَائِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم. 39 - وَعَنْ شُفَيِّ بْنِ مَاتِعٍ قالَ: إِنَّ في جَهَنَّمَ قَصْراً يُقَالُ لَه: هَوىً يُرْمَى الْكَافِرُ مِنْ أَعْلاهُ أَرْبَعِينَ خَرِيفاً قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ أَصْلَهُ، قالَ اللهُ تَعَالى: [وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (¬3)]. وَإِنَّ في جَهَنَّمَ وَادِياً يُدْعَى أَثَاماً (¬4) فِيهِ حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ فِقَارُ إِحْدَاهُنَّ: مِقْدَارَ سَبْعِينَ (¬5) قُلةِ سُمٍّ، وَالْعَقْرَبُ مِنْهُنَّ مِثْلُ الْبَغْلَةِ الْموكَفَةِ (¬6) تَلْدَغُ (¬7) الرَّجُلَ، وَلاَ يُلْهِيهِ مَا يَجِدُ مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ عَنْ حَمْوَةِ (¬8) لَدْغَتِهَا فَهُوَ لِمَنْ خُلِقَ لَهُ، وَإِنَّ في جَهَنَّمَ وَادِياً يُدْعَى غَيّاً يَسِيلُ قَيحاً وَدَماً، وَإِنَّ في جَهَنَّمَ سَبْعِينَ دَاءً (¬9) كُلُّ دَاءٍ مِثْلُ ¬

= (يراؤون) ليخالوهم مؤمنين، والمراءاة مفاعلة بمعنى التفعيل كنعم وناعم، أو للمقابلة، فإن المرائي يرى من يرائيه عمله، وهو يريه استحسانه (ولا يذكرون الله) إذ المرائي لا يفعل إلا بحضرة من يرائيه، وهو أقل أحواله، أو لأن ذكرهم باللسان قليل بالإضافة إلى الذكر بالقلب، وقيل المراد بالذكر الصلاة، وقيل: الذكر فيها فإنهم لا يذكرون غير التكبير والتسليم أهـ بيضاوي. (¬1) مذبذبين مترددين بين الكفر والإيمان. (¬2) الظلمة. (¬3) فقد تردى وهلك، وقيل وقع في الهاوية قال تعالى: [كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى (82)] من سورة طه. (طيبات) لذائذه أو حلالاته، (غضبي) فيلزمكم عذابي ويجب لكم (اهتدى) استقام. (¬4) جزاء، أو شدائد في قوله تعالى: [ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا (69) إلا من تاب] الآية من سورة الفرقان. (¬5) مقدار حجم قلة سم مثل قلة الماء التي نتداولها ونستعملها نحن. (¬6) الضخمة السمينة غزيرة اللبن. وفي النهاية من منح منحة وكوفا. أي غزيرة اللبن، وقيل التي لا ينقطع لبنها سننها جميعها، وهو من وكف البيت والدمع: تقاطر أهـ. يشبه صلى الله عليه وسلم عقرب جهنم ببغلة كبيرة الحجم يزداد لبن درتها. (¬7) تلسع، ولدغته الحية: عضته، ولا يشغله حر جهنم الشديد من شدة ألم اللدغة، ولقد صدق الله جل وعلا إذ يصف الصالحين فيقول [والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما (65) إنها ساءت مستقراً ومقاما (66)] من سورة الفرقان. (غراما) لازماً شديد الثقل والألم وبئس الاستقرار فيها. (¬8) مادة السم. والحمة: سم كل شيء يلدغ أو يلسع. (¬9) مرضاً مميتاً مهلكاً مؤلماً يتعاظم أثره في الجسم.

فصل في بعد قعرها

جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ جَهَنَّمَ. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً عليه، وفي صحته خلاف تقدم. 40 - وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ في النَّارِ سَبْعِينَ أَلْفَ وَادٍ (¬1) في كُلِّ وَادٍ سَبْعُونَ أَلْفَ شِعْبٍ (¬2) في كُلِّ شِعْبٍ سَبْعُونَ أَلْفَ جُحْرٍ، وَفي كُلِّ جُحْرٍ (¬3) حَيَّةٌ تَأْكُلُ وُجُوهَ أَهْلِ النَّارِ. رواه ابن أبي الدنيا من رواية إسماعيل بن عياش، ورواه البخاري في تاريخه من طريق إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن الحجاج بن عبد الله الثمالى وله صحبة أن نفير بن مجيب، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: من قدمائهم قال: إِنَّ في جَهَنَّمَ سَبْعِينَ أَلْفَ وَادٍ في كُلِّ وَادٍ سَبْعُونَ أَلْفِ شِعْبٍ في كُلِّ شِعْبٍ سَبْعُونَ أَلْفَ دَارٍ في كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ أَلْفَ بَيْتٍ في كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ أَلْفَ بِئْرٍ في كُلِّ بِئْرٍ سَبْعُونَ أَلْفَ ثُعْبَانٍ في شِدْقِ كُلِّ ثُعْبَانٍ سَبْعُونَ أَلْفَ عَقْرَبٍ لاَ يَنْتَهِي الْكَافِرُ أَوِ الْمُنَافِقُ حَتَّى يُوَاقِعَ ذَلِكَ كُلَّهُ. [قال الحافظ] سعيد بن يوسف: وهو اليمامي الحمصي الرحبي، ضعفه يحيى بن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن أبي حاتم: ليس بالمشهور، ولا أرى حديثه منكراً كذا قال: فأورد عليه هذا الحديث لظهور نكارته، والله أعلم فصل في بعد قعرها 41 - عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ قالَ: خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّهُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى (¬4) مِنْ شَفِيرِ (¬5) جَهَنَّمَ فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَاماً مَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْراً (¬6) واللهِ لَتُمْلأَنّهُ أَفَعَجِبْتُمْ؟. رواه مسلم هكذا. ¬

(¬1) مكان متسع. (¬2) طريق. (¬3) شق ثعبان. (¬4) يرمى. (¬5) أي جانبها وحرفها، وشفير كل شيء: حرفه أهـ نهاية. (¬6) لا يجد لها نهاية.

إن حرها شديد وإن قعرها بعيد 42 - ورواه الترمذي عن الحسن قال: قالَ عُتْبَةُ بْنُ غَزَوَانَ عَلَى مِنْبَرِنَا هذَا يَعْنِي مِنْبَرَ الْبَصْرَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ لَتُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَتَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَاماً، وَمَا تُفْضِي (¬1) إِلى قَرَارِهَا، قالَ: وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ النَّارِ فَإِنَّ حَرَّهَا شَدِيدٌ، وَإِنَّ قَعْرَهَا بَعِيدٌ، وَإِنَّ مَقَامِعَهَا حَدِيدٌ (¬2). قال الترمذي: لا نعرف للحسن سماعاً من عتبة بن غزوان، وإنما قدِم عتبة بن غزوان البصرة في زمن عمر، وولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر. 43 - وَعَنْ أَبِي مُوسى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ لَوْ أَنَّ حَجَراً قَذِفَ (¬3) بِهِ في جَهَنَّمَ لَهَوَى سَبْعِينَ خَرِيفاً فِيهِ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهَا. رواه البزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والبيهقي كلهم من طريق عطاء بن السائب. 44 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالض: كُنَّا عِنْدَ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فَسَمِعْنَا وَجْبَةً (¬4) فَقَالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: أَتَدْرُونَ مَا هذَا؟ قُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قالَ: هذَا حَجَرٌ أَرْسَلَهُ اللهُ في جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفاً، فالآنَ حِينَ انْتهى إلى قَعْرِهَا (¬5). رواه مسلم. 45 - وَرواه الطبراني من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم صَوْتاً هَالَهُ (¬6)، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ¬

(¬1) وما تصل إلى عمقها. (¬2) سياط منه يجلدون بها: جمع مقمعة، وحقيقتها ما يقمع به: أي يكف بعنف أهـ بيضاوي. في تفسير قول الله تبارك وتعالى: [هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادو أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق (22)] من سورة الحج. فوجان مختصمان، نيران تحيط بهم إحاطة الثياب. الحميم: الماء الحار (يصهر) يؤثر من فرط حرارته في باطنهم تأثيره في ظاهرهم فتذاب به أحشاؤهم كما تذاب به جلودهم (أعيدوا فيها) فكلما خرجوا أعيدوا (الحريق) النار البالغة في الإحراق أهـ. (¬3) رمي لأخذ مدة سيره في جهنم طالباً نهايتها أكثر من سبعين سنة حتى يصل إلى عمقها. (¬4) صوت السقوط. والوجبة: السقطة مع الهدة. (¬5) حين وصل إلى عمقها أحدث رجة وأظهر صوتاً شديداً. (¬6) أفزعه وخوفه.

صلى اللهُ عليه وسلم: مَا هذَا الصَّوْتُ يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: هذِهِ صَخْرَةٌ هَوَتْ (¬1) مِنْ شَفِيرِ (¬2) جَهَنَّمَ مِنْ سَبْعِينَ عَاماً، فهذَا حِينَ بَلَغَتْ قَعْرَهَا، فَأَحَبَّ اللهُ أَنْ يُسْمِعَكَ صَوْتَهَا، فَمَا رُئِيَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ضَاحِكاً (¬3) مِلْءَ فِيهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ. صفة جهنم أعاذنا الله منها بمنه 46 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَوْ أَنَّ صَخْرَةً وَزَنَتْ عَشَرَ خَلِفَاتٍ قُذِفَ بِهَا مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مَا بَلَغَتْ قَعْرَهَا سَبْعِينَ خَرِيفاً حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلى غَيٍ وَأَثَامٍ. قِيلَ: وَمَا غَيٌّ وَأثَامٌ؟ قالَ: بِئْرَانِ في جَهَنَّمَ يَسِيلُ فِيهِما صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وَهُمَا اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا اللهُ في كِتَابِهِ: [أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّا] وقوله: [وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً]. رواه الطبراني والبيهقي مرفوعاً ورواه غيرهما موقوفاً على أبي أمامة، وهو أصح. [الخلفات] جمع خلفة: وهي الناقة الحامل. 47 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ علهي وسلم قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَ شَفِيرِ (¬4) النَّارِ إِلى أَنْ يُبْلَغَ قَعْرُهَا لَصَخْرَةٌ زِنَةُ سَبْعِ خَلِفَاتٍ بِشُحُومِهِنَّ وَلُحُومِهِنَّ وَأَوْلادِهِنَّ يَهْوِي فِيما بَيْنَ شَفِيرِ النَّارِ إلى أَنْ يُبْلَغَ قَعْرُهَا سَبْعِينَ خَرِيفاً. رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح إلا أن الرواي عن معاذ لم يُسَمَّ. 48 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: ¬

(¬1) هوت: سقطت. (¬2) جانب. (¬3) مظهر السرور ونهاية الفرح: أي لم يفتح فمه وتظهر ثناياه، ولم تبد نواجذه، والمعنى استمر على الابتسام فقط حتى التحق بالرفيق الأعلى. صلى الله عليك يا رسول الله، تألمت من هذا الصوت الشديد فتركت الضحك وابتسمت فقط علماً بأن هذه الحياة فانية؛ وإنما السعيد الفرح من قبله الله تعالى وأكرمه ونعمه. (¬4) جانبيها وطرفيها. يخبر صلى الله عليه وسلم عن مقدار ما بين طرفي جهنم مثل الناقات السبعة الضخمة الممتلئة شحماً ولحماً مع أولادها ونتاجها. شفير النار، كذا ط وع ص 469 - 2، وفي ن د: شفيري النار.

فصل في سلاسلها وغير ذلك

لَسُرَادِقُ (¬1) النَّارِ أَرْبَعَة جُدُرٍ، كِثَفُ (¬2) كُلِّ جدَار مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. رواه الترمذي والحاكم وقال: صحيح الإسناد. فصل في سلاسلها وغير ذلك 49 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَوْ أَنَّ رَصَاصَةً مِثْلَ هذِهِ، وَأَشَارَ مِثْلَ الْجُمْجُمَة أُرْسِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلى الأَرْضِ وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ لَبَلَغَتِ الأَرْضَ قَبْلَ اللَّيْل، وَلَوْ أَنَّهَا أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفاً اللَّيْلَ والنَّهَارَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ أَصْلَهَا (¬3). رواه أحمد والترمذي والبيهقي كلهم من طريق درّاج عن عيسى بن هلال الصدقي عنه، وقال الترمذي: إسناده حسن. 50 - وَعَنْ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يُنْشِئُ اللهُ سَحَابَةً سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ أَيُّ شَيْءٍ تَطْلُبُونَ؟ فَيَذْكُرُونَ بِهَا سَحَابَةَ الدُّنْيَا، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا الشَّرَابَ فَتُمْطِرُهُمْ (¬4) أَغْلالاً تَزِيدُ في أَغْلالِهِمْ، وَسَلاسِلُ تَزِيدُ في سَلاسِلِهِمْ، وَجَمْراً تَلْتَهِبُ عَلَيْهِمْ. رواه الطبراني، وقد روي موقوفاً عليه وهو أصح. [ويعلى بن منية]: صحابي مشهور، ومنية أمه، ويقال: جدته. وهي بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان، وكثيراً ما ينسب إلى أبيه أمية. 51 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: ¬

(¬1) مكانها المتسع المقام. (¬2) ثقل وعمق ومقدار يسير الراكب في طوله مدة أربعين سنة، وهو ماش لا ينتهي طوله. كناية عن تساع عمق النار وبعد سرادقها. (¬3) تبلغ أصلها، كذا ط وع، وفي ن د: تبلغ إلى أصلها. (¬4) فتمطرهم أغلالاً تزيد في أغلالهم، كذا ط وع. وفي ن د: فيمطرون أغلالاً تزيد على أغلالهم.

لَوْ أَنَّ مَقْمَعَاً مِنْ حَدِيدِ جَهَنَّمَ وُضِعَ في الأَرْضِ فاجْتَمَعَ لَهُ الثَّقَلانِ (¬1) مَا أَقَلُّوهُ (¬2) مِنَ الأَرْضِ. رواه أحمد وأبو يعلى والحاكم وقال: صحيح الإسناد. لو ضرب الجبل بمقمع من حديد جهنم لتفتت 52 - وفي رواية لأحمد وأبي يعلى قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَوْ ضُرِبَ الْجَبَلُ بِمَقْمَعٍ مِنْ حَديدِ جَهَنَّمَ لَتَفَتَّتَ ثُمَّ عَادَ. وروى هذه الحاكم أيضاً إلا أنه قال: لَتَفَتَّتَ فَصَارَ رَمَاداً. وقال: صحيح الإسناد. [المقمع]: المطرق، وقيل: السوط. 53 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هَاشِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَمَّا نَزَلتْ هذِهِ الآيَةُ: [نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ] قَرَأَهَا النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم فَسَمِعَهَا شَابٌّ إِلى جَنْبِهِ فَصَعِقَ (¬3) فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم رَأْسَهُ في حِجْرِهِ رَحْمَةً لَهُ فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ الْحَجَرُ؟ قالَ: أَمَا يَكْفِيكَ مَا أَصَابَكَ عَلَى أَنَّ الْحَجَرَ الْوَاحِدَ مِنْهَا لَوْ وُضِعَ عَلَى جِبَالِ الدُّنْيَا كُلِّهَا لذَابَتْ مِنْهُ، وَإِنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ حَجَراً وَشَيْطاناً. رواه ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن الوضاح حدثنا عباءة بن كليب عن محمد بن هاشم، وعباءة قال أبو حاتم: صدوق في حديثه إنكار أخرجه البخاري في الضعفاء يحوَّل من هناك. 54 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قَوْلِهِ تَعَالَى: [وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَة] قالَ: هِيَ حِجَارَةٌ مِنْ كِبْرِيتٍ (¬4) خَلَقَهَا اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرْضَ في السَّمَاءِ الدُّنْيَا يُعِدُّهَا لِلْكَافِرِينَ. رواه الحاكم موقوفاً وقال: صحيح على شرط الشيخين. صفة جهنم عياذاً بالله منها 55 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الأرَضِينَ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ إِلى الَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمَائَةِ سَنَةٍ، فَالْعُلْيَا مِنْهَا عَلَى ظَهْرِ حُوتٍ قَدِ الْتَقَى طَرَفَاهُ في سَمَاءٍ وَالْحُوتُ عَلَى صَخْرَةٍ والصَّخْرَةُ بِيَدِ مَلَكٍ، وَالثَّانِيَةُ ¬

(¬1) الإنس والجن ليس في ع: حديد جهنم. (¬2) ما حملوه وزحزحوه. (¬3) فغشي عليه وأصابه إغماء من شدة الخوف. (¬4) المادة الملتهبة المشتعلة.

مَسْجِنُ الرِّيحِ فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُهْلِكَ عَاداً أَمَرَ خَازِنَ الرِّيحِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْهِمْ رِيحاً تُهْلِكُ عَاداً، قالَ: يَا رَبِّ أُرْسِلْ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ قَدْرَ مَنْخِرِ الثَّوْرِ؟ قالَ لَهُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتعَالَى: إِذاً تَكْفَأَ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَلكِنْ أَرْسِلْ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ خَاتَمٍ فَهِيَ الّتِي قالَ اللهُ في كِتابِهِ: [مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ (¬1) عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرَّمِيمِ (¬2)]، وَالثَّالِثَةُ فِيهَا حِجَار جَهَنَّمَ، والرَّابِعَةُ فِيهَا كِبْرِيتُ جَهَنَّمَ، قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلِلنَّارِ كِبْرِيتٌ؟ قالَ: نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ فِيهَا لأَوْدِيَةً مِنْ كِبْرِيتٍ لَوْ أُرْسِلَ فِيهَا الْجِبَالُ الرَّوَاسِي لَمَاعَتْ (¬3) والْخَامِسَة فِيهَا حَيَّاتُ جَهَنَّمَ إِنَّ أَفْوَاهَهَا كالأَوْدِيَةِ تَلْسَعُ الْكَافِرَ اللَّسْعَةَ فَلاَ يَبْقَى مَنْهُ لَحْمٌ عَلَى وَضَمٍ، وَالسَّادِسَةُ فِيهَا عَقَارِبُ جَهَنَّمَ إِنَّ أَدْنَى عَقْرَبٍ مِنْهَا كَالْبِغَالِ الْمُوكَفَة (¬4) تَضْرِبُ الْكَافِرَ ضَرْبَةً تُنْسِيهِ ضَرْبَتُهَا حَرَّ جَهَنَّمَ، وَالسَّابِعَةُ سَقَرُ فِيهَا إِبْلِيسُ مُصَفَّدٌ (¬5) بِالْحَدِيدِ يَدٌ أَمَامَهُ وَيَدٌ خَلْفَهُ، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُطْلِقَهُ لِمَا يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَطْلَقَهُ. رواه الحاكم وقال: تفرد به أبو السمح، وقد ذكرت عدالته بنص الإمام يحيى بن معين، والحديث صحيح ولم يخرّجاه. [قال الحافظ]: أبو السمح هو دراج، وَقَبِلَهُ عبد الله بن عياش القتباني ويأتي الكلام عليهما، وفي متنه نكارة والله أعلم. [قوله: تكفأ الأرض] مهموز: أي تقلبها. [والوضم] بفتح الواو والضاد المعجمة جميعاً: هو كل شيء يوضع عليه اللحم، والمراد هنا أنه لا يبقى منه لحم إلا سقط عن موضعه. ¬

(¬1) مرت عليه. (¬2) كالرماد، من الرم: وهو البلي والتفتت، قال تعالى: [وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح المقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم (42)] من سورة الذاريات. (¬3) لذابت. (¬4) الموكفة: الضخمة الغزير لبنها. (¬5) مكبل بالسلاسل مقبوض عليه، ومقيد يد على صدره ويد أخرى على ظهره انتقاماً منه، وتنكيلاً به وتمثيلاً وتعذيبا.

فصل في ذكر حياتها وعقاربها

فصل في ذكر حياتها وعقاربها 56 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ في النَّارِ حَيَّاتٍ كَأَمْثَالِ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ (¬1) تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حَرَّهَا سَبْعِينَ خَرِيفاً، وَإِنَّ في النَّارِ عَقَارِبَ كَأَمْثَالِ الْبِغَالِ المُوكَفَةِ تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حَمْوَتَهَا (¬2) أَرْبَعِينَ سَنَةً. رواه أحمد والطبراني من طريق ابن لهيعة عن دراج عنه، ورواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم من طريق عمرو بن الحارث عن دراج عنه وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 57 - وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ شَجَرَةَ قالَ: إِنَّ لِجَهَنَّمَ لَجَبَاباً (¬3) في كُلِّ جُبٍّ سَاحِلاً كَسَاحِلِ الْبَحْرِ فِيهِ هَوَامٌ (¬4) وَحَيَّاتٌ كَالْبَخَاتِيِّ وَعَقَارِبُ كَالْبِغَالِ الذُّلِّ (¬5)، فَإِذَا سَأَلَ أَهْلُ النَّارِ التَّخْفِيفَ، قِيلَ: اخْرُجُوا إِلى السَّاحِلِ فَتَأْخُذُهُمْ تِلْكَ الْهَوَامُّ بِشِفَاهِهِمْ (¬6) وَجُنُوبِهِمْ وَمَا شَاءَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ فَتَكْشِطُهَا فَيَرْجَعُونَ فَيُبَادِرُونَ إِلى مُعْظَمِ النِّيْرانِ، وَيُسَلَّطُ عَلَيْهِمُ الْجَرَبُ (¬7) حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَحُكُّ جِلْدَهُ حَتَّى يَبْدُوَ الْعَظْمُ فَيُقَالُ: يَا فُلانُ هَلْ يُؤْذِيكَ هذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: ذلِكَ بِمَا كُنْتَ تُؤذِي الْمُؤْمِنينَ. رواه ابن أبي الدنيا. [قال الحافظ]: ويزيد بن شجرة الرهاوي مختلف في صحبته، والله أعلم. 58 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قَوْلِهِ تَعَالى: [زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ] قالَ: زِيدُوا عَقَارِبَ أَنْيَابُهَا كَالنَّخْلِ الطِّوَالِ. رواه أبو يعلى والحاكم موقوفاً، وقال: صحيح على شرط الشيخين. ¬

(¬1) الإبل. (¬2) سمها. (¬3) جمع جب آبارا، والجبوب الأرض الغليظة. (¬4) حشرات. (¬5) الذلولة المطيعة. (¬6) بأفواهها. (¬7) حبوب تؤلم الجسم، وهذا نوع من العذاب بكثرة الحك والدلك والهرش وتفتت الجلد.

فصل في شراب أهل النار

فصل في شراب أهل النار 59 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في قَوْلِهِ: (كَالْمُهْلِ) قالَ: كَعَكَرِ (¬1) الزَّيْتِ، فَإِذَا قُرِّبَ إِلى وَجْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ فِيهِ. رواه أحمد والترمذي من طريق رشد بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث رشدين. [قال الحافظ]: قد رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم من حديث ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. 60 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الْحَمِيمَ لَيُصَبُّ عَلى رُؤوسِهِمْ فَيَنْفُذُ الْحَمِيمُ، حَتَّى يَخْلُصَ إِلى جَوْفِهِ فَيَسْلُتَ مَا في جَوْفِهِ حَتَّى يَمْرُقَ مِنْ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ الصَّهْرُ ثُمَّ يُعَادُ كَما كَانَ. رواه الترمذي والبيهقي إلا أنه قال: فَيَخْلُصُ فَيَنْفُذُ الْجُمْجُمَةَ حَتَّى يَخْلُصَ إِلى جَوْفِهِ. روياه من طريق أبي السمح، وهو دراج عن ابن حجيرة، وقال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح. [الحميم]: هو المذكور في القرآن في قوله تعالى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ. وروي عن ابن عباس وغيره أن الحميم الحارّ الذي يحرق. وقال الضحاك: الحميم يغلي منذ خلق الله السموات والأرض إلى يوم يسقونه، ويصب على رؤوسهم. وقيل: هو ما يجتمع من دموع أعينهم في حياض النار فيسقونه، وقيل غير ذلك. 61 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في قَوْلِهِ تَعَالَى: ¬

(¬1) دردي الزيت، قال تعالى: [إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم (46)] من سورة الدخان. (الأثيم) كثير الذنوب، والمراد به الكافر (كالمهل) وهو ما يمهل في النار حتى يذوب أهـ بيضاوي.

[وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (¬1) يَتَجَرَّعُهُ] قالَ: يُقَرَّبُ إِلى فِيهِ فَيَكْرَهُهُ فَإِذَا أُدْنِيَ (¬2) مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ، قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: [وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (¬3)] وَيَقُولُ: [وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا (¬4) يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ (¬5) يَشْوِي (¬6) الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ]. رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث غريب، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. 62 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَوْ أَنَّ دَلْوَاً مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ (¬7) في الدُّنْيَا لأَنْتَنَ (¬8) أَهْلَ الدُّنْيَا. رواه الترمذي من حديث رشيد عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم، وقال الترمذي: إنما نعرفه من حديث رشدين. [قال الحافظ]: رواه الحاكم وغيره من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث به، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) ما يسيل من جلود أهل النار قال تعالى: [واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد، من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان، وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ (17)] من سورة إبراهيم. (¬2) قرب. (¬3) المعدة من فرط الحرارة، وقد ساق الله شراب المتقين وقرنه بشراب الكافرين والعاصين كما قال تعالى: [مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى، ولهم فيها من كل الثمرات. ومغفرة من ربهم، كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم (15)] من سورة محمد صلى الله عليه وسلم. (¬4) يطلبوا الغوث من العطش. (¬5) كالجسد المذاب. (¬6) ينضجها إذا قدم ليشرب من فرط حرارته، قال تعالى: [وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا، أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق، متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا (31)] من سورة الكهف. (سندس) رقيق الديباج (إستبرق) غليظه (الأرائك) السرر. استشهدت بهذه الآيات مقارنة بين نعيم الجنة وعذاب النار ليحترس المؤمنون وليحتاط العالمون وليتقي الله المسلمون. نعم ثواب الجنة وحسنت أرائكها متكأ وأذم النار وساءت النار متكأ، اللهم قنا عذابها. (¬7) يصب. (¬8) لجعل العالم أجمع في رائحة قذرة نتنة.

[الغساق] هو المذكور في القرآن في قوله تعالى: [فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (¬1)] وقوله: [لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرداً وَلاَ شَرَاباً، إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً]. وقد اختلف في معناه فقيل: هو ما يسيل من بين جلد الكافر ولحمه، قاله ابن عباس، وقيل: هو صديد أهل النار، قاله إبراهيم وقتادة وعطية وعكرمة، وقال كعب: هو عين في جهنم تسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية أو عقرب أو غير ذلك فيستنقع فيؤتى بالآدمي فيغمس فيها غمسة واحدة، فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام ويتعلق جلده ولحمه في عقبيه وكعبيه فيجرّ لحمه لكما يجر الرجل ثوبه، وقال عبد الله بن عمرو: الغساق: القيح الغليظ لو أن قطرة منه تهراق في المغرب لأنتنت أهل المشرق، ولو تهراق في المشرق لأنتنت أهل المغرب، وقيل غير ذلك. 63 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: ثلاثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ (¬2) مُدْمِنُ (¬3) الْخَمْرِ، وَقاطِعُ (¬4) الرَّحِمِ، وَمُصَدِّقٌ (¬5) بِالسِّحْرِ، وَمَنْ مَاتَ مُدْمِنَ الْخَمْرِ سَقَاهُ اللهُ جَلَّ وَعَلا مِنْ نَهْرِ الْغُوطَةِ قِيلَ: وَمَا نَهْرُ الْغُوطَةِ؟ قالَ: نَهْرٌ يَجْرِي مِنْ فُرُوجِ الْمُومِسَاتِ، يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ فُرُوجِهِمْ. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. [المومسات] بضم الميم الأولى وكسر الثانية: هن الزانيات. 64 - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ ¬

(¬1) ما يسيل من صديد أهل النار، قال تعالى: [هذا وإن للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج (58)] من سورة ص. [يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها برداً ولا شرابا إلا حميماً وغساقا جزاء وفاقا إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا (28) وكل شيء أحصيناه كتابا (29) فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا (30) من سورة النبأ] (أفواجا) جماعات من القبور إلى المحشر. (¬2) لا يدخلون مع السابقين: أي لا يتنعمون بالجنة إلا بعد دخول جهنم. (¬3) المستمر على تعاطي المسكرات، والمستعمل المخدرات، يقال أدمن عليه إدماناً: واظبه ولازمه. (¬4) المعلن كراهة أقاربه الذي لا يزورهم ولا يودهم ولا يعطف عليهم. (¬5) المعتقد تأثير السحر وطلاسم المنجمين الكذبة فهؤلاء مطرودون من رحمة الله مبعدون من الجنة على أن الذي لا يتوب من تعاطي الخمر فيموت فيعذب بشراب نتن كريه الرائحة قذر المادة الخارجة من فروج النساء الزانيات.

فصل في طعام أهل النار

عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَرْضَ اللهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ مَاتَ مَاتَ كَافِراً، فَإِنْ عَادَ كَانَ حَقّاً علَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قالَ: صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ (¬1). رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر وأطولَ منه إلا أنه قال: مَنْ عَادَ في الرَّابِعَةِ كانَ حَقّاً على اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قالَ: عُصَارَةُ (¬2) أَهْلِ النَّارِ. وتقدم في شرب الخمر، وتقدم أيضاً فيه حديث أنس: مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ سَكْرَانُ دَخَلَ الْقَبْرَ سَكْرَانَ، وَبُعِثَ مِنْ قَبْرِهِ سَكْرَانَ، وَأُمِرَ بِهِ إِلى النَّارِ سَكْرَانَ، فِيهِ عَيْنٌ تَجْرِي مِنْهَا الْقَيْحُ والدَّمُ، هُوَ طَعَامُهُمْ وَشَرابُهُمْ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ والأَرْضُ. فصل في طعام أهل النار 65 - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَرأ هذِهِ الآيَةَ: [اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قَطَرَتْ في دَارِ الدُّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ؟ رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال: فَكَيْفَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرُهُ. والحاكم إلا أنه قال فيه: ¬

(¬1) نوع ثان من العذاب أن يتناول السكير الصديد. وفي المصباح: الصديد الدم المختلط بالقيح، وقال أبو زيد: هو القيح: الذي كأنه الماء في رقته، والدم في شكلته، وزاد بعضهم فقال: فإذا خثر فهو مدة، وأصد الجر صار ذا صديد أهـ. (¬2) المادة النازلة من أجسامهم.

فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُومِ قَطَرَتْ في بِحَارِ الأَرْضِ لأَفْسَدَتْ (¬1). أَو قال: لأَمَرَّتْ (¬2) عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ مَعَايِشَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ. وقال: صحيح على شرطهما، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وروي موقوفاً على ابن عباس. شراب أهل النار 66 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يُلْقَى عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ فَيَعْدِلُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ، فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ الْغُصَصَ في الدُّنْيَا بِالشَّرَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشَّرابِ فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمْ بِكَلالِيبِ الْحَدِيدِ فَإِذَا دَنَتْ مِنْ وُجُوهِهِمْ شَوَتْ وُجُوهَهُمْ، فَإِذا دَخَلَتْ بُطُونَهُمْ قَطَعَتْ مَا في بُطُونِهِمْ فَيَقُولُونَ: ادْعُوا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ. فَيَقُولُونَ: [أَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ (¬3) قَالُوا: بَلَى قَالُوا: فادْعُوا (¬4) وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ في ضَلالٍ] قالَ: فَيَقُولُونَ: ادْعُوا مَالِكاً فَيَقُولُونَ: [يَا مَالِكُ لِيَقْضِ (¬5) عَلَيْنَا رَبُّكَ] قالَ: فَيُجِيبُهُمْ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (¬6). قالَ الأعْمَشُ: نُبِّئْتُ أَنَّ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَبَيْنَ إِجَابَةِ مَالِكٍ إِيَّاهُمْ أَلْفَ عَامٍ. قالَ: فَيَقُولُونَ: ادْعُوا رَبَّكُمْ فَلاَ أَحَدَ خَيْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ، فَيَقُولُونَ: [رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا ¬

(¬1) لجعلته فاسداً مراً لا يصلح للشرب منه. (¬2) لوضعت فيه المرارة. إذا كان الشيء القليل كريه الطعم مفسداً الماء العذب الكثير فما حال من يأكله إن أكله لشديد الألم، وإن تعاطيه لصعب مر. (¬3) بالبراهين القاطعة استدلالاً على أحقية الله بالعبادة والطاعة. (¬4) قال البيضاوي: أرادوا به إلزامهم للحجة وتوبيخهم على إضاعتهم أوقات الدعاء وتعطيلهم أسباب الإجابة (فادعوا) فإنا لا نجترئ فيه إذ لم يؤذن لنا في الدعاء لأمثالكم، وفيه إقناط لهم عن الإجابة (ضلال) ضياع لا يجاب، وفيه إقناط لهم عن الإجابة أهـ. قال تعالى: [وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال (50)] من سورة غافر. (¬5) قال البيضاوي: والمعنى سل ربنا أن يقضي علينا، من قضى عليه إذا أماته، وهو لا ينافي إبلاسهم، فإنه جؤار وتمن للموت من فرط الشهوة. (¬6) لا خلاص لكم بموت ولا بغيره، قال تعالى: [ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بل ورسلنا لديهم يكتبون (80)] من سورة الزخرف. (بالحق) والإرسال كارهون لما في اتباعه من إتعاب النفس وآداب الجوارح (أبرموا) في تكذيب الحق ووروده ولم يقتصروا على كراهته (مبرمون) أمراً في مجازاتهم.

شِقْوَتُنَا (¬1) وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا (¬2) فَإِنْ عُدْنَا (¬3) فَإِنَّا ظَالِمُونَ] قالَ: فَيُجِيبُهُمْ: [اخْسَئُوا (¬4) فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (¬5)] قالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْخُذُونَ في الزَّفِيرِ (¬6) وَالْحَسْرَةِ (¬7) وَالْوَيْلِ (¬8). رواه الترمذي والبيهقي كلاهما عن قطبة بن عبد العزيز عن الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أمّ الدرداء عنه. وقال الترمذي: قال عبد الله بن عبد الرحمن: والناس لا يرفعون هذا الحديث قال: وإنما روي هذا الحديث عن الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أمّ الدرداء عن أبي الدرداء. قوله: وليس بمرفوع، وقطبة بن عبد العزيز ثقة عند أهل الحديث انتهى. 67 - وَعنِ ابْنِ عَبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى: طَعَاماً ذَا غُصَّةٍ (¬9) قالَ: شَوْكٌ يَأْخُذُ بالْحَلِقِ وَلاَ يَدْخُلُ وَلا يَخْرُجُ. رواه الحاكم موقوفاً عن شبيب بن شيبة عن عكرمة عنه وقال: صحيح الإسناد. ¬

(¬1) ملكتنا بحيث صارت أحوالنا مؤدية إلى سوء العاقبة. ضالين عن الحق. (¬2) من النار. (¬3) إلى التكذيب. (¬4) اسكتوا سكوت هوان في النار، فإنها ليست مقام سؤال. (¬5) في رفع العذاب، قال تعالى: [فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون إنه كان فريق من عبادي يقولون: ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين (118)] من سورة المؤمنون. (¬6) تردد الأنفاس حتى تنتفخ الضلوع منه. (¬7) تقطع الأنفاس وزيادة الملل والضجر. (¬8) الثبور والهلاك. (¬9) قال البيضاوي: طعاماً ينشب في الحلق كالضريع والزقوم، قال تعالى: [واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالاً وجحيما وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليما يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيباً مهيلا (14)] من سورة المزمل.

فصل في عظم أهل النار وقبحهم فيها

فصل في عظم أهل النار وقبحهم فيها 68 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ النَّارِ أُخْرِجَ إِلى الدُّنْيَا لماتَ أَهْلُ الدُّنْيَا مِنْ وَحْشَةِ (¬1) مَنْظَرِهِ، وَنَتْنِ رِيحِهِ (¬2) قالَ: ثُمَّ بَكَى عَبْدُ اللهِ بُكَاءً شَدِيداً. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً، وفي إسناده ابن لهيعة. 69 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا بَيْنَ مِنْكَبِي الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ للرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ (¬3). رواه البخاري واللفظ له ومسلم وغيرهما. [المنكب]: مجتمع رأس الكتف والعضد. 70 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ (¬4). وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ كما بَيْنَ قُدَيدٍ وَمَكَّةَ، وَكَثَافَةُ جَسَدِهِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ. رواه أحمد واللفظ له ومسلم. ولفظه قال: ضَرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَغِلْظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ. والترمذي ولفظه: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ضَرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ مِثْلُ الرَّبذَةِ. وقال: حديث حسن غريب. [قوله]: مثل الربذة، يعني كما بين المدينة والربذة، والبيضاء: جبل انتهى. 71 - وفي رواية للترمذي قال: إِنَّ غِلَظَ جِلْدِ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعاً، وَإِنَّ ¬

(¬1) رداءة وقبح رؤيته. (¬2) قذارة. (¬3) المسرع، كذا د وع ص 474 - 2، وفي ن ط: السريع: أي الراكب مركباً ذا سرعة. (¬4) أي يشبهه في الضخامة، بمعنى أن اله تعالى يكبر جسمه ليزداد ألماً.

ضِرْسُهُ مِثْلُ أُحُدٍ، وَإِنَّ مَجْلِسَهُ مِنْ جَهَنَّمَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وقال في هذه: حديث حسن غريب صحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه، ولفظه قال: جِلْدُ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ، وَضِرْسُهُ مِثْلُ أُحُدٍ. رواه والحاكم وصححه ولفظه، وهو رواية لأحمد بإسناد جيد قال: ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَعَرْضُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعاً، وَعَضُدُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ، وَفَخْذُهُ مِثْلُ وَرْقانَ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرّبَذَةِ. قال أبو هريرة: وكان يقال: بَطْنُهُ مِثْلُ بَطْنِ إضَمٍ. [الجبار]: ملِك باليمن له ذراع معروف المقدار، كذا قال ابن حبان وغيره، وقيل: ملك بالعجم. 72 - وَعَنِ ابْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الْكَافِرَ لَيُسْحَبُ (¬1) لِسَانُهُ الْفَرْسَخَ وَالْفَرْسَخَيْنِ يَتَوَطَّؤُهُ النَّاسُ. رواه الترمذي عن الفضل بن يزيد عن أبي المخارق عنه، وقال: هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه، والفضل ابن يزيد كوفيّ قد روى عنه غير واحد من الأئمة، وأبو المخارق ليس بمعروف انتهى. [قال الحافظ]: رواه الفضل بن يزيد. 73 - عَنْ أَبِي الْعَجْلانِ قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الْكَافِرَ لَيَجُرُّ لِسَانَهُ فَرْسَخَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَوَطَّؤُهُ النَّاسُ. أخرجه البيهقي وغيره، وهو الصواب، وقول الترمذي: أبو المخارق ليس بمعروف وَهَمٌ، إنما هو أبو العجلان المحاربي ذكره البخاري في الكنى، وقال أبو بكر مربع الحافظ: ليس له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد إلا هذا الحديث انتهى. 74 - وَعَنْهُ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يَعْظُمُ أَهْلُ (¬2) النَّارِ في النَّارِ حَتَّى إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ إِلى عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ (¬3) سَبْعِمَائَةِ عَامٍ، ¬

(¬1) ليمتد لسانه مسافة فرسخ ليحتذى ليكون تحت النعال يوطأ بالأقدام. (¬2) تزداد أجسامهم ضخامة ومساحة. (¬3) بمعنى أنها واسعة جداً حتى إن الراكب يسير فيقطع المسافة بينهما نحو سبعمائة عام.

وَإِنَّ غِلَظَ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعاً، وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ. رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وإسناده قريب من الحسن. 75 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم في قَوْلِهِ تَعَالَى [يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ (¬1)] قالَ: يُدْعَى أَحَدُهُمْ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَيُمَدُّ لَهُ في جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعاً، وَيَبْيَضُّ وَجْهُهُ وَيُجْعَلُ عَلى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ نُورٍ يَتلأْلأُ فَيُنْطَلِقُ إِلى أَصْحَابِهِ فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ آتِنَا بِهذَا، وَبَارِكْ لَنا في هذا، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ فَيَقُولُ لَهُمْ: أَبْشِرُوا لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلُ هذَا. قال: وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَسْوَدُّ وَجْهُهُ، وَيُمَدُّ لَهُ في جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعاً في صُورَةِ آدَمَ، وَيَلْبَسُ تَاجاً مِنْ نَارٍ فَيَرَاهُ أَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ باللهِ مِنْ شَرِّ هذَا. اللَّهُمَّ لا تَأْتِنَا بِهذَا فَيَأْتِيهِمْ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اخْزِهِ، فَيَقُولُ: أَبْعَدُكُمُ اللهُ، فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هذَا، رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب واللفظ له وابن حبان في صحيحه والبيهقي. 76 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَقْعَدُ الْكَافِرِ في النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَكُلُّ ضِرْسٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرْقَانَ، وَجِلْدُهُ سِوَى لَحْمِهِ وَعِظَامِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً. رواه أحمد وأبو يعلى والحاكم كلهم من رواية ابن لهيعة. 77 - وروى ابن ماجة من طريق عيسى بن المختار عن محمد بن أبي ليلى عن عطية العوفي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: إِنَّ الْكَافِرَ لَيَعْظُمُ حَتَّى إِنَّ ضِرْسَهُ لأَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ، وَفَضِيلَةُ جَسَدِهِ عَلى ضِرْسِهِ كَفَضِيلَةِ جَسَدِ أَحَدِكُمْ عَلَى ضِرْسِهِ. ¬

(¬1) بمن ائتموا به من نبي أو متبع في الدين أو كتاب أو دين فيقال يا أتباع فلان يا أهل دين كذا أو كتاب كذا، وقيل بكتاب أعمالهم فيقال يا أصحاب كتاب الخير ويا أصحاب كتاب الشر أهـ نسفي ص 249 جـ 2. قال تعالى: [يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلا (71)] من سورة الإسراء. أي ولا ينقصون من ثوابهم أدنى شيء [ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (72)] من سورة الإسراء. أي أضل طريقا، والأعمى مستعار ممن لا يدرك المبصرات لفساد حاسته لمن لا يهتدي إلى طريق النجاة، أما في الدنيا فلفقد النظر، وأما في الآخرة فلأنه لا ينفعه الاهتداء إليه.

78 - وَعَنْ مُجَاهِدٍ قالَ: قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَتَدْرِي مَا سَعَةُ جَهَنَّمَ؟ قُلْتُ: لاَ. قالَ: أَجَلْ وَاللهِ وَاللهِ مَا تَدْرِي إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفاً، تَجْرِي فيه أَوْدِيَةُ الْقَيْحِ وَالدَّمِ. قُلْتُ: أَنْهَارٌ؟ قالَ: لا بَلْ أَوْدِيَةٌ. رواه أحمد بإسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. 79 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: [وَهُمْ فِيْهَا كَالِحُونَ] قالَ: تَشْوِيهِ النَّارُ فَتَقْلِصُ شَفَتُهُ الْعُلْيَا حَتَّى تَبْلُغَ وَسَطَ رَأْسِهِ، وَتَسْتَرْخِي شَفَتُهُ السُّفْلَى حَتَّى تَضْرِبَ سُرَّتَهُ. رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. [قال الحافظ] عبد العظيم: وقد ورد أن من هذه الأمة من يعظم في النار كما يعظم فيها الكفار؛ فروى ابنُ ماجة والحاكم وغيرهما من حديث عبد الله بن قيس قال: كنت عند أبي بُردة ذات ليلة فدخل علينا الحارث بن أقيش رضي الله عنه فحدثنا الحارث ليلتئذ أن رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ مُضَرَ، وَإِنَّ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَعْظُمُ للنَّارِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدَ زَوايَاهَا. اللفظ لابن ماجة وإسناده جيد، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وتقدم لفظه فيمن مات له ثلاثة من الأولاد، ورواه أحمد بإسناد جيد أيضاً إلا أنه قال: عن عبد الله بن قيس قال: سمعت الحارث بن أقيش يحدث أن أبا برزة قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ فذكره كذا في أصلي، وأراه تصحيفاً، وصوابه: سمعت الحارث بن أقيش يحدث أبا بردة كما في ابن ماجة والله أعلم. 80 - وَعَنْ أَبِي غَسَّانَ الضَّبِّيَّ قالَ: قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِظَهْرِ الْحَيْرَةِ: تَعْرِفُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جِرَاشٍ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: فَخِذُهُ في جَهَنَّمَ مِثْلُ أُحُدٍ، وَضِرْسُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ. قُلْتُ: لِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: كَانَ عَاقّاً بِوَالِدَيْهِ. رواه الطبراني بإسناد لا يحضُرني.

