التخريج عند الفقهاء والأصوليين

يعقوب الباحسين

التخريج عند الفقهاء والأصوليين (دراسة نظرية تطبيقية تأصيلية) الدكتور يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين الأستاذ المشارك بقسم أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مكتبة الرشد الرياض

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله على كثير فضله وعظيم آلائه، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم رسله وأنبيائه. وبعد: فمنذ سنوات غير قليلة، بل منذ أن أقرت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تدريس موضوع (تخريج الفروع على الأصول) على طلبة الدراسات العليا، وأنا أقوم بتدريس هذه المادة، وحينما بدأت لم يكن هناك منهج محدد، ولا معالم معينة لهذا الموضوع، وقد قمت بالاتصال بجهات عدة، وبذلت جهوداً شخصية لدى عدد من أساتذة الجامعات الإسلامية، وطلبة الدراسات العليا فيها، ممن كان لهم سبق زمني في إقرار تدريس هذه المادة، فلم أظفر من ذلك بطائل، ولا وجدت ما يشفي الغليل، لكني وجدت أنّ منهج الدراسات العليا في جامعة أم القرى، اشتمل على أمرين: الأمر الأول: كان يضم تمهيداً في التعريف بعلم تخريج الفروع على الأصول، وأهميته، ونشأته وتطوره ومصادره والتعريف بها، وعلاقة هذا العلم بعلم الأصول، والفرق بينه وبين علمي الأشباه والنظائر والفروق. كما ضم البحث عن أسباب الاختلاف في الفروع. والأمر الثاني: كان قسماً تطبيقياً يتضمن دراسة عدد من الموضوعات، منها ما هو قواعد مختلف فيها، ومنها ما هي أدلة مختلف فيها. ولم أردت أن أعرف طبيعة ما درس في موضوعات الأمر الأول، لم

أجد هناك مادة مدروسة تحدد العلم، وتبين نطاقه ومشتملاته، ولهذا فقد اتخذت من تصوراتي منطلقاً لبيان أبعاد هذا الموضوع. وكانت هذه التصورات في بداية الأمر، محدودة، تقتصر على تخريج الفروع على الأصول، متخذة من منهج الزنجاني، وتصوراته مثالاً يحتذى، غير أني لاحت عند ممارستي تدريس هذا العلم، والنظر في جوانبه المختلفة، أن نطاق التخريج أوسع من ذلك، وتكشفت لي خلال سنوات التدريس قضايا كثيرة، اضطررت معها إلى تغيير خطتي التدريسية، وإلى تنويع التخريج بحسب نتائجه وأصوله التي استند إليها، فتميزت لديّ ثلاثة أنواع من التخريج، هي: الأول: تخريج الأصول من الفروع، وهو الأساس في تأسيس أصول فقه الأئمة الذين لم يدونوا أصولاً، ولم ينصوا على قواعدهم في الاستنباط، أو نصوا على قسم منها، ولم ينقل عنهم شيء بشأن قسمها الآخر. الثاني: تخريج الفروع على الأصول، وهو النمط الظاهر في كتاب تخريج الفروع على الأصول للزنجاني، وما أشبهه من الكتب التي نحت هذا المنحى. الثالث: تخريج الفروع على الفروع، وهو النوع الذي حظي بعناية الفقهاء والأصوليين أكثر من غيره، سواء كان في الكتب المفردة عن الافتاء، أو في الكتب الأصولية في مباحث الاجتهاد والتقليد، أو في مواضع منثورة من كتب الفقهاء. ولم أجد دراسة نظرية تؤصل علم التخريج، وتبين لنا حدوده ومعالمه، ولكني أشيد بما نشره الزميل د/ عياض بن نامي السلمي في بحثه المنشور في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (¬1)، بعنوان: 0تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من أقوال) ولكنه لم يبحث إلا في النوع الثالث من ¬

_ (¬1) العدد 7 سنة 1413هـ/1992م.

التخريج، مقتصراً على بحث صحة نسبة الأقوال المخرجة إلى الأئمة، دون أن يوضح معالم هذا العلم، ولكنه كان لبنة قيمة في هذا المجال. وقد أدى هذا التصور للتخريج أن أجري طائفة من التغييرات على ما كنت أعده من محاضرات بهذا الشأن، وعدلت فيما كنت أطرحه من آراء، فأصبحت أنظر إلى التخريج على أنه أنواع من العلوم، يشملها جنس واحد هو التخريج. ومن الملاحظ أن الأنواع الثلاثة من التخريج التي ذكرتها آنفاً تمثل نوعين متعاكسين من التخريج، أحدهما يتجه إلى تخريج القواعد والضوابط الكلية من الفروع والجزئيات، وثانيهما يتجه، على العكس من ذلك، إلى تخريج الفروع والجزئيات، إما ببنائها على القواعد الكلية، أو ببنائها على جزئيات مثلها. ولما استقر ذلك عندي، بدا لي أن أضيف إليه أمراً ذا صلة بالتخريج، هو صفات المجتهد وشروط العلماء الذين يقومون به، ومنزلتهم بين طبقات الفقهاء، ومراتب الأقوال التي يخرجونها، وتسميتها وصفاتها. وتحت إلحاح الكثيرين من أخواني الأساتذة والعلماء، ومن أبنائي طلبة الدراسات العليا، رأيت إخراج ما تجمع لدي من معلومات عن هذا العلم، مع ثقتي بأنه في حاجة إلى زيادة تنقيح، وربما إلى إضافة ما يمكن أن يدخل في نطاقه. على أنه مهما يكن من أمر، فقد بذلت جهداً غير قليل في تأصيل هذا العلم، وإقامته على سوقه، وربما كانت هذه أول دراسة تأصيلية نظرية تطبيقية له. ولهذا فإن الباحث في حاجة إلى معرفة وجهات نظر العلماء وملحوظاتهم، من أجل تقويم هذا البحث وتلافي ما فيه من هنات. وقد رتبت هذا البحث على تمهيد وبابين وخاتمة. التمهيد: في تعريف التخريج لغة واصطلاحاً وبيان أنواعه. الباب الأول: في أنواع التخريج، ويشتمل على ثلاثة فصول:-

الفصل الأول: في تخريج الأصول من الفروع. الفصل الثاني: في تخريج الفروع على الأصول. الفصل الثالث: في تخريج الفروع على الفروع. الباب الثاني: ويشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول: في مراتب المخرجين بين طبقات الفقهاء. الفصل الثاني: في شروط وصفات علماء التخريج. الفصل الثالث: في أنواع الأحكام المخرجة وصفاتها. والخاتمة: في ذكر أحكام بعض الوقائع المعاصرة المخرجة على أصول وفروع الأئمة. هذا والله أسأل أن يسدد على طريق الحق خطاي، وأن يلهمني، في ما أذهب إليه، الصواب .. وأن يريني الحق حقاً ويرزقني اتباعه، وأن يريني الباطل باطلاً ويرزقني اجتنابه. وصلى الله على نبينا محمد ...

تمهيد في تعريف التخريج وبيان أنواعه

تمهيد في تعريف التخريج وبيان أنواعه معناه في اللغة: قال ابن فارس: الخاء والراء والجيم أصلان. قال: وقد يمكن الجمع فيهما: فالأول: النفاذ عن الشيء. والثاني: اختلاف لونين (¬1). ويبدو من خلال تتبع معاني المادة في المعاجم أن المعنى الأول هو الأكثر استعمالاً، فالخروج عن الشيء هو النفاذ عنه وتجاوزه، ومنه خراج الأرض وهو غلتها. ويبدو أن هذا المعنى هو الأقرب لما نحن فيه، فالتخريج مصدر للفعل خرج المضعف، وهوي فيد التعدية بأن لا يكون الخروج ذاتياً، بل من خارج عنه، ومثله أخرج الشيء واستخرجه فإنهما بمعنى استنبطه، وطلب إليه أن يخرج (¬2). ويقال أيضاً خرج فلاناً في العلم أو الصناعة دربه وعلمه، والمصدر تخريج (¬3). معناه في الاصطلاح: وقد استعمل لفظ (التخريج) في طائفة من العلوم، فأصبحت ¬

_ (¬1) معجم مقاييس اللغة. (¬2) راجع: لسان العرب، والقاموس المحيط في مادة (خرج) باب الجيم فصل الخاء. (¬3) المعجم الوسيط (مادة خرج) ص 224.

استعمالاته عندهم تعني مصطلحاً خاصاً، كما هو الشأن عند علماء الحديث، وعلماء الفقه والأصول، وسنذكر فيما يأتي معناه عندهم: 1 - معناه عند المحدثين: أطلق المحدثون التخريج على ذكر المؤلف الحديث بإسناده في كتابه (¬1). ومنه قولهم: هذا الحديث خرجه أو أخرجه فلان بمعنى واحد هو ما ذكرناه. وذكر بعضهم أنه عند المحدثين (إيراد الحديث من طريق أو طرق أخر تشهد بصحته، ولابد من موافقتها له لفظاً ومعنى) (¬2). وحده بعضهم بأنه "عزو الحديث إلى مصدره أو مصادره من كتب السنة المشرفة، وتتبع طرقه وأسانيده وحال رجاله وبيان درجته قوة وضعفاً" (¬3). وعلى هذا فالتخريج لا يقتصر على ذكر الأسانيد، بل لابد من بيان أمر رجال الحديث وقوة أسانيده، والحكم عليه قوة وضعفاً، وبيان صحته أو عدمها. ولتخريج الأحاديث طرق متعددة، وفوائد كثيرة، لعل من أهمها جمع الطرق التي جاء الحديث منها، وجمع ألفاظ متن الحديث (¬4). ¬

_ (¬1) قواعد التحديث في فنون مصطلح الحديث ص 219 لمحمد جمال الدين القاسمي. (¬2) القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً ص 114 لسعدي بن أبي حبيب. (¬3) تخريج أحاديث اللمع في أصول الفقه ص 10 لعبد الله بن محمد الصديقي الغماري، نقله عنه صبحي السامرائي في مقدمته لكتاب تخريج أحاديث مختصر المنهاج للحاف العراقي. كما ورد بمقدمة تحقيق كتاب الغماري المذكور. وبهذا المعنى للتخريج عرفه د/ محمود الطحان، فقال في كتابه "أصول التخريج ودراسة الأسانيد" (هو الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصيلة التي أخرجته بسنده، ثم بيان مرتبته عند الحاجة). (¬4) طرق تخريج حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ص 14، للدكتور/ أبو محمد عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي. هذا وللمحدثين طرق متنوعة لتخريج الحديث اشتهر منها خمسة. ولمعرفة ذلك ... =

كما أطلق المحدثون التخريج على الإشارة إلى كتابة الساقط من المتن في الحواشي وهو المسمى اللحق، أو التنبيه على شرح أو غلط أو اختلاف رواية أو نسخة أو غير ذلك (¬1). ولهم في بيان كيفية تخريج السقط ضوابط خاصة. 2 - معناه عند الفقهاء والأصوليين: وإذا تأملنا استعمالات الفقهاء والأصوليين، وجدنا أن مصطلح التخريج يدور في أكثر من نطاق، وأنهم لم يستعملوه بمعنى واحد، وإن كان بين هذه المعاني تقارب وتلاحم، فمن تلك الاستعمالات: ¬

_ (¬1) = ومعرفة الأمثلة والمراجع في هذا المجال، راجع: أصول التخريج ودراسة الأسانيد للدكتور/ محمود الطحان ص 35 - 133، ومفاتيح علوم الحديث وطرق تخريجه لمحمد عثمان الخشت ص 131 - 151. () من المختار عند المحدثين في ذلك (أن يخط من موضع سقوطه من السطر خطا صاعداً إلى فوق ثم يعطفه بين السطرين عطفة يسيرة إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق، ويبدأ في الحاشية بكتابة اللحق مقابلاً للخط المنعطف وليكن ذلك في حاشيته ذات اليمين، وإن كانت تلي وسط الورقة، إن اتسعت له فليكتبه صاعداً إلى أعلى الورقة لا نازلاً به إلى أسفل). لاحظ في ذلك: -التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح ص 211 - 213 لعبد الرحيم بن الحسين العراقي [ت806هـ] بتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان. وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي أيضاً 3/ 29 - 32. تفاصيل كيفية التخريج يميناً وشمالاً وإلى الجهات الأخرى تلاحظ في فتح المغيث هذا. وهناك ضوابط متعددة تتعلق بالكيفيات المتعددة بتعدد موضع اسقط، ومن رأي القاضي عياض أن لا يخرج لغير السقط خط، لئلا يدخل اللبس ويحسب من الأصل. فلذا توضع له علامة أخرى كالتضبيب، ولم يرتض الحافظ العراقي ذلك، ورأى أن تخريج السقط يوضع بين الكلمتين فلا يلتبس بغيره. (راجع: التقييد والإيضاح ص 213).

ما توصلوا إليه من أحكام، في المسائل الفقهية المنقولة عنهم، وذلك من خلال تتبع تلك الفروع الفقهية واستقرائها استقراء شاملاً يجعل المخرج يطمئن إلى ما توصل إليه، فيحكم بنسبة الأصل إلى ذلك الإمام. ب) إطلاق التخريج على رد الخلافات الفقهية إلى القواعد الأصولية، على نمط ما في كتاب (تخريج الفروع على الأصول) للزنجاني، أو التمهيد في تخريج الفروع على الأصول) للأسنوي، أو (القواعد، والفوائد الأصولية والفقهية) لابن اللحام. وهو بهذا المعنى يتصل اتصالاً واضحاً بالجدل وبأسباب اختلاف الفقهاء، إذ هو في حقيقته يتناول واحداً من تلك الأسباب، وهو الاختلاف في القواعد الأصولية، وما ينبني على ذلك الاختلاف من اختلاف في الفروع الفقهية، سواء كانت في إطار مذهب معين، أو في إطار المذاهب المختلفة، وقد يتسع هذا المجال فيشمل من أسباب الاختلاف ما هو خلاف في الضوابط أو بعض القواعد الفقهية، كما هو الشأن في كتاب (تأسيس النظر) المنسوب إلى أبي زيد الدبوسي. وهذا هو ما اصطلح عليه بـ: (تخريج الفروع على الأصول). ج) وقد يكون التخريج - وهذا هو غالب استعمال الفقهاء - بمعنى الاستنباط المقيد، أي بيان رأي الإمام في المسائل الجزئية التي لم يرد عنه فيها نص، عن طريق إلحاقها بما يشبهها من المسائل المروية عنه، أو بإدخالها تحت قاعدة من قواعده، والتخريج بهذا المعنى هو ما تكلم عنه الفقهاء والأصوليون في مباحث الاجتهاد والتقليد، وفي الكتب المتعلقة بأحكام الفتوى. د) وقد يطلقون التخريج بمعنى التعليل، أو توجيه الآراء المنقولة عن الأئمة وبيان مآخذهم فيها، عن طريق استخراج واستنباط العلة وإضافة الحكم إليها (¬1). بحسب اجتهاد المخرج، وهو في حقيقته راجع إلى المعاني ¬

_ (¬1) شرح مختصر الروضة للطوفي 3/ 242 ولاحظ قول الآمدي في الرد على دليل =

السابقة، لأن تلك المعاني لا يتحقق أي منها دون التعليل والتوجيه، ومن هذا القبيل ما يسمى (تخريج المناط). لكن الذي نهتم به من إطلاقات التخريج، هو ما يصلح أن يكون عنواناً لعلم مستقل، نسعى لتأصيله، وبيان مقوماته، ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن التخريج يتنوع إلى الآتي: 1 - تخريج الأصول من الفروع. 2 - تخريج الفروع على الأصول. 3 - تخريج الفروع من الفروع. ونظراً إلى مثل هذا الاختلاف في معنى التخريج عند الفقهاء والأصوليين (¬1)، فإنه من الصعب أن نعطي عن نشأة التخريج بكل هذه المعاني تاريخاً واحداً، أو أن نتحدث عنها بكلام واحد، ولهذا فإننا سنتحدث عن كل منها على انفراد، مبينين ما يتعلق بها نشأة وتاريخاً وأحكاماً. ¬

_ (¬1) = الخصم: (وما ذكروه فقد سبق تخريجه في مسألة تكليف ما لا يطاق) الأحكام 4/ 181، وهو يقصد بذلك تأويله وتوجيهه أو تعليله بما يجعله دليلاً معارضاً لرأيه. ومثل ذلك عنده، كثير. () من الملاحظ أن هناك إطلاقات خاصة لبعض العلماء على التخريج، لم نذكرها في المتن لعدم عمومها بين العلماء. فقد كان ابن الحاجب - رحمه الله - مثلاً يطلق التخريج على ما قابل الاتفاق، وعلى ما قابل المعروف، وعلى ما قابل المنصوص، وفي أحيان كان يسمى التخريج (الاستقراء). (انظر: ص109 و110 من كتاب كشف النقاب الحاجب من مصطلح ابن الحاجب لابن فرحون).

الباب الأول في أنواع التخريج

الباب الأول في أنواع التخريج الفصل الأول: تخريج الأصول من الفروع الفصل الثاني: تخريج الفروع على الأصول الفصل الثالث: تخريج الفروع من الفروع

الفصل الأول تخريج الأصول من الفروع

الفصل الأول تخريج الأصول من الفروع تمهيد في: تعريفه وبيان موضوعه ومباحثه والعلوم التي استمد منها وفائدته المبحث الأول: نشأته وتطوره المبحث الثاني: أمثلة لبعض الأصول المخرجة المبحث الثالث: حكم نسبة الأصول المخرجة إلى الأئمة

تعريفه – وبيان موضوعه ومباحثه والعلوم التي استمد منها وفائدته تعريفه: ذكرنا أن من أنواع التخريج التوصل إلى أصول الأئمة وقواعدهم من خلال استقراء وتتبع الفروع الفقهية المروية عنهم، واكتشاف عللها وما بينها من علاقات وقلنا إنه من الممكن أن نطلق على ذلك (تخريج الأصول من الفروع)، وفي الحق إن التخريج بالمعنى المذكور (¬1) ليس علماً محدداً، ولكن ثمرته هي أصول الفقه وقواعده الكلية، كما أنه ليس علم أصول الفقه نفسه، لأن ثمرة الشيء خارجة عن حقيقته وماهيته، وإذا أردنا أن نضع تعريفاً تقريباً له، قلنا: إنه (العلم الذي يكشف عن أصول وقواعد الأئمة من خلال فروعهم الفقهية وتعليلاتهم للأحكام). فقولنا: (العلم) كالجنس يشمل المعرف وغيره. وقولنا: (الذي يكشف عن أصول ...) قيد أخرج ما ليس كذلك، ¬

_ (¬1) في موسوعة الفقه الإسلامي الصادرة عن جمعية الدراسات الإسلامية بإشراف الشيخ محمد أبو زهرة- رحمه الله – (إن علماء التخريج ومجتهديهم هم الذين يستخلصون القواعد التي كان يلتزمها الأئمة السابقون، ويجمعون الضوابط الفقهية التي تتكون من علل الأقيسة التي استخرجها العلماء) 1/ 59. نقل ذلك محمد هشام الأيوبي في كتابه (الاجتهاد ومقتضيات العصر) ص 133 وكلام الموسوعة يقصر التخريج على أحد أنواعه، وهو تخريج الأصول من الفروع، وسبق أنبينا أنه أعم من ذلك.

كالفقه الذي يكشف عن الأحكام الفرعية العملية، والأصول التي هي القواعد نفسها والتي تعد ثمرة ونتيجة لهذا التخريج. وقولنا: (من خلال تتبع فروعهم ..) قيد ثان أخرج الأصول المصرح بها من قبل الأئمة أنفسهم، لأنها لا تعد أصولاً مخرجة، وإنما هي من المنصوص عليه من قبلهم. موضوعه (¬1): إن بيان موضوع كل علم، يُعد المميز له عن سائر العلوم، كما أن تعيينه وتميزه عن غيره يُعد من الوسائل الهامة التي توضح مجالات العلوم. ويقصدون بموضوع العلم ما يبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتية، كبدن الإنسان لعلم الطب. فإنه يبحث فيه عن أحواله من حيث الصحة والمرض، وكالكلمة لعلم النحو، فنه يبحث فيه عن أحوالها من حيث الإعراب والبناء ... إلخ) (¬2). والعوارض الذاتية هي الخارجة عن الشيء الذي يحمل عليه، وكونها ذاتية يعني أن منشأها الذات (¬3)، بأن كانت تلحق الشيء لذاته أو تلحقه لجزئه، أو تلحقه بواسطة أمر آخر خارج عنه مساوٍ له. وفائدة التقييد يكون الأعراض ذاتية الاحتراز عن الأعراض الغريبة، هي العارضة للشيء لأمر خارج عنه، أعم منه أو أخص منه أو مباين له (¬4). ومعنى البحث عن العوارض الذاتية للموضوع حملها عليه وإثباتها له كقولنا: الكتاب يثبت به الحكم، أو حملها على أنواعه، كقولنا: العام يفيد ¬

_ (¬1) لاحظ في تفصيل معنى (الموضوع) في الاصطلاح كتاب (أصول الفقه – الحد والموضوع والغاية) للمؤلف ص 7. (¬2) تحرير القواعد المنطقية ص 17، 18، المنطق الصوري والرياضي ص6. (¬3) تيسير التحرير 1/ 18، إرشاد الفحول ص 2، التلويح 1/ 22. (¬4) لاحظ أنواع العوارض عند المناطقة في بحثنا: أصول الفقه الحد والموضوع والغاية هامش 4 ص 8.

القطع، أو على أنواع أعراضه الذاتية كقولنا: العام الذي خُص منه البعض يفيد الظن (¬1). ومن خلال هذا البيان لمعنى الموضوع، ومن التعريف السالف لهذا العلم، ندرك أن موضوعه هو نصوص الأئمة المجتهدين، وأفعالهم وتقريراتهم، من حيث دلالتها على المعاني الرابطة فيما بينها، وما يجمعها من علاقات، وعلى الأسباب الباعثة للأئمة على الأخذ بما اخذوا به من آراء. مباحثه ومسائله (¬2): ومباحثه ومسائله هي معرفة الأحوال العارضة لموضوعه هذا، أي البحث في الأحوال العارضة لنصوص وأفعال الأئمة، لأن المباحث والمسائل ذات صلة وثيقة بموضوع العلم نفسه، على ما هو معلوم في مصطلحاتهم. استمداده: والمعين الذي يستمد منه هذا العلم مادته، هو نصوص وأفعال وتقريرات الأئمة، والدراية بعلوم العربية، وبالقرآن الكريم، والحديث الشريف. وبعد نشأة أصول الفقه وتدوينه، أصبح علم الأصول من أفراد ما يستمد منه المخرج مادته أيضاً، بغية معرفة رأي الإمام في أمثال تلك القواعد التي لم يرد عنه نص بشأنها. فائدته وغايته (¬3): ينظر كثير من الباحثين إلى المصالح المترتبة على الشيء باعتبارين: ¬

_ (¬1) التلويح 1/ 22. (¬2) مسائل كل عام هي المطالب التي يبرهن عليها في العلم، ويكون الغرض من ذلك العلم معرفتها (التعريفات ص 225)، كمسائل العبادات، والمعاملات ونحوها للفقه، ومسائل الأمر والنهي والعام والخاص والإجماع والقياس ونحوها لأصول الفقه (البحر المحيط 1/ 73). (¬3) راجع: أصول الفقه الحد والموضوع والغاية. للمؤلف ص 125 - 128.

الاعتبار الأول: من حيث ابتداء التفكير في الشيء وهو المسمى عندهم بالعلة الغائية التي هي الباعث على الفعل وطلبه. والاعتبار الثاني: من حيث النهاية، وهي آخر العمل، أو ثمرة الفعل ونتيجته، وهي المسماة عندهم بالفائدة (¬1). وقد أخذ بهذا التفريق طائفة من العلماء، منهم صديق بن حسن القنوجي (ت 1307هـ) (¬2) في كتابه أبجد العلوم. إذ قال عن علم أصول الفقه أن (الغرض منه تحصيل ملكة استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها الأربعة، أعني الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وفائدته استنباط تلك الأحكام على وجه الصحة) (¬3)، فهو قد فرق بين الغرض أو الباعث على الشيء وبين الفائدة التي هي الثمرة المترتبة عليه. وبناء على هذا التوضيح لمعنى الفائدة والغاية، فإن غاية هذا العلم الأساسية، هي الكشف عن قواعد وأصول الأئمة التي بنوا عليها أحكامهم. وأما فائدته فإنه يلتقي مع أصول الفقه في بعض فوائده المترتبة عليه، كما تتحقق منه فوائد أخر. ¬

_ (¬1) البحر المحيط 1/ 28. والغاية في اصطلاحهم ما لأجله وجود الشيء (التعريفات للجرجاني ص 166). (¬2) هو أبو الطيب محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي. المعروف بصديق حسن خان بهادر القنوجي. نشأ بقنوج وأخذ العلم عن كبار العلماء في الهند، ثم ارتحل إلى دلهي وبهوبال ومنها إلى الحجاز. وحج وأخذ عن علماء اليمن، ثم عاد إلى بهوبال وتزوج بملكة إقليم الدكن، شاه جهان، فحسن حاله مالياً، واستقر في بهوبال حتى توفي سنة 1307هـ. من مؤلفاته: البلغة في أصول الفقه. والإقليد لأدلة الاجتهاد والتقليد، وحصول المأمول من علم الأصول، والروضة الندية شرح الدرر البهية للشوكاني، وأبجد العلوم وهو من أوسع كتبه. راجع في ترجمته: الأعلام 6/ 167، الفتح المبين 3/ 160ن مقدمة أبجد العلوم لعبد الجبار زكار، معجم المطبوعات العربية 2/ 1202. (¬3) أبجد العلوم 2/ 70 و71.

ومن الممكن أن نلحظ بعض هذه الفوائد فيما يأتي: 1 - إن كشف هذا العلم عن قواعد الأئمة يمكن العالم من ترجيح الأقوال واختيار أقواها، عن طريق قوة القاعدة ومتانتها. 2 - إن هذا العلم يساعد على معرفة العلاقات القائمة بين الفروع الفقهية، مما يمكن الباحث في ذلك من التعليل والفهم السليم، وضبط الفروع المروية عن الأئمة بأصولها. 3 - تمكن نتيجته العالم من تخريج المسائل والفروع غير المنصوص عليها، وفق تلك القواعد المخرجة أو أن يجد لها وجهاً أولى. 4 - كما تمكن نتيجته من معرفة أسباب اختلاف الفقهاء. وقد يقال: إن هذا العلم لم تعد له فائدة بعد أن استقر علم أصول الفقه، ودونت قواعده، وعرفت آراء العلماء واختلافاتهم بشأنها. وهو قول لا يخلو من وجاهة، ولكنه لا يمثل الحقيقة كلها، وإنما يمثل جانباً منها. إنما الأمر الذي نفتقده في كتب الأصول، هو نسبة الآراء إلى أصحابها؛ لأن غالب ما يذكر في هذه الكتب هو نسب الآراء إلى المذاهب، دون أن يعين صاحب الرأي بعينه، وهذه الآراء خليط من آراء الإمام نفسه، ومن آراء تلاميذه، ومن آراء المخرجين الذين جاؤوا فيما بعد. كما نفتقد في هذه الكتب السند الذي بنيت عليه القواعد التي لم يرد تصريح من الإمام بشأنها، الأمر الذي لا يساعد على تصحيح نسبة هذه القواعد إلى الإمام، وقد يكشف البحث المستفيض والاستقراء الجيد عن رأي يخالف ما نسب إليه. وفي العلم الذي نحن بصدده إثراء لعلم الأصول بالأمثلة الجزئية وتعزيز له بالجوانب التطبيقية العملية.

المبحث الأول نشأته وتطوره

المبحث الأول نشأته وتطوره يبدو أن التخريج بالمعنى السابق ظهر حين نشأة المذاهب، وبروز ظاهرة الاتباع ثم التقليد، فمنذ ظهرت رسالة الإمام الشافعي - رحمه الله - (ت: 204هـ) (¬1) أصبح البحث عن الأدلة والقواعد الأصولية يؤرق تلاميذ المذاهب الأخرى، سعياً على الكشف عما عند أئمتهم من قواعد في استنباطاتهم الفقهية، وإلى إبراز المبررات التي دعتهم إلى مخالفة غيرهم في أحكامهم وتدوين ذلك في رسائل أو كتب، كانت نواة التأليف الأصولي في المذاهب المختلفة. على أننا ننبه إلى أن تخريج أصول وقواعد المذاهب لم يتزامن مع أصول وقواعد الأئمة المجتهدين نفسها، لأن القواعد المذكورة لابد أن ¬

_ (¬1) هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي المطلبي، أحد أئمة المذاهب الإسلامية السنية الأربعة، ولد بغزة في فلسطين، على ما هو الصحيح والمشهور من الآراء، سنة 150هـ وحمل إلى مكة وعمره سنتان. فنشأ فيها وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وموطأ مالك وهو ابن عشر، وتفقه على مسلم بن خالد الزنجي فقيه مكة. لازم الإمام مالكاً، ثم قدم بغداد مرتين، وحدث بها، واجتمع إليه علماؤها وأخذوا عنه، ثم خرج إلى مصر، وأقام فيها حتى اختاره الله إلى جواره سنة 204هـ، ودفن في مقابرها. من آثاره: الرسالة في الأصول، واختلاف الحديث، والمبسوط في الفقه برواية الربيع بن سليمان والزعفراني، وأحكام القرآن، والأم. راجع في ترجمته: وفيات العيان 3/ 305، معجم الأدباء 17/ 281، طبقات الشافعية للأسنوي 1/ 11، شذرات الذهب 2/ 9 - 10، الفتح المبين 1/ 127 وما بعدها، معجم المؤلفين 9/ 32 وسائر الكتب الخاصة المؤلفة في ترجمته.

تكون أقدم من الفروع الفقهية؛ إذ من المستبعد أن نتصور أن الأئمة قد اجتهدوا دون أن تكون معالم طريقهم واضحة لهمن وعرفوا ما يستدل وما لا يستدل به، وما هي المناهج الاستنباطية المعتد بها. غير أنه لما لم يرد عن أغلبهم التصريح بأصولهم التي اعتدوا بها عند الاجتهاد- كما هو الشأن في رسالة الإمام الشافعي – قام التلاميذ والأتباع باستنباط تلك الأصول من الفروع. وقد كانت تلك الأصول في البداية متناثرة، ولم يقم بها شخص واحد، بل كانت جهود علماء كثيرين. وبعد ذلك انتظمت في كتب أصولية مذهبية، متدرجة في التنظيم والتنسيق والترتيب بحسب التدرج الزمني. إن هذا المنهج الاستقرائي هو الظاهرة الطبيعية في نشأة كثير من العلوم، سواء كانت في اللغة أو غيرها، وهو الطريق السليم إلى اكتشاف الروابط والأسس بين قضايا العلوم المتناثرة والجزئية. ويرى كثير من الباحثين أن أصول الفقه الحنفي قامت على هذا الأساس (¬1). بل إن طائفة من أصول بعض الأئمة كانت كذلك (¬2). قال الدهلوي (¬3): (واعلم أني وجدت أكثرهم يزعمون أن بناء الخلاف بين أبي ¬

_ (¬1) تاريخ التشريع الإسلامي للخضري ص 330. الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد بن الحسن الحجوي 1/ 354، مقدمة ابن خلدون ص 816. (¬2) الفكر الاسمي 1/ 355. (¬3) هو: أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي الدهلوي من مدينة دلهي الهندية الملقب شاء ولي الله. من علماء الهند البارزين خلال القرن الثاني عشر الهجري. كان حنفي المذهب، مطلعاً مساهماً في كثير من العلوم، توفي سنة 1176هـ. من مؤلفاته: حجة الله البالغة، والإنصاف في أسباب الخلاف، وعقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد، وتأويل الأحاديث، وإزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء. راجع في ترجمته: أبجد العلوم 3/ 241ن والأعلام للزركلي 1/ 149ن وكتاب آراء الإمام ولي الله الدهلوي في تاريخ التشريع الإسلامي لسلمان الندوي.

حنيفة (¬1) والشافعي- رحمهما الله- على هذه الأصول المذكورة في كتاب اليزدوي (¬2)، ونحوه، وغنما الحق أن أكثرها مخرجة على قولهم. وعندي أن المسالة القائلة بأن الخاص مبين ولا يلحقه البيان، وأن الزيادة نسخ وأن العام قطعي كالخاص، وأن لا ترجيح بكثرة الرواة، وأنه لا يجب العمل بحديث غير الفقيه، إذا انسد باب الرأي، وأن لا عبرة، بمفهوم الشرط أو الوصف أصلاً، وأن موجب الأمر هو الوجوب ألبتة، وأمثال ذلك أصول مخرجة على كلام الأئمة، وأنه لا تصح رواية عن أبي حنيفة وصاحبيه) (¬3). وفي أصول السرخسي (¬4) ما يشهد لذلك، فقد ذكر عن محمد – رحمه ¬

_ (¬1) أبو حنيفة: هو النعمان بن ثابت الكوفي التيمي بالولاء، أحد أئمة المذاهب الفقهية السنية الأربعة. ولد في الكوفة سنة 80هـ، ونشأ فيها وتلقى علمه على حمد بن أبي سليمان. أراده عمر بن هبيرة على القضاء في الكوفة فامتنع وأراده المنصور العباسين بعد ذلك على القضاء ببغداد فلم يوافق، فحبس وكانت وفاته ببغداد سنة 150هـ. من آثاره: الفقه الأكبر في الكلام، والمسند في الحديث، والرد على القدرية والمخارج في الفقه. راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص 86، الفهرست ص 284، أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص1 - 141، شذرات الذهب 1/ 277، الفتح المبين 1/ 101، وما بعدها معجم المؤلفين 13/ 104، وغير ذلك ومنها الكتب الخاصة للترجمة لأبي حنيفة. (¬2) هو: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم بن الحسين البزدوي المعروف بفخر الإسلام، من كبار فقهاء الحنفية وأصولييهم ومحدثيهم ومفسريهم بما وراء النهر. سكن سمرقند وفيها توفي سنة (482هـ). والبزدوي نسبة إلى بزدة وهي قلعة قريبة من نسف. من مؤلفاته: المبسوط وشرح الجامع الكبير في فروع الفقه الحنفي، وشرح الجامع الصحيح، وكنز الوصول إلى معرفة الأصول في أصول الفقه. راجع ترجمته في: الجواهر المضيئة 2/ 594، مفتاح السادة 2/ 53، هدية العارفين 1/ 693، الأعلام 4/ 328 ومعجم المؤلفين 7/ 192. (¬3) الإنصاف في بيان أسباب الخلاف ص 88 و89، والحجة البالغة 1/ 160 لولي الله الدهلوي نفسه. (¬4) هو: أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي الملقب بشمس الأئمة، متكلم ... =

الله- وقد سأله بعضهم: أسمعت هذا كله من أبي حنيفة؟ فقال: لا. فقال أسمعت من أبي يوسف (¬1) فقال: لا. وإنما أخذنا ذلك مذاكرة (¬2). ومثل ذلك يمكن أن يقال عن أصول الإمام مالك – رحمه الله- (¬3) فما ¬

_ (¬1) = وفقيه وأصولي ومناظر. ويعد في طبقة المجتهدين في المسائل في الفقه عند الحنفية. تخرج بعلماء مشهورين من أبرزهم شمس الأئمة الحلواني. توفي سنة 490هـ. وقيل سنة 483هـ. من مؤلفاته: كتاب في أصول الفقه طبع باسم أصول السرخسي، وله أيضاً المبسوط في الفروع، وهو شرح للجامع الصغير، والمحيط في الفروع. راجع في ترجمته: الجواهر المضيئة 3/ 78، مفتاح السعادة 2/ 54، هدية العارفين 2/ 76، معجم المؤلفين 8/ 239، الفتح المبين 1/ 264، ومعجم المطبوعات العربية والمعربة لسركيس 1016. () هو: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي صاحب الإمام أبي حنيفة. من الفقهاء والأصوليين المجتهدين، وإلى جانب ذلك فهو محدث وحافظ وعالم بالتفسير والمغازي وأيام العرب. تفقه على الإمام أبي حنيفة، وروى عنه محمد بن الحسن وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين. تولى القضاء لثلاثة من خلفاء بني العباس، هم: المهدي، والهادي، والرشيد ودعي بقاضي القضاة: توفي في بغداد سنة 182هـ. من آثاره: كتاب الخراج، وأدب القاضي، واختلاف الأمصار وكتاب البيوع وغيرها, راجع في ترجمته: الجواهر المضيئة 3/ 611، والفهرست ص 286، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 134، وأخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص 90، والفتح المبين 1/ 108، ومعجم المؤلفين 13/ 240. (¬2) أصول السرخسي 1م378 و379. (¬3) مالك: هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني. ولد بالمدينة سنة 93هـ وقيل 95هـ وأخذ العلم عن ربيعة بن عبد الرحمن، فقيه أهل المدينة، واحد أئمة المذاهب الفقهية السنية الأربعة. توفي في المدينة سنة 179هـ، ودفن في البقيع. من آثاره: الموطأ، والمدونة الكبرى وهي تمثل فتاواه، وآراءه برواية تلاميذه. راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص 68، والفهرست ص 280، وفيات ... =

في كتب المالكية من أصول منسوبة إلى هذا الإمام ليست كلها مما صرح به، بل إن منها مما خرج من مسائله الفقهية. وهكذا القول عن الإمام أحمد – رحمه الله- (¬1) فإنه لم يدون أصولاً، وإنما جمعت أصوله مما صرح به، ومن فتاواه الفقهية وتفاسيره لبعض آي القرآن وأحاديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – وغير ذلك. ¬

_ (¬1) = الأعيان 3/ 284، الديباج المذهب ص 17 - 30، الفتح المبين 1/ 112، معجم المؤلفين 8/ 168، شذرات الذهب 1/ 289، الأعلام 5/ 257، وسائر الكتب المؤلفة في حياة وسيرة الإمام مالك خاصة. () أحمد: هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي البغدادي، أحد أئمة المذاهب الفقهية السنية الأربعة. ولد في بغداد، ونشأ فيها وتلقى علمه على مشايخها في الفقه والحديث وسائر العلوم. تنقل في بلدان كثيرة والتقى فيها العلماء، ضُرب وعذب بسبب صلابة موقفه في وجه المعتزلة المثيرين لفتنة القول بخلق القرآن كان إلى جانب علمه ورعاً زاهداً. قال الشافعي: خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد من ابن حنبل. توفي – رحمه الله- سنة 241هـ. من آثاره: المسند في الحديث، والناسخ والمنسوخ، وكتاب الزهد، والجرح والتعديل وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/ 4 - 21، المنهج الأحمد 1/ 51 - 109، شذرات الذهب 2/ 96، الفتح المبين 1/ 149، معجم المؤلفين 2/ 96، وسائر الكتب المؤلفة في ترجمته خاصة.

المبحث الثاني أمثلة لبعض الأصول المخرجة

المبحث الثاني أمثلة لبعض الأصول المخرجة ومما يمثل تخريجات العلماء أصولاً للأئمة نكتفي بذكر عدد محدود منها لغرض توضيح هذا المنهج، وبيان طرائق العلماء فيه. فمن ذلك: 1 - إن مقتضى الأمر الذي لم يقيد، لمي رد فيه عن مالك- رحمه الله- ما يفيد أنه للفور أو التراخي نصاً، أو صراحة، ولكن العلماء خرجوا له قولاً هو أنه للفور. قال ابن القصار (ت: 398هـ) (¬1): (ليس عن مالك - رحمه الله- في ذلك نص، ولكن مهبه يدل على أنها على الفور؛ لأن الحج عنده على الفور، ولم يكن ذلك كذلك إلا لأن الأمر اقتضاه) (¬2). ونقل عن القاضي عبد الوهاب (ت 422هـ) (¬3) أنه ذكر في الملخص أن ¬

_ (¬1) هو: علي بن أحمد البغدادي القاضي أبو الحسن المعروف بابن القصار. تفقه بالأبهري، وولي قضاء بغداد. كان أصولياً نظاراً. قال بعض علماء زمانه هو أفقه من رأيت من المالكين. كان ثقة ولكنه قليل الحديث. توفي سنة 398هـ. من مؤلفاته: عيون الأدلة، وإيضاح الملة في الخلافيات. راجع في ترجمته: الديباج المذهب ص 199، معجم المؤلفين 7/ 12. (¬2) مقدمة ابن القصار ورقة 6/أ، نسخة الاسكوريال. (¬3) عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي. ولد ببغداد ونشأ فيها، وتلقى قدراً من علومه عن الأبهري وابن القصار وابن الجلاب وغيرهم. كان فقيهاً وأصولياً وأدبياً وشاعراً. رحل إلى الشام والتقى فيها بالشاعر أبي العلاء المعري الذي رحب به استضافه، ثم رحل إلى مصر وبقي فيها إلى أن مات سنة 422هـ. وقد تولى القضاء في منطق متعددة. من مؤلفاته: الإفادة، والتلخيص، والإشراف على مسائل الخلاف، والتلقين في فقه ... =

دلالة الأمر على الفور أخذها المالكية من قول مالك بتعجيل الحج، ومنعه من تفريق الوضوء، ومن مسائل أخر (¬1). 2 - إن بعض العلماء خرجوا لمحمد بن الحسن (ت 189هـ) (¬2) قولاً يفيد أن الأمر على التراخي. وبنوا ذلك على قوله في الجامع: لو نذر أن يعتكف شهراً له أن يعتكف أي شهر شاء، ولو نذر أن يصوم شهراً. له أني صوم أي شهر شاء، وأنه لا يصير مفرطاً بتأخير أداء الزكاة وصدقة الفطر والعشر (¬3). 3 - وأن علماء الحنابلة خرجوا للإمام أحمد – رحمه الله –رأيين في المسألة السابقة: أحدهما: أنه على الفور، وعد الظاهر من كلام الإمام، بناء على قوله بوجوب الحج على الفور. وآخرهما: أنه على التراخي، وقد كان ذلك إيماء منه في رواية ¬

_ (¬1) = مالك وشرح المدونة. راجع في ترجمة: وفيات الأعيان 2/ 487، والديباج المذهب 159، وشذرات الذهب 3/ 323، والفتح المبين 1/ 230، ومعجم المؤلفين 6/ 226. () رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للرجراجي 0القسم الأول 2/ 984) تحقيق: أحمد بن محمد السراح (آلة كاتبة). (¬2) هو: أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صاحب الإمام أبي حنيفة ومدون المذهب. صحب أبا حنيفة، وأخذ عنه الفقه ثم عن أبي يوسف. والتقى الإمام الشافعي في بغداد وناظره كان مقدماً في الفقه والعربية والحساب. وتميز بالفطنة والذكاء. ولي القضاء بالرقة ثم بالري في عهد الخليفة هارون الرشيد. وكانت وفاته بالري سنة 189هـ، وقيل سنة 187هـ, من مؤلفاته: كتب ظاهر الرواية المعتمدة في المذهب الحنفي، وهي الجامع الكبير، والجامع الصغير، والسير الكبير، والمبسوط، والزيادات وله كتب كثيرة غيرها. راجع في ترجمته: الجواهر المضية 3/ 122، أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص 120 - 130، وفيات الأعيان 3/ 324، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 145، الفتح المبين 1/ 110، الفهرست ص 287، معجم المؤلفين 9/ 207. (¬3) أصول الشاشي ص 131، أصول السرخسي 1/ 26.

الأثرم (¬1). فقد سئل عن قضاء رمضان يفرق؟ فقال نعم، قال الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة/184). قال: أبو يعلي (ت 458هـ) (¬2): (فظاهر هذا أنه لم يحمل الأمر على الفور لأنه لو حمله على الفور، منع التفريق) (¬3). 4 - وأن قول الحنفية إن دلالة العام قطعية، وأنه يقع بينه وبين الخاص التعارض قد خرجوه من طائفة من المسائل المروية عن أئمتهم. قال السرخسي (ت: 490هـ): (فعلى هذا دلت مسائل علمائنا – رحمهم الله – قال محمد- رحمه الله- في الزيادات: إذا أوصى بخاتم لرجل ثم ¬

_ (¬1) الأثرم: هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الطائي الأثرم الإسكافي. من أصحاب الإمام أحمد – رحمه الله- سمع الحديث من أحمد وحرمي بن حفص. وعفان بن مسلم، وأبي بكر بن شيبة وغيرهم. كان عالماً بالحديث حافظاً له عارفاً بالعلوم والأبواب والسنن. وقد نقل عن أحمد مسائل كثيرة، فصنفها ورتبها أبواباً. روى عنه طائفة من العلماء منهم موسى بن هرون، ومحمد بن جعفر، وعمرو بن محمد الجوهري وغيرهم. قال عنه الخطيب البغدادي نه من الأذكياء. توفي بعد سنة 260هـ. من مصنفاته: العلل والسنن. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/ 66 - 74، تاريخ بغداد 5/ 110 - 112، المنهج الأحمد للعليمي 1/ 218 - 220. (¬2) هو: أبو يعلي محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء البغدادي الحنبلي. ولد في بغداد، ونشأ فيها، وتفقه على أبي عبد الله بن حامد وغيره. ولاه القائم قضاء دار الخلافة والحريم وحران وحلوان، فاشترط لتولية ذلك أن لا يخرج في الاستقبالات ولا يقصد دار السلطان، فقبل القائم شرطه. وقد كان أبو يعلي عالم عصره في الأصول والفروع وأنواع الفنون، وإماماً لا يشق له غبار سمع الحديث الكثير، وحدث وأفتى ودرس، فتخرج به عدد من العلماء، كان ذا مكانة عند القادر والقائم العباسيين. وقد توفي في بغداد عام 458ـ، ودفن بمقبرة باب حرب. من مؤلفاته: العدة والكفاية في أصول الفقه، والمجرد في الفقه على مذهب الإمام أحمد، وردود على بعض الفرق، والأحكام السلطانية وغيرها. راجع في ترجمته طبقات الحنابلة 2/ 193، شذرات الذهب 3/ 306، المنهج الحمد 2/ 128، الأعلام 6/ 99، معجم المؤلفين 9/ 245. (¬3) العدة 1/ 281 - 283، التمهيد لأبي الخطاب 1/ 215 و216.

أوصى بفصه لآخر بعد ذلك، في كلام مقطوع، فالحلقة للموصى له بالخاتم، والفص بينهما نصفان، لأن الإيجاب الثاني في عين ما أوجبه للأول، لا يكون رجوعاً عن الأول، فيجتمع في الفص وصيتان أحداهما بإيجاب عام، والأخرى بإيجاب خاص. ثم إذا ثبت المساواة بينهما في الحكم يجعل الفص بينهما نصفين) (¬1). ثم نقل عنه في المضاربة قوله: (إذا اختلف المضارب ورب المال في العموم والخصوص فالقول قول من يدعي العموم أيهما كان). قال السرخسي: (فلولا المساواة بين الخاص والعام حكماً فيما يتناوله لم يصر إلى الترجيح بمقتضى العقد) (¬2). وعزز السرخسي ذلك الاستدلال بقول محمد – رحمه الله – بشأن اختلاف المضارب ورب المال: (وإذا أقاما جميعاً البينة وأرخ كل منهما، آخرهما تاريخاً أولى، سواء كان مبيناً للعموم أو الخصوص) فقال: فقد جعل العام المتأخر رافعاً للخاص المتقدم، كما جعل الخاص المتأخر مخصصاً للعام المتقدم، ولا يكون ذلك إلا بعد المساواة). 5 - وإن ترجيح العام على الخاص في العمل به، وإثبات التعارض بينه وبين الخاص خرجوه رأياً لأبي حنيفة – رحمه الله – من ترجيحه قوله- صلى الله عليه وسلم -: (من حفر بئراً فله مما حولها أربعون ذراعاً) (¬3). العام بصيغته على الخاص الوارد بشأن بئر الناضح، وتحديده ذلك بأنه ستون ذراعاً (¬4). وترجيحه قوله – صلى الله عليه وسلم -: (ما أخرجت الأرض ففيه العشر) (¬5) العام ¬

_ (¬1) أصول السرخسي 1/ 132 و133، كشف الأسرار للبخاري 1/ 590 - 592. (¬2) المصدران السابقان. (¬3) روي ابن ماجة من حديث عبد الله بن مغفل (من احتفر بئراً فله أربعون ذراعاً لطعن ماشيته)، وفي سنده إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف. وقد أخرجه الطبراني من طريق أشعث عن الحسن. وأحمد عن أبي هريرة. تلخيص الحبير 3/ 63 في كلامه عن الحديث المرقم 1297. (¬4) لاحظ مسألة البئر في: فتح القدير 8/ 140، رد المحتار 6/ 434. (¬5) حديث (ما أخرجت الأرض ففيه العشر) أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر بلفظ (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)، =

بصيغته، على الخاص الوارد بقوله- صلى الله عليه وسلم -: (ليس في الخضروات صدقة (¬1). ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) (¬2) ومن قوله بنسخ الخاص بالعام، فإنه – رحمه الله – في شأن بول ما يؤكل لحمه، قال بنجاسته، وجعل الحديث الخاص الوارد بشأن العرنيين (¬3)، منسوخاً بالعام وهو قوله- صلى الله عليه وسلم- (استنزهوا عن البول فن عامة عذاب القبر منه) (¬4). 6 - وإن القول بنفي المفهوم المخالف خرجه علماء الحنفية لأئمتهم من طائفة من الحكام الفرعية المنقولة عن هؤلاء الأئمة، ومن ذلك أن أبا يوسف قال: إن قوله تعالى: {وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} (¬5) لا دلالة فيه على أن اللاتي لم يهاجرن معه محرمات عليه. ¬

_ (¬1) = وقد رواه كثيرون منهم مسلم وابن حبان والنسائي وابن الجارود. ولكن قال أبو زرعة الصحيح وقفه على ابن عمر. انظر: تلخيص الحبير 2/ 169، نيل الأوطار 4/ 139 و140، وفتح القدير 2/ 3. () نقل ابن حجر في تلخيص الحبير عن الترمذي بشأن الخضروات أنه ليس يصح فيها شيء عن النبي – صلى الله عليه وسلم- وإنما يروى ذلك مرسلاً عن موسى بن طلحة. وتوجد روايات أخر لحديث: (ليس في الخضروات صدقة) ولكن وقع إنكار وتضعيف لمن قال فيها بالرفع. تلخيص الحبير 2/ 165. (¬2) حديث (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة) متفق عليه منحديث أبي سعيد. وفي لفظ مسلم (ليس في حب ولا ثمر صدقة، حتى تبلغ خمسة أوسق). وفي رواية النسائي: (لا صدقة فيما دون خمسة أوساق من التمر) لاحظ تفاصيل ذلك في: تلخيص الحبير 2/ 168 و169. (¬3) قصة العرنيين الذين أمرهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يشربوا من ألبان وأبوال الإبل جاءت في الصحيحين عن أنس – رضي الله عنه – فانظر القصة وسائر الروايات في نيل الأوطار 1/ 48 و49. (¬4) (حديث استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه) رواه الدارقطني من حديث أبي هريرة، وفي لفظ له وللحاكم وأحمد وابن ماجة (أكثر عذاب القبر من البول) وأعله أبو حاتم، فقال إن رفعه باطل ولكن نقل عن الحسن أن رجاله ثقات وفي هذا الحديث روايات أخر. تلخيص الحبير 1/ 106. (¬5) سورة الأحزاب: آية/50.

ومثل ذلك ما حكاه أبو الحسن الكرخي (¬1) عن أبي يوسف أيضاً أنه قال في قوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} (¬2): أنه لا دلالة فيه على أنها إذا لم تشهد لا يدرأ عنها العذاب (¬3). بل ذكروا عن محمد – رحمه الله – تخريجاً، أنه لا حجة فيه حتى في كلام الناس. أخذوه من قوله في السير الكبير (إذا حاصر المسلمون حصناً من حصون المشركين، فقال رجل من أهل الحصن أمنوني على أن أنزل غليكم على أن أدلكم على مائة رأس من السبي في قرية (كذا)، فأمنه المسلمون على ذلك فنزل فلم يخبر بشيء فنه يرد إلى مأمنه، لأنه لم يقل إن لم أدلكم فلا أمان لي) (¬4). قال الجصاص (¬5): (وهذا يدل من مذهبه دلالة واضحة على أن التخصيص ¬

_ (¬1) هو: أبو الحسن عبيد الله بن الحسين بن دلال الكرخي الحنفي. انتهت إليه رياسة العلم في أصحاب أبي حنيفة. درس في بغداد وتفقه عليه كثيرون. وكانت له اختيارات في الأصول، وعده ابن كمال باشا في طبقة المجتهدين في المسائل. كان كثير الصوم والصلاة صبوراً على الفقر. أصيب آخر عمره بالفالج، وكانت وفاته ببغداد سنة 340هز من مؤلفاته: شرح الجامع الكبير وشرح الجامع الصغير في فروع الفقه الحنفي، ومسألة في الأشربة وتحليل نبيذ التمر، ورسالة في أصول الفقه. راجع في ترجمته: الجواهر المضية 2/ 493، والفهرست لابن النديم ص 293 وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 124، وشذرات الذهب 2م358، والفتح المبين 1/ 186، ومعجم المؤلفين 6/ 239، والأعلام 4/ 193، وتاج التراجم ص 39. (¬2) سورة النور: آية/8. (¬3) الفصول في الأصول لأبي بكر الرازي الجصاص 1/ 291 و292. (¬4) المصدر السابق: 1/ 292. (¬5) هو: أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي المعروف بالجصاص. من الفقهاء المجتهدين. ورد إلى بغداد شاباً. ودرس وجمع وتفقه على أبي الحسن الكرخي، وأبي سهل الزجاجي، وتخرج به المتفقهة، وكان على جانب كبير من الزهد والورع. توفى في بغداد سنة 370هـ. من مؤلفاته: الفصول في الأصول، وشرح الجامع الكبير لمحمد بن الحسن وشرح مختصر الطحاوي، وأحكام القرآن وغيرها. راجع ترجمته في: الفهرست ص 293، والجواهر المضيئة 1/ 220ن ومفتاح السعادة 2/ 52، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 144، والأعلام 1/ 171، ومعجم المؤلفين 2/ 7.

بالذكر أو التعليق بالشرط لا يدل على أن ما عداه فحكمه بخلافه) (¬1). 7 - وأن قول الحنفية بأنه لا يجوز أن يراد من اللفظ الواحد في حالة واحدة حقيقته ومجازه، وأن الحقيقة والمجاز لا يجتمعان، أخذوه تخريجاً من طائفة من الفروع الفقهية أيضاً. منها قول علمائهم أنه لما أريد من آية الملامسة (أو لامستم النساء) الوقاع سقط اعتبار إرادة المس باليد وقول محمد بن الحسن: أنه إذا أوصى لمواليه وله موال أعتقهم ولمواليه موال أعتقوهم كانت الوصية لمواليه دون موالي مواليه. وقوله في السير الكبير: لو استأمن أهل الحرب على آبائهم لا تدخل الأجداد في الأمان ولو استأمنوا على أمهاتهم لا يثبت الأمان في حق الجدات ... وإذا أوصى لأبكار بني فلان، لا تدخل المصابة بالفجور في حكم الوصية .. وقول علمائهم أنه لو أوصى لبني فلان وله بنون وبنو بنيه، كانت الوصية لبنيه دون بني بنيه. وقولهم: لو حلف لا ينكح فلانة، وهي أجنبية، كان ذلك على العقد، حتى لو زنا بها لا يحنث (¬2). 8 - إن نسبة اشتراط انقراض العصر للاحتجاج بالإجماع إلى الإمام أحمد – رحمه الله- خرجوه من ظاهر كلامه في رواية عبد الله (الحجة على من زعم أنه إذا كان أمراً مجمعاً، ثم افترقوا، أن نقف على ما أجمعوا عليه، أن أم الولد كان حكمها حكماً للأمة بإجماع، ثم أعتقهن عمر، وخالفه عليّ بعد موته، وحد الخمر ضرب أبو بكر أربعين، وعمر خالفه فزاد أربعين، ثم ضرب عليّ أربعين) فظاهر هذا الكلام اعتداده – رحمه الله – بالمخالفة، خلاف عليّ بعد عمر في أم الولد، وخلاف عمر بعد أبي بكر في حد الخمر. وهذا هو سند تخريجهم رأياً له باشتراط انقراض العصر (¬3). ¬

_ (¬1) الفصول في الأصول 1/ 292. (¬2) أصول الشاشي ص 46. (¬3) العدة 4/ 1095 وما بعدها. والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 346.

المبحث الثالث حكم نسبة الأصول المخرجة إلى الأئمة

المبحث الثالث حكم نسبة الأصول المخرجة إلى الأئمة ذكرنا في المبحث السابق أن كثيراً من أصول الأئمة لم ينص عليها من قبلهم وإنما هي مخرجة من فروعهم الفقهية، اجتهاداً من أهل التخريج، بناء على فهمهم لنصوص الأئمة وإدراكهم لعللها، والمعاني الرابطة بينها عند تعددها، وإذا كان الأمر كذلك فإن احتمالات الخطأ في تخريج القواعد والأصول أمر ممكن، ولا يمكن القطع بنسبتها إليهم - لا سيما إذا كانت مبنية على فروع جزئية محدودة، أو باستقراء جزئي مبتور. وهذا الأمر - كما يظهر- هو الذي دعا بعض العلماء إلى إنكار مثل هذه التخريجات، على تفاوت بينهم في ذلك، فابن برهان (ت 518هـ) (¬1) ينكر ذلك جملة وتفصيلاً، فقد قال في مسألة اقتضاء الأمر الفورية أو عدمها، وما نسب من آراء بشأنها على أبي حنيفة والشافعي - رحمهما الله-: (وهذا خطأ ¬

_ (¬1) هو: أبو الفتح أحمد بن علي بن محمد الوكيل المروف بابن برهان الحنبلي ثم الشافعي. ولد ببغداد وفيها نشأ وتلقى علومه على مشاهير علماء زمانه، كأبي حامد الغزالي وأبي بكر الشاشي، وألكيا أبي الحسن الهراسي. كان حاد الذكاء سريع الحفظ، غلب عليه علم الأصول، وكان يُضرب به المثل في حل الإشكال. درس بالنظامية شهراً واحداً وعزلن ثم تولى ذلك ثانياً يوماً واحداً وعزل أيضاً. وكانت وفاته ببغداد سنة 518هـ وقيل غير ذلك. من مؤلفاته: الوصول على الأصول، والبسيط، والأوسط في علم الأصول أيضاً، وله الوجيز في الفقه. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 82، طبقات الشافعية للأسنوي 1/ 208، الأعلام 1/ 173 الفتح المبين 2/ 15.

في نقل المذاهب، فإن الفروع تبني على الأصول. ولا تبنى الأصول على الفروع. فلعل صاحب المقالة لم يبن فروع مسائله على هذا الأصل، ولكن بناها على أدلة خاصة، وهو أصل يعتمد عليه في كثير من المسائل) (¬1). وربما كان ما ذكره ابن برهان من احتمال الخطأ، هو الدافع لكثير من العلماء على جعل التخريج على أصول وقواعد الإمام، يأتي بعد مرتبة التخريج من الفروع الفقهية المنصوص عليها من قبله (¬2). ومن خلال ما خرج للأئمة من أصول نجد أن العلماء قد اختلفوا في صحة تخريج عدد منها. وسنكتفي بذكر بعض الأمثلة، لإيضاح ذلك وليس للحصر. 1 - ذكر أبو بكر الرازي (ت 370هـ) أن ما روي عن أبي حنيفة – رحمه الله- من تجويزه قضاء القاضي ببيع أمهات الأولاد، يتخرج من ظاهره أن أبا حنيفة يرى الإجماع على أحد الرأيين في العصر التالي ليس بإجماع صحيح ولا يحتج به. لكن أبا الحسن الكرخي (ت 340هـ) كان يرى أن افتاء أبي حنيفة بذلك لا يلزم منه هذا الأصل المخرج، إذ من الجائز أن يكون مذهبه أنه إجماع صحيح. وإن لم يفسخ قضاء القاضي إذا قضى بخلافه. وقد كان الكرخي يوجه رفضه لمثل هذا التخريج توجيهاً خاصاً لم نعلمه لأنه ذهب حفظه عن تلميذه الجصاص فلم ينقله (¬3) ولكنه – مع ذلك – يكشف لنا أن ما ذكره ابن برهان لا يخلو من وجاهة، وأن تخريج الأصول بمثل هذا الطريق ليس سبيلاً مؤكداً، وأنه ربما كان طريقاً على الخطأ. 2 - وذكر القاضي أبو يعلي (ت 458هـ) تخريج أصل للإمام أحمد – رحمه الله – مفاده أن الأصل في الأعيان المنتفع بها قبل الشرع الإباحة، أخذاً ¬

_ (¬1) الوصول إلى الأصول 1/ 150، فواتح الرحموت 1/ 387. (¬2) أدب المفتي والمستفتي ص 97. (¬3) الفصول 3/ 340.

من إيماء أحمد في رواية أبي طالب (¬1)، وقد سأله عن قطع النخل؟ فقال: لا بأس به لم نسمع في قطع النخل، شيئاً. والحجة في ذلك أن الإمام أحمد أسند الإباحة في قطع النخل، لعدم ورود الشرع بحظره (¬2). فتعقب ابن تيمية (¬3) هذا التخريج من هذه الرواية، وبين أن قول الإمام أحمد بعدم البأس لا يعني أخذه بما ذكر. فقد يكون ذلك مأخوذاً من العمومات الشرعية، ويجوز أن يكون مما سكت عنه الشرع فيكون عفواً، ويجوز أن يكون استصحاباً لعدم التحريم، ويجوز أن يكون ذلك راجعاً إلى أن الأصل هو الإباحة العقلية. ثم إن ما جاء في الرواية عن أحمد رحمه الله من إباحة القطع هو من الأحكام المتعلقة بالأفعال، لا المتعلقة بالأعيان (¬4). 3 - ومن هذا القبيل اختلاف علماء الحنفية في مسألة مخاطبة الكفار بالشرائع ¬

_ (¬1) هو: أحمد بن حميد أبو طالب المشكاني. صحب الإمام أحمد، وروي عنه مسائل كثيرة. وكان أحمد – رحمه الله- يكرمه ويقدمه كان صالحاً فقيراً صبوراً على الفقر. توفى سنة 244هـ. انظر: طبقات الحنابلة 1/ 39. (¬2) التمهيد لأبي الخطاب 4/ 270، والقواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص 107 و108، والمسودة لابن تيمية ص 478 و479. (¬3) هو: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام المعروف بابن تيمية الحراني ثم الدمشقي. ولد بحران. وتحول به أبوه إلى دمشق، فظهر نبوغه واشتهر بين العلماء ثم ذهب إلى مصر، فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة ثم نقل إلى الإسكندرية ثم أطلق فعاد إلى دمشق. والشيخ –رحمه الله- من أبرز علماء الحنابلة ومجتهديهم، كان عالماً بالفقه والأصول والحديث والتفسير والعربية وغيرها من العلوم. وكانت وفاته بدمشق سنة 728هـ. من مؤلفاته: مجموعة فتاويه، ومنهاج السنة، وأصول التفسير، ودرء تعارض العقل والنقل والاستقامة وغيرها. راجع في ترجمته: الدرر الكامنة 1/ 168، وشذرات الذهب 6/ 80، والأعلام 1/ 144، ومعجم المؤلفين 1/ 261، وهدية العارفين 1/ 105. (¬4) المسودة ص479، والقواعد والفوائد الأصولية ص 108.

وتخريجهم رأياً لمشايخهم في المسألة، هو أن الكفار لا يخاطبون بأداء ما يحتمل السقوط. وقد تنوعت تخريجاتهم وتوجيهاتهم فيها. وهذه المسألة مما لم ينص عليها علماء الحنفية المتقدمون، ولكن بعض المتأخرين خرجوا لعلمائهم رأياً من مسائلهم، ومن خلافاتهم مع الإمام الشافعي - رحمه الله - في طائفة من الفروع (¬1). فبعضهم خرج ذلك من أن المرتد إذا أسلم لا يلزمه قضاء صلاة الردة، خلافاً للشافعي - رحمه الله- فدل على أن المرتد الذي هو كافر، غير مخاطب بالصلاة عندهم (¬2) وبعضهم خرج ذلك من أن المكلف إذا صلى في أول الوقت ثم ارتد، ثم أسلم والوقت باقٍ. فإن عليه الأداء، خلافاً للشافعي، وكذا لو حج ثم ارتد ثم أسلم. وبعضهم خرج ذلك من أن الشرائع ليست من الإيمان عند الحنفية، خلافاً للشافعي، فلا يكونون مخاطبين بأداء الشرائع المبنية على الإيمان. وهذه تخريجات مرفوضة، أو ضعيفة، عند المحققين من علماء الحنفية، وقد أجابوا عنها بما يدل على أن علماءهم لم يقولوا بالأحكام المذكورة بسبب عدهم الكفار غير مخاطبين بالشرائع، بل لأسباب أخر (¬3). وصحح السرخسي وتابعه صدر الشريعة، أن هذا القول يؤخذ من قولهم إن من نذر أني صوم شهراً ثم ارتد ثم أسلم لم يجب عليه شيء. قال السرخسي: (فعرف أن الردة تبطل وجوب أداء كل عبادة، فيكون هذا شبه التنصيص عن أصحابنا أن الخطاب بأداء الشرائع التي تحتمل السقوط لا يتناولهم ما لم يؤمنوا) (¬4). ولا شك أن مثل هذا الاختلاف في التخريجات، ومثل هذه الاعتراضات الموجهة إليها يعزز وجهة النظر القائلة بكثرة احتمالات الخطأ في ¬

_ (¬1) التوضيح بشرح التلويح لصدر الشريعة 1/ 214 و215. (¬2) المصدر السابق، وأصول السرخسي 1/ 75. (¬3) المصدران السابقان، ولاحظ فيهما الإجابة عن كل هذه التخريجات. (¬4) أصول السرخسي 1/ 75 و76.

التخريج، بصورة واضحة. 4 - ومن هذا القبيل تخريج ابن الرفعة (¬1) (ت 710هـ) أصلاً للشافعي هو الأخذ بقاعدة سد الذرائع، أخذه من نصه في باب إحياء الموات من كتاب الأم، إذ قال - رضي الله عنه- بعد ذكر النهي عن بيع الماء ليمنع به الكلأ، وأنه يحتمل أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل، وكذا ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله. قال ابن الرفعة: (وإذا كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام) (¬2). لكن الشيخ تقي الدين السبكي (¬3) نازع في هذا التخريج، وقال: (إنما أراد ¬

_ (¬1) هو: أحمد بن محمد بن علي الأنصاري البخاري المصري الشافعي، الشهير بابن الرفعة، والملقب بنجم الدين، والمكنى بأبي العباس. كان من كبار أئمة الشافعية في مصر. قال عنه الأسنوي: إنه لم يخرج في غقليم مصر بعد ابن الحداد من يدانيه، ولا نعلم في الشافعية مطلقاً بعد الرافعي من يساويه. كان أعجوبة في معرفة مذهب الشافعي، وفي قوة التخريج. عرف بالدين والتقوى، ومن أشهر تلاميذه تقي الدين السبكي. توفى في مصر سنة 710هـ. من مؤلفاته: شرح التنبيه المسمي بـ "الكفاية"، وشرح الوسيط المسمى بـ "المطلب" ولم يتمه، والإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان. انظر في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 5/ 177، طبقات الشافعية للأسنوي 1/ 601، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 66، الدرر الكامنة 1/ 336. معجم المؤلفين 2/ 135 شذرات الذهب 6/ 22. (¬2) الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/ 119. (¬3) هو: أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي السبكي الملقب بتقي الدين، ولد بسبك من أعمال المنوفية في مصر، وإليها نسب، تلقى الفقه على رجل أعمى من أهل شباط ثم ارتحل إلى القاهرة وسمع من جماعة كثيرين، وأخذ العلم عن كبار علماء القاهرة، واتخذ طريقة الجنيد في التصوف ثم ارتحل إلى الإسكندرية، فالشام، ثم عاد واستر في القاهرة مدرساً ومفتياً ومصنفاً حتى عام 739هـ، حين شغر منصب قضاء الشام بموت الجلال القزويني فتولاه الإمام السبكي، فمرض وعاد إلى مصر، وسكن على شاطيء النيل حتى توفاه الله سنة 756هـ، ودفن بمقابر الصوفية بباب النصر. شارك في علوم كثيرة التفسير والحديث، واللغة والنحو والجدل والخلاف والفقه، =

الشافعي – رحمه الله- تحريم الوسائل لا سد الذرائع، والوسائل تستلزم المتوسل إليه. ومن هذا النوع الماء، فإنه مستلزم عادة لمنع الكلأ الذي هو حرام. ونحن لا ننازع فيما يستلزم من الوسائل) (¬1). 5 - ومن ذلكما ذكره الغزالي (¬2) في المنخول، ونسبه إلى أبي حنيفة، وهو تجويز إخراج السبب من عموم اللف، أخذ ذلك تخريجاً من قول أبي حنيفة – رحمه الله- إن الحامل لا يلاعن عنها (¬3)، مع أن الآية وردت في امرأة العجلاني وكانت حاملاً (¬4). ومن إخراجه ولد الأمة الموطوءة من ¬

_ (¬1) = والأصول، وكان محققاً ومدققاً، ذا استنباطات جليلة في الفقه والقواعد المحررة. قيل غنه صنف نحو مائة وخمسين كتاباً مطولاً ومختصراً. من كتبه: الإبهاج في شرح المنهاج لم يكمله وأتمه ابنه، مختصر طبقات الفقهاء، الدر النظيم في التفسير ولم يكمله. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية للأسنوي 2/ 75، الدرر الكامنة 4/ 74، شذرات الذهب 6/ 180، الأعلام 4/ 302، معجم المؤلفين 7/ 127. () الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/ 119. (¬2) هو: أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي المعروف بحجة الإسلام. والغزالي من أشهر علماء المسلمين وأبرزهم في ميادين الحكمة والكلام والفقه والأصول والتصوف مع جمعه إلى ذلك جملة من علوم أخرى. ولد بطوس وارتحل في طلب العلم، فأخذه عن أبي نصر الإسماعيلي، ثم عن إمام الحرمين الجويني في نيسابور، ثم جلس للاقراء، وندب للتدريس في المدرسة النظامية ببغداد، وأعجب به أهل العراق، وعمت منزلته ثم أقبل على السياحة والعبادة، وكانت وفاته بطوس سنة 505هـ، من مؤلفاته: إحياء علوم الدين، والمستصفي في أصول الفقه والمنخول في أصول الفقه، وشفاء الغليل في أصول الفقه، والوجيز في فروع الفقه الشافعي، وتهافت الفلاسفة والمنقذ من الضلال وإلجام العوام عن علم الكلام، وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 3/ 353، طبقات الشافعية الكبرى 4/ 101، 182، شذرات الذهب 4/ 10، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 192، هدية العارفين 2/ 79، والأعلام 7/ 22 معجم المؤلفين 11/ 266. (¬3) انظر رأي أبي حنيفة وتوجيه رأيه ورأي من وافقه بهذا الشأن في الهداية بشرح فتح القدير3/ 259، وفي رد المحتار 3/ 490، وتبين الحقائق 3/ 20. (¬4) الآيات الواردة في اللعان هي الآيات: 6 - 9 من سورة النور ونصها: 0والذين يرمون =

عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (الولد للفراش) (¬1)، فلم يثبت نسبه منه إلا بدعواه، مع أن النص العام (الولد للفراش) جاء بسبب وليدة زمعة، وكانت أمة موطوءة (¬2) ويعزو الغزالي في المستصفي إخراج أبي حنيفة ولد الأمة من العموم لعدم علمه بالسبب (¬3). لكن الحنفية يرفضون نسبة مثل هذا الأصل لأبي حنيفة، وإن كانت نسبة الفروع الفقهية إليه صحيحة. لكنهم يؤلونها بطائفة من التأويلات التي تبعد نسبة هذا الرأي عن إمامهم (¬4). 6 - ومثل ذلك يتحقق حتى في القواعد والضوابط الفقهية. ومن أمثلة ذلك أن المسائل الاثنى عشرية (¬5) المختلف فيها بين أبي حنيفة – رحمه الله- ¬

_ (¬1) = أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. (6) والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين. (7) ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين. (8) والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين (9)). وقد ذكر أكثر من سبب لنزول هذه الآية، ومنها ما أشار إليه الغزالي. والعجلاني هو عويمر بن نصر. وفي صحيح البخاري ماي شهد لذلك. وقد نقل عن السهيلي أنه قال: إنه الصحيح، ونسب غيره إلى الخطأ (تفسير آيات الأحكام 3/ 135). وانظر الروايات بهذا الشأن في تلخيص الحبي ر- كتاب اللعان 3/ 224 ومابعدها. () (الولد للفراش وللعاهر الحجر) جزء من حديث رواه الشيخان عن أبي هريرة، وقال المناوي: وهو متواتر فقد جاء عن بضعة وعشرين صحابياً (كشف الخفاء ومزيل الإلباس 2/ 451)، لاحظ قصة الحديث في البخاري وشرحه فتح الباري 12/ 32. فقد جاء بشان الاختلاف في إثبات نسب ولد جارية زمعة، فقد ادعاه سعد بن أبي وقاص لأخيه عتبة، وادعى عبد بن زمعة أنه (أخوه) وابن جارية أبيه وقد ولدته على فراشه. (¬2) المنخول ص 151 و152. (¬3) المستصفي مع فواتح الرحموت 2/ 61. (¬4) التحرير لابن الهمام بشرح التقرير والتحبير 1م36، وبشرح تيسير التحرير 1/ 265. (¬5) المسائل الإثنا عشرية هي إثنا عشر فرعاً، فقهياً جلس فيها المصلى الجلسة الأخيرة قدر التشهد ولم يسلم، ثم حدث ما يفسد الصلاة، فعند أبي حنيفة أن صلاته تفسد كما =

وصاحبيه لم يتفق على الأصل الذي بنيت عليه. فبناها أبو سعيد البردعي (ت 317هـ) (¬1) على أن الخروج عن الصلاة بصنع المصلى فرض عند أبي حنيفة، وليس فرضاً عندهما (¬2) فأنكر أبو الحسن الكرخي (ت 340هـ) ذلك، وقال: هذا غلط، لأن الخروج قد يكون بمعصية كالحدث العمد، ولو كان فرضاً لاختص بما هو قربة (¬3). وخرجها على أصل آخر هو (ما غير الفرض في أوله غيره في آخر عند أبي حنيفة) (¬4). ¬

_ (¬1) = لو حدث ذلك في خلال الصلاة، وعند صاحبيه لا تفسد، لأن الصلاة قد تمت بالجلوس المساوي في فترته قدر التشهد. وقد اختلف علماء الحنفية في الأصل الذي تبنى عليه هذه الفروع، فمنهم من انتصر للكرخي، ومنهم من انتصر للبردعي، نظراً لأن بعض الفروع الفقهية صعب تطبيق هذا الضابط عليها، على تخريج الكرخي. وممن أيد البردعي فيما ذهب إليه حسن بن عمار الشرنبلالي (ت 1069هـ) في رسالة (المسائل البهية الزكية على الإثنى عشرية). ويمكن مراجعة هذه المسائل في كتاب تأسيس النظر، وفي كتب الفقه الحنفي في موضع مفسدات الصلاة. وقد أضاف بعض العلماء مسائل أخر إليها فوصلت إلى عشرين فرعاً. راجع: تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي في الأصل الأول في كتابه المذكور. ورد المحتار لابن عابدين 1/ 606، وفتح القدير لابن الهمام 1/ 274، والعناية للبابرتي بهامش فتح القدير 1/ 273، وتبيين الحقائق للزيلعي 1/ 151. () هو: أبو سعيد أحمد بن الحسين من كبار علماء الحنفية في بغداد في زمانه. كان أستاذاً لأبي الحسن الكرخي وأبي طاهر الدباس القاضي وأبي عمرو الطبري ويرهم. وكانت له منارات مع داود وغيره والبردعي نسبة إلى بردعه، وهي بلدة في أقصى بلاد أذربيجان. توفي سنة 317هـ قتيلاً في وقعة القرامطة مع الحجاج. راجع في ترجمته: الجواهر المضيئة 1/ 163، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 141، والفهرست لابن نديم ص 293. (¬2) الهداية 1/ 274، واللباب في شرح الكتاب بتحقيق محي الدين عبد الحميد 1/ 87 و88، وتبيين الحقائق للزيلعي 1/ 151، والعناية مع فتح القدير 1/ 274، ورد المحتار لابن عابدين 1/ 449 و1/ 606 وما بعدها. (¬3) رد المحتار 1/ 449 و1/ 606 وما بعدها، فتح القدير 1/ 275. (¬4) تأسيس النظر ص 11 وما بعدها.

تعقيب في مسألة نسبة الأصول المخرجة إلى الأئمة: والذي يظهر لنا من خلال ما لاحظناه من نقد لبعض التخريجات، وما أطلعنا عليه مما لم نذكره، أن مجال النقد في نسبة القواعد والأصول المخرجة إلى الأئمة ينبع من أمرين: الأمر الأول: أن الأساس في الوصول إلى قواعد الأئمة هو الاستقراء الذي يعتمد على ملاحظة الأقوال الواردة عنهم، والموازنة بينها، وتحليل صفاتها ودلالاتها ومعانيها للوصول بذلك على القضايا الكلية أو القواعد التي تربط بين تلك الأحكام أو القواعد المتفرقة (¬1). والاستقراءات التي بنيت عليها القواعد كانت ناقصة، والاستقراء الناقص وإن كان هو المنهج العلمي الصحيح في نظر جون ستيورت مل والمناطقة المعاصرين (¬2)، لأنه يكسبنا علماً جديداً، ويعرفنا على المجهول، لكن بسبب أن نتيجته أعم من أية مقدمة من مقدماته، فإنه في معرض إيقاع الباحث في الخطأ. فقد يكتشف فيما بعد أمثلة أخرى تخالف الأمثلة التي بنى عليها نتائجه السابقة، الأمر الذي يستدعي تبديل الحكم السابق بما يتفق مع الاكتشاف الجديد ومن قوانين المنطق أن صدق الحكم الجزئي ليس دليلاً على صدق الحكم الكلي (¬3). ومن المعلوم أن تخريج أصول الأئمة كان معتمداً على مثل هذا الاستقراء الناقص، بل والبالغ النقصان؛ لأنهم في كثير من الأحيان يبنون القواعد على فروع لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وأحياناً على فرع أو فرعين، مما يجعل بعض تخريجاتهم في نطاق الظن الضعيف. الأمر الثاني: أن الأصول المخرجة كانت تعتمد على فهم المخرج نفسه ¬

_ (¬1) لاحظ: المنطق التوجيهي للدكتور/ أبو العلاء عفيفي ص 118 - 121. (¬2) المصدر السابق 123/ 124. (¬3) مسائل فلسفية 1/ 147 للدكتور/ توفيق الطويل.

للنص ولحاظه وجه الدلالة فيه، فهو لا يعدو أن يكون مجتهداً في التعرف على مدرك الإمام في الفرع الفقهي موضوع التحليل، وحينئذ فإن احتمال الخطأ في معرفة مدرك الإمام وارد. ومما يدل على ذلك اختلافهم في بعض الأصول المخرجة، واستدراك بعضهم على بعض، مما سبقت الإشارة إلى طائفة منها. وهذا الأمر يضيف خللاً آخر إلى مادة الاستقراء، لأنه يدخل فيها - في حالة الخطأ - ما ليس منها. وفي كثير من الأحيان لا نجد في مراجع المذاهب ما يؤيد تخريج مثل تلك الأصول أو القواعد للأئمة. فقد لا تكون مرادة لهم، ولعلهم كانوا يوجهون آراءهم بعلل وأسباب أخر. ومن ذلك مثلاً ما خرجه السمرقندي (¬1) في تأسيس النظائر من أصول وقواعد للأئمة، فإن كثيراً منها يمكن مناقشته فيها. وعند الرجوع إلى المصادر الفقهية المشهورة في المذهب بشأن الفروع المندرجة في الأصول المذكورة لا نجد تعليل الكثير منها بالأصل الذي ذكره. بل إن الفقهاء يذكرون عللاً وأسباباً أخرى غير تلك الأصول. وتأسيساً على ما تقدم فن نسبة الأصول والقواعد إلى الأئمة يحتاج إلى مزيد من البحث والتأمل، وتتبع ما نقل عنهم من تراث فقهي، أو أصولي، أو غير ذلك، والتعرف على الطريق الذي أتبع في تخريج الآراء ونسبتها إليهم. ولكننا ننبه هنا إلى أن كثيراً من الانتقادات المتعلقة بالنسبة كانت لتخريجات مبنية على عدد محدود من الفروع، وربما كان بعضها مبنياً على ¬

_ (¬1) هو: أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي الحنفي، الملقب بإمام الهدى. وهو من علماء الحنفية المشهورين، قال عنه القرشي: (هو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة) توفى سنة 373هـ، وقيل سنة 393هـ. من مؤلفاته: تأسيس النظائر الفقهية، وكتاب عيون المسائل، وكتاب النوازل في الفقه، وتنبيه الغافلين وبستان العارفين. راجع في ترجمته: الجواهر المضيئة للقرشي 1/ 544 و545، وتاج التراجم لابن قطلوبغا ص 79، ومفتاح دار العادة 2/ 142، وكشف الظنون 1/ 334.

فرع واحد، الأمر الذي أدى إلى نسبة الآراء المتعددة والمتناقضة إلى بعض الأئمة في بعض الأحيان، وفي المسألة الواحدة (¬1). ولو كان التخريج مبنياً على الاستقراء التام أو الواسع النطاق، باستقصاء كل ما ورد عن الإمام، فإن ذلك يصلح طريقاً إلى التأصيل، ويحقق غلبة ظن بمآخذهم، وما استندوا إليه في التفريع. وهذا المنهج هو الذي قامت عليه قواعد سائر العلوم، وبه استنبطت شروطها، ووضعت ضوابطها والله أعلم. ¬

_ (¬1) لاحظ على سبيل المثال ما خرجوه من وجهات نظر متعددة للإمام أحمد – رحمه الله- في مسألة غفادة خبر الواحد العلم أو عدم إفادته ذلك، حيث ذكروا له ما يقرب من خمسة آراء متناقضة أو متضادة. انظر: العدد ص 898 وما بعدها والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 78 وروضة الناظر ص 99 و100، والمسودة ص 240 - 244. ولاحظ أيضاً ما نقل عنه في مسألة رواية العدل عن غيره هل تعد تعديلاً له أو لا؟ انظر: العدة ص 934 وما بعدها، والتمهيد لأبي الخطاب 3/ 129 - 130، والمسودة ص 273، وأصول الفقه لابن مفلح بتحقيق د/ فهد السدحان ص 209.

الفصل الثاني تخريج الفروع على الأصول

الفصل الثاني تخريج الفروع على الأصول ويشتمل على: - تمهيد في: تعريفه، وبيان موضوعه، ومباحثه وفائدته، والعلوم التي استمد منها وبعض أحكامه. - المبحث الأول: نشأة هذا العلم وتطوره. - المبحث الثاني: أسباب اختلاف الفقهاء. - المبحث الثالث: التخريج على الأصول، وحكم نسبة الآراء إلى الأئمة بناء عليه. - المبحث الرابع: التعريف بأهم الكتب المؤلفة فيه.

