التدريب وأهميته في العمل الإسلامي

محمد بن موسى الشريف

- نحن نتذكر 10% أو أقل من الذي نسمعه. - ونتذكر 25% من الذي نراه. - ونتذكر 90% من الذي نعمله. [المفاتيح العشرة للنجاح: 73]

مقدمة

مقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا المبعوث رحمة للعاملين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: إن قضية التدريب - في ظني وتقديري- من القضايا المهمة في العمل الإسلامي، لهذا أفردت لها كتابا سعيت فيه لتأصيل هذه القضية بإيراد النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وإيراد عمل السلف الصالح رضي الله عنهم، وأوردت كذلك عدداً من الحوادث التاريخية منذ زمان أولئك الأطهار إلى يوم الناس هذا، وأردت من هذا الحشد للآثار والحوادث إبراز الأهمية التي أولاها الصالحون لهذه القضية. وقد أوردت في ثنايا البحث أحداثاً وأمثلة من زماننا تبيِّن مدى تقصيرنا في الأخذ بالتدريب الجاد، وأنه يجب علينا تدارك هذا الأمر في حياتنا؛ إذ كثر حديثنا عن

الإصلاح بأساليب هي أقرب إلى النظير والإدارة الفوقية، وقلّ - إلى حد يبعد - التدريب العمليّ على تخطِّي الصعاب وتجاوز العقبات. وقد عرضت في ثنايا البحث صوراً على النجاح المقترن بالاهتمام بتلك القضية، أو الفشل المتسبب من إغفال الأخذ بها، وأوردت كلام بعض المهتمين بمثل هذه القضايا، وشفعت ذلك كله بذكر طرائق للتدريب مقترحة في بعض جوانب العمل الإسلامي. ومن المعلوم أن التدريب هو أحد جزءي التأهيل، إذ التأهيل يعمُّ الجانب النظري والعمليّ معاً، لكن لما كان الجزء النظريّ قد أُوشبع بحثاً وقتل درساً؛ إذ أُلفت فيه مثنفات كثيرة، وأقيمت لأجل فهمه مؤتمرات واجتماعات، لما كان كذلك رأيت أن أتحدث عن الجزء العملي الذي أظن أن الحاجة ملحَّة لبيانه وتوضيحه، وحسبي أن أنبِّه على الداء وأذكر بعض أساليب العلاج، وأفتح الباب بهذا على لمصراعيه للمشاركة في هذه القضية التي أحسبها على غاية من الأهمية. هذا وإني لأرجو أن أكون قد وفقت في الاستنباط والعرض، وأن يدخر اله لي ثواب ذلك العمل ليوم العرض، والله تعالى الموفَّق لكل ما يحبُّه ويرضاه.

تمهيد

تمهيد إن العمل الإسلاميّ المعاصر تظهر معالمه في صور متعددة، فهناك المسجد وحلقاته ودروسه، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجامعات الإسلامية، والمراكز الدعوية الرسمية منها والتعاونية، ومراكز دعوة الجاليات، والعمل الإعلاميّ الاقتصادي، وجهود الأفراد والجماعات في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى. والعلة الكبيرة في جُل تلك الأعمال- فيما أظن أُقدّر- هي ضعف التدريب وسوء التوجيه وقصوره؛ فالمسلم المعاصر مطالب بالدعوة إلى الله تعالى - كما طولب إسلافه - بنص كتاب الله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (¬1). ثم إنه - في حقيقة الأمر - لا يعرف الكيفية الإيجابية للدعوة، ولا الخطوات الشرعية الصحيحة ¬

(¬1) سورة أل عمران: أية 104.

للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب أنه لم يُدرَّب على ذلك التدريب الكافي، أو لم يدرَّب على ذلك أبداً، ولم يُخط معه الخطوات اللازمة لتعريفه وإرشاده. والشواهد على هذه المسألة أكثر من أن تُحصر وأكبر من أن تغفل فتُحضر؛ فالمسجد - مثلاً- يقوم عليه إمام حائز على شهادة نظرية، لكنه لم يدرَّب على الإمامة ومواجهة المصلين والقيام بحقوق إهل الحي وجمع قلوبهم وجهودهم والإجابة على أسئلتهم الشرعية والاجتماعية، بل جيء به - غالباً- إلى مسجد ما ولم يسبق له أن دُرب على ما سيقبل عليه، والأدهى من ذلك أنه يؤتى بأشخاص إلى الجوامع الكبيرة والمساجد المهمة، وكل ما يملكونه من رصيد هو جمال الصوت، لكن لم يدربوا ولم يؤهَّلوا، بل أزعم أن أكثر الأئمة ليسوا على شيء صحيح ذي أسس قويمة بل هم مجتهدون فيما يزاولون، محاولون أمراً ليس لهم به معرفة ولا تجربة، وأقصى ماعند أكثرهم شهادة شرعية لم يخالطها أو يتبعها تدريب مناسب. والجامعات الإسلامية يضعف فيها التدريب ضعفاً ملحوظاً، وبعض الجامعات تكتفي - لتحقيق متطلبات التخريج - بإلزام طلابها بتدريس بعض الحصص لطلاب المدارس، وهذا لا يكفي في تأهيل المتخرج في تلك الجامعات وإعداده للواجبات الملقاة على عاتقه، وحتى

حصص التدريب هذه فإنه لا يدرب عليها وليس له سابق معرفة عما سيصنعه مع الطلاب. والمراكز الدعوية ومراكز دعوة الجاليات إنما يتصدى للعمل فيها أناس نحسبهم مخلصين لكن يُعْوِزهم التدريب الكافي، وتستخلص خبرتها بدوران عجلة العمل اليومية، وليسوا متدربَّين في الأصل التدريب الكافي على هذا العمل المهم. والعمل الخيري الإغاثيّ والتربوي - في هيآته وجمعياته ولجانه - يقوم عليه أناس لا تنقصهم الغيرة ولا الحماس لكنهم غير مخصصين، ولا دربوا التدريب الكافي على هذا الباب المهم من أبواب العمل الإسلاميّ، إلا قليلاً منهم، والقاعدة ما ذكرت. والعمل الإعلامي - المقروء والمسموع والمرئي - يقوم عليه أشخاص ليس لأكثرهم تجارب سابقة، ولا تصورات صحيحة، ولا قواعد منضبطة مستقيمة فيما ينبغي عليهم عمله أو تركه، وما الذي يبث وما الذي يحجب عن العامة، وهكذا ... وهناك أمر عجيب، وهو أن المشاركين في الكتابة الإسلامية الناقدة لجوانب العمل الإسلامي المختلفة- ما

ذكرته منها آنفاً وما لم أذكره - ليس لأكثرهم خبرة كافية فيما ينقدونه، ولا لهم مشاركة حاكمة دقيقة إلا ما يرونه من آثار تلك الأعمال ونتائجها. بل إن كثيراً من الكاتبين في الشؤون الإسلامية العامة في جوانبها المختلفة إنما يتناولون موضوعات لم يحسنوا فهمها، ولا مارسوها، ولم تكن شيئاً واقعاً في حياتهم، ولم يلمسوها أو يتعرفوا عليها عن قرب، إنما هو حماس متدفق وغيرة تنقصها الخبرة والمعرفة والتدريب الكافي على حسن التناول والأخذ: لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابةَ إلا من يعانيها لذلك كله احتاج العمل الإسلامي - بجوانبه المختلفة - إلى الأخذ الجاد بأساليب وطرائق التدريب العملي القائم على أسس نظرية صحيحة حتى نستطيع أن نستجيب لمتطلبات هذا العصر المعقدة، ونجاري غيرنا من الأمم الكافرة التي استطاعت أن تصل إلى درجات عالية من الرقي لأخذها بجملة أسباب، منها التدريب الجاد والمتواصل في مجالات الحياة كلها تقريباً. أما الحديث عن أفراد الدعاة إلى الله تعالى وأحوالهم في باب التدريب والممارسة فهو حديث ذو شجون

وهموم، وتناوله يحتاج إلى بسط وتفريع: هناك إعداد ضخمة من المسلمين الصالحين اعتاد المجتمع على وصفهم بأنهم دعاة إلى الله تعالى، وقد يكون بعضهم قد حاز هذا اللقب الشريف حقاً، لكن أكثرهم لم ينله بعد، هم صالحون حَسنو النية والقصد، سليمو الفطرة، جميلو الفعال .. لكن الحديث عن الدعوة شيء آخر، والوصف بهذا اللقب الشريف يحتاج إلى تمهُّل وتريُّث؛ فالداعية إلى الله تعالى هو من يغْشَى المجتمعات، ويناقش ويجادل بالحسنى، ويعرض الحجج؛ ويبرهن على صحة قضيته وصواب عمله، ويجهد في ذلك كله، وهو مع ذلك يذكر بالله حالهُ ومقالهُ فعلى هذا أقرر أنه قد نال كثير من المسلمين درجة الصلاح، لكن أن يكونوا دعاة فتلك قضية أخرى. وهناك فئة من الصالحين قد داروا في حلقة مفرغة من القضايا النظرية التي هي أقرب إلى الإجراءات الإدارية منها إلى الدعوة العملية، فهؤلاء قد قَصّروا في بلوغ منزلة الداعية إلى الله تعالى وإن كانوا في أعمالهم تلك على خير نرجو أن يكونوا فيه مأجورين مثابين، إن شاء الله تعالى، وهذا التقصير مردُّه إلى الطبيعة التي طُبع الصالح عليها لا إلى تعمده إغفالَ الخلطة المحمودة لطوائف المسلمين وإرشادهم عملياً والأخذ بأيديهم دائماً وعليها أحياناً.

إن أولئك الصالحين - أو من نحسبهم كذلك - غفلوا أو أغفلوا أهمية أن يقرن القول بالعمل في هذه المسألة المهمة، بمعنى أنه لا يمنعه الانهماك المتواصل في التخطيط والإدارة أن يبذل شيئاً من جهده للالتفات إلى الناس ومعرفة كيفية الوصول إلى قلوبهم وعقولهم. كيف يكون داعيةّ من لا يستطيع الحديث في المجالس، أو لا يجيد توجيه أحاديثها، أو أنه لا يغشى مجالس الناس أصلاً، ولا يتعب نفسه في المحاورة مع أهلها، ومجتمعنا المعاصر بحاجة ماسة إلى من يأخذ بيده ويجادل المعاند والضالَّ، ويشجع المتردِّد ويأخذ بيد المقدِم، وأزعم أن المقدم قد وجد من يأخذ بيده لكن الطوائف الأخرى لم تُسعد بعد ولم توجه لها الجهود الكافية. إن دعاة اليوم لم يدربوا على هذا الأمر، ولم يفكروا فيه كما ينبغي، إلا طوائف قد نذرت نفسها لهذه القضية التبليغية، مغفلة ما سواها من قضايا مهمة كثيرة، فالتوازن المطلوب هو أن يكون الدعاة جامعين بين الدعوة العملية والإدارة النظرية، ولو أُغفل جانب وعُني بآخر لحصل النقص واتسع الخرق. يقول الدكتور البوطي حفظه الله تعالى معبِّراً عن هذه القضية الشائكة: قضية تحقق الداعية باسمه، وعمله على مقتضى وصفه:

((إن كلمة (الدعوة) تدل على معنى لا يتحقق إلا من خلال طرفين اثنين: داعٍ يرشد ويبين ويدعو، ومدعوّ ينطق واقعه بالحاجة لمن يرشده ويبيِّن له الحق ويأخذ بيده لينهضه من عثراته الفكرية، ويحرره مما علق به من شبهات وأوهام. أي أن عملية الدعوة إلى الله لا يمكن أن تتم من خلال نشاط يدور في نطاق طرف واحد، بل لا بد لتحققها من أن يسري هذا النشاط ما بين طرفين اثنين: طرف يرشد ويحاور ويعلِّم، وطرف آخر يتلقى ويتعلَّم ويتجاذب مع الطرف الأول زمامَ النقاش والحوار ... وأعتقد أن فينا من يقول: إن هذا شيء بدهيّ، ولعل أحداً لا يحتاج إلى بيانه أو تأكيده. وأقول: أما إنه بدهيٌّ فنعم، وأما إن أحداً لا يحتاج إلى التنبه إليه فإن الواقع- ويا للأسف - لا يؤيد ذلك ... )). ثم أخذ في تقرير أن أكثر الدعاة يمارسون أنشطة قد لا تمت إلى واقع الناس بصلة، أو ليس فيها خلطة بجماهير الناس لأجل هدايتهم وإرشادهم. وعلى أن كلامه - في تقريره الأخير هذا - فيه تعميم وبعضٌ من الخلط، لكنه ينطبق في بعض جوانبه على واقع كثير ممن يُطلق عليهم دعاة.

ثم ذكر أن هناك برزخاً بين هؤلاء النفر من الدعاة وبين ((الخليط من التائهين والجانحين والجاهلين، فليس بين هؤلاء وأولئك أيّ تلاقٍ على صعيد دعوة أو نقاش أو حوار، بل بوسعك أن ترى بدلاً من ذلك فئاتٍ شتى من أصحاب المذاهب والأفكار الهدامة يتغلغلون بين خليط هؤلاء التائهين والجهال ... فيجلسون إليهم ويؤانسونهم، ثم يبثُّون في أفكارهم عوامل الشبهات والريب، ثم يسعون إلى إحلال أفكارهم ومذاهبهم الباطلة محلَّ قناعاتهم الدينية التقليدية، وذلك بأساليبَ شتى من الحوار والنقاش ... )) ثم ذكر أنه ((مهما كانت الأعمال التي ينهض بها هؤلاء الإسلاميون صالحة ومفيدة فإنها لا تقوم مقام واجب تعريف الناس بالإسلام ودعوتهم إليه قَطّ ... )) (¬1) وبيَّن أنه ((لو أن رجال الدعوة الإسلامية في مجتمعاتنا تواجهوا إلى حشود هؤلاء التائهين يلقونهم في أنديتهم وأسواقهم، أو مدارسهم وجامعاتهم، يبصِّرونهم بحقائق هذا الدين، ويحاورونهم في إزالة شبهاته، تَحدُوْهم إلى ذلك (¬2) نوازع الإخلاص لوجه الله والشفقة على عباد الله، إذاً لا ستأنس أولئك بهم وركنوا إليهم، ثم أصغوا ¬

(¬1) ((الجهاد في الإسلام)): 42 - 45. (¬2) أي يحملهم على ذلك.

باهتمام إلى نصائحهم وبياناتهم، ولا بد أن تسري أشعة الهداية أخيراً إلى عقولهم وأفئدتهم ... )) (¬1). وأحسب أن كلامه هذا معبر عما أريد الحديث عنه، مجمل لما سأقوم - إن شاء الله - بتفصيله. ويقول الأستاذ عبد البديع صقر رحمه الله تعالى: ((لا يستحق اسمَ الداعية إلا من كان صالحاً لهذه الوظيفة الربانية، بأخلاقه وتخلّقه جميعاً، كما يقول الله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) (¬2). فالداعية إنسان مجهز تجهيزاً خاصا ليقوم بمهمة شاقة دقيقة كتلك التي دعا إليها الأنبياء والمرسلون، فما أعظمها من رسالة ... )) (¬3). وقول هذا الأستاذ: ((الداعية إنسان مجهز تجهيزاً خاصاً)) هو المحور الذي يدور عليه هذا الكتاب، والقطب الذي يربط به ما أوردته في ثناياه من مباحثَ وأبواب، والله الموفق للصواب. ويقول أحد المفكرين: ¬

(¬1) ((الجهاد في الإسلام)): 208. (¬2) سورة فاطر: آية 32. (¬3) ((كيف ندعو الناس)): 108 - 109.

((إن أوضاع بعض العاملين للإسلام مؤسفة، وذلك لتركيز كثير من العاملين على القضايا النظرية الأكاديمية ... الأمر الذي جعل نسبة العاملين المثقلين بالأعباء لا تزيد عن 5% بينما يظل 95% متفرجين. وهؤلاء يكونون كَلاَّ وعبئاً ثقيلاً تحملهم المؤسسة عوضاً أن يحملوها ... )) (¬1). إن أوضاع المؤسسات الإسلامية لا تكون في حالة جيدة إلا إذا ((تحولت إلى خلية نحل_ مثل خلايا النحل أو النمل_ مفعمة بالطاقة والحيوية، وقائمة على أداء المهام النافعة في المجتمع لاضطلاع كل فرد فيها بدوره ووقوفه على ثغرة من الثغور)) (¬2). وقد يُظهر تحليل إحصائي تقريبيّ أن الأوقات التي يبذلها العاملون في المؤسسات الإسلامية وكذلك الأموال والجهود إنما يصرف 70% منها لمعالجة الشؤون الداخلية لتلك المؤسسات، بينما يخصص 30% فقط لصالح المجتمع الخارجيّ، في حين ينبغي أن يكون الترتيب الصحيح عكس ذلك تماماً (¬3). ¬

(¬1) ((دليل التنمية البشرية)): 22 بتصرف. (¬2) المصدر السابق. (¬3) المصدر السابق: 31 بتصرف يسير.

ينبغي التأكيد - دون هوادة - على ضرورة تبني المؤسسات الإسلامية مشكلات الأمة الإسلامية وإيجاد الحلول لها، كما يجب عليها توجيه معظم جهودها لمعالجة تلك القضايا، كي تطمئن الأمة إلى أن هذه المؤسسات هي حارسها الأمين (¬1). فعلى الدعاة إذاً أن يسعوا لتحقيق التغير في المجتمع وأن يسهموا فيه؛ فكل برامج التدريب وتزكية النفوس إنما تهدف إلى جعلهم أداة في عملية التحول الاجتماعي، قال الله تعالى: ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) (¬2). نعم إن عجلة الحياة اليومية لأصحاب القضية الدعوية قد تمنع من النظر الكافي لمعالجة هذا الأمر على ما ينبغي أن تكون عليه المعالجة، لكن لا بد مما ليس منه بُد، وهذا الأمر ليس من الأمور القابلة للإغفال، بل هو أُسّ العمل وأساسه، وأيضاً ينبغي أن ينبعث شعور ذاتي من كل عامل لله تعالى أنه ينبغي عليه أن يرتقي بنفسه دوماً وأبداً، وأن يلتحق بما يستطيع ويتسر له من أُطُر تدريبيه تأخذ بيده، لا ¬

(¬1) المصدر السابق بتصرف يسير. (¬2) سورة الرعد: أية 11، والكلام منقول بتصرف من المصدر السابق: 46.

أن ينتظر توجيه الآخرين وإرشادهم؛ فليس من أحد يحسن إدراك المنفعة أكثر من محتاجها، وليس الفاقد للشيء - عادة- بمنتظر نصيحة الواجد له، ولكن العجز والتواني هو السبب الظاهر والعامل القاهر، والله المرجو أن يبصر ويهدي إلى كل عمل صالح ومُرْضٍ. ما الذي ينبغي صنيعه إذاً على ضوء ذلك الكلام المتقدم؟ ينبغي على المسلم - والله أعلم - أن يجمع بين الصلاح الذاتي وبين الدعوة العملية وبين القضايا الإدارية، على وجه يتيح له أن يسير في ركاب الأنبياء والصالحين الذين ساروا هذه السيرة قبله ودرجوا على الطريق وأوضحوا معالمه، فنبينا - صلى الله عليه وسلم - كان القدوة والمثل في الصلاح الذاتي، وكانت القضايا النظرية التي يدارسها المجتمع المسلم آنذاك منوطة به، فهو المؤصِّل لها والضابط، وكان - أيضاً - صلى الله عليه وسلم - القدوة العظمى في مسائل الخلطة والدعوة العلمية، الأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغشى القبائل، ويحضر تجمعات قريش، ويناقش المعاندين ويجادلهم بالحجة الواضحة، وحدِّث ما شئت عن دعوته اليهود والمنافقين في المدينة، ويقوم بكل واجبات الدعوة على المثال المرغوب المطلوب.

أما أن تكتفي طوائف من المسلمين بالدعوة العملية وليس معهم ضوابط مؤصلة ونظريات هادية حاكمة لمسارها فهذا قصور، أو أن تكتفي طوائف من المسلمين بوضع الضوابط والنظريات المؤصلة، ثم إنها لا تبذل جهداً مكافئاً قوياً في تحقيق الخلطة العملية وغشيان المجتمعات فهذا قصور أيضاً، أو أن تأتي طائفة ثالثة بالعجب العجاب وهو الاكتفاء بنقد أهل تلك الطائفتين نقداً لا يقوم على تقدير صحيح لما يبذله أولئك، أو تصور صحيح لما يرونه ويعتقدونه، فهذا جهل بقواعد النقد التقويم، والعجيب أن تلك الطائفة تقيم عملها الإسلامي على محاربة تلك الطائفتين وتجهيل أمرهما، وهذا - تقريباً- هو جلّ عملها. والغريب أنه ما من جانب من جوانب الحياة تقريباً إلا والقائمون عليه يشترطون فيمن يرغب المشاركة في إدارته - عن طريق التوظيف - خبرة عملية سابقة، فلم لا يشترط ذلك في كل جوانب العمل الإسلامي التي يتاح اليوم لأكثر الناس المشاركة فيها بغير خبرة سابقة ولا تجارب كافية ولا ضوابط حاكمة. وأشرع الآن في التفصيل بعون الله تعالى.

الفصل الأول معنى التدريب وأهميته ووسائله وتأصيله من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح

الفصل الأول معنى التدريب وأهميته ووسائله وتأصيله من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح

المبحث الأول معنى التدريب وأهميته ووسائله

المبحث الأول معنى التدريب وأهميته ووسائله المطلب الأول: معنى التدريب وأهميته التدريب لغة: يقال: درَّب فلان فلاناً بالشيء ودرَّبه على الشيء: عَوّده ومَرّنه (¬1). إصطلاحاً: ((عبارة عن نشاط منظم يركز على الفرد لتحقيق تغير في معارفه ومهاراته وقدراته لمقابلة احتياجات محددة في الوضع الحاضر أو المستقبلي، في ضوء متطلبات العمل الذي يقوم به المرء، وفي ضوء تطلعاته المستقبلية للوظيفة التي يقوم بها ¬

(¬1) ((المعجم الوسيط)): د ر ب.

في المجتمع)) (¬1). أو هو: ((مجموعة من البرامج المهتمة بالتعليم وتحسين المهارة الفنية ليؤدي المتدرب إنجازاً أفضل)) (¬2). أو هي مجموعة النشاطات التي تعلم المدربين وتحفزهم، وتثرى قيمهم، وترتفع بمستويات تفكيرهم، وتحسين مهاراتهم القيادية والأساليب التي يتبعونها (¬3). فالتدريب - على هذا - باختصار هو ارتقاء دائم، وانتقال من طور إلى طور، وهو مواكبة ومقاربة لما عليه الماهرون والأقوياء في مناهجهم القويمة وطرائقهم المستقيمة ونشاطاتهم الفاعلة. ¬

(¬1) ((حول التربية والتعليم)): 398. (¬2) ((دليل التنمية البشرية)): 11. (¬3) المصدر السابق، بتصرف يسير.

العلاقة بين التدريب والتنظير

العلاقة بين التدريب والتنظير أالعلاقة بين التدريب العملي والتأهيل النظريّ: التدريب أحد قسمي التأهيل؛ إذا التأهيل قسمان: نظريّ وعمليّ، وكلا القسمين مهم لا يُستغنى عنه، لكن البرامج التدريبية تفترض وجود مستوى محدد من الفهم والوعي، ومن ثَمَّ السعي للبناء عليه، فيصحُّ أن يقال إذاً: إن إلقاء المعلومات والتأكد من فهمها أمر لا بد منه قبل الشروع في التدريب، وكل تدريب غير مسبوق بإلقاء المعلومات الظرورية محكوم عليه بالقصور أو الفشل، وهذا القدر من المعلومات يحدده نوع كل نشاط أو مهارة يُراد التدريب عليها. ب العلاقة بين التدريب والتخطيط: التخطيط سمة العصر، قد اعتني به اعتناءً ظاهراً،

حتى أن المؤسسات الضخمة تخطط لخمس وعشرين سنة قادمة أو أكثر في بعض الأحيان، وتنفق بسخاء على التخطيط ومؤسساته. و ((يجب أن يتميز البرنامج التدريبيّ الناجح بالاستمرارية المخطط لها بإتقان، وهذه الاستمرارية سوف تضمن ألا يصاب المتدربون بالركود، بل تكفل تزايد قدراتهم ونموها المطّرد، كما أنها ستزيل التكرار والإعادة ... ويمكن أن يتيح الفرصة لتقويم المتدربين وتوزيعهم على المجالات المختلفة بعد إعدادهم وتأهيلهم)) (¬1). والتخطيط الجيد يراعي خصوصيات المشاركين مع الأخذ بالاعتبار المستوى الحالي للتعليم والقدرة على الفهم لديهم (¬2). ولا بد أن يعلم ويُدرَك أنه لا يوجد برنامج تدريبيّ موحد يمكن أن يناسب جميع المتدربين على تنوع مشاربهم واتجاهاتهم؛ إذ قد يناسب مجموعة ما ما لا يناسب الأخرى، وقد يكون المناسب لمجموعة محددة في زمن ما ليس بمناسب لها نفسها في زمن تالٍ أو سابق، وهكذا ... ¬

(¬1) المصدر السابق: 292 بتصرف يسير. (¬2) المصدر السابق.

وكل ذلك يراعيه التخطيط القويم والإعداد الجيد. جـ- العلاقة بين التدريب والتطبيق: هناك فجوة كبيرة بين التدريب والتطبيق في عالمنا الإسلاميّ المعاصر، إذ أن عدة عوامل تضافرت لتؤدي إلى هذا الأمر، ولا أجد مساغاً لذكرها هاهنا، فكم من متدرب على أمر بذل فيه جهده وصرف فيه زماناً طويلاً من عمره، حتى إذا تخرّج فيه واستعد لتطبيق ما مَرِن عليه إذا به يُضطر للعمل في مجال آخر، والأمثلة من عالمنا الإسلامي أكثر من أن تحصر، فهذا طبيب ماهر ذكي أعرفه درس في كلية الطب وبذل لها وقتاً ثميناً وصرف فيها خلاصة شبابه، حتى إذا فرغ من سنة الامتياز وأقبلت عليه الوظائف أمره أبوه أمراً جازماً أن يتولى إحدى شركاته ليعمل في مجال لهم يعهده من قبل، ولم يأنس في نفسه ميلاً إليه، فضُرب بعُرض الحائظ كلُّ ما بذل من جهد وأنفق من وقت. وآخر درس الهندسة النووية سنوات طويلة وتخرج فيها ((دكتوراً)) وحاز أعظم الشهادات الغربية، حتى إذا عاد إلى بلاده صدم بالحقيقة المرة وهي أنه لا يستطيع أن يطبق ما تدرب عليه طويلاً في بلاد الغرب، وإذا لا يستطيع أن يطبق ما تدرب عليه طويلاً بالحقيقة المرة وهي أنه لا يستطيع أن يطبق ما تدرب عليه طويلاً في بلاد الغرب، وإذا بالمعامل غير المعامل، وإذا بالعقبات توضع أمامه، هذا الذي درس زماناً طويلاً وصرف على الدراسة والتدريب زهرة شبابه وأجمل

أيام حياته، إذا به يُوضع في مكتب وثير ليوقع على أوراق إدارية، أو يترأس اجتماعات لا ثمرة لها على الحقيقة. واسألوا أساتذة الذرة المسلمين الذين رأوا أن عودتهم إلى ديارهم ستصيبهم بكثير من الإحباط ففضلوا البقاء في عسل الغرب الممزوج بالسم، على أن يعودوا إلى حنظل خالص أو بيت نحل فارغ. واسألوا الدكاترة والمهندسين، وأصحاب الدرجات العليا من ((ماجستير)) و ((دكتوراه)) في شتى التخصُّصات العلمية والذين عملوا في وظائفَ دنيا بعد تخرجهم لا تمتُّ بصلة لما تدربوا عليه ودرسوه، فقد شاهدت ((دكاترة)) وحملة ((ماجستير)) يعملون مضيفين في شركات الطيران، وكل ما تطالب به شركات الطيران من مؤهلات دورة لمدة أربعة أسابيع مع تحصيل شهادة الكفاءة أو الثانوية بحسب الحاجة، فما الذي ساق صاحب هذا المؤهل العالي ليعمل الحاجة، فما الذي ساق صاحب هذا المؤهل العالي ليعمل في هذا المكان؟ وهذا ضربته مثالاً وإلا فالأمثلة كثيرة كثيرة. وهذا الذي ذكرته منطبق على أناس كثيرين التحقوا بكليات الدعوة والشريعة وأصول الدين، ودرسوا طويلاً ثم بعد تخرُّجهم لم يجدوا عملاً مناسباً ليطبقوا فيه ما درسوه وما تدرَّبوا عليه نوعاً من التدريب، وهذا ملاحظ مشاهد في كثير من بلدان العالم الإسلامي لغلبة البطالة وقلة الوظائف.