فصل في تفاوتهم في العذاب وذكر أهونهم عذابا

فصل في تفاوتهم في العذاب وذكر أهونهم عذاباً 81 - عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً رَجُلٌ في أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كما يَغْلِي الْمِرْجَلُ بِالْقُمْقُمِ (¬1). رواه البخاري ومسلم ولفظه: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً مَنْ لَهُ نَعْلانِ (¬2) وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ، مَا يُرَى أَنَّ أَحَداً أَشَدُّ مِنْهُ عَذَاباً، وَإِنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَاباً. 82 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً رَجُلٌ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فِي النَّارِ إِلى كَعْبَيْهِ مَعْ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ في النَّارِ إِلى رُكْبَتَيْهِ مَعَ أَجْزَاءِ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدِ اغْتَمَرَ (¬3). رواه أحمد والبزار ورواته رواة الصحيح، وهو في مسلم مختصراً: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي دِمَاغُهُ مِنْ حَرِّ نَعْلَيْهِ. 83 - وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ أَدْنَى (¬4) أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً الَّذِي لَهُ نَعْلانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ. رواه الطبراني بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه. 84 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ. رواه مسلم. ¬

(¬1) القمقم: ما يسخن فيه الماء من نحاس وغيره. (¬2) حذاءان كاملان في الرجل أو أقل من الحذاءين، وفي النهاية: الشراك أحد سيور النعل التي تكون على وجهها، يعني رجلاه متقدة من نار نعليه وشراكيه فتمتد إلى دماغه فيزداد غليانه، والمرجل: الإناء الذي يغلي فيه الماء وسواء كان من حديد أو صفر أو حجارة أو خزف، يعني نعله في رجليه يشبه الإناء الذي على النار يغلي فيه الماء. (¬3) عم جميع جسمه. (¬4) أخف وأقرب.

صفة أدنى أهل النار عذاباً 85 - وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً لَرَجُلٌ عَلَيْهِ نَعْلانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كأَنَّهُ مِرْجَلٌ مَسَامِعُهُ جَمْرٌ، وَأَضْرَاسُهُ جَمْرٌ، وَأَشْفَارُهُ لَهَبُ النَّارِ، وَتَخْرُجُ أَحْشَاءُ جَنْبَيْهِ مِنْ قَدَمَيْهِ، وَسَائِرُهُمْ كالْحَبِّ الْقَلِيلِ في الماءِ الْكَثِيرِ فَهُوَ يَفُورُ. رواه البزار مرسلاً بإسناد صحيح. 86 - وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلى حُجْزَتِهِ (¬1)، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلى عُنُقِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلى تُرْقُوَتِهِ (¬2). رواه مسلم. وفي رواية له: مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلى حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلى عُنُقِهِ. 87 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَّا سِيقَ (¬3) إِلَيْهَا أَهْلُهَا تَلَقَّتْهُمْ فَلَفَحَتْهُمْ (¬4) لَفْحَةً فَلَمْ تَدَعْ لَحْماً عَلى عَظْمٍ إِلاَّ أَلْقَتْهُ عَلَى الْعُرْقُوبِ (¬5). رواه الطبراني في الأوسط والبيهي مرفوعاً، ورواه غيرهما موقوفاً عليه وهو أصح. 88 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى: [فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي (¬6) وَالأَقْدَامِ]. ¬

(¬1) موضع شد الإزار: أي جهة صدره. (¬2) العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. (¬3) ذهب. (¬4) بعثت حرها ووهجها. (¬5) الوتر الذي خلف الكعبين بين مفصل القدم والساق من ذوات الأربع. (¬6) مجموعاً بينهما، وقيل يؤخذون بالنواصي تارة وبالأقدام أخرى، قال تعالى: [يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام فبأي آلاء ربكما تكذبان (42)] من سورة الرحمن. (بسيماهم) وهو ما يعلوهم من الكآبة والحزن.

قالَ: يُجْمَعُ بَيْنَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ يُقْصَفُ (¬1) كما يُقْصَفُ الْحَطَبُ. رواه البيهقي موقوفاً. معنى قوله تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها 89 - وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرأَ هَذِهِ الآيَةَ: [كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودَاً غَيْرَهَا (¬2) لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ (¬3)] قالَ: يا كَعْبُ أَخْبِرْنِي عَنْ تَفْسِيرِهَا فَإِنْ صَدَقْتَ صَدَّقْتُكَ، وَإِنْ كَذَبْتَ رَدَدْتُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: إِنَّ جِلْدَ ابْنَ آدَمَ يُحْرَقُ وَيُجَدَّدُ في سَاعَةٍ أَوْ فِي يَوْمٍ مِقَدَارَ سِتَّةِ آلافِ مَرَّةٍ قالَ: صَدَقْتَ. رواه البيهقي. 90 - وَرُوِيَ أَيْضاً عَنِ الْحَسَنِ وَهُوَ الْبَصْرِيُّ قالَ: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ، قالَ: تَأْكُلُهُمُ النَّارُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ كُلَّمَا أَكَلَتْهُمْ قِيلَ لَهُمْ: عُودُوا فَيَعُودُونَ كَمَا كَانُوا. 91 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُصْبَغُ في النَّارِ صِبْغَةً. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ، وَيُؤتَى بِأَشَدِّ النَّاسٍ بُؤْساً في الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صِبْغَةً في الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ مِنْ شِدَّةٍ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ. رواه مسلم. ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون 92 - وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُنْسَى أَهْلُ النَّارِ جَعَلَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ صُنْدُوقاً عَلَى قَدْرِهِ مِنْ نَارٍ لاَ يَنْبِضُ مِنْهُ عِرْقٌ إِلاَّ فِيهِ مِسْمَارٌ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ تُضْرَمُ فِيهِ النَّارُ، ثُمَّ يُقْفَلُ بِقُفْلٍ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ يُجْعَلُ ذَلِكَ الصُّنْدُوقُ في صُنْدُوقٍ مِنْ نَارٍ ثُمَّ يُضْرَمُ بَيْنَهُمَا نَارٌ، ثُمَّ يُقْفَلُ بِقُفْلٍ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ يُجْعَلُ ذَلِكَ الصُّنْدُوقُ في صُنْدُوقٍ مِنْ نَارٍ ثُمَّ يُضْرَمُ بِيْنَهُمَا نَارٌ ثُمَّ يُقْفَلُ، ثُمَّ يُلْقَى أَوْ يُطْرَحُ في النَّارِ فَذلِكَ قَوْلُهُ. مِنْ فَرْقِهِمْ ¬

(¬1) يكسر ويدفع بشدة. (¬2) بأن يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة أخرى. (¬3) ليدوم لهم ذوقه، وقيل يخلق لهم مكانه جلد آخر، والعذاب في الحقيقة للنفس العاصية المدركة لا لآلة إدراكها فلا محذور، قال تعالى: [إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيما والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلا (57)] من سورة النساء.

ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ (¬1) ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بهِ عِبَادَهُ (¬2) يَا عِبَادِ فاتَّقُونِ (¬3)، وذلك قوله: [لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ (¬4) وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ (¬5)] قالَ: فَمَا يَرَى أَنَّ في النَّارِ أَحَداً غَيْرَهُ. رواه البيهقي بإِسناد حسن موقوفاً، ورواه أيضاً بنحوه من حديث ابن مسعود بإِسناد منقطع. ¬

(¬1) أطباق من النار، وهي ظلل للآخرين. (¬2) ذلك العذاب هو الذي يخوفهم به ليجتنبوا ما يوقعهم فيه. (¬3) فاجتنبوا معصيتي ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي، قال تعالى: [قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم قل الله أعبد مخلصاً له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخسارين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار؟ لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد (20)] من سورة الزمر. (¬4) أنين وتنفس شديد. (¬5) من الهول وشدة العذاب، وقيل لا يسمعون ما يسرهم أهـ بيضاوي. قال تعالى: [إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون (98) لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون (103)] من سورة الأنبياء. (الحسنى) الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن، وهي السعادة أو البشرى بالثواب أو التوفيق للطاعة: نزلت جواباً لقول ابن الزبعرى عند تلاوته عليه الصلاة والسلام على صناديد قريش [إنكم وما تعبدون من دون الله] إلى قوله (خالدون) أليس اليهود عبدوا عزيراً والنصارى المسيح وبنو مليح الملائكة (أولئك) أي عزير والمسيح والملائكة (عنها) أي عن جهنم مبعدون لأنهم لم يرضوا بعبادتهم. وقيل المراد بقوله [إن الذين سبقت لهم منا الحسنى] أي جميع المؤمنين لما روي أن علياً رضي الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف. وقال الجنيد رحمه الله سبقت لهم منا العناية في البداية فظهرت لهم الولاية في النهاية حسيسها صوتها الذي يحس وحركة تلهبها، لهم النعيم ويأمنون عند النفخة الثانية وتستقبلهم ملائكة الرحمة مهنئين مستبشرين على أبواب الجنة. اللهم إني قد قرأت باب النار وأوصافها فخفت على نفسي كثيراً لتقصيري عن تحصيل المحامد وصالح الأعمال ولكن لي فيك رجاء أن تبعدها عني وعن كل من استضاء بهدي رسولك تكرماً فنأمل أن تقبلنا وتسبل علينا ستر المغفرة إنك رؤوف عفو كريم رحيم. آيات صفة النار وما أعده الله للمجرمين أ - قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (6)] من سورة التحريم. ب - وقال تعالى: [إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا من سقر (48)] من سورة القمر. =

فصل في بكائهم وشهيقهم

[قال الحافظ]: سويد بن غفلة ولد في العام الذي ولد فيه النبي صلى اللهُ عليه وسلم وهو عام الفيل، وقَدِم المدينة حين دفنوا النبي صلى اللهُ عليه وسلم ولم يره، وتوفي في زمن الحجاج وهو ابن خمس وعشرين، وقيل: سبع وعشرين ومائة. فصل في بكائهم وشهيقهم 93 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَدْعُونَ مَالِكاً فَلا يُجِيبُهُمْ أَرْبَعِينَ عَاماً، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ، ثُمَّ يَدعونَ رَبَّهُمْ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظالِمُونَ فَلا يُجِيبُهُمْ مِثْلَ الْدُّنْيَا، ثُمَّ يَقُولُ: [اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ]، ثُمَّ يَيْأَسُ الْقَوْمُ فَمَا هُوَ إِلاَّ الزَّفِيرُ والشَّهِيقُ تُشْبِهُ أَصْوَاتُهُمْ أَصْوَاتَ الْحَمِيرِ ¬

_ = جـ - وقال تعالى: [وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً إنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم هذا نزلهم يوم الدين (56)] من سورة الواقعة. د - وقال تعالى: [إنها ترمى بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر ويل يومئذ للمكذبين (34)] من سورة المرسلات. هـ - وقال تعالى: [كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة؟ نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممدة (9)] من سورة الهمزة. و- وقال تعالى: [كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى (18)] من سورة المعارج. ز - وقال تعالى: [فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد (107)] من سورة هود. ح - وقال تعالى: [إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها برداً ولا شرابا إلا حميماً وغساقا جزاء وفاقا إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا (30)] من سورة النبأ. ط - وقال تعالى: [إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا (29)] من سورة الكهف. ي - وقال تعالى: [خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون (38)] من سورة الحاقة. ك - وقال تعالى: [والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (27)] من سورة يونس.

أَوَّلُهَا شَهِيقٌ وآخِرُهَا زَفِيرٌ. رواه الطبراني موقوفاً ورواته محتج بهم في الصحيح، والحاكم وقال صحيح على شرطهما. [الشهيق] في الصدر. وَ [الزفير] في الحلق، وقال ابن فارس: الشهيق ضد الزفير لأن الشهيق ردَّ النفس، والزفير إخراج النفس. 94 - وروى البيهقي عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: لَهُم فِيْهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، قالَ: صَوْتٌ شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ. [قال الحافظ]: وتقدم حديث أبي الدرداء وفيه: فَيَقُولُونَ: ادْعُوا مَالِكاً، فَيَقُولُونَ: يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ. قالَ الأَعْمَشُ: نُبِّئْتُ أَنَّ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَبَيْنَ إِجَابَةِ مَالِكٍ لَهُمْ أَلْفَ عَامٍ. قالَ فَيَقُولُونَ: ادْعُوا رَبَّكُمْ فَلا أَحَدَ خَيْرٌ (¬1) مِنْ رَبِّكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا (¬2) وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّيْنَ (¬3) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا (¬4) فَإِنَّا ظَالِمُونَ. قالَ: فَيُجِيبُهُمْ: اخْسَئُوا (¬5) فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ. قالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا (¬6) مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْخُذُونَ في الزَّفِيرِ (¬7) وَالشَّهِيقِ وَالْوَيْلِ (¬8). رواه الترمذي. 95 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يُرْسَلُ الْبُكَاءُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ فَيَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، ثُمَّ يَبْكُونَ الدَّمَ حَتَّى يَصِيرَ في وُجُوهِهِمْ كَهَيْئَةِ الأُخْدُودِ، لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهَا السُّفُنُ لَجَرَتْ (¬9). رواه ابن ماجة وأبو يعلى، ولفظه قال: ¬

(¬1) أعظم يلتجأ إليه ويرأف بخلقه سبحانه. (¬2) شقاوتنا. (¬3) بعيدين عن الحق. (¬4) رجعنا إلى الغواية فقد حملنا أنفسنا طاقة العذاب. (¬5) اسكتوا منهزمين يقال خسأت الكلب طردته وأبعدته. والخاسئ: المبعد. (¬6) قنطوا. (¬7) إخراج النفس وإدخاله بحركة ألم وغضب. (¬8) الثبور والهلاك. (¬9) الله أكبر تذرف العيون بحاراً ويجري ماؤها مدرارا يصلح من كثرته لجري السفن فيه، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

الترغيب في الجنة ونعيمها ويشتمل على فصول

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ابْكُوا فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكُوا (¬1) فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَبْكُونَ في النَّارِ حَتَّى تَسِيلَ دُمُوعُهُمْ في خُدُودِهِمْ كَأَنَّها جَدَاوِلُ (¬2) حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ فَيَسِيلُ يَعْنِي الدَّمَ فَيُقْرِحُ الْعُيُونَ (¬3). وفي إسنادهما يزيد الرقاشي وبقية رواة ابن ماجة ثقات احتج بهم البخاري ومسلم. ورواه الحاكم مختصراً عن عبد الله بن قيس مرفوعاً قال: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَبْكُونَ حَتَّى لَوْ أُجْرِيَتِ السُّفُنُ في دُمُوعِهِمْ لَجَرَتْ، وَإِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ الدَّمَ مسكَانَ الدَّمْعِ. وقال: صحيح الإسناد. [الأخدود] بالضم: هو الشق العظيم في الأرض. الجنة ونعيمها الترغيب في الجنة ونعيمها ويشتمل على فصول 1 - عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعَاهَدَةً (¬4) بِغَيْرِ حَقِّهَا لَمْ يَرَحْ (¬5) رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، فَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ. وفي رواية: وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمَائَةِ عَامٍ. رواه ابن حبان في صحيحه. 2 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

(¬1) تصنعوا البكاء وازجروا أنفسكم وادعوها إلى خشية الله ورهبته والخوف منها، وانزعوا منها الغرور وكملوها بصالح الأعمال، فإن الخوف منه سبحانه يجر إلى الخير، ويبعد فعل الشر، وبذا تأمنون عذاب الله يوم القيامة. (¬2) أنهار. (¬3) فيقرح كذا د وع ص 480 - 2، وفي ن ط: فتقرح، بالتاء فتجرح وتدمى. كناية عن شدة الألم بتحول الدمع من ماء إلى دم. لماذا؟ لشدة كفرهم بالله، وزيادة طغيانهم وكثرة معاصيهم وفجورهم، فاتقوا الله عباد الله واعملوا صالحاً، وعليكم بكتاب الله وسنة نبيه عضوا عليهما بالنواجذ واستضيؤوا بأنوارهما كما قال تعالى: [ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم (101)] من سورة آل عمران. (¬4) قال القسطلاني: أي لها عهد مع المسلمين بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم. (¬5) لم يرح: أي لم يشمها أهـ ص 324 جواهر البخاري. يبين الله تعالى درساً للمسلمين أن يكرموا جوارهم ويحسنوا إلى من أنس بهم وعقد معهم اتفاقاً على أن يقطن في بلادهم، وأن الذي يقتل معاهداً أبعده الله من الجنة مسيرة مائة عام لراكب قطع هذه المسافة. لماذا لأنه خان العهد. نقض الاتفاق: نكث، وفي النهاية لم يرح: أي لم يشم ريحها، يقال راح يريح وراح يراح وأراح يريح: إذا وجد رائحة الشيء.

فصل في صفة دخول أهل الجنة الجنة وغير ذلك

رِيحُ الْجَنَّةِ يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ، وَاللهِ لاَ يَجِدُهَا عَاقٌّ (¬1) وَلاَ قَاطِعُ رَحِمٍ (¬2). رواه الطبراني من رواية جابر الجعفي، وتقدم غيرُ ما حديث فيه ذكر رائحة الجنة في أماكن متفرقة من هذا الكتاب لم نعدّها. فصل في صفة دخول أهل الجنة الجنة وغير ذلك 3 - عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَنْ هذِهِ الآَيَةِ: [يَوْمَ نَحْشُرُ (¬3) الْمُتَّقِينَ إِلى الرَّحْمنِ وَفْداً] إِلى آخرها قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْوَفْدُ إِلاَّ رَكْبٌ؟ قالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ اسْتُقْبِلُوا بِنُوقٍ بِيضٍ (¬4) لَهَا أَجْنِحَةٌ عَلَيْهَا رِحَالُ (¬5) الذَّهَبِ، شُرُكُ نِعَالِهِمْ نُورٌ يَتَلأْلأُ كُلَّ خَطْوَةٍ مِنْهَا مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ، وَيَنْتَهُونَ إِلى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا حَلْقَةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ عَلَى صفائِحِ الذَّهَبِ، وَإِذَا شَجَرَةٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ يَنْبَعُ مِنْ أَصْلِهَا عَيْنَانِ فَإِذَا شَرِبُوا مِنْ أَحَدِهِمَا جَرَتْ في وُجُوهِهِمْ بِنَضْرَةِ النَّعِيمِ، وَإِذَا تَوَضَّؤُوا مِنَ الأُخْرَى لَمْ تَشْعَثْ (¬6) أَشْعَارُهُمْ أَبَداً فَيَضْرِبُونَ الْحَلْقَةَ بِالصَّفِيحَةِ فَلَوْ سَمِعْتَ طَنِينَ (¬7) الْحَلْقَةِ يَا عَلِيُّ فَيَبْلُغُ كُلَّ حُوْرَاءَ (¬8) أَنّ زَوْجَهَا قَدْ أَقْبَلَ فَتَسْتَخِفُّهَا الْعَجَلَةُ فَتَبْعَثُ قَيِّمَهَا (¬9) فَيَفْتَحُ لَهُ الْبَابَ، فَلَوْلا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَرَّفَهُ نَفْسَهُ لَخَرَّ لَهُ سَاجِداً مِمَّا يَرَى مِنَ النُّورِ وَالْبَهَاءِ فَيَقُولُ أَنَا قَيِّمُكَ الَّذِي وُكِّلْتُ بِأَمْرِكَ فَيَتْبَعُهُ فَيَقْفُوا أَثَرَهُ فَيَأْتِي زَوْجَتَهُ فَتَسْتَخِفُّهَا الْعَجَلَةُ ¬

(¬1) عاص والديه لم يبرهما. (¬2) معلق الشقاق على أقاربه والنزاع والمبعد خيره عنهم. (¬3) نجمعهم إلى ربهم الذي غمرهم برحمته وافدين عليه كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين لكرامتهم وإنعامهم قال تعالى: [يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً ونسوق المجرمين إلى جهم ورداً لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا (87)] من سورة مريم. (¬4) بيضاء. (¬5) خيوط. (¬6) لم تتلبد ولم يتغير نظامها الحسن. (¬7) صوت. (¬8) حسناء. (¬9) خادمها والقائم بأمرها ..

صفة نعيم أهل الجنة فَتَخْرُجُ مِنَ الْخَيْمَةِ فَتُعَانِقُهُ وَتَقُولُ: أَنْتَ حِبِّي (¬1) وَأَنَا حِبُّكَ (¬2)، وَأَنَا الرَّاضِيَةُ فَلاَ أَسْخَطُ أَبَداً، وَأَنَا النَّاعِمَةُ فَلاَ أَبْأَسُ أَبَداً، وَأَنَا الْخَالِدَةُ فَلا أَظْعَنُ أَبَداً (¬3) فَيَدْخُلُ بَيْتَاً مِنْ أَسَاسِهِ إِلى سَقْفِهِ مِائَةُ أَلْفِ ذِرَاعٍ مُبْنِيٌّ عَلى جَنْدَلِ الُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ، طَرائِقُ حُمْرٌ (¬4) وَطَرَائِقُ خُضْرٌ وَطَرائِقُ صُفْرٌ، مَا مِنْهَا طَرِيقَةٌ تُشَاكِلُ صَاحِبَتَهَا فَيَأْتِي الأَرِيكَةَ (¬5) فَإِذَا عَلَيْهَا سَرِيرٌ عَلَى السَّرِيرِ سَبْعُونَ فِرَاشاً، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ سَبْعُونَ زَوْجَةً، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلةً، يُرَى مُخُّ سَاقِهَا (¬6) مِنْ بَاطِنِ الْحُلَلِ، يَقْضِي جِمَاعَهُنَّ في مِقْدَارِ لَيْلَةٍ تَجْرِي مِنْ تِحْتِهِمْ أَنْهَارٌ (¬7) مُطَّرِدَةٌ، أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ (¬8) صَافٍ لَيْسَ فِيهِ كَدَرٌ، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى (¬9) لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ النَّحْلِ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ (¬10) لِلشَّارِبِينَ لَمْ تَعْصُرْهُ الرِّجَالُ بِأَقْدَامِهَا، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ الْمَاشِيَةِ، فَإِذَا اشْتَهَوا الطَّعَامَ جَاءَتْهُمْ طَيْرٌ بِيضٌ فَتَرْفَعُ أَجْنِحَتَهَا فَيَأْكُلُونَ مِنْ جُنُوبِهَا مِنْ أَيِّ الأَلْوَانِ شَاؤُوا، ثُمَّ تَطِيرُ فَتَذْهَبُ، وَفِيهَا ثِمَارٌ مُتَدَلِّيَةٌ (¬11) إِذَا اشْتَهَوْهَا انْبَعَثَ (¬12) الْغُصْنُ إِلَيْهِمْ فَيَأْكُلُونَ مِنْ أَيِّ الثِّمَارِ شَاؤُوا إِنْ شَاءَ قائِماً وَإِنْ شَاءَ مُتَّكِئاً، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: [وَجَنا الْجَنَّتَيْنِ دَان (¬13)] وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ خَدَمٌ كَاللُّؤْلُؤِ. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب صفة ¬

(¬1) حبيبي. (¬2) حبيبتك. (¬3) لا أفارقك. (¬4) طرقها مختلفة الألوان حمراء وخضراء وصفراء. (¬5) ما يتكأ عليه من فراش وثير. (¬6) لصفاء جسمها ولنضارته وزيادة رونقه. (¬7) أنهار، كذا ط وع ص 481 - 2، وفي ن د: الأنهار. (¬8) لم يتغير طعمه وريحه. (¬9) لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها، وفي ذلك تمثيل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا بالتجريد عما ينقصها وينغصها والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها .. (¬10) لذيذة لا يكون فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر، لم يصر قارصاً، ولا حاذراً قال تعالى: [مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم] من سورة محمد صلى الله عليه وسلم. (¬11) متفرعة قريبة للجني. (¬12) وصل، يقال بعثت رسولا أوصلته وابتعثته وانبعث .. (¬13) أي قريب يناله القاعد والمضطجع، وجنى اسم بمعنى مجني قال تعالى: [ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنا الجنتين دان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان كأنهن =

الجنة عن الحارث، وهو الأعور عن علي مرفوعاً هكذا، ورواه ابن أبي الدنيا أيضاً والبيهقي وغيرهما عن عاصم بن ضمرة عن علي موقوفاً عليه بنحوه وهو أصح وأشهر. ولفظ ابن أبي الدنيا قال: يُسَاقُ الَّذِينَ اتَّقَوا رَبَّهُمْ إِلى الْجَنَّةِ زُمَراً (¬1) حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا وَجَدُوا عِنْدَهُ شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ تَجْرِيانِ (¬2) فَعَمَدُوا إِلى إِحْدَاهُمَا كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهَا فَشَرِبُوا مِنْهَا فَأَذْهَبَتْ مَا في بُطُونِهِمْ مِنْ أَذَىً أوْ قَذىً أَوْ بَأْسٍ ثُمَّ عَمَدُوا إِلى الأُخْرَى فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ بِنَضْرَةِ النَّعِيمِ فَلنْ تَتَغَيَّرَ أَبْشَارُهُمْ (¬3) تَغَيُّراً بَعْدَهَا أَبَداً، وَلَنْ تَشْعَثَ (¬4) أَشْعَارُهُمْ كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدِّهَانِ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلى خَزَنَةِ الْجَنَّةِ فَقَالُوا: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ (¬5) فادْخُلُوهَا خَالِدِينَ. قالَ: ثُمَّ ¬

= الياقوت والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأي آلاء ربكما تكذبان ومن دونهما جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن خيرات حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام (78)] من سورة الرحمن. جنتان: 1 - لعقيدته. 2 - لعمله، أو: أ - لفعل الطاعات. ب - لترك المعاصي. (أفنان) أنواع من الثمار والأشجار والمفرد فنن كغصن (عينان). 1 - التسنيم. 2 - السلسبيل. (زوجان) صنفان (إستبرق) ديباج ثخين (قاصرات) نساء قصرن أبصارهم على أزواجهن (لم يطمثهن) لم يمسهن لإزالة البكارة (مدهامتان) خضراوان تضربان إلى السواد من شدة الخضرة (نضاختان) فوارتان بالماء (مقصورات) قصرن في خدورهن رفرف وسائد أو نمارق جمع رفرفة، وقيل الرفرف ضرب من البسط أو ذيل الخيمة: وقد يقال لكل ثوب عريض (عبقري) كل شيء عجيب بديع (تبارك) تعالى اسمه. نقلت لك هذه الآيات لتعلم وصف الله تعالى لها ولتشتاق إلى نعيمها، وتدفع مهرها بالجد في صالح الأعمال في حياتك أيها المسلم، فيكون القرآن رائدك إلى الخير ونبراسك إلى فعل البر، ولتكون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مطمح آمالك، ومصباح هدايتك. (¬1) جماعات. (¬2) تمران في الجهات العالية والسافلة أو كما قال البيضاوي في الأعالي والأسافل حيث شاؤوا. (¬3) جلودهم ووجه الأجسام. (¬4) ولن تتغير ولن تتلبد لتجدد نظافتها ولبهجة روائها ولجمال منظرها كأن مسكها تضوع وريحها فاح. (¬5) طهرتم من الدنس وأدران المعاصي في دنياكم كما قال تعالى: [وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين (75)] من سورة الزمر. سيق مراكبهم إسراعاً إلى دار الكرامة (زمرا) على تفاوت مراتبهم في الشرف وعلو الطبقة (صدقنا) بالبعث والثواب (حافين) محدقين ملتبسين بحمده (وقضى بينهم) بين الخلق بإدخال بعضهم الجنة أو النار والقائلون المؤمنون أهـ.

تَلْقَاهُمْ أَوْ يَلْقَاهُمْ الْوِلْدَانُ يُطِيفُونَ بِهِمْ كَما يُطِيفُ وِلْدَانُ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالْحَمِيمِ، يَقْدُمُ مِنْ غَيْبَتِهِ فَيَقُولُونَ: أَبْشِرْ بِمَا أَعَدَّ اللهُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ قالَ: ثُمَّ يَنْطَلِقُ غُلامٌ مِنْ أُولَئِكَ الْوِلْدَانِ إِلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَيَقُولُ: قَدْ جَاءَ فُلانٌ بِاسْمِهِ الَّذِي يُدْعَى بِهِ في الدُّنْيَا، فَتَقُولُ: أَنْتَ رَأَيْتُهُ وَهُوَ ذَا بِإِثْرِي، فَيَسْتخِفُّ إِحْدَاهُنَّ الْفَرَحُ حَتَّى تَقُومَ عَلَى أَسْكُفَّةِ بَابِهَا، فَإِذَا انْتَهَى إِلى مَنْزِلِهِ نَظَرَ إِلى أَيِّ شَيْءٍ أَسَاسُ بُنْيَانِهِ، فَإِذَا جَنْدَلُ اللُّؤْلُؤِ فَوْقَهُ صَرْحٌ أَخْضَرُ وأصْفَرُ وَأَحْمَرُ وَمِنْ كُلِّ لَوْنٍ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلى سَقْفِهِ، فَإِذَا مِثْلُ الْبَرْقِ لَوْلا أَنَّ اللهَ قَدَّرَ لَهُ لأَلَمَّ أَنْ يَذْهَبَ بِبَصَرِهِ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلى أَزْوَاجِهِ، وَأَكْوَابٌ (¬1) مَوْضُوعَةٌ (¬2)، وَنَمَارِقُ (¬3) مَصْفُوفَةٌ (¬4)، وَزَرَابِيُّ (¬5) مَبْثُوثَةٌ (¬6) فَنَظَرُوا إِلى تِلْكَ الْنِّعْمَةِ، ثُمَّ اتَّكَئُوا وَقَالُوا: [الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهذَا (¬7) وَمَا كنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا (¬8) اللهُ] الآيَةَ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ تَحْيَوْنَ (¬9) فَلاَ تَمُوتُونَ أَبَداً، وَتُقِيمُونَ فَلا تَظْعَنُونَ أَبَداً وَتَصِحُّونَ، أَرَاهُ قالَ: فَلاَ تَمْرَضُونَ أَبداً. ¬

(¬1) جمع كوب، آنية لا عروة لها. (¬2) معدة بين أيديهم. (¬3) وسائد. (¬4) بعضها إلى بعض. (¬5) بسط فاخرة. (¬6) مبسوطة، قال تعالى: [هل أتاك حديث الغاشية، وجوه يومئذ خاشعة، عاملة ناصبة، تصلى ناراً حامية، تسقى من عين آنية، ليس لهم طعام إلا من ضريع، لا يسمن ولا يغني من جوع، وجوه يومئذ ناعمة، لسعيها راضية، في جنة عالية، لا تسمع فيها لاغية، فيها عين جارية، فيها سرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة (16)] من سورة الغاشية. (الغاشية) الداهية التي تغشى الناس. خاشعة ذليلة. عاملة ناصبة تعمل ما تتعب فيه كجر السلاسل وخوضها في النار خوض الإبل في الوصل والصعود والهبوط في تلالها ووهادها آنية شديدة الحرارة (ضريع) شوك. ناعمة ذات بهجة أو متنعمة. لاغية: قولاً لغواً لا فائدة فيه. (¬7) لما جزاؤه هذا النعيم. (¬8) لولا هداية الله وتوفيقه، قال تعالى: [والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفساً إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون، ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار، وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون (43)] من سورة الأعراف. نخرج من قلوبهم أسباب الغل، أو نطهرها منه حتى لا يكون بينهم إلا التوادد، عن علي كرم الله وجهه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم. اللهم تفضل علينا بدخول الجنة يا عظيم يا وهاب. (¬9) حياة دائمة فلا موت، وإقامة لا سفر ولا انتقال، وصحة وعافية لا سقم فيها.

[الجندل]: الحجر. [الآسن] بمد الهمزة وكسر السين المهملة: هو المتغير. [الحميم]: القريب. [الأكواب]: جمع كوب، وهو كوز لا عروة له، وقيل: لا خرطوم له، فإذا كان له خرطوم فهو إبريق. [النمارق]: الوسائد، واحدها نمرقة. [الزرابيّ]: البسط الفاخرة، واحدها زريبة. ما بين مصراعين في الجنة كمسيرة أربعين سنة 4 - وَعَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ قالَ: خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَحَمِدَ اللهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ (¬1) بِصُرْمٍ وَوَلَّتْ حَذَّاءً وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ صُبَابَةٌ (¬2) كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ يَصْطَبُّهَا (¬3) صَاحِبُهَا، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلى دَارٍ لا زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا يَحْضُرَنَّكُمْ (¬4)، وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مِصْرَاعَيْنِ (¬5) مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ (¬6) مِنَ الزِّحَامِ. رواه مسلم هكذا موقوفاً، وتقدم بتمامه في الزهد. ورواه أحمد وأبو يعلى من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم مختصراً، قال: مَا بَيْنَ مِصْرَاعِيْنِ في الْجَنَّةِ كَمَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَة (¬7) وفي إسناده اضطراب. 5 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ لَكمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ (¬8) ¬

(¬1) أعلنت بانقطاع ونبهت على انتهائها وأخبرت بفنائها وذهبت سريعة ماضية. (¬2) بقية قليلة وحثالة. (¬3) يصبها ليشرب. (¬4) بأفضل ما يوجد عندكم من الأعمال الصالحة. بخير ما يحضرنكم كذا ط، وفي ن د بخير ما بحضرتكم بتنوين الراء. (¬5) شطري الباب وإن المسافة بينهما نحو سير أربعين عاماً، كناية عن اتساع الباب وزيادة فخامته وبهاء رونقه، صنائع فاق صانعها ففاقت ... وغرس طاب غارسه فطابا (¬6) ممتلئ فيه خلائق جمة. (¬7) لو تخيلت راكب سيارة أو قطار سريع سافر مدة أربعين سنة لقطع هذه المسافة بين مصراعي باب من غرف الجنة، ويفسر هذا قوله صلى الله عليه وسلم "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". (¬8) يوضح صلى الله عليه وسلم للناس المسافة بين المصراعين بما بين البلدين من البعد.

وَهَجَرَ وَمَكَّةَ. رواه البخاري ومسلم في حديث، وابن ماجة مختصراً إلا أنه قال: لَكَما بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ أَوْ كما بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى. ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً 6 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفاً أَوْ سَبْعِمائَةِ أَلْفٍ مُتَماسِكُونَ (¬1) آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْض لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلُ آخِرُهُمْ (¬2) وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. رواه البخاري ومسلم. 7 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ (¬3) لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ في السماءِ إِضَاءَةً لاَ يَبُولُونَ (¬4)، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، وَلاَ يَتْفِلُونَ أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الألُوَّةُ أَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، أَخْلاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ (¬5) عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعَاً في السَّمَاءِ. 8 - وفي رواية قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ (¬6) صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ (¬7)، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ (¬8) يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ ¬

(¬1) منضمون متحدون مصطفون متساندون واقفون ليندفعوا جملة. (¬2) بأن يدخلوا صفاً واحداً دفعة واحدة. (¬3) تتلألأ وجوههم أنواراً مثل ضوء القمر ليلة أربع عشرة من الشهر العربي، لماذا؟ لأن الله تعالى كافأهم بنضارة الجسم وإشراق الوجه وتلألئه. (¬4) لا يحصل منهم بول أو غائط أو بصاق أو مخاط كما كان يحصل في الدنيا من قذارة الأنف وتفل الفم وإخراج إفراز الحواس أو بقايا الطعام من المعدة "حاشا لله" إن الجنة نظيفة من هذه الأقذار بعيدة عن الدنايا وإنما ما يأكلونه في الجنة يخرج على الجسم كهيئة عرق كالمسك في طيب ريحه، ومباخرهم نباتات عطرية فائحة الشذى. (¬5) أي فيه تحابب وتوافق وتوادد. (¬6) تدخلها. (¬7) الأواني المستعملة في الطعام والشراب من الذهب لزيادة التمتع والنعيم. (¬8) قال القسطلاني من نساء الدنيا أو من الحور العين يرى ما في داخل العظم أهـ كناية عن شدة الجمال والبهاء وحسن المنظر وبداعة المخبر.

لاَ اخْتِلافَ (¬1) بَيْنَهُمْ، وَلاَ تَبَاعُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبُ وَاحِدٍ يُسَبِّحُونَ اللهُ بُكْرَةً وَعَشِيّاً. رواه البخاري ومسلم واللفظ لهما، والترمذي وابن ماجة. 9 - وفي رواية لمسلم: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ (¬2) عَلَى أَشَدِّ نَجْمٍ في السَّمَاءِ إِضَاءَةً، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ، فذكر الحديث وقال: قال ابن أبي شيبة. عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ يعني بضم الخاء، وقال أبو كريب: على خَلْقِ، يعني بفتحها. [الألوة] بفتح الهمزة وضمها وبضم اللام وتشديد الواو وفتحها: من أسماء العود الذي يتبخر به. قال الأصمعي: أراها كلمة فارسية عُرِّبت. 10 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْداً مُرْداً مُكَحَّلِينَ بَنِي ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، ورواه أيضاً من حديث أبي هريرة وقال: غريب، ولفظه: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ (¬3) مُرْدٌ (¬4) كُحْلٌ (¬5) لاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ (¬6) وَلا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ (¬7). 11 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْداً مُرْداً بِيضاً جِعَاداً (¬8) مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ¬

(¬1) لا شقاق ولا تنافر ولا خصام. (¬2) يساوونهم في المنزلة ويتبعونهم في الدرجة الثانية وهكذا كما قال تعالى: [ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض]. (¬3) ليس على بدنهم شعر: وضد الأجرد الأشعر، أي الذي على بدنه شعر. (¬4) ليس لهم لحية يقال مرد الغلام مرداً إذا أبطأ نبات وجهه، وقيل إذا لم تنبت لحيته فهو أمرد. (¬5) عيونهم سوداء جميلة مزينة أحسن من المكحولة صناعة كما قال المتنبي: ليس التكحل في العينين كالكحل. يقال كحلت الرجل كحلا جعلت الكحل في عينه فالفاعل كاحل وكحل، والمفعول مكحول ويقال عين كحيل واكتحلت وتكحلت. (¬6) لا تزول قوتهم، بل تستمر نضارتهم، ويزداد نعيمهم. (¬7) ولا تنقطع ملابسهم، بل تبقى جديدة بهيجة. والمعنى أنهم في غاية الصحة، وتمام العافية ووجوههم بيضاء مشرقة وضاءة خالية من الشعر وعيونهم نجلاء كحلاء وقوتهم في ازدياد وحللهم فاخرة جميلة. (¬8) جعادا كذا د وع ص 483 - 2 أي متواضعين ذوي أخلاق حسنة، وفي النهاية إن جاءت به جعدا، الجعد في صفات الرجال يكون مدحاً وذماً، فالمدح أن يكون معناه شديد الأسر والخلق أو يكون جعد الشعر وهو ضد السبط، وفي المصباح جعد الشعر جعودة إذا كان فيه التواء وتقبض فهو جعد خلاف المسترسل، وامرأة جعدة وقوم جعاد؛ وفي ن ط حفادا.

فصل فيما لأدنى أهل الجنة فيها

ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ (¬1)، وَهُمْ عَلَى خَلْقِ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعاً في عَرْضِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ. رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي، كلهم من رواية علي بن زيد بن جدعان عن ابن المسيب عنه. 12 - وَعَنِ الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ علهي وسلم قالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ سِقْطاً (¬2) وَلا هَرِماً (¬3)، وإِنَّمَا النَّاسُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ إِلاَّ بُعِثَ (¬4) ابْنَ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَة، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَانَ عَلَى مِسْحَةِ (¬5) آدَمَ، وَصُورَةِ يُوسُفَ (¬6)، وَقَلْبِ (¬7) أَيُّوبَ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عَظُمُوا (¬8) وفَخُمُوا كَالْجِبَالِ. رواه البيهقي بإسناد حسن. فصل فيما لأدنى أهل الجنة فيها 13 - وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ سَأَلَ رَبَّهُ: مَا أَدْنَى (¬9) أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ فَقَالَ: رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ (¬10) فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ لَهُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فَقَالَ في الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ: هذَا لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ (¬11) نَفْسُكَ وَلَذَّتْ (¬12) عَيْنُكَ، فَيَقُولُ ¬

(¬1) عمر الواحد ثلاث وثلاثون سنة في ضخامة الجسم، الطول ستون ذراعاً والعرض سبعة. (¬2) السقط الولد ذكراً كان أو أنثى يسقط قبل تمامه، وهو مستبين الخلق، تقال سقط الولد من بطن أمه سقوطاً فهو سقط بالكسر. (¬3) شيخاً كبيراً ضعيفاً. (¬4) أحياه الله تعالى. (¬5) أي أثر ظاهر منه، وفي النهاية يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن عليه مسحة ملك ولا يقال ذلك في المدح وعليه مسحة من جمال. (¬6) أي هيئته في الحسن والكمال والجمال. (¬7) مثل قلبه في الإخلاص والوفاء والنقاء وحسن العقيدة. (¬8) كبرت أجسامهم. (¬9) أقل. (¬10) درجاتهم. (¬11) طلبته. (¬12) قرت.

ما لأدنى أهل الجنة وأعلاهم فيها رَضِيتُ رَبِّ. قالَ رَبِّ: فَأَعْلاهُمْ مَنْزِلَةً قالَ: أُولئِكَ الَّذِين أَرَدْتُ (¬1) غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشرٍ. رواه مسلم. 14 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ صَرَفَ (¬2) اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ قِبَلَ الْجَنَّةِ وَمَثَّلَ لَهُ شَجَرَةً ذَاتَ ظِلٍّ (¬3) فَقَالَ: أيْ رَبِّ قَرِّبْنِي مِنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ أَكُونُ في ظِلِّهَا (¬4). فذكر الحديث في دخوله الجنة وتمنّيه إلى أن قال في آخره: إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ (¬5) قالَ اللهُ: هُوَ لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ. قالَ: ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَيَقُولانِ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَحْيَاكَ لَنَا وَأَحْيَانَا لَكَ. قالَ: فَيَقُولُ: مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ (¬6). رواه مسلم. 15 - ورواه أحمد عن أبي سعيد وأبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: آخِرُ رَجُلَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنَ النَّارِ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لأَحَدِهِمَا: يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ، هَلْ عَمِلْتَ خَيْراً قَطُّ؟. فذكر الحديث بطوله إلى أن قال في آخره: فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَلْ (¬7) وَتَمَنَّهْ فَيَسْأَلُ وَيَتَمَنَّى مِقْدَارَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَيُلَقِّنُهُ اللهُ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ فَيَسْأَلُ وَيَتَمَنَّى، فَإِذَا فَرَغَ قالَ: لَكَ مَا سَأَلْتَ (¬8). قال أبو سعيد: وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قال أبو هريرة: وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ، فقال أحدهما لصاحبه: حَدِّثْ بِمَا سَمِعْتَ وَأُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْتُ. ورواته محتج بهم في الصحيح إلا علي بن زيد، وهو في البخاري بنحوه إلا أن أبا هريرة قال: وَمِثْلُهُ، وقال أبو سعيد: وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ على العكس وتقدم ¬

(¬1) أحببت تفضلاً مني أن أزيد نعمهم وأمنحهم الدرجات السامية. هذا مثل من كرم الله جل وعلا على عباده أن يهب لمن يشاء العلا والسعادة والنعيم المقيم والعز أضعافاً مضاعفة كما قال تعالى: [ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم]. (¬2) أبعده وحوله نحو نعيم الجنة فرأى بهجتها. (¬3) مورقة كثيرة الظلال. (¬4) أتمتع بهوائها وظلها وتقيني حرارة الشمس. (¬5) الآمال المرجوة بمعنى أنه أخذ جميع ما يطلب ونال جميع ما يتمنى فيتفضل عليه ربه بمضاعفة الإعطاء. (¬6) فيرض ويفرح ويشكر الله على ما وهب ومنح. (¬7) اسأل واطلب. (¬8) يجاب طلبك تفضلاً.