تمهيد في: تعريفه – وبيان موضوعه ومباحثه – وفائدته – وبعض أحكامه لم نجد من تكلم عن ذلك على أنه علم مستقل يحمل هذا الاسم، وإنما كان يتحدث عن التخريج باعتباره عملاً من أعمال المجتهد أو المفتي. ولهذا فقد كانت بعض مباحثه ترد في باب الاجتهاد من مباحث أصول الفقه، وما ألف في هذا الباب مما يحمل العنوان المذكور، كان تطبيقاً وتمثيلاً لعملية التخريج، فهو ألصق بالفن منه بالعلم، ومن أجل ذلك لم نطلع على من عرفه على أنه علم قائم بذاته، مما يجعل، مهمة تعريفه غير سهلة. وربما كان النظر فيما ألف في هذا الباب، وتأمل ما ذكره مؤلفوها في مقدمات كتبهم مما يساعد على توضيح ذلك، ويكشف عن إطار هذا العلم وحدوده. إننا لو نظرنا إلى الكتب المؤلفة في هذا العلم، نجد أن أكثر مؤلفيها قد ذكروا في مقدمات كتبهم أن أهم ما يهدفون إليه من تلك الكتب هو رد الاختلافات الفقهية إلى الأصول التي انبنت عليها الآراء، فكأن تخريج الفروع على الأصول هو بيان للأسباب والعلل التي دعت الفقهاء إلى الأخذ بما قالوه من أحكام. يقول الزنجاني (¬1): (ثم ال يخفى عليك أن الفروع إنما تبنى على ¬

_ (¬1) هو: أبو المناقب. وقيل أبو الثناء محمود بن أحمد بن بختيار الزنجاني الشافعي. كان بحراً من بحار العلم كما يقول الأسنوي. برز في الفقه والأصول والتفسير والحديث. استوطن بغداد وتولى فيها القضاء مدة ثم عزل. درس في المدرسة النظامية والمستنصرية، واستشهد ببغداد، أيام دخول التتار بقيادة هولاكو إليها سنة 656هـ. ... =

الأصول، وأن من لا يفهم كيفية الاستنباط، ولا يهتدي إلى وجه الارتباط بين أحكام الفروع وأدلتها التي هي أصول الفقه، لا يتسع له المجال، ولا يمكنه التفريع عليها بحال. فإن المسائل الفرعية على اتساعها، وبعد غايتها، لها أصول معلومة وأوضاع منطوقة، ومن لا يعرف أصولها وأوضاعها لم يحط بها علماً) (¬1). فالتخريج – عنده – هو بيان للأصول التي استند إليها الأئمة في الاستنباط وبيان لكيفية ووجه الاستنباط منها، وجمع للفروع المختلفة، وإن تباعدت أبوابها، إن كانت تستند إلى أصل واحد. ويفه من كلامه أن هذا العلم أيضاً، يهيئ العالم به إلى التفريع على الأصول وبيان أحكام ما لم ينص عليه، استناداً إلى تلك الأصول أو العلل إن كانت تلك الوقائع تتفق مع الفروع المنقولة عن الأئمة في معناها، وفي الدخول تحت القاعدة أو الأصل الذي رُدت إليه الفروع. وفيما ذكره الأسنوي (¬2) في كتابه المؤلف في هذا العلم تصرحي بأن هذا ¬

_ (¬1) = من مؤلفاته: السحر الحلال في غرائب المقال في فروع الشافعية، وتهذيب الصحاح للجوهري، وتخريج الفروع على الأصول. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى 5/ 154، طبقات الشافعية للأسنوي 2/ 15، الأعلام 7/ 161، الفتح المبين 2/ 70، معجم المؤلفين 12/ 148، هدية العارفين 2/ 405. () تخريج الفروع على الأصول ص 1 و2. (¬2) هو: أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي الأسنوي الشافعي الملقب بجمال الدين. ولد بأسنا في صعيد مصر، وقدم إلى القاهرة وتلقى علومه على عدد من علمائها، فانتهت غليه رئاسة الشافعية، ولي الحسبة ووكالة بيت المال، ثم اعتزل الحسبة، برع في التفسير والفقه والأصول والعربية والعروض وكانت وفاته بمصر سنة 772هـ. من مؤلفاته: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، نهية السول شرح منهاج الوصول في أصول الفقه، طبقات الشافعية، الكوكب الدري في تخريج الفروع الفقهية على المسائل النحوية، الهداية إلى أوهام الكفاية في فروع الفقه الشافعي، خبايا =

العلم، كما يبين مآخذ العلماء وأصولهم التي استندوا إليها فيما ذهبوا إليه من الأحكام، فإنه يقصد منه أيضاً بيان كيفية استخراج الفروع من تلك الأصول. وقد ذكر أنه – شخصياً – فرع على تلك القواعد أحكاماً فيما لم يقف فيه على نقل (¬1). وأن غرضه من تأليف كتابه هو أن "يعرف الناظر في ذلك مأخذ ما نص عليه أصحابنا وأصلوه وأجملوه أو فصلوه، ويتنبه على استخراج ما أهملوه، ويكون سلاحاً وعدة للمفتين، وعمدة للمدرسين" (¬2). وأن به تتحقق غاية الطلب، وهي "تمهيد الوصول إلى مقام استخراج الفروع من قواعد الأصول، والتعريج إلى ارتقاء مقام ذوي التخريج" (¬3). واستناداً إلى مثل ما تقدم، وإلى ما اطلعنا عليه في بعض كتب الفقه والأصول. سنقوم بتعريف هذا العلم، وبيان موضوعه ومباحثه وفائدته، وبعض أحكامه. أولاً: تعريفه: إذا نظرنا إلى ما تقدم من وجهات النظر، وأردنا أن نعرف علم تخريج الفروع على الأصول تعريفاً يوفق بين تلك التصورات، فإننا نقترح تعريفه بأنه: (هو العلم الذي يبحث عن علل أو مآخذ الأحكام الشرعية لرد الفروع إليها بياناً لأسباب الخلاف، أو لبيا حكم ما لم يرد بشأنه نص عن الأئمة بإدخاله ضمن قواعدهم أو أصولهم) (¬4). ¬

_ (¬1) = الزوايا، المنثور في القواعد. راجع في ترجمته: الدرر الكامنة 3/ 147، شذرات الذهب 6/ 223، معجم المطبوعات 1/ 445، هدية العارفين 1/ 561، الأعلام 3/ 344، معجم المؤلفين 5/ 23. () التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص 46. (¬2) المصدر السابق ص 46 و47. (¬3) المصدر السابق. (¬4) على أساس أن هذه الحكام معلومة ومعروفة من خلال القاعدة التي هي من القضايا =

ثانياً: موضوعه ومباحثه: 1 - موضوعه: بعد أن بينا معنى الموضوع وما يراد به عندهم، في الفصل السابق، فإننا سنحاول تلمس موضوع هذا العلم، وفق ذلك المعنى، من خلال المؤلفات التي كتبت في مجاله التطبيقي، وما ورد في كتب أصول الفقه مما يتعلق ببعض مباحثه، إذ لم أجد من تناول ذلك فيما سبقن ولم أطلع على دراسة نظرية لهذا العلم من بل. إن إلقاء نظرة على المؤلفات التي طرحت في هذا المجال يوضح أنها كانت تتناول طائفة من القواعد والأصول المختلف فيها، وبعض القواعد والضوابط الفقهية (¬1) والأحكام الفقهية التي بنيت على هذه القواعد والضوابط. كما أن بعضها اختص بذكر ما يبنى على القواعد النحوية واللغوية من الأحكام الشرعية، كالذي صنعه الأسنوي (ت 772هـ) في كتابه: (الكوكب الدري في تخريج الفروع الفقهية على المسائل النحوية) (¬2) وإفرادها في التأليف لا يعني خروجها عن أن تدخل ضمن القواعد الأصولية، فهي منها وليست خارجة عنها. وإذن فهذه الكتب تبحث في القواعد الأصولية من حيث ما يبتني عليها ¬

_ (¬1) = الحملية الكية الموجبة عندهم، فعمل المخرج هو ضم قضية صغرى إلى الكبرى المتمثلة بالقاعدة الأصولية أو الفقهية لينتج عن ذلك حكم موضوع الصغرى، ولذلك يكون هذا الحكم قد انتقل من القوة إلى الفعل. وعمل المخرج هنا يمكن أن يعد من باب تحقيق المناط، أو تطبيق القاعدة على ما يمكن أن يدخل تحتها من فروع أو جزئيات. (انظر: التقرير والتحبير لابن أمير الحاج 1/ 29، وحاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع 1/ 31 و32. () كما هو كتاب (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي. (¬2) الكتاب مطبوع بتحقيق د/عبد الرزاق السعدي، وتوجد طبعة أخرى للكتاب بتحقيق د/ محمد حسن عواد بعنوان (الكوكب الدري فيما يخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية).

من الفروع الفقهية، وفي الفروع الفقهية من حيث انبناؤها على تلك الأصول. وههنا أمر جدير بالنظر والتأمل، وهو أن كثيراً من هذه الكتب لم تتناول ما يتعلق بالتخريج على أقوال الأئمة، وشروط المخرج وما يصح أن ينسب إلى الإمام وما لا يصح أن ينسب إليه، مع أن هذه الموضوعات قد وردت في مباحث الاجتهاد في أكثر كتب الأصول. وإذن فموضوع التخريج يتناول الأدلة والقواعد الأصولية، ومن ضمنها قواعد النحو واللغة، كما يتناول الأحكام الفقهية، وصفات المخرج، والشروط التي لابد من تحققها في بناء الفروع على الأصول، وهو أمر أضفناه على ما ورد من الموضوعات المبحوثة في كتب التخريج، لأن أغلب هذه الكتب قصرت كلامها على ما هو من قبيل الاستنباط للأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية، الذي هو شأن المجتهد المطلق، ولم يتناول القسم الآخر الذي اصطلح على تسميته بالتخريج، متميزاً بهذا الاطلاق على الاستنباط من الأدلة الشرعية. وهنا أمر آخر ينبغي التنبيه إليه أيضاً، وهو أن التخريج أساساً إنما نشأ نتيجة الخلافات المذهبية، ورغبة علماء كل مذهب في الدفاع عن آراء أئمتهم، ورد استنباطاتهم الفقهية إلى أصول معينة، أو أصول مستنبطة ومخرجة من مجموعة من الفروع الفقهية، ثم الدفاع عن تلك الأصول، لتسلم لهم قوة الفروع بقوة الأصول. ولهذا فإنه من الممكن أن يقال: إن علم التخريج هذا من ثمرات علم الخلاف والجدل، أو على تقدير آخر إنه على صلة وثيقة به، وعلى هذا فإن بحث هذا العلم في الفروع والأصول إنما هو في نطاق ما وقع الخلاف فيه بين علماء المذاهب، أو بين علماء المذهب الواحد نفسه. ويتضح مما قدمناه أن موضوع علم تخريج الفروع على الأصول متعدد، ومسألة تعدد موضوع العلم الواحد قضية فيها جدل بين أهل الاختصاص. وقد رجح كثير من المحققين جواز ذلك، إذا كان هناك نوع تناسب بين الأمور المتعددة (¬1). ¬

_ (¬1) صدر الشريعة: التوضيح 1/ 22.

وذكر ابن الهمام (ت 861هـ) (¬1) أنه لا مانع من تعدد موضوع العلم الواحد، إذا كانت له غاية واحدة، فالموضوع تابع للغاية التي توجد في الذهن (¬2)، وهذا ما ذهب إليه الشريف الجرجاني (ت 816هـ) (¬3) وغيره (¬4). على أنه مهما يكن من أمر فإن تخريج الفروع على الأصول يبحث في ¬

_ (¬1) هو: كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي الأصل، ثم الإسكندري، ثم القاهري، العالم الحنفي المعروف بابن الهمام والمشارك في عدد من العلوم كالفقه والأصول والتفسير وعلم الطبيعة والفرائض والتصوف والنحو والصرف وغيرها. عرف عنه أنه جدلي مناظر، وكان يقول: أنا لا أقلد أحداً في المعقولات. تنقل في البلدان، وكان آخر مطافه العودة إلى مصر. حيث توفي في القاهرة سنة 861هـ. من مؤلفاته: شرح الهداية في الفقه المسمى فتح القدير للعاجز الفقير، والمسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، والتحرير في أصول الفقه، وله مختصر في الفقه سماه زاد الفقير وغيرها. راجع في ترجمته: مفتاح السعادة 2/ 135 - 136، شذرات الذهب 7/ 298، هدية العارفين 2/ 201، معجم المطبوعات 1/ 278، الأعلام 6/ 255، معجم المؤلفين 10/ 264. (¬2) التحرير مع شرحه تيسير التحرير 1/ 11 و12. (¬3) هو: علي بن محمد بن علي الجرجاني الحسني الحنفي، ويعرف بالسيد الشريف. ولد بجرجان وإليها نسب، ودرس في شيراز، وفر منها إلى سمرقند بعد دخول تيمور لنك غليها. ثم عاد على شيراز بعد موت تيمورلنك، فأقام فيها حتى توفاه الله سنة 816هـ. شارك في كثير من العلوم لا سيما الفلسفية والعربية والأصولية، وبرع فيها حتى قالوا عنه إنه علامة دهره، وعالم بلاد الشرق. من مؤلفاته: التعريفات، شرح المواقف، شرح السراجية في الفرائض ورسالة في متن أصول الحديث وغيرها. راجع في ترجمته: مفتاح السعادة 1/ 187، الأعلام 5/ 7، معجم المؤلفين 7/ 216. (¬4) حاشيته على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 1/ 16.

أكثر من موضوع، سواء كانت تلك الموضوعات مقصودة أصالة أو تبعاً. 2 - مباحثه ومسائله: تعد مباحث ومسائل علم تخريج الفروع على الأصول ذات صلة وثيقة بموضوعه، لأن موضوعات المسائل والمباحث هي نفسها موضوعات العلم أو أنواعها، أو أعراضها الذاتية، أو ما تركب من هذه الأشياء أو بعضها. ولما كان موضوع العلم، كما عرفنا، هو ما يبحث فيه عن الأحوال العارضة له، فإن مسائله ومباحثه هي معرفة هذه الأحوال العارضة لموضوع العلم نفسه سعة وضيقاً. وإن النظر في الكتب ذات الصلة بها العلم يوضح أن مباحثه ومسائله تتناول ما يأتي: أ- المباحث المتعلقة بأحوال الأدلة أو القواعد المختلف فيها، أو أنواعها، لا من حيث حقيقتها، بل من حيث صحتها، واستقامة إثبات الأحكام الشرعية بها، وثبوت هذه الأحكام بها. ب- المباحث المتعلقة بكيفية استخراج الأحكام من أدلتها مثل المباحث التي ترجع إلى شرائط الاستدلال كتقديم النص على الظاهر، والمتواتر على الآحاد، وبعض المبادئ اللغوية ودلالات الألفاظ، مما دخلت عندهم تحت أبواب التعارض والترجيح (¬1). وبوجه عام، فإنه لا يبحث في هذه الأمور جميعاً، وإنما يبحث فيما اختلف فيه منها، سواء كان في دلالته على معناه أو تقديمه على غيره، أو ونه مرجحاً لسواه، أو غير ذلك. ج- أسباب الاختلاف بين الفقهاء. د- المباحث المتعلقة بالفقيه الذي يخرج الأحكام على قواعد الأئمة، والشروط الواجب تحققها فيه، ممن يسمون أهل التخريج، أو أصحاب الوجوه، أو ما شابه ذلك. ¬

_ (¬1) الأسنوي، نهاية السول 1/ 17.

هـ- مباحث الأحكام والفروع الفقهية، من حيث اكتشاف الروابط بينها، وردها إلى أصول الإمام، أو إلى أصول مخرجة تنسب إلى الإمام. ثالثاً: الفائدة والغاية من هذا العلم: وبعد أن أوضحنا معنى الفائدة والغاية، في الفصل السابق، فإن من الممكن أن نقول أن الباعث على طلب علم تخريج الفروع على الأصول، أو غايته، هو التعرف على مآخذ الأئمة لما توصلوا إليه من أحكام، وبالتالي معرفة أسباب اختلافهم في الأحكام. وأن ثمرته أو فائدته هي تخريج آراء وأقوال للأئمة، مبنية على تلك القواعد والأصول فيما لم يرد عنهم فيها نص (¬1). ولاش أنهما أمران يتصل بعضهما بالآخر، وأنه لا تخريج من دون التعرف على مصادره، التي هي نصوص الأئمة وقواعدهم التي تبنى عليها الأحكام. وأن عنوان هذا العلم (تخريج الفروع على الأصول) يؤكد على جانب الفائدة والثمرة، ولكن هذه الفائدة لا تتحقق من دون التعرف على النصوص والقواعد التي يبني عليها التخريج، وحيث إن هذه القواعد والأصول لم تكن مقصودة لذاتها، بل لتخريج الأقوال عليها، ولمعرفة أسباب الخلاف بين العلماء فيما توصلوا إليه من الأحكام، فقد آثرنا عدم التفريق بينهما، وذكر ما يترتب على هذا العلم من المصالح سواء كانت في غاياته أو من ثمراته المترتبة عليه. ونذر هنا أن التخريج نفسه وإن كان المقصود الأساس منه التعرف على آراء الأئمة فيما لم يرد عنهم فيه نص، إلا أن دراسة هذا العلم تتحقق منها فوائد كثيرة، قد يكون بعضها غير مقصود أصالة ولكنه يأتي عن طريق التبعية، وقد رأينا الاكتفاء من ذلك بالآتي: 1 - إن هذا العلم ينمي الملكة الفقهية، ويدرب المتعلم على الاستنباط ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 9، وتخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 1، 2.

والترجيح وتفريع المسائل وبنائها على الأدلة، والتعرف على آراء الأئمة في المسائل التي لم يرد عنهم نص بشأنها وعلى أحكام النوازل الطارئة أيضاً، على أن الجزء الأخير في هذه الفائدة لا يتحقق لكل أحد، بل هو خاص بالعلماء القادرين على ذلك ممن تتحقق فيهم شروط أهل التخريج التي سنذكرها فيما بعد. 2 - وإن من أهم ما يستفاد من دراسة هذا العلم الكشف عن أن الاختلافات الواقعة بين الفقهاء فيما استنبطوه من أحكام فقهية، لم تكن اختلافات اعتباطية، وإنما هي اختلافات مردودة إلى أسس علمية ومناهج في الاستنباط مختلفة، وإلى الاختلاف في إقرار بعض الأدلة أو أنواعها، مما يُعد في الأمور الطبيعية والإنسانية التي تحصل في أغلب العلوم، وبذلك تتحقق فائدة مهمة، وهي إزالة الشكوك عن بعض النفوس التي تستغرب مثل تلك الاختلافات. 3 - إن هذا العلم يُخرج علم الأصول من جانبه النظري إلى مجال تطبيقي عملي، تتبين به الثمرات المترتبة على القواعد الأصولية، بل والقواعد الفقهية أيضاً، وبذلك فإنه يعطي علم الأصول مزيداً من الوضوح. 4 - إن هذا العلم، نتيجة لما ذكرناه في الفائدة السابقة، يمكن المتعلم من الفهم الدقيق لما يدرسه وذلك بربطه كثيراً من الجزئيات بعد معرفته مآخذها، في سلك واحد، مما يساعد على فهم وحفظ وضبط المسائل الفقهية، ومما يوضح ذلك، مثلاً إن قول الحنفية بأحكام مثل جواز إزالة النجاسة بكل مائع، وافتتاح الصلاة بأي لفظ يتضمن معنى التكبير، واختتامها بأي لفظ يقوم مقام التسليم، وقيام غير الفاتحة مقامها في الصلاة، وجواز دفع القيمة في الزكاة وزكاة الفطر بدل الأعيان، وجواز التغذية والتعشية في الكفارات وعدم وجوب استيفاء العدد فيها بتجويز صرف الطعام إلى مسكين واحد ستين يوماً، أو مسكينين في ثلاثين يوماً أو عشرة مساكين في ستة أيام، بدلاً من ستين مسكيناً في جميع ذلك.

إن قول الحنفية بمثل هذه الأحكام وما يشابهها مما هو في معناها، ومخالفة الشافعية لهم في جميعها (¬1) قد يبدو لو نظر إلى كل منها على انفراد بأن لا رابطة بينها، ولكننا لو عرفنا بأن مرد ذلك الاختلاف إلى أن الأصل في المعاين الشرعية عند الحنفية أنها صفات للمحال والأعيان المنسوبة إليها، أثبتها الشارع معللة بمصالح العباد، بينما ذهب الشافعية إلى أن تلك المعاني ليست من صفات الأعيان المنسوبة إليها، بل أثبتها الله تعالى تحكماً وتعبداً غير معللة. أقول لو عرفنا ذلك اتضح الأمر أكثر، وسهل حفظ هذه الفروع وما يشبهها مما يدخل في هذا المجال. 5 - إن هذا العلم بإخراجه الأصول من الجانب النظري إلى الجانب التطبيقي، يحقق الربط بين علمين مهمين هما: الفقه وأصوله، مما يزيل ذلك الانفكاك الذي خيم عليهما قروناً كثيرة نتيجة للدراسة النظرية وحدها في مجال الأصول. 6 - إن رد الأحكام الفقهية إلى قواعد الأصول، ومعرفة أن الاختلافات فيها تعود إلى المآخذ، يُعرف المتعلم الراجح من المرجوح من الآراء، بمعرفته الراجح من المرجوح في قواعد الأصول، مما يساعد في أحيان كثيرة على التقريب بين المذاهب، ويقلل من التنافر بين أتباعها، ويذيب ما بينهم من حواجز. رابعاً: العلوم التي استمد منها علم تخريج الفروع على الأصول: إن تتبع مباحث الكتب المؤلفة في التخريج، ومعرفة المقصود منه والفائدة التي تترتب عليه، يوضح أن مادة هذا العلم مستمدة من طائفة من ¬

_ (¬1) لاحظ مسألة (1) من كتاب الطهارة في تخريج الفروع على الأصول للزنجاني، ليتضح مرد الخلاف في هذه المسائل والجامع بينها.

العلوم، من أهمها – بحسب النظر المشار إليه – أصول الفقه، واللغة، والفقه، وعلم الخلاف. أما أصول الفقه فهي من أهم ما استمد منه هذا العلم، فالتخريج مبني أساساً على بيان مآخذ العلماء وما يمكن أن يخرج عليها من الأحكام الفرعية، وهذه المآخذ وما يتصل بها هي العمدة في التخريج، كما أن البحث عن شروط المخرج، وما يصح أن يخرج عليه، ومالا يصح يعد من المباحث الداخلة في مجالات علم الأصول. وأما استمداده من علوم اللغة فلأن معرفة دلالة الأدلة متوقفة عليها، وفهمها مستند إلى وجوهها المتعددة، ومن المعلوم أن هذه العلوم هي من أهم ما استمد منها أصول الفقه، ولهذا بحث علماء هذا الفن في خلافات العلماء في مقتضى الأمر والنهي وصيغ العموم والخصوص ودلالاتها والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم، والاقتضاء والإشارة والتنبيه ومعاني الحروف وغيرها، مع بيان ما ينبني على الاختلاف فيها من اختلاف في الحكام المستنبطة، والأحكام المخرجة على ذلك. وأما الفقه فإنه وإن كان ثمرة من ثمار التخريج إلا أنه باستقراء الفروع الفقهية المتعددة يمكن التوصل إلى معرفة مآخذ العلماء، واستخراج القواعد أو العلل التي بنوا عليها أحكامهم ما أن بمعرفته، تعلم مواضع الخلاف بين العلماء مما يدعو إلى البحث عن أسباب الخلاف، التي هي من المقاصد الأساسية لهذا العلم أيضاً. أما استمداده من علم الخلاف فلأن الغاية من هذا العلم كانت بيان مآخذ العلماء ومثارات اختلافهم ومواقع اجتهادهم، ومناظرة الخصم ومجادلته سعياً إلى تصحيح كل منهم مذهب إمامه، والدفاع عن أصوله التي بني عليها استنباطاته، مع تضعيف رأي الخصم وتزييف وجهة نظره. وقد ذكر

ابن خلدون (ت 808هـ) (¬1) في شأن المناظرات التي كانت تجري بين العلماء أن مما كان فيها (بيان مآخذ هؤلاء الأئمة ومثارات اختلافهم ومواقع اجتهادهم. وكان هذا الصنف يسمى بالخلافيات) (¬2). على أننا نذكر هنا أن طائفة من المؤلفات في هذا العلم تقتصر على ذكر مآخذ العلماء وأسباب اختلافهم، دون دخول في الترجيحات، والمناقشات. كما في تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي (ت 430هـ) (¬3)، أو ذكر بعض ¬

_ (¬1) هو: ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد الحضرمي، الإشبيلي الأصل التونسي المولد، ثم القاهري المالكي. المشهور بابن خلدون، من العلماء والمؤرخين والحكماء. ولد بتونس سنة 732هـ، ونشأ بها، وتلقى العلم عن عدد من معاصريه، ولي الكتابة بفاسن ثم رحل على غرناطة وبجاية وقد تقلبت به الأحوال وعاد إلى تونس ثم فر منها إلى الشرق، بعد أن سُعي به إلى سلطانها، وأقام بالقاهرة، وولي قضاء المالكية وتصدر للإقراء في الأزهر. وقد برع في علوم كثيرة، ولكن كان أكثر ما شهره مقدمته التي كتبها لما ألفه في التاريخ؛ لما فيها من منهج جديد في دراسة التاريخ وتحليل المجتمعات. توفي في القاهرة سنة 808هـ. من مؤلفاته: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم البربر، ومقدمته المشهورة، وله شرح للبردة، وتلخيص لبعض الكتب ومنها المحصول لفخر الدين الرازي، وله عدد من الكتب في الحساب وأصول الفقه وغير ذلك. راجع في ترجمته: نيل الابتهاج ص169، وشذرات الذهب 7/ 76، والأعلام 3/ 330، والفتح المبين 3/ 14، ومعجم المطبوعات العربية 1/ 95، ومعجم المؤلفين 5/ 188. (¬2) المقدمة ص 818 - 820. (¬3) هو: أبو زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي البخاري الحنفي، نسبة إلى دبوسية قرية بين بخاري وسمرقند، من فقهاء الحنفية وأصولييهم، قيل أنه أول من وضع علم الخلاف وأبرزه للوجود، وكان يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج. توفى ف بخاري سنة 430هـ وقيل 432هـ. من مؤلفاته: تقويم الأدلة، والأنوار، وتأسيس النظر في الأصول، والأمد الأقصى في الحكم والنصائح. راجع في ترجمته: الجواهر المضيئة 2/ 449، ومفتاح السعادة 2/ 53، شذرات =

الاستدلالات لأصحاب الآراء المختلفة، مع اللجوء، في أحيان قليلة إلى الترجيح والتزييف لآراء الخصم، كما في تخريج الفروع على الأصول للزنجاني (ت656هـ) (¬1). هذا وقد استمد العلماء الذين ولجوا مباحث التخريج، بعض مباحثهم من مصادر أخرى كالقرآن الكريم والحديث الشريف وما اتصل بهما من علوم أفادت في التعرف على الأخبار وطرقها وترجيحاتها. وكالمنطق الذي استمد منه بعض المقدمات وطرق ترتيب الأدلة، ووجوه الدلالات، وكعلوم آداب البحث والمناظرة التي حددت الشروط والأسس التي تقوم عليها المناظرات والمجادلات، وتحديد وظيفة كل من السائل والمعلل وغير ذلك. خامساً: حكمه: تتوقف معرفة حكم هذا النوع من التخريج على بيان حالة المخرج، وما يقوم به من عمل: 1 - فإن كان المقصود من ذلك هو مجرد التعليل وبيان الأسباب التي دعت الأئمة إلى الأخذ بما أخذوا به، فالذي يظهر أنه جائز، ما لم يكن ذلك في مجال التعصب فإنه مكروه، وقد يحرم إذا تجاوز ذلك. ومثل هذا العمل لا يدخل في نطاق الاجتهاد، ولا يتأدى به فرض الكفاية لعدم انطباق وصف الاجتهاد عليه. 2 - وإن كان المقصود منه بيان أحكام الوقائع التي لم يرد فيها نص عن الإمام، بإلحاقها بما ورد عنه بالطرق المعتد بها أصولياً، فحكمه الجواز. ¬

_ (¬1) = الذهب 3/ 246، الفتح المبين 1/ 236، معجم المؤلفين 6/ 96، كشف الظنون 1/ 467، معجم المطبوعات العربية والمعربة 1/ 866. () لاحظ على سبيل المثال: المسألة (4) من كتاب الصوم، والمسألة (7) من مسائل الربان والمسائل (3 و7 و8، 10) من كتاب الجراح والمسألة (4) من مسائل الطلاق في كتاب: تخريج الفروع على الأصول للزنجاني.

وقد جرى العمل على ذلك، وكان غليه مفزع المفتين. لكن كلام الأئمة يشعر بأن ما كانت حالته كذلك، فلا يتأدى به فرض الكفاية في الاجتهاد، لما فيه من نقص وخلل في المقصود. غير أنه يتأدى به فرض الكفاية في الفتوى؛ لأنه في فتواه يقوم مقام الإمام المطلق ويؤدي ما يتأدى به (¬1). ¬

_ (¬1) أدب المفتي والمستفتي ص 95 و96 والمجموع للنووي 1/ 43.

المبحث الأول نشأة العلم وتطوره

المبحث الأول نشأة العلم وتطوره ذكرنا أن تخريج الفروع على الأصول، على نمط ما هو عند الزنجاني، والدبوسي، والأسنوي وغيرهم، متصل اتصالاً مباشراً بأسباب اختلاف الفهقاء، أو على وجه التحديد بواحد من تلك الأسباب، هو الاختلاف في الأدلة والقواعد والضوابط الأصولية أو الفقهية التي ترتب عليها الاختلاف في أحكام الفروع الفقهية. والتخريج بالمعنى المذكور، لم نجد فيما أطلعنا عليه من موسوعات العلوم الإسلامية (¬1)، من أفرده بالحديث أو عده علماً مستقلاً. لكننا نجد أن طائفة من العلماء حينما تكلمت عن الخلافيات وبينت منشأ ما حدث بين فقهاء الأمة من الخلافات، وكيفية نشوء التقليد واختفاء الاجتهاد، وجريان المناظرات بين أتباع المذاهب، أشارت إلى ما يمس هذا العلم، بمعناه لا باسمه ومصطلحه. قال ابن خلدون (ت 808هـ): (وكان في هذه المناظرات بيان مآخذ هؤلاء الأئمة ومثارات اختلافهم ومواقع اجتهادهم، وكان هذا الصنف يسمى بالخلافيات، ولابد لصاحبه من معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام كما يحتاج إليها المجتهد) (¬2). ونجد من العلماء، كطاش كوبري زاده (ت 935هـ) (¬3)، من سار على ¬

_ (¬1) ككتاب (إحصاء العلوم) لأبي جعفر محمد بن محمد الفارابي (ت 339هـ)، وكتاب (مفاتيح العلوم) لمحمد أحمد الخوارزمي (ت 387هـ)، والفهرست لأبي الفرج محمد بن إسحاق النديم (ت 385هـ). (¬2) مقدمة ابن خلدون ص 88 - 820. (¬3) هو: مصطفى بن خليل طاش كبرى زاده، ولد ببلدة طاش كبرى، وقرأ على أبيه =

طريق ابن خلدون في عده هذا العلم من فروع الخلاف، بل إنه عد علم الخلاف فرعاً من فروع علم أصول الفقه (¬1). ولأجل معرفة مدى صلة هذا العلم بعلم الخلاف، نذكر تعريفاً لعلم الخلاف أورده صديق بن حسن القنوجي (ت 1307هـ) في كتابه أبجد العلوم، قال: (وفي مدينة العلوم، وعلم الخلاف علم باحث عن وجوه الاستنباطات المختلفة من الأدلة الإجمالية أو التفصيلية الذاهب إلى كل منها طائفة من العلماء ...) (¬2). وهذا التصوير لعلم الخلاف يوضح العلاقة المتينة بين هذا العلم وعلم تخريج الفروع على الأصول المختلف فيها بين العلماء. ونظراً إلى أن إدراك مآخذ العلماء وأسباب الاختلاف بينهم، تُعد من الشروط الهامة في تقويم الفقيه. نجد أن بعض العلماء اشترطوا في الفقيه معرفة علم الخلاف. قال ابن السبكي (ت 756هـ) (¬3): (إن المرء إذا لم يعرف علم ¬

_ (¬1) = وخاله وطائفة من العلماء. درس في مدارس عدة في تركيا والشام وكان من تلاميذه السلطان سليم. ولي القضاء بحلب وكان عالماً زاهداً عابداً مشتغلاً بنفسه عن الدنيا. توفى سنة 935هـ. من مؤلفاته: مفتاح السعادة ومصباح السيادة، وطبقات الفقهاء، وحواش على نبذ وشرح المفتاح وغيرها. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 8/ 212، ومعجم المؤلفين 12/ 250. () مفتاح السعادة 2/ 429 وما بعدها، من الملاحظ أن مؤلف الكتاب طاش كوبري زاده عد من فروع علم أصول الفقه، علم النظر أي المنطق وعلم المناظرة وعلم الجدل وعلم الخلاف. (¬2) أبجد العلوم 2/ 278، وذكر السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني (ت 816هـ9 في تعريفاته، أن الخلاف: منازعة تجري بين المتعارضين لتحقيق حق أو لإبطال باطل. (¬3) هو: أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، الأنصاري الشافعي الملقب بتاج الدين، ولد في القاهرة سنة 727هـ، وقدم مع والده إلى دمشق، ولزم الإمام الذهبي =

الخلاف والمآخذ، لا يكون فقيهاً إلى أن يلج الجمل في سم الخياط، وإنما يكون ناقلاً مخيطاً حامل فقه إلى غيره، لا قدرة له على تخريج حادث بموجود، ولا قياس مستقبل بحاضر، ولا إلحاق غائب بشاهد، وما أسرع الخطأ إليه، وأكثر تزاحم الغلط عليه، وأبعد الفقه لديه) (¬1). والذي يرشح دخول هذا العلم في الخلافيات أن ردها إلى قواعد وأصول عند كل واحد منهم تختلف عما هي عند الآخر. وإذا كنا لا نستطيع تحديد بداية نشأة هذا العلم، فإنه من الممكن – في الأقل – التنبؤ بالعصر الذي نشأ فيه، فقد يكون الدور الخامس في تقسيمات أدوار الفقه عند كتاب تاريخ التشريع أو الفقه الإسلامي، الذي يبدأ من منتصف القرن الرابع الهجري، هو بداية ظهور هذا العلم (¬2). ¬

_ (¬1) = فيها، وبعد أن تخرج به تولى منصب القضاء وخطابة الجامع الأموي، ومهنة التدريس في غالب مدارسها، وقد تعرض لشدائد ومحن واتهامات لم تجر على قاض قبله، كما قبل. كان طلق اللسان، قوي الحجة. ومصنفاته كثيرة ومنها: طبقات الشافعية الصغرى والوسطى والكبرى، ومعيد النم ومبيد النقم. من كتبه الأصولية: جمع الجوامع، شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي، وهو المسمى بالإبهاج، ورفع الحاجب عن شرح مختصر ابن الحاجب. برع في الفقه والأصول والتاريخ والأدب، والسبكي نسبة إلى سبك من أعمال المنوفية في مصر. توفي في دمشق بالطاعون سنة 771هـ. راجع في ترجمته: الدرر الكامنة 3/ 232، شذرات الذهب 6/ 221، كشف الظنون 1/ 595 و597، هدية العارفين 1/ 639، معجم المطبوعات 1/ 1002ن الأعلام 4/ 184، معجم المؤلفين 6/ 226. () الفكر السامي 2/ 178، نقلاً عن طبقات الشافعية الكبرى. (¬2) من أجل النظر في المسار التاريخي للتخريج ينبغي التفريق بين التخريج باعتباره عملية اجتهادية استنباطية من نصوص الشارع ومن قواعده الأساسية، وبين التخريج الذي هو علم قائم بذاته يتناول التفريع على آراء الأئمة وبيان مبنى الخلافات القائمة بينهم، وهو الأمر الذي جاء الحديث عنه في صلب الكتاب. أما التخريج بالمعنى الأول فالذي يبدو أنه نشأ مع الأئمة المجتهدين بل مع الصحابة والتابعين، لأنه عملية =

فعلماء هذا الدور ومن جاء بعدهم – على الرغم من نعتهم بالمقلدين – إلا أنهم (جمعوا الآثار ورجحوا الروايات وخرجوا علل الأحكام، واستخرجوا من شتى المسائل والفروع أصول أئمتهم وقواعدهم التي بنوا عليها فتاويهم) (¬1). ¬

_ (¬1) = استخراج الأحكام الشرعية من نصوص الشارع بالقياس عليها، أو بأي طريق آخر يعرف به وجهة الشارع في حكم الواقعة موضوع التخريج، وإن لم يرد بشأنها نص محدد. وحينما نشأت المذاهب الفقهية كان التخريج قائماً ومستخدماً من قبل تلامذة الأئمة، أو من جاء بعدهم من العلماء، يخرجون أحكام الوقائع الجديدة التي لم يرد بشأنها شيء عن الإمام، قياساً على وقائع جزئية منصوص على حكمها من قبل الإمام، على قواعده والأسس التي استخدمها في الاستنباط. ويمكن القول إن محمد بن الحسن (ت 189هـ9 وأبا يوسف (ت 182هـ9 وغيرهما كانا من المخرجين على مذهب الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – (ت 150هـ)، وإن كانا من المجتهدين اجتهاداً مطلقاً منتسباً، كما كان عبد الله بن وهب (ت 197هـ9، وعبد الرحمن بن القاسم (ت 192هـ)، وأشهب بن عبد العزيز القيسي (ت 224هـ) وأسد بن الفرات (ت 213هـ) وعبد السلام بن سعيد الملقب بسحنون (ت 240هـ) من أتباع الإمام مالك – رحمه الله – (ت 179هـ) من المخرجين على مذهبه أيضاً. ومثل هؤلاء تلامذة الإمام الشافعي – رحمه الله – (ت 204هـ)، كالحسن بن محمد الزعفراني (ت 260هـ)، وأبي علي الحسن بن علي الكرابيسي (ت 245هـ)، وإسماعيل بن يحيى المزني (ت 264هـ)، وأبي يعقوب يوسف بن يحيى البويطي (ت 231هـ)، والربيع بن سليمان المرادي (ت 270هـ) وغيرهم. وكذلك تلامذة الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – (ت 240هـ) الذين نقلوا آراءه كابنه عبد الله (ت 290هـ) وابنه صالح (ت 266هـ)، والآخرين الذين أخذوا عنه أو عن تلاميذه، كأحمد بن محمد بن عبد العزيز المروزي (ت 275هـ)، وأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي (ت 285هـ)، وأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون المعروف بالخلال (ت 311هـ)، وأبي القاسم عمر بن حسين الخرقي (ت 334هـ9، وأبي بكر عبد العزيز بن جعفر (ت 363هـ) المعروف بغلام الخلال وغيرهم ومن الممكن أن نلحظ هذا في سائر المذاهب الفقهية التي ظهرت في المحيط الإسلامي. ... () تاريخ التشريع الإسلامي للخضري ص 330 - 333، وتاريخ التشريع الإسلامي =

وبوجه عام فإن أهم أعمالهم المتميزة كانت في ثلاثة أمور: تعليل الأحكام، والترجيح، والانتصار للمذهب. وقد ساعد على ذلك شيوع الجدل والمناظرات فيما بين العلماء، الأمر الذي دفع الكثيرين منهم إلى البحث عن العلل والأدلة التي دفعت أئمتهم إلى أن يقولوا ما قالوه في طائفة من المسائل، التي أدى الاختلاف فيها إلى الاختلاف في الأحكام الفقهية. وقد ذكروا أن من العلماء المبرزين في هذا المجال – أي الخلافيات – أبا زيد عبد الله بن عمر الدبوسي (ت 430هـ) في التعليقة، وابن القصار المالكي (ت 398هـ) في كتابه (عيون الأدلة)، وأبا حامد الغزالي (ت 505هـ) في كتابه المآخذ (¬1)، وأن ابن الساعاتي (ت 694هـ) (¬2)، قد جمع في أصول الفقه (جميع ما يبنى عليها من الفقه الخلافي، مدرجاً في كل مسألة منه ما ينبني عليها من الفقه الخلافي، مدرجاً في كل مسألة منه ما ينبني عليها من الخلافيات) (¬3)، ولكن عد أمثال هذه الكتب مما نحن فيه يحتاج إلى دراستها وتمحيصها، ومعرفة ما تناولته من الموضوعات، وكيفية تناولها لها، وهذا أمر غير ميسور في كثير من هذه الكتب، لعدم العلم بوجود أكثرها، أو لعدم تيسر الحصول على بعض منها. ¬

_ (¬1) = للسبكي والسايس والبربري ص 314. () مقدمة ابن خلدون: الموضع السابق، وأبجد العلوم 2/ 277. (¬2) هو: أبو العباس مظفر الدين أحمد بن علي بن تغلب المعروف بابن الساعاتي البغدادي المولد والمنشأ وعرف بابن الساعاتي، لأن أباه هو الذي عمل الساعات المشهورة على باب المستنصرية ببغداد. فقيه وأصولي وأديب، توفي سنة 694هـ وقيل سنة 696هـ، وقيل غير ذلك. من مؤلفاته: مجمع البحرين وشرحه في الفقه الحنفي، والبديع في أصول الفقه، جمع فيه بين أصول البزدوي وإحكام الآمدي، والدر المنضود في الرد على فيلسوف اليهود. راجع في ترجمته: الجواهر المضيئة 1/ 208، مفتاح السعادة 2/ 56، معجم المؤلفين 2/ 4. (¬3) مقدمة ابن خلدون: الموضع السابق.

وإذا أردنا أن نبحث الأمر على ضوء الأدلة المادية، وما هو موجود في ساحة العلوم، فربما جاز أن نقول إن كتاب (تأسيس النظائر) لأبي الليث السمرقندي المتوفى سنة 373هـ يعد من أقدم الكتب المؤلفة في هذا الباب. إن هذا الكتاب نموذج صحيح وجيد لعلم تخريج الفروع على الأصول. غير أنه وسع دائرة الأصول، فشملت عنده القواعد والضوابط الفقهية، ولم يحو من القواعد الأصولية إلا القليل. وإذا كان أبو الليث لم يسم كتابه تخريج الفروع على الأصول، فإن مادته كانت كذلك، والعبرة بواقع الموضوع لا باسمه. وإلى جانب هذا الكتاب نجد كتاباً آخر يحمل اسماً مشابهاً لاسم كتاب أبي الليث هو (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي المتوفى سنة 430هـ وهو قريب العهد من أبي الليث، وقد يكون كتابه هو نفسه كتاب أبي الليث، لكن بزيادة أصل في آخره يتضمن بعض الأصول اليسيرة، ومع اختلافات قليلة جداً، فيما عدا ذلك، في الصياغة وفي بعض الفروع، مما سنشير إليه عند دراستنا هذا الكتاب. وبعد ما يزيد على قرنين من الزمان ظهر كتاب (تخريج الفروع على الأصول) لشهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني. المتوفى سنة 656هـ، وهو من أنضج الكتب المؤلفة في هذا الباب. وقد ادعى الزنجاني سبقه غيره في هذا النوع من التأليف. قال في مقدمة كتابه المذكور (وحيث لم أر أحداً من العلماء الماضين والفقهاء المتقدمين من تصدي لحيازة هذا المقصود) (¬1). لكن كتابي السمرقندي والدبوسي يخدشان هذه الدعوى، إلا أن يكون الزنجاني قد قصد القواعد الأصولية وحدها، كما سنفصل ذلك فيما بعد. وبعد ذلك نجد أن القرن الثامن الهجري قد جاء بعدد من العلماء الذين ¬

_ (¬1) تخريج الفروع على الأصول ص 2 ط1.

ألفوا في هذا المجال منهم جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي. المتوفى سنة 772هـ في كتابه: (التمهيد في تخريج الفروع على الأصول)، لكنه قصر الكلام على الخلافات في داخل المذهب الشافعي، مما يدخل في الوجوه والطرق وما يشبه ذلك من أقوال في المذهب، وقلما يذكر خلافات المذاهب الأخرى. وللأسنوي كتاب آخر، في هذا المعنى، يحمل عنوان (الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية) وعنوان الكتاب يفصح عنه، لأنه قصر الكلام فيه على الفروع الفقهية المنبنية على قواعد النحو ليس غير. ومن العلماء الذين أسهموا في ذلك، في هذه الفترة، أبو الحسن علاء الدين عي بن عباس البعلي الحنبلي. المتوفى سنة 803هـ، والمعروف بابن اللحام (¬1)، في كتابه (القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية). وعلى الرغم من أن هذا الكتاب يتناول القواعد الأصولية واختلاف العلماء فيها إلا أن فروعه المبنية عليه كان غالبها من فقه الإمام أحمد – رحمه الله- وأتباعه. وجاءت بعد هؤلاء طائفة أخرى نسجت على منوالهم، ¬

_ (¬1) هو: أبو الحسن علاء الدين علي بن عباس البعلي ثم الدمشقي المعروف بابن اللحام. من فقهاء الحنابلةن تلقى الفقه ببلده بعلبك ثم انتقل على دمشق فدرس وناظر وشارك في علوم متعددة. تتلمذ على ابن رجب ودرس في حلقته في الجامع الأموي، بعد وفاته. تولى القضاء فترة من الزمن ثم تركه وعكف على الاشتغال بالعلم. ثم ترك دمشق إلى القاهرة، بعد استيلاء تيمورلنك على حلب، وبقي فيها حتى مات سنة 802هـ. من مؤلفاته: القواعد والفوائد الأصولية، ومختصر في أصول الفقه، والأخبار العلمية في اختيارات الشيخ تقي الدين بن تيمية، وتجريد العناية في تحرير أحكام النهاية. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 7/ 31، الأعلام 4/ 297، ومقدمة المختصر في أصول الفقه لمحقق الكتاب محمد مظهر بقا. معجم المؤلفين 7/ 206.

وسلكت طريقتهم ومن هؤلاء أحد علماء الشيعة الذي ألف كتاباً سماه (كشف الفوائد في تمهيد القواعد). وقد فرغ من تأليفه سنة 968هـ. وقد ذكر في مقدمته أنه صنفه على نمط تصنيف الأسنوي للتمهيد. وهو خاص بفقه الشيعة ومحفوظ بدار الكتب المصرية (¬1). ومن هؤلاء محمد بن عبد الله التمرتاشي الحنفي، المتوفى سنة 1004هـ (¬2) في كتابه: "الوصول إلى قواعد الأصول" وقد ذكر في مقدمته أنه سار به، أيضاً، على نمط الأسنوي في كتابه التمهيد (¬3). ومن المؤلفات المعاصرة في هذا المجال (أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء) للدكتور/ مصطفى سعيد الخن، وهو رسالة للدكتوراه من كلية الشريعة في جامعة الأزهر. ومنها كتاب (أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي) للدكتور/ مصطفى ديب البغا، وهو رسالته للدكتوراه نم كلية الشريعة في جامعة الأزهر أيضاً (¬4). ¬

_ (¬1) مقدمة تحقيق التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص 16، وقد ذكر المحقق أيضاً كتاباً لأحد أئمة الشافعية غير معروف الاسم بعنوان تخريج الفروع على الأصول، وأنه توجد نسخة خطية منه في مكتبة الأزهر. (¬2) هو: محمد بن عبد الله بن أحمد الخطيب التمرتاشي الحنفي. ولد بغزة وتلقى علومه في البداية على مفتي الشافعية فيها، ثم سافر على مصر أكثر من مرة، وتفقه على الشيخ زين بن نجيم صاحب البحر وغيره، فارتفع ذكره وقصده الناس للفتوى. توفي في غزة سنة 1004هـ. من مؤلفاته: تنوير الأبصار وجامع البحار، ومعين المفتي على جواب المستفتي، ومسعف الحكام على الأحكام، والوصول إلى قواعد الأصول، ورسائل كثيرة منها رسالة في النقود، وغير ذلك. راجع في ترجمته: الأعلام 6/ 239، الفتح المبين 3/ 86. (¬3) مقدمة تحقيق التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص 16. (¬4) ننبه هنا إلى أنه قد وردت إشارات إلى أسماء كتب تحمل عناوينها الموضوع الذي نتحدث عنه، أو ما يشبهه، وقد أهملنا ذكرها في المتن لعدم معرفتنا شيئاً عنها إلا =

هذا ونذكر أن هناك طائفة من المؤلفات تناولت هذا الموضوع، ولكنه لم يكن هدفها الأساس، وإنما كان التخريج يأتي فيها بطريق التبعية، أو أنه كان جزءاً من موضوع متشعب. ومن هذه المؤلفات كتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد المتوفى سنة 595هـ (¬1) وهو كتاب مؤلف في الفقه بعامة، ولم يكن الغرض منه بيان أسباب الاختلاف وما ينبني عليها من الفروع، وإن كان المؤلف قد تطرق إلى ذلك في مقدمته وبين من خلال عرضه الفقهي الرائع آراء الفقهاء والأسباب التي أدت إلى وقوع الاختلاف بينهم ومن هذه المؤلفات كتاب (مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول) للإمام اشريف أبي عبد الله محمد بن أحمد المالكي التلمساني المتوفى سنة 771هـ (¬2). ¬

_ (¬1) = بالإشارة إلى أسمائها، ومن ذلك: تمهيد القواعد الأصولية والعربية لتفريع الأحكام الشرعية لزين الدين بن علي العاملي الشيعي. وقد ذكر صاحب إيضاح المكنون أنه في (6) مجلدات. إيضاح المكنون 1/ 322. () هو: أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي القرطبي الغرناطي المالكي، الشهير بالحفيد والملقب بقاضي الجماعة. فيلسوف وفقيه وأصولي وطبيب ومسهم في علوم كثيرة، ومتفنن في التأليف. كان مرجعاً في الطب كما كان مرجعاً في الفتوى اتهم بالزندقة والإلحاد فنفي إلى مراكش ثم عفي عنه، فعاد إلى بلده ولم يعش طويلاً بعد ذلك، إذ مات سنة 595هـ. من مؤلفاته: التحصيل في اختلاف مذاهب الفقهاء، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، والضروري في العربية، وتهافت التهافت في الرد على الغزالي، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه، وغير ذلك كثير. راجع في ترجمته: الديباج المذهب ص 284، وشذرات الذهب 4/ 230، والأعلام 5/ 318، والفتح المبين 2/ 38. (¬2) هو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى الشريف الحسني التلمساني المالكي يتصل نسبه بالحسن بن علي بن أبي طالب. ولد ونشأ في تلمسان، وقرأ على طائفة من علماء بلده وعصره، وعرف فضله وعلمه في المغرب، وأثنى عليه الكثيرون. وصرح بعض علماء عصره ببلوغه درجة الاجتهاد، ونعت بأنه كان حبراً إماماً محققاً نظاراً. =

وهو كتاب موجز مؤلف في أصول الفقه بعامة، ولكنه كان يُتبع الاختلافات الأصولية بذكر ما يترتب عليها من الاختلافات الفقهية، ولم يكن الغرض الأساس من تأليفه، أن يكون في التخريج. ومن المؤلفات التي تناولت هذا الموضوع جزئياً كتاب (الأشباه والنظائر) لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي المتوفى سنة 771هـ. فقد تناول هذا الكتاب في مواضع مختلفة منه، أسباب اختلاف الفقهاء، وأصولاً كلامية يبني عليها فروع فقهية، ومسائل أصولية يتخرج عليها فروع فقهية ومسائل نحوية يترتب عليها مسائل فقهية، وقد شفع كل ذلك بطائفة من الفروع المبنية على تلك المسائل (¬1). ومن تلك المؤلفات كتاب (مختصر من قواعد العلائي وكلام الأسنوي) لأبي الثناء نور الدين محمود بن أحمد الحموي، المعروف بابن خطيب الدهشة. المتوفى سنة 834هـ (¬2). فقد تناول هذا الكتاب في جانب منه ¬

_ (¬1) = توفى سنة 771هـ. من مؤلفاته: القضاء والقدر، شرح جمل الخونجي في العربية، ومفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول. راجع في ترجمته: نيل الابتهاج ص 255،والأعلام 5/ 327، والفتح المبين 2/ 182. () لاحظ ج2 من الأشباه والنظائر ص 254 وما عبدها، ص 3 وما بعدها، وص 77 وما بعدها، وص 202 وما بعدها. (¬2) هو أبو الثناء محمود بن أحمد بن محمد الهمذاني الفيومي الأصل الحموي الشافعي الملقب بنور الدين والمعروف بابن خطيب الدهشة. أصله من الفيوم، انتقل أبوه إلى الشام فولد المترجم له فيها في مدينة حماه، ونشأ فيها وتفقه على طائفة من العلماء. وأبو الثناء عالم بالفقه واللغة والحديث وغريبه وغير ذلك. أفتى ودرس فأفاد، وتولى قضاء حماة ثم صرف عنه، وفي سنة 834هـ توفي في حماه مسقط رأسه. من مؤلفاته: تحفة ذوي الأرب في مشكل الأسماء والنسب، والتغريب في علم الغريب. تهذيب المطالع لترغيب المطالع، شرح الكافية لابن مالك، ومختصر من قواعد العلائي وكلام الأسنوي. =

طائفة من القواعد الأصولية المختلف فيها، وذكر ما يترتب على ذلك الاختلاف من اختلافات في الفروع الفقهية. ونكتفي بذكر هذين الكتابين، لأن استقصاء من تناولوا ذلك تبعاً أو جزئياً أو ضمناً يطول. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ = راجع في ترجمته: شذرات الذهب 7/ 210ن والأعلام 7/ 162، ومعجم المؤلفين 1/ 148.

المبحث الثاني أسباب اختلاف الفقهاء

المبحث الثاني أسباب اختلاف الفقهاء ذكرنا أن لعلم تخريج الفروع على الأصول، علاقة بينة بالخلافات المذهبية والجدل والمناظرات، التي كانت قائمة بين علماء المسلمين، وأن هدف علماء هذا الفن كان بيان مآخذ علمائهم، والأصول التي رُدت إليها أقوالهم، والدفاع والمنافحة عن وجهات نرهم في ذلك، ولهذا فإن الحديث عن أسباب الخلاف، يُعد ذا صلة مباشرة به، إن لم يكن من أركانه الأساسية. ونذكر في بداية حديثنا أن الاختلاف في الأفكار والآراء والطبائع والأخلاق واللغات ظاهرة إنسانية، وقد جعل الله - سبحانه- ذلك جزءاً من طبيعة الإنسان قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (الروم /229، وقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود 118 و119)، فالاختلاف في القدرات البدنية، والاستعدادات الفطرية، ودرجات العلم والفهم والذكاء، والمدارك العقلية، ورواسب الأعراف والعادات، وغيرها، كان له آثار ونتائج في تفكير الإنسان وفهمه، وطريقة توصله إلى المعرفة، وفي ميله وانجذابه إلى أنواع من الأدلة والأمارات والمفاهيم، دون الانجذاب إلى غيرها، ولذلك كانت الاختلافات في الأحكام الفقهية وبعض الأسس والأصول التي تُبنى عليها. على أننا نشير إلى أن الشارع قد ذم الاختلاف في مواضع كثيرة من كتابه، كما بين أن بعض أنواع الاختلاف يُعد من الأمور السيئة والظواهر السلبية في المجتمع، كاختلاف أصحاب الملل وأهل البدع والأهواء. قال

تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (الأنعام/159) وقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ} (آل عمران/105)، وهذا النوع من الاختلاف ليس هو موضوع بحثنا، وإن كان من الممكن أن يتخرج عليه كثير من الأحكام والقضايا العقدية، لأنه اختلاف منشؤه الزيغ والانحراف، والتأثر بمعطيات الأفكار الوثنية القديمة، وهو يمثل الشذوذ والخروج عن العقيدة السلفية الصحيحة، ومثل هذا ليس محل اجتهاد، ولا تدعو إليه حاجة، ولا تتوقف عليه مسيرة الأمة وتطورها ورقيها، ولا معايش الناس ومعاملاتهم وعباداتهم، ولهذا فقد اتفق أصوليو هذه الأمة – إلا من شذ منهم، وكان موضع نكير (¬1) - على أن المصيب فيه واحد، وأن المخطيء فيه آثم، وذلك لوضوح الأدلة، ولعدم الحاجة إلى مزيد بيان على ما أوضحه الشارع بشأنها. فكلامنا – إذن- هو عن النوع الأول من الاختلاف المسموح بالاجتهاد فيه (¬2). لتوقف حياة الإنسان العملية عليه، وحاجته إلى معرفة ثمراته ونتائجه التزاماً بما شرع الله، واطمئناناً إلى أن ما يفعله المكلف إنما هو مما كلفه به الخالق – سبحانه – والبحث عن أسباب هذا الاختلاف يكشف عن أن تلك الاجتهادات لم تكن عن انحراف وزيغ، ولا عن شهوات وهوى، (وإنما عن أسباب يعذر لمثلها المخطيء ويؤجر أجراً واحداً، ويحمد المصيب ويؤجر أجرين، فضلاً من الله ورحمة) (¬3). على أن معرفة تلك الأسباب مما يساعد ¬

_ (¬1) نقل ذلك عن عبيد الله بن الحسن العنبري (ت 168هـ)، وعن أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت255هـ) المعتزليين. وهناك من العلماء من لم ينقل عن الجاحظ التصويب في الأصول، بل نفي الإثم والحرج. انظر في ذلك: المحصول 2/ 500ن والإحكام للآمدي 4/ 178، والإبهاج 3/ 257، ونهاية السول 3/ 205. (¬2) من المفيد مراجعة كتاب (ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين) للشيخ عبد الجليل عيسى، ومقدمة شمس الدين المناوي لكتابه (فوائد الفوائد في اختلاف القولين لمجتهد واحد) ص 17. (¬3) أسباب اختلاف الفقهاء للدكتور عبد الله التركي. مقدمته للشيخ عبد الرزاق عفيفي.

على ربط كثير من الفروع بأصولها، ونظمها في سلك واحد، مما يمكن العارف بذلك من تكوين تصور صحيح للعلاقات القائمة بين كثير من الفروع المتنوعة التي لا يجمعها باب واحد، وإنما تتفق بوصف مشترك يجمع بينها، الأمر الذي يساعد على الاستنباط والتخريج والفهم. ومسألة الاختلاف بين الفقهاء مما شغلت العلماء، فألفوا فيها الكتب المتنوعة، والكثيرة، منذ فجر نهضة الفقه الإسلامي. غير أن أغلب هذه الكتب لم تختص ببيان أسباب الاختلاف، وإنما تعرضت لآراء الفقهاء المختلفة في طائفة من المسائل الفقهية، كالذي عليه (اختلاف الفقهاء) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ) (¬1)، والإشراف على مسائل الخلاف، للقاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي (ت 422هـ)، و (حلية العلماء في اختلاف الفقهاء) لأبي بكر محمد بن أحمد الشاشي الشافعي (ت 507هـ) (¬2). و (اختلاف ¬

_ (¬1) هو أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري. المؤرخ المفسر الفقيه. ولد في آمل طبرستان، ونشأ فيها، ثم تركها بعد أن ترعرع، واستوطن بغداد، فبرز بين علمائها واشتهر فيها. وعرض عليه القضاء والمظالم فامتنع عن توليها. كان عالماً مطلعاً محققاً ومجتهداً في أحكام الدين، وحافظاً لكتاب الله بصيراً بمعانيه وعارفاً بالسنن وطرقها، وبأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم، توفي في بغداد سنة 310هـ. من مؤلفاته: تاريخ الأمم والملوك والمعروف بتاريخ الطبري، وجامع البيان في تفسير القرآن، واختلاف الفقهاء، والخفيف وهو كتاب مختصر في الفقه، وتهذيب الآثار، والتبصير في أصول الدين وغيرها. راجع ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى 2/ 135، ومعجم الأدباء 18/ 40 - 94، ووفيات الأعيان 3/ 332، وطبقات المفسرين ص 95، وشذرات الذهب 2/ 260، والأعلام 6/ 96. (¬2) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين الشاشي القفال الفارقي الملقب بفخر الإسلام كان رئيس الشافعية ي العراق في عصره، ولد في ميافارقين، وتفقه على بعض علمائها، كما قرأ الشامل في الفقه على مصنفه أبي نصر الصباغ. تولى التدريس في المدرسة النظامية بعد الشيخ أبي إسحاق، واستمر في ذلك حتى وفاته سنة 507هـ. كان مهيباً، وقوراً متواضعاً ورعاً، ولقبه طلبته بالجنيد لزهده وشدة ورعه. من كتبه: حلية العلماء في معرفة الفقهاء المعروف بالمستظهري لكونه ألفه للإمام =

الفقهاء) لأبي جعفر الطحاوي الحنفي (ت 321هـ) (¬1) وغيرها. وهذه الكتب، وإن كان بعضها يتطرق إلى استدلالات العلماء، وبيان مآخذهم، إلا أنها لم تؤلف لغرض بيان الأسباب المؤدية إلى الاختلاف. ومن الجدير بالذكر أن ننوه بأنه كانت توجد قضايا رئيسة وكبرى، يدور حولها الخلاف، حظيت باهتمام طائفة أخرى من علماء المذاهب، انتصر كل منهم فيها إلى مذهبه، وزيف – بحسب ما رآه – حجج خصمه. ومما نشر من هذه الكتب، كتاب (الاصطلام في الخلاف) لأبي المظفر السمعاني الشافعي المتوفى سنة 489هـ (¬2) وكتاب (رؤوس المسائل) لجار الله محمود بن عمر الزمخشري الحنفي المتوفى سنة 538هـ (¬3)، وكتاب (طريقة الخلاف بين ¬

_ (¬1) = المستظهر بالله. وشرح مختصر المزني، والمعتمد، والفتاوى وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 3/ 356، طبقات الشافعية للأسنوي 2/ 87، شذرات الذهب 4/ 16، الأعلام 5/ 316، معجم المؤلفين 8/ 253. () انظر ترجمته في الفصل الأول من الباب الثاني من هذا الكتاب. (¬2) هو أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي السمعاني التميمي. نسبة إلى سمعان وهي بطن من تميم. كان من العلماء البارزين، ومفتي خراسان في زمانه. قدمه نظام الملك على أقرانه. تفقه على مذهب أبي حنيفة، ثم تحول إلى مذهب الشافعي في حجة لأمر ظهر له، فلقي بسبب ذلك أذى شديداً عند عودته إلى بلدته. تنقل في البلدان فسافر إلى بغداد والحجاز وغير ذلك. ووقع في أسر الأعراب فترة توفى في مرو التي ولد فيها سنة 489هـ. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى 4/ 21، وطبقات الشافعية للأسنوي 2/ 29، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 281، وشذرات الذهب 3/ 393، والأعلام 7/ 03، والفتح المبين 1/ 266. (¬3) هو أبو القاسم محمود بن عمر جار الله الخوارزمي الزمخشري. نسبة إلى زمخشر من قرى خوارزم. كان إماماً في التفسير والفقه واللغة وعلم البيان. عرف بالاعتزال والمجاهرة به، لكنه متمذهب بمذهب أبي حنيفة في الفروع. تنقل في البلدان، وجاور في مكة فلقب بجار الله. توفي بالجرجانية من قرى خوارزم، وبعد عودته من مكة، سنة 538هـ. =

الأسلاف) لعلاء الدين محمد بن عبد الحميد الأسمندي السمرقندي الحنفي المتوفى سنة 552هـ (¬1)، وكتاب (إيثار الإنصاف في آثار الخلاف) لسبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى سنة 654هـ (¬2). والموضوعات التي تطرقت إليها هذه الكتب، وما كان على شاكلتها، دارت حول قضايا محددة، وتكاد تكون واحدة. ¬

_ (¬1) = من مؤلفاته: الكشاف في تفسير القرآن، وأساس البلاغة، والمفصل، والجبال والأمكنة والمياه، وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 4/ 254، وشذرات الذهب 4/ 118، والأعلام 7/ 178. () هو أبو الفتح علاء الدين محمد بن عبد الحميد بن الحسن الأسمندي السمرقندي. من أهالي أسمند من قرى سمرقند. كان من فحول فقهاء الحنفية، ومن مناظريهم البارزين. تفقه على السيد الأشرف، وروى عنه أبو المظفر السمعاني. واتهم بشحة الكلام، حتى أنه يسكت عن الجواب في كثير مما يعلم، كما اتهم بأنه كان يشرب الخمر ويقال: أنه تنسك وترك المنارة توفى سنة 552هـ. من مؤلفاته: التعليقة في مجلدات، ومختلف الرواية، وطريقة الخلاف بين الأئمة الأسلاف، وبذل النظر في أصول الفقه، وغيرها. راجع في ترجمته: تاج التراجم ص 56، والجواهر المضية 3/ 208، والأعلام 6/ 187، وطريقة الخلاف مقدمة المحقق د/ محمد زكي عبد البر ص 17 وما بعدها. (¬2) هو أبو المظفر شمس الدين يوسف بن قُزغلي المعروف بسبط ابن الجوزي، وذكر بعضهم أنه ابن فرغلي، وخطأ من قال قُزغلي. لن صاحب الأعلام رجح الأول، وقال إن معنى قزغلي في التركية ابن البنت. ولد أبو المظفر ونشأ في بغداد تحت رعاية جده لأمه أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت 596هـ)، ثم تركها متنقلاً بين البلدان، بعد وفاة جده. فرحل على دمشق والموصل ومصر، معلماً ومتعلماً. كان في شبابه حنبلياً، لكنه انتقل إلى مذهب أبي حنيفة بعد ذلك. وكان فيه شيء من الرفض والتشيع، استوطن دمشق ومات فيها سنة 564هـ. من مؤلفاته: إيثار الإنصاف، ومعادن الإبريز في التاريخ، والإيضاح في قوانين الاصطلاح وشرح الجامع الكبير وغيرها. راجع في ترجمته: الجواهر المضية 3/ 633، وتاج التراجم ص 83، وشذرات الذهب 5/ 266، والأعلام 8/ 246، ومقدمة محقق إيثار الإنصاف ص 7 وما بعدها.

بعضها أصول ينبني عليها فروع فقهية كثيرة، وغالبها من الجزئيات الفقهية. وقد تكون رسالة (تأسيس النظائر) لأبي الليث السمرقندي المتوفى سنة 373هـ من أقدم ما ألف بهذا الشأن، ولكنها لم تكن شاملة ونما اقتصر المؤلف فيها على ذكر ما يزيد على ثمانين أصلاً مختلفاً فيه بين العلماء، لا سيما الأحناف منهم، وما يترتب على هذا الخلاف من نتائج في المجال التطبيقي التفريعي، وهذا عمل جليل، لكنه، كما ذكرنا، لم يبحث عن الأسباب التي أوجبت الخلاف بين الفقهاء بصورة شاملة. وربما كان أول من أفرد أسباب الاختلاف بين الفقهاء بصورة شاملة – فيما ظهر لنا – هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي المتوفى سنة 521هـ (¬1) في كتاب (التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم ومذاهبهم واعتقاداتهم). وقد حصر المؤلف – رحمه الله – أسباب الاختلاف في ثمانية أوجه، هي: 1 - اشتراك الألفاظ والمعاني. 2 - الحقيقة والمجاز. 3 - الإفراد والتركيب. 4 - الخصوص والعموم. ¬

_ (¬1) هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي. ولد فيمدينة بطليوس في الأندلس، وسكن بلنسية. كان أديباً عالماً في النحو واللغة، ومشاركاً في علوم أخرى. تتلمذ على طائفة من علماء عصره، كان من أبرزهم القاضي عياض. توفى في بلنسية سنة 521هـ. من مؤلفاته: الاقتضاب في شرح أدب الكاتب، والتنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسمين في آرائهم .... ، والمثلث في اللغة، وشرح موطأ الإمام مالك، وغيرها. من مؤلفاته: الاقتضاب في شرح أدب الكاتب، والتنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم ... ، والمثلث في اللغة، وشرح موطأ الإمام مالك، وغيرها. راجع في ترجمته: الديباج المذهب ص 140 و141، ووفيات الأعيان 2/ 282، وشذرات الذهب 4/ 64، والفتح المبين 2/ 19، ومعجم المؤلفين 6/ 121.

5 - الرواية والنقل. 6 - الاجتهاد فيما لا نص فيه. 7 - الناسخ والمنسوخ. 8 - الإباحة والتوسع. وبعض هذه الأسباب متداخلة فيما بينها، كما هو ظاهر. ومن الملاحظ عليه، أنه وسع الكلام في الأسباب العائدة، إلى الجانب اللغوي والأدبي، وفيما يتعلق بالسنة من جهة الرواية والنقل، وطوى بعض المباحث الأخرى، دون تفصيل، ولا نماذج تطبيقية (¬1). ولم يتطرق إلى المسائل الفقهية إلا نادراً. ونجد، بعد ذلك، أبا الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (ت 595هـ)، يذكر في مقدمة كتابه (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) أسباب الاختلاف باقتضاب. وقد حصرها في ستة أمور، هي: - تردد اللفظ بين أن يكون عاماً يراد به الخاص، أو خاصاً يراد به العام، أو عاماً يراد به العام، أو خاصاً يراد به الخاص. أو يكون له دليل خطاب أو لا يكون. 2 - الاشتراك في الألفاظ، سواء كانت مفردة أو مركبة. 3 - اختلاف الإعراب. 4 - تردد اللفظ بين حمله على الحقيقة، أو حمله على نوع من أنواع المجاز. 5 - إطلاق اللفظ تارة، وتقييده تارة. 6 - التعارض بين الأدلة (¬2). ويلاحظ على هذه الأسباب، أنها – باستثناء التعارض، بين الأدلة- ¬

_ (¬1) انظر: الباب السادس في الخلاف العارض من قبل الاجتهاد والقياس (ص 211)، والباب السابع في الخلاف العارض من قبل النسخ (ص215)، فقد كان كلامه عاماً، دون ذكر نماذج محددة في الفروع المبنية على الخلاف. (¬2) بداية المجتهد 1/ 5 و6.

ترجع إلى سبب واحد يتعلق بقواعد الدلالات اللغوية، والنحوية. فهو تقسيم غير جامع، ولم يقم على أساس استقرائي صحيح، ولا على قسمة عقلية. وممن تناول هذا الموضوع شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن الحليم بن عبد السلام بن تيمية (ت 728هـ)، في رسالته (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)، ولكن الذي يبدو أن الرسالة لم يكن المقصود منها حصر أسباب الخلاف بوجه عام، وإنما كان الغرض منها بيان الأعذار التي تلتمس للمختلفين، مع توفر الأحاديث، المتعلقة في المسألة، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. وقد حصر الأعذار، أو أسباب الاختلاف، في ثلاثة أصناف، هي: 1 - عدم اعتقاد المجتهد أن الحديث قد ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم -. 2 - عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول. 3 - اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ. وقد فرع عن هذه الأصناف الثلاثة عشرة أسباب، تتعلق جميعها بالأحاديث، منه ما يتعلق بوصولها للمجتهد أو عدم وصولها إليه، ومنها ما يتعلق بقوتها وضعفها، ومنها ما يتعلق بدلالتها على المعنى أو عدم دلالتها عليه، ومنها ما يتعلق بما يشترطه بعضهم في بعض أنواعها، وما يتعلق بالتعارض فيما بينها تخصيصاً أو نسخاً (¬1). وفي عصر الإمام ابن تيمية – رحمه الله – أفرد أبو القاسم محمد بن أحمد بن جُزي الغرناطي المالكي المتوفى سنة 741هـ (¬2)، على غير عادة ¬

_ (¬1) رفع الملام عن الأئمة الأعلام ص 10 وما بعدها، وانظر أيضاً في مجموع الفتاوى 20/ 231 وما بعدها. (¬2) هو أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد بن جزي الكلبي الغرناطي، كان عالماً مشاركاً في فنون مختلفة من عربية وفقه وأصول وأدب وحديث. وكان حافظاً للتفسير، مستوعباً للأقوال، جماعه للكتب. شُهد له بالفضل منذ حداثته، عندما تقدم خطيباً للمسجد الأعظم في بلده. مات شهيداً بكائنة طريف سنة 741هـ. من مؤلفاته: القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية، وتقريب الوصول إلى =

الأصوليين، (الباب العاشر) من كتابه (تقريب الوصول إلى علم الأصول، في أسباب الخلاف بين المجتهدين. وقد حصرها – على ما ذكر – بحسب الاستقراء، في ستة عشر سبباً، هي: 1 - تعارض الأدلة. 2 - الجهل بالدليل. 3 - الاختلاف في صحة نقل الحديث. 4 - الاختلاف في نوع الدليل، هل يحتج به أم لا؟ 5 - الاختلاف في قاعدة من الأصول، ينبني عليها الاختلاف في الفروع، كحمل المطلق على المقيد، وشبه ذلك. 6 - الاختلاف في القراءات في القرآن. 7 - اختلاف الرواية في ألفاظ الحديث. 8 - اختلاف وجه الإعراب، مع اتفاق القراء في الرواية. 9 - كون اللفظ مشتركاً بين معنيين. 10 - الاختلاف في حمل اللفظ على العموم أو الخصوص. 11 - الاختلاف في حمل اللفظ على الحقيقة أو على المجاز. 12 - الاختلاف في هل في الكلام مضمر أو لا 13 - الاختلاف في هل الحكم منسوخ أو لا؟ 14 - الاختلاف في حمل الأمر على الوجوب أو على الندب. 15 - الاختلاف في حمل النهي على التحريم أو الكراهة. 16 - الاختلاف في فعل النبي – صلى الله عليه وسلم -، هل يحمل على الوجوب أو الندب، أو الإباحة؟ (¬1). ¬

_ (¬1) = علم الأصول، والتسهيل لعلوم التنزيل، ووسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم، وغيرها. راجع في ترجمته: الدرر الكامنة 5/ 88 و89، والديباج المذهب ص 295، الأعلام 5/ 325. () تقريب الوصول ص 168 - 171.

وكان عرضه لهذه الأسباب موجزاً، ولم يذكر لكثير منها أمثلة، بل اكتفى بالتعداد، وما مثل له اكتفى بمثال أو مثالين، مع العرض الموجز. وممن تكلم عن أسباب الاختلاف في هذه الفترة تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771هـ) في كتابه (الأشباه والنظائر). فبين المآخذ المختلف فيها بين الأئمة مما ينبني عيها فروع فقهية، وقدم لذلك ببيان أن الخلاف إما في مسائل مستقلة، أو في فروع مبنية على أصول، وأن القسم الأول، أي الخلاف في المسائل المستقلة ينشأ من أمور، منها: 1 - كون اللفظ مشتركاً (كالقرء) فإنه عند الشافعي الطهر وعند أبي حنيفة الحيض، وكلمة (أو) في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ} (المائدة /33) فحملها مالك على التخيير، فيفعل السلطان ما يراه في هذه الأمور، وقال الشافعي وأبو حنيفة للتفصيل والتقسيم، فمن حارب وقتل وأخذ المال صلب وقتل، ومن قتل ولم يأخذ قتل، ومن أخذ ولم يقتل قطع ... 2 - الاختلاف في محل النفي، هل هو لنفي الحقيقة أو لنفي الكمال؟ نحو: (لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل) (¬1)، حمله الشافعية على الصحة والحقيقة، وقال الحنفية إنه لنفي الكمال، أي لا صيام كامل؛ ونحو ذلك: لا نكاح إلا بولي. 3 - الخلاف الناشئ عن دعوى ارتباط إحدى الآيتين بالأخرى. 4 - الغفلة عن أحد الدليلين المتقابلين – ولو بالعموم والخصوص – فينسحب ¬

_ (¬1) ذكر ابن حجر أنه لم ير هذه الصيغة، لكن في الدارقطني (لا صيام لمن لم يفرضه في الليل) وفي حديث حفصه (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) وقد رواه الخمسة، وقد مال الترمذي والنسائي إلى ترجيح وقفه، وصححه مرفوعاً ابن خزيمة وابن حبان. انظر: تلخيص الحبير2/ 188 و189، وسبل السلام 2/ 301، و302.

على العموم من لم يبلغه دليل الخصوص. 5 - الخلاف الناشئ عن جهة الراوي ضعفاً أو إرسالاً، ونحوه، أو نقله الحديث بما يظنه المعنى، أو جهله بالإعراب، أو بسبب الحديث، أو تصحيفه، أو إسقاطه شيئاً به تمام المعنىن إما لعدم سماعه القدر الزائد، أو لظنه عدم ارتباطه بما اقتصر عليه، أو لنقله من الصحف. 6 - الخلاف الناشئ من جهة الاجتهاد، وهو يختلف باختلاف القرائح والأذهان، وما لها من استعداد، كما أنه يتصل بباب القياس، وما ينشأ فيه من أنواع الخلاف، ولا سيما في شأن العلة (¬1). وأما النوع الثاني من الخلاف، وهو الخلاف في الفروع، بعد الاتفاق على أصولها، فهو في غالب ما ذكره من الأمثلة يرجع إلى تخريج المناط، وتحقيقه، كاتفاقهم على أن رفع المجمع عليه باطل. ولكنهم اختلفوا في إحداث قول ثالث: هل يرجع المجمع عليه أو لا؟ فمن رأي أنه يرفع المجمع عليه قال ببطلانه، ومن رأى أنه لا يرفعه قال بجوازه، ولو اتفقوا على أنه رافع لاتفقوا على بطلانه. ومن ذلك في الفقه، اتفاقهم على أن الغرر مجتنب في البيع لحديث "نهي عن بيع الغرر" (¬2)، وللإجماع على ذلك، لكنهم اختلفوا في بيع الغائب هل هو غرر أو لا، بناء على اختلافهم في معنى الغرر (¬3). وممن أسهم في هذا الموضوع في هذه الفترة أبو إسحاق غبراهيم بن موسى الشاطبي (ت 790هـ) فقد تكلم عن الخلاف بين الفقهاء، وأسبابه، ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر 2/ 254 وما بعدها. وقد ذكرنا طائفة مما ذكره من الأسباب بنصه. (¬2) حديث (نهي عن بيع الغرر) رواه مسلم وأحمد وابن حبان من حديث أبي هريرة، ورواه ابن ماجة وأحمد من حديث ابن عباس. (تلخيص الحبير 3/ 6). وفي الجامع الصغير أن حديث (نهي عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر، برواية مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، عن أبي هريرة، حديث صحيح). (الجامع الصغير ص 192). (¬3) الأشباه والنظائر 2/ 262.

في كتاب (الموافقات في أصول الشريعة)، وذكر سبق ابن السيد في التأليف في ذلك، وكرر حصرها في ثمانية أسباب، ولم يزد على عدها، كما أوردها ابن السيد. لكن الشاطبي ميز بين ما هو خلاف حقيقي، وما هو خلاف ظاهري، وذكر ضربين من الخلاف، وقال عنهما: إنهما مما لا يعتد به، وهما: 1 - ما كان من الأقوال خطاً مخالفاً، لمقطوع به في الشريعة. 2 - ما كان ظاهره الخلاف، وليس في الحقيقة كذلك. ولهذا فإنه قال بأنه لا يصح نقل الخلاف في أمثال ذلك، ثم ذكر عشرة أسباب تجعل بعض العلماء ينقلون الخلاف في المسائل، مع أنه لا خلاف فيها لدى التحقيق، ونبه المجتهدين إلى مثل ذلك، ودعاهم إلى التفهم، وقياس ما سواها عليها وإلى عدم التساهل في افتراض الخلافات فيما ليس فيه خلاف، الأمر الذي يؤدي إلى مخالفة الإجماع (¬1). وفي القرن الثاني عشر الهجري، أبدى الشيخ أحمد بن عبد الرحمن المعروف بشاه ولي الله الدهلوي (ت 1176هـ)، اهتماماً بهذا الموضوع، فكتب رسالة تتعلق بذلك سماها (الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف)، كما تناول هذا الموضوع في كتابه (حجة الله البالغة) (¬2)، الذي تضمن أغلب ما في الرسالة المذكورة بنصه. وقد تكلم عن أسباب الخلاف بين الصحابة والتابعين، فذكر منها ضروباً مختلفة، تتعلق بأقوال وأفعال النبي – صلى الله عليه وسلم- (¬3)، ومن الممكن رد جميع ما ذكره، إلى ما أورده شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في رسالته سالفة الذكر. لكنه أضاف إلى ذلك أسباب اختلاف الفقهاء، مما لم يرد في أسباب اختلاف الصحابة والتابعين، آخذاً ذلك – كما ذكر – مما جاء في أول ¬

_ (¬1) الموافقات 4/ 211 - 222. (¬2) 1/ 140 - 162. (¬3) ص 15 - 33.

كتاب الأم للشافعي – رحمه الله-. وهي الأسباب المتقدمة نفسها، مضافاً إليها الاختلاف في الاحتجاج ببعض الأدلة، كالاختلاف في الاحتجاج بآراء الصحابة، وكالاختلاف في الأخذ ببعض وجوه الرأي، كالاستحسان وغيره (¬1). كما أضاف إلى ذلك، أيضاً، سبب الاختلاف بين أهل الحديث وأهل الرأي، مما لا يخرج عن الأسباب المتقدمة، إلا في التوسع في بعض المجالات، عند بعضهم، بما لا يتوسع فيه الآخرون. وفي رسالته فوائد كثيرة تتعلق بالاجتهاد والتقليد وآثار الجدل والخلاف، في علم الفقه والأصول، وما ترتب على التعمق في بعض الفنون، من افتراض الصور المستبعدة في الفقه، مما لا يتعرض له عاقل (¬2). وفي القرن الرابع عشر الهجري تكلم صديق بن حسن القنوجي (ت 1307هـ) عن أسباب الاختلاف، ولكن كلامه كان بشأن الاختلاف مطلقاً، لا بشأن الاختلافات الفقهية، فتناول أسباب الاختلاف في الاعتقادات والمذاهب والملل والنحل والأديان. وكان من تلك الأسباب ما هو حقيقي مسلم، ومنها ما هو غريب عن روح الفكر الإسلامي، ولصيق بالخرافات والأفكار الوثنية (¬3). ومن الأسباب المقبولة التي ذكرها: 1 - اختلاف الطبائع في البيئات والبلاد والعادات والأمزجة. 2 - اختلاف حال البلدان تطوراً ورقياً، من أمم زراعية، أو صناعية، أو متأخرة في سائر المجالات. 3 - توجه العناية الإلهية بإرسال رسل مبشرين ومنذرين، وقد كانوا في أقطار ¬

_ (¬1) ص 34 - 45. (¬2) ص87 - 96. (¬3) من تلك الأسباب ذكره اختلاف طوالع المواليد، والقرانات الجزئية والكلية، وبعض ما كره من تجارب الهنود، إن من كانت الشمس أو المشتري في سابعه انكشف له حقيقة الإسلام، وخرج من دينه إليه، وما إلى ذلك من الخزعبلات والخرافات. انظر: 1/ 404 و 405 من كتابه (أبجد العلوم).

متباعدة، وكان بينهم أزمنة وقرون ممتدة، وكانوا متعبدين بشرائع متنوعة {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ...} (البقرة/213). 4 - التأثر بمن كان له نوع نفوذ على عقليات الناس، سواء كان من الأذكياء أو الحكماء أو الأولياء الصلحاء، أو الرؤساء، على حسب ما بلغته تلك العقول من التأثر بذلك (¬1). 5 - اختلاف الناس فيما خلقوا عليه، وما يوجد بينهم من فروق، في الفهم والذكاء، والشجاعة والليونة وغيرها. فمنهم المنحصر في المحسوس، ومنهم من يتجاوزون ذلك بدرجات في المعقول، ومنهم العجول في القبول والإنكار، من غير تأمل واختيار، ومنهم المتأني في ذلك، ومنهم المتسامح الذي يكتفي بالظن وبصورة من الصور المحتملة التي تفي بظاهر المقصود، ومنهم المتفحص المتيقظ، الذي لا يكتفي بذلك ... إلى غير ذلك من الفروق التي تترتب عليها أنواع الخلافات. 6 - اختلاف أحوال الشيء في نفسه، فقد يكون الشيء علة تامة لشيء، ناقصة لشيء، مستقلة أو لا، وقريبة أو لا، كافية أو لا، أو يكون له عدة علل، وقد يكون واجب الاجتماع مع شيء، على تقدير، وممتنع الاجتماع معه، على تقدير آخر، وربما يكون بين شيئين علاقة الغيرية من وجه، والعينية من وجه آخر أو وجوه ... مما يترتب عليه وقوع الاختلاف بحسب نظر الإنسان. 7 - اختلاف التعبيرات عن الشيء الواحد، أو الصورة الواحدة، فقد ينظر إليها أحد الأشخاص من زاوية معينة، وينظر إليها الآخر من زاوية غير ¬

_ (¬1) ومما يتصل بذلك ما ذكره من انتشار الكذابين والمتنبئين والدجاجلة والمحرفين والمخترعين من أصحاب البخت والقوة، وما يتصل بذلك من دواعي الرفض والقبول عند الناس، لمناسبات وطبائع جبلية عندهم. انظر: 1/ 406 من كتابه (أبجد العلوم).