أهمية التدريب

أهمية التدريب: العالم المتقدم مادياً يسعى بقوة للوصول إلى المثال المطلوب في كل جوانب الحضارة المادية، ويبذل بسخاء في سبيل هذا الأمر، ومن أهم الوسائل التي تصل بالمجتمع إلى إتقان الحضارة واستيعابها لهو التدريب الذي ((يشكل مدخلاً رئيساً إلى تحسين إمكاناتنا الحالية، وتحسين أدائنا، وهو الوسيلة الفعالة في بلوغ الأهداف التي نرسمها. إن من المجمع عليه الآن أن ما يتعلمه المرء وما يكتسبه من مهارات أهم بكثير مما ورثه عن آبائه من ذكاء وألمعية، فالتقدم العلمي الهائل وما أفرزه من وضعيات واعتبارات مختلفة جعل كل ما هو فطري ضئيلاً وقليل الجدوى في التعامل مع الأشياء والنظم المعقدة ... إن الحاجة إلى التدريب تنبع مع اعتبارات عديدة، ونذكر منها: 1 - اكتساب معلومات جديدة: عن المعلومات التي كانت بحوزة المدرس أو الموظف أو العامل قبل الانخراط في العمل تتآكل مع مرور الأيام، فيضيق نطاق المعرفة لديه، ويحتفظ بالحد الأدنى الذي يساعده على أداء مهمته على نحو قاصر أو شبه مقبول، إن

طول الخدمة يؤدي إلى التكرار والرتابة مما يقتل روح التجديد والاستمتاع بالعمل. هذا وإن بإمكان التدريب أن يشعر المتدرب باكتساب معلومات ومهارات وطرق جديدة لا عهد له بها، كما أن بإمكانه أن ينعش معلومات ومعارفَ ذبلت ... 2 - التدريب طريق الارتقاء: إن الذين لا يشعرون بالحاجة إلى التدريب هم أولئك الذين يعيشون على هامش الحياة، وكلما اقتربت الأمة من بؤرة الحياة المعاصرة شعرت أن حاجتها إلى التدريب والتطوير أشد، ولذا فمن غير المستغرب إن تكون أمريكا على رأس قائمة الدول المهتمة بالتدريب حيث تنفق عليه بسخاء بالغ، وتذكر بعض الإحصاءات أن أمريكا حكومة وشعباً تنفق على التدريب سنوياً 120 مليار دولار ... ومن اللافت للانتباه أنه كان في أمريكا عام 1958 (32) محطة تلفازية تعُني بالتعليم والتدريب، ومعظم دولنا الإسلامية خالية من أية محطة تعليمية أو تدريبية إلى اليوم. 3 - التدريب طريق استيعاب التقنية الحديثة: التطور السريع الذي يعيش فيه العالم اليوم يوجد في كل ساعة آلات جديدة ومواد جديدة، يكشف ويبِّين قوانين

ونظماً جديدة، واستيعاب كل ذلك يحتاج إلى أن يسعى الناس إلى التدريب مهما كانت المشاق أو الأكلاف ... )) (¬1) 4 - الثقة في النفس وقدراتها وطاقاتها: ومن جوانب أهمية التدريب القصوى أنه يكسب الشخص المتدرب ثقة في نفسه، وقوة في انطلاقته لم يكن يجدهما في نفسه من قبل؛ إذ المرء مجبول على الخوف مما يوكل إليه ويُناط به، ويحسب لذلك حسابات متعددة، فإن دُرِّب على ماهو مقدم عليه فإنه يزول بذلك ما يجده في نفسه من تخوف وتحسس وجهود وقصور، ويقبل راضياً سعيداً على ما كلف به من أعمال مهما عظمت أهميتها وصَعُب القيام بها. وما قصة موسى عليه الصلاة والسلام - التي سأذكرها بالتفصيل إن شاء الله تعالى في ثنايا البحث- إلا مثالاً واضحاً على أهمية التدريب للانطلاق والتطبيق؛ حيث دربه الله تعالى على مواجهة فرعون وكيفية استعمال العصا واليد، وطمأنه كل التطمين، فانطلق واثقاً قوياً - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) ((حول التربية والتعليم)): 398 - 400 بتصرف يسير، وقد نقل المصنف من عدة مصادر ذكرها في كتابه.

باعث التدريب

5 - شمول التدريب لجوانب كثيرة في الحياة: وهذه الجوانب المذكورة في الأهمية ليست قاصرة على أشياء محددة، لكنها تعم جوانب كثيرة وتشملها، فـ ((نحن بحاجة لمن يعلمنا فن الحوار وفن الصمت، ومن يعلمنا الكفَّ عن الإدمان على بعض الأشياء وبعض التصرفات، كما أننا بحاجة إلى من يدربنا على إدارة الوقت وإدارة أعمالنا عن طريق الهاتف وعن طريق الأهداف وطريق التفويض، ومن يدربنا على رسم الأهداف، وعلى التخلي عن النزعات العدوانية، ومن يدربنا على حل مشكلاتنا عن طريق التفاوض ومقايضة المصالح، ومن يدربنا على القراءة المثمرة والتفكير المبدع، وحين نحرز تقدماً على هذه الأصعدة فإننا سنجد أن معالم حياتنا كلها قد تغيرت، وصارت فرص النجاح والارتقاء أفضل بكثير مما هي عليه اليوم)) (¬1). باعث التدريب: ينبغي أن يعلم التدريب ينبعث الشعور بأهميته من الشخص نفسه، وليس في الحقيقة مفتقرأ للتوجيه- وإن كان التوجيه مطلوباً- فالمرء أعلم بنفسه وقدراته وما هو ¬

(¬1) المصدر السابق: 403.

عليه من علم وفهم ومهاراة، أو الضد من ذلك، فليس مقبولاً على الإطلاق أن يظل الشخص يراوح في مكانه ضعيفاً عاجزاً وهو يمكنه أن يخرج من ضعفه بتدريب مكثف في مدة زمنية مقبولة. أعرف أحد الأئمة ممن يحبه الناس يقبلون عليه، وله من التأثير عليهم الشيء الكبير، وهو في الوقت نفسه صاحب روحانية وعاطفية إيمانية دافقة، لكن المشكلة التي يعاني منها كل المعاناة هو أنه لا يحسن الحديث بالفصحى كما ينبغي للإمام أن يكون، وهذه مشكلته - والله- منذ قرابة عشرين سنة، قيا أيها العقلاء: هل هذا معقول أو مقبول، وهل مثل هذا الشخص يحتاج لتوجيه حتى يتدرب على تخطي ضعفه اللغويّ هذا، على أنه قد وُجِّه مراراً كثيرة، فمثل هذا لو تدرب على إتقان اللغة ستة أشهر مثلاً لتخلص من هذه المشكلة للأبد، لكن يالَلَّ للمسلمين وعجزهم وضعفهم وعدم فهمهم أنه بتدريب يسير يتمكنون من صنع شيء كثير. كم من الناس العقلاء من علم ضعفه وعرف علته، وانطلق يداويها بأنواع من التدريبات في دورات مكثفات قويات فإذا به منطلق مِعطاء منتج، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر، ومنها: أعرف مديراً لمؤسسة كان يعاني من ضعف بل من

جهل تام بأصول برمجة الحواسيب، وقد وظف شخصين بمبلغ كبير نسبياً من أجل إقامة العمل الحاسبيّ، ثم فطن لنفسه والتحق بدورة حاسوبية مكثفة تعلم فيها الشيء الكثير، فإذا به ليس بمحتاج إلى من وظفهما، فقام بعملهما ووفر على نفسه المال. هذا مثل لما ينبغي أن يكون عليه العاقل في شؤونه العامة، فلماذا لا يسعى الناس في الشؤون الدعوية والإيمانية سعَي هذا الرجل في عمله هذا الذي صنعه؟. وهذه مؤسسة مهمة كبيرة، فيها موظفون كثر بعشرات الآلاف، ولهم إدراة تدير شؤونهم- كما هو شأن كل مؤسسة أخرى-، وفي هذه الإدارة قسم يشرف على تنسيق جداول بعض الموظفين المهمين، وعدد أولئك المشرفين قرابة مائتي موظف يشرفون على تنسيق جداول أولئك الموظفين المهمين البالغ عددهم قرابة ألف موظف، ويقسم لي بالله أحد الإخوة الثقات أن شركة كبرى في الخارج لها موظفون يماثلون في الأهمية الشريحة التي ذكرت، ويفوقونهم عدداً يشرف على تنسيق متنقل وهاتف جوَّال ... سبحان الله، ألا يعتبر المسؤولون في هذه الشركة بحال تلك الشركة التي استطاعت في ضوء تدريب متفوق قوي أن تختصر العدد الضخم من الموظفين إلى امرأة واحدة فقط،

التدريب عند النصارى

لكن المشكلة أنه ليس هناك باعث داخلي قوي يحملهم على القيام بمثل هذا التدريب، أو أنهم لم ينتبهوا إلى حجم المشكلة التي يواجهونها حتى الآن، والله أعلم. ولعل من أهم بواعث التدريب عند الشباب المسلم علمُه بما يوليه النصارى خاصة، وأعداء الإسلام كافة من اهتمام خاص بالتدريب، وذلك أمر يطول ذكره وتفصيله، ولكن حسبي أن أورد شيئاً موجزاً يكون كافياً في استقاء العبرة والعظة: التدريب عند النصارى: بلغ الغرب مبلغاً باهراً من الأخذ بالتدريب في كل شؤون الحياة، لكن ماحال التنصير، هل هو كذلك معتنى به تدريباً وتخطيطاً؟ إن النصارى لهم سبق واضح في هذا المجال، فهم لا يرسلون مبعوثاً من لدنهم إلى أي مكان حتى يدرِّبوه على كيفية التعامل مع من يرسل إليهم، وكيف يقيم كنيسة، وكيف يدير شؤونها، وكيف يتصل بأصحاب السلطة في البلد المرسل إليه، بل إنهم يدربون مبعوثيهم على كيفية التخاطب، ويعلمونه لغة أولئك الأقوام حتى يُحسن التعامل معهم، ويدربون مبعوثيهم على كيفية محاربة المسلمين والوقوف في وجه أنشطتهم.

إن أولئك المخططين للتنصير قد أعدو كتباً إرشادية فيها كل الخطوات اللازمة للتحرك والعمل في أرجاء الأرض، وهي متقنة تماماً ومعدة لتكون دليلاً تدريبياً إرشادياً لك مبعوث، وهي مطبوعة متداولة بلغات كثيرة. قارن بين هذا وبين ما يجري عند أكثر مؤسساتنا الخيرية الإغاثية التي تكتفي بإرسال مايسمى بالدعاة إلى بلاد عديدة أكثرهم ليس له خبرة في كيفية التعامل مع بلاد عديدة أكثرهم ليس له خبرة في كيفية التعامل مع بلاد عديدة أكثرهم ليس له خبرة في كيفية التعامل مع الهيئات والشعوب التي يطمع في هدايتها وتقويمها، وليس معه جدول تفصيلي يرشده إلى ما يصنع هنالك، وهذه الهيئات لم تكلف نفسها وضع دليل إرشادي مفصل يدرب الدعاة هنالك ويأخذ بأيديهم، أقصى ما هنالك أن يرسل الداعية إلى مخيم معدِّ إعداداً جيداً مقتصراً على فئة محدودة جداً، لكن الحديث هنا عن الانفتاح على المجتمع والتأثير فيه والانتشار بين أفراده على صورة متهيأ لها متدرِّب عليها. ولولا أن الله حافظ دينه وكتابه لما استطعنا - والله - أن نصنع شيئاً في دول إفريقيا وآسيا مقارنة بما يصنع أولئك، والله تعالى إن وكلنا إلى أنفسنا وكلنا إلى عجز وتقصير، والله المستعان. ولابد أن يعلم أن المرء لانشغاله بأمور الحياة ومتطلباتها، ولا نهماكه في تحيق ما يصبو إليه، قد لا يتنبه

أنه في حاجة ماسة إلى تدريب يجدد له حياته، ويرفع من مهاراته وقدراته، فينبغي إذا أمران لا غنى عنها: 1 - أن تقوم الهيئات الدعوة، ووزارة الشؤون الإسلامية، ولكل مهتم بالعمل الإسلامي بإقامة الدورات اللازمة لتحسين العمل الإسلامي والانطلاق به إلى آفاق أرحب ومناح أوسع، ويكون ذلك شبه ملزم للدعاة وطبقات المخالطين للناس أمثال الأئمة والوعاظ ورجال الحسبة. 2 - إن لم يكن مثل هذا الأمر فينبغي على الشخص أن يسعى ونفسه سعياً جاداً حتى يلتحق بما تيسر من دورات تدريبية حتى لو كانت في هيئة دليل إرشادي أو كتاب تدريبي لمن لم يتوفر له الوقت المناسب أو الدورات المناسبة. إن لم يصنع الداعية هذا فسيجد أنه على كرور الأيام ومر الزمان قد ترهلت أفكاره، وهزلت حركته، وتَفُهَت أهافه، وصار ما يأتي به قديماً لا قيمة له تقريباً، وذلك أنه يجتر أفكاره ومشاريعه التي مضى عليها زمان طويل، ولم تَطُلْلها يد التغيير والإصلاح والتقويم. ومن جوانب زرع باعث التدريب في النفوس أن يبين أمران:

1 - ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فبعض الأعمال الدعوية القيام بها واجب، ويصبح التدرب عليها - إن تطلب ذلك تدريباً- واجب أيضاً، فإذا عُلم هذا فالنفوس تهرع إليه وتقوم به. 2 - كل الجهد المبذول في التدريب وحضور الدورات وإتعاب الجسد وإنهاكه يقابل إن شاء الله تعالى بالحسنات العظام والدرجات الفِخام، فهذا أمر معلوم من دين الإسلام، لكن إن ارتبط في الأذهان بقضية التدريب فسيقبل الناس عليه بهمة ونشاط أكبر من ذي قبل، والله أعلم.

المطلب الثاني: وسائل التدريب

المطلب الثاني: وسائل التدريب إن للتدريب وسائل متعددة تعدد الأفكار والمناهج والقدرات، وهو أوسع من أن يحاط به في صفحات، ولكن ما أورده هاهنا له تعلق واضح بالتدريب على العمل الإسلامي خاصة، وهذا هو مرادي من هذه الرسالة، وقد اصطفيت عدداً من الوسائل رأيت أنها - إن روعيت حق المراعاة - كافية في بابها إن شاء الله تعالى، فمن ذلك: أولاً: إنشاء المؤسسات الخاصة بالتدريب الدعويّ العلميّ: ويمكن إنشاؤها في الجامعات، ومراكز الدعوة، ومراكز هيآت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووزارة الشؤون الإسلامية، والمراكز التعاونية، ومراكز دعوة الجاليات إلخ ... حيث يتولى التدريب في تلك المؤسسات علماء كبار

تضمين مناهج الجامعات والمعاهد والمدارس العليا قضايا التدريب على العمل الإسلامي

جمعوا إلى جانب العلم الحنكة والتجربة الطويلة، فيتقدمون عصارة جهدهم وخبرتهم الطويلة إلى الأجيال الجديدة. وينبغي إلزام من يريد التصدر للدعوة - كُّلِّ في مجاله - بحضور دورات في تلك المؤسسات حتى تُصقل مواهبه، وينضبط عنده التلقي المقرون بالتدريب والتجربة، فيخرج إلى المجتمع وقد نضج، وارتقى العلم النظري الذي حازه إلى سُدة العمل التطبيقي الذي هو - في الحقيقة - ثمرة العلم. إن النصارة الضالين أنشأوا مئات المؤسسات التي تدرب أتباعهم على الدعوة إلى باطلهم، ولا أعرف اليوم مؤسسة رسمية واحدة تدرب المسلمين على شؤون الدعوة، اقول: لا أعرف ولا أنفي الوجود إن وُجد، وهناك بعض المؤسسات التدريبية الخاصة عن بعض الجامعات سيأتي الحديث عنها قريباً إن شاء الله تعالى. ثانياً: تضمين مناهج الجامعات والمعاهد والمدارس العليا قضايا التدريب على العمل الإسلاميّ: إن تضمن التدريب في المناهج وجعلَه جزءاً أساسياً من المواد التي تلقى على الطالب لهو الضامن- بإذن الله تعالى - أن يخرج جيل قادر على حمل أعباء الدعوة الفعلية.

والناظر إلى خريجي الجامعات والمعاهد يجد أن قيلاً منهم يستطيع أن يتحدث ويخاطب الجمهور، أو إذا خاطبهم أن يكون مقنعاً سلسَ الأسلوب جَزل العبارة، ويجب ألا يُستعجل في إخراج الطلاب إلى المجتمع وهم ليسوا بعدُ مؤهلين للدعوة والتأثير، خاصة طلاب كليات الدعوة. ويحضرني ثلاثة أمثلة لطيفة فيما يجب أن تكون عليه مناهجها الجامعات والمعاهد في مناهجها من الجمع بين التلقي والتدريب على الدعوة والتأثير، ألا وهي: 1 - جامعة الأزهر وكلية الدعوة فيها، حيث جاء في إحدى الجرائد تحت عنوان: كلية الدعوة وجدت الحل: 2000 طالب يتدربون على الصعود على المنابر، حيث قال المحرر: الدعوة علم وموهبة وفن، وقدرة على مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وهناك المئات الذين يملكون الإيمان ولا يجيدون توصيله، يحفظون العلم ولكنهم يرتعدون عندما يصعدون منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كلية الدعوة بجامعة الأزهر وجدت حلاً للمشكلة؛ وذلك من خلال الجمع بين الثقافة الإسلامية المشفوعة بالدراسات النفسية والاجتماعية، وبين تدريب طلاب الكلية على الصعود على المنبر والحديث إلى الناس. كلية الدعوة تتخذ الآن مقرها داخل المسجد، صحيح

أن طلاب العلم يلتمسونه منذ مئات السنين بجوار أعمدة الجوامع وجدران المساجد وأروقة بيوت الله، ولكن كان يتم هذا لأن المسجد هو المكان المتاح، وفي الوقت الحالي فإن الهدف الرئيسي هو تدريب الطلاب على العيش داخل بيوت الله وكسر هيبتهم من المنبر. ثم ذكر أن عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر بيِّن أن قرابة ألفي طالب يتدربون ويدرسون بجامع الزهراء بمدينة نصر، في صحن المسجد ست قاعات للدرس، وبيَّن أن الكلية تدرب طلابها على الخطابة داخل المسجد ويجربونهم في مواقف عدة، ثم ذكر أن الداعية الناجح هو الذي يتحقق فيه - مع الإيمان بقضيته- المادة العلمية الغزيرة، ثم فنية الخطابة والقدرة على مخاطبة الناس بالكلمات والإيماءات (¬1). 2 - وهناك مثال آخر أقوى وأفضل وأعظم أثراً، ألا وهو ما صنعته جامعة الإيمان اليمنية التي استطاع القائمون عليها أن يجعلوا التدريب العلميّ على الدعوة جزءاً أساسياً من المنهج الجامعي. وإليكم معشر القراء الكرام بعض هذا المنهج الذي يدل على عناية واضحة بالتدريب العمليّ، حيث قسموه ¬

(¬1) جريدة اللواء الإسلامي 3/ 8/1420.

قسمين: علم يدرس وتطبيق لهذا العلم، وقد تخيرت منه أجزاء مناسبة وتركت الباقي وإيثاراً للاختصار المؤدي إلى كمال العظة والأدِّكار: أهداف المناهج: أولاً: علوم الإيمان: 1 - أن يتعلم الطالب الأدلة الموصلة إلى الإيمان ومفهومه بجميع أركانه وشعبه وحقائقه في ضوء الكتاب والسنة وآيات الله المشهودة في الكون والآفاق والنفس، وعلى ضوء فهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان. 2 - أن يتعلم الطالب مقومات الإيمان؛ فيدرس ما يتعلق بتوحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، والنبوَّات، والسمعيات (الغيبيات)، والقضاء والقدر بما يمكنه من معرفة الحق الذي أرشدت إليه النصوص واستقر عليه فهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان. 3 - أن يعي الطالب أهمية الإيمان ومقتضياته وآثاره على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة من خلال تتبع الأسرار والحكم في نصوص الكتاب والسنة.

4 - أن يكتسب الطالب بصيرة في معرفة الله تعالى وصفاته معرفة تورث المحبة والخشية والتوكل والإنابة وسائر العبادات القلبية والعلمية. 5 - أن يتبرأ الطالب من الشرك بكل صوره وأشكاله، وأن يحب في الله ويبغض في الله، بحيث تتحقق فيه الغيرة على دينه وحرماته، وعلى أمته، وأن يكون مستعداً للتضحية في سبيل ذلك، وأن يقف في وجه أعداد الإسلام ويتصدى لمؤامراتهم. 6 - أن يتمكن الطالب من فهم التطبيقات السليمة للإيمان، وأن يقوم بدراسة الفِرَق وتقويمها في ضوء الكتاب والسنة. 7 - أن يعرف الطالب نواقض الإيمان، وشروط تحققها وأخطارها وما ترتب على ذلك. 8 - أن يفهم الطالب شبهات خصوم الإسلام القديمة والحديثة، وأن يكون قادراً على تفنيدها. 9 - أن يدرس الطالب منهج البحث في علوم الإيمان.

الصور التطبيقية: 1 - أن يقوم الطالب بمراقة نفسه ومحاسبتها بشأن مقدار تحققه بالإيمان عملاً وحالاً من خلال تطبيقه لشب الإيمان يومياً حسب جدول المحاسبة الخاص به. 2 - أن يقوم الطالب بإعداد البحوث وإقامة المحاضرات، والمشاركة في المناظرات والأنشطة العملية الأخرى المتعلقة بالإيمان. 3 - أن يشارك الطالب في رحلات التفكر والنظر، وفي زيارات أكابر علماء المسلمين، والاستفادة منهم علماً وسَمْتاً وخلقاً، والتأدب معهم، وترتيب المحاضرات والندوات لهم. 4 - أن يقوم الطالب بإعداد اللوحات والأشرطة المسموعة والمرئية، وجمع الوثائق والصور المتعلقة بالإيمان. 5 - أن يقوم الطالب بزيارة القبور للاعتبار، وتذكر الآخرة. 6 - أن يزور الطالب المكتبات ومراكز المعلومات والبحوث للاستفادة منها.

7 - أن يحصر الطالب الانحرافات والأوهام المتعلقة بالإيمان، ويرسم خطة - بالتشاور مع مشايخه- للعمل على تصحيحها. 8 - أن يقوم الطالب بدعوة الذين اضطرب إيمانهم لاستنقاذهم من ظلمات الشك إلى نور اليقين، ومحاجّة المصرِّين منهم لإقناعهم أو كشف أباطيلهم. 9 - أن يجري الطالب من التجارب العلمية ما يدعم الإيمان. عاشراً (¬1): فقه الدعوة والإعلام: 1 - أن يفقه الطالب الآيات والأحاديث المتعلقة بالدعوة إلى الله تعالى ويحفظها. 2 - أن يتعلم الطالب دعوات الرسل ومناهجهم في الدعوة إلى الله تعالى للاقتداء بهم. 3 - أن يتعلم الطالب أصول الدعوة إلى الله ومناهجها وأساليبها ووسائلها قديماً وحديثاً، ومواقف الناس من الدعوة والدعاة. ¬

(¬1) وذلك بحسب ترتيبهم لمفردات المناهج.

4 - أن يتعلم الطالب تاريخ الدعوة والدعاة والمصلحين ومناهجهم، وتقويم دعواتهم في ضوء الكتاب والسنة؛ لأخذ العبرة، واكتساب الخبرة، مع التزام الأدب والبعد عن التجريح. 5 - أن يتعلم الطالب صفات الداعية الناجح ويتحلى بها. 6 - أن يتعلم الطالب أدب الدعوة إلى الله وأدب الخلاف بين الدعاة، وحقوق الأخوة الإسلامية بين المسلمين، ووجوب التعاون على البر والتقوى فيما بينهم، وكيفية بيان الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، والابتعاد عن التجريح والتعصب المذموم. 7 - أن يتعلم الطالب أصول الخطابة والمحاضرة والمناظرة والمحاورة، وكيفية تنظيم وإدارة الحلقات والندوات والمؤتمرات. 8 - أن يتعلم الطالب مفهوم الإعلام المعاصر ومقوماته ونظرياته ووسائله نظرياً وتطبيقاً، وأثره على المجتمع، وكشف أساليب الإعلام المعادي للإسلام.

9 - أن تتكون لدى الطالب رؤية منهجية إسلامية في الإعلام تمكّنه من استخدامه في الدعوة إلى الله. 10 - في مرحلة التخصص: يتعلم الطالب نشأة وتاريخ وتطور الإعلام الإنساني عبر العصور، ويتوسع في دراسة مقومات الإعلام المعاصر ونظرياته ووسائله وتطبيقاته، والمنهج الإسلامي في الإعلام، وجهود علماء المسلمين والمختصين فيذلك، وأن يعد أبحاثاً لتطوير منهج للإعلام في الإسلام. 11 - أن يتخصص الطالب في أحد التخصصات لآتية: (صحافة، الإذاعة المسموعة والمرئية، علاقات عامة). 12 - أن يدرس الطالب خصائص الرأي العام وطرق التأثير عليه. الصور التطبيقية لفقه الدعوة: 1 - أن يقوم بإلقاء الخطب والمواعظ وخطب الجمعة والعيدين وغيرهما. 2 - أن يخرج الطالب في رحلات فردية وجماعية للدعوة والبلاغ.

3 - أن يمارس الدعوة في أهله وعشيرته الأقربين والمجتمع. 4 - أن يستخدم الطالب وسائل البلاغ والدعوة والإعلام. 5 - أن يشارك في الندوات والمحاضرات والمحاورات والمناظرات والمؤتمرات الدعوية، وأن يسهم في إداراتها وتنظيمها. 6 - أن يشارك في الجمعيات والمؤسسات والهيئات الدعوية، وأن يقدم نماذج ومشروعات عملية لتطويرها. 7 - أن يقوم بالدعوة في صفوف غير المسلمين المقيمين في البلاد أو الزائرين لها. 8 - أن يتابع أحوال الدعوة والدعاة في العالم ويقدم التقارير والبحوث والندوات والمحاضرات بشأن ذلك. 9 - في مرحلة التخصص: يقوم الطالب بإقامة علاقات أخوية مع جميع أصحاب الدعوات الإسلامية الداعية إلى الكتاب والسنة، وذلك عن طريق

تقديم الهدايا والنصائح والمشاركة في مشروعاتهم الخيرية ومناسباتهم الاجتماعية، والعمل على التواصل وتضييق جوانب الخلاف. 10 - في مرحلة التخصص: يقيم الطالب المحاورات والمناظرات مع أئمة الضلال وأتباعهم لدحض شبهاتهم وأباطيلهم، واستنقاذهم من الضلال. حادي عشر: حاضر العالم الإسلامي وحركات التجديد: أولاً: في المرحلة العامة: 1 - أن يتعرف الطالب على جغرافية العالم الإسلامي. 2 - أن يتعرف على العوامل التي أدت إلى سقوط الخلافة الإسلامية وظهور الدوريلات ذات النزعة القومية والشعوبية. 3 - أن يتعرف على الحركات الشعوبية والقومية في العالم الإسلامي وأهدافها وأسباب ظهورها وأثارها السلبية على الأفراد والمجتمعات، وارتباطها بحركة الاستعمار. 4 - أن يتعرف على صور وأساليب الغزو الفكري

والخلقي اليهودي والصليبي والإلحادي للعالم الإسلامي عبر المؤسسات الماسونية والتنصيرية والاستشراقية والأحزاب العلمانية وغيرها. 5 - أن يتعرف على مظاهر التبعية السياسية والاقتصادية والتشريعية والتربوية والعسكرية والثقافية والاجتماعية للاستعمار في العالم الإسلامي. 6 - أن يتعرف الطالب على سبل النهوض بالأمة الإسلامية في شتى جوانب الحياة. 7 - أن يتعرف الطالب على أهم الاتجاهات والهيئات والحركات التجديدية الإسلامية: أهدافها، ووسائلها، وتأثيراتها. 8 - أن يفهم الطالب أن وحدة المسلمين القائمة على الالتزام بالإسلام أهم سبل النهوض بالأمة الإسلامية. 9 - أن يتعرف الطالب على مقومات الوحدة بين المسلمين. 10 - أن يفهم الطالب أن انهيار الاتحاد السوفياتي منذر بسقوط الحضارة الغربية.