16 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ رَجُلٌ مَرَّ بِهِ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ لَهُ: قُمْ فادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَابِساً (¬1) فَقَالَ: وَهَلْ أَبْقَيْتَ لِي شَيئاً؟ قالَ: نَعَمْ، لَكَ مِثْلُ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ (¬2). رواه الطبراني بإسناد جيد، وليس في أصلي رفعُه، وأرى الكاتب أسقط منه ذكر النبي صلى اللهُ عليه وسلم. يعطى أهل الجنة نوراً على قدر أعمالهم 17 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَيْضاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قال؛ يَجْمَعُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (¬3) قِيَاماً أَرْبَعِينَ سَنَةً شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ (¬4) يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ. فذكر الحديث إلى أن قال: ثُمَّ يَقُولُ: يَعْنِي الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ارْفَعُوا رُؤوسَكُمْ فَيَرْفَعُونَ رُؤوسَهُمْ فَيُعْطِيهِمْ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ (¬5) الْجَبَلِ الْعَظِيمِ يَسْعَى بَيْنَ يَدِيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَدِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ رَجُلاً يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمَيْهِ يُضِيءُ مَرَّةً ويُطْفَأُ مَرَّةً، فَإِذَا أَضَاءَ قَدَّمَ قَدَمَهُ، وَإِذَا أُطْفِئَ قامَ فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ نُورِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفَةِ (¬6) الْعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ (¬7)، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كالسَّحَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ (¬8)، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُر كَشَدِّ (¬9) الْفَرَاسِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّجُلِ حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي يُعْطَى نُورَهُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ يَحْبُو (¬10) عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ تَخِرُّ (¬11) يَدٌ وَتُعَلَّقُ يَدٌ وَتَخِرُّ رِجْلٌ وَتُعَلَّقُ رِجْلٌ وَتُصِيبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ، فلاَ يَزَالُ كَذلِكَ حَتَّى يَخْلُصَ، فَإِذَا خَلَصَ وَقَفَ ¬

(¬1) غضبان: يقال عبس: قطب وجهه عبوساً فهو عابس. (¬2) أي لك ملك كبير واسع المدى يساوي الذي تشرق عليه الشمس وتغرب. (¬3) ليوم القيامة. (¬4) أجفانهم لا تطرف كما قال تعالى: [تشخص فيه الأبصار]. (¬5) يستضاء بنور عظيم جداً مثل الجبل في الحجم. (¬6) إقفال الرمش. (¬7) اللامع في السماء. (¬8) لمعانه (¬9) خطاه كخطوة الحصان. (¬10) يدرج ويزحف على بطنه منقلباً. (¬11) تسقط.

كرم الله وإحسانه لعبده عَلَيْهَا، فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَعْطَانِي مَا لَمْ يُعْطِ أَحَداً إِذْ نَجَّانِي مِنْهَا بعْدَ إِذْ رَأَيْتُهَا قالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِ إِلى غَدِيرٍ (¬1) عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُ، فَيَعُودُ إِلَيْهِ رِيحُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَلْوَانُهُمْ فَيَرى مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ خَلَلِ (¬2) الْبَابِ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَيَقُولُ لَهُ: أَتَسْأَلُ الْجَنَّةَ وَقَدْ نَجَّيْتُكَ مِنَ الْنَّارِ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَاباً (¬3) لاَ أَسْمَعُ حَسِيسَهَا (¬4) قالَ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَرَى أَوْ يَرْفَعُ لَهُ مَنْزِلٌ أَمَامَ ذَلِكَ كَأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ إِلَيْهِ حُلْمٌ (¬5) فَيَقُولُ: رَبِّ أَعْطِنِي ذَلِكَ المَنْزِلَ، فَيَقُولُ لَهُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَهُ (¬6) تَسْأَلُ غَيْرَهُ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيرَه وَأَيُّ مَنْزِلٍ أَحْسَنُ مِنْهُ؟ فَيُغْطَاهُ، فَيَنْزِلُهُ وَيَرَى أَمَامَ ذَلِكَ مَنْزِلاً كَأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ إِلَيْهِ حُلْمٌ، قالَ: رَبِّ أَعْطِنِي ذلِكَ الْمَنْزِلَ، فَيَقُولُ اللهُ تَبَاركَ وتَعَالَى لَهُ: فَلَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَهُ تَسْأَلُ غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ، وَأَيُّ مَنْزِلٍ أَحْسَنُ مِنْهُ؟ فَيُعْطَاهُ فَيَنْزِلُهُ ثُمَّ يَسْكُتُ فَيَقُولُ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: مَالَكَ (¬7) لاَ تَسْأَلُ؟ فَيَقُولُ رَبِّ: قَدْ سَأَلْتُكَ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُكَ (¬8) وَأَقْسَمْتُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُكَ، فَيَقُولُ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: أَلَمْ تَرْضَ أَنْ أُعْطِيكَ مِثْلَ الدُّنْيَا مُنْذُ خَلَقْتُهَا إِلى يَوْمِ أَفْنَيْتُهَا وَعَشَرَةَ أَضْعَافِهِ؟ فَيَقُولُ: أَتَهْزَأُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ؟ فَيَضْحَكُ (¬9) الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ، قالَ: فَرَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ إِذَا بَلَغَ هذَا الْمَكَانَ مِنْ هذَا الْحَدِيثِ ضَحِكَ حَتَّى تَبْدُو أَضْرَاسُهُ، قالَ: فَيقُولُ الرَّبُّ جَلَّ ذِكْرُهُ: لاَ وَلكِنِّي عَلى ذَلِكَ قَادِرٌ، سَلْ (¬10) فَيَقُولُ: أَلْحِقْنِي بِالنَّاسِ، فَيَقُولُ: الْحَقْ بالنَّاسِ فَيَنْطَلِقُ يَرْمُلُ (¬11) في الْجَنَّةِ حَتَّى إذَا دنَا (¬12) مِنَ النَّاسِ رُفِعَ لَهُ قَصْرٌ مِنْ دُرَّةٍ فَيَخِرُّ سَاجِداً فَيُقَالُ لَهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ مَالَك؟ ¬

(¬1) نهر. (¬2) ثقوب. (¬3) مانعاً. (¬4) صوتها. (¬5) رأى في منامه رؤيا، من حلم يحلم واحتلم. (¬6) تفضلت عليك بإعطائه. (¬7) أي شيء دهاك لا تطلب. (¬8) أخذني الحياء من جلالك .. (¬9) أي يظهر رضاه سبحانه ويتجلى عليه برضوانه وجماله. (¬10) اسأل. (¬11) يهرول. (¬12) قرب.

فَيَقُولُ رَأَيْتُ رَبِّي (¬1) أَوْ تَرَاءَى (¬2) لِي رَبِّي فَيُقَالُ: إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِكَ. قالَ: ثُمَّ يَلْقَى رَجُلاً فَيَتَهَيَّأُ لِلسُّجُودِ لَهُ فَيُقَالُ لَهُ مَهْ (¬3) فَيَقُولُ: رَأَيْتُ أَنَّكَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ فَيَقُولُ: إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ مِنْ خُزَّانِكَ وَعَبْدٌ (¬4) مِنْ عَبِيدِكَ تَحْتَ يَدَيَّ أَلْفُ قَهْرَمَانٍ (¬5) عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ قالَ فَيَنْطَلِقُ أَمَامَهُ حَتَّى يَفْتَحَ لَهُ الْقَصْرَ، قالَ: وَهُوَ مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ سَقَائِفُهَا وَأَبْوَابُهَا وأَغْلاقُهَا وَمَفَاتِيحُها مِنْهَا تَسْتَقْبِلُهُ جَوْهَرَةٌ خَضْرَاءُ مُبَطَّنَةٌ بِحَمْرَاءَ فِيهَا سَبْعُونَ بَاباً كُلُّ بَابٍ يُفْضِي (¬6) إِلى جَوْهَرةٍ خَضْرَاءَ مُبَطَّنَةٍ، كُلُّ جَوْهَرَةٍ تُفْضِي إِلى جَوْهَرَةٍ عَلَى غَيْرِ لَوْنِ الأُخْرَى، في كُلِّ جوْهَرَةٍ سُرُرٌ وَأَزْوَاجٌ وَوَصَائِفُ (¬7) أَدْنَاهُنَّ حَوْراءُ عَيْنَاءُ علَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً يُرى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ حُلَلِهَا، كَبِدُهَا مِرْآتُهُ وَكَبِدُهُ مِرْآتُهَا، إِذَا أَعْرَضَ عَنْهَا إِعْرَاضَةً ازْدَادَتْ في عَيْنَيْهِ سَبْعِينَ ضِعْفاً، فَيُقَالُ لَهُ: اشْرُفْ (¬8) فَيَشْرُفُ فَيُقَالُ لَهُ: مُلْكُكَ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ يَنْفُذُهُ بَصَرُكَ قالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا يُحَدِّثُنَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ يَا كَعْبُ عَنْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً فَكَيْفَ أَعْلاهُمْ؟ قالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ: مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، إِنَّ اللهَ جَلَّ ذِكْرُهُ خَلَقَ دَاراً جَعَلَ فِيهَا مَا شَاءَ مِنَ الأَزْوَاجِ والثَّمَرَاتِ والأَشْرِبَةِ، ثُمَّ أَطْبَقَهَا فَلَمْ يَرَهَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ لا جِبْرِيلُ وَلاَ غَيرُهُ مِنَ الْملائِكَةِ، ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ [فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ (¬9) مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ (¬10) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (¬11)] قالَ وَخَلَقَ دُونَ ذَلِكَ جَنَّتَيْنِ وَزَيَّنَهُمَا بِمَا شَاءَ وَأَرَاهُمَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ. ثُمَّ قالَ: مَنْ كَانَ كِتَابهُ في عِلِّيِّينَ (¬12) نَزَلَ في تِلْكَ الدَّارِ الَّتِي لَمْ يَرَهَا أَحَدٌ ¬

(¬1) رأى نور جلال الله وعظمته سبحانه وتعالى. (¬2) تجلى. (¬3) امتنع عن السجود واكفف. (¬4) خادم مطيع. (¬5) هو كالخازن والوكيل والحافظ لما تحت يده والقائم بأمور الرجل بلغة الفرس أهـ نهاية. (¬6) يؤدي. (¬7) جمع وصيفة: أي أمة، وفي النهاية الوصيف العبد والوصيفة الأمة وجمعها وصفاء ووصائف. (¬8) تقرب. (¬9) لا ملك مقرب ولا نبي مرسل. (¬10) مما تقر به عيونهم. (¬11) أي جوزوا جزاء أو أخفى للجزاء، فإن إخفاءه لعلو شأنه، وقيل هذا لقوم أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم قال تعالى: [تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون (17)] من سورة السجدة. (¬12) قال النسفي هو علم لديوان الخير الذي دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين منقول من جمع على فعيل من العلو سمي به، لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة أو لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن المكرمون تكريماً له، قال تعالى: [كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب =

حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيينَ لَيَخْرُجُ فَيَسِيرُ في مُلْكِهِ فَلا تَبْقَى خَيْمَةٌ مِنْ خِيَمِ الْجَنَّةِ إِلاَّ دَخَلَهَا مِنْ ضَوْءِ وَجْهِهِ فَيَسْتَبْشِرُونَ بِرِيحِهِ، فَيَقُولُونَ وَاهاً (¬1) لِهَذَا الرِّيحِ هذَا رِيحُ رجُلٍ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ قَدْ خَرَجَ يَسِيرُ في مُلْكِهِ، قالَ: وَيْحَكَ (¬2) يَا كَعْبُ إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ قَدِ اسْتُرْسِلَتْ فاقْبِضْهَا، فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّ لِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَزَفْرَةً (¬3) مَا مِنْ مَلَكٍ (¬4) مُقَرَّبٍ وَلاَ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ إِلاَّ خَرَّ لِرُكْبَتَيْهِ، حَتَّى إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللهِ لَيَقُولُ: رَبِّ نَفْسِي نَفْسِي (¬5) حَتَّى لَوْ كَانَ لَكَ عَمَلُ سَبْعِينَ نَبيّاً إِلى عَمَلِكَ لَظَنَنْتَ أَنْ لاَ تَنْجُوَ. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني والحاكم هكذا عن ابن مسعود مرفوعاً وآخره من قوله: إن الله جل ذكره خلق دارا إلى آخره موقوفاً على كعب، وأحَد طرق الطبراني صحيح واللفظ له، وقال الحاكم صحيح الإسناد وهو في مسلم بنحوه باختصار عنه. 18 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَسْفَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَرَجَةً؟ قالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قالَ: رَجُلٌ يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ فَيَتَلَقَّاهُ غِلْمَانُهُ (¬6) فَيَقُولُونَ مَرْحَباً (¬7) بِسَيِّدِنَا قَدْ آنَ (¬8) لَكَ أَنْ تَزُورَنَا قالَ: فَتُمَدُّ لَهُ الزَّرَابِيُّ (¬9) أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَيَرَى الْجِنَانَ، فَيَقُولُ لِمَنْ مَا ههنَا؟ فَيُقَالُ لَكَ: حَتَّى إِذَا انْتَهَى رُفِعَتْ لَهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ أَوْ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ لَهَا سَبْعُونَ شِعْباً (¬10) في كُلِّ شِعْبٍ سَبْعُونَ غُرْفَةً في كُلِّ غُرْفَةٍ سَبْعُونَ بَاباً، فَيُقَالُ: اقْرَأْ وارْقَهُ (¬11) فَيَرْقَى حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلى سَرِيرِ مُلْكِهِ اتَّكَأَ ¬

= مرقوم يشهده المقربون إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عيناً يشرب بها المقربون (28)] من سورة المطففين. الأبرار المطيعون الذين لا يطففون ويؤمنون بالبعث (نضرة) بهجة التنعم وطراوته (رحيق) شراب خالص لا غش فيه تختم أوانيه بمسك بدل الطين (فليتنافس) فليرغب الراغبون، وذا إنما يكون بالمسارعة إلى الخيرات والانتهاء عن السيئات. (¬1) عجباً. (¬2) كلمة ترحم. (¬3) نفساً. (¬4) ليس كل من ملك أو نبي إلا خاف وسجد لله طالباً النجاة. (¬5) أنقذني نفسي. (¬6) فتيانه وخدمه حسناء الوجه، والغلام الطار الشارب، والجمع غلمة وغلمان. (¬7) أتيت مكاناً واسعاً أهلاً للإكرام. (¬8) جاء الوقت. (¬9) البسط والطنافس الفاخرة والأثاث والرياش. (¬10) طريقاً. (¬11) واصعد فيصعد.

عَلَيْهِ، سَعَتُهُ مِيلٌ في مِيلٍ لَهُ فِيهِ قُصُورٌ، فَيَسْعَى إِلَيْهِ بِسَبْعِينَ صَحْفَةً مِن ذَهَبٍ لَيْسَ فِيهَا صَحْفَةٌ فِيهَا مِنْ لَوْنِ أُخْتِهَا يَجِدُ لَذَّةَ آخِرِهَا كما يَجِدُ لَذَّةَ أَوَّلِهَا، ثمَّ يُسْعَى إِلَيْهِ بِأَلْوَانِ الأَشْرِبَةِ، فَيَشْرَبُ مِنْهَا مَا اشْتَهَى، ثُمَّ يَقُولُ الْغِلْمَانُ: اتْرُكُوهُ وَأَزْوَاجَهُ فَيَنْطَلِقُ الْغِلْمَانُ ثُمَّ يَنْظُرُ، فَإِذَا حَوْرَاءٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ جَالِسَةٌ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهَا عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً لَيْسَ مِنْهَا حُلَّةٌ مِنْ لَوْنِ صَاحِبَتِهَا، فَيُرَى مُخُّ سَاقِهَا (¬1) مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ وَالْعَظْمِ وَالْكِسْوَةُ فَوْقَ ذَلِكَ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مِنَ اللاَّتِي خُبِّئْنَ (¬2) لَكَ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً لاَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنْهَا، ثُمَّ يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلى الْغُرْفَةِ فَإِذَا أُخْرَى أَجْمَلُ مِنْهَا فَتَقُولُ: مَا آنَ (¬3) لَكَ أَنْ يَكُونَ لَنَا مِنْكَ نَصِيبٌ (¬4) فَيَرْتَقِي (¬5) إِلَيْهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً لاَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنْهَا، ثُمَّ إِذَا بَلَغَ النَّعِيمُ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ وظَنُّوا أَنْ لاَ نَعِيمَ أفْضَلُ مِنْهُ تَجلَّى (¬6) لَهُمُ الرَّبُّ تَبَارَكَ اسْمُهُ، فَيَنْظُرُونَ إِلى وَجْهِ الرَّحْمَنِ فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ هَلِّلُونِي (¬7)، فَيَتَجَاوَبُونَ بِتَهْلِيلِ الرَّحمنِ، ثُمَّ يقُولُ: يَا دَاوُدُ قُمْ فَمَجِّدْنِي (¬8) كما كُنْتَ تُمَجِّدُنِي في الدُّنْيَا قالَ: فَيُمَجِّدُ دَاوُدُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. رواه ابن أبي الدنيا وفي إسناده من لا أعرفه الآن. ما لأدنى أهل الجنة منزلاً 19 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لمن يَنْظُرُ إِلى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرِرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيّاً (¬9) ¬

(¬1) يظهر صفاء جسمها، ولون بشرتها. (¬2) ادخرن وحفظن خافيات لتتمتع بجمالنا كما قال تعالى [حور مقصورات في الخيام]. (¬3) هل جاء وقت التمتع بنا. (¬4) حظ. (¬5) يصعد إلى درجتها. (¬6) ظهر له عظمته، وتصدى له اقتداره وأمره. (¬7) سبحوا وكبروا ووحدوا لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. (¬8) فعظمني بصوتك الحسن. (¬9) صباحاً ومساء.

ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم [وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (¬1) إِلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (¬2)]. رواه الترمذي وأبو يعلى والطبراني والبيهقي ورواه أحمد مختصراً قال: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَيَنْظُرُ في مُلْكِهِ أَلْفَيْ سَنَةٍ لاَ يَرَى أَقْصَاهُ كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ يَنْظُرُ إِلى أَزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ. زاد البيهقي على هذا في لفظ له، وَإِنَّ أفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في وَجْهِهِ في كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. ما لأدنى أهل الجنة منزلة 20 - وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ ثُوَيْرٍ قالَ: أُرَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَرَجُلٌ لَهُ أَلْفُ قَصْرٍ بَيْنَ كُلِّ قَصْرَيْنِ مَسِيرَةُ سَنَةٍ يَرَى أَقْصَاَهَا كَمَا يَرَى أَدْنَاهَا في كُلِّ قَصْرٍ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَالرَّيَاحِينِ وَالْوِلْدَانِ مَا يَدْعُو بِشَيْءٍ إِلاَّ أُتِيَ بِهِ (¬3). رواه هكذا موقوفاً. 21 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ لْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ واثْنَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً وَيُنْصَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ كَمَا بَيْنَ الْجَابِيَةِ (¬4) إِلى صَنْعَاءَ. رواه الترمذي وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، يعني عن عمرو بن الحارث عن درّاج. [قال الحافظ] قد رواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن وهب، وهو أحد الأعلام الثقات الأثبات عن عمرو بن الحارث عن درّاج. 22 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ أَسْفَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَجْمَعِينَ دَرَجَةً لَمَنْ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ عَشْرَةُ آلافِ خَادِمٍ بيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ صَحْفَتَانِ وَاحِدَةٌ مِنْ ذَهَبٍ والأُخْرَى مِنْ فِضَّةٍ في كُلِّ وَاحِدَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ في الأُخْرَى مِثْلُهُ ¬

(¬1) بهية متهللة فرحة مستبشرة من النضرة التي هي الحسن والنعمة أو من النظر أي وجوه المؤمنين مشرقة. (¬2) إلى خالقها ومالكها تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه قال تعالى: [كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة (25)] من سورة القيامة. (العاجلة) استعجال الخير في الدنيا وتتركون تحصيل الأعمال الصالحة جزاء ثواب الله يوم القيامة (باسرة) شديدة العبوس (فاقرة) داهية تكسر الفقار. (¬3) ما طلب شيئاً من النعيم إلا حضر له. (¬4) إلى صنعاء كذا ط وع ص 488 - 2، وفي ن د الجابية وصنعاء.

يَأْكُلُ مِنْ آخِرِهَا مِثْلَ مَا يَأْكُلُ مِنْ أَوَّلِهَا، يَجِدُ لآخِرِهَا مِنَ الطِّيبِ واللَّذَّةِ مِثْلَ الَّذِي يَجِدُ لأَوَّلِهَا، ثُمَّ يَكُونُ ذلِكَ رِيحَ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ (¬1) لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ إِخْوَاناً (¬2) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني واللفظ له، ورواته ثقات. ما لأدنى أهل الجنة منزلاً 23 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، وَلَيْسَ فِيهِمْ دَنِيٌّ مَنْ يَغْدُو عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَيَرُوحُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ خَادِمٍ لَيْسَ مِنْهُمْ خَادِمٌ إِلاَّ وَمَعَهُ طُرْفَةٌ (¬3) لَيْسَتْ مَعَ صَاحِبِهِ. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. [قال الحافظ]: ولا منافاة بين هذه الأحاديث لأنه قال في حديث أبي سعيد: أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ. وقال في حديث أَنس: مَنْ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ عَشْرَةُ آلاَفِ خَادِمٍ، وفي حديث أبي هريرة: مَنْ يَغْدُو عَلَيْهِ وَيَرُوحُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ خَادِمٍ فَيجوز أن يكون له ثمانون ألف خادم يقوم على رأسه منهم عشرة آلاف ويغدو عليه منهم كل يوم خمسة عشر ألفاً، والله سبحانه أعلم. 24 - وروى البيهقي من حديث يحيى بن أبي طالب حدثنا عبد الوهاب أنبأنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو، قال: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْفُ خَادِمٍ كُلُّ خَادِمٍ عَلَى عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ، قال: وتلا هذه الآية: [إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (¬4)]. ¬

(¬1) ذكي الرائحة لا يحدث منهم بول أو غيره من القذارة والبصاق والمخاط، وفي المصباح امتخط: أخرج مخاطه من أنفه، ومخطه غيره فتمخط. (¬2) متآخين متوادين متحابين. (¬3) تحفو وهدية، وفي المصباح الطرفة ما يستطرف: أي يستملح. (¬4) قال البيضاوي من صفاء ألوانهم، وانبثاثهم في مجالسهم: وانعكاس شعاع بعضهم إلى بعض قال تعالى: [ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثورا وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا (22)] من سورة الدهر. أي إن بصرك أينما وقع نظرت ملكاً واسعاً تعلوهم ثياب الحرير والخضر ما رق منها وما غلظ (طهورا) يطهر شاربه عن الميل إلى اللذات الحسية، والركون إلى ما سوى الحق فيتجرد لمطالعة جماله ملتذاً بلقائه باقياً ببقائه، وهي منتهى درجات ثواب الصديقين الأبرار ولذلك ختم بها أهـ بيضاوي.

فصل في درجات الجنة وغرفها

فصل في درجات الجنة وغرفها 25 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَونَ (¬1) أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَراءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ في الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ (¬2) مَا بَيْنَهُمْ، قالُوا يَا رَسُولَ اللهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قالَ: بَلَى والَّذِي نَفْسِي بَيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا باللهِ وَصَدَّقوا الْمُرْسَلِينَ. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لهما: كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَارِبَ، بتقديم الراءِ على الباء. ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة بنحوه وصححه إلا أنه قال: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الشَّرْقِيَّ أَو الْكَوْكَبَ الْغَرْبِيَّ الْغَارِبَ في الأُفُقِ أَوِ الطَّالِعَ في تَفَاضلِ الدَّرَجَاتِ. الحديث وفي بعض النسخ والكوكب الغربي أو الغارب على الشك. [الغابر] بالغين المعجمة والباء الموحدة المراد به هنا هو الذاهب الذي تدلى (¬3) للغروب 26 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ في الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ أَوْ تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَارِبَ فِي الأُفُقِ الطَّالِعِ في تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ، قالُوا يَا رَسُولَ اللهِ: أُولئِكَ النَّبِيُّونَ؟ قالَ بَلَى: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَأَقْوَامٌ (¬4) آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ: رواه أحمد. ورواته محتج بهم في الصحيح وتقديره كما يرون الكوكب الطالع الدري الغارب ورواه الترمذي وتقدم لفظه ¬

(¬1) لينظرون. (¬2) لوجود تفاوت وتباين الدرجات المختلفة، كل إنسان على قدر عمله الصالح. (¬3) نزل. (¬4) يصحبهم مؤمنون متقون كما قال تعالى: [ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما (70)] من سورة النساء. قال البيضاوي قسمهم أربعة أقسام بحسب منازلهم في العلم والعمل، وحث كافة الناس على أن لا يتأخروا عنهم وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حد الكمال إلى درجة التكميل. ثم الصديقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات: وأخرى بمعارج التصفية والرياضيات إلى أوج العرفان =

27 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. قالَ قالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَلا أُحَدِّثُكُمْ بِغُرَفِ (¬1) الْجَنَّةِ؟. قالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِينَا (¬2) أَنْتَ وَأُمِّنَا، قال إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً مِنْ أَصْنَافِ الْجَوْهَرِ كُلِّهِ يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا فيهَا مِنَ الْنَّعِيمِ وَاللَّذَّاتِ وَالشَّرَفِ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ قالَ: قُلْتُ لِمَنْ هَذِهِ الْغُرَفُ؟ قالَ لِمَنْ أَفْشَى السَّلامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ والنَّاسُ نِيَامٌ (¬3) الحديث. رواه البيهقي، ثم قال وهذا الإسناد غير قويّ إلا أنه مع الإسنادين الأولين يقوى بعضه ببعض، والله أعلم. [قال الحافظ]: تقدم من هذا النوع غير ما حديث صحيح في قيام الليل وإطعام الطعام وغيره ذلك من حديث أبي مالك عن النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفَاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَفْشَى السَّلامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ والنَّاسُ نِيَامٌ. وحديث عبد الله بن عمرو بنحوه. 28 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ في الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ في سَبِيلِ اللهِ مَا بَيْنَ الْدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ. رواه البخاري. 29 - وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ أَيَضاً قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ (¬4) رواه الترمذي، وقال حديث حسن غريب والطبراني في الأوسط إلا أنه قال مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمَائَةِ عَامٍ. ¬

= حتى أطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليها ثم الشهداء الذين أدى بهم الحرص على الطاعة، والجد في إظهار الحق حتى بذلوا مهجهم في إعلاء كلمة الله تعالى ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارةم في طاعته وأموالهم في مرضاته. (¬1) حجراتها. (¬2) نفديك بهم. (¬3) لمن تحلى بصفات أربعة: أ - يسلم عن من عرف ومن لم يعرف. ب - إكرام الضيف وإطعام الطعام. جـ - أكثر من الصيام لله. د - تهجد. (¬4) أي يسير الراكب بين الدرجتين مسافة سير مائة سنة كناية عن اتساعها.

فصل في بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك

فصل في بناء الجنة وترابها وحصبائها وغير ذلك 30 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا؟ قالَ لَبِنَةُ ذَهَبٍ وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يُنَعَّمُ، وَلا يَبأَسُ (¬1) وَيَخْلُدُ لاَ يَمُوتُ لاَ تَبْلَى (¬2) ثِيَابُهُ، وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ الحديث. رواه أحمد واللفظ له والترمذي والبزار والطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه، وهو قطعة من حديث عندهم. وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفاً قالَ: حَائِطُ الْجَنَّةِ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَدرَجُهَا الْيَاقُوتُ واللُّؤْلُؤ قالَ وَكُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ رَضْرَاضَ أَنْهَارِهَا اللُّؤْلُؤُ، وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرانُ. [الرضراض] بفتح الراء وبضادين معجمتين. [والحصباء] ممدود بمعنى واحد، وهو الحصى، قيل الرضراض صغارها. 31 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَنِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ يَحْيَى فِيهَا لاَ يَمُوتُ وَيُنَعَّمُ فِيهَا لاَ يَبأَسُ لاَ تَبْلَى ثِيابُهُ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ مَا بِنَاؤُهَا؟ قالَ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرانُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤ وَالْيَاقُوتُ. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وإسناده حسن بما قبله. [الملاط] بكسر الميم: هو الطين الذي يجعل بين سافي البناء، يعني أن الطين الذي يجعل بين لَبِن الذهب والفضة، وفي الحائط مسك. ¬

(¬1) ولا يشقى. (¬2) لا تنقطع ملابسه. بل تبقى في جدتها وبهائها وبهجتها، ولا تذهب نضارة جسمه وقوته وفتوته.

32 - وَعَنْ أَبِي سَعِيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَلَقَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَمِلاطهَا الْمِسْكُ، وَقالَ لَهَا تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، فَقَالَتِ الْمَلائِكَةُ: طُوبَى لَكِ مَنْزِلُ الْمُلُوكِ. رواه الطبراني، والبزار واللفظ له مرفوعاً وموقوفاً، وقال لا نعلم أحداً رفعه إلا عديّ بن الفضل يعني عن الجريري عن أبي نضرة عنه وعدي بن الفضل ليس بالحافظ وهو شيخ بصرى انتهى. [قال الحافظ]: قد تابع عديّ بن الفضل على رفعه وهب بن خالد عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد ولفظه: قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَاطَ حَائِطَ الْجَنَّةِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ، ثُمَّ شَقَّقَ فِيهَا الأَنْهَارَ وَغَرَسَ فِيهَا الأَشْجَارَ فَلَمَّا نَظَرَتِ الْمَلائِكَةُ إِلى حُسْنِهَا قالَتْ: طُوبَى لَكِ مَنَازِلُ الْمُلُوكِ. أَخرجه البيهقي وغيره ولكن وقفه هو الأصح المشهور، والله أعلم. 33 - وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: خَلَقَ اللهُ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ، وَدَلَّى (¬1) فِيهَا ثِمَارَهَا، وَشَقَّ فِيهَا أَنْهَارَهَا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: لَهَا تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي لاَ يُجَاوِرُنِي فِيكِ بَخِيلٌ (¬2). رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسنادين أحدهما جيد، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث أنس أطول منه، ولفظه: قال رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: خَلَقَ اللهُ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ لَبِنَةً مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ وَلَبِنَةً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَلَبِنَةً مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ، وَمِلاطُهَا مِسْكٌ، حَشِيشُهَا الزَّعْفَرَانُ حَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ، تُرَابُهَا الْعنْبَرُ، ثُمَّ قالَ لَهَا انْطِقي قالَتْ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، فَقَالَ اللهُ ¬

(¬1) جعلها قريبة الجنى. (¬2) شحيح لا يؤدي حقوق الله، ولا يتحلى بالكرم والجود وكثرة الإنفاق.

عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي لاَ يُجَاوِرُنِي فِيكِ بَخِيلٌ، ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم [وَمَنْ يُوقَ (¬1) شُحَّ نَفْسِهِ فَأولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (¬2)]. 34 - وَرُوِيَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: أَرْضُ الْجَنَّةِ بَيْضَاءُ عَرْصَتُهَا (¬3) صُخُورُ الْكَافُورِ وَقَدْ أَحَاطَ بِهِ الْمِسْكُ مِثْلَ كُثْبَانِ (¬4) الرَّمْلِ أَنْهَارٌ مُطَّرِدَةٌ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ أَدْنَاهُمْ وآخِرُهُمُ فَيَتَعارَفُونَ فَيَبْعَثُ اللهُ رِيحَ الرَّحْمَةِ فَتَهِيجُ (¬5) عَلَيْهِمْ رِيحُ الْمِسْكِ فَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلى زَوْجَتِهِ وَقَدِ ازْدَادَ حُسْنَاً وَطِيباً، فَتَقُولُ لَهُ: لَقَدْ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِي، وَأَنَا بِكَ مَعْجِبَةٌ وَأَنَا بِكَ الآنَ أَشَدُّ إِعْجَاباً. رواه ابن أبي الدنيا. 35 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ. قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ في الْجَنَّةِ (¬6) مَرَاغاً مِنْ مِسْكٍ مِثْلَ مَرَاغِ دَوَابِّكُمْ فِي الدُّنْيَا. رواه الطبراني بإسناد جيد. 36 - وَعَنْ كُرَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ حَظْرَ (¬7) لَهَا هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ (¬8) نُورٌ يَتَلأْلأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ (¬9) وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، وَمُقَامٌ (¬10) فِي أَبَدٍ فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ وَفَاكِهَةٌ وَخُضْرَةٌ وَحَبْرَةٌ (¬11) وَنِعْمَةٌ فِي مَحَلَّةٍ عَالِيَةٍ بَهِيَّةٍ (¬12)، قالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا، قالَ قُولُوا إِنْ شاءَ اللهُ، فَقَالَ الْقَوْمُ إِنْ شَاءَ اللهُ رواه ابن ماجة، وابن أبي الدنيا والبزار، وابن حبان في صحيحه والبيهقي: كلهم من رواية محمد بن مهاجر عن الضحاك المغافري عن سليمان بن موسى عنه، ورواه ¬

(¬1) ومن يحفظه الله من التقتير والبخل. قال البيضاوي: حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الإنفاق. (¬2) الفائزون بالثناء العاجل والثواب الآجل. (¬3) كل موضع واسع لا بناء فيه أهـ نهاية. (¬4) قطع. (¬5) تنتشر. (¬6) أي الموضع الذي يتمرغ فيه من ترابها، والتمرغ التقلب في التراب أهـ نهاية. (¬7) لا منع. (¬8) أقسم بالله صاحب الكعبة. (¬9) ناضجة. (¬10) إقامة دائمة. (¬11) وسرور كما قال عز وجل [في روضة يحبرون]: أي يفرحون حتى يظهر عليهم حبار نعيمهم، والحبر الأثر المستحسن. (¬12) حسنة الهيئة.

فصل في خيام الجنة وغرفها وغير ذلك

ابن أبي الدنيا أيضاً مختصراً، قال عن محمد بن مهاجر الأنصاري: حدثني: سليمان بن موسى كذا في أصول معتمدة لم يذكر فيه الضحاك، وقال البزار لا نعلم رواة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إلا أسامة ولا نعلم له طريقاً عن أسامة إلا هذه الطريق، ولا نعلم رواة عن الضحاك إلا هذا الرجل: محمد بن مهاجر. [قال الحافظ] عبد العظيم: محمد بن مهاجر وهو الأنصاري ثقة احتج به مسلم وغيره والضحاك ولم يخرّج له من أصحاب الكتب الستة أحد غير ابن ماجة، ولم أقف فيه على جرح ولا تعديل لغير ابن حبان: بل هو في عداد المجهولين، وسليمان بن موسى هو الأشدق يأتي ذكره. فصل في خيام الجنة وغُرَفها وغير ذلك 37 - عَن أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ في الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ (¬1) طُولُهَا فِي السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ فَلا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً. رواه البخاري ومسلم والترمذي إلا أنه قال: عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً، وهو رواية لهما. 38 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لِكُلِّ مُسْلِمٍ خَيَرَةٌ، وَلِكُلِّ خَيَرَةٍ خَيْمَةٌ ولِكُلِّ خَيْمَةٍ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ بَابٍ تُحْفَةٌ وَهَدِيَّةٌ وَكَرَامَةٌ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ لاَ مِرَحَاتٌ (¬2)، وَلاَ دَفِرَاتٌ (¬3)، وَلاَ سَخِرَاتٌ (¬4)، وَلاَ ¬

(¬1) ذات جوف. (¬2) فرحها طبيعي ليس عندها بطر، ويلهيها الفرح الكثير عن تنعم زوجها، والمفرد مرحة ويقال مرح مرحاً فهو مرح، مثل فرح وقيل أشد من الفرح. (¬3) ليس فيهم قذارة أو نتانة أو وساخة، وفي النهاية الدفر النتن، وفي حديث عمر لما سأل كعباً عن ولاة الأمر فأخبره فقال وادفراه: أي وانتناه من هذا الأمر، وقيل أراد وازلاه: يقال دفره في قفاه إذا دفعه دفعاً عنيفاً كما في حديث عكرمة في تفسير قوله تعالى: [يوم يدعون إلى نار جهم دعا] قال يدفرون في أقفيتهم دفراً أهـ والمعنى التحفة والمعنى التحفة جميلة نظيفة ذلولة لينة قريبة الجنى. (¬4) مستهزئات، يقال سخرت منه وبه: هزئت به: أي طائعات مؤدبات محترمات أخلاقهن عالية.

طَمَّاحَاتُ (¬1) حُورٌ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ. رواه ابن أبي الدنيا من رواية جابر الجعفي موقوفاً. 39 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حُورٌ مَقْصُورَاتٌ في الْخِيَامِ قالَ: الْخَيْمَةُ مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا فَرْسَخٌ وَلَهَا أَلْفُ بَابٍ مِنْ ذَهَبٍ حَوْلُهَا سُرَادِقُ دُورُهُ خَمْسُونَ فَرْسَخَاً يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ بَابٍ مِنْهَا مَلَكٌ بِهَدِيَّةٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. وفي رواية له وللبيهقي: الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ فَرْسَخٌ في فَرْسَخٍ لَهَا أَرْبَعَةُ آلافِ مِصْرَاعٍ مِنْ ذَهَبٍ: وإسناد هذه أصح. 40 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ في الْجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا. فَقَالَ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ (¬2) وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَبَاتَ قَائِماً (¬3) وَالنَّاسُ نِيَامٌ. رواه الطبراني والحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعريّ، إلاَّ أَنَّهُ قالَ: أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. 41 - وَرُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصِينٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ قالا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: [وَمسَاكِنَ (¬4) طَيِّبَةً في جَنَّاتِ (¬5) عَدْنٍ]. قالَ قَصْرٌ في الْجَنَّةِ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ فِيهَا سَبْعُونَ دَاراً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ في كُلِّ دَارٍ ¬

(¬1) نافرات جموحات، يقال طمح ببصره نحو الشيء طموحاً: استشرف له، وأصله قولهم: جبل طامح: أي عال مشرف، والمعنى ليشعر من دخل الجنة بنعيم لا حد له، ومنه أزواج في غاية الحسن والجمال، والهداية والطاعة والنظافة. (¬2) عذب لفظه ووافق الحق، وكان طيباً حلالاً بديعاً مختاراً خالياً من عصيان الله تعالى. (¬3) تهجد. (¬4) الإقامة فيها جميلة حسنة، والعيش فيها رغد في نعيم مقيم، قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم (12)] من سورة الصف. (¬5) وقال النسفي في جنات عدن: أي إقامة خلود.

فصل في أنهار الجنة

سَبْعُونَ بَيْتاً مِنْ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ في كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ سَرِيراً عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِراشاً مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، عَلَى كُلِّ فِرَاشٍ امْرأَةٌ، في كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ مَائِدَةً عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ سَبْعُونَ لَوْناً مِن طَعَامٍ، في كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ وَصِيفاً وَوَصِيفَةً، يُعْطَى لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْقُوَّةِ (¬1) مَا يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ في غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ. رواه الطبراني والبيهقي بنحوه. فصل في أنهار الجنة 42 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: الْكَوْثَرُ نَهَرٌ في الْجَنَّةِ. حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ والْيَاقُوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ. رواه ابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. 43 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: [إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ] قالَ هُوَ نَهَرٌ في الْجَنَّةِ: عُمْقُهُ سَبْعُونَ أَلْفَ فَرْسَخٍ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَياضاً مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، شَاطِئَاهُ اللُّؤْلُؤُ والزَّبَرْجَدُ والْيَاقُوتُ، خَصَّ اللهُ بِهِ نَبِيَّهُ صلى اللهُ عليه وسلم قَبْلَ الأَنْبِيَاءِ. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. 44 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ في الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ، فَقُلْتُ مَا هذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قال هذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ، قالَ: فَضَرَبَ الملَكُ بِيَدِهِ فَإِذَا طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ (¬2) رواه البخاري. 45 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

(¬1) من القوة كذا د وع ص 493 - 2، وفي ن ط بقوة. (¬2) طيب الرائحة.

أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ تِلالِ (¬1) أَوْ مِنْ تَحْتِ جِبَالِ الْمِسْكِ. رواه ابن حبان في صحيحه. 46 - وَعَنْ سِمَاكٍ أَنَّهُ لَقِيَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ بِالمدِينَةِ بَعْدَ مَا كَفَّ بَصَرُهُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا أَرْضُ الْجَنَّةِ؟ قالَ: مَرْمَرَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ فِضَّةٍ كَأَنَّهَا مِرْآةٌ، قُلْتُ: مَا نُورُهَا؟ قالَ: مَا رَأَيْتَ السَّاعَةَ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ؟ فَذَلِكَ نُورُهَا إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَلا زَمْهَرِيرٌ، قالَ: قُلْتُ فَمَا أَنْهَارُهَا، أَفِي أُخْدُودٍ؟ قالَ: لاَ، ولَكِنَّهَا تَجْرِي عَلَى أَرْضِ الْجَنَّةِ مُسْتَكَفَّةً (¬2) لاَ تَفِيضُ هَهُنَا وَلا هَهُنَا، قالَ اللهُ لَهَا: كُونِي، فَكَانَتْ، قُلْتُ: فَمَا حُلَلُ الْجَنَّةِ؟ قالَ فِيها شَجَرَةٌ فِيهَا ثَمَرٌ كَأَنَّهُ الرُّمَّانُ، فَإِذَا أَراد وَلِيُّ (¬3) اللهِ مِنْهَا كِسْوَةً انْحَدَرَتْ إِلَيْهِ مِنْ غُصْنِهَا فانْفَلَقَتْ (¬4) لَهُ عَنْ سَبْعِينَ حُلَّةً أَلْوَاناً بَعْدَ أَلْوَانٍ، ثُمَّ تَنْطَبِقُ، فَتَرْجعُ كَمَا كَانَتْ. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناد حسن. 47 - وَرُوِيَ عَنْ حَكِيمٍ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: فِي الْجَنَّةِ بَحْرٌ لِلْمَاءِ، وَبَحْرٌ لِلَّبَنِ وَبَحْرٌ لِلْعَسَلِ وَبَحْرٌ لِلْخَمْرِ، ثُمَّ تَشَقَّقُ (¬5) الأَنْهَارُ مِنْهَا بَعْدُ, رواه البيهقي. 48 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: لَعَلَّكُمْ تَظُنونَ أَنَّ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ أخْدُودٌ (¬6) فِي الأَرْضِ، لاَ وَاللهِ إِنَّهَا لَسَائِحَةٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ إِحْدَى حَافتيْهَا اللُّؤْلُؤُ والأُخْرَى الْيَاقُوتُ، وَطِينُهُ الْمِسْكُ الأَذْفَرُ قالَ: قُلْتُ مَا الأَذْفَرُ (¬7) قالَ: الَّذِي لاَ خَلْطَ لَهُ. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً، ورواه غيره مرفوعاً، والموقوف أشبه بالصواب. 49 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَيْضاً قالَ: نَضَّاخَتَانِ (¬8) بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ ¬

(¬1) جمع تل: أرض عالية ضخمة والجبال أكثر ارتفاعاً وعلواً. (¬2) معطية سخية مثمرة، ومنه المنفق على الخيل كالمستكف بالصدقة: أي للباسط يده يعطيها، من قولهم استكف به الناس إذا أحدقوا به، واستكفوا حوله ينظرون إليه أهـ نهاية. (¬3) الصالح. (¬4) فانشقت. (¬5) ثم تشقق كذا ط وع ص 494 - 2، وفي ن د ثم تنشق. (¬6) شق، أي لها مجار تمر منها ويمشي فيها الماء، إنها لسائحة: غير محبوسة محدودة. (¬7) الخالص. (¬8) فوارتان بالمادتين العطريتين قال تعالى: [فيهما عينان نضاختان فبأي آلاء ربكما تكذبان (67)] من سورة الرحمن. أي فوارتان بالماء كما قال البيضاوي، وكذا قال النسفي فوارتان بالماء لا تنقطعان.