تلك، فيعبر كل منهما عن رؤيته، فتختلف العبارات، وتكثر المصطلحات والاختلافات ... إلخ. 8 - اختلاف اللاحقين في فهم كلام السابقين، وهذا قد يعود إلى الفروق بين الأفراد أنفسهم في الفهم والإدراك، أو إلى الكلام نفسه، بسبب ما فيه من دلالات غير صريحة ولا واضحة، مما هي مثار الاختلاف في التفسير والفهم (¬1). والكلام عن التفرق أو الاختلاف بوجه عام، قد تطرق إليه كثير من المفسرين عند تعرضهم لتفسير الآيات المتعلقة بذلك، ولكنهم لم يخصوا أسباب الاختلاف بين الفقهاء بكثير من الاهتمام (¬2)، ولهذا فقد رأينا الإعراض عن التطرق إليها، ومتابعة مسيرتها. وفي العصر الحاضر ظهرت طائفة من الكتب التي تناولت هذا الموضوع، وسنكتفي بالتعرض إلى بعضها، دون استقراء شامل لها، نظراً لكثرتها، ولكون ما فيها لا يعدو أن يكون تكراراً لما ورد فيما سبقها من كتب فمن هذه الكتب: أولاً: أسباب اختلاف الفقهاء للشيخ علي الخفيف – رحمه الله - (¬3). ¬

_ (¬1) انظر تفصيل ذلك في كتابه المذكور 1/ 404 - 411. (¬2) وممن اهتم بذلك من القدماء أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني المتوفى سنة 502هـ فقد أفرد في رسالته (مقدمة جامع التفاسير) فصلاً بعنوان 0فصل في عامة ما يوقع الاختلاف ويكثر الشبه). وذكر ثلاثة أشياء قال إن حق العالم أن يُعنى بتهذيبها، وسد الثلم المنبثقة منها. أحدها: وقوع الشبه من الألفاظ المشتركة. والثاني: اختلاف النظرين، من جهة الناظرين. وذلك بناء على اختلاف أفكارهم ومعتقداتهم. والثالث: اختلاف نظر الناظرين، من اللفظ إلى المعنى، أو من المعنى إلى اللفظ. انظر: مقدمة جامع التفاسير مع تفسير الفاتحة للراغب الأصفهاني ص 40 و41. (¬3) الشيخ على الخفيف كان من علماء مصر المعروفين. درس في كليات الحقوق، وحاضر في عدد من المعاهد العليا. وكتابه (محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء) =

وقد تناول المؤلف في كتابه هذا حالة التشريع في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم-، وفي زمن الصحابة والتابعين، وتكلم عن أسباب الاختلاف الذي وقع بينهم، بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم أسباب الاختلاف في العصور التالية لذلك. وقد جعل من هذه الأسباب ما هو موجود مع توفر النص، ومنها ما هو سبب للاختلاف فيما لا نص فيه. 1 - أما أسباب الاختلاف مع وجود النص فردها إلى ثلاثة أمور، هي: أ- الاختلاف العائد إلى مصادر الأحكام، وهي الكتاب والسنة. والاختلاف فيها يقصد به ما سبق أن ذكرناه عن شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته (رفع الملام عن الأئمة الأعلام)، وما يتعلق بذلك من الاختلاف في بعض شروط هذه الأدلة، من حيث تواتر القرآن، ووجود النسخ في بعض آياته، واتصال سند الحديث، ووصوله إلى الفقيه، وتوثيق الرواة، واشتراط عمل الراوي بما رواه، أو كونه مما لا تعم به البلوى، وغير ذلك مما يتعلق بهذين الدليلين. ب- الاختلاف بسبب الاختلاف في فهم النصوص، سواء كان ذلك مما يتعلق بمفردات الألفاظ، أو بتراكيبها وأساليبها مما هو من مباحث الألفاظ ووجوه دلالاتها. ج- اختلافهم فيما يدل عليه فعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيما لم تعلم جهته. فمثلاً أن النبي قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) (¬1) وقال (خذوا عني مناسككم) (¬2)، لكن أفعال الصلاة وأفعال الحج متعددة، وقد ¬

_ (¬1) = هو محاضرات ألقاها على طلبة معهد الدراسات العربية العالية في القاهرة سنة 55/ 1956م. () حديث (صلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، متفق عليه من حيث مالك بن الحويرث بألفاظ مختلفة. واللفظ المذكور هنا للبخاري في كتاب الأذان مع زيادة في أوله وآخره. (انظر: تلخيص الحبير 1/ 193). (¬2) (خذوا عني مناسككم) جزء من حديث صحيح رواه مسلم من حديث جابر (تلخيص الحبير 2/ 144)

وقع اختلاف الفقهاء في كثير منها، فكان منها ما يعده بعض الفقهاء واجباً وبعده غيرهم مندوباً. وهكذا الكلام في كثير من أفعال النبي – صلى الله عليه وسلم-. 2 - وأما أسباب الاختلاف فيما لا نص فيه فهي كثيرة تشمل كل ما يتناوله الاجتهاد وما يستند إليه المجتهد من تلك الأدلة. وقد بحث في الإجماع والقياس والمصلحة والاستحسان والاستصحاب والعرف، وما ينبني على الاختلاف في الاحتجاج بها من اختلاف في أحكام الفروع. ولم يترك الكلام عن الخلاف، بين من اتفقوا على دليل من هذه الأدلة، على بعض الشروط المتعلقة به، كالاختلاف بين القائلين بالقياس في بعض شروطه، أو القائلين بالإجماع في بعض شروطه. تلك هي أهم الأسباب التي ذكرها الشيخ الخفيف في محاضراته القيمة وقد عرضناها بإيجاز وتركيز. وليس فيما ذكره ما يضاف إلى ما تقدم، ولكن محاضراته تميزت بالإكثار من الأمثلة والشواهد، المأخوذة من واقع ما كان بين السلف من خلاف، وما سطر في بطون كتب الفقهاء في مراحل التدوين التالية، وردها إلى الأسباب التي ذكرها. ثانيا: أسباب اختلاف الفقهاء للدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي. وقد جعله مؤلفه في تمهيد وأربعة أبواب وخاتمة، كان التمهيد في تبرير الخلاف، وفي نشأته وتطوره وأنواعه وآراء العلماء بشأنه، والفائدة من معرفة أسبابه، والآثار السيئة للخلافات. وكانت الخاتمة في بيان موقف المسلمين من الاختلاف، وحثهم على الاعتصام بالكتاب والسنة. أما أسباب الاختلاف فقد حصرها في أربعة، جعل لكل منها باباً من أبواب كتابه، وهذه الأسباب والأبواب هي: 1 - الباب الأول في الأسباب الراجعة إلى الاختلاف في (المبادئ الفقهية). ويبدو من خلال استعراضه لهذه المبادئ، أنه يقصد القواعد الأصولية، كالاختلاف في أن الأصل في الأحكام والمعاني الشرعية التعبد أو

التعليل، وهل يفترق الفاسد عن الباطل، وما حكم الزيادة على مقدار الواجب، وما حكم الأفعال قبل ورود الشرع وغير ذلك (¬1). 2 - والباب الثاني في الأسباب الراجعة إلى الأدلة، كالاختلاف في بعض شروطها، أو بما يحتج به وما لا يحتج. وقد جعل الأدلة المتفق عليها، والمختلف فيها في باب واحد (¬2). 3 - والباب الثالث في الأسباب الراجعة إلى دلالة النصوص. وقد أدخل فيها أفعال الرسول – صلى الله عليه وسلم-، وطائفة من المباحث اللفظية الاشتراك وموجب الأمر والنهي، والعام والخاص والتخصيص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والمفهوم، والحقيقة والمجاز، ودلالات بعض الحروف (¬3). 4 - والباب الرابع في الأسباب الراجعة إلى الاختلاف في تحقق التعارض، ووجوه الترجيح (¬4). وما ذكره الأستاذ الباحث من أسباب، تُعد عناوينها الكبرى جامعة لجميع أسباب الاختلاف، ولكنها تحتاج إلى نوع من الإيضاح والتفصيل، كما أنه لم يفرق بين الأسباب العائدة إلى الاختلاف في المبادئ الفقهية، والأسباب العائدة إلى دلالات النصوص، مع وجود التشابه بينهما. ثم إن ما ذكره من مبادئ فقهية، هو في حقيقته من القواعد الأصولية. ولم يظهر لنا وجه إدخاله أفعال النبي – صلى الله عليه وسلم – في دلالات النصوص، إلا إذا كان المقصود بذلك نصوص الرواة. والكتاب، بوجه عام، دراسة علمية قيمة، تضاف إلى بناء صرح أسباب اختلاف الفقهاء. ثالثاً: دراسات في الاختلافات الفقهية، حقيقتها، نشأتها، أسبابها، ¬

_ (¬1) ص 49 - 70. (¬2) ص71 - 137. (¬3) ص 141 - 193. (¬4) ص 197 - 220.

المواقف المختلفة منها للدكتور محمد أبو الفتح البيانوني. والكتاب في حقيقته ليس مقتصراً على أسباب الاختلاف، وإنما تناول طائفة من المسائل التي لها علاقة بها. فتناول حقيقة الاختلافات الفقهية، ونشأتها وأسبابها في الباب الأول، أما الباب الثاني فجعله في خمسة فصول، ذات علاقة بذلك، بين فيها موقف العلماء من الاختلافات الفقهية، ونماذج من أدب العلماء مع بعضهم، وموقف المسلم منها، والتنبيه على مواقف شاذة، وما وقع من الإنكار في المسائل الخلافية. ولم تنل أسباب الاختلاف من كتابه غير 59 صفحة من مجموع صفحات الكتاب البالغة 169 صفحة عدا الفهارس، من الطبعة التي اطلعنا عليها. وقد حصر مؤلف الكتاب أسباب اختلاف الفقهاء، في أربعة أسباب إجمالية، تتفرع عنها أسباب تفصيلية، وهذه الأسباب هي: 1 - الاختلاف في ثبوت النص وعدم ثبوته (ص 37). 2 - الاختلاف في فهم النص (ص 51). 3 - الاختلاف في طرق الجمع والترجيح بين النصوص (ص 58). 4 - الاختلاف في القواعد الأصولية وبعض مصادر الاستنباط (ص70). ومن خلال تفصيله هذه الأسباب، والتمثيل لها، نجد أنها ليست حاصرة، وقد فاته أن يذكر طائفة أخرى من أسباب الاختلاف، ليست دون ما ذكره أهمية، كما أنه لم يكن دقيقاً في التمييز بين الأسباب، فادخل بعض ما يتعلق بالمباحث اللفظية في سبب اختلاف الفقهاء في الفهم (¬1)، وبعض ما هو من باب الاختلاف في الفهم، أو التعارض، في سبب ثبوت النص الشرعي وعدم ثبوته (¬2). ¬

_ (¬1) انظر على سبيل المثال رده سبب اختلاف العلماء في حمل الأمر على الوجوب أو الإباحة إلى الاختلاف في الفهم (ص 57)، مع أنه من مباحث الألفاظ، وما سماه القواعد الأصولية. (¬2) انظر على سبيل المثال رده الاختلاف في خيار المجلس إلى الاختلاف في ثبوت =

رابعاً: أسباب اختلاف الفقهاء في الأحكام الشرعية، للدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي. وقد صدر منه الجزء الأول فقط، وقد صدره المؤلف بتمهيد يزيد على خمسين صفحة، عرف فيه الفقه والشريعة، وبين أنواع الحكم، الشرعي وأسباب الاختلاف في عهد الصحابة والتابعين، ثم تكلم عن الأئمة المجتهدين، وبين مناهج استنباط كل منهم، وسبب انتشار أو ضمور بعض المذاهب الفقهية، مما لا يتصل اتصالاً مباشراً بالموضوع. وجعل كتابه، بعد التمهيد، كما يفهم من خطة بحثه، ومما جاء في الجزء الأول المذكور، متضمناً أربعة أبواب، تحصر أسباب الخلاف، وادعى أن جميع الأسباب الجزئية لاختلاف الفقهاء، تندرج تحت الكليات التي تضمنتها أبواب كتابه. والحكم على الكتاب يتطلب الاطلاع التام على جميع محتوياته، ولما كان الكتاب لما يتم طبعاً أو تأليفاً فليس الحكم عليه متيسراً ولا دقيقاً. وسنكتفي بأن نذكر أنه حصر أسباب الاختلاف في قسمين رئيسين، فرع واحداً منها فأصبحت الأقسام عنده ثلاثة، على الوجه الآتي القسم الأول: يتعلق بالمصادر الأصلية، الكتاب والسنة، وجعل هذا القسم نوعين: النوع الأول: الأسباب التي يشترك فيها الكتاب والسنة، وهي الاختلاف في القواعد الأصولية واللغوية. النوع الثاني: الأسباب التي تختص بالسنة، وهي الاختلاف في العلم بالحديث، أو الثقة به، أو العمل به تحت شروط معينة، أو التعارض بين الأحاديث ودفعه. ــــــــــ = النص (ص 39) مع أنه مردود إلى التعارض بني مضمونه وعمل أهل المدينة عند مالك، والاختلاف في فهم التفرق الوارد في نصه. وألا فإن الحديث ثابت عند مالك وقد رواه في الموطأ.

والقسم الثاني: يتعلق بما سماه المصادر التبعية كالإجماع والقياس وقول الصحابي والاستصحاب والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف وغيرها. وهذا القسم يمثل الخلاف في الاجتهاد بالرأي فيما لا نص فيه، عن طريق العمل بمصدر من المصادر التبعية. وقد جعل هذا القسم في بابين: الباب الأول: يتعلق بأسباب اختلاف الصحابة والتابعين في الأحكام بسبب اختلافهم في الاجتهاد بالرأي. الباب الثاني: يتعلق بأسباب اختلاف أئمة المذاهب، الناشيء من اختلافهم في العمل بالمصادر التبعية (¬1). وبناء على ذلك تكون أبواب كتابه الأربعة، كما يأتي: الباب الأول: في اختلاف الفهقاء بسبب اختلافهم في القواعد الأصولية واللغوية. الباب الثاني: في اختلاف الفقهاء بسبب اختلافهم في السنة. الباب الثالث: في اختلاف الصحابة والتابعين بسبب الاختلاف بالرأي والاجتهاد. الباب الرابع: في اختلاف أئمة المذاهب بسبب اختلافهم في العمل بالمصادر التبعية. وقد حاول المؤلف أن يضبط أسباب الاختلاف بحصر عقلي، ولكن الذي يبدو لنا، أن هذه الأمور الإنسانية، لا تخضع لمثل ذلك الضبط. خامساً: وقد تطرق إلى هذا الموضوع باحثون كثيرون، سواء كان ذلك ببحث الموضوع منفرداً، أو بالتعرض إليه ضمن مبحث أشمل وأوسع. ومن هذه البحوث: 1 - (ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين) للشيخ عبد الجليل عيسى. ¬

_ (¬1) انظر: ص 61 - 63 من الجزء الأول من الكتاب.

2 - (أدب الاختلاف في الإسلام) للدكتور طه جابر فياض العلواني. 3 - (معرفة علم الخلاف الفقهي قنطرة إلى تحقيق الوفاق الإسلامي) للدكتور زكريا عبد الرزاق المصري. 4 - (صفحات في أدب الرأي، أدب الاختلاف في مسائل العلم) لمحمد عوامة. 5 - (الأصول العامة للفقه المقارن) للشيخ محمد تقي الحكيم. وبعد هذا العرض الموجز لطائفة من وجهات النظر، في حصر أسباب الاختلاف بين الفقهاء، نجد أن بينها تلاقياً كبيراً، وإذا كانت هناك فروق بينها، فإن ذلك ينبع من طائفة من الأمور، كأن يحصر بعضها الأسباب في مجال معين، كان يشغل العلماء في حينه، كما في الأسباب التي ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في رفع الملام، حيث كانت تلك الأسباب تدور حول السنة في غالبها، أو أن يفرع بعضهم أسباباً وينوع فيها، بينما هي متداخلة فيما بينها كالذي فعله ابن جزي، أو أن بعضها اقتصر على أهمها، يما بدا له، أو أن بعضها خرج من مجال الفقه إلى مجال أوسع وأرحب كالذي فعله صديق القنوجي. وفي الحق إن حصر أسباب الاختلاف يحتاج إلى استقراء شامل لكل المسائل الخلافية، وبيان منشأ الخلاف في كل منها، ثم جمع تلك الأسباب وتصنيفها، وهذا أمر لا نظن أن أحداً، ممن ذكرنا، قد قام به، لما فيه من المشقة العظيمة، ولأنه لم يكن عندهم من الأمور المقصودة بالذات، لتتوجه نحوه الهمم. ومحاولة حصر تلك الأسباب بالتقسيم العقلي فيه نوع من المجازفة، لأن الخلافات منها ما يرجع إلى الطبيعة الإنسانية، وقوة الإدراك والفهم، وهذه أمور لا تخضع للمقاييس العقلية. وقد رأى الشيخ محمد تقي الحكيم حصر أسباب الاختلاف في قسمين:

الأول: الأصول والمباني العامة المعتمد عليها في الاستنباط، مما يقع موقع المقدمة الكبرى في قياس الاستنباط. والثاني: تطبيق تلك الأصول والمباني، بعد الاتفاق عليها، على الجزئيات، أو ما يسمى بتشخيص الصغريات (¬1). وعلى هذا فإن الخلاف لا يخرج عن هاتين الحالتين، ولا يتخطى مقدمتي قياس الاستنباط، فهو إما خلاف في كبرى القياس، أو خلاف في صغراه بعد تسليم كبراه. وهذا التقسيم وإن كان صحيحاً، من حيث النظر العقلي، ومن حيث واقع المسائل المختلف فيها، لكنه في إيجازه لا يعطي تصوراً شافياً لأسباب الخلاف. ومهما يكن من أمر فإن النظر فيما ذُكر من أسباب، وفيما ذُكر من محاولات الضبط، دعانا إلى أن نجمع بين الأمرين، فنرتب الأسباب ونحصرها وفق الآتي: أولاً: الأسباب العائدة إلى الأصول المعتمدة في الاستنباط، مما يقع موقع المقدمة الكبرى في قياس الاستنباط، وهذا يتناول ما يأتي: 1 - الأسباب العائدة إلى الأدلة وأنواعها وشروطها وما يتعلق بذلك. فقد يكون اختلافاً في حجية الدليل وصلاحيته لإثبات الأحكام كالاختلاف في قول الصحابي، وشرع من قبلنا، والقياس، والاستصحاب والعرف والاستحسان وغيرها. أو خلافاً ف بعض أنواعه، بعد الاتفاق على حجيته، كالاختلاف في إجماع أهل المدينة، أو إجماع طوائف معينة كأهل البيت، أو يكون خلافاً في بعض شروطه، كالاختلاف في بعض أنواع السنة، كالحديث المرسل، والحديث الأحادي فيما تعم به البلوى، والحديث الذي عمل راويه بخلافه، أو ¬

_ (¬1) الأصول العامة للفقه المقارن ص 18 و19.

الحديث المخالف للقياس، أو الحديث المختلف في شروط صحته، وكالاختلاف في بعض شروط الإجماع، عند من يراه حجة، فهل انقراض العصر شرط أو لا؟ وهل يدخل من بلغ درجة الاجتهاد، من أهل العصر التالي، مع المجمعين؟ ويقع في الأدلة المختلف فيها أيضاً عند من يحتج بها، كالاختلاف في العلة في القياس وهل يجوز أن تكون قاصرة؟ وهل يجوز التعليل بالحكم أو بالوصف المركب وهل تثبت العلة بالدوران أو الطرد أو الشبه أو ما شابه ذلك، أو لا تثبت؟ وهل يجوز القياس على حكم ثابت بالقياس، أو لابد أن يكون حكم الأصل منصوصاً؟ وهل يجري القياس في الحدود والكفارات والمقدرات أو لا؟ وهل يجوز القياس على ما عدل به عن القياس أو لا؟ وهل يجري القياس في اللغة أو لا؟ 2 - الأسباب العائدة إلى دلالات الألفاظ ويدخل في ذلك طائفة كثيرة من الأسباب، منها الاختلاف في دلالة المفهوم سواء كان مفهوم موافقة أو مخالفة، ومنها الاختلاف في المقتضى وهل له عموم، والاختلاف في دلالة العام وتعارضه مع الخاص، وجواز استعمال المشترك في جميع معانيه، إن لم يكن بينها تضاد، وجواز استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي في وقت واحد، والاختلاف في حمل المطلق على المقيد في بعض صوره، والاختلاف في الأمر ومقتضاه الحقيقي، وما حكمه إذا ورد بعد الحظر؟ وهل يقتضي المطلق منه الوحدة أو التكرار؟ وهل هو على الفور أو التراخي؟ والاختلاف في النهي ومقتضاه الحقيقي. وهل يقتضي النهي الفساد والبطلان أو لا؟ 3 - الأسباب العائدة إلى مناهج وطرق الترجيح. فإذا وقع تعارض بين مدلولي دليلين لم يمكن الجمع بينهما، فإن طريق المجتهد الترجيح، وهناك مبادئ عامة متفق عليها، ولكن العلماء اختلفوا في طائفة من أسباب الترجيح بني الأدلة، سواء كانت عقلية أو نقلية، أو عقلي ونقلية.

فالترجيح في الأخبار يكون من جهة السند، ومن جهة المتن، ومن جهة أمر خارج، فهل تقدم رواية المثبت على رواية النافي أو لا؟ وإذا تعارض الحاظر والمبيح فما المقدم؟ وكذلك الترجيح في العلل وقع فيه خلاف كثير. وبوجه عام فإن هذا باب واسع تدخل فيه مسائل كثيرة. ثانياً: الأسباب العائدة إلى مجالات التطبيق وتحقيق الماط، مما يختلف الأمر فيه باختلاف الفهم والإدراك والتصور. مما يقع موقع المقدمة الصغرى في قياس الاستنباط. هذا وننبه هنا إلى أن هناك طائفة من أسباب الاختلاف، قد يبدو أنها لم تدخل في هذا الحصر، كأفعال النبي – صلى الله عليه وسلم – وكشروط التكليف، وهل تزول بالنسيان والإكراه والسكر، وفي الحق أنها داخلة فيما تقدم، فأفعال النبي – صلى الله عليه وسلم – من الأدلة، ومعرفة دلالتها تتصل بالفهم، وكذلك شروط التكليف، فإن الاختلاف بشأنها يتعلق بالفهم، وتحقيق المناط. وربما خرج نزر يسير عن ذلك، ولكن يمكن إدخاله في تلك الأنواع بضرب من التأويل – والله أعلم-.

المبحث الثالث التخريج على الأصول

المبحث الثالث التخريج على الأصول وحكم نسبة الآراء إلى الأئمة بناء عليه يتصل موضوع تخريج الفروع على الأصول بمسألة التعليل اتصالاً وثيقاً لأنه فرع هذه المسألة، ومنها يستمد قوة ابتنائه، وعليها يعتمد في تفريعاته، ولكن تبقى بعد ذلك مسألة صحة نسبة هذه الأقوال المفرعة إلى الأئمة موضع بحث. فإذا عرف أصل من أصول الأئمة، فهل يصح أن يعلل به، أو أن يبني عليه استنباط حكم ينسب إلى الإمام في وقائع جديدة لم يرد فيها عنه نص. إن الحكم على ذلك يمكن أن يدخل في مجالين: الأول: أن يكون الحكم الشرعي مما نص عليه الإمام، أو مما ورد عنه بطريقة معتد بها، ويكون التخريج لغرض التوجيه والتعليل وبيان المأخذ ليس غير. الثاني: أن لا يكون للإمام رأي في المسألة المعروضة، فيقوم العلماء بتخريج رأي فقهي له بناء على قواعده وأصوله. أما المجال الأول فلا يبدو أن فيه ما يمنع من ذلك، إذا لم يترتب على مثل هذا التعليل إلحاق فروع جديدة بما ورد عن الإمام في المسألة، لأن التعليلات والتوجيهات ليست أحكاماً تكليفية، وليس فيها نسبة قول للإمام إلا إذا ادعى أن هذا هو مأخذ الإمام، الأمر الذي يترتب عليه إلحاق فروع جديدة بما تم تعليله، وتدخل المسألة حينئذ في نطاق القياس على نصوص الإمام، في حالة ما إذا كانت العلة مستنبطة من قبل المخرج، وهي مسألة

سترد عند الكلام عن تخريج الفروع من الفروع. أما المجال الثاني فإن الحديث عنه يُعد حديثاً عن مصادر التخريج التي تطرق إليها العلماء. وقد رأينا أن نبحث في هذا المصدر، وهو أصول الإمام وقواعده وضوابطه، في مجال تخريج الفروع على الأصول، نظراً لأنه القاعدة التي ينبني عليها هذا النوع من التخريج تاركين مصادر التخريج الأخرى في مجالها الخاص، وهو تخريج الفروع على الفروع لمناسبتها له وارتباطها به. إن المقصود من هذا البحث، هو النظر في قواعد الإمام الأصولية أو ضوابطه الفقهية، من أجل بناء الأحكام الفرعية التي لم يرد عنه نص بشأنها عليها. ولتوضيح ذلك نقول: إذا علمنا مثلاً أن وجهة نظر الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – أن العام قطعي في دلالته على معناه قبل التخصيص، وأنه لا يجوز تخصيصه ابتداء بدليل ظني كالقياس وخبر الآحاد، فهل نحكم فيما لو جاءنا نص عام في الكتاب أو السنة المتواترة، وجاء خبر آحاد يقتضي معناه تخصيص العام فهل نحكم على هذه الجزئية التي لم يرد بشأنها نص عن الإمام المذكور بأن رأيه فيها عدم جواز تخصيص عموم النص بالخبر المذكور؟ وهل نطبق قواعده وضوابطه الفقهية على ما يجد من الوقائع الجزئية؟ فيقال: إن رأي الإمام الفلاني هو كذا، بناء على هذه القواعد والضوابط؟ إن الذي يهر من كلام ابن الصلاح (ت 643هـ) (¬1) جواز ذلك، ¬

_ (¬1) هو: أبو عمرو تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي المعروف بابن الصلاح. جمع بين التفسير والحديث والفقه والأصول والنحو ومعرفة الرجال، مع المشاركة في علوم عديدة. تفقه على والده. ثم على طائفة من علماء الموصل، ثم علماء بغداد، وجال في بلاد خراسان واستفاد من مشايخها. وعاد إلى الشام فتصدر للافتاء ودرس في القدس ودمشق في مدارس عدة. وكانت وفاته في دمشق سنة 643هـ. من مؤلفاته: الفتاوى، ومعرفة أنواع علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح وأدب المفتي والمستفتي، وطبقات الفقهاء الشافعية =

ولكنه جعل مثل هذا التخريج، متوقفاً على عدم وجدان نص للإمام يقاس عليه، قال: (تخريجه تارة يكون من نص معين لإمامه في مسألة معينة، وتارة لا يجد لإمامه نصاً معيناً يخرج منه [فيخرج] على وفق أصوله، بأن يجد دليلاً من جنس ما يحتج به إمامه وعلى شرطه فيفتي بموجبه) (¬1). وقد اختار جمهور المحققين من الحنفية جواز ذلك (¬2). ونص ابن الهمام (ت 861هـ) على أن تجويز ذلك إنما هو لمن اطلع على مآخذ أحكام المجتهد وكان أهلاً لذلك (¬3). وفسر قوله بأن يكون قادراً على التفريع على قواعد الإمام متمكناً من الفرق والجمع والمناظرة في ذلك، وبتعبير آخر إنه ينبغي أن (يكون له ملكة الاقتدار على استنباط أحكام الفروع المتجددة التي لا نقل فيها عن صاحب المذهب. من الأصول التي مهدها صاحب المذهب) (¬4). وقد اختار ابن حامد (¬5) جواز ذلك، وأدخله في باب القياس على قول ¬

_ (¬1) = راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 408ن وطبقات الشافعية الكبرى 5/ 137، وشذرات الذهب 5/ 221، والأعلام 4/ 207، والفتح المبين 2/ 63، ومعجم المؤلفين 6/ 257. () أدب المفتي والمستفتي 1/ 34 و35 تحقيق د/ عبد المعطي وص 97، بتحقيق د/ موفق عبد القادر. (¬2) تيسير التحرير 4/ 249، والتقرير والتحبير 3/ 346ن رسوم عقد المفتي 1/ 31، مسلم الثبوت وشرحه 2/ 404. (¬3) المصادر السابقة. (¬4) التقرير والتحبير 3/ 346. (¬5) هو: أبو عبد الله الحسن بن حامد بن علي البغدادي الوراق. من فقهاء وأصوليي الحنابلة. كان إمامهم ومدرسهم ومفتيهم في زمانه. سمع العلم من كثيرين، وأخذ ذلك عنه كثيرون أيضاً، منهم القاضي أبو يعلي الفراء. كان متعففاً، وكان ينسخ الكتب ويقتات من أجرتها، توفى – رحمه الله- راجعاً من مكة بقرب واقصة سنة 403هـ. من مؤلفاته: الجامع في المذهب، وشرح الخرقي، وتهذيب الأجوبة، وكتاب في أصول الفقه =

الإمام الذي يدخل في أصل يحتوي على مسائل متعددة، وذكر مثالاً لذلك قوله: (صورة هذا أن يقول في ماء الباقلاء والورد لا يتوضأ به، إذا عير الماء، فينسب إليه ما هو في معنى ذلك، وإن كثرت مسائله) (¬1). ومعنى ذلك أن كل ما غير الماء، وحوله من وصف الإطلاق، لم يجز الوضوء به، فيلحق بذلك ماء الحمص والزهر وغير ذلك، وينسب إلى الإمام. وقد ذكر الطوفي (ت 716هـ) (¬2) وغيره من العلماء فرقاً بني اصطلاح (النقل والتخريج) واصطلاح (التخريج) وجعلوا التخريج أعم من النقل والتخريج (لأن التخريج يكون من القواعد الكلية للإمام، أو الشرع، أو العقل، فحاصله أنه بناء فرع على أصل مشترك كتخريجنا على قاعدة تفريق الصفقة فروعاً كثيرة، وعلى قاعدة تكليف ما لا يطاق، أيضاً، فروعاً كثيرة في أصول الفقه وفروعه) (¬3)، وهذا بخلاف النقل والتخريج (فهو مختص بنصوص الإمام). ¬

_ (¬1) = راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 2/ 171، والمنهج الأحمد 2/ 98، وشذرات الذهب 3/ 166، والأعلام 2/ 187، والفتح المبين 1/ 219. () تهذيب الأجوبة ص 37. (¬2) هو: أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي الصرصري نسبة إلى قرية طوفا من أعمال صرصر في العراق. من علماء الحنابلة المشهورين، تلقى العلم عن مشاهير علماء عصره، في بلده وفي بغداد وغيرها، وعرف بقوة الحافظة وشدة الذكاء، تنقل بين بغداد ومصر والحرمين وفلسطين، وأسهم في علوم مختلفة كالأصول والتفسير واللغة والحديث، وقد اتهم بالرفض والانحراف فعزر وضرب وكان آخر عهده في مدينة الخليل حيث توفى فيها سنة 716هـ. من مصنفاته: البلبل في أصول الفقه، اختصر فيه كتاب روضة الناظر لابن قدامة، وشرح مختصر الروضة (البلبل)، والذريعة إلى معرفة أسرار الشريعة، وتحفة أهل الأدب في معرفة لسان العرب، ومختصر الجامع الصحيح للترمذي، وشرح الأربعين النووية وتعاليق على الأناجيل. راجع في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 366، الدرر الكامنة 2/ 295، شذرات الذهب 6/ 39، الأعلام 3/ 127، الفتح المبين 2/ 120. (¬3) شرح مختصر الروضة 3/ 644 و645.

وجواز التخريج على ما ذكر يلزم منه أن تسم صحة نسبة القاعدة أو الأصل إلى الإمام، وذلك لاحتمالات الخطأ في استنباط القاعدة نفسها، ولاحتمالات وجود القرائن والصوارف عن إدخال الفروع الجزئية ضمن القاعدة، كما ذكرنا ذلك من قبل. على أنه مهما يكن الأمر في هذا الشأن؛ فإنه متى سلمت القاعدة ابتنى عليها كثير من الأحكام المتجددة الوقائع. وسنكتفي بذكر ضابطين أو أصلين يوضحان ذلك الأول: أن الأصل عند محمد بن الحسن – رحمه الله- (ت 189هـ) إنه إذا اجتمعت الإشارة والتسمية في العقد، فإن كان المسمى من جنس المشار إليه "يتعلق العقد بالمشار إليه، لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتاً والوصف يتبعه، وإن كان من خلاف جنسه يتعلق بالمسمى، لأن المسمى مثل للمشار إليه، وليس بتابع له، والتسمية أبلغ في التعريف من حيث إنها تعرف الماهية، والإشارة تعرف الذات) (¬1)، فإذا باع جارية فإذا هي غلام لم ينعقد البيع، وإذا باع كبشاً فإذا هو نعجة انعقد البيع وتنجز وذلك؛ لأن الغلام والجارية جنسان عندهم، لأن الغلام يصلح لخدمة خارج البيت، كالتجارة والزراعة وغيرها، والجارية لخدمة داخل البيت كالاستفراش والاستيلاد اللذين لم يصلح لهما الغلام بالكلية أما الكبش والنعجة فهما جنس واحد، لأن الغرض الكلي من الحيوانات الأكل والركوب والحمل .. والذكر والأنثى في ذلك سواء. فالمعتبر في اختلاف الجنس واتحاده تفاوت الأغراض (¬2). ¬

_ (¬1) الهداية 1/ 152 و3/ 35، رد المحتار 1/ 426، تبيين الحقائق 2/ 151، 152، لكن ابن نجيم كر في الأشباه أن الشارحين قالوا بأن هذا الأصل متفق عليه في طائفة من الأبواب ص 345. (¬2) العناية إلى الهداية للبابرتي 3/ 306 بهامش فتح القدير، فتح القدير 3/ 206. ولاحظ: في ص 345 وما بعدها من الأشباه والنظائر لابن نجيم طائفة مما اتفقوا عليه ومما اختلفوا فيه من الأجناس.

وعلى هذا الأصل يمكننا تخريج كثير من المسائل، فلو باعه دنا على أنه خل فإذا هو دبس أو باعه فصاً على أنه ياقوت فإذا هو زجاج، أو جهازاً على أنه آلة تصوير فإذا هو راديو، أو باعه هذه المكنسة الكهربائية فإذا هي جهاز لتقطيع الخضر وعصر الفواكه، بطل البيع، لاختلاف الجنس باختلاف الأغراض، ولو باعه فصاً على أنه ياقوت أحمر فإذا هو ياقوت أصفر، أو هذا الثوب المصري فإذا هو مغربي، لم يبطل البيع وخير المشتري لفوات الوصف. الثاني: قاعدة أو ضابط تفريق الصفقة (¬1)، وقد ذكرنا أن طائفة من علماء الحنابلة كالطوفي وغيره، ذكروا أنه ينبني عليها فروع كثيرة، ولهذا فإننا سنبين ما يريدونه من تفريق الصفقة. وما الذي ينبني ويخرج عليها من الفروع. بإيجاز غرضه الكشف عن المعنى لا تحقيق المسألة والدخول في تفاصيلها ومناقشاتها. إن المقصود من تفريق الصفقة عندهم هو أن يجمع بين ما يجوز بيعه وما لا يجوز في صفقة واحدة بثمن واحد. وقد ذكروا أن لها ثلاث صور: 1 - أن يبيع معلوماً ومجهولاً، كقوله بعتك هذه الفرس وما في بطن هذه الفرس الأخرى بألف فهذا البيع باطل لأن المجهول لا يصح بيعه لجهالته، والمعلوم مجهول الثمن ولا سبيل إلى معرفته، لأن معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما، والحمل لا يمكن تقويمه فيتعذر التقسيط. 2 - أن يبيع جزءا مشاعاً بينه وبين غيره من دون إذن شريكه، كعبد مشترك بينهما، أو أن يبيع ما ينقسم عليه الثمن أجزاء كقفيزين من صبرة واحدة باعهما من لا يملك إلا بعضهما، وهذه الصورة لها في مذهب أحمد وجهان: أحدهما: يصح في ملكه بقسطه من الثمن، ويفسد فيما لا يملكه. ¬

_ (¬1) انظر بعض الأحكام المتعلقة بذلك في المنثور في القواعد للزركشي 1/ 382 وما بعدها. وانظر ص 263 و264 من إيضاح المسالك للونشريسي المالكي، فقد ذكر أن بعض مشايخ المذهب حصل تسعة أقوال في الصفقة إذا جمعت حلالاً وحراماً.

الثاني: لا يصح فيهما، وأصل الوجهين أن أحمد – رحمه الله- نص فيمن تزوج حرة وأمة على روايتين أحداهما يفسد فيهما، والثانية يصح في الحرة. 3 - أن يكون المبيعان صفقة واحدة، معلومين ولكن لا ينقسم عليهما الثمن بالأجزاء كعبد وحر وخل وخمر، وعبد غيره وعبده. وفي هذه الصورة يبطل البيع فيما لا يصح بيعه، وأما الآخر ففي المذهب روايتان (¬1). وعند أبي حنيفة أن من جمع بين حر وعبد أو شاة مذكاة وشاة ميتة بطل العقد فيهما، وعند أبي يوسف ومحمد أنه إن سمي لكل واحد منهما ثمناً جاز فيما يجوز وبطل فيما لا يجوز، أي أنه يجوز في العبد والشاة المذكاة، ويبطل في الحر والشاة الميتة (¬2). وللشافعية في هذه المسألة قولان. ذكرهما الشيرازي (ت 476هـ) (¬3) في المهذب، وهما: القول الأول: تفريق الصفقة فيبطل البيع فيما لا يجوز، ويصح فيما يجوز. ¬

_ (¬1) لاحظ تفاصيل ذلك والآراء والمذاهب والاستدلالات عليها في: المغني لابن قدامة 4/ 261 - 263، وكشاف القناع عن متن الإقناع 3/ 177 - 179. (¬2) الهداية 3/ 37 و38. (¬3) هو: أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي الشافعي، الملقب جمال الدين. ولد يفيروز آباد ببلاد فارس، وتفقه بشيراز، وقدم إلى البصرة، ثم بغداد فاستوطنها، ولزم القاضي أبا الطيب الطبري وكان من أفصح وأورع وانظر أهل زمانه. اشتهر بقوة الحجة في الجدل والمناظرة، وعرف بالتواضع، وانتهت إليه رياسة المذهب، ورحل إليه الفقهاء من سائر الأقطار. درس بالنظامية وكان أول من تولى ذلك فيها. كان فقيراً متعففاً قانعاً باليسير. ولم يحج لعدم قدرته المالية. عرف بحفظ الحكايات الحسنة والأشعار، كما أن له شعراً حسناً توفى في بغداد سنة 476هـ. من مؤلفاته: التنبيه، والمهذب في الفقه، والتبصرة في أصول الفقه، واللمع وشرحه في أصول الفقه، وطبقات الشافعية. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 9، وطبقات الشافعية للأسنوي 2/ 83، وهدية العارفين 1/ 8، والأعلام 1/ 51، ومعجم المؤلفين 1/ 68.

القول الثاني: إن الصفقة لا تفرق فيبطل العقد فيهما (¬1). وذكر السيوطي (ت 911هـ) (¬2) أن أصح القولين أو الوجهين هو الصحة في الحلال، أي تفريق الصفقة. ولكنه ذكرها على أنها داخلة في قاعدة (إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام) (¬3)، وهذا الكلام لا يتجه إلا على القول الآخر عند الشافعية وهو البطلان في الكل. ومهما يكن من أمر فإن تفريق الصفقة بالمعنى الذي ذكرناه ينبني عليه فروع فقهية لا حصر لها، سواء كان رأي الإمام فيها البطلان في الكل، أو التفريق فيهما، فكل عقد جمع فيه بين ما يجوز بيعه وما لا يجوز، فرأي الإمام ومذهبه فيه هو هو في المسائل الأخرى من غير فرق. وننبه هنا إلى أن ما ذكرناه عن ابن الصلاح يبين أن التخريج من القواعد يأتي في مرتبة تالية لمرتبة القياس على نصوص الإمام، وأن اللجوء إلى التخريج على القواعد إنما يتم عند عدم وجدان نص للإمام يقاس عليه. ¬

_ (¬1) المهذب بشرح المجموع للنووي 9/ 379 وما بعدها. (¬2) هو: جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد المصري الخضيري السيوطي. ولد ونشأ يتيماً في القاهرة، وقرأ على جماعة من العلماء، وكان إماماً بارعاً في كثير من العلوم، فكان مفسراً ومحدثاً وفقيهاً ونحوياً وبلاغياً ولغوياً. اعتزل التدريس والافتاء والناس بعد بلوغ الأربعين، وانصرف إلى التأليف توفى سنة 911هـ. من مؤلفاته: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، والمزهر في اللغة، والإتقان في علوم القرآن، والأشباه والنظائر في فروع الشافعية، والأشباه والنظائر النحوية، وحسن المحارة وغيرها. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 8/ 51، الفتح المبين 3/ 65، ومعجم المؤلفين 5/ 128. (¬3) الأشباه والنظائر ص 120 وما بعدها.

المبحث الرابع التعريف بأهم الكتب المؤلفة

المبحث الرابع التعريف بأهم الكتب المؤلفة في تخريج الفروع على الأصول ويشتمل على خمسة مطالب: المطلب الأول: كتاب تأسيس النظر. المطلب الثاني: كتاب تخريج الفروع على الأصول. المطلب الثالث: كتاب مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول. المطلب الرابع: كتاب التمهيد في تخريج الفروع على الأصول. المطلب الخامس: كتاب القواعد والفوائد الأصولية.

المطلب الأول كتاب (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي

المطلب الأول كتاب (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي (ت 430هـ) تمهيد: في الصلة بين كتاب الدبوسي: وتأسيس النظائر للسمرقندي: لقد آثرنا التعريف بـ (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي. المتوفى سنة 430هـ، على التعريف بـ (تأسيس النظائر) لأبي الليث السمرقندي، المتوفى سنة 37هـ، لعدد من الاعتبارات، نذكر بعضاً منها فيما يأتي: 1 - إن تأسيس النظر معروف للدارسين، وتداولته أيديهم، منذ أمد بعيد، وطبع أكثر من مرة، لكن تأسيس النظائر لم نعلمه مطبوعاً، وإنما رأيناه محققاً ومطبوعاً على الآلة الكاتبة، حققه الشيخ علي محمد محمد رمضان بإشراف د/حسن بن علي الشاذلي، للحصول على درجة "الماجستير" من كلية الشريعة في جامعة الأزهر. 2 - إن منهج الكتابين واحد، والأصول والأمثلة التابعة لها ليس فيها اختلاف هام، فهما إن لم يكونا كتاباً واحداً. فهما متطابقان إلا في أمور يسيرة، كتضمن تأسيس النظر زيادات محدودة، في الأمثلة أو الأصول، وكالاختلاف اليسير في صياغة بعض القواعد مما يجعل دراسة أحد الكتابين دراسة للكتاب الآخر. 3 - وجود اضطراب في عمل محقق تأسيس النظائر، وعدم وضوح الرؤية عنده في الأصول. تلك هي الأمور التي دعتنا إلى ترجيح الحديث عن تأسيس النظر على تأسيس النظائر ولتجلية ما سبق، نذكر فيما يأتي طائفة من الإيضاحات، بشأن الفقرتين السابقتين:

أ) إن الدبوسي أورد ثمانية أقسام من الخلافات، وأضاف إليها قسماً تاسعاَ ضمنه (12) اثني عشر أصلاً، ولم يرد هذا القسم الملحق في كتاب المسرقندي، مما ترتب عليه أن تكون الأصول المذكورة عند الدبوسي (86) أصلاً، والأصول المذكورة عند السمرقندي (74) أصلاً أو أقل منها بقليل. ب) إن القسم السابع من أقسام الخلاف المتعلق بالخلاف بين علماء الحنفية وبين ابن أبي ليلى، تضمن (5) خمسة أصول عند الدبوسي، ولم يرد في كتاب السمرقندي غير (4) أربعة أصول. وربما يعود ذلك إلى سوء عمل المحقق، فقد أدخل أصلاً في أصل، وذكر أمثلة أحد الأصول ضمن أصل آخر. فذكر الأصل الثاني من القسم السابع وهو أن الأصل عند ابن أبي ليلى في باب المعاملات أن العقد إذا ورد الفسخ على بعضه انفسخ كله، ثم فرع عليه فقال وعلى هذا: مسألة التوكيل في استيفاء الحدود جائز، واعتبره بالحقوق التي هي محضة للعباد، كالدين ونحوه. وعندنا لا يجوز، ثم ذكر سائر الأمثلة (¬1)، مع أن المسائل المذكورة لا تتعلق بالأصل الذي ذكره، بل تتعلق به مسائل أخر، لم يوردها المحقق لكتاب السمرقندي، ولعله غفل عنها وسها، فلم يثبتها، فانتقل إلى مسائل الأصل الذي بعده، فالمسائل المذكورة ليست في المعاملات وإنما تتعلق بأصل آخر ورد عند الدبوسي وهو: الأصل عند ابن أبي ليلى أنه يعتبر حقوق الله بحقوق العباد، وعلى هذا قال ابن أبي ليلى أن التوكيل باستيفاء الحدود جائز .. إلخ (¬2). ج) وفي القسم الثامن الذي فيه الخلاف بين الحنفية والإمام الشافعي – رحمه الله – نلاح أن محقق تأسيس النظائر أدخل الأصل (52) ¬

_ (¬1) تأسس النظائر ص 269 وما بعدها. (¬2) تأسيس النظر ص 104 و105.

وجعله من مسائل الأصل الذي قبله، وهو الأصل (51)، ذلك أنه رتب الأصول فذكر الأصل الثالث، وعد فيه طائفة من المسائل ثم عنون بعد ذلك بـ (الأصل الرابع)، مع أن بعض المسائل المحصورة بين الثالث والرابع هي أصل وفروع مبنية عليه. فالمسألة الواردة في ص (293) في تأسيس النظائر هي (أن من وجبت عليه الصدقة متى تصدق على وجه يستوفي به مراد النص أجزأه عما وجب عليه عندنا). وهذا أصل بنيت عليه فروع، وليس هو من مسائل الأصل الذي قبله، وهو (الأصل عند أصحابنا أن القدرة على الأصل أي المبدل قبل استيفاء المقصود بالبدل ينتقل الحكم إلى المبدل) (¬1) وما ذكره المحقق على أنه مسألة، وهو استيفاء مقصود النص بالصدقة، لا علاقة له بأصل (القدرة على الأصل ... إلخ)، وهذا يفهم بأدنى نظر. د) وأما ما يتعلق بالصياغة فهو يسير، نذكر منه الأصل السادس والعشرين (¬2)، والأصل التاسع والعشرين (¬3)، والأصل الحادي والأربعين (¬4)، والأصل الحادي والخمسين، على سبيل المثال، لا الحصر. ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 111، وتأسيس النظائر ص 289. (¬2) صيغة هذا الأصل عند الدبوسي: (الأصل عند أبي حنيفة وأبي يوسف- رحمهما الله – في الأخير: (أن كل عصير استخرج بالماء فطبخ أوفى طبخة فالقليل منه غير المسكر حلال كالدبس والرب) ص 62 من تأسيس النظر. وعند السمرقندي (الأصل عند أبي حنيفة وأبي يوسف أن كل عصير استخرج بالماء والطبخ بالنار أدنى طبخه فالقليل غير مسكر حلال كالدبس والرب) ص 163 من تأسيس النظائر. (¬3) صيغة هذا الأصل عند الدبوسي: (الأصل عند أبي يوسف أن الشروط المتعلقة بالعقد بعد العقد كالموجود لدى العقد، وعند أبي حنيفة ومحمد لا يجعل كالموجود) ص 67 من تأسيس النظر. وعند السمرقندي (الأصل عند أبي يوسف أن الشرط الملحق إلى الانحلال بمنزلة الموجود لدى العقد، وعند أبي حنيفة ومحمد لا يجعل كالموجود لدى العقد) ص 177. (¬4) صيغة هذا الأصل عند الدبوسي: (الأصل عند علمائنا الثلاثة – رحمهم الله- أن نية التمييز في الجنس الواحد لا تعمل، وعند زفر تعمل) ص 99 من تأسيس النظر. وعند =

الفرع الأول: التعريف بالكتاب

الفرع الأول: التعريف بالكتاب: نشر هذا الكتاب في القاهرة سنة 1320هـ، وفق ما ذكره بروكلمان في كتابه تاريخ الأدب العربي 3/ 273، وفؤاد سزكين في كتابه: تاريخ التراث العربي 1/ 3/125، ولم يذكر اسم المطبعة التي تولت طبعه. لكن ذكر يوسف إليان سركيس في كتابه معجم المطبوعات العربية والمعربة (1/ 866) أنه مطبوع سنة 1928م في المطبعة الأدبية في سوق الخضار بمصر. ويبدو أن ما طبع في المطبعة المذكورة هو الأساس لما جاء بعده. وقد طبع الكتاب على نفقة مصطفى محمد القباني الدمشقي، ومحمد أمين الخانجي، وليس فيه مقدمة للناشر، ولا ترجمة للمؤلف. ثم طبع بعد ذلك أكثر من مرة فنشره زكريا علي يوسف، ثم دار ابن زيدون وغيرها. وقد تضمن ي هذه الطبعات ترجمة للدبوسي ملخصة من كتاب أعلام الأخيار لمحمود بن سليمان الشهير بالكفوي، ومقدمة لمصطفى محمد القباني، أفادت أن الكتاب استند إلى نسختين في دار الكتب المصرية المسماة في عهده بالمكتبة الخديوية، أحداهما في مجموع كان رقمه 111، وأخراهما في مجموع آخر كان رقمه 118، ولم تذكر أية معلومات أخرى عن صحة نسبة هذا الكتاب إلى الدبوسي. على أننا نذكر هنا أن كثيرين ممن كتبوا عن حياة أبي زيد الدبوسي وسيرته العلمية، لم يذكروا هذا الكتاب من جملة مؤلفاته، بل اقتصروا على ذكر تميزه بالخلاف، وتأليفه بعض الكتب فيه. ومن هؤلاء الذين لم يذكروا الكتاب: ـــــــــــــــــ = السمرقندي لم يذكر الأصل، بل ذكر فرعاً فقهياً، وعلل بالأصل فجاء على الوجه الآتي: (الأصل عند علمائنا الثلاثة أن من ظاهر من أربع نسوة له، ثم أعتق بعددهن رقاباً، ولم ينو عن كل كفارة رقبة بعينها أجزأه؛ لأن الجنس جنس واحد، فاستغنى عن النية المعينة: وعند زفر لا يجوز: لأن نية التعيين في الجنس الواحد شرط).

1 - ابن خلكان (ت 681هـ) في كتابه وفيات الأعيان (2/ 251). 2 - عبد القادر القرشي (ت 775هـ) في كتابه الجواهر المضية (2/ 499 و500). 3 - ابن قطلوبغا (ت 879هـ) في كتابه تاج التراجم (ص 79). 4 - طاش كبري زاده (ت 935هـ) في كتابه مفتاح السعادة (2/ 142). 5 - ابن العماد الحنبلي (ت 1089هـ) في كتابه شذرات الذهب (3/ 242). ولكن ذكره جاجي خليفة (ت 1067هـ) في كتابه كشف النون 1/ 334 منسوباً إلى أبي زيد الدبوسي، وعنه أخذ ذلك كثيرون. وبعد هذا نذكر فيما يأتي وصفاً لهذا الكتاب: أولاً: تضمن الكتاب طائفة من الضوابط والقواعد الفقهية، ولم يسمها المؤلف قواعد أو ضوابط، وإنما كان يطلق عليها لفظ (الأصل)، شأنه في ذلك شأن أبي الحسن الكرخي، فالأصول عنده تعني الضوابط أو القواعد. ثانياً: والكتاب، وإن كان في الضوابط والقواعد، لكن تأليفه يدخل في نطاق كتب التخريج، لأنه إنما ذكرها لبيان كيفية بناء الفروع على الأصول، ورد الخلاف في الجزئيات إلى الخلاف في الأصول التي بنيت عليها هذه الجزئيات. وقد صرح الدبوسي، في مقدمة حديثه، بأن هذه الأصول التي تسهل حفظ الفروع وبيان مأخذها، تمكن من قياس غيرها عليها، وكان غرض المؤلف –رحمه الله – أن يعرف الناظر فيها (مجال التنازع ومدار التناطح والتخاصم) كما قال (¬1) ... أو يعرف أسباب الخلاف ومأخذ آراء المختلفين. ثالثاً: يُعد هذا الكتاب من أفضل وأنفس ما كتبه الفقهاء في بداية القرن الخامس الهجري، وتبرز أهميته في جانبه التطبيقي، وذكره الفروع الفقهية المبنية على القواعد، وأكثر ما ذكره من الأصول ضوابط فقهية، وليس فيما ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص 9.

ذكره إلا القليل من القواعد الأصولية كالأصل (42) المتعلق بتقديم خبر الآحاد على القياس الصحيح عند الحنفية (¬1)، والأصل (69) المتعلق بمفهوم المخالفة وأن الحنفية لا تقول بأن تخصيص الشيء بالذكر ينفي الحكم عما عداه (¬2)، والأصل (85) المتعلق بحم مخالفة خبر الأحاد للأصول (¬3). رابعاً: جمع الكتاب (86) ستة وثمانين أصلاً مختلفاً فيه، وقد جعل المؤلف هذه الأصول في ثمانية أقسام، خمسة منها بين علماء المذهب اشتملت على (41) واحد وأربعين أصلاً، والأقسام الباقية بين الحنفية وغيرهم من العلماء. وقد أدخلت هذه الأصول ضمن الأقسام الآتية: 1 - قسم فيه خلاف بني أبي حنيفة وصاحبيه وفيه 22 أصلاً 2 - قسم فيه خلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف وبين محمد وفيه 4 أصول 3 - قسم فيه خلاف بين أبي حنيفة ومحمد وبين أبي يوسف وفيه 3 أصول 4 - قسم فيه خلاف بين أبي يوسف ومحمد ... وفيه 4 أصول 5 - قسم فيه خلاف بين فقهاء الحنفية الثلاثة أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف وبين زفر ... وفيه 8 أصول 6 - قسم فيه خلاف بين فقهاء الحنفية الثلاثة وبين الإمام مالك وفيه 2 أصلان 7 - قسم فيه خلاف بين فقهاء الحنفية وبين ابن أبي ليلى وفيه 5 أصول 8 - قسم فيه خلاف بين فقهاء الحنفية وبين الإمام الشافعي وفيه 26 أصلاً 9 - أصل اشتمل على أصول بنيت عليها مسائل خلافية وفيه 12 أصلاً فالمجموع 86 أصلاً وقد أجاد المؤلف في تقسيم الأصول وترتيبها وتنظيمها، فجاءت أصوله مرتبة ومنظمة ومضبوطة. خامساً: إن الفروع المذكورة في الكتاب لم تكن مخرجة من قبل ¬

_ (¬1) تأسيس النظر ص99. (¬2) تأسيس النظر ص131. (¬3) تأسيس النظر ص 156.

الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب

المؤلف أو غيره من فقهاء عصره، وإنما هي منقولة عن الأئمة، فالتخريج في الكتاب كان لبيان أسباب الخلاف، أو لتعليل الأحكام المنقولة عن الأئمة. وكما أن الكتاب يمثل الفروع المخرجة على الأصول، فإنه يمثل أصولاً مخرجة من الفروع، والذي يكشف عن ذلك أن العودة إلى كتب الفقه في كثير من الفروع الواردة فيه لا ترينا التعليلات المسندة إلى هذه الأصول، بل ترينا تعليلات أخر غير مسندة إلى هذه الأصول. سادسا: كان منهج المؤلف وصفياً، فقد كان يذكر نص الأصل وآراء العلماء بشأنه، دون أن يرجح وجهة نظر منها، ودون أن يستدل لأحد. وبعد ذكره الأصل يذكر الفروع المبنية عليه، بعد قوله: وعلى هذا مسائل منها، أو على هذا قال أصحابنا. ولم يخرج عن ذلك إلا عدد محدود جداً من الأصول. الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب أولاً: قال أبو زيد في الأصل الأول من كتابه المذكور ص 11 وما بعدها: قال الفقيه: الأصل عند أبي - رحمه الله - على ما ذكره أبو الحسن الكرخي - رحمه الله- أن ما غير الفرض في أله غيره في آخره (¬1)، مثل نية الإقامة للمسافر (¬2) واقتداء المسافر بالمقيم (¬3) وعلى هذا مسائل منها:- ¬

_ (¬1) سبق في الكلام عن وقوع الاختلاف في الأصول المخرجة، أن ذكرنا أن الأصل الذي أورده الدبوسي هنا، هو مما اختلف فيه، فارجع إلى ذلك لمعرفة وجهتي النظر في هذه المسائل، وهي المسماة، عندهم، بـ (المسائل الاثني عشرية)، ونضيف هنا أن ممن مشى على وجهة نظر أبي سعيد البردعي، صاحب الهداية، وتبعه الشراح وعامة المشايخ وأكثر المحققين من الحنفية، والإمام النسفي في الوافي والكافي، والكنز وشروحه، والشيخ أبو منصور الماتريدي. انظر: رد المحتار 1/ 449 و1/ 607، واللباب في شرح الكتاب 1/ 88. (¬2) فلو صلى الظهر ركعتين، وقعد قدر التشهد، ولم يسلم، ثم نوى الإقامة تغير فرضه، كما لو نوى الإقامة في أول الصلاة. انظر: بدائع الصنائع 1/ 99. (¬3) فإنه يتم أربعاً لتبعيته في الاقتداء، إذا كان الوقت باقياً، لكن بعد خروج الوقت، لا =

1 - إن المتيمم إذا أبصر الماء، في آخر صلاته بعدما قعد قدر التشهد، قبل أن يسلم فإنه تفسد صلاته عند أبي حنيفة – رحمه الله – لهذا المعنى، لأنه لو حصلت الرؤية في أول الفرض غيره، فكذلك إذا حصل في آخره، وعندهما لا تفسد. 2 - إن العُريان إذا أصاب ثوباً، أو مقدار ما يستر عورته، بعدما قعد، قدر التشهد قبل أن يسلم، سدت صلاته عند أبي حنيفة – رحمه الله تعالى- لهذا المعنى الذي ذكرناه، وعندهما لا تفسد صلاته. 3 - إن الأمي لو تعلم سورة من القرآن (¬1)، أو مقدار ما تجوز به الصلاة، بعدما قعد قدر التشهد، قبل أن يسلم، فسدت صلاته، عند أبي حنيفة، لهذا المعنى الذي ذكرناه، وعندهما لا تفسد صلاته. 4 - إن المستحاضة، إذا خرج وقت صلاتها، بعدما قعدت قدر التشهد، قبل أن تسلم، فإنه تفسد صلاتها، عند أبي حنيفة- رحمه الله- لهذا المعنى، وعندهما لا تفسد صلاتها. وكذلك المبطون ومن به سلس البول، وصاحب الجرح السائل، ومن هو في معنى المستحاضة (¬2) على هذا الخلاف. ¬

_ (¬1) = يصح الاقتداء، لأن الفرض، بعد خروج الوقت، لا يتغير بنية الإقامة. انظر: رد المحتار 1/ 581. () قيل المراد بذلك أنه تذكرها، بعد نسيان، لأن التعلم لابد له من التعليم وذلك فعل ينافي الصلاة. وقيل المراد إنه سمعها بلا اختيار، وحفها بلا صنيع. انظر: العناية 1/ 273. والمراد من المعلم هنا ما هو أعم من أن يكون إماماً، أو منفرداً، أو مقتدياً بأمي أو قاريء. انظر: رد المحتار 1/ 607. (¬2) وأضاف القدوري من كان صاحب عذر فانقطع عذره، (انظر: اللباب في شرح الكتاب 1/ 88).

5 - إن المرأة إذا قامت بجنب الرجل، في آخر الصلاة، بعدما قعد قدر التشهد، قبل أن يسلم أفسدت صلاته عند أبي حنيفة، وعندهما لا تفسد (¬1). 6 - إن الماسح على الخف، إذا انقضت مدة مسحه، بعدما قعد قدر التشهد، قبل أن يسلم، فإنه تفسد صلاته عند أبي حنيفة لهذا المعنى (¬2)، وعندهما لا تفسد. 7 - إن لابس الخفين إذا سقط الخف من رجله، بعدما قعد قدر التشهد، قبل أن يسلم، بغير فعله، أو بعمل يسير، من جهته (¬3) فإنه تفسد صلاته عند أبي حنيفة لهذا المعنى، وعندهما لا تفسد فأما إذا كان بعمل كثير (¬4) فإنه لا تفسد صلاته بالإجماع. 8 - إن مصلي الجمعة إذا مضى الوقت، بعدما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم (¬5)، فإن صلاته تفسد عند أبي حنيفة، وعندهما لا تفسد. 9 - إن من تذكر صلاة فاتت في آخر صلاته (¬6)، ولم يدخل في ¬

_ (¬1) قيل إن القياس أن لا تفسد صلاته، كما لا تفسد صلاتها، ولكن ترك القياس؛ لأنه مأمور بتأخيرها، وهو المختص بالأمر، دونها، فتفسد صلاته. انظر: الاختيار في تعليل المختار 1/ 57. (¬2) ومثل ذلك، إذا كان ماسحاً على الجبيرة، فسقطت عن برء. انظر: اللباب 1/ 88. (¬3) بأن كان واسعاً لايحتاج فيه إلى المعالجة بالنزع. انظر: رد المحتار 1/ 608. (¬4) بأن كان الخف ضيقاً يحتاج إلى علاج، ففي هذه الحالة تكون صلاته قد تمت، لوجود المنافين وهوا لخروج بصنعه. انظر: فتح القدير 1/ 273، ورد المحتار 1/ 608. (¬5) أو دخل وقت العصر، في الجمعة. انظر: اللباب 1/ 88، والهداية والعناية مع فتح القدير 1/ 273. (¬6) سواء كانت الفائتة عليه وعلى إمامه، بشرط أن يكونا من أهل الترتيب، وأن تكون في الوقت سعة. =

التكرار (¬1) بعدما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم، فإنه تفسد صلاته عند أبي حنيفة، وعندهما لا تفسد. 10 - إن العاجز إذا قدر على الركوع والسجود، بعدما قعد قدر التشهد، قبل أن يسلم فإنه تفسد صلاته عند أبي حنيفة، وعندهما لا تفسد. 11 - إن المرأة إذا حاضت، بعدما قعدت قدر التشهد، فسدت صلاتها عند أبي حنيفة، وعندهما لا تفسد. 12 - إن من كان في صلاة الفجر وطلعت عليه الشمس، بعدما قعد قدر التشهد، قبل أن يسلم، فسدت صلاته عند أبي حنيفة (¬2)، وعندهما لا تفسد. فإن قيل: لو طلعت الشمس عند التكبيرة لا تغير الفرض في أوله (¬3) قيل له: هذا من عدم العلة فلا يكون نقضاً (¬4). وعلى هذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن من أدرك الإمام يوم الجمعة بعدما قعد، قدر التشهد قبل أن يسلم، فإنه يصلي ركعتين، وقال محمد: يصلي أربعاً. ¬

_ (¬1) = انظر: فتح القدير، والعناية 1/ 273، والدر المختار 1/ 608. () التكرار يتحقق بكثرة الفوائت. وحُد ذلك بدخول السابعة، وقيل بدخول السادسة فمن بلغت فوائته أكثر من خمس، دخل في التكرار، وسقط عنه الترتيب. انظر: الاختيار 1/ 62. (¬2) من الملاحظ أن هذا القول يخالف الحديث الوارد عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: (من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها، إذا ذكرها) الذي أخذ به الشافعيةن وقالوا بعدم فساد الصلاة بطلوع الشمس، بناء عليه وعلى قوله – صلى الله عليه وسلم-: (من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها، إذا ذكرها) الذي أخذ به الشافعية، وقالوا بعدم فساد الصلاة بطلوع الشمس، بناء عليه وعلى قوله – صلى الله عليه وسلم – (من أدرك ركعة من الصبح، قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها)، لكن الحنفية يحملون الأحاديث على الصلاة في غير الأوقات المنهي عنها)، ولا يرون تخصيص الأحاديث المتعارضة ببعضها، لانهم يشترطون في التخصيص المقارنة. انظر: دراسات في التعارض والترجيح للدكتور/ سيد صالح عوض ص 372 وما بعدها، والتعارض والترجيح عند الأصوليين للدكتور محمد الحفناوي ص192 وما بعدها. (¬3) فالمفروض، إذن، أن لا تغيره في آخره. (¬4) أي بإبداء العلة، دون الحكم.

وكذلك لو أدركه في سجود السهود، في صلاة الجمعة، فإنه يصلي ركعتين عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد يصلي أربعاً وكذلك في سائر الصلوات، إذا سجد للسهو ثم اعترض له معنى من هذه المعاني فهو على هذا الأصل، وقد قدمناه قبل هذا. وحكي عن أبي سعيد البردعي أنه كان يخرج هذه المسائل على أصل آخر، وهو أن مذهب أبي حنيفة الخروج من الصلاة بصنعه فرض، وعندهما ليس بفرض. ولكن هذا ليس بمنصوص عليه عن أبي حنيفة (¬1) والأول أحسن. ثانياً: وقال في صفحة 110: الأصل عند أصحابنا أن القدرة على الأصل أي المبدل قبل استيفاء المقصود بالبدل ينتقل الحكم إلى المبدل (¬2) كالمعتدة بالشهور إذا ¬

_ (¬1) وإنما استنبطوه من وجهة نظرهم في الفروع الفقهية، فهو أصل مخرج وليس بمنصوص. هذا وقد أضاف بعض العلماء فروعاً أخرى إلى ذلك، فأوصلوها إلى عشرين أو أكثر، وحاول بعضهم رد الفروع المضافة إلى بعض، وفي بعض ما فعلوه تكلف. وهذه الفروع المضافة هي: وجود ماء يزيل به نجاسة الثوب، وتقنع الأمة، أي إذا عتقت وهي تصلي بغير قناع، فلم تستتر من وقتها وزوال الشمس في العيد، ودخول وقت من الأوقات الثلاثة في القضاء، وخروج وقت المعذور، وتذكر فائتة على إمامه. انظر: توضيح هذه الفروع، أو بعضها في: رد المحتار 1/ 609، وفتح القدير 1/ 274، وتبيين الحقائق 1/ 151. (¬2) هذه القاعدة، بالطريقة التي أوردها بها الدبوسي، تبدو مطردة، وأن الحكم واحد، في الفروع الثمانية التي أوردها، وما يمكن أن يلحق بها، عند الحنفية، وعند الإمام الشافعي أيضاً، غير أن ما عرضه كثير من العلماء يدل على عدم اطراد القاعدة، فقد ذكر محمد بن أبي سليمان البكري الشافعي المتوفى في أوائل القرن التاسع الهجري، هذه القاعدة، في كتابه الاستغناء، بنص (من تلبس ببدل، مع عدم وجود مبدله، ثم وجد المبدل، وهو في أثناء فعل البدل، لم يبطل مع وجود مبدله) ص 368. لكنه بعد أن ذكر أمثلة لها، ذكر طائفة مما ستثني منها، بعضها مما ذكره الدبوسي، كما بحث الزركشي في كتابه المنثور في القواعد (1/ 219 وما بعدها) بعض هذه المسائل، بعد أن تكلم عن البدل وأنواعه وأحكامه، ويفهم مما عرضه عدم طرد هذه =

حاضت (¬1)، أو المعتدة بالحيض، إذا أيست (¬2). عند أبي عبد الله لا ينتقل، وعلى هذا مسائل منها: إن المتيمم إذا وجد الماء، خلال الصلاة تفسد صلاته عندنا (¬3) وعند أبي عبد الله لا تفسد (¬4). إن العاري إذا وجد ثوباً في خلال صلاته تفسد صلاته عندنا (¬5) وعند أبي عبد الله لا تفسد صلاته. والمريض إذا وجد خفة من مرضه وقوة وذلك في خلال صلاته استقبلها من الابتداء عندنا (¬6) وعند أبي عبد الله يمضي على حاله في هذه المسائل كلها. إن المكفر عن يمينه إذا كفر بالصوم، فوجد في اليوم الثاني، أو في اليوم الثالث، ما يكفر به من طعام أو كسوة أو عتق، بطلحكم الصوم عندنا (¬7). وعند أبي عبد الله لا يبطل. وكذلك المكفر عن قتل الخطأ إذا وجد رقبة في صيامه قبل تمام ¬

_ (¬1) = القاعدة، في كل الفروع. ما تكلم عن ذلك ابن رجب في القاعدة السابعة من كتابه في القواعد (ص 9 و10) بنص (من تلبس بعبادة، ثم وجد، قبل فراغها، ما لو كان واجداً له، قبل الشروع، لكان هو الواجب، دون ما تلبس به، هل يلزمه الانتقال، أم يمضي ويجزئه) وذكر أن ذلك على ضربين، ونوع في الحكم بناء على اختلاف الضربين. وتكلم عن ذلك في القاعدة السادسة عشرة (ص 20) أيضاً وذكر لها صوراً كثيرة. وقد تناول ابن القيم في كتابه (بدائع الفوائد) بعض هذه الفروع، وفرق بين بعضها في الأحكام، مع ذكره لوجوه الفرق (4/ 28). () فنستأنف العدة بالحيض عند الحنفية. انظر: اللباب 3/ 82، والاختيار 2/ 233. (¬2) فنستأنف بالشهور عند الحنفية. انظر: الاختيار في الموضع السابق. (¬3) اللباب 1/ 87، والهداية 1/ 40، والدر المختار بحاشية رد المحتار 1/ 607. (¬4) وهذا هو المشهور في مذهب الشافعي. انظر: مغنى المحتاج 1/ 102. (¬5) الدر المختار بحاشية رد المحتار 1/ 607. (¬6) رد المحتار مع الدر المختار 1/ 608، وفي كتاب القدوري أن استئناف الصلاة هو رأي محمد، والمفتي به أنه يبني على صلاته. انظر: اللباب في شرح الكتاب 1/ 102. (¬7) اللباب 4/ 8.

الشهرين فإنه يعتق الرقبة ولا يجزيه الصوم عندنا. وعند أبي عبد الله لا يبطل صومه، ويجزيه عن الكفارة. وكذلك المتمتع إذا لم يجد الهدي فصام يوماً أو يومين، فوجد الهدي قبل فراغه من الصوم، إنه لا يجزيه صوم اليوم الثالث ويجب عليه أن يذبح الهدي (¬1) وعند أبي عبد الله يجوز. إن المظاهر إذا وجد ما يعتق أو ما يطعم، قبل الفراغ من الصوم لايجزيه الصوم عندنا، ويلزمه الإعتاق وعند أبيعبد الله يجزيه الصوم ولا يلزمه الإعتاق ويمضي إتمام شهرين متتابعين (¬2). ¬

_ (¬1) لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل، وهو التحلل. ون قدر عليه، بعد الحلق، قبل صومه السبعة، فلا هدي عليه، لحصول المقصود بالبدل. انظر: الاختيار 1/ 157. (¬2) من الفروع التي ذكرها ابن رجب، ولم ترد هنا: إذا نكح المعسر الخائف للعنت أمة، ثم زال أحد الشرطين، فهل ينفسخ نكاحه. على روايتين، والنكاح شوب عبادة ص 10 من قواعد ابن رجب، وما ذكره مذهب الحنابلة.

المطلب الثاني تخريج الفروع على الأصول

المطلب الثاني تخريج الفروع على الأصول لشهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني (ت 656هـ) الفرع الأول: التعريف بالكتاب: نشر هذا الكتاب أول مرة، فما نعلم، سنة 1382هـ الموافقة لسنة 1962م بتحقيق د/ محمد أديب صالح، وطبع في مطبعة جامعة دمشق، وقد أعاد محققه نشره مرات عديدة، مع زيادات يسيرة في استقصاء القواعد الأصولية، والفقهية، وما بني عليها من الفروع. وقد اعتمد محققه، على ما ذكر، على نسختين مخطوطتين، أحداهما نسخة دار الكتب المصرية، وهي تقع في (93) ورقة، من القطع الصغير، يرجع تاريخ الانتهاء من نسخها إلى سنة 818هـ، وأخراهما نسخة مكتبة الأزهر، وتقع في (55) ورقة من القطع الصغير أيضاً، وهي ضمن مجموعة من الكتب وقد اعتمد المحقق على نسخة دار الكتب، وجعلها أصلاً، لخلوها مما في نسخة الأزهر من التصحيف والخروم، التي حدد مواضعها في مقدمة الكتاب (¬1). ولم يمنعه ذلك من العودة إلى مخطوطة الأزهر، ليسد بعض ما وجده من نقص أو ليهتدي به إلى الصواب. ولما فيها من زيادات، رأي إثباتها في المتن مع الإشارة إلى ذلك في الهامش. ولم يذكر المحقق تاريخ نسخة الأزهر، ولا عدد الأسطر في كل صفحة ¬

_ (¬1) ص 22.

من كلتا المخطوطتن، ولا عدد كلمات كل سطر؛ ليتضح سبب الفرق في عدد الوراق بينهما. ومما يؤخذ على عمل المحقق أنه لم يبحث في صحة نسبة الكتاب للمؤلف، لا سيما أنه لم يذكره أحد من أئمة المؤلفين في طبقات الشافعية، كابن السبكي، والأسنوي، وابن قاضي شهبة، ولا أورده صاحب كشف الظنون، ولا البغدادي في الدر المكنون، ولا في هدية العارفين، مع أن معرفة ذلك من الأمور المهمة. على أنه مهما يكن من أمر فن الكتاب سد فراغاً كبيراً في مكتبة الفقه والأصول، وكان انتباه المحقق إليه، وعمله على إخراجه لفتة ذكية منه، يستحق عليها الثناء. والمرجو من المحقق، أن يوثق نسبة الفروع الفقهية، فيما لم يوثق، عند إعادة طبعه. وفيما يأتي وصف موجز للكتاب: 1 - يُعد هذا الكتاب من الكتب المتبحرة في موضوعها، وقد كتبه مؤلفه ليبين مآخذ الخلافات الواقعة بين الأئمة، وأنها تعود إلى الاختلاف في الأصول التي تبنى عليها الأحكام. وقد نبه المؤلف إلى أنه لم يسبق إلى مثل ذلك، إذ أن العلماء الماضين والفقهاء المتقدمين لم يتصدوا إلى ما تصدى إليه، فعلماء الأصول يذكرون الأصول مجردة عن الفروع المبنية عليها، وعلماء الفروع ينقلون المسائل المتفرقة، من دون تنبيه على كيفية استنادها إلى تلك الأصول (¬1). 2 - وكان منهجه أن يذكر المسألة الأصولية أو الفقهية التي ترد إليها الفروع، ¬

_ (¬1) تخريج الفروع على الأصول ص 5.

ويذكر وجهات نظر المختلفين بشأنها ثم يبين ما ينبني على ذلك نم اختلاف الفقهاء، وكان ترتيبه لتلك المسائل على وفق الأبواب الفقهية بدءاً بكتاب الطهارة وانتهاء بمسائل الكتابة من غير استيعاب لجميع الأبواب الفقهية. 3 - تضمن الكتاب (31) موضوعاً هي مجموع كتبه ومسائله، وهذه الموضوعات هي: الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والبيوع، والربا، والرهن، والوكالة، والإقرار، والغصب، والإجارة، والشفعة، والمأذون، والنذر، والأهلية، وقاعدة جامعة، والنكاح، والصداق، واختلاف الدارين، والطلاق، والرجعة، والنفقات، والجراح، والحدود ومسائل حد الزنا، ومسال السرقة والسير، والأيمان، والأقضية، والشهادات، والعتق والكتابة. وقد ضمن هذه الكتب أو المسائل (95) أصلاً أو مسألة، وفرع على كل أصل أو مسألة عدداً من الفروع الفقهية المختلف فيها بناء على الاختلاف في تلك الأصول. وكان يسميها في الغالب مسائل. وفيما يلي بيان لعدد تلك الأصول أو المسائل في كل كتاب من كتبه: الكتاب أو المسألة ... الأصول أو عدد الكتاب أو المسألة الأصول أو عدد المسائل فيه ... المسائل فيه 1 - كتاب الطهارة والتيمم 10 8 - مسائل الرهن ... 1 2 - كتاب الصلاة 7 9 - مسائل الوكالة ... 1 3 - كتاب الزكاة 2 10 - مسائل الإقرار 1 4 - كتاب الصوم 6 11 - مسائل الغصب 3 5 - كتاب الحج 1 12 - مسائل الإجارة 1 6 - كتاب البيوع 3 13 - مسائل الشفعة 1 7 - مسائل الربا 11 14 - مسائل المأذون 1

15 - مسائل النذر والأهلية 1 24 - كتاب الحدود ومسائل الزنا 4 16 - قاعدة جامعة 1 25 - مسائل السرقة 2 17 - كتاب النكاح 7 26 - كتاب السير 3 18 - مسائل الصداق 1 27 - مسائل الإيمان 2 19 - مسائل اختلاف الدارين 1 28 - مسائل الأقضية 1 20 - مسائل الطلاق 6 29 - مسائل الشهادات 2 21 - مسائل الرجعة 1 30 - كتاب العتق 1 22 - مسائل النفقات 2 31 - كتاب الكتابة 1 23 - كتاب الجراح 10 مجموع المسائل أو الأصول 95 4 - ولم تكن عناوين توزيع موضوعاته واحدة فتارة يسميها كتاباً ككتاب الزكاة والصوم والحج والبيوع والنكاح والجراح والسير ... إلخ، وتارة يسميها مسائل كمسائل الإجارة ومسائل الشفعة ومسائل المأذون ومسائل الصداق ومسائل السرقة ... إلخ. 5 - ولم يكن الكتاب خاصاً بتخريج الفروع على الأصول المعروفة في الاصطلاح، بل كانت الأصول عنده واسعة شملت، إضافة إلى أصول الفقه وقواعده، القواعد والضوابط الفقهية أيضاً. كما أن أصول الفقه عنده تناولت الأدلة الإجمالية الكبرى، وما تفرع عليها من القواعد. ومن هذه الأدلة شرع من قبلنا وهل هو شرع لنا (¬1)، والاستدلال بالمصالح المستندة إلى كلي الشرع وهل هو جائز أو لا؟ (¬2)، والاستدلال ¬

_ (¬1) المسألة 2 من مسائل الأيمان ص 198. (¬2) المسألة 6 من كتاب الجراح ص 169.

بالاستصحاب (¬1) أو بقول الصحابي على انفراده (¬2) وغير ذلك. وأما الضوابط والقواعد الفقهية فقد ورد عنده منها مسألة القطع والضمان لايجتمعان وخلاف العلماء في ذلك (¬3) وهل اليد الناقلة معتبرة في وجوب الضمان أو لا؟ (¬4) وهل المنافع هيئة قائمة بالمحال تنزل منزلة الأعيان في عقد الإجارة أو لا؟ (¬5) وهل المأذون يتصرف لسيده بحم الإذن كالوكيل، أو يتصرف لنفسه بحكم فك الحجر كالمكاتب؟ (¬6) وهل ملك الغنائم يتوقف على الإحراز بدار الإسلام، أو لا، بل يحصل بمجرد الاستيلاء؟ (¬7) وهل شهادة النساء ضرورية غير سأصلية أو أنها أصلية؟ (¬8) وهل تدخل النيابة في التكاليف والعبادات البدنية أو لا؟ (¬9) وهل المصلي يصلي لنفسه ولا شركة بين الإمام والمأموم، أو إن صلاة المأموم تابعة لصلاة الإمام (¬10). 6 - وزع المؤلف ما أورده من أصول وقواعد على الموضوعات التي أشرنا إليها في الفقرة (3)، وهذا صنيع لا يتلاءم مع طبيعة الأصول الشاملة التي لا تقتصر على كتاب أو باب معين. ولهذا فإنه عند ذكر الفروع لم يلتزم بذلك التزاماً تاماً، بل جاءت الفروع في كثير من الأحيان من أبواب متعددة. ففي المسألة (1) من كتاب الطهارة المتعلقة بمسألة الأصل في العبادات ¬

_ (¬1) المسألة 5 من مسائل الربا ص 79. (¬2) المسألة 6 من مسائل الربا ص 82. (¬3) المسألة 1 من كتاب الغصب ص 107. (¬4) المسألة 2 من كتاب الغصب ص 108. (¬5) المسألة 1 من مسائل الإجارة ص 114. (¬6) المسألة 1 من مسائل المأذون ص 120. (¬7) المسألة 1 من كتاب السير ص 191. (¬8) المسألة 1 من كتاب النكاح ص 136. (¬9) المسألة 1 من كتاب الحج ص 60. (¬10) المسألة 1 من كتاب الصلاة ص 37.

هل هو التعليل أو التعبد؟ ذكر الاختلاف في أمور ليست من كتاب الطهارة. منها: هل يتعين لفظ التكبير في افتتاح الصلاة أو لا؟ وهل المتعين في الصلاة قراءة الفاتحة أو أن غيرها ينوب منابها؟ (¬1) وهل يمتنع الأبدال في الزكوات ولا يجزيء إخراج القيمة أو لا؟ وهل التغذية والتعشية في الكفارات تجزيء عن صرف الطعام إلى المساكين أو لا وهل يجب استيعاب العدد عند صرف الطعام إلى المساكين أو لابد من صرفه إلى مسكين واحد (¬2). وفي المسألة المتعلقة بجواز التعليل بالعلة القاصرة المستنبطة، ذكر طائفة من الفروع الفقهية ليست من كتاب الطهارة، منها مسألة الإفطار بالأكل والشرب في نهار رمضان هل يوجب الكفارة كالجماع أو لا؟ (¬3) وهل علة تحريم الربا في النقدين الثمينة المختصة بهما، أو الوزن واتحاد الجنس وهل العلة في وجوب نفقة القريب البعضية المختصة بالوالدين والمولودين، أو أنها عموم الرحم (¬4). وفي المسألة (3) من كتاب الطهارة المتعلقة بالزيادة على النص هل هي نسخ أو لا؟ (¬5). ذكر مسألة التغريب هل يشرع مع الجلد أو لا؟ (¬6) ومسألة القضاء بالشاهد واليمين هل يجوز أو لا؟ (¬7). ¬

_ (¬1) كتاب الطهارة مسألة 1 ص 7. (¬2) كتاب الطهارة مسألة 1 ص 8. (¬3) كتاب الطهارة مسألة 2 ص 9. (¬4) كتاب الطهارة المسألة 2 ص 10. (¬5) كتاب الطهارة المسألة 3 ص 10. (¬6) كتاب الطهارة المسألة 3 ص 11. (¬7) كتاب الطهارة المسألة 3 ص 11.

وفي المسألة (4) من كتاب الطهارة المتعلقة بالواو الناسقة هل تفيد الترتيب أو إنها لمطلق الجمع؟ ذكر في الاستدلالات فروعاً فقهية من أبواب متعددة (¬1)، وأما في التفريع على الأصل فقد ذكر فرعين أحدهما له صلة بكتاب الطهارة، وهو الترتيب في أفعال الوضوء هل يستحق أو لا؟ وآخرهما هو البداية بالسعي بالصفا دون المروة هل يجب أو لا؟ (¬2) وهذا لا علاقة له بالطهارة، بل هو متعلق بأفعال الحج. وهكذا يقال عن المسألة (5) التي ذكر فيها خمس مسائل، تتفرع على الأصل الذي ذكره، منها اثنتان في الطهارة، وثلاث ليس منها (¬3). وعن المسألة (6)، التي ذكر فيها أربع مسائل تتفرع على الأصل، منها فرع واحد يتعلق بالطهارة، وهو الوضوء من مس الذكر، وثلاثة فروع لا علاقة لها بالطهارة، غذ أحدها يتعلق بالجهر بالتسمية في الصلاة، وثانيها يتعلق بقبول شهادة المنفرد برؤية الهلال، إذا كانت السماء مصحية، وثالثها يتعلق بثبوت خيار المجلس في عقود المعاوضات بما تعم به البلوى (¬4). وفي المسألة (7) المتعلقة بدوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز ذكر ثلاث مسائل متفرعة على الأصل المذكور، أولها يتعلق بنقض الوضوء من لمس المرأة، وهذا له صلة بالكتاب، وأما الفرعان الآخران فأحدهما يتعلق بشرب النبيذ المسكر، وهل يوجب الحد، وآخرهما يتعلق باستعمال لفظ (أنت طالق) بنية العتق (¬5). وهما ليسا من كتاب الطهارة. ونكتفي بما ذكرنا من كتاب الطهارة تركاً للتطويل، ويمكن أن يقاس عليه ¬

_ (¬1) كتاب الطهارة المسألة 4 ص 12. (¬2) كتاب الطهارة المسألة 4 ص 13. (¬3) المسألة 5 من كتاب الطهارة ص 14 و15. (¬4) المسألة 6 من كتاب الطهارة ص 16 و17. (¬5) المسألة 7 من كتاب الطهارة ص 18 و19.

غيره (¬1) ومنه ندرك أن ما ذكره محقق الكتاب من أن المؤلف إنما سمح لنفسه في القليل النادر أن يورد مسألة أو أكثر من غير أسرة الكتاب (¬2) لا يسلم له. فما كان يورده ليس بالقليل النادر. وتبرير المحقق لمثل ذلك بأنه نابع من السير ضمن الخطوط العامة للمنهج في التخريج (¬3) غير مقبول، لأن التخريج على الأصول يقتضي ترك توزيع القواعد الأصولية أو الفقهية العامة على الموضوعات الخاصة، لأن طبيعة هذه القواعد تنافي الاختصاص المذكور، ¬

_ (¬1) ونذكر فيما يأتي نماذج أخر للتمثيل وليس للحصر. فمن ذلك أنه: 1 - في كتاب النكاح أورد مسائل ذكر لها فروعاً فقهية من باب النكاح، ولكن تلك المسائل لا تختص به، بل هي عامة، ومنها: أ- مسألة (1) ص 130 راوي الأصل إذا أنكر رواية الفرع إنكار جاحد. ب- مسألة (4) ص 134 إذا ورد المطلق والمقيد في حادثة واحدة فهل يحمل المطلق على المقيد أو لا ج- مسألة (5) ص 136 وهي تتعلق بشهادة النساء هل هي ضرورية غير أصلية، أو أنها أصلية. وهي ليست أصولية. وقد فرع عليها مسائل تتعلق بالنكاح، ولكن نطاق هذه المسألة لايختص بالنكاح. 2 - في مسائل حد الزنا أورد المسألة (4) في ص 183 المتعلقة بحكم القياس في الأسماء اللغوية المشتقة من المعاني، كلفظ الخمر من التخمر، والسرقة من استراق الأعين ... إلخ، ولكنه في التفريع لم يلتزم بذلك، وقد ذكر ثلاثة فروع: أ) أحدها الخلاف في اللواط وإلحاقه بالزنا وهذا مما يتعلق بالمسألة. ولكن الفرعين الآخرين ليسا من حد الزنا، وهما: ب) إلحاق النبيذ بالخمر، وهذا يتعلق بحد الشرب. ج) إلحاق النباش بسارق مال الحي، وهذا يتعلق بحد السرقة، مع أنه أفرد للسرقة مسائل خاصة. 3 - في تاب السير مسألة (2) ص 193 ذكر مسألة أن (اللف العام إذا ورد على سبب يختص به) وبين الخلاف فيها وفرع على ذلك مسألة متروك التسمية (ص 194)، وهي مما لا يتعلق بالسير. كما أن القاعدة عامة. (¬2) ص 15 من مقدمة المحقق. (¬3) ص 16 من مقدمة المحقق.