ثانياً: في مرحلة التخصص: 1 - أن يدرس الطالب جوانب التكامل الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والعسكري في العالم الإسلامي. 2 - أن يدرس الطالب الحركات الهدامة المحلية والعالمية وأهدافها ووسائلها وآثارها وكيفية مواجهتها. 3 - أن يدرس الطالب مناهج بعض المفكرين الغربيين مقارنة منهج التفكير عند المسلمين. 4 - أن يدرس الطالب المؤمرات على الإسلام والمسلمين من خلال عدد من القضايا الملتهبة في العالم الإسلامي مثل فلسطين، البلقان، الصومال، كشمير، وغيرها، والعوامل المؤدية للنصر. 5 - أن يدرس الطالب أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي وآثاره الإقليمية والعالمية وكيفية الاستفادة من مخلفاته في نهضة المسلمين. الصور التطبيقية: 1 - أن يتتبع الطالب أخبار المسلمين ويشارك في شرح وإيضاح واقع المسلمين من خلال إقامة

المعارض والندوات والمؤتمرات ونحوها. 2 - أن يكتب الطالب أبحاثاً نظرية وميدانية تتعلق بواقع المسلمين ومستقبلهم. 3 - أن يكتب الطالب مذكرات تعريفية بالشخصيات والهيئات التي تسعى لوحدة المسلمين وخدمة قضاياهم ويتعاون معهم. 4 - أن يدعو بالكتابة والخطابة وبأي فعاليات أخرى لإقامة هيئات إغاثة إسلامية لدعم المسلمين المحتاجين، ويشارك في أعمالها. 5 - أن يزور بعض المناطق الإسلامية ويتعرف على واقعها ميدانياً. 6 - أن يزور بعض المراكز المتخصصة في دراسة أوضاع المسلمين الحالية والمستقبلية. 7 - أن يشارك الطالب في الصحف والمجلات الإسلامية العالمية. 8 - أن يشاهد بعض الأفلام والشرائح التي تعرف بواقع المسلمين. 9 - أن يقوم بنماذج عملية لشركات ومؤسسات علمية

واقتصادية وصناعية وتقنية تسهم في نهضة المسلمين ورقيهم في ضوء معطيات العلوم التجريبية والأبحاث النظرية. هذه - أخي القارئ الكريم - صورة جميلة لما ينبغي أن تكون عليه الدراسة في الجامعات الإسلامية، والدراسة - وإن طالت بهذا الاعتبار- فطولها هذا مثمر نافع، وما الذي استفدناه من مئات آلاف من المتخرجين الذين ما أفاد أكثرهم الأمة إفادة مرجوة صحيحة؟ 3 - والمثال الثالث الذي يحمل صبغة العالمية والقوة هو: كلية الدعوة في الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد: هذه الكلية تُعنى ببرامج التدريب عناية واضحة، وقد جاء في برنامجهم التعريفي مايلي: ((التعليم والتدريب وظيفتان مهمتان من وظائف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وبالتالي فإن كل معهد ومسجد ومدرسة أسس في تاريخنا كان الغرض منه أعم من مجرد إلقاء المعلومات أو ممارسة العبادات، لكن بالإضافة إلى هذين الارتقاء بالنوع الإنسانيَ بالتدريب (التربية) ... )). وذكر المسؤولون عن هذه الكلية أن من أغراضهم - في جانب التدريب- ما يلي:

1 - وضع برامج تدريبية للأئمة، وقادة المجتمع وأمثالهم من أصحاب الوظائف الاجتماعية. 2 - وضع مناهج حديثة وطرق للدعوة وتدريب الأئمة وقادة المجتمع وغيرهم. 3 - الانفتاح على المجتمع، وذلك بالاعتناء بمصلي مسجد الملك فيصل القريب من الكلية، بوضع كتب أدب الأطفال، ووضع برامج انتساب للعامة، وأيضاً بالدراسات والأبحاث التي يجرونها، وغير ذلك. ثم إنهم وضعوا برامج مفصلة لما سبق ذكره وغيره. ومما يبدو- في ضوء العرض الذي عُرض- أن هذه الكلية لبنة جيدة في المجتمع، هذا وقد أنشئت منذ خمسة عشر عاماً، وهي مستمرة في العطاء، ومن أهدافها التعاون مع الجامعات والكليات المماثلة في العالم كله، نسأل الله لها التوفيق (¬1) (¬2). ¬

(¬1) PROGRESS REPORT: DA,WAH ACADEMI (¬2) هذا مستقى من تقرير مكتوب باللغة الإنجليزية حاولت ترجمته فأثبتُّ للقراء الكرام ملخصاً لأعمال كلية الدعوة فيما يختص بالجانب التدريبي موضوع هذا الكتاب.

الاستفادة من وسائل الإعلام الحديثة

ثالثاً: الاستفادة من وسائل الإعلام الحديثة: وذلك نحو الشبكات الداخلية الحاسوبية (الإنترانت) والشبكات الحاسوبية العامة (الإنترنت)، والقنوات الفضائية الإسلامية والثقافية الجادة، وقنوات الإذاعات المسموعة، فلو بثت كل تلك الوسائل المرئية والمسموعة مواد مبرمجة مرتبة عن كيفيات مختلفة متعددة للعمل الإسلاميّ بطرائق علمية مدروسة من كبار العلماء والمفكرين، لعاد ذلك بالخير العظيم على العمل الإسلامي في جميع بقاع الأرض. إن تلك الوسائل تتميز بالانتشار الواسع مما يجعلها وسيلة جادة علمية لنقل الخبرة والتجربة إلى قطاع واسع من الجماهير المتعطشة للعمل الإسلامي العام الجادّ. إن في أنحاء العالم كله جماهيرَ تتَحرق لتعرف كيف تدعو إلى الله تعالى، وكيف تُنشئ مؤسسات إعلامية إسلامية، وكيف تنشئ أو تساهم في إنشاء أعمال اقتصادية قائمة على مبادئ الإسلام، وهي متعطشة للمعرفة والثقافة الإسلامية الصحيحة النافعة، وهلمَّ جرّا، فكم إذاً يكون من المفيد أن نقدم لها البرامج التدريبية النافعة التي تساهم في تعميق الحس الإسلامي لديها، ومن ثم تحويله إلى قوة متمثلة في مؤسسات متعددة الأغراض تساهم في إنشاء المجتمع الإسلامي الصحيح.

إن الغفلة عن تلك الجماهير أورثت ضلالاً واضحاً في تصرفاتهم- وما مثال الجزائر عنا ببعيد - إذ لم يجدوا أمامهم إلا افهاماً مغلوطة وفتاوى جاهلة، أوردتهم موارد كانوا في غنى عنها، وتأخر العمل الإسلامي بسبب ذلك تأخراً واضحاً. وإذا نظرنا اليوم إلى تعطش الجمهور لما يعرض في القنوات الفضائية من بعض البرامج الناجحة قرآنية كانت أو فكرية أو ثقافية، إذا نظرنا إلى هذا الأمر علمنا الحاجة الماسة إلى إلقاء برامج على الجمهور هي أمسُّ بحاجتهم وأقرب إلى واقعهم وآمالهم. قضايا تُراعى في التدريب: إن هناك عدداً من الاعتبارات التي يجب أن تراعى في العملية التدريبية حتى يضُمن لها النجاح، ويُرجى لها الفاعلية والقوة، فمن ذلك: 1 - إلقاء معلومات محصورة محددة كماً ونوعاً سهلةَ الحفظ والتطبيق: هذه قضية على غاية من الأهمية؛ إذ المشكلة أن المقبل على قضايا الدعوة يجبد أن البون بينه وبين فهمها واستيعابها شائع، وعندما يريد ممارستها فإنه يعجز لكثرة ما يلقى عليه منها وتنوعه وشموله.

ففي هذه الحالة يحسن به وبمن معه ويجمل أن يؤخذ هذا المقبل بقضايا محددة يُدرب عليها وعلى تحملها واكتسابها، ولعل كثيراً من الإحباط واليأس الذي قد يطرا على الداعية المبتدئ إنما يكون بإغفال هذا الأمر المهم والقفز فوقه. ولقد عرف أسلافنا أهمية الاقتصار على شيء محدد مفهوم بادئ الأمر والتزامه حتى يُعقل ويفهم، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن وفد عبد القيس لما أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من القوم؟)) أو ((من الوفد؟)) قالوا: ربيعة. قال: ((مرحباً بالقوم - أو بالوفد- غير خزايا ولا ندامى)) فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحيّ من كفار مُضَر فمُرنا بأمر فَضل نخبر به مَن وراءنا وندخل به الجنة ... )). فهذا الوفد المبارك العاقل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طلبهم ونبَّههم إلى بعض أصول وفروع الشريعة (¬1). ¬

(¬1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحة: كتاب الإيمان: باب أداء الخمس من الإيمان.

ولما أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً إلى اليمن قال له: ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) (¬1). فهذه أمور متدرجة تدرجاً عقلياً صحيحاً، وهي في الوقت نفسه مطالب واضحة محددة كماً ونوعاً. 2 - الوضوح في المهمة المطلوبة: إن من المشكلات عند كثير من الدعاة هو عدم فهمهم للمهمة الملقاة على عاتقهم، وعدم معرفتهم بحدود مسؤولياتها في كثير من الأحيان، فتجد الشخص يريد أن يدعو إلى الله تعالى ويتحمس لذلك أشد الحماس لكنه لا يعرف كيف يبدأ ولا متى يبدأ، ولم يجد أحداً يوضح له الطريق على وجه تفصيلي دقيق. ¬

(¬1) الحديث مختلف في تصحيحه وتضعيفه، وقد أطال ابن القيم رحمه الله تعالى النفس في إثبات صحته، وذكر أيضاً أنه مشهور يستغني بشهرته عن طلب الإسناد له، والله أعلم. انظر: ((إعلام الموقعين)): 1/ 202 - 203.

ولما أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً إلى اليمن لم يَرْض إلا أن يستخبر منه كيف يقضي، فقال له: ((كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟)) قال: بما في كتاب الله. قال: ((فإن لم يكن في كتاب الله؟)) قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: ((فإن لم يكن في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟)) قال أجتهد رأيي، لا آلو (¬1). قال: فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدري، ثم قال: ((الحمد لله الذي وفَّق رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما يرضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل معاذا لمهمة محددة بعد أن علَّمه ماذا يصنع، وكيف يعمل إن عرض له أمر يقتضي منه التصرف، فهذا هو عين الحكمة وكمالها، وهو في الوقت نفسه غاية الوضوح والظهور. أذكر أن أحد الأشخاص أراد أن يدعو إلى الله تعالى، ولما سأل أحد الدعاة الآخرين أشار عليه بأن يذهب ¬

(¬1) أي لا أقصر. (¬2) سبق تخريجه.

إلى فلان الداعية فهو الذي يعرف كيف يدُعى إلى الله تعالى، ولما ذهب إلى ذلك المشار إليه أخبره أنه لا يكاد يعرف شيئأً عن تفصيلات وكيفيات الدعوة، وهكذا ظل صاحبنا في حلقة مفرغة لا يعرف كيف يخرج منها، وهو وإن قصر في البحث والتنقيب لكن تبقى مسؤولية الداعية القديم في الإرشاد والتوجيه الواضحين. وآخر في جمعية خيرية طُلب منه أن يشارك في نشاطها، فلما سأل: كيف أصنع؟ قيل له: تصرف! فذكر أنه ليس عنده خبرة، فقيل له: الخبرة تُدرك بالعمل ... إلى آخر هذه العبارات التي لا تغني في الحقيقة شيئاً، ولا تفيد العمل الدعويّ الخيريّ التطوعيّ في شيء، وتعود على الشخص بأسوأ الأثر إلا أن يتدراكه الله برحمة منه وفضل. وذهب داعية مبتدئ غافل عن وسائل الدعوة وطرائقها إلى داعية قديم يرجو عنده الرُّشد والدلالة، فجرى بينهما الحوار الآتي: - أنا أعمل في دائرة كذا وأحتاج إلى مساعدة بعض الدعاة حتى نحقق ما يرضي الله عنا ونساهم في عودة الناس إلى الله. - الأمر سهل، ولا يحتاج إلى معونة أحد، فابذل جهدك.

- كيف وقد تكاثرت علي الأعمال ولا أجد عوناً ولا نصيراً، وأنا كذلك لا أعرف الطريقة المناسبة للدعوة، فأنا مبتدئ. - إن لم تستطع الدعوة فاتركها في تلك الدائرة. - لكنك تعرف من يستطيع مساعدتي، وأنا أرجو بهم أن أحقق مكاسب دعوية إيمانية ثمينة، والناس مقبلون على الخير. - لقد أضجرتني، ما عندي إلا ما قلته لك، فإما أن تدعو منفرداً وإما أن تترك، هذا ما عندي ولا تعد إلى هذا الموضوع. والمصيبة هاهنا الداعية المقبل كان يرجو أ، يلقى العون ممن سأله إياه، لكنه وُوجه بهذا الصدِّ فقضى على آماله ورغبته في الدعوة، وهذا إن لم يتداركه الله بفضل منه ورحمة يحصل له ما لا تُحمد عقباه. وهذا الداعية المقصود عوض أن يدرب السائل أو يرشده أو يعاونه واجهه بهذا الصدِّ المنكر الذي لا يغني في الحقيقة شيئاً ولا يثمر نفعاً.

المبحث الثاني تأصيل التدريب من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح

المبحث الثاني تأصيل التدريب من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح المطلب الأول: تأصيل التدريب من صنيع الله تعالى مع أنبيائه ورسله إن الله تبارك وتعالى أرسل رسلاً إلى أقوامهم، وأمرهم بالإنذار والتبشير، وعلم سبحانه أن هؤلاء الرسل سيواجهون شدائد ومصاعب، وسيقف الطغاة في وجوههم، وأنهم سيكونون في حاجة ماسة إلى معونة من لدنه تبارك وتعالى تساعدهم في مهمتهم الشاقة الجسمية. والمتأمل لصنيع الله تعالى مع أنبيائه -مما نقرأه في كتاب الله تعالى أو مما نعمله من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يعجب لهذا الإعداد الدقيق والتدريب العميق، ويستفيد بذلك أهمية أن يتدرب على أمور كثيرة اقتداءً بهذا الصنيع الإلهيّ

جعلهم رعاة للغنم

العجيب؛ إذ أن هذه الأخبار التي وصلت إلينا المراد منها الاقتداء والاتعاظ، وحاولة الاستفادة منها في واقعنا المعاصر، مع ما يراد من سوقها إلى الناس من التعبد بها إن كانت آيات كريمات. هذا ومن طرائق التدريب التي وقفت عليها ما يلي: أولاً: جعلهم رعاة للغنم: وذلك كي يسوسوا بعد ذلك أممهم كما تُساس الغنم بالصبر والجَلَد عليها: فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم)). فقال أصحابه: وأنت؟ قال: ((نعم، كنت أرعاها على قراريط (¬1) لأهل مكة)) (¬2) ¬

(¬1) القيراط: معيار في الوزن وفي القياس، اختلف مقاديره باختلاف الأزمنة، وهو اليوم في الوزن أربع قمحات، وفي وزن الذهب خاصة ثلاث قمحات. وفي القياس جزء من أربعة وعشرين، وهو من الفدان يساوي 175 متراً: ((المعجم الوسيط)): ق ر ط. (¬2) أخرجه الإمام البخاري في صحيحة: كتاب الإجازة: باب رعي الغنم على قراريط.

قال ابن حجر (¬1) رحمه الله تعالى: ((قال العلماء: الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلَّفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طباعتها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة، ألفوا من ذلك الصبر على الأمة، وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كُلفوا القيام بذلك من أو وهلة لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم. وخُصت الغنم بذلك لكونها أضعفَ من غيرها، ولأن ¬

(¬1) أحمد بن علي بن محمد، الأستاذ إمام الأئمة، أبو الفضل الكناني العسقلاني المصري الشافعي، ويعرف بابن حجر وهو لقب لبعض آبائه. ولد سنة 773 بمصر القديمة، ونشأ بها يتيماً، وجدَّ في العلوم المناصب كالقضاء والحسبة والإمامة. توفي رحمه الله تعالى بالقاهرة سنة 852. انظر ((الضوء اللامع)): 2/ 36 - 40.

العزلة قبل البعثة

تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها (¬1) في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقياداً من غيرها ... )) (¬2). ثانياً: العزلة قبل البعثة: إن الأمور العظيمة الضخمة تحتاج إلى تهيئة وإعداد كبيرين قبل الإقدام عليها، ومن ذلك الإعداد العزلة الوقتية التي يحتاجها كل من يريد أن يجمع شتات أمره، ويحزم أمره، ويصل على أمر فاصل ورأي ناضج فيما يريد أن يقدم عليه. والله تبارك وتعالى عليم أن نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - مقدم على أمر عظيم جليل خطير، فحبَّب إليه العزلة ورغَّبه فيها، فكان يتعبد بحراء ليالي ذوات عدد، منفرداً وحيداً قبل أن يَفْجَأه جبريل عليه السلام بالرسالة العظيمة. قال الأستاذ سيد رحمه الله تعالى: ((وكان اختياره - صلى الله عليه وسلم - لهذه العزلة طرفاً من تدبير الله له ليعده لما ينتظره من الأمر العظيم. ففي هذه العزلة كان يخلو إلى نفسه، ويخلص من زحمة الحياة وشواغلها ¬

(¬1) أي دون الغنم. (¬2) ((فتح الباري)): 10/ 5 - 6.

الصغيرة؛ ويفرغ لموحيات الكون، ودلائل الإبداع؛ وتسبح روحه مع روح الوجود؛ وتتعانق مع هذا الجمال وهذا الكمال؛ وتتعامل مع الحقيقة الكبرى وتمرن على التعامل معها في إدراك وفهم. ولا بد لأي روح يراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى لا بد لهذه الروح من خلوة وعزلة بعض الوقت، وانقطاع عن شواغل الأرض، وضجة الحياة، وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة. لابد من فترة للتأمل والتدبر والتعامل مع الكون الكبير وحقائقه الطليقة؛ فالاستغراق في واقع الحياة يجعل النفس تألفه وتستنيم له، فلا تحاول تغييره. أما الانخلاع منه فترة، والانعزال عنه، والحياة في طلاقة كاملة من أسر الواقع الصغير، ومن الشواغل التافهة فهو الذي يؤهل الروح الكبير لرؤية ما هو أكبر، ويدربه على الشعور بتكامل ذاته بدون حاجة إلى عرف الناس، والاستمداد من مصدر آخر غير هذا العرف الشائع! وهكذا دبَّر الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهو يعدُّه لحمل الأمانة الكبرى، وتغيير وجه الأرض، وتعديل خط التاريخ .. دبَّر له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات. ينطلق في هذه العزلة شهراً من الزمان، مع روح الوجود الطليقة، ويتدبر ما وراء الوجود من غيب مكنون، حتى يحين موعد

الصلاة الطويلة الشاقة نحو قيام الليل

التعامل مع هذا الغيب عندما يأذن الله)) (¬1). وهذا موسى عليه الصلاة والسلام يأمره ربه بالاستعداد للقائه بالاعتزال أربعين يوماً. قال الأستاذ سيد رحمه الله تعالى: ((كانت فترة الإعداد ثلاثين ليلة أضيفت إليها عشر، فبلغت عدَّتها أربعين ليلة يروض موسى فيها نفسه على اللقاء الموعود، وينعزل فيها عن شواغل الأرض ليستغرق فيها في الخالق الجليل، وتصفو روحه وتستشف وتستضيء، وتتقوى عزيمته على مواجهة الموفق المرتقب وحمل الرسالة الموعودة)) (¬2). ثالثاً: الصلاة الطويلة الشاقة نحو قيام الليل: إن الله تبارك وتعالى أعدَّ نبيه - صلى الله عليه وسلم - للمهمات الثقيلة التي سيقبل عليها بقيام الليل والتطويل فيه، وبالتدريب على المشاق التي تخالط هذا القيام حتى يستطيع أن يواجه أعباء الدعوة بعد ذلك وهو قد اعتاد المشاق وتدرَّب على تذليل الصعاب. قال الأستاذ سيد رحمه الله تعالى شارحاً قوله تعالى: (يا أيها المزمل * قم الليل إلا قيلاً * نصفه أو أنقص منه ¬

(¬1) ((في ظلال القرآن)): 6/ 374. (¬2) المصدر السابق: 3/ 1367.

قليلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً * إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً * إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً). قال: ((قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قم))، فقام، وظل قائماً بعدها أكثر من عشرين عاماً! لم يسترح، ولم يسكن، ولم يعش لنفسه ولا لأهله، قام وظل قائماً على دعوة الله، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به: عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، وعبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى. حمل عبء الكفاح والجهاد في ميدان الضمير البشري الغارق في أوهام الجاهلية وتصوراتها، المثقل بأثقال الأرض وجواذبها، المكبل بأوهاق الشهوات وأغلالها، حتى إذا خلص هذا الضمير في بعض صحابته مما يثقله من ركام الجاهلية والحياة الأرضية بدأ معركة أخرى في ميدان آخر، بل معارك متلاحقة مع أعداء دعوة الله المتألبين عليها وعلى المؤمنين بها، الحريصين على قتل هذه الغرسة الزكية في منبتها، قبل أن تنمو وتمد جذورها في التربة وفروعها في الفضاء، وتطلل مساحات أخرى. ولم يكد يفرغ من معارك الجزيرة العربية حتى كانت الروم تعدّ لهذه الأمة الجديدة وتتهيأ للبطش بها على تخومها الشمالية.

وفي أثناء هذا كله لم تكن المعركة الأولى - معركة الضمير - قد انتهت؛ فهي معركة خالدة، الشيطان صاحبها؛ وهو لا يني لحظة عن مزاولة نشاطه في أعماق الضمير الإنساني، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - قائم على دعوة الله هناك - وعلى المعركة الدائبة في ميادينها المتفرقة - في شظف من العيش والدنيا مقبلة عليه، وفي جهد وكدِّ والمؤمنون يستروحون من حوله ظلال الأمن والراحة، وفي نصب دائم لا ينقطع، وفي صبر جميل على هذا كله، وفي قيام الليل، وفي عبادة لربه، وترتيل لقرآنه وتبتل إليه، كما أمره أن يفعل وهو يناديه: (يا أيها المزمل * قم الليل إلا قيلاً * نصفه أو أنقص منه قيلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً * إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً * إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً * إن لك في النهار سبحاً طويلاً * وأذكر إسم ربك وتبتل إليه تبتيلا * رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فأتخذه وكيلا * واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلا). وهكذا قام محمد - صلى الله عليه وسلم - وهكذا عاش في المعركة الذائبة المستمرة أكثر من عشرين عاماً، لا يلهيه شأن عن شأن في خلال هذا الأمد، منذ أن سمع النداء العلوي الجليل وتلقى منه التكليف الرهيب، جزاه الله عنا وعن البشرية كلها خير الجزاء ... (يا أيها المزمل * قم) .. إنها دعوة السماء، وصوت

الكبير المتعال، قم .. قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك، قم للجهد والنصب والكد والتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة، قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد. إنها لكلمة عظيمة رهيبة تنتزعه - صلى الله عليه وسلم - من دفء الفراش، في البيت الهادئ والحضن الدافئ لتدفع به في الخِضمّ، بين الزعازع والأنواء، وبين الشد والجذب في ضمائر الناس وفي واقع الحياة سواء. إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحاً، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً. فأما الكبر الذي يحمل هذا العبء الكبير فما له والنوم؟ وما له والراحة؟ وماله والفراش الدافئ، والعيش الهادئ؟ والمتاع المريح؟! ولقد عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقيقة الأمر وقدّره، فقال لخديجة رضي الله عنها وهي تدعوه أن يطمئن وينام: ((مضى عهد النوم يا خديجة))! أجل .. مضى عهد النوم وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق! (يا أيها المزمل * قم الليل إلا قيلاً * نصفه أو أنقص منه قيلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً). إنه الإعداد للمهمة الكبرى بوسائل الإعداد الإلهية المضمونة: قيام الليل، أكثره: أكثر من نصف الليل ودون

ثلثيه، وأقله: ثلث الليل. وكان هذا الإعداد للقول الثقيل الذي سينزله الله عليه: (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) هو هذا القرآن وما وراءه من التكليف، والقرآن في مبناه ليس ثقيلاً فهو ميسر للذكر، ولكنه ثقيل في ميزان الحق، ثقيل في أثره في القلب: (لو أنزلنا هذا القرءان على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله) فأنزله الله على قبل أثبت من الجبل يتلقاه .. وإن تلقي هذا الفيض من النور والمعرفة واستيعابه لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل. وإن التعامل مع الحقائق الكونية الكبرى المجردة لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل. وإن الاتصال بالملأ الأعلى وبروح الوجود وأرواح الخلائق الحية والجامدة على النحو الذي تهيأ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل. وإن الاستقامة على هذا الأمر بلا تردُّد ولا ارتياب، ولا تلفُّت هنا أو هناك وراء الهواتف والجواذب والمعوقات لثقيل، يحتاج إلى استعداد طويل. وإن قيام الليل والناس نيام، والانقطاع عن غَبَش الحياة اليومية وسِفْسافها؛ والاتصال بالله، وتلقي فيضه

ونوره، والأنس بالوحدة معه والخلوة إليه، وترتيل القرآن والكون ساكن، وكأنما هو يتنزل من الملأ الأعلى وتتجاوب به أرجاء الوجود في لحظة الترتيل بلا لفظ بشري ولا عبارة؛ واستقبال وإشاعاته وإيحاءاته وإيقاعاته في الليل الساجي .. إن هذا كله هو الزاد لاحتمال القول الثقيل، والعبء الباهظ والجهد المرير الذي ينتظر الرسول وينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل! وينير القلب في الطريق الشاق الطويل، ويعصمه من وسوسة الشيطان، ومن التيه في الظلمات الحافة بهذا الطريق المنير. (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا). (إن ناشئة الليل) هي ما ينسأ منه بعد العشاء؛ والآية تقول: (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا) أي أجهد للبدن، (وأقوم قيلا): أي أثبت في الخير كما قال مجاهد، فإن مغالبة هتاف النوم وجاذبية الفراش، بعد كدِّ النهار أشد وطأً وأجهد للبدن؛ ولكنها إعلان لسيطرة الروح، واستجابة لدعوة الله، وإيثار للأنس به، ومن ثَمّ فإنها أقوم قيلاّ؛ لأن للذكر فيها حلاوته، وللصلاة فيها خشوعها، وللمناجاة فيها شفافيتها. وإنها لتسكب في القلب أنساً وراحة وشفافية ونوراً، قد لا يجدها في صلاة النهار وذكره، والله الذي خلق هذا القلب يعلم مداخله وأوتاره، ويعلم ما يتسرب إليه وما يوقع عليه، وأي الأوقات يكون فيها أكثر تفتحاً

واستعداداً وتهيؤاً، وأي الأسباب أعلق به وأشد تأثيراً فيه. والله سبحانه وهو يعد عبده ورسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليتلقى القول الثقيل، وينهض بالعبء الجسيم اختار له قيام الليل؛ لأن ناشئة الليل هي أشد وطأً وأقوم قيلاً، ولأن له في النهار مشاغله ونشاطه الذي يستغرق كثيراً من الطاقة والالتفات ... )) (¬1). وهذا الذي درب الله تعالى أنبياءه عليه صالح لأن يدرب عليه الدعاة والصالحون إلى آخر الزمان، فالمنهج واحد والعقبات متشابهة متقاربة، وقد بين الأستاذ سيد رحمه الله تعالى هذا الأمر أحسن تبيين في تفسيره لقوله تعالى (واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا * ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا) (¬2) حيث قال رحمه الله تعالى: ((هذا هو الزاد، اذكر اسم ربك في الصباح والمساء، واسجد له بالليل وسبحه طويلاً، إنه الاتصال بالمصدر الذي نزل عليك القرآن وكلفك بالدعوة، هو ينبوع القوة ومصدر الزاد والمدد: الاتصال به ذكراً وعبادة ودعاء وتسبيحاً ليلاً طويلاً، فالطريق طويل والعبء ثقيل ولا بد ¬

(¬1) ((في ظلال القرآن)): 6/ 3742 - 3746 بتصرف. (¬2) سورة الإنسان: الآيتان 25 - 26.