فصل في شجر الجنة وثمارها

يَنْضَخَانِ (¬1) عَلَى دُورِ الْجَنَّةِ كَمَا يَنْضَخُ الْمَطَرُ عَلَى دُورِ أَهْلِ الدُّنْيَا. رواه ابن أبي شيبة موقوفاً. 50 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا الْكَوْثَرُ؟ قالَ: ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللهُ يَعْنِي في الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ فِيهِ طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ، قالَ عِمْرَانُ: إِنَّ هَذِهِ لَنَاعِمَة، قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَكَلَتُهَا (¬2) أَنْعَمُ مِنْهَا. رواه الترمذي وقال حديث حسن. [الجزر] بضم الجيم والزاي: جمع جزور، وهو البعير. فصل في شجر الجنة وثمارها 51 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ في الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا إِنْ شِئْتُمْ فاقْرَؤوا: [وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (¬3) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (¬4)]. رواه البخاري والترمذي. ¬

(¬1) يرشان. (¬2) أي آكلوها أكثر تنعماً. (¬3) منبسط لا يتفلص ولا يتفاوت. (¬4) قابل للصب يصب في أي زمان ومكان بلا تعب: أي مصبوب سائل، وقيل يسكب لهم أين شاؤوا، وكيف شاؤوا، قال تعالى: [وكنتم أزواجاً ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيما إلا قيلاً سلاماً سلاما وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عرباً أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم هذا نزلهم يوم الدين نحن خلقناكم فلولا تصدقون (57)] من سورة الواقعة. (أزوجا) أصنافا (الميمنة) السنة (المشأمة) الدنيئة، للسابقين في الإيمان وحيازة الفضل والطاعات (موضونة) منسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت، ولا تنزف عقولهم أو لا ينفذ شرابهم (يشتهون) يتمنون (لغوا) باطلا ولا نسبة إلى إثم (مخضود) لا شوك فيه (وطلح) شجر موز نضد حمله من أسفله إلى أعلاه =

52 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ في الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ (¬1) الْمُضَمَّرَ (¬2) السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا رواه البخاري ومسلم والترمذي وزاد: وذلِكَ الظِلُّ الْمَمْدُودُ. 53 - وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا قالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: وَذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَقَالَ: يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّ الْفَنَنِ مِنْهَا مِائَةَ سَنَةٍ، أَوْ يَسْتَظِلُّ بِهَا مِائَةُ رَاكِبٍ، شَكَّ يَحْيَى، فِيهَا فِرَاشُ الذَّهَبِ كَأَنَّ ثِمَارَهَا الْقِلالُ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب. [الفنن] بفتح الفاء والنون: هو الغصن. 54 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: الظِّلُّ الْمَمْدُودُ شَجَرَةٌ في الْجَنَّةِ عَلَى سَاقٍ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْمُجِدُّ في ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ في كُلِّ نَوَاحِيهَا، فَيَخْرُجُ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلُ الْغُرَفِ وَغَيْرُهُمْ فَيَتَحَدَّثُونَ في ظِلِّهَا قالَ: فَيَشْتَهِي بَعْضُهُمْ، وَيَذْكُرُ لَهوَ الدُّنْيَا فَيُرْسِلُ اللهُ رِيحاً مِنَ الْجَنَّةِ، فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كانَ في الدُّنْيَا (¬3). رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً من طريق زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، وقد صححها ابن خزيمة والحاكم وحسنها الترمذي. 55 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

= (عربا) متحببات إلى أزواجهن عمرهن ثلاث وثلاثون سنة، وكذا أزواجهن (سموم) حر نار ينفذ في المسام (حميم) ماء متناه في الحرارة (يحموم) دخان أسود (لا بارد) كسائر الظل (ولا كريم) ولا نافع (مترفين) منهمكين في الشهوات (الحنث) الذنب (ميقات) ما وقت به الدنيا (الهيم) الإبل التي بها الهيام، وهو داء يشبه الاستسقاء (يوم الدين) يوم الجزاء أهـ بيضاوي. ذكرت لك صفات نعيم الجنة، وعذاب النار لتختار ما تريد، ولتشمر عن ساعد الجد معي، وتعمل صالحاً وتستضيء بالكتاب والسنة عسى الله أن يتفضل علينا بالتوفيق: والتمتع بنعيم الجنة وتقلع عن المعاصي، وتترك صحبة الأشرار، وتعقد الخناصر على محبة الأبرار العلماء العاملين فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: المرء مع من أحب ولا حول ولا قوة إلا بك يا الله. (¬1) المسرع في الجري. (¬2) الممتلئ صحة النحيف. (¬3) المعنى يجتمع أهل الجنة في وجهة معينة تحت شجرة وارفة الظلال فيتحادثون بأنواع الفكاهة، والطرب والحديث الممتع، ويتفضل الله عليهم فيزيدهم سروراً بحديث الدنيا ومتاعها.

يَقُولُ اللهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشرٍ، اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: [وَظِلٍّ مَمْدُودٍ]: وَمَوْضِعُ سَوْطٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، واقْرَؤوا إِنْ شِئْتُم: [فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (¬1)]. رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وروى البخاري ومسلم بعضه. عظم شجرة طوبى 56 - وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَال: مَا حَوْضُكَ الّذِي تُحَدِّثُ عَنْهُ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلى أَنْ قالَ: فَقَالَ الأَعْرَابِي: يَا رَسُولَ اللهِ فِيهَا فَاكِهَةٌ؟ قالَ: نَعَمْ، وفِيهَا شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى هِيَ تُطَابِقُ الْفِرْدَوْسَ (¬2)، فَقَالَ: أَيُّ شَجَرِ أَرْضِنَا تُشْبِهُ؟ قالَ: لَيْسَ تُشْبِهُ شَيْئاً مِنْ شَجَرِ أَرْضِكَ وَلكِنْ أَتَيْتَ الشَّامَ؟ قالَ: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ. قالَ: فَإِنَّهَا تُشْبِهُ شَجَرَةً بِالشَّامِ تُدْعَى الْجَوْزَةَ تَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَنْتَشِرُ أَعْلاهَا، قالَ: فَمَا عِظَمُ أَصْلِهَا؟ قالَ لَوِ ارْتَحَلَتْ جَذَعَةٌ مِنْ إِبلِ أَهْلِكَ لَمَا قَطَعْتَهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ تَرْقُوتُها هَرَماً (¬3) قالَ: فِيهَا عِنَبٌ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَمَا عِظَمُ الْعُنْقُودِ مِنْهَا قالَ مَسِيرَةُ شَهْرٍ (¬4) لِلْغُرَابِ الأَبْقَعِ لاَ يَقَعُ وَلاَ يَنْثَنِي (¬5) وَلاَ يَفْتُرُ (¬6) قالَ: فَمَا عِظَمُ الْحَبَّة مِنْهُ؟ قالَ: هَلْ ذَبَحَ أَبُوكَ تَيْساً مِنْ غَنَمِهِ عَظشيماً، فَسَلَخَ إِهَابَهُ (¬7)، فَأَعْطَاهُ أُمَّكَ، فَقَالَ: ادْبُغِي هذَا، ثُمَّ افْرِي لَنَا مِنْهُ ذَنُوباً يُرْوِي مَاشِيَتَنَا. قال نَعَمْ، قالَ: فَإِنَّ تِلْكَ الْحَبَّةَ تُشْبِعُنِي وَأَهْلَ بَيْتِي، فَقَالَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: وَعَامَّةَ عَشِيرَتِكَ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط واللفظ له والبيهقي بنحوه، وابن حبان في صحيحه بذكر الشجرة في موضع، والعنب في آخر، ورواه أحمد باختصار. [قوله] افْرِي لَنَا مِنْهُ ذَنُوباً، أي شقي واصنعي. ¬

(¬1) بعد عنها فاز بالنجاة ونيل المراد، وظفر بالبغية قال تعالى: [كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (185)] من سورة آل عمران. (¬2) تملأ أعلى الجنة ظلاً. (¬3) لو ربطت جذعه صغيرة ن الإبل لعجزت عن قطعها حتى تكبر وتهرم وتضعف ويتكسر عظم عنقها. (¬4) أي حجمه كبير جداً يساوي المسافة التي قطعها الغراب في السير مدة شهر. (¬5) لا يميل. (¬6) لا يضعف عن السير. (¬7) جلده.

[والذنوب] بفتح الذال المعجمة: هو الدلو، وقيل: لا تسمى ذنوباً إلا إذا كانت ملأى أو دون الملأى. 57 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْهُدَيْلِ قالَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللهِ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ بِالشَّامِ أَوْ بِعَمَّانَ فَتَذَاكَرُوا الْجَنَّةَ، فَقَالَ: إِنَّ الْعُنْقُودَ مِنْ عَنَاقِيدِهَا مِنْ هَهُنَا إِلى صَنْعَاءَ. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. 58 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ، فَذَهَبْتُ أَتَنَاوَلُ مِنْهَا قِطْفاً (¬1) أُرِيكُمُوهُ (¬2) فَحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ (¬3) فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ: مَا مَاءُ الْحَبَّةِ مِنَ الْعِنَبِ؟ قالَ: كأَعْظَمِ دَلْوٍ فَرَتْ (¬4) أُمُّكَ قَطُّ. رواه أبو يعلى بإسناد حسن. ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب 59 - وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلاَّ وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ (¬5). رواه الترمذي وابن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه، كلهم من طريق زياد بن الحسن بن فرات، وقال الترمذي: حديث حسن غريب. 60 - وَعَنْ جَرِير بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: نَزَلْنَا الصِّفَاحَ (¬6)، فَإِذَا رَجُلٌ نَائِمٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ قَدْ كَادَتْ (¬7) الشَّمْسُ تَبْلُغُهُ، قالَ: فَقُلْتُ لِلْغُلامِ: انْطَلِقْ بِهذَا النَّطْعِ (¬8) فَأَظِلَّهُ، قالَ: فانْطَلَقَ فأَظَلَّهُ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ، فَإِذَا هُوَ سَلْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ¬

(¬1) جزء من الكرم، يقال قطفت العنب قطعته، وهذا زمن القطاف وأقطف الكرم دنا قطفه. (¬2) أطلعكم عليه. (¬3) وجد بيني وبينه حائل لحكمة يعلمها الله جل جلاله. (¬4) قطعت شيئاً وصنعت منه دلواً، وفي النهاية فلم أر عبقرياً يفري فريه: أي يعمل عمله، ويقطع قطعه، ويقال فريته إذا شققته وقطته للإصلاح، وفي الحديث الذي قبله أبان صلى الله عليه وسلم عن أخذ فروة فيصنع منها دلو كبير تشبهه حبة الكرم. (¬5) أي يشبه لون الذهب في البريق واللمعان والبهجة. (¬6) مكان معين، وفي النهاية موضع بين حنين. (¬7) قربت. (¬8) المتخذ من الأديم: أي الجلد: أي قربه له ليستظل به من الشمس فيكون كالظلة. انظر إلى شفقة المسلمين يضعون مظلة على رأس المسلم النائم رأفة به من حرارة الشمس، وإذا النائم سيدنا سلمان رضي الله عنه فأرشدهم إلى التواضع ولين الجانب وطرح رداء الكبر وترك الخيلاء رجاء عز الله ونعيمه في الآخرة وحثهم على حب العدل ونصر الحق واجتناب الظلم، فإن الظلم ظلمات وشدائد وأهوال يوم القيامة. وانظر إلى أدب الحديث وحرص الطالب على جني الفائدة يقول لا أدري: أي لا أعلم لماذا؟ ليسمع العلم من أهله: وليتزود بالنصائح الغالية والدرر المتلألئة. ثم أخبر سيدنا سلمان رضي الله عنه أن أصول الأشجار اللآلئ المكنونة والجواهر الثمينة والذهب بديع اللون ليتمتع المؤمن بحسن منظرها.

فَأَتَيْتُهُ أُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا جَرِيرُ تَوَاضَعْ للهِ فَإِنَّهُ مَنْ تَوَاضَعَ للهِ في الدُّنْيَا رَفَعَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَا جَرِيرُ هَلْ تَدْرِي مَا الظُّلُمَاتُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قُلْتُ: لاَ أَدْرِي قالَ: ظُلْمُ النَّاسِ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ أَخَذَ عُوَيْداً لاَ أَكادُ أَرَاهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ، فَقَالَ: يَا جَرِيرُ لَوْ طَلَبْتَ في الْجَنَّةِ مِثْلَ هذَا لَمْ تَجِدْهُ، قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْد الله فأَيْنَ النَّخْلُ والشَّجَرُ؟ قالَ: أُصُولُهَا اللُّؤْلُؤ والذَّهَبُ، وَأَعْلاهُ التَّمْرُ. رواه البيهقي بإسناد حسن. إن أهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياماً وقعوداً ومضطجعين 61 - وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قَوْلِهِ [وَذُلِّلتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا] قالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ قِيَامَاً وَقُعُوداً وَمُضْطَجِعِينَ (¬1). رواه البيهقي وغيره موقوفاً بإسناد حسن. 62 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ في الْجَنَّةِ شَجَرَةً جُذُوعُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَفُرُوعُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ وَلُؤْلُؤٍ (¬2)، فَتَهُبُّ لَهَا رِيحٌ فَتَصْطَفِقُ (¬3) فَمَا سَمِعَ السَّامِعُونَ بِصَوْتِ شَيْءٍ قَطُّ أَلَذَّ مِنْهُ (¬4). رواه أبو نعيم في صفة الجنة. 63 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا مِنْ زُمُرُّدٍ خُضْرٍ وَكَرَبُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ، وَسَعَفُهَا (¬5) كِسْوَةٌ لأَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتُهُمْ وَحُلَلُهُمْ، وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلالِ (¬6) وَالدِّلاءِ، أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَلْيَنُ مِنَ الزَّبَدِ، لَيْسَ فِيهَا عَجَمٌ (¬7). رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناد جيد، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم [الكرب] بفتح الكاف والراء بعدها باء موحدة: هو أصول السعف الغلاظ العراض. ¬

(¬1) أي على حالة يستريحون عليها يتمتعون بفاكهة الجنة. (¬2) ليكون منظرها جميلاً زاهياً. (¬3) أي تصوت صوتاً جميلاً، وفي النهاية: وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه "إذا اصطفق الآفاق بالبياض" أي اضطرب وانتشر الضوء، وهو افتعل من الصفق كما تقول اضطرب المجلس بالقوم. (¬4) أبدع وأبهر منه. (¬5) أغصان النخيل وخوصها. والمعنى مناظر النخل براقة جذابة خلابة من معادن متلألئة وأحجار كريمة، وجواهر غالية ودرر ثمينة. (¬6) أي كبيرة ضخمة، ولونها أبيض ومذاقها حلو، وهي لينة. (¬7) نوى: أي ثمرها لذيذ لين سهل تناوله صالح كله للأكل، يلوكه الآكل فلا يؤثر فيه من يعجمه: أي يضغط عليه فيتعب من عضه النوى.

فصل في أكل أهل الجنة وشربهم وغير ذلك

64 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ قالَ: لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا طُوبَى؟ قالَ: شَجَرَةٌ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ، ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا (¬1). رواه ابن حبان في صحيحه من طريق درّاج عن أبي الهيثم. فصل في أكل أهل الجنة وشربهم وغير ذلك 65 - عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَيَشْرَبُونَ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَبُولُونَ، طَعَامُهُمْ ذلِكَ جُشَاءٌ (¬2) كَرِيحِ الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ (¬3) التَّسْبِيحَ والتَّكْبِيرَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ رواه مسلم وأبو داود. 66 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَشْتَهِي (¬4) الشَّرابَ مِنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ فَيَجِيءُ الإِبْرِيقُ، فَيَقَعُ في يَدِهِ فَيَشْرَبُ، ثُمَّ يَعُودُ إِلى مَكَانِهِ رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناد جيد. 67 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، فَقَالَ يَا أَبَا الْقاسِم: تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ؟ قالَ نَعَمْ: والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطَى قُوَّةَ مَائَةِ رَجُلٍ في الأَكْلِ والشُّرْبِ والْجِمَاعِ، قالَ: فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ، وَلَيْسَ في الْجَنَّةِ أذَى (¬5) قالَ: تَكُونُ حَاجَةُ أَحَدِهِمْ رَشْحاً (¬6) يَفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ كَرَشْح ¬

(¬1) جمع كم: غلاف التمر والحب قبل أن يظهر والكم بضم الكاف دون القميص، هذه الشجرة المباركة تؤخذ ملابس سكان الجنة منها وحجمها يساوي المسافة التي يقطعها الراكب المسافر مدة مائة عام. (¬2) خروج هواء من الجوف، وفي المصباح تجشأ الإنسان تجشؤاً، والاسم الجشاء وزان غراب، وهو صوت مع ريح يحصل من الفم عند حصول الشبع أهـ. (¬3) يعطيهم الله قوة النطق بالتسبيح والتحميد، والتكبر كما يلهمون النفس، كذا د وع ص 467 - 2 وفي ط تلهمون. (¬4) ليطلب فيقبل عليه ما يريد فيأخذ كفايته ثم يرجع كما كان. (¬5) مرض أو ألم. (¬6) عرقاً.

الْمِسْكِ، فَيَضْمُرُ بَطْنُهُ (¬1). رواه أحمد والنسائي ورواته محتج بهم في الصحيح. 68 - والطبراني بإسناد صحيح ولفظه في إحدى رواياته قال بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: وَعَلَيْكُمْ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ تَزْعُمُ أَنَّ في الْجَنَّةِ طَعَاماً وَشَراباً وَأَزْوَاجاً؟ فَقَالَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: نَعَمْ تُؤْمِنُ بِشَجَرَةِ الْمِسْكِ؟ قالَ نَعَمْ. قالَ: وَتَجِدُهَا في كِتَابِكُمْ؟ قالَ نَعَمْ: قالَ: فَإِنَّ الْبَوْلَ وَالْجَنَابَةَ عَرَقٌ، يَسِيلُ مِنْ تَحْتِ ذَوَائِبِهِمْ (¬2) إِلى أَقْدَامِهِمْ مِسْكٌ. 69 - ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم ولفظهما: أَتَى النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ؟ وَيَقُولُ لأَصْحَابِهِ: إِنْ أَقَرَّ لي بِهذا خَصَمْتُهُ (¬3)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: بَلَى، والَّذِي نَفْسُ مُحْمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ في الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ والشَّهْوَةِ وِالْجِمَاع، فَقَال لَهُ الْيَهُودِيُّ: فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: حَاجَتُهُمْ عَرَقٌ يَفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ مِثْلَ الْمِسْكِ، فَإِذَا الْبَطْنُ قَدْ ضَمُرَ (¬4). ولفظ النسائي نحو هذا. إن أسفل أهل الجنة من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم 70 - وَعَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قالَ: إِنَّ أَسْفَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَجْمَعِينَ مَنْ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ عَشْرَةُ آلافِ خَادِمٍ، مَعَ كُلِّ خَادِمٍ صَحْفَتَانِ وَاحِدَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَوَاحِدَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، في كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ في الأُخْرَى مِثْلُهَا، يَأْكُلُ مِنْ آخِرِهِ كما ¬

(¬1) يخف ويقل الذي فيه، المعنى يتنعم الإنسان بأصناف الأطعمة الشهية ويذوقها، ولا تؤلمه أو تسقمه أو تضعفه أو تلزمه بإخراجها تخمة، بل تخرج مثل العرق ذي الرائحة الذكية. (¬2) شعر رؤوسهم إلى أرجلهم تسيل عرقاً مثل المسك، وفي المصباح الذؤابة: الضفيرة من الشعر إذا كانت مرسلة، فإن كانت ملوية فهي عقيصة، والذؤابة: طرف العمامة. ما أحلى نعيم الجنة ليس فيها قذارة مثل الدنيا بل الفضلات تتحول إلى عرق عطر. اللهم انفحنا برضاك ونعيمك. (¬3) اتخذته خصما، يقال خصم الرجل إذا أحكم الخصومة، فهو خصم وخصيم وخاصمته مخاصمة، وخصمته غلبته في الخصومة. (¬4) خف ودق وقل لحمه، يقال ضمر الفرس ضموراً وضمر ضمراً وأضمرته أعدتته للسباق، وهو أن تعلفه قوتاً بعد السمن.

يأْكُلُ مِنْ أَوَّلِهِ، يَجِدُ لآخِرِهِ مِنَ اللَّذَّةِ وَالطَّعْمِ مَا لاَ يَجِدُ لأَوَّلِهِ، ثُمَّ يَكُونُ فَوْقَ ذَلِكَ رَشْحَ (¬1) مِسْكٍ وَجُشَاءَ (¬2) مِسْكٍ، لاَ يبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ. رواه ابن أبي الدنيا واللفظ له والطبراني ورواته ثقات. ما لأدنى أهل الجنة 71 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ. قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ (¬3) دَرَجَاتٍ وَهُوَ عَلَى السَّادِسَةِ وَفَوْقَهُ السَّابِعَة إنَّ لَهُ لَثَلاثِمائَةِ خَادِمٍ ويُغَدَى عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَيُرَاحُ (¬4) بِثَلاثمائَةِ صَحْفَةٍ (¬5) وَلا أَعْلَمَهُ إِلاَّ قالَ مِنْ ذَهَبٍ، فِي كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ في الأُخْرَى، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلُهُ كَمَا يَلذُّ آخِرَهُ، وَمِنَ الأَشْرِبَةِ ثَلاثُمِائَةِ إِنَاءٍ، في كُلِّ إِنَاءٍ لَوْنٌ لَيْسَ في الآخَرِ، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلُهُ كَمَا يَلَذُّ آخِرُهُ، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَوْ أَذِنْتَ لي لأَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِي شَيءٌ: الحديث رواه أحمد عن شهرٍ عنه. 72 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ طَيْرَ الْجَنَّةِ كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ، تَرْعَى في شَجَرِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هَذِهِ لَطَيْرٌ نَاعِمَةٌ، فَقَالَ: أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا (¬6): قالها ثلاثاً، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَأْكُلُ مِنْهَا. رواه أحمد بإسناد جيد، والترمذي وقال: حديث حسن ولفظه: قالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: مَا الْكَوْثَرُ؟ قال: ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطانِيهِ اللهُ، يَعْنِي في الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، فِيهِ طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ (¬7)، قالَ عِمْرَانُ: هذِهِ لَنَاعِمَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا. ¬

(¬1) شيء يخرج مثل العرق ذكي الرائحة. (¬2) هواء يخرج من المعدة عطر لا يحصل بول أو غائط أو مخاط كما كان في الدنيا. (¬3) إن له لسبع، كذا ط وع ص 498 - 2، وفي ن د إن له لسبع. (¬4) يمسى. (¬5) إناء كالقصعة المبسوطة وجمعها صحاف. (¬6) الآكلون فيها أكثر تنعماً وأبهى منظراً. (¬7) لون مائه أبيض وطعمه عذب حلو، يسبح في مجراه طير ممتلئ صحة ونضارة وعنقه كعنق الإبل طولاً وضخامة وجمالاً، وهذا تقريب للأفهام كما قال تعالى: [أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت].

[البخت] بضم الموحدة وإسكان الخاء المعجمة: هي الإبل الخراسانية. نعيم أهل الجنة 73 - وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّكَ لَتَنْظُرُ إِلى الطَّيْرِ في الْجَنَّةِ فَتَشْتَهِيهِ، فَيَجِيءُ مَشْوِيّاً بَيْنَ يَدَيْكَ. رواه ابن أبي الدنيا والبزار والبيهقي. 74 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَشْتَهِي الطَّيْرَ مِنْ طُيُورِ الْجَنَّةِ، فَيَقَعُ في يَدِهِ مُنْفَلِقاً نَضِجاً. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. 75 - وَرُوِيَ عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَشْتَهِي الطَّيْرَ في الْجَنَّةِ فَيَجِيءُ مِثْلَ الْبُخْتِيِّ حَتَّى يَقَعَ عَلى خُوانِهِ (¬1) لَمْ يُصِبْهُ دُخَانٌ وَلَمْ تَمَسّهُ نَارٌ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى يَشْبَعَ ثُمَّ يَطِير. رواه ابن أبي الدنيا. 76 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ في الْجَنَّةِ طَائِراً لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ رِيشَةٍ يَجِيء، فَيَقَعُ عَلَى صَحْفَةِ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَنْتَفِضُ فَيَقَعُ مِنْ كُلِّ رِيشَةٍ لَوْنٌ أَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، وَأَلَذُّ مِنَ الشَّهْدِ. لَيْسَ مِنْهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ صَاحِبَهُ ثُمَّ يَطِيرُ (¬2). رواه ابن أبي الدنيا وقد حسن الترمذي إسناده لغير هذا المتن. 77 - وَعَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ لَيَنْفَعُنَا بالأَعرابِ (¬3) وَمَسَائِلِهِمْ قالَ: أَقْبلَ أَعْرَابِيٌّ يَوْمَاً فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في الْجَنَّةِ شَجَرَةً مُؤْذِيَةً، وَمَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ في الْجَنَّةِ شَجَرَةً تُؤْذِي صَاحِبَهَا؟ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَمَا هِيَ؟ قالَ: السِّدْرُ ¬

(¬1) ما يوضع عليه الطعام عند الأكل. يصور لك النبي صلى الله عليه وسلم جزءاً من نعيم الجنة أن يأتي الطير على خوانك (الصنية) فتأخذ منه ما تتمنى وتشتهي، وبعد ذلك يحيا ويطير كما قال تعالى: [صنع الله الذي أتقن كل شيء] قدرة القادر أن يمتع حبيبه ومطيعه كما يريد. (¬2) ينزل هذا الطائر القاطن في الجنة فيمتعه بمناظر شتى مختلفة الألوان بيضاء وحمراء وصفراء وخضراء وبمطعومات شتى كما يحب ويرضى قال تعالى: [وأزلفت الجنة للمتقين]. (¬3) سكان البادية.

فصل في ثيابهم وحللهم

فَإن لَهُ شَوْكاً مُؤْذِياً، قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَلَيْسَ اللهُ يَقُولُ: [في سِدْرٍ مَخْضُودٍ (¬1)] خَضَدَ اللهُ شَوْكَهُ فَجَعَلَ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ تَمَرةً، فَإِنَّهَا لَتَنْبُتُ تَمراً تَفَتَّقُ (¬2) التَّمَرَةُ مِنْهَا عَنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لَوْناً مِنْ طَعَامٍ، مَا فِيهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ الآخَرَ. رواه ابن أبي الدنيا وإسناده حسن، ورواه أيضاً عن سليم بن عامر عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. 78 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: الرُّمَّانَةُ مِنْ رُمَّانِ الْجَنَّةِ يَجْتَمِعُ حَوْلَهَا بَشَرٌ (¬3) كثيرٌ يأكُلُونَ مِنْهَا فإنْ جَرَى عَلَى ذِكْرِ أَحَدِهِمْ شَيءٌ (¬4)، يُرِيدُهُ وَجَدَهُ في مَوْضِعِ يَدِهِ حَيْثُ يَأْكُلُ. رواه ابن أبي الدنيا، وروى بإسناده أيضاً عنه قالَ: إِنَّ التَّمْرَةَ مِنْ تَمر الْجَنَّةِ طُولُهَا اثْنَا عَشَرَ ذِرَاعاً لَيْسَ لَهَا عَجَمٌ (¬5). فصل في ثيابهم وحللهم 79 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُنَعَّم (¬6) وَلا يَبْأَسُ (¬7) لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ (¬8) وَلا يَفْنَى شَبَابُهُ (¬9)، في الجنَّةِ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ (¬10). رواه مسلم. ¬

(¬1) في النهاية الذي قطع شوكه، وفي المصباح السدرة شجرة النبق، والجمع سدر، والسدر نوعان أحدهما ينبت في الأرياف فينتفع بورقه في الغسل وثمرته طيبة. يقرب النبي صلى الله عليه وسلم معنى شجر في الجنة ليتذوق العرب المعنى وليفهم السامع، ولكن شجر الجنة أنضر وأكثر بهاء وثماراً حلوة ليس لطعمها أو لونها مثيل في الدنيا. (¬2) تتفتح. (¬3) خلق كثير. (¬4) إن مر على خاطره مطعوم آخر أوجده الله تعالى أمامه بقدرته وإرادته. (¬5) نوى أو شيء صلب يطرح. (¬6) يتمتع بأصناف النعيم. (¬7) لا يصبه خضوع أو مذلة أو فقر أو حزن أو خوف، وفي النهاية في حديث الصلاة: تقع يديك وتبأس وهو من البؤس الخضوع والفقر، يقال بئس يبأس بؤساً وبأساً افتقرت واشتدت حاجته، والاسم منه بائس. (¬8) لا تبلى ثيابه كذا ط وع ص 499 - 2، وفي ن د لا تبلى ثيابهم: والمعنى تستمر ثياب ساكن الجنة جديدة بديعة نظيفة جميلة. (¬9) تستمر قوته وفتوته كما قال تعالى: [تعرف في وجوههم نضرة النعيم]. (¬10) حدث عن جمال نعيم الجنة ونهاية إبداعه فلن ترى عين مثله أبداً ما في الدنيا، ولم تسمع أذن هذه الأوصاف الممتعة الشيقة، ولا مر على فؤاد أي إنسان. جل الخالق وأبدع الصانع وأعطى القادر سبحانه وتعالى.

80 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: أَوَّلُ زُمْرَةٍ (¬1) يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ ضَوْءُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ (¬2) فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعَينِ، عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً، يُرَى مُخُّ (¬3) سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ لُحُومِهِمَا وَحُلَلِهِمَا كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ. رواه الطبراني بإسناد صحيح، والبيهقي بإسناد حسن، وتقدم حديث أبي هريرة المتفق عليه بنحوه. ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى 81 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ انْطلِقَ بِهِ إِلى طُوبَى، فَتُفْتَحُ لَهُ أَكْمَامُهَا (¬4) فَيَأْخُذُ مِنْ أيِّ ذَلِكَ شَاءَ، إِنْ شَاءَ أَبْيَضَ، وَإنْ شَاءَ أَحْمَرَ، وَإِنْ شَاءَ أَخْضَرَ، وَإِنْ شَاءَ أَصْفَرَ، وَإِنْ شَاءَ أَسْوَدَ، مِثْلَ شَقَائِقِ (¬5) النُّعْمَانِ وَأَرَقَّ (¬6) وَأَحْسَنَ. رواه ابن أبي الدنيا. 82 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قال: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَّكِئُ في الْجَنَّةِ (¬7) سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ، ثُمَّ تَأْتِيهِ امْرَأَةٌ فَتَضْرِبُ مَنْكِبَهُ (¬8) فَيَنْظُرُ وَجْهُهُ في خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤلُؤَةٍ (¬9) عَلَيْهَا تُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ فَتُسَلمُ عَلَيْهِ فَيَرُدُّ السَّلامَ، وَيَسْأَلُهَا مَنْ أَنْتِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا مِنَ المزِيدِ (¬10) وَإِنَّهُ لَيَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ ثَوْباً أَدْنَاهَا مِثْلُ النَّعْمَانِ (¬11) مِنْ طُوبَى (¬12) فَيَنْفُذُهَا ¬

(¬1) طائفة كما قال تعالى: [وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا] أي جماعات. (¬2) متلألئ وضاء. (¬3) باطن: كناية عن صفاء الجسم وبهائه وزيادة حسنه. (¬4) جمع كم بكسر الكاف، وعاء الطلع وغطاء النور: أي تشرق الزهرة باسمة مثمرة يأخذ منها ما يشاء من بدائع الألوان. (¬5) في المصباح هو الشقر. والشقرة من الألوان: حمرة تعلو بياضاً في الإنسان، وحمرة صافية في الخيل، والشقر مثال تعب شقائق النعمان الواحدة شقرة. وليس بمشموم أهـ. (¬6) وأصفى وأبدع. (¬7) معناه يتلذذ مدة الاضطجاع وأخذ راحته متكئاً. (¬8) مجتمع رأس العضد، والكتف لأنه يعتمد عليه: أي تمد يدها عليه مسرورة فرحة فيرى نفسه أمامها. (¬9) أقل درة عليها تضيء الدنيا جمعاء. (¬10) زيادة فضل الله وكرمه عليك: أي منة جديدة، اللهم أعطنا مزيد إحسانك. (¬11) لونها أحمر كالدم، والنعمان اسم من أسماء الدم. (¬12) شجرة الجنة.

فصل في فرش الجنة

بَصَرُهُ حَتَّى يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، وَإِنَّ عَلَيْهَا مِنَ التِّيجَانِ (¬1) إِنَ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ مِنْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ. رواه أحمد من طريق ابن لهيعة عن درّاج عن أبي الهيثم، وابن حبان في صحيحه من طريق عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم. وروى الترمذي منه ذكر التيجان فقط من رواية رشدين عن عمرو بن الحارث وقال: لا نعرفه إلا من حديث رشدين. 83 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: دَارُ الْمُؤمِنِ في الْجَنَّةِ لُؤلُؤَةٌ فِيهَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ دَار، فِيهَا شَجَرَةٌ تُنْبِت الْحُلَلَ، فَيَأْخُذُ الرَّجُلُ بِأُصْبُعَيْهِ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ والإبْهَامِ سَبْعِينَ حُلَّةً مُتَمَنْطِقَةً (¬2) بِاللُؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ. رواه ابن أبي الدنيا موقوفا. 84 - وَعَنْ شُرَيْحِ بْنِ عَبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ قالَ كَعْبٌ: لَوْ أَنَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لُبِسَ الْيَوْمَ في الدُّنْيَا لَصَعِقَ (¬3) مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَمَا حَمَلَتْهُ أَبْصَارُهُمْ. رواه ابن أبي الدنيا، ويأتي حديث أنس المرفوع، وَلَوِ اطَّلَعَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلى الأَرْضِ لَملأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحاً، ولأَضَاءَتْ بَيْنَهُمَا، وَلَنَصِيفُهَا، يَعْنِي خِمَارَهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. رواه البخاري ومسلم. فصل في فرش الجنة 85 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: [وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ] قالَ: ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ. رواه ابن أبي الدنيا والترمذي، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين، يعني عن عمرو بن الحارث عن دراج. ¬

(¬1) لباس رأس الملوك: جمع تاج والتاج للعجم كما يقال للعرب عمم. (¬2) شادة وسطها بالمنطق: أي الحزام، وفي النهاية: وفي حديث أم إسماعيل "أول ما اتخذ النساء المنطق من قيل أم إسماعيل اتخذت منطقا" المنطق النطاق وجمعه مناطق، وهو أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشد وسطها بشيء، وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها وبه سميت أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين لأنها كانت تطارق نطاقاً فوق نطاق أهـ. (¬3) لمات من شدة لمعانه البراق، ولم يكن أن تنظره العين.

فصل في وصف نساء أهل الجنة

[قال الحافظ] قد رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهما من حديث ابن وهب أيضاً عن عمرو بن الحارث عن دراج. 86 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عَنِ الْفُرُشِ الْمَرْفُوعَةِ، فَقَالَ: لَوْ طُرِحَ فِرَاشٌ مِنْ أَعْلاهَا لَهَوى إِلى قَرَارِهَا مِائَةَ خَرِيفٍ. رواه الطبراني، ورواه غيره موقوفاً على أبي أمامة، وهو أشبه بالصواب. 87 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ [بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ (¬1)]. قالَ: أُخْبِرْتُمْ بِالْبَطَائِنِ، فَكَيْفَ بِالظَّهَائِر؟ رواه البيهقي موقوفاً بإسناد حسن. فصل في وصف نساء أهل الجنة [قال الحافظ]: تقدم حديث ابن عمر في أسفل أهل الجنة، وفيه: فَيَنْظُرُ فَإِذَا حَوْرَاءُ (¬2) مِنَ الْحُورِ الْعِينِ جَالِسَةٌ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهَا عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً لَيْسَ مِنْهَا حُلَّةٌ مِنْ لَوْنِ صَاحِبَتِهَا فَيُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ والْعَظْمِ، وَالْكِسْوَةُ فَوْقَ ذَلِكَ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مِنَ الَّلاتِي خُبِّئْنَ (¬3) لَكَ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً لا يَصْرِفُ (¬4) بَصَرَهُ عَنْهَا، ثُمَّ يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلى الْغُرْفَةِ فَإِذَا أُخْرَى أَجْمَلُ مِنْهَا فَتَقُولُ: مَا آنَ لَكَ (¬5) أَنْ يَكُونَ لَنَا مِنْكَ نَصِيبٌ؟ (¬6) فَيَرْتَقِي إِلَيْهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً لاَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ عَنْهَا، الحديث. 88 - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

(¬1) النسيج الموجود في داخل الظهارة للوسادة من ديباج ثخين، قيل ظهائرها من سندس، وقيل لا يعلمها إلا الله أهـ نسفي، قال تعالى: [متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنا الجنتين دان (54)] من سورة الرحمن أي ثمرها قريب يناله القائم والقاعد والمتكئ. (¬2) هكذا في ع ص 501 - 2 وفي ن د: حوراء عيناء. (¬3) ادخرهن الله. (¬4) يصوب نظره إليها تلذذاً وتمتعاً مدة أربعين سنة. (¬5) هل جاء وقت الصعود إلي. (¬6) حظ.

إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ دَرَجَاتٍ وَهُوَ عَلَى السَّادِسَةِ وَفَوْقَهُ السَّابِعَةُ، وَإِنَّ لَهُ لَثَلاثِمِائَةِ خَادِمٍ وَيُغْذَى (¬1) عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ وَيُرَاحُ بِثَلاثِمَائَةِ صَحْفَةٍ وَلا أَعْلَمُهُ إِلاَّ قالَ: مِنْ ذَهَبٍ، في كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ في الأُخْرَى، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلُهُ كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ وَمِنَ الأَشْرِبَةِ ثَلاثِمَائَةِ إِنَاءٍ، فِي كُلِّ إِنَاءٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الآخَرِ وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلَهُ كمَا يَلَذُّ آخِرَهُ، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَوْ أَذِنْتَ لِي لأَطْعَمْتُ أَهْلَ (¬2) الْجَنَّةِ وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِي شَيْءٌ، وَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَتَأْخُذُ مَقْعَدَتُهَا قَدْرَ مِيلٍ (¬3) مِنَ الأَرْضِ. رواه أحمد عن شهرٍ عنه. 89 - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُزَوَّجُ خَمْسَمِائَةٍ حَوْرَاءَ وَأَرْبَعَةَ آلافِ بِكْرٍ وَثَمَانِيَةَ آلافِ ثَيِّبٍ. يُعَانِقُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِقْدَارَ عُمْرِهِ في الدُّنْيَا. رواه البيهقي وفي إسناده راوٍ لم يسم. 90 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضِعُ قَيْدِهِ، يَعْنِي سَوْطَهُ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوِ اطَّلَعَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلى الأَرْضِ لَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحاً، ولأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. رواه البخاري ومسلم والطبراني مختصراً بإسناد جيد إلا أنه قال: وَلَتَاجُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. [النصيف]: الخمار. [والقاب]: هو القدر، وقال أبو معمر: قاب القوس من مقبضه إلى رأْسه. 91 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: إِن أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَأِ كَوْكَبٍ ¬

(¬1) يذهب إليه صباحاً ومساء. (¬2) الله أكبر يضع البركة في طعامه المتمتع به وحده فيشبع أهل الجنة على عددهم الوفير. (¬3) كناية عن ضخامتها وحسن صحتها تشغل حجماً كبيراً في الجلوس، والميل منتهى مد البصر.

دُرِّيٍّ في السَّمَاءِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللحْمِ وَمَا في الْجَنَّةِ أَعْزَبُ، رواه البخاري ومسلم. 92 - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الْمَرأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً حَتَّى يُرَى مُخُّهَا، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: كأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَان، فأَمَّا الْيَاقُوتُ فَإِنَّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَ فِيه (¬1) سِلْكاً، ثُمَّ اسْتَصْفَيْتَهُ لأَرَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ. رواه ابن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه والترمذي واللفظ له، وقال: وقد روي عن ابن مسعود ولم يرفعه وهو أصح. 93 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ خُزَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَشْرَفَتْ (¬2) لَملأَتِ الأَرْضَ رِيحَ مِسْكٍ ولأَذْهَبَتْ ضَوْءَ الشَّمْسِ والْقَمَرِ الحديث رواه الطبراني والبزار وإسناده حسن في المتابعات. 94 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قالَ حَدَّثَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام: قالَ يَدْخُلُ الرَّجُلُ عَلَى الْحَورَاءِ فَتَسْتَقْبِلُهُ بِالْمُعَانَقَةِ وَالْمُصَافَحَةِ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسَلَّم: فَبِأَيِّ بَنَان تُعَاطِيهِ لَوْ أَنَّ بَعْضَ بِنَانِهَا بَدَا (¬3) لَغَلَبَ ضَوْءُهُ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَلَوْ أَنَّ طاقَةً مِنْ شَعرِهَا بَدَتْ لملأَتْ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا فَبَيْنَا هُوَ مُتَّكِئٌ مَعَهَا عَلَى أَرِيكَتِهِ إِذْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ نُورٌ مِنْ فَوْقِهِ فَيَظُنُّ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى خَلْقِهِ، فَإِذَا حَوْرَاءُ تُنَادِيهِ يَا وَلِيَّ اللهِ أَمَالَنَا فِيكَ مِنْ دَوْلَةٍ؟ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتِ يَا هذِهِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا مِنَ اللَّوَاتِي قالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى: [وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (¬4)]، فَيَتَحَوَّلُ عِنْدَهَا، فَإِذَا عِنْدَهَا مِنَ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ مَا لَيْسَ مَعَ الأُولَى، فَبَيْنَا هُوَ مُتَّكِئٌ مَعَهَا عَلى أَرِيكَتِهِ، وَإِذَا حَوْرَاءُ أُخْرَى تُنَادِيهِ يَا وَلِيَّ اللهِ أَمَا لَنَا فِيكَ مِنْ دَوْلَةٍ؟ فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتِ يَا هذِه؟ فَتَقُولُ: أَنَا مِنَ اللَّوَاتِي ¬

(¬1) لو أدخلت فيه، كذا ط وع ص 502 وفي ن د: فمها. (¬2) قربت في الدنيا وظهرت. (¬3) ظهر. (¬4) وعندنا زيادة إكرام وإنعام.

قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: [فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] فلاَ يَزَالُ يَتَحَوَّلُ مِنْ زَوْجَةٍ إِلى زَوْجَةٍ. رواه الطبراني في الأوسط. 95 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم: في قَوْلِهِ: [كأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ (¬1) وَالْمَرْجَان (¬2)] قالَ: يَنْظُرُ إِلى وَجْهِهِ في خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ، وَإِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَإِنَّهُ لَيَكُونُ عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً ينْفُذُهَا بَصَرُهُ حَتَّى يَرَى مُخَّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ. رواه أحمد وابن حبان في صحيحه في حديث تقدم بنحوه والبيهقي بإسناد ابن حبان واللفظ له. 96 - وعن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة. قالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَهُوَ في طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. فذكر حديث الصور بطوله إلى أنْ قال: فأَقُولُ يَا رَبِّ وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ فَشَفِّعْني في أَهْلِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللهُ: قَدْ شَفَّعْتُكَ وأذِنْتُ لَهُمْ في دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَكانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: والَّذِي بَعَثني بالْحَقِّ مَا أَنْتُم في الدُّنْيَا بأَعْرَفَ بِأَزْوَاجِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بأَزْوَاجِهِمْ وَمَسَاكِنِهمْ، فَيَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ على ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِمَّا يُنْشِئُ اللهُ وَثِنْتَيْنِ مِنْ وَلدِ آدَمَ لَهُمَا فَضْلٌ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ اللهُ لِعِبَادَتِهِمَا اللهَ في الدُّنْيَا يَدْخُلُ عَلى الأُولى مِنْهُمَا في غُرْفَةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ عَلَيْهِ سَبْعُونَ زَوْجاً مِنْ سُنْدِسٍ (¬3) وَإِسْتَبْرَقٍ، ثُمَّ يَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ يَنْظُرُ إِلى يَدِهِ مِنْ صَدْرِهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا، وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلى مُخِّ (¬4) سَاقِهَا كما يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلى السِّلْكِ (¬5) في قَصَبَةِ الْيَاقُوتِ، كِبدُهُ لَهَا مِرْآةٌ، وَكَبِدُهَا لَهُ مِرْآةٌ فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهَا لاَ يَمَلُّهَا وَلاَ تَمَلُّهُ وَلا يَأْتِيهَا مَرَّةً إِلى وَجَدَهَا عَذْرَاءَ (¬6) مَا يَفْتُرُ (¬7) ذَكَرُهُ وَلاَ يَشْتَكِي قُبُلُهَا، فَبَيْنَا ¬

(¬1) صفاءً. (¬2) بياضاً، فهو أبيض من اللؤلؤ. (¬3) ما رق وغلظ من الحرير. (¬4) باطن. (¬5) العقد المنظم. (¬6) بكر لم تثقب. (¬7) لا يضعف.