فالاختصاص الذي اتبعه المؤلف يناسبه الضوابط الفقهية المتعلقة بباب واحد، لا القواعد الأصولية، ولا القواعد الفقهية الكلية العامة، ولهذا فإن منهج ابن اللحام في كتابه (القواعد والفوائد الأصولية) يُعد المنهج الصحيح في ذلك، والمتلائم مع طبيعة الأصول. 7 - ولم يكن الكتاب – كما ذكرنا- مستوعباً لفروع الفقه ولا لكل أبوابه، بل اقتصر – كما ذكر مؤلفه- على أمهات المسائل الخلافية (¬1). وإنما اتجه إلى ذلك رغبة في الاختصار، ولأنه جعله أنموذجاً لما لم يذكره، حتى أنه يستطيع الباحث أن يجد فيه دليلاً على ما لم يذكر، أو كما جاء في تعبير المؤلف (دليلاً على الذي لا تراه من الذي ترى) (¬2). وبذلك يكون كتابه مفتاحاً، يستطيع المطلع عليه أن يفتح به كثيراً من المغلقات. 8 - وكان المؤلف عند عرضه لوجهات النظر في القواعد التي يذرها، لا يتوسع في الاستدلالات وإنما يذكر الهم منها، كما يتراءى له. ويذكر الأدلة بصيغة حيادية في الغالب، متبعاً منهجاً وصيفاً في ذلك، لأن هدفه كان بيان كيف اختلفت الفروع، تبعاً للاختلاف في الأصول. وعلى الرغم من أنه كان شافعي المذهب، فإنه لم ينتصر لمذهبه، إلا قليلاً، سواء كان بنقده لمذهب خصمه، وهو الحنفي، أو بتعزيزه لرأي إمامه. ومن هذه المواضع القليلة نقده لرأي أصحاب أبي حنيفة في أن القياس لا يجري في الكفارات، ووصفه بالفساد، مع تعليله لذلك (¬3)، ومنها نقده رأيهم في المنع من القياس على الخارج عن القياس (¬4)، ومنها مناقشة، رأي الحنفية بشأن عدم جواز القياس على الأسباب (¬5) ومنها نقده استدلالهم بالإجماع على أن للعموم ألفاظاً ¬

_ (¬1) ص 2. (¬2) ص 2. (¬3) المسألة 4 من كتاب الصوم ص 56. (¬4) المسألة 7 من مسائل الربا ص 85. (¬5) المسألة 3 من مسائل الجراح ص 163.

شرعية، وأوضاعاً معلومة، لا يدخلها التخصيص قطعاً ويقيناً (¬1)، ومنها تضعيفه رأي الحنفية بشأن إنكار تخصيص عموم الكتاب بالقياس، وتبرير هذا التضعيف بالدليل (¬2)، وتضعيفه رأيهم القائل بأن (مَنْ) الشرطية تخص الذكور دون الإناث، ونقده لدليلهم بأنه ضعيف ومن شواذ اللغة (¬3)، ونقده لهم وللقدرية في ذهبهم إلى أن حديث (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) مجمل لا يجوز الاحتجاج به، ونعته رأيهم في ذلك بالفساد، وتبرير هذا النعت بالدليل (¬4). 9 - اقتصر المؤلف عند عرضه للأصول المختلف فيها على مذهبي الشافعي وأبي حنيفة، ولم يذكر غيرهما من أصحاب المذاهب الفقهية المشتهرة، إلا في مسألتين ذكر فيهما الإمام مالكاً. أولاهما: في المسألة الرابعة من كتاب الطهارة، إذ ذكر فيها موافقة مالك لأبي حنيفة في أن الواو لمطلق الجمع، حتى قال بوقوع الطلاق الثلاث قبل الدخول فيمن قال لغير المدخول بها: أنت طالق وطالق وطالق (¬5). وأخراهما: المسألة الثانية من كتاب السير المتعلقة بموافقة مالك لرأي الشافعي باختصاص اللفظ العام بسببه، إن ورد على سبب خاص (¬6). 10 - لاحظ د. محمد سلام مدكور – رحمه الله – في تقديمه للكتاب أن مؤلفه في نقله لعدد من الأحكام في المذهب الحنفي، ولعدد من المسائل العلمية، لم يكن دقيقاً، بل خالف في بعض ما نقله المعروف من آراء الحنفية، وما هو مشهور في المسائل العلمية، واكتفى بالتنبيه على اثني عشر موضعاً، لم يكن الزنجاني فيها دقيقاً بنقله لمذهب الأحناف، أو ¬

_ (¬1) المسألة 7 من مسائل الجراح ص 174. (¬2) المسألة 8 من مسائل الجراح ص 176. (¬3) المسألة 10 من مسائل الجراح ص 179. (¬4) المسألة 4 من مسائل الطلاق ص 148 و149. (¬5) ص 12. (¬6) ص 193.

الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب

في بعض المسائل العلمية، وبين أن ذلك لا يؤثر على ما في الكتاب من مزايا في (إبداع تبويبه ووجازه تعبيره وضبطه للمسائل ضبطاً قل نظيره بين الكتب المتداولة) (¬1). الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب: أولاً: المسألة (1) من كتاب الطهارة. وقد ذكر الزنجاني فيها إحدى عشرة مسألة مختلفاً فيها، بين الحنفية والشافعية، بناها على الخلاف في أن المعاني والأحكام الشرعية هل هي من صفات الأعيان المنسوبة إليها فيصح التعليل، كما هي وجهة نظر طائفة من الحنفية، أو أنها ليست من صفاتها، بل مما أثبته الله تعالى تحكماً وتعبداً، فلا يصح التعليل، كما هي وجهة نظر الشافعي؟ وهي مسألة كبرى يبنى عليها ما لا حصر له من الفروع. وقد آثرنا اختيارها لهذا السبب، ولكننا ننبه هنا إلى أمرين: أولهما: إن الرجوع إلى كتب الفقه في المذهبين، لا تدل على أن ما ذكره الزنجاني، هو الأساس فيما ذهب إليه ل طرف من الأحكام، فهذه الكتب تعلل أحكام كثير من هذه الفروع بأدلة أخرى، عقلية أو نقلية، وقد يأتي ما ذكره الزنجاني فيها من باب الاستئناس والتقوية، لا على سبيل الانفراد. وفي أحيان قليلة يوجه الحكم بما ذكره من تعليل. وثانيهما: إن ما ذكره من توجيه للمسائل يعطي تصوراً جيداً لها، ويمكن من الفهم الدقيق، ويوجد رباطاً وثيقاً بين طائفة من المسائل، في الأبواب المتفرقة، ما كان يمكن أن يُدرك من دون التنبيه إلى ذلك إلا بمشقة زائدة. قال الزنجاني (أ): ¬

_ (¬1) تقديم الكتاب ص 39 - 43. ....................... (أ) ص38 من كتابه تخريج الفروع على الأصول - الطبعة الخامسة، وقد آثرنا ذكر النماذج من هذه الطبعة، لوجود إضافات في حواشيها لم ترد في الطبعة الأولى وقد أضفنا بعض التعليقات إلى ما وجدنا الحاجة تدعو إليها، وبخاصة في المسائل المتفرعة على الأصول التي يذكرها المؤلف. وتمييزاً لها عن هوامش المحقق رمزنا إليها بالحروف الهجائية.

(ذهب الشافعي رضي الله عنه (¬1) وجماهير أهل السنة إلى أن الطهارة والنجاسة وسائر المعاني الشرعية كالرق والملك (¬2)، والعتق والحرية، وسائر الأحكام الشرعية، ككون المحل طاهراً (¬3) أو نجساً، وكون الشخص حراً أو مملوكاً مرقوقاً، ليست من صفات الأعيان المنسوبة إليها، بل أثبتها الله تحكماً وتعبداً، غير معللة (¬4). لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، ولا تصل آراؤنا الكليلة، وعقولنا الضعيفة، وأفكارنا القاصرة إلى الوقوف على حقائقها، وما يتعلق بها من مصالح العباد، فذلك حاصل ضمناً وتبعاً، لا أصلاً ومقصوداً، إذ ليست المصلحة واجبة في حكمه. واحتج في ذلك: بأن الله تعالى إذا جاز أن يعاقب الكافر على كفره، والفاسق على فسقه، ولا مصلحة لأحد فيه، جاز أن يشرع الشرائع، وإن تعلق بها مفسدة ولا يتعلق بها مصلحة لأحد، ولذلك الله تعالى كلف الإنسان ما ليس في وسعه فقال تعالى: {فَاتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} (¬5) {فَاتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} (¬6) وقال للملائكة: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ ¬

_ (¬1) في "ز" رحمه الله تعالى وفي "د" (رضي الله عنه) كما أثبت، وفي أبي حنيفة العكس فيهما. وقد جرينا على وضع (رضي الله عنه) للإمامين، وهذه المغايرة في النسختين مطردة في جميع المواطن، وهي من الفروق بينهما. (¬2) في "د". (¬3) ساقطة في "ز". (¬4) (أ) انظر: أصول السرخسي 2/ 144 وما بعدها، وكشف الأسرار عن أصول البزدوي للبخاري 3/ 531 وما بعدها، والحكم الشرعي بين النقل والعقل للدكتور الصادق عبد الرحمن الغرياني ص 285 وما بعدها. (¬5) سورة هود: الآية 13. (¬6) سورة يونس: الآية 38، هذا: والتكليف بالإتيان بعشر سور من القرآن أو بسورة من مثله إنما هو تكليف للتعجيز والابتلاء، وفعلاً بأن عجز العرب عن أن يأتوا بشيء من مثله وصدق فيهم قول الله تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) الإسراء: 88، وانظر تحقيق هذه المسألة وما يتشعب منها عند الأصوليين في "نهاية السول شرح منهاج البيضاوي" للأسنوي مع حاشية "سلم الوصول" للشيخ بخيت المطيعي: (1/ 361 - 362) تفسير "روح المعاني" للآلوسي (1/ 196) فما بعدها تفسير "أبو السعود" (1/ 52 - 53).

صَادِقِينَ} (¬1) وكل ذلك تكليف للإنسان ما ليس في وسعه، وذلك ضرر لا مصلحة فيه. وسر هذه القاعدة أن الله تعالى مالك الملك وخالق الخلق، يتصرف في عباده كيف يشاء، ولا كذلك الواحد منا. فإنه إذا أضر بغيره كان متصرفاً في ملك الغير بالضرر، وذلك ظلم وعدوان. وذهب المنتمون إلى أبي حنيفة رضي الله عنه من علماء الأصول إلى أن الأحكام الشرعية صفات للمحال (¬2) والأعيان المنسوبة إليها، أثبتها الله تعالى، وشرعها معللة بمصالح العباد لا غير (¬3). كما أن الحسن، والقبح (¬4)، والوجوب، والحظر، والندب (¬5)، والكراهة، والإباحة، من صفات الأفعال التي تضاف (¬6) إليها، غير أنهم قسموا أحكام الأفعال إلى: ما يعرف بمجرد العقل، وإلى ما يعرف بأدلة الشرع، على ما سيأتي: أما أحكام الأعيان: فقد اتفقوا على أنها كلها تعرف بأدلة شرعية، ولا تعرف بمجرد العقل، وأنها (¬7) كلها تثبت بإثبات الله تعالى. واحتجوا في ذلك بقياس الشاهد على الغائب، بناء على قاعدة التحسين ¬

_ (¬1) سورة البقرة: الآية 31. (¬2) في "ز" (الحال). وهو تصحيف. (¬3) انظر "أحكام القرآن" لابن العربي: (1/ 445) و"التفسير الكبير" للفخر الرازي: (8/ 165)، (11/ 150) وانظر كذلك "حاشية ابن عابدين" (1/ 301). (¬4) في "ز" (القبيح) والصواب ما أثبتناه من نسخة "د". (¬5) في "ز" (المندوب) والصواب ما أثبتناه من نسخة "د". (¬6) في "د" (يضاف). (¬7) في "د" (وأن).

والتقبيح، وزعموا أن شرع الحكم (¬1) لا لمصلحة عبث وسفه، والعبث قبيح عقلاً، وهو كإقدام الرجل اللبيب على كيل الماء من بحر إلى بحر، فإنه يقبح منه ذلك ويستحق الذم عليه. وإذا تمهدت هذه القاعدة فنقول (¬2): الشافعي رضي الله عنه حيث رأى أن التعبد في الأحكام هو الأصل غلب احتمال التعبد: وبني مسائله في الفروع عليه. وأبو حنيفة رضي الله عنه حيث رأى أن التعليل هو الأصل بنى مسائله في الفروع عليه، فتفرع عن الأصلين المذكورين مسائل. منها (أ): 1 - أن الماء يتعين (¬3) لإزالة النجاسة عند الشافعي رضي الله عنه (ب)، ولا يلحق غيره به تغليباً للتعبد. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يلحق به كل ¬

_ (¬1) في "ز" (الحكيم) والصواب ما في نسخة "د" وهو ما أثبتناه. (¬2) في "ز" (فيقول) والصواب ما أثبتناه نم نسخة (د). (¬3) في "ز" (متعين). .......................... (أ) انظر المسألة في: الاصطلام لابن السمعاني 1/ 42 وطريقة الخلاف للأسمندي ص 44 وإيثار الإنصاف لسبط ابن الجوزي ص35، ورؤوس المسائل للزمخشري مسألة (1) ص 93 و94، والقاعدة (1) من قواعد المقري 1/ 213، وبداية المجتهد 1/ 80. (ب) انظر المجموع 1/ 95 وإيثار الإنصاف ص 35. وقد أخذ برأ] الشافعي مالك ومحمد وزفر وأحمد.

مائع طاهر مزيل للعين والأثر (أ) تغليباً للتعليل (¬1) (ب). 2 - ومنها: أن الماء المتغير بالطاهرات كالزعفران والأشنان (ج) إذا تفاحش تغيره (¬2) لم يجز التوضي به (عند الشافعي) رضي الله عنه بناء على الأصل ¬

_ (¬1) لا خلاف في أن الطهارة الحكمية (وهي زوال الحدث) لا تحصل بما سوى الماء من المائعات الطاهرة. ولكن الخلاف المراد في هذه المسألة هو في الطهارة الحقيقية وهي زوال النجاسة الحقيقية عن الثوب والبدن، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف تحصل بما سوى الماء من المائعات الطاهرة، أما محمد وزفر: فقد وافقا الشافعي بأنها لا تحصل، وروي عن أبي يوسف أنه فرق بين الثوب والبدن. انظر "البدائع" للكاساني: (1/ 83) "فتح القدير": (1/ 47، 132). (¬2) قدر هذا التغير عند الشافعية ما يمنع إطلاق اسم (الماء المطلق) على الماء المتغير، انظر: "المهذب للشيرازي": (1/ 5) و"مغني المحتاج للشربيني الخطيب على متن المنهاج للنووي": (1/ 17). ................... (أ) تأسيس النظر ص 138. وقد علل الدبوسي المسألة بأصل آخر، مختلف فيه بين الشافعي والحنفية، هو (أنه متى تعلق بالأصل حكمان متفق عليهما، ثم عدم أحدهما، لا يعدم الآخر في نوع من فروعه، وجاز أن يتعلق به أحد الحكمين مع عدم صاحبه، عند الحنفية. وعند الشافعي لا يجوز أن يتعلق به الحكم الآخر مع عدم أحدهما، فيجعل أحد الحكمين كالشاهد للآخر) (ص 136). وهنا لما كان الماء يرفع الحدث ويزيل الخبث جاز في غيره من المائعات أن يزيل الخبث ولا يزيل الحدث، وإزالة الخبث، هي أحد الحكمين للأصل. أما الشافعي فكان يرى أن ما لا يزيل الحدث لا يزيل الخبث. (ص138). (ب) توجيه كلام أبي حنيفة – رحمه الله – بحسب ما عرضه الأسمندي (أن الماء شيء رقيق لطيف، فيدخل خلال الثوب، فتصحبه أجزاء النجاسة، فإذا عصر الثوب يزول عنه الماء، فيزول معه ما صحبه من أجزاء لنجاسة، والخل يشاركه في هذا الوصف، بل فوقه في قلع الآثار. فعلم أن الخل يشارك الماء في كونه مؤثراً في إزالة النجاسة، لأن نجاسة الثوب ما كان باعتبار ذاته، فإن ذاته طاهر، بل باعتبار مجاورة النجاسة إياه، فإذا زالت المجاورة صار الثوب طاهراً، وهذا المعنى موجود في الخل، بل أقوى، فيفيد الطهارة ضرورة). طريقة الخلاف ص 44. (ج) انظر المسألة في: الإصطلام 1/ 52، وبداية المجتهد 1/ 26، ورؤوس المسائل مسألة (2) ص 96.

المذكور، فإنه تعبد باستعمال الماء بالاتفاق (¬1)، والميع (¬2) اسم الماء وهذا لا يندرج تحت اسم (¬3) المطلق (أ). 3 - ومنها: أن التوضي بنبيذ التمر عند عدم الماء في السفر (ب) ممتنع عندنا (¬4). (وعنده): جائز (¬5). ¬

_ (¬1) وهو كذلك عند مالك. انظر بداية المجتهد: (1/ 27) وانظر لمذهب الحنفية في المسألة: "فتح القدير مع الهداية": (1/ 48). (¬2) في "ز" (البتع) وهو خطأ. وفي اللسان: ماع الماء والدم والسراب ونحوه يميع ميعاً: جرى على وجه الأرض جرياً منبسطاً في هينة. انظر: مادة: (ميع). (¬3) في "ز" (اسم الماء المطلق). (¬4) انظر المهذب للشيرازي: (1/ 4). (¬5) ما ذكره المؤلف هو المنقول في كتب الحنفية عن أبي حنيفة رحمه الله، واستدل له الجصاص في "أحكام القرآن": (3/ 469). ومنع ذلك أبو يوسف وقال بالتيمم. أما محمد بن الحسن: فقال يجمع بين الوضوء والتيمم، ولذلك عبر صاحب "الدر المختار" بأن الأظهر رفع الحدث به، وتبعه في ذلك ابن عابدين في حاشيته (رد المحتار)، انظر "كنز الدقائق" وشرحه "كشف الحقائق" لعبد الحكيم الأفغاني: (1/ 19) "حاشية ابن عابدين": (1/ 121) وراجع "بداية المجتهد": (1/ 33) "فتح الباري": (1/ 305). ........................ (أ) انظر الهداية مع فتح القدير 1/ 49، وتبيين الحقائق 1/ 17، ورد المحار 1/ 187، ومراقي الفلاح ص4. وقد ذكر ابن الهمام في فتح القدير: أن الذي خالطه الزعفران هل يزيل الإطلاق أو لا؟. وقد أقر أنه يسمى ماء الزعفران، ولكنه يتوضأ به، لعدم كثافته. (1/ 49). والمصحح عند الحنفية، أنه إن زالت رقته لم يجز الوضوء به. (انظر: رد المحتار 1/ 1987، ومراقي الفلاح ص4). وفي بداية المجتهد، وضح ابن رشد أن الخلاف بينهم يعود إلى عدم اندراجه في المطلق، وأبان أن ذلك، لأنه إنما يضاف إلى ما خالطه، فيقال ماء كذا، لا ماء مطلق. والمتعبد به هو الماء المطلق. وأبو حنيفة يرى أن ذلك مما يتناوله اسم الماء، وليس هو كالمطبوخ (1/ 26). (ب) انظر: الإصطلام 1/ 57، ورؤوس المسائل مسألة 2 ص 95.

4 - ومنها: أن جلد الكلب لا يطهر بالدباغ (عند الشافعي) رضي الله عنه (¬1) (أ)، تغليباً للتعبد بترجيح الاجتناب على الاقتراب. وعندهم: يطهر تشوفاً إلى التعليل (¬2). 5 - ومنها: أن ذكاة ما لا يؤكل لحمه لا تفيد طهارة الجلد (عندنا) (ب) مراعاة للتعبد (¬3)، كما في ذكاة المجوس (¬4)، ونجاسة اللحم من هذا الذبيح. وعندهم يطهر تشوفاً (¬5) إلى تعليل الطهارة بسفخ الدم والرطوبات المتعفنة (¬6). 6 - ومنها: أنه يتعين لفظة التكبير في افتتاح الصلاة (عندنا) ولا يقوم ما في معناها مقامها (¬7) ويتعين لفظة (¬8) التسليم في اختتامها، ولا يقوم ما في ¬

_ (¬1) ويروي هذا القول عن الحسن بن زياد من الحنفية. انظر "بدائع الصنائع" للكاساني: (1/ 85). (¬2) انظر لهذا "فتح القدير": (1/ 64) "حاشية ابن عابدين": (1/ 85). (¬3) انظر للتفصيل "المهذب" (1/ 10) "نهاية المحتاج" للرملي على "المنهاج" للنووي مع حاشية الشبراملسي: (1/ 232 - 233). (¬4) في "ز" (الوحشي) وهو خطأ. (¬5) في "ز" (نظراً). (¬6) انظر "فتح القدير على الهداية": (1/ 66) "رد المحتار" لابن عابدين: (1/ 134 - 137) وقارن بـ "نيل الأوطار" للشوكاني 1/ 88. (¬7) انظر للتفصيل والتفريق بين من يحسن العربية وبين الأعجمي الذي ضاق وقته عن التعليم "المهذب": (1/ 70). (¬8) في "ز" (لفظت) والصواب ما أثبتناه. ..................... (أ) ويروي ذلك عن مالك وأحمد، (انظر: إيثار الإنصاف ص 48) وانظر توجيهات الشافعية في المجموع 1/ 217، وانظر رؤوس المسائل ص 97. (ب) الإصطلام 1/ 126، ورؤوس المسائل مسألة (5) ص 98.

معناها مقامها (¬1) (أ). وعنده: يقوم (¬2). 7 - ومنها: أن غير الفاتحة لا يقوم مقامها في الصلاة (ب) (عندنا)، لاحتمال التعبد بالإعجاز اللفظي والمعنوي (¬3). وعنده (¬4): يقوم مقامها تعويلاً على المعنى (¬5). ¬

_ (¬1) راجع "المهذب": (1/ 80) "المنهاج مع نهاية المحتاج": (1/ 514) فما بعدها. (¬2) انظر "شرح الوقاية" لصدر الشريعة مع "الكنز وكشف الحقائق": (1/ 42 - 43). هذا ويلاحظ أن استبدال لتكبير بشيء من أسماء الله يجزيء عند أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف: إن كان يحسن التكبير لم يجزئه إلا قوله: الله أكبر. وانظر "الهداية وفتح القدير": (1/ 191). (¬3) انظر "المهذب": (1/ 72 - 73) "نهاية المحتاج" (1/ 464) فما بعدها. (¬4) في"ز" (عندهم) بميم الجمع. (¬5) قلت: وقد تناول بحث العلماء مسألة الأفضلية بين التعبدي ومعقول المعنى، وفي "حاشية ابن عابدين" سئل المصنف في آخر فتاواه التمرتاشية هل التعبدي أفضل أو معقول المعنى؟ أجاب: لم أقف عليه لعلمائنا سوى قولهم في الأصول: الأصل في النصوص التعليل، فإنه يشير إلى أفضلية المعقول، ووقفت على ذلك في "فتاوى ابن حجر" قال: قضية كلام ابن عبد السلام أن التعبدي أفضل، لأنه بمحض الانقياد، بخلاف ما ظهرت علته فإن ملابسه قد يفعله لتحصيل فائدته. وقد خالفه البلقيني فقال: لا شك أن معقول المعنى من حيث الجملة أفضل، لأن أكثر الشريعة كذلك، = ......................... (أ) وقد بين ابن رشد سبب اختلافهم في هذا الأمر ورده إلى قاعدة الباب التي ذكرها الزنجاني. قال: وسبب اختلافهم. هل اللف هو المتعبد به في الافتتاح أو المعنى (بداية المجتهد 1/ 119). وذكر أن الشافعية احتجوا بقوله – صلى الله عليه وسلم – مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم. موجهين الدلالة بأن الألف واللام ههنا للحصر، والحصر يدل على أن الحكم خاص بالمنطوق، وانه لا يجوز بغيره. وذكر أن هذا الاستدلال مبني على الاحتجاج بدليل الخطاب – أي مفهوم المخالفة- والحنفية لا يحتجون به (بداية المجتهد 1/ 119). (ب) انظر: الإصطلام 1/ 236 وفيه طائفة متنوعة من الاستدلالات للفريقين، وكانت قاعدة الباب التعليلية واحدة من تلك الاستدلالات.

8 - ومنها: أنه يمتنع الإبدال في باب الزكوات (¬1)، ولا يجزيء إخراج القيم (عندنا)، لظهور احتمال التعبد بالتشريك بين الفقراء والأغنياء في جنس المال، عندهم: يجزيء (¬2) (أ). 9 - ومنها: أن تخليل الخمر حرام، والخل الحاصل منه نجس (عندنا)، ¬

_ (¬1) = وبالنظر للجزئيات فقد يكون التعبدي أفضل كالوضوء وغسل الجنابة فإن الوضوء أفضل، وقد يكون المعقول أفضل، الطواف والرمي، فإن الطواف أفضل أنظر: "حاشية ابن عابدين": (1/ 301) وراجع لحكم القراءة بالفارسية وغيرها عند عدم العجز وأن أبا حنيفة رجع لقول أبي يوسف ومحمد بعدم الجواز وأنهم قائلون بجواز ذلك عند العجز عن القراءة بالعربية "الهداية مع فتح القدير": (1/ 199) فما بعدها "حاشية ابن عابدين": (1/ 326). وانظر "المهذب للشيرازي": (1/ 73). () في "ز" (الزكاة) بالإفراد. (¬2) انظر "تحفة الفقهاء" لسمرقندي: (1/ 636) من القسم الثاني تحقيق الدكتور زكي عبد البر. ... .............. (أ) انظر: طريقة الخلاف بين الأسلاف ص 60، وإيثار الإنصاف ص 67 وفيه الاحتجاج لوجهات النظر بالآثار، وبناء الخلاف عليها. وتذكر كتب الحنفية، نقلاً عن أئمتهم أن دفع القيمة أفضل مندفع العين، لما في ذلك؛ من السعة، ولأن القيمة أعون على دفع حاجة المحتاج. (انظر: الدر المختار وشرحه 2/ 366، اللباب في شرح الكتاب 3/ 73، وفي تأسيس النظر يذكر أبو زيد الدبوسي أساس الخلاف في ذلك، ويرده إلى أن الأصل عند علماء الحنفية هو أن من وجبت عليه الصدقة، إذا تصدق على وجه يستوفي به مراد النص منه أجزأ عما وجبت عليه، ولا يجزيه عند الشافعي وذكر بشأن دفع القيمة أن علماءهم يرون أن مراد النص سد خلة الفقير ودفع حاجته. وقد حصل، وبنى على هذا الأصل طائفة من الفروع (انظر تأسيس النظر ص 112) وذكر المقري في قواعده الخلاف في هذه المسألة، ورد ذلك إلى أن الزكاة جزء من لمال مقدر معين ند مالك والشافعي، فلايجوز إخراج القيمة، وعند أبي حنيفة أنه جزء مقدر فقط فيجوز إخراج القيمة (قاعدة 246) ص 460، وذكر أيضاً في القاعدة (296) أن نصوص الزكاة في بيان الواجب غير معللة عند مالك والشافعي، لأن الأصل في العبادات ملازمة أعيانها، وترك التعليل، فالواجب أعيانها، وقال أبو حنيفة إنها معللة بالمالية الصالحة لإقامة حق الفقير، فالواجب قدرها، فسواء أخرج العين، أو القيمة فإنه يكون مخرجاً للواجب، لأن القيمة بدل. لأن شرط البدل تعذر الأصل، وهذا التوجيه ينافي ما ذكره الزنجاني .. ويقول المقري إن بعضهم أرجع الخلاف في ذلك إلى أن المنصوص عليه عند الشافعي ومالك هو بيان عين الواجب. أما أبو حنيفة فيرى أنه بيان قدر الواجب (قواعد المقري قاعدة 296 ص 427 و528).

تغليظاً للأمر فيها (أ). وعندهم جائز، والخل الحاصل منه طاهر تعليلاً بزوال علة النجاسة كما في الدباغ (¬1). 10 - ومنها: أن التغذية والتعشية في الكفارات لا تجزيء (¬2) (عندنا) (ب)، بل يجب صرف الطعام إلى المساكين (¬3). 11 - ومنها: أنه يجب استيعاب العدد (عندنا) وصرف الطعام إلى المساكين. وعندهم: يجوز (¬4) صرفه إلى مسكين واحد ستين يوماً (ج)، أو عشرة أيام في كفارة اليمين (¬5). ¬

_ (¬1) راجع في ذلك: "القدوري وشرحه للميداني": (ص362). (¬2) في "ز" (لا تجوز) وفي هامش "د" (شيء من). (¬3) وانظر "فتح القدير": (1/ 243) وراجع "المغني" لابن قدامه: (3/ 319) "تفسير النصوص في الفقه الإسلامي" للمحقق: (3/ 403). (¬4) في "ز" (يجزيه). (¬5) راجع "الهداية مع فتح القدير" والعناية: (3/ 243) "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد (2/ 13) وانظر مزيداً من التحقيق في "تفسير النصوص" (1/ 403 - 404) للمحقق. ....................... (أ) انظر: طريقة الخلاف ص 468، وإيثار الإنصاف ص 375. (ب) انظر تكملة المجموع لتقي الدين السبكي 17/ 381 وتوجيه ذلك باختلاف كل منهم عن الآخر في القدر الذي يتناوله من الطعام. وأن المطلوب هو دفع الحب، وهذا لم يتناول الحب. وعلل ذلك أخرى بأن ما وجب للفقراء بالشرع وجب فيه التمليك الزكاة، وفي التعشية أو التغذية لم يتحقق ذلك (17/ 379) كما ذكر الإمام السبكي، بشأن استيعاب العدد، عند الشافعية، أنه لو دفع إلى ثلاثين مسكيناً ستين مُدا، إلى كل واحد مدين، لم يُجز إلا ثلاثين، لأنه لم يطعم ستين مسكيناً (17/ 378). (ج) بإطعامه وجبتين عن كل يوم، سواء كانتا عشائين، أو غدائين، أو عشاء وغداء، أو عشاء وسحوراً، أو قيمة ذلك. ونقل الحسن بن زياد عن أبي حنيفة – رحمه الله- أنه إذا أطعم شخصاً واحداً وجبة واحدة، عشاء كانت أغداء، مائة وعشرين يوماً أجزأه. انظر: رد المحتار 3/ 480 وانظر: اللباب في شرح الكتاب 3/ 73.

ثانياً: المسألة (4) من كتاب الصوم، وهي خاصة بمسألة جريان القياس في الكفارات. وقد ذكر المؤلف – رحمه الله- أربع مسائل، مبنية على الخلاف في ذلك. ورأي الحنفية في منع القياس لا يقتصر على الكفارات، وإنما هم يمنعون ذلك في سائر العقوبات من حدود وتعازير وكفارات، كما يمنعون ذلك في الرخص والمقدرات، ولهم ولمخالفيهم توجيهات خاصة، وبيان للأسباب التي دفعت كلا منهم للأخذ برأيه، تعرف في مظانها من كتب الأصول (أ). قال الزنجاني (ب): كل حكم شرعي أمكن تعليله، فالقياس (¬1) جائز فيه عند الشافعي رضي الله عنه (¬2). وذهب أصحاب أبي حنيفة: إلى أن القياس لا يجري في الكفارات (¬3) وهذا فاسد: فإن مستند القول بالقياس: إجماع الصحابة رضوان الله عليهم، ولم يفرقوا بين حكم وحكم فيما يمكن تعليله، ولأنا نسائلهم ونقول: لا يجوز غجراء القياس فيها مع ظهور المعنى وتجليه، أم مع عدم ظهوره؟. ¬

_ (¬1) في "ز" (جار). (¬2) انظر "مسلم الثبوت" مع شرحه "فواتح الرحموت": (2/ 318 - 319). (¬3) انظر تفصيل ذلك في "المستصفي": (2/ 332 - 335) "جمع الجوامع مع حاشية البناني وتريرات الشربيني": (2/ 204205). .................... (أ) انظر في المسألة: أصول السرخسي 2/ 163 وما بعدها، وشرح المنار مع حواشيه ص 772 وما بعدها، والتحرير بشرح التقرير والتحبير 3/ 126 وما بعدها، ورح مختصر الروضة 3/ 451، والأحكام للآمدي 4/ 62 وما بعدها، والفصول في الأصول للجصاص ص 113 و114، والأشباه والنظائر لابن السبكي 2/ 175 وما بعدها، والإبهاج في شرح المنهاج لابن السبكي 3/ 29 وما بعدها، والبحر المحيط 5/ 51 وما بعدها، وشرح مختصر المنتهى للعضد 2/ 211. (ب) ص 132 من الطبعة الخامسة.

إن قلتم (¬1): مع ظهوره وتجليه: فهو تحكم، وصار بمثابة قول القائل: أنا أجري القياس في مسألة، ولا أجريه في مسألة، مع ظهور المعنى فيهما، وتجليه، وإن قلتم: مع عدم ظهور المعنى: فنحن وإياكم في ذلك على وتيرة واحدة. واحتجوا بأن قالوا: إنما منعنا من إجراء القياس في الكفارات، لأنا رأينا الشرع قد أوجب الكفارة على المظاهر، وعلل وقال: "إنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً" (¬2). ثم إن المرتد. قال أعظم مما قال المظاهر، وأفحش، ولم يوجب عليه الكفارة (أ)، ولذلك وجب أبدالها على وجه لا يهتدي إليه الرأي والقياس، فإنه أوجب على الحالف عتق رقبة، أو صيام شهرين (ب) أو إطعام عشرة مساكين، وأوجب على المظاهر عتق رقبة، أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً، فإن قلنا: العتق بدله ثلاثة أيام فأي حاجة بنا إلى صيام شهرين، وإن قلنا: شهران فلِمَ نوجب ثلاثة أيام؟ وكيف يتعدد البدل والمبدل واحد؟ وهذا ضعيف، فإن امتناع القياس في الأبدال لا يمنع القياس في الأسباب بعضها (¬3) على بعض. ويتفرع عن هذا الأصل مسائل: ¬

_ (¬1) في "ز" زيادة كلمة (عدم) بعد (مع) والصواب ما أثبتناه من "د". (¬2) "سورة المجادلة: 2" ونص الآية: (الذين يُظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإن الله لعفو غفور). (¬3) في "د" (من). وما أثبتناه من (ز). ..................... (أ) انظر هذا الدليل في الأحكام للآمدي 4/ 63. (ب) الصواب ثلاثة أيام، وقد بقي هذا الخطأ دون تصحيح في جميع طبعات الكتاب.

1 - منها: أنه إذا جامع في يومين من رمضان (¬1) واحد: يلزمه كفارتان (أ) عندنا لتماثل السببين (¬2). وعندهم: لا يلزمه سوى كفارة واحدة، لتعذر الإلحاق على ما سبق (¬3) (ب). 2 - ومنها: أن المنفرد برؤية الهلال ذا رد الحاكم شهادته (ج) يلزمه الكفارة، إذا جامع في ذلك اليوم عندنا، كما إذا قبل القاضي شهادته (¬4). وعندهم: لا يلزمه (د)، لما ذكرناه من سد باب الإلحاق (¬5). 3 - ومنها: إن من تعمد استدامة الجماع حتى طلع عليه الفجر، ولم ينزع ¬

_ (¬1) في "ز" (من نهار رمضان). (¬2) راجع في هذا: "المهذب" للشيرازي مع "المجموع" للنووي. (6/ 384 - 385). (¬3) انظر ابن الهمام في "فتح القدير": (2/ 69). (¬4) راجع "المجموع": (6/ 310) مع "المهذب" للشيرازي. (¬5) انظر "الهداية مع شرح العناية وفتح القدير" (2/ 58). ................. (أ) سواء كفر عن الأولى أو لم يكفر. وهو قول مالك – رحمه الله – أيضاً (فتح العزيز مع المجموع 6/ 450) وأحد الوجهين في مذهب أحمد – رحمه الله- (المغني 3/ 132) (ووجه ذلك عندهم، أن صوم كل يوم عبادة برأسها، فلا تتداخل كفارتاهما كالحجتين إذا جامع فيهما (فتح العزيز 6/ 450). (ب) وذلك لأن الكفارتين تتداخلان عندهم (انظر: طريق الخلاف ص 76، وإيثار الإنصاف ص89، والأشباه والنظائر، لابن السبكي 2/ 175). ورأي الحنفية هذا هو أحد وجهين في مذهب أحمد، واختيار طائفة من علماء السلف، (المغني 3/ 132). ووجه القول عندهم بالتداخل، إن الكفارة جزاء جناية تكرر سببها قبل استيفائها فيجب أن تتداخل كالجد. (ج) انظر تأسيس النظر ص 148، وقد أدخل ذلك في أصل: (إن صورة المبيح إذا وجدت منعت وجود ما يندريء بالشبهات). (د) انظر: إيثار الإنصاف ص 83، وطريقة الخلاف ص 75. وقد علل لك بتمكن شبهة الرمضانية، قياساً على يوم الشك، إذا أفطر. وفي تبيين الحقائق ذكر أنه حينما رد الإمام شهادته صار مكذباً شرعاً، ولأنه يحتمل الاشتباه عنده. وعلى هذا فالحنفية يسقطون الكفارة للشبهة (1/ 319). والقاعدة في ذلك ما أوردناها في الهامش السابق عن أبي زيد الدبوسي.

التزم (¬1) الكفارة عندنا (¬2) (أ)، قياساً لدفع الانعقاد على قطع (ب) العقد (¬3). وعندهم: لايلزمه، لاعتقادهم أن لا مجال للقياس فيها (¬4). 4 - ومنها: إن القتل العمد يوجب الكفارة عندنا (¬5)، قياساً على الخطأ (¬6) (ج)، قال الشافعي رضي الله عنه، إذا وجبت الكفارة في الخطأ، ففي العمد أوجب وعندهم: لا تجب (د)، لماذكرناه (¬7) (هـ). ¬

_ (¬1) في "ز" (لزمه). (¬2) انظر "المجموع": (6/ 347). (¬3) كذا في النسختين. (¬4) انظر "حاشية ابن عابدين": (2/ 99). (¬5) انظر "جمع الجوامع": (2/ 204) فما بعدها مع حاشية البناني وتقرير الشربيني. (¬6) (ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) (سورة النساء: الآية 92). (¬7) راجع "تبيين الحقائق" للزيلعي (6/ 99 - 100) "شرح القدوري" (ص323) وانظر "مسلم الثبوت" مع "فواتح الرحموت": (1/ 409) "التحرير مع التقرير والتحبير": (1/ 1139 وانظر تفصيلاص وافياً في "تفسير النصوص" (ص395 - 396) من الطبعة الأولى للمحقق "التلويح على التوضيح": (2/ 58). ............ (أ) وكذلك هوا لحكم في مذهب مالك وأحمد (المغني 3/ 126). (ب) المقصود مندفع الانعقاد، منع انعقاد الصوم بهذا الجماع، فهو لم يفسد صوماً، لأنه لم يدخل فيه، فوجوب الكفارة لمنعه من انعقاد الصوم ووجوده، لا لإفساده وقطعه. والتعبير عن ذلك واضح، ولا وجه لاستغراب المحق وقوله (كذا في النسختين)!. (ج) وهو رواية عن الإمام أحمد – رحمه الله – وحكي عن الزهري (المغني 8/ 96). (د) انظر: الأشباه والنظائر لابن السبكي 2/ 175، والمغني لابن قدامة 8/ 96)، ووجهة نرهم، كما ذكرها في المغني، الاحتجاج بمفهوم قوله تعالى (ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة)، حيث أنه ذكر ذلك، ثم ذكر القتل العمد، ولم يوجب فيه كفارة، وجعل جزاءه جهنم. (هـ) ومن أمثلة القياس في الكفارات، ما ذره الزركشي في البحر المحيط، مثل: أن اليمين الغموس تجب فيها الكفارة قياساً، وأن من أفطر عمداً في رمضان بغير جماع تجب عليه الكفارة، قياساً على الجماع، كما ذكر أمثلة أخرى لا يتضح فيها وجه ما قاله (البحر المحيط 5/ 62). ومن أمثلة ذلك قول الظاهرية وأحمد أن من جامع ناسياً لصومه لزمته الكفارة، قياساً على ناسي الصلاة في لزوم القضاء، ويبدو أن إيجاب ذلك والكفارة ضعيف، وذلك لما عرف من أثر النسيان في إسقاط العقوبات في الشرع (بداية المجتهد 1/ 293 و294) ومن أمثلة ذلك إيجاب الكفارة على من أخر قضاء رمضان بدون عذر حتى دخل رمضان آخر، على رأي مالك والشافعي واحمد، قياساص على من أفطر متعمداً، لأن كليهما مستهين بحرمة الصوم (بداية المجتهد 1/ 289).

المطلب الثالث مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول

المطلب الثالث مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد المالكي الشريف التلمساني (المتوفى سنة 771هـ) الفرع الأول: التعريف بالكتاب: هذا الكتاب الأصولي مما أدخله كثير من الباحثين في إطار التخريج، وقد ذكره البغدادي بهذا الاسم في إيضاح المنون2/ 528، وذكر مصدره في الزيتونة، وطبع باسم مفتاح الوصول في علم الأصول من قبل دار الكتاب العربي للنشر في مصر سنة 1382هـ-1962م، وذكر في مقدمته أنه مفتاح الأصول في ابتناء الفروع على الأصول، ولم تعط دار النشر مبررات لطبعه بعنوان آخر، وفي نيل الابتهاج (ص259 بهامش الديباج المذهب) أنه مفتاح الأصول في بناء الفروع على الأصول، وكان طبعه بإشراف قاضي القضاة بنيجيريا الشيخ أبو بكر محمد قمي، وعلى نفقة أحمد وبيلو رئيس حكومة نيجيريا الشمالية في حينه. ثم طبع بتحقيق الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف باسم (مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول)، ووضع المحقق مقدمة له، ترجم فيها للمؤلف، وعرف بالكتاب. وقد طبع أكثر من مرة، وسنحيل على هذه الطبعة المحققة، المطبوعة سنة 1403هـ من قبل دار الكتب العلمية ببيروت/ لبنان. وهذا الكتاب على صغر حجمه يتميز بمنهج وأسلوب فريد، يختلف عن كثير من الكتب الأصولية، ومن الممكن أن نوجز أهم ما اتصف به بالأمور الآتية:

1 - اتبع المؤلف في ترتيب كتابه وعرض موضوعاته خطة فريدة، ومنهجاً خاصاً، على غير ما هو معروف وشائع عند جمهور الأصوليين. ونظراً إلى أن أصول الفقه هي أدلته، فقد جعل الأصول، أو ما يتمسك به المستدل على حكم من الأحكام في المسائل الفقهية جنسين، هما: الدليل بنفسه والمتضمن للدليل. وجعل الدليل بنفسه نوعين هما: أصل بنفسه ولازم عن أصل، الأصل بنفسه صنفان أصل نقلي له أربعة شروط هي: صحة السند إلى الشارع، ووضوح الدلالة على الحكم المطلوب، واستمرارية الحكم، وعدم نسخه، ورجحانه على ما يعارضه. وأما الأصل العقلي فهو استصحاب الحال، وهو ضربان استصحاب أمر عقلي أو حسي واستصحاب حكم شرعي. أما اللازم عن الأصل فجعله ثلاثة أقسام، كل قسم في باب، وهي: قياس الطرد، وقياس العكس، والاستدلال الذي ذكر منه ستة أقسام. وأما المتضمن للدليل فهو نوعان الإجماع وقول الصحابي. وعلى هذا فالكتاب خالٍ من مباحث الاجتهاد والتقليد والتعارض والترجيح. والذي يبدو أن ما اتبعه المؤلف في التبويب والتقسيم هو منهج اتبعه علماء المغرب، أو بعضهم. وقد أفاد المؤلف ممن سبقه في هذا، كأبي الوليد الباجي (¬1) وغيره. 2 - والكتاب، كما قدمنا، شامل لكثير من موضوعات الأصول، فهو ليس تاباً في التخريج على قواعد معينة، وإنما هو كتاب صولي موجز واضح العبارة، شيق في عرضه لموضوعاته. ومما زاد عرضه تشويقاً ووضوحاً أنه كان يقرن تقرير المسائل الأصولية بالفروع الفقهية المختلف فيها، بناء على الاختلاف في القواعد الأصولية. وقد أكثر من ذكر الفروع الفقهية ¬

_ (¬1) انظر التعريف به في مبحث شروط علماء التخريج.

في مواضع كثيرة، الأمر الذي دعا الكثيرين من الباحثين إلى ضمه إلى كتب التخريج، ومما رشح ذلك لهم، أن المؤلف سمي كتابه (مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول). ونجد لمثل منهج المؤلف التطبيقي نموذجاً سابقاً في أصول الشاشي لأبي علي أحمد بن محمد الشاشي الحنفي المتوفى سنة 344هـ (¬1). مع اختلاف الكتابين في طريقة ترتيب الموضوعات وعرضها وشمولها، واختلافهما في أن الشاشي كان يأتي بالتطبيقات والأمثلة من مذهب الحنفية، وقل أن يذكر مذهب غيرهم. أما التلمساني فكان نطاق أمثلته أوسع مدى من ذلك. 3 - ابتعد المؤلف عن الأسلوب الجدلي، والحجاج المنطقي في كتابه، فكانت تعريفاته لما يتكلم عن بسيطة مختارة، ولم يكن يأتي بتعاريف كثيرة، بل يكتفي بتعريف واحد يوضح المقصود، دون مناقشات، أو بيان لمحترزات ما يأتي به من تعريف. وربما أذن لنفسه في القليل النادر بشرح التعريف بإيجاز كما في قياس الطرد (¬2). وفي أحيان أخرى كان يتكلم عن الموضوع دون تعريف له، أو بيان كما في الاستصحاب (¬3)، والعلة (¬4)، والاستدلال (¬5) والإجماع (¬6)، وغيرها. وفي أحيان أخرى كان ¬

_ (¬1) هو أبو علي أحمد بن محمد بن إسحاق الشاشي الحنفي، الملقب بنظام الدين، من تلاميذ أبي الحسن الكرخي النابهين أثنى عليه وقال: ما جاءنا أحد أحفظ من أبي علي، سكن الشاشي بغداد ودرس بها توفي سنة 344هـ. من مؤلفاته: كتاب في أصول الفقه، مطبوع باسم أصول الشاشي. راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص 143، وأخبار أبي حنيفة للصيمري ص163، والجواهر المضية 1/ 262. (¬2) ص 129. (¬3) ص 126. (¬4) ص 138. (¬5) ص 161. (¬6) ص 164.

لا يذكر محل النزاع. كما في قول الصحابي (¬1)، وفي أكثر المباحث اللفظية. وكانت استدلالاته للآراء قليلة، وإذا استدل فإنه يستدل بإيجاز، دون الدخول بالتفصيلات والاعتراضات، أو التوسع في الاستدلال نفسه. 4 - كان تعرضه لأثر الخلاف في المسائل الأصولية، في الفقه بين المذاهب الثلاثة الحنفي والمالكي والشافعي، ولم يذكر غيرهم إلا نادراً، كذكره رأي أصحاب الإمام أحمد – رحمه الله – في تأويل ما ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – بشأن المسح على الناصية والعمامة (¬2). وذكره الدقاق (¬3) وبعض الحنابلة في مسألة الاحتجاج بمفهوم اللقب (¬4)، وذكره احتجاج أهل الظاهر بإباحة مباشرة النساء في غير المسجد، بمفهوم المكان المستفاد من قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬5). (سورة البقرة: الآية 187). 5 - والكتاب على صغر حجمه يحتوي على فوائد جمة، ويعطي تصوراً جيداً لكثير من مسائل الأصول. ¬

_ (¬1) ص 166. (¬2) ص 51. (¬3) هو أبو بكر محمد بن محمد بن جعفر الدقاق البغدادي. كان فقيهاً وأصولياً وعالماً بعلوم كثيرة. تولي قضاء الكرخ في بغداد، وكانت فيه دعابة توفي سنة 392هـ. من مؤلفاته: كتاب في أصول الفقه على مذهب الشافعي، وشرح المختصر. راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص118، وطبقات الشافعية للأسنوي 1/ 522، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 170. (¬4) ص 97. (¬5) ص 96.

الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب

الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب: أولاً: قال في المسألة السابعة من مباحث الأمر ص 31 المسألة السابعة في الأمر بالشيء (¬1): هل يقتضي فعله الإجزاء أم لا؟ (¬2). اعلم: أن الأصوليين اختلفوا في: أن المكلف إذا فعل ما أمر به، هل يلزم انقطاع التكليف عنه أو لا يلزم، بل يجوز دوام التكليف؟ في ذلك قولان (¬3). وهذه المسألة إن أخذت على ظاهرها بني الفقهاء عليها فروعاً كثيرة: منها: أن من لم يجد ماء ولا تراباً، ودخل عليه وقت الصلاة. فإنا ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة: التبصرة ص 85، والبرهان 1/ 255، والمنخول ص 117، والمستصفي 2/ 12 و13، وميزان الأصول ص 137، والوصول إلى الأصول 1/ 153، والإحكام للآمدي 2/ 175، وشرح مختصر المنتهى للعضد 2/ 90، وشرح تنقيح الفصول ص 133، والمحصول لفخر الدين الرازي 1/ 322، ورفع النقاب في تنقيح الشهاب ص 998. (¬2) لبيان موضع الخلاف نذكر أن الإجزاء فسر بتفسيرين: أحدهما: حصول الامتثال به، ولا خلاف بين العلماء في أن الإتيان بالمأمور به يحقق هذا المعنى. وآخرهما: سقوط القضاء عليه، وهذا موضع الخلاف بين العلماء. انظر: شرح العضد على مختصر المنتهى 2/ 175، و176. (¬3) قول بالإجزاء، وهو رأي أصحاب مالك وجمهور الفقهاء؛ واختيار الآمدي وابن الحاجب، وقول بعدم الإجزاء، وهو قول القاضي عبد الجبار المعتزلي ومن تابعه كأبي هاشم. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 175، ومختصر المنتهى لابن الحاجب بشرح العضد 2/ 90، والإبهاج 1/ 87، والمستصفى 2/ 12، و13، ورفع النقاب ص 999، وإرشاد الفحول ص 185.

نأمره بالصلاة على قول ابن القاسم (¬1) وأشهب (¬2)، ثم إذا صلى هل يقضي تلك الصلاة إذا وجد ماء أو صعيداً أو لا يقضيها. فابن القاسم: يأمره بقضائها، وأشهب لا يأمره بذلك، لأنه يرى أن المكلف لما أمر بأداء الصلاة على تلك الحالة، فإذا فعل ما أمر به انقطع عنه التكليف، لأن الأمر يقتضي الإجزاء، ويلزم من الإجزاء سقوط القضاء. وكذلك: من لم يجد ثوباً فصلى عرياناً، ثم وجد ثوباً، فيه قولان هل يعيد أو لا يعيد بناء على هذا الأصل. وكذلك من التبست عليه القبلة، فصلى إلى جهة غلب على ظنه أنها القبلة، ثم تبين أن القبلة غيرها. وأمثال ذلك. والمحققون من الأصوليين: يرون أن الأمر يقتضي الإجزاء، وانقطاع التكليف عند فعل المأمور به. لأن الأمر إما أن يكون متناواً لزيادة على ما أتى به المكلف أو لا يكون متناولاً للزيادة، فإن كان متناولاً للزيادة: لم يكن المكلف حينئذ آتيا بكل ما أمر به، والفرض أنه آت بكل ما أمر به، وإن كان ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي المصري، كان من أصحاب مالك البارزين، صحبه عشرين عاماً، ونقل عنه الكثير من آرائه، وهو صاحب المدونة في مذهب مالك، وعنه أخذها سحنون. جمع بين الزهد والعلم، قال عنه أبو زرعة: مصري ثقة رجل صالح، وكان ميسور الحال، أنفق أموالاً كثيرة في طلب العلم. أخذ عنه أصبغ وسحنون وآخرون. توفي في مصر سنة 191هـ. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 311، والانتقاء ص 50، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 150، وشذرات الذهب 1/ 329، والأعلام 3/ 323. (¬2) هو أبو عمرو أشهب بن عبد العزيز بن داود القيسي العامري، المصري، كان من أصحاب مالك، قال عنه الشافعي: ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه. انتهت إليه رياسة المذهب في مصر بعد ابن القاسم. قيل أن اسمه مسكين، وأن أشهب لقب له توفي في مصر سنة 204هـ. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 215، والانتقاء ص 51، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 150، وشذرات الذهب 2/ 12، والأعلام 1/ 333.

الأمر غير متناول للزيادة على ما أتى به المكلف، انقطع الأمر والتكليف حينئذ، فصح أن الأمر بالشيء يقتضي الإجزاء. ثانياً: وقال بعد مقدمته في النهي (ص37) المسألة الأولى في كون النهي مقتضياً للتحريم أو الكراهة وقد اختلف في ذلك (¬1)، ومذهب الجمهور: أنه للتحريم، لأن الصحابة والتابعين – رضوان الله عليهم – لم يزالوا يحتجون بالنهي على التحريم، وأيضاً ففاعل ما نُهي عنه عاصٍ إجماعاً؛ لأنه قد خالف ما طلب منه، والعاصي يستحق العقاب، وكل فعل يستحق فاعله العقاب فهو حرام، فالنهي يقتضي التحريم. وينبني على هذا مسائل كثيرة من الفقه: فمن ذلك: الصلاة في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبلن وفوق ظهر الكعبة، فن العلماء اختلفواف في كون الصلاة في هذه المواضع محرمة أو مكروهة (¬2). ¬

_ (¬1) انظر آراء العلماء في هذه المسألة، في: التبصرة ص 99 وما بعدها، وميزان الأصول ص 255، وكشف الأسرار للبخاري 1/ 524 وما بعدها وشرح تنقيح الفصول ص 168، والمحصول للرازي 1/ 338، والإبهاج في شرح المنهاج 2/ 66، والبحر المحيط 2/ 426، وشرح الكوكب المنير 3/ 83ن وإرشاد الفحول ص 192. (¬2) المواضع السبعة المذكورة في المتن تضمنها أحد الأحاديث الواردة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مع اختلاف بينه وبين غيره في بعض المواضع، غذ أدخل بعضها بطن الوادي وأخرج المقبرة، وعكس بعضها ذلك. وقد زاد بعض العلماء مواضع أخر إلى ذلك، حتى أوصلوها إلى ما يزيد على ست وعشرين موضعاً أوردها مفصلة الشوكاني في نيل الأوطار، وهي المواضع السبعة =

وعندنا في المذهب في ذلك خلاف (¬1)، مبناه على أن النهي هل يدل على تحريم المنهي عنه أو لا، وقد نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الصلاة في هذه المواضع السبعة أخرجه الترمذي (¬2)، وكذلك اختلفوا: في استقبال القبلة لبولٍ أو ¬

_ (¬1) = = المذكورة، وجدار مرحاض عليه نجاسة، والكنيسة والبيعة، وإلى التماثيل، وفي دار العذاب، والصلاة في الدار المغصوبة، وفي الأرض المغصوبة، والصلاة إلى النائم، والمتحدث، والصلاة في مسجد الضرارن والصلاة إلى التنور، وإلى بيت النار، أو في مسجد يستهزأ به بالله، أو برسوله، أو بالدين، أو في مكان يكفر فيه بذلك، وزاد الهادوية. كراهة الصلاة على المحدث والفاسق والسراج، وزاد الإمام يحيى الجنب والحائض. انظر: نيل الأوطار 2/ 139 و140 وانظر أيضاً، فيما يتعلق ببعض المواضع لا كلها، الوسيط للغزالي ص 648، وبداية المجتهد 1/ 114، والمغني 2/ 67 - 76، والإكليل ص 36، والكافي 1/ 242. () انظر الإكليل بشرح مختصر خليل ص 36، ففيه جواز الصلاة بمرابض البقر والغنم والمقبرة، ولو لمشرك، والمزبلة والمجزرة، والطريق، إن أمن النجاسةن وكرهت بكنيسة ومعاطن إبل ببركها عند الماء. وفي بداية المجتهد أنعن مالك روايتين أحداهما الجوازن وأخراهما الكراهة مع عدم بطلان الصلاة 1/ 113، ورد ابن رشد سبب الاختلاف في ذلك على تعارض الآثار لا إلى لاختلاف في مقتضى النهي. وفي الحق أن الحكم ببطلان الصلاة أو عدمه راجع إلى مسألة اقتضاء النهي الفساد أو عدم اقتضائه ذلك. ونشير هنا إلى أن في بعض هذه الأنواع تفاصيل، وذكر ابن هبيرة آراء بعض المذاهب، بهذا الشأن فنقل عن أبي حنيفة أن الصلاة في هذه المواضع كلها مكروهة، لكنها إذا فعلها صحت إلا ظهر بيت الله الحرام، فإن الصلاة على ظهره صحيحة، من غير كراهة، وذكر أن رأي مالك أن الصلاة في هذه المواضع صحيحة، إن كانت طاهرة، ولكن على كراهية، لأن الجاسة قل أن تخلو منها، في الغالب. واستثنى ظهر بيت الله الحرام، وعد الصلاة عليه فاسدة، لاستدبار المصلي بعض ما أمر باستقباله، وعند الشافعي أنها صحيحة مع الكراهة، باستثناء هر بيت الله، إن لم يكن بين يديه، سترة متصلة، وباستثناء المقبرة المنبوشة، حيث لا تصح فيها الصلاة، وذكر ثلاث روايات عن أحمد، المشهورة منها أنها تبطل مطلقاً، والثانية أنها تصح مع الكراهة، والثالثة أنه إن كان عالماً بالمنهي أعاد وإلا لم يعد (الإفصاح عن معاني الصحاح 1/ 147). (¬2) أخرجه الترمذي بإسناده عن ابن عمر وقد قيل بأن بعض رجاله ضعفاء، ورواه ابن =

غائط، هل هو حرام أو مكروه، بناء على أن قوله – صلى الله عليه وسلم -: "لا تستقبلوا القبلة لبول ولا غائط ولا تستدبروا ولكن شرقوا وغربوا" (¬1). هل ذلك محمول على التحريم أو على الكراهة. ¬

_ (¬1) = ماجة عن ابن عمر أيضاً. وفي الباب أحاديث متعددة تنهي عن بعض ما ذكر وعن أمور أخر. انظر: (تلخيص الحبير 1/ 251، ونيل الأوطار 2/ 138 وما بعدها). () حديث متفق عليه، رواه مالك والنسائي ومسلم وابن ماجة وابن حبان وأبو داود، والدارمي وغيرهم. انظر: تلخيص الحبير 1/ 103.

المطلب الرابع التمهيد في تخريج الفروع على الأصول

المطلب الرابع التمهيد في تخريج الفروع على الأصول لجمال الدين أبي محمد عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي المتوفى سنة 772هـ الفرع الأول: التعريف بالكتاب: ومن الكتب المؤلفة في هذا المجال كتاب (التمهيد في تخريج الفروع على الأصول) لجمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي (ت: 772هـ) وقد طبع هذا الكتاب أول مرة في المطبعة الماجدية بمكة سنة 1353هـ، وكانت طباعته رديئة، لم تخل من التصحيف والتحريف، ثم طبع بعد ذلك، بدمشق سنة 1391هـ/1972م، بتحقيق الدكتور / محمد حسن هيتو. وقد ادعى الأسنوي في مقدمة كتابه: (الكوكب الدري فيما يخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية)، أن تأليفه في فن التخريج يُعد ابتكاراً منه، وأنه لم يسبقه أحد، قال: (ثم بعد ذلك كله - استخرت الله- تعالى- في تأليف كتابين ممتزجين من الفنين المذكورين (¬1). ومن الفقه، مل يتقدمني إليهما أحد من أصحابنا: أحدهما: في كيفية تخريج الفقه على المسائل الأصولية. والثاني: في كيفية تخريجه على المسائل النحوية) (¬2). ¬

_ (¬1) أي اللغة والأصول. (¬2) الكوكب الدري ص 188 و189 بتحقيق د. محمد حسن عواد.

وهي دعوى ينقصها الدليل، وينفيها الواقع، إذ الزنجاني (ت 656هـ)، وهو شافعي قد سبق الأسنوي بذلك بما يزيد على قرن من الزمان. اللهم إلا إذا كان الأسنوي يقصد تخصيص ذلك في نطاق المذهب، دون تجاوزه إلى غيره، من مذاهب العلماء. ومهما يكن من أمر، فقد تأثر بهذا الكتاب طائفة من علماء المذاهب الأخرى، أرادوا بما ألفوه أن يتابعوا ما فعله الأسنوي في المذهب الشافعي، لا سيما أنه في مقدمة كتابه حث علماء المذاهب الأخرى على الاقتداء بما فعله، في نطاق مذاهبهم (¬1). ومن هؤلاء احد علماء الشيعة في القرن العاشر في كتابه (كشف الفوائد في تمهيد القواعد)، ومنهم الشيخ محمد بن عبد الله التمرتاشي الحنفي المتوفى سنة 1004هـ، وقد ذكر كل منهما في كتابه أنه ألف كتابه على نمط كتاب الأسنوي. وفيما يأتي وصف موجز لهذا الكتاب: 1 - ذكر المؤلف، بعد المقدمة، بابين باباً في الحكم الشرعي ذكر فيه 19 تسع عشرة مسألة، وباباً في أركان الحكم الشرعي وذكر فيه 6 ست مسائل، ثم رتب كتابه بعد ذلك على كتب وأبواب وفصول ومسائل فكانت الكتب تتفرع إلى الأبواب، والأبواب إلى الفصول، والفصول إلى المسائل التي تمثل القواعد الأصولية، وعلى تل المسائل كان يبنى تخريج الفروع الفقهية. بلغ عدد كتبه، بعد البابين المشار إليهما، سبعة كتب هي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والدلائل المختلف فيها، والتعادل والتراجيح والاجتهاد. وفيما عدا كتابي التعادل والتراجيح والاجتهاد فإن هذه الكتب مثلت أدلة الأحكام الشرعية، وكان حديثه عن الكتاب أوسع من حديثه عن كل ما تعرض له في كتابه، بينما كان تعرضه للمباحث الأخرى يسيراً، وفي المباحث المتعلقة بالكتاب تناول موضوع الألفاظ ¬

_ (¬1) ص 47 من التمهيد.

ودلالتها، وكيفية استخراج الأحكام منها. وقد تناول ذلك في 125 مسألة من مجموع مسائل الكتاب البالغة 188 مسألة، لكنه لم يتناول من مسائل الكتاب نفسه إلا القراءة الشاذة وقد وزع مسائله على الكتب وفق الآتي: باب الحكم الشرعي وفيه 19 مسألة بحثها في 60 صفحة باب أركان الحكم الشرعي وفيه 6 مسائل بحثها في 24 صفحة الكتاب الأول في الكتاب وفيه 125 مسألة بحثها في 302 صفحة الكتاب الثاني في السنة وفيه 7 مسائل بحثها في 9 صفحات الكتاب الثالث في الإجماع وفيه 4 مسائل بحثها في 9 صفحات الكتاب الرابع في القياس وفيه 9 مسائل بحثها في 22 صفحة الكتاب الخامس في دلائل اختلف فيها وفيه 3 مسائل بحثها في 16 صفحة الكتاب السادس في التعادل والتراجيح وفيه 6 مسائل بحثها في 12 صفحة الكتاب السابع في الاجتهاد والافتاء وفيه 9 مسائل بحثها في 16 صفحة 188 2 - يلاحظ أن المؤلف رتب كتابه على مناهج كتب الأصول فبدأ بالأحكام ثم الأدلة وما يتعلق بها ثم التعارض والتراجيح ثم مباحث الاجتهاد والفتى، وفرع عليها المسائل الفقهية ولم يرتبه على الأبواب الفقهية كصنيع الزنجاني. وقد تناول أمهات القضايا الأصولية ولكنه لم يستوعبها جميعاً، ولا يصح ما ذكره محققه د/ محمد حسن هيتو، في مقدمته بأنه (لم يترك قاعدة أصولية مهما كانت إلا تعرض لها). فما تركه من تلك القواعد كثير، ويكفي النظر إلى كتابي الإجماع والقياس ليتضح هذا الأمر، فهو في افجماع لم يتناول إلا أربع مسائل هي:

1 - تعريف الإجماع وشروطه ولم يذكر من الشروط إلا مسألة ما قاله بعضهم من ضرورة انضمام الفعل إلى القول، والأقوال في حجية الإجماع السكوتي وما يترتب على ذلك من الفروع الفقهية (ص451 ..). 2 - اتفاق أهل العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول (ص 456). 3 - اختلاف أهل العصر على قولين ثم اتفاقهم على قول (ص458). 4 - إذا اجمعوا في شيء على حكم ثم حدث فيه صفة، فهل يستدل بالإجماع الموجود قبل الصفة عليه بعد الصفة أيضاً (ص 459). وهذه المسائل لاتمثل إلا جزءاً محدوداً من مباحث الإجماع، فهل انقراض العصر شرط؟ ومن هو المعتد به في الإجماع؟ وإذا اختلف أهل العصر على قولين فهل يجوز لمن بعدهم أن يحدث قولاً ثالثاً؟ وهل يدخل في المجمعين من بلغ رتبة الاجتهاد من رجال العصر الذي يلي عصر المجمعين؟ وغير ذلك. وفي القياس ذكر تسع مسائل لم تغط جميع مباحثه، فلا حديث عن جواز التعليل بالعلة القاصرة، ولا عن كثير من مسالك العلة كالدوران والسبر والتقسيم والطرد وغيرها، بل والنص صريحاً وإيماء، ولا عن الخلاف فيما يقدح في العلة وما لا يقدح، ولا عن التعليل بالحكم أو تركيب العلة وغير ذلك. وقد ذكرنا هذين الكتابين للتمثيل ليس غير، وألا فإن هذا حاصل في سائر الكتب والأبواب، بل، إنه في بعض الكتب لم يتناول من مباحثها إلا الشيء القليل، كما في مباحث السنة التي لم يتناول فيها إلا أفعال النبي – صلى الله عليه وسلم – في مسألتين موجزتين، وأقحم في مباحثها حديثه عن شرع من قبلنا، وكذلك الأدلة المختلف فيها. إذ لم يتناول منها إلا الاستصحاب، والأصل بعد الشرع، وقول الصحابي، وترك الاستحسان والمصلحة والعرف وسائر أنواع الاستدلال. 3 - كان يذكر الدليل أو القاعدة الأصولية أولاً، ثم يذكر وجهات النظر التي قيلت فيها ويعرض ذلك عرضاً سريعاً، دون أن يستدل لها إلا في القليل

منها، وإذا استدل اكتفى بالاستدلال الموجز، واكتفى من ذلك بالاستدلال للمذهب الراجح أو الصحيح عنده. وإذا انتهى من ذلك، ذكر ما يبنى على القاعدة من فروع، قائلاً: (إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة). 4 - جعل تفريعاته على الأدلة والقواعد الأصولية تابعة لوجهات نظر علماء الشافعية، فهو محصور في مجال عرض الخلافات على آرائهم، وفي حالات غير كثيرة كان يذكر آراء بعض علماء المذاهب الأخرى، ولكنه لم يذكر شيئاً مما يتفرع على آرائهم بهذا الشأن. وعلى هذا فإن تفريعاته كانت في غالبها روايات أو وجوهاً أو طرقاً في المذهب. وقد يذكر تخريجاً من عنده، على ما تقتضيه القاعدة، إن لم يقف على نقل عن علماء المذهب. وقد بين الأسنوي نفسه في مقدمة كتابه أن ما يذكره من الفروع أقسام: أ-فمنه ما يكون جواب الأصحاب فيه موافقاً للقاعدة. ب- ومنه ما لم يقف فيه على نقل بالكلية، فيذكر ما تقتضيه قاعدة المذهب الأصولية (¬1). وبذلك يتضح أن ما يذكره من الفروع ليس كله مما نص عليه في المذهب، بل منه ما هو مستنبط أو مخرج على القاعدة من قبل الأسنوي نفسه. وقد صرح بذلك بقوله عن بعض الفروع (أو استخرجته أنا وصورته) (¬2). وذكر أنه فعل ذلك من أجل لفت نظر العلماء إلى مأخذ ما نص عليه الأصحاب، وأصلوه، ويتنبه به على استخراج ما أهملوه (¬3). ¬

_ (¬1) ص 46. (¬2) ص 47. (¬3) ص 46 و47.

الفرع الثاني: نموذج من الكتاب

5 - كان في طائفة غير قليلة من الفروع الفقهية المبنية على القواعد، يستقصي المسألة من جوانبها المختلفة، ويوسع فيها الكلام مصححاً ومرجحاً ومستدلاً. وفي هذا خروج عن المقصود من الكتاب، لأن تأليفه كان لبيان كيفية بناء الفروع على الأصول، لا بيان صحة الحكم أو عدمه والاستدلال له (¬1). 6 - كانت أكثر الفروع الفقهية الواردة في الكتاب دائرة حول الطلاق وألفاظه، وذكر محقق الكتاب أنها تقارب الثمانين في المائة (¬2) غير أن هذا التقدير غير صحيح، وتعوزه الدقة، فالألفاظ المذكورة لا تكاد تصل حتى نصف العدد الذي ذكره، والاستقراء وحصر الألفاظ وتصنيفها ينفي مثل هذه الدعوى. 7 - ويلاحظ أن الأسنوي كان شديد النقد للعلماء، وبخاصة النووي، فهو لا يكاد يظفر بفرصة يسيرة إلا وهاجمه فيها، ومن نعته له قوله (والذي قاله ذهول عجيب وغفلة فاحشة) (¬3)، وقوله (والذي ذكره النووي غلط فاحش) (¬4) وقد تكرر هذا كثيراً منه في الكتاب مع أنه في بعض المواضع كان مخطئاً وكان الحق بجانب النووي (¬5). الفرع الثاني: نموذج من الكتاب: نذكر فيما يأتي المسألة (17) من مسائل باب الحكم الشرعي وأقسامه، وهي المسألة الخاصة بالأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أو لا؟ وقد آثرنا نقلها مع هوامش المحقق وتعليقاته، ونظراً إلى أن المحقق لم يوثق الآراء في ¬

_ (¬1) مقدمة المحقق ص35. (¬2) ص 34. (¬3) ص 115 مسألة 2 من أركان الحكم. (¬4) ص 220 مسألة 7 تعارض ما يخل بالفهم. (¬5) لاحظ ص 347 مسألة دخول المتكلم في عموم خطابه، وهامش 3 للمحقق.

المسألة، وإنما اكتفى بذكر بعض مظانها، فقد أضفنا إلى ذلك بضعة هوامش لهذا الغرضن كما فعلنا مع تخريج الفروع على الأصول للزنجاني، وقد فصلنا هوامشنا عن هوامش المحقق، ورمزنا لها بالأحرف الهجائية. قال الأسنوي في المسألة 17 من مسائل باب الحكم ص 94. الأمر بالشيء، هل هو نهي عن ضده أم لا (¬1)؟ فيه ثلاثة مذاهب، حكاها إمام الحرمين في "البرهان" (¬2) وغيره. ولنقدم على ذلك مقدمة، وهي: أنه إذا قال السيد لعبده مثلاً: اقعد، فمعناه أمران منافيان للمأمور به، وهو وجود القعود. أحدهما مناف له بذاته، أي بنفسه، وهو عدم القعود، لأنهما نقيضان، والمنافاة بين النقيضين بالذات، فاللف الدال على القعود؛ دال على النهي عن عدمه، أو على المنع منه بلا خلاف. والثاني: مناف له بالفرض، أي بالاستلزام، وهو الضد، كالقيام في مثالنا، أو الاضطجاع وضابطه: أن يكون معنى وجودياً يضاد المأمور به، ووجه منافاته بالاستلزام: أن القيام مثلاً يستلزم عدم القعود، الذي هو نقيض القعود، فلو جاز عدم القعود؛ لاجتمع النقيضان، فامتناع اجتماع الضدين؛ إنما هو لامتناع اجتماع النقيضين؛ لا لذاتهما، فاللفظ الدال على القعود يدل ¬

_ (¬1) من "أ" وفي الأصل و"ط" ولا. (¬2) انظر للوقوف على التفصيل في هذه المسألة وتحقيق القول فيها رفع الحاجب عن ابن الحاجب 1/ق 321ب، والإبهاج بشرح المنهاج 1/ 76 لابن السبكي حيث ذكر فيهما بحثاً نفيساً وطويلاً جلي فيه جوانب المسألة وأوضحها. وانظر تريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 128 حيث جعل الخلاف فيها بين الشافعي وأبي حنيفة، وليس الأمر على ما ذكره فإن في كلا المذهبين مني قول به ومن ينفيه. وقد تعرض لها أيضاً ابن التلمساني في كتابه مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول ص 34 وذكر عدداً من الفروع المبنية عليها (ب). ............................ (أ) البرهان 1/ 250 - 255 في الفقرات 163، 164، 165. (ب) انظر في هذه المسألة وما يتخرج عليها من الفروع في المذهب الحنبلي: القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص 183 القاعدة (48).

على النهي عن الأضداد الوجودية، كالقيام بالالتزام، والذي يأمر قد يكون غافلاً عنها. كذا ذكره الإمام (أ) وغيره، وحكى القرافي (¬1) عن بعضهم أن المنافاة بين الضدين ذاتية إذا علمت ذلك؛ فلنرجع إلى ذكر المذاهب فنقول: أحدها: أن الأمر بالفعل هو نفس النهي عن ضده، فإذا قال (¬2) مثلاً: تحرك فمعناه: لا تسكن. واتصافه بكونه أمراً ونهياً باعتبارين، كاتصاف الذات الواحدة بالقرب والبعد بالنسبة إلى شيئين. والثاني: وهو الصحيح عند الإمام (ب) وأتباعه، وكذلك الآمدي: أنه غيره، ولكنه يدل عليه بالالتزام (ج)، لأن الأمر دال على المنع من الترك، ومن لوازم المنع من ذلك منعه من الأضداد، فيكون الأمر دالاً على المنع من الأضداد بالالتزام، وعلى هذا فالأمر (¬3) بالشيء نهي عن جميع أضداده بخلاف النهي عن الشيء، فإنه أمر بأحد أضداده كما ستعرفه. والثالث: واختاره ابن الحاجب (¬4) أنه لا يدل عليه أصلاً (د)، لأنه قد ¬

_ (¬1) هو الإمام أحمد بن إدريس، أبو العباس، شهاب الدين القرافي، له مصنفات شائعة مشهورة في الفقه والأصول منها "أنوار البروق في أنواء الفروق" و"الذخيرة" في الفقه المالكي، و"شرح تنقيح الفصول" في الأصول توفي سنة 684هـ. (¬2) في "ط" و"أ" فإذا قال له. (¬3) في "ط" الأمر. (¬4) وإليه ذهب إمام الحرمين والغزالي (هـ). .............................. (أ) البرهان 1/ 252 - 254 الفقرة (164). (ب) المصدر السابق 1/ 251 الفقرة (163). (ج) الإحكام 2/ 170، وقد اختار الآمدي التفصيل فانظره فيما ذكر من مرجع. (د) انظر اختيار ابن الحاجب في: منتهى الوصول ص 95، ومختصر المنتهى بشرح العضد 2/ 85 وما بعدها. (هـ) انظر رأي الغزالي في المنخول ص 109، أما إمام الحرمين فقد ذكرنا مصدر رأيه فيما سبق.

يكون غافلاً عنه كما سبق، ويستحيل الحكم على الشيء مع الغفلة عنه (¬1). وإذا قلنا بأنه يدل، فهل يختص بالواجب، أم يدل أيضاً أمر الندب على كراهة ضده؟ فيه قولان، حكاهما الآمدي، وابن الحاجب (أ) وغيرهما. أصحهما: أنه لا فرق. ويشترط في كونه نهياً عن ضده، أن يكون الواجب مضيقاً (¬2). ما نقله شراح المحصول عن القاضي عبد الوهاب (¬3). ¬

_ (¬1) قال ابن السبكي في الإبهاج 1/ 78 ويتعين أن تكون هذه المذاهب في الكلام النفسي بالنسبة إلى المخلوق، وأما الله تعالى فكلامه واحد كما عرفت، لا تتطرق الغيرية إليه ولا يمكن أن يأمر بشيء إلا وهو مستحضر لجميع أضداده، لعلمه بكل شيء بخلاف المخلوق، فإنه يجوز أن يذهل ويغفل عن الضد، وبهذا الذي قلنا، صرح الغزالي، وهو مقتضى كلام إمام الحرمين والجماهير .. وأما المتكلمون في اللساني، فيقع اختلافهم على قولين أحدهما: أن يدل عليه بطريق الالتزام، وهو رأي المعتزلة، والثاني أنه لا يدل عليه أصلاً، ولبعض المعتزلة مذهب ثالث وهو أن أمر الإيجاب يكون نهياً عن أضداده، ومقبحاً لها، لكونها مانعة من فعل الواجب، بخلاف المندوب، فإن أضداده مباحة غير منهي عنها، لا نهي تحريم، ولا نهي تنزيه. ولم يقل أحد هنا: "إن الأمر بالشيء نفس النهي عن ضده لكونه مكابرة وعناداً كما قررناه" أ. هـ. (¬2) قال ابن السبكي في الإبهاج 1/ 79. "وما قاله القاضي عبد الوهاب"، من اشتراط التضييق، لم يتضح لي وجهه، فإن الموسع إن لم يصدق عليه أنه واجب فأين الأمر حتى يستثنى من قولهم، الأمر بالشيء نهي عن ضده. وإن صدق عليه أنه واجب بمعنى أنه لا يجوز إخلاء الوقت عنه فضده الذي يلزم من فعله تفويته منهي عنه. وحاصل هذا، أنه إن صدق الأمر عليه، انقدح كونه نهياً عن ضده، وإلا فلا وجه لاستثنائه. أ. هـ. (¬3) انظر ترجمة القاضي عبد الوهاب في ص 29 من هذا الكتاب، وقد أعرضنا عن ذكر ترجمة المحقق له في هذا الهامش، تجنباً للتعارض والتكرار. ................... (أ) انظر: الإحكام، ومنتهى الوصول، ومختصر المنتهى في المواضع السابقة.

لأنه (¬1) لابد أن ينتهي عن الترك المنهي عنه حين ورود النهي، ولا يتصور الانتهاء (¬2) عن تركه إلا مع الإتيان بالمأمور به، فاستحال النهي مع كونه موسعاً. إذا علمت ذلك فقد ذكر الرافعي (أ) في "الشرح الصغير" (ب) فائدة الخلاف في هذه المسألة، وفي عكسها من الفروع فقال: 1 - إذا قال لامرأته: إن خالفت أمري؛ فأنت طالق، ثم قال لها (¬3): لا تكلمي زيداً، فكلمته، لم تطلق، لأنها خالفت نهيه، لا أمره هذا هو المشهور. وقال الغزالي: أهل العرف يعدونه مخالفاً للأمر (ج). 2 - ولو قال: إن خالفت نهيي، فأنت طالق (¬4)، ثم قال لها: قومي، فقعدت. فللأصوليين من الأصحاب وغيرهم خلاف في أن الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا فذهب بعض من جعله نهياً على وقوع الطلاق. ¬

_ (¬1) في "ط" أنه. (¬2) في "أ" النهي. (¬3) في "ط" ثم قال لا تكلمي. (¬4) في "ط" طالقة. ......................... (أ) ترجم المحقق للرافعي في ص 53 هامش 6 من كتاب التمهيد فقال: هو: الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، القزويني، الرافعي، إمام المذهب الشافعي، وصاحب التصانيف المشهورة التي لم يصنف مثلها في المذهب "كالشرح الكبير" وغيره توفى سنة 623هـ في أواخرها (طبقات الشافعية 8/ 281 - العبر 5/ 94، شذرات الذهب 5/ 108 - طبقات ابن هداية الله 83). (ب) هو: أحد شرحي الرافعي لكتاب الوجيز لأبي حامد الغزالي (تهذيب الأسماء واللغات 2/ 264) والكبر منهما هو فتح العزيز شرح الوجيز. (ج) الوجيز 2/ 70.

والأظهر عند الإمام وغيره المنع مطلقاً (أ) إذ لا يقال في عرف اللغة لمن قال: قم: إنه نهي. انتهى كلام (¬1) "الشرح الصغير" ملخصاً. ولم يذكر الرافعي في "الشرح الكبير" شيئاً من ذلك، مع ذكر ذلك في "الوجيز"، وكأن نظره انتقل حالة الشرح، أو سقط ذلك من نسخة "الوجيز" الذي كان ينقل منه، ولم ير النووي خلو "الروضة" عن هذه المسألة فأثبتها فيهان ناقلاً لها من "الوجيز"، إلا أنه بسط كلامه، وخالف أيضاً ما ذكره الرافعي في "الشرح الصغير" فيما إذا قال: إن خالفت نهيي، ثم قال: قومي، فقعدت، فإن كلام الرافعي يقتضي أن المعروف في النقل أنه لا يقع، وكلام "الروضة" يقتضي عكسه، وكان ينبغي للنووي أن ينبه على أن هذه المسلة من زوائده، فإن الواقف عليها في "الروضة" يتوهم أن الرافعي ذكرها، وأن كلامه قد اختلف، على أن بعض نساخ الرافعي قد أثبتها أيضاً من "الوجيز". ¬

_ (¬1) في (أ) انتهى كلامه. ....................... (أ) انظر الفقرة (164) من كتاب البرهان لإمام الحرمين، وممن رفض أنها تطلق الإمام الغزالي. وذكر أن من قال بالطلاق بنى قوله على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، وهو فاسد (الوجيز 2/ 70). ويبدو أن بناء هذا الفرع هو على أن النهي عن الشيء هل هو أمر بضده أو لا فانظر القاعدة (48) من القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص 184 و185.

المطلب الخامس القواعد والفوائد الأصولية

المطلب الخامس القواعد والفوائد الأصولية لأبي الحسن علاء الدين بن محمد بن عباس البعلي المعروف بابن اللحام والمتوفى سنة 803هـ الفرع الأول: التعريف بالكتاب: ومن الكتب التي تدخل في مجال تخريج الفروع على الأصول كتاب القواعد والفوائد الأصوية) لأبي الحسن علاء الدين علي بن محمد بن عباس البعلي الحنبلي المعروف بابن اللحام. طبع هذا الكتاب باسم (القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية) في سنة 1375هـ/1956م بمطبعة السنة المحمدية في مصر، بتحقيق وتصحيح الشيخ محمد حامد الفقي - رحمه الله- ولم يذكر المؤلف في مقدمته، اسماً له، وإنما اكتفى بقوله: استخرت الله في تأليف كتاب اذكر فيه "قواعد وفوائد أصولية"، كما أن المحقق لم يذكر ما إذا كان العنوان الموضوع على الكتاب، هو مما استقاه من المخطوطة أو لا. ولم يتعرض كثير ممن كتب في مجال المصنفات، كبروكلمان وسزكين وحاجي خليفة والبغدادي، إلى هذا الكتاب، لكن بعض من ترجموا له كصاحب (شذرات الذهب) ذكره لابن اللحام باسم (القواعد الأصولية "7/ 31" كما ذكر ابن بدران أن هذا الكتاب وما فيه من فهرس يكشف عن مسائله مما كان في خزانة الكتب العمومية في دمشق (المدخل ص457). ويبدو أن المحقق اعتمد على نسخة واحدة وجدها في دار الكتب المصرية، لكن توجد للتكاب نسخ متعددة من المخطوطات منها نسخة في

المكتبة السعودية، وأخرى بمركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، وقد ذكر صاحب الأعلام أنه توجد منه نسخة في شستربتي باسم: القواعد (4/ 297 و298) وغير ذلك من النسخ، عدا المصورات الموجودة في المكتبات العربية المتعددة. ونذكر فيما يأتي وصفاً موجزاً لهذا الكتاب: 1 - يتميز هذا الكتاب بأنه مزج القواعد الأصولية بالفروع، فهو كتاب يهتم بالجانب التطبيقي كثيراً، وقد أشار مؤلفه في مقدمته إلى ذلك فقال (استخرت الله في تأليف كتاب أذكر فيه قواعد وفوائد أصولية9 وأردف كل قاعدة بمسائل تتعلق بها الأحكام الفرعية) (¬1). والكتاب لم يغط كل القضايا الأصولية، ولكنه مع ذلك تناول قدراً غير قليل منها. ومن الأمور التي لم يتناولها حجية خبر الواحد بوجه عام، وحجية بعض أنواعه بوجه خاص كالخبر المروي فيما تعم به البلوى، أو الخبر المخالف - بحسب الظاهر - للقياس، ومنها مسائل القياس والخلاف في بعض أنواعه وشروطه أو شروط علته، ومنها بعض الأدلة المختلف فيها كالاستحسان والمصالح المرسلة والعرف والعادة، وشرع من قبلنا. 2 - ضم الكتاب (66) قاعدة أصولية، تضمنت كل قاعدة منها طائفة من الفروع التي تبنى على القاعدة. وكان يحرر القاعدة ويبين المراد منها، ويذكر وجهات النظر وآراء العلماء فيها إلا قليلاً، كالذي فعله في القواعد (31، و32، و34)، ومع ذلك فإنه قد يحكم على رأي ما بأنه الحق (¬2)، وبعد تحرير ذلك يذكر ما ينبني عليها من فروع وفي الغالب كان يقول بعد تقرير القاعدة: إذا تقرر هذا فههنا فروع تتعلق بالقاعدة، أو إذا تقرر هذا فيتعلق بالقاعدة مسائل (¬3). ¬

_ (¬1) ص 3. (¬2) وفي القاعدة (34) انتقد استدلال أبي حنيفة. (¬3) لاحظ القاعدة (52).