من الزاد الكثير والمدد الكبير، وهو هناك حيث يلتقي العبد بربه في خلوة وفي نجاء، وفي تطلع وفي أنس، تفيض منه الراحة على التعب والضنى، وتفيض منه القوة على الضعف والقلة، وحيث تنفض الروح عنها صغائر المشاعر والشواغل، وترى عظمة التكليف وضخامة الأمانة فتستصغر ما لاقت وما تلاقي من أشواك الطريق. إن الله رحيم كلف عبده الدعوة ونزل عليه القرآن، وعرف متاعب العبء وأشواك الطريق، فلم يدع نبيه - صلى الله عليه وسلم - بلا عون أو مدد، وهذا هو المدد الذي يعلم سبحانه أنه هو الزاد الحقيقي الصالح لهذه الرحلة المضنية في تلك الطريق الشائك، وهو هو زاد أصحاب الدعوة إلى الله في كل أرض وفي كل جيل، فهي دعوة واحدة، ملابساتها واحدة، وموقف الباطل منها واحد، وأسباب هذا الموقف واحدة ووسائل الباطل منها واحد، وأسباب هذا الموقف واحدة، ووسائل الباطل هي ذاتها وسائله، فلتكن وسائل الحق هي الوسائل التي علم الله أنها وسائل هذا الطريق. والحقيقة التي ينبغي أن يعيش فيه أصحاب الدعوة إلى الله هي هذه الحقيقة التي لقنها الله لصاحب الدعوة الأولى - صلى الله عليه وسلم -، هي أن التكليف بهذه الدعوة ينزل من عند الله فهو صاحبها، وأن الحق الذي تنزلت به لا يمكن مزجه بالباطل الذي يدعو إليه الآثمون الكفار؛ فلا سبيل إلى التعاون بين حقها وباطلهم أو الالتقاء في منتصف الطريق

التدريب على مواجهة الطغاة

بين القائم على الحق والقائمين على الباطل، فهما نهجان مختلفان وطريقان لا يلتقيان. فأما حين يغلب الباطل قوته وجمعه على قلة المؤمنين وضعفهم لحمة يراها الله، فالصبر حتى يأتي الله بحكمه، والاستمداد من الله والاستعانة بالدعاء والتسبيح ليلاً طويلاً هي الزاد المضمون لهذا الطريق. إنها حقيقة كبرى لا بد أن يدركها ويعيش فها رواد هذا الطريق)) (¬1). رابعاً: التدريب على مواجهة الطغاة: إن الله تعالى كلف رسله عليهم الصلاة والسلام الإبلاغ والإنذار، وساعدهم على هذا بمعجزات وأسعفهم بآيات بينات، ولقد أعد الله تعالى بعض أنبيائه فتربوا على التعامل مع هذه المعجزات. وليس أعظم ولا أدل على هذا من قصة موسى عليه الصلاة والسلام، فالله تبارك تعالى أرسله إلى أمتي القبط وبني إسرائيل، وهي مهمة صعبة ولا شك، كلن الله تعالى أعانه فدرَّبه قبل الرسالة وأثناءها، إذ مرَّت عليه أحداث جسام قبل الرسالة صقلته وهيَّأته، ولعل أبرز ما هيَّاه الله ¬

(¬1) ((في ظلال القرآن)): 6/ 3785 - 3786.

تعالى به السنوات التي قضاها عند شعيب عليه الصلاة والسلام. ثم إن الله تعالى اصطفاه في مشهد مهيب بطريقة لم تتكرر في عظمتها ومهابتها وقوَّتها لنبي آخر، وكان في هذا حكماً كثيرة، منها - والله أعلم - تدريبه ليواجه هيبة فرعون وصورته التي تصوَّر عليها من العظمة والطغيان. ثم إن اله تعالى درَّبه على موجهة فرعون تدرياً كافياً شاملاً للمهمة التي أرسله من أجلها جلَّ جلاله، والمتأمل لقصته في كتاب الله تعالى يعلم هذا، فقد قال جلَّ جلاله: (وما تلك بيمينك ياموسى * قال هي عصاي أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مئارب أخرى * قال ألقها ياموسى * فألقاها فإذا هي حية تسعى * قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى * وأضمم يدرك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء ءاية أخرى * لنريك من ءايتنا الكبرى * اذهب إلى فرعون إنه طغى) (¬1). أليس إلقاؤه العصا وتحوّلها إلى حية أمام ناظريه نوعاً من التدريب على مواجة رهبة الموقف قبل حدوثه، ¬

(¬1) سورة طه: الآيات 17 - 24.

مواقف مختلفة

وكذلك الحال - أيضاً - في ضم موسى يدَه إلى جناحه وظهور عظيم بياضها ونورها الآدم شديد السمرة - صلى الله عليه وسلم -. والله تبارك وتعالى كان قادراً على تثبيت موسى لأول وهلة، لكن من الحكم في هذا الصنيع هو أن ندرك أن الله سنناً في كونه يجب احترامها والتدريب على التعامل معها. ثم إن الله تعالى جرَأ نبيَّه موسى عليه الصلاة والسلام على مواجهة الطاغية وماذا يقول له وكيف يرد، فقال: (فقل هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى) (¬1). وطمأنه تعلى بقوله: (إنني معكما أسمع وأرى) (¬2)، (قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بئاياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون) (¬3). فهل بعد هذا التدريب تدريب؟! خامساً: مواقف مختلفة: ومن المواقف التدريبية في كتاب الله تعالى - أيضاً - ما علمه رسول محمداً - صلى الله عليه وسلم - من كيفية الإجابة على الأسئلة المستقبلية، فمن ذلك: ¬

(¬1) سورة النازعات: الآيتان 19،18. (¬2) سورة طه: آية 46. (¬3) سورة القصص: آية 35.

(سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) (¬1). (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخدوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا * قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليما) (¬2). وهذه الإجابات على الأسئلة المستقبلية فيها تثبيت وطمئنان، وفيها تدريب على مواجهة المواقف الحرجة الصعبة. ومن ذلك ما جاء في قضية داود عليه السلام، فقد أرشده الله تعالى وبيَّن له كيف يصنع الدروع حتى يتدرب عليها ويحسن صنعها، فقال جل من قائل: ( .. وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد وأعملوا صالحاً) (¬3). ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 142. (¬2) سورة الفتح: آية 16،15. (¬3) سورة سبأ: آية 10.

والمعنى: ألنَّا له الحديد فجعلناه في يده كالعجين يصرفه كيف يشاء، من غير نار ولا ضرب مِطرَقة، وأمرناه بعمل دروع سابغات، والسَّرْد: نَسْجُ كل ما يخشن ويغلظ، واستعير هنا لنظم الحديد وعمله دروعاً. ومعنى: (وقدر في السرد) أي: اجعل حلقها على مقاديرَ متناسبة، وقيل: لا تعمل الحلقات صيرة فتضعف فلا يقوى الدرع على الدفاع، ولا كبيرة فيُنال صاحبها من خلالها. وقد علَّمه الله تعالى كيف يصنع هذه الدروع على هيئة حِلَق، وإلا فقد كانت تصنع قبل ذلك صفائح (¬1)، فسردها وخَلّقها داود عليه السلام فجمعت بين الخفة والتحصين (¬2). وقيل أن الله تعلى علَّم داود عليه السلام صنعة الدروع وما كانت تعرف قبل ذلك (¬3)، ولعل على هذا يدل قوله تعالى: (وعلمناه صنعة لبؤس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون) (¬4). ¬

(¬1) انظر ((روح المعاني)): 22/ 114 - 115 بتصرف يسير. (¬2) المصدر السابق: 17/ 77. (¬3) المصدر السابق: 17/ 77. (¬4) سورة الأنبياء: آية 80.

المطلب الثاني: تأصيل التدريب من السنة المطهرة

المطلب الثاني: تأصيل التدريب من السنة المطهرة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصاً على تبليغ الدين على أتمِّ وجه، وقد صنع بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم -، وفي سبيل ذلك كان حريصاً على عدة أمور، منها: أن يدرب أصحابه رضي الله تعالى عنهم على أعمال متنوعة ليحسنوا قيادة الأمة من بعده - صلى الله عليه وسلم -. هذا وإن هناك عدداً وافراً من المواقف التدريبة في سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يظهر معها بوضوح مدى العناية الفائقة التي أولاها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لهذه المسألة المهمة، ويظهر معها - أيضاً - عظمة هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان؛ فمن تلك المواقف: 1 - تدريب الصحابة على الدعوة وطرائقها: لما أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذا إلى اليمن علَّمه كيف يصنع، ودربه على الكلام مع القوم الكافرين فقال - صلى الله عليه وسلم -:

2 - تدريب الصحابة على القضاء والفتوى

((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله؛ فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) (¬1). ففي هذا الحديث تدريب لمعاذ على مواجهة أهل اليمن، وفي صحيح مسلم أنه قال له - صلى الله عليه وسلم -: ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب)) (¬2) فوصفهم له - صلى الله عليه وسلم - حتى يكون على معرفة بمن سيقدم عليهم، ولأن أهل الكتاب يُفترض أن يكونوا أكثر قبولاً للدعوة من غيرهم من الوثنيين. هذا، وقد دربه - أيضاً - على التدرج في الدعوة، إ لا فائدة من دعوة قوم إلى فروع وهم عن الأصول غافلون، ولا فائدة من دعوتهم إلى أصل كان غيره أولى منه وأجدر بالدعوة إليه. 2 - تدريب الصحابة على القضاء والفتوى: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعهد إلى بعض الصحابة بالقضاء ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحة: كتاب الزكاة: باب وجوب الزكاة. (¬2) أخرجه الإمام مسلم في صحيحة: كتاب الإيمان: باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام والصلاة والصدقة.

والفتوى ((على أنَّا نعلم أن فتاوى الصحابة لم يكن القصد منها إلا التمرين على الاجتهاد)) (¬1)، وذلك لأنه ليس لأحد أن يفتي أو يقضي بحضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الغرض هو تدريب الصحابة رضي الله عنهم على شؤون القضاء والفُتيا بحضرته - صلى الله عليه وسلم -. فعن عقبةَ بن عامر الجهني (¬2) رضي الله تعالى عنه قال: جاء رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خصمان، فقال: ((اقضِ بينهما))، قال: أنت أولى بذلك مني يارسول الله، قال: ((وإن كان)) قال: فإذا قضيت بينهما فما لي؟ قال: ((إن كنتَ قضيت بينهما فأصبحت القضاء فللك عشر حسنات، وإن أنت اجتهدت فأخطأت فلك حسنة)). ومثل هذا - أيضاً - جاء عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما (¬3). ¬

(¬1) ((الفكر السامي)): 1/ 173. (¬2) صحابي مشهور، اختلف في كنيته على سبعة أقوال أشهرها أنه أبو حماد، ولي إمرة مصر لمعاوية رضي الله تعالى عنهما ثلاث سنين، وكان فقيهاً فاضلاَ. مات في قرب الستين. انظر ((التقريب)): 395. (¬3) انظر ((مجمع الزوائد)): 4/ 198، وقال عن حديث عقبة: ((روى الإمام أحمد بإسناد رجاله الصحيح إلى عقبة بن عامر ... )).

وفي قضاء عقبة وعمرو رضي الله عنهما بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدريب على القضاء بحضرته وتعليم. وعن علي رضي الله تعالى عنه قال: ((بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضياً، فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء؟! فقال: ((إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينَّ حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء))، قال: فما زلت قاضياً، أو: ما شككتُ في قضاءٍ بعدُ)) (¬1) ولا ينسى في هذا المقام أمره - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ أن يحكم في يهود بني قريظة بحضرته - صلى الله عليه وسلم -، فلما حكم فيهم حكمه الشهير المعروف، صوب حكمه، وهذا نوع من التدريب والتعليم. ¬

(¬1) أخرجه الإمام أبو داود في سننه: كتاب القضاء: باب كيف القضاء، وقال المنذري: أخرجه الترمذي مختصراً، وقال: حديث حسن، انظر ((عون المعبود)): 9/ 487 - 500، وانظر كذلك: ((الفتح الرباني)): 15/ 208 - 209،213. والحديث صحيح إن شاء الله.

3 - تدريب الصحابة على إدارة بعض شؤون دنياهم

3 - تدريب الصحابة على إدارة بعض شؤون دنياهم: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدرِّب الصحابة على إدارة بعض شؤون دنياهم حتى يكتفو ويبتعدو عن ذلِّ الحاجة والقلة، فمن ذلك ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله، فقال: ((أما في بيتك شيء؟)). قال: بلى، حِلْسّ (¬1) نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقَعْبٌ (¬2) نشرب فيه الماء. قال: ((ائتني بهما)). قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وقال: ((من يشتري هذين؟)) قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: ((من يزيد على درهم؟)) مرتين أو ثلاثاً. قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاريِّ وقال: ((اشترِ بأحدهما ¬

(¬1) أي كساء غليظ يلي ظهر البعير تحت القتب، انظر ((عون المعبود)): 5/ 53. (¬2) أي: قدح. المصدر السابق.

طعاماً فأنبذه (¬1) إلى أهلك واشترِ بالآخر قدوماً (¬2) فأتني به)). فأتاه به فشدَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عوداً بيده، ثم قال له: ((اذهب فاحتطب وبِع، ولا أرينَّك خمس عشر يوماً))، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصابَ عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هذا خير لك من أن تجيء المسألة نُكتةً في وجهك (¬3) يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مُدقِع (¬4)، أو لذي غُزمٍ مُفظِع (¬5)، أو لذي دم موجع (¬6)) (¬7). ¬

(¬1) أي: اطرحه. المصدر السابق. (¬2) أي: فأساً. المصدر السابق. (¬3) أي: لها أثر كالنقطة القبيحة. المصدر السابق. (¬4) أي: شديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء وهي التراب. المصدر السابق. (¬5) أي: فظيع وثقيل. المصدر السابق. (¬6) أي: قتل يوجع القاتل أو أولياءه بأن تلزمهم الدية وليس عندهم ما يؤدونها به. المصدر السابق. (¬7) الحديث أخرجه الإمام أبو داود في سنته: كتاب الزكاة: باب ما تجوز فيه المسألة، وأخرجه الترمذي وقال: حسن. انظر المصدر السابق.

ففي هذا الحديث تعليم من النبي - صلى الله عليه وسلم - وتدريب لهذا الصحابي الكريم رضي الله عنه، بل هو تعليم وتدريب لك الأمة من بعده، وإرشاد لها إلى الأخذ بأسباب العلم والتدريب للرقي بالأمة إلى المجد والعلياء.

المطلب الثالث: تأصيل التدريب من عمل السلف الصالح رضي الله عنهم ومن تبعهم

المطلب الثالث: تأصيل التدريب من عمل السلف الصالح رضي الله عنهم ومن تبعهم قد كان للصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن بعدهم من صدر هذه الأمة أعمال في التدريب على شؤون العمل الإسلاميّ، وتبعهم على ذلك جماعات من الخلف كانت لهم أياد بيضاء في هذا الباب، فمن تلك النماذج: 1 - تدريب عمر أبا موسى الأشعري رضي الله عنهما وشريحاً على القضاء: هذا عمر رضي الله تعالى عنه يدرب شريحاً (¬1) على القضاء قائلاً: ¬

(¬1) شريح بن الحارث بن قيس الكوفي النَّخَعي القاضي، أبو أمية. ثقة، مخضرم، وقيل: له صحبة. مات قبل الثمانين أو بعدها، وله مائة وثمان سنين أو أكثر. يقال: حكم - أي قضى - سبعين سنة. انظر ((تقريب التهذيب)): 265.

((اقض بما استبان لك من كتاب الله، فإن لم تعمل كل كتاب الله فاقض بما استبان لك من قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم تعلم كل أقضية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين، فإن لم تعلم كل ما قضت به أئمة المهتدين فاجتهد رأيك، واستشر أهل العلم والصلاح)) (¬1) وفي تفصيل أطول وتدريب أوسع بيَن عمر لأبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما أصول القضاء فكان فيما قاله له: (( ... آسِ الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حِيْفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على المدعي واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحلَّ حراماً أو حرّم حلالاً، ومن ادَّعى حقاً غائباً أو بينة فاضرب له أمداً ينتهي إليه، فإن بيّنه أعطيته بحقه، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية، فإن ذلك هو أبلغ في العذر وأجلى للعلماء، ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإنّ الحق قديم لا يُبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، ¬

(¬1) ((إعلام الموقعين)): 1/ 204.

2 - تدريب عمر رضي الله تعالى عنه الناس على القوة والاخشيشان

والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجرَّباً عليه شهادة الزور أو مجلوداً في حد، أو ظنيناً في ولاء أو قرابة، فإن الله تعالى تولى من العباد السرائر وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان. ثم الفهمَ الفهمَ فيما أدلى إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال (¬1) ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر عند الخصومة ... فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ... )) (¬2). 2 - تدريب عمر رضي الله تعالى عنه الناس على القوة والاخشيشان: قد كانت حال الفاروق معروفة في هذا الباب، لكنه لم يكتف بحاله بل أراد حمل الناس على أن يكونوا أقوياء فيهم خشونة الرجال وقوتهم، فها هو يقول لأهل الشام: ((ائتزروا وارتدوا (¬3)، وانتعلوا وألقوا الخفاف، وارموا الأغراض (¬4)، وألقوا الُّركُب وانزوا نزواً على الخيل (¬5)، وعليكم بالمَعَدِّيَّة (¬6)، ودعوا التنعم وزي العجم ... )). وقال أيضاً لأهل حمص: ((علِّموا أولادكم الرماية والفروسية والسباحة ... وتمعددوا (¬7)، واخشوشنوا، واستقبلوا حر الشمس بوجوهكم، وارموا ¬

(¬1) أي: المتماثلات. (¬2) المصدر السابق: 1/ 85 - 86. (¬3) أي: البسوا الإزار والرداء. (¬4) أي: تدربوا على إصابة الهدف. (¬5) أي: لا تستعينوا بشيء على ركوب الخيل بل اقفزوا عليها قفزاً. (¬6) (7) نسبة إلى معدِّ بن عدنان وكان خشناً. (¬7) ((أثر الإسلام في تكوين الشخصية الجهادية)): 102 - 103. وقد نقل المصنف عن عيون الأخبار لابن قتيبة.

3 - التدريب على قراءة القرآن العظيم

الأغراض، وانزوا على الخيل نزواً)) (¬1). 3 - التدريب على قراءة القرآن العظيم: كان جبريل ينزل بالقرآن العظيم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيتعلم منه كيفية نطقه وتجويده، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - علَّم الصحابة كيفية نطق القرآن العظيم وتجويده، وجهد الصحابة رضي الله تعالى عنهم في تعليم التابعين وتدريبهم على كيفية نطق القرآن العظيم وتجويده، وكان عدد منهم رضي الله تعالى عنهم قد تفرَّغوا لهذه المهمة الجليلة، منهم: الفاروق عم وعثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم ¬

(¬1)

رضي الله تعالى عنهم، وأخذ عنهم التابعون وأقرأوا تابعيهم .. وهلمَّ جرّا. وهذا أبو الدرداء (¬1) رضي الله تعالى عنه، كانت له طريقة فريدة يعلِّم بها الناس القرآن، وذلك بجامع دمشق، فكان إذا صلَّى الفجر اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريف، ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم رجع على عريفه، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء فسأله عن ذلك. وكان عدة من يقرأ في المسجد ألفاً وستمائة ونيفاً، فإذا أحكم واحد منهم القراءة ترك عريفَه وقرأ على أبي الدرداء (¬2). فهذه الطريقة الفريدة في التدريب على قراءة القرآن العظيم مما يحسن ذكره هاهنا في التأصيل لأهمية التدريب وبيان أخذ أسلافنا به على وجه حسن. ¬

(¬1) عويمر بن زيد الأنصاري الخزرجي، حكيم هذه الأمة، وأحد الذين جمعوا القرآن حفظاً على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا خلاف. ولي قضاء دمشق، وكان من العلماء الحكماء. توفي سنة32 رضي الله عنه. انظر ((غاية النهاية)): 1/ 606 - 607. (¬2) المصدر السابق.

4 - التدريب على قضايا علمية منوعة

4 - التدريب على قضايا علمية منوعة: ثم إنه كان في سلف هذه الأمة وخلفها رجال عظماء وعلماء كبراء حرصوا على أن يكون لهم تلاميذ يقتفون أثرهم من بعدهم وينسجون على منوالهم، فعلَّموهم ودرَّبوهم، وهذا مأثور معروف، فقد كان لأبي حنيفة رحمة الله تعالى أصحاب يتعلمَّون منه ويتدرَّبون، وكذلك كان للإمام مالك والشافعي وأحمد، وكثير غيرهم من أئمة الهدى ورؤوس الرشاد. وعلى هذا درج السلف والخلف، وظهر ما يسمى بالمعيد، وهو الذي تدرَّب على إعادة الدرس بعد الشيخ للطلبة، وبرزت المدارس الفقهية الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية، وهي - على الحقيقة - حلقات علم وتدريب على أصول المذهب وكيفية الاستنباط بموجب تلك الأصول، وكان المشايخ يدربون طلابهم على الاستنباط والتصنيف، وكانوا يشجعوهم على مناقشة الآراء الفقهية بجرأة وقوة حتى تتكون عند أولئك الطلاب الملكات الفقيهة المهمة. وهناك بعض العلوم لا تفهم إلا بالتدريب والمشافهة كالتجويد والقراءات، وأصول الفقه والمنطق والفلسفة، وقد كان التدريب علامة بارزة في هذه الحقول العلمية، وقد ذكر بعض الأئمة في بعض كتبهم جوانب من التطبيقات والتدريبات على بعض مطلوبات الشارع الحكيم في جانب

نماذج من المربين المدربين

الزهد والرقائق، منها - على سبيل المثال -التدريب على التأثر بقراءة القرآن الكريم، فقد قال الإمام النووي (¬1) مدرباً على البكاء والتأثر عند قراءة القرآن: ((وطريقة تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرأ من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود، ثم يفكر في تقصيره فيها، فإن لم يحضره عند ذلك حزن وبكاء فليبك على فقد ذلك فإنه من المصائب)) (¬2). نماذج من المربِّين المدرِّبين 1 - قال الأستاذ عبد البديع صقر، رحمه الله تعالى: ((عرفنا في مصر شيخاً ممن يُقتدي بهم كان من عادته أن يلتقي بتلاميذه من الشباب في رحلات تستمر يوماً أو بعض يوم، فإن لم يتيسر ذلك ففي لقاءات داخل المدينة. يصلي بهم صلاة طويلة مظمئنة يقرأ فيها من طوال ¬

(¬1) يحيى بن شرف بن مُرِّي، الإمام المشهور. توفي سنة 676 عن 44 سنة رحمه الله تعالى. له عدد من المصنفات النافعة، وقد كان على حال من المجاهدة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس لها نظير. انظر ترجمته في ((وفيات الأعيان)): 4/ 264 - 268. (¬2) ((أسس في الدعوة ووسائل نشرها)): نقلاً عن المجموع 47، ((شرح المهذب)): 2/ 179.

المفصِّل من آيات القرآن، ثم يقدمهم تباعاً للإمامة، يدرِّبهم تدريباً فيهم الثقة بأنفسهم، ويضطرهم - من بَعْدُ - للحفظ والتجويد، ويتناولون طعاماً مشتركاً، وأثناء تناول الطعام يذكر لهم ما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آداب الطعام والشراب. ويقوم وإياهم بتدريبات رياضية يذكرهم خلالها بما ورد في آداب الرمي والسباق والقوة والجهاد. يجلس معهم جلسات روحية للذكر والتدبر وتلاوة القرآن، تتخللها - أحياناً - القصص المشوقة والحكايات اللطيفة، ويغلب فيها التأثر والبكاء من خشية الله - أحياناً - حتى ترقَّ القلوب. ويدعوهم لقيام الليل بالعبادة فرادى أو جماعات ويكون هو أسبقهم لذلك. ويدربهم على أساليب الخطابة والدعوة مع نقد متبادل للخطباء بعضهم لبعض حتى يفك عقدة ألسنتهم ويعطيهم الخطوة الأولى لتصدر الجماهير)) (¬1). 2 - الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى: كان من ميزات هذا الإمام المجدد الكثيرة أنه مُربِّ ¬

(¬1) ((كيف ندعو الناس)): 124 - 125.

مدرِّب، وفي حياته مواقف كثيرة من التدريب العمليّ لكني سأورد بعضها مكتفياً بها عن البعض الآخر: كان يجتمع ببعض إخوانه فيخرج بهم إلى مكان حدده لهم، فيحدثهم في شؤون الدعوة، ويصلُّون خلفه المغرب والعشاء، ويتناولون سوياً طعاماً خفيفاً، ويتذاكرون ويتسامرون قليلاً، وبعد صلاة العشاء بقليل ينامون على الأرض في حجرة واسعة، ثم يستيقظون قبل الفجر بساعتين فيتوضأون، ويتهجدون بعض ركعات فرادى، ثم يتلو عليهم جزء من القرآن العظيم متحلقين، ثم يلقي عليه الأستاذ الإمام درساً في التكوين النفسيّ والإيمانيّ والعلميّ للداعية، وكيفية التجنب لمواطن الزلل في التاريخ القديم والمعاصر، ثم يترك وقتاً قبل الفجر للاستغفار، ثم بعد أداء الصلاة ينصرف بهم إلى تفسير بعض آيات من القرآن العظيم، وثم إذا سمح المكان لتأدية بعض أنواع الرياضات أدَّوها، ثم ينصرفون (¬1). وهذا الأمر يتكرر مرة أو مرتين كل شهر، هذا عدا عن صيام يوم أو يومين كل أسبوع والإفطار سوياً حتى تتعمق معاني الإيمان والأخوة (¬2). ¬

(¬1) ((الإخوان المسلمون في ميزان الحق)): 191 - 192. (¬2) ((كبرى الحركات الإسلامية)): 44.