هُوَ كَذَلِكَ إِذْ نُودِيَ إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا أَنَّكَ لاَ تَمَلُّ (¬1) وَلاَ تُمَلُّ إِلاَّ أَنَّهُ لاَمَنِيَّ وَلاَ مَنِيَّةَ إِلاَّ أَنَّ لَكَ أَزْوَاجاً غَيْرَهَا فَيَخْرُجُ فَيَأْتِيهِنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً بَعْدُ كُلَّمَا جَاؤُوا وَاحِدَةً قالَتْ: واللهِ مَا في الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحْسَنَ مِنْكَ، وَمَا في الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ الْحَديث. رواه أبو يعلى والبيهقي في آخر كتابه من رواية إسماعيل بن رافع بن أبي رافع، انفرد به عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب. 97 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لَوْ أَنَّ حَوْرَاءَ أَخْرَجَتْ كَفَّهَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لافْتَتَنَ الْخَلائِقُ بِحُسْنِهَا، وَلَوْ أَخْرَجَتْ نِصْفَيْهَا لَكَانَتِ الشَّمْسُ عِنْدَ حُسْنِهِ مِثْلَ الْفَتِيلَةِ (¬2) في الشَّمْسِ، لاَ ضَوْءَ لَهَا، وَلَوْ أَخْرَجَتْ وَجْهَهَا لأضَاءَ حُسْنُهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. لو أن حوراء بزقت في بحر لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها 98 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَوْ أَنَّ حَوْرَاءَ بَزَقَتْ في بَحْرٍ لَعَذُبَ ذَلِكَ الْبَحْرُ مِنْ عُذُوبَةِ (¬3) رِيقِهَا. رواه ابن أبي الدنيا عن شيخ من أهل البصرة لم يسمِّه عنه. 99 - وروي أَيضاً عن ابن عباس موقوفاً: قالَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَصَقَتْ في سَبْعَةِ أَبْحُرٍ لَكَانَتْ تِلْكَ الأَبْحُرُ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ. 100 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: كُنَّا جُلُوساً مَعَ كَعْبٍ يَوْماً، فَقَالَ لَوْ أَنَّ يَداً مِنَ الْحُورِ مِنَ السَّمَاءِ بِبَيَاضِهَا وَخَواتِيمِهَا دُلِّيَتْ لأَضَاءَتْ لَهَا الأَرْضُ كما تُضِيءُ الشَّمْسُ لأَهْلِ الدُّنْيَا، ثُمَّ قالَ: إِنَّمَا قُلْتُ يَدَهَا، فَكَيْفَ بِالْوَجْهِ بَياضُهُ وَحُسْنُهُ وَجَمَالُهُ وَتَاجُهُ وَيَاقُوتُهُ وَلُؤْلُؤُهُ وَزَبَرْجَدُهُ: رواه ابن أبي الدنيا وفي إسناده عبيد الله بن زحر. 101 - وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ لأَكْثَرُ عَدَداً مِنْكُنَّ يَدْعُونَ لأَزْوَاجِهِنَّ يَقُلْنَ: اللَّهُمَّ أَعِنْهُ عَلَى دِينكَ (¬4) بِعِزَّتِكَ، وَأَقْبِلْ بِقَلْبِهِ عَلَى طَاعَتِكَ، وَبَلِّغْهُ إِلَيْنَا بِقُرْبِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، ¬

(¬1) لم يصبك وهن ولا ضجر. (¬2) كناية عن شدة ضوئها والشمس مثل المصباح المتقد بالزيت ضعيف الضوء. (¬3) من عذوبة ريقها كذا ع ص 503 - 2 أي حلاوته وبديع طعمه. (¬4) يطلبن التوفيق والهداية وزيادة الطاعة ومتعة ربنا برضاك ومعزتك الغالية.

رواه ابن أبي الدنيا مرسلا. صفة نساء أهل الجنة 102 - وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: [حُورٌ عِينٌ]؟ قالَ حُورٌ بِيضٌ عِينٌ ضِخَامٌ شُفْرُ الْحَوْرَاءُ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النَّسْرِ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: فَأَخْبِرْنِ] عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: [كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ]؟ قالَ: صَفَاؤُهُنَّ كَصَفَاءِ الدُّرِّ الَّذِي في الأصْدَافِ (¬1) الَّذي لاَ تَمَسُّهُ الأَيْدِي، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: فأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: [فِيهنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (¬2)]؟ قالَ: خَيْرَاتُ الأَخْلاقِ، حِسَانُ الْوُجُوهِ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوءلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: [كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ]؟ قال: رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدِ الَّذِي في دَاخِلِ الْبَيْضَةِ مِمَّا يَلِي الْقِشْرَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: [عُرُباً أَتْرَاباً]؟ قالَ: هُنَّ اللَّوَاتِي قُبِضْنَ (¬3) في دَارِ الدُّنْيَا عَجَائِزَ (¬4) رُمْصاً (¬5) شُمْطاً (¬6) خَلَقَهُنَّ اللهُ بَعْدَ الْكِبَرِ فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى (¬7) عُرُباً (¬8) مُتَعَشِّقَاتٍ (¬9) مُتَحَبِّبَاتٍ، أَتْرَاباً (¬10) عَلَى مِيلادٍ وَاحِدٍ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ أَمْ الْحُورُ الْعِينُ؟ قالَ نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كَفَضْلِ الظِّهَارَةِ (¬11) عَلَى الْبِطَانَةِ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ وَبِمَ ذَاكَ؟ قالَ بِصَلاتِهِنَّ وَصِيَامِهِنَّ وَعِبَادَتِهِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَلْبَسَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وُجُوهَهُنَّ النُّورَ، وَأَجْسَادَهُنَّ الْحَرِيرَ، بِيضُ الأَلْوَانِ، خُضْرُ الثِّيَابِ، صُفْرُ الْحِليَّ ¬

(¬1) غشاء الدر، الواحدة صدفة. (¬2) أي فاضلات الأخلاق حسان الخلق. (¬3) توفين. (¬4) كبيرات السن. (¬5) في عيونهن قذارة قد جمعها الوسخ في موقعها فالرجل أرمص والأنثى رمصاء. (¬6) شعراتهن بيضاء لضعفهن وعجزهن وهرمهن، يغير الله هذه الحالة إلى جمال، وكمال ونضارة، وصحة وفتوة وقوة. (¬7) أبكارا. (¬8) جمع عروبة معربة بحالها عن عفتها ومحبة زوجها. (¬9) كثيرة العشق والمودة، والميل إلى أزواجهن .. (¬10) لدات تنشأن معاً تشبيهاً في التساوي والتماثل بالترائب التي هي ضلوع الصدر أو لوقوعهن معاً على الأرض، وقيل لأنهن في حال الصبا يلعبن بالتراب معاً أهـ غريب. (¬11) أعلى الشيء وظاهره.

فصل في غناء الحور العين

مَجَامِرُهُنَّ (¬1) الدُّرُّ، وَأَمْشَاطُهُنَّ الذَّهَبُ، يَقُلْنَ: أَلاَ نَحْنُ الْخَالِدَاتُ (¬2) فَلاَ نَمُوتُ أَبَداً أَلاَ نَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلا نَبْأَسُ أَبداً، أَلا وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلا نَظْعَنُ (¬3) أَبَداً، أَلاَ وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ، فَلاَ نَسْخَطُ أَبَداً، طُوبَى (¬4) لِمَنْ كُنَّا لَهُ، وَكَانَ لَنَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ الْمَرْأَةُ مِنَّا تَتَزَوَّجُ الزَّوْجَيْنِ وَالثَّلاثَةَ والأَرْبَعَةَ في الدُّنْيَا، ثُمَّ تَمُوتُ فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَدْخُلُونَ مَعَهَا، مَنْ يَكُونُ زَوْجُهَا مِنْهُمْ؟ قالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّها تُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقاً، فَتَقُولُ: أي رَبِّ إِنَّ هذَا كَانَ أَحْسَنَهُمْ مَعِيَ خُلُقاً في دَارِ الدُّنْيَا فَزَوَّجْنِيهِ، يَا أُمَّ سَلَمَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الْدُّنْيَا والآخِرَةِ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط وهذا لفظه. فصل في غناء الحور العين 103 - وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ في الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعاً لِلْحُورِ الْعِينِ يَرْفَعْنَ بِأَصْوَاتٍ (¬5) لَمْ يَسْمَعِ الْخلائِقُ بِمِثْلِهَا، يَقُلْنَ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلا نَبِيدُ (¬6)، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ (¬7) فَلا نَبْأَسُ (¬8) وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلا نَسْخَطُ طُوبَى لِمَنْ كانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ. رواه الترمذي، وقال: حديث غريب والبيهقي. 104 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ عِنْدَ رَأْسِهِ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ ثِنْتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ تُغَنِّيَانِ ¬

(¬1) جمع مجمر، هو الذي يوضع فيه النار للبخور، والمجمر هو الذي يتبخر به وأعد له الجمر، والمعنى أواني الرائحة الذكية من جواهر. (¬2) الباقيات. (¬3) فلا نسافر. (¬4) هنيئاً له بالجنة. (¬5) بأصوات كذا ط وع ص 505. (¬6) فلا نهلك. (¬7) جالبات المسرة والفرح والترف. (¬8) لا يحصل منا كره أو حزن أو فقر كما في النهاية في صفة أهل الجنة "لكم أن تنعموا فلا تبأسوا" بؤس يبؤس بأساً: إذا اشتد حزنه، والمبتئس: الكاره الحزين.

بِأَحْسَنِ صَوْتٍ سَمِعَهُ الإِنْسُ والْجِنُّ، وَلَيْسَ بِمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ، ولكِنْ بِتَحْمِيدِ اللهِ (¬1) وَتَقْدِيسِهِ. رواه الطبراني والبيهقي. 105 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ، نَحْنُ الْخَيْرَاتُ الْحِسَانُ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامٍ، يَنْظُرُونَ بِقُرَّةِ أَعْيَانٍ، وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فلا نَمْتْنَهُ، نَحْنُ الآمِنَاتُ فلا نَخَفْنَهُ، نَحْنُ الْمُقِيَماتُ فلا نَظْعَنَّهُ. رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورواتهما رواة الصحيح. 106 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ الْحُورَ في الْجَنَّةِ يُغَنِّينَ، يَقُلْنَ: نَحْنُ الْحُورُ الْحِسَانُ، هُدِينا لأَزْوَاجٍ كِرَامٍ. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني واللفظ له وإسناده مقارب، ورواه البيهقي عن ابنٍ لأنس بن مالك لم يسمه عن أنس. 107 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يُزَوَّجُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعَةَ آلافٍ بِكْرٍ وَثَمَانِيَةَ آلاف أَيِّمٍ (¬2) وَمَائَةَ حَوْرَاءَ فَيَجْتَمِعَنْ في كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَيَقُلْنَ بِأَصْوَاتٍ حِسَانٍ لَمْ يَسْمَعِ الْخَلائِقُ بِمِثْلِهِنَّ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلا نَبِيدُ، وَنَحْنُ النَّاعِمَات فَلا نَبْأَسُ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فلا نَسْخَطُ، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فلا نَظْعَنُ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ. رواه أبو نعيم في صفة الجنة. 108 - وَعَنْ أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ في الْجَنَّةِ نَهَراً طُولُ (¬3) الْجَنَّةِ حَافتَاهُ (¬4) الْعذَارَى (¬5) قِيَامٌ (¬6) مُتَقَابِلاتٌ (¬7) يُغَنِّينَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا الْخَلائِقُ ¬

(¬1) يلهمهن الله صيغ التبجيل فينشدنه بصوت رخيم ونغمات شجية مطربة ليس بآلات الشيطان، ولكن بنغمة طبيعية ثناء ومدح على الله. (¬2) ثيب بمعنى أن الله تعالى ينعمه بأصناف النساء الحسان الجديد الفذ، والقديم الحسن البالغ نهاية المحبة. لماذا؟ ليكثر جمعن في التشديد بذكر نعمهن على الإنسان ويصفن أنفسهن: أ - المقيمات. ب - المفرحات. جـ - المطيعات القانعات. د - الباقيات. (¬3) يساوي طوله طول الجنة. (¬4) شاطئاه. (¬5) البنات البكر الخرد. (¬6) واقفات. (¬7) وجوههن متجهة كل واحدة تتجه جهة زميلتها جمالاً وكمالاً وبهاء.

فصل في سوق الجنة

حَتَّى مَا يَرَوْنَ أَن فِي الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا (¬1)، قُلْنَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَا ذَاكَ الْغِنَاءُ؟ قالَ إِنْ شَاءَ اللهُ التَّسْبِيحُ والتَّحْمِيدُ (¬2) والتَّقْدِيسُ (¬3) وَثَنَاءٌ (¬4) على الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ. رواه البيهقي موقوفاً. فصل في سوق الجنة 109 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ في الْجَنَّةِ لَسُوقاً يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمْعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو (¬5) في وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنَاً وَجَمالاً، فَيَرْجِعُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْناً وَجَمالاً، فَتَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنَاً وَجَمَالاً، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنَاً وَجَمالاً. رواه مسلم. 110 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ في سُوقِ الْجَنَّةِ، قالَ سَعِيدٌ: أَوَ فِيهَا سُوقٌ؟ قالَ نَعَمْ، أخْبَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ فَيُؤْذَنُ (¬6) لَهُمْ في مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمْعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا فَيَزُورُونَ اللهَ وَيُبْرِزُ (¬7) لَهُمْ عَرْشَهُ وَيَتَبَدَّى (¬8) لَهُمْ في رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَتُوضَعُ (¬9) لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ، وَمنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ فِضَّةٍ ¬

(¬1) مثل هذا التنعم في الحسن. (¬2) يقلن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. (¬3) تنزيهه سبحانه وتعالى عن كل صغيرة وكبيرة. (¬4) شكر الرب جل وعلا. (¬5) فتمر وتنفح. (¬6) يسمح لهم ليروا الله جل وعلا. (¬7) ويظهر. (¬8) فيتجلى عليهم سبحانه وتعالى. (¬9) وترص لهم مقاعد مرتفعة من أنواع الجواهر الكريمة، اللؤلؤ، والياقوت والزبرجد والذهب والفضة كل إنسان على حسب عمله الصالح في حياته.

وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ (¬1) وَمَا فِيهِمْ دَنِيء عَلى كُثْبَانِ (¬2) الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ مَا يَرَوْنَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِيِّ أَفْضَلُ مِنْهُمْ مَجْلِساً، قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا؟ قالَ: نَعَمْ هَلْ تَتَمَارَوْنَ (¬3) في رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ قُلْنَا لاَ، قالَ: كَذَلِكَ لاَ تَتَمَارَوْنَ في رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ يَبْقَى في ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَحَدٌ إِلاَّ حَاضَرَهُ (¬4) اللهُ مُحَاضَرَةً حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ لِلرَّجُلِ مِنْكُمْ: أَلا تَذْكُرُ يَا فُلانُ يَوْمَ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ يُذَكِّرُهُ بَعْضَ غَدَرَاتِهِ (¬5) في الدُّنْيَا فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي (¬6)؟ فَيَقُولُ: بَلَى فَبِسَعَةِ مَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هذِهِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ غَشِيَتْهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ طِيباً لَمْ يَجِدُوا مِثْلَ رِيحِهِ شَيئاً قَطُّ، ثُمَّ يَقُولُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قُومُوا إِلى مَا أَعْدَدْتُ (¬7) لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ (¬8) فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ قالَ: فَنَأْتِي سُوقاً قَدْ حَفَّتْ (¬9) بِهِ الْملائِكَةُ، فِيهِ مَا لَمْ تَنْظُرِ الْعُيُونُ إِلى مِثْلِهِ، وَلَمْ تَسْمَعِ الآذَانُ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ، قالَ: فَيُحْمَلُ لَنَا مَا اشْتَهَيْنَا لَيْسَ يُبَاعُ فِيهِ شَيْءٌ وَلا يُشْتَرَى، وفي ذَلِكَ السُّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قالَ فَيُقْبِلُ الرَّجُلُ ذُو الْمَنْزِلَةِ الْمُرْتَفِعَةِ فَيَلْقَى مَنْ دُونَهُ (¬10) وَمَا فِيهِمْ دَنِئٌ فَيَرُوعُهُ (¬11) مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتَّى يَتَمَثَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَنُ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا، قالَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ إِلى مَنَازِلِنَا ¬

(¬1) أقلهم درجة في الجنة وليس فيهم رديء. ينفي النبي صلى الله عليه وسلم كل صفات النقص عن سكان الجنة: لأنه تطهر وتكمل ونال غفران الله تعالى فرضيه وأرضاه. (¬2) القطع المجتمعة الكبيرة مثل كثيب الرمل. (¬3) هل تشكون وتضامون. (¬4) كلمه سبحانه وتعالى وقرره بذنوبه وذكره بأعماله ومغفرته ورضوانه وعفوه. (¬5) هفواته وعصيانه. (¬6) أفلم تغفر لي، كذا ط وع ص 506 - 2 أي لم يسبق منك إحسان وغفران وعفو ورضوان، وقد شملتني رحمتك. وفي ن د: ألم تغفر لي. يعني ألم يحصل منك عفو وغفران سابق وأنت سبحانك لا تخلف الميعاد. وقد قلت جل جلالك: ورحمتي وسعت كل شيء، واعلم أنك غفور تواب رحيم اللهم اغفر لي. (¬7) أوجدت. (¬8) نعيم الجنة .. (¬9) طافت: يقال حف القوم بالبيت. طافوا به فهم حافون. (¬10) أقل منهم درجة في الجنة ودرجات الجنة موزعة بالعدل على حسب صالحات الأعمال. (¬11) يزعجه.

فَتَتَلَقَّانَا (¬1) أَزْوَاجُنَا فَيَقُلْنَ مَرْحَباً (¬2) وَأَهْلاً (¬3) لَقَدْ جِئْتَ، وَإِنَّ بِكَ مِنَ الْجَمَالِ والطِّيبِ أَفْضَلَ مِمَّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: إِنَّا جَالَسْنَا الْيَوْمَ رَبَّنَا الْجَبَّارَ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِحَقِّنَا أَنْ نَنْقَلِبَ (¬4) بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا. رواه الترمذي وابن ماجة كلاهما من رواية عبد الحميد بن حبيب ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد، وقال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. [قال الحافظ]: وعبد الحميد هو كاتب الأوزاعي مختلف فيه كما سيأتي وبقية رواة الإِسناد ثقات، وقد رواه ابن أبي الدنيا عن هقل بن زياد كاتب الأوزاعي أيضاً، واسمه محمد، وقيل عبد الله، وهو ثقة ثَبْت احتج به مسلم وغيره، عن الأوزاعي قال: نبئت أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة فذكر الحديث. 111 - وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ في الْجَنَّةِ لَسُوقاً مَا فِيهَا شِرَاءٌ وَلاَ بَيْعٌ إِلاَّ الصُّوَرُ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا (¬5). رواه ابن أبي الدنيا والترمذي، وقال: حديث غريب. وتقدم في عقوق الوالدين حديثُ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَفِيهِ: وَإِنَّ في الْجَنَّةِ لَسُوقاً مَا يُبَاعُ فِيهَا وَلا يُشْتَرَى لَيْسَ فِيهَا إلاَّ الصُّورُ فَمَنْ أَحَبَّ صُورَةً مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ دَخَلَ فِيهَا. رواه الطبراني في الأوسط. 112 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ يَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: انْطَلِقُوا إِلى السُّوقِ فَيَنْطَلِقُونَ إِلى كُثْبَانِ الْمِسْكِ، فَإِذَا رَجَعُوا إِلى أَزْواجِهِمْ قالُوا إِنَّا لَنَجِدُ لَكُنَّ رِيحاً (¬6) مَا كانَتْ لَكُنَّ، قالَ فَيَقُلْنَ وَلَقَدْ رَجَعْتُمْ بِرِيحٍ مَا كَانَتْ لَكُمْ إِذْ خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً بإسناد جيد. ¬

(¬1) فتقابلنا. (¬2) أتيتم مكاناً واسعاً. (¬3) وأهلاً أي قوماً أهلاً للمحامد والمكارم والتنعم. (¬4) نرجع كما قال تعالى: [ولقاهم نضرة وسرورا]. (¬5) إذا مر على خاطرك صورة جميلة أحضرها لك الرب جل وعلا لتتمتع بها شكراً لك يا وهاب. (¬6) رائحة ذكية.

فصل في تزاورهم ومراكبهم

113 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ في الْجَنَّةِ لَسُوقاً كُثْبَان مِسْكٍ يَخْرُجُونَ إِلَيْهَا وَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهَا فَيَبْعَثُ (¬1) اللهُ رِيحاً فَيُدْخِلُهَا بُيُوتَهُمْ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ: قَدِ ازْدَدْتُمْ حُسْناً بَعْدَنَا، فَيَقُولُونَ لأَهْلِيهِمْ قَدِ ازْدَدْتُمْ أَيْضاً حُسْناً بَعْدَنَا (¬2). رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً أيضاً والبيهقي. فصل في تزاورهم ومراكبهم 114 - عَنْ شُفِّي بْنِ مَاتِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ مَنْ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْمَطَايَا (¬3) والنُّجُبِ (¬4) وَإِنَّهُمْ يُؤْتونَ في الْجَنَّةِ بِخَيْلٍ مُسْرَجَةٍ (¬5) مُلْجَمَةٍ لا تَرُوثُ (¬6) وَلاَ تَبُولُ فَيَرْكَبُونَهَا حَتَّى يَنْتَهُوا حَيْثُ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَأْتِيهِمْ مِثْلَ السَّحَابَةِ (¬7) فِيهَا مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعتْ (¬8)، فَيَقُولُونَ امْطُرِي عَلَيْنَا، فَمَا يَزَالُ الْمَطَرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ ذَلِكَ فَوْقَ أَمَانِهِمْ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحاً (¬9) غَيْرَ مُؤْذِيَةٍ فَتَنْسِفُ (¬10) كُثْبَاناً مِنْ مِسْكٍ عَنْ أَيْمَانِهِمْ، وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ فَيَأْخُذُونَ ذَلِكَ الْمِسْكَ في نَوَاصِي (¬11) خُيُولِهِمْ وَفي مَعَارِفِهَا (¬12)، وفي رُؤوسِهِمْ، وَلِكُلِّ رَجُلٍ ¬

(¬1) فيرسل. (¬2) بعدنا، كذا ط، وفي ن د ون ع: عندنا ص 507 (¬3) يركب أهل الجنة المراكب والإبل المسرعة والحصن الجياد. وفي النهاية أن كل نبي أعطي سبعة نجباء رفقاء. النجيب الفاضل من كل حيوان، وقد نجب ينجب نجابة إذا كان فاضلاً نفيساً في نوعه أهـ. (¬4) النجب كذا ط وع، وفي ن د: البخت أي جمال طوال الأعناق، وتجمع على بخت وبخاتي والبختية الأنثى من الجمال. (¬5) أي عليها سرج ولها لجام في فمها مستعدة للركوب. (¬6) لا روث لها ولا فضلات طعام تخرج كالثقل. وفي النهاية: الروث رجيع ذوات الحوافر، والروثة أخص منه. (¬7) شيء يظهر أمامهم للتفكه والتنعم كالسحابة. (¬8) زاد في ن د: ولا خطر على قلب بشر. (¬9) لينة رخاء كالنسيم العليل والهواء البليل. (¬10) فتذري قطعاً من الروائح العطرة، وفي المصباح نسفت الريح التراب نسفاً اقتلعته وفرقته ونسفت البناء قلعته من أصله ونسفت الحب، واسم الآلة منسف. (¬11) رؤوس وأعناق وما يملك زمامه. (¬12) الشعر النابت في محدب رقبتها. وفي ن ع: مفارقها.

مِنْهُمْ جُمَّةٌ (¬1) عَلَى مَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ فَيَتَعَلَّقُ ذلِكَ الْمِسْكُ في تِلْكَ الْجُمَامِ وَفي الْخَيْلِ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الثِّيَابِ، ثُمَّ يُقْبِلُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلى مَا شَاءَ اللهُ فَإِذَا الْمَرْأَةُ تُنَادِي بَعْضَ أُولئِكَ، يَا عَبْدَ اللهِ أَمَا لَكَ فِينَا حَاجَةٌ؟ فَيَقُولُ: مَا أَنْتِ، وَمَنْ أَنْتِ؟ فَتَقُولُ: أَنَا زَوْجَتُكَ وَحِبُّكَ (¬2). فَيَقُولُ: مَا كُنْتُ عَلِمْتُ بِمَكَانِكِ، فَتَقُولُ الْمَرأَةُ: أَوَ مَا تَعْلَمُ أَنَّ اللهَ تَعَالى قالَ: فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَيَقُولُ: بَلَى وَرَبِّي فَلَعَلَّهُ يُشْغَلُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ أَرْبَعِينَ خَرِيفاً لاَ يَلْتَفِتُ وَلا يَعُودُ وَمَا يُشْغِلُهُ عَنْهَا إِلاَّ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ وَالْكَرَامَةِ (¬3). رواه ابن أبي الدنيا من رواية إسماعيل بن عياش. [قال الحافظ]: وشفيّ ذكره البخاري وابن حبان في التابعين ولا تثبت له صحبة، وقال أبو نعيم. مختلف فيه فقيل له صحبة كذا والله أعلم. 115 - وَرُوِيَ عنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيَشْتَاقُ الإِخْوَانُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ فَيَسِيرُ سَرِيرُ هذَا إِلى سَرِيرِ هذَا وسَرِيرُ هذَا إِلى سَرِير هذَا حَتَّى يَجْتِمَعَا جَمِيعاً فَيَتكِئُ هَذا وَيَتكِئُ هذَا، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَتَعْلَمُ مَتَى غَفَرَ (¬4) اللهُ لَنَا؟ فَيَقُولُ صَاحِبُهُ: نَعَمْ يَوْمَ كُنَّا في مَوْضِعِ كَذَا وَكذَا فَدَعَوْنَا اللهَ فَغَفَرَ لَنَا (¬5). رواه ابن أبي الدنيا والبزار. 116 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْعِيسِ الْجُونِ (¬6) عَلَيْهَا رِحَالُ الْمَيْسِ، وَيُثِيرُ (¬7) مَنَاسِمُهَا غُبَارَ الْمسْكِ، خِطَامُ (¬8) ¬

(¬1) الجمة من الإنسان: مجتمع شعر ناصيته، يقول هي التي تبلغ المنكبين والجمع جمم مثل غرفة وغرف وجممت الشاة جمماً من باب تعب إذا لم يكن لها قرن فالذكر أجم والأنثى جماء والجمع جم مثل أحمر وحمراء وحمر. (¬2) محبوبك. (¬3) الإكرام. (¬4) في أي زمن ستر الله عيوبنا وصفح عنا وعفا سبحانه. (¬5) أعلمهم الله تعالى أن سبب المغفرة ودخول الجنة وسبب هذا النعيم الصحبة في الله والاجتماع على الطاعة والتضرع إليه سبحانه وتعالى رجاء المغفرة، والحمد لله قد غفر. (¬6) الجون من الألوان المختلفة، ويقع على الأسود والأبيض، ومنه الشمس جونة: أي بيضاء. (¬7) تنشر وتذيع. الميس شجر صلب تعمل منه أكوار الإبل. (¬8) الحبل الذي يوضع على مقدم الأنف والفم وخطم الطائر منقاره، وخطم الدابة مقدم الأنف والفم ومنه خطام البعير.

أَوْ زِمَامُ (¬1) أَحَدِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. [العيس] إبل بيض في بياضها ظلمة خفية. [والمناسم] بالنون والسين المهملة: جمع منسم، وهو باطن خف البعير. مراكب أهل الجنة 117 - وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ في الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ أَعْلاهَا حُلَلٌ وَمِنْ أَسْفَلِهَا خَيْلٌ مِنْ ذَهَبٍ مُسْرَجَةٌ مُلْجَمَةٌ مِنْ دُرٍّ وَيَاقُوتٍ، لا تَرُوثُ وَلاَ تَبُولُ، لَهَا أَجْنِحَةٌ خَطْوُهَا مَدُّ (¬2) الْبَصَرِ فَيْرْكَبُهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَتَطِيرُ بِهِمْ حَيْثُ شَاؤُوا، فَيَقُولُ الَّذِينَ أَسْفَلَ مِنْهُمْ دَرَجَةً: يَا رَبِّ بِمَا بَلَغَ عِبَادُكَ هذِهِ الْكَرَامَةَ كُلَّهَا؟ قالَ: فَيُقَالُ لَهُمْ: كَانُوا يُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، وَكُنْتُمْ تَنَامُونَ، وَكَانُوا يَصُومُونَ، وَكَنْتُمْ تَأْكُلُونَ، وَكَانُوا يُنْفِقُونَ، وَكُنْتُمْ تَبْخَلُونَ، وَكَانُوا يُقَاتِلُونَ، وَكُنْتُمْ تَجْبُنُونَ (¬3). رواه ابن أبي الدنيا. ¬

(¬1) الخيط الذي يضبط به ويحفظ ويكبح جماحه، وفي المصباح الزمام البعير جمع أزمة وزممته زماً سددت عليه زمامه، قال بعضهم الزمام في الأصل الخيط الذي يشد في البرة أو في الخشاش، ثم يشد إليه المقود، ثم سمي به المقود نفسه. (¬2) سريعة العدو منتهى خطوة رجلها قدر ارتفاع البصر ونهاية ما يرى، لمن هذا؟ أجاب صلى الله عليه وسلم عن صفاتهم: أ - يتهجدون. ب - يصومون. جـ - يجودون ويتصدقون. د - يجاهدون في سبيل الله تعالى. (¬3) تخافون الحرب وتضعفون أمام العدو يصيبكم الخور والجبن والخبث والضعة، ولكن هؤلاء الشجعان المجاهدون الفائزون الذين كانوا يعملون لآخرتهم فقط ويعدون لها العدة ويحسبون لها الدقائق، وقد كتب الإمام الغزالي في باب حقارة الدنيا عند أهلها. ووجد على قبر مكتوباً: إن الحبيب من الأحباب مختلس ... لا يمنع الموت بواب ولا حرس فكيف تفرح بالدنيا ولذتها ... يا من يعد عليه اللفظ والنفس أصبحت يا غافلاً في النقص منغمسا ... وأنت دهرك في اللذات منغمس لا يرحم الموت ذا جهل لعزته ... ولا الذي كان منه العلم يقتبس كم أخرس الموت في قبر وقفت به ... عن الجواب لساناً ما به خرس قد كان قصرك معموراً له شرف ... فقبرك اليوم في الأجداث مندرس ووجد على قبر آخر مكتوباً: يا أيها الناس كان لي أمل ... قصر بي عن بلوغه الأجل فليتق الله ربه رجل ... أمكنه في حياته العمل ما أنا وحدي نقلت حيث ترى ... كل إلى مثله سينتقل

فصل في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى

118 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَاعِدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: كُنْتُ أُحِبُّ الْخَيْلَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ في الْجَنَّةِ خَيْلٌ؟ فَقَالَ: إِنْ أَدْخَلَكَ اللهُ الْجَنَّةَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَانَ لَكَ فِيهَا فَرَسٌ مِنْ يَاقُوتٍ لَهُ جَنَاحَانِ تَطِيرُ بِكَ حَيثُ شِئْتَ. رواه الطبراني ورواته ثقات. 119 - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ في الْجَنَّةِ مِنْ خَيلٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إنِ اللهُ أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ فَلا تَشَاءُ أَنْ تُحْمَلَ فِيهَا عَلَى فَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ تَطِيرُ بِكَ في الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتَ إِلاّ كَانَ، قالَ: وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ في الْجَنَّةِ مِنْ إِبِلٍ؟ قالَ: فَلَمْ يَقُلْ لَهُ مَا قَالَ لِصَاحِبِهِ، قالَ: إِنْ يُدْخِلْكَ اللهُ الْجَنَّةَ يَكُنْ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ (¬1) نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ. رواه الترمذي من طريق المسعودي عن علقمة عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال نحوه بمعناه، وهذا أصح من حديث المسعودي يعني المرسل. 120 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ أَتَى النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم أعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُحِبُّ الْخَيْلَ، أَفِي الْجَنَّةِ خَيْلٌ؟ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنْ دَخَلْتَ الْجَنَّةَ أُوتِيتَ (¬2) بِفَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ، لَهُ جَنَاحَانِ فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طَارَ بِكَ حَيْثُ شِئْتَ. رواه الترمذي ويأتي حديث محمد بن الحسين في الفصل بعده إن شاء الله. فصل في زيارة أهل الجنة ربهم تبارك وتعالى 121 - رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِذَا سَكَنَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ أَتَاهُمْ مَلَكٌ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَزُورُوهُ، فَيَجْتَمِعُونَ، فَيَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى دَاوُدَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّسْبِيحِ (¬3) وَالتَّهْلِيلِ، ثُمَّ تُوضَعُ مَائِدَةُ (¬4) الْخُلْدِ. قالُوا ¬

(¬1) الذي طلبته نفسك وأوجد لعينك الفرح والسرور. (¬2) أتاك الخادم: أي أحضر لك حصاناً. (¬3) سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (¬4) طعام جنة الخلد

يَا رَسُولَ اللهِ: وَمَا مَائِدَةُ الْخُلْدِ؟ قالَ: زَاوِيَةٌ مِنْ زَاوَايَاهَا أَوْسَعُ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ فَيُطْعَمُونَ، ثُمَّ يُسْقَوْنَ، ثُمَّ يُكْسَوْنَ، فَيَقُولُونَ لَمْ يَبْقَ إِلاَّ النَّظَرُ في وَجْهِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ فَيَخِرُّونَ سُجَّداً، فَيُقَالُ لَسْتُمْ في دَارِ عَمَلٍ، إِنَّمَا أَنْتُم في دَارِ جَزَاء. رواه أبو نعيم في صفة الجنة. 122 - وعن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن صفي اليمامي قالَ: سَأَلَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَروانَ عَنْ وَفْدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قالَ: إِنَّهُمْ يَفِدُونَ إِلى اللهِ سُبْحَانَهُ كُلَّ يَوْمِ خَمِيسٍ فَتُوضَعُ لَهُمْ أُسِرَّةٌ، كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ أَعْرَفُ بِسَرِيرِهِ مِنْكَ بِسَرِيرِكَ هذا الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَعَدُوا عَلَيْهِ وَأَخَذَ الْقَوْمُ مَجَالِسَهُمْ. قالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَطْعِمُوا عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي، فَيُطِعَمُونَ، ثُمَّ يَقُولُ: اسْقُوهُمْ. قالَ: فَيُؤْتَوْنَ بِآنِيَةٍ مِنْ أَلْوَانٍ شَتَّى مُخْتَمَةٍ (¬1) فَيَشْرَبُونَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقُولُ: عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي قَدْ طُعِمُوا وَشَرِبُوا فَكِّهُوهُمْ (¬2)، فَتَجِيءُ ثَمَرَاتُ شَجَرٍ مُدَلَّى فَيَأْكُلُونَ مِنْهَا مَا شَاؤُوا، ثُمَّ يَقُولُ عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي قَدْ طُعِمُوا وَشَرِبُوا وَفَكِهُوا اكْسُوهُمْ فَتَجِيء ثَمَراتُ شَجَرٍ أَخْضَرَ وَأَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وَكُلِّ لَوْنٍ لَمْ تُنْبِتْ إِلاَّ الْحُلَلَ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِمْ حُللاً وَقُمْصاً، ثُمَّ يَقُولُ عِبَادِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي قَدْ طُعِمُوا وَشَرِبُوا وفُكِّهُوا وَكُسُوا، طَيِّبُوهُمْ (¬3) فَيَتَنَاثَرُ (¬4) عَلَيْهِمْ الْمِسْكُ مِثْلَ رَذَاذِ (¬5) الْمَطَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: عِبَادِي وَخَلْقِي وَجِيرَانِي وَوَفْدِي قَدْ طُعِمُوا وَشَرِبُوا وَفُكِهُوا وَكُسُوا وَطُيِّبُوا لأَتَجَلَّيَنَّ (¬6) عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَيَّ، فَإِذَا تَجَلَّى لَهُمْ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ نَضرَتْ وُجُوهُهُمْ، ثُمَّ يُقَالُ: ارْجِعُوا إِلى مَنَازِلِكُمْ، فَتَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ: خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا عَلَى صُورَةٍ وَرَجَعْتُمْ عَلَى غَيْرِهَا، فَيَقُولُونَ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَجَلَّى لَنَا، فَنَظَرْنَا إِلَيْهِ فَنَضَرَتْ وُجُوهُنَا. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. 123 - وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ ¬

(¬1) عليها ختم: أي لا يستعملها غيرهم. (¬2) قدموا لهم فاكهة. (¬3) عطروهم بالرائحة الذكية. (¬4) ينتشر. (¬5) قطرات دقيقة. (¬6) لأمدنهم بأنواري ورحمتي ..

رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ في الْجَنَّةِ شَجَرَةً يُقَالُ لَهَا: طُوبَى لَوْ يُسَخَّرُ (¬1) الرَّاكِبُ الْجَوَادَ يَسِيرُ في ظِلِّهَا لَسَارَ فِيهِ مَائَةَ عَامٍ، وَرَقُهَا بُرُودٌ خُضْرٌ، وَزَهْرُهَا رِيَاطٌ (¬2) صُفْرٌ، وَأَفْنَانُهَا (¬3) سُنْدُسٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَثَمَرُهَا حُلَلٌ، وَصَمْغُهَا زَنْجَبِيلٌ وَعَسَلٌ، وَبَطْحَاؤُهَا يَاقُوتٌ أَحْمَرُ وَزُمُرُّدٌ أَخْضَرُ، وَتُرَابُهَا مِسْكٌ وَعَنْبَرٌ وَكَافُورٌ أَصْفَرُ، وَحَشِيشُهَا زَعْفَرَانٌ مُونَعُ (¬4) وَالأَلَنْجُوجُ يَتَأَجَّجَانِ مِنْ غَيْرِ وَقُودٍ، يَتَفَجَّرُ مِنْ أَصْلِهَا السَّلْسَبِيلُ (¬5) وَالْمَعينُ (¬6) والرَّحِيقُ (¬7) وَأَصْلُهَا مَجْلِسٌ مِنْ مَجَالِسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَأْلَفُونَهُ وَمُتَحَدّثٌ (¬8) يَجْمَعُهُمْ فَبَيْنَاهُمْ يَوْماً في ظِلِّهَا يَتَحَدَّثُونَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الْملائِكَةُ يَقُودُونَ نُجُباً (¬9) جُبِلَتْ (¬10) مِنَ الْيَاقُوتِ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ مُزْمُومَةً (¬11) بِسَلاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ كَأَنَّ وُجُوهَهَا الْمَصَابِيحُ نَضَارَةً وَحُسْنَاً وَبَرُهَا خَزٌّ أَحْمَرُ وَمَرْعَزِيٌّ أَبْيَضُ مُخْتَلِطَانِ لَمْ يَنْظُرِ النَّاظِرُونَ إِلى مِثْلِهَا حُسْناً وَبَهَاءً ذُلُلٌ (¬12) مِنْ غَيْرِ مَهَابَةٍ، نُجُبٌ مِنْ غَيْرِ رِيَاضَةٍ، عَلَيْهَا رَحَائِلُ أَلْوَاحُهَا مِنَ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مُفَضَّضَةٌ بِاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ، صَفَائِحُهَا مِنَ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ مُلَبَّسَةً بالْعَبْقَرِيِّ والأرْجُوانِ فأَنَاخُوا لَهُمْ تِلْكَ النَّجَائِبَ، ثُمَّ قُالُوا لَهُمْ: إِنَّ رَبَّكُمْ يُقْرِئُكُمُ السَّلامُ وَيَسْتَزِيرُكُمْ ¬

(¬1) لو يوجه الراكب الحصان المسرع. (¬2) كل ثوب رقيق لين، المفرد ريطة والجمع ريط ورياط، ومنه حديث أبي سعيد في ذكر الموت، ومع كل واحد منهم ريطة من رياط الجنة أهـ نهاية، رياط كذا ط وع ص 510 - 2. (¬3) أغصانها من الحرير الرقيق والغليظ. (¬4) أدركت وحان أن تقطف. والينعة: خرزة حمراء، وجمع ينع، وهو ضرب من العقيق، ودم يانع محمار: وأينع الثمر: إذا نضج. (¬5) العين المتدفقة ماء عذب كما قال تعالى: [ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلا عيناً فيها تسمى سلسبيلا (18)] من سورة الدهر. قال البيضاوي لسلاسة انحدارها في الحق وسهولة مساغها. (¬6) جار أو طاهر سهل المأخذ. (¬7) شراب خالص كما قال تعالى: [إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يشقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون (26)] من سورة المطففين. أسماء ثلاثة لمنابع الجنة يزداد طعمها حلاوة وعذوبة وبهجة ليتمتع بها سكانها سبحانه وتعالى. (¬8) ناد أو مكان اجتماع. (¬9) حيوانات مسرعة مذللة، وفي النهاية النجيب: الفاضل من كل حيوان. (¬10) خلقت. (¬11) منقادة. (¬12) منقادة: أي طبعها سلس رقيق لا تحتاج إلى مران أو ترويض، انتفت عنها الحرونة والشراسة.

لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ وَيَنْظُرَ إِلَيْكُمْ، وَتُكَلِّمُونَهُ وَيكَلِّمُكُمْ وَتُحَيُّونَهُ وَيُحَيِّيكُمْ وَيَزِيدُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَمِنْ سَعَتِهِ إِنَّهُ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَفَضْلٍ عَظِيمٍ، فَيَتَحَوَّلُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ يَنْطَلِقُونَ صَفّاً مُعْتَدِلاً، لاَ يَفُوتُ شَيْءٌ مِنْهُ شَيْئاً، وَلاَ تَفُوتُ أُذُنُ نَاقَةٍ أُذُنَ صَاحِبَتِهَا، وَلاَ يَمُرُّونَ بِشَجَرَةٍ مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ إِلاَّ أَتْحَفَتْهُمْ بِثَمَرِهَا، وَزَحَلَتْ لَهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمْ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَنْثِلِمَ (¬1) صَفُّهُمْ، أَو تُفَرِّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَرَفِيقِهِ، فَلَمَّا دَفَعُوا إِلى الْجَبَّارِ تبَارَكَ وَتَعالَى أَسْفَرَ (¬2) لَهُمْ عَنْ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَتَجَلَّى لَهُمْ في عَظَمَتِهِ الْعَظِيمَةِ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا السَّلامُ، قالُوا: رَبَّنَا أَنْتَ السَّلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، وَلَكَ حَقُّ الْجلالِ والإِكْرَامِ، فَقَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ: إِنِّي أَنَّا السَّلامُ وَمِنِّي السَّلامُ وَلِي حَقُّ الْجلالِ والإِكرَامِ، فَمَرْحَباً بِعِبَادِي الَّذِينَ حَفِظُوا وَصِيَّتِي وَرَعَوا عَهْدِي (¬3) وَخَافُونِي بالْغَيْبِ (¬4)، وَكَانُوا مِنِّي عَلَى كُلِّ حَالٍ مُشْفِقِينَ، قالُوا: أَمَا وَعِزَّتِكَ وَجَلالِكَ وَعُلُوِّ مَكَانِكَ مَا قَدَرْنَاكَ حَقَّ قَدْرِكَ، وَلا أَدَّيْنَا إِلَيْكَ كُلَّ حَقِّكَ، فائْذَنْ لَنَا بِالسُّجُودِ لَكَ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنِّي قَدْ وَضَعْتُ عَنْكُمْ (¬5) مُؤونَةَ الْعِبَادَةِ، وَأَرَحْتُ لَكُمْ أَبْدَانَكُمْ، فَطَالَمَا أَنْصَبْتُمْ (¬6) الأَبْدَانَ، وَأَعَنَيْتُمْ الْوُجُوهَ، فالآنَ أَفْضَيْتُمْ إِلى رَوْحِي وَرَحْمَتِي وَكَرَامَتِي، فَسَلُونِي مَا شِئْتُمْ وَتَمَنَّوا عَلَيَّ أُعْطِكُمْ أَمَانِيِّكُمْ، فإِنِّي لَنْ أَجْزِيَكُمُ الْيَوْمَ بِقَدْرِ أَعْمَالِكِمُ ولَكِنْ بِقَدْرِ رَحْمَتِي وَكَرَامَتِي وَطَوْلِي وَجَلالِي وَعُلُوِّ مَكَانِي وَعَظَمَةِ شَأْنِي، فَمَا يَزَالُونَ في الأَمَانِيِّ وَالْمَوَاهِبِ (¬7) وَالْعَطَايَا حَتَّى إِنَّ الْمُقَصِّرَ مِنْهُمْ لَيَتَمَنَّى مِثْلَ جَمِيعِ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمِ خَلَقَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلى يَوْمِ أَفْنَاهَا، قالَ رَبُّهُمْ: لَقَدْ قَصَّرْتُمْ في أَمَانِيِّكُمْ وَرَضِيتُمْ بِدُونِ مَا يَحِقُّ لَكُمْ، فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمْ مَا سأَلْتُمْ وَتَمَنَّيْتُمْ وَزِدْتُكُمْ عَلَى مَا قَصُرَتْ عَنْهُ أَمَانِيِّكُم، فانْظُرُوا إِلى مَوَاهِبِ رَبِّكُمُ الَّذِي وَهَبَ لَكُمْ، فَإِذَا بِقِبَابٍ في الرَّفِيعِ الأَعْلَى، ¬

(¬1) ينشق أي يذهبون دفعة واحدة انتظاماً. (¬2) أضاء. (¬3) في حياتهم عملوا صالحاً ابتغاء ثوابي. (¬4) خائفين راجين كما قال تعالى: [يدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين]. (¬5) أزلت عنكم تكاليف الطاعة كما كانت في الدنيا والآن تتنعمون .. (¬6) أتعبتم. (¬7) التفضل والتكرم.