وعند ذكر بناء الفروع على الأصول لم يكن يكتفي بالنقل المجرد، بل يرجح ما يرى أنه الصواب، أو أنه يطرح رأياً غير الآراء المنقولة، فيرى فيه الصواب (¬1). 3 - وقد ألحق المؤلف بقواعده مع فوائدها ثلاث فوائد، ولكنها ليست أصولية كما يبدو، وإنما هي من الأحكام والضوابط الفقهية. أولاها تتعلق بالقائف هل هو كحاكم أو كشاهد وقد ذكر ثلاثة فروع مما ينبني على الخلاف في ذلك. وثانية الفوائد تتعلق بالأحكام المتعلقة بمن غصب جارية ووطئها عالماً بالتحريم، وذكر فيها ثلاثة تنبيهات (¬2) وضابطة (¬3)، وبعض ما يتعلق بذلك من الأحكام. وثالثة الفوائد هي مسألة الظفر وآراء العلماء في ذلك، وطائفة، مما ينبني على ذلك، من الأحكام. 4 - لم يرتب مؤلف الكتاب قواعده على أبواب الفقه، كما فعل الزنجاني في تخريج الفروع على الأصول، وإنما رتبها بحسب ما رآه من الترتيب الأصولين وهذا منهج حسن لكون القواعد الأصولية شاملة وعامة. فكان يذكر القاعدة ويذكر ما ينبني عليها من فروع، من مختلف الأبواب الفقهية، سواء كانت من العبادات أو المعاملات أو غيرها من الأبواب (¬4). وهذا المنهج وإن كان أسلم من منهج الزنجاني، كما ذكرنا، إلا أنه جعل ¬

_ (¬1) ص 55. (¬2) ص 306 و307 و308. (¬3) ص 307. (¬4) لاحظ القاعدة (1) في تعريف الفقه، وتفريع العمل بالظن على ذلك، وما يشمله من أحكام فتعرض إلى الطهارة والحج والوكالة في الخصومة والإكراه والصوم والتذكير والصيد والإقرار، والطلاق والشهادة والرواية والوصية ونواقض الوضوء ودخول الحمام، والمستحاضة والصلاة والإجارة والتعبد بالقياس والعمل بالعام، قبل البحث عن مخصص، وإباحة النظر إلى المحظور، وإنكار المنكر وغيرها.

الرجوع إلى المسائل الفرعية عسيراً، لكن الفهرس المذكور في مقدمة الكتاب سهل هذا الأمر، وقد كان واضع الفهرس وهو علاء الدين أبو الحسن عي بن سليمان المرداوي (ت 885هـ) (¬1) قد بين كيفية معرفة مواضع الفروع الفقهية من القواد بتعيين رقم القاعدة بعد الفرع الفقهي كما وضع فهرساً للقواعد والفوائد الأصولية، وبذلك حقق فائدة كبيرة تساعد على الانتفاع بالكتاب، وتُسهل لمراجعه معرفة مواضع الفروع من القواعد. ومعرفة مواضع القواعد والفوائد. 5 - تضمن كثير من قواعده طائفة من الفوائد أو الضوابط والتنبيهات. ومن القواعد المتضمنة للفوائد القواعد: 39ن و42، و43، و46، و50، و51، و59، و64ن و65، و66. ومن القواعد المتضمنة للتنبيهات أو الضوابط، القواعد: 2 و5، و6، و22، و35، و42، و59، و 62، و64. ونذكر فيما يأتي حصراً لهذه التنبيهات والفوائد وغيرها، مع ذكر القواعد التي تضمنتها: القاعدة (2) وتتضمن 3 ثلاثة تنبيهات القاعدة (5) وتتضمن تنبيهاً واحداً القاعدة (6) وتتضمن تنبيهاً واحداً وخاتمة. القاعدة (21) وتتضمن سؤالاً القاعدة (22) وتتضمن تنبيهاً واحداً القاعدة (35) وتتضمن تنبيهين القاعدة (39) وتتضمن فائدة واحدة القاعدة (42) وتتضمن تنبيهاً واحداً وفائدة واحدة القاعدة (43) وتتضمن (7) سبع فوائد. ¬

_ (¬1) انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي ج/1 مقدمة المحقق.

القاعدة (46) وتتضمن فائدة واحدة. القاعدة (50) وتتضمن فائدة أصولية. القاعدة (51) وتتضمن (4) أربع فوائد أصولية. القاعدة (59) وتتضمن 3 تنبيهات وفائدة واحدة و8 فوائد أصولية أخرى. القاعدة (62) وتتضمن 3 تنبيهات. القاعدة (64) وتتضمن تنبيهاً واحداً و3 فوائد. القاعدة (65) وتتضمن 3 فوائد. القاعدة (66) وتتضمن 3 فوائد. 6 - كان يطنب في بعض الأحيان في تقرير القاعدة، ولا يذكر من تفريعاتها إلا القليل، بل في أحيان ما، لا يذكر إلا فرعاً واحداً، كما في القاعدة (40) ص 155، إذ قرر هذه القاعدة في صفحة كامل، وذكر لها فرعاً واحداً، لم يتجاوز سطرين. وكما في القاعدة (46) ص 171 التي قررها في 8 صفحات وذكر في آخر التقرير فائدة بـ 6 أسطر، واقتصر، في التمثيل لها، بالفروع التي كان يذكرها خلال تقرير القاعدة. 7 - كان في أحيان متعددة ناقداً لما بني من الفروع على الأصول، وكان تارة لا يذكر لنقده تعليلاً، ومن ذلك أنه بشأن مخاطبة الكفار بالفروع، ذكر استئجار الكفار للجهاد، وقال: (إنه يصح بناه بعضهم على القاعدة وليس بناء جيداً) (¬1). وتارة يعلل ذلك، نقده لابن الصيرفي (¬2)، حينما ذكر مسألة امتلاك أو عدم امتلاك الكفار لأموال المسمين بالقهر، وقال: إن قلنا بالقاعدة – أي ¬

_ (¬1) ص 53. (¬2) هو أبو زكريا يحيى بن منصور بن أبي رافع الحراني الحنبلي الملقب بجمال الدين والمعروف بابن الجيشي. كان إماماً من أئمة الحنابلة في زمانه. عرف إلى جانب علمه بالعبادة والتهجد والصفات الحميدة، توفى سنة 678هـ. من مؤلفاته: فوائد المذهب، وانتهاز الفرص فيمن أفتى بالرخص. راجع في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 295، وشذرات الذهب 5/ 363.

أنهم مخاطبون بالفروع - لا يملكون وألا ملكوا، فقد انتقده ابن اللحام على ذلك من وجهين: أ - أحدهما ما لا خلاف فيه في المذهب، أنهم يملكون، مع أن المذهب أنهم مخاطبون بالفروع. ب- وآخرهما أن الخلاف غنما هو في أهل الحرب وأما أهل الذمة فلا يملكون بلا خلاف (¬1) وفي كلامه في القاعدة (33) عن الباء وأن معناها الإلصاق، ذكر وجهات النظر في ذلك، وما فرعه المختلفون من الأحكام، ولكنه انتقد تفريعاتهم وقال: (كل هذه التفاريع ضعيفة) ثم ناقشها واحداً بعد واحد (¬2). وفي القاعدة (7) المتعلقة بمخاطبة الكفار بالإيمان ذكر وجهات النظر المختلفة بهذا الشأن، وذكر طائفة مما ذكروه من الفروع المبنية عليها، ولكنه انتقد بعض هذه التفريعات. قال بشأن ما ذره ابن الصيرفي الحنبلي الحراني من مسائل: (والذي يظهر أن بناء الفروع على الخلاف غير مطرد ولا منعكس في جميعها) (¬3). وقال فيما فرعوه عليها: ومنها استئجار الكافر للجهاد، فإنه يصح بناء بعضهم على القاعدة وليس بناء جيداً (¬4). 8 - لم تكن جميع الآراء التي يذكرها في مسألة من المسائل مما يبني عليه خلاف، مما يفقد قيمة ذكرها، كما في مقتضى الأمر الذي ذكر فيه ما يقرب من 15 رأياً، ليست لها أهمية في بناء الفروع على الأصول، إذ لم يذكر لهم وجهة نظر في مطالب الأمر. 9 - وعلى الرغم من أن المؤلف كان يذكر المذاهب المختلفة، في تقريره ¬

_ (¬1) ص 53. (¬2) ص 140 و141. (¬3) ص 50. (¬4) ص53.

لقواعده الأصولية، إلا أنه عند التفريع والبناء على الخلاف كان يقتصر على ذكر الآراء في المذهب، وما يوجد من تخريجات على نصوص الإمام أحمد وإيماءاته وغير ذلك، وقلما يرد ذكر تفريعات المذاهب الأخرى. 10 - في تحقيق الكتاب ضعف، وقد وقع فيه شيء من التصحيف والسقط، يفهم ذلك من خلال قراءة النص نفسه، حيث يبدو فيه، في بعض المواضع، خلل ترتب عليه عدم إمكان الفهم الصحيح للنص، ونكتفي بذكر بعض الملحوظات على التحقيق المذكور: أ – عدم توثيق نسبة الآراء إلى أصحابها. وقد كان الكتاب في حاجة إلى ذلك، لما فيه من خطأ في بعض الواضع في نسبة الآراء، كالذي فعله المؤلف في ص 173 حيث حكى في الأمر إذا تكرر لفظه أن مذهب البصري والأشعري والصيرفي أنه لا يقتضي التكرارن وحكى ذلك عن ابن عقيل. لكن ما جاء في المسودة في ص 23 أن ابن عقيل حكى عن البصري والأِعري القول بالوقف، لا ما ذكره المؤلف وكقول المؤلف في ص 108 بشأن تخريج القاضي للإمام أحمد رأياً في أن الأعيان قبل الشرع الأصل فيها الإباحة، ونازع أبو البركات القاضي في مأخذه من هذه الرواية، وفي المسودة ص 479 أن الذي نازع في ذلك هو أبو العباس لا جده أبو البركات، لأنه المراد من قول جامع المسودة شيخنا. ب- خطأ المحقق ما هو صواب، وجاء بما هو خطأ، ظناً منه أن ما فعله هو الصواب فمثلاً في الهامش 1 ص 184 علق على ما أورده المؤلف من قول بعض الشافعية وبيان أنه مبني على أن ما لا يتم الواجب إلا به غير واجب، فقال في الهامش (كذا في الأصل والظاهر أن غير زائدة) وهذا ليس صواباً، بل إن ما ذكره من قول بعض الشافعية مبني على ذكره المؤلف، لا ما توهمه المحقق، وفي الهامش 1 من ص 236 قال: (الآية: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} (الآية 36 من سورة التوبة) وهو يريد بذلك تخطئة المؤلف

الفرع الثاني: نموذج من الكتاب

في قوله (وقاتلوا المشركين) عامة، والمؤلف لم يجعل كلمة عامة جزءاً من الآية وإنما أراد أن يبين أن بعض العلماء قالوا بأن العام هو عام في الأشخاص مطلق في الأحوال. فقالوا في قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ} عامة فيهم، مطلقة في أحوالهم وليس كما توهمه الشيخ المحقق - رحمه الله-. ج- وفي الكتاب طائفة من الأمور المحتاجة إلى بيان وإيضاح، ففيه طائفة كبيرة من الأسماء المتشابهة التي تحتاج إلى بيان أصحابها، كما أن فيه أسماء كتب تحتاج إلى التعريف بها، ونسبتها إلى مؤلفيها. د- وكما أن المحقق لم يوثق نسبة الآراء إلى أصحابها، فإنه لم يشر إلى مظان بعض المسائل الفقهية التي أوردها المؤلف نماذج لما يبنى من الفروع، على ما يذكره من القواعد، لأن طائفة غير قليلة مما ذكره المؤلف، من الفروع لا تتضح نسبته إلى باب معين في الفقه. الفرع الثاني: نموذج من الكتاب: القاعدة (17) ص 94 - 104 وهي قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به. وقد آثرنا ذكر هذه القاعدة لاعتبارين: الأول منهما أنه لم يطنب في تقرير القاعدة والإكثار من الآراء والأقوال. والثاني منهما كثرة ما بناه عليها من الفروع، إذ ذكر (36) ستة وثلاثين فرعاً يتخرج عليها. وقد اكتفينا بذكر نصف هذا العدد منها، تجنباً للتطويل. قال: القاعدة 17 (ما لا يتم الواجب إلا به) (¬1) للناس في ضبطه طريقان: ¬

_ (¬1) انظر في هذه المسألة: المعتمد 1/ 102، وشرح اللمع 1/ 259، والبرهان 1/ 257، والعدة في أصول الفقه 2/ 419، والتمهيد لأبي الخطاب 1/ 321، وميزان الأصول ص 139، والمستصفي 1/ 71، وروضة الناظر ص33، وشرح مختصر المنتهى للعضد 1/ 244، والمسودة ص 60 و61، والتحرير بشرح التقرير والتحبير 2/ 136، =

إحداهما: وهي طريقة الغزالي (¬1)، وأبي محمد المقدسي (¬2)، وغيرهما: أنه ينقسم إلى غير مقدور- كالقدرة والأعضاء – وإلى فعل غيره – كالإمام، والعدد في الجمعة – فلا يكون واجباً. وإلى ما يكون مقدوراً له، كالطهارة، وقطع المسافة إلى الجمعة والمشاعر، فيكون واجباً. قال أبو البركات (¬3): وهذا ضعيف في القسم الأول. إذ لا واجب هناك، وفي الثاني: باطل باكتساب المال في الحج والكفارات ونحو ذلك. الطريقة الثانية: أن ما لا يتم الوجوب إلا به: فليس بواجب كالقسم الأول، وكالمال في الحج والكفارات. وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب مطلقاً، وهذه طريقة الأكثرين من أصحابنا وغيرهم. قال أبو البركات: وهي أصح (¬4)، وسواء كان "شرطا" وهو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، أو "سببا" وهو ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم. وقال بعض الأصوليين: يكون أمراً بالسبب دون الشرط. وقال بعضهم: لا يكون أمراً بواحد منهما حكاه ابن الحاجب في ¬

_ (¬1) = والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص 83، والأشباه والنظائر لابن السبكي 2/ 88، والإبهاج 1/ 109، والإحكام للآمدي 1/ 110، وشرح الكوكب المنير 1/ 357، ومسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت 1/ 95. () المستصفي 1/ 71. (¬2) روضة الناظر ص33. (¬3) هو: أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني، الملقب بمجد الدين. كان من مجتهدي زمانه، ومن كبار أئمة الحنابلة. توفى سنة 652هـ. من مؤلفاته: المحرر في الفقه، ومنتقى الأخبار، وقسم من المسودة في الأصول. راجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 249، والأعلام 4/ 129. (¬4) المسودة ص 61.

المختصر الكبير (¬1). واختاره في مختصره المعروف في "الشرط" أنه إن كان شرطاً شرعياً وجب. وإن كان عقلياً أو عادياً: فلا (¬2). وإذا علمت ذلك، فيتفرع على هذه القاعدة فروع كثيرة. 1 - منها: هل يجب على الصائم إمساك جزء من الليل أم لا؟ في المسألة قولان: قال ابن الجوزي (¬3): أصحهما لا يجب. وقطع جماعة بوجوبه. وذكره ابن عقيل (¬4) في الفنون (¬5)، وأبو يعلي الصغير (¬6)، وفاقاً في صوم ¬

_ (¬1) منتهى الوصول والأمل إلى علمي الأصول والجدل، لابن الحاجب ص 36. (¬2) مختصر المنتهى الأصولي بشرح العضد 1/ 245. (¬3) هو: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ينتهي نسبه إلى أبي بكر الصديق من مجتهدي الحنابلة، ومن المكثرين منهم في التأليف، في مختلف العلوم، توفى سنة 597هـ. من مؤلفاته: الوصول إلى علم الأصول، وتلبيس إبليس، والمدهش في التاريخ وغرائب الآثار. راجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 399. (¬4) هو: أبو الوفاء علي بن محمد بن عقيل البغدادي، من علماء الإسلام البارزين، ومن مجتهدي الحنابلة، وأصولييهم تتلمذ على عشرات العلماء، وكان من ملازمي القاضي أبي يعلي. اشتغل بمذهب المعتزلة، ثم تركه عرف بقوة الحجة وحضور البديهة والمناظرة والجدل توفى سنة 513هـ. من مؤلفاته: الواضح في أصول الفقه، والجدل على طريقة الفقهاء، والفنون، وكفاية المفتي، وعمدة الأدلة وغيرها. راجع في ترجمته: ذيل طبقات 1/ 142، والمنهج الأحمد 2/ 252، والأعلام 4/ 313. (¬5) هو كتاب ضخم يحتوي على فنون شتى، نعته الذهبي في تاريخه بأنه لم يصنف في الدنيا أكبر منه، واختلف الأقوال في عدد أجزائه، فمنهم من ذكر أنه رأى ما بعد الأربعمائة من أجزائه، وذكر ابن رجب أنه سمع بعض مشايخه يقول: أنه 800 جزء (المنهج الأحمد 2/ 261 و262). (¬6) هو: محمد بن محمد الملقب بعماد الدين، ونعته بالصغير لتمييز عن عمه =

ليلة الغيم. وذكره القاضي في الخلاف في النية من الليل ظاهر كلام أحمد، وأنه مذهبنا (¬1). 2 - ومنها: إذا اشتبهت زوجته بأجنبية. فيجب عليه الكف عن الجميع، ومثله: لو اشتبهت محرمة بأجنبيات محصورات بعشر. فهل له أن ينكح واحدة منهن أم لا؟ (¬2) في المسألة وجهان: أحدهما: الجواز، كالقبيلة الكبيرة. والثاني: المنع لدون العشر. وحيث قلنا بالجواز. فهل يلزمه التحري أم لا؟ في المسألة وجهان. قال بعض متأخري أصحابنا: يتوجه مثل هذه المسألة في اشتباه الميتة بالمذكاة. قال الإمام أحمد – رضي الله عنه – أما شاتان: فلا يجوز، فأما إذا كثر: فهذا غير هذا، ونقل الأثرم أنه قيل للإمام أحمد: فثلاثة؟ قال: لا أدري. 3 - ومنها: إذا اشتبه الماء الطاهر بالنجس. فهل يجوز له التحري أم لا؟ (¬3). إن كان النجس مساوياً للطاهر، أو أكثر: فلا يجوز له التحري، ويجب عليه الكف عنه، بلا خلاف. صرح به غير واحد من الأصحاب. وإن كثر عدد الطاهر: فهل يجوز له التحري أم لا؟ المذهب: عدم الجواز (¬4). ¬

_ (¬1) = محمد بن الحسين المعروف بالقاضي أبي يعلي. كانت وفاته سنة 560هـ. من مؤلفاته: التعليقة في مسال الخلاف، والمفردات في شرح المذهب، غيرها. راجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 244، والأعلام 7/ 24. () انظر المسودة ص 60، وانظر المسألة والآراء المتعلقة بشأنها في الإنصاف 3/ 330. (¬2) انظر في المسألة: الإنصاف 1/ 78، وكشاف القناع 1/ 49 و50، وقواعد ابن رجب قاعدة 106 ص 238ن وانظر رأي الشافعية في المسألة في الأشباه والنظائر لابن السبكي 2/ 89، والتمهيد في تخريج الفروع للأسنوي ص 85. (¬3) انظر في المسألة: المغني 1/ 60، والإنصاف 1/ 71 وما بعدها. (¬4) وهو ظاهر كلام أحمد – رحمه الله -، وقول أكثر أصحابه، والمزني وأبي ثور، المغني 1/ 61.

ولنا رواية بالجواز. وهي ظاهر كلامه في رواية المروذي. واختارها أبو بكرن وابن شاقلا (¬1)، وأبو علي النجاد (¬2)، وصححها ابن عقيل. وهل يكتفي بمطلق الزيادة، أو يعتبر ذلك بعشرة أوان طاهرة، منها واحد نجس، أو عشرة طاهرة وواحد نجس. أو بما هو كثير عادة وعرفاً؟ فيه أقوال للأصحاب. 4 - ومنها: إذا اشتبه عليه الماء الطاهر بالطهور: فإنه يلزمه استعمالهما لتبرأ ذمته بيقين (¬3). وهل يتوضأ وضوءاً كاملاً من كل واحد منهما، أو منهما وضوءاً واحداً؟ في المسألة وجهان (¬4). 5 - ومنها: إذا اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة: فإنه يلزمه أن يصلي بعدد النجس، ويزيد صلاة، وينوي بكل صلاة الفرض، نص على ذلك الإمام أحمد، ولا يتحرى (¬5). وقال ابن عقيل: يتحرى إذا كثرت الثياب النجسة للمشقة. وقال في فنونه ومناظراته: يتحرى مطلقاً (¬6). وخرج أبو الخطاب وغيره على منصوص الإمام أحمد في الثياب المشتبهة: وجوب الصلاة إلى أربع جهات (¬7). وهو رواية في ¬

_ (¬1) هو: إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان من علماء الحنابلة المشهورين في عصره كان من المكثرين في الرواية، ومن أئمة الفقه والأصول في المذهب، توفي سنة 369هـ. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة2/ 128 و129. (¬2) هو: أبو علي الحسين بن عبد الله النجاد. كان من علماء الحنابلة في الفقه والأصول، صحب من شيوخ المذهب أبا الحسن بن بشار وأبا علي البربهاري، ومن في طبقتهما توفى سنة 360هـ. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 2/ 140، والمنهج الأحمد 2/ 66. (¬3) كشاف القناع 1/ 48. (¬4) انظر في المسألة: الإنصاف 1/ 75، والمحرر 1/ 7. (¬5) المغني 1/ 63 و64، والإنصاف 1/ 77، وكشاف القناع 1/ 49. (¬6) هذا الرأي نقله المغني على أنه قول أبي حنيفة والشافعي أيضاً (1/ 63). (¬7) هذا التخريج أساسه القياس على الثياب المشتبهة، كما هو في المتن، وقد فرق =

التبصرة (¬1) قال القاضي وغيره الأمر بذلك أمر بالخطأ. فلهذا أمر بالاجتهاد. 6 - ومنها: لو غصب زيتاً فخلطه بمثله (¬2). هل يجوز له التصرف فيه أم لا؟ قال الإمام أحمد، في رواية أبي طالب: هذا قد اختلط أوله وآخره. وأعجب إليَّ: أن يتنزه عنه كله. يتصدق به، وأنكر قول من قال: يخرج منه قدر ما خالطه. واختار ابن عقيل في فنونه: التحريم. لامتزاج الحرام بالحلال واستحالة انفراد أحدهما عن الآخر. وعلى هذا بني على أنه اشتراك (¬3). وعن أحمد رواية أخرى: نه استهلاك فيخرج قدر الحرام، ولو من غيره قاله شيخنا (¬4). 7 - ومنها: الأكل من مال من في ماله حرام. هل يجوز أم لا (¬5)؟ في المسألة ¬

_ (¬1) = العلماء بين الأمرين بطائفة من الفروق، يترتب عليها تخطئة التخريج المذكور، ومن هذه الفروق: أ- إن القبلة يكثر الاشتباه فيها، فيشق اعتبار اليقين، فسقط دفعاً للمشقة، بخلاف الثياب. ب- عن الاشتباه حصل بتفريط منه، لأنه كان بإمكانه معرفة مكان النجاسة وغسلها، بخلاف القبلة. ج- إن القبلة عليها أدلة من النجوم والشمس والقمر وغيرها، فيصح الاجتهاد في طلبها، وعليها دليل إصابة قوي، بحيث يكون احتمال الخطأ ضعيفاً، بخلاف الثياب. وعلى هذا فتخريج الصلاة إلى الجهات الأربع قياساً على الثياب المشتبهة لا وجه له. انظر: المغني 1/ 63، وكشاف القناع 1/ 49. () التبصرة من كتب الفقه الحنبلي، لعبد الرحمن بن محمد بن علي الحلواني البغدادي الحنبلي المتوفى سنة 546هـ. (إيضاح المكنون 1/ 222). (¬2) انظر في المسألة: المغني 5/ 287، والمحرر 1/ 361، والإنصاف 6/ 161، و162. (¬3) المحرر 1/ 364. (¬4) يعني به أبا الفرج عبد الرحمن بن رجب المتوفى سنة 795هـ. (¬5) انظر مسألة جواز ذلك أو عدمه، وما ينبغي إخراجه، وطائفة من أحكام هذه المسألة =

أربعة أقوال: أحدها: التحريم مطلقاً. قطع به شرف الإسلام عبد الوهاب بن أبي الفرج في كتابه: المنتخب (¬1). قبيل باب الصيد. وعلل القاضي وجوب الهجرة من دار الحرب بتحريم الكسب عليه هناك. لاختلاط الموال لأخذهم المال من غير جهته، ووضعه في غير حقه. وقال الأزجي في نهايته (¬2). هذا قياس المذهب، كما قلنا في اشتباه الأواني الطاهرة بالنجسة. وقدمه أبو الخطاب في انتصاره (¬3). وقال ابن عقيل في فنونه- في مسألة اشتباه الأواني - وقد قال الإمام أحمد: لا يعجبني أن يأكل منه، وسأل المروذي أبا عبد الله عن الذي يعامل بالربا يؤكل عنده؟ قال: لا. قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوقوف عند الشبهة. والقول الثاني: إن زاد الحرام على الثلث حرم الكل. وألا فلا قدمه في ¬

_ (¬1) = في المغني 4/ 297 وما بعدها. () هو: أبو القاسم، وقيل أبو البركات عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد الشيرازي، ثم الدمشقي المعروف بابن الحنبلي، والملقب بشرف الإسلام. فقيه وواعظ ومفسر، كان شيخ الحنابلة في الشام في زمانه توفى سنة 536هـ. من مؤلفاته: المنتخب في الفقه، والمفردات، والبرهان في أصول الدين، ورسالة في الرد على الأشعري. راجع في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة 3/ 198، وشذرات الذهب 4/ 113. (¬2) هو: يحيى بن يحيى الأزجي. من علماء الحنابلة، عرف بكتابه (نهاية المطلب في علم المذهب) وهو كتاب قال عنه ابن رجب: كبير جداً وعباراته جزلة، حذا فيه حذو كتاب نهاية المطلب لإمام الحرمين، وأكثر استمداده من كلام ابن عقيل. ومما ذكره ابن رجب عن هذا الكتاب أن فيه تهافتاً، وأن مؤلفه لم يتصور كثيراً من الفروع، وأن المظنون أن علمه كان مستمداً من المطالعة، لا من التحقيق، لم يذكر تاريخ لوفاته. لن ابن رجب يغلب على الظن أنه توفي بعد الستمائة بقليل. راجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 121. (¬3) هو: كتاب (الانتصار في المسائل الكبار) ويسمى الخلاف الكبير، في مقابلة كتابه الآخر (الخلاف الصغير) والمسمى برؤوس المسائل. (المنهج الحمد 2/ 234).

الرعاية. لأن الثلث ضابط في مواضع. والثالث: إن كان الأكثر الحرام حرم، وإلا فلا. إقامة للأكثر مقام الكل. قطع به ابن الجوزي في المنهاج (¬1). نقل الأثرم وغير واحد عن الإمام أحمد – فيمن ورث مالاً فيه حرام-: إن عرف شيئاً بعينه رده. وإن كان الغالب على ماله الفساد تنزه عنه، أو نحو هذا، ونقل عنه حرب في الرجل يخلف مالاً: إن كان غالبه نهباً أو رباً ينبغي لوارثه أن يتنزه عنه، إلا أن يكون لا يعرف. ونقل عنه أيضاً: هل للرجل أن يطلب من ورثة إنسان مالاً مضاربة ينفعهم وينتفع؟ قال: إن كان غالبه الحرام فلا. الرابع: عدم التحريم مطلقاً. قل الحرام أو كثر، لكن يكره، وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته، جزم به في المغني. وقاله ابن عقيل في فصوله (¬2) وغيره. وقدمه الأزجى وغيره. 8 - ومنها: لو طلق إحدى زوجتيه، ولم ينو معينة (¬3): حرمتا إلى البيان. وبماذا يحصل روايتان. المذهب: بالقرعة (¬4). والثانية: بتعيينه، فعليهما: هل وطؤه تعيين أم لا؟ في المسألة وجهان. والذي ذكره القاضي: أنه ليس بتعيين. 9 - ومنها: لوطلق معينة ونسيها، أو قال: إن كان هذا الطائر غراباً فهذه ¬

_ (¬1) أي كتاب (منهاج الوصول على علم الأصول). انظر: كشف الظنون ص 1878. (¬2) كتاب (الفصول في الفقه) يقع في عشر مجلدات (انظر: الأعلام 4/ 313، ومعجم المؤلفين 7/ 152) ويذكر العليمي (ت 928هـ) في المنهج الحمد 2/ 262، أن كتاب الفصول في الفقه هو كتاب (كفاية المغني) نفسه. (¬3) انظر: الإنصاف 9/ 141، والمغني 7/ 251. (¬4) هذا كلام الخرقي واختيار ابن قدامة الذي نقل أن القول بالتعيين، هو رأي حماد بن أبي سليمان وأبي حنيفة والشافعي. ونقل عن قتادة ومالك أنهن يطلقن جميعاً (المغني 7/ 251).

طالق، وإن لم يكن فهذه. وجهل (¬1) فعن الإمام أحمد روايتان: أحداهما: يجتنبها حتى يتبين. بناء على القاعدة، اختاره الشيخ أبو محمد (¬2). والثانية: نقلها الجماعة، واختارها أكثر الأصحاب-: أنها تخرج بالقرعة (¬3). 10 - ومنها: لو قال الزوج: إن كان هذا الطائر غراباً فزوجتي طالق ثلاثاً. وقال الآخر: إن لم يكن غراباً فزوجتي طالق ثلاثاً. ولم يدر ما الطائر؟ وجب الكف في أصح الوجهين (¬4). 11 - ومنها: الذبيحة في بلدة فيها مجوس وعبدة أوثان يذبحون: فلا يجوز أكلها، وإن جاز أن تكون ذبيحة مسلم. وكذلك إن كان فيها أخلاط من المسلمين والمجوس. للحديث المتفق عليه "إذا أرسلت كلب فخالط كلاباً لم تسم عليها. فلا تأكل فإنك لا تدري: أيها قتله؟ " (¬5). فأما إن كان كذلك في بلد الإسلام. فالظاهر إباحتها، لأن المسلمين لا يقرون في بلدهم ما لا يحل بيعه ظاهراً. قاله في المغني. 12 - ومنها: لو نسي صلاة من خمس. فهل يلزمه قضاء الخمس أم لا؟ المذهب عندنا: لزوم قضاء الخمس. وينوي بكل واحدة الفرض. وعنه ¬

_ (¬1) انظر المسألة في: المغني 7/ 249، والمحرر 2/ 61، وقواعد ابن رجب قاعدة 160 ص 356، والإنصاف 9/ 143، وكشاف القناع 5/ 338. (¬2) المغني 7/ 253 و254. (¬3) كشاف القناع وقواعد ابن رجب في الموضع السابق وعلل ذلك بأن لا سبيل إلى معرفة المطلقة منهما، والقرعة طريق شرعي لإخراج المجهول، كما في المبهمة والمنسية. (¬4) المحرر 2/ 61، والمغني 7/ 253 و254، وكشاف القناع 5/ 338، وقواعد ابن رجب ص 356 و357، ونقل صاحب المغني عن أصحاب الرأي والشافعي أنه لا يحرم على واحد منهما وطء امرأته. (¬5) انظر المغني 4/ 296 والحديث ذكر في المصدر المذكور أنه متفق عليه.

يلزمه مغرب وفجر ورباعية. بناء على أن نية التعيين لا تشترط (¬1). 13 - ومنها: لو اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار. فإنه يغسل الجميع ويكفنون، ويصلي عليهم، سواء كان من يُصلي عليه أكثر أو أقل، وسواء دار الحرب وغيرها: صُلي على الجميع، ينوي بالصلاة المسلم (¬2). وعن أحمد رواية أخرى: إن اختلط المسلمون بالكفار في دار الحرب فلا صلاة. حكاها القاضي في شرحه الصغير. والمذهب: الأول. وأما دفنهم: فقال الإمام أحمد: إن قدروا دفنوهم منفردين، وإلا مع المسلمين. 14 - ومنها: غسل المرفقين في الوضوء. والمذهب عندنا: وجوبه وعن الإمام أحمد رواية أخرى: لا يجب (¬3). 15 - ومنها: لو خلق له يدان، وكانتا متساويتين، ولم يعلم الأصلية منهما: فنه يجب عليه غسلهما (¬4). 16 - ومنها: لو خفي عليه موضع النجاسة: لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها (¬5). ¬

_ (¬1) انظر المغنى 1/ 613 وذكر أن ذلك هو قول أكثر أهل العلم، لأن التعيين شرط في صحة المكتوبة، ولا يتوصل إلى ذلك ههنا إلا بإعادة الصلوات الخمس. وانظر رأي الشافعية في: التمهيد للأسنوي ص 85، والأشباه والنظائر لابن السبكي 2/ 88. (¬2) المغني 2/ 536، والإنصاف 2/ 538، والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص 85. (¬3) المغني 1/ 122، والإنصاف 1/ 157، وفي المذهب الشافعي، في هذه المسألة، وفي غسل جزء من الرأس والرقبة ونحوهما، ليتيقن غسل الوجه، وجهان المعروف منهما الوجوب. (التمهيد للأسنوي ص85). (¬4) المغني 1/ 123، والإنصاف 1/ 158. (¬5) المغني 2/ 85 وفي المذهب الشافعي أنه لو خفي موضعها من الثوب أو البدن غسله كله، ولو خفي من الدار موضع النجاسة فوجهان في الروضة أصحهما أنه كذلك يغسلها كلها، والوجه الثاني يتحرى ويصلي فيما يظن طهارته، ولا يلزمه غسلها، كما =

17 - ومنها: لو كانت تحت أظفاره وسخ يسير، يمنع وصول الماء على ما تحته، فإنه لا تصح طهارته حتى يزيله (¬1). ولنا وجه: أنه تصح طهارته ولو لم يزله. واختاره أبو العباس، وعزاه إلى كل يسير يمنع وصول الماء حيث كان، كدم وعجين. 18 - ومنها: المبتدأة، إذا قلنا- على المذهب- إنها تجلس يوماً وليلة: لم يجز لزوجها وطؤها بعد اليوم والليل قبل انقطاع الدم (¬2). نص عليه الإمام أحمد. وهو المشهور عند الأصحاب، بناء على القاعدة، وذكر في الرعاية (¬3) رواية: بالكراهة وذكر ابن الجوزي في إباحته روايتين. وقال صاحب المستوعب (¬4) وغيره: هي في الوطء كالمستحاضة. ودليل جواز الوطء: لأنه الأصل. ويحتمل أن يكون هذا حيضاً، وأن لا يكون حيضاً فلا نحرمه بالشك. وتؤمر بالعبادة بعد اليوم والليلة احتياطاً. ¬

_ (¬1) = لو تيقن أن موضعاً من الصحراء نجس، فإنه يصلي إلى أي موضع شاء. (انظر: الأشباه والنظائر لابن السبكي 2/ 89). () الإنصاف 1/ 158. (¬2) المغني 1/ 329، والإنصاف 1/ 360، ومنتهى الإرادات 1/ 346. (¬3) الرعاية في فروع الحنابلة للشيخ نجم الدين أحمد بن حمدان (ت 695هـ) ذكر أنها صغرى وكبرى، فهما رعايتنا، قيل إنه حشاهما بالروايات الغريبة التي لا توجد في كثير من الكتب. شرحها ثكيرون واختصرها عز الدين بن عبد السلام. (انظر: كشف الظنون ص 908، وذيل طبقات الحنابلة 4/ 331). (¬4) صاحب المستوعب هو: محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الحنبلي المتوفى سنة 616هـ. (ذيل طبقات الحنابلة 4/ 121) وقال ابن بدران عن كتاب المستوعب: إنه أحسن ما صنف في مذهب الإمام أحمد وأجمعه، وذكر عن مؤلفه أنه ذكر فيه أنه لم يتعرض إلى شيء من أصول الدين، ولا من أصول الفقه، وأكثر فيه من ذكر الآداب الفقهية. (المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص 430).

الفصل الثالث تخريج الفروع على الفروع

الفصل الثالث تخريج الفروع على الفروع تمهيد في: تعريفه - بيان موضوعه - مباحثه - فائدته المبحث الأول: مصادر تخريج الفروع على الفروع. المطلب الأول: النص وما يجري مجراه. المطلب الثاني: مفهوم النص. المطلب الثالث: أفعال الأئمة. المطلب الرابع: تقريرات الأئمة. المطلب الخامس: الحديث الصحيح. خاتمة: في نسبة ما وافق الحديث الصحيح إلى المجتهد، إن لم يقله. المبحث الثاني: طرق التخريج المطلب الأول: التخريج عن طريق القياس. المطلب الثاني: التخريج عن طريق لازم المذهب. المطلب الثالث: النقل والتخريج.

تمهيد تعريفه- بيان موضوعه ومباحثه - فائدته لما كان ما نقل عن الأئمة المجتهدين من فروع فقهية، واجتهادات وفتاوى، بشأن أحكام الوقاع، غير شامل لكل ما يحتاجه الناس، على مدى الأزمنة، ولا يجيب عن تساؤلاتهم، بشأن بعض الأمور؛ بسبب نشوء المعاملات والتصرفات والوقائع التي لم تكن في زمنهم، لجأ تلاميذهم وأتباعهم إلى استخراج آراء لأئمتهم المتبوعين في أحكام هذه الوقائع ونسبوها إليهم، وجعلوها كأنها من تراثهم المنقول، حتى زخرت كتب الفقه بتلك المسائل الفرعية التي يصعب حصرها، مما هو واقع ومما هو مفترض، الأمر الذي لا تصح معه دعوى أنه مما نص عليه الإمام أو فعله بنفسه. إن هذا الاستكشاف أو الاستنباط - إن صح التعبير - هو عملية تخريج باصطلاح الفقهاء والأصوليين، وهو الذي تناولته كتب الأصول في مباحث الاجتهاد والتقليد، والكتب المتخصصة بالفتوى وشروطها وصفاتها وآدابها وغير ذلك. ومن تتبعنا لأقوالهم وجدنا أنهم يطلقون التخريج على أمرين: الأول: على استنباط الأحكام من القواعد، أو إخراج أحكام جزئيات القاعدة من القوة إلى الفعل (¬1)، وهذا أمر قد أدخلناه في مجال تخريج الفروع على الأصول، وقد سبق بيان حكمه وآراء العلماء في صحة نسبة ما خرج بناء عليه، إلى الأئمة. ¬

_ (¬1) تقريرات الشربيني على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع بحاشية البناني 1/ 22، وبحاشية العطار 1/ 32.

الثاني: على استنباط الأحكام من فروع الأئمة المنسوبة إليهم، سواء كانت من أقوالهم أو أفعالهم أو تقريراتهم. وهذا هو ما رأينا أن نجعله موضوع هذا الفصل وآثرنا أن نطلق عليه (تخريج الفروع على الفروع). تعريفه: جاء في المسودة إن التخريج هو (نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها والتسوية بينهما فيه) (¬1)، وهذا التعريف نقله بنصه غير واحد من العلماء منهم المرداوي (ت 885هـ) (¬2) في كتابه الإنصاف (¬3). والتخريج وفق هذا التعريف يتعلق بمادة هذا الفصل تعلقاً مباشراً. وظاهره أن المقصود بالتخريج هو القياس، الذي يتضمن نقل مثل حكم مسألة جزئية إلى أخرى، لوجود شبه بينهما، سواء كان باتفاقهما في العلة وذلك هو قياس العلة، أو بانتفاء الفارق بينهما وهو ما يسمى، عندهم، بالقياس بنفي الفارق، أو القياس في معنى الأصل (¬4). لكنا نلاحظ أن هذا التعريف يقتصر على بيان معنى التخريج بصفة عامةن ويس تعريفاً له على أنه علم معين. وعملنا في هذا الفصل يقوم على ¬

_ (¬1) المسودة ص 533. (¬2) هو: أبو الحسن علي بن سليمان الملقب بعلاء الدين. ولد في مردا من أعمال نابلس، وفيها حفظ القرآن وتركها إلى الخليل ثم دمشق، وتلقى علومه على طائفة من العلماء، فنبغ في ذلك، وانتهت إليه رياسة المذهب، كان حجة محققاً متفنناً. توفي في دمشق سنة 885هـ. من مؤلفاته: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، والتنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع، وتحرير المنقول في أصول الفقه وشرحه المسمى التحرير. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 7/ 340، الأعلام 4/ 292، ومعجم المؤلفين 7/ 102. (¬3) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل 1/ 6 و12/ 257. (¬4) الإحكام للآمدي 3/ 4.

جمع كل ما له صلة بالتخريج بهذا المعنى، سواء كان ذلك متعلقاً بشروطه، أو بشروط أهل التخريج، أو بحكم نسبة الفروع المخرجة إلى الأئمة، أو غير ذلك مما له صلة بهذا الشأن. وهو بهذا المعنى شأنه شأن ما تقدم، إذ لم نجد له تعريفاً خاصاً، لأنه لم يبحث على أنه علم قائم بذاته، وإنما كانت موضوعاته ترد متفرقة، تارة في كتب الأصوليين، وتارة في كتب الفقهاء، وتارة في الكتب الخاصة بصفات المفتي والمستفتي، وتارة في مواضع أخر. وإذا أردنا أن نضع له تعريفاً يتناول ما تقدم قلنا بأنه: هو العلم الذي يتوصل به إلى التعرف على آراء الأئمة في المسائل الفرعية، التي لم يرد عنهم فيها نص، بإلحاقها بما يشبهها في الحكم، عند اتفاقهما في علة ذلك الحكم، عند المخرج أو بإدخالها في عمومات نصوصه أو مفاهيمها، أو آخذها من أفعاله أو تقريراته، وبالطرق المعتد بها عندهم، وشروط ذلك، ودرجات هذه الأحكام. وهذا التعريف قد يخالف ما اشترطه المناطقة في التعريفات، من حيث ضرورة الإيجاز فيه والابتعاد عن التفاصيل، أو ذكر ما ليس ركناً في المعرف، سواء كان من شروطه أو لم يكنن ولكننا ذرنا ذلك من أجل إعطاء صورة واضحة عن تصوراتنا لما يشتمل عليه هذا العلم وما يتقوم به. فقولنا: العلم جنس شامل لكل أنواع العلوم. وقولنا: الذي يتوصل به إلى آراء الأئمة ... قيد أول اخرج، ما لم يكن الغرض منه التوصل إلى هذه الآراء. وقولنا: في المسائل الفرعية قيد ثان أخرج ما يتوصل به إلى غير ذلك، كأن يتوصل به إلى قواعدهم وأصولهم، مما يدخل في نطاق تخريج الأصول من الفروع، أو غير ذلك من الأمور. وقولنا: بلحاقها بما يشبهها في الحكم عند اتفاقهما .. قيد ثالث

لإخراج التوصل إلى أحكام المسائل الفرعية من القواعد والأصول، مما يدخل في نطاق تخريج الفروع على الأصول. والقيود المذكورة فيما بعد لبيان ما يشمله هذا العلم من المباحث، وما يشترط في عملية التخريج المذكورة، سواء كان ذلك متعلقاً بالمصدر الذي يخرج منه، أو بمن يقوم بعملية التخريج. موضوعه ومباحثه: من خلال تعريف هذا العلم، اتضح لنا موضوعه ومباحثه، فهو يبحث في نصوص الأئمة وأفعالهم، وتقريراتهم، من حيث التعرف منها على ما يشبه الوقائع الجزئية الحادثة المطلوب معرفة حكمها الشرعي، من وجهة نظر إمام المذهب، فيلحقها بها قياساً، أو إدخالاً لها في عموم نصه أو مفهومه، أو ما شابه ذلك. كما يبحث في صفات المخرج والشروط اللازمة له، وصفات الأقوال المخرجة ودرجاتها. فائدته: والفائدة من هذا العلم التعرف على أحكام المسائل الجزئية المتنوعة التي سكت عنها الأئمة إما لأنه لمي قع عنها سؤال في زمنهم، أو لأنها من الوقائع والنوازل الجديدة، التي لم يرد عنهم فيها شيء.

المبحث الأول مصادر التخريج

المبحث الأول مصادر التخريج وسنتناول في هذا المبحث مصادر تخريج آراء الأئمة، ووجهة نظر العلماء في صلاحيتها، أو عدم صلاحيتها لذلك، وهي مقتصرة على ما يُعد من الفروع والمسائل الجزئية، وتركنا مسألة التخريج من القواعد لأننا أدخلناها في موضوع تخريج الفروع على الأصول، وقد جعلنا هذا المبحث في خمسة مطالب وهي: المطلب الأول: النص وما يجري مجراه. المطلب الثاني: مفهوم النص. المطلب الثالث: أفعال الأئمة. المطلب الرابع: تقريرات الإمام. المطلب الخامس: الحديث الصحيح.

المطلب الأول نص الإمام وما يجري مجراه

المطلب الأول نص الإمام وما يجري مجراه وقد رأينا أن نجعل هذا المطلب في فرعين، أحدهما في بيان المقصود من النص وما يجري مجراه، وآخرهما في بيان الطرق التي نتعرف بها على تلك النصوص. الفرع الأول: في بيان المراد من النص وما يجري مجراه النص في اللغة الرفع، ومن ذلك منصة العروس. ويقال نص الحديث ينصه إذا رفعه. وهذا المعنى هو أكثر استعمالاته (¬1). وفي اصطلاح الفقهاء والأصوليين نجد اختلافاً في بيان معناه، بين جمهور العلماء من جهة، وأتباع المذهب الحنفي من جهة أخرى. ففي اصطلاح الجمهور أطلق على معان متعددة منها أ- أنه بمعنى الظاهر، أي ما فهم المعنى المراد منه من غير قطع، وهذا الاطلاق ورد عن الشافعي - رحمه الله-. ب- إنه ما يقابل الظاهر بمعنى ما يحتمل التأويل، فالنص ما لا يحتمل التأويل أصلاً، وعلى هذا فإن الظاهر ما دلالته ظنية، والنص ما دلالته قطعية. ج- إنه ما لا يتطرق إليه احتمال مقبول يعضده دليل (¬2). وفي اصطلاح الحنفية أطلق النص على ما كان أعلى مرتبة في الوضوح ¬

_ (¬1) لسان العرب. (¬2) المستصفي للغزالي 1/ 384 - 387، والبرهان 1/ 142.

من الظاهر، ودون مرتبة المفسر والمحكم، فالنص ما ظهر منه المراد كالظاهر وزاد على ذلك بأن كان سوق الكلام من أجله (¬1). كما في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة/275) فإنه ظاهر في دلالته على حل البيع وحرمة الربا، ونص في التفرقة بينهما؛ لأن النص سيق للرد على من زعم التسوية بينهما وقاس الربا على البيع (¬2). وقد أطلق النص أيضاً على صيغة الكلام الأصلية التي وردت عن المؤلف أو المتكلم، وهو من المعاني المولدة، التي استعملها الناس قديماً بعد عصر الرواية (¬3). وإن إطلاق الأصوليين للنص على صيغ الكتاب والسنة هو من هذا القبيل. والذي يبدو من كلام الفقهاء والأصوليين، حينما يتكلمون عن نصوص الأئمة وما يجري مجراها، أنهم كانوا يقصدون في تعبيرهم (نص عليه)، ما دل عليه بألفاظه صراحة. ومن تعبيرهم معنى النص. ما دل عليه بألفاظه بصورة غير صريحة، وهذا هو اصطلاح جمهور الأصوليين في تقسيم الألفاظ من حيث كيفية دلالتا على المعنى. حيث إنهم جعلوا دلالة اللفظ على المعنى قسمين أحدهما دلالته عليه بمنطوقه، وثانيهما دلالته عليه بمفهومه، والدلالة الأولى هي الدلالة اللفظية التي تؤخذ من عبارات المتكلم، أما ¬

_ (¬1) ميزان الأصول للسمرقندي ص 320، كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري 1/ 123 - 125 بتحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي، كشاف اصطلاحات الفنون 3/ 1405، التوضيح مع التلويح 1/ 124 و125، والتقرير والتحبير 1/ 146. هذا ونشير هنا إلى أن ما ذكر في المتن هو اتجاه المتأخرين من العلماء، وهناك وجهة نظر أخرى في التفريق بينهما عند الحنفية، هي وجهة نظر المتقدمين منهم. فانظر ذلك في كشف الأسرار المشار إليه في الهامش، وتفسير النصوص للدكتور/محمد أديب صالح 1/ 156 - 164. (¬2) المصادر السابقة. (¬3) المعجم الوسيط، مادة (النص).

الدلالة بمفهوم اللفظ فهي دلالة معنوية أو التزامية، والكلام عنها سيأتي في مبحث المفهوم. والمنطوق عندهم نوعان: صريح وغير صريح. 1 - فالمنطوق الصريح (¬1): هو ما وضع له اللفظ، فيدل عليه بالمطابقة أو التضمن، ويسمى الثابت به، عند الحنفية. ثابتاً بعبارة النص (¬2). ومن الأمثلة على ذلك من كلام الأئمة: أ- قول الشافعي – رحمه الله -: (وكان على المصلي في كل صلاة واجبة أن يصليها متطهراً وبعد الوقت، ومستقبلاً للقبلة، وينويها بعينها، ويكبر، فإن ترك واحدة من هذه الخصال لم تجزه صلاته) (¬3). فهذا النص واضح وصريح في بيان مذهب الشافعي –رحمه الله- في بعض شروط الصلاة، وأن أي واحدة من الخصال التي ذكرها، يؤدي عدمها إلى عدم الصلاة دون أن يحتمل مثل هذا الكلام معنى آخر. ¬

_ (¬1) المنطوق في اللغة هو الملفوظ، أو المتكلم به، وهو اسم مفعول من النطق، يقال نطق ينطق نطقاً إذا تكلم (لسان العرب). وفي اصطلاح علماء الأصول هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق، أي ما استفيد من الألفاظ المنطوق بها نفسها، بحسب وضعها اللغوي. وهذا بخلاف المفهوم الذي دل عليه اللفظ لا في محل النطق، أي دلالته على ما سكت عنه. ويبدو – والله أعلم – أن إطلاقه على ما دل عليه اللفظ غير حقيقي، لأن ما دل عليه اللفظ ليس هو المنطوق، بل المنطوق به هو الألفاظ لا معناها. (¬2) أصول السرخسي 1/ 236 - ... ، كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري 1/ 171 ... التوضيح بشرح التلويح 1/ 130، التقرير والتحبير 1/ 106، فواتح الرحموت 1/ 406. ونشير هنا إلى وجود بعض وجهات نظر عند الحنفية في هذا الشأن، تتعلق باشتراط سوق الكلام للمراد، أو أن يكون مقصوداً أصلياً ولو على سبيل الالتزام، فراجعها للفائدة. (¬3) الأم 1/ 99.

ب- ومن ذلك قول الإمام أحمد - رحمه الله - بشأن وجوب العمل بخبر الواحد، فقد نص في رواية أبي الحارث (¬1) على أنه: (إذا كان الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صحيحاً، ونقله الثقاة فهو سنة، ويجب العمل به، على من عقله وبلغه، ولا يلتفت إلى غيره من رأي ولا قياس) (¬2). فهذا الكلام صريح في بيان رأي الإمام أحمد في وجوب العمل بخبر الواحد الصحيح، على المكلف متى بلغه الخبر، وأنه يقدم على القياس وغيره من طرق الرأي. والأمثلة على ذلك كثيرة. وبوجه عام فإن المعنى إذا كان مستفاداً من الألفاظ، على حسب ما وضعت له في اللغة، سواء كان مدلولاً عليه بالمطابقة أو التضمن، فإنه المراد من النص عند الجمهور، ومن عبارة النص عند الحنفية. 2 - وأما المنطوق غير الصريح: فهو ما دل عليه اللف، لا بإحدى الدلالتين المذكورتين أي المطابقة والتضمن، بل بالالتزام (¬3)، وهو ما يتناوله قولهم: ما يجري مجرى النص فتدخل فيه دلالات الاقتضاء، والإشارة والتنبيه أو الإيماء. ولبعض العلماء في عد هذه الأمور من المنطوق وجهة نظر مخالفة، إذ جعلوها من باب دلالة المفهوم، ولكننا آثرنا الأخذ بوجهة نظر ابن الحاجب (¬4) في عدها من دلالة المنطوق، نظراً لأن هذه الأمور هي من ¬

_ (¬1) هو: أحمد بن محمد أبو الحارث الصائغ من أصحاب الإمام أحمد الذين كان يأنس بهم ويقدمهم ويكرمهم. روى عن افمام أحمد - رحمه الله- مسائل كثيرة وجود الرواية عنه. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/ 74 و75، والإنصاف 12/ 280. (¬2) العدة 3/ 859. (¬3) نهاية السول للأسنوي 1/ 309 وما بعدها، الإحكام للآمدي 3/ 64. (¬4) هو: أبو عمرو عثمان بن عمر بن أب بكر بن يونس الكردي الأصل المالكي المذهب الملقب بجمال الدين، والمعروف بابن الحاجب، لكون أبيه جندياً حاجباً عند الأمير =

أحكام وحالات المذكور، بخلاف المفهوم الذي يبين أحكام وحالات غير المذكور (¬1). وقد ذكروا أن غير الصريح قسمان، لأنه إما أن يكون مقصوداً للمتكلم أو لا: أ- والمقصود للمتكلم ينسم بحسب استقرائهم إلى قسمين: أولهما: ما يتوقف عيه الصدق، أو الصحة العقلية، أو الشرعية، ويسمى دلالة الاقتضاء (¬2). فمثال ما يتوقف عليه الصدق قوله – صلى الله عليه وسلم – (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (¬3) فإن هذه الأمور موجودة في الواقع وليست مرفوعة، فلابد لصدق الكلام من تقدير فيكون المراد: رفع إثم الخطأ أو ما شابه ذلك، ومثال ما تتوقف عليه الصحة العقلية {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ} "يوسف /82"فلو لم يقدر أهل القرية، لم يصح الكلام عقلاً، ومثال الصحة الشرعية: أعتق عبدك عني على ألف، فإنه يستدعي تقدير الملك (¬4). ¬

_ (¬1) = عز الدين الصلاحي، عرف بالفقه والقراءة والأصول والنحو والصرف والعروض. ولد بمصر ودرس وتفقه بمذهب مال، وتخرج عليه عدد من العلماء. ثم انتقل إلى دمشق ودرس بجامعها. ثم عاد إلى القاهرة وأقام بها، ثم انتقل إلى الإسكندرية وكانت وفاته فيها 646هـ/1249م. من كتبه: الإيضاح شرح المفصل للزمخشري، منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل، ومختصر منتهى السول والأمل وغيرها. راجع في ترجمته وفيات الأعيان 2/ 413، مفتاح السعادة 1/ 125، الديباج المذهب ص 189، شذرات الذهب 5/ 234، الأعلام 4/ 211. () مختصر المنتهى الأصولي بشرح العضد 2/ 171، ولاحظ مناهج العقول مع نهاية السول 1/ 311. (¬2) شرح مختصر ابن الحاجب 2/ 172، والإحكام للآمدي 3/ 64 و65. (¬3) الحديث: لا يوجد بهذا اللف، لكن أخرجه ابن ماجة وابن حبان والحامك عن ابن عباس يرفعه بلفظ (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). قال الحاكم إنه صحيح على شرط الشيخين. كشف الخفاء 1/ 522. (¬4) شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/ 172، والإحكام للآمدي 3/ 64 و65، أصول السرخسي 1/ 248، وميزان الأصول للسمرقندي ص 401، وكشف الأسرار =

ثانيهما: أن يقترن بحكم لو لم يكن للتعليل هو أو نظيره لكان بعيداً فيفهم منه التعليل ويدل عليه، وإن لم يصرح به، ويسمى تنبيهاً وإيماء (¬1). وهو أقسام متعددة يبحثها الأصوليون، في مسالك العلة من مباحث القياس. ب- وأما غير المقصود للمتكلم فيسمى دلالة الإشارة، نحو قوله –صلى الله عليه وسلم – (النساء ناقصات عقل ودين، فقيل: يا رسول الله ما نقصان دينهن؟، قال: تمكث إحداهن في قعر بيتها شطر دهرها، لا تصلي ولا تصوم) (¬2). فهذا الحديث يدل بحسب وضعه على نقصان دينهن، ولكنه يدل بطريق الالتزام على أن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً، وكذلك أقل الطهر، لذكر الحديث شطر الدهر مبالغة في نقصان دينهن، ولو كان الحيض يزيد على ذلك لذكره. ونحو دلالة مجموع قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} (الأحقاف 15)، وقوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} (لقمان 14) على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر بعد طرح مدة الفصال. وهذا أمر لم يكن مقصوداً في الآيتين، ولكنه يلزم من مجموعهما. ونحو دلالة قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ...} (البقرة 187)، على عدم فساد صوم من أصبح جنباً، لأن لو ¬

_ (¬1) = للبخاري 1/ 188 و2/ 438 والمستصفي للغزالي 2/ 186، والتقرير والتحبير 1/ 217 وفواتح الرحموت 1/ 411. () شرح العضد على مختصر المنتهى 2/ 172 ونهاية السول 3/ 44. (¬2) الحديث باللفظ المذكور لا أصل له عند أهل الحديث، لكنه يتردد في كتب الفقهاء والأصوليين. وقد أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمر بلفظ (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن). قالت (أي امرأة منهن): يا رسول الله وما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين). صحيح مسلم باب بيان نقصان الإيمان 1/ 61 ومع شرح النووي 2/ 66. وانظر أقوال العلماء في ذلك في كشف الخفاء 1/ 379 و380.

كان يفسد لما أبيح الجماع في آخر جزء من الليل (¬1). وعلى هذا فإن ما ورد عن الأئمة، مما يدخل في هذه الأنواع من الدلالة، يُعد من آرائهم الجارية مجرى النص، والتي صححوا نسبتا إليهم. ومن أمثلتها: 1 - ما رواه الحسن بن زياد (¬2) عن أبي حنيفة- رحمه الله- في شأن صلاة كسوف الشمس، وقوله: (إن شاؤوا صلوا ركعتين، وإن شاؤوا صلوا أربعاً، وإن شاؤوا أكثر من ذلك). فلم يصرح أبو حنيفة –رحمه الله – بكون صلاة الكسوف نافلة، ولكن ذلك عرف من نصه إيماء لأن كلامه يفيد التخيير. قال الكاساني (ت 587هـ) (¬3): (والتخيير يكون في النوافل لا في الواجبات) (¬4). ¬

_ (¬1) أصول السرخسي 1/ 236. والإحكام للآمدي 3/ 65 وشرح مختصر المنتهى للعضد 2/ 172. (¬2) هو الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي كان أبوه من موالي الأنصار، واللؤلؤي نسبة إلى بيع اللؤلؤ. تتلمذ على أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن. وكان فطناً يقظاً حافظاً للروايات عن أبي حنيفة توفى سنة 204هـ. من مؤلفاته: الخراج والنفقات وأدب القاضي، والفرائض والأمالي. راجع في ترجمته: الجواهر المضية 2/ 56 (ترجمة 448) شذرات الذهب 2/ 12، والأعلام 2/ 191. (¬3) هو: أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الملقب علاء الدين وملك العلماء، تفقه على علاء الدين السمرقندي، وقرأ عليه معظم تصانيفه وتزوج بابنته. أرسل من ملك الروم إلى نور الدين محمود الزنكي في حلب، فولاه نور الدين التدريس في الحلاوية، وقد بقي في حلب حتى مات سنة 587هـ والكاساني نسبة إلى كاسان مدينة في بلاد تركستان. من مؤلفاته: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع في الفقه، والسلطان المبين في أصول الدين. راجع في ترجمته: الجواهر المضية 4/ 25، كشف الظنون 1/ 371، معجم المؤلفين 3/ 75. (¬4) بدائع الصنائع 1/ 280.

2 - ومن ذلك ما ذكره محمد بن الحسن – رحمه الله – بشأن حكم صلاة الكسوف، فقد ذكر في الأصل ما يدل على عدم الوجوب. قال: (ولا تصلي نافلة في جماعة إلا قيام رمضان وصلاة الكسوف) قال الكاساني (ت 587هـ): "فاستثنى صلاة الكسوف من الصلوات النافلة، والمستثنى من جنس المستثنى منه، فيدل على كونها نافلة" فنص محمد لم يصرح بكونها نافلة، ولكن ذلك عُرف واستدل عليه عن طريق الاستثناء، كما ذكر الكاساني (¬1) لكن من الممكن المنازعة في عد مثل هذا الكلام من باب المنطوق غير الصريح. 3 - ومما نسب إلى الإمام أحمد – رحمه الله – إيماء أنشرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يثبت نسخه. قال أبو الخطاب (¬2): "وأومأ إليه أحمد في رواية الأثرم وغيره. وقد سئل عن القرعة فقال: "في كتاب الله في موضعين {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ} "الصافات/141" و {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ} "آل عمران /44" (¬3) وهذا شرع يونس، وهذا شرع زكريا) (¬4). فذكر الإمام ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 1/ 280. (¬2) هو: أبو الخطاب: محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني البغدادي، الحنبلي، والكلوذاني نسبة إلى كلواذي بلدة قريبة من بغداد. ولد ونشأ ببغداد وتتلمذ على القاضي أبي يعي، وحدث عن الجوهري. كان إمام الحنابلة في عصره، بارعاً في الفقه والأصول وعلم الخلاف والفرائض، وكان الكيا الهراسي إذا رآه مقبلاً قال: قد جاء الفقه. تولى التدريس والإفتاء وتتلمذ عليه عدد من أئمة الحنابلة، منهم الشيخ عبد القادر الجيلي وغيره. وقد توفى ببغداد سنة 510هـ/1116م. من كتبه: التمهيد في أصول الفقه، الانتصار في المسائل الكبار، رؤوس المسائل، الهداية في الفقه، عقيدة أهل الأثر. راجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 116، شذرات الذهب 4/ 27، المنهج الأحمد 2/ 233، الأعلام 5/ 291، الفتح المبين 2/ 11. (¬3) نص الآية: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه غليك، وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم. وما كنت لديهم إذ يختصمون). انظر: تفسيرها في روح المعاني 3/ 158، و159. (¬4) التمهيد 2/ 411.

أحمد هاتين الآيتين، دون أن يعلق عليهما، يفهم منه أنه يرى حجية شرع من قبلنا، ولو لم يكن ذلك ما كان لذرهما فائدة، فهو لم يصرح بالحجية، ولكنه أومأ إليها. 4 - ومما نسب إليه أيضاً عدم اعتداده بإجماع غير الصحابة. قال أبو الخطاب: (لا يعتد بإجماع غير الصحابة. وقد أومأ إليه أحمد في رواية أبي داود: الإتباع أن يتبع ما جاء عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعن أصحابه وهو بعد في التابعين مخير" (¬1). والذي يفهم من هذا الكلام عدم حجية إجماع التابعين، لأنه لو كان حجة لما أجاز لمن جاء بعدهم الخيار. 5 - ومن ذلك وجه خُرج للإمام أحمد، وهو: إنه لا يجوز تخصيص عام السنة بخاص الكتاب. فقد ذكر القاضي أبو يعلي أن الإمام أحمد – رحمه الله – أومأ إليه في رواية حنبل وغيره، فقال: السنة مفسرة للقرآن ومبينة له. وظاهر هذا أن البيان يقع بها (¬2). وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز أن يخصصها القرآن، لأنه لو كان كذلك، لكان هو المبين للسنة لا العكس (¬3). مرتبة غير الصريح: ونظراً إلى أن ما يدل بظاهره أو إيمائه أو دلالته أو غير ذلك من الطرق غير الصريحة، دون ما يدل بنصه غير المحتمل للتأويل، فإن الرأي يميل إلى ترجيح النص غير المحتمل للتأويل على ما سواه. وإن ما ورد عن الإمام نصاً أو بلفظه الصريح ينبغي أن يكون مقدماً على ما علم من رأيه باللف المحتمل لجملة من المعاني. ومن أجل هذا الاحتمال الدلالي نجد كثيراً من الآراء المنسوبة إلى بعض الأئمة عن طريقها، كانت مجالاً للنقد، ولإبداء وجهات نظر تختلف في نتائجها عما نسبه المخرج للإمام، وإذا كان للإمام رأي ثابت بالنص ¬

_ (¬1) المصدر السابق 3/ 256. (¬2) العدة 2/ 570. (¬3) المصدر السابق هامش 2 لمحقق الكتاب د. أحمد بن علي سير المباركي.

الصريح يخالف ما نسب إليه إيماء فإنهم يرجحون النص الصريح، ويؤولون ما ثبت بالإيماء أو الإشارة أو الدلالة. ومن هذا القبيل: 1 - ذكر علماء الحنابلة رأيين للإمام أحمد – رحمه الله – أحدهما بنص صريح يجيز التعبد بالقياس، وآخرهما بالإيماء يمنع التعبد به. ففي شأن جواز التعبد به ذكر أبو الخطاب مما نص عليه أحمد – رحمه الله – في رواية بكر بن محمد (¬1) عن أبيه، فقال: "لا يستغني أحد عن القياس" (¬2) وفي شأن عدم جواز التعبد به. قال: "وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية الميموني (¬3)، فقال: يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين، المجمل والقياس" (¬4). وقد تأول القاضي رأي أحمد – رحمه الله – المنسوب إليه إيماء، على أن المراد استعمال القياس في معارضة السنة. 2 - ومن ذلك ما ذكرناه سابقاً، مما نسب عن طريق الإيماء إلى الإمام أحمد من عدم اعتداده بإجماع التابعين فإن هذا مما تأوله القاضي أيضاً، وقال عنه بأنه (محمول على آحادهم) (¬5) وحينئذ يكون التخيير الوارد في هذه الرواية – من وجهة نظر القاضي – ليس المقصود به جواز ترك الإجماع، ¬

_ (¬1) هو: أبو أحمد بكر بن محمد البغدادي النسائي الأصل. ومن أصحاب الإمام أحمد المقدمين عنده. وقد سمع عنه مسائل كثيرة، ولم يذكر في الطبقات تاريخ وفاته. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/! 19، والمنهج الأحمد 1/ 381. (¬2) التمهيد 3/ 366. (¬3) هو أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميموني الرقي. كان من أصحاب الإمام أحمد، سمع منه مسائل كثيرة، وكان أحمد – رحمه الله – يعتني به عناية شديدة، ويسأله عن أخباره ومعاشه ويحثه على إصلاح ذلك. توفي سنة 274هـ. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/ 212، وشذرات الذهب 2/ 165. (¬4) التمهيد 3/ 368. (¬5) العدة 4/ 1090، وقد عزز القاضي رأيه هذا بما جاء من قول الإمام أحمد في رواية المروذي (إذا جاءك الشيء من الرجل من التابعين، لا يوجد فيه عن النبي، لا يلزم الأخذ به). وانظر التمهيد أيضاً 3/ 256.

الفرع الثاني: طرق معرفة النصوص

بل جواز ترك بعض الآراء والأخذ ببعضها الآخر، وذلك عند الاختلاف لا عند الاتفاق. الفرع الثاني: طرق معرفة النصوص لمعرفة نصوص الأئمة، أي الأقوال الصادرة عنهم، طريقان (¬1): الطريق الأول: مؤلفاتهم المنسوبة إليهم، والمروية عنهم بطريق صحيح، سواء كانت كتباً، أو رسائل، كالموطأ الذي ألفه الإمام مالك، فإنه، وإن كان كتاب حديث ممحص بالسند والمتن، إلا أنه يشتمل على رأي مالك في كثير من المسائل الفقهية (¬2). وككتاب الأم المنسوب إلى الشافعي على ما هو الراجح في الأمر (¬3). وكالأمالي الكبرى والإملاء الصغير وغيرها. وكالكتب التي ألفها محمد بن الحسن الشيباني المبينة لوجهة نظره، ونظر أساتذته وزملائه، في المسائل الفقهية، وكالمنقول عن الإمام أحمد - رحمه الله -. وهذا الطريق يُعد أفضل ما يمثل رأي الإمام، إن نقل عنه بطريق صحيح، ومثل ذلك لا إشكال في صحة نسبته إليه، سواء كان رأياً مبتدأ، أو مختاراً من آراء من سبقه (¬4). أما إذا كان ما يذكره نقلاً للأقوال السابقة، فهو لا يخلو إما أن ينقله مؤيداً، أو ينقله رافضاً وناقداً له، أو ينقله من دون تعليق عليه، لا بالموافقة ولا بالرفض. فما أيده مما نقله تصح نسبته إليه، وما رده ولم يقبله لا تصح نسبته إليه، وما نقله دون تعليق فهو مما يحتمل. ولهذا فلا تصح نسبته إليه قبل البحث فيما نقل عن الإمام من رأي في المسألة في ¬

_ (¬1) لاحظ في ذلك: مالك حياته وعصره- آراؤه وفقهه للشيخ محمد أبو زهرة ص 168. (¬2) المصدر السابق. (¬3) الشافعي: حياته وعصره - آراؤه وفقهه للشيخ محمد أبو زهرة ص 163. (¬4) يبدو من كلام السرخسي في أصوله (1/ 378) أن هناك طائفة تنازع في جواز نسبة ذلك إلى الأئمة، بأن يقال: قال فلان كذا أو مذهب فلان كذا، من غير أن يقول حدثني أو أخبرني، وقد اتهمهم بالجهل ورد عليهم.

مواضع أخرى، تكشف عن رأيه فيها. على أن هذا يقودنا إلى إجابات الإمام بنصوص من الكتاب والسنة أو الآثار المروية عن الصحابة. أما ذكره نص الكتاب في المسألة فهذا دليل على أنه رأيه، وأنه ينسب إليه، وأنه ذكره على أنه بيان موجب القضية المسؤول عنها (¬1). والدليل على ذلك منهج النبي - صلى الله عليه وسلم- ففي قضية اللعان، قال للرامي: البينة أو جد في ظهرك، فلما أنزل الله آية اللعان (¬2) دعاه - صلى الله عليه وسلم - وأمر بقراءة الآية، مبيناً أن ذلك هو الحكم، وكذلك قصة المجادلة التي شكت زوجها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسألة الظهار، فلما نزل قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} (¬3) دعاهما - صلى الله عليه وسلم- وقرأ عليهما الآية (¬4)، وغير ذلك كثير من الشواهد. وأما الجواب بالسنة فهو كنص الفتوى، ومعنى ذلك أنه تصح نسبة ما تضمنته السنة إلى الإمام (¬5). وقد روي عن الإمام أحمد- رحمه الله- كثير من تلك الإجابات، وطريق تصحيح تلك النسبة أن الصحابة تمسكت بذلك، وتعلقت بالأخبار، وأفتت بموجبها. قال ابن حامد: (وقد بينت أيضاً أن الفقيه إذا سُئل عن حكم فأفتى بالخبر، فإنه إيذان ببيان الحكم، لا أنه لم ¬

_ (¬1) تهذيب الأجوبة ص19، والمسودة ص 530، والإنصاف للمرداوي 12/ 250. (¬2) الآيات 6 و7 و8 و9 من سورة النور. ونصها: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) ولاحظ حديث الملاعنة في نيل الأوطار 6/ 267. (¬3) المجادلة الآيات 1و 2و 3و4. (¬4) تهذيب الأجوبة ص 19و 20 ولاح حديث خولة بنت مالك مع زوجها أوس بن الصامت بشأن الظهار في نيل الأوطار 6/ 262، وفتح الباري 9/ 432 - 435. (¬5) تهذيب الأجوبة ص19 والمسودة ص 530.

يتبين عن الحكم، فإذا ثبت هذا علمت بذلك صحة ما ذكره، ولا أعلم في هذا خلافاً إلا شيء شذ به بعض المتأخرين) (¬1). ووجهة هؤلاء المخالفين الذين ذكرهم ابن حامد، ممن رفضوا عد ذكر الخبر مذهباً، ومنعوا صحة نسبته إليه، تستند إلى أمرين: 1 - أن الإمام المجتهد قد يرد الخبر ولا يقبله. 2 - أنه قد يفسره بما يخالف ظاهره. لكن هذين الأمرين مدفوعان، ولا يصلحان حجة تبرر ما ذهبوا إليه، أما ما ذكر بشأن احتمال رد الخبر فهو غير وارد، لأن من شأن الفتوى إيصال حكم المسألة إلى السائل، فإذا اقتصر المفتي على ذكر الأثر دل ذلك على استقرار الجواب بأنه غير منازع، أما التفسير بخلاف الظاهر فإنه لا يضر، وإن التفسير يترتب على ما يثار من أسئلة، فإن لم تكن وجب إجراء مذهبه بحسب الظاهر، وإن وجدت فتفسيره مذهبه. وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الأضاحي فقال، يأكل، فقال له: يأكلها كلها فقال: لا، يأكل ثلثاً (¬2). أما روايته قول بعض الصحابة، وإجابته عن المسألة به، فإن معظم أصولي الحنابلة يعدونه قولاً للإمام، ويصححون نسبته إليه، وهذا مبني على أن قول الصحابي عنده حجة على أصح الروايتين عنه (¬3). وأما إذا ذكر عن الصحابة في المسألة أكثر من قول، فمذهبه الذي يعد بمثابة النص هو ما رجحه أو اختاره أو حسنه، وما لم يبدر منه شيء من ذلك فإن العلماء اختلفوا فيما بينهم فيه، فمنهم من قال إن مذهبه أقرب تلك الأقوال من الكتاب أو السنة أو الإجماع، ومنهم من قال لا مذهب له فيها عيناً (¬4)، وبوجه ¬

_ (¬1) تهذيب الأجوبة ص 23. (¬2) تهذيب الأجوبة ص 23 و 24. (¬3) المسودة ص 530، قاعدة جامعة في ذيل الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 12/ 250. (¬4) المصدران السابقان.

الطريق الثاني: نقل أصحابهم لآرائهم في المسائل المختلفة

عام فإنه من الصعب أن يقال إن ذلك مما نص عليه الإمام، فما لم يصرح برجحانه إن نسبناه إليه، بناءً على قربه من الكتاب أو السنة أو الإجماع، فإن نسبته إليه مبنية على الاستنباط، لا على أنه صرح بذلك. الطريق الثاني: نقل أصحابهم لآرائهم في المسائل المختلفة (¬1). والطريق الثاني لمعرفة نصوص الإمام هو أصحابه، أو تلاميذه الذين تلقوا عنه العلم، فإنهم أفضل الطرق بعد مؤلفاته، لمعرفة رأيه ونصوصه. فإن ملازمتهم له، وتدوينهم ما يصدر عنه من الفتاوى والأقوال، يجعل ذلك طريقاً صحيحاً للتعرف على رأي الإمام المجتهد. وقد ثبت أن كثيراً من الأئمة كان تلاميذهم يكتبون عنهم، وكان الأئمة يقرون ذلك، وإن ورد عن بعضهم كراهيته الكتابة (¬2). ¬

_ (¬1) مالك لمحمد أبو زهرة ص 168 والشافعي لمحمد أبو زهرة ص 149. (¬2) نشير هنا إلى أن أصحاب مالك كانوا يكتبون عنه ولا ينهاهم عن ذلك. [مالك لمحمد أبو زهرة ص 196 نقلاً عن المدارك ص 187 ..] وأن أصحاب الشافعي نقلوا عنه الكثير من الآراء والفتاوى ومن هؤلاء أبو بكر الحميدي بمكة [ت 219هـ] ومن أصحابه ببغداد أبو علي الزعفراني [ت 260هـ]، وأبو علي الحسين الكرابيسي [ت 256هـ]، وأبو ثور الكلبي [ت 240هـ]، وأبو علي الحسين الكرابيسي [ت 256هـ]، وأبو ثور الكلبي [ت 240هـ]. ومن أصحابه بمصر حرملة بن يحيى بن حرملة [ت 266هـ] والربيع بن سليمان المرادي [ت 270هـ]، وأبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني [ت 264هـ] ومحمد بن عبد الله بن الحكم [ت 258هـ] وغيرهم [الشافعي لأبي زهرة ص 149 - 155]. ومن أصحاب أبي حنيفة أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري [ت 182هـ] ومحمد بن الحسن الشيباني [ت 189هـ]، وزفر بن الهذيل الكوفي [ت 158هـ] والحسن بن زياد اللؤلؤي [ت 204هـ]. وممن كتبوا من أصحاب الإمام أحمد- رحمه الله- أو رووا عنه: أبو يعقوب إسحاق التميمي المعروف بالكوسج [ت 251هـ] ومحمد بن عبد الله البغدادي المعروف بحمدان [ت 272هـ] وأبو بكر أحمد بن محمد المعروف بالأثرم [261هـ]. وولداه عبد الله [ت 290هـ] وصالح [ت 266هـ] وأبو بكر أحمد بن محمد بن عبد العزيز المروزي [ت 275هـ] وأبو الحسن عبد الوهاب بن عبد الكريم الوراق=

وقد يتفق التلاميذ أو الأصحاب على نقل كلام الإمام، وقد يختلفون فيما بينهم، فإن اتفقوا على ما ينقلونه عنه فلا شك في صحة نسبة ذلك إليه، وإن اختلفوا فإن الطريق إلى تحديد مذهب الإمام يكون بالنظر في الروايات وترجيح واحدة منها بالطرق المعتبرة في الترجيح. ولا شك أن مذهب الإمام لن يخرج عما ذكروه، ولكن لا جزم بذلك الواحد، وإنما ينسب إليه بطريق الترجيح. وهذا واضح فيما إذا كانوا ينقلون نص الإمام، أما إذا لم يكن النقل بذكر لفظ الإمام، وإنما بذكر الحكم، أو بذكر اللفظ مع تفسيره أو تقييده أو إطلاقه أو تخصيصه، وفقاً لما فهموه، فإن علماء الحنابلة لم يتفقوا على صحة نسبة ذلك للإمام، ولهم في ذلك وجهان: أولهما: أن ذلك كنصه في صحة النسبة إليه وهذا اختيار الحسن بن حامد وغيره، كما أنه قياس قول الخرقي (¬1)، قال الحسن بن حامد: (إن الناقلين عن أبي عبد الله- رحمه الله- جواباته ونص سؤالاته إذا قاربوا ذلك بتفسير جواب أو نسبوا إليه حداً في وجه، فقالوا: إن ذلك منسوب وبه منوط ¬

_ (¬1) = [ت 251هـ]، وأبو الحسن علي بن عبد الله المديني [ت 234هـ]. وغير هؤلاء كثير ربما بلغوا المئات. [لاحظ الجزء الأول من طبقات الحنابلة للقاضي أبي يعلى]. () صفة الفتوى والمفتي والمستفتي لابن حمدان ص 96. والخرقي هو أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله البغدادي الحنبلي. وتلقيبه بالخرقي نسبة إلى بيع الخرق والثياب. أخذ علمه على طائفة من تلامذة الإمام أحمد ومنهم ابناه عبد الله وصالح. كان من أعيان الفقهاء، ويعد من أعمدة الفقه الحنبلي، ومن أوائل من أرسى قواعده وكتب فيه. هاجر من بغداد لما ظهر فيها من سب السلف، بعد أن أودع كتبه فيها، لكنها احترقت فضاع كثير من تراثه. وتوجه إلى دمشق وأقام فيها إلى أن مات سنة 334هـ. من مؤلفاته: المختصر في فروع الفقه الحنبلي، وطائفة من الكتب التي لا نعرف عنها شيئاً بسبب احتراقها. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 2/ 75، وفيات الأعيان 3/ 115، شذرات الذهب 2/ 336، معجم المؤلفين 7/ 282.

فإليه يعزى] (¬1). وقال: [كل من نقل عنه في مسألة بيان حد في السؤال، كان ذلك بمثابة نصه في كل الأحوال] (¬2). وثانيهما: أن ذلك لا يكون مذهبه ولا تصح نسبته إليه، وقد اختار ذلك أبو بكر أحمد بن محمد الحلال [ت 311هـ] (¬3)، وغلامه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر [ت 363هـ] (¬4)، واستدل لهذا الوجه بأن ما ينقل على الكيفية المذكورة لا يعدو أن يكون ظناً وتخميناً ومن الجائز أن يعتقد الإمام خلافه، وربما أراد غير ما ظهر للراوي، بخلاف حال الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم (¬5). ووجهة نظر ابن حامد قياس حال التلاميذ مع الإمام، على حال الصحابة مع النبي- صلى الله عليه وسلم- فكما أن ما تفسره الصحابة في نقلها عن النبي ¬

_ (¬1) تهذيب الأجوبة ص 42. (¬2) المصدر السابق ص 43. (¬3) هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون المعروف بالخلال. من أهل بغداد. تلقى علومه عن جماعة من أصحاب الإمام أحمد- رحمه الله-. تنقل في البلدان لجمع مسائل الإمام أحمد، فحصل بذلك على فقه كثير. وله فتاوى كثيرة تدل على حدة ذهنه. عرف بالزهد والورع. توفي ببغداد سنة 311. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 2/ 12 والمنهج الأحمد 2/ 8، وشذرات الذهب 2/ 361، والأعلام 1/ 28، وتاريخ التشريع الإسلامي للشيخ محمد علي السايس وجماعته ص 297. (¬4) تهذيب الأجوبة ص 43 وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 96، وغلام الخلال هو أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد البغوي. من أهل بغداد، وكان من مشاهير علماء الحنابلة. أخذ العلم عن طائفة من مشهوري أهل زمانه، وكان من أبرز شيوخه أبو بكر الخلال. وقد سمي عبد العزيز غلام الخلال لكثرة ملازمته لشيخه المذكور. كان موثوقاً به في العلم، كثير الرواية، وله اجتهادات في المذهب وغيره. وقد خالف شيخه الخلال في طائفة من المسائل. توفي سنة 363هـ. من مؤلفاته: الشافعي، والمقنع، والخلاف مع الشافعي، وكتاب القولين، وزاد المسافر والتنبيه وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 2/ 119، والمنهج الأحمد 2/ 68، وشذرات الذهب 3/ 45، والأعلام 4/ 15. (¬5) صفة الفتوى ص 96.

- صلى الله عليه وسلم-، وما تثبته في أخبارها، يعزى إلى النبي نصاً، ويقطع به حتماً، فكذلك حال "العلماء والآخذين عنهم. كيف وأن من الثابت أن الصاحب لا يجوز أن ينسب إلى صاحبه شيئاً من حيث المجازفة والتخيل، ولا ينسب إليه إلا ما قبله وعلمه يقيناً" (¬1). وقد عرض ابن حمدان (¬2) هذين الوجهين من غير ترجيح أو اختيار. والظاهر يؤيد اختيار ابن حامد، فتلاميذ الإمام تقاة عدول، وهم خبراء بما رووه. وأعرف بمذهب إمامهم، وأكثر إدراكاً لمراميه من خلال القرائن التي تحف بظروف المسألة، وطريقة تعبير الإمام عنها. ومن أمثلة هذا الطريق: أ- قول عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل (¬3): سألت أبي عن الخطاف فكان عنده أسهل من الخشاف (¬4). والمسألة وردت في مسائل عبد الله على الوجه الآتي: ¬

_ (¬1) تهذيب الأجوبة ص 43، 44. (¬2) هو القاضي أبو عبد الله بن أحمد بن حمدان بن شبيب الحراني الحنبلي الملقب بنجم الدين. ولد ونشأ بحران، ورحل إلى حلب ودمشق. وأخذ العلم عن طائفة من العلماء منهم عبد القادر الرهاوي والخطيب ابن تيمية وغيرهم. كما تتلمذ عليه كثير من العلماء المعروفين، ارتحل إلى القاهرة وحدث فيها، وولي نيابة قضائها، وبقي فيها حتى توفي سنة 695هـ، بعد أن أسن وكبر وكف بصره. من مؤلفاته: الرعاية الكبرى، والرعاية الصغرى في الفقه، والوافي في أصول الفقه وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 5/ 428، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص 410، والأعلام 1/ 119. (¬3) هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل. حدث عن أبيه وغيره من علماء عصره. وروى عن أبيه مسائل كثيرة، ويقال: إنه لم يكن في الدنيا أحد روى عن أبيه أكثر منه. ولي قضاء خراسان في خلافة المكتفي، وكانت وفاته سنة 290هـ. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/ 180، والمنهج الأحمد 1/ 294، وشذرات الذهب 2/ 203. (¬4) صفة الفتوى لابن حمدان ص 96، وتهذيب الأجوبة ص 43.