أليست هذه الطريقة المذكورة هنا والطريقة التي ذكرها الأستاذ عبد البديع صغر قبلها أجدر على الداعية وأَعْوَدَ بالنفع عليه من عشرات المحاضرات في قيام الليل وتربية النفس؟ بلى والله، وإن هذا التدريب يحمل النفس على التجرد والثبات والتضحية، ويحملها على تحمل تبعات الدعوة. وقد كان له في باب التدريب على الدعوة يدٌ طولى، وما سطره بيده خير شاهد على هذا إذ قال: ((فكرت إن أدعو إلى تكوين فئة من الطلاب الأزهريين وطلاب دار العلوم للتدريب على الوعظ والإرشاد في المساجد ثم في القهاوي والمجتمعات العامة، ثم تكوين منهم بعد ذلك جماعة تنتشر في القرى والريف والمدن الهامة لنشر الدعوة الإسلامية، وقرنت القول بالعمل، فدعوت لفيفاً من الأصدقاء للمشاركة في هذا المشروع والجليل ... كنا نجتمع في مساكن الطلاب في مسجد شيخون بالصليبة ونتذاكر جلال هذه المهمة وما تستلزمه من استعداد علميّ وعمليّ، وخصصت جزءاً من كتبي كالإحياء للغزالي وبعض كتب المناقب والسيَر لتكون مكتبة دورية خاصة بهؤلاء الإخوان، يستعيرون أجزاءها ويحضِّرون موضوع الخطب والمحاضرات منها. وجاء الدور العمليّ بعد هذا الاستعداد العلميّ،

فعرضت عليهم أن نخرج للوعظ في القهاوي، فاستغربوا ذلك وعجبوا منه وقالوا: إن أصحاب القهاوي لا يسمحون بذلك ويعارضون لأنه يعطل أشغالهم، وإن جمهور الجالسين على هذه المقاهي قوم منصرفون إلى ما هم فيه، وليس أثقل من الوعظ، فكيف نتحدث في الدين والأخلاق لقوم لا يفكرون إلا في اللهو الذي انصرفوا إليه؟ وكنت أخالفهم في هذه النظرة وأعتقد أن هذا الجمهور أكثر استعداد لسماع العظات من أي جمهور آخر، من جمهور المسجد نفسه؛ لأن هذا شيء طريف وجديد عليه، والعبرة بحسن اختيار الموضوع، فلا نتعرض لما يجرح شعورهم، وبطريقة العرض (¬1) فتعرض بأسلوب شائق جذاب، وبالوقت فلا يطيل عليهم القول. وقد بدأ هذا الفريق بتجربته، وأخذوا بزيارة بعض المقاهي، ولقد كان شعور السامعين عجيباً، وكانوا ينصتون في إصغاء ويستمعون في شوق، ونحن سعداء بهذا النجاح)) (¬2). وقد ألقى الإمام أكثر من عشرين خطبة في مقاهٍ متعددة استغرقت كل واحدة منها 5 - 10 دقائق، ثم استمر ¬

(¬1) أي: والعبرة بطريقة العرض. (¬2) ((الاحتساب في دعوة الإمام حسن البنا)): 104.

هو ومنم معه على هذا العمل برهة من الزمان (¬1). وواضح أن الحاجة للدعوة بالمقاهي كانت بسبب انصراف الشباب عن المساجد آنذاك وعكوفهم على المقاهي والملاهي، أما اليوم فقد تبدل الحال، والحمدلله، لم يعد للوعاظ حاجة لهذا الأسلوب إلا نادراً. ¬

(¬1) ((كبرى الحركات الإسلامية)): 36.

الفصل الثاني عرض لبعض طرائق التدريب في بعض القضايا المهمة

الفصل الثاني عرض لبعض طرائق التدريب في بعض القضايا المهمة

مدخل

مدخل إن التدريب يشمل أموراً كثيرة أعظم من أن تحصر في كتاب أو يتحدث عنها في عجالة كهذه؛ إذ قلَّما أمر يهم المسلم في شؤون الدعوة إلا وهو محتاج فيه إلى تدريب، لكني سأتخيَّر نواحي محددة أرى - والله تعالى أعلم - أنها ألصق بالحاجة من غيرها وأنها مجالات يقصِّر الدعاة فيها - أو أكثرهم - تقصيرً بيناً لا لسبب إلا أنهم لم يدربوا أنفسهم على خوض غمارها والتوسع في تناولها، وسأذكرها ذكراً لا يتناولها تفصيلاً، إذ هذا الكتاب لا يحتمل هذا التوسع، لكني سأركز على التدريب أكثر من التوسع، لكني سأركز على التدريب أكثر من التوسع في الجانب النظريّ.

التدريب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

التدريب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إسلاميّ متفق عليه، لكن كيف يؤدي هذا الواجب؟ ومتى يقدم المرء على النصح ومتى يُحجم؟ وماهي قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ إلى آخر هذه الأسئلة التي تتعلق بهذا الأمر المهم. والذي يعني به هذا المبحث هو التدريب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإيجاد هذا الباعث في نفوس الصالحين؛ وذلك لأن جمهور غالبة من الدعاة والصالحين قد قصروا في هذا الباب، وتركوه حتى صار بينهم وبينه نُفرة طبيعية، لا لشيء إلا لأن كل متروك مهجور يكون بينه وبين النفس الإنسانية نُفرة ووحشة. ولقد كثرت المصنفات في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستقر في النفوس وجوبه وأهميته،

الخطوات العملية في هذا الباب

لكن كيف يؤمر وينهي؟ ولقد درس هذا الموضوعَ طلابٌ كثر في المعاهد الدراسية وفي غيرها، ولكن التطبيق أمر آخر؛ إن الطبيب يدرس ست سنوات لكن لا يسمح له مزاولة المهنة إلا بعد سنة امتياز سابعة يدرَّب فيها على أيدي أطباء مهرة، وبعد ذلك يمنح الشهادة بأنه أهل وحائز للمهارة المطلوبة، وقس على ذلك المهندسين والفنيين .. فكيف يتخلف عن هذا الأمر المهم - وهو التدريب العلمي - الطلبة الدارسون لقواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ولا بد أن يعلم أن التدريب مهم غاية الأهمية في هذا الباب لأنه يكفل عدم الغلو والشطط أو التساهل، ويكفل التقليل من الأخطاء العلمية في هذا الباب، وفي الوقت نفسه يحفظ الداعية من اليأس والإحباط اللذيْن قد ينتجان من نفرة المدعو أو خشونته أو غير ذلك، أو ينتجان من رؤية الداعية كثيرة المنكرات وقلة حيلته وضعفه في هذا الباب. الخطوات العملية في هذا الباب: 1 - مصاحبة داعية بصير مجرب، والتلقي على يديه كيفية تطبيق قواعد الأمر والنهي بدون تساهل ولا غلو؛ فقد كان عدد من السلف يأمرون بالمعروف

2 - مصاحبة رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جولاتهم الدعوية

وينهون عن المنكر في رجال صالحين تخيروهم على عينهم وارتضوهم في هذا الباب، منهم هشام بن حكيم بن حزام (¬1) رضي الله عنهما حيث كان يأمر بالمعروف في رجال معه (¬2)، منهم عبد الرحيم بن محمد العَلْثي البغدادي (¬3) الذي كان شيخ بغداد في وقته ومن أجلِّ علماء الحديث، وكان ملتزماً بالسنة زاهداً، وكان له أتباع وأصحاب يقومون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (¬4). 2 - مصاحبة رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جولاتهم الدعوية، والاستفادة مما عندهم من خير كثير في هذا الباب، ويمكن أن ¬

(¬1) صحابي ابن صحابي رضي الله عنهما، قرشيّ أسديّ. مات قبل أبيه. انظر ((التقريب)): 572. (¬2) ((أثر الجماعات الإسلامية)): 164 نقلاً عن ((تهذيب التهذيب)). (¬3) عبد الرحيم بن محمد بن أحمد، أبو محمد بن الزجّاج، عفيف الدين العَلْثي ثم البغدادي الحنبلي الأثريّ. ولد سنة 612، وتوفي سنة 685، وسمع من جماعة، وكان محدثاً عالماً ورعاً: انظر: ((الوافي بالوفيات)): 18/ 392. (¬4) ((أثر الجماعات الإسلامية)): 164 نقلاً عن ((ذيل طبقات الحنابلة)).

3 - إنشاء معهد خاص للتدريب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

يتمَّ هذا بتنسيق محدد في زمان الإجازات ونحوها، ويمكن أن يكون هذا التنسيق بالتوظف في الهيئة لمدة زمنية محددة تطوعاً واحتساباً، وهذه فرصة حسنة؛ إذا لا أعلم بلداً في الدنيا فيها هيآت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- على هذا النحو الذي هو عليه - إلا في هذا البلد المبارك. 3 - إنشاء معهد خاص للتدريب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإشراف على تطبيق هذه الشعيرة المباركة على أيدي علماء شجعان أقوياء مجربين بصرين؛ فإن هذه الأمة بحاجة ماسة إلى مثل هذه المؤسسات الدعوية المهمة. 4 - التدريب على الصبر على الإيذاء النفسيّ والجسديّ، وطريق المرء إلى هذا هو تفهم وتدبر هذه الآية الكريمة (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (¬1)، وأيضاً معرفة سير الأنبياء والصالحين قبله وكيف أوذوا وصبروا. ¬

(¬1) سورة العنكبوت: الآيتان 3،2.

5 - التدرب على الشجاعة ومحاولة اكتساب ما يمكن اكتسابه من هذه الصفة المهمة

5 - التدرب على الشجاعة ومحاولة اكتساب ما يمكن اكتسابه من هذه الصفة المهمة، والطريق إلى التطبع بهذه الصفة والتزود منها تدبر هذه الآية (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) (¬1) وأمثالها من الآيات، وقراءة سير الشجعان والأبطال، فإن هذا يعود على المرء بفائدة كبيرة. 6 - الاطلاع على سير الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من الأنبياء والصالحين، فإن هذا يقوي المرء ويشجعه ويسكبه استهانة بعواقب الأمر والنهي التي يقف دونها أكثر الدعاة والصالحين وتؤثر فيهم أيما تأثير، فهذا الإمام العالم الحافظ العابد تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي ثم الدمشقي الحنبليّ، كان عجباً في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ كان ((لا يرى منكراً إلا غيَّره بيده أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم))، ورآه أحد الصالحين وهو يريق خمراً، فجذب صاحب الخمر السيف فلم ¬

(¬1) سورة التوبة: آية 51.

7 - زج النفس وإغماسها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خير الوسائل للتدرب عليه

يخف الحافظ منه بل أخذه من يده، وكان قوياً في بدنه، وكثيراً ما كان بدمشق ينكر ويكسر آلات اللهو. و ((كان بعض أولاد صلاح الدين قد عملت لهم طنابير (¬1) وكانوا في بستان يشربون، فلقي الحافظ الطنابير فكسرها)) وقال الحافظ عن هذه الحادثة: ((فلما كنت أنا وعبد الهادي عند حمام كافور إذا قوم كثير معهم عصيّ فخففت المشي وجعلت أقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فلما صرت على الجسر لحقوا صاحبي فقال: إنا ما كسرت لكم شيئاً هذا هو الذي كسر، فإذا فارس يركض فترجّل وقبَّل يدي وقال: الصبيان ما عرفوك)) وكان قد وضع الله له هيبة في النفوس إلى أشياء من هذا القبيل تراجع في سيرته (¬2). فبمثل هذه الأخبار والقصص يتشجع المتردد الخائف ويقبل ويتوكل ويحتسب. 7 - زجُّ النفس وإغماسها في الأمر بالمعروف والنهي ¬

(¬1) جمع طُنبور وهو العود. (¬2) ((نزهة الفضلاء)): 4/ 1646 - 1647. هذا وقد ولد الحافظ سنة 541 وتوفي سنة 600، وقد أصابته ابتلاءات في حياته، وامتحن مرات، وله مصنفات حسنة رحمه الله تعالى.

8 - التدرج في التطبيق مع البصيرة النافذة والحكمة والموعظة الحسنة

عن المنكر من خير الوسائل للتدرب عليه، والخطأ وارد ومقبول من المبتدئ، وقد قيل للبنا رحمه الله تعالى: ((نريد أن تعلمنا الخطابة وفنون الدعوة، فأجاب قائلاً: سيروا في القرى وطرقات الأرياف مرة في اليابس ومرة في الطين، وخالطوا هذا الشعب المؤمن وعندها يفتح الله عليكم وهو الفتاح العليم)) (¬1). 8 - التدرج في التطبيق مع البصيرة النافذة والحكمة والموعظة الحسنة؛ فإن هذا من شأنه أن يرسخ عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في النفوس. بهذه القواعد التدريبية العلمية وأمثالها يتدرب الدعاة عملياً على هذه العبادة الواجبة والشعيرة الربانية الثابتة، وينكسر الحاجز النفسيّ الذي حال بينهم وبينها سنوات طوالاً، ويشعرون أثناء أداء هذه العبادة بلذة إيمانية رائعة، ويرفعون عن الأمة إثم فرض الكفاية هذا، والله أعلم. ¬

(¬1) ((12 عاماً مع الأستاذ البنا)): 33.

التدريب على مواجهة المواقف الحرجة

التدريب على مواجهة المواقف الحرجة الحياة المعاصرة مليئة بالمواقف الحرجة التي يجب أن تواجَه على نحو يساعد على تخطِّيها والتخلص منها، والشخص الذي يعيش حياته بلا تخطيط معرض لتلك المواقف، وينبغي إعداد النفس وتدريبها عليها. ومثال على تلك المواقف: رجل صالح يدخل المسجد يوم الجمعة وقد غاب الإمام فتتعلق به الأنظار ويرغب إليه أن يؤدي الجمعة، فماذا هو صانع؟ إن أحجم عيب عليه ذلك الإحجام، وإن أقدم على غير استعداد عيب عليه ذلك الإقدام. وقد حضرت - وأنا طفل صغير- موقفاً مشابهاً في إحدى المساجد الكبرى التي لها فضل في الإسلام، وذلك وقت صلاة الجمعة حيث غاب الإمام، وصار الناس يكلف بعضهم بعضاً بالإمامة، فصعد المنبر -بعد لأْي- أحد

((الدكاترة)) الشرعيين، فلم يستطع أن يؤدي الخطبة على وجه مقبول وأُرْتج عليه تماماً، فعجبت من حال ذلك الذي بلغ في العالم النظريّ مبلغاً حسناً ثم هو لا يستطيع القيام بمهمة يسيرة نسبياً. ومثال آخر: شخص عهد إليه بكتابة مقال أو بحث، ولم يسبق له أن صنع ذلك الصنيع قبل ذلك، وقد يكون الذي عهد إليه فِعلَ ذلك مديره في المدرسة أو أستاذه أو مدير الشركة أو المصنع ونحو ذلك مما لا يملك له رداً ولا صرفاً فماذا يصنع؟ إن هذه المواقف وأمثالها تحتاج إلى إعداد نفسيّ وذهنيّ، وتصميم على تجاوز ذلك الموقف، فيجدر بالشخص - خاصة الصالح الداعية - أن يعدَّ نفسه دوماً لمواجهة تلك المواقف وأمثالها بالتدريب والتهيؤ. وهناك طريقتان للتدرب على مواجهة المواقف الحرجة: الطريقة الأولى تكون باجتماع عدد من الدعاة، والطريقة الأخرى يكون الداعية منفرداً فيها بنفسه، ولعل الطريقتين تكمل الواحدة منهما الأخرى.

الطريقة الأولى: وهي طريقة عملية لطيفة لإعداد النفس حتى تعتاد المواقف الحرجة وتتجاوزها، وليس بالإمكان توقع موقف بعينه، لكن يمكن أن يتدرب الداعية على مواجهة مواقف يظن أنها جامعة لغيرها وتندرج تحتها باقي المواقف، وهذه الطريقة تتخلص في أن يجتمع أشخاص - وليكونوا ستة مثلاً - في حي أو مدرسة أو جامعة أو غير ذلك، ثم إنهم يتناوبون في تكليف بعضهم بعضاً بمواقف محرجة صعبة، فيكلَّف واحد منهم بأن يقوم فيتحدث في عشر دقائق - مثلا - عن موضوع يلقي عليه، ويكلف الآخر بأن يخطب كخطبة الجمعة بكل شروطها وسننها وآدابها لمدة ربع ساعة مثلاً، ويكلف ثالث بتصنيف رسالة في موضوع محدَّد، ويُعطى وقتاً محدداً لإنجازها، ويطلب من رابع الذهاب إلى سوق محدَّد والقيام بمهمة النصح والإرشاد، ثم العودة وتلاوة النتائج على الآخرين، ويكلَّف خامس بتدريس مادة محددة لباقي الأفراد، ثم يطلب من الآخرين نقده وتبيين أخطائه. ثم تجتمع تلك المجموعة كرَّات ومرَّات، ويعاد التكليف بالتكاليف السابقة لأشخاص مختلفين، مع مزج ذلك بأفكار جديدة، وبتكرار هذا ونحوه بعتاد الشخص المتدرب على مواجهة العديد من المواقف الصعبة مما

يسهِّل عليه تجاوز أمثال تلك المواقف مستقبلاً. ولابد أن يراعى في أفراد المجموعة التجانس والإخاء والمودة، ويمكن لهم أن يستعينوا ببعض الكتب والأشخاص حتى تسهل عليهم مهمتهم، والله تعالى أعلم. الطريقة الأخرى: وهي أ، يعد الداعية نفسه لمواجهة المواقف الحرجة إعداداً منفرداً، وذلك بأن يقرأ تجارب من سبقه، وأن يفكر فيما يمكن أن يقابله من مواقف محرجة في دعوته، وما يمكن أن يفاجئه ولم يفكر فيه من قبل أو يحسب له حساباً. ومن لطيف ما قرأته في هذا الباب أن الأستاذ الداعية عبد البديع صقر رحمه الله كان قد أعد أسئلة قَدّر أنها قد تواجه كل داعية وكلّ محاضر مخالط للناس، ويبدو أنه سردها بعد أن اصطفاها من الأسئلة التي وجهت له ولأمثاله من الدعاة، ثم إنه لم كتف بذلك بل قام بالإجابة عليها إجابة نموذجية - فيما يظن - حتى يُذهب من نفوس الدعاة والمحاضرين هيبة مواجهة الأسئلة التي لم يعدوا لها جواباً من قبل ن وهذه الأسئلة والأجوبة متنوعة في عدة مجالات: الشرعية، والسياسية، والدعوية. ثم أنه بعد فراغه من الأسئلة والأجوبة أورد بعض

القضايا التي هي مثار شبهات وقام بالإجابة عليها، وذلك نحو الجهاد، والاكتفاء بالأخذ من القرآن الكريم، وتقسيم الدين إلى باطن وظاهر، إلخ ... (¬1). نحو هذا المسلك المبتكر يربى في الدعاة الثقة بالنفس ويدربهم على مواجهة الناس بحصيلة جيدة واقعية من الفهم الشرعي والثقافة الإسلامية، ولعل من أجمل ما يُعد به الداعية نفسه في كلتا الطريقتين المذكورتين آنفاً أن يقرأ كتب الذكريات التي كتبها دعاة فطاحل وُوجهوا ما يطبع في نفس القارئ القدرة على مواجهة المواقف الصعبة المماثلة التي قد يُقدَّر عليه أن يواجهها، والله تعالى أعلم. ¬

(¬1) ((كيف ندعو الناس)): 133 إلى آخر الكتاب.

التدريب على الإلقاء

التدريب على الإلقاء ليس على جماهير الصالحين - اليوم - أصعب من إلقاء المواعظ على الناس في الخطب وغيرها، أو الحديث المباشر المؤثر. ويتهرب جمهرة صالحة من الناس من هذا كل التهرب بدعوى عدم القدرة، والعجيب أنهم لا يبذلون وسعهم لإصلاح هذا العيب؛ فهذا خلف بن هشام (¬1) - أحد أئمة علماء السلف - يقول: أشكال علي باب من النحو فأنفقت فيه ثمانين ألف درهم حتى أتقنته (¬2)، سبحان الله ¬

(¬1) خلف بن هشام بن ثعلب البغدادي البزّار المقرئ، الإمام الحافظ، الحجة، شيخ الإسلام. له اختيارات في الحروف صحيح ثابت لا يكاد يخرج فيه عن القراءات السبع. وأخذ عن خلق لا يحصون، فكان يبدأ بأهل القرآن ثم يأذن لأصحاب الحديث. وكان عابداً فاضلاً، ورعاً. توفي سنة 229 وقد شارف الثمانين. انظر ((أعلام النبلاء)): 10/ 576 - 580. (¬2) المصدر السابق: 10/ 578.

العظيم! ما أرفع هممهم وما أحسنها، واليوم لا يحتاج مريد تخطي الضعف والعجز إلا أن يشحذ همته ويتوكل على الله في إصلاح ضعفه. وإليك - أخي القارئ الكريم - صورة مقترحة للتدرب على الخطابة والإلقاء: 1 - لابد من الإلمام والفهم لبعض قواعد النحو الأساسية مثل ركني الجملة الاسمية: المبتدأ والخبر، وركني الجملة الفعلية: الفعل والفاعل، ولابد من معرفة أن المفعول منصوب والبدل والصفعة تابعان للمبدل منه وللموصوف، وأن المعطوف له حكم المعطوف عليه، وهكذا ... 2 - اجتماع عدد محدود من الأشخاص وليكن ستة مثلاً، وليجعلوا عليهم رئيساً هو أفضلهم حديثاً وأحسنهم إلقاءً، وهو حسن الحديث والإلقاء فعلاً، ويكون من مهمته قيادة هذه المجموعة حتى يدرِّبها على حسن الحديث والإلقاء. 3 - يعهد مسؤول هذه المجموعة لأفرادها بتحضير موضوعات معينة ليقوموا بإلقائها أمام بعضهم بعضاً، ثم بعد الفراغ من كل موضوع يطلب

مسؤول المجموعة من أفراده أن ينقدوا الموضوع المطروح من وجهين اثنين: أحداهما: الموضوع الملقى ذاته. والآخر: نقد طريقة الإلقاء، ويجب أن يكون هذا النقد شاملاً لكل الجوانب التي تقبل النقد مثل: عناصر الموضوع، وشمول الطرح، ودرجة صوت الملقي قوة وضعفاً، ومدى جاذبية الموضوع لدى الحاضرين، ومدى تفاعلهم معه، والأخطاء النحوية ... إلى آخر وجوه النقد المعروفة. 4 - عند تأكد مسؤول المجموعة من إحسان أفرادهم وإتقانهم لإلقاء الموضوعات المقترحة سلفاً، فإنه ينتقل بهم إلى مرتبة أعلى وهي مفاجأتهم بموضوعات لم يحضِّروها، والطلب منهم أن يتحدث كل منهم عن موضوع يختاره هو لهم لمدة عشر دقائق مثلاً، ثم ينقد بعضهم بعضاً فيما تحدثوا فيه، ولقد ذكرت وجوهاً من النقد في الفقرة السابقة. 5 - ثم ينتقل مسؤول هذه المجموعة بأفراده إلى المرتبة الأعلى، وهي الطلب المفاجئ منهم أن

يقوم أحدهم بإلقاء خطبة جمعة في موضوع يختاره هو، ثم بعد الفراغ من الخطبة يقوم أقراد المجموعة ينقد طريقة إلقاء الخطبة وموضوعها، كما بينت في الفقرة السابقة. وفي أثناء هذا التدريب الطويل نسبياً - إذ قد يستغرق عاماً أو أكثر - يتعهد المسؤول أفراده بكل مفيد ونافع من الكتب والمقالات في الموضوعات الشرعية والثقافية بشقَّيها الإسلامي والإنسانيّ؛ وذلك ليكون لكل فرد من المجموعة حصيلة كافية تؤهله للخطابة والحديث المؤثرين النافعين. بهذه الطريقة وأمثالها من طرائق التدريب يمكن لمجموعة من الصالحين أن يصبحوا دعاة مؤثرين نافعين، بشرط أن تتعدد مرات اللقاء على وجه كافٍ مرضٍ لا أن يطول الانقطاع. وإن لم تتيسر طريقة الاجتماع هذه فيمكن التدرب على انفراد، وذلك بأن يعد الداعية الموضوع الذي يريد إلقاءه أو الخطبة، ثم ينفرد بنفسه ويقوم بإلقائها كاملة متخيلاً الناس أمامه، ويعيد الكرة مرة بعد الأخرى حتى يتقن الإلقاء، ثم يخرج إلى الناس وقد أعدَّ نفسه للقائهم، وروي عن بعض خطباء العرب الأوائل فعلُ هذا. هذا الذي ذكرته إنما هو تصور عام للتدريب الأولي

على الخطابة، وبقيت تفصيلات وجزئيات لا يحتملها هذا المقام، إنما يرجع فيها إلى الكتب التي تخصصت في طرح طرق الخطابة وتفصيلاتها، والله أعلم.

التدريب على الاستفادة من الإنترنت

التدريب على الاستفادة من الإنترنت (¬1) من أعظم الوسائل التي فتح الله بها على عقول البشر هذه الشبكة العالمية للحاسوب والمسماة الإنترنت، فقد أصبحت الإنترنت من أكثر الوسائل تأثيراً في حياة مستخدميها، ومستقبلها القريب يقدمها كوسيلة مؤهلة لمناقشة كثير من وسائل الاتصال الأخرى، بل يذهب البعض إلى تصويرها على أنها الوسيلة المؤهلة لتكون وسيلة الاتصال السائدة بين البشر في المستقبل، فتقوم بدور الهاتف والفاكس والصحيفة والمجلة والإذاعة والتلفاز. ولعل ما يؤهل الإنترنت لذلك مزاياها المتعددة التي منها: ¬

(¬1) كتب هذا المبحث الأخ في الله تعالى عيضة سالم باكور المتخصص في هذا الشأن، وقد أثبته بتصرف، وأضفت إليه صفحتين سأحددهما في ثنايا المبحث.

1 - السرعة الهائلة فيتناقل المعلومات، فبمجرد وضع معلومة على الإنترنت تصل إلى الجهة المرسلة إليها في زمن لا يكاد يتجاوز الثواني. 2 - تجاوز حواجز المكان، فيمكن لكل من ارتبط أو اتصل بالإنترنت أن يصل إلى أيّ معلومة حيثما كانت على وجه الأرض دون تأثر بالمسافة الجغرافية الفاصلة بينه وبين المعلومة. 3 - الجمهور الضخم الذي يوجه له الخطاب وتتاح له المعلومة، وآخر الإحصائيات تذكر أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم يتجاوز 120 مليوناً. 4 - إتاحة المعلومات للناس في أي زمان ومكان، وذلك لعدم انحصار الزوار والباحثين في وقت محدد، بل ساعات اليوم وجميع أيام الأسبوع وكل شهور العام متاحة للباحثين، فهي فرصة ضخمة للاتصال بالناس ونشر الخير بينهم دون التزام بأوقات دوام أو ساعات بثِّ. 5 - انخفاض تكلفة الاتصال، فبثمن يصل إلى ثمن المكالمة الهاتفية يمكنك الاتصال بالإنترنت

والاستفادة من كل ما بها من معلومات مجانية. 6 - انخفاض تكلفة النشر والتعديل والتحديث، فبتكاليف زهيدة تستطيع أن تحصل على فرصة نشر المواد التي ترغب في نشرها على الإنترنت. 7 - الكم الهائل من المعلومات المتاحة التي تتراوح بين المعلومات المجانية أو المعلومات المدفوعة الأجر التي يمكن الوصول إليها لقاء مبالغ يسيرة. 8 - سهولة التفاعل معها؛ وذلك من خلال مراسلة القائمين عله أو العاملين على المواقع التي تناسب اهتمامات المستخدم للشبكة. فمن خلال الاستقراء السريع للمزايا السابق ذكرها نشعر بأهمية استخدام الإنترنت في خدمة الدعوة إلى الله.

الاتصال بالإنترنت ماذا تحتاج لتستخدم الإنترنت: حتى تشرع في استخدام الإنترنت فأنت بحاجة إلى الآتي: 1 - جهاز حاسوب، وهناك مواصفات عديدة، إلا أننا نصح أن لا تقل عن المواصفات التالية التي ليست خاصة بماركة معينة أو شركة بذاتها: المعالج Processor ... III 400 الذاكرة RAM ... MB64 القرص الثابت Hard disk ... GB8 كرت الشاشة Display Card ... MB8 مشغل أقراص مدمجة CD ROM ... X40 كرت الصوت Sound Card ... Bit64 جهاز الاتصال بالإنترنت Modem ... Kp/S56

2 - خط هاتفي. 3 - اشتراك لدى أحد مزودي خدمة الإنترنت في بلدك. ما هي أشهر مصطلحات الإنترنت؟ أشهر المصطلحات التي تستخدم في الشبكة التي قد يحتاجها الداعية خلال تعامله مع الإنترنت نجملها في الجدول التالي:

المصطلح ... الشرح شبكة النسيج العالمي WWW ... وهي شكبة المواقع الموجودة على الإنترنت التي يمكن أن يستعرضها كل زائر. موقع على الشبكة ... كل موقع على الشبكة يعتبر وكأنه محطة بث تعلم على مدار الساعة، وحتى تستطيع تلقي هذا البث كل ما يجب عليك هو كتابة عنوان الموقع الذي عادة ما يكون على الشكل الآتي: Htt://WWW.al-islam.com وتحتوي الشبكة حالياً أعداداً مهولة من المواقع تتجاوز المليون موقع، منها الغث ومنها السمين، ومنها المفيد ومنها المضر، وبعضها قد لا يتجاوز الصفحة، وبعضها يصل إلى مئات الآلاف من الصفحات. ... البريد الإلكتروني ... هو وسيلة التراسل والتحاور بين المشتركين في الشبكة، ويمكن لكل مستخدم لهذا البريد أن يقوم بالتراسل مع بقية المشتركين في هذا البريد بسرعة فائقة وبتكلفة لا تذكر. مجموعات النقاش ... عبارة عن مجموعات من مستخدمي الشكبة تتحاور في قضايا تتشارك في الاهتمام بها، ويصل على جميع المشتركين فيها أي إضافة يضيفها أحد الأعضاء، كما يمكن أحياناً أ، تُحفظ هذه المشاركات على شكل صفحات في إحدى المواقع ويستطيع مستخدمو الشبكة زيارتها والاطلاع على محتوياتها.