وَغُرَفٍ مَبْنِيَّةٍ مِنَ الدُّرِّ وَالْمَرْجَانِ أَبْوَابُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَسُرُرُهَا مِنْ يَاقُوتٍ وَفُرُشُهَا مِنْ سُنْدِسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، وَمَنَابِرُهَا مِنْ نُورٍ يَثُورُ (¬1) مِنْ أَبْوَابِهَا وَأَعْرَاضِهَا نُورٌ كَشُعَاعِ الشَّمْسِ مِثْلَ الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ في النَّهَارِ الْمُضِيءِ، وَإِذَا قُصُورٌ شَامِخَةٌ في أَعْلَى عِلِّيِّينَ مِنَ الْيَاقُوتِ يَزْهَرُ نُورُهَا، فَلَوْلاَ أَنَّهُ سُخِّرَ لالْتَمَعَ الأَبْصَارَ فَمَا كَانَ مِنْ تِلْكَ الْقُصُورِ مِنَ الْيَاقُوتِ الأَبْيَضِ، فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالْحَرِيرِ الأَبْيَضِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الأَحْمَرِ، فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالْعَبْقَرِيِّ الأَحْمَرِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الأَخْضَرِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بالسُّنْدُسِ الأَخْضَرِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الأَصْفَرِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بالأُرْجُوَانِ الأَصْفَرِ مُمَوَّهٌ (¬2) بِالزُّمُرُّدِ الأَخْضَرِ وَالذَّهَبِ الأَحْمَرِ وَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ، قَوَاعِدُهَا وَأَرْكَانُهَا مِنَ الْيَاقُوتِ وَشُرُفُهَا (¬3) قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ وَبُرُوجُهَا (¬4) غُرَفُ الْمَرْجَانِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا إِلى مَا أَعْطَاهُمْ رَبُّهُمْ قُرِّبَتْ لَهُمْ بَرَاذِينُ (¬5) مِنَ الْيَاقُوتِ الأَبْيَضِ مَنْفُوخٌ فِيهَا الرُّوحُ يَجْنُبُهَا (¬6) الْوِلْدَانُ الْمُخَلَّدُونَ، وَبِيَدِ كُلِّ وَلِيدٍ مِنْهُمْ حَكَمَةُ بِرْذَوْنٍ، وَلُجُمُهَا وأَعِنَّتُهَا مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءَ مُتَطُوَّقَةً (¬7) بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَسُرُجُهَا سُرُرٌ مَوْضُونَةٌ مَفْرُوشَةٌ بِالسُّنْدِسِ وَالإِسْتَبْرَقِ فانْطَلَقَتْ بِهِمْ تِلْكَ الْبَرَاذِينُ تَزُفُّ (¬8) بِهِمْ وَتَنْظُرُ رِيَاضَ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلى مَنَازِلِهِمْ وَجَدُوا فِيهَا جَمِيعَ مَا تَطَوَّلَ (¬9) بِهِ رَبُّهُمْ عَلَيْهِمْ مِمَّا سَأَلُوهُ وَتَمَنَّوْا، وَإِذَا عَلَى بَابِ كُلِّ قَصْرٍ مِنْ تِلْكَ الْقُصُورِ أَرْبَعُ (¬10) جِنَانٍ جَنَّتَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ وَجَنَّتَانِ مُدْهَامَّتَانِ (¬11) وَفِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (¬12) وَفِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (¬13)، وَحُورٌ مَقْصُوراتٌ (¬14) في الْخِيَامِ، فَلَمَّا تَبَوَّؤُوا مَنَازِلَهُمْ واسْتَقَرَّ بِهِمْ قَرَارُهُمْ قالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ: ¬

(¬1) ينتشر. (¬2) مطلى. (¬3) أعاليها. (¬4) أماكنها ومأواها. (¬5) خيل مطهمة مسرعة العدو بديعة المنظر أقل حجماً من الحصن. (¬6) يقودها للسباق، يقال جنبته أجنبه من باب قتل إذا قدته إلى جنبك، وفي النهاية في حديث الزكاة، "السباق لا جلب ولا جنب"، الجنب بالتحريك في السباق أن يجنب فرساً إلى فرسه الذي يسابق عليه أهـ .. (¬7) محاطة. وفي ن ع: منظومة. (¬8) تزف بهم، كذا د وع ص 512 - 2، وفي ن ط: ترف بالراء. (¬9) تفضل وتكرم. (¬10) أنواع من الأشجار والثمار. (¬11) خضراوان تضربان إلى السواد من شدة الخضرة. (¬12) فوارتان بالماء. (¬13) صنفان. (¬14) قصرن في خدورهن.

هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقّاً؟ قالُوا: نَعَمْ رَضِينَا فارْضَ عَنَّا؟ قالَ: بِرِضَايَ عَنْكُمْ حَلَلْتُمْ دَارِي (¬1) وَنَظْرْتُمْ إِلى وَجْهِي وَصَافَحَتْكُمْ مَلائِكَتِي فَهَنِيئاً هَنِيئاً عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ لَيْسَ فِيهِ تَنْغِيصٌ وَلا تَصْرِيدٌ، فَعِنَدَ ذَلِكَ [قالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ (¬2) وَأَحَلَّنَا دَارَ (¬3) الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ (¬4) لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ (¬5) وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (¬6) إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ (¬7) شَكُورٌ (¬8)]. رواه ابن أبي الدنيا وأبو نعيم هكذا معضلا، ورفعه منكر، والله أعلم. [الرياط] بالياء المثناة تحت: جمع ريطة، وهي كل ملاءة تكون نسجاً واحداً ليس لها لفقين، وقيل: ثوب لين رقيق حكاه ابن السكيت، والظاهر أنه المراد في هذا الحديث. [والألنجوج] بفتح الهمزة واللام وإسكان النون وجيمين الأولى مضمومة: هو عود البخور [تتأججان] تتلهبان وزنه ومعناه. [زحلت] بزاي وحاء مهملة مفتوحتين معناه تنحت لهم عن الطريق. [أنصبتم]: أي أتعبتم، والنصب: التعب. [وأعنيتم]: هو من قوله تعالى: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ: أي خضعت وذلت. [والْحَكَمة] بفتح الحاء والكاف: هي ما تقاد به الدابة كاللجام ونحوه. [المجذوذ] بجيم وذالين معجمتين: هو المقطوع. [والتصريد]: التقليل كأنه قال: عطاء ليس بمقطوع ولا منغص ولا متملل. 124 - وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لاَ يَتَغَوَّطُونَ ¬

(¬1) جنتي. (¬2) هموم الدنيا وكروبها. (¬3) مكان الإقامة الدائمة. (¬4) من إنعامه وتفضله. (¬5) تعب. (¬6) كلال أو ملل، إذ دار الآخرة لا تكليف فيها ولا مشاق. (¬7) العفو عن المذنبين. (¬8) يثيب المطيعين. قال تعالى: [والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا درا المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب (35)] من سورة فاطر.

فصل في نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى

وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يُمْنُونَ (¬1) إِنَّمَا نَعِيمُهُمْ الَّذِي هُمْ فِيهِ مِسْكٌ يَتَحَدَّرُ مِنْ (¬2) جُلُودِهِمْ كَالْجُمَانِ (¬3) وَعَلَى أَبُوَابِهِمْ كُثْبَانٌ (¬4) مِنْ مِسْكٍ يَزُورُونَ (¬5) اللهَ جَلَّ وَعَلا في الْجُمُعَةِ مَرَّتَيْنِ فَيَجْلِسُونَ عَلَى كَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِاللُّؤلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ يَنْظُرُونَ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا قامُوا انْقَلَبَ (¬6) أَحَدُهُمْ إِلى الْغُرْفَةِ مِنْ غُرْفَةٍ لَهَا سَبْعُونَ بَاباً مُكَلَّلَةً (¬7) بِالْيَاقُوتِ والزَّبَرْجَدِ. رواه ابن أبي الدنيا موقوفاً. [الجمان] الدّر. فصل في نظر أهل الجنة إلى ربهم تبارك وتعالى 125 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ نَاساً قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: هَلْ تُضَارُونَ (¬8) في رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ قالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللهِ قالَ: هَلْ تُضَارُونَ في الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا (¬9) سَحَابٌ؟ قالُوا لا، قال: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَا. فذكر الحديث بطوله رواه البخاري ومسلم. 126 - وَعَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تُرِيدُونَ شَيْئاً أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّض وُجُوهَنَا، أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلى رَبِّهِمْ ثُمَّ تَلا هذِهِ الآيَةَ [لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى (¬10) وَزِيَادَةٌ]. رواه مسلم والترمذي والنسائي. ¬

(¬1) ولا يحصل منهم مني مثل نكاح الدنيا، وقد تقدم أنه توجد لذة، ويحصل تمتع بلا مادة قذرة. (¬2) يرشح ويخرج. (¬3) كاللؤلؤ. (¬4) قطع. (¬5) يرون جلال الله وعظمته. (¬6) رجع. (¬7) مدبجة ومزينة ومزخرفة. (¬8) هل يحصل ضرر أو مانع. (¬9) لا يوجد سحاب يمنع رؤيتها. (¬10) قال النسفي: للذين آمنوا بالله ورسوله المثوبة الحسنى، وهي الجنة وزيادة رؤية الرب عز وجل، كذا عن أبي بكر وحذيفة وابن عباس وأبي موسى الأشعري وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم، وفي بعض التفاسير أجمع المفسرون على أن الزيادة النظر إلى الله تعالى أهـ ص 123 جـ 2. =

127 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ في الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ (¬1) عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً، في كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ (¬2) عَلَى وَجْهِهِ في جَنَّاتِ عَدْنٍ. رواه البخاري واللفظ له ومسلم والترمذي. رؤية أهل الجنة ربهم عز وجل 128 - وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ في مَجْلِسٍ لَهُمْ إِذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَرَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ فَإِذَا الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ (¬3) فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ سَلُونِي (¬4) فَقَالُوا: نَسْأَلُكَ الرِّضَا عَنَّا. قالَ: رِضَائِي أُحِلُّكُمْ دَارِي (¬5)، وَأَنَا لَكُمْ كَرَامَتِي (¬6) وَهذَا أَوَانُهَا فَسَلُونِي، قالُوا: نَسْأَلُكَ الزِّيَادَةَ، قالَ: فَيُؤْتَوْنَ بِنَجَائِبَ (¬7) مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ أَزِمَّتُهَا مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ وَيَاقُوتٍ أَحْمَرَ فَيُحْمَلُونَ عَلَيْهَا تَضَعُ حَوَافِرَهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرفَيْهَا فَيَأْمُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَشْجَارٍ عَلَيْهَا الثِّمَارُ، فَتَجِيءُ جَوَارٍ (¬8) مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَهُنَّ يَقُلْنَ نَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلا نَبْأَسُ (¬9)، وَنَحْنُ الْخَالِدَاتُ (¬10) فَلا نَمُوتُ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ كِرَامٍ، وَيَأْمُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكُثْبَانٍ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ أَذْفَرَ (¬11) فَيَنْثُرُ (¬12) عَلَيْهِمْ رِيحاً ¬

= قال تعالى: [والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (26)] من سورة يونس. (¬1) مثقبة، قال النووي يدوم لأهل الجنة النعيم، ومذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ويتمتعون بذلك وبغيره من ملاذها وأنواع نعيمها تنعماً دائماً لا آخر له ولا انقطاع أبداً على هيئة متنعم أهل الدنيا، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن لكم أن تنعموا فلا تبتئسوا أبدا" أي لا يصيبكم بأس ولا أذى. (¬2) كناية عن زيادة الجلال والإكرام والتعظيم. (¬3) تجلى عليهم بجلاله ورضوانه. (¬4) اطلبوا من فضلي. (¬5) أمتعتكم بجنتي. (¬6) زيادة إحسان. (¬7) أفضل ما يركب. (¬8) نساء بيض. (¬9) لا يصيبنا شقاء. (¬10) الباقيات. (¬11) ذكي الرائحة وطيبها. (¬12) فينشر.

يُقَالُ لَهَا: الْمُثِيرَةُ (¬1) حَتَّى تَنْتَهِيَ بِهِمْ إِلى جَنَّةِ عَدْنٍ وَهِيَ قَصَبَةُ الْجَنَّةِ (¬2) فَتَقُولُ الْملائِكَةُ: يَا رَبَّنَا قَدْ جَاءَ الْقَوْمُ، فَيَقُولُ: مَرْحَباً (¬3) بِالصَّادِقِينَ، مَرْحَبَاً بِالطَّائِعِينَ. قالَ: فَيَكْشِفُ لَهُمْ الْحِجَابَ فَيَنْظُرُونَ إِلى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَيَتَمَتَّعُونَ بِنُورِ الرَّحْمَنِ حَتَّى لا يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، ثُمَّ يَقُولُ: أَرْجِعُوهُمْ إِلى الْقُصُورِ بِالتُّحَفِ فَيَرْجِعُونَ وَقَدْ أَبْصَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ (¬4) رِحِيمٍ. رواه أبو نعيم والبيهقي واللفظ له وقال: قد مضى في هذا الكتاب يعني في كتاب البعث، وفي كتاب الرؤية ما يؤكد ما روي في هذا الخبر انتهى. وهو عند ابن ماجة وابن أبي الدنيا مختصر قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: بَيْنَا أَهْلُ الْجَنَّةِ في نَعِيمِهِمْ إِذَا سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ فَرَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ، فَإِذَا الرَّبُّ جَلَّ جَلالُهُ قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: سَلامٌ قَوْلاً (¬5) مِنْ رَبِّ رَحِيمٍ فَلا يَلْتَفِتُونَ إِلى شَيْءٍ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ مَا دَامُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى يَحْتَجِبَ (¬6) عَنْهُمْ وَتَبْقَى فِيهِمْ بَرَكَتُهُ وَنُورُهُ. هذا لفظ ابن ماجة والآخر بنحوه. نظر أهل الجنة إلى ربهم عز وجل 129 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَفي يَدِهِ مِرْآةٌ بَيْضَاءُ فِيهَا نُكْتَةٌ (¬7) سَوْدَاءُ فَقُلْتُ مَا هَذِهِ ¬

(¬1) المنتشرة الباعثة شذاها. (¬2) حاضرتها وعاصمتها وأبهاها. (¬3) وجدتم مكاناً واسعاً منعماً. (¬4) رزق النزيل، وهو الضيف كما قال النسفي: أي شيء يقدم للتجلة والاحترام تفضلاً وتكرماً كما قال تعالى: [إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم (32)] من سورة فصلت. أي هذا إكرام ستار الذنوب العفو كثير الرحمة والإحسان والرأفة. اللهم متعنا برضاك وإحسانك يا رب. (¬5) قال لهم سلام. قال النسفي: والمعنى أن الله تعالى يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة تعظيماً لهم، وذلك متمناهم ولهم ذلك لا يمنعونه، قال ابن عباس والملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين قال تعالى: [إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولاً من رب رحيم (58)] من سورة يس. (¬6) يمتنع التجلي. (¬7) علامة أو أثر.

يَا جِبْرِيلُ؟ قالَ: هذِهِ الْجُمُعَةُ يَعْرِضُهَا عَلَيْكَ رَبُّكَ لِتَكُونَ لَكَ عِيداً وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ تَكُونُ أَنْتَ الأَوَّلَ، وَتَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ قالَ: مَا لَنَا فِيهَا؟ قالَ: فِيهَا خَيْرٌ لَكُمْ فِيهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا رَبَّهُ فِيهَا بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قُسِمَ إِلاَّ أَعْطَاهُ (¬1) إِيَّاهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ يُقْسَمُ إِلاَّ ادّخَرَ لَهُ (¬2) مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، أَوْ تَعَوَّذَ فِيهَا (¬3) مِنْ شَرٍّ هُوَ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ (¬4) إِلاَّ أَعَاذَهُ، أَوْ لَيْسَ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ إِلاَّ أَعَاذَهُ (¬5) مِنْ أَعْظَمَ مِنْهُ، قُلْتُ: مَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ فِيهَا؟ قالَ: هذِهِ السَّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الأَيَّامِ (¬6) عِنْدَنَا، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ في الآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ. قالَ: قُلْتُ لِمَ تَدْعُونَهُ يَوْمَ الْمَزِيدِ؟ قالَ: إِنَّ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ اتخذَ في الْجَنَّةِ وَادِياً أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ (¬7) تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ عِلِّيِّينَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، ثُمَّ حَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ وَجَاءَ النَّبِيُّونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ حَفَّ (¬8) الْمَنَابِرَ بِكَرَاسِيَّ مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ جَاءَ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ يَجِيءُ أَهْلُ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكَثِيبِ (¬9) فَيَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالى حَتَّى يَنْظُرُوا إِلى وَجْهِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي هذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي فَسَلُونِي فَيَسْأَلُونَهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ فَيَفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ إِلى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يَصْعَدُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعالى عَلى كُرْسِيِّهِ فَيَصْعَدُ مَعهُ الشُّهَدَاءُ والصِّدِّيقُونَ، أَحْسِبُه قال: وَيَرْجِعُ أَهْلُ الْغُرَفِ إلى غُرَفِهِمْ دُرَّةٌ بَيْضَاءُ لا فَصْمَ فِيهَا وَلاَ وَصْمَ أَوْ يَاقُوتَةٌ ¬

(¬1) أي أعطى وأجاب. (¬2) أخر الإجابة إلا اكتنز له ثوابها وما هو أعظم من طلبه يوم القيامة. (¬3) طلب الغوث والنجاة والتحصين والوقاية. وفي الغريب: العوذ: الالتجاء إلى الغير والتعلق به. (¬4) مقدر. (¬5) أجاره من مصائب أكثر ضرراً منه. (¬6) أفضل. (¬7) تجلى برضوانه وبرحمته. (¬8) زين وأبهج .. (¬9) المكان المعد للزينة والبهجة والنضارة، وفي النهاية الكثيب: الرمل المستطيل المحدودب جمع كثبان وكثب، كناية عن حفاوة زائدة في الإكرام، على الكثيب كذا ن ط، وفي ن ع ص 515 - 2 على الكثب، وفي النهاية ثلاثة على كثب المسك.

حَمْرَاءُ أَوْ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ مِنْهَا غُرَفُهَا وَأَبْوَابُهَا مُطَّرِدَةٌ فِيهَا أَنهَارُهَا، مُتَدَلِّيَةٌ فِيهَا ثِمَارُهَا فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا فَلَيْسُوا إلى شَيْءٍ أَحَوَجَ مِنْهُمْ إِلى يَوْمِ الْجُمُعَةِ. لِيَزْدَادُوا فِيهِ كَرَامَةً، وَلِيَزْدَادُوا فِيهِ نَظَراً إِلى وَجْهِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلِذَلِكَ دُعِيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ. رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط بإسنادين أحدهما جيد قوي، وأبو يعلى مختصراً ورواته رواة الصحيح، والبزار واللفظ له. [الفصم] بالفاء: هو كسر الشيء من غير أن تفصله. [والوصم] بالواو: الصدع والعيب. 130 - وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَتَانِي جَبْرِيلُ فَإِذَا في كَفِّهِ مِرْآةٌ كَأَصْفَى الْمَرَايَا وَأَحْسَنِهَا، وَإِذَا في وَسَطِهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ قالَ: قَلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هذِهِ؟ قالَ: هَذِهِ الدُّنْيَا صَفَاؤُهَا وَحُسْنُهَا. قالَ: قُلْتُ: وَمَا هذِهِ اللُّمْعَةُ السَّوْدَاءُ في وَسَطِهَا؟ قالَ: هذِهِ الْجُمُعَةُ، قالَ: قُلْتُ: وَمَا الْجُمُعَةُ؟ قال: يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ رَبِّكَ عَظِيمٌ، وَسَأُخْبِرُكَ بِشَرَفِهِ وَفَضْلِهِ واسْمِهِ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ: أَمَّا شَرَفَهُ وَفَضْلُهُ واسْمُهُ في الدُّنْيَا فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَمَعَ فِيهِ أَمْرَ الْخَلْق، وَأَمَّا مَا يُرْجَى فِيهِ فَإِنَّ فِيهِ سَاعَةً لاَ يُوافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ أَمَةٌ مُسْلِمَةٌ يَسْأَلانِ اللهَ فيهَا خَيْراً إِلاَّ أَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، وَأَمَّا شَرَفُهُ وَفَضْلُهُ واسْمُهُ في الآخِرَةِ فَإِنَّ اللهَ تعَالى إِذَا صَيَّرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِلى الْجَنَّةِ، وَأَدْخَلَ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَيَّامُهَا وَسَاعَاتُهَا لَيْسَ بِهَا لَيْلٌ وَلا نَهَارٌ إِلاَّ قَدْ عَلِمَ اللهُ مِقْدَارَ ذَلِكَ وَسَاعَاتِه، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ في الْحِينِ الَّذِي يُبْرُزُ أَوْ يَخْرُجُ فِيهِ أَهْلُ الْجُمُعَةِ إِلى جُمُعَتِهِمْ نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ اخْرُجُوا إِلى دَارِ الْمَزِيدِ، لاَ يَعْلَمُ سَعَتَهَا وَعَرْضَهَا وَطُولَهَا إِلاَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَخْرُجُونَ في كُثْبَانٍ مِنَ الْمِسْكِ. قالَ حُذَيْفَةُ: وَإِنَّهُ لَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضاً مِنْ دَقِيقِكُمْ هذَا. قالَ فَيَخْرُجُ غِلْمَانُ الأَنْبِياءِ بِمَنابِرَ مِنْ نُورٍ، وَيَخْرُجُ غِلْمَانُ الْمُؤْمِنِينَ بِكَرَاسِيَّ مِنْ يَاقُوتٍ. قالَ: فَإِذَا وُضِعَتْ لَهُمْ وَأَخَذَ الْقَوْمُ مَجَالِسَهُمْ بَعَثَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ رِيحاً تُدْعَى الْمُثِيرَةَ تُثِيرُ عَلَيْهِمْ أَثَابِيرَ الْمِسْكِ الأَبْيَضِ فَتُدْخِلُهُ مِنْ تَحْتِ ثِيَابِهِمْ، وَتُخْرِجُهُ

في وُجُوهِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ فَتِلْكَ الرِّيحُ أَعْلَمُ كَيْفَ تَصْنَعُ بِذَلِكَ الْمِسْكِ مِن امْرَأَةِ أَحَدِكُمْ لَوْ دَفَعَ إِلَيْهَا كُلَّ طَيِّبٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ لَكَانَتْ تِلْكَ الرِّيحُ أَعْلَمَ كَيْفَ تَصْنَعُ بِذَلِكَ الْمِسْكِ مِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ لَوْ دُفِعَ إِلَيْهَا ذَلِكَ الطِّيبُ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. قالَ: ثُمَّ يُوحِي اللهُ سُبْحَانَهُ إِلى حَمَلَةِ الْعَرْشِ فَيُوضَعُ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْجَنَّةِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ الْحُجُبُ فَيَكُونُ أَوَّلُ مَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: أَيْنَ عِبَادِي الَّذينَ أَطَاعُونِي بالْغَيْبِ وَلَمْ يَرَوْنِي، وَصَدَّقُوا رُسُلِي واتَّبَعُوا أَمْرِي فَسَلُونِي فهذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ. قالَ: فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: رَبِّ رَضِينَا عَنْكَ فارْضَ عَنَّا. قالَ: فَيَرْجِعُ اللهُ تَعَالَى في قَوْلِهِمْ أَنْ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنِّي لَوْ لَمْ أَرض عَنْكُمْ لَمَا أَسْكَنْتُكُمْ جَنَّتِي فَسَلُونِي فهذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ. قالَ: فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ رَبِّ وَجْهَكَ أَرِنَا نَنَظُرُ إِلَيْهِ. قالَ: فَيَكْشِفُ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى تِلْكَ الْحُجُبَ، وَيَتَجَلَّى لَهُمْ فَيَغْشَاهُمْ (¬1) مِنْ نُورِهِ شَيءٌ لَوْلا أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَحْتَرِقُوا لاحْتَرَقُوا مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ نُورِهِ. قالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: ارْجِعُوا إِلى مَنَازِلِكُمْ. قالَ فَيَرْجِعُونَ إِلى مَنَازِلِهِمْ وَقَدْ خَفُوا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ وَخَفِينَ عَلَيْهِمْ مِمَّا غَشِيَهُمْ مِنْ نُورِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَإِذَا صَارُوا إِلى مَنَازِلِهِمْ ترَادّ النُّورُ وَأَمْكَنَ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلى صُوَرِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا. قالَ: فَتَقُولُ لَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ: لَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِنَا عَلَى صُورَةٍ، وَرَجَعْتُمْ عَلَى غَيْرِهَا؟ قالَ: فَيَقُولُونَ: ذلِكَ بأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعالَى تَجَلَّى لَنَا فَنَظَرْنَا مِنْهُ إِلى مَا خَفِينَا بِهِ عَلَيْكُمْ. قالَ: فَلَهُمْ في كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ الضِّعْفُ عَلَى مَا كَانُوا. قالَ: وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: [فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]. رواه البزار. ما لأدنى أهل الجنة وما لأكرمهم عند الله تعالى 131 - وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ أَدْنَى (¬2) أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمنْ يَنْظُرُ إِلى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَنَعِيمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً (¬3)، ثُمَّ قَرَأ ¬

(¬1) فيغطيهم. (¬2) أقل. (¬3) صباح مساء.

فصل في أن أعلى ما يخطر على البال أو يجوزه العقل من حسن الصفات المتقدمة فالجنة وأهلها فوق ذلك

رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: [وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (¬1) إِلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (¬2)]. رواه أحمد والترمذي وتقدم، ورواه ابن أبي الدنيا مختصراً إلا أنه قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ أَفْضَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَنْظُرُ إِلى وَجْهِ اللهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ. 132 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ في يَدَيْكَ، فَيقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لا نَرْضَى يَا رَبَّنا وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ فَيَقُولُ أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: وَأَيُّ شَيءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبداً. رواه البخاري ومسلم والترمذي. فصل في أن أعلى ما يخطر على البال أو يجوزه العقل من حسن الصفات المتقدمة فالجنة وأهلها فوق ذلك 133 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، واقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ: [فلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ]. رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. ¬

(¬1) بهية متهللة. (¬2) تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تفضله عما سواه، قال تعالى: [وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة (25)] من سورة القيامة. (باسرة) شديدة العبوس (فاقرة) داهية. إن هذا لأهل النار، أعاذنا الله منها قال القسطلاني في قوله صلى الله عليه وسلم "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه" الخطاب للصحابة، والمراد العموم، يحجبه عن رؤية ربه تعالى، والله تعالى منزه عما يحجبه، فالمراد بالحجاب منعه أبصار خلقه وبصائرهم بما شاء كيف شاء فإذا شاء كشف ذلك عنهم أهـ ص 352 جواهر البخاري.

134 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مَجْلِساً وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قالَ في آخِرِ حَدِيثِهِ: فِيهَا مَا لا عَيْنٌ رأَتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ثُمَّ قَرَأَ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ: [تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]. رواه مسلم. 135 - وَعَنْ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ (¬1) ظُفْرٌ مِمَّا في الْجَنَّةِ بَدَا لَتَزَخْرَفَ لَهُ مَا بَيْنَ خَوَافِقِ (¬2) السَّمَواتِ والأرْضِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَ (¬3) فَبَدَا (¬4) سِوَارُهُ لَطَمَسَ (¬5) ضَوْءَ الشَّمْسِ كَمَا تَطْمِسُ الشَّمْسُ ضَوْءَ النُّجُومِ. رواه ابن أبي الدنيا والترمذي وقال: حديث حسن غريب. 136 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَمَّا خَلَقَ اللهُ جَنَّةَ عَدْنٍ (¬6) خَلَقَ فِيهَا مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ثُمَّ قالَ: لَهَا: تَكَلَّمِي فَقَالَتْ: قَدْ أفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. 137 - وفي رواية: خَلَقَ اللهُ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ، وَدَلَّى (¬7) فِيهَا ثِمَارَهَا، وَشَقَّ فِيهَا أَنْهَارَهَا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي فَقَالَتْ: [قَدْ أَفْلَحَ (¬8) الْمُؤْمِنُونَ] فَقَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي لا يُجَاوِرُنِي فِيكِ بَخِيلٌ. رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسنادين أحدهما جيد، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث أنس بنحوه وتقدم لفظه. ¬

(¬1) يحمل. (¬2) أطراف. وفي النهاية التي تخرج منها الرياح الأربع، أخبر صلى الله عليه وسلم أن الذرة القليلة جداً التي تتعلق بالظفر لو ظهرت لابتهج بها نواحي السموات ونواحي الأرض طرباً. (¬3) نظر. (¬4) فظهر سواره التي في معصم يده. (¬5) لمحا وأخفى. (¬6) إقامة. (¬7) قرب. (¬8) فاز.

138 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: في الْجَنَّةِ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. رواه الطبراني والبزار بإسناد صحيح. موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها 139 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قِيدُ (¬1) سَوْطِ أَحَدِكُمْ في الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا، وَلَنَصِيفُ امْرَأَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا، قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا النَّصِيفُ؟ قالَ: الْخِمَارُ (¬2). رواه أحمد بإسناد جيد، والبخاري ولفظه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: لَقَابُ قَوْسٍ في الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وقالَ: لَغُدْوَةٌ (¬3) أَوْ رَوْحَةٌ (¬4) في سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبُ. ورواه الترمذي وصححه، ولفظه: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: وَمَوْضِعُ سَوْطٍ في الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَمَا فِيهَا واقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: [فَمَنْ زُحْزِحَ (¬5) عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (¬6) وَمَا الْحَيَاةُ الْدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ]. رواه الطبراني في الأوسط مختصراً بإسناد رواته رواة الصحيح، ولفظه: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لَمَوْضِعُ سَوْطٍ في الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ. وابن حبان في صحيحه، ولفظه قال: غُدْوَةٌ في سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اطَّلَعَتْ (¬7) إِلى الأَرْضِ ¬

(¬1) قدر. (¬2) غطاء الرأس، والمعنى شيء قليل من الجنة أفضل من متاع الدنيا كلها وزخارفها. (¬3) الكر صباحاً للجهاد في سبيل الله تعالى. (¬4) الكر مساء. (¬5) أبعد. (¬6) ظفر بالخير، وقيل: فقد حصل له الفوز المطلق، وقيل: الفوز نيل المحبوب والبعد عن المكروه. شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته والشيطان هو المدلس الغرور. وعن سعيد بن جبير إنما هذا لمن آثرها على الآخرة فأما من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ. وعن الحسن كخضرة النبات ولعب البنات لا حاصل لها أهـ نسفي ص 155 جـ 1. قال تعالى: [كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (185)] من سورة آل عمران. (¬7) نظرت.

فصل في خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها وما جاء في ذبح الموت

مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحاً، ولَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. 140 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: غُدْوَةٌ في سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ أَوْ مَوْضِعُ قِدِّهِ في الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحاً (¬1) وَلنصِيفُهَا يَعْنِي خِمَارَهَا خيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. رواه البخاري ومسلم والترمذي وصححه واللفظ له. [القاب] هنا قيل هو القدر، وقيل: من مقبض القوس إلى سيته، ولكل قوس قوبان. [والقِدّ] بكسر القاف وتشديد الدال: هو السوط، ومعنى الحديث ولقدر قوس أحدكم أو قدر الموضع الذي يوضع فيه سوطه خير من الدنيا وما فيها. وقد رواه البزار مختصراً بإسناد حسن قال: مَوْضِعُ سَوْطٍ في الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. 141 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: لَيْسَ في الْجَنَّةِ شَيْءٌ مِمَّا في الْدُّنْيَا (¬2) إِلاَّ الأَسْمَاءُ. رواه البيهقي موقوفاً بإسناد جيد. فصل في خلود أهل الجنة فيها وأهل النار فيها وما جاء في ذبح الموت 142 - عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بَعَثَهُ إِلى الْيَمَنِ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ قالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِلَيْكُمْ يُخْبِرُكُمْ أَنَّ الْمَرَدَّ (¬3) إِلى اللهِ إِلى جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ خُلُودٌ (¬4) بِلا مَوْتٍ، وَإِقامَةٌ ¬

(¬1) رائحة عطرة. (¬2) نفى الله المشابهة والمماثلة لخيرات الجنة في الدنيا ثم استثنى الأسماء فقط كاسم تفاح مثلاً ولكن طعم الجنة أحلى. (¬3) الرجوع: إما دخول جنة وإما دخول نار. (¬4) حياة باقية.

بِلا ظَعْنٍ (¬1). رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعاً. وتقدم حديث أبي هريرة في بناء الجنة، وفيه: مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ (¬2) وَلا يَيْأَسُ، وَيَخْلُدُ لاَ يَمُوتُ، لا تَبْلَى ثِيَابُهُ، وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ وَحديث ابن عمر أيضاً بمثله. 143 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يُنَادِي مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَداً، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا (¬3) فلا تَهْرَمُوا (¬4) أَبَداً وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا (¬5) فَلا تَبْأَسُوا (¬6) أَبداً، وذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: [وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةَ أُورِثْتُمُوهَا (¬7) بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ]. رواه مسلم والترمذي. ¬

(¬1) سفر. (¬2) يسعد ولا يشقى ويبقى في الجنة دائماً وملابسه جديدة وقوته مستمرة في صحة تامة ونعمة عامة شاملة كاملة. (¬3) يدوم الشباب والنضارة. وفي النهاية: شب يشب شباباً فهو شاب والجمع شيبة وشبان. (¬4) فلا يصبكم هرم وضعف. (¬5) يدوم لكم العز والرفاهية. (¬6) لا يحصل لكم بأس أو شقاء أو ضرر. (¬7) شبه جزاء العمل بالميراث، لأنه يخلفه عليه العامل، قال تعالى: [الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليكم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون (73)] من سورة الزخرف. تبقى خلة الصالحين نافعة دائمة. (تحبرون) تسرون سروراً يظهر حباره: أي أثره على وجوهكم، أو تزينون، من الحبر وهو حسن الهيئة، أو تكرمون إكراماً يبالغ فيه، والحبرة: المبالغة فيما وصف بجميل. آيات صفة الجنة وما أعده الله للمتقين كما قال تعالى في كتابه العزيز أ - قال تعالى: [إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين (10)] من سورة يونس. ب - وقال تعالى: [إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا (108)] من سورة الكهف. جـ - وقال تعالى: [إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عيناً يشرب بها المقربون (28)] من سورة المطففين. د - وقال تعالى: [إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها =

144 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ ¬

_ = تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير قوارير من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلا عيناً فيها تسمى سلسبيلا ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثورا وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا (22)] من سورة الدهر. هـ - وقال تعالى: [للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (26)] من سورة يونس. و- قال تعالى: [والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عرباً أترابا لأصحاب اليمين (38)] من سورة الواقعة. آيات سعادة الدارين في الطاعة وشقائهما في العصيان من القرآن الكريم أ - قال تعالى: [ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه] من سورة الطلاق. ب - وقال تعالى: [ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون (8)] من سورة المنافقون. جـ - وقال تعالى: [من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97)] من سورة النحل. د - وقال تعالى: [وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (55)] من سورة النور. هـ_ وقال تعالى: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون (173)] من سورة الصافات. و- وقال تعالى: [وكان حقاً علينا نصر المؤمنين (47)] من سورة الروم. ز - وقال تعالى: [وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا (1) لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا (2) (17)] من سورة الجن. ح - وقال تعالى: [فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا (3) ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (126)] من سورة طه. =

عليه وسلم: يُؤْتَى بِالْمَوْتِ (¬1) كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ (¬2) فَيُنَادِي بِهِ مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رآهُ فَيُذْبَحُ بَيْنَ الْجَنَّةِ والنَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ (¬3) فلا مَوْت، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلا مَوْت، ثُمَّ قَرأَ: [وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأَمْرُ (¬4) وَهُمْ في غَفْلَةٍ (¬5) وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ] وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلى الدُّنْيا. رواه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي، ولفظه قال: إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُتِيَ بِالْمَوْتِ كَالْكَبْشِ الأَمْلَحِ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ والنَّارِ ¬

= ط - وقال تعالى: [ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقاً علينا ننج المؤمنين (103)] من سورة يونس. ي - وقال تعالى: [ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (96)] من سورة الأعراف. ك - وقال تعالى: [وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها (1) فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا] من سورة القصص. ل - وقال تعالى: [كذبت ثمود وعاد بالقارعة (2) فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية (3) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نحل خاوية فهل ترى لهم من باقية (8)] من سورة الحاقة. م - وقال تعالى: [إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين (10)] من سورة يونس. (¬1) الذي هو عرض من الأعراض لا جسماً كما قال القسطلاني. وفي ن ط زيادة: يوم القيامة. وفي ن د وع حذفها. والمعنى يريد الله أن يطمئن أهل الجنة ويزيدهم سروراً بتمثيل الموت الذي عرض إليهم في الدنيا ككبش يذبح أمامهم ليهدأ بالهم، وتفرح قلوبهم وتستقر اطمئنانا. (¬2) فيه بياض وسواد. (¬3) بقاء وحياة أبد الآبدين. (¬4) فصل بين أهل الجنة وأهل النار. (¬5) قال القسطلاني: أهل الدنيا في غفلة إذ الآخرة ليست دار غفلة .. قال تعالى: [وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون (40)] من سورة مريم أي يوم يتحسر الناس المسيء على إساءته والمحسن على قلة إحسانه إذ فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار، أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين (نرث) لا يبقى لأحد غيرنا عليها وعليهم ملك ولا ملك، أو نتوفى الأرض ومن عليها بالإفناء والإهلاك وإلينا يردون للجزاء.

فَيُذْبَحُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ فَرَحاً (¬1) لَمَاتَ أَهْلُ الْجَنَّةِ. ولَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ حُزْناً لَمَاتَ أَهْلُ النَّارِ. [يشرئبون] بشين معجمة ساكنة ثم راء ثم همزة مكسورة ثم باء موحدة مشددة: أي يمدون أعناقهم لنظروا. 145 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ (¬2) أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمْ الَّذِي هُمْ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَطَّلِعُونَ (¬3) مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمْ الّذِي هُمْ فِيهِ، فَيُقالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هذَا؟ قالُوا نَعَمْ هذَا الْمَوْتُ. قالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى الصَّرَاطِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلاهُمَا: خُلُودٌ فِيمَا يَجِدُونَ لاَ مَوْتَ فِيهَا أَبَداً. رواه ابن ماجة بإسناد جيد. 146 - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ والنَّارِ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ (¬4) رَبَّنَا، قالَ فيُقَالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ رَبَّنَا، هذَا الْمَوْتُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا، قالَ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ تَعْرِفُونَ هذَا؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ رَبَّنَا، هذَا الْمَوْتُ فَيُذْبَحُ كما تُذْبَحُ الشَّاةُ (¬5) فَيَأْمَنُ هؤلاءِ وَيَنْقَطِعُ رَجَاءُ هَؤلاءِ. رواه أبو يعلى واللفظ له والطبراني والبزار وأسانيدهم صحاح. 147 - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ¬

(¬1) كناية عن شدة السرور، لماذا؟ اطمأن خاطرهم من الفزع وانشرحت صدورهم بنعيم الجنة، وقرت عيونهم بمناظرها وزال الموت الشبح المخيف. أما أهل النار فازدادوا حسرة وكمدا، لماذا؟ لشدة تألمهم من النار وجزعهم وتمنيهم الموت، ولا موت كما قال تعالى: [كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب] نسأل الله السلامة والعافية والعفو. (¬2) مقشعرة جلودهم خشية أن يذهب هذا النعيم. (¬3) فينظرون إلى النداء منتظرين فرج الله وإنقاذهم من كروبهم. (¬4) إجابة بعد إجابة وثناء عليك وحمدا. (¬5) تمثيل محسوس لإزالة ما علق بأذهانهم في الدنيا من ذكر الموت.

إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلى الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ إِلى النَّارِ جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لاَ مَوْتَ، يَا أَهْلَ النَّارِ لا مَوْتَ، فَيزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحاً إلى فَرَحِهِمْ، وَأَهْلُ النَّارِ حُزْناً إِلى حُزْنِهِمْ. 148 - وفي رواية أنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ (¬1) بَيْنَهُمْ، فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لا مَوْتَ ويَا أَهْلَ النَّارِ لا مَوْت، كُلٌّ خَالِدٌ (¬2) فِيمَا هُوَ فِيهِ. رواه البخاري ومسلم. خاتمة الكتاب أسأل الله الانتفاع بسنته صلى الله عليه وسلم [ولنختم] الكتاب بما ختم به البخاري رحمه الله كتابه، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: كَلِمَتَانِ (¬3) حَبِيبَتَانِ (¬4) إِلى الرَّحْمَنِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ في الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ. [قال الحافظ] زكي الدين عبد العظيم مملي هذا الكتاب رضي الله عنه: وقد تم ما أرادنا الله به من هذا الإملاء المبارك، ونستغفر الله سبحانه مما زل به اللسان أو داخله ذهول أو غلب عليه نسيان، فإن كل مصنف مع التؤدة والتأني وإمعان النظر وطول الفكر قلّ ¬

(¬1) مناد ينادي بصوت مرتفع. (¬2) كل باق على ما هو عليه، اطمئنان وقرار ثابت أيها السعداء، وبقاء في عذاب أيها الأشقياء كما قال تعالى: أ -[إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون]. ب -[ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم (64)] من سورة النور. (¬3) أراد بالكلمة الكلام: أي جملتان. (¬4) يزيد الله في ثوابهما. وفي الجامع الصغير وصفهما بالخفة والثقل، لبيان قلة العمل، وكثرة الثواب (حبيبتان) أي محبوبتان. والمعنى محبوب قائلهما ومحبته تعالى للعبد إرادة إيصال الخير له، والتكريم، قال العلقمي وفي هذه الألفاظ سجع مستعذب. والحاصل أن المنهي عنه ما كان متكلفاً أو متضمناً بالباطل لا ما جاء عفواً من غير قصد إليه (سبحان الله) معنى التسبيح تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص (وبحمده) قيل الواو للحال والتقدير أسبح الله متلبساً بحمده من أجل توفيقه، وقيل الواو عاطفة والتقدير أسبح الله وألتبس بحمده، ويحتمل أن تكون الباء متعلقة بمحذوف متقدم، والتقدير وأثني عليه بحمده فيكون سبحان الله جملة مستقلة، وبحمده جملة أخرى (سبحان الله العظيم) قال الكرماني: صفات الله تعالى وجودية كالعلم والقدرة، وهي صفات الإكرام. وعدمية كلا شريك ولا مثل، وهي صفات الجلال، فالتسبيح إشارة إلى صفات الجلال، والتحميد إشارة إلى صفات الإكرام. وترك التقييد مشعر التعميم، والمعنى أنزهه عن جميع النقائص أو أحمده بجميع الكمالات. كلمات خبر مقدم، وخفيفتان وما بعده صفة والمبتدأ سبحان الله أهـ ص 91 جـ 3. وكان الفراغ من هذا الشرح يوم الاثنين 14 المحرم سنة 1355 هـ والحمد لله أولاً وآخراً. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. وطبعته الثانية في يوم 23 يناير سنة 1956 م.