[قال: سألت أبي عن الخطاف، قال: لا أدري، وكان عنده أسهل من الخشاف. وقال: سألت أبي عن الخشاف يؤكل؟ قال من يأكل الخشاف؟ كأنه يكرهه] (¬1). ب- قول أبي داود السجستاني [ت 275هـ] (¬2) سمعت أحمد سئل عن أم ومولى، قال: للأم الثلث، وما بقي فللمولى (¬3). ج- قال ابن خزيمة (¬4) عن المزني (¬5): سئل الشافعي عن نعامة ابتلعت ¬

_ (¬1) تهذيب الأجوبة ص 43 هامش (4) لمحقق الكتاب. والخشاف من اللبائن طائر معروف من طيور الليل، والخطاب من الطيور القواطع، دقيق الجناح طويله منتفش الذيل جمعه خطاطيف، وذكر الفارابي أن الخشاف هو الخطاف ويقال للخشاف الخفاش أيضاً، وذكر في المصباح أن الخشاف بتقديم الشين أفصح (انظر المصباح المنير). (¬2) هو أبو داود سليمان بن الأشعث أحد حفاظ الحديث، ومن جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل، عده الشيرازي في طبقات الفقهاء، سمع الكثير من مشايخ الشام ومصر والجزيرة والعراق، توفي في البصرة سنة 275هـ على أشهر الأقوال. من مؤلفاته: كتاب السنن وكتاب المصابيح. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/ 159، ووفيات الأعيان 2/ 167، ومعجم المؤلفين 4/ 255. (¬3) مسائل الإمام أحمد- رواية أبي داود ص 219 تحقيق رشيد رضا. (¬4) هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري الشافعي. من الأئمة في الحديث وفي علوم آخر، أطلق عليه ابن السبكي لقب إمام الأئمة تفقه على المزني وغيره، وتنقل في البلدان طلباً للعلم والسماع للحديث، وصار إمام زمانه بخراسان. قال عنه الدارقطني. كان إماماً معدوم النظير، وقال ابن حبان: لم ير مثل ابن خزيمة في حفظ الإسناد والمتن. توفي سنة 311هـ. من مؤلفاته: المختصر الصحيح، والتوحيد وإثبات الصفات. راجع في ترجمته: طبقات الشافعي الكبرى 2/ 130، وشذرات الذهب 2/ 262، والأعلام 6/ 29، ومعجم المؤلفين 9/ 39. (¬5) هو أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني المصري، صاحب الإمام الشافعي وناصر مذهبه، وأعرف الشافعية بطرقه وفتاويه وما ينقله عنه. قيل إنه لم يكن في أصحاب الشافعي أفقه منه. عرف بالزهد وحدة الفهم توفي في مصر، ودفن فيها على مقربة من قبر الشافعي سنة 264هـ. ... =

جوهرة لرجل، فقال: لست آمره بشيء، ولكن إن كان صاحب الجوهرة كيساً عدا على النعامة، فذبحها واستخرج جوهرته، ثم ضمن لصاحب النعامة ما بين قيمتها حية ومذبوحة (¬1). د- وروى الربيع بن سليمان بن داود الجيزي (¬2) عن الشافعي: أن قراءة القرآن بالألحان مكروهة، وأن الشعر بعد الممات يتبع الذات، قياساً على حال الحياة، يعني أنه يطهر بالدباغ (¬3). هـ- ومن ذلك ما نقله أبو يوسف في كتاب الخراج عن أبي حنيفة- رحمه الله- في إجارة الأرض البيضاء والأرض الزراعية. قال: [وكان أبو حنيفة- رحمه الله- ممن يكره ذلك كله في الأرض البيضاء. وفي النخل والشجر بالثلث والربع وأقل وأكثر] (¬4). كما نقل احتجاجه لوجهة نظره هذه (¬5). و- ومنه ما نقله عنه أيضاً في كتابه المذكور، بشأن أخذ الخراج والعشر مما أخرجته الأرض، قليلاً كان أو أكثر. قال: [وحدثنا بذلك عن حماد (¬6) ¬

_ (¬1) = من مؤلفاته: الجامع الكبير، والجامع الصغير، ومختصر المختصر، والمنثور، والمسائل المعتبرة وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 196، وطبقات الشافعية الكبرى 1/ 238، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 58، وطبقات الشافعية للأسنوي 1/ 34، والأعلام 1/ 329، والفتح المبين 1/ 156. () طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 1/ 241. (¬2) هو أبو محمد الربيع بن سليمان بن داود المصري الجيزي الأزدي بالولاء، صاحب الإمام الشافعي. كانت روايته عن الشافعي قليلة، ولكنه روى كثيراً عن عبد الله بن الحكم. وممن روى عنه أبو داود والنسائي والطحاوي. توفي بالجيزة ودفن فيها سنة 256هـ. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 53، وطبقات الشافعية الكبرى 1/ 259، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 64، وطبقات الشافعية للأسنوي 1/ 30. (¬3) طبقات الشافعية الكبرى 1/ 259. (¬4) الخراج ص 88. (¬5) المصدر السابق ص 89. (¬6) هو أبو إسماعيل حماد بن أبي سليمان الكوفي، مولى إبراهيم بن أبي موسى =

المطلب الثاني مفهوم نص الإمام

عن إبراهيم النخعي (¬1) أنه قال: ما أخرجت الأرض من قليل أو كثير من شيء ففيه العشر، وإن لم يخرج إلا دستجة (¬2) بقل، فكان أبو حنيفة يأخذ بهذا ويقول: لا تترك أرض تعتمل لا يؤخذ منها ما يجب عليها من الخراج، وما يجب عليها من العشر إذا كان في أرض العشر، قليلاً أخرجت أم كثيراً (¬3). المطلب الثاني مفهوم نص الإمام ذكرنا أن مصادر التخريج التي تؤخذ منها مذاهب الأئمة الأربعة آراؤهم ونصوصهم الصريحة، أو ما يجري مجرى نصوصهم، من اقتضاء أو إيماء أو إشارة، أو تنبيه على رأي، أو ما شابه ذلك، مما يدخل في اصطلاحاتهم في نطاق [المنطوق]. ولكن إذا كان مذهب الإمام مما يتوصل إليه لا عن طريق الدلالة اللفظية الوضعية، بل عن طريق المفهوم، أو الدلالة الالتزامية فهل يعد ما يتوصل إليه عن هذا الطريق مذهباً للإمام، فينسب إليه؟. ¬

_ (¬1) = الأشعري، وأستاذ الإمام أبي حنيفة في الفقه والحديث. تلقى الفقه عن إبراهيم النخعي وكان من أذكى تلاميذه. قيل لإبراهيم من لنا بعدك؟ فقال حماد. توفي سنة 119هـ وقيل سنة 120هـ. راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص 83، والفهرست لابن النديم ص 285، وشذرات الذهب 1/ 157. () هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي أحد الأئمة المشاهير، كان تابعياً رأى عائشة رضي الله عنها ودخل عليها صغيراً، ولم يثبت له منها سماع. روى عن مسروق وعلقمة وشريح وغيرهم. عرف بحدة الذهن والبراعة في الفقه. قال الشعبي: ما ترك أحداً أعلم منه. كان شيخاً لحماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة. توفي سنة 96هـ وقيل 95هـ. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 6، وشذرات الذهب 1/ 111 والأعلام 1/ 80 وتاريخ التشريع الإسلامي للشيخ محمد علي السايس وجماعته ص 194. (¬2) الدستجة: الحزمة، معرب جمعه دساتج، ومنه دستة المستعملة في الإثنى عشر. (¬3) الخراج ص 53.

اختلفت آراء العلماء في ذلك، ولبيان وجهات نظرهم ينبغي لنا أن نوضح معنى المفهوم، وما هو المختلف فيه من أقسامه. معنى المفهوم (¬1): المفهوم في اللغة المعروف والمدرك بالعقل، وهو اسم مفعول من الفهم، الذي هو معرفة الشيء وإدراكه بالعقل أو القلب (¬2). وفي اصطلاح علماء أصول الفقه أنه ما فهم من اللفظ في غير محل النطق (¬3)، بأن كان حكماً لغير المذكور وحالاً من حالاته (¬4). وقيل: هو المعنى المستفاد من حيث السكوت اللازم للفظ (¬5) وهو قسمان: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة. 1 - مفهوم الموافقة: وهو ما كان المسكوت عنه موافقاً للمنطوق في حكمه، نفياً وإثباتاً. ويسمى فحوى الخطاب ولحن الخطاب أيضاً (¬6) ويطلق عليه ¬

_ (¬1) المفهوم، عند المناطقة، هو ما من شأنه أن يحصل في العقل، سواء حصل بالفعل أو بالقوة، وسواء كان بالذات كالكلى، أو بالواسطة كالجزئي. وعلى رأي طائفة أخرى، أن المفهوم هو ما حصل عند العقل لا في العقل. وهذا بناء على اختلافهم في أن صور الجزئيات الجسمانية هي هي مرتسمة فيما أسموه النفس الناطقة، بواسطة الحواس، أو أنها مرتسمة في الحواس لا في النفس، فمن فسر المفهوم بالمعنى الأول قال في العقل، ومن فسره بالمعنى الثاني قال عند العقل، والمفهوم والمعنى عندهم متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، لأن كلاً منهما هو الصورة الحاصلة في العقل أو عنده، على الاختلاف المذكور، لكنهما مختلفان، من حيث القصد والحصول، فمن حيث أنها تقصد باللفظ تسمى معنى، ومن حيث أنها تحصل في العقل تسمى مفهوماً. [كشاف اصطلاحات الفنون 3/ 1154] وكل ذلك من زيادات المتفلسفين على المفاهيم والدلالات اللغوية. (¬2) انظر: لسان العرب. (¬3) الإحكام للآمدي 3/ 66، جمع الجوامع بشرح الجلال المحلي وحاشية العطار 2/ 316 و 317. (¬4) شرح مختصر المنتهى للعضد 2/ 171. (¬5) شرح الكوكب المنير 3/ 473. (¬6) الإحكام للآمدي 3/ 69، ومختصر ابن الحاجب بشرح العضد 2/ 172، وذكر الأسنوي أنه يسمى تنبيه الخطاب أيضاً، ولكنه ذكر لحسن الخطاب من أسماء مفهوم =

اسم [دلالة النص] باعتباره مما يفهم من النص ومنطوقه (¬1). ومن أمثاله: تحريم شتم الوالدين وضربهما المستفاد من قوله تعالى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء 23]. وجمهور العلماء يفرقون بين ما إذا كان المسكوت عنه مساوياً للمنطوق. وما كان فيه أولى منه بالحكم. فما كان المفهوم فيه أولى من المنطوق أطلقوا عليه [فحوى الخطاب]، كتحريم الشتم والضرب، فإنهما أشد من التأفيف المنهي عنه، وما كان المفهوم فيه مساوياً للمنطوق سموه [لحن الخطاب]، كتحريم إحراق مال اليتيم، فإنه مساو لتحريم أكله المستفاد من منطوق قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء 10] (¬2). أما إذا كان المسكوت عنه الموافق دون المنطوق، نحو عدم إجابة الوالدين بالنسبة للتأفيف فلم يعتدوا به (¬3). ولهذا فإن الكلام منحصر في الأمرين السابقين. وقد اتفق العلماء، باستثناء الظاهرية على صحة الاحتجاج به (¬4) وهو عندهم بمنزلة النص؛ لأن معرفته متوقفة على مجرد فهم اللغة، لكن العلماء اختلفوا في دلالته على معناه هل هي لفظية أو قياسية؟ (¬5) ولهذا فإنه طريق صحيح لمعرفة مذاهب الأئمة، ونسبتها إليهم، لأن هذا، عند ¬

_ (¬1) = المخالفة لا الموافقة. نهاية السول 1/ 313، 314. () التوضيح مع شرح التلويح 1/ 131، التقرير والتحبير 1/ 109، كشف الأسرار مع أصول البزدوي 2/ 412، فواتح الرحموت 1/ 408. (¬2) شرح جمع الجوامع 2/ 317، 318. (¬3) حاشية العطار على جمع الجوامع 1/ 317. (¬4) الإحكام للآمدي 3/ 71 ولاحظ حجج الظاهرية في الأحكام لابن حزم ص 931، وما بعدها. (¬5) جمع الجوامع مع شرح الجلال المحلي بحاشية العطار 1/ 318، وما بعدها، شرح الكوكب المنير 3/ 483، شرح مختصر المنتهى 2/ 173، فواتح الرحموت 1/ 410، البحر المحيط 4/ 11.

الكثيرين منهم، مما يجري مجرى النص (¬1). 2 - مفهوم المخالفة: وهو ما دل عليه اللفظ غير محل النطق، وكان حكمه مخالفاً للمنطوق (¬2). وعلى ما عبر عنه الآمدي (¬3) فإنه [ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت، مخالفاً لمدلوله في محل النطق] (¬4) أو هو [الاستدلال بتخصيص الشيء بالذكر على نفي الحكم عما عداه] (¬5)، ويسمى مفهوم المخالفة لمخالفة حكم المسكوت حكم المذكور، ويسمى أيضاً دليل الخطاب (¬6). ويطلق عليه الحنفية اسم المخصوص بالذكر (¬7). ويعود ذلك إلى أن المنطوق يتضمن قيداً معتبراً في الحكم، فينتفي الحكم في المسكوت عنه لانتفاء ذلك القيد (¬8). ¬

_ (¬1) وقد يكون المفهوم قطعياً أو ظنياً تبعاً لقوة المعنى وشدة مناسبته للفرع. لاحظ: شرح العضد على مختصر المنتهى 2/ 173. (¬2) شرح العضد على مختصر المنتهى لابن الحاجب 2/ 173. (¬3) هو سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد التغلبي الآمدي الحنبلي ثم الشافعي، جمع بين الحكمة والمنطق والكلام، والأصول والفقه، وبرع في الخلاف، وكان من الأذكياء، قيل عنه إن لم يكن في زمانه أحفظ للعلوم منه، ولد بآمد وأقام ببغداد، ثم مصر، وكانت وفاته بدمشق سنة 631هـ، ودفن بسفح جبل قاسيون. من مؤلفاته: غاية المرام في علم الكلام، ودقائق الحقائق في الحكمة، والإحكام في أصول الأحكام في أصول الفقه وغاية الأمل في علم الجدل وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 455، مفتاح السعادة 2/ 55، شذرات الذهب 5/ 144، معجم المؤلفين 7/ 155. (¬4) الأحكام 3/ 69. (¬5) المستصفى 2/ 191. (¬6) الإحكام للآمدي 3/ 69، المستصفى 2/ 191، شرح مختصر المنتهى للعضد 2/ 173. شرح الكوكب المنير 3/ 489، البحر المحيط 4/ 13، وفي الكوكب المنير أنه سمى دليل الخطاب، لأن دلالته من جنس دلالات الخطاب، أو لأن الخطاب دال عليه، أو لمخالفته منطوق الخطاب. (¬7) الفصول في الأصول للجصاص 1/ 291، كشف الأسرار للبخاري 2/ 465. (¬8) تفسير النصوص للدكتور محمد أديب صالح 1/ 609.

والاحتجاج بالمفهوم المخالف مما اختلف فيه العلماء، فمنهم من احتج به، ومنهم من رفض الاحتجاج به، كالحنفية، ومنهم من فصل في الكلام، فاحتج ببعض المفاهيم دون بعض. كما أن جمهور الحنفية فرقوا بين مفاهيم نصوص الشارع ومفاهيم النصوص الأخرى، فرفضوا الاحتجاج بها في نصوص الشارع، وقبلوها في مصطلح الناس وعرفهم، وفي الروايات وغير ذلك مما لا يعود إلى نص الشارع (¬1)، ولجميع هؤلاء أدلة خاصة بهم، وشروط معينة لمن قال منهم بصحة الاحتجاج به، تعرف جميعها في مواضعها من كتب الأصول، وقد جعلوا مفهوم المخالفة أقساماً متعددة، تبعاً للقيد المذكور في المنطوق، ومن هذه الأقسام: مفهوم الصفة نحو، [في الغنم السائمة زكاة] (¬2)، ومفهوم الشرط، نحو قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق 6]، ومفهوم الغاية، نحو قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة 222] ومفهوم العدد نحو قوله تعالى: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور 2]، ومفهوم اللقب، نحو: في الغنم زكاة، وكتخصيص الأشياء الستة في الذكر بتحريم الربا، ومفهوم الحصر ومفهوم الحال والجار والمجرور والظرف وغيرها مما يمكن أن يدخل بعضه في مفهوم الصفة (¬3). ¬

_ (¬1) التقرير والتحبير 1/ 117، ورد المحتار مع الدر المختار 1/ 110، 111. (¬2) رواه البخاري عن أنس بلفظ [وفي صدقة الغنم في سائمتها أربعين إلى عشرين ومائة شاة] والصيغة المذكورة مما أوردتها كتب الفقه والأصول، وقد قال ابن الصلاح: أحسب أن قول الفقهاء والأصوليين: في سائمة الغنم زكاة، اختصار منهم. تلخيص الحبير 2/ 157. (¬3) انظر في أنواع هذه المفاهيم وأمثلتها، وآراء العلماء وأدلتهم بشأنها: الأحكام للآمدي 3/ 7 .. ، الفصول للجصاص 1/ 291 .. ، المستصفى للغزالي 2/ 191 ... ، كشف الأسرار للبخاري 2/ 465 .. ، شرح مختصر المنتهى للعضد 2/ 173 ... ، نهاية السول للأسنوي 1/ 314 .. ، الإبهاج 3/ 368، المحصول للرازي 1/ 253 ... ، شرح جمع الجوامع للمحلي بحاشية العطار 1/ 322 .. ، شرح مختصر الروضة للطوفي 2/ 756 ... ، البحر المحيط للزركشي 4/ 24 ... ، شرح الكوكب المنير 3/ 497 ... وغيرها.

التخريج على مفهوم نصوص الإمام: وقد تبع الاختلاف في حجية مفهوم المخالفة الاختلاف في جواز أخذ مذهب الإمام منه. فمقتضى مذهب جمهور متأخري الحنفية جواز ذلك، وإن كانوا لا يرون حجية المفهوم المخالف في نصوص الشارع. فقد نقل الحصكفي [ت 1088هـ] (¬1) عن جملة من مصادر الحنفية ما يفيد ذلك. فعن النهر: [إن مفاهيم الكتب حجة، بخلاف أكثر مفاهيم النصوص، وإن المفهوم معتبر في الروايات- أي عن الأئمة- إتفاقاً]. وذكر أن مما يعتبر مفهوم كلامه اتفاقاً. أقوال الصحابة ولكنه ذكر أنه [ينبغي تقييده بما يدرك بالرأي لا ما لا يدرك به]. ووجه ابن عابدين (¬2) ذلك في شرحه، بأن ما لا يدرك بالرأي في حكم ¬

_ (¬1) هو محمد بن علي بن محمد الحصني الأصل الدمشقي الحنفي، الملقب بعلاء الدين والمعروف بالحصكفي نسبة إلى حصن كيفا في ديار بكر. تتلمذ على والده وعلى الإمام محمد المحاسني خطيب دمشق، في مراحله الأولى، ثم تنقل في البلدان وأخذ العلم عن كثيرين. كان من علماء الحنفية البارزين في زمانه. عكف على التدريس وتتبع العلم، وصار مفتي الحنفية في دمشق التي توفي فيها سنة 1088هـ. من مؤلفاته: الدر المختار شرح تنوير الأبصار، إفاضة الأنوار في شرح المنار في أصول الفقه، وتعليقات على الجامع الصحيح للبخاري، وعلى أنوار التنزيل للبيضاوي، وغيرها. راجع في ترجمته: الأعلام 6/ 294، والفتح المبين 3/ 103، ومعجم المؤلفين 11/ 56، ومعجم المطبوعات العربية والمعربة ص 778. (¬2) هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز المعروف بابن عابدين الدمشقي الحنفي. من فقهاء وأصوليي الحنفية المتأخرين. ولد في دمشق ونشأ في حجر والده. وجلس في محله للتجارة، ثم انصرف للعلم، فأخذ منه بحظ وافر من معقوله ومن منقوله. وصار مفتي الديار الشامية، وإمام الحنفية في زمانه. توفي في دمشق سنة 1252هـ. من مؤلفاته: رد المحتار شرح تنوير الأبصار المعروف بحاشية ابن عابدين، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ونسمات الأسحار على شرح المنار المسمى =

المرفوع، والمرفوع نص، والحنفية لا يحتجون بالمفهوم في نصوص الشارع (¬1) ونص على ذلك طائفة من كتب الحنفية (¬2)، ومما مثلوا به لذلك: إن المتأخرين قالوا لو قال: مالك علي أكثر من مائة كان إقراراً بالمائة، فهذا دليل على اعتبارهم المفهوم، في غير النصوص الشرعية (¬3). ومما يوضح ذلك في مفاهيم الكتب أن القدوري [ت 428هـ] (¬4) نص في الكتاب على أن [السهو يلزم إذا زاد في صلاته فعلاً من جنسها ليس منها ... أو جهر الإمام فيما يخافت، أو خافت فيما يجهر] فأخذ بعض علماء الحنفية من تقييده الجهر والإخفات بالإمام، أن المنفرد لا سهو عليه ¬

_ (¬1) = بإفاضة الأنوار في أصول الفقه، وغير ذلك من الكتب والرسائل والفتاوى. راجع في ترجمته: الأعلام 6/ 42، والفتح المبين 3/ 147، ومعجم المؤلفين 9/ 77 ومعجم المطبوعات العربية والمعربة ص 150، 151. () الدر المختار شرح تنوير الأبصار لعلاء الدين محمد بن علي الحصكفي (ت 1088هـ) بحاشية رد المحتار لابن عابدين 1/ 110، 111 (ط2 1386هـ/ 1966م). (¬2) التقرير والتحبير 1/ 117، ورد المحتار لابن عابدين 1/ 110، 111، والكشف عن أحكام الوقف للشيخ عبد الرحيم فرغل البليني ص49 نقلاً عن أنفع الوسائل، وانظر رسالة (شرح المنظومة المسماة عقود رسم المفتي) ففيها نقول وتفاصيل كثيرة وأمثلة متنوعة بهذا الشأن. (¬3) المصادر السابقة. (¬4) هو أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعفر بن حمدان المعروف بالقدوري. كان شيخ الحنفية في العراق، ورئيسهم في زمانه. سمع الحديث وروى عن طائفة من العلماء منهم الخطيب البغدادي صاحب التاريخ. كان حسن العبارة، قوياً في المناظرة. توفي في بغداد ودفن فيها سنة 428هـ. من مؤلفاته: المختصر المشهور، وشرح مختصر الكرخي، والتجريد والتقريب، ومسائل الخلاف بين أصحابنا وغير ذلك. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 6، والجواهر المضية 1/ 248، وتاج التراجم ص7، ومعجم المؤلفين 2/ 66.

في حالتي الجهر فيما يخافت فيه، أو الإخفاء فيما يجهر فيه (¬1). وذكر المقري (ت 758هـ) (¬2)، وهو من علماء المالكية، عدم جواز تخريج آراء للأئمة ثم نسبتها إليهم، بناء على مفهوم المخالفة، قال: [لا تجوز نسبة بالتخريج والإلزام بطريق المفهوم، أو غيره إلى غير المعصوم، عند المحققين، لإمكان الغفلة أو الفارق، أو الرجوع عن الأصل عند الإلزام أو التقييد بما ينفيه، أو إبداء معارض في السكوت أقوى، أو عدم اعتقاده العكس، إلى غير ذلك. فلا يعتمد في التقليدين ولا يعد في الخلاف] (¬3). وفي كلام أبي إسحاق الشيرازي الشافعي [ت 476هـ] ما يدل على منع مثل هذا التخريج، ورفضه أن ينسب ذلك إلى الأئمة. قال: (قول الإنسان ما نص عليه، أو دل عليه بما يجري مجرى النص، وما لم يدل عليه فلا يحل أن يضاف إليه، ولهذا قال الشافعي- رحمه الله-: لا ينسب إلى ساكت قول) (¬4). وكلام الشيرازي هذا، وإن كان بشأن ما قيس على كلام الإمام، إلا أن عباراته عامة وشاملة، بل إن دلالة المفهوم مما كثر فيها الجدل والخلاف أكثر مما وقع في القياس. ¬

_ (¬1) الكتاب بشرح اللباب 1/ 97. (¬2) هو محمد بن محمد بن أحمد القرشي المقري التلمساني. ولد بتلمسان لأسرة ميسورة الحال، فتفرغ للعلم في زمن مبكر، وارتحل إلى المشرق قاصداً الحج فالتقى في طريقه بعدد من علماء مصر والشام والقدس والحجاز. أخذ علمه عن عدد من علماء عصره، وتتلمذ عليه عدد غير قليل من العلماء، منهم من يعدون أشهر علماء عصرهم، كلسان الدين بن الخطيب [ت 776هـ]، وابن خلدون المؤرخ والرحالة المشهور [ت 808هـ]، والشاطبي صاحب الموافقات [ت 790هـ] وغيرهم. تولى القضاء فترة، ولازم في آخر حياته السلطان "أبو عنان" المريني. وفي أثناء عودته مع السلطان المذكور من قسنطينة عاجلته المنية في مدينة فاس سنة 758هـ. من مؤلفاته: عمل من حب لمن طب، والطرف والتحف، والقواعد، وغير ذلك. راجع في ترجمته: مقدمة المحقق لكتاب القواعد لملقري. (¬3) قواعد المقري 1/ 348 و 349. (¬4) التبصرة ص 517، شرح اللمع 2/ 1084.

ونجد عند علماء الحنابلة وجهتي نظر مختلفتين في هذا الشأن، فقد اختار الخرقي وابن حامد وإبراهيم الحربي (¬1) صحة نسبة ذلك إلى الإمام (¬2). وحجتهم في ذلك أن ما يذكر من قيد لابد أن تكون له فائدة، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان ذكره لغواً، قال ابن حامد: [ومع هذا فقد ثبت وتقرر أن إمامنا وغيره من العلماء لا يأتون لكلمة من حيث الشرط إلا ولذلك فائدة، فلو كانت القضية بالشرط وعدم الشرط سواء، كان ما جاء به الفقيه من الشرط أيضاً لغواً، وهذا بعيد أن ينسب إلى أحد من العلماء] (¬3). وهذا الوجه قال عنه في شرح التحرير: [وهو الصحيح من المذهب] (¬4). والوجه الثاني أن مفهوم كلام الإمام لا يعد مذهباً له، ولا تصح نسبته إليه. وقد اختار ذلك أبو بكر عبد العزيز بن جعفر المعروف بغلام الخلال (ت 363هـ) وحجة هؤلاء إن القيد لا يتعين للنفي فيما عداه، فقد يكون خاصاً بواقعة معينة، أو يكون القيد لحالة خرج الكلام فيها مخرج الغالب (¬5)، أو لإمكان الغفلة، أو لوجود الفارق، أو الرجوع عن الأصل، أو غير ذلك من الأمور (¬6). ومعنى ذلك أنه لا جزم بأن الإمام أراد بالقيد المذكور في ¬

_ (¬1) هو أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحربي. تتلمذ على طائفة من العلماء منهم أحمد بن حنبل. كان معروفاً بالزهد والبراعة في العلم. قال عند الدارقطني: كان إماماً، وكان يقاس بأحمد بن حنبل في علمه وزهده. روى عن أحمد مسائل كثيرة. توفي ببغداد سنة 285هـ، ودفن في بيته. من مؤلفاته: غريب الحديث، دلائل النبوة، كتاب الحمام، وسجود القرآن وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/ 86 - 93، شذرات الذهب 2/ 190، والأعلام 1/ 32. (¬2) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي 102، تهذيب الأجوبة ص 189 وما بعدها. الإنصاف 12/ 254، شرح الكوكب المنير 4/ 497، 498، المسودة ص 532. (¬3) تهذيب الأجوبة ص192، صفة الفتوى والمفتي ص 103. (¬4) التحبير في شرح التحرير للمرداوي ورقة 229 ب. (¬5) صفة الفتوى والمفتي ص103. (¬6) قواعد المقري (قاعدة 120) 1/ 348و 349.

كلامه نفي الحكم عن المسكوت عنه، وينبني على ذلك أن لا تصح نسبة أي رأي له عن طريق المفهوم. ومن الغريب أن هذه الوجهة تتناقض مع وجهة بعض متأخري الحنفية الذين منعوا استنباط الأحكام عن طريق المفهوم المخالف في نصوص الشارع، وأجازوها في كلام الصحابة والعلماء والمصنفات وغيرها، مع إمكان الغفلة، ووجود الاحتمالات المذكورة، في كلام غير المعصوم. والذي يظهر- والله أعلم- أن استنباط مذاهب الأئمة، عن طريق مفهوم كلامهم المخالف، فيه نوع من المجازفة، وإن كان يحتمل الصواب. ولكن إن قامت علامات وقرائن على أن القيد لم تكن له فائدة إلا نفي الحكم عما عداه، صح التخريج وصحت النسبة. ومن أمثلة التخريج عن طريق المفهوم ما أخذ من نص الإمام أحمد- رحمه- الله- في رواية إسحاق بن منصور (¬1)، حيث نص على أن [كل من لم يكن له شيء يفعله في طريق المسلمين، ففعله، فأصاب شيئاً فهو ضامن. فإن المفهوم منه انتفاء الضمان بما ينشأ عن الفعل المباح] (¬2). وعلى الرغم من قبول كثير من العلماء مبدأ التخريج من مفاهيم نصوص الأئمة، لكننا قلما نجد لهم تصريحاً بأن ما خرجوه كان بناء على المفهوم، فالأمثلة التي هي من هذا القبيل قليلة جداً، غير أنهم في شروحهم، وعرضهم لنصوص الأئمة يذكرون أحكاماً ¬

_ (¬1) هو أبو يعقوب إسحاق بن منصور بن بهرام المعروف بالكوسج المروزي. ولد بمرو ودخل العراق والحجاز والشام وسمع من كثيرين، منهم سفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع الجراح وغيرهم. تفقه على أحمد وإسحاق، وكان عالماً وفقيهاً كما كان ثقة مأموناً. روى عن أحمد- رحمه الله- طائفة من المسائل توفي سنة 251هـ بنيسابور. من مؤلفاته: المسائل في الفقه، دونها عن أحمد. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/ 113 - 115، وشذرات الذهب 2/ 123، الأعلام 1/ 297. (¬2) القواعد والفوائد الأصولية ص78.

نابعة من مفاهيم تلك النصوص، إذ الكثير من نصوص الأئمة لا يخلو من قيود أو شروط لما يصدرونه من فتاوى، فيما يعرض عليهم من الحوادث الجزئية، فشرح تلك النصوص، وبيان محترزاتها، يتضمن إعطاء أحكام مختلفة لما لم يتحقق فيه القيد، وهذا كثير وشائع في كتب الفقه، فإذا نسبنا ذلك إلى الأئمة قلنا إن ما يثبت لهم بطريق المفهوم كثير جداً، وربما فاق عدد ما يسند إليهم عن طريق النص. ومثل ذلك ما يستفاد من مفاهيم الكتب المشروحة (¬1). ووفق وجهة نظر من اعتدوا بالمفهوم المخالف، ونسبوا ما يقتضيه إلى الإمام، وعدوه مذهباً له، فإنه لو نص الإمام على ما يخالف المفهوم ففي المسألة عندهم وجهان: أحدهما: بطلان المفهوم، نظراً لقوة النص وخصوصه، ولضعف دلالة المفهوم، فيكون في المسألة رواية واحدة. الثاني: عدم بطلان المفهوم، لأنه كالنص في إفادته للحكم. وعلى هذا الوجه يكون للإمام في المسألة قولان، إن كانا عامين، أحدهما يثبت بالمنطوق والآخر بالمفهوم (¬2). وقد ذكر ابن حمدان مثالاً لذلك، فقال: [كقوله- أي أحمد- رحمه الله- في الأب والأخ لما سئل عن عتق الأب بالشراء، فقال يعتق، وعن عتق ¬

_ (¬1) ومن ذلك على سبيل المثال: أ- ما ورد في الإنصاف 2/ 291 [مفهوم قوله [وإن رفع ولم يسجد صحت] أنه لو رفع وسجد إمامه قبل دخوله في الصف، أو قبل وقوف آخر معه: أن صلاته لا تصح، وهو الصحيح وهو المذهب. وعليه الجمهور. ب- ما ورد في الإنصاف 2/ 314 [تنبيه: اشتمل قول المصنف في قصر الصلاة [ومن سافر سفراً مباحاً] على منطوق ومفهوم]. ج- ما ورد في الإنصاف 2/ 554 حيث قال عن عبارة المصنف بشأن عدم نبش قبر الميت (أو بلع مال غيره غرم ذلك من تركته) (تنبيه: مفهوم قوله [أو بلع مال غيره] أنه لو بلع مال نفسه أنه لا ينبش، وهو الصحيح، وهو المذهب ..). (¬2) صفة الفتوى والمفتي ص 103، الإنصاف 12/ 254.

الأخ به، فقال: يعتق. فمفهوم الأولى أن الأخ لا يعتق، ولفظ الثانية يعتق، فإن قلنا إن المفهوم يبطل بالمنطوق، كانت المسألة رواية واحدة، وإلا صار في الأخ روايتان، إحداهما بنصه، والأخرى بنقل وتخريج] (¬1). وهذه المسألة تحتاج إلى تأمل، لأن دلالة المفهوم دلالة ضعيفة فلا تعارض دلالة المنطوق. ومن شرط العمل بالمفهوم أن لا يوجد تصريح بخلافه، وقد وجد. ¬

_ (¬1) صفة الفتوى والمفتي ص 103.

المطلب الثالث في أفعال الأئمة

المطلب الثالث في أفعال الأئمة الفعل في اللغة إحداث شيء من عمل وغيره (¬1)، وفي لسان العرب أنه كناية عن كل عمل متعد أو غير متعد. وفي اصطلاحات أهل الفلسفة والمنطق أنه [تأثير الشيء في غيره ما دام مؤثراً] (¬2) والذي يفهم من كلام الأصوليين أن المراد من الفعل عندهم، هو إحداث الشيء، من عمل وغيره، فلا تدخل فيه كل الأفعال، بحسب اصطلاحات علماء النحو والصرف، فمثل مات وعاش وكان وأحس وأصبح وأسود وأبيض ليست أفعالاً في اصطلاح علماء الأصول؛ لأن من نسبت إليه لم يفعلها (¬3)، وإن كانت أفعالاً بحسب الاصطلاحات الصرفية. وقد تكلم العلماء في التفريق بين الأفعال والأعمال، واختلفوا فيما ¬

_ (¬1) معجم مقاييس اللغة. (¬2) مقولات البليدي ص 225 مع حاشية حسن العطاء وقد ذكروا أن التسخين مع المسخن فعل لكونه تأثيراً، ومع المتسخن كيف، لكونه ليس كذلك. وفي تعريفات الجرجاني: أنه كون الشيء مؤثراً في غيره، كالقاطع ما دام قاطعاً، أو أنه الهيئة العارضة للمؤثر في غيره بسبب التأثير كالهيئة الحاصلة للقاطع بسبب كونه قاطعاً. ص 127 وقد بين الشيخ حسن العطار معنى العبارة المذكورة في المقولات السابقة، بقوله: [ومعنى العبارة أنه في حالة وجود المسخن بكسر الخاء أي فاعل التسخين كالنار مثلاً توجد السخونة، فهذه السخونة مع ملاحظة فاعلها وكون تأثيرها منه مقولة الفعل، فإذا انقطع النظر عنه كانت من مقولة الكيف. وفي الحقيقة إن الذي من مقولة الفعل، هو التسخين أعني إيجاد السخونة، وأما نفس السخونة فهي أثره، فبينهما اختلاف وليس الفرق اعتبارياً كما أفاد] ص 225. (¬3) أفعال الرسول لمحمد سليمان الأشقر 1/ 42.

بينهم في ذلك، ولكن الذي يؤخذ من كلامهم، وإن اختلفوا أن الأفعال أعم من الأعمال (¬1). ¬

_ (¬1) ومن الآراء التي ذكرت في التفريق بينهما، ما يأتي: أ- رأي الراغب الأصفهاني في مفرداته، وهو أن العمل ما كان من الحيوان بقصد، ولا ينسب إلى الجمادات، بخلاف الفعل فإنه ينسب إلى الحيوانات، إن وقع منها، سواء كان بقصد أو غير قصد، كما ينسب إلى الجمادات [منتهى الآمال ص 68] وعلى هذا فإن الفعل أعم من العمل، فكل عمل فعل ولا عكس. ب- إن العمل ما كان مع امتداد زمان، نحو {يعملون له ما يشاء من محاريب} [سبأ 13] و {مما عملت أيدينا} [يس 71] وهذا بخلاف الفعل فإنه يكون من غير بطء، وفي طرفة عين. نحو: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل}؟ [الفيل 1] {كيف فعل ربك بعاد} [الفجر 6] فهذه إهلاكات وقعت بغير بطء (منتهى الآمال ص 68 و 69). ج- رأي القرافي في الأمنية؛ وهو أن العمل فعل له شرف وظهور، والفعل مطلق الأثر، ولذلك قال تعالى {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟} ولم يقل عمل، لأنه أثر فيه عقاب واقتصاص، لا شرف وتعظيم [الأمنية ص 132]. د- رأي ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام. وخلاصته أن العمل قد يطلق على ما يتعلق بأفعال القلوب، لكن الأسبق إلى الفهم، والمتبادر من لفظ العمل تخصيصه بأفعال الجوارح. ولهذا فإنه استبعد إخراج الأقوال من الأعمال، لأنها من فعل اللسان وهو من الجوارح. ورد على من اعترض على ذلك بأن من حلف لا يعمل عملاً، فقال قولاً لا يحنث، بأن هذه يمين واليمين مرجعها إلى العرف، وفي العرف لا يسمى القول عملاً. بخلاف الإطلاق اللغوي. وقد أخرج التروك من شمول لفظ العمل لها، لأنه وإن كانت فعل كف، لكن لا يطلق عليها لفظ العمل. فتح الباري 1/ 13، منتهى الآمال ص 71، أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام كتاب الطهارة حديث 1، 1/ 9. هـ- رأي الحافظ ابن حجر: وهو أن القول لا يدخل في العمل حقيقة ويدخل فيه مجازاً. وجعل الفعل كالعمل في هذا الشأن، وذكر مثالاً لدخول الأقوال في الأفعال على وجه التجوز. قوله تعالى: {ولو شاء ربك ما فعلوه} بعد قوله {زخرف القول} [الأنعام 112]. فتح الباري 1/ 13.

ونظراً إلى أن الفعل عندهم هو إحداث الشيء، فإنهم اختلفوا في جملة مسائل تتعلق بفهم هذا الأمر، منها: 1 - ترك الفعل، أو الكف عنه، هل يدخل في الأفعال أو لا؟ والمراد من الترك هنا، هو الإعراض عن الفعل المقدور قصداً (¬1). والراجح عند جمهور الأصوليين أنه من الأفعال، بناءً على أن الكف أي الانتهاء عن المنهي عنه، فعل (¬2). خلافاً لطائفة من العلماء، منهم أبو هاشم الجبائي (¬3)، حيث عدوا المكلف به في النهي الانتفاء، وهو ليس بفعل، كما قالوا (¬4). والاختلاف في هذه المسألة مما يترتب عليه أثر واختلاف في الفروع الفقهية (¬5). 2 - إن الترك قد يكون مع وجود المقتضي له، وقد يكون بخلاف ذلك، بأن لم يعرض مثل ذلك الأمر في زمان المجتهد، أو لعدم وجود ما يقتضيه، والأمر الأول هو الذي يصح أن يكون موضوع البيان. 3 - نظراً إلى أن الأفعال تشمل الأقوال أيضاً، على ما هو الراجح، فإن الترك ¬

_ (¬1) أفعال الرسول للأشقر (محمد سليمان) 2/ 49. (¬2) جمع الجوامع بشرح الجلال المحلي وحاشية العطار 1/ 280. (¬3) هو أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي، كان هو وأبوه من شيوخ المعتزلة. عرف بذكائه وخبرته بعلم الكلام وأساليب الجدل. وكانت له آراء خاصة به في الكلام وفي أصول الفقه، توفي في بغداد ودفن بها سنة 321. من مؤلفاته: الجامع الكبير، النقد على أرسطاطاليس في الكون والفساد، الاجتهاد، والطبائع والنقد على القائلين بها، والعدة في أصول الفقه. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 355، وشذرات الذهب 2/ 289. الأعلام 4/ 7 والفتح المبين 1/ 172 ومعجم المؤلفين 5/ 230. (¬4) المصدر السابق (جمع الجوامع) 1/ 281، ولاحظ الإبهاج في شرح المنهاج 2/ 70 و71 وتوضيحه للمسألة، وما نقله عن التبريزي من موافقة الغزالي لأبي هاشم. (¬5) لاحظ بعض ما يترتب على الخلاف في ذلك من خلاف في الفروع الفقهية في الإبهاج شرح المنهاج 2/ 72.

تبعاً لذلك ينقسم إلى نوعين هما: أ- ترك الفعل والإعراض عنه. ب- ترك القول وهذا يتناول أمرين هما: 1 - السكوت عن الجواب وغيره من القول، عدا الإنكار. 2 - والسكوت عن الإنكار خاصة، وهو التقرير (¬1). وسنجعل للسكوت ودلالته على آراء الأئمة مبحثاً خاصاً، إن شاء الله. وبعد هذه المقدمة، نبين فيما يأتي حكم ما يفعله المجتهد أو يتركه، دون أن يرد عنه ما يفيد جوازه أو عدمه. فهل يعد مثل ذلك الفعل أو الترك مذهباً له؟ بمعنى أن مذهبه جواز فعل مثل ذلك الفعل الذي فعله؟ وهل تصح نسبته إليه؟ لقد اختلف العلماء في ذلك على قولين: 1 - القول الأول: إن فعله يعد مذهباً له، ويترتب على ذلك صحة نسبته إليه. وهو أحد الوجهين عند الحنابلة وهو اختيار ابن حامد. قال: [وكل ما نقل عن أبي عبد الله أنه فعله في نفسه، وارتضاه لتأدية عنايته، وكل ذلك ينسب إليه، بمثابة جوابه وفتواه] (¬2) وقال بعد أن مثل لذلك: (وهذا قول عامة أصحابنا وقال المرداوي (ت 885هـ): (أن ذلك هو الصحيح من المذهب؟) (¬3) وقد اختار الشاطبي (¬4) هذا القول، وانتصر له ورد ما أثير حوله من اعتراض، وعد ¬

_ (¬1) أفعال الرسول 2/ 50. (¬2) تهذيب الأجوبة ص 45. (¬3) شرح التحرير ورقة 229ب، وشرح الكوكب المنير 4/ 497. (¬4) هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي المالكي الشهير بالشاطبي. عالم مجتهد محقق في الفقه والأصول والحديث والتفسير واللغة. توفي سنة 790هـ. من تصانيفه: الموافقات، شرح الخلاصة في النحو، الاعتصام. راجع في ترجمته: هدية العارفين 1/ 18، معجم المطبوعات 1/ 1090، الأعلام =

المفتي شارعاً من وجه، وأنه نائب عن صاحب الشرع في التبليغ، وفي أن يتخذ أسوة (¬1). وكما أن هذا القول يمثل أحد الوجهين عند الحنابلة، فإنه كذلك عند الشافعية. فحينما رأى أصحابه نصه، أنه لا يجوز بيع الباقلاء الأخضر، ثم اشتراه في مرضه، اختلفوا في تخريج مذهب له من ذلك على وجهين، وذكروا مثل ذلك رفي إقامة جمعتين في مكان واحد لما دخل بغداد (¬2). ومما يمثل ذلك من أفعال الإمام أحمد- رحمه الله- ما رواه المروذي عنه (¬3) في طهارته، أنه غسل لحيته حتى وصل الماء إلى أصول شعره (¬4) وقد استند الإمام مالك- رحمه الله- في الموطأ إلى مثل ذلك، بشأن صيام يوم الجمعة، فهو وإن كان دليلاً مضافاً إلى غيره، لكنه يتعلق بعد الفعل مذهباً لفاعله؛ وبصحة نسبته إليه. قال: وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه كان يتحراه (¬5). وعلى هذا القول ينظر إلى فعل الأئمة وتركهم، كما ينظر إلى فعل الرسول- صلى الله عليه وسلم- وينقسم كما تنقسم أفعاله- صلى الله عليه وسلم-، فإن فعله على وجه العبادة أو التدين دل على استحبابه عنده، وإن فعله على غير وجه التعبد ففي دلالته الوجهان. وأن ما يروي عن الأئمة من أنواع التعبدات والتزهدات ¬

_ (¬1) = 1/ 75، معجم المؤلفين 1/ 118. () الموافقات 4/ 246 وما بعدها. (¬2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 19/ 153 ولاحظ تفاصيل المسألة في المجموع 4/ 584 - 590 ووجه الاستدلال أن الشافعي حينما قدم بغداد وجدهم يصلون الجمعة في أكثر من مسجد، ولم ينكر ذلك، ولعل دلالة الفعل مأخوذة من كونه يصلي الجمعة في واحد من تلك المساجد، ولم ينكر على من صلى في غيره. (¬3) هو أبو بكر أحمد بن الحجاج المروذي. من أصحاب الإمام أحمد، وقد كان الإمام ينبسط إليه ويقدمه، لورعه وفقهه. روى عن أحمد مسائل كثيرة. وكانت وفاته ببغداد سنة 275هـ. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/ 56 وشذرات الذهب 2/ 166. (¬4) تهذيب الأجوبة ص 45. (¬5) شرح صحيح مسلم للنووي 8/ 19.

والتورعات لا يصح أن يقال أنه مذهبه، أو أن ينسب إليه، دون النظر في طائفة من المقدمات التي تلقي بعض الأضواء على ذلك (¬1). أدلة هذا القول: وقد استدل لهذا الرأي بما يأتي: أ- قيام المجتهدين مقام النبي- صلى الله عليه وسلم في الأمة. بدليل قوله- صلى الله عليه وسلم- (أن العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم) (¬2) والدلالة من ذلك على المطلوب أن الوراثة في العلم والتبليغ والهداية والاتباع تقتضي أن لا يأتي الوارث بما لا دليل عليه، لا سيما مع الدين والورع (¬3). ب- استدلال العلماء بأفعال الصحابة- رضي الله عنهم- على مذاهبهم، وجعلها بمثابة فعل الرسول- صلى الله عليه وسلم- وهذا يعني أنهم أقاموا أفعالهم ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى لابن تيمية 19/ 153 و 154 والمقدمات التي ذكرها شيخ الإسلام هي: أ- هل يعتقد المجتهد حسن ما يقوم به من هذه التعبدات، بحيث يقوله ويفتي به، أو أنه يفعلها دون أن يعتقد ذلك، تأسيساً بغيره، أو ناسياً؟ ب- هل فيها إرادة لتلك الأفعال توافق اعتقاده؟ لأنه من الجائز أن يقدم عليها بطبعه المخالف لاعتقاده، وهذا يحصل كثيراً. ج- هل يرى المجتهد أن ما فعله أفضل من غيره؟ أو أنه فعل المفضول لأغراض أخرى مباحة، مع رؤياه أن الآخر أرجح؟ د- وإذا كان يرى أحدهما أرجح فهل هو أرجح مطلقاً، أو أنه أرجح في بعض الأحوال؟ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 19/ 54. (¬2) الموافقات 4/ 244، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 103. والحديث رواه أحمد والأربعة وآخرون عن أبي الدرداء مرفوعاً، وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما وحسنه حمزة الكتاني وضعفه غيرهم لاضطراب سنده. لكن توجد شواهد تدل على أن للحديث أصلاً [لاحظ: كشف الخفاء ومزيل الإلباس 2/ 83 حديث 1745]. (¬3) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي لابن حمدان ص 103.

كأقوالهم في الدلالة على مذاهبهم، كما أن أفعال النبي- صلى الله عليه وسلم- كأقواله في الدلالة على الأحكام الشرعية (¬1). ج- إن التأسي بأفعال من يعظمه الناس ويحبونه، سر مبثوث في طباع البشر، لا يقدرون على الانفكاك عنه بوجه ولا بحال، وأنهم قد يرجحونه على القول. وقد ثبت هذا مع الصحابة والنبي- صلى الله عليه وسلم- فقد نهاهم عن الوصال في الصوم، فلم ينتهوا واحتجوا بأنه يواصل، وتوقفوا عن الإحلال، بعدما أمرهم بذلك في حجة الوداع، حتى ذبح وحلق فاتبعوه، إلى غير ذلك من الوقائع التي تدل على أن النظر إلى الفعل، واقتداء الناس فيه بمن أحبوا، مطبوع في نفوسهم (¬2)، وإذا كان شأن الفعل كذلك، فمن المستبعد أن يقدم المجتهد- لا سيما المعروف بورعه وتقواه على عمل يرى أن الناس يقلدونه فيه ولا يكون رأيه ومذهبه. 2 - القول الثاني: إن ما فعله لا يعد مذهباً له، ولا تصح نسبته إليه. وهذا هو الوجه الثاني عند الحنابلة (¬3) والشافعية (¬4) وقد استدل لهذا القول بما يأتي: أ- إن الأئمة المجتهدين ممن يجوز عليهم الذنب والمعصية، والخطأ والسهو والاستمرار على ما هم عليه، لأنهم غير معصومين عن خطأ، وليس هناك وحي ينبه إلى الخطأ، ويرشد إلى الصواب، كما هو الشأن في النبي- صلى الله عليه وسلم-" (¬5). ¬

_ (¬1) تهذيب الأجوبة ص 46. (¬2) الموافقات 4/ 248 - 251. (¬3) تهذيب الأجوبة ص 45، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 104 والمسودة ص 532، شرح الكوكب المنير 4/ 497، أصول ابن مفلح ج 4 ص 953. بتحقيق د. فهد السدحان، شرح التحرير ورقة 229ب. (¬4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 19/ 153. (¬5) صفة الفتوى ص 104 ومجموع الفتاوى 19/ 152.

ب- إن أفعال المجتهدين حينما لا يوجد ما يدل على أن ما فعلوه هو رأيهم ومذهبهم، محتملة، فقد يكون فعل المجتهد مما جرت به عادته، أو يكون فعله تقليداً لغيره، بسبب عدم نظره في المسألة، أو لتعارض الأدلة عنده، أو لأي سبب آخر (¬1). وما يفعله المقلد لا ينسب له ولا يعد مذهباً له، لأن مذهب المجتهد ما توصل إليه عن نظر واستدلال. تعقيب على الأدلة: تلك هي أهم الأدلة التي استند إليها الفريقان وهي أدلة فيها مجال للتأمل والمناقشة. أما أدلة الفريق الأول الذاهب إلى أن ما يفعله المجتهد يعد مذهباً له وتصح نسبته إليه، فإن فيها من الوهن ما فيها. فدليلهم الأول- العلماء ورثة الأنبياء.- لا يساعدهم على دعواهم، فالوراثة بالعلم هي درايتهم بأحكام الشرع المأخوذة عن النبي- صلى الله عليه وسلم-، مع ملكة الاستنباط الصحيح منها، ولم يقم دليل على أنهم يقومون مقام الأنبياء في كونهم مصادر للتشريع، وأنهم معصومون، وأن ما يؤخذ من أقوالهم يؤخذ من أفعالهم. ومن التعسف والمبالغة في منح الدرجات، أن يزعم الشاطبي أن المجتهد شارع من وجه (¬2)، أو أن يدعي ابن حامد أن مقامات العلماء بمثابة مقامات صاحب الشريعة (¬3). فهذه مرتبة عظيمة لم يدعها أحد من المجتهدين. ودليلهم الثاني لا يسلم على إطلاقه، فما لم تقم قرائن أو دلائل على أن ذلك الفعل مذهبه، فإن نسبة ذلك الفعل إليه تدخل في الإطار الذي نحن بصدده، ولا يوجد تلازم بين وجهات نظر الأفراد وأفعالهم، فقد يفعلون ما لا يؤمنون به، فالجهة بينهما منفكة، فقد يرى بعض الناس حرمة السندات أو الأسهم، ولكنه يقوم بشرائها أو بيعها، وقديماً قال أحد الشعراء: ¬

_ (¬1) المصدران السابقان، وتهذيب الأجوبة ص 45. (¬2) الموافقات 4/ 245. (¬3) تهذيب الأجوبة ص 45 - 46.

إعمل بقولي ولا تنظر إلى عملي ينفعك قولي ولا يضررك تقصيري على أن هناك فرقاً بين النبي- صلى الله عليه وسلم- وغيره من البشر فالنبي معصوم من تعمد ارتكاب المعاصي، وإذا أخطأ أو نسي أو غفل فإنه لا يقر على ذلك، بل ينزل الوحي بالتنبيه والتصويب، وهذا المعنى غير متحقق في المجتهدين وسواهم من البشر. فقياس أفعال المجتهدين على أفعاله- صلى الله عليه وسلم- قياس مع الفارق وغير مستقيم. ودليلهم الثالث يتضح الجواب عنه مما تقدم، وكون التأسي بالأفعال سراً مبثوثاً في طباع البشر، كما يقول الشاطبي، لا يعني أن فعل المجتهد يمثل مذهبه. وقد علق الشيخ عبد الله دراز (¬1) محقق كتاب الموافقات على كلام الشاطبي بقوله: وهل يكفي هذا لأن يكون دليلاً شرعياً على شرعية التأسي بالمفتي ولو لم يقصد البيان؟ (¬2). وأما أدلة الفريق الثاني فإن طائفة من العلماء المصححين. لعد الفعل مذهباً للمجتهد لم يرتضوها، فعن الدليل الأول يقول الشاطبي: [إن اعتبر هذا الاحتمال في نصب أفعاله حجة للمستفتي فليعتبر مثله في نصب أقواله، فإنه يمكن فيها الخطأ والنسيان والكذب عمداً وسهواً، لأنه ليس بمعصوم، ولما لم يكن ذلك معتبراً في الأقوال، لم يكن معتبراً في الأفعال] (¬3). وعن الدليل الثاني الذي يقول بأن أفعال المجتهد محتملة، يقول ابن ¬

_ (¬1) هو الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن حسنين دراز. حفظ القرآن وابتدأ تلقي علومه على والده وعمه. ثم انتقل إلى القاهرة فأكمل دراسته في الأزهر، وكان من أساتذته فيه كبار علماء مصر آنذاك. كانت له اهتمامات بالشعر والأدب إلى جانب علوم الشريعة، توفي في القاهرة سنة 1932م. من مؤلفاته: تعليقاته على كتاب الموافقات للشاطبي. راجع في ترجمته: الفتح المبين 3/ 173. (¬2) الموافقات 4/ 248 هامش 7. (¬3) المصدر السابق 4/ 251.

حامد: إن [ذلك لا يؤثر شيئاً؛ إذ مع الاحتمال لا يخرجها أن تكون ديناً] (¬1). ويتضح مما ذكرناه سابقاً أن الملحوظات التي أبديت على وجهة نظر أصحاب الرأي الثاني، غير مقبولة، لأننا بينا الفرق بين الأقوال والأفعال، والفرق بين المجتهدين وصاحب الرسالة- صلى الله عليه وسلم-. وعلى هذا فإن أخذ مذهب المجتهد من أفعاله، ونسبة ذلك إليه قضية ليست مسلمة، وفيها مجازفة وبعد عن الدقة، وينبغي أن لا يكون ذلك إلا في أضيق الحدود، وعند وجود قرائن تدل على ذلك. كفعله لذلك على جهة التعليم، أو حصول ذلك منه مراراً وتكراراً ينفي احتمال الخطأ والنسيان. والله أعلم. أمثلة للتخريج عن طريق أفعال الأئمة: ومما يمثل أفعال الأئمة من فقه الحنابلة، النقول الآتية عن إمام المذهب- رحمه الله-. 1 - اختلف الروايات عن الإمام أحمد- رحمه الله- بشأن حلق الرأس. فروي عنه أنه مكروه وروي عنه ما يفيد الجواز، وروي عنه التفريق بين ما إذا كان الحلق بالموسى فيكره، وما إذا كان بالمقراض فلا يكره. وقد أخذ الجواز من أقواله، كما أنه يخرج مما نقل من إقرار وفعل له. قال حنبل: كنت أنا وأبي نحلق رؤوسنا في حياة أبي عبد الله، فيرانا ونحن نحلق، فلا ينهانا، وكان هو يأخذ رأسه بالجلمين [أي المقراض]، ولا يحفيه، ويأخذه وسطاً (¬2). 2 - ومن ذلك ما روي عنه بشأن صورة تخليل اللحية. قال يعقوب (¬3): سألت ¬

_ (¬1) تهذيب الأجوبة ص 46. (¬2) المغني 1/ 89. (¬3) لم يتضح لي المراد منه هنا، فهناك أكثر من شخص بهذا الاسم، رووا عن الإمام أحمد- رحمه الله- منهم يعقوب بن إبراهيم الدورقي ويعقوب بن إسحاق بن بختيان، جار أبي عبد الله وصديقه، ومنهم يعقوب بن العباس الهاشمي، وغيرهم. انظر في أسماء وتراجم من اسمه يعقوب ممن أخذ عن الإمام أحمد: طبقات =

أحمد عن التخليل؟ فأراني من تحت لحيته، فخلل بالأصابع. وقال حنبل: من تحت ذقنه، من أسفل الذقن، يخلل جانبي لحيته جميعاً بالماء، ويمسح جانبيها وباطنها. وقال أبو الحارث: قال أحمد: إن شاء خللها مع وجهه، وإن شاء إذا مسح رأسه (¬1) فالصورة المذكورة للتخليل هنا تمثل مذهب الإمام، لا سيما أنه فعلها على طريق التعليم، وبعد سؤاله عن ذلك. 3 - ومن ذلك ما خرجوه من استحباب أن يفتح المصلي، عند الجلوس، أصابع رجله اليمنى، فيستقبل بها القبلة، ومعناه أن يثنيها نحو القبلة. أخذوه من رواية الآثرم، قال: (تفقدت أبا عبد الله، فرأيته يفتح أصابع رجله اليمنى فيستقبل بها القبلة) (¬2). 4 - ومن ذلك ما خرجوه بشأن عدم زيادة الجلوس بعد الركعتين على التشهد، وعدم تطويله. مما قاله حنبل في صورة جلوس الإمام أحمد. قال: [رأيت أبا عبد الله يصلي، فإذا جلس في الجلسة بعد الركعتين أخف الجلوس، ثم يقوم كأنه على الرضف (¬3) وإنما قصد الاقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه] (¬4). وهذا الحكم وإن كان الأساس فيه ما ورد من صفة فعل النبي صلى الله عليه وسلم- لكنه يصلح مثالاً لفعل الإمام نفسه أيضاً، على سبيل الاقتداء والتأسي. 5 - ومن ذلك أيضاً ما ذكروه بشأن صفة التورك في الصلاة. فقد روى الأثرم في صفة تورك الإمام أحمد، ما يأتي: (رأيت أبا عبد الله يتورك في الرابعة في التشهد، فيدخل رجله اليسرى من تحت ساقه الأيمن، ولا يقعد على شيء منها، وينصب اليمنى، ويفتح أصابعه، وينحي عجزه كله، ويستقبل بأصابعه اليمنى القبلة، وركبته اليمنى على الأرض ملزقة) (¬5). ¬

_ (¬1) = الحنابلة 1/ 414 وما بعدها. () المغني 1/ 106. (¬2) المصدر السابق 1/ 523. (¬3) الرضف: الحجارة المحماة. الواحدة رضفة، مثل تمر وتمرة. (¬4) المغني 1/ 537. (¬5) المصدر السابق 1/ 539.

المطلب الرابع تقريرات الإمام

المطلب الرابع تقريرات الإمام ومما يتصل بمجال المصادر التي تستقي منها آراء الأئمة تقريراتهم لما يصدر عن غيرهم، والمقصود بذلك عدم إنكار المجتهد ما يفعل بحضرته، أو ما يصدر عن غيره من فتوى، في وقائع معينة. وبحث هذه المسألة يتصل بأمرين: الأمر الأول: هو هل العلماء بمنزلة الأنبياء في مسائل التشريع، فينطبق عليهم ما ينطبق على الأنبياء؟ أو لا؟ والأمر الثاني: هل يعتبر السكوت عن الإنكار دليلاً على الموافقة فينزل منزلة النطق في نسبته إلى الساكت أو لا؟ ونظراً إلى وقوع الاختلاف في هاتين المسألتين فقد ترتب على ذلك اختلاف العلماء في هذه المسألة التي معنا، وتميز لهم رأيان: الرأي الأول: إن تقريراتهم تعد من مذاهبهم وتصح نسبة قول لهم بموجبها، وممن تبنى هذا الرأي الشاطبي (ت 790هـ) في الموافقات، وقد عد الإقرار راجعاً إلى الفعل معللاً ذلك بأن (الكف فعل، وكف المفتي عن الإنكار، إذا رأى فعلاً من الأفعال كتصريحه بجوازه) (¬1). كما رجح ذلك ابن حامد، إذا كان سكوت المجتهد عند المعارضة (¬2). ووجهة نظر أصحاب هذا الرأي تستند إلى طائفة من الأدلة، من أهمها: 1 - قياس حال المفتي على النبي- صلى الله عليه وسلم- فكما أن تقريرات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) 4/ 251. (¬2) تهذيب الأجوبة ص 51.

تعد صحيحة ومنسوبة إليه، فكذلك تقريرات المجتهدين- وهذا الدليل مستند إلى ما استند إليه القائلون بحجية عمله، وهو قوله- صلى الله عليه وسلم- العلماء ورثة الأنبياء (¬1). 2 - إن إنكمار المنكر من الوظائف الأساسية للعلماء، وقد ثابر السلف على ذلك، ولم يبالوا بما يترتب عليه من المضرات. ولهذا فإن المجتهد لا يمكن أن يسكت على ما يفعل أو يقال بحضرته، أو على ما يعلم به، إن كان مما ينكره ولا يرتضيه، فيحمل سكوته على موافقته على ذلك، وبالتالي فإن ذلك يعد رأياً له، وتصح نسبته إليه. 3 - إن سيرة الصحابة تشهد لمثل هذا الاعتبار، فلم تكن الصحابة تسكت عند المعارضة، على ما تنكره من قول أو فعل، إلا إذا افتقدت الدليل. وتدل أحكام الوقائع الجزئية المنقولة عنهم على وجود معارضات وإنكارات كثيرة من بعضهم لبعض (¬2). الرأي الثاني: إن سكوت الأئمة وعدم إنكارهم لا يعد تقريراً، لما علموه أو قيل أو فعل في حضرتهم ولم ينكروه، ولا تصح نسبته إليهم؛ ولهذا الرأي ذهب الأكثرون من علماء الحنابلة (¬3). وهو مقتضى مذهب الإمام الشافعي الذي نقل عنه أنه [لا ينسب إلى ساكت قول] (¬4)، ولرفضه الأخذ بالإجماع السكوت المبني على حمل السكوت على الوفاق. ومما احتج به أصحاب هذا الرأي: 1 - إن السكوت لا يتحتم أن يكون دالاً على الرضا، فهو كما يحتمل الموافقة، يحتمل الرفض، وقد ذكر العلماء طائفة من الاحتمالات التي ¬

_ (¬1) الموافقات 4/ 251 ولاحظ تخريج الحديث عند ذكر أدلة من قال بصحة نسبة رأي إلى المجتهد بناء على أفعاله. (¬2) تهذيب الأجوبة ص 52 - 55 وانظر في المصدر المذكور طائفة من الوقائع التي حصل فيها الإنكار. (¬3) المصدر السابق ص 51. (¬4) المنخول للغزالي ص 318.

هي من هذا القبيل، بعضها يصلح للمجال الذي نحن بصدده (¬1)، وبعضها لا يفيد ذلك، لأنه يتعلق بموضوع رفض الاحتجاج بالإجماع السكوتي (¬2)، ومجال الإجماع كان قبل استقرار المذاهب، والكلام في مسألتنا يتعلق بآراء المتبوعين بعد استقرار المذاهب. 2 - إن الفقهاء قد يرون غيرهم من المفتين يأتون بعباداتهم من صلاة وغيرها، مما فيه مخالفة لوجهات نظرهم في المسألة، فلا ينكرون عليهم ذلك، ولا يخاصمونهم فيه، وإذا كان الأمر كذلك فلا يصح أن ينسب رأي لمن سكت منهم بناء على ذلك (¬3). تعقيب على الأدلة: إذا نظرنا إلى أدلة الرأيين السابقين ترجح لنا الرأي الثاني غير المصحح لنسبة رأي إلى الإمام بناء على سكوته. وذلك لما في أدلة الرأي الأول من الوهن. أما دليلهم الأول فهو دليل من قاس أفعال المجتهد على أفعال الرسول- صلى الله عليه وسلم- وقد بينا ما في ذلك من التجاوز في إعطاء غير ¬

_ (¬1) كأن لم يتحدد له رأي في المسألة، لأنه في مهلة النظر والبحث عن الأدلة، أو أنه كان قد أبدى رأيه في المسألة في حالة سابقة ولم يجد حاجة لتكرار إظهاره، أو يتصور أن من أفتى أو فعل فعلاً بحضرته لن يجدي معه الإنكار لالتزامه برأي إمام آخر قلده، أو لظنه أن اعتراضه يثير جدلاً ونقاشاً يترتب عليه من المفسدة ما يفوق المصلحة المرادة. انظر بحث: تحرير المقال للدكتور عياضة السلمي ص 110 من العدد 7 من مجلة جامعة الإمام 1413هـ- 1992م. (¬2) كأن يكون سكوته لمانع في باطنه لا يمكننا الإطلاع عليه، أو لاعتقاده أن كل مجتهد مصيب، أو لأنه لا يرى الإنكار في الأمور الاجتهادية، أو أنه اجتهد ولكن لم يتبين له رأي، أو أنه علم لو أنه أبدى رأيه لم يلتفت إليه المخالف، أو الخوف من إبداء رأيه، أو لأنه في مهلة النظر، أو لأنه لا يرى المبادرة بالمعارضة لعارض من العوارض فيموت قبل إبداء رأيه، أو يظن أن غيره كفاه، أو غير ذلك. انظر: كشف الأسرار للبخاري 3/ 428 وشرح مختصر المنتهى للعضد 2/ 37 وشرح مختصر الروضة 1/ 81. (¬3) تهذيب الأجوبة ص 51.

المعصوم، من الخصائص، ما هو من صفات المعصوم، ولا يلزم من الدليل الثاني الإنكار على المخالف، فقد يعرض المجتهد عن ذلك لاعتبارات مختلفة، فدلالة السكوت على الموافقة ليست غير احتمال يقبل ما يخالفه. ولهذا فإن نسبة رأي للإمام بناء عليه فيه نوع من المجازفة، واحتمال كبير للخطأ. والاستدلال بسيرة الصحابة لا يفيد؛ لأنه كما ورد عنهم الإنكار ورد عنهم السكوت في مسائل كان رأيهم فيها مخالفاً لما اشتهر، كسكوت ابن عباس (¬1) في مسألة العول في زمن عمر (¬2) وغير ذلك. وما ذكره أصحاب الرأي الثاني بشأن عدم تحتم دلالة السكوت على الموافقة صحيح؛ لأن احتمال الموافقة ضئيل بالنسبة إلى الاحتمالات الآخر. وهذا يعززه دليلهم الثاني الذي أقر به ابن حامد ضمناً، من خلال مناقشته له (¬3). ولهذا فإن السكوت بمجرده لا يعد إقراراً، ما لم تتصل به قرينة توضح أنه كان كذلك، وما لم توجد القرينة فالظاهر- والله أعلم- أن لا تصح نسبته إلى الإمام. ¬

_ (¬1) هو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم- عرف بذكائه ووفرة علمه وفقهه، وكثرة اطلاعه، ولقب بحبر الأمة لتلك المزايا. توفي بالطائف بعد أن كفر بصره سنة 68هـ. راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص 48، وشذرات الذهب 1/ 75، والأعلام 4/ 95. (¬2) هو: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى العدوي القرشي، الملقب بالفاروق. ثاني الخلفاء الراشدين وأول من لقب بأمير المؤمنين منهم. وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة. كان من أشراف قريش، ومن رجالاتهم المعدودين، وكان إسلامه فتحاً على المسلمين. تميز بشجاعته وذكائه وحصافة عقلة. في عهده تم فتح العراق والشام ومصر، ومصرت مدن عديدة، وهو الذي جعل الهجرة مبدأ التاريخ الإسلامي، وضرب الدراهم الإسلامية، بويع بالخلافة سنة 13هـ، بعد وفاة أبي بكر بعهد منه، واستشهد سنة 23هـ. راجع في ترجمته: الإصابة 4/ 588، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 38، وشذرات الذهب 1/ 33، والأعلام 5/ 45، والفتح المبين 1/ 48، وقد أفردت لترجمته كتب كثيرة قديماً وحديثاً. (¬3) تهذيب الأجوبة ص 55.

المطلب الخامس الحديث الصحيح

المطلب الخامس الحديث الصحيح ورد عن طائفة كبيرة من السلف والأئمة أقوال تفيد أنه إذا صح الحديث فهو مذهبهم وهذه القوال وردت عنهم منذ عهد الصحابة وإلى يومنا هذا. وقد نقل هذا عن أبي حنيفة وأصحابه (¬1)، وصح عن الشافعي أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، أو ما في هذا المعنى (¬2)، كما نقل عن غيره من العلماء (¬3). ولا إشكال فيما لو كان للإمام رأي موافق للحديث، لأن نسبة الرأي إليه لا يعتريها شك، لا للحديث، ولكن لما أفتى به الإمام نفسه. لكن التساؤل يتضح في حالتين: الحالة الأولى: أن لا يكون للإمام رأي في المسألة. والحالة الثانية: أن يكون له رأي مخالف للحديث. أما الحالة الأولى فإن الظاهر وما هو مقتضى الأدلة، وجوب العمل بالحديث، وهذا ما صرح به تقي الدين السبكي (¬4) لكن نسبة ذلك إلى الإمام، والقول بأن مذهبه كذا، فيه نوع من المجازفة، لعدم جزمنا بأن الإمام لم يطلع على الحديث، فلعله اطلع عليه، ولم يأخذ به لاعتبارات يعلمها. ¬

_ (¬1) انظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص 10 وما بعدها، والانتقاء لابن عبد البر ص 144. (¬2) انظر: الفقيه والمتفقه 1/ 148 وما بعدها، معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي ص 71، وأعلام الموقعين 4/ 202 وما بعدها. (¬3) المجموع 1/ 63 وما بعدها، وأدب المفتي والمستفتي ص 117. (¬4) معنى قول الإمام المطلبي إذا صح الحديث فهو مذهبي ص 133.

أما الحالة الثانية، وهي حالة ما إذا كان للإمام رأي مخالف للحديث، فإن العلماء اختلفوا بشأنها على قولين: 1 - القول الأول: العمل بالحديث وجعله مذهباً للإمام، وتصحيح نسبة الرأي إليه، وقد نقل ذلك عن عدد من علماء الشافعية. وذكر ابن الصلاح أن ممن أفتى بالحديث أبو يعقوب البويطي (ت 231هـ) (¬1)، وأبو القاسم الداركي (ت 375هـ) (¬2). وأن أبا الحسن الكيا الطبري الهراسي (ت 504هـ) (¬3) قطع به في كتابه في أصول ¬

_ (¬1) هو أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي المصري، من أصحاب الإمام الشافعي المقدمين عنده، وكان يقول ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، وليس أحد من أصحابي أعلم منه. كان عابداً متنسكاً مكثراً من ذكر الله. امتحن في مسألة القول بخلق القرآن، وحمل في أيام الواثق من مصر إلى بغداد، فامتنع عن الإجابة فحبس في بغداد وقيد، ولم يزل في السجن والقيد حتى مات سنة 231هـ على الأصح. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 6/ 60، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 98، والانتفاء لابن عبد البر ص 109، وطبقات الشافعية الكبرى 1/ 275. (¬2) هو أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله بن محمد الداركي، من كبار الفقهاء الشافعية، درس الفقه في نيسابور سنين، ثم انتقل إلى بغداد وسكنها حتى مات. أخذ الفقه على أبي إسحاق المروزي، وطائفة من علماء بغداد وغيرهم. ثم تصدر للتدريس في بغداد. كان لا يتعجل في فتواه، فإذا استفتي فكر كثيراً قبل الجواب، وربما أفتى بما يخالف مذهب إمامه، معللاً ذلك بما يذكره من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أولى من قول الإمام. اتهم بالاعتزال، وكانت وفاته ببغداد سنة 375هـ. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 361، وطبقات الشافعية الكبرى 2/ 240. (¬3) هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الملقب بعماد الدين والمعروف بالكيا الهراسي من علماء الشافعية البارزين في القرن الخامس، ومن أبرز تلامذة إمام الحرمين. كان عالماً بارعاً ومفسراً وأصولياً وحافظاً للأحاديث ولد بطبرستان، وسكن بغداد، ودرس في النظامية، وقد اتهم بالباطنية. توفي ببغداد سنة 504هـ. لم يعرف سبب تسميته بالكيا ولا بالهراسي، ولكنهم ذكروا أن الكيا في اللغة الأعجمية تعني كبير القدر. من مؤلفاته: أحكام القرآن، وشفاء المسترشدين وهو من كتب الخلافيات، وكتاب في أصول الفقه، ونقد مفردات الإمام أحمد. ... =

الفقه (¬1) وذكر النووي أن ممن استعمل ذلك الإمام أبو بكر البيهقي (ت 458هـ) (¬2)، وآخرون. وقال: وكان جماعة من متقدمي أصحابنا إذا رأوا مسألة فيها حديث ومذهب الشافعي خلافه، عملوا بالحديث وأفتوى به قائلين: مذهب الشافعي ما وافق الحديث)، وبين أن ذلك كان نادراً (¬3) وفي كلام ابن برهان ما يدل على أنه يذهب إلى ذلك. قال: (فإن قال: فما قولكم فيمن وجد نصاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم- يخالف مذهب الشافعي- رضي الله عنه-؟ قلنا يجب عليه أن يأخذ بذلك، لأن مذهبه) (¬4) وذهب بعض الحنفية إلى مثل ذلك، فقد ذكر ابن الشحنة [890هـ] (¬5) في شرحه ¬

_ (¬1) = راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 448، وطبقات الشافعية الكبرى 4/ 281، وشذرات الذهب 4/ 8، والأعلام 4/ 329، والفتح المبين 2/ 6. () أدب المفتي والمستفتي ص 118. (¬2) هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الخراساني البيهقي الشافعي. كان محدثاً من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله في الحديث، كما كان فقيهاً تتلمذ في ذلك على يد أبي الفتح المروزي. غلب عليه الحديث فاشتهر بذلك. رحل إلى العراق والجبال والحجاز وغيرها طالباً للعلم والحديث. عرف بالزهد والقناعة، وكانت وفاته في نيسابور في سنة 458هـ، ونقل تابوته إلى بيهق ودفن فيها. من مؤلفاته: السنن الكبرى في الحديث، والمبسوط في فقه الشافعي، والجامع المصنف في شعب الإيمان، ومناقب الشافعي، ومناقب أحمد، وله كتاب في الخلافيات سلك فيه طريقة أصولية حديثة مستقلة جمع فيها المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 57، وشذرات الذهب 3/ 304، وطبقات الشافعية الكبرى 3/ 3، والفتح المبين 1/ 249، ومعجم المؤلفين 1/ 206. (¬3) المجموع 1/ 64 وانظر أصل ذلك في أدب المفتي والمستفتي ص 118. (¬4) الوصول إلى الأصول 2/ 358. (¬5) هو أبو الفضل محمد بن محمد الحلبي الملقب بشمس الدين والمعروف بابن الشحنة. كان فقيهاً وأصولياً ومحدثاً. ولي قضاء حلب وانتقل إلى مصر وعمل فيها، ثم نفي إلى بيت المقدس، ثم أذن له في العودة إلى حلب، فعاد إليها، ثم ذهب إلى مصر فعاد إلى وظيفته السابقة وهي كتابة السر وأضيف إليه قضاء الحنفية أيضاً، ثم صرف عنه، وقد تعرض إلى شدائد ومحن، وأصيب في آخر عمره بالفالج، وأصابه ذهول. توفي سنة 890هـ.

للهداية، أنه (إذا صح الحديث، وكان على خلاف المذهب، عمل بالحديث، ويكون ذلك مذهبه، ولا يخرج مقلده عن كونه حنفياً بالعمل به، فقد صح عنه أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي. وقد حكى ذلك ابن عبد البر (¬1) عن أبي حنيفة وغيره من الأئمة) (¬2). وبين النووي، تبعاً لما أورده ابن الصلاح، أنه ليس المقصود من كلام هؤلاء العلماء أن كل من رأي حديثاً صحيحاً قال: هذا مذهب الشافعي وعمل بظاهره، بل شرط ذلك أن يكون المفتي ممن بلغ درجة الاجتهاد في المذهب، وأن يغلب على ظنه أن الشافعي لم يقف على هذا الحديث، أو لم يعلم بصحته، وهذا لا يتحقق إلا بمطالعة كتب الشافعي وكتب أصحابه كلها، وهو شرط صعب قل من تحقق فيه (¬3). وقد أضاف القرافي (ت 684هـ) (¬4) إلى ذلك شرطاً آخر، هو ¬

_ (¬1) = من مؤلفاته: طبقات الحنفية، ونهاية النهاية في شرح الهداية في فروع الحنفية، وتنوير المنار في أصول الفقه، والمنجد المغيث في الحديث وغيرها. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 7/ 349، والأعلام 7/ 51، ومعجم المؤلفين 11/ 294. () هو أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي. ولد بقرطبة ونشأ وطلب العلم فيها، فكان شيخ علماء الأندلس في زمانه، ولقبوه بحافظ المغرب. تولى القضاء في أماكن عدة. توفي سنة 463هـ. من مؤلفاته: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، والاستيعاب لأسماء الصحابة، وجامع بيان العلم وفضله، والانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء، والكافي في الفقه وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 6/ 64، والديباج المذهب ص 357، وشذرات الذهب 3/ 314، والأعلام 8/ 240. (¬2) الفتوى في الإسلام لجمال الدين القاسمي ص 112 نقلاً عن شرح ابن الشحنة للهداية. (¬3) المجموع 1/ 64، وأدب المفتي والمستفتي ص 118. (¬4) هو أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي البهنسي المشهور بالقرافي والملقب بشهاب الدين، والصنهاجي نسبة إلى صنهاجة من قبائل البربر في المغرب، والقرافي نسبة إلى القرافة وهي المقبرة المجاورة لقبر الشافعي في مصر. =

عدم وجود المعارض (¬1). ويبدو أن وجهة نظر أصحاب هذا القول التمسك بظاهر ما روي عن الأئمة، ومن قول بعضهم إذا صح الحديث فهو مذهبي. فإن مثل هذا الكلام ظاهر في دلالته على المراد. 2 - القول الثاني: عدم جعل الحديث مذهباً للإمام، وعدم تصحيح نسبة ذلك إليه، وهذا رأي الأكثرين من العلماء وإذا كانوا لم يصححوا النسبة فإن مواقفهم من العمل بالحديث مختلفة، ومن هذه المواقف. أ- عدم جواز الأخذ بالحديث، وترك العمل به، والأخذ برأي الإمام، والقول بأن الحديث منسوخ أو مؤول، وهذا مذهب الكرخي من الحنفية (¬2). ب- العمل بالحديث لمن كملت آلات الاجتهاد فيه مطلقاً، أو في ذلك الباب أو المسألة. ويكون عمله بالحديث- حينئذ- اجتهاداً منه، لتوفر شروط الاجتهاد فيه. أما من لم يكن كذلك، ولم يجد جواباً شافياً، فله العمل به، إن عمل به إمام مستقل غير إمامه، ويكون هذا عذراً له في ترك المذهب (¬3). ويفهم من ذلك أن من لم يبلغ درجة الاجتهاد المطلق، كلياً أو جزئياً، ¬

_ (¬1) = ولد في مصر وفيها نشأ، وبرع في الفقه والأصول والتفسير وعلوم أخرى، وكان مالكي المذهب ذا إطلاع واسع في الأصول. توفي في القاهرة سنة 684هـ. من مؤلفاته: الذخيرة في الفقه، شرح التنقيح في أصول الفقه، وأنوار البروق في أنواء الفروق، ونفائس الأصول في شرح المحصول. راجع في ترجمته: المنهل الصافي 1/ 215، هدية العارفين 1/ 99، معجم المطبوعات 2/ 1501، الأعلام 1/ 94، معجم المؤلفين 1/ 158. () شرح تنقيح الفصول ص 450. (¬2) الأصل 29 من أصول الكرخي المسماة: الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية، الملحقة بكتاب تأسيس النظر للدبوسي ص 169و 170. (¬3) أدب المفتي والمستفتي ص 121، والمجموع 1/ 64.

ولم يجد إماماً يوافق مذهبه الحديث ليقلده، فإنه لا يجوز له العمل به. ولعل وجهة نظر هذا القول أن نسبة ما يتضمنه الحديث المخالف لرأي الإمام، أبعد في الصحة من نسبة ما سكت عنه، فإذا كان الشأن أن لا ينسب إلى ساكت قول، فلأن لا ينسب إلأيه ما صرح بخلافه أولى، فضلاً عن أنه من الممكن أن تكون للإمام وجهة نظر في الحديث، وربما اطلع عليه، فظهر له معارض أو قادح، عنده. ووجهة النظر المذكورة صحيحة فيما نرى، ولكن في مجال دعوى أن الحديث مذهب الإمام، ونسبة ما تضمنه إليه. أما في نطاق العمل بالحديث فإنه إن كان المطلع عليه عارفاً بأحاديث النبي- صلى الله عليه وسلم- وبالغاً درجة الاجتهاد المطلق، وقادراً على الترجيح أو الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، فإن عليه العمل بالحديث. يقول القرافي بشأن ما نقل عن الشافعي – رحمه الله- من أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، أو فاضربوا به- أي برأيه- عرض الحائط: (كثير من فقهاء الشافعية يعتمدون على هذا، ويقولون مذهب الشافعي كذا، لأن الحديث صح فيه، وهو غلط؛ فإنه لا بد من انتفاء المعارض. والعلم بعدم المعارض يتوقف على من له أهلية استقراء الشريعة حتى يحسن أن يقول: لا معارض لهذا الحديث. وأما استقراء غير المجتهد المطلق فلا عبرة به. فهذا القائل من الشافعية ينبغي أن يحصل لنفسه أهلية هذا الاستقراء قبل أن يصرح بهذه الفتوى) (¬1). وما ذكره القرافي سبق أن ذكرنا ما هو في معناه عن الإمام النووي- رحمه الله-. ومهما يكن من أمر فإن العمل بالحديث هو الواجب، لأنه لا يجوز لأحد أن يعرض عن سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، لقول أحد من الناس، كائناً من كان. ولكن نسبة ذلك إلى الإمام، وادعاء أن ذلك مذهبه، لا تجوز، لما ذكرناه من توجيه، ولأننا لا نعلم موقف الإمام من ذلك الحديث، فلعله صح عنده أيضاً، ولكنه لم يأخذ به لوجود معارض له، أو لكونه منسوخاً عنده، أو ¬

_ (¬1) شرح تنقيح الفصول ص 449.

لغير ذلك من الأسباب. ومما يعزز ذلك، ما روي عن الإمام مالك- رحمه الله- من أن رجلاً سأله: لم رويت حديث [البيعان بالخيار] (¬1) في الموطأ، ولم تعمل به؟ فقال مالك: ليعلم الجاهل مثلك أني على علم تركته (¬2). ومما يعزز ذلك أيضاً أن أبا الوليد موسى بن أبي الجارود (¬3)، وهو ممن صحب الشافعي- رحمه الله-، حينما قال: صح حديث (أفطر الحاجم والمحجوم) (¬4) فأقول: قال الشافعي: أفطر الحاجم والمحجوم، ردوا عليه بأن الشافعي تركه مع علمه بصحته، لكونه منسوخاً عنده، وقد دل- رضي الله عنه على ذلك وبينه (¬5) ومثل ذلك أيضاً أن حديث خيار المجلس قد صح عند ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب البيوع بلفظ [البيعان بالخاير ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتمت محقت بركة بيعهما]. كما أخرجه مسلم في كتاب البيوع باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، ومالك في الموطأ بلفظ [المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا، إلا بيع الخيار]. (¬2) انتصار الفقير السالك لترجيح مذهب الإمام مالك لشمس الدين محمد بن محمد الراعي الأندلسي [ت 853هـ] ص 225. (¬3) هو أبو الوليد موسى بن أبي الجارود المكي. من فقهاء مكة الذين أفتوا على مذهب الشافعي، كان أحد الثقات من أصحاب الشافعي، روي عنه كتاب الأمالي، قال عنه أبو عاصم: يرجع إليه عند اختلاف الرواية. روى عن البويطي ويحيى بن معين وغيرهم، وروى عنه الزعفراني والربيع وأبو حاتم الرازي وغيرهم. لم يقف كثيرون ممن ترجموا له على تاريخ وفاته. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى 1/ 274، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 100، وطبقات الشافعي للأسنوي 1/ 38، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 15. (¬4) حديث صحيح أخرجه كثيرون من رواية شداد بن أوس، ومن رواية رافع بن خديج، ومن رواية ثوبان. [انظر بعض من أخرجه وطرقه المختلفة في تلخيص الحبير 2/ 193]. وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن الحديث صحيح لامرية فيه، ونقل عن ابن عبد البر ما يفيد نسخه، وذكر طائفة من وجهات النظر في الحديث، وفي تأويله. فانظرها في فتح الباري 4/ 177 وما بعدها. (¬5) أدب المفتي والمستفتي ص 119 و120 المجموع 1/ 64.

الإمام مالك، ولم يعمل به (¬1)، لقيام المعارض عنده، وهو عمل أهل المدينة (¬2)، أو قاعدة الغرر والجهالة القطعية (¬3). وصح عنده حديث (من نسى وهو صائم، فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) (¬4) لكنه لم يعمل به، وقال إن عليه قضاء يوم مكانه (¬5). بناءً على وجود ما يعارضه عنده، وهو أن الأكل والشرب أياً كان شكله ينفي ركن الصوم وحقيقته، إذ الصوم عنده الإمساك عن الأكل، فلا يوجد مع الأكل، لأنه ضده. وعلى الرغم مما بيناه من المجازفة في نسبة الأقوال إلى الأئمة، فإنهم خرجوا- على قلة- وجوهاً وطرقاً نسبوها إلى الأئمة، أو إلى المذهب. وفيما يأتي نماذج لما خرجوه، بناءً على مقولة: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ونسبوه إلى الإمام: 1 - إن وجهة نظر الإمام الشافعي- رحمه الله- إن الترجيح في الأذان، وهو ذكر الشهادتين مرتين سراً قبل الجهر، ركن. قال القاضي حسين (¬6): إن الإمام أحمد البيهقي نقل عن الشافعي أنه إذا ترك الترجيع لا يصح أذانه. ¬

_ (¬1) المدونة 3/ 234. (¬2) الموطأ 2/ 161 مع شرحه تنوير الحوالك. (¬3) الموافقات 3/ 21 و 22. (¬4) أخرجه مسلم بهذا اللفظ في كتاب الصوم، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر. وأخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسياً في الأيمان. (¬5) الموطأ 1/ 283 مع شرحه تنوير الحوالك. (¬6) هو أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد المرورذي القاضي. أحد أئمة الشافعية ذائعي الصيت، في القرن الخامس الهجري، ومن قضاتهم البارزين. تفقه على أبي بكر القفال المروزي، وعرف بالوجوه الغربية في المذهب. توفي بمروالروذ سنة 462هـ. من مؤلفاته: كتاب التهذيب وهو تلخيص لتهذيب البغوي، وأسرار الفقه، والتعليق الكبير، والفتاوى. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 400، وطبقات الشافعية الكبرى 3/ 155، والأعلام 2/ 254، ومعجم المؤلفين 4/ 45.