وعموماً لا يمكننا هنا أن نقدِّم تصوراً أكثر تفصيلاً حول بقية خدمات الشبكة، ولكن يمكن للراغب في الاستزادة الرجوع إلى الكتب المتخصص في هذا المجال. البرامج التي تحتاج أن تستخدمها: إن أكثر البرامج التي ستحتاج أن تستخدمها على الإنترنت هي: - برنامج مستعرض لصفحات الإنترنت. - برنامج إرسال واستقبال البريد الإلكتروني. وهي برامج مجانية، كما أنها تدعم اللغة العربية، وبعضها يعمل بواجهة عمل عربية، ومن أجل إتقان هذه البرامج يمكن للداعية الاستعانة بأحد أصدقائه أو معارفه ممن له خبرة فيها، ولو استطاع التركيز فيها قليلاً فإنه يستطيع الوصول إلى إتقان استخدامها، وقد يكون من المفيد أخذ دورة مركزة في هذين البرنامجين، إلا أنها قد لا تكون مفيدة لو لم تتوفر إمكانية تطبيق ما تعلمه في هذه الدورة. استخدامات الداعي للإنترنت: إن من أفضل ما يمكن أن يقوم به الداعية على الإنترنت المساهمة في الجوانب الآتية:

الإنترنت كمصدر للمعلومات: لربما يتمنى الداعية لو كانت هناك مكتبة بها كل ما يحتاجه من كتب ومراجع ومصادر يمكنه الرجوع إليها في أي وقت ومن أي مكان، وكم سيكون من الجميل والرائع أن يتمكن الداعية وهو يعدُّ درسه من الرجوع إلى كتاب الله وتفاسيره وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسواها من أمهات الكتب في شتى العلوم، وهذه الصورة رغم ما يبدو بها من رؤية حالمة هي أقرب إلى الحقيقة حالياً، فبإمكان الداعية أن يجد الكثير من المعلومات المتاحة على الإنترنت، وهي تتزايد بسرعة كبيرة وأرقام متضاعفة، والمعلومات الموجودة على الإنترنت لا تقتصر على مجال العلوم الشرعية فقط، بل إن كثيراً من العلوم الأخرى بدأت تجد طريقها إلى الشبكة، ولئن كانت أثر المعلومات الموجودة حالياً هي باللغة الإنجليزية فإن اللغة العربية تشهد نمواً ملحوظاً في كمية المعلومات الموجودة بها على الإنترنت. ولا نستبعد أن تبدأ قريباً كثير من المؤسسات العلمية والتدريبية في استخدام الإنترنت كوسيلة لتقديم التدريب لجمهور الناس، بحيث يستطيع المشارك في الدورة أو الصف الدراسيّ أن يحضُر جميع محاضراته دون أن يغادر منزله وفي الوقت الذي يناسبه.

ومن أمثلة المواقع المفيدة في هذا المجال المواقع التالية: الموقع ... عنوانه موقع شركة حرف على الإنترنت ... WWW.al-islam.com عرض النص القرآني بالرسم العثماني، والضبط الكامل مع التلاوة بصوت الحصري والحذيفي، وعرض تفسير القرآن من أهم كتب التفاسير. موقع خدمة الأوقاف السعودية ... WWW.al-islam.org.sa/ يوفر معلومات إسلامية قيمة وخدمات الاستفتاء، كما يقدم معلومات منوعة عن المملكة العربية السعودية ووزارة الأوقاف. موقع خدمة الإسلام على الإنترنت ... WWW.al-islam-online.com موقع ضخم متكامل، ويتناول العديد من المواضيع الإسلامية المهمة وبلغات مختلفة، ويعرض خدماتها بطريقة سهلة وميسرة. دليل المواقع الإسلامية ... WWW.al-islamdir.net دليلك الموضوعي إلى المواقع الإسلامية المنتشرة على الشبكة، يتميز الدليل بأنه يعمل باللغتين العربية والإنجليزية ويوفر الاستعراض بالموضوع أو البحث بالكلمة. كما توجد أيضاً بعض دور النشر التي قامت بوضع

كتبها ومنشوراتها على الإنترنت، ويمكن لزائر هذه المواقع الاطِّلاع على إصدارات هذه المكتبات ومراسلة القائمين عليها للشراء منها مباشرة. الاستخدام الفعَّال للإنترنت: تتميز الإنترنت بسهولة وسرعة التفاعل معها، حيث يمكن لزائر أي موقع من مواقع الإنترنت أن يتفاعل مع الموقع سلباً أو إيجاباً في نفس اللحظة، فيترك رسالة ثناء ومدح للقائمين عليه وما لمسه فيه من خطأ وعيوب. وهذا مجال رحب وواسع لفعل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث يمكن للداعية أن يشجع أصحاب الخير لعلهم يزيدون فيه، وينبه من لديهم خطأ أو فساد عسى أن يقصروا عنه. كما يستطيع الداعية أن يوجه دعوة إلى كل من يعرفه من المشتركين على الشبكة ليقوموا بزيارة مواقع بعينها قد تكون تقدم خدمة مميزة وتحقق خيراً كثيراً. ومن المهم هنا الإشارة إلى إمكانية المشاركة في بعض الساحات المخصصة للحوارات على الشبكة حول مواضيع مختلفة، وذلك للمساهمة في توجيه زوار هذه

الساحات وروادها إلى الخير والتنبيه والرد على كل خطأ (¬1). وقد ذكر أحد الباحثين وسائل للتدريب على نشر الخير ومواجهة المواقع الهدامة في الإنترنت، وبيَّن أهميتها في دفع الشرور والمفاسد أو تقليلها، فقال: 1 - إغراق شبكات الإنترنت بالمواقع التي تقدم الإسلام الصحيح عقيدةً وفقهاً وحركة، وباللغة الإنجليزية التي هي لغة أكثر من ثمانين بالمائة من مشتركي الإنترنت، ولا يكفي التركيز على نوعية المواد وتصميم المواقع وحدهما، فعلى الرغم من أهميتها إلا أن من يستخدم الإنترنت يدرك حقيقة أنه كلما زاد عدد مواقعك على ((الإنترنت)) زادت هيمنتك وسيطرتك على المواقع الأخرى الأقل منها عدداً. 2 - تسويق المواقع الجديدة والدعاية لها من خلال إدخالها في محركات البحث أو SEARCHING ENGINES، وهو أسلوب معروف لدى أصحاب ¬

(¬1) أضفت بعد هذا الموضوع كلاماً سأذكر موضع نهايته، إن شاء الله تعالى.

المواقع الإلكترونية، ويكون ذلك مقابل مبالغ زهيدة تدفع مرة واحدة فقط. وكلما كان اسم الموقع وعنوانه ومحتواه مُدخلاً في محركات بحث أكثر زاد عدد الزائرين لهذا الموقع. 3 - ضرورة تضمين هذه المواقع عناوين لتلقي ملاحظات الزائرين واستفساراته، وعدم الاستخفاف بتلك الملاحظات، والرد على الاستفسارات بصدر واسع مهما كانت، والتحلي بأدب الدعوة وأخلاق الدعاة عند مراسلة الآخرين، مهما كانوا، فأنت لا تعرفهم ولا تعرف نواياهم، وقد يكونون من المهتمين فعلاً بمعرفة دينك وعقيدتك. 4 - لابد من قيام المؤسسات الإسلامية كالأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلاميّ والجامعات والهيئات الإسلامية الأخرى في مختلف مناطق والهيئات الإسلامية الأخرى في مختلف مناطق العالم بإنشاء مواقع لها وربطها مع المواقع الأخرى بغية تطوير الاتصال فيما بينها وتنظيم الحملات الإعلامية المضادة، فإذا ما ظهر موقع معاد يكون من السهل إعلام الجميع به، وشن

حملة موحَّدة وقوية ضدَّه للضغط عليه ووقف بثَّه للمواد المعادية. 5 - إذا توافرت آلية الاتصال بين المواقع الإسلامية المختلفة يمكن للمشتركين المسلمين إعلان الحرب على المواقع الهدامة والمغرضة بأسلوب الجيش المنظم الموحَّد، فلو أرسل مليون مشترك مسلم ومن المتعاطفين معهم رسائل احتجاج لأي موقع من تلك المواقع، وفي وقت واحد، لكان حجم الضرر الذي سيلحق بالموقع المعادي كبيراً، لأنه لن يتمكن من مجرد استقبال تلك الرسائل في وقت واحد فضلاً عن التعامل معها، مما سيضطره إلى إعادة التفكير في المواد التي يعرضها ضد الإسلام والمسلمين. 6 - ضرورة أن ينشر المسلمون في مواقعهم معلومات عن العقائد والملل والنحل الأخرى، وكثير منها موجود على شبكة الإنترنت مع إدخال تلك المحتويات في محركات البحث، فالذي يبحث عن معلومات عن اليهودية -مثلاً- سيفاجأ بوجود مواقع إسلامية تتحدث عن اليهودية من وجهة نظرها، وبذلك لا تنفرد المواقع اليهودية بزائريها،

ويحصل هؤلاء الزائرون على وجهة نظر أخرى على الديانة اليهودية، وهكذا مع بقية الأديان والمل الأخرى)) (¬1). وهذا الذي ذكره كلا الباحثين جيد، ويمكن الإضافة عليه - تمثيلاً - ما يلي: أعرض سير حياة الشخصيات الإسلامية المؤثرة، ابتداءً من النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام ومن بعده إلى زماننا المعاصر، فعرض سيرة من ذكرت تأكيد لصورة الإسلام الشامل المتوازن المعطاء. ب عرض صور على سماحة الإسلام وحسن معاملة المسلمين لأهل المل المختلفة والحضارات المتنوعة. ت بيان أثر الحضارة الإسلامية المهم في الحفاظ على أهم ما في الحضارة السابقة عليه والإضافة التي أضافها عليها، ومن المعلوم أنه لولا الحضارة الإسلامية لما وصل الغرب لما هو عليه اليوم. ¬

(¬1) ((مواجهة المواقع الهدامة)): مقال للأستاذ محمود الخطيب في مجلة ((المجتمع)) عدد 1309 تاريخ: 27/ 3/1419.

د - الإيضاح الشامل لكل الناس أن الإسلام يتعرض لحملات ظالمة، وتشكيكات مغرضة حتة تستقيم صورة الإسلام الصحيح في الأذهان. بهذا وأمثاله أرجو أن تتحقق الاستفادة من ((الإنترنت)) وسيلةً صحيحة للدعوة إلى الإسلام بجانب الاستفادة منه في جوانب الترفيه المباح والتعليم المفيد، والله المستعان (¬1). المساهمة في زيارة الخير: وذلك من خلال الإضافة والإغناء لمحتوى الشبكة بمواضيع، وموادَّ وجوانب قد يكون هناك حاجة ماسَّة لها، ومن أمثلة ذلك: 1 - كتابة بعض المقالات والإضافات التي يمكن أن تفيد المسلمين عموماً وإرسالها إلى القائمين على المواقع الإسلامية على الإنترنت، فقد يتحمس الكثير منهم لإضافتها ضمن موقعه. 2 - مراسلة بعض المواقع الإسلامية الموجودة على الإنترنت وعرض التعاون معهم من خلال الكتابة ¬

(¬1) وهنا ينتهي ما أضفته من كلام.

أو الإشراف على المحتوى أو المراجعة، وسواها من وسائل التعاون. 3 - تقديم المقترحات لأصحاب المواقع الجيدة لعلها تساعدهم على تطوير مواقعها. 4 - التعاون مع بعض الأصدقاء والإخوان لبناء مواقع تخدم جوانب إسلامية غير مخدومة في الشبكة (¬1). محاذير: رغم ما في الإنترنت من محاسن ومزايا، إلا أنه مثل كل وسيلة أخرى فيه محاذير كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر المحاذير الآتية: 1 - احتراق الأوقات: مستخدم الإنترنت لا يكاد يشعر بالوقت، ومالم يكن له هدف محدد ووقت ينضبط به فإنه سيصرف الساعات يتنقل بين المواقع دون أن يحصل على فائدة تذكر أو هدف ينجز. ¬

(¬1) ومثال هذا ما أضفته آنفاً.

2 - فقدان الخصوصيات: رغم مافي الإنترنت من ظواهر الخصوصية حيث يتنقل على الإنترنت وهو في مكان خالٍ مع جهازه، إلا أن هناك الكثير من العابثين المستخدمين للشبكة الذين لا همَّ لهم إلا العبث في خصوصيات الآخرين، فقد تفاجأ بأحدهم قد اقتحم جهازك وعبث في محتوياته وأنت لا تشعر بذلك، وقد تكون بذلتَ الأوقات الطويلة في كتابته وجمعه من بحوث ومقالات، وللحماية من ذلك لابد من تثبيت بعض برامج الحماية، واستشارة بعض الزملاء والأصدقاء ممن لهم خبرة في هذا المجال. 3 - التساهل مع الذنوب: إن المتعامل مع الإنترنت لا يسلم من أن يمرَّ به مشهد أو منظر لا يرضاه، وفي مثل هذه الحال يجب عليه أن يتصرف التصرف الشرعي المناسب، وأن لا يتنازل في هذا، فهذه أول درجات المعاصي التي قد تتلف القلوب.

رغم وجود ملاحظات أخرى إلا أننا نكتفي بهذه الملاحظات، تجنباً للإطالة، وحتى لا ندخل في تصنيفات تقنية قد لا تكون معروفة لدى القارئ.

التدريب على الاستفادة من الأوقات

التدريب على الاستفادة من الأوقات قد كان لكثير من الباحثين كتابات ومشاركات كثيرة في تبيين أهمية الوقت والمحافظة عليه، وليس من غرض هذا البحث أن يتوسَّع في ذكر هذه المسألة، لكن هناك جوانب تستحق أن تذكر في باب التدريب على الاستفادة من الأوقات، فمن ذلك: 1 - التدريب على الاستفادة من الوقت الضائع المهدر: يهدر كثير من الناس ساعات كل يوم وليلة وهم لا يشعرون، إذ ينشغلون بأحداث قد تكون تافهة بالمقارنة مع أحداث أخرى أكثر أهمية، فمشاهدة التلفاز مثلاً تضيع على كثير من الناس أوقات ثمنيات، فبعض الناس يقضي 3 ساعات يومياً في مشاهدته، أي لو عاش 60 عاماً فإنه يضيع عليه 7 سنوات ونصف تقريباً، فكيف إذا أمضى 6 ساعات كل يوم لمشاهدة

التلفاز، فإنه يكون قد أهدر 15 سنة من عمره، وهكذا ... قد يقال: إن هذا الذي ذكرت هو حال الفارغين، نعم .. لكنه مثل وضع للمقارنة، لكن كم يضيع من أوقات الصالحين، فهذا ينتظر الطائرة لمدة ساعات ثم إنه لا تكاد تجده مستفيداً من وقته هذا كما ينبغي، وآخر يتابع مباريات الكرى فيهدر ساعات طوالاً كل أسبوع في هذا الأمر الذي هو - في أقلِّ أحواله - لغو لا فائدة فيه، وكم من الصالحين مَن هو في عمل مفضول وتارك للفاضل، وهكذا .. وإذا كان الوقت المحدد للعمل الوظيفيّ كل يوم هو 8 ساعات فإن كل نصف ساعة يهدرها الشخص كل يوم تساوي 22 يوم عمل سنوياً، فإذا حسبت الإجازات الأسبوعية فيكون ما أُهدر هو شهر كامل، فكيف بمن يهدر كل يوم ساعة أو ساعتين أو أكثر. من الأساليب التدريبية على الاستفادة من الأوقات المهدرة ما يلي: أ - حدِّد ساعة كل يوم لإنجاز شيء محدد كالقراءة - مثلاً - ولا تقبل التنازل عن هذه الساعة أبداً، وكذلك القول في تحديد ساعة كل يوم للحفظ، وأخرى للمراجعة، وثالثة للكتابة، وهكذا ... فإنك إن لم تصنع ذلك فإنه تستمرُّ عليك الأيام

ولم تقرأ شيئاً، والمراد هو إحداث ضغط في الجدول اليومي حتى يعي المرء أهمية الإنجاز والتخلص من التراكم الناشئ عن التسويف. ب الاستعانة بالهاتف، فإن استطعت قضاء شيء بالهاتف - مثلاً - فلا تقضِه بغيره، فقد قيل: ((في الأرقام غُنية عن الأقدام))، فبعض الصالحين يهدر وقتاً طويلاً في الذهاب إلى صاحب لم يتأكد من وجوده، أو الذهاب إلى مكتبات للبحث عن كتاب محدد، وكان يمكنه أن يحادث بالهاتف فيوفر على نفسه وقتاً طويلاً مهدراً، أو أنه يجهل أنه يمكنه أن يعالج أجهزته المنزلية ويصلحها عن طريق استدعاء المختص بالهاتف ووصف المنزل له، بل إن المرء يستطيع أن يراجع بعض معاملات له في البلدية أو الجامعة أو بعض الدوائر الحكومية عن طريق الهاتف فلا يصنع هذا ويذهب بنفسه فتكون النتيجة أن المعاملة لم تفرغ بعد وأن عليه أن يأتي في وقت آخر، وهكذا ... ت تعرَّف على قيمة الدقائق قبل الساعات: إذِ الدقائق ثمينة والوقت يمرُّ بسرعة، ومن لا يعرف قيمة الدقائق فإنه لن يلتفت لمرور

الساعات. وقد قامت شركة من الشركات بإقامة مؤتمر خُصص للارتقاء بالشركة ورفع مستوى التقنية فيها، وقد أقيم ذلك المؤتمر في واشنطن، فقام منظمو المؤتمر بحساب تكلفة الدقيقة الواحدة من دقائق المؤتمر بحساب تكلفة الدقيقة الواحدة من دقائق المؤتمر، فخرجوا بالجدول التالي مقدرين القيمة بالدولار بالطبع، حيث إن المؤتمر أقيم في أمريكا:

أ - حساب التكاليف المباشرة لـ 30 من الباحثين من الخارج تذاكر سفر بالطائرات (30×200 دولار/للباحث الواحد) السكن (30×8 دولاراً للغرفة / لليلتين) الطعام (30×8 دولارات/للوجبة لـ5وجبات) (15 مشاركاً محلياً×8 دولارات× 3 وجبات) النقل المحلي (سيارتان× 60دولاراً يومياً/2يوم) خدمات السكرتارية الهاتف قرطاسية ونسخ وتصوير مصاريف ونسخ وتصوير مصاريف ثابتة مكافآت شريفة للأبحاث (6×200) دولار الإجمالي ب - حساب وقت التقديم والعرض: 10 جلسات × ساعة 1.5 للجلسة (جمعية3 سبت 5 أحد 2) جـ- حساب التكاليف المباشرة لجلسة بالساعة: (15000 دولار/ 15 ساعة) د- حساب التكاليف بالدقيقة: (1000 دولار 60 دقيقة)

2 - التدريب على استعمال أسلوب التفتيق أو العطف الذهني

هذه هي التكاليف المباشرة فقط التي لا تأخذ في الحسبان رواتب الباحثين والمنظمين لمدة 48 ساعة قضوها إضافة إلى أوقات سفرهم إذا أدخلنا رواتبهم على أساس: (45 شخصاً× 100 دولار/ يوم × 3 يوم) = 9000 دولار. عندئذ تصبح تكلفة الجلسة/ ساعة: (15000+ 9000) = 1600 دولار للساعة. 1600 دولار 60 دقيقة = 27 دولاراً للدقيقة الواحدة، فتأمل (¬1). إذا تعلمنا أن نحسب الكلفة بالدقيقة لنشاطاتنا كافة، فسوف ندرك كم من الأموال والطاقات تضيع بسبب تأخر الحضور أو عدم الاهتمام بموضوعات اللقاءات، أو غير ذلك من أسباب الهدر والتضييع، والله المستعان. 2 - التدريب على استعمال أسلوب التفتيق أو العطف الذهني: هذا أسلوب من أهم الأساليب الكاشفة لما عند الآخرين من أفكار أو قدرات، وهو موفر للوقت، بحيث ¬

(¬1) ((دليل التنمية البشرية)): 199 - 200.

تجتمع عقول مفكرة في مكان واحد وفي وقت واحد، للبت في شأن محدد، واستعماله ينبئ بوجود مناخ حسن وبيئة بعيدة عن الكَبْت والقهر. وقد أوضح مدير إحدى الشركات أهمية هذا الأسلوب الذي يتبعه في إدارة شركته وإشراك موظفيه في اتخاذ القرار أثناء ندوات يعقدها في مقر شركته لأجل هذا الغرض، وبيَّن ما جلب عليه هذا الأسلوب من أرباح وفوائد، وذكر مثالاً لجلسات العصف الذهني فقال: ((يُتَّبع هذا الأسلوب لتنشيط الأذهان وتوليد الأفكار الجديدة وتسهيل مهمة التعبير عنها، وهو أسلوب لجمع المعلومات في اجتماع محدد، ويطبق هذا الأسلوب في حال غياب المعلومات أو نضوبها وبروز حاجة ملحَّة لإيجادها، وهي عملية تفكير بصوتٍ عالٍ وبغير قيود، وذلك بخلاف النقاش المنظَّم المحدد. وينبغي تخصيص جلسة لهذا الأمر وتحديد موضوع معين مطلوب التفكير فيه، وتقسم الجلسة إلى ثلاث مراحل: الأولى: هي طرح الأفكار حسب ورودها تلقائياً وتسجيلها كي يمكن الاطلاع عليها من قبل الجميع ودون السماح بتقديم أي نقد أو تقويم لها.

الثانية: دعوة المشاركين للتحدث عن أفكارهم بذكر عيوبها ومحاسنها بدون التحيز إليها أو التفاخر بها. والثالثة: هي مناقشة مزايا كل فكرة وجدواها وأولويتها، ومن ثَم تصنيف الأفكار المطروحة كلها على أساس مجموعة معايير يتفق عليها. تشجيع المساهمة: بالإمكان تشجيع إسهام الأعضاء في عملية التفتُّق الذهني باستخدام الأساليب التالية: أعقد جلسة التفتُّق الذهني خلال فترة تكون فيها المجموعة في أوج نشاطها الذهني. ب تنوُّع المجموعة بقدر الإمكان آخذين في الحسبان تقارب الأفراد من حيث مراكزهم وإلمامهم بالموضوع كي يشعر الجميع بحرية مطلقة في المشاركة. ت تقليل العدد بما يسهل التحكَم في إدارة الجلسة وبما يكفل مشاركة أوسع في النقاش، ويعدّ أنسب حجم لذلك مابين 5و7 أفراد. ث ترتيب جلوس المشاركين حول طاولة مستديرة يواجه فيها الأفراد بعضهم بعضاً كي يتم النقاش في حرية وبنجاح.

ج تخصيص قدر من الزمن يكفل للجميع المشاركة بدون أن يكون ذلك على حساب التركيز والاختصار. ح تسجيل كل الأفكار وتمكين الجميع من الاطلاع عليها مهما بدت غريبة أو شاذة. خ عدم تقويم الاقتراحات أو السماح بالتعليق عليها أو انتقادها عند طرحها في البداية. د تحديد المشكلة وتذكير الحاضرين بها من حين لآخر وكلما دعت الحاجة. استخلاص النتائج: إن الهدف من طرح الأفكار بهذه الصورة التلقائية الحرة هو الوصول إلى نتائج واقعية منبثقة من المعلومات التي تم جمعها. ولتحقيق ذلك ينبغي الإعداد للجلسة على الوجه التالي: أ ((دع كل مشارك يذكر مزايا اقتراحاته ومساوئها. ب رتِّب المقترحات حسب الأولوية والجدوى. ت ابحث عن الطرق الممكنة لتنفيذ أفضل الاقتراحات.

ث اختر المقترحات الأقرب إلى تحقيق الهدف. ج أحل المقترحات المختارة على الجهات المختصة)) (¬1). ¬

(¬1) ((دليل التنمية البشرية)): 88 - 89.

التدريب على التخلص من المصطلحات السلبية

التدريب على التخلص من المصطلحات السلبية هناك بعض المصطلحات من الكلمات والجمل لها دلالات سلبية في واقعنا وأحوالنا، ولها دلالات محبطة لمن يسمعها، وقد يتأثر بها - سلباً - تأثراً كبيراً، وهذا لكوننا قد نشأنا على تراخ وضعف، ولم نعتد أخذ الأمور بقوة وجد وحزم، وقد قال الله تعالى: (خذوا مآ ءاتيناكم بقوةٍ) (¬1)، لكن هذا هو واقعنا وعلينا أن نواجهه لنصلحه ونقوِّمه إن شاء الله تعالى. وتلك المصطلحات السلبية: 1 - سأحاول فعل كذا وكذا يوماً ما: هذا التعبير يشي بالتردد وعدم الاهتمام بالموضوع على وجه كافٍ، أو يشي بالضعف وعدم الثقة بالنفس، ويا ¬

(¬1) سورة البقرة: آية 63.

حبذا لو استعمل مصطلح بديل أكثر حزماً وجدية، نحو: سأنجز كذا وكذا إن شاء الله تعالى، فهذا المصطلح وأمثاله يرسخ في نفس القائل والمقول له الثقة والاطمئنان. والنبي - صلى الله عليه وسلم - نقلت عنه أحاديث كثيرة تتضمن عدداً من الأوامر والتوجيهات التي تتطلب استجابة من الصحابة رضي الله عنهم فلم يُحفظ - والله أعلم - عن أحد منهم قوله: سأحاول فعل كذا وكذا استجابة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل كانوا يجيبونه - صلى الله عليه وسلم -: أنا يا رسول الله، أو: نحن يا رسول الله، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يأمرهم بأوامر متعددة متنوعة فيسارعون إلى الإجابة بلا تردد ولا تلكؤ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحيان يربطهم بالمشيئة ليربيهم على ملاحظتها، فقد وصف لهم نعيم الجنة فلما قال لهم: ((فهل من مشمر؟: إن شاء الله))، فقالوا: إن شاء الله (¬1)، فلم يقل الصحابة رضي الله عنهم: سنحاول أن نكون المشمرين، بل أجابوا بما هو لائق بحالهم رضي الله عنهم. وقال - صلى الله عليه وسلم - لجرير بن عبد الله البجليّ (¬2): ((ألا تريحني ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجة في سننه: كتاب الزهد: باب صفة الجنة، وفي إسناده رجل مختلف في توثيقه، ورواه ابن حبان. (¬2) صحابي مشهور. أخرج له أصحاب الكتب الستة. توفي سنة 51هـ رضي الله عنه. انظر ((التقريب)): 139.

2 - أنا خلقت هكذا، أو: ليس عندي أحسن من هذا، أو: هذه إمكاناتي وقدراتي

من دّي الخَلَصة؟)) - صنم في خثعم، فقال: بلى، فانطلق في خمسين ومائة فارس ... (¬1). فاستجابته فورية رضي الله عنه، وجوابه حازم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسولَه؟)) فاستجاب له محمد بن مسلمة (¬2) رضي الله عنه استجابة رائعة وقتل ذلك اليهودي (¬3). وهكذا نجد أن خير الأجوبة أحزمها وأشرعها استجابة لأوامر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأجوبة ما يُكسى برداء التردد أو الضعف أو التراخي، والله أعلم. 2 - أنا خَلقت هكذا، أو: ليس عندي أحسن من هذا، أو: هذه إمكاناتي وقدراتي: وهذا ونحوه من المصطلحات له أثر سيئ، وهو مورث للتخذيل والضعف؛ وذلك لأن المرء يكون حاله بحسب ما يرى نفسه، وهو الذي يضع من نفسه أو يرفعها ¬

(¬1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحة: كتاب المغازي: غزوة ذي الخلصة .. (¬2) محمد بن مسلمة بن سلمة الأنصاريّ. صحابي مشهور. توفي بعد سنة أربعين. أخرج له أصحاب الكتب الستة. انظر ((التقريب)): 507. (¬3) المصدر السابق: كتاب المغازي: باب قتل كعب بن الأشرف.