أن ينفك عن شيء من ذلك فكيف بالمملى مع ضيق وقته وترادف همومه، واشتغال باله، وغربة وطنه، وغيبة كتبه، وقد اتفق إملاء عدة من الأبواب في أماكن كان الأليقَ بها أن تُذكر في غيرها، وسبب ذلك عدم استحضارها في تلك الأماكن ونذكرها في غيرها فأمليناه حسب ما اتفق، وقدمنا فهرست الأبواب أول الكتاب لأجل ذلك، وكذلك تقدم في هذا الإملاء أحاديث كثيرة جداً صحاح، وعلى شرط الشيخين أو أحدهما، وحسان لم ننبه على كثير من ذلك، بل قلت غالباً: إسناد جيد أو رواته ثقات أو رواة الصحيح أو نحو ذلك، وإنما منع من النص على ذلك تجويز وجود علة لم تحضرني مع الإملاء، وكذلك تقدم أحاديث كثيرة غريبة وشاذة متناً وإسناداً لم أتعرض لذكر غرابتها وشذوذها. والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به إنه ذو الطول الواسع العظيم. [ولنشرع الآن فيما وعدنا به] من ذكر الرواة المختلف فيهم وما ذكره الأئمة فيهم من جرح وتعديل على سبيل الإيجاز والاختصار مرتباً على حروف المعجم: ص 521 - 2. ع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله. قد تمت المراجعة على النسخة المخطوطة العمارية في يوم الاثنين المبارك 8 من صفر الخير سنة 1356 هـ مصطفى محمد عمارة العبد الفقير إلى الله تعالى خادم الحديث النبوي وتمت مراجعة الطبعة الثانية في يوم الاثنين المبارك 10 جماد الآخرة سنة 1375 هـ وفقنا الله للعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله سبحانه ووقانا عاريات الزمن، إنه بر رؤوف رحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

باب ذكر الرواة المختلف فيهم المشار إليهم في هذا الكتاب

باب ذكر الرواة المختلف فيهم المشار إليهم في هذا الكتاب: الألف أبان بن إسحق المدني: لين الحديث قال أبو الفتح الأزدي متروك وثقه أحمد والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات. إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري المدني: قال يحيى بن معين ليس بشيء وقال البخاري كثير الوهم ليس بالقوي واستشهد به في صحيحه وذكره ابن حبان في الثقات. إبراهيم بن رستم: قال ابن عدي منكر الحديث وقال أبو حاتم ليس بذاك محله الصدق وقال ابن معين ثقة. إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي: قال أحمد ضعيف وقال النسائي ليس بذاك القوي ولينه شعبة وأخرج له البخاري، وقال ابن عدي لم أر له حديثاً منكراً. إبراهيم بن مسلم الهجري: ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم ليس بقوي ووثقه ابن حبان وابن خزيمة وأخرجا له في صحيحيهما غير ما حديث عن أبي الأحوص، وقال ابن عدي إنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله وعامتها مستقيمة. إبراهيم بن هشام الغساني: وثقه الطبراني وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له في صحيحه غير ما حديث وكذبه أبو زرعة وغيره. إبراهيم بن يزيد الخوزي: بالخاء المعجمة والزاي منسوب إلى شعب الخوز بمكة واه وقد وثق، وقال البخاري سكتوا عنه وقال ابن عدي يكتب حديثه وحسن له الترمذي. أزهر بن سنان: قال ابن معين ليس بشيء وقال ابن عدي ليست أحاديثه بالمنكرة جداً أرجوا أنه لا بأس به. إسحق بن أسيد الخراساني: نزيل مصر قال أبو حاتم لا يشتغل به ومشاه غيره. إسحق بن محمد بن إسماعيل بن أبي فروة الفوري: صدوق، روى عنه البخاري في صحيحه وقال أبو حاتم وغيره صدوق وذكره ابن حبان في الثقات ووهاه أبو داود وقال النسائي ليس ثقة. إسماعيل بن رافع المدني: نزيل البصرة واه ومشاه بعضهم وقال الترمذي ضعفه بعض أهل العلم وسمعت محمداً - يعني البخاري يقول هو ثقة مقارب الحديث. إسماعيل بن عمرو البجلي الكوفي: ضعفه أبو حاتم والدارقطني وقال ابن عدي حدث بأحاديث لا يتابع عليها، وذكره ابن حبان في الثقات. إسماعيل بن عياش الحمصي: عالم أهل الشام قال النسائي ضعيف وقال ابن حبان كثير الخطأ في حديثه فخرج عن حد الاحتجاج به وقال علي بن المديني إسماعيل عندي ضعيف وقال ابن خزيمة لا يحتج به وقال أبو داود سمعت ابن معين يقول إسماعيل بن عياش ثقة، وكذا روى عباس عن ابن معين أيضاً وقال دحيم هو في الشاميين غاية وخلط عن المدنيين وقال الفسوي تكلم قوم في إسماعيل وهو ثقة عدل أعلم الناس بحديث الشاميين أكثر ما تكلموا فيه قالوا يغرب عن نقات الحجازيين وقال البخاري إذا حدث عن أهل بلده فصحيح، وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر وقال أبو حاتم لين. أصبغ بن يزيد الجهني مولاهم الواسطي: صدوق ضعفه ابن سعد وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به وقال النسائي لا بأس به ووثقه ابن معين والدارقطني.

أيوب بن عتبة أبو يحيى قاضي اليمامة

أيوب بن عتبة أبو يحيى قاضي اليمامة: قال ابن معين ليس بالقوي. وقال البخاري: هو عندهم لين، وقال العجلي وابن عدي يكتب حديثه. وقال النسائي: مضطرب الحديث وقال أبو حاتم أما كتبه عن يحيى بن ابي كثير فصحيحة، ولكنه يحدث من حفظه فيغلط. الباء بشار بن الحكم: ضعفه ابن حبان وغيره وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به. بشر بن رافع أبو الأسباط البحراني: ضعفه أحمد وغيره وقواه ابن معين وغيره. وقال ابن عدي: لا بأس بأخباره لم أر له حديثاً منكراً. بقية بن الوليد: أحد الأعلام ثقة عند الجمهور لكنه مدلس. قال النسائي: وغيره إذا قال حدثنا أو أبرنا فهو ثقة وقال أحمد هو أحب إلي من إسماعيل بن عياش، وروى له مسلم في صحيحه شاهداً حديث "من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب" لم يرو له غيره وفيه كلام كثير يرجع إلى ما ذكرناه. بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة: قال ابن معين ليس بشيء، وقال ابن عدي هو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم أرجو أنه لا بأس به. بكير بن خنيس الكوفي العابد: واه ووثقه ابن معين في رواية. وقال أبو حاتم: ليس بقوي. بكر بن معروف الخراساني: وهاه ابن المبارك وقد وثق. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به ليس حديثه بالمنكر جداً. التاء تمام بن نجيح عن الحسن: قال ابن عدي وغيره هو غير ثقة. وقال البخاري: فيه نظر وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث، ووثقه يحيى بن معين. الثاء ثابت بن محمد الكوفي: العابد صدوق احتج به البخاري وغيره وفيه مقال. الجيم جابر بن يزيد الجعفي الكوفي: عالم الشيعة ترك يحيى القطان حديثه، وقال النسائي وغيره متروك ووثقه شعبة وسفيان الثوري، وقال وكيع: ما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابراً الجعفي ثقة. جميع بن عمير التيمي تيم الله بن ثعلبة الكوفي: كذبه ابن نمير. وقال ابن حبان: رافضي يضع الحديث ووثقه أبو حاتم وحسن له الترمذي. جنادة بن سلم: ضعفه أبو زرعة ووثقه ابن خزيمة وابن حبان وأخرجا حديثه في صحيحيهما. الحاء الحارث بن عبد الله الهمداني الأعور: من كبار علماء التابعين كذبه الشعبي وابن المديني.

الحارث بن عمير البصري

وقال أيوب كان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروي عن علي رضي الله عنه باطل، وقال منصور عن إبراهيم: إن الحارث اتهم واختلف فيه عن ابن معين فقال: مرة ضعيف وقال مرة: ليس به بأس، وقال مرة ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس واحتج به وقوى أمره، وروي عنه ليس بالقوي، واختلف فيه رأي ابن حبان فقال: كان الحارث غالياً في التشيع وهياً في الحديث، وأخرج له في صحيحه حديثه عن ابن مسعود في الربا، وقال أبو بكر بن أبي داود: كان الحارث الأعور من أفقه الناس وأفرض الناس وأحسب الناس. الحارث بن عمير البصري: نزيل مكة وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي، وكان عماد بن زيد يثني عليه، وقال ابن حبان: روى عن الأثبات الأشياء الموضوعات، وقال الحاكم يروي عن حميد وجعفر الصادق أحاديث موضوعة. حجاج بن أرطاة: أحد الأعلام، قال الدارقطني وغيره لا يحتج به، وقال النسائي ليس بالقوي، وقال ابن معين ليس بالقوي وهو صدوق يدلس وقال يحيى القطان وهو وابن إسحق عندي سواء وقال أبو حاتم إذا قال حدثنا فهو صالح لا يرتاب في صدقه وحفظه. وقال الثوري: ما بقي أحد أعلم بما يخرج من رأسه منه، وقال حماد بن زيد كان أحمد عندنا لحديثه من سفيان. وقال أحمد كان من الحفاظ، وروى له مسلم في صحيحه مقروناً بآخر، وقال شعبة اكتبوا عن الحجاج بن أرطاة وابن إسحق فإنهما حافظان. الحسن بن قتيبة الخزاعي: ضعيف، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. الحكم بن مصعب: صويلح الحديث لم يرو عنه غير الوليد بن مسلم فيما أعلم، وذكره ابن حبان في الثقات، وفي الضعفاء أيضاً وقال يخطئ. حكيم بن جبير: قال الدراقطني وغيره متروك، وقال النسائي ليس بالقوي ومشاه بعضهم وحسن أمره. حكيم بن نافع الرقي: قال أبو زرعة ليس بشيء ووثقه ابن معين وابن حبان وغيرهما. حمزة بن أبي محمد: قال أبو حاتم منكر الحديث مجهول ولينه أبو زرعة وغيره وحسن له الترمذي الخاء خالد بن طهمان: صدوق شيعي ضعفه ابن معين ووثقه أبو حاتم وحسن له الترمذي. خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن مالك الدمشقي: قال النسائي: غير ثقة، وقال الدارقطين: ضعيف وقال دحيم صاحب فتيا وقال أحمد بن صالح وأبو زرعة الدمشقي ثقة. الخليل بن مرة الضبعي: ضعفه ابن معين، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم ليس بالقوي، وقال ابن عدي: ليس بمتروك، وقال أبو زرعة شيخ صالح. الدال المهملة دراج أبو السمح: ضعفه أبو حاتم والدارقطني وغيرهما، وقال أحمد: أحاديثه مناكير، وقال النسائي: منكر الحديث، وقال مرة: ليس بالقوي ووثقه يحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهما وصحح حديثه عن الهيثم الترمذي، واحتج به ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وغيرهم.

الراء

الراء راشد بن داود الصنعاني الدمشقي: قال الدارقطني ضعيف لا يعتبر به، وقال البخاري: فيه نظر ووثقه دحيم وابن معين وغيرهما. رييح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري: قال البخاري: منكر الحديث. وقال أحمد: ليس بمعروف. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وقال أبو زرعة: شيخ، وقال محمد بن عبد الله بن عمار رييح ثقة. ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري: ثقة فيه كلام قريب لا يضر. رجاء بن صبح السقطي: ضعفه ابن معين وألانه غيره ووثقه ابن حبان، وأخرج حديثه في صحيحه. رشدين بن سعد: قال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك وقال أبو زرعة ضعيف. وقال أحمد لا يبالي عمن روى، وليس به بأس في الرقائق وقال أيضاً أرجو أنه صالح الحديث وحسن له الترمذي. رواد بن الجراح العسقلاني: قال الدارقطني: متروك. وقال ابن معين: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الناس. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أحمد: لا بأس به صاحب سنة إلا أنه حدث عن سفيان بمناكير. وقال ابن معين: ثقة مأمون، وعنه لا بأس به وإنما غلط في حديثه عن سفيان يعني حديث "إذا صلت المرأة خمسها" وقال أبو حاتم: محله الصدق تغير حفظه. روح بن جناح: قال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي وغيره ليس بالقوي ووثقه دحيم. الزاي زبان بن فائد: ضعفه ابن معين وقال أحمد: أحاديثه مناكير ووثقه أبو حاتم وقال ابن يونس: كان على مظالم مصر وكان من أعدل ولاتهم. زمعة بن صالح: ضعفه أحمد وأبو داود ووثقه ابن معين وأخرج له مسلم مقروناً بآخر وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه والحاكم حديثه عن سلمة بن وهرام. وقال ابن خزيمة في موضع من صحيحه: في القلب من زمعة شيء وسكت عنه في مواضع. زهير بن محمد التميمي المروزي: ثقة يغرب وثقه أحمد وابن معين واحتج له ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وقال النسائي: ليس بالقوي وضعفه ابن معين في رواية. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وفي حفظه سوء وحديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق. زياد بن عبد الله النميري: ضعفه ابن معين وغيره ووثقه ابن عدي وتناقض فيه قول ابن حبان فقال في الضعفاء: لا يجوز الاحتجاج به، وذكره في الثقات أيضاً وقال يخطئ. زيد بن الحواري العمي: أبو الحواري البصري قاضيها ضعفها النسائي وابن عدي. وقال الدارقطني: صالح وكذا قال ابن معين: مرة وقال مرة لا شيء. وقال أبو حاتم ضعيف يكتب حديثه. السين سعد بن سنان ويقال: سنان بن سعد عن أنس. قال النسائي: منكر الحديث، وقال

سعيد بن بشير

الجوزجاني: أحاديثه واهية، وقال الدارقطني: ضعيف، وروي عن أحمد توثيقه وحسن الترمذي حديثه واحتج به ابن خزيمة في صحيحه في غير ما موضع. سعيد بن بشير: صاحب قتادة قال أبو مسهر منكر الحديث، وقال ابن معين والنسائي ضعيف، وقال البخاري: يتكلمون في حفظه، وقال أبو حاتم: محله الصدق ووثقه دحيم وابن عيينة، وقال ابن عدي: لا أرى بما يرويه بأساً والغالب عليه الصدق. سعيد بن عبد الله بن جرنح البصري: ذكره ابن حبان في الثقات وصحح له الترمذي، وقال أبو حاتم مجهور. سعيد بن المرزبان أبو سعد البقال: قال الفلاس متروك الحديث، وقال البخاري منكر الحديث: وقال أبو زرعة: صدوق مدلس. سعيد بن يحيى اللخمي: ضعيف. سعدان الكوفي: صويلح. قال الدارقطني: ليس بذاك، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وقال ابن حبان ثقة مأمون: سعد بن يحيى أبو سفيان الحميري: ثقة مشهور ضعفه ابن سعد، وقال الدارقطني: ليس بالقوي. سلمة بن وردان: ضعف، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، عامة ما عنده عن أنس منكر، وقال معاوية بن صالح عن يحيى ليس حديثه بذاك وحسن الترمذي حديثه. سلمة بن وهرام: قال أبو داود: ضعيف، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، واحتج به ابن خزيمة والحاكم. سليمان بن موسى الأشدق: وثق وقال النسائي ليس بالقوي. وقال البخاري: عنده مناكير. سليمان بن يزيد أبو المثنى الكعبي: ضعف وحسن له الترمذي وصحح له الحاكم. سهل بن معاذ بن أنس: ضعف وحسن له الترمذي وصحح له أيضاً واحتج به ابن خزيمة والحاكم وغيرهما، وذكره ابن حبان في الثقات. سويد بن إبراهيم البصري العطار: ضعفه النسائي وغيره ووثقه ابن معين وغيره. سويد بن عبد العزيز الدمشقي: قاضي بعلبك قال ابن معين ليس حديثه بشيء. وقال أحمد: ضعيف وفي رواية متروك، وقال ابن حبان: وممن أستخير الله فيه لأنه يقرب من الثقات، وقال أبو حاتم لين، وقال الدارقطني: يعتبر به ووثقه دحيم. الشين شرحبيل بن سعد المدني: قال ابن معين: ضعيف، وروى بشر بن عمر عن مالك ليس بثقة وقال الدارقطني ضعيف يعتبر به واتهمه ابن أبي ذئب، وقال أبو زرعة: فيه لين، وقال ابن عدي في عامة ما يرويه إنكار، وقال ابن سعد لا يحتج به. وقال ابن عيينة: كان شرحبيل يفتي ولم يكن أحد أعلم بالمغازي منه وذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له في صحيحه غير ما حديث. شريك بن عبد الله الكوفي القاضي: ضعفه يحيى القطان، وقال ابن معين هو شريك بن عبد الله بن سنان بن أنس النخعي كان جده قاتل الحسين وقال النسائي: لا بأس به. وقال ابن المبارك هو أعلم بحديث الكوفيين من الثوري ووثقه ابن معين وغيره. وقال معاوية بن صالح: سألت أحمد عن شريك فقال كان عاقلاً صدوقاً محدثاً. وأخرج له مسلم في المتابعات وحسن الترمذي حديثه. شهر بن حوشب: قال ابن عون تركوه، وقال شبابة عن شعبة لقيت شهراً فلم أعتد به وقال ابن عدي شهر ممن لا يعتد بحديثه ولا يتدين

الصاد

بحديثه. وقال أبو حاتم: ليس بدون أبي الزبير ولا يحتج به، وقال النسائي وغيره ليس بالقوي، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال يعقوب بن شيبة: شهر ثقة طعن فيه بعضهم، ووثقه ابن معين وأحمد بن حنبل والعجلي والفسوي، وروى له مسلم مقروناً واحتج به غيره واحد. الصاد صالح بن أبي الأخضر: ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما، وقال العجلي: يكتب حديثه وليس بالقوي، وقال ابن عدي هو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم، وقال أحمد: يستدل به ويعتبر به ولينه البخاري. صباح بن محمد البجلي: ذكره أبو حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات. وقال أحمد العجلي صباح بن محمد كوفي ثقة. صدقة بن عبد الله السمين: ضعفه أحمد والبخاري، وابن نمير، والنسائي والدارقطني. وقال أبو زرعة: كان قدرياً ليناً، وقال ابن عدي: أكثر حديثه مما لا يتابع عليه وهو إلى الضعف أقرب ووثقه دحيم وأبو حاتم وأحمد بن صالح المصري. صدقه بن موسى الدقيقي: ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما، وقال أبو حاتم يكتب حديثه وليس بالقوي ووثقه مسلم بن إبراهيم الضاد الضحاك بن حمزة الأملوكي: قال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة وقال البخاري: منكر الحديث مجهور وذكره ابن حبان في الثقات وحسن له الترمذي. الطاء طلحة بن خراش: قال الأزدي: له ما ينكر ووثقه ابن حبان، وأخرج له في صحيحه. طليق بن محمد: قال الدارقطني لا يحتج به ووثقه ابن حبان. طيب بن سلمان: ضعفه الدارقطني ووثقه ابن حبان. العين عاصم بن بهدلة: وهو عاصم بن أبي النجود الكوفي أحد القراء السبعة، قال يحيى القطان ما وجدت رجلاً اسمه عاصم إلا وجد له ردئ الجهل، وقال النسائي: عاصم ليس بحافظ. وقال الدارقطني: في حفظ عاصم شيء وقال أبو حاتم: ليس محله أن يقال ثقة. وقال أبو زرعة وأحمد ثقة قال ابن سعد ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه وروى له البخاري ومسلم مقروناً وحديثه حسن والله أعلم. عباد بن كثير الدئلي: قال ابن معين ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة وكان ابن عيينة ينهى عن ذكره إلا بخير، وقال البخاري: فيه نظر، وقال أبو مطيع: كان عندنا ثقة أخرج من قبره بعد ثلاث سنين فلم يفقد منه إلا شعيرات. عباد بن منصور الناجي: ضعفه النسائي والساجي، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن حبان:

عبد الله بن أبي جعفر الرازي

كان داعية إلى القدر وروى عباس عن يحيى ليس حديثه بالقوي ولكن يكتب. وقال أبو حاتم: ضعيف ويكتب حديثه وحسن له الترمذي غير ما حديث. عبد الله بن أبي جعفر الرازي: قال محمد بن حميد الرازي: كان فاسقاً. وقال ابن عدي من حديثه ما لا يتابع عليه، ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة وابن حبان. عبد الله بن صالح: أبو صالح كاتب الليث بن سعد على أمواله صالح الحديث وله مناكير. قال صالح جزرة: كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة، يحيى بن بكير أحب إلينا منه. وقال أبو حاتم: سمعت ابن معين يقول أقل أحواله أن يكون قرأ هذه الكتب على الليث وأجازها له. قال وسمعت أحمد بن حنبل يقول كان أول أمره متماسكاً ثم فسد بآخره وقال عبد الملك بن شعيب بن الليث ثقة مأمون. وقال أبو حاتم: صدوق أمين ما علمت وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث إلا أنه يقع في أسانيده ومتونه غلط ولا يتعمد. وقال ابن حبان كان في نفسه صدوقاً إنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له فسمعت ابن خزيمة يقول كان له جار كان بينه وبينه عداوة كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله ويرميه بين كتبه فيتوهم عبد الله أنه خطه فيتحدث به وقد روى عنه البخاري في صحيحه. عبد الله بن عبد العزيز الليثي: قال يحيى ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث وضعفه النسائي وأبو حاتم. وقال أبو زرعة ليس بالقوي ووثقه مالك وسعيد بن منصور. عبد الله بن عياش بن عباس القبقاني: قال أبو داود والنسائي: ضعيف. وقال أبو حاتم صدوق ليس بالمتين، وأخرج له مسلم. عبد الله بن كيسان المروزي: قال البخاري: منكر الحديث وقال أبو حاتم ضعيف. وقال النسائي: ليس بالقوي ووثقه ابن حبان، وأخرج له مسلم في صحيحه. عبد الله بن لهيعة: عالم مصر. قال ابن معين وأبو زرعة: لا يحتج به. وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن مهدي: ما أعتد بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك. وقال ابن معين: هو ضعيف قبل أن تحترق كتبه وبعد احتراقها. وقال ابن وهب حدثني الصادق البار والله عبد الله بن لهيعة. وقال زيد بن الحباب: سمعت سفيان يقول كان عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع. وقال قتيبة: حضرت موت ابن لهيعة فسمعت الليث يقول ما خلف مثله. وقال أحمد: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه. وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة. عبد الله بن عقيل بن أبي طالب: ضعفه ابن معين وقال ابن خزيمة لا أحتج به، وقال أبو حاتم وغيره لين الحديث. وقال الترمذي: صدوق تكلم فيه من قبل حفظه واحتج به أحمد وإسحق والحميدي وغيرهم. عبد الله بن المؤمل المخزومي المكي: ضعيف. وقال أبو حاتم وأبو زرعة ليس بقوي ووثقه ابن معين في روايتين وضعفه في رواية، وقال ابن سعد: ثقة وصحح له ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما. عبد الله بن ميسيرة أبو ليلى: وثقه ابن حبان وحده فيما أعلم وضعفه ابن معين وغيره.

عبد الحميد بن بهرام

عبد الحميد بن بهرام: صاحب شهر بن حوشب، قال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال مرة أحاديثه عن شهر صحاح مقاربة ووثقه ابن معين وأبو داود وغيرهما. عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين: ضعفه دحيم. وقال النسائي: ليس بالقوي ووثقه أحمد وأبو حاتم. عبد الحميد ابن الحسن الهلالي: ضعفه ابن المديني وأبو زرعة، والدارقطني، ووثقه ابن معين. وقال أبو حاتم شيخ. عبد الرحمن بن إسحق: ضعيف. قال البخاري: فيه نظر وروى عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن أحمد عن أبيه له مناكير وليس هو في الحديث بذاك وحسن له الترمذي. عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان الدمشقي: : صدوق رمي بالقدر وثقه ابن المديني وأبو حاتم ودحيم وابن معين وقال صالح جزرة قدري صدوق، وقال أحمد: أحاديثه مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي وصحح له الترمذي وغيره. عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي: قال أبو حاتم: لا يحتج به وضعفه يحيى القطان ولينه البخاري، ووثقه ابن معين، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن عدي: لم أر له حديثاً منكراً. عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي: قال أحمد: ليس بشيء نحن لا نروي عنه شيئاً. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات ويدلس عن محمد بن سعيد المصلوب، وفيما قاله نظر ولم يذكره البخاري في كتاب الضعفاء، وكان يقوي أمره ويقول هو مقارب الحديث. وقال الدارقطني: ليس بالقوي ووثقه يحيى بن سعيد، وروى عباس عن يحيى بن معين ليس به بأس وقد ضعف، هو أحب إلي من أبي بكر بن أبي مريم، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو داود قلت لأحمد بن صالح أتحتج به يعني بعبد الرحمن بن زياد قال نعم. عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون: صويلح ضعفه أبو داود، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به ووثقه دحيم وابن حبان وابن عدي. عبد الرحمن بن عطاء: مدني ضعفه النسائي، وقال البخاري عنده مناكير. وقال أبو حاتم الرازي شيخ، قيل له أدخله البخاري في كتاب الضعفاء فقال تحول من هناك. عبد الرحمن بن مغراء: ثقة، وفيه مقال. عبد الرحيم بن ميمون أبو مرحوم: ضعفه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به وقواه بعضهم وحسن الترمذي روايته عن سهل بن معاذ وصححها أيضاً هو وابن خزيمة والحاكم وغيرهم. عبد الصمد بن الفضل: لا بأس به لم أر فيه جرحاً. عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد: قال ابن حبان، يستحق الترك منكر الحديث جداً، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي يكتب حديثه. وقال البخاري في حديثه بعض الاختلاف لا نعرف له خمسة أحاديث صحاح، وقال الدارقطني: لا يحتج به ويعتد به ووثقه يحيى بن معين وأحمد وأبو داود وغيرهم. عبيد الله بن زحر: قال ابن معين ليس بشيء. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات وإذا روى عن علي بن زيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد عبيد الله وعلي بن زيد والقاسم ابن عبد الرحمن لم يكن ذلك الحديث غلا مما عملت أيديهم. وقال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال أبو زرعة الرازي صدوق، وقال النسائي لا باس به وحسن الترمذي غير ما حديث له عن علي بن زيد عن القاسم. عبيد الله بن أبي زناد القداح: قال ابن معين ضعيف، وقال أبو داود: أحاديثه

عبيد الله بن عبد الله أبو المنيب العتكي

مناكير. وقال أحمد: ليس بثقة. وقال مرة: صالح الحديث، وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقوي عندهم، وقال ابن عدي: لم أر له شيئاً منكراً، وقال يحيى بن سعيد: كان وسطاً ليس بذاك وصحح الترمذي حديثه في اسم الله الأعظم. عبيد الله بن عبد الله أبو المنيب العتكي: ضعفه النسائي، وقال البخاري: عنده مناكير، وقال ابن حبان: يتفرد عن الثقات بالمقلوبات، وقال ابن عدي: هو عندي لا بأس به. وقال أبو حاتم: صالح الحديث ووثقه ابن معين وغيره. عبيد الله بن علي بن أبي رافع: قال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به ووثقه ابن معين وغيره. عبيد الله بن إسحق العطار: قال الأزدي: متروك الحديث وضعفه ابن معين والدارقطني. وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر. وقال البخاري عنده مناكير ورضيه أبو حاتم الرازي ووثقه ابن حبان وغيره. عتبة بن حميد: قال أحمد: ضعيف ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: صالح الحديث ووثقه ابن حبان وغيره. عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني: ضعفه مسلم ويحيى بن معين والدارقطني وغيرهم. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ووثقه دحيم. عطاف بن خالد المخزومي: قال البخاري: لم يحمده مالك. وقال أبو حاتم: ليس بذاك ووثقه أحمد وابن معين. عطاء بن السائب بن يزيد الثقفي: قال يحيى: لا يحتج به. وقال أحمد: ثقة ثقة رجل صالح من سمع منه قديماً كان صحيحاً، ومن سمع منه حديثاً لم يكن بشيء، وقال النسائي: ثقة في حديثه القديم لكنه تغير، ورواية شعبة والثوري وحماد بن زيد عنه جيدة وصحح حديثه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم. عطاء بن مسلم الخفاف: ضعفه أبو داود، وقال أبو حاتم: كان شيخاً صالحاً يشبه يوسف بن أسباط، وكان دفن كتبه فلا يثبت حديثه ووثقه وكيع وغيره. عطية بن سعد العوفي: قال أحمد وغيره: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه ووثقه ابن معين وغيره وحسن له الترمذي غير ما حديث وأخرج حديثه ابن خزيمة في صحيحه، وقال في القلب من عطية شيء. علي بن زيد بن جدعان: قال البخاري وأبو حاتم لا يحتج به وضعفه ابن عيينة وأحمد وغيرهما، وروى عن يحيى ليس بشيء، وروى عنه ليس بذاك القوي. وقال أحمد العجلي: كان يتشيع وليس بالقوي. وقال الدارقطني: لا يزال عندي فيه لين. وقال الترمذي: صدوق وصحح له حديثاً في السلام وحسن له غير ما حديث. علي بن مسعدة الباهلي: لين الحديث، قال البخاري: فيه نظر وقال ابن عدي أحاديثه غير محفوظة. وقال ابن حبان: لا يحتج بما انفرد به. وقال النسائي: ليس بالقوي وقال أبو حاتم لا بأس به، وقال ابن معين: صالح. علي بن معين: صالح. علي بن زيد الإلهاني: قال الدارقطني: متروك، وقال البخاري منكر الحديث، وقال أبو زرعة ليس بقوي ووثقه أحمد وابن حبان. عمار بن سيف الضبي: ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وروى عثمان عن يحيى ثقة وقال أحمد العجلي هو ثقة ثبت متعبد صاحب سنة. عمر بن راشد اليماني: ضعفه الجمهور. وقال أبو زرعة لين. وقال العجلي: لا بأس به. عمر بن أبي شيبة: وثقه ابن أبي حاتم وابن حبان وغيرهما وقال بعضهم هو مجهول. عمر بن عبد الله مولى غفرة: ضعفه ابن معين والنسائي وقال

عمر بن هارون البلخي

أحمد ليس به بأس لكن أكثر حديثه مراسيل. وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث. عمر بن هارون البلخي: ضعفه الجمهور ووثقه قتيبة وغيره. عمران بن داود القطان: قال عباس عن يحيى ليس بشيء وضعفه أبو داود والنسائي. وقال ابن عدي هو ممن يكتب حديثه وحدث عنه عفان ووثقه ومشاه أحمد واحتج به ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهما. عمران بن ظبيان: قال البخاري: فيه نظر. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ووثقه ابن حبان. عمران بن عيينة الهلالي: قال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال أبو زرعة: ضعيف. وقال ابن معين وغيره صالح الحديث. عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص: فيه كلام طويل فالجمهور على توثيقه وعلى الاحتجاج بروايته عن أبيه عن جده. عيسى بن سنان: أبو سنان القسملي ضعفه أحمد وابن معين وقواه آخرون، وأخرج ابن حبان حديثه في صحيحه. الغين غسان بن عبيد الموصلي: قال أحمد: كتبنا عنه ثم حرقت أحاديثه. وقال ابن عدي: الضعف في حديثه بين، وضعفه يحيى في رواية ووثقه في أخرى ووثقه ابن حبان. وقال الدارقطني: صالح. الفاء فرقد السَبَخي: الزاهد ضعفه النسائي والدارقطني، وقال البخاري: في حديثه مناكير. وقال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال ابن معين: ثقة. الفضل بن دلهم القصاب: قال ابن معين: ضعيف. وقال مرة صالح: وقال أحمد: لا يحفظ. وقال مرة: ليس به بأس. وقال أبو داود: ليس بالقوي ولا الحافظ. وقال ابن حبان: هو غير محتج به إذا انفرد. الفضل بن موفق: ضعفه أبو حاتم، ووثقه ابن حبان. القاف قابوس بن أبي ظبيان: قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن حبان: رديء الحفظ ينفرد عن أبيه بما لا أصل له فربما رفع المرسل وأسند الموقوف. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد: ليس بذلك ووثقه ابن معين في رواية، وقال ابن عدي: أحاديثه متقاربة أرجو أنه لا بأس به وصحح له ابن خزيمة والترمذي والحاكم. القاسم بن عبد الرحمن: أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمامة. قال أحمد: روى عنه عبي بن يزيد أعاجيب وما أراها إلا من قبل القاسم. وقال ابن حبان: كان يروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعضلات، ووثقه ابن معين والجوزجاني والترمذي وصحح له. وقال يعقوب بن شيبة: منهم من يضعفه. القاسم بن الحكم: صدوق، وثقه الناس، وقال أبو حاتم وحده فيما أعلم لا يحتج به. قرة بن عبد الرحمن بن حيويل: قال أحمد: منكر الحديث جداً وضعفه ابن معين، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به وصحح حديثه ابن حبان، وأخرج له مسلم مقروناً بعمر بن الحارث وغيره. قيس بن الربيع الأسدي الكوفي: ضعفه وكيع وابن معين،

الكاف

وعلي بن المديني والدارقطني. وقال النسائي: متروك، وكان شعبة يثني عليه. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وليس بقوي. وقال عفان: كان ثقة. وقال ابن عدي: عامة رواياته مستقيمة والقول ما قال شعبة وأنه لا بأس به. الكاف كثير بن زيد الأسلمي المدني: ضعفه النسائي. وقال أبو زرعة: صدوق وفيه لين. وقال ابن المديني صالح وليس بقوي. وقال ابن معين: ثقة. وقال ابن عدي: لم أر بحديث كثير بأساً، وأخرج حديثه ابن خزيمة في صحيحه. اللام ليث بن أبي سليم: فيه خلاف، وقد حدث عنه الناس وضعفه يحيى بن معين والنسائي. وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره، وقال مؤمل بن الفضل: سألت عيسى بن يونس عن ليث فقال: قد رأيته، وكان قد اختلط وكنت ربما مررت به ارتفاع النهار، وهو على المنارة يؤذن. وقال الدارقطني: كان صاحب سنة إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب، ووثقه ابن معين في رواية. الميم محمد بن إسحق بن يسار: أحد الأئمة الأعلام حديثه حسن، وقد كذبه هشام بن عروة وسليمان التيمي. وقال الدراقطني: لا يحتج به. وقال وهيب: سألت مالكاً عنه فاتهمه. وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك يجرحان ابن إسحاق. وقال ابن معين: قد سمع من أبي سلمة بن عبد الرحمن ووثقه غير واحد ووهاه آخرون، وهو صالح الحديث ما له عندي ذنب إلا ما قد حشاه في السيرة من الأشياء المنكرة المنقطعة والأشعار المكذوبة. قال الفلاس: وسمعت يحيى القطان يقول لعبد الله القواريري إلى أين تذهب؟ قال إلى وهب بن جرير أكتب السيرة، قال تكتب كذباً كثيراً. وقال يعقوب بن شيبة: سألت ابن معين كيف ابن إسحق قال ليس بذاك قلت ففي نفسي من صدقه شيء قال: لا، كان صدوقاً. وقال أحمد بن حنبل: هو حسن الحديث. وقال أحمد العجلي: ثقة. وقال علي بن المديني حديثه عندي صحيح. وقال شعبة: ابن إسحق أمير المؤمنين في الحديث وقد استشهد مسلم في صحيحه بجملة من حديث ابن إسحق وصحح له الترمذي حديث سهل بن حنيف في المذى واحتج به ابن خزيمة في صحيحه وبالجملة فهو ممن اختلف فيه، وهو حسن الحديث كما تقدم والله أعلم. محمد بن جحادة: ثقة فيه كلام لا يضر. محمد بن عبد الله بن مهاجر الشعبثي: قال أبو حاتم: لا يحتج به ووثقه دحيم. وقال النسائي: ليس به بأس وحسن له الترمذي. محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي: صدوق إمام ثقة رديء الحفظ كثيراً كذا قال الجمهور فيه. وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ

محمد بن عقبة بن هرم السدوسي

فاحش الخطأ فكثر المناكثير في حديثه فاستحق الترك تركه أحمد ويحيى كذا قال. محمد بن عقبة بن هرم السدوسي: ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان. محمد بن عمرو الأنصاري الواقفي: ذكره ابن حبان في الثقات وضعفه غيره. محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي الكوفي: حديثه حسن. وقال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه، وقال أحمد العجلي: لا بأس به وقال البرقاني أبو هشام ثقة أمرني الدارقطني أن أخرج حديثه في الصحيح. الماضي بن محمد الغافقي المصري: قال ابن عدي: منكر الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات وقال في صحيحه قال ابن وهب حدثنا الماضي بن محمد مصري ثقة. مبارك بن حسان: قال الأزدي: يرمى بالكذب. وقال أبو داود: منكر الحديث، وذكره البخاري ولم يخرجه. وقال النسائي ليس بالقوي. وقال ابن معين ثقة. مبارك بن فضالة: ضعفه النسائي وغيره. وقال أبو داود: شديد التدليس فإذا قال حدثنا فهو ثبت وكذا قال أبو زرعة، وقال أبو زرعة ما روي عن الحسن فيحتج به وروى عنه عفان وكان يرفعه ويوثقه قاله أبو حاتم، وكان يحيى القطان يحسن الثناء عليه. وقال ابن معين: صالح وقال ابن عدي: عامة أحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة، ووثقه ابن خزيمة وابن حبان وأخرجا له في صحيحيهما غير ما حديث. مجاعة بن الزبير: ضعفه الدارقطني. وقال ابن عدي: هو ممن يحتمل ويكتب حديثه، وقال أحمد لم يكن به بأس في نفسه مجالد بن سعيد الهمداني: ضعفه يحيى بن سعيد والدارقطني وغيرهما، ووثقه النسائي وغيره وروى له مسلم مقروناً. مسروق بن المرزبان: قال أبو حاتم: ليس بالقوي ووثقه غيره. مسلم بن خالد الزنجي: ضعفه ابن معين في رواية وأبو داود. وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال البخاري منكر الحديث ووثقه ابن معين أيضاً في روايتين عنه وابن حبان، وأخرج له غير ما حديث في صحيحه. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به وهو حسن الحديث. المسيب بن واضح الحمصي: ضعفه الدارقطني. وقال أبو حاتم: صدوق يخطئ كثيراً، فإذا قيل له لم يقبل، ووثقه النسائي وابن حبان، وروى له غير ما حديث في صحيحه. مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير: ضعفه ابن معين وأحمد وقال النسائي: ليس بالقوي، ووثقه ابن حبان وكان صالحاً عابداً قيل كان يصوم الدهر ويصلي في اليوم والليلة ألف ركعة. معارك بن عباد: ذكره ابن حبان في الثقات وضعفه غيره. معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي: قال أبو حاتم: لا يحتج به وكان يحيى القطان لا يرضاه ووثقه أحمد وأبو زرعة وغيرهما واحتج به مسلم. معدي بن سليمان: قال أبو زرعة واهي الحديث. وقال النسائي ضعيف ووثقه أبو حاتم وغيره وصحح له الترمذي. مغيرة بن زياد الموصلي: ضعفه أحمد وقال أبو زرعة وأبو حاتم لا يحتج به وقال النسائي والدارقطني ليس بالقوي وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم أدخله البخاري في كتاب الضعفاء فسمعت أبي يقول تحول اسمه من كتاب الضعفاء، واختلف فيه قول ابن معين وقال النسائي في رواية أخرى عنه ليس به بأس ووثقه وكيع وقال أبو داود صالح، وقال ابن عدي هو عندي لا بأس به. المنهال بن خليفة البكري العجلي: ضعفه ابن معين وغيره. وقال البخاري: فيه نظر وقال

مهدي بن جعفر الرملي الزاهد

النسائي في رواية أبي بشر الدولابي: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، ووثقه أبو حاتم وأبو داود والبزار. مهدي بن جعفر الرملي الزاهد: قال البخاري: حديثه منكر. وقال ابن عدي يروي عن الثقات أشياء لا يتابعه عليها أحد، ووثقه ابن معين وغيره. موسى بن وردان: ضعفه أبو داود في رواية والمشهور عنه توثيقه وابن معين في رواية وفي أخرى قال ليس بالقوي وفي أخرى صالح. وقال أحمد لا نعلم عنه إلا خيراً. وقال العجلي: مصري تابعي ثقة. وقال أبو حاتم والدارقطني: لا بأس به وحسن الترمذي حديثه. موسى بن يعقوب الزمعي: قال ابن المديني: ضعيف منكر الحديث وقال النسائي ليس بالقوي ووثقه ابن معين وأبو داود وابن حبان. ميمون بن موسى المرائي: قال أحمد بن حنبل: ما أرى به بأساً، كان يدلس، وقال أبو حاتم: صدوق وقال أبو داود: ليس به بأس. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال عمرو بن علي: صدوق ولكنه ضعيف، ووثقه ابن حبان. : النون نعيم بن حماد الخزاعي المروزي: الإمام المشهور. قال الأزدي: كان نعيم يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات مزورة في ثلب النعمان. وقال أبو زرعة الدمشقي: كان يصل أحاديث يوقفها الناس. وقال ابن يونس كان يفهم الحديث. وروى أحاديث مناكير عن الثقات. وقال النسائي: هو ضعيف. وقال ابن معين: صدوق أنا أعرف الناس به كان رفيقي بالبصرة كتب عن روح بن عبادة خمسين ألف حديث، ووثقه أحمد وقال العجلي ثقة صدوق، وأخرج له البخاري مقروناً. نعيم بن مورع: ضعفه الجمهور وفيه توثيق لين. الواو واصل بن عبد الرحمن: أبو حمزة الرقاشي ضعفه ابن معين والنسائي في رواية عنهما وعن يحيى بن معين صالح وقال النسائي في موضع آخر: ليس به بأس. وقال أبو زرعة: شيخ لين. وقال البخاري: يتكلمون في روايته عن الحسن. قال شعبة هو أصدق الناس وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له مسلم. الوليد بن جميل: قال أبو حاتم له عن القاسم أبي عبد الرحمن أحاديث منكرة وقال أبو داود: ليس به بأس. وقال أبو زرعة شيخ لين وذكره ابن حبان في الثقات. الوليد بن عبد الملك الحراني: ذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات. الياء يحيى بن أيوب الغافقي: عالم مصر صالح الحديث. قال أبو حاتم: لا يحتج به وقال أحمد سيئ الحفظ. وقال النسائي ليس بالقوي. وقال الدارقطني: في بعض حديثه اضطراب. وقال ابن معين صالح الحديث. وقال ابن عدي: هو عندي صدوق واحتج به البخاري ومسلم وابن حبان وغيرهم. يحيى بن دينار أبو هاشم الرماني: ثقة مشهور تكلم فيه. يحيى بن راشد البصري: قال ابن معين ليس بشيء وضعفه النسائي وأبو حاتم وقال أرجو

يحيى بن سليم أو ابن أبي سليم

ألا يكون ممن يكذب. وقال أبو زرعة: شيخ لين الحديث، ووثقه ابن حبان وقال يخطئ ويخالف. يحيى بن سليم أو ابن أبي سليم: أبو بلح ضعفه أحمد وقال روى حديثاً منكراً. وقال الجوزجاني غير ثقة. وقال البخاري فيه نظر. وقال ابن حبان: كان يخطئ. وقال أبو حاتم الرازي صالح الحديث لا بأس به ووثقه ابن معين والنسائي والدارقطني وغيرهم. يحيى بن أبي سليمان المدني: قال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم مضطرب الحديث يكتب حديثه ليس ممن يكذب وذكره ابن حبان في الثقات. يحيى بن عبد الله أبو حجبة الكندي الأجلح: قال الجوزجاني الأجلح مفتر. وقال النسائي: ضعيف له رأي سوء. وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي مضطرب الحديث يكتب حديثه، ولا يحتج به وقال ابن عدي يعد في شيعة الكوفة وهو مستقيم الحديث صدوق، ووثقه ابن معين وأحمد العجلي وغيرهما. يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي: ضعفه غير واحد وقد وثق واستشهد به البخاري. يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي: قال أحمد كان يكذب جهاراً وضعفه النسائي وغيره. وقال الجوزجاني: ساقط ترك حديثه. وقال ابن معين صدوق مشهور ما بالكوفة مثله ما يقال فيه إلا من حسد وقال محمد بن هارون الهمداني سألت ابن معين عن الحماني فقال ثقة فقلت يقولون فيه فقال يحسدونه هو والله الذي لا إله إلا هو ثقة. وقال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول كان حافظاً، وقال الرمادي هو عندي أوثق من أبي بكر أبي شيبة وما يتكلمون فيه إلا من الحسد. وقال ابن عدي ليحيى الحماني مسند صالح ويقال إنه أول من صنف المسند بالكوفة وأول من صنف المسند بالبصرة مسدد، وأول من صنف المسند بمصر أسد بن موسى. قال ابن عدي: ولم أر في مسنده وأحاديثه أحاديث مناكير وأرجو أنه لا بأس به. يحيى بن عمرو بن مالك النكري: رماه حماد بن زيد بالكذب وضعفه ابن معين وأبو داود والنسائي وغيرهم. وقال الدارقطني: صويلح يعتبر به. يحيى بن مسلم البكاء: ويقال فيه يحيى بن أبي خليد. قال النسائي: متروك الحديث. وقال الدارقطني ضعيف. وقال ابن حبان: يجوز الاحتجاج به وقال يحيى بن معين يحيى البكاء ليس بذاك. وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال ابن سعد: ثقة إن شاء الله. يزيد بن أبان الرقاشي: زاهد كثير العبادة ضعيف وثقه ابن معين في رواية ابن عدي. يزيد بن أبي زياد الكوفي: أحد الأعلام. قال يحيى لا يحتج به. وقال مرة ليس بالقوي ووهاه ابن المبارك. وقال علي بن عاصم: قال لي شعبة ما أبالي إذا كتبت عن يزيد بن أبي زياد أن لا أكتبه عن أحد، وقال أحمد حديثه ليس بذاك. وأخرج له مسلم مقروناً حسن له الترمذي. يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي: ضعفه ابن معين وأحمد وابن المديني وغيرهم، ووثقه البخاري وغيره. يزيد بن عطاء اليشكري: قال أبو حاتم: لا يحتج به وقال النسائي ليس بالقوي ووثقه أحمد وقال ابن عدي: حسن الحديث. يزيد بن أبي مالك الدمشقي: ثقة وقال بعضهم لين. يمان بن المغيرة العنزي: روى عباس عن يحيى ليس حديثه بشيء وقال البخاري منكر الحديث وضعفه أبو زرعة والدارقطني وقال ابن عدي لا أرى

يوسف بن ميمون

به بأساً وصحح الحاكم حديثه. يوسف بن ميمون: قال البخاري منكر الحديث جداً. وقال النسائي ليس بثقة وقال مرة ليس بقوي. وقال ابن عدي لا أرى بحديثه بأساً، ووثقه ابن حبان. الكنى وغيرها أبو الأحوص: عن أبي ذر قال ابن معين ليس بشيء وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالمتين عندهم ونقل توثيقه عن الزهري وحسن له الترمذي، وأخرج له ابن خزيمة وابن حبان غير ما حديث في صحيحيهما. أبو إسرائيل الملاء الكوفي: اسمه إسماعيل بن أبي إسحق قال أبو حاتم لا يحتج به وهو حسن الحديث وله أغاليظ. وقال البخاري تركه ابن مهدي واختلف فيه قول ابن معين فقال مرة ضعيف وقال مرة هو ثقة وقال أبو زرعة صدوق في رأيه غلو وقال أحمد يكتب حديثه وقال الفلاس ليس هو من أهل الكذب. قال الحافظ ذكر غير واحد أنه كان شيعياً غالياً في التشيع يكفر عثمان رضي الله عنه. أبو سلمة الجهني: وثقه ابن حبان وأخرج له في الصحيح، وقال بعض مشايخنا لا ندري من هو. أبو سنان القسملي: اسمه عيسى بن سنان تقدم. أبو هاشم الرماني: اسمه يحيى بن دينار تقدم. أبو هشام الرفاعي: اسمه محمد بن يزيد الكوفي تقدم. أبو يحيى القتات: مختلف في اسمه فقيل زاذان وقيل دينار. وقيل يزيد. وقيل عبد الرحمن بن دينار قال أحمد كان شريك يضعف أبا يحيى القتات. وقال النسائي: ليس بالقوي واختلف فيه قول ابن معين فروي عنه تضعيفه، وروي عنه توثيقه. ابن لهيعة: اسمه عبد الله تقدم. خاتمة للمؤلف الحافظ المنذري رضي الله عنه قال الحافظ عبد العظيم: وقد تم هذا الإملاء المبارك والله الحمد على ما أولي حمداً يليق بجلاله لا نهاية لعدده ولا آخر لأمده، ونسأله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم مخلصاً من شوائب الرياء ودواعي التعظيم وأن ينفعني به وكل من وقف عليه إنه ذو الفضل العظيم والمن العميم. وصلى الله وسلم على أشرف خلقه وأعلاهم مكانة عنده محمد وآله وأصحابه وأزواجه وذرياته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، والحمد لله رب العالمين. تم الكتاب المستطاب والحمد لله عز شأنه وقد ختم الحافظ رحمه الله تعالى كتابه بحديث: "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" وأنا أرجو فأختم شرحي بذكر (باب في أدعية صالحة من أحاديث نبوية)، وآيات قرآنية في مواضع مختلفة ليجني ثمارها المطلع على كتابتي والله تعالى ولي التوفيق وهو المستعان وعليه التكلان. مصطفى محمد عمارة

[خاتمة التحقيق]

باب الأدعية الصالحة قال الله تعالى (يدعوننا رغباً ورهبا) (1) اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشَ الآخِرَةِ. (2) اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ في الدُّنْيَا قوتاً. (3) اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُتَسَرْوِلاتِ مِنْ أُمَّتِي. (4) اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ. (5) اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمُحَمَّدٍ نَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ. (6) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَعَمَلٍ لاَ يُرْفَعُ، وَدُعَاءٍ لا يُسْمَعُ. (7) اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِيناً وَتَوَفَّنِي مِسْكِيناً واحْشُرْنِي في زُمْرَةِ الْمِسَاكِينِ. (8) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ. (9) اللَّهُمُّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا في الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ. (10) اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي في بُكُورِهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ. (11) اللَّهُمَّ إِنَّكَ سَأَلْتَنَا مِنْ أَنْفُسِنَا مَا لاَ نَمْلِكُهُ إِلاَّ بِكَ، اللَّهُمَّ فأَعْطِنَا مِنْهَا مَا يُرْضِيكَ عَنَّا. (12) اللَّهُمَّ اهْدِ قُرَيْشاً، فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلأُ طِبَاقَ الأَرْضِ عِلْمَاً، اللَّهُمَّ كما أَذَقْتَهُمْ عَذَاباً فأَذِقْهُمْ نَوَالاً. (13) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ في دَارِ الْمُقَامَةِ، فَإِنَّ جَارَ الْبَادِيَةِ يَتَحَوَّلُ. (14) اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ الَّذِينَ إِذَا أَحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا، وَإِذَا أَسَاؤُوا اسْتَغْفَرُوا. (15) اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وارْحَمْنِي وأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى. (16) اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيئاً فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ. (17) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَمِنْ شَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ، اللَّهُمَّ أعِنِّي عَلى غَمَرَاتِ

الْمَوْتِ وَسَكَرَاتِ الْمَوْتِ، اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلا تُهِنَّا وَأَعْطِنَا ولا تَحرِمْنَا، وَآثِرْنَا ولا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وأَرْضِنَا وارْضَ عَنَّا. (18) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لا يُسْمَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ هؤلاءِ الأَرْبَع. (19) اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ، اللَّهُمَّ وَمَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فاجْعَلْهُ فَرَاغاً لي فِيمَا تُحِبُّ. (20) اللَّهُمَّ اغْفِر لِي ذَنْبِي، ووَسِّعْ لِي في دَارِي، وَبَارِكْ لِي في رِزْقِي. (21) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. (22) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ وَالأَدْوَاءِ. (23) اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي، واجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي، وانْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي وَخُذْ مِنْهُ بِثَأْرِي. (24) اللَّهُمَّ حَبِّبِ الْمَوْتَ إِلَى مَنْ يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُكَ. (25) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ غِنَايَ وَغِنَى مَوْلاَيَ. (26) اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي قَتْلاً فِي سَبِيلِكَ بِالطَّعْنِ والطَّاعُونِ. (27) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي، وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبي، وَتَرفَعُ بِهَا شَاهِدِي، وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي، وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ. (28) اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِيماناً وَيَقِيناً لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً أَنَالُ بِهَا شَرَفَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ. (29) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْفَوْزَ في الْقَضَاءِ، وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ، وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ، والنَّصْرَ عَلَى الأَعْدَاءِ.