وهذا القول يفيد أنه ركن فيه. لكنهم صححوا في المذهب خلاف ذلك، وخرجوا للشافعي قولاً بكونه سنة، رجحوه على ما نقل عنه من الركنية. وكانت عمدتهم في ذلك الأحاديث الصحيحة التي جاءت بحذفه (¬1). ومثل ذلك ما ذكروه في التثويب في الصبح، وهو قول المؤذن: الصلاة خير من النوم، بعد قوله حي على الفلاح (¬2). 2 - ومن ذلك أنهم ذكروا في مسألة التحلل من الإحرام بعذر المرض، أنه لو شرط في إحرامه أنه إذا مرض تحلل، فللأصحاب طريقان: أحدهما ما قاله الشيخ أبو حامد (¬3) وآخرون إنه لا يصح الاشتراط قولاً واحداً لصحة الحديث فيه. قال النووي: (قالوا وإنما توقف الشافعي لعدم وقوفه على صحة الحديث. وصرح الشافعي بهذا الطريق في نصه الذي حكيته الآن عنه وهو قوله لو صح حديث عروة لم أعده، فالصواب الجزم بصحة الاشتراط للأحاديث) (¬4). والطريق الثاني أنه يصح الاشتراط في قوله القديم، وأما في الجديد فله قولان أصحهما الصحة، والثاني المنع. والطريق الذي ذكرناه أولاً ¬

_ (¬1) المجموع 3/ 91 و 92. (¬2) نيل الأوطار 2/ 37. (¬3) هو أبو حامد محمد بن أحمد الأسفراييني الشافعي، كان من أئمة الشافعية في الفقه والأصول في زمانه، وكانوا يقولون لو رآه الشافعي لسر به، وعدوه من المجددين الذين ينطبق عليهم قول الرسول- صلى الله عليه وسلم – إن الله يبعث لهذه الأمة، على رأس كل مائة سنة، من يجدد لها أمر دينها. وكان أبو الحسين القدوري الحنفي يجله ويقدره. امتاز بقوة الحجة وجودة النظر. وقد سئل أبو عبد الله الصيمري الحنفي عن أقوى رجل رآه في الجدل، فقال: ما رأيت أنظر من أبي حامد. توفي ببغداد سنة 406هـ، ودفن بداره، ثم نقل إلى مقبرة باب حرب. من مؤلفاته: شرح مختصر المزني، وتعليقة كبرى في الفقه، وكتاب في الأصول لم يصل إلينا، وكتاب البستان، وهو صغير ذكر فيه غرائب. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 55، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 24، شذرات الذهب 3/ 178، الفتح المبين 1/ 224. (¬4) المجموع 8/ 310.

هو الشاهد في إعمال الحديث الصحيح، وجعله مذهباً للإمام قولاً واحداً. 3 - ومن ذلك ما قاله صاحب الحاوي عن الصلاة الوسطى: نص الشافعي أنها الصبح، وصحت الأحاديث أنها العصر، ومذهبه اتباع الحديث، فصار مذهبه أنها العصر، قال: ولا يكون في المسألة قولان، كما فهم بعض أصحابنا (¬1). ¬

_ (¬1) المصدر السابق 3/ 61، وكتاب الحاوي من أوسع كتب الفقه الشافعي للإمام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري المعروف بالماوردي المتوفي سنة 450هـ.

المبحث الثاني طرق تخريج الفروع على الفروع

المبحث الثاني طرق تخريج الفروع على الفروع ويشتمل على ثلاثة مطالب: المطلب الأول: التخريج بطريق القياس المطلب الثاني: النقل والتخريج. المطلب الثالث: لازم مذهب الإمام.

المطلب الأول التخريج بطريق القياس

المطلب الأول التخريج بطريق القياس يعد جمهور العلماء القياس من أهم الطرق التي يتوصل بها إلى معرفة الحكم الشرعي فيما لا نص فيه، ويرونه مظهراً للحكم فيما لم يتناوله اللفظ، لا مثبتاً له (¬1)، وبياناً لعموم الحكم في الفرع وعدم اختصاصه بالأصل (¬2)، لكنه، في غالبه، ظني في دلالته على الحكم، والقطعي منه محدود، وبعضه ينازع في عده من مباحث القياس. كما أن محققيهم يرفضون أن يقال في الحكم المستنبط عن طريقه قال الله، أو قال رسوله- صلى الله عليه وسلم- وإنما يقال: هذا دين الله ودين رسوله (¬3). وإذا كان هذا هو موقفهم فيما يتعلق بأحكام الله تعالى، فما هو موقفهم من استنباط آراء الأئمة عن طريقه؟ وفي صحة نسبتها إليهم؟ إن الكلام في مثل هذا الموضوع يقتضي منا أن نبين بعض أنواع القياس، وما يتعلق من مباحثه بهذه المسألة. القياس عندهم نوعان قطعي وظني: 1 - فالقطعي هو ما توقف على مقدمتين قطعيتين، إحداهما القطع بعلة الحكم في الأصل، وأخراهما القطع بحصول مثل تلك العلة في الفرع (¬4). ومن الممكن أن نحدد ثلاثة من أنواع القاطع، هي: الأول: أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق، وهذا هو ¬

_ (¬1) التوضيح بشرح التلويح 2/ 53. (¬2) التلويح 2/ 53. (¬3) التبصرة لأبي إسحاق الشيرازي ص 517، وشرح اللمع للشيرازي بتحقيق د. عبد المجيد تركي 2/ 1084. (¬4) الإبهاج 3/ 224 والمحصول 2/ 303، ونبراس العقول 1/ 180.

فحوى الخطاب، أو مفهوم الموافقة (¬1) الذي سبق الكلام عنه. وينازع كثير من العلماء في عدة قياساً، ولهذا فهو عندهم من باب دلالة المنطوق. الثاني: أن يستوي المسكوت عنه، والمنطوق، بأن يعلم بانتفاء الفارق والمؤثر في الحكم بينهما، كسراية العتق في العبد والأمة مثله، وموت الحيوان في السمن والزيت مثله، وهذا يسمى القياس في معنى الأصل، أو القياس بنفي الفارق (¬2) أو القياس الجلي (¬3) وفي تسمية هذا النوع من الإلحاق قياساً خلاف بين العلماء أيضاً، وقد علل المخالفون لنفي التسمية ذلك، بأن القياس هو ما قصد به الجمع بين شيئين، وهذا لم يقصد به ذلك، وإنما قصد به نفي الفرق (¬4) كما أن لبعضهم منازعة في قطعيته، بل وفي بعض الأمثلة التي ذكرت له (¬5). الثالث: ما نص على علته بلفظ صريح، موضوع للدلالة على العلية، نحو لعلة كذا ولسبب كذا ولموجب كذا. ومن أجل أو لأجل كذا وغيرها (¬6)، مع القطع بوجود العلة في الفرع. وأما الدلالة على العلة بطريق الإيماء فمما اختلفت فيه الأنظار، لما فيه من احتمالات عدم العلية، ولأن دلالته على العلية التزامية وليست وضعية. ¬

_ (¬1) كقولنا إذا قبلت شهادة اثنين فشهادة ثلاثة أولى، لأن الثلاثة اثنان وزيادة، وإذا لم تصح التضحية بالعوراء فبالعمياء أولى، لأن في العمياء عوراً وزيادة، وكذلك إذا لم يصح بالعرجاء ففي مقطوعة الرجلين أولى [شرح مختصر الروضة 3/ 350]، وروضة الناظر ص 293 - 295. (¬2) شرح مختصر الروضة 3/ 350 - 355، روضة الناظر: الموضع السابق، المستصفى 2 281 - 284. (¬3) فواتح الرحموت 2/ 320 ويطلق الحنفية القياس الجلي على ما يتبادر إلى الذهن أول الأمر، ويقابله الخفي، هو ما لا يتبادر إلى الذهن إلا بعد التأمل وهو الاستحسان. (¬4) المستصفى 2/ 287. (¬5) حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2/ 328. (¬6) لاحظ حصر الألفاظ الصريحة الدالة على العلية في نبراس العقول ص 230 و 231.

2 - والظني: هو عدا ما تقدم من أنواع القياس (¬1) فيشمل ما كانت مقدمتاه ظنيتين، أو إحداهما ظنية، كعدم القطع بعلة الحكم في الأصل، أو عدم القطع بحصولها في الفرع، أو بعدم القطع بهما جميعاً. ويدخل في ذلك أنواع كثيرة من القياس، مما ينطبق عليها الوصف المذكور، ويمكن القول إن كل قياس مستنبط العلة فهو مظنون، لأن طرق استنباط العلة من دوران وسبر وتقسيم ومناسبة وشبه وطرد وغيرها، لا توصل إلى العلة بيقين، فضلاً عن أنها ليست مجال اتفاق بين الأصوليين. ونظراً إلى أن مفهوم الموافقة يعد عند أغلبهم من دلالة المنطوق فقد ذكرناه في مبحث النص، وما يجري مجراه، وبينا آراء العلماء فيما يتعلق بصحة نسبة الأقوال إلى الأئمة، وإن كانت مستنبطة عن طريقه. فيبقى بعد ذلك الكلام عن الأنواع الآتية: أ- ما قطع فيه بنفي الفارق. ب- ما نص على علته. ج- ما عرفت علته عن طريق الاستنباط. أولاً: ما قطع فيه بنفي الفارق: الذي ذهب إليه جمهور الأصوليين إنه إذا قطع بانتفاء الفرق بين المسألة التي لم يرد فيها عن الإمام شيء، ونظيرها من المسائل التي عرف فيها رأيه، هو جواز نسبة حكمها إليه، والقول بأن مذهبه فيها هو كذا. وقد نص أبو الحسين البصري (ت 436هـ) (¬2) على الحالات التي ¬

_ (¬1) شرح مختصر الروضة 3/ 355. (¬2) هو: أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، متكلم وأصولي وكان من أذكياء زمانه. سكن بغداد ودرس فيها إلى حين وفاته سنة 436هـ. من مؤلفاته: المعتمد في أصول الفقه، تصفح الأدلة في أصول الدين، الانتصار في الرد على ابن الراوندي، غرر الأدلة في الأصول، شرح الأصول الخمسة وشرح العمد للقاضي عبد الجبار في أصول الفقه. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 3/ 401، شذرات الذهب 3/ 259، هدية =

يجوز أن ينسب فيها الرأي إلى الأئمة تخريجاً، فذكر منها هذه الحالة. قال: (أن ينص في الحادثة على حكم وتكون الحال ظاهرة في أن لا فصل بينه وبين حكم آخر في الشريعة، ظهوراً لا يجوز أن يقع فيه الاشتباه) (¬1). وفي تعليلات أبي إسحاق الشيرازي (ت 476هـ) ما يدل على أخذه برأ] أبي الحسين. ففي جوابه عن اعتراض من قال بأن لا خلاف بين العلماء في أنه لو قال فيمن باع شقصاً مشاعاً من دار "للشفيع فيه الشفعة" فإن قوله هذا هو قوله في الأرض والبستان والحانوت، وإن لم يذكرها. قال: "إنما جعلنا قوله في الدار قوله في سائر ما ذكر ثم من العقار؛ لأن طريق الجميع متشابه، والفرق بينها وبين الدار وغيرها لا يمكن. وجوابه في بعضها جوابه في الجميع، وكلامنا في مسألتين يمكن الفرق بينهما (¬2) "، وإلى ذلك ذهب إمام الحرمين (¬3) (ت 478هـ) (¬4) وفخر الدين الرازي ¬

_ (¬1) = العارفين 2/ 68، معجم المؤلفين 11/ 20، والأعلام 6/ 275. () شرح العمد 2/ 334، والمعتمد 2/ 865، 866. وقد عين أبو الحسين البصري الحالات التي تجوز فيها نسبة المذهب إلى الإمام، وهي: أ- أن يحكم في المسألة بعينها بحكم معين. ب- "أن ينص على الحكم بلفظ عام يشتمله ويشتمل غيره، كأن يقول: الشفعة لكل جار". ج- أن ينص في الحادثة على حكم، وتكون الحال ظاهرة في أن لا فصل بينه وبين حكم آخر في الشريعة ظهوراً لا يجوز أن يقع فيه الاشتباه. د- أن يعلقه بعلة توجد في غيره، والمعلوم من حاله أنه لا يرى تخصيص العلة". المصدران السابقان في الهامش. (¬2) التبصرة ص 517، وشرح اللمع بتحقيق د. عبد المجيد التركي 2/ 1084 و1085. (¬3) الغياثي ص 421 (¬4) هو: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري الشافعي الأشعري الملقلب بضياء الدين المعروف بإمام الحرمين. من الفقهاء المتكلمين والأصوليين والمفسرين والأدباء. قرأ الفقه على والده والأصول على أبي القاسم الإسكاف. وتزود بأنواع العلوم من مشايخ عصره. قعد للتدريس وهو دون العشرين، وناظر المبتدعة، وظهرت فطنته وشاع ذكره منذ وقت مبكر. تنقل في البلدان وكان آخر-=

(ت 606هـ) (¬1) قال الرازي: (إما إذا لم يعرف قوله في المسألة، وعرف قوله في نظيرها، فهل يجعل قوله في نظيرها قولاً له فيها؟ فنقول: إن كان بين المسألتين فرق يجوز أن يذهب إليه ذاهب، لم يحكم بأن قوله في المسألة كقوله في نظيرها، لجواز أن يكون قد ذهب إلى الفرق، وإن لم يكن بينهما فرق، فالظاهر أن قوله في إحدى المسألتين قول له في الأخرى) (¬2). على أن هذا، وإن كان متفقاً عليه بين جمهور العلماء، إلا أنه في المجال التطبيقي يعسر ادعاء انتفاء الفرق، فلعل المجتهد لو عرضت عليه ¬

_ (¬1) = مطافه في نيسابور حيث توفي فيها سنة 478هـ. من مؤلفاته: البرهان في أصول الفقه، والورقات في أصول الفقه، ونهاية المطلب في دراية المذهب، والشامل في أصول الدين، والغياثي، والإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى 3/ 249، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 174، شذرات الذهب 3/ 358، هدية العارفين 1/ 626، معجم المؤلفين 6/ 184، الفتح المبين 1/ 206. () هو: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين التيمي البكري الطبرستاني الرازي الشافعي، الملقب بفخر الدين والمعروف بابن الخطيب، وهو قرشي النسب، وكان مولده بالري وإليها نسب. كان أحد أبرز المتكلمين والأصوليين والفقهاء والمفسرين، فضلاً عن كونه حكيماً وأديباً وشاعراً ومشاركاً في كثير من العلوم الشرعية والعربية والحكمية. رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان، ونال منزلة رفيعة في زمنه وصار صاحب ثروة وحظوة عند الملوك، وفي سنة 606هـ أدركته المنية في مدينة هراة، ودفن في جبل قريب منها. من أشهر مؤلفاته: المحصول والمنتخب في أصول الفقه، ومفاتيح الغيب في تفسير القرآن، والمعالم في أصول الدين، والمعالم في أصول الفقه، وعدد آخر من الكتب في موضوعات المعارف المتنوعة. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 3/ 381، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 216، شذرات الذهب 5/ 20، كشف الظنون 2/ 1615، هدية العارفين 2/ 107، معجم المطبوعات 1/ 916، الأعلام 6/ 313، معجم المؤلفين 11/ 79. (¬2) المحصول 2/ 441 (دار الكتب العلمية) و 2/ 2/ 523 تحقيق د. طه جابر.

المسألة لم يلحقها بما يشبهها في الظاهر، لوجود فرق عنده، والذي يؤيد ذلك أن كثيراً من المسائل التي ادعي فيها عدم الفرق أظهر بعض العلماء فيها فرقاً، وقد جاء ابن حجر الهيتمي (ت 973هـ) (¬1) على طائفة من هذه المسائل التي قيل بعدم الفرق بينها، وبين ما يخالف ذلك (¬2). ثانياً ما نص على علته: ونص الإمام على العلة قد يكون صريحاً، وقد يكون إيماء. ومن الصريح ما هو قاطع ومنه ما هو ظاهر. ولم أجد- فيما اطلعت عليه- تفصيلاً للعلماء في هذا الشأن، وأغلب ما نقل عنهم مطلق، ولم يقيد ذلك بنوع من أنواع المنصوص. ويظهر مما عرضته الكتب التي تناولت هذا الموضوع أن العلماء اختلفوا في ذلك على رأيين: 1 - الرأي الأول: جواز التخريج على ما نص الإمام على علته، أو أومأ إليها. وقد اختار ذلك الحسن بن حامد [ت 403هـ] وجعل من أمثلته جواب الإمام أحمد- رحمه الله- في المسكر، إنه حرام، فينسب إليه جميع أنواعه (¬3). ¬

_ (¬1) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي المصري الملقب بشهاب الدين، ولد في محلة أبي الهتم في إقليم الغربية بمصر مات أبوه وهو صغير فكفله من عني به من أهل العلم. انتقل إلى مقام أحمد البدوي فتلقي فيه مبادئ العلوم، ثم انتقل إلى الأزهر، وأخذ عن علمائه طائفة من العلوم، فتمكن من العلم واشتهر أمره، وأذن له في الإفتاء وهو دون العشرين. استقر بآخرة في مكة ومات فيها سنة 973هـ. من مؤلفاته: تحفة المحتاج في شرح المنهاج، وشرح الأربعين النووية، والصواعق المحرقة والزواجر وغيرها. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 8/ 370، والأعلام 1/ 234. (¬2) الاجتهاد وطبقات مجتهدي الشافعية للدكتور محمد حسن هيتو ص 46. وقد ذكر المؤلف أن الإمام ابن حجر بين هذه الفوارق في كتابه تحفة المحتاج فجاء بالعجب العجاب! ولاحظ في ذلك أيضاً: مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج للخطيب الشيخ محمد الشربيني 1/ 12. (¬3) تهذيب الأجوبة ص 37 و 38.

وجعل أبو الحسين البصري (ت 436هـ) ذلك من الأدلة على مذهب الإمام. قال: (ومنها أن يعلل الحكم بعلة توجد في عدة مسائل، فيعلم أن مذهب شمول ذلك الحكم لتلك المسائل سواء قال بتخصيص العلة أو لم يقل) (¬1) ومثل لذلك بما لو قال الإمام مثلاً: النية واجبة في التيمم، لأنه طهارة عن حدث، فإنه يعلم من ذلك أنه اعتقد أن وجوب النية لأجل هذه العلة، وبما أن العلة شاملة فإنه يعلم شمول حكمها لكل ما وجدت فيه العلة (¬2). وإلى ذلك ذهب أبو الخطاب وذكر أنه إذا نص في مسألة على حكم أو علل بعلة توجد في مسائل أخر فإن مذهبه في تلك المسائل مذهبه في المسألة المعللة، وقال: إن مذهب الإمام هو (ما نص عليه أو نبه أو شملته علته التي علل بها) (¬3) وكرر كلام أبي الحسين ومثاله في علة وجوب النية في التيمم (¬4). وهو اختيار ابن قدامة (ت 620هـ) (¬5) في الروضة (¬6)، كما أنه ¬

_ (¬1) المعتمد 2/ 866. (¬2) المصدر السابق. (¬3) التمهيد 4/ 372. (¬4) المصدر السابق 4/ 366 و 367 وبنى على ذلك أن مذهب الإمام- حينئذ- أن النية تجب في الوضوء وغسل الجنابة والحيض ... إلخ. (¬5) هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن قدامة العدوي القرشي الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الملقب بموفق الدين. كان من أئمة المذهب الحنبلي في زمانه عميق التفكير، أخذ علمه عن أعيان العلماء في بلده، ثم في بغداد والموصل ومكة. قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الموفق- رحمه الله- توفي في دمشق سنة 620هـ. ودفن في سفح جبل قاسيون. من مؤلفاته: المغني والكافي والمقنع والعمدة ومختصر الهداية لأبي الخطاب في الفقه، وروضة الناظر في أصول الفقه. وغير ذلك من الرسائل والكتب مختلفة الموضوعات. راجع في ترجمته: فوات الوفيات 1/ 433، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 133 - 149 وشذرات الذهب 5/ 88، والفتح المبين 2/ 53، والأعلام 4/ 67. (¬6) ص 379و 380.

اختيار ابن حمدان في صفة الفتوى. قال: (وقلت: إن نص الإمام على علته أو أومأ إليها كان مذهباً له، وإلا فلا ..) (¬1) واختاره ابن تيمية في المسودة أيضاً، سواء قيل بتخصيص العلة أو لا، كما هو الشأن عند من تقدمه من المجيزين، وعلل ذلك بأنه وإن قيل بتخصيص العلة (فإنما يصار إليه بدليل ولم ينقل من كلامه مخصص فأشبه العام الوارد من الشارع) (¬2) ونص على هذا الاختيار المرداوي (ت 885هـ) في الإنصاف (¬3)، والطوفي في شرح مختصر الروضة (¬4)، والفتوحي (ت 972) (¬5) في شرح الكوكب المنير، وقال: إنه الأصح (¬6). ومن الممكن أن نعد كل من جوز التخريج عن طريق القياس مطلقاً ممن يذهب إلى جواز التخريج على منصوص العلة بطريق أولى؛ لأن مرتبة العلة المنصوصة أقوى من مرتبة العلة المستنبطة. ومن هؤلاء إمام الحرمين (ت 478هـ) (¬7) وابن ¬

_ (¬1) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 88. (¬2) المسودة ص 525. (¬3) الإنصاف 12/ 252. (¬4) 3/ 638 و 639. (¬5) هو: أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي المصري الحنبلي الملقب بتقي الدين والشهير بابن النجار. ولد ونشأ في القاهرة، وتلقى علومه على والده، وعلى كبار علماء عصره. قضى حياته- بعد أن استوى على سوقه- في التعلم والتعليم والافتاء والجلوس في إيوان الحنابلة للقضاء والفصل في الخصومات. كان معروفاً بالصلاح والتقوى والفقه والزهد. قال الشعراني: صحبته أربعين سنة فما رأيت شيئاً يشينه، وما رأيت أحداً أحلى منطقاً منه، ولا أكثر أدباً مع جليسه. توفي سنة 972هـ. من مؤلفاته: منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات في الفقه الحنبلي، والكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير وشرحه في أصول الفقه. راجع في ترجمته: الأعلام 6/ 6، معجم المؤلفين 8/ 276. (¬6) 4/ 498. (¬7) الغياثي ص 425و 427.

الصلاح (¬1) (ت 643). على أننا ننبه هنا إلى أن بعض من جوز ذلك يمنع النسبة إلى الإمام صراحة، ومن هؤلاء ابن عابدين (ت 1252هـ)، وهو من علماء الحنفية، فإنه رفض أن ينسب إلى الإمام ما يخرجه المجتهد قياساً على قوله. وإنه "لا يقال: قال أبو حنيفة كذا إلا فيما روي عنه صريحاً". ولكنه جوز أن يقال: مقتضى مذهبه كذا (¬2) وقد استدل لهذا الرأي بطائفة من الأدلة، نذكر منها ما يأتي: أ- تعليل الإمام لحكمه دليل على تبعية الحكم للعلة (¬3). ولو لم يكن الأمر كذلك ما علل حكمه. وإذا كان الأمر كذلك لزم أن يكون حكم ما تحققت فيه العلة كحكم ما نص عليه. وأن يكون ذلك مذهبه. ما لم يوجد مانع من ذلك، والأصل عدمه. ب- إن العلة لما كانت شاملة وعامة كانت كاللفظ العام، (فكما أن كلام الإمام العام يدل على مذهبه فكذلك تعليله (¬4). وهذا متحقق سواء كان الإمام ممن يقول بتخصيص العلة فهو يعتقد الشمول، وإن كان يقول بذلك، فإن تخصيصها لا يكون إلا إذا دل عليه دليل كما هو الشأن في العموم (¬5). ج- إن إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص على علته واقع في كلام الشرع، فكذلك حكمه في كلام المجتهدين، بل وأولى (¬6). كتعليل النبي- صلى الله عليه وسلم- طهارة سؤر الهرة بقوله: (إنها من الطوافين) (¬7) فإنه ¬

_ (¬1) أدب المفتي والمستفتي ص 96. (¬2) شرح عقود رسم المفتي 1/ 25 من مجموعة رسائل ابن عابدين. (¬3) روضة الناظر ص 380، وشرح مختصر الروضة 3/ 638. (¬4) المعتمد 2/ 866، التمهيد 4/ 366و 367. (¬5) المصدران السابقان. (¬6) شرح مختصر الروضة 3/ 638و 639. (¬7) هذا النص جزء من حديث رواه الخمسة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت =

يلحق بها كل ما وجدت فيه علة الطواف. د- إن شبهة من ذهب إلى عدم الإلحاق هي احتمال ظهور الفرق بين المسألتين وأنه ربما لو عرضت المسألة الحادثة على المجتهد لقال فيها بغير ما قال في المسألة المقيس عليها (¬1)، وهذا المعنى غير متحقق فيما نص الإمام على علته، وقطع بوجودها في الفرع. 2 - الرأي الثاني: إنه لا يجوز أن ينسب إلى الإمام إلا ما نص عليه، أو دل عليه بما يجري مجرى النص وقد اختار ذلك: الشيخ أبو إسحاق الشيرازي (ت 476هـ) متمسكاً بأن (قول الإنسان ما نص عليه أو دل عليه بما يجري مجرى النص، وما لم يدل عليه فلا يحل أن يضاف إليه. ولهذا قال الشافعي- رحمه الله-: (لا ينسب إلى ساكت قول.) (¬2) ورد على استدلالات المجوزين بأن ما اقتضاه قياس قوله يجوز أن ينسب إليه كما يجوز أن ينسب إلى الله تعالى وإلى رسوله ما يقاس على أقوالهم، بعدم التسليم بصحة النسبة أيضاً فلا يجوز أن يقال عما قيس بأنه قول الله ولا قول رسوله، وإنما يقال: دين الله أو دين رسوله، بمعنى أنهما دلا عليه (¬3). وكلام الشيرازي مطلق، يتناول جميع ما يقال على نص الإمام، ولم يفصل عنه ما نص على علته. ومما استدل به أصحاب هذا الرأي: أ- إن قول الإنسان هو ما نطق به، والقياس ليس بنطق ممن نسبت ¬

_ (¬1) = ابن أبي قتادة. وهو أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءاً فجاءت هرة تشرب فأصغى لها الإناء حتى تشرب فيه. قالت كبشة فرآني أنظر فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قالت نعم فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات]. انظر تلخيص الحبير 1/ 410 ونيل الأوطار 1/ 35. () المعتمد 2/ 866، والتمهيد 4/ 367، شرح مختصر الروضة 3/ 638. (¬2) التبصرة ص 517 وشرح اللمع 3/ 1084. (¬3) المصدران السابقان، والبحر المحيط 6/ 127 و 128.

إليه نتيجته، فكان ذلك كمن نسب إلى الساكت قولاً ما قاله (¬1). وقد قال الشافعي- رحمه الله- لا ينسب إلى ساكت قول (¬2). ب- إن نسبة القول إلى المجتهد عن طريق القياس مما لا قطع بصحته، فهو من باب اتباع ما لا يعلم، وقد قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (¬3). ج- لو جازت نسبة القول إلى الإمام عن طريق القياس لجاز أن تنسب إليه أقوال غيره من العلماء من حيث القياس، وأن نعدها مذهباً له، وهذا باطل (¬4). ثالثاً: ما عرفت علته عن طريق الاستنباط: أما تخريج مذهب الإمام عن طريق قياس مستنبط العلة، فإنه يبدو أكثر تعقيداً مما سبق. وقد اختلف العلماء في جوازه، وفي صحة نسبة القول المخرج إلى الإمام، على الوجه الآتي: 1 - الرأي الأول: إنه لا يجوز أن ينسب مذهب إلى الإمام عن طريق القياس، وممن ذهب إلى هذا الرأي أبو بكر الخلال (ت 311هـ) وأبو بكر عبد العزيز بن جعفر البغوي المعروف بغلام الخلال (ت 363هـ)، وأبو علي حنبل بن إسحاق الشيباني (¬5) ابن عم الإمام أحمد بن حنبل (ت 273هـ) وإبراهيم بن إسحاق الحربي (ت 285هـ). ذكر ذلك الحسن بن حامد، وأضاف إليهم (وسائر من شاهدناه). وقد أنكر هؤلاء على أبي القاسم ¬

_ (¬1) تهذيب الأجوبة ص 38. (¬2) التبصرة ص 517. (¬3) تهذيب الأجوبة ص 40. والآية هي الآية رقم 36 من سورة الإسراء. (¬4) المصدر السابق ص 38 و 39. (¬5) هو أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل الشيباني ابن عم الإمام أحمد بن حنبل. تلقى العلم عن طائفة من العلماء منهم الإمام أحمد نفسه. كان فقير الحال، صدوقاً روى مسائل عن الإمام أحمد. مات بواسط سنة 273هـ. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/ 143، وشذرات الذهب 2/ 163.

عمر بن الحسين الخرقي (ت 334هـ) ما خرجه في كتابه عن طريق القياس (¬1). وكلام أبي إسحاق الشيرازي (ت 476هـ) المطلق الذي سبق ذكره يلزم منه رفض هذه النسبة في القياس المستنبط العلة من باب أولى. كما أن ظاهر كلام أبي الحسين البصري (ت 436هـ) عدم جواز النسبة أيضاً، لأنه قصر ما تصح إضافته إلى صاحب المذهب تخريجاً على ثلاثة أقسام، ليس منها قياس العلة المستنبطة (¬2)، ونص في المعتمد على عدم جواز نسبة قول له في مسألة تشبه مسألة نص على حكمها شبهاً يجوز أن يذهب على بعض المجتهدين (¬3). وقد تابعه أبو الخطاب (ت 510هـ) على ذلك، وجاء بعباراته نفسها مع تغيير يسير (¬4). وهو اختيار ابن قدامة (ت 620هـ) في الروضة (¬5)، والطوفي (ت 716هـ) في شرحه لمختصر الروضة (¬6) وابن حمدان (ت 695هـ) في الرعاية الصغرى. قال (قلت: إن كانت مستنبطة فلا نقل ولا تخريج) (¬7). والذي يظهر أن بعض محققي الشافعية كالإمام النووي (¬8) ¬

_ (¬1) تهذيب الأجوبة ص 36. (¬2) شرح العمد 2/ 334. (¬3) المعتمد 2/ 865 و 866. (¬4) التمهيد 4/ 367. (¬5) ص 380. (¬6) شرح مختصر الروضة 3/ 640. (¬7) الإنصاف 12/ 244 نقلاً عن الرعاية الصغرى لابن حمدان. (¬8) هو أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن الملقب بمحيي الدين النووي الفقيه الشافعي، ولد بقرية نوى من قرى حوران في بلاد الشام. تعلم القرآن في بلده، ثم ارتحل مع والده إلى دمشق وفيها تعلم، وسمع الحديث من طائفة من علماء الشام. عرف بالذكاء والفطنة والصبر على المذاكرة وتلقي العلم. قال عنه ابن السبكي: إنه أستاذ المتأخرين، وحجة الله على اللاحقين، والداعي إلى سبيل السالفين. وإلى جانب ذلك عرف بالورع والزهد ولي مشيخة دار الحديث ولم يأخذ من مرتبها شيئاً. توفي- رحمه الله- سنة 676هـ. ولم يتزوج. من مؤلفاته: المجموع في شرح المهذب في الفقه الشافعي، ورياض الصالحين، =

(ت 676هـ) يميلون إلى تصحيح كلام أبي إسحاق الشيرازي في عدم جواز نسبة ما يخرج عن طريق القياس إلى الإمام (¬1). وكلام ابن عابدين (ت 12528هـ)، في عدم جواز نسبة القول المخرج إلى الإمام، شامل لهذه الحالة من باب أولى (¬2). وقد استدل لهذا الرأي بطائفة من الأدلة، منها: أ- جميع أدلة منع نسبة الرأي المخرج عن طريق القياس منصوص العلة، فإنها تصلح أدلة لهم، بل إن هذا القياس المستنبط العلة أولى في نفي نسبة الرأي المخرج إلى الإمام عن طريقه، مما هو منصوص العلة. ب- إن في ذلك إثبات مذهب للإمام عن طريق القياس بغير جامع (¬3). ج- إن الشبه بين المسألتين مما يجوز خفاؤه على بعض المجتهدين، ولهذا فإنه من المحتمل ظهور الفرق للمجتهد، لو عرضت عليه المسألة التي لم ينص على حكمها، فيثبت لها حكماً غير حكم ما نص على حكمه. فكيف نثبت له حكماً يجوز أن يبطله بظهور الفرق له؟ (¬4). 2 - الرأي الثاني: إن ما قيس على كلام الإمام فهو مذهبه، وأنه يصح أن ينسب إليه. وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء. وقد اختاره أبو بكر الأثرم (ت 261هـ) وأبو القاسم عمر بن الحسين الخرقي (ت 334هـ) ¬

_ (¬1) = والإيضاح في المناسك، وتهذيب الأسماء واللغات، ومنهاج الطالبين وتحرير ألفاظ التنبيه وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى 5/ 165، وطبقات الشافعية لابن هداية الله الحسيني ص 225، وشذرات الذهب 5/ 354، والأعلام 8/ 149، والفتح المبين 2/ 81 و 82، ومعجم المؤلفين 13/ 202. () المجموع 1/ 66. (¬2) شرح عقود رسم المفتي 1/ 25. (¬3) شرح مختصر الروضة 3/ 640. (¬4) المصدر السابق.

وخرجا للإمام أحمد- رحمه الله- طائفة من الأقوال في كثير من المسائل (¬1). واختار الحسن بن حامد (ت 403هـ) الجواز، لكن لا بالقياس على أصل معين، بل بالقياس على ما يشبه القاعدة (¬2) وهذا أمر آخر ليس هو قياس العلة الذي نحن بصدده، وعلى هذا فنسبة الجواز إليه مشوبة بالمجازفة (¬3). وقد مال إمام الحرمين (ت 478هـ) إلى صحة نسبة ذلك إلى الإمام، وجعل العالم المحيط بقواعد المذهب والمتدرب في مقاييسه منزلاً في الإلحاق بمنصوصات الإمام منزلة المجتهد الذي يتمكن بطرق الظنون إلحاق غير المنصوص عليه في الشرع، بما هو منصوص عليه. كما أنه "أقدر على الإلحاق بأصول المذهب الذي حواه، من المجتهد في محاولته الإلحاق بأصول الشريعة" (¬4) وصحح ذلك ابن الصلاح (ت 643هـ)، وقال: إنه (الذي عليه العمل وإليه مفزع المفتين من مدد مديدة) (¬5). ومما استدل به لهذا الرأي: أ- قياس المخرج على نصوص الإمام، على المجتهد المطلق في استنباطه الأحكام الشرعية بالقياس على نصوص الشارع، بل إن المخرج أقدر على الإلحاق بأصول المذهب من المجتهد في محاولة الإلحاق بأصول الشريعة، نظراً إلى أن المذاهب قد مهدت ورتبت ونظمت وضبطت ومهدت فيها مسالك القياس والأسباب، ويسر للمخرج ما لم ييسر للمجتهد المطلق (¬6). ¬

_ (¬1) تهذيب الأجوبة ص 36. (¬2) المصدر السابق. (¬3) لاحظ نسبة ذلك إليه في صفة الفتوى ص 88، والمسودة ص 524. (¬4) الغباثي ص 425 و 426. (¬5) أدب المفتي والمستفتي ص 96. (¬6) الغباثي ص 425و 426 وأدب المفتي والمستفتي ص 96، وشرح مختصر الروضة =

ب- إن العلماء مجمعون في أجوبتهم وفتاويهم على بنائها على أصول الأئمة بالقياس (¬1)، وإن واقع ما هو مسطور في كتب الفقه يؤيد ذلك، ومما يعزز ذلك أن كثيراً من المسائل الفقهية، لا سيما في الفرائض ينقلون منها عن الصحابة مسائل مختلفاً فيها فيما بينهم، وهي في غالبها مفرعة على جنس ما نقل عنهم، ولم ينصوا عليها بأعيانها (¬2) وقد كان العلماء يخرجون على أصول أئمتهم حتى في زمان وجود المجتهدين المطلقين. فأصحاب أبي حنيفة مثلاً كانوا يفتون بمذهبه في زمان الإمام الشافعي والإمام أحمد وغيرهما من دون نكير، وإذا كان الأمر كذلك في زمن وجود المجتهدين اجتهاداً مطلقاً، جاز في حالة عدمهم بالطريق الأولى، أو بطريق الإجماع المتحقق من دون نكير (¬3). ج- لو لم يؤخذ بالقياس على أقوال الأئمة لتركت كثير من الوقائع خالية من الأحكام (¬4)، وهذا لا يجوز. تعقيب على وجهات النظر والاستدلالات. تلك هي وجهات نظر العلماء بشأن تخريج الأقوال عن طريق القياس، وجواز نسبتها إلى الأئمة، سواء كان منصوص العلة أو مما استنبطت علته. وعند تأمل آرائهم واستدلالاتهم يظهر لنا ما يأتي: 1 - إن الذين منعوا من ذلك يمكن أن يقال في أدلتهم ما يأتي: أ- إن قولهم إن القياس ليس بنطق ولا ينسب إلى ساكت قول، لا يسلم لهم في منصوص العلة؛ لأن ما نص على علته يجري مجرى النص ¬

_ (¬1) = 3/ 639. () تهذيب الجوبة ص 39. (¬2) تهذيب الجوبة ص 39. (¬3) التقرير والتحبير 3/ 346 و 347، وفواتح الرحموت 2/ 404. (¬4) تهذيب الأجوبة ص 39.

على الحكم، فهو غير مسكوت عنه، بل منطوق أ, جار مجرى المنطوق. ب- واستدلالاتهم بآية {ولا تقف ما ليس لك به علم} أو ما هو في معناها، غير وارد؛ لأنه لا يسلم لهم أن ما نص على علته هو مما لا علم به، فحيث نص الإمام على علة حكم دل ذلك على أن حكمه تابع للعلة، ووقع العلم بأن حكمه هو في كل مسألة تحققت بها العلة. والظن بتحقق ذلك كاف في الأحكام الشرعية. ج- وقولهم أنه لو جاز نسبة القول إلى الإمام عن طريق القياس لجازت نسبة أقوال غيره إليه عن طريقه، وهو باطل، ممنوع؛ لأنه إن نص على العلة فقوله ما تحققت فيه العلة، سواء قال بذلك غيره أو لم يقل. وما المانع من أن ننسب إليه أقوال غيره إن وافقها، ما دامت العلة التي نص عليها موجودة؟ لكن الممنوع هو أن ننسب إليه قول غيره، إن خالف علته التي نص عليها. د- وقول المانعين لذلك في مستنبط العلة، إن في ذلك إثبات مذهب للإمام عن طريق القياس بغير جامع، يحتاج إلى إيضاح، فإن المفترض في القياس أن يكون بجامع، وإلا فكيف يكون قياساً؟ هـ- وقولهم بجواز خفاء الشبه على بعض المجتهدين، وبجواز ظهور الفرق بين المسألتين صحيح. وقد بينا أن بعض العلماء تعرض لبعض المسائل المخرجة عن طريق القياس، فأظهر بينها طائفة من الفروق، لكن ذلك ليس فيما نص على علته. وبوجه عام فإن حجج المانعين إن اتجهت إلى القياس مستنبط العلة، فهي لا تتجه إلى ما كان منصوص العلة؛ لما ذكرنا أنه كالمنطوق أو ما جرى مجراه. 2 - أما الذين أجازوا ذلك فإن استدلالات من أجاز نسبة ما استنبط قياساً على منصوص العلة متجهة، لكن الذين أجازوا هذه النسبة حتى لو كانت العلة مستنبطة، لم يحالفهم التوفيق. فجعل نصوص الإمام بمنزلة نصوص

الشارع وقياسهم المجتهد على الشارع غير مقبول إطلاقاً، وقد سبق لنا أن ناقشنا ذلك في مسألة التخريج على أفعال وتقريرات الإمام. ونحن نعلم أن الشارع تعبدنا بنصوصه، وتعبدنا بإجراء حكم ما نبه على علته، في مسألة من المسائل، في كل مسألة وجدت فيها تلك العلة، إلا أن يرد ما يخصصها، وهذا الأمر غير متحقق في المجتهد (¬1). ولأن من الجائز أن يكون بين المسألتين فرق لم ينتبه إليه المخرج، فيخطئ في قياسه (¬2)، فضلاً عن أن المجتهد ليس معصوماً، والخطأ منه محتمل، والتناقض في أحكامه جائز. وخروجاً من مأزق نسبة القول إلى الإمام، وادعاء أنه قوله، ينبغي أن يحترز في التعبير، وأن يقال: مقتضى ما قاله في المسألة الفلانية هو كذا، أو قياس مذهبه هو كذا، كما اختار ذلك ابن عابدين (ت 1252هـ) (¬3)، والله أعلم. أمثلة للتخريج عن طريق القياس المستنبط العلة: 1 - إن المنصوص في مذهب الشافعية أن جراح العبد يكون من قيمته، كجراح الحر من ديته، لكنهم خرجوا قولاً آخر في المسألة، هو أن الواجب في جراحه، يكون بقدر ما حدث فيه من نقصان. فلو قطع ذكر العبد، وجب كمال قيمته على النص، كما هو الشأن في كمال الدية في الحر. وفي القول المخرج أنه لا يجب شيء، إذا لم يؤد ذلك إلى نقصان قيمته، قياساً على البهيمة (¬4). 2 - ومن ذلك ما لو نذر التصدق بمال، ونوى في نفسه قدراً معيناً، فقد نص أحمد- رحمه الله- في رواية أبي داود أنه لا يلزمه ما نواه. ¬

_ (¬1) المعتمد 2/ 867، والتمهيد 4/ 368. (¬2) التمهيد 4/ 368. (¬3) شرح عقود رسم المفتي 1/ 25 من مجموعة رسائل ابن عابدين. (¬4) الوجيز 2/ 148.

لكن أبا البركات خرج في تعليقه على الهداية قولاً باللزوم، قياساً على ما نص عليه أحمد- رحمه الله- فيمن نذر صوماً أو صلاة، ونوى في نفسه أكثر مما يتناوله اللفظ، أنه يلزمه ما نواه، لأن هذه مثل تلك (¬1). 3 - ومن ذلك أنهم نقلوا عن الإمام أحمد بشأن الشهادة على الشهادة روايتين، إحداهما نص عليها، وهي المصححة عندهم، أنه لا تثبت شهادة شاهدي الأصل إلا بشاهدين، فتثبت سواء شهدا على كل واحد منهما، أو شهدا على كل شاهد شاهد. وأخراهما أنه لا تثبت الشهادة إلا بأربعة شهود، يشهد على كل أصل فرعان. وذلك قياساً على عدم إثبات إقرار مقرين بشهادة اثنين، كل منهما على شاهد واحد (¬2). وخرجوا على هذه الرواية أنه يكفي شهادة فرعين بشرط أن يشهدا على كل واحد من الأصلين، لأن بهذا يتحقق المراد من شهادة فرعين على كل أصل (¬3). 4 - ومن ذلك ما ورد في كتب الشافعية بشأن حكم من يممه غيره، وكان قادراً على التيمم بنفسه، أنه يجوز ذلك كما يجوز في الوضوء. وهو مما نص عليه الشافعي في الأم، كما نص أيضاً على أنه إذا ألقت الريح عليه تراباً استوعب وجهه ويديه، وأمر يديه على وجهه، فإنه لا يجزيه ذلك. فخرج ابن القاص قولاً بعدم الجواز في الحالة الأولى، قياساً على الحالة الثانية. ¬

_ (¬1) قواعد ابن رجب ص 281. (¬2) المحرر 2/ 340 و 341، والنكت والفوائد السنية لابن مفلح في الموضع المذكور، والمغني 9/ 212 و 213 والقول بمقتضى هذه الرواية مما قطع به ابن هبيرة عن الإمام أحمد. وهو ظاهر ما نقل عن ابن بطة. كما أنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي في القول الآخر. (¬3) هو أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري ثم البغدادي: المعروف بابن القاص، بسبب أن والده كان يقص الأخبار والآثار، أو أنه نفسه كان يقوم بذلك. كان من أئمة فقهاء الشافعية في زمانه، توفي في طرسوس سنة 335 وقيل سنة 336هـ. من مؤلفاته: المفتاح في الفقه الشافعي، وأدب القاضي، والتلخيص في فروع الفقه= الشافعي

وقد استبعد جمهور علماء الشافعية أن يكون ذلك معدوداً في المذهب (¬1). 5 - ومن ذلك في مذهب أحمد- رحمه الله- أن الترتيب في الوضوء واجب، وقال في المغني: لم أر فيه اختلافاً، وهو مذهب الشافعي وأبي ثور (¬2) وأبي عبيد (¬3). لكنه ذكر أن أبا الخطاب حكى رواية أخرى عن أحمد أنه غير واجب وهو مذهب مالك والثوري (¬4) وأصحاب الرأي، وآخرين من السلف (¬5). وما ذكره ابن قدامة من حكاية أبي الخطاب هي تخريج له، وافقه عليه ابن عقيل، عن طريق القياس. ذلك أنه نقل عن أحمد أن الترتيب بين المضمضة والاستنشاق غير واجب، فقاس أبو الخطاب سائر أعضاء الوضوء ¬

_ (¬1) = راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 51، وطبقات الشافعية الكبرى 2/ 103، ومعجم المؤلفين 1/ 149. () المجموع 2/ 235. (¬2) هو إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي. كان من الفقهاء المعروفين، ومن أصحاب الشافعي. توفي سنة 240هـ وقيل سنة 246هـ. له مؤلفات عدة، منها اختلاف مالك والشافعي. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 7، وشذرات الذهب 2/ 93، والأعلام 1/ 37. (¬3) الظاهر أن المراد من ذلك هو علي بن الحسين بن حرب الملقب بأبي عبيد. كان فقيهاً مجتهداً من أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي، وكان قاضياً. ولد ببغداد وتوفي فيها سنة 319هـ. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 2/ 281، والأعلام 4/ 277. (¬4) هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الكوفي. كان من أئمة علماء زمانه في الفقه والحديث والتفسير. وأحد كبار المجتهدين. عرف بورعه وزهده وكونه ثقة فيما يرويه. توفي في البصرة سنة 161هـ على الصحيح. من مؤلفاته: الجامع الكبير، والجامع الصغير في الحديث، وكتاب الفرائض. وجمع له بعضهم كتاباً في التفسير، مما تناثر من أقواله في ذلك، في كتب التراث. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 127، والجواهر المضية 2/ 227، والأعلام 3/ 104. (¬5) المغني 1/ 136.

على ذلك (¬1)، ونسب إلى أحمد- رحمه الله- رواية أخرى، أنه لا يرى وجوب الترتيب. وقد ضعف هذا التخريج، بتقوية الرواية الأخرى وتقريرها بالأدلة (¬2). 6 - ومن ذلك ما لو اقتسم الشريكان داراً، فحصل الطريق في نصيب أحدهما، ولم يكن للآخر منفذ يتطرق منه. فقد ذهب أبو الخطاب إلى بطلان القسمة، وبرأيه أخذ ابن قدامة وأبو البركات (¬3) ووجه هذا الرأي أن القسمة تقتضي التعديل، والنصيب الذي لا طريق له ذو قيمة قليلة، فلا تتحقق العدالة في القسمة، ولأن من شرط الإجبار على القسمة، أن يكون ما يأخذه كل واحد من الشريكين مما يمكن الانتفاع به، وهذا الشرط غير متحقق في القسمة المذكورة (¬4). وخرج ابن قدامة في المسألة وجهاً آخر، هو تصحيح القسمة، مع الاشتراك في الطريق، وذلك عن طريق القياس على نص الإمام أحمد- رحمه الله- في اشتراكها في مسيل الماء. ففي قوم اقتسموا داراً كانت أربعة أسطح يجري عليها الماء، فلما اقتسموا أراد أحدهم منع جريان ماء الآخر عليه، وقال: هذا شيء قد صار لي. قال أحمد-: إن كان بينهما شرط أنه يرد الماء فله ذلك. فإن لم يكن فليس له منعه (¬5). وكلام أحمد هذا ليس فيه إبطال القسمة، بل تجويزها، مع عدم إعطاء ذي الماء حقاً يمنعه عن غيره. ففي المسألة قياس الطريق على مجرى الماء بجامع انتفاء المنفعة في الأرض، أو نقصانها بمنع الماء أو المرور فيها. ¬

_ (¬1) المنهج الأحمد 2/ 238. (¬2) المغني 1/ 136. (¬3) المغني 9/ 131، وقواعد ابن رجب ص 416، والمحرر 2/ 218. (¬4) المغني في الموضع السابق. (¬5) المغني في الموضع السابق، والإنصاف 11/ 367.

المطلب الثاني النقل والتخريج

المطلب الثاني النقل والتخريج ومما يتفرع على مسألة ما قيس على كلام الإمام هل هو مذهب له، ما إذا نص الإمام في مسألة على حكم، ونص في غيرها من المسائل التي تشبهها على حكم آخر، يخالف حكمه في المسألة الأخرى، فهل يخرج له حكم آخر في كل مسألة بالقياس على المسألة المخالفة، فينقل جوابه في إحداهما إلى الأخرى، فيكون له في كل مسألة قولان: أحدهما بنصه، والآخر بالتخريج عن طريق القياس (¬1). لقد عرفت هذه المسألة عندهم بمصطلح (النقل والتخريج) (¬2)، وبعضهم اكتفى بإطلاق التخريج عليها، مع أنه صرح بأن فيها نقلاً وتخريجاً، فكأنه اكتفى بما هو الأساس الذي بني عليه النقل. قال الخطيب الشربيني (¬3): (والتخريج أن يجيب الشافعي بحكمين مختلفين في صورتين متشابهتين، ولم يظهر ما يصلح للفرق بينهما، فينقل الأصحاب جوابه في كل صورة إلى الأخرى، فيحصل في كل صورة منهما قولان: منصوص ومخرج، ¬

_ (¬1) شرح مختصر الروضة 3/ 644. (¬2) شرح مختصر الروضة 3/ 644، والوسيط في المذهب للغزالي 1/ 432، 2/ 724. (¬3) هو محمد بن أحمد الشربيني القاهري الشافعي. الملقب بشمس الدين والمعروف بالخطيب الشربيني، تلقى العلوم عن طائفة من مشايخ عصره، وتصدر للتدريس والإفتاء في حياة أشياخه. أثنى عليه أهل مصر ووصفوه بالصلاح والتقوى، وبمتانة العلم. توفي سنة 977هـ. من مؤلفاته: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للنووي، والسراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير، في التفسير. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 8/ 384، ومعجم المؤلفين 8/ 269.

المنصوص في هذه هو المخرج في تلك، والمنصوص في تلك هو المخرج في هذه، فيقال: فيهما قولان بالنقل والتخريج) (¬1). وقبل الكلام عن حكم ذلك، نذكر طائفة من الأمثلة المبنية على هذا الأساس، ليتضح بها هذا الموضوع: 1 - فمن ذلك أن الإمام الشافعي- رحمه الله- نص على أن المسافر في آخر الوقت يقصر، ونص في الحائض إذا أدركت أول الوقت، أنه تلزمها الصلاة. فقالت طائفة من علماء الشافعية في كل من المسألتين: قولان بالنقل والتخريج، أحد القولين أنه يلزم بأول الوقت الإتمام على المقيم، قياساً على قوله في الحائض، إذا أدركت أول الوقت. والثاني لا يلزم بناء على نصه في ذلك. فقد نقل قوله في الحائض إلى المسافر. فجعلوا له في كل من الحالتين قولين: أحدهما بالنص والآخر بالتخريج (¬2). 2 - ومن ذلك ما ورد أن الشافعي- رحمه الله- نص، في الاجتهاد في الأواني، أنه إذا اجتهد فيها، وغلب على ظنه طهارة أحدهما استعمله وأراق الآخر، فإن استعمل ما غلب على ظنه طهارته ولم يرق الثاني، ثم تغير اجتهاده بأن غلب على ظنه عكس الاجتهاد الأول، أي غلب على ¬

_ (¬1) مغني المحتاج 1/ 12 ونشير هنا إلى أن الطوفي قد ذكر فرقاً بين هذا المصطلح ومصطلح التخريج، وادعى أن التخريج ما كان من القواعد الكلية للإمام أو الشرع أو العقل، وأن النقل والتخريج ما كان من القياس على نص الإمام. ولم أجد فيما اطلعت عليه من كلام العلماء ما يؤيد هذه المقولة، والذي ورد في عباراتهم إطلاق التخريج، على ما كان من القواعد، وعلى ما كان من القياس على نص الإمام، وعلى ما كان من مفهوم كلامه أو أفعاله أو غير ذلك. (¬2) الوسيط للغزالي 2/ 724، فتح العزيز (مع المجموع للنووي) 4/ 459 - 460. ونشير هنا إلى أن هناك طريقين عند فقهاء الشافعية، إحداهما ما ذكرناها في المتن من النقل والتخريج، وأخراهما تقرير النصين، مع بيان الفرق بين الحائض والمسافر. لاحظ: المصدرين السابقين.

ظنه طهارة ما ظنه نجساً ونجاسة ما ظنه طاهراً، فإن الشافعي قال: لا يعمل بالاجتهاد الثاني لئلا ينتقض الاجتهاد باجتهاد مثله، بل يخلطان أو يريقهما ويتيمم. وفي الاجتهاد في القبلة نص على أن المصلي لو اجتهد في القبلة، وغلب على ظنه أنها في جهة الغرب، مثلاً، ثم تغير اجتهاده، فإنه يغير اتجاهه ويعمل بالثاني، حتى أنه لو تغير اجتهاده أربع مرات فإنه يصلي إلى أربع جهات. فهاتان المسألتان متشابهتان نص فيهما على حكمين مختلفين هما عدم جواز العمل بالاجتهاد الثاني في المسألة الأولى، وجوازه في المسألة الثانية. فخرجوا لكل من المسألتين قولاً من نظيرتها، فصار له في الاجتهاد في الأواني قولان: قول منصوص، هو أن لا يعمل بالاجتهاد الثاني، وقول مخرج على مسألة القبلة وهو أن يعمل بالاجتهاد الثاني. كما صار له في الاجتهاد في القبلة قولان: قول منصوص، وهو العمل بالاجتهاد الثاني، وقول مخرج على مسألة الاجتهاد في الأواني وهو عدم جواز العمل بالاجتهاد الثاني (¬1). 3 - ومما يمثل ذلك في فقه الحنابلة ما جاء في المحرر في باب ستر العورة (فإن لم يجد إلا ثوباً نجساً صلى فيه وأعاد. نص عليه. ونص فيمن جلس في موضع نجس فصلى أنه لا يعيد فيخرج فيها روايتان) (¬2) وقد شرح الطوفي (ت 716هـ) ذلك بقوله: (ذلك لأن طهارة الثوب والمكان كلاهما شرط في الصلاة، وهذا وجه الشبه بين المسألتين، وقد نص في الثوب النجس أنه يعيد، فينقل حكمه إلى المكان، ويتخرج فيه مثله، ونص في الموضع النجس على أنه لا يعيد، فينقل حكمه إلى الثوب النجس فيتخرج فيه مثله، فلا جرم صار في كل واحدة من ¬

_ (¬1) الاجتهاد وطبقات مجتهدي الشافعية للدكتور محمد حسن هيتو ص 45 و 46. وراجع الحكمين في: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 113، والمنثور للزركشي 1/ 94. (¬2) المحرر في الفقه لمجد الدين أبي البركات ابن تيمية (ت 652هـ) 1/ 44 و45.

المسألتين روايتان إحداهما بالنص والأخرى بالنقل) (¬1). 4 - ومن ذلك أن المعروف في المذهب الشافعي، بشأن إباحة التيمم، أنه لو تيقن وجود الماء في حد القرب، فإنه يلزمه السعي إليه. وأما إذا كان بين الرتبتين فقد نص الشافعي على أنه يلزمه الوضوء، إن كان على يمين المنزل ويساره. ونص أيضاً على أنه إذا كان قدامه على صوب مقصدة، فلا يلزمه. وقد اختلف علماء الشافعية في ذلك على طريقين: أحدهما: تقرير النصين، والعمل بكل منهما في موضعه. والثاني: جعل المسألة على قولين بالنقل والتخريج، أي يقاس حالة ما إذا كان في صوب المنزل على حالة ما إذا كان في يمينه أو شماله، وبقياس حالة ما كان في يمينه أو شماله على حالة ما إذا كان في صوب المنزل فيكون له في كل من الحالتين قولان: أحدهما بنصه والآخر بالتخريج قياساً على الحالة الأخرى. وقد اعترض بعض العلماء على ذلك، مبيناً أن بين النصين فرقاً، لأن ما كان على يمين المنزل أو يساره فهو منسوب إلى المنزل، ومن عادة المسافر التردد إليهما، بخلاف حالة التقدم نحو قصد المسافر والرجوع إلى الخلف، فإنه ليس بمعتاد (¬2). 5 - ومن ذلك من الفقه الشافعي، أنه إذا وجد الماء وكثر عليه الواردون وتزاحموا، فإن توقع أنه إذا انتظر نوبته لاستقاء الماء لم يخرج الوقت، لم يتيمم، إذ احتمال فرصة الوضوء قائمة، وإن علم أنه لا تنتهي إليه ¬

_ (¬1) شرح مختصر الروضة للطوفي 3/ 641 وانظر نقل ابن بدران ذلك في كتابيه: نزهة الخاطر العاطر 2/ 443 وما بعدها والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص 135، وانظر أصول ابن مفلح بتحقيق د. فهد السدحان 4/ 954. وانظر تفصيل ذلك في الإنصاف 1/ 461. (¬2) الوسيط 1/ 433، والوجيز 1/ 19، وفتح العزيز مع شرح المجموع 2/ 205.

النوبة إلا بعد الوقت، فقد حكي أن الشافعي نص على أنه يصبر إلى أن يتوضأ، ولا يبالي بخروج الوقت. ونقل عنه أنه نص فيما لو حضر جماعة من العراة وليس ثم إلا ثوب واحد يصلون فيه بالتناوب، وعلم أن النوبة لا تنتهي إليه إلا بعد خروج الوقت، إنه يصبر ولا يصلي عارياً كالمسألة السابقة، ولكنه نص أيضاً على أنهم لو اجتمعوا في سفينة، أو بيت ضيق، وهناك موضع واحد يمكن فيه الصلاة قائماً، أنه يصلي في الوقت قاعداً، ولا يصبر إلى انتهاء النوبة إليه، بعد الوقت. وهذا مخالف لنصه في المسألتين السابقتين، فاختلف الشافعية في ذلك على طريقين: أحدهما عدم التفريق بين هذه المسائل، والذهاب إلى أن له في كل منها قولين بالنقل والتخريج، بقياس كل منها على الأخرى. فيصلي في الوقت بالتيمم وعارياً وقاعداً، مراعاة لحرمة الوقت. والثاني هو إقرار النصوص على حالها، والقول بالتفريق، على أساس أن أمر القعود أسهل من أمر الوضوء وستر العورة. ولهذا فإنه يجوز ترك القيام في النفل، بخلاف التيمم وكشف العورة. ولبعض علمائهم نزاع في هذا التفريق (¬1). والشاهد في هذا هو الطريق الأول الذي لم يفرق بين المسائل، وجعل للإمام قولين بالنقل والتخريج في كل منها. 6 - ومن ذلك أنه ورد النص عن الإمام الشافعي- رحمه الله- بعدم جواز قعود المصلي في صلاة الجنازة، مع القدرة على القيام. وقطع الجمهور من الشافعية بركنية القيام فيها (¬2). وذهب بعض الشافعية من الخرسانيين، إلى تخريج قول بالجواز، كما هو الشأن في النوافل، لأن الصلاة ليست من فرائض الأعيان. خرجوه من إباحة جنائز بتيمم واحد. ولا يصلى بتيمم واحد فرضان. ولهم وجه آخر، هو، إن تعينت الصلاة لم يصح إلا قائماً كما هو الشأن ¬

_ (¬1) فتح العزيز 2/ 218 - 221. (¬2) الوجيز 1/ 22، والمجموع 5/ 222.

في الفرائض العينية، وإن لم تتعين صحت صلاته قاعداً، كما هو الشأن في النوافل. ففي المسألة إذن قولان أو وجهان بالنقل والتخريج (¬1). 7 - ومن ذلك إقرار العبد بالجنايات المستلزمة للعقوبات، المذهب عند الحنابلة صحة ذلك، لأن الرق غير مانع منه، لأن العبد مكلف قادر على التزامها، ولا نظر إلى إبطال حق السيد لانتفاء التهمة في ذلك (¬2). مع اختلاف العلماء في التفريق بين ما يوجب القصاص في النفس، أو ما دونها. وفي المذهب إن الإقرار بجناية توجب مالاً لا تقبل، كما ذكره القاضي. فذهب بعض العلماء إلى تخريج رواية أخرى في الإقرار بالجنايات المستلزمة للعقوبات، هي عدم القبول، قياساً على الإقرار بما يوجب المال. فيكون في مسألة الإقرار بالعقوبات، عنده، روايتان بالنقل والتخريج. إحداهما: يقبل لانتفاء التهمة. والأخرى: لا يقبل، لأنه إقرار على مال السيد، فلا يقبل قياساً على الإقرار بالديون (¬3). وبعد توضيح معنى النقل والتخريج بالشرح والمثال، نذكر أن هذا النمط، وإن ورد في الكتب الفقهية، إلا أن العلماء لم يتفقوا على تأصيله، ولا على تجويز نسبة ما يخرج وينقل إلى الإمام، بل اختلفوا في ذلك. والمقصود من العلماء المختلفين، العلماء الذين جوزوا التخريج بناءً على القياس، أما الرافضون لذلك فليس بينهم خلاف في منع مثل هذا التخريج، بل هو أولى بالمنع من غيره، لأنهم إذا لم يجيزوا نقل الحكم إلى ما سكت عنه الإمام، فلأن لا يجيزون ذلك إلى ما نص على خلافه أولى. وبوجه عام ¬

_ (¬1) الوجيز في الموضع السابق. (¬2) القواعد والفوائد الأصولية ص 232 - و 233. (¬3) المصدر السابق.

فإن وجهات نظر العلماء بشأن هذه المسألة تدخل في إطار الأقوال الآتية: 1 - القول الأول: عدم جواز ذلك، وممن ذهب إلى ذلك الحسن بن حامد (ت 403هـ) (¬1) وأبو الخطاب (ت 510هـ) (¬2) وابن قدامة المقدسي (ت 620هـ) (¬3) وأبو الحسن الآمدي (ت 631هـ) (¬4) وأبو الحسين البصري (ت 436هـ) في حالة ما إذا أمكن أن يفرق بينهما بعض المجتهدين (¬5). ولم أجد- فيما اطلعت عليه- تصريحاً لأصوليي الحنفية بهذا الشأن، لكنهم ذكروا انه لا يصح أن يكون للمجتهد في مسألة أو مسألتين لا فرق بينهما قولان؛ لما في ذلك من التناقض بخلاف اختلاف الرواية، فإنه ليس من المجتهد ولكنه من الناقل (¬6) ويلزم من هذا أنهم لا يجيزون النقل والتخريج؛ لأنهم حينما منعوا نسبة القولين المنصوصين في المسألة الواحدة إليه، فلأن يمنعوا ذلك فيما لم ينص عليه أولى (¬7)، وقد احتج أصحاب هذا القول بطائفة من الأدلة، منها: أ- القياس على نصوص الشارع، فإنه إذا نص الشارع، في مسألة ما، على ¬

_ (¬1) تهذيب الأجوبة ص 204. (¬2) التمهيد 4/ 367. (¬3) روضة الناظر ص 380. (¬4) الأحكام 4/ 302 وقد بين وجهة نظره فيما إذا وجدت مسألتان متشابهتان نص الإمام فيهما على حكم مختلف وطريقة معالجة مثل ذلك. (¬5) المعتمد 2/ 863 ويرى أبو الحسين، أيضاً أنه إن لم يمكن أن يذهب بعض المجتهدين إلى الفرق بينهما، فإنه يجري نصه فيها مجرى النص في المسألة الواحدة على قولين مختلفين، ولذلك حكم خاص (المعتمد 2/ 863). (¬6) التحرير بشرح التقرير والتحبير 3/ 334، وبشرح تيسير التحرير 4/ 232 ومسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت 2/ 394. (¬7) تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من الأقوال للدكتور عياضة السلمي ص 133 العدد السابع (من مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1413هـ/ 1992م).

حكم، ونص في مسألة أخرى تشبهها على حكم يخالف حكم ما نص عليه في المسألة الأخرى، فإنه لا يجوز نقل حكم إحداهما إلى الأخرى، كنصه في صوم الظهار على التتابع، وفي صوم التمتع على التفريق، فإنه لا يجوز أن نلحق أحدهما بالآخر (¬1). ونظراً إلى أن طريق فهم النصوص وتفسيرها واحد، فينبغي أن لا يجوز الإلحاق في نصوص المجتهد أيضاً. ب- إن الظاهر من نص المجتهد على حكمين مختلفين في المسألتين، أن مذهبه في إحداهما غير مذهبه في الأخرى، فالتسوية بينهما في الحكم مخالفة لما يظهر من نصه فلا تجوز (¬2). ج- إن مثل هذا النقل والتخريج يعد إحداث جواب مبتدأ لا نص للمجتهد فيه، ولا دخل له في كلامه، بل إنه نص على خلافه فلا يجوز (¬3). د- إن الظاهر من إفتاء المجتهد بحكمين مختلفين في المسألتين المتشابهتين، أنه وجد بينهما فرقا، لم ينتبه إليه غيره (¬4)، فلا يجوز إلحاق إحداهما بالأخرى تخريجاً ونقلاً. 2 - القول الثاني: جواز ذلك. وممن ذهب إلى هذه الوجهة طائفة من علماء الشافعية (¬5)، ولكن تجويز ذلك ليس مطلقاً، بل اشترطوا فيه أن لا يجد بين المسألتين فارقاً، وإن لم تكن هناك علة جامعة، فهو من قبيل إلحاق الأمة بالعبد في ¬

_ (¬1) التمهيد 4/ 369. (¬2) المصدر السابق. (¬3) تهذيب الأجوبة ص 204. (¬4) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 88 و 89. (¬5) التمهيد 4/ 361 المجموع 1/ 44 والإبهاج 2/ 59 ونسب ذلك إلى القاضي أبي حامد المروزي، وإلى أبي بكر الصيرفي. وقال: إنه مذهب داود ومعظم الحنابلة.

قوله – صلى الله عليه وسلم- "من أعتق شركاً له في عبد قوم عليه" (¬1). وفي المجال التطبيقي نجد أنهم خرجوا ونقلوا كثيراً في طائفة من المسائل، أظهر فيها كثير من العلماء فرقاً. وجواز التخريج والنقل هو أحد الوجهين عند الحنابلة أيضاً (¬2)، واختار الطوفي جواز ذلك، إذا كان بعد البحث والجد ممن هو أهل للنظر والبحث (¬3). وقال المرداوي، بشأن اختيار الطوفي هذا: (قلت وكثير من الأصحاب على ذلك) (¬4). وذكر ابن حمدان أن النقل والتخريج إذا أفضى إلى خرق إجماع، أو رفع ما اتفق عليه الجم الغفير من العلماء، أو عارضه نص كتاب أو سنة لم يجز (¬5). وقد احتج أصحاب هذا الرأي بطائفة من الأدلة، منها: أ- لما كان الظاهر من المسألتين أنهما من جنس واحد، فإن الجواب في إحداهما يُعد كالجواب فيهما، إذ لا فرق في ذلك، ما دامت المسألتان من جنس واحد (¬6). ب- إن الشارع إذا نص على حكم مسألة، ورأى بعض المجتهدين مسألة أخرى تشبهها، فإنه يلحقها بحكمها، كنص الشارع على تقييد الرقبة بالإيمان في كفارة القتل الخطأ، وإطلاقها في كفارة الظهار، فقد قسنا إحداهما على الأخرى وشرطنا الإيمان فيهما، وإذا كان الأمر كذلك في ¬

_ (¬1) أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح ص97، والمجموع للنووي 1/ 44. والحديث رواه البخاري في الشركة في عدد من الأبواب، ورواه مسلم في الإيمان باب من أعتق شركاً له في عبدٍ، وأبو داود في العتق، والترمذي في الأحكام والنسائي في البيوع ومالك في الموطأ. (¬2) صفة الفتوى ص88. (¬3) شرح مختصر الروضة 3/ 641. (¬4) الإنصاف 12/ 244. (¬5) صفة الفتوى ص89. (¬6) تهذيب الأجوبة ص204.

نصوص الشارع فينبغي أن يكون كذلك في نصوص المجتهد (¬1) لأن طريق فهمها ودلالتها واحد. ج- لو قال المجهد الشفعة لجار الدار وجبت لجار الدكان، لأنه لا فرق بينهما. فهذا نقل لحكم مسألة إلى نظيرتها (¬2) وإذا جاز النقل في ذلك جاز في غيره، إذا التفريق بين ذلك تحكم. 3 - القول الثالث: جواز التخريج في حالة البعد الزمني بين المسألتين، وفق أسس خاصة، وهذا ما اختاره ابن حمدان (ت 695هـ). وقد أضاف إلى شروط المجوزين الآخرين شروطاً أخرى لم يذكروها. ومجمل ما اشترطه لجواز التخريج والنقل ما يأتي: أ- أن لا يفرق الإمام بين المسألتين صريحاً. ب- أن لا يمنع النقل والتخريج بين المسألتين. ج- أن لا يفضي النقل والتخريج إلى خرق الإجماع، أو معارضة نصوص الكتاب أو السنة. د- أن لا يؤدي إلى رفع ما اتفق عليه الجم الغفير. هـ- أن لا يكون زمن إحدى المسألتين قريباً من الأخرى، بحيث يُظن أنه ذاكر حكم الأولى، حين أفتى بالثانية. فإذا ما تحققت هذه الشروط، وكان الإمام بعيد العهد بالمسألة الأولى ودليلها، جاز التخريج. وحينئذٍ ينظر إلى المسألتين، ولا تخلو الحال من أمرين الأول أن يُعلم تاريخهما فتعلم المتأخرة منهما، والأمر الآخر أن تجهل المسألة المتأخرة منهما. ¬

_ (¬1) التبصرة: ص516، والمعتمد 2/ 866 و867 والتمهيد 4/ 369. (¬2) التمهيد 4/، 370، شرح اللمع بتحقيق د. عبد المجيد تركي 2/ 1084 لكن كلامه كان متعلقاً بالتخريج بوجه عام.

ففي الحالة الأولى- وهي العلم بالتاريخ- ينقل حكم الثانية إلى الأولى في الأقيس، ولا ينقل حكم الأولى إلى الثانية، إلا إذا جعلنا أول قوليه في مسألة واحدة مذهباً له، مع معرفة التاريخ، أو بتعبير آخر أنه لا يجوز إلا إذا جوزنا أن يكون للمجتهد قولان في مسألة واحدة مع معرفة التاريخ، وفي الحالة الثانية- وهي الجهل بالتاريخ- يجوز نقل حكم أقربهما من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو الأثر أو قواعد الإمام وأصوله إلى الأخرى في الأقيس، ولا عكس، إلا إذا جعلنا أول قوليه في مسألة واحدة مذهباً له مع معرفة التاريخ، أي تجويز أن يكون له قولان في مسألة واحدة مع معرفة التاريخ (¬1). وجهة نظر ابن حمدان أن المجتهد في حالة قرب الزمن بين المسألتين يتحقق الظن بأنه ذاكر حكم الأولى، حين افتائه بالمسألة الثانية، ولهذا لا يجوز نقل الحكم ولا تخريجه، لأنه لولا ظهور دليل الحكم للمجتهد في المسألة الثانية وظهور فرق له فيها عن نظيرتها، مع ذكره لها ولدليلها، لما أفتى بما أفتى به في المسألة الثانية ولسوى بين المسألتين. أما في حالة بعد الزمن فإنه من المحتمل التسوية بين المسألتين عنده (¬2)، كما أنه من المحتمل أن يكون قد نسي فتواه الأولى، فكرر الاجتهاد وتغير رأيه، فتكون فتواه في الثانية رجوعاً عن فتواه الأولى، فلا تجوز نسبتها إليه إلا على القول بجواز نسبة قولين للمجتهد في مسألة واحدة مع معرفة التاريخ (¬3). تعقيب على الآراء والاستدلالات: بعد عرض ما تقدم من استدلالات لأقوال العلماء في المسألة، وتأملها جيداً، ترجح لنا أن الصواب كان مجانباً لمن جوز النقل والتخريج، لما فيه ¬

_ (¬1) صفة الفتوى ص 88 و 89. (¬2) المصدر السابق. (¬3) تحرير المقال للدكتور عياضة السلمي ص 66.

من نسبة أقوال للأئمة نصوا على خلافها، وحينما رجحنا جواز التخريج عن طريق القياس، إنما رجحناه فيما سكت عنه الإمام لا فيما نص على خلافه، وقلنا أنه- مع ذلك- محتمل، ولهذا فلا يصح أن ينسب إليه، ويقال: قال فلان، وإنما يستحسن اتباع ما اختاره ابن عابدين من قوله: مقتضى ما قاله في المسألة الفلانية هو كذا، أو قياس مذهبه كذا .. ولهذا فإن استدلالات المانعين من نسبة الأقوال إلى الأئمة عن طريق النقل والتخريج كانت متجهة وليس في استدلالات أصحاب الآراء الأخرى ما يخدش تلك الأدلة، أما استدلالات المجيزين فضعيفة، وقد نوقشت من قبل من منعوا التخريج بما يأتي: 1 - نوقش دليلهم الأول بأنه لا يسلم لهم أن الجواب في أحد أفراد الجنس يعد جواباً لسائر الأفراد، ولو كان ما قالوه صحيحاً لكان ما ثبت من جواب في مسألة من مسائل الصلوات جائز النقل إلى مسائل الصلاة الأخرى، كنقل مسألة من صلى قاعداً مريضاً إلى من صلى قاعداً قادراً صحيحاً، ومثل هذا لا يجوز اتفاقاً (¬1). 2 - ونوقش دليلهم بالقياس على نص الشارع بالفرق، فصاحب الشرع تعبدنا بالقياس ودلنا عليه. ولم يحصل ذلك من قبل المجتهد، كما أنه من الجائز أن يذهب العالم إلى الفرق بين المسألتين، فيخطئ المخرج في عدم إدراكه لذلك الفرق، وهذا غير متحقق في نصوص الشارع (¬2). ونوقش قولهم بتشبيه حالة النقل بحالة قياس كفارة الظهار على القتل الخطأ في نصوص الشارع، بأنه خارج عن محل النزاع، لأن الشارع في الكفارة صرح في إحداهما وسكت في الأخرى، فقسنا المسكوت على المنطوق، بخلاف المسألة المتنازع فيها، فإن المجتهد صرح في كل ¬

_ (¬1) تهذيب الأجوبة ص 204. (¬2) التمهيد 4/ 368.

واحدة من المسألتين بخلاف الأخرى فلا يجوز (¬1). وصار ذلك كتنصيصه في صوم الظهار على التتابع، وفي صوم التمتع على التفريق، فلا يجوز إلحاق إحداهما بالأخرى اتفاقاً (¬2). 3 - ونوقش دليلهم الثالث بأنه ليس نظير المسألة المتنازع فيها، لأن النقل إنما تحقق إلى مسكوت عنه. ونظير هذه المسألة أن يقول: الشفعة لجار الدار ولا شفعة في الدكان. وفي مثل ذلك لا يجوز النقل (¬3). أما وجهة نظر ابن حمدان فمآلها عدم التسليم بالنقل إلا في نطاق محدود، وهو البعد الزمني بين المسألتين، ونقل حكم الثانية إلى الأولى دون العكس عند العلم بالتاريخ، ونقل الأقرب إلى الكتاب أو السنة أو أصول الإمام وقواعده إلى الأخرى عند الجهل بالتاريخ. ونتيجة ذلك ألا يكون للإمام قولان في المسألتين بل قول واحد في كلتيهما، إلا على القول بجواز نسبة قولين إلى المجتهد في مسألة واحدة مع معرفة التاريخ. وهذا الأمر مشكل؛ لأنه سيؤدي إلى إلغاء رأي منصوص للإمام، بطريق القياس أو العرض على الكتاب والسنة أو أصول الإمام وقواعده. وادعاء أنه رأيه في كلتا المسألتين، وتلك نتيجة غير مقبولة، لما فيها من إلغاء نص بالقياس، ولما فيها من مخالفة لأسس وقواعد الترجيح. ¬

_ (¬1) التمهيد 4/ 369 والتبصرة ص 516. (¬2) التمهيد 4/ 369. (¬3) المصدر السابق.

المطلب الثالث لازم مذهب الإمام

المطلب الثالث لازم مذهب الإمام ومما يتصل بطرق التخريج استقاء رأي الإمام من لازم مذهبه. وهذا أمر متردد بين أن يكون من مصادر مذهب الإمام، أو من الطرق التي تتبع في التخريج. وقد آثرنا أن نبحثه مع طرق التخريج، لقلة الاعتماد عليه في التخريج، ولكثرة الاختلاف بشأنه، ولأن الرأي المستفاد منه مبني على إدراك معاني نصوص الإمام ومراميها. ولم أجد- فيما اطلعت عليه من كتب الأصول- من أفرد هذا الموضوع ببحث، لكنه كان يذكر في طائفة من المباحث المختلفة. وربما كان بعض ما يذكر ليس معدوداً من لوازم المذهب، ولهذا فإن تحديد نطاق اللازم يجعل الأمر أكثر وضوحاً، ويصوره على وجه يجعل الحكم عليه أكثر دقة. ذكر الأسنوي في نهاية السول ما يفيد أن مسألة لازم المذاهب وهل هو مذهب أو لا؟ تطلق على حالة معينة، وهي حالة ما إذا لم يعرف للمجتهد قول في مسألة، ولكن عرف له قول في نظيرها، فإن لم يكن بين المسألتين فرق البتة فالظاهر أن يكون قوله في إحدى المسألتين قولاً له في الأخرى (¬1). وفي البحر المحيط كرر الزركشي (¬2) هذا التصور أيضاً، واختار أن ¬

_ (¬1) نهاية السول 4/ 443 (مع سلم الوصول)، والمحصول 2/ 441. (¬2) هو: أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي الملقب ببدر الدين. عرف بالفقه والأصول والحديث والأدب وعلوم القرآن. تركي الأصل مصري المولد والوفاة. تلقى علومه على جمال الدين الأسنوي وسراج الدين البلقيني، رحل إلى حلب، وسمع الحديث في دمشق وغيرها. كان منقطعاً لا يتردد إلا إلى أحد أسواق الكتب. درس وأفتى. وكانت وفاته بالقاهرة سنة 794هـ. ... =

الصحيح في ذلك عدم جواز التخريج، وأن الأصح عدم جواز نسبة القول إلى الإمام، بناءً على اختياره، أن لازم المذهب ليس بمذهب، لاحتمال أن يكون بينهما فرق، فلا يضاف إليه مع قيام الاحتمال (¬1). وعلى هذا فإن المسألة داخلة في موضوع التخريج بالقياس، لكن مسألة الاستدلال باللازم على المذاهب واسعة، وما ذكره الأسنوي لا يمثل المسالة كلها. والدليل على ذلك أنهم نسبوا طائفة من الآراء إلى علماء متعددين بغير الطريق المذكور. ومن ذلك: 1 - أنهم نسبوا إلى أبي الحسن الأشعري (¬2) أنه يقول بجواز التكليف بالمحال. مع أنه لم يثبت تصريح الأشعري بذلك، ولكنهم خرجوه من لازم مذهبه، وذلك لأصلين كان يقول بهما: الأول: أن لا تأثير لقدرة العبد في أفعاله، بل هي مخلوقة لله تعالى ¬

_ (¬1) = من مؤلفاته: البحر المحيط في أصول الفقه، تشنيف المسامع بشرح جمع الجوامع في أصول الفقه، البرهان في علوم القرآن وغيرها. راجع في ترجمته: الدرر الكامنة 5/ 133، شذرات الذهب 6/ 335، هدية العارفين 2/ 174، الأعلام 6/ 60، معجم المؤلفين 9/ 121. () البحر المحيط 6/ 127. (¬2) هو: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، لقب بذلك، لأن جده الأعلى ولد وعليه شعر، كما قيل. ولد أبو الحسن في البصرة، وتفقه على أبي إسحاق المروزي وابن سريج وأخذ الحديث عن أبي زكريا الساجي، وتتلمذ في العقائد والكلام على أبي علي الجبائي المعتزلي. برع في الكلام والجدل على طريقة أهل الاعتزال، ولكنه لما اكتملت معارفه، ونضج عقله أعرض عن رأي المعتزلة، وأعلن ذلك أمام الملأ في أحد مساجد البصرة، وهاجم أفكارهم، وأفرغ جهده للرد عليهم، وعلى غيرهم من الفرق المبتدعة. عرف بتقواه وورعه وكثرة عبادته. توفي في بغداد سنة 324هـ وقيل غير ذلك. من مؤلفاته: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، والإبانة عن أصول الديانة، وغير ذلك من الكتب التي جاوزت المئة. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 466، الطبقات الكبرى 2/ 254، مفتاح السعادة 2/ 21، شذرات الذهب 2/ 303، الأعلام 4/ 263، معجم المؤلفين 7/ 35، الفتح المبين 1/ 176.

ابتداءً فالعبد مطالب بما هو من فعل ربه. والثاني: أن القدرة- عنده- مع الفعل لا قبله. والتكليف الذي هو استدعاء الفعل واقع قبل الفعل لا معه. فهو في حال التكليف غير مستطيع (¬1). 2 - ومن ذلك ما قيل من أن من نفى أن يكون لله تعالى كلام قائم بنفسه، وأن كلامه هو ما خلقه في غيره، يلزمه أن لا يكون القرآن العربي كلام الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لأن (الكلام لا يكون مفعولاً منفصلاً عن المتكلم، ولا يتصف الموصوف بما هو منفصل عنه) (¬2). (وإذا كان القرآن مخلوقاً في محل كان ذلك المحل هو المتكلم به، ولم يكن كلام الله) (¬3) وعد هذا لازماً لقول من قال: إن كلامه- تعالى- هو ما خلقه في غيره. 3 - ومن ذلك أنهم قالوا إن من قال إن جزاء قتل الصيد في الحرم كفارة كالإمام مالك، يترتب عليه أنه لو قتل جماعة من المحرمين صيداً في الحل أو الحرم، أو من المحلين بالحرم، فإنه يجب على كل واحد منهم جزاء كامل، أي يلزم، على رأيه هذا، أن يكون حكمه هنا كحكمه في أية كفارة. وأما من قال إن جزاء قتل الصيد قيمته كما نسب إلى الشافعية، فيلزم أن يكون الواجب في ذلك جزاء واحداً على الجميع، كما هو الشأن في الضمان (¬4). فهذه الحالات وكثير غيرها ليست من باب القياس، ولهذا فإننا سنحاول أن نفسر اللازم بما هو أوسع نطاقاً من ذلك، وبما يتفق مع اصطلاحات ¬

_ (¬1) البرهان 1/ 103، الأحكام للآمدي 1/ 134، نهاية السول 1/ 148، سلم الوصول 1/ 335، التلويح 1/ 197، الإبهاج 1/ 173، الإبهاج 1/ 173، سلاسل الذهب ص 138، شرح الكوكب المنير 1/ 486. (¬2) درء تعارض العقل والنقل 2/ 111. (¬3) المصدر السابق. (¬4) قواعد المقري 2/ 608، وانظر رأي الشافعية في المجموع 7/ 436.