لا الناس، وإن أراد المجد والعلو فلن يجد معوقات أمامه - إن شاء الله تعالى -، فقد قال جلَّ من قائل: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلبا) (¬1). ولا أحفظ جواباً لأحد من الصحابة يماثل ما ذكرته، بل كانت حياتهم كلها جد وتشمير ومحاولة للوصول إلى الأعلى والأفضل، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحفزهم بمحفزات كثيرة، فيرى منهم الاستجابة والالتزام، فقد قال لهم - صلى الله عليه وسلم -: ((أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟)) (¬2) ((أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟)) (¬3) ونحو هذا من الأسئلة التي لم يواجَه النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعلان الضعف والعجز، ولكن تساءلوا رضي الله عنهم عن الكيفية، وهذا هو الحال اللائق بهم رضي الله عنهم. وهذا الصحابي الذي جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن شرائعَ الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بأمر لا أزال أتشبت به، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: ((قل: آمنتُ بالله، ثم استقم)) (¬4)، فهذا ¬

(¬1) سورة العنكبوت: آية69. (¬2) أخرجه الإمام مسلم في صحيحة: كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب فضل سورة الإخلاص. (¬3) المصدر السابق: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار: باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. (¬4) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب جامع أوصاف الإسلام.

3 - أنت السبب، أو أنت الملوم، أو غير ذلك

الصحابي رضي الله عنه لم يعلن العجز، ولم يرد الأمر بل طلب الدلالة على أمر جامع يتمسك به. وهذا الصحابي الضرير لما جاء يستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ببيته، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟)) قال: نعم، قال: ((فأجب)) (¬1). فامتثل رضي الله تعالى عنه على أنه كان له عذر واضح، فلم ينقل عنه إظهار العجز أو القصور. 3 - أنت السبب، أو أنت الملوم، أو غير ذلك مما ينبئ باللوم والاتهام للآخرين: وهذه المصطلحات ونحوها تستعمل في الهروب من الواقع والتملص من المسؤولية الشخصية، ويا حبذا لو استبدل به كلمة: أنا السبب أو نحوها مما ينطوي على تحمل الأمانة والشعور بالمسؤولية، فاستعمال مثل هذا المصطلح البديل يورث الاطمئنان على أهلية الشخص وأنه لا يلغي بتبعة تقصيره على الآخرين. هذا نبي الله آدم - عليه الصلاة والسلام - لما عصى ربَّه بالأكل من الشجرة لم يقل لربه تبارك وتعالى مثلاً: أنت قدَّرت عليَّ أو أنت كتبت علي، إنما قال - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) المصدر السابق: كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب فضل صلاة الجماعة.

(ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) (¬1). ويجوز - في ميزان الأدب - أن ينسب المرء إلى نفسه التقصير، أو ينسبه إلى نفسه والآخرين ولو لم يكن له علاقة به، فهذا نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام لما خاطب أباه بما جرى بينه وبين إخواته، قال: (يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي) (¬2). فقد نسب عليه الصلاة والسلام ظلم إخوته له إلى الشيطان، وجعل الأمر مشتركاً بينهم، ولم يكن له علاقة ألبتة بما جرى عليه الصلاة والسلام، بل كانوا هم الظالمين قطعاً، مع ذلك لم ينسب إليهم ما حدث أدباً منه عليه الصلاة والسلام. فيجب إذاً على كل منا أن يكون على المظنون به من تحمل المسؤولية، والإقرار بالتقصير وعدم الهروب بإلقاء التبعة على الآخرين، وقصة كعب بن مالك رضي الله عنه في تحمله المسؤولية عن تخلفه عن غزوة تبوك، والإقرار ¬

(¬1) سورة الأعراف: آية 23. (¬2) سورة يوسف: آية 100.

4 - هذا الأمر صعب أو مشكل أو فيه مخاطرة

الكامل بذلك بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معروفة مشهورة، وأيضاً قصة حاطب بن أبي بَلْتعة رضي الله عنه (¬1) وإقراره الكامل بما صنع من إخبار قريش بالغزو، فلم يحاول التملص ولا التهرب رضي الله تعالى عنه، وهكذا ينبغي أن نكون إذا وقعنا في خطأ، حمانا الله تعالى وإياكم. 4 - هذا الأمر صعب أو مشكل أو فيه مخاطرة: وهذه المصطلحات وأمثالها - إن قيلت على غير وجهها - تنبئ عن قصور في التصوير وضعف في أخذ ما ينبغي أخذه بقوة، وهذا الشخص المردد لهذه المصطلحات إنما يرددها غيرَ مدرك لما تورثه في نفسه من عقبات وحواجزَ قد يصعب عليه تجاوزها طيلة حياته. وينبغي على المرء أن يدرب نفسه على استعمال بعض المصطلحات التي تعينه وتفتح له آفاقاً بعد آفاق، كأن يقول - مثلاً - في نفسه: هذا فيه تحدِّ لي وأنا أهل له إن شاء الله تعالى، أو أن يقول: هذه فرصة عظيمة إن انتهزتها فتحت لي مجالاتٍ عظيمة، أو أن يقول: سأذلل كل العقبات - إن شاء الله تعالى - حتى يتذلل هذا الأمر ¬

(¬1) اللخميّ، حليف بني أسد بن عبد العزي. كان أحد الفرسان في الجاهلية وشاعراً من شعرائهم. توفي رضي الله عنه سنة ثلاثين وله خمس وستون سنة.

5 - أنا أعرف تماما ما يجري حولي ومطلع عليه

ويسهل، وأمثال هذه الجمل التي تعين على تحقيق المراد. لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - طالباً عير قريش وخرج معه عدد من أصحابه رضي الله تعالى عنهم، فوجئوا بما لم يكن في حسبانهم، إذ برز لهم جيش كثيف نسبياً، فلما استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه لم يقل أحد منهم: هذه مشكلة، أو هذه مخاطرة، أو هذا أمر صعب، بل تنوعت كلماتهم لفظاً واتفقت معنى في وجوب التصدي لهذا الجيش وإعلان مساندتهم الكاملة للنبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله تعالى عنهم ما أحسن استجابتهم وأكرم نفوسهم. وحدِّث ولا حرج عما يورثه انتهاز الفرص وعدم الالتفات إلى الصعاب من مجد ورفعه، فهذا الحديث مستلذ مستطاب وعليه أمثلة كثيرة من تاريخنا الإسلامي: فتح مكة، وفتح بيت المقدس، وعين جالوت، وحرب رمضان سنة 1393، وغير ذلك كثير مبثوث في التاريخ، والله المسؤول أن يرجع لنا أمجادنا التليدة وأوطاننا السلبية. 5 - أنا أعرف تماماً ما يجري حولي ومطلع عليه: هذا المصطلح يورث قائلة الغرور أو الغفلة، وذلك لأنه ينشئ بهذا المصطلح وأمثاله سداً منيعاً بينه وبين الناس؛ إذ يحجمون عن نصحه أو إبلاغه بما هو في أمسِّ

الحاجة لمعرفته وإدراكه، ويظن المسكين أنه قد أحاط بكل شيء علماً. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الموحى إليه المسدَّد المؤيَّد يراجَع في بعض الأمور والشؤون، فلا يجد غضاضة في ذلك، ولا يجد مَن يراجعه حرجاً من مراجعته تلك لأنه يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أفسح له الطريق بقوله: ((الدين النصيحة)). قلنا: لمن؟ قال: ((ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم)) (¬1). فمثل هذا الكلام المشجْع قد فتح الباب على مصراعيه للمراجعة والنصيحة، فلم يؤثر عنه - صلى الله عليه وسلم - امتناع عن تقبل النصح أو ترفع عنه أو استنكاف له، ولم يشعر الصحابة رضي الله تعالى عنهم بهذا أبداً، فهذا الحُباب بن المنذر رضي الله عنه (¬2) يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يارسول الله، أهذا منزل أنزلكَه الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: ((بل هو الرأي والحرب والمكيدة)). فقال الحباب: يا ¬

(¬1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحة: كتاب الإيمان: باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين)). (¬2) الحُباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخرَرجي ثم السلميّ. شهد بدراً. وكان يقرض الشعر. توفي في خلافة عمر رضي الله عنهما وقد زاد على الخمسين. انظر ((الإصابة)): 1/ 302.

6 - جملة من الألفاظ المحبطة

رسول الله، إن هذا ليس بمنزل!! (¬1) ثم أشار عليه برأي آخر فأخذ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. بل قد وصف المنافقون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه أُذُن أي يستمع ويصغي لك من يخبره بشيء، قال تعالى: (ويقولون هو أذن قل خير لكم) (¬2). وهكذا إذا شعر الناس أن شخصاً ما يتقبل كلامهم ونصائحهم ويقبل عليها، ويأخذ بالنافع منها بعد أن يسمعها بصدر رحب، فإنهم سيوالونه بالنصح الثمين والتذكير المهم الذي يرفع من شأن الشخص ويجنبه المزالق والأخطاء الفادحة. وليس أقضل - في باب التدريب على تجاوز هذا المصطلح - من تعليم النفس التواضع، وقراءة الأحاديث التي رفعت قدره وحذرت من الكِبْر وأهله، وقراءة سير السلف الصالحين، ومصاحبة المربين الصالحين تحمي من هذا الغرور الخطير والكبر الأثيم. 6 - جملة من الألفاظ المحبطة: إن كثيراً من الناس يطلق ألفاضاً لا يدرك خطورتها، ¬

(¬1) ((السيرة النبوية)) لابن هشام: 2/ 620. (¬2) سورة التوبة: آية 61.

أو أنه يواجه الناس بعبارات تورثهم الإحباط والضيق، وقد ينصرفون بالكامل عن أهدافهم إذا تعودوا من الشخص المشارك لهم أن يواجههم بمثل هذه العبارات. وقد بيَّن أحد الباحثين عدداً من هذه الألفاظ المستعملة في بعض الشركات والمؤسسات، والتي تنذر بخرابها وإفلاسها، وإعراض الناس عنها، وذلك نحو:

1 - لم تستخدم أبداً هذه الطريقة من قبل. 2 - لا تتحرك بسرعة زائدة 3 - فلننتظر ونرى. 4 - ليست مشكلتنا. 5 - هذا مبكْر جداً. 6 - هذا متأخر جداً. 7 - لن تستطيع أبدا أن تقنع الآخرين بذلك. 8 - لن تصلح. 9 - ليس لدينا القوى العاملة. 10 - أنا متأكد أنها لن تصلح. 11 - لن يعلمني شاب مراهق كيف أدير هذه المنظمة. 12 - ستزيد النفقات العامة. 13 - أنت لا تفهم مشكلتنا. 14 - تلك مسؤوليتهم ولست مسؤوليتنا. 15 - دعنا نشكَّل لجنة. 16 - لو كان فيه خير لاقترحه البعض. 17 - فلنناقش هذا في فرصة أخرى. 18 - حجمنا صغير/ كبير جداً بالنسبة إلى ذلك. 19 - لا توجد لوائح تتعلق بذلك. 20 - لماذا الجديد الآن؟ 21 - لقد جرَّبنا هذا من قبل. 22 - مناسب نظرياً لكن هل يمكن أن نطبقه عملياً؟ 23 - عصري زيادة عن اللزوم. 24 - من طراز عتيق جداً 25 - ليست في الميزانية. 26 - لسنا على استعداد لها. 27 - وهذا يعني المزيد من العمل. 28 - فلنجعلها في شكل مكتوب 29 - لن تصلح في صناعتنا. 30 - كلام فارغ. 31 - لدينا مشاريع كثيرة جداً الآن. 32 - لقد ظل الحال هكذا لمدة عشر سنوات، فلابد أن كل شيء على ما يرام. 33 - عدنا إلى هذه السيرة. 34 - لا أرى أي علاقة. 35 - اللوائح لا تمكننا من ذلك. 36 - ليست في الخطة (¬1) ¬

_ (¬1) ((دليل التنمية البشرية)): 242.

بمثل هذه التعبيرات تتهدم المؤسسات أو تتراجع تراجعناً كبيراً، وذلك لما تورثه من الإحباط أو الغرور، وبمثل تلك التعبيرات يحبط الأشخاص وتوضع سدود أمام طموحاتهم، ويستطيع الشخص - بسهولة - إذا اعتاد التفوّه بها وأمثالها أن يقضي على طموح جماعة كبيرة من الناس، والله تعالى أعلم.

التدريب على انتهاز الفرص

التدريب على انتهاز الفرص الحياة التي يحياها المرء تجري في كثير من الأحيان على وتيرة واحدة، رتيبة ليس فيها شيء جديد - كما يقال - لكن قد تلوح في الأفق فرصة تغير مجرى حياة الشخص كلية، وتؤثر في سيره في هذه الحياة، وقد لا تلوح هذه الفرصة إلا مرة واحدة في حياته، فإن انتهزها واستغلَّها استقامت له وصحَّت وإلا انصرفت عنه وولَّت. وشرط انتهاز الفرصة أن يكون الشخص مدركاً أنها فرصة، فكم من أشخاص تلوح لهم فرص ثم لا يستفيدون منها لعدم إدراكهم أنها فرصة قد لا تتكرر، لذلك شرعت لنا الاستخارة وحببت إلينا الاستشارة، وكان النصح لعامة المسلمين من الأصور الأصلية في شرعنا المطهر، و ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه - أو قال: لجاره - ما يحب لنفسه)) (¬1). ¬

(¬1) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب لا يؤمن أحدكم حتى يجب لأخيه ما يحب لنفسه.

والفرصة قد تكون مركزاً وجاهاً ومنصباً يخدم به المرء دينه وأهل دينه خاصةً في المناصب العالمية، ومثالها - اليوم - منصب مدير اليونيسكو، الذي يُتنافس عليه، فمن فاز به وسخره لخدمة دينه فقد فاز. والفرصة قد تكون تجارة سانحة تعود على صاحبها بالمال الجزيل فيستفيد منه فائدة جليلة في دينه ودنياه، والمال اليوم عصب الحياة كما هو معلوم. والفرص كثيرة لا يمكن حصرها ولا الدلالة عليها وإلا لم تصبح فرصة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد انتهز عدة فرص في حياته الشريفة، فلقاؤه المشركين ببدر فرصة، وفتحه مكة بعد أن نقضت قريش العهد مع خزاعة، فاهتبل النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الفرصة السانحة وفتح مكة وأزال عنها الأصنام والشرك، وكانت بوابة لدخول أهل الجزيرة كلهم في الإسلام، فما أعظمها من فرصة، وما أحسن اقتناصها. وهذا عمر رضي الله تعالى عنه انتهز الفرصة السانحة بوجود كثير من الصحابة الأبطال رضي الله تعالى عنهم واتفاق كلمة الناس عليهم ففتح بهم أجزاء كبيرة من

الإمبراطوريات ذوات الحضارات، وأنارها بالإسلام بعد ظلام طويل. وهذا عثمان رضي الله تعالى عنه انتهز فرصة وجود الصحابة رضي الله تعالى عنهم في المدينة، فجمع الناس على مصحف إمام واحد اتفقت كلمة الصحابة عليه، وصار للناس إماماً مجمعاً عليه، فحمى الله تعالى به من شر كثير واختلاف عريض وفساد كبير. وهذا الحسن رضي الله تعالى عنه انتهز فرصة اجتماع أكثر الناس عليه فتنازل لمعاوية رضي الله تعالى عنه عن الخلافة وحقن دماء المسلمين واستحقَّ السيادةَ التي وصفه بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معجزة له حين قال: ((إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) (¬1). وهذا رجاء بن حيوة (¬2) رحمه الله تعالى رحمة ¬

(¬1) أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه: كتاب الصلح: باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن لي رضي الله عنهما: ((إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين)). (¬2) هو وزير سليمان بن عبد الملك، وكان من كبار التابعين. توفي سنة 112 رحمه الله تعالى، وانظر ترجمته في ((سير أعلام النبلاء)): 4/ 557 وما بعدها.

واسعة، استغلَّ الفرصة العظيمة حين وجد من سليمان بن عبد الملك رحمه الله تعالى إقبالاً عليه وإصغاءً له وحباً لعمر بن عبد العزيز فأقنعه أن يعهد لعمر بالخلافة من بعده، وسهل ما يتصوره سليمان من عقبات من قبل هشام أخيه وغيره من بني أمية، ومضت الخلافة لعمر رضي الله عنه فأعادها راشدة كما كانت، وجرى على يديه خير كيثير. وهذا المأمون (¬1) أعجب بعلي بن موسى الرضا (¬2) رحمها الله تعالى إعجاباً بالغاً، وانتهزَ فرصةَ أن بيده مقاليد الأمور، ووجد رجلاً صالحاً عاقلاً أهلاً للخلافة، فولاَّه ولاية العهد ولم يأبه لاعتراضات بني العباس، صحيح أن علي بن موصى توفي سنة 203 قبل وفاة المأمون بخمس عشرة سنة، لكني أتحدث عن الأصل، وهو وجود فرصة وانتهازها وتوجيهها للخير والصلاح. ¬

(¬1) عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد، أبو العباس، أحد أذكياء الخلفاء وكبارهم لولا ميله إلى الاعتزال، نسأل الله السلامة. توفي سنة 218 رحمه الله تعالى. انظر ترجمته في المصدر السابق: 10/ 272, وما بعدها. (¬2) من نسل الحسين بن علي رضي الله عنهم، ولد سنة 148 وتوفي كهلاً سنة 203 رحمه الله تعالى. انظر المصدر السابق: 9/ 387، وما بعدها.

والمتوكِّل (¬1) انتهز فرصة توليه الخلافة وقام بإنهاء فتنة خلق القرآن التي امتدت أعواماً طويلة، وأحيا السنة وكرَّم الإمام أحمد رحمهما الله تعالى، فقطع دابر فتنة كادت تعصف بصفاء العقيدة ونقائها. ونظام الملك الوزير الصالح (¬2) الذي انتهز فرصة إقبال الدولة عليه فبنى مدارس عرفت بالمدارس النظامية في بغداد ونيسابور وغيرهما، وعيَّن كبار العلماء مدرِّسين فيها. وعون الدين ابن هُبيرة (¬3) الوزير الصالح انتهز فرصة وزارته وأكرم العلماء وطلبة العلم، وأجرى عليهم أرزاقاً، ¬

(¬1) جعفر بن محمد بن هارون، أبو الفضل العباس. توفي رحمه الله تعالى سنة 247 انظر ترجمته في ((سير أعلام النبلاء)): 12/ 30 وما بعدها. (¬2) الوزير الكبير الحسن بن علي بن إسحاق الطوسيّ. عاقل سائس، خبير، سعيد. كان فيه خير وتقوى وميل إلى الصالحين وخضوع لموعظتهم حتى ينكسر ويبكي. قتل علي يد الباطنية سنة 485 رحمه الله تعالى. انظر المصدر السابق: 19/ 94 وما بعدها. (¬3) الوزير الكامل والإمام العالم العادل، عون الدين، يمين الخلافة، أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الشيبانيّ الدوري العراقيّ الحنبلي صاحب التصانيف، وزير الدولة السلجوقية. كانت له أفعال حسنة وصفات جميلة. توفي سنة 560 رحمه الله تعالى. انظر المصدر السابق: 20/ 426 وما بعدها.

وجعلهم المقربين إليه، وعمل أعمالاً جليلةً من البر والعدل. ونور الدين زنكي (¬1) انتهز فرصة سلطنته على رقعة واسعة من البلاد الإسلامية، وقام بافتتاح سلسلة طويلة من المعارك مع الصليبيين الذين عاثوا في الديار الشامية زماناً طويلاً، ومهد الطريق لخلفة صلاح الدين الذي استغلَّ فرصة سانحة جداً وأخرج الصليبيين من بيت المقدس بعد احتلال طويل دام قرابة تسعين سنة. وهذا الأشرف خليل السلطان المملوكيّ (¬2) الذي انتهز فرصة مناسبة فطرد الصليبيين من عكا آخر معاقلهم هناك، وطهر الساحل الشامي والديار الإسلامية منهم. ¬

(¬1) الملك العادل تقي الملوك ليث الإسلام محمود بن زَنكي التركيّ. ولد سنة 511، وكان قد حمل رايتي العدل والجهاد، قَلَّ أن ترى العيون مثله. توفي سنة 569 رحمه الله تعالى. انظر المصدر السابق: 4/ 1579 - 1583. (¬2) خليل بن قلاوون السلطان الملك الأشرف الصالحيّ. تولَّى السلطنة سنة 689 بعد والده، واستفتحه بالجهاد، ونازل عكا وفتحها، ونظف الشام كله من الفرنج، وفتح حصناً للروم، وكان بطلاً مقداماً شجاعاً عالي الهمة، صخماً سميناً، جواداً، منهمكاً باللذات. قتل رحمه الله تعالى سنة 693 وهو دون الثلاثين. انظر ((الوافي بالوفيات)): 13/ 399 - 410.

والسلطان العظيم محمد الفاتح (¬1) الذي مدحه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((لتفتحنَّ القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش)) (¬2)، هذا السلطان انتهز الفرصة السانحة المهمة وقام بفتح القسطنطينية القلعة الشامخة التي حاول كثير من الخلفاء والملوك فتحها فما تيسَّر لهم، فانتهز تلك الفرصة العظيمة، وافتتحها ودوي الأذان في جنباتها، وقهر الكفار قهراً عظيماً، ولله الحمد. والسلطان العظيم أورانك زيب عالم كَير (¬3) الذي حكم دولة المغول شمال الهند خمسين سنة، انتهز فرصة ¬

(¬1) محمد بن مراد بيك بن محمد بك بن بايزيد، السلطان العثماني الذي فتح القسطنطينية. تولى السلطنة بعد أبيه سنة 855، وكان يحب العلم والعلماء مقرباً لهم، وله مآثر كثيرة من مدارس وزوايا وجوامع، وفتح القسطنطينية سنة 857. توفي سنة 886 رحمه الله تعالى. انظر ((المختار المصون)): 1/ 559 - 561. (¬2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن بشر بن سُحيم رضي الله عنه، وأخرجه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي: انظر ((الفتح الرباني)): 23/ 174. (¬3) الإمام المجاهد المظفر المنصور السلطان بن السلطان أبو المظفر محمد أورنكً زيب عالمكَير بن شاهجهان. أيد الإسلام وفتح الفتوحات العظيمة. ولد سنة 1028، وتولى السلطنة سنة 1068 لمدة خمسين سنة حيث توفي سنة 1118، وكان عادلاً متورعاً عابداً رحمهُ الله تعالى. انظر ((المختار المصون)): 3/ 1370 - 1378.

إحسان تتبع الأخبار وتسقطها

توليه السلطنة وأتى بأعمال مجيدة عظيمة منها تقريب العلماء، ووضع كتاب ((الفتاوى الهندية)) بمساعدة علماء النهد له، وأعاد العدل ورفع مظالم كثيرة، وألغى الضرائب والمكوس. والإمام محمد بن عبد الوهاب الذي انتهز فرصة سانحة ونشر العقيدة الصحيحة بين سكان نجد وما حولها بالتعاون مع الأمير محمد بن سعود، فقامت دولة الدين فتية، ولله الحمد. وهكذا الفرص إذا انتهزت وسخرت لصالح الإسلام والمسلمين فإنها تكون في غاية الفائدة ويكون منتهزُها مشكوراً مأجوراً إن شاء الله تعالى، والله أعلم. التدريب على انتهاز الفرص: إذا كانت الفرص وانتهازها على هذه الأهمية البالغة فيجب أن يدرب المرء نفسه على تحسس الفرص وإحسان انتهازها على الوجه المقترح الآتي: أولاً: ... إحسان تتبع الأخبار وتَسَقُّطها، فإن كثيراً من الصالحين لا يأبهون بالأخبار ولا يتتبعونها التتبع الكافي إهمالاً منهم لها، أو زاهداً فيها، فيحسن بالمرء إذا أن يطَّلع على بعض الجرائد

إحسان قراءة الوقائع بدون إفراط ولا تفريط

والمجلات النافعة، ويتسمع الأخبار من مصادرها المتاحة. والأمر الغريب أن بعض من قلَّ فهمه يَنْبز مَن يتتبع أخبار المسلمين ومخططات الكافرين بأنه يريد معرفة فقه الواقع، وكأن فقه الواقع عيب يعاب على الناس وينبزون به! ثانياً: ... إحسان قراءة الوقائع بدون إفراط ولا تفريط، ولا مبالغة ولا غلوِّ ولا شطط، فإن آفة الأخبار رواتها، والعجب ممن يهول الأمور تهويلاً يؤدي إلى الإحباط، أو يهون من شأنها تهويناً يؤدي إلى التقصير في تتبعها وإدراكها، فإن كلا الرجلين قد أخطأ القصد ومال إلى الإفراط أو التفريط. ثالثاً: توسيع ((الأفق))، فإن ضيقه يؤدي بالمرء إلى فقدان فرص كثيرة، أو إلى توهم ما ليس بشيء فرصة عظيمة، ويحصل للمرء ((سعة الأفق)) هذه بكثرة اطِّلاعه وتعدد رحلاته، ومقابلته لكثير من المجربين ممن صقلتهم الأيام، بالإضافة إلى ما رُزقه من موهبة فطرية ونظرات صائبة قوية.

إحسان بناء العلاقات بالناس خاصة الوجهاء والمقدمين منهم

رابعاً: ... إحسان بناء العلاقات بالناس خاصة الوجهاء والمقدَّمين منهم، فإنهم - عادةً - الباب الذي يولج منه لانتهاز الفرص، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يولي هؤلاء عناية خاصة ويكرمهم ويرفع قدرهم (¬1). خامساً: ... الإقدام والعزم، فإن النكوص والتردد والضعف بضيع الفرصة ويهدرها، قال تعالى (فإذا عزمت فتوكل على الله) (¬2)، وقال الشاعر: إذا هبَّبت رياحك فاغتنمها ... فإن الخافقات لها سكونُ وإن ولدت نياقك فاحتلبها ... فلا تدري الفصيل لمن يكونُ سادساً: ... قراءة تاريخ الذين انتهزوا الفرص ممن ذكرتهم آنفاً وأمثالهم من المسلمين وغيرهم، فإن تجاربهم نافعة، وتعلم المرء طرقاً متنوعة في هذا الباب، وخير ما يعين على هذا قراءة كتب السير وكتب الذكريات والمذكرات. سابعاً: ... استشارة أهل الخبرة في هذا الباب، والاستفادة مما عندهم من تجارب، وكانت العرب قديماً ¬

(¬1) يراجع قصة عدي بن حاتم وجرير بن عبد الله البجليّ وأمثالهما رضي الله عنهما في السيرة المعطرة. (¬2) سورة أل عمران: آية 159.

تقول: ما ندم من استخار، وما خاب من استشار. هذه بعض طرائق تعلم انتهاز الفرص ليُخدم بها الإسلام وأهله، والله تعالى أعلم.

التدريب على المحاسبة والمساءلة والتقويم

التدريب على المحاسبة والمساءلة والتقويم لابد من إرساء مبدأ المحاسبة والمساءلة في كل أعمال المسلم، فالمحاسبة والمساءلة ترتفعان بالشخص إلى تحقيق ما هو مسؤول عنه ومطالب به، والعكس منذلك صحيح، فإذا غابت المحاسبة والمساءلة تدهور العمل وقلَّ العطاء. والله تبارك وتعالى يحاسب عبادَه يوم القيامة، ويرغبهم بمحاسبة أنفسهم قبل ان يُحاسبوا، والعباد يحاسب بعضهم بعضاً على الأموال والحقوق أشد المحاسبة، فالدعاة أحرى أن يحاسب بعضهم بعضاً، ويوقف بعضهم بعضاً على مسؤوليته في الدعوة إلى الله تعالى، فلو أخذت مراكز الدعوة والمكاتب التعاونية وهيآت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذ بهذا كل العاملين للإسلام، لو أخذوا جميعهم بهذا المبدأ لاستقامت أمور كثيرة معوجَّة، ولصُححت أوضاع خاطئة كثيرة.