(30) اللَّهُمَّ إِنِّي أُنْزِلُ بِكَ حَاجَتِي وَإِنْ قَصُرَ رَأْيِي (أي عجز عن الإدراك)، وَضَعُفَ عَمَلِي افْتَقَرْتُ إِلى رَحْمَتِكَ؛ فَأَسْأَلُكَ يَا قَاضِيَ الأُمُورِ، وَيَا شَافِيَ الصُّدُورِ كما تُجِيرُ بَيْنَ الْبُحُورِ أَنْ تُجِيرَنِي مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، وَمِنْ دَعْوَةِ الثُّبُورِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقُبُورِ. اللَّهُمَّ مَا قَصُرَ عَنْهُ رَأْيِي، وَلَمْ تَبْلُغْهُ نِيَّتِي، وَلَمْ تَبْلُغُهُ مَسْأَلَتِي مِنْ خَيْرٍ وَعَدْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ خَيْرٍ أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَداً مِنْ عِبَادِكَ، فَإِنّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ فِيهِ وأَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. (31) اللَّهُمَّ يَا ذَا الْحَبْلِ الشَّدِيدِ، وَالأَمْرِ الرَّشِيدِ أَسْأَلُكَ الأَمْنَ يَوْمَ الْوَعِيدِ، وَالْجَنَّةَ يَوْمَ الْخُلُودِ، مَعَ الْمُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ، الرُّكَّعِ السُّجُودِ، الْمُوفِينَ بِالْعُهُودِ، إِنَّكَ رَحِيمٌ وَدُودٌ، وَإِنَّكَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هَادِينَ مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ سِلْماً لأَوْلِيائِكَ، وَعَدُوّاً لأَعْدَائِكَ نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أَحَبَّكَ، وَنُعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَنْ خَالَفَكَ. اللَّهُمَّ هذَا الدُّعَاءُ وَعَلَيْكَ الإِجَابَةُ، وهذَا الجَهْدُ وَعَلَيْكَ التُّكْلانُ. (32) اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نُوراً في قَلْبِي، وَنُوراً في قَبرِي، وَنُوراً بَيْنَ يَدَيَّ، وَنُوراً مِنْ خَلْفِي، وَنُوراً عَنْ يَمِينِي، وَنُوراً عَنْ شِمَالِي، وَنُوراً مِنْ فَوْقِي، وَنُوراً مِنْ تَحْتِي، وَنُوراً في سَمْعِي، وَنُوراً في بَصَرِي، وَنُوراً في شَعْرِي، وَنُوراً في بَشَرِي، وَنُوراً في لَحْمِي، وَنُوراً في دَمِي، وَنُوراً في عِظَامِي، اللَّهُمَّ أَعْظِمْ لِي نُوراً، وَأَعْطِنِي نُوراً، واجْعَلْ لِي نُوراً. (33) سُبْحَانَ الذِي تَعَطَّفَ بِالْعِزِّ وَقَالَ بِهِ، سُبْحَانَ الَّذِي لَبِسَ الْمَجْدَ وَتَكَرَّمَ بِهِ، سُبْحَانَ الَّذِي لاَ يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلاَّ لَهُ، سُبْحَانَ ذِي الْفَضْلِ وَالنِّعَمِ، سُبْحَانَ ذِي الْمَجْدِ وَالْكرَمِ، سُبْحَانَ ذِي الْجَلالِ والإِكْرَامِ. (34) اللَّهُمَّ لا تَكِلْنِي إِلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلاَ تَنْزِعْ مِنِّي صَالِحَ مَا أَعْطَيْتَنِي. (35) اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي شَكُوراً، واجْعَلْنِي صَبُوراً، واجْعَلْنِي في عَيْنِي صَغِيرا، وفي أَعْيُنِ النَّاسِ كَبِيرا.

(36) اللَّهُمَّ إِنَّكَ لَسْتَ بِإلهٍ اسْتَحْدَثْنَاهُ، وَلا بِرَبٍّ ابْتَدَعْنَاهُ، ولا كَانَ لَنَا قَبْلَكَ مِنْ إِلهٍ نَلْجَأُ إِلَيْهِ وَنَذَرُكَ، وَلا أَعَانَكَ عَلى خَلْقِنَا أَحَدٌ فَنُشْرِكُهُ فِيكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعالَيْتَ. (37) اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَسْمَعُ كَلاَمِي، وَترَى مَكَانِي، وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلانِيَتِي لا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي، وَأَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجيرُ الْوَجِلُ الْمُشْفِقُ الْمُقِرُّ الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ، أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ، وَأَبْتَهِلُ إِلَيْكَ ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ، وَأَدْعُوكَ دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ، مَنْ خَضَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ، وفَاضَتْ لَكَ عَبْرَتُهُ، وَذَلَّ لَكَ جِسْمُهُ، وَرَغِمَ لَكَ أَنْفُهُ. اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي بِدُعَائِكَ شَقِيّاً، وَكُنْ بِي رُؤُوفاً رَحِيماً يَا خَيْرَ الْمَسْؤُولِينَ، ويَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ. (38) اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، واهْدِنَا سُبُلَ السَّلامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ. (39) اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا، وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، واجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا قَائِلِينَ بِهَا، وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا. (40) اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، إِلى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إِلى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ تَكُنْ سَاخِطاً عَلَيَّ فلا أُبَالِي غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الكَرِيمِ الَّذِي أَضَاءَتْ لَهُ السَّمَوَاتُ والأَرْضُ وَأَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ أَنْ تَحِلَّ عَليَّ غَضَبَكَ، أَوْ تُنَزِّلَ عَلَيَّ سَخَطَكَ، وَلَكَ الْعُقْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ. (41) اللَّهُمَّ وَاقِيَةً كَوَاقِيَةِ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ كَما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي. (42) اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بالإِسْلامِ قائِماً، واحْفظْنِي بالإِسْلامِ قَاعِداً، واحْفَظْنِي بالإِسْلامِ رَاقِداً، ولا تُشْمِتْ بِي عَدُوّاً وَلا حَاسِداً.

(43) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، والْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، والْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ، والنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ. (44) اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي، حَتَّى تَجْعَلَهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي، وَعَافِنِي في دِيني وفي جَسَدِي، وانْصُرْنِي عَلَى مَنْ ظَلمَنِي حَتَّى تُرِيَنِي فِيهِ ثَأْرِي. (45) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، وَحَلَّيْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، وبِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ. (46) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ والْكَسَلِ، والْجُبْنِ والْبُخْلِ، والْهَرَمِ والْقَسْوَةِ، والْغَفْلَةِ والذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْكُفْرِ، والْفُسُوقِ والشِّقَاقِ والنِّفَاقِ والسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الصَّمَمِ والْبَكَم والْجُنُونِ والْجُذَامِ والْبَرَصِ وَسَيِّئِ الأَسْقَامِ. (47) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَقَلْبٍ لا يَخْشَعُ، ودُعَاءٍ لا يُسْمَعُ، وَنَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنَ الْجُوعِ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَمِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ، وَمِنَ الْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ومِنَ الْهَرَمِ، وَأَنْ أُرَدَّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فَتْنَةِ الْمَحْيَا والْمَمَاتِ. (48) اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ قُلُوباً أَوَّاهَةً مُخْبِتَةً مُنِيبَةً في سَبِيلِكَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَمُنْجِيَاتِ أَمْرِكَ، والسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، والْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، والْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ، والنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ. (49) اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّي وانْقِطَاعِ عُمْرِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعِفَّةَ والْعَافِيةَ في دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي وَأَمِّنْ رَوْعَتِي، واحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي.

(50) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِيماناً يُبَاشِرُ قَلْبِي حَتَّى أَعْلَمَ أَنَّهُ لا يُصِيبُنِي إِلاَّ مَا كَتَبْتَ لِي، وَرَضِّنِي مِنَ الْمَعِيشَةِ بِمَا قَسَمْتَ لِي. (51) اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَبْدَكَ وَخَلِيلَكَ دَعَاكَ لأَهْلِ مَكَّةَ بِالْبَرَكَةِ، وَأَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَدْعُوكَ لأَهْلِ الْمَدينَةِ أَنْ تُبَارِكَ لَهُمْ في مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ مِثْلَيْ مَا بَارَكْتَ لأَهْلِ مَكَّةَ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ. (52) اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَجَعَلَهَا حَرَاماً مَا بَيْنَ مَأْزَمَيْهَا أَنْ لاَ يُرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلاَ يُحْمَلَ فِيهَا سِلاحٌ لِقِتَالٍ، وَلاَ يُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلاَّ لِعَلَفٍ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في مُدِّنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتِينِ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنَ الْمَدِينَةِ شِعْبٌ وَلاَ نَقْبٌ إِلاَّ وَعَلَيْهِ مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهَا حَتَّى تَقَدَّمُوا إِلَيْهَا. (53) اللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ والْهَرَمِ وَالْمَأْتَمِ وَالْمَغْرمِ، وَمِنْ فَتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمسِيحِ الدَّجَّالِ. (54) اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِالْمَاءِ والثَّلْجِ والْبَرَدِ، ونَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثُّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ. (55) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْه وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ ومَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَربَ إَلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْراً. (56) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الطَّاهِرِ الْمُبَارَكِ الأَحَبِّ إِلَيْكَ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ

أَجَبْتَ، وَإِذَا سُئِلْتَ بِهِ أَعْطَيْتَ، وَإِذَا اسْتُرْحِمْتَ بِهِ رَحِمْتَ، وَإِذَا اسْتُفْرِجْتَ بِهِ فَرَّجْتَ. (57) اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِي وَصَدَّقَنِي، وَعَلِمَ أَنَّ مَا جِئْتُ بِهِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فأَقْلِلْ مَالَهُ وَوَلَدهُ وَحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَعَجِّلْ لَهُ الْقَضَاءَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِي وَلَمْ يُصَدِّقْنِي وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا جِئْتُ بِهِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فأَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَأَطِلْ عُمْرَهُ. (58) اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِكَ وَشَهِدَ أَنِّي رَسُولُكَ فَحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَأَقْلِلْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ، وَلَمْ يَشْهَدْ أَنِّي رَسُولُكَ فَلا تُحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَلاَ تُسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَكَثِّرْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا. (59) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ في الأَمْرِ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ لِسَاناً صَادِقاً، وَقَلْبَاً سَلِيماً، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. (60) اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تُضِلني، أَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لاَ يَمُوتُ، وَالْجِن والإِنْسُ يَمُوتُونَ. (61) اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَالَّذِي نَقُولُ، وَخَيْرٍ مِمَّا تَقُولُ. اللَّهُمَّ لَكَ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي، وَإِلَيْكَ مَآبِي، وَلَكَ رَبِّ ثَرَائِي. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ، وَشَتَاتِ الأَمْرش. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيَاحُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيحِ. سَأَلَ اللهَ خَيْرَ الْمَجْمُوعَةِ لأَنَّهَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيحُ. (62) اللَّهُمَّ عَافِنِي في جَسَدِي، وَعَافِنِي في بَصَرِي، واجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنِّي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ الْكَرِيمُ الْحَكِيمُ، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (63) اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ ما تُبْلِغُنَا بِهِ

جَنَّتَكَ (أي اجعل لنا قسما)، وَمِنَ الْيَقِينِ مَا يُهَوِّنُ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أحْيَيْتَنَا، واجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا، واجْعَلْ ثَارَنَا عَلى مَنْ ظَلَمَنَا، وانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، ولا تَجْعَلْ مُصِيبتَنَا في دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لا يَرْحَمُنَا. (64) اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْماً. الْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ. (65) اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أُعَظِّمُ شُكْرَكَ، وَأُكْثِرُ ذِكْرَكَ، وأَتْبَعُ نَصِيحَتَكَ وأَحْفَظُ وَصِيَّتَكَ. (66) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّي مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلى رَبِّي في حَاجَتِي هذِهِ لِتُقْضَى لي، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ. (67) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيَّتِي. (68) اللَّهُمَّ عَافِنِي في بَدَنِي. اللَّهُمَّ عَافِنِي في سَمْعِي. اللَّهُمَّ عَافِنِي في بَصَرِي. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ. (69) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِيشَةً نَقِيَّةً، وَمَيْتَةً سَوِيَّةً، وَمَرَدَّاً غَيْرَ مُخْزٍ وَلا فَاضِحٍ. (70) اللَّهُمَّ إِنَّ قُلُوبَنَا وَجَوارِحَنَا بِيَدِيكَ لَمْ تُمَلِّكْنَا مِنْهَا شَيئاً فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ بِهَا فَكُنْ أَنْتَ وَليَّهُمَا (عن جابر). (71) اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي في قَلْبِي نُوراً، وَفي لِسَانِي نُوراً، وفي بَصَرِي نُوراً، وَفي سَمْعِي نُوراً وَعَنْ يَمِينِي نُوراً، وَعَنْ يَسَارِي نُوراً، وَمِنْ فَوْقِي نُوراً، وَمِنْ تَحْتِي نُوراً، وَمِنْ أَمَامِي نُوراً، وَمِنْ خَلْفِي نُوراً، وَاجْعَلْ لِي في نَفْسِي نُوراً، واعْظِمْ لِي نُوراً. (72) اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِيني الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي.

وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي. واَجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي في كُلِّ خَيرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ. (73) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى والتُّقَى والْعَفَافَ والْغِنَى. (74) اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي، وَآمِنْ رَوْعَتِي، واقْضِ عَنِّي دَيْنِي. (75) اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ الأَشْيَاءِ إِلَيَّ، واجْعَلْ خَشْيَتَكَ أَخْوَفَ الأَشْيَاءِ عِنْدِي، واقْطَعْ عَنِّي حَاجَاتِ الدُّنْيَا بِالشَّوْقِ إِلى لِقَائِكَ، وَإِذَا أَقْرَرْتَ أَعْيُنَ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ دُنْيَاهُمْ فَأَقْرِرْ عَيْنِي مِنْ عِبَادَتِكَ. (76) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الأَعْمَيَيْنِ: السَّيْلِ، والْبَعِيرِ الصَّؤُولِ. (77) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ الصِّحَّةَ وَالْعِفَّةَ والأَمَانَةَ وَحُسْنَ الْخُلُقِ، وَالرِّضَا بِالْقَدَرِ. (78) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ يَوْمِ السُّوءِ، وَمِنْ لَيْلَةِ السُّوءِ، وَمِنْ سَاعَةِ السُّوءِ، وَمِنْ صَاحِبِ السُّوءِ، وَمِنْ جَارِ السُّوءِ في دَارِ الْمُقَامَةِ. (79) اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ. (80) اللَّهُمَ لَكَ الْحَمْدُ شُكْرَاً، وَلَكَ الْمَنُّ فَضْلاً. (81) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ التَّوْفِيقَ لِمَحَابِّكَ مِنَ الأَعْمَالِ، وَصِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، وَحُسْنَ الظَّنِّ بِكَ. (82) اللَّهُمَّ افْتَحْ مَسَامِعَ قَلْبِي لِذِكْرِكَ، وارْزُقْنِي طَاعَتَكَ وَطَاعَةَ رَسُولِكَ، وَعَملاً بِكِتَابِكَ. (83) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ صِحَّةً في إِيمانٍ، وَإِيمَانَاً في حُسْنِ خُلُقٍ، وُنَجَاحاً يَتْبَعُهُ فَلاحٌ، وَرَحْمَةً مِنْكَ وَعَافِيَةً وَمَغْفِرَةً مِنْكَ وَرِضْوَاناً. (84) اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشَاكَ حَتَّى كَأَنِّي أَرَاكَ، وَأَسْعِدْنِي بِتَقْوَاكَ، وَلا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ وَخِرْ لي في قَضَائِكَ، وَبَارِكْ لِي في قَدَرِكَ حَتَّى لا أُحِبُّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ، واجْعَلْ غِنَايَ في نَفْسِي وَأَمْتِعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي واجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي وانْصُرْنِي عَلى مَنْ ظَلَمَنِي وَأَرِنِي فِيهِ ثَارِي وَأَقَرَّ بذلِكَ عَيْنِي. (85) اللَّهُمَّ الْطُفْ بِي في تَيْسِيرِ كُلِّ عَسِيرٍ، فَإِنَّ تَيْسِيرَ كُلِّ عَسِيرٍ عَلَيْكَ يَسِيرٌ، وأَسْأَلُكَ الْيُسْرَ وَالْمُعَافَاةَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ. (86) اللَّهُمَّ اعْفُ عَنِي فَإِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ. (87) اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفَاقِ، وَعَمَلِي مِنَ الرِّيَاءِ، وَلِسَانِي مِنَ الْكَذِبِ، وَعَيْنِي مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ. (88) اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي عَيْنَيْنِ هَطَّالَتَيْنِ تَشْفِيَانِ الْقَلْبَ بِذُرُوفِ الدُّمُوعِ مِنْ خَشْيَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَكُوكَ الدُّمُوعُ وَالأَضْرَاسُ جَمْراً. (89) اللَّهُمَّ عَافِنِي في قُدْرَتِكَ، واقْضِ أَجَلِي في طَاعَتِكَ، واخْتِمْ لِي بَخَيْرِ عَمَلِي، واجْعَلْ ثَوَابَهُ الْجَنَّةَ. (90) اللَّهُمَّ أَغْنِنِي بِالْعِلْمِ، وَزَيِّنِّي بِالْحِلْمِ، وَأَكْرِمْنِي بِالتَّقْوَى، وَجَمِّلْنِي بِالْعَافِيَةِ. (91) اللَّهُمَّ حجَّةً لاَ رِيَاءَ فِيهَا وَلا سُمْعَة. (92) اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ فَإِنَّهُ لا يَمْلِكُهُمَا إِلاَّ أَنْتَ. (93) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ خَلِيلٍ مَاكِرٍ عَيْنَاهُ تَرَيَانِي، وَقَلْبُهُ يَرْعَانِي، إِنْ رَأَى حَسَنَةً دَفَنَهَا، وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً أَذَاعَهَا. (94) اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَخَطَايَايَ كُلَّهَا، اللَّهُمَّ أَنْعِشْنِي وَأَجِرْنِي واهْدِنِي لِصَالِحِ الأَعْمَالِ وَالأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لِصَالِحِهَا وَلا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ. (95) اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْراً لِي، وَتَوفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْراً لِي. اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ في الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الإِخْلاصِ في الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصدَ في الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نِعيماً لا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ

لَذَّةَ النَّظَرِ إِلى وَجْهِكَ، والشَّوْقَ إِلى لِقَائِكَ في غَيْرِ ضَرَّاءَ مَضَرَّةٍ وَلا فِتْنَةٍ مُضِلّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمانِ، واجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْتَدِينَ. (96) اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَرَبَّ إِسْرِافِيلَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ حَرِّ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. (97) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الْعَدُوِّ، وَمِنَ بَوَارِ الأَيْمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَالِ. (98) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي وَالْهَدْمِ والْغَرَقِ والْحَرق، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عَنْدَ الْمَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ في سَبِيلِكَ مُدْبِراً، وأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغاً. (99) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، واسْمِكَ الْعَظِيمِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ. (100) اللَّهُمَّ لا يُدْرِكُنِي زَمَانٌ وَلا نُدْرِكُ زَمَاناً لا يُتّبَعُ فِيهِ الْعَلِيمُ، وَلا يُسْتَحْيَا فِيهِ مِنَ الْحَلِيمِ، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الأَعَاجِمِ، وَأَلْسِنَتُهُمْ أَلْسِنَةُ الْعَرَبِ. (101) اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفَائِي الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي يَرْوُونَ أَحَادِيثي وَسُنتي وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ. (102) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. (103) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ والْقِلَّةِ والذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ. (104) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الأَخْلاقِ. (105) اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لا شَافِيَ إِلاَّ أَنْتَ، اشْفِ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَماً. (106) اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. (107) اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ والْحَزَنِ والْعَجْزِ والْكَسَلِ وَالْجُبْنِ والْبُخْلِ وضِلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ.

(108) اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَّخذُ عِنْدَكَ عَهْداً لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّمَا مُؤمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَوْ جَلَدْتَهُ أَوْ لَعَنْتُهُ فاجْعَلْهَا لَهُ صَلاةً وَزَكاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (109) اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا. (110) اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وجَهْلِي وَإِسْرَافِي في أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي وَعَمْدِي وَهَزَلِي وَجَدِّي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ؛ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (111) اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا، لَكَ مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا إنْ أَحْيَيْتَهَا فاحْفَظْهَا وَإِنْ أَمَتَّهَا فاغْفِرْ لَهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ. أ - فوائد نبوية في الطب الْمُصْطَفِي. أَلْبَانُ الْبَقَرِ شِفَاءٌ، وَسَمْنُهَا دَوَاءٌ، وَلُحُومُهَا دَاءٌ. ب - أوامر سعادة الحياة. الْبَسِ الْخَشِنَ الضِّيِّقَ حَتَّى لا يجِدَ الْعِزُّ والْفَخْرُ فِيكَ مَسَاغاً. الْبَسُوا الثِّيَابَ الْبِيضَ فَإِنَّهَا أَظْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتاكُمْ. الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ. تمت الأدعية المأثورة وثمرات ونصائح محمدية ويليها آيات قرآنية في مواضع مختلفة في العلم ونشره والجهاد في سبيل الله تعالى والاتحاد وحسن الخلق والأمر بالمعروف والإيمان بالله وحده وتنميته وبيان قدرة الله عز شأنه وعلمه بخلقه جل وعلا

آيات القرآن

آيات القرآن هدى ورحمة وبشرى للمحسنين "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا" ونتبرك بذكر كلام الله تعالى اقتباساً وعبادة آيات فضل العلم قال تعالى: "وقل رب زدني علما" 1 - قال تعالى: [إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (38)] فاطر. 2 - وقال تعالى: [قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُلُوا الأَلْبَابِ (9)] الزمر. 3 - وقال تعالى: [قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى والْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ والنُّورُ (16)] الرعد. 4 - وقال تعالى: [مَثَلُ الْفَرِيقِيْنِ كالأَعْمَى والأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً (24)] هود 5 - وقال تعالى: [أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)] الملك. 6 - وقال تعالى: [وَمَا يُسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرِ (19) ولا الظُّلُمَاتُ ولا النُّورُ (20) ولاَ الظلُّ وَلا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ ولا الأَمْوَاتُ (22)] فاطر. 7 - وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا في الْمَجَالِسِ فافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ والَّذِينَ أُتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ (11)] المجادلة. 8 - وَقال تعالى: [أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَابِ (19)] الرعد. 9 - وقال تعالى: [وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا للنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ (43)] العنكبوت.

آيات الترغيب في نشر العلم والترهيب من كتمه

آيات الترغيب في نشر العلم والترهيب من كتمه 1 - قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) المائدة]. 2 - وقال تعالى: [قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلى اللهِ عَلَى بَصِيَرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)] يوسف. 3 - وقال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)] البقرة. 4 - وقال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنَاً قَلِيلاً أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيْهِمْ ولَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا في الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)] البقرة. 5 - وقال تعالى: [اشْتَرَوا بِآيَاتِ اللهِ ثَمَناً قَليلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9)] التوبة. 6 - وقال تعالى: [وَالَّذِي جَاءَ بِالْصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34)] الزمر. 7 - وقال تعالى: [إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً ولا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الجحِيمِ (119)] البقرة. 8 - وقال تعالى: [هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ

آيات الجهاد في سبيل الله

وَيُزَكِّيْهِمْ ويُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ والْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعِزيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ واللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)] الجمعة. 9 - وقال تعالى: [واذْكُرْنَ مَا يُتْلَى في بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ والْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطيفاً خَبِيراً (34)] الأحزاب. 10 - وقال تعالى: [وأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)] النحل. 11 - وقال تعالى: [وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ واشْتَرَوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)] آل عمران. آيات الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى أ - قال تعالى: [فَلْيُقَاتِلْ في سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ في سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسُوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74) وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا واجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنكَ وَلِيّاً واجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللهِ والَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ في سَبيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كانَ ضَعيفا (76)] النساء. ب - وقال تعالى: وَمَنْ يُهَاجِرْ في سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ في الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (100)] النساء. جـ - وقال تعالى: [إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ

يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً في التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ والْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)] التوبة. د - وقال تعالى: [إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِهِ صَفَّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)] الصف. هـ - وقال تعالى: [وَقاتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) واقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنْ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ والْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ واتَّقُوا اللهَ واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)] البقرة. و- وقال تعالى: [أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وصَلَواتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)] الحج. ز - وقال تعالى: [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ في سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (60) وإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)] الأنفال. ح - وقال تعالى: [وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ فَإِنِ

انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)] الأنفال. ط - وقال تعالى: [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)] الأنفال. ي - وقال تعالى: [يَا أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (71)] النساء. ك - وقال تعالى: [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ باللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)] الصف. ل - وقال تعالى: [وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170)] آل عمران. م - وقال تعالى: [انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقالاً وَجَاهِدُوا بأِمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ في سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)] التوبة. ن - وقال تعالى: [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا في سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38)] التوبة. س - وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يُوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)] الأنفال.

آيات الترغيب في الاتحاد وحسن الخلق

ع - وقال تعالى: [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)] الأنفال. آيات الترغيب في الاتحاد وحسن الخلق وطاعة الله ورسوله وحب العدل الديمقراطية الإسلامية أ - قال تعالى: [واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلَى شفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)] آل عمران. ب - وقال تعالى: [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)] الأنفال. جـ - وقال تعالى: [وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)] الحجرات. د - وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبيرٌ (13)] الحجرات. آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشقاق والخلاف أ - قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا

واخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيَمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)] آل عمران. ب - وقال تعالى: [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيْرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)] التوبة. جـ - وقال تعالى: [وأْمُرْ أَهْلَكَ بالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (123)] طه. د - وقال تعالى: [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِنَّنْ دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنِّني مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)] فصلت. هـ - وقال تعالى: [قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)] يوسف. و- وقال تعالى: [ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)] النحل. ز - وقال تعالى: [فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)] التوبة. ح - وقال تعالى: [وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ (214) واخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (125)] الشعراء.

آيات الإيمان وشعبه وأصحابه المتصفين بخلاله

ط - وقال تعالى: [لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرِائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)] المائدة. ي - وقال تعالى: [واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)] الأنفال. آيات الإيمان وشعبه وأصحابه المتصفين بخلاله أ - قال تعالى: [وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ (43)] البقرة. ب - وقال تعالى: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)] الأنفال. جـ - وقال تعالى: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُوكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ باللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)] النور. د - وقال تعالى: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)] الحجرات. هـ - وقال تعالى: [إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً في التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ وَالْقُرآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وذَلِكَ

هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)] التوبة. و- وقال تعالى: [قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ في صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) والَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) والَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) والَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) والَّذِينَ هُمْ عَلىَ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)] المؤمنون. ز - وقال تعالى: [لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وَالْملائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى والْيَتَامَى والْمَسَاكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ والسَّائِلِينَ وفي الرِّقابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ في الْبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)] البقرة. ح - وقال تعالى: [الَّذِينَ يُنْفِقُونَ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ والْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) والَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)] آل عمران. ط - وقال تعالى: [فلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65)] النساء. ي - وقال تعالى: [إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا

آيات تنمية الإيمان بالنظر في آيات الله تعالى

بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18)] السجدة. ك - وقال تعالى: [وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قالُوا هذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22)] الأحزاب. ل - وقال تعالى: [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)] آل عمران. آيات تنمية الإيمان بالنظر في آيات الله تعالى أ - وقال تعالى: [إِنَّ في خَلْقِ السَّمَواتِ والأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامَاً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَواتِ والأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا باطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)] آل عمران. ب - وقال تعالى: [ومَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ والأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)] سورة ص. جـ - وقال تعالى: [وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ والشَّمْسُ والْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ واسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)] فصلت. د - وقال تعالى: [قُلِ انْظُرُوا مَاذَا في السَّمَواتِ والأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ والنذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (101)] يونس. هـ - وقال تعالى: [وَفي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21)] الذاريات. و- وقال تعالى: [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ

تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ في ذلِكَ لآياَتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَواتِ والأَرْضِ واخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِلْعَالَمِينَ (22) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ وابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقُوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ والأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)] الروم. ز - وقال تعالى: [وَفي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْض في الأُكُلِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)] الرعد. ح - وقال تعالى: [أَفَلَمْ يَسِيرُوا في الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ ولكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتي في الصُّدُورِ (46)] الحج. ط - وقال تعالى: [أفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) والأَرْضِ مَدَدْنَاهَا وأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْج بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)] سورة ق. ي - وقال تعالى: [وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ في السَّمَواتِ والأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)] يوسف. ك - وقال تعالى: [إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)] سورة ق.

آيات وحدانية الله تعالى ودلائلها

آيات وحدانية الله تعالى ودلائلها واتصافه بالكمال المطلق وتنزيهه عن النقائص أ - قال تعالى: [قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1) اللهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)] سورة الإخلاص. ب - وقال تعالى: [هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (65)] غافر. جـ - وقال تعالى: [اللهُ لا إِلَهُ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَواتِ ومَا في الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَواتِ والأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)] البقرة. د - وقال تعالى: [وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابِهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)] المؤمنون. هـ - وقال تعالى: [لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)] الأنبياء. و- وقال تعالى: [وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بالعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلى اللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (22)] لقمان. ز - وقال تعالى: [إِنْ كُلُّ مَنْ في السَّمَواتِ والأَرْضِ إِلاَّ آتي الرَّحْمَنِ عَبْدا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّا (64) وكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدا (95)] مريم. ح - وقال تعالى: [هُو اللهُ الذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ والشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللهُ الَّذي لا إِله إلا هُوَ الْمَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَآ يُسَبِّحُ لَهُ مَا في السَّمَواتِ والأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)] الحشر.

آيات قدرة الله تعالى ودلائلها

ط - وقال تعالى: [وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)] يونس. آيات قدرة الله تعالى ودلائلها الناطقة بوجوده وحسن تدبيره تبارك وتعالى أ - قال تعالى: [سَنُرِيهِمْ آياتِنَا في الآفَاقِ وفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيد (53)] فصلت. ب - وقال تعالى: [نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)، أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ في مَا لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الماءَ الّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعَاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ باسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)] الواقعة. جـ - وقال تعالى: [أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)] الغاشية. د - وقال تعالى: [فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِبِ (7)] الطارق.

آيات علم الله تعالى ودلائله

هـ - وقال تعالى: [فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبَّا (25) ثُمَّ شَقَقنا الأَرْضَ شَقّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبَّا (27) وَعِنَباً وَقَضْبا (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبَّا (31) مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ (32)] عبس. و- وقال تعالى: [قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاء وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ في اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيْتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)] آل عمران. ز - وقال تعالى: [وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وأَعَنْابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ ومِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللِّيْلُ سَابِقُ النَّهارِ وُكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَتَهُمْ في الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُون (43) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعاً إِلى حِينٍ (44)] يس. آيات علم الله تعالى ودلائله أ - قال تعالى: [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)] غافر. ب - وقال تعالى: [اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْملُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلَّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَاءٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ والشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)] الرعد. جـ - وقال تعالى: [وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا في البَرِّ والْبَحْرِ

آيات سنة الله تعالى في أن من رجع إليه هداه ومن أعرض عنه أضله

وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ في ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ في كِتَابٍ مُبِينٍ (59)] الأنعام. د - وقال تعالى: [قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَواتِ والأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)] النمل. هـ - وقال تعالى: [إِنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلا في السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ في الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ (6)] آل عمران. و- وقال تعالى: [إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا في الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بَأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)] لقمان. ز - وقال تعالى: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)] سورة ق. ح - وقال تعالى: [وَأَسِرُّوا قَوْلَهُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)] الملك. ط - وقال تعالى: [أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا في السَّمَواتِ وَمَا في الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ (7)] المجادلة. ي - وقال تعالى: [هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكَمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكَّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)] النجم. آيات سنة الله تعالى في أن من رجع إليه هداه ومن أعرض عنه أضله أ - قال الله تعالى: [وَمَنْ يَعْتَصِمْ باللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)] آل عمران.

ب - وقال تعالى: [فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى واتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)] الليل. جـ - وقال تعالى: [وَمَنْ يُؤْمِنْ باللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ واللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)] التغابن. د - وقال تعالى: [وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)] الرعد. هـ - وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانَاً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ واللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)] الأنفال. و- وقال تعالى: [وَالَّذِينَ اهْتَدَوا زَادَهُمْ هُدىً وآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)] محمد عليه الصلاة والسلام. ز - وقال تعالى: [والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)] العنكبوت. ح - وقال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيْمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)] يونس. ط - وقال تعالى: [كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)] آل عمران. ي - وقال تعالى: [فَرِيقاً هَدَى وَفَريقاً حَقَّ عَلَيْهِمْ الضّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)] الأعراف. ك - وقال تعالى: [سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ في الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَإِنْ يَرَوا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)] الأعراف. ل - وقال تعالى: [إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)] غافر. م - وقال تعالى: [كذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)] غافر.

ن - وقال تعالى: [بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونُ إِلاَّ قَليلا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيما (156)] النساء. س - وقال تعالى: [وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً في قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)] التوبة. ع - وقال تعالى: [فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)] الصف. ف - وقال تعالى: [ثمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127)] التوبة. ص - وقال تعالى: [في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)] البقرة. ق - وقال تعالى: [وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانَاً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)] الزخرف. ر - وقال تعالى: [فمن اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةَ ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)] طه. ش - وقال تعالى: [كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33)] يونس عليه السلام. [سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ والْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)] من سورة الصافات.

صورة ما وجد بآخر النسخة الخطية المقابل عليها برمز «ع» عمارية

ملاحظة: وجد بآخر النسخة الخطية «ع» التي قابلت عليها هذا الكتاب أثناء شرحه وطبعه ما نصه: نجزت كتابة هذا الجزء المبارك بحمد الله وعونه وحسن توفيقه في نهار الاثنين المبارك الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 856 هـ على يد الفقير إلى الله تعالى المعترف بالتقصير محمد بن أبي بكر بن أبي يحيى بن أحمد الخيري غفر الله له ولوالديه ولأساتذته ولمن دعا لهم بالمغفرة ولمالكه ولمن نظر فيه ولمن قرأه أو سمعه ولجميع المسلمين. اللهم صلّ على أفضل خلقك أجمعين النبي الأمي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وعلى آله وصحبه عدد معلوماتك ومداد كلماتك كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون. الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. برسم الأخ في الله الصدر الأجلّ المحترم شمس الدين أبي عبد الله محمد بن المعلم شهاب بن أحمد الشهير بابن حامد الخشاب، عامله الله بلطفه الخفي وغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين.

ثبت المؤلف لقراء ونشر الأحاديث الشريفة

ثبت المؤلف لقراء ونشر الأحاديث الشريفة لسيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ملخص من كتاب (منح المنة: في سلسلة بعض كتب السنة) لحافظ العصر ومحدثه، مسند الزمان، أبو الإسعاد وأبو الإقبال: "السيد محمد عبد الحي الكتاني المغربي الفاسي، حفظه الله تعالى بمنه وجوده. ومتع الأنام بوجوده آمين. القائل: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رافع من بصحيح العمل إلى على بابه استند، وواصل من انقطع بحسن العمل إلى عزيز جنابه وعليه اعتمد، وواضع من تعلق في النوازل والمعضلات لضعف يقينه بسوي الفرد الصمد، فليس وراء الله أحد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرسل والحق في غربة واضطراب، اشتهر ولله الحمد دينه القويم وتواتر ولوكره المعاند المرتاب. وعلى آله المسلسل ما لهم من الشرف والمجد ولد عن والد ووالد عن جد، وأصحابه مصابيح الهدى ونجوم الاقتداء، والتابعين لهم بإحسان ما تكرر الجديدان. أما بعد: وفي كل ربع بنو سعد فيقول الفقير الحقير أبو الإسعاد وأبو الإقبال خادم السنة محمد عبد الحي ابن شيخه أبي المكارم عبد الكبير ابن شيخه أبي المفاخر محمد بن عبد الواحد الحسيني الحسني الإدريسي الكتاني، خار الله تعالى له ووفقه وفي كل مشهد أوقفه ربه حققه. فقد استجازني وبالخير أولاني حضرة الفاضل المشتغل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته الشيخ مصطفى عمارة المصري نفعه الله ونفع به آمين. فلبيت دعوته. وأجبت رغبته وقلت، وعلى الله توكلت: أجيز حضرة المفضال المذكور ذي السعي المشكور والعمل المبرور بجميع مالي من مرويات ومقروءات ومسموعات ومجازات عن قريب من خمسمائة نفس (¬1). . . إلى أن ¬

(¬1) عدها في كتابه فذكر الأسماء حتى وصل إلى حضرة السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم في السند وبيدي نسخة منه توصل روايتي عنهم عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزكى السلام.

الاعتراف بالجميل

قال موصياً للسيد المجاز بتقوى الله تعالى التي هي ملاك الأمر كله في السر والعلن فيما ظهر وبطن، ورفع الهمة، واحترام حرمة الدين والأمة، وملازمة الجماعة والغيرة على الدين والسنة، وتقديمها على أمر كل ذي منة، وأرجوه ألا ينساني من صالح دعواته في خلواته. وأسأل الله تعالى أن يطيل عمره في صحة وعافية وينفع به، ويوفقني وإياه وذويه ومحبيه وتابعين والمسلمين لما يحبه ويرضاه آمين. قاله محمد عبد الحي الكتاني الحسني في 7 صفر الخير سنة 1353 من الهجرة النبوية. الاعتراف بالجميل والثناء على الله وحده. والفضل له عز شأنه الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله من أرسله الله رحمة للعالمين. أما بعد: فأقول وأنا العبد الحقير راجي عفو ربه القدير سبحانه وتعالى: أقبل هذا الإذن بأدب واحترام، وأسأل ربي تبارك وتعالى أن يوفقني إلى الخير ويلهمني الشراد والسداد فيما أنقل وفيما أكتب، وبالله أستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله عليى سيدنا حمد وعلى آله وأصحابه الأخيار الذين عملوا بسنة رسول الله ففازوا وسعدوا في الدنيا والآخرة وحسبنا الله ونعم الوكيل. خادم السنة النبوية الشريفة مصطفى محمد عمارة

§1/1