لماذا يكون ثقيلاً على النفس ((قيام شخص بمحاسبة شخص آخر ومساءلته ومناقشته في عيوبه أو هفواته، وبالخصوص إذا كان الشخص مساوياً للشخص في المكانة الاجتماعية، أو بخصوصية أكبر إذا كان الناصح أو الناقد أو المناقش شخصاً أقلَّ من الآخر في قليل أو كثير .. كم من أخوة ذابت، وصداقات تهاوت، وزمالة انتكست لأن الأخ أو الصديق أو الزميل حاول ألا ينتظر أو يمارس الحيادية الفارغة أو المجاملة عند صدور خطأ من الشخص، بل ناقش فيه فوراً ... )) (¬1). هذا، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقيد من نفسه الشريفة الكريمة، وما ذلك إلا ضرب من المحاسبة في الذروة منها والكمال، فعن أُسيد بن حُضير (¬2) رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طعنه في خاصرته بعود، فقال: أصبِرْني (¬3)، فقال: ((اصطبر))، قال: إن عليك قميصاً وليس عليَّ قميص، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قميصِه فاحتضَنه وجعل يقبَّل ¬

(¬1) ((الانتحار الذاتي)): 94 - 96. (¬2) أُسيد بن حُضير بن سِماك الأنصاري الأَثْهليّ، أبو يحيى. صحابي جليل. توفي سنة عشرين أو في التي بعدها، رضي الله عنه. انظر: ((التقريب)):112. (¬3) أي: أقِدْني من نفسك.

كَشْحه، قال: إنما أردت هذا يا رسول الله (¬1). وقال الشافعي: روي من حديث عمر أنه قال: ((رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطي القَوَد من نفسي)) (¬2). فهذه أصول في المحاسبة يجب أن تراعي وتُؤدَّى. والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحاسب العمَّال، فقد ((استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من الأَسْد (¬3) على صفات صدقات بني سُلَيم يُدعى ابنَ اللُّتْبِيَّة، فلما جاء حاسبه)) (¬4). وقال العينيّ (¬5) رحمه الله تعالى: ¬

(¬1) أخرجه الإمام أبو داود في سننه: كتاب الأدب. والكَشْح: الخاصرة. (¬2) ((عون المعبود)):12/ 268. (¬3) الأسد والأزد بمعنى. (¬4) أخرجه الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى في كتاب الزكاة: باب قول الله تعالى: (والعاملين عليها) ومحاسبة المُصَّدِّقين مع الإمام. (¬5) محمود بن أحمد بن موسى بدر الدين أبو محمد العيني الحلبي الأصل ثم القاهريّ، الحنفيّ. ولد في عنتاب سنة 762 ودرس بها عدداً من العلوم وبرع، ثم ارتحل إلى بلدان متعددة ودخل القاهرة سنة 788 وولي بها عدة وظائف واجتمع له القضاء والحسبة ونظر الأوقاف معاً ودرس بها، له عدة مصنفات. توفي سنة 855 رحمه الله تعالى. انظر ((المختار المصون)): 1/ 570 - 572.

((فيه من الفقه جواز محاسبة المؤتمن، وأن المحاسبة تصحح أمانته، وهو أصل فعل عمر رضي الله تعالى عنه في محاسبة العمال)) (¬1). هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نبَّه أبا بكر الصديق رضي الله عنه على أمر لم يُرضِه أن يصدر من أبي بكر رضي الله عنه، فعن عائذ بن عمرو رضي الله تعالى عنه أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: والله ما أخذت سوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيِّدهم؟ فأتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال ((يا أبا بكر لعلك أغضبتَهم، لئن كنتَ أغضبتَهم لقد أغضبتَ ربَّك)). فأتاهم أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا إخوتاه، أغضبتُكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي (¬2). قال الإمام النوويّ رحمه الله تعالى: ((هذا الإتيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية، ... وفيه مراعاة قلوب الضعفاء وأهل الدين وكرامهم وملاطفتهم)) (¬3). ¬

(¬1) ((عمدة القاري)): 7/ 367. (¬2) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل سلمان وبلال وصهيب رضي الله تعالى عنهم. (¬3) ((صحيح مسلم بشرح النووي)): 16/ 53.

1 - إنشاء المجالس التقويمية

وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يعلِّم الأمة المحاسبة والتقويم فيقول: ((إنما أنا متَّبع ولست بمبتدع، فإن استقمتُ فبايعوني، وإن زِغْتُ فقوِّموني ... )) (¬1). إذاً المحاسبة ليس فيها محذور - إن شاء الله تعالى - وعلى كل من وَلِيَ أمراً من أمور المسلمين أن يتقبل المحاسبة بصدر رحب، وهي أسهل عليه من الحساب الأخرويّ، أو أنها تُسهِّل عليه الحساب الأخرويّ. التدريب على المحاسبة والتقويم: سأذكر في باب التدريب على المحاسبة والتقويم قواعد عامة لا تغني عن تفصيلات ليس هذا مكانها، فمن ذلك: 1 - إنشاء المجالس التقويمية: لابد لإحسان التقويم والمحاسبة من إنشاء مجالس تقويمية خاصة في كل هيئة ومؤسسة داعية للإسلام، فإن هذا المجلس خطوة صحيحة في طريق الدعوة، ولا بد أن يعطى هذا التقويم الزمان الكافي بدون ملل ولا ¬

(¬1) ((البداية والنهاية)): 6/ 303.

2 - المصارحة والقوة

انقطاع وفق برنامج معد سلفاً متفق عليه بين أعضاء المجلس التقويميّ. 2 - المصارحة والقوة: حتى يكون للتقويم أثره الصحيح لا بد من المصارحة بالأخطاء ونقدها بقوة - لا تخلو من أدب - فإن المجاملة والمواربة لا تصلحان في هذا المقام الخطير الشأن، والقسوة في هذا المقام تشبه قسوة الجراح على المريض حين يسرِّح مشرطه في جسده لكنه يُقدِّر أن هذا التسريح سيكون له أجمل العواقب وأحسنها، فلا يصح إذاً أن يغضب المرء من القوة والمصارحة حال التقويم، بل يبادر بالاعتذار المتلوِّ بالتصحيح، وعلى المقوِّم أن يحزم حيناً ويلين أخرى بحسب الحال والموقف، حتى لا يسير بمن معه على وتيرة واحدة من الحزم أو اللين فيفسد العمل. 3 - الشمول: ينبغي أن يكون التقويم شاملاً لكل مناحي العمل فلا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ولا شاردة إلا قيَّدها، ولا واردة إلا قوَّمها وأعدَّ له العدَّة اللازمة، وبغير ذاك قد ينفذ الخلل في ثنايا الصغائر ليقبلها كبائر، وقد يهدم البنيانَ الشامخَ زوالُ لبنة منه أو اختلالها.

4 - التذكير حينا بعد حين بأهمية العمل

4 - التذكير حيناً بعد حين بأهمية العمل: إن للمجالس التقويمية أثراً بالغاً في التذكير بأهمية العمل والحرص على تجديد العهد به في متناول يده، وهذا الأصل معلوم في دين الإسلام، فالله تعالى كان يثبت نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - حيناً بعد حين في آيات كثيرات: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسُل ما نثبت به فؤادك) (¬1)، (فلعلك باخع نفسك على ءاثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) (¬2)، (ما ودعك ربك وما قلى) (¬3). 5 - صقل العاملين: إن العاملين للإسلام لفي حاجة بالغة إلى انتهاج هذا الطريق التقويميّ والتمسك به، لكنهم قد يكونون في حاجة إلى الالتحاق بدورات تدريبية تعينهم على إحسان التقويم، والغرف التجارية والمراكز الدعوية كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمندوبيات الدعوية محالٌّ صالحة لإقامة مثل هذه الدورات لما للقائمين عليها من خبرة مناسبة، والعالم الغربي اليوم أهله في الذروة السامقة لطرق التقويم والمحاسبة؛ إذ أن حرص القوم على المال أداهم ¬

(¬1) سورة هود: آية 120. (¬2) سورة الكهف: آية 6. (¬3) سورة الضحى: آية 3.

إلى أن يضعوا قواعد لجلبه وحفظه، ومن ثم التقويم والمحاسبة فيه في الغاية من الدقة والضبط، فلو أخذنا بتلك القواعد المتجددة في عملنا الإسلامي لأفلحنا إن شاء الله تعال، والله تعال أعلم.

التدريب على الاخشيشان والتقلل من المباحات

التدريب على الاخشيشان والتقلل من المباحات انقلبت كثير من المفاهيم والموازين في هذا العصر، وأصبح الترف - على سبيل المثال - هو القاعدة السائدة عند كثير من الناس، والأنكى والأشد أن يستمرئ الصالحون الترف ويبتعدوا عن الاخشيشان والتقلل وكأنهما وصمة عار أو هوان. إننا نتقلب - بحمد الله تعالى - في نعم عظيمة علينا أن نشكرها وأن نقدرها حق قدرها، ومن شكر النعم الأخذ منها بقدر وعدم التوسع فيها توسعاً يؤدي إلى نسيان المعاني العلية ويفضي إلى الكسل والإخلاد إلى الأرض، وعلى كل منا أن يدرِّب نفسه على الارتفاع عن كثير من المباحث واللذائذ حتى إن كانت متيسرة وسهلة عليه. إن الملايين الجائعة في العالم الإسلامي لهي أحق بتوجيه الأموال الفائضة إليها لا أن نتمتع بها وننسى إخواننا

المسلمين الذين يتضورون جوعاً ويموتون برداً. إن مشكلة الترفّه أنه يجلب الحقد: حقد الضعفاء والفقراء ما لم يشعروا بالمواساة الصادقة الكريمة، وقد يكون هذا الحقد من بعض الصالحين الذي يعيشون ظروفاً صعبة، ويلاحظون تمتعك بكل المباحث واللذائذ، وقد يقال: وهل يحق الصالح؟ أقول نعم، قد يَزلّ، وهل هو ملّك أو معصوم؟ نعم إن حقده خطأ، لكن الذي دعاه إليه ما يراه من ترفه وانشغال بالكماليات عند قوم وتضرره هو ومَن على شاكلته حتى لا يكادون يجدون كفايتهم. إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتمتع باللذائذ والمباحاث لكن بقدر، وفي أوقات دون أوقات، ولذائذه ومتعه - صلى الله عليه وسلم - لا تقارن بما عليه كثير من الناس - حتى الصالحين - اليوم في متعهم ولذائذهم، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلوى والعسل، وكانت النساء قد حُبِّبن إليه، وحُبِّب إليه الطيب، وكان يحب الكَتِف، ويعرف منه الصحابة رضي الله تعالى عنهم ذلك ويهدون إليه. وقد يقال: ما للاخشيشان ولموضوع الكتاب: التدريب على العمل الإسلامي؟ وأقول: إن للترف مدخلاً كبيراً في تأخير العمل الإسلامي، بل قد يهدمه، لأن للمترفين شأناً بعيداً عن شأن

العاملين الباذلين المجاهدين المضحِّين، والمترف يصعب عليه ترك لذائذه ومحبوباته، ومن ثَمَّ يصعب عليه أ، يعمل عملاً قوياً مؤثراً في الحياة من حوله، لذلك كان لابد من نوع من الاخشيشان والتقلل من المباحث يربط المرء بالمعاني العلية ويخرجه من دائرة الالتزام اليوميّ بمحبوباته وشهواته ومراداته. وهكذا كان السلف صدر الأمة رضي الله عنهم يخشوشنون أحياناً كثيرة ويتمتعون قليلاً، وما كانوا في تمتعهم - إذا تمتعوا - إلا أتقياء بزرة أنقياء، رضي الله تعالى عنهم. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - على غاية من الاخشيشان لا يكاد يبلغه فيها أحد، هذا مع تمتعه في بعض الأوقات، وتناوله بعض اللذائذ والمباحات كما بيَّنت آنفاً. هذا وقد كان قادراً - بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه - على أن يكون ملكاً نبياً، لكنه ارتضى معيشة الزهد والتقلل لانها أقرب إلى الكمال، وقد ساس أهله - صلى الله عليه وسلم - حتى ارتضوا تلك المعيشة، وخيَّرهن بين التوسع وفراقهن وبين الرضا بمعيشته - صلى الله عليه وسلم -، فارتضينه كلهن رضي الله تعالى عنهن. هذه عائشة رضي الله تعالى عنها تخبر عروة

رحمه الله تعالى - ابن أختها -: ((وإن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار))، فيتعجب عروة ويقول: ما كان يُعيشُكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء ... إلخ (¬1). وقال أنس: ((ما أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رغيفاً مرققاً حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطاً (¬2) بعينه قط)) (¬3). وهذه عائشة رضي الله تعالى عنها تخبر أنه ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ قدم المدينة من طعام بُرِّ ثلاث ليالٍ تباعاً حتى قبض (¬4). ودخل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على حصير، قال: فجلست فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثَّر في جنبه، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، وقَرَظ (¬5) في ناحية في ¬

(¬1) صحيح البخاري: باب ماجاء في الرقاق وألا عيش إلا عيش الآخرة: باب كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وتخليهم عن الدنيا. (¬2) أي: مشوية. (¬3) المصدر السابق. (¬4) المصدر السابق. (¬5) ورق الشجر الذي يدبغ به الجلد.

الغرفة، وإذا إهاب معلق (¬1)، فابتَدَرتْ عيناي (¬2)، فقال: ((ما يبكيك يا ابن الخطاب؟)) فقال: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خِزانتك لا أرى بها إلا ما أرى، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار، وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك؟ قال: ((يا ابن الخطاب: أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟)) (¬3). أما حال السلف من الصحابة رضي الله تعالى عنهم فهم الذين تربوا على ما شاهدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، وتدربوا على وصيته: ((إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخَلق فلينظر إلى من هو أسفل منه)) (¬4). يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلِّم أصحابه إذا ضاقت على أحدهم الدنيا أن يقارن بينه وبين من هو في ضيق أكبر وضنك أشد حتى يحمد لله تعالى ويرضى بحاله. ¬

(¬1) أي: جلد. (¬2) أي: بكى. (¬3) قال المنذر: رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم: ((الترغيب والترهيب)): 4/ 200. (¬4) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الزهد، حديث رقم 2963.

وهكذا درج أصحابه رضي الله تعلى عنهم، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قد عُلم حاله من الاخشيشان والضيق الذي اختاره لنفسه ولم يفرضه عليه أحد، وقد لقي يوماً جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه وقد ابتاع لحماً بدرهم، فقال: ما هذا ياجابر؟ قال: قَرِم أهلي - أي اشتدت شهوتهم - فابتعت لهم لحماً بدرهم، فجعل عمر يردد: قَرِم أهلي، حتى تمنيت أن الدرهم سقط مني ولم ألقَ عمر، وفي رواية: أوَكلما اشتهيتم اشتريتم؟ (¬1) قال الإمام الحَلِيمي (¬2) معلقاً على هذه الحادثة: ((لا ينبغي أن تعود النفس، ربما تميل به إلى الشره ثم يصعب تداركها، ولتُرَضْ من أول الأمر على السداد - أي على الاستقامة في المأكل والمشرب وعدم الفساد بالتوسع فيهما - فإن ذلك أهون من أن تدرب على الفساد ثم يجتهد في إعادتها إلى الصلاح، والله أعلم)) (¬3). وجاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فسأله: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له ¬

(¬1) سنن البيهقي. (¬2) الحسين بن الحسن بن محمد البخاري الحَليمي. المتوفى سنة 403. انظر ترجمته في: ((سير أعلام النبلاء)): 17/ 231. (¬3) المصدر السابق.

عبد الله بن عمرو: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم قال: فأنت من الأغنياء. قال: فإن لي خادماً. قال: فأنت من الملوك (¬1). الله أكبر، فماذا كان قائلاً لو رآنا اليوم ونحن نتقلب في النعم ظهراً لبطن والترف قد نَخَلَنا نَخْلاً، وتساوى الدعاة والصالحون - أو أكثرهم - مع غيرهم في اقتسام الترف واللذائذ وانتهاب الطيبات؟ وجاء أصحاب سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، يعودونه عند الاحتضار، فوجدوه يبكي، فسألوه عما به؟ فقال: عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون زاد أحدنا كزاد الراكب، فقالوا: حَسَبْنا مافي بيته فإذا هو لا يزيد عن بضعه عشر درهماً، رضي الله تعالى عنه (¬2). فعلى الدعاة والصالحين أن يخشوشنوا حتى لا يركنوا إلى الدنيا وتقعد بهم هممهم، وهم في حاجة ماسة إلى التدرب على هذا حتى يصبح خلقاً سائداً فيهم، نعم إن هذا زمان صعب إن طاوعتك نفسك فيه على منهاج من العيش خشن قد لا يطاوعك على ذلك أهلك والمقربون منك، ¬

(¬1) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الزهد، حديث رقم 2979. (¬2) ((نزهة الفضلاء)): 1/ 205.

أهمية الاخشيشان

لكن نسدد ونقارب، ونستعين بالله تبارك وتعالى. أهمية الاخشيشان: 1 - إعداد النفس للجهاد: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مات ولم يَغْزُ ولم يحدِّث به نفسه مات على شعبة من نفاق)) (¬1). فكيف نحدِّث أنفسنا بالغزو والجهاد ونحن لم نعد أنفسنا له بالتدرب على شظف العيش ولو في أوقات دون أوقات؟ 2 - إعداد النفس لما قد ينزل بها من البلاء: فلله تبارك وتعالى أخبر بقوله الجليل: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولو ءامنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (¬2). فقد تنزل بالمرء بلية أو مصيبة - عافانا الله وإياكم - ثم إنه لا يجد القدرة في نفسه على ¬

(¬1) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب الإمارة: باب ذم من مات ولم يغزُ. (¬2) سورة العنكبوت: الآيتان 3،2.

3 - تربية الأهل والأولاد على المعاني العالية

مواجهتها، وذلك لغرقه في الترف. 3 - تربية الأهل والأولاد على المعاني العالية: فمن كان هو وأهله غرقى في الترف والمباحات فمتى يعرفون طعم المجاهدة، متى يتذوقون عُليا المعاني ورفيعَها، هذا وللتقلل من المباحات لذة لا يعرفها إلا من ذاقَها وجرَّبها. 4 - شعور المجتمع بمشاركة الأغنياء للفقراء: وهذا بيِّنٌ واضح؛ إذ لو شاهد الفقراء الأغنياء غير متوسعين في الإتفاق، وأنهم يشاركونهم في جوانب من ضيق عيشهم ولو في أوقات دون أوقات، وأن الأغنياء يبذلون لهم الأموال ويساعدونهم في ضيقهم ومحنتهم، لو شعر الفقراء بذلك لا نمحى الحقد من صدور الناس، ولشاع فيهم خلق المودة والمحبة والإخاء. كيفية التدريب على الاخشيشان: إن المرء بسبب ما يكتنف الحياة المعاصرة من ترف، لفي أمسِّ الحاجة إلى التدرب على الاخشيشان والتقلل من المباحات، وفيما يلي صورة مقترحة:

الإكثار من الصيام

أولاً: الإكثار من الصيام: إذ الصيام من أفضل الأعمال، وليس المجال هنا عرضَ فضائل الصيام فهي كثيرة جمة، لكن أقول: إن الصيام يفطم النفس عن كثير من شهواتها، ويدربها تدريباً علمياً على التقلل من المباحاث، خاصة لو أن الصائم عزم على هذا الأمر وأخذ نفسه به فسيستفيد فائدة كبرى. ثانياً: التقلل من الطعام والشراب في بعض المواسم: وذلك لغرض تدريب النفسن وليس أفضل من شهر رمضان وأيام الحج مواسم لتقلل، إذ التقلل في تلك المواسم مقبول غير مستهجَن، فيكتفي المرء فيها بالقليل تدرباً وتقللاً. ثالثاً: منع النفس عن بعض مرغوباتها ومشتهياتها: ولقد ذكرت صوراً له قبل ذلك، وأقول الآن: إن عامة السلف العظام كانوا يفطمون أنفسهم من كثير من الشهوات لا تحريماً لها لكن تقللاً وتقشفاً.

قراءة سير السلف الصالح رضي الله عنهم أهل الزهد والتقشف والتقلل

قال الإمام ابن القيم (¬1) رحمه الله تعالى: قال لي شيخ الإسلام (¬2) يوماً في شيء من المباح: ((إن هذا يخالف المراتب العالية)) (¬3). سبحان الله! وما هو المباح الذي يمكن أن يتناوله ابن القيم حتى ينهاه عنه شيخ الإسلام، وما قدره وما قيمته، لكنهم عرفوا أن الإكثار من تناول المباحات يعوِّد النفس الكسل والدعة والإخلاد إلى الأرض. رابعاً: ... قراءة سير السلف الصالح رضي الله عنهم أهل الزهد والتقشف والتقلل، فقراءة سيرهم معايشة لهم، ومن ثم تشبّه بهم، لكن ليحذر من ¬

(¬1) محمد بن أبي بكر بن أيوب الزُّرعي الدمشقيّ الحنبلي، ولد سنة 691. وكان جريء الجنان، واسع العلم، كثير الصلاة والتلاوة، حسن الخلق، كثير التودّد، توفي رحمه الله تعالى بدمشق سنة 751 وكانت جنازته حافلة. انظر ((الدرر الكامنة)): 4/ 21 - 23. (¬2) أي ابن تيمية رحمه الله تعالى، وهو مشهور، واسمه أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، توفي سنة 728 بدمشق: انظر ترجمته في ((الدرر الكامنة)): 1/ 154 - 170. (¬3) ((مدارج السالكين)): 2/ 26.

ممارسات بعض المتصوفة الذين كانوا يجوعون أنفسهم حتى تفسد بعض أجهزتهم الجسيمة وخلاياهم العقلية، فهذا مخالف لمنهج الإسلام السمح، والله تعالى أعلم.

ختام

ختام الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصبه ومن والاه، وبعد: قد وضعت هذه الرسالة- التي أحسبها جاءت بشيء جديد في هذا الباب المهم - لأمرين اثنين: أولهما: لفت الأنظار إلى هذا الباب المهم للاعتناء به تأصيلاً وتصنيفاً في رسائل أوسع وأقعد. ثانيهما: تطبيق وسائل التدريب وطرائقه على العمل الدعوي بحيث يعود عليه بالنفع الجم والفائدة الكبيرة. وأرجو الله تعالى أن يحقق لي ما أردت، وأن يَهُبَّ طائفة من الناس ليعتنوا بالتدريب تأصيلاً وتحقيقاً في واقع الحياة، خاصة أني قد كنت - وأنا أؤلف هذه الرسالة - مستشعراً مدى تقصير الأمة الأخذ بهذا الأمر المهم،

وقعودها عن مجال سبقها فيه آخرون، والعجب أني بحثت طويلاً عن المراجع المناسبة في هذا الباب فأعياني البحث وما خرجت إلا بإشارات لا تسمن ولا تغني من جوع، مما يدل دلالة واضحة على تخلفنا في هذا الباب وقصورنا فيه وتقصيرنا، في جملة ما نحن فيه مقصرون، والله تعالى المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا به، والحمدلله رب العالمين، وصلاة وسلاماً على سيد المرسلين محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع القرآن الكريم 1 - ((اثنا عشر عاماً مع الأستاذ البنا)): الأستاذ عبد البديع صقر. نشر دار المدائن. الإسكندرية. الطبعة الأولى سنة 1413. 2 - ((الاحتساب في دعوة الإمام حسن البنا)): الأستاذ بدر الماص. نشر مكتبة المنار الإسلامية. الكويت. الطبعة الأولى سنة 1407. 3 - ((الانتحار الذاتي للجماعات الحركية في العمل الإسلامي المعاصر)): د. عادل حسون. نشر دار البلاغ. الكويت. الطبعة الأولى. 4 - ((أثر الإسلام في تكوين الشخصية الجهادية للفرد والجماعة)): د. محمد نعيم ياسين. نشر دار الأرقم. الكويت. الطبعة الأولى سنة 1404.

5 - ((الإخوان المسلمون في ميزان الحق)): الأستاذ فريد عبدا لخالف. نشر دار الصحوة. القاهرة. الطبعة الأولى سنة 1408. 6 - ((أسس في الدعوة ووسائل نشرها)): د. محمد عبد القادر أبو فارس. نشر دار الفرقان. عمَّان. الطبعة الأولى سنة 1412. 7 - ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)): الإمام ابن قيم الجوزية = محمد بن أبي بكر (ت 751). نشر دار الفكر. بيروت. الطبعة الثانية سنة 1397. 8 - ((البداية والنهاية)): الحافظ ابن كثير= إسماعيل بن عمر (ت774). نشر دار الفكر. بيروت. طبعة سنة 1398. 9 - ((تقريب التهذيب)): الحافظ ابن حجر = أحمد بن علي (ت852). تحقيق الأستاذ محمد عوامة. نشر دار الرشيد. حلب. الطبعة الأولى. 10 - ((جريدة اللواء الإسلامي)). القاهرة. عدد 3/ 8/1420. 11 - ((الجهاز في الإسلام كيف نفهمه وكيف نمارسه)): د. محمد سعيد رمضان البوطي. نشر دار الفكر. دمشق. الطبعة الثانية سنة 1418. 12 - ((حول التربية والتعليم)): أ. د. عبد الكريم بكار. نشر دار المسلم للنشر والتوزيع. الرياض. الطبعة الأولى سنة 1420.

13 - ((الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة)): الحافظ ابن حجر = أحمد بن علي (ت 852). تحقيق الأستاذ محمد سيد جاد الحق. نشر دار الكتب الحديثة. القاهرة. 14 - ((دليل التنمية البشرية)): هشام الطالب. 15 - ((سنن ابن ماجه)): تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي. نشر دار الحديث. القاهرة. 16 - ((سير أعلام النبلاء)): الحافظ الذهبي = محمد بن أحمد (ت748). نشر مؤسسة الرسالة. بيروت. 17 - ((صحيح البخاري)). نشر دار الجيل. بيروت. 18 - ((طرق الدعوة الإسلامية)): د. أحمد العدناني. سنة 1410. 19 - ((عون المعبود شرح سنن أبي داود)): العلامة أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي. ضبط وتحقيق الأستاذ عبد الرحمن محمد عثمان. نشر دار الفكر. بيروت. الطبعة الثالثة سنة 1399. 20 - ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)): بدر الدين العينيّ = محمود بن أحمد (ت 855). نشر مكتبة البابي الحلبي. القاهرة. الطبعة الأولى سنة 1392. 21 - ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)): الحافظ ابن حجر العسقلاني = أحمد بن علي (ت852). تحقيق مجموعة من الأستاذة. نشر مكتبة الكليات الأزهرية. القاهرة. الطبعة الأولى سنة 1398.

22 - ((في ظلال القرآن)): الأستاذ سيد قطب (ت1387). نشر دار الشروق. بيروت. 23 - ((كبرى الحركات الإسلامية في القرن الرابع عشر الهجري)): د. محمد السيد الوكيل. نشر دار المجتمع بجدة، ودار الوفاء بالقاهرة. الطبعة الأولى سنة 1406. 24 - ((كيف ندعو الناس)): الأستاذ عبد البديع صقر. نشر الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية. الطبعة الثانية سنة 1403. 25 - ((الفكر السامي)): الأستاذ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي (ت1397). تخريج د. عبد العزيز القاري. نشر المكتبة العلمية. المدينة المنوَّرة سنة 1397. 26 - ((مجمع الزوائد ومنبع الفوائد)): الحافظ نور الدين الهيثمي (ت807). نشر مؤسسة المعارف. بيروت. سنة 1406. 27 - ((المفاتيح العشرة للنجاح)): د. إبراهيم الفقي. نشر المركز الكندي للبرمجة اللغوية والعصبية. 28 - ((نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء)): لواضع هذه الرسالة. نشر دار الأندلس الخضراء. جدة. الطبعة الرابعة سنة 1419.

مراجع أجنبية إسلامية

مراجع أجنبية إسلامية: 29 - PROGRESS REPORT: D,AWAH ACADEMI, IIW ISLAM ABAD, PAKISAN.A1985-1997.

§1/1