الأصوليين ومناهجهم في هذا المجال. فاللازم في اللغة هو الثابت والدائم (¬1). وفي الاصطلاح عرفوه بأنه ما يمتنع انفكاكه عن الشيء (¬2). وقد يطلق على ما يتبع الشيء ويرادفه، وعلى ما له تعلق ما (¬3). وهو يتنوع بحسب الحاكم باللزوم، سواء كان العقل أو الشرع أن العادة أو اللغة. ويختلف الأصوليون عن المناطقة في أنهم يوسعون مجال الدلالة الالتزامية، ولا يقصرون ذلك على ما كان لازماً بيناً بالمعنى الأخص، ولا على ما كان الحاكم باللزوم فيه العقل، فاللازم عندهم يتناول ما احتاج إلى واسطة أو دليل خارجي في فهم اللزوم، وما لم يكن كذلك أيضاً، بأن اكتفي بالحكم باللزوم فيه بتصور المتلازمين معاً أو بتصور الملزوم وحده (¬4). كما يتناول ما كانت الملازمة فيه شرعية كالوجوب والتحريم اللازمين للمكلف، أو عادية، أو عرفية كالارتفاع اللازم للسرير (¬5). وعلى هذا فمن الممكن أن نذكر هنا طائفة من الأسس التي يمكن أن يعد بناء القول عليها لازماً للمذهب. وهي ليست حاصرة، ولكنها للتمثيل والتوضيح، وربما كان في بعضها مجال للنقاش. فمن ذلك: 1 - أن توجد مسألة لا يعرف للمجتهد فيها قول، ولكن عرف له قول في مسألة تشبهها، أو هي نظيرها، فإثبات الحكم في المسألة التي لم يرد عنه فيها نص، هو من لازم المذهب عندهم. وهذا الأساس هو ما ذكرناه عن الأسنوي وغيره من الأصوليين، وقد قصر بعضهم لازم المذهب على ذلك. ¬

_ (¬1) المعجم الوسيط. (¬2) التعريفات للجرجاني ص 66. وكشاف اصطلاحات الفنون 3/ 1304. (¬3) الكليات لأبي البقاء الكفوي ص 796. (¬4) شرح التهذيب للخبيصي ص 21 و 22، والمنطق الصوري ص 83. (¬5) شرح الكوكب المنير 1/ 130.

2 - بناء الرأي على قاعدة الإمام أو أصله، كالذي نسبوه إلى أبي الحسن الأشعري، وكالأحكام المخرجة على قواعد الأئمة الأصولية أو الفقهية. وربما كان اتصال ذلك بلازم المذهب سبباً في عد العلماء التخريج على القواعد، تالياً للتخريج على نص محدد بطريق القياس. ومما يدخل في ذلك مسألة وجوب مقدمات الواجب وفق ضوابط وأسس خاصة، إن كان الواجب لا يتم إلا بها (¬1). لأنها داخلة في نطاق قواعد الإمام. فإن كان ممن يرى أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كان وجوب تلك المقدمات لازماً لمذهبه، وإن كان لا يرى ذلك لم تكن من لوازم مذهبه. ومن ذلك حرمة نقيض ما قال بوجوبه، لأن حرمة النقيض جزء مفهوم الواجب، أو لازمه، والدال على الوجوب بالمطابقة يدل على أجزائه بالتضمن والالتزام (¬2). وهي المسألة المعروفة بمسألة الضد، أو أن الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده؟ ومن ذلك قاعدته في النهي هل يقتضي الفساد أو لا (¬3) فكل ما ينبني على هذه القواعد أو ما يشبهها مما لم يرد عن الإمام فيه نص فهو لازم مذهبه. 3 - الاستدلال بالتلازم كأن يستدل من نفيه أحد النقيضين على إثبات الآخر، أو من إثبات أحدهما على نفي الآخر، أو من حكمه بالتلازم بين شيئين على وضع التالي عند وضع المقدم، أو رفع المقدم عند رفعه التالي، وفق شروط خاصة في مجال الأحكام الشرعية (¬4) فلو كان أحد الأئمة يرى ¬

_ (¬1) شرح المنهاج لشمس الدين محمود عبد الرحمن الأصفهاني 1/ 102 و 103، الإحكام للآمدي 1/ 110. ولاحظ تفصيل المسألة في البحر المحيط، 1/ 223 وما بعدها. (¬2) شرح المنهاج للأصفهاني 1/ 110، 111 والإحكام 2/ 170. (¬3) الإحكام 2/ 188. (¬4) شرح مختصر المنتهى للعضد الإيجي 2/ 181، رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للشوشاوي ص 123 بتحقيق عبد الرحمن الجبرين، والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص 242 وما بعدها.

ملازمة بين النجاسة والتحريم، فنستطيع أن نستنتج من عدم تحريمه شيئاً، قولاص له بعدم نجاسته، ومن حكمه بنجاسة شيء، قولاً له بتحريمه. ومن الملاحظ أن الاستدلال بالتلازم مما يصعب طرده في الأحكام الشرعية، نظراً لخصوصيات كثير من الوقائع الجزئية، ولما يتطلب فيها من الشروط، ولوجود الاستثناءات الكثيرة التي لا تتفق مع الاستدلالات المنطقية. فالملازمة في الأحكام الشرعية ظنية وليست قطعية. فلا نستطيع أن نستنتج من ملازمة النجاسة لكأس الحجام في العادة، الآراء والمذاهب والأحكام، فلا نستطيع الاستنتاج من كونه كأس حجام أنه نجس، لجواز أن يكون جديداً لم يستعمل، أو أنه استعمل ولكن أزيلت نجاسته بالغسل أو غيره، كما لا نستطيع أن ندعي أنه ليس بكأس حجام، إن لم يكن نجساً. وكون الوضوء ملازماً للغسل لا يلزم من ثبوت الغسل ثبوته، ولا من نفيه نفي الغسل، نظراً لجزئية الملازمة، وعدم عمومها جميع الأزمان والأحوال. فالوضوء لازم للغسل إذا سلم من النواقض حالة إيقاعه فقط. وعلى هذا فلا يصح استنتاج بعض العلماء أن الغسل لا يجزئ عن الوضوء، وأنه لا بد للمغتسل من الوضوء، لأنه بنى رأيه هذا على أن الملازمة الشرعية كالملازمة العقلية، وعلى أنها تقتضي انتفاء الملزوم أي المقدم، من انتفاء اللازم أي التالي. فلو كان الوضوء لازماً للغسل، للزم انتفاء الغسل بانتفائه، أي إذا أحدث المغتسل حدثاً أصغر لزمه الغسل، وهذا أمر مخالف للإجماع، وإذا لم تكن بينهما ملازمة فلا بد للمغتسل من الوضوء، وإن الاغتسال من دون الوضوء لا يجزئ عنه. وهذا الاستنتاج غير صحيح، لأن الملازمة بين الوضوء والغسل ملازمة جزئية خاصة ببعض الأحوال، وهي حالة الابتداء فقط، وأما بعد ذلك فلا ملازمة بينهما (¬1) وهذا بخلاف الملازمة الكلية التي تترتب عليها مثل هذه ¬

_ (¬1) رفع النقاب عن تنقيح الشهاب ص 1233 - 1236.

الأحكام. كلزوم العقل للمكلف، فإنه يصح أن نستنتج من حكم إمام يرى أن كل مكلف عاقل، بكون فرد ما مكلفاً، أنه عاقل، ومن كونه غير عاقل، أنه غير مكلف (¬1). ومما يمكن أن يدخل في هذا المجال ما ذكره أبو حامد الغزالي في شفاء الغليل، ومنه: أ- الاستدلال بالنتيجة على المنتج وبعدمها على عدم المنتج، ووجه دلالة ذلك- كما يقول الغزالي- واضحة، ومثل لذلك بأن العالمية نتيجة العلم وقيامه بالذات، فنقول الباري- سبحانه وتعالى- عالم، فدل على قيام العلم به. فمن وصفه بأنه عالم لزمه أن يكون العلم قائماً به. ومن ذلك أن نستنتج من قول الفقيه عن بيع ما: أنه بيع لا يفيد الملك، إنه بيع غير منعقد، ومن قوله: هذا نكاح لا يفيد الحل، إنه غير منعقد، ومن قوله المقارض: أنه لا يملك ربح الربح، إنه لا يملك الربح نفسه. (¬2). ب- الاستدلال على الشيء بوجود خاصيته، كالاستدلال على أن الوتر نفل أو ليس بفرض بأنه يؤدى على الراحلة. فلو فرض أن المقتدى به أداه على الراحلة، أو صرح بجواز ذلك، فإنه يلزم من ذلك أن يكون مذهبه أنه ليس بفرض، وذلك لما عرف من أن الأداء على الرواحل هو خاصية النوافل، فلا تؤدى فريضة على الراحلة بحال. وهذا الاستنتاج ونسبة ما يترتب عليه إلى ما جوز ذلك، مبني على التسليم بالخاصية، إذ معنى الخاصية الملازمة لذات الشيء بحيث لا تنفصل عنه (¬3). ¬

_ (¬1) شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل ص 444 و 445. (¬2) المصدر السابق ص 441 و 442.

4 - ومما عد من لوازم المذهب ما إذا نص الإمام على قولين مختلفين، أو علل مسألة بعلة نقضها في موضع آخر، فإن لازم مذهبه أن يخرج له في كل مسألة قولان أحدهما نص عليه والآخر لزم من قوله في المسألة الأخرى. وهذا الأمر ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه (¬1)، وقد سبق لنا أن بحثنا حكم مثل هذا اللازم في موضوع النقل والتخريج. تلك بعض الصور التي تمثل لازم المذهب، وقد أعرضنا عن ذكر بعض ما يمكن أن يدخل في هذا المجال، كالمفهوم المخالف والتقريرات، لأنه سبق الكلام عنها، وعن صحة نسبة الآراء إلى الأئمة، إن كانت مستندة إليها، في مصادر التخريج فاستغنينا بذكرها هناك عن إعادتها في هذا المجال، ولكننا ذكرنا القواعد والأصول، لتصريحهم بنسبة أقوال إلى بعض العلماء على أنها من لوازم المذهب، بناء عليها، دون إعادة لتفصيلات ما ذكر بشأنها في موضعها. وبعد أن أوضحنا المقصود من لازم المذهب، ومن المجالات التي يدخل فيها نذكر آراء العلماء بشأن صحة نسبة لازم المذهب للإمام. لقد اختلف العلماء في ذلك، لكن اختلافهم هذا كان في حالة ما إذا سكت الإمام ولم يصرح بالتزامه ما يلزم من قوله، أما لو صرح بذلك، وقال بالتزامه ما يلزم من قوله، فليس ذلك موضع خلاف. ففي الحالة الأولى ذكر الشيخ محمد بخيت المطيعي (¬2) ثلاثة أقوال في المسألة، ولكنه لم يتعرض ¬

_ (¬1) الفتاوى 35/ 288 و 289. (¬2) هو الشيخ محمد بن بخيت بن حسن المطيعي الحنفي. ولد في المطيعة من أعمال أسيوط، ودرس في الزهر وتخرج فيه حاصلاً على الشهادة العالمية، وكان من أساتذته الشيخ حسن الطويل وجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الشربيني. اتجه بعد تخرجه إلى التدريس فرياسة المحاكم الشرعية. ثم قلد منصب مفتي الديار المصرية. وعرف بشدة معارضته لحركة الشيخ محمد عبده. توفي سنة 1354هـ. ودفن بقرافة المجاورين ثم نقل سنة 1944م إلى مسجد فاروق الأول بحلمية الزيتون. من مؤلفاته: البدر الساطع على مقدمة جمع الجوامع، والقول المفيد في علم =

لكل الصور المتقدمة، بل بنى تلك الآراء على مسألة إلحاق المسكوت عنه بنظيره المنصوص عليه من قبل الإمام، وفق ما طرحه الأسنوي في نهاية السول. وهذه الأقوال، هي: القول الأول: إنه ينسب إليه مطلقاً بلا قيد أنه مخرج. والقول الثاني: إنه ينسب إليه مقيداً بأنه قول مخرج لا منصوص، حتى لا يلتبس بالمنصوص. والقول الثالث: إنه لا ينسب إليه مطلقاً. وقال الشيخ: إن أصحهما هو القول الثاني (¬1) وفي طائفة من كتب الأصول ذكرت الآراء في هذه المسألة حين الكلام عن نسبة القول بالتكليف بالمحال إلى أبي الحسن الأشعري بناءً على قواعده وأصوله، وإن لم يكن قد نص على ذلك بشيء، كما سبقت الإشارة إليه. ومهما يكن من أمر فإنه من تتبع أقوال العلماء في هذا الشأن نجد ثلاثة أقوال في ذلك، وهي: 1 - القول الأول: إن لازم المذهب ليس بمذهب، وعلى هذا لا تصح نسبته إلى الإمام، وهذا ما صوبه شيخ الإسلام ابن تيمية في حالة عدم التزام صاحب المذهب به (¬2) وهو ما اختاره وصححه الزركشي في البحر المحيط (¬3) ولعل وجهة نظرهم مبنية على ما يأتي: ¬

_ (¬1) = التوحيد، وإرشاد أهل الملة في إثبات الأهلة، وسلم الوصول على نهاية السول للأسنوي وكثير من الرسائل والفتاوى. راجع في ترجمته: الفتح المبي 3/ 181 - 187، والفكر السامي 2/ 201 و202، والأعلام 6/ 50، ومعجم المؤلفين 9/ 98 ومعجم المطبوعات 1/ 538. () سلم الوصول 4/ 443 و 444. (¬2) مجموع الفتاوى 5/ 306. (¬3) 1/ 391.

أ- إن لازم القول قد لا يخطر على بال الإمام. وربما لو نبه إليه لصرح بخلافه، فالغفلة عن ذلك ممكنة، والتناقض في الرأي من غير المعصوم جائز. قال ابن تيمية: (ومن سوى الأنبياء يجوز أن يلزم قوله لوازم لا يتفطن للزومها، ولو تفطن لكان إما أن يلتزمها أو لا يلتزمها، بل يرجع عن الملزوم، أو لا يرجع عنه ويعتقد أنها غير لوازم) (¬1). ب- إن تحديد لوازم القول من الأمور التي يجوز أن يقع فيها الخطأ والوهم، فضلاً عن أن بعض اللوازم مما لم يتفق على اعتبارها والاعتداد بها. وقد خطأ الشيخ محمد الخضيري- رحمه الله- (¬2) من نسب التكليف بالمحال إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري (ت 324هـ) بناءً على الأصلين الذين ذكرناهما سابقاً، وقال إنه لا يلزم منهما ما قالوه ووجه تخطئته لهم بهذا الشأن (¬3). ج- إننا لو التزمنا بذلك لأدى الأمر إلى تكفير كثير من العلماء كتكفير من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات إنه مجاز وليس بحقيقة، لأن لازم هذا القول يستلزم التعطيل والأخذ بأقوال غلاة الملاحدة (¬4). ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى 35/ 288. (¬2) هو محمد بن عفيفي الباجوري المصري المعروف بالخضري من علماء الشريعة المعاصرين البارزين تخرج في مدرسة دار العلوم، وعين قاضياً شرعياً في الخرطوم، ثم مدرساً في مدرسة القضاء الشرعي بالقاهرة، مدة (12) سنة وأستاذاً في التاريخ الإسلامي في الجامعة المصرية فوكيلاً لمدرسة القضاء الشرعي. توفي في القاهرة سنة 1345هـ- 1927م وفيها دفن. من مؤلفاته: محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية، تاريخ التشريع الإسلامي، أصول الفقه، إتمام الوفا في سيرة المصطفى، ونقد كتاب الشعر الجاهلي للدكتور/ طه حسين وغيرها. راجع في ترجمته: معجم المطبوعات 1/ 725، 826، الأعلام 6/ 269، معجم المؤلفين 1/ 295. (¬3) أصول الفقه ص 77 و 78 وانظر وجه التخطئة في المصدر المذكور. (¬4) مجموع الفتاوى 20/ 217.

2 - القول الثاني: إن لازم المذهب مذهب، وإنه تصح نسبته إلى الإمام، ولسنا نعلم علماء معينين ذهبوا إلى ذلك، ومن ذكروا هذا القول لم ينسبوه إلى أحد. لكن شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) ذكر أن الأثرم والخرقي وغيرهما يجعلون اللازم مذهباً للإمام (¬1). غير أنه جعل لازم المذهب معنى شاملاً لنص الإمام في مسألتين متشابهتين على قولين مختلفين، وعلى تعليله مسألة بعلة ينقضها في موضع آخر. وهذا موضوع آخر يدخل في نطاق القياس على ما نص عليه المجتهد، وفي نطاق ما يسمى (النقل والتخريج) مما سبق الكلام عنه. ولم تذكر لهذا القول أدلة، ولكن يمكن أن يسعفوا بأدلة من جوز النقل والتخريج، وأن يقال بأن الظاهر من الإمام أن تكون أحكامه مطردة ومنسجمة وغير متناقضة، وإلحاق لازم المذهب بالمذهب يحقق مثل هذا الانسجام، ويدرأ عنه شائبة التناقض والاختلاف. 3 - القول الثالث: التفصيل في المسألة، وقد اختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وخلاصة رأيه أن لازم قول الإنسان نوعان: أحدهما: لازم قوله الحق، وهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، وأن يضاف إليه، إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، لأن لازم الحق حق. وثانيهما: لازم قوله الذي ليس بحق، فهذا لا يجب التزامه. ووجهة نظر الشيخ- رحمه الله- أن إضافة لازم قوله الحق إليه، إن علم من حاله أنه يرضاه، بعد وضوحه، هو الظاهر من اقتضاء اللزوم، وأن كثيراً ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى 35/ 289.

مما يضيفه الناس إلى مذاهب الأئمة من هذا الباب. أما لازم قوله الذي ليس بحق فلا يعد قولاً له ولا تصح نسبته إليه، لما يترتب على ذلك من المفاسد، ومن نسبة أقوال باطلة إليه، يتضمن كثير منها تكفيره، وأكثر ما في نسبة ذلك إليه أن ينسب إلى التناقض، وهذا لا خير فيه، لأن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين (¬1) وهذا مشروط بأن يعرف من حاله أنه لو ظهر له فساده لم يلتزمه، أما إذا عرف من حاله التزامه مع ذلك، فقد يضاف إليه (¬2). وفي الحق إن عد لازم المذهب مذهباً، ونسبة ذلك إلى المجتهد من الأمور المشكلة، وقد تترتب عليه نتائج سيئة وثمرات خطيرة، من أبرزهما اللوازم التي يكفر الذاهب إليها. ونسبة ذلك إليه، وإن كان حقاً وصواباً، فيه نوع من المجازفة أيضاً، فالمجتهد ليس معصوماً، وقد يكون غافلاً عن تلك اللوازم، ولا ندري فيما لو عرضت عليه أكان يقبلها أم يرفضها. وقد لاحظنا كيف أن بعض العلماء خطأ تخريجات للعلماء السابقين، بنوها على لوازم أقوال بعض الأئمة. والدقة تقتضي عدم جواز نسبة ذلك إلى الأئمة، والتعبير عن ذلك بأسلوب احترازي، كأن يقال: مقتضى مذهبه أو قواعده، كذا، أو أن قاعدته أو رأيه في المسألة الفلانية يستلزم كذا. أمثلة فقهية للازم المذهب: ومما يتضح به ما يذكرونه في لازم المذهب الأمثلة الآتية: 1 - الإقالة وهل هي فسخ أو بيع؟ اختلف العلماء في الإقالة (¬3)، فذهب مالك وأبو يوسف إلى أنها بيع، ¬

_ (¬1) المصدر السابق 29/ 49. (¬2) المصدر السابق. (¬3) الإقالة في اللغة الإسقاط والرفع، وفي اصطلاحات الفقهاء: هي رفع البيع السابق. =

وهو رواية عن الإمام أحمد- رحمه الله-، وذهب الشافعي ومحمد بن الحسن إلى أنها فسخ، وهو رواية عن أحمد- رحمه الله-، واختارها وصححها كثير من علماء الحنابلة. وعند أبي حنيفة- رحمه الله- أنها فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق ثالث (¬1). وقد ترتب على هذه الآراء لوازم مختلفة، تتناسب مع تلك الآراء، وتمثل ثمرة الخلاف في ذلك. فمن قال أنها فسخ لزمته أحكام متعددة منها: جوازها قبل القبض وبعده، وعدم استحقاق الشفعة بها، وعدم حنث من حلف لا يبيع بها (¬2). وصحتها بعد النداء لصلاة الجمعة (¬3). ومن قال أنها بيع لزمه أن لا يجوز ذلك قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض، وأن تستحق بها الشفعة، ويحنث بها من حلف لا يبيع (¬4)، وعدم صحتها بعد النداء لصلاة الجمعة. ومن تلك اللوازم أيضاً، أنه لو اشترى عبداً كافراً من كافر فأسلم، ثم أراد الإقالة، فإن قلنا إنها بيع لم يجز، وإن قلنا إنها فسخ جار. ولو تقايل البائع والمشتري في عقود الربا، فإن قلنا إنها بيع وجب التقابض في المجلس، وإن قلنا إنها فسخ لم يجب. ولو استخدم المشتري المبيع بعد الإقالة، فإن قلنا: إنها بيع فلا أجرة عليه، وإن قلنا إنها فسخ فعليه الأجرة. 2 - التدبير- وهل هو وصية أو عتق بصفة؟ ¬

_ (¬1) = كشاف اصطلاحات الفنون ص 1211. () انظر الآراء والاستدلالات في: المغني 4/ 135 وما بعدها، وتبيين الحقائق 4/ 70، واللباب في شرح الكتاب 2/ 32. وقواعد ابن رجب (الفائدة الخامسة) ص 379. وقد ذكر واحداً وعشرين حكماً مرتباً عليها وفتح القدير 5/ 246، ورد المحتار 5/ 119. (¬2) المغني 4/ 136. (¬3) منتهى الإرادات 1/ 375. (¬4) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 190، وانظر بعض أحكام الفسخ والإقالة في المنثور 3/ 41 - 53 للزركشي.

ومما يمثل ما نحن بصدده التدبير، الذي هو تعليق العتق بالموت (¬1). فهل هو وصية أو عتق بصفة؟ للحنابلة في هذه المسألة روايتان ينبني على كل واحدة منهما لوازم تختلف عن اللوازم التي تنبني على الأخرى. ومن هذه اللوازم: لو قتل المدبر سيده، فإن من قال إن التدبير وصية يلزم رأيه أن لا يعتق المدبر لأن الموصى له إذا قتل الموصي، بعد الوصية، لم يعتق. وتلك طريقة ابن عقيل. ومن قال إنه عتق بصفة لزمه أن يعتق. ومن قال: إنه وصية يلزمه اعتباره في الثلث، ولو باع المدبر ثم اشتراه فهل يكون بيعه رجوعاً فلا يعود تدبيره أو لا يكون رجوعاً فيعود؟ فعلى القول بأنه وصية، فإن الوصية تبطل بخروجه عن ملكه، وإن قلنا: هو عتق بصفة عاد بعود الملك، بناءً على الأصل عندهم في عود الصفة بعودة الملك في العتق والطلاق. ولو جحد السيد التدبير، فقد قال الأصحاب: إن قلنا هو عتق بصفة لم يكن رجوعاً، وإن قلنا هو وصية فوجهان، بناءً على أن جحد الموصي الوصية هل هو رجوع أو لا. وقد خرج العلماء طائفة من الأحكام المختلفة بهذا الشأن، بناءً على الاختلاف في مذاهبهم في الحكم على حقيقة التدبير، وهل هو وصية أو عتق بصفة (¬2). 3 - وفي مسألة رفع الحدث بالوضوء نجد من العلماء من قال: إن كل عضو غسل ارتفع حدثه دون النظر إلى بقية الأعضاء، ومنهم من قال إن الحدث لا يرتفع إلا بكمال الوضوء. وقد جاء في القاعدة (54) من قواعد المقري (اختلف المالكية في الحدث هل يرتفع عن كل عضو بالفراغ منه، ¬

_ (¬1) التعريفات للجرجاني ص 47، ومنهاج الطالبين بحاشية قليوبي وعميرة 4/ 358. (¬2) قواعد ابن رجب: الفائدة الثالثة عشرة ص 403 وما بعدها.

كما تخرج منه الخطايا أو بالإكمال؟) (¬1) وقد تضاربت آراء علماء المالكية في نسبة هذه القاعدة للمذهب، فأنكرها طائفة منهم وصحح نسبتها آخرون. جاء في إيضاح المسالك عن بعض العلماء (وما زال الحذاق من الشيوخ يبنون عليه، وتظهر فائدته في مسائل. وذلك كاف في ثبوت الخلاف في مثله) (¬2). وقد ترتب على ذلك أن ألزموا من قال إن كل عضو يطهر على انفراد، جواز مس المصحف لمن غسل وجهه ويديه، وتفريق النية على الأعضاء (¬3). 4 - وفي الخلع اختلف العلماء في تكييفه، فذهب الجمهور منهم إلى أنه طلاق، وبه أخذ مالك وأبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين. وذهب الآخرون إلى أنه فسخ، وبذلك أخذ الشافعي في قوله القديم، وأحمد في رواية أخرى، وغيرهم من العلماء. وهو رأي ابن عباس من الصحابة (¬4) وهذا الخلاف يلزمه الخلاف في كثير من الفروع الفقهية. فمن قال إن الخلع طلاق يلزمه أن الخلع ينقص عدد الطلقات، فلو كان طلقها اثنتين ثم خالعها، حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، وكذا لو خالعها ثلاثاً. وأما من قال إن الخلع فسخ فلا تحرم عليه حتى لو خالعها مائة مرة. وقالوا: إن الخلاف هنا هو في حالة ما إذا خالعها بغير لفظ الطلاق ولم ينوه (¬5). ¬

_ (¬1) 1/ 275، 276. (¬2) إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للونشريسي ص 181. (¬3) المصدر السابق. (¬4) انظر الآراء والاستدلالات في: بداية المجتهد 2/ 69، والإفصاح عن معاني الصحاح 2/ 144، والمغني 7/ 56، وتبيين الحقائق 2/ 268، والوجيز 2/ 41. (¬5) المغني 7/ 57، هذا ومما يدخل في ذلك أمور كثيرة منها: اختلافهم في القسمة هل هي إفراز أو بيع؟ (قواعد ابن رجب ص 417)، واختلافهم في الزكاة هل تجب في عين النصاب أو في ذمة المالك (قواعد ابن رجب ص 370) وغيرها. وكل رأي من ذلك تلزمه أحكام غير ما تلزم الرأي الآخر.

الباب الثاني في مراتب المخرجين وصفاتهم وشروطهم

الباب الثاني في مراتب المخرجين وصفاتهم وشروطهم وأنواع الأحكام المخرجة الفصل الأول: مراتب المخرجين بين طبقات الفقهاء. الفصل الثاني: شروط وصفات علماء التخريج. الفصل الثالث: أنواع الأحكام المخرجة.

الفصل الأول مراتب المخرجين بين طبقات الفقهاء

الفصل الأول مراتب المخرجين بين طبقات الفقهاء تمهيد: في التأليف في الطبقات: المبحث الأول: تقسيم وترتيب ابن كمال باشا. المبحث الثاني: تقسيم وترتيب ابن الصلاح. المبحث الثالث: تقسيم وترتيب ابن حمدان. المبحث الرابع: تقسيمات أخر.

الفصل الأول مراتب المخرجين بين طبقات الفقهاء تمهيد: في التأليف في الطبقات: ومما يتصل بموضوعنا معرفة طبقات الفقهاء، ومراتبهم، وموضع علماء التخريج من تلك المراتب لقد صنف العلماء في طبقات الفقهاء كتباً كثيرة، كما هو الشأن في سائر العلوم فمنهم من كان تصنيفه شاملاً (¬1)، ومنهم من قصر ذلك على علماء مذهبه (¬2)، ومنهم من ألف في طبقات مناطق معينة (¬3). ولسنا نعلم على وجه أكيد أول من ألف في طبقات الفقهاء، لكن ابن السبكي يذكر في طبقاته أن أول من بلغه أنه ألف في هذا المجال هو أبو حفص عمر بن علي المطوعي المتوفى في حوالي سنة 440هـ (¬4) مع اشتداد بحثه، وكثرة تنقيبه في هذا المجال. ومع ذلك فإن ابن السبكي لم يقف على هذا ¬

_ (¬1) كطبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي (ت 476هـ). (¬2) كطبقات الحنابلة للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى (ت 526هـ) وطبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي (ت 771هـ)، والجواهر المضية في طبقات الحنفية، لمحي الدين أبي محمد بن عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي (ت 775هـ)، والديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لبرهان الدين إبراهيم بن علي المعروف بابن فرحون المدني المالكي (ت 799هـ) 9، وغير هؤلاء كثيرون في كل مذهب. وهناك مؤلفات خاصة في طبقات العلماء في مختلف أنواعها، كمعجم الأدباء، وطبقات الشعراء، وطبقات المفسرين والأدباء وغيرهم، ولكننا قصرنا الكلام على ما يتعلق بموضوعنا أي في الفقه والأصول. (¬3) كطبقات فقهاء اليمن لعمر بن سمرة الحصيري (ت 586هـ)، (¬4) هو أبو حفص عمر بن علي المطوعي من أهل نيسابور، كان أديباً شاعراً، خدم في شبابه الأمير أبا الفضل الميكالي. توفي سنة 440هـ. من آثاره: (درج الغرر ودرج الدرر) في محاسن نظم الميكالي ونثره، وحمد من اسمه أحمد، عارض به كتاب فضل من اسمه الفضل للثعالبي. راجع في ترجمته: الأعلام 5/ 55، ومعجم المؤلفين 7/ 302.

الكتاب، وإنما اطلع- كما قال- على منتخب انتخبه منه ابن الصلاح (ت 643هـ) (¬1)، ثم تتالت المؤلفات بعد ذلك وكثرت، ومن الممكن الاطلاع على طائفة منها في مقدمة منها في مقدمة كتاب طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي، وفي مقدمة محقق كتاب طبقات الشافعية للأسنوي (ت 772هـ)، الدكتور عبد الله الجبوري. ونظراً إلى أن هذه الكتب كانت في تراجم الفقهاء وترتيبهم بحسب الزمن، وأن أكثرها جعل فقهاء كل مائة سنة طبقة، فإن هذا لن يفيدنا في بحثنا الذي نحن بصدده، ولهذا فإننا سنعرض عن استعراض أمثال هذه الكتب في هذا المجال. إن الذي يخدم موضوعنا هو ترتيب العلماء بحسب قدراتهم العلمية، وإمكانات الاجتهاد والتخريج عندهم. ومن أقدم ما اطلعنا عليه في هذا المجال منهج ابن الصلاح (ت 643هـ) في كتابه (أدب المفتي والمستفتي)، وقد تابعه على منهجه وتقسيماته كثيرون، وربما خالفه بعضهم مخالفة يسيرة. وبعد ذلك اشتهر منهج حنفي في التقسيم والترتيب، وضعه أحمد بن سليمان المعروف بابن كمال باشا (ت 940هـ) (¬2) ونظراً إلى اشتهار ترتيب ابن الكمال المذكور، وزيادة ما ذكره من طبقات على ما جاء عند غيره فسوف نبدأ بذكر وجهة نظره، وإن كان متأخراً عن غيره في الزمان، مبينين ما قيل فيه، وما أبدى عليه من ملحوظات. ثم نتبع ذلك بالتقسيمات الأخر. ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية الكبرى 1/ 114. (¬2) هو أحمد بن سليمان بن كمال باشا الحنفي، الملقب بشمس الدين والشهير بابن كمال باشا، كان تركياً مستعرباً من أهالي أدرنة. اشتغل بالعلم وهو شاب، وقرأ على من كان في بلده من العلماء، وبعد إتقانه للعلوم اشتغل بالتدريس ثم صار قاضياً، ثم تولى أمر دار الحديث، ثم صار في آخر عهده مفتياً في القسطنطينية حتى توفاه الله سنة 940هـ. من مؤلفاته: تفسير للقرآن لم تيمه، حواش على تفسير الكشاف، تجريد التجريد في علم الكلام، المعاني والبيان، كتاب في الفرائض، حواش على شرح المفتاح للسيد الشريف الجرجاني، وحواش على التلويح وغيرها. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 8/ 238، الأعلام 1/ 133.

المبحث الأول تقسيم وترتيب ابن كمال باشا

المبحث الأول تقسيم وترتيب ابن كمال باشا (ت 940هـ) جعل ابن كمال باشا الفقهاء سبع طبقات، وذلك في رسالته المسماة طبقات الفقهاء (¬1) أو طبقات المجتهدين في مذهب الحنفية، كما جاء في كشف الظنون (¬2). وهذه الطبقات هي: 1 - الطبقة الأولى: طبقة المجتهدين في الشرع، كالأئمة الأربعة، ومن سلك مسلكهم في تأسيس قواعد الأصول واستنباط أحكام الفروع من الأدلة الأربعة، ومن غير تقليد لا في الفروع ولا في الأصول. 2 - الطبقة الثانية: طبقة المجتهدين في المذهب، كأبي يوسف ومحمد بن الحسن وسائر أصحاب أبي حنيفة، القادرين على استخراج الأحكام من الأدلة الأربعة- أي الكتاب والسنة والإجماع والقياس- على حسب القواعد التي قررها أستاذهم، فهم، وإن خالفوه في بعض أحكام الفروع، لكنهم يقلدونه في قواعد الأصول. وبذلك يمتازون عن المعارضين له في المذهب كالشافعي ونظرائه المخالفين لأبي حنيفة- رحمه الله- في الأحكام، غير المقلدين له في الأصول. 3 - الطبقة الثالثة: طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب كالخصاف (¬3). وأبي جعفر ¬

_ (¬1) مخطوطة في معهد الدراسات الإسلامية العليا ببغداد. ذكر ذلك د. محمد عبد اللطيف الفرفور في كتابه الوجيز في أصول الاستنباط ص 534. (¬2) كشف الظنون ص 1106. (¬3) هو أبو بكر أحمد بن عمرو وقيل بن مهر الشيباني المعروف بالخصاف. وهو من علماء الحنفية البارزين في القرن الثالث الهجري. كان فارضاً حاسباً فقيهاً، روى عن =

الطحاوي (¬1). وأبي الحسن الكرخي، وشمس الأئمة الحلواني (¬2)، وشمس الأئمة السرخسي، وفخر الإسلام البزدوي، وفخر الدين قاضي خان (¬3)، ¬

_ (¬1) = أبيه وحدث عن أبي داود الطيالسي ومسدد بن مسرهد وغيرهما. وكان مقدماً عند الخليفة المهتدي، وقد صنف له كتاب الخراج. قيل أنه كان زاهداً ورعاً يأكل من كسب يده. توفي في بغداد سنة 261هـ. من مؤلفاته: الحيل والمخارج على مذهب أبي حنيفة، والخراج، وأدب القاضي، وأحكام الوقف والوصايا والشروط والمحاضر والسجلات وغيرها. راجع في ترجمته: الجواهر المضية 1/ 230، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 142، وتاج التراجم ص 7، وطبقات الفقهاء لطاش كوبري زاده ص 44، ومعجم المؤلفين 2/ 35. () هو أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحجري الطحاوي المصري. تلقى العلم عن خاله إسماعيل بن يحيى المزني أفقه أصحاب الشافعي، وطائفة من العلماء. وسمع الحديث من خلق من المصريين والغرباء القادمين إلى مصر. ترك مذهبه وتحول إلى مذهب أبي حنيفة- رحمه الله- وخرج إلى الشام وسمع عن طائفة من علمائها. كان محدثاً ثبتاً، وفقيهاً مجتهداً. قال عنه ابن يونس: لم يخلق مثله. توفي في مصر سنة 321هـ. من مؤلفاته: العقيدة الطحاوية، ومعاني الآثار، ومشكل الآثار، وأحكام القرآن، وشرح الجامع الصغير وشرح الجامع الكبير وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص 142، والجواهر المضية 1/ 271، وتاج التراجم ص 8، وطبقات الفقهاء لطاش كوبري زادة ص 58. (¬2) هو عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح المعروف بالحلواني نسبة إلى عمل الحلوى وبيعها، والملقب بشمس الأئمة. كان إمام الحنفية في وقته ببخارى. تفقه على جماعة من أهل عصره، منهم القاضي أبو الحسين بن الخضر النسفي وأبو الفضل الزرنجري. وتتلمذ عليه كثيرون منهم شمس الأئمة محمد أحمد السرخسي. توفي سنة 448هـ وقيل سنة 449هـ. ودفن ببخارى. من مؤلفاته: المبسوط. راجع في ترجمته: الجواهر المضية 2/ 429، وتاج التراجم ص 35 وطبقات الفقهاء لطاش كوبري زادة ص 70. (¬3) هو الحسن بن منصور بن أبي القاسم الأوزجندي الغرغاني المعروف بفخر الدين قاضي خان. تفقه على ابي إسحاق الصفاري، وظهير الدين المرغيناني وغيرهما. قال =

وغيرهم. فهم لا يقدرون على مخالفة الإمام لا في الأصول ولا في الفروع، لكنهم يستنبطون الأحكام في المسائل التي لا نص فيها على حسب أصول قررها، ومقتضى قواعد بسطها. 4 - الطبقة الرابعة: طبقة أهل التخريج من المقلدين كالرازي وأضرابه، فإنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلاً، لكنهم لإحاطتهم بالأصول وضبطهم المآخذ، يقدرون على تفصيل قول مجمل ذي وجهين، وحكم محتمل لأمرين منقول عن صاحب المذهب، أو عن أحد أحصابه المجتهدين برأيهم، ونظرهم، في الأصول والمقايسة، على أمثاله ونظائره في الفروع، وما وقع في بعض المواضع من الهداية (¬1) من قوله: كذا في تخريج الكرخي، وتخريج الرازي من هذا القبيل. 5 - الطبقة الخامسة: طبقة أصحاب الترجيح كأبي الحسن القدوري، وصاحب الهداية وأمثالهما. وشأنهم في تفضيل بعض الروايات على بعض آخر، بقولهم هذا أولى، وهذا أصح رواية، وهذا أوضح، وهذا أوفق للقياس، وهذا أرفق بالناس. 6 - الطبقة السادسة: طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين الأقوى والقوي والضعيف وظاهر المذهب، وظاهر الرواية، والروايات النادرة كأصحاب المتون المعتبرة من المتأخرين كصاحب الكنز (¬2) وصاحب ¬

_ (¬1) = عنه الحصيري: سيدنا القاضي الإمام والأستاذ فخر الملة ركن الإسلام بقية السلف مفتي الشرق. توفي سنة 592هـ. من مؤلفاته: الفتاوى، شرح الجامع الصغير، شرح الزيادات، شرح أدب القاضي للخصاف. راجع في ترجمته: الجواهر المضية 2/ 93، وتاج التراجم ص 25، وشذرات الذهب 4/ 308، ومعجم المؤلفين 3/ 297. () (هداية المهتدي شرح بداية المبتدي) من كتب الفقه الحنفي الشهيرة. من تأليف أبي الحسن علي بن أبي بكر عبد الجليل المرغيناني الملقب ببرهان الدين. توفي سنة 593هـ. (¬2) (كنز الدقائق) كتاب في الفقه الحنفي من تأليف أبي البركات عبد الله بن أحمد بن =

المختار (¬1) وصاحب الوقاية (¬2)، وصاحب المجمع (¬3). وشأنهم أن لا ينقلوا في كتبهم الأقوال المردودة والروايات الضعيفة. 7 - الطبقة السابعة: طبقة المقلدين الذين لا يقدرون على ما ذكر، ولا يفرقون بين الغث والسمين، ولا يميزون الشمال من اليمين، بل يجمعون ما يجدون كحاطب ليل، فالويل لمن قدلهم كل الويل (¬4). وقد اعتمد كثير من العلماء الترتيب المذكور، دون تعليق، أو ملحوظات هامة. وممن اعتمده من المتقدمين المعاصرين لابن كمال باشا، عصام الدين أبو الخير أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كوبري زادة المتوفى سنة 968هـ، في مقدمة كتابه الموجز (طبقات الفقهاء) (¬5). حيث ذكر هذه الطبقات، على وفق ما جاء في كلام ابن كمال باشا، دون تعليق أو تغيير أو إشارة إلى صاحب التقسيم، ثم جاءت بنصها أيضاً في كلام ابن عابدين (ت 1252هـ) في رسالة شرح عقود رسم المفتي، وفي كتابه (رد المحتار على الدر المختار) (¬6) واعتمد ذلك أيضاً طائفة غير قليلة ممن كتب في تاريخ التشريع والفقه الإسلامي من المعاصرين. وبموجب الترتيب والتقسيم المذكور يكون ابن كمال باشا قد جعل الفقهاء المجتهدين ثلاث طبقات، والفقهاء المقلدين أربع طبقات، كما أنه جعل المخرجين من المقلدين وفي أعلى طبقاتهم، ولم يدخلهم في المجتهدين. ¬

_ (¬1) = محمود المعروف بحافظ الدين النسفي. المتوفى سنة 710هـ. () (المختار) كتاب في الفقه الحنفي من تأليف عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي المتوفى سنة 683هـ. (¬2) (وقاية الرواية في مسائل الهداية) كتاب في الفقه الحنفي من تأليف برهان الشريعة محمود بن صدر الشريعة الأول عبد الله بن إبراهيم المحبوبي المتوفى سنة 673هـ. (¬3) (مجمع البحرين وملتقى النهرين) كتاب في الفقه الحنفي من تأليف مظفر الدين أحمد بن علي بن ثعلب المعروف بابن الساعاتي البغدادي المتوفى سنة 694هـ. (¬4) شرح عقود رسم المفتي لابن عابدين 1/ 11 و 12 ورد المحتار لابن عابدين 1/ 77. (¬5) ص 7/ 10. (¬6) انظر الهامش (4).

ومن الملاحظ على وصف هذه الطبقات وبيان بعض رجالها، أنه نعت طائفة من عمالقة الفكر والفقه الحنفي بالتقليد، وبأنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلاً، وجعل تلاميذ الإمام أبي حنيفة المشهورين أبا يوسف ومحمد بن الحسن وغيرهما، من المجتهدين في المذهب المقلدين لإمامهم في الأصول، وإن خالفوه في بعض الفروع. وقد أثار ذلك طائفة من متعصبي الحنفية، فحملوا على هذا التقسيم والترتيب، ونعتوا ابن كمال باشا بأنه ليس أهلاً لهذا اللقب- أي ابن الكمال- وأن بضاعته في الفقه مزجاة (¬1). وكان من أشد هؤلاء هارون بن بهاء الدين المرجاني (ت 1306هـ) (¬2) في كتابه (ناظورة الحق في فرضية العشاء، وإن لم يغب الشفق)، والشيخ محمد زاهد الكوثري (ت 1371هـ) (¬3) في كتابه (حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف ¬

_ (¬1) الوجيز في استنباط الأحكام للدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور 2/ 539. (¬2) هو هارون بن جمال الدين القازاني الحنفي الملقب بشهاب الدين ولد في مرجان من قرى قازان في روسيا وفيها توفي سنة 1306هـ فقيه أصولي وله مشاركة في عدد آخر من العلوم. من مؤلفاته: حزامة الحواشي لإزالة الغواشي وهي حاشيته على كتاب التوضيح لصدر الشريعة. راجع في ترجمته: الأعلام 8/ 60، معجم المؤلفين 13/ 128. (¬3) هو الشيخ محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري. من فقهاء الحنفية في العصر الحديث وهو من أصل جركسي. ولد ونشأ في قرية من قرى اسطنبول، وتفقه في جامع الفاتح، وتولى التدريس فيه ثم شغل رئاسة مجلس التدريس، ووكالة المشيخة الإسلامية، وعين أستاذاً في جامعة اسطنبول ومعهد التخصص. ترك تركيا بعد استيلاء الكماليين عليها، وتنقل بين مصر والشام، واستقر آخر عهده في مصر، وتوفي في القاهرة سنة 1371هـ/ 1952م. من مؤلفاته: تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب، وحسن التقاضي في سيرة أبي يوسف القاضي، والمدخل العام لعلوم القرآن، وقرة النواظر في آداب المناظر وغيرها. راجع في ترجمته: الأعلام 6/ 129، ومعجم المؤلفين 10/ 4.

القاضي) (¬1) وتابعهم على ذلك د. محمد بن عبد اللطيف صالح الفرفور في كتابه (الوجيز في أصول الاستنباط) (¬2) وأهم ما انصب عليه النقد أمران: الأمر الأول في ترتيب الطبقات والأمر الثاني في توزيع الفقهاء عليها. فبالنسبة إلى الأمر الأول لم يتضح فرق بين الطبقتين الخامسة والسادسة، وذلك لأن أصحاب الطبقة السادسة إن كانوا قادرين على التمييز بين الأقوى والقوي والضعيف وظاهر الرواية وظاهر المذهب والرواية النادرة، فهم من أصحاب الترجيح الذين عدهم ابن الكمال في الطبقة الخامسة، وفي كلامه عن الطبقة الرابعة قال عنهم: (طبقة أهل التخريج)، ولكنه في شرحه لعملهم لم يتضح فرفق بين عملهم وعمل أهل الطبقة الخامسة، إذ جعل عملهم تفصيل قول مجمل ذي وجهين، وحكم محتمل لأمرين، منقول عن صاحب المذهب، أو عن أحد أصحابه المجتهدين برأيهم ونظرهم في الأصول والمقايسة على أمثاله ونظائره من الفروع. وعلى هذا فهم من أهل الترجيح. والتخريج في استعمله لا يعني غير توجيه الاختيار أو الأخذ بأحد الوجهين. وأما الأمر الثاني فإنه وضع طائفة من فحول العلماء في مواضع لا تليق بهم، ونعتهم بالمقلدين، وقال عن بعضهم بأنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلاً، فمن ذلك أنه جعل الأئمة الثلاثة من تلامذة الإمام أبي حنيفة في طبقة المجتهدين في المذهب، وأنهم مقلدون في قواعد الأصول. ولم يسلموا له ذلك، بل عدوهم مجتهدين اجتهاداً مطلقاً، ونفوا أن يكونوا مقلدين له في الأصول. وقالوا: إن أريد بالأصول الأدلة الأربعة- أي الكتاب والسنة والإجماع والقياس-، فهذا لا وجه له، لأن هذه الأصول مستند كل الأئمة، وملجؤهم في أخذ الأحكام فلا يتصور مخالفة غيره له فيها، وإن أريد بها غير ذلك فلا يسلم له بأنهم لم يخالفوه، بل كان لكل واحد منهم أصول مختصة به، تفرد بها عن أبي حنيفة وخالفه فيها. ومن ذلك (إن ¬

_ (¬1) الوجيز في أصول الاستنباط 2/ 553. (¬2) المصدر السابق 2/ 548.

الأصول في تخفيف النجاسة، تعارض الأدلة عند أبي حنيفة- رحمه الله- واختلاف الأئمة عندهما) (¬1). ومما نقدوه فيه في هذا المجال كلامه عن بعض العلماء كالخصاف والكرخي والطحاوي وأبي بكر الرازي، ونعتهم بأنهم مقلدون لا يقدرون على مخالفة أبي حنيفة، لا في الأصول ولا في الفروع. فلم يسلموا له ذلك وأبانوا بأن لهم اختيارات واستنباطات بالقياس، واحتجاجات بالمعقول والمنقول، ولبعضهم كالكرخي والرازي آراء خاصة انفردوا بها عن غيرهم، يعلمها كل من درس علم الأصول (¬2). وما ذكروه من ملحوظات ونقد لتقسيم وترتيب ابن كمال باشا وجيه، ولكن الأسلوب الذي اتبع، والعبارات التي استخدمت لا تليق بالنقد العلمي، ويكفي أن نذكر بعض عبارات المرجاني ليتضح ذلك. قال: (فإنه تحكمات باردة وخيالات فارغة، وكلمات لا روح لها، وألفاظ غير محصلة المعنى ولا سلف له في ذلك المدعى، ولا سبيل له في تلك الدعوى ... إلخ) (¬3). وقد تمخضت تلك الانتقادات عن اقتراحات وتعديلات في التقسيم والترتيب، نكتفي بأن نذكر منها ما يأتي: أولاً: رأي الدهلوي: جعل شاه ولي الله الدهلوي الفقهاء ضمن الطبقات الآتية: 1 - طبقة المجتهدين اجتهاداً مطلقاً، وهي قسمان: أ- طبقة المجتهدين المستقلين كالأئمة الأربعة. ¬

_ (¬1) الوجيز في أصول الاستنباط 2/ 540 - 544 نقلاً عن كلام المرجاني في (ناظورة الحق) المنقول بالواسطة من كتاب (حسن التقاضي) للشيخ محمد زاهد الكوثري من ص 102 - 115. هذا ومن الممكن أن نلاحظ طائفة من الأصول المختلف فيها بين أبي حنيفة وأصحابه في كتاب (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي. (¬2) المصدر السابق 2/ 544 - 548. (¬3) المصدر السابق 2/ 539.

ب- طبقة المجتهدين المنتسبين الذين أخذوا بأصول شيوخهم، مع قدرتهم على استنباط المسائل منها. 2 - طبقة المجتهدين في المذهب، وهم المتمكنون من تخريج الأحكام على نصوص إمامهم. 3 - طبقة مجتهدي الفتيا: وهم المتبحرون في مذهب إمامهم، المتمكنون من ترجيح قول على آخر، أو وجه على آخر. 4 - طبقة المقلدين تقليداً صرفاً (¬1). ويلاحظ أن هذا المنهج جعل الطبقات خمساً. فأدخل بعضها في بعض، لكنه لم يتخلص من النقد الموجه لابن كمال باشا في جعله تلاميذ الأئمة مقلدين له في الأصول. ثانياً: رأي الشيخ أبي زهرة (¬2): لاحظ الشيخ أبو زهرة – رحمه الله- أن الطبقات الثالثة والرابعة والخامسة، في ترتيب ابن كمال باشا، متداخلة وغير متميزة، واقترح لكي تتميز الطبقات أن تكون هذه الطبقات طبقتين إحداهما طبقة المخرجين الذين يستخرجون أحكاماً لمسائل لم تؤثر لها أحكام من أصحاب المذهب الأوائل، والطبقة الثانية طبقة المرجحين، الذين يرجحون بين الروايات المختلفة، ورأى أن الطبقة الثانية التي يعتبرونها أصحاب أبي حنيفة، وينزلون بأصحابها عن مرتبة المجتهدين المستقلين التابعين لشيخهم، لا وجود لها وبذلك ¬

_ (¬1) عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد ص 5 و 17 نقل ذلك د. محمد عبد اللطيف الفرفور في كتابه (الوجيز في أصول الاستنباط) 2/ 556. (¬2) هو الشيخ محمد بن أحمد أبو زهرة من علماء الأزهر البارزين، ولد بمدينة المحلة الكبرى وتربى بالجامع الأحمدي، وتعلم بمدرسة القضاء الشرعي. تولى التدريس في الأزهر، وفي كلية الحقوق في جامعة القاهرة، وكان له إسهام كبير في مجال الفقه والأصول والمذاهب الإسلامية. توفي بالقاهرة سنة 1974م. راجع في ترجمته: الأعلام 6/ 25.

تصبح الطبقات خمساً (¬1). وإذا نظر إلى ما وصفوا به الطبقة السابعة، وأن المنتمين إليها (لا يفرقون بين الغث والسمين، ولا يميزون الشمال من اليمين، بل يجمعون ما يجدون كحاطب ليل، فالويل لمن قلدهم كل الويل) (¬2) لم يكن عدهم من الفقهاء صواباً، بل هم نقلة ليس غير. وعلى هذا فنستطيع أن نستنتج من كلامه أن الطبقات عنده أربع، هي: 1 - طبقة المجتهدين، وهي تشمل أبا حنيفة وتلاميذه، وهم المجتهدون اجتهاداً مطلقاً. 2 - طبقة المخرجين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب. وهؤلاء هم المجتهدون في المذهب. 3 - طبقة المرجحين بين الأقوال المختلفة. 4 - طبقة المفتين الذين يتتبعون الأحكام، ويبحثون عما رجحه سلفهم من العلماء. والطبقات الثلاث الأولى من المجتهدين، أما الطبقة الرابعة فتمثل المقلدين الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد ومن لم يكن من إحدى هذه الطبقات فليس من الفقهاء. ثالثاً: رأي الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور: وممن أسهموا في هذا الموضوع د. محمد عبد اللطيف الفرفور في كتابه (أصول الاستنباط) فقد وجه نقداً شديداً لترتيب ابن كمال باشا، ولمن وافقوه على ذلك كابن عابدين، وأثنى على من سبقوه في هذا النقد كالمرجاني والشيخ محمد زاهد الكوثري، واقترح تقسيم الفقهاء إلى ثلاث طبقات هي: 1 - طبقة المجتهدين، أي القادرين، بعد استفراغ وسعهم، على تحصيل ¬

_ (¬1) أبو حنيفة- حياته وعصره- آراؤه وفقهه ص 447 و 448. (¬2) المصدر السابق ص 449.

الظن بالحكم الشرعي. 2 - طبقة المتبعين: أي السالكين طريق غيرهم والمحصلين للحكم من الدليل بالطريق التي أخذ بها المتبوع. 3 - طبقة المقلدين: أي العاملين بقول من ليس قوله حجة، بلا حجة. وجعل طبقة المتجهدين، على نوعين: أ- طبقة المجتهدين اجتهاداً مطلقاً كالأئمة الأربعة وتلاميذهم. ب- طبقة المجتهدين المقيدين بالمذهب، وهم المجتهدون بالمذهب، الذين تدخل فيهم طبقة المخرجين ومجتهدي المسائل، الذين عدهم ابن كمال باشا وابن عابدين ومن تابعهما طبقتين، مع أنهم طبقة واحدة. وجعل طبقة المتبعين شاملة للطبقتين الرابعة والخامسة عند ابن كمال باشا، وعدهما طبقة واحدة هي طبقة أهل الترجيح. وجعل طبقة المقلدين متناولة للطبقة السادسة من طبقات ابن كمال باشا، وهي طبقة المقلدين الذين لا يرجحون بين الأقوال والروايات، لكنهم على علم بما رجحه السابقون واختاروه، وبينوا أنه الأقوى (¬1). وعلى هذا يكون قد ألغى الطبقة السابعة عند ابن كمال باشا من عداد الفقهاء، وقصر ترتيبه على الطبقات الست مدخلاً بعضها في بعضها الآخر، واستدرك ما جاء في كلام الشيخ أبي زهرة، في جعله أهل الترجيح بين الأقوال المختلفة من المجتهدين، ورأى أنهم ليسوا من أهل الاجتهاد. ¬

_ (¬1) الوجيز في أصول الاستنباط 2/ 568.

المبحث الثاني تقسيم وترتيب ابن الصلاح

المبحث الثاني تقسيم وترتيب ابن الصلاح (ت 643هـ) وقد جعل ابن الصلاح في كتابه (أدب المفتي والمستفتي) المفتين خمس طبقات، وتدخل ضمن قسمين رئيسين، هما المفتي المستقل والمفتي غير المستقل وجعل المفتي غير المستقل أربع درجات، وبذلك تكون طبقاته خمساً نذكرها على الوجه الآتي: أولاً: المفتي المستقل، وهو عنده (الذي يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من غير تقليد وتقيد بمذهب أحد) (¬1) فهو مجتهد مطلق. وذكر أن مثل هذا المجتهد قد طوي بساطه منذ دهر طويل، وأن أمر الفتوى أصبح من نصيب الفقهاء المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة (¬2). ثانياً: المفتي غير المستقل، ولهذا المفتي أحوال أربعة تنبني عليها أربع طبقات وهي: 1 - الطبقة الأولى: ويمثلها من بلغ درجة الاجتهاد المطلق من الكتاب والسنة، ولكنه ينتسب إلى أحد الأئمة المجتهدين، لكونه قد سلك طريقه في الاجتهاد ودعا إلى سبيله، وقد يختلف عنه في الفروع الفقهية، بناءً على اختلاف اجتهادهم في ذلك (¬3). 2 - الطبقة الثانية: ويمثلها من كان مجتهداً في مذهب إمامه ومقيداً به، فهو ¬

_ (¬1) أدب المفتي والمستفتي ص 86 - 91، والمجموع للنووي 1/ 42، وجمع الجوامع وشرحه للجلال المحلي 2/ 382 - 385. (¬2) أدب المفتي ص 91. (¬3) المصادر السابقة، والرد على من أخلد إلى الأرض ... للسيوطي ص 114.

يقرر مذاهبه بالدليل، لكنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده. ويفهم من كلام ابن الصلاح أن هذه الطبقة تعد من أهل التخريج، إذ ذكر من صفات المفتي فيها (أن يكون عالماً بالفقه خبيراً بأصول الفقه، عارفاً بأدلة الأحكام تفصيلاً بصيراً بمسالك الأقيسة والمعاني، تام الارتياض في التخريج والاستنباط، قيما بإلحاق ما ليس بمنصوص عليه في مذهب إمامه بأصول مذهبه وقواعده) (¬1) ومع ذلك فإن هذا الفقيه لا يعرى عن شائبة التقليد، لإخلاله ببعض العلوم والأدوات المعتبرة في المستقل، كأن يخل بالحديث أو العربية (¬2). وقد أطلق على فقيه هذه الطبقة اسم (مجتهد المذهب) (¬3)، وسماه السيوطي؛ (مجتهد التخريج) (¬4)، كما اشتهر إطلاقهم على أصحاب هذه المرتبة (أصحاب الوجوه والطرق). وما يخرجه هذا الفقيه يقال في شأن صحة نسبته إلى الإمام ما سبق الكلام عنه مفصلاً، وقد ذكروا أن من هذه حاله لا يتأذى به فرض الكفاية، وإن كان يتأدى به الغرض في الفتوى (¬5). 3 - الطبقة الثالثة: ويمثلها من كان "فقيه النفس حافظاً لمذهب إمامه، عارفاً بأدلته، قائماً بتقريرها، وبنصرته، يصور ويحرر ويمهد ويقرر ويزيف ويرجح) (¬6) فهو لم يبلغ ما بلغه علماء الطبقة السابقة من حفظ المذهب، ولم يرتض في التخريج والاستنباط كارتياضهم، وقد عد ذلك صفة كثير من المتأخرين إلى أواخر المئة الخامسة من الهجرة (¬7) وقد أطلق عليه لقب (مجتهد الترجيح) (¬8). ¬

_ (¬1) أدب المفتي ص 91 - 94 المجموع 1/ 43. (¬2) المصدران السابقان. (¬3) جمع الجوامع بشرح الجلال المحلي 2/ 385 و 386. (¬4) الرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي ص 116. (¬5) المجموع 1/ 43، وأدب المفتي ص 95. (¬6) أدب المفتي ص 94 - 99 والمجموع للنووي 1/ 44. (¬7) المصدران السابقان. (¬8) الرد على من أخلد إلى الأرض ص 116.

4 - الطبقة الرابعة: وهي تنتظم من يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في واضحات المسائل ومشكلاتها ولكنه يتسم بالضعف في تقرير الأدلة وتحرير الأقيسة، ففتواه تعتمد على ما ينقله من نصوص الأئمة، وما لا يجده منقولاً ليس له أن يفتي فيه إلا إذا وجد في المذهب نصاص في معناه، بحيث يدرك من دون فضل فكر وتأمل، أن لا فرق بينهما. أو كان يدخل تحت ضابط منقول ممهد في المذهب (¬1) وقد أطلق عليه بعضهم لقب (مجتهد الفتيا) (¬2). وبذلك تكون الطبقات عنده خمساً تدخل ضمن قسمين رئيسين الأول المجتهد المستقل، والثاني المجتهد غير المستقل. والمجتهد المستقل هو المجتهد المطلق من أصحاب المذاهب، كالأئمة ونظرائهم، وأما غير المستقل فأعلى مراتبه المجتهد المطلق المنتسب إلى أحد المذاهب، ويمثل ذلك تلاميذ الأئمة، وبذلك يكون المجتهد المطلق أعم من المجتهد المستقل، لأنه يشمل الأئمة المجتهدين من أصحاب المذاهب، والمجتهدين من تلاميذهم. فالقسم الأول عنده يمثل الطبقة الأولى عند ابن كمال باشا، والطبقة الأولى من القسم الثاني تمثل الطبقة الثانية عند ابن كمال باشا، لكن ابن الصلاح يعدهم من المجتهدين اجتهاداً مطلقاً (¬3)، وابن كمال باشا يعدهم من المجتهدين في المذهب، والطبقة ¬

_ (¬1) أدب المفتي 99و 100 والمجموع للنووي 1/ 44. (¬2) الرد على من أخلد إلى الأرض ص 116. (¬3) نشير هنا إلى أن جلال الدين السيوطي (ت 911هـ) أفاد من تقسيم ابن الصلاح المذكور، ودافع عن نفسه مستنداً إليه، حينما تعرض للنقد، عند إعلان نفسه مجتهداً مطلقاً، وبين أن الذي ذكره ابن الصلاح وتابعه عليه النووي في أن المجتهد المطلق المستقل قد طوي بساطه منذ دهر طويل، وأن غير المستقل قد يكون مجتهداً، أفاد من ذلك، وقال: (الذي ادعيناه هو الاجتهاد المطلق لا الاستقلال، بل نحن تابعون للإمام الشافعي- رضي الله عنه-، وسالكون طريقه في الاجتهاد امتثالاً لأمره، ومعدودون من أصحابه) الرد على من أخلد إلى الأرض ص 116. وقال إنه ليس مجتهداً مقيداً، لأن المجتهد المقيد إنما ينقص عن المطلق بإخلاله=

الثانية من القسم الثاني عند ابن الصلاح هي الطبقة الثالثة عند ابن كمال باشا. أما الطبقة الثالثة من القسم الثاني عنده فتشمل الطبقات الرابعة والخامسة والسادسة عند ابن كمال باشا، والطبقة الرابعة من القسم الثاني يمكن أن تكون ممثلة بالطبقة السابعة عند ابن كمال باشا، لكن الملاحظ أن ابن كمال باشا جعل المخرجين الذين هم الطبقة الثالثة عنده ومن بعدهم من المقلدين، ونعتهم بذلك. أما ابن الصلاح فعدهم من المجتهدين، وإن كان بعضهم لا يخلو عن شائبة التقليد، وباستثناء الطبقة الأخيرة عنده التي هي طبقة مجتهدي المذهب (¬1). ¬

_ (¬1) = بالحديث أو بالعربية (وليس على وجه الأرض من مشرقها إلى مغربها أعلم بالحديث والعربية مني، إلا أن يكون الخضر أو القطب أو ولياً لله، فإن هؤلاء لم اقصد دخولهم في عبارتي والله أعلم)!! المصدر السابق. () انظر الهامش السابق.

المبحث الثالث تقسيم وترتيب ابن حمدان

المبحث الثالث تقسيم وترتيب ابن حمدان ومن هذه التقسيمات ما ذكره ابن حمدان (ت 695هـ) في كتابه صفة الفتوى والمفتي والمستفتي. وقد تأثر في ذلك بابن الصلاح، ونقل كثيراً من عباراته، لكنه أضاف إليه قسمين آخرين فصار المجتهدون عنده أربعة أقسام، تشمل سبع طبقات، وهي مرتبة كالآتي: 1 - القسم الأول: المجتهد المطلق. 2 - القسم الثاني: المجتهد في مذهب إمامه أو مذهب إمام غيره، وجعل له أربعة أحوال وهي: أ- الحالة الأولى: أن يكون غير مقلد لإمامه في الحكم والدليل، لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتوى ودعا إلى مذهبه، مثل أصحاب الأئمة كأبي يوسف ومحمد والمزني وغيرهم. ب- الحالة الثانية: أن يكون مجتهداً في مذهب إمامه مستقلاً بتقريره بالدليل، لكن لا يتعدى أصوله وقواعده، مع إتقانه للفقه وأصوله، وأدلة مسائل الفقه، عارفاً بالقياس ونحوه، تام الرياضة، قادراً على التخريج والاستنباط وإلحاق الفروع بالأصول والقواعد لإمامه، وهذه صفة المجتهدين أرباب الأوجه والتخاريج والطرق. ج- الحالة الثالثة: وهي حالة من لم يبلغ رتبة أصحاب الأوجه والتخاريج والطرق، ولكنه فقيه النفس، يقرر ويجوز ويزيف ويرجح، وربما تطرق بعضهم إلى تخريج قول واستنباط وجه واحتمال.

د- الحالة الرابعة: حالة من يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه (¬1). 3 - القسم الثالث: المجتهد في نوع من العلم، فمن أراد أن يفتي في مسألة قياسية لا تتعلق بالحديث، فله أن يفتي بذلك إن كان عالماً بالقياس وشروطه. ومن عرف الفرائض فله أن يفتي فيها، وإن جهل أحاديث النكاح مع ذكره لخلاف العلماء في هذا الشأن. 4 - القسم الرابع: "المجتهد في مسائل أو في مسألة وليس له الفتوى في غيرها. وأما فيها فالأظهر جوازه، ويحتمل المنع، لأنه مظنة القصور والتقصير" (¬2). وبموجب هذا التقسيم تصبح الطبقات عنده سبعاً، تضم كل طبقة منها نوعاً من المجتهدين. والطبقات الخمس الأولى التي تدخل في القسمين الأول والثاني هي الطبقات المذكورة في تقسيم وترتيب ابن الصلاح كما ذكرنا، وما أضافه إلى ذلك وعده المجتهدين اجتهاداً جزئياً، سواء كان ذلك في نوع معين من العلوم، أو في مسألة خاصة، من مراتب الطبقات، يتعلق بمسألة تجزؤ الاجتهاد، وهي مسألة مختلف فيها بين الأصوليين (¬3) وبوجه عام فإن المجتهد الذي هو من هذا القبيل يمكن دخوله في الطبقات الأخر، وتقسيمات وترتيبات غيره لا تمنعه. وإنما ذكرنا ابن حمدان، وإن كان لم يأت بجديد، بسبب ما نقله عنه كثير من علماء الحنابلة (¬4). ¬

_ (¬1) صفة الفتوى ص 18 - 23 وشرح التحرير ورقة 216 ب و 217أ. (¬2) صفة الفتوى ص 24. (¬3) انظر البحر المحيط 6/ 209، وشرح الكوكب المنير 4/ 473، وشرح مختصر المنتهى للعضد 2/ 290. (¬4) لاحظ: شرح التحرير في الموضع السابق، الإنصاف للمرداوي 12/ 258 - 265، الفواكه العديدة في المسائل المفيدة لأحمد محمد المنقور 2/ 171 - 175.

المبحث الرابع في تقسيمات أخر

المبحث الرابع في تقسيمات أخر وقد أدلى طائفة من العلماء بدلوهم في هذا المجال، وتقسيماتهم لا تعدو أن تكون تكراراً، لما ذكره ابن الصلاح، مع تعديلات يسيرة، ليست ذات أثر في هذا المجال. أ- فمن هؤلاء ابن قيم الجوزية (ت 751هـ) (¬1)، الذي جعل الذين نصبوا أنفسهم للفتوى أربعة أقسام، هي المجتهد المطلق، والمجتهد المقيد في مذهب من ائتم به، والمجتهد في مذهب من انتسب إليه، والمقلد تقليداً محضاً (¬2). وهو بهذا اتبع منهج ابن الصلاح، لكنه طوى إحدى الطبقات وأدخلها في الطبقة التي قبلها، إذ جعل أهل التخريج، وهم أصحاب الوجوه والطرق، وأهل الترجيح، طبقة واحدة، هي طبقة المجتهد في مذهب من انتسب إليه، وسمى أهل الفتوى، المقلدين تقليداً محضاً. ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي. من فقهاء الحنابلة وأصولييهم ومجتهديهم البارزين. وكان إلى جانب ذلك مفسراً ومتكلماً ونحوياً ومحدثاً ومشاركاً في علوم كثيرة. لازم الإمام ابن تيمية وأخذ عنه العلم، وسجن معه في قلعة دمشق. توفي سنة 751هـ ودفن في سفح جبل قاسيون بدمشق. من مؤلفاته: أعلام الموقعين عن رب العالمين، وزاد المعاد في هدي خير العباد، وإغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، والطرق الحكمية، وكتبه كثيرة بالمئات. انظر في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 447، والدرر الكامنة 5/ 137، وشذرات الذهب 6/ 168، ومعجم المؤلفين 9/ 106، وهدية العارفين 2/ 158، وقد كتبت عن حياته وعن فقهه وعن جوانبه العلمية الأخرى طائفة من الكتب. (¬2) أعلام الموقعين 4/ 184و 185.

ب- ومن أولئك العلماء أيضاً عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الشنقيطي (ت 1235هـ) (¬1) فقد ذكر في منظومته مراقي السعود وشرحها نشر البنود، مراتب العلماء على الوجه الآتي: 1 - المجتهد المطلق. 2 - المجتهد المقيد وجعله قسمين: أ- مجتهد المذهب، وهو الذي يقوم بتخريج الوجوه على نصوص إمامه أو قواعده (¬2). ب- مجتهد الفتيا وهو المتبحر في مذهب إمامه المتمكن من ترجيح قول على آخر. 3 - حافظ المذهب، الذي ليس من الاجتهاد على شيء، ولكنه يقوم بحفظ المذهب وفهمه في الواضحات والمشكلات ومعرفة عامه وخاصة ومطلقه ومقيده. ويفهم من كلامه أنه تابع ابن الصلاح، إذ مآل الطبقات عنده خمس، لأن المجتهد المطلق عنده لا بد أن يشمل تلاميذ الأئمة، فيكون المطلق عنده قسمين مستقلاً وغير مستقل، وذلك لأنه لم يجعل بين المطلق والمخرج طبقة ¬

_ (¬1) هو أبو محمد عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي، من فقهاء المالكية المعاصرين. علوي النسب من غير أبناء فاطمة. طلب العلم في المدن والصحارى، وأقام بفاس وحج وعاد إلى بلاده فتوفي فيها سنة 1235هـ. من مؤلفاته: نشر البنود في شرح مراقي السعود، فوح الأقاح منظومة في علم البيان وشرحها فيض الفتاح، وطلعة الأنواع منظومة في مصطلح الحديث. راجع في ترجمته: الأعلام 4/ 65. (¬2) أجاز اللخمي التخريج على قواعد ليست لإمامه، وقد عاب المالكية عليه ذلك، حتى قال ابن غازي (ت 919هـ). لقد مزقت قلبي سهام جفونها ... كما مزق اللخمي مذهب مالك انظر قواعد المقري 1/ 350 والحاشية (2) للمحقق. ونشر البنود 2/ 322، ونيل الابتهاج ص 334.

أدنى من المستقل ولا أعلى من المخرجين، فيفهم من ذلك أن المطلق عنده يشمل طبقتين، يضاف إليهما الطبقات الثلاث التي ذكرها فيما بعد (¬1). خاتمة ومن خلال استعراضنا أهم وجهات النظر في طبقات الفقهاء، نجد أن أصحاب هذه الوجهات متفقون على أن أهل التخريج يعدون من المجتهدين، وما جاء في تقسيم ابن كمال باشا من جعل الطبقة الرابعة طبقة أهل التخريج ونعتهم بأنهم من المقلدين لم يكن معنياً به المخرجين الذين نحن بصدد الكلام عنهم، بل المخرجون الذين هم موضوع بحثنا هم الذين ذكرهم في الطبقة الثالثة وسماهم طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب. أما ابن الصلاح وابن حمدان ومن سار على منهجهما فقد صرحوا بذلك، وأطلقوا على المخرج (مجتهد المذهب) و (مجتهد التخريج) و (أصحاب الوجوه والطرق). ولكن ينبغي أن يكون واضحاً أنه لا بد من تقييد نوع الاجتهاد عندهم، لأن المتبادر من الاجتهاد هو استنباط الحكم الشرعي من مصادره، وأقوال الأئمة أو قواعدهم ليست مصادر للحكم الشرعي، وما يتوصل إليه المخرجون هو مقتضى أقوال وقواعد الأئمة في المسائل التي لم يرد عنهم فيها نص. ليس غير. فهم مجتهدون من حيث القدرة على الاستنباط، ومقلدون من وجه من حيث استنادهم إلى نصوص الأئمة وقواعدهم، لا إلى الدليل الشرعي. ¬

_ (¬1) نشر البنود على مراقي السعود لسيدي عبد الله بن إبراهيم العلوي 2/ 321 - 323.

الفصل الثاني شروط وصفات علماء التخريج

الفصل الثاني شروط وصفات علماء التخريج وفيه مبحثان: المبحث الأول: شروطهم وصفاتهم. المبحث الثاني: في تحقق فرض الكفاية بهم.

المبحث الأول شروط وصفات علماء التخريج

المبحث الأول شروط وصفات علماء التخريج ذكرنا فيما سبق المرتبة التي يمثلها أهل التخريج بين طبقات أهل العلم، وعلمنا أنهم يعدون من المجتهدين، ولكنهم بمرتبة دون مرتبة أهل الاجتهاد المطلق. ونظراً إلى أن موضوعنا يتعلق بالتخريج بخاصة، فإننا سنقصر كلامنا على السمات الأساسية في المخرجين. وهذه السمات يمكن أن تدخل ضمن نوعين من الشروط نذكرها فيما يأتي: 1 - النوع الأول: الشروط المتعلقة بشخصية المجتهد: بغض النظر عن الجوانب العلمية فيه. وهي شروط لا فرق في لزومها بين المجتهد المطلق ومجتهد المذهب أو التخريج ومجتهد الفتوى. ومن هذه الشروط: أ- أن يكون بالغاً عاقلاً (¬1) وذلك لأن غير البالغ غير مكتمل القوى العقلية، وقد خالف بعض العلماء في اشتراط ذلك، وادعوا أن الاجتهاد من غير البالغ متصور (¬2). وأما العقل فلا بد منه لأنه مناط التكليف، ولأنه آلة المجتهد الأساسية. والمراد من ذلك أن يكون الفقيه سليم الإدراك، ¬

_ (¬1) جمع الجوامع مع شرحه للجلال المحلي 2/ 382، والبرهان 2/ 1330، والبحر المحيط 6/ 199. (¬2) المسودة ص 456 وانظر فيها الأقوال في ذلك، وما نقل عن الإمام أحمد- رحمه الله- وما رجحه القاضي، وذهابه إلى أن ذلك جائز عقلاً، أما وقوعه فيغلب على الظن انتفاؤه.

خالياً من العيوب التي تشين العقل، وتنقصه، كالجنون والعته والسفه (¬1). ب- أن يكون مؤمناً بشريعة الإسلام. وهذا الشرط من الأمور المعلومة بداهة، ولهذا لم يذكره أغلب العلماء، غير أن طائفة منهم، مع بداهته، نصت عليه. فقد ذكر الآمدي في الإحكام، أن من شروط المجتهد أن يعلم وجود الرب- تعالى- وما يجب له من صفات، ويستحقه من الكمالات، وأن يكون مصدقاً بالرسول- صلى الله عليه وسلم- وما جاء به من الشرع المنقول (¬2). كما نص على ذلك ابن الهمام وغيره (¬3) لكن إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت 790هـ) ذكر أن النظار (أجازوا وقوع الاجتهاد في الشريعة من الكافر المنكر لوجود الصانع والرسالة والشريعة (¬4)). وهذا كلام غريب قال الشيخ عبد الله دراز (ت 1351هـ) - رحمه الله- معقباً على ذلك: (ما هي ثمرة هذا التجويز؟ هل يقلده المسلمون فيما استنبطه من الأحكام الشرعية، وهذا غير معقول، أم يعمل هو بها؟ وهذا لا يعنينا ولا يعد اجتهاداً في الشريعة (¬5)). ومقتضى هذه الدعوى تجويز اجتهادات المستشرقين من أعداء الإسلام، والمنكرين لنبوة محمد- صلى الله عليه وسلم- وهذا باطل يقيناً. ج- أن يكون فقيه النفس (¬6). والمقصود بذلك أن يكون شديد الفهم بالطبع ¬

_ (¬1) الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه ص 162 و 163. (¬2) الإحكام 4/ 162 و 163. (¬3) التحرير بشرح التقرير والتحبير 2/ 292، وشرح الكوكب المنير 4/ 464 و 465، وفواتح الرحموت 2/ 363. (¬4) الموافقات 4/ 111. (¬5) المصدر السابق هامش (3) ولاحظ مناقشة كلام الشاطبي بشأن المقدمات. (¬6) البرهان 2/ 1332، وجمع الجوامع بشرح الجلال المحلي وحاشية الأنبابي 2/ 382.

لمقاصد الكلام، أي أن يكون له استعداد فطري يؤهله للاجتهاد. وعد إمام الحرمين هذا الفقه رأس مال المجتهد، وقال إنه أمر جبلي، ولا يتأتى كسبه وتحصيله بحفظ الكتب (¬1). د- أن يكون عدلاً (¬2) بأن يجتنب الكبائر، ويتقي الصغائر في غالب أحواله (¬3). أو أن تكون له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة. والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة، من شرك، أو فسق، أو بدعة (¬4). وعبر الباجي (ت 474هـ) (¬5) عن هذا الشرط بقوله: (أن يكون مع ذلك مأموناً في دينه، موثوقاً به في فضله (¬6)). وصحح بعض العلماء أن العدالة ليست شرطاً في الاجتهاد، لجواز أن يكون للفاسق قوة الاجتهاد (¬7). ¬

_ (¬1) البرهان في الموضع السابق. (¬2) المصدر السابق، والمستصفى 2/ 350. (¬3) التحفة النبهانية بشرح المنظومة البيقونية ص 33. (¬4) نزهة النظر شرح نخبة الفكر ص 29، وانظر الأشباه والنظائر للسيوطي ص 413. بشأن العدالة، وص 414 بشأن الفرق بين الصغائر والكبائر. (¬5) هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد التجيبي الأندلسي المالكي الباجي. ولد بيطليوس، ثم رحل إلى باجة وأقام بها زمناً طويلاً، ثم رحل إلى مصر والشام والعراق، فأخذ العلم عمن لقيه فيها من العلماء. وكانت رحلته طويلة استغرقت ثلاث عشرة سنة، عاد بعدها إلى بلده، فدرس وعلم وذاع صيته. تولى القضاء بالأندلس، وكان نظاراً قوي الحجة. قال عنه ابن حزم: لم يكن للمذهب المالكي بعد القاضي عبد الوهاب إلا أبو الوليد الباجي. توفي سنة 474هـ. من مؤلفاته: إحكام الفصول في أحكام الفصول، والمنتقى في شرح الموطأ، وكتاب الحدود، والإشارة، والتعديل والتخريج لمن خرج عنه البخاري في الصحيح. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 142، والديباج المذهب ص 120، وشذرات الذهب 3/ 344، والفتح المبين 1/ 252. (¬6) إحكام الفصول ص 722. (¬7) المستصفى 2/ 350، وجمع الجوامع بشرح الجلال المحلي 2/ 385.

ولكنها شرط لقبول فتواه والعمل بموجبها (¬1). تلك هي الشروط المتعلقة بشخص المجتهد أما غير ذلك من شروط كالحرية والذكورة فقد نص على عدم الاعتداد بها بعض الأصوليين وأهملها أكثرهم. وإنما لم يعتد بهما، لإمكان حصول الاجتهاد مع عدمهما (¬2)، ولأن الصحابة قد رجعوا إلى فتاوى عائشة- رضي الله عنها- (¬3) وسائر أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم-. ولأن التابعين أخذوا بفتاوى نافع (¬4)، مولى عبد الله بن عمر (¬5) وعكرمة (¬6) ¬

_ (¬1) المستصفى في الموضع السابق، والتقرير والتحبير 3/ 295. (¬2) التقرير والتحبير 3/ 294، وجمع الجوامع في الموضع السابق. (¬3) هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان القرشية تكنى بأم عبد الله، كانت من افقه نساء المسلمين، وأعلمهن بالدين والأدب. تزوجها النبي – صلى الله عليه وسلم- في السنة الثانية من الهجرة. كانت أحب نسائه إليه، وأكثرهن رواية عنه. توفيت في المدينة سنة 58هـ. راجع في ترجمتها: شذرات الذهب 1/ 61، والأعلام 2/ 240. (¬4) هو أبو عبد الله نافع مولى عبد الله بن عمر، ديلمي الأصل، مجهول النسب، أصابه عمر في بعض غزواته. كان من كبار التابعين وفقهائهم ومحدثيهم. سمع مولاه وأبا سعيد الخدري وعائشة وأبا هريرة. كان ثقة في روايته للحديث. أرسله عمر بن عبد العزيز إلى مصر ليعلم أهلها السنن. توفي سنة 117هـ على أشهر الأقوال. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 5/ 4، وشذرات الذهب 1/ 154، والأعلام 8/ 5. (¬5) هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسلم مع أبيه وهو صغير، وهاجر إلى المدينة، كان ورعاً كثير الاتباع لآثار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومجاهداً، لم يتخلف عن السرايا في عهد النبي. وكان من أعلم الصحابة بمناسك الحج كثير الاحتياط والتحري في فتواه. توفي سنة 63هـ، وقيل سنة 73هـ، وقيل سنة 74هـ، وقيل غير ذلك. راجع ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 23، وشذرات الذهب 1/ 81، والأعلام 4/ 108. (¬6) هو أبو عبد الله البربري المدني. مولى عبد الله بن عباس. تابعي، كان من أعلم الناس بالتفسير والمغازي. تنقل في البلدان، وروى عنه زهاء ثلاثمائة =

مولى عبد الله بن عباس، قبل عتقهما (¬1). وهذه الشروط عامة لكل المجتهدين، سواء كانوا مجتهدين اجتهاداً مطلقاً، أو من المجتهدين في المذهب، أو من المجتهدين في الفتوى. 2 - النوع الثاني: الشروط المتعلقة بالجانب العلمي للمجتهد: وفيما يتعلق بالشروط العلمية للمجتهد اختلفت وجهات النظر في أعداد ما يحتاج إليه المجتهد من العلوم، ويرجع ذلك إلى أن بعضهم جمع طائفة من العلوم في علم واحد وكان أبو الفتح الشهرساني (ت 548هـ) (¬2) قد حصر هذه العلوم في خمسة، هي شروط الاجتهاد عنده، وهي: أ- معرفة قدر صالح من اللغة، بحيث يمكنه من فهم لغات العرب، والتمييز بين الألفاظ الوضعية والاستعارية والنص والظاهر وغير ذلك من وجوه الدلالة التي هي الآلة التي يحصل بها الشيء. ب- معرفة تفسير القرآن، وبخاصة ما يتعلق بالأحكام، معرفة تحيط بما جاء حولها من أخبار، وما كان موقف الصحابة المعتبرين منها، وما الذي فهموه منها. ¬

_ (¬1) = رجل، منهم أكثر من سبعين تابعياً. توفي في المدينة سنة 105هـ. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 1/ 130، والأعلام 4/ 244. () الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه ص 162. (¬2) هو أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني الشافعي. برع في الفقه والحكمة والكلام. تلقى علم النظر والأصول عن أبي القاسم الأنصاري، وابن نصر القشيري. رحل إلى بغداد، فأقام فيها ووعظ، ولقي وعظه قبولاً من العامة. اتهم بميله إلى أهل الزيغ، وتخبطه في الاعتقاد. توفي سنة 548هـ. من مؤلفاته: الملل والنحل، نهاية الإقدام في علم الكلام، تلخيص الأقسام لمذاهب الأعلام وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 3/ 403، وطبقات الشافعية الكبرى 4/ 78، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 330، ومعجم المؤلفين 10/ 187.

ج- معرفة الأخبار بمتونها وأسانيدها، والإحاطة بأحوال النقلة والرواة، تعديلاً وجرحاً، وبالوقائع والمناسبات الخاصة فيها، وبعامها الوارد على سبب خاص، وبخاصها الذي عمم حكهم، والفرق بين الوجوب والندب والحظر والإباحة، حتى لا يشذ عنه وجه من الوجوه، ولا يختلط عليه باب بباب. د- معرفة مواقع الإجماع، حتى لا يقع اجتهاده مخالفاً له. هـ- معرفة مواضع القياس، وكيفية النظر، والتردد فيها (¬1). والذي يبدو من تتبع كلام الأصوليين أن الشهرستاني أتى بخلاصة آرائهم بتركيز. ذلك أن كثيراً مما ذكره بعض الأصوليين كان تفريعاً وتنويعاً، أو شرحاً وضبطاً لهذه الشروط. وقد جمع السيوطي العلوم المشترطة في الاجتهاد، فذك خمسة عشر علماً، ورفض الاعتداد بثلاثة علوم أخر، هي المعرفة بالدليل العقلي، أي البراءة الأصلية، التي عدها ابن السبكي في جملة الشروط (¬2). وقال السيوطي إن إفرادها شرطها لا حاجة له، لأنها من جملة أصول الفقه. والعلم الثاني علم الكلام والثالث المنطق الذي قال عنه: إنه أقل وأذل من أن يذكر (¬3). ومن الملاحظ على ما عده السيوطي وآخرون علماً مستقلاً، أنه يمكن أن يدخل بعضه في بعض. ومن أمثلة ذلك أن السيوطي ذكر علم اللغة، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، على أنها ستة علوم (¬4)، مع أن أغلب العلماء يعدون ذلك شيئاً واحداً، هو معرفة قدر صالح من لغة وأساليب العرب. ولهذا فسنعرض عن مثل هذا المنهج، ونكتفي بذكر ¬

_ (¬1) الملل والنحل 1/ 348 - 350. (¬2) جمع الجوامع بشرح الجلال المحلي 2/ 382. (¬3) تيسير الاجتهاد ص 41. (¬4) المصدر السابق ص 40.

المعاني الجامعة لتلك العلوم. لقد شرطوا في المجتهد، في الجانب العلمي، إحاطته بما يأتي: أ- العلم بالمدارك المثمرة للأحكام، أي مصادر التشريع وأدلته، علماً يتحقق به المقصود. وهذه المدارك هي: 1 - الكتاب: وهو أهم ما يجب العلم به، وبما يتصل به من علوم تساعد على فهمه وإدراك مراميه. ولا يشترط أن يعرف جميعه، بل شرطه أن يعرف ما يتعلق بالأحكام (¬1). وقد قدرها كثيرون بخمسمائة آية (¬2)، وقدرها آخرون بما هو أكثر من ذلك، فقيل إنها تسعمائة، وقيل إنها ثلاثمائة وألف، وقيل أكثر (¬3). ولا يشترط حفظها، بل يكفي أن يكون عالماً بمواقعها، مستطيعاً الرجوع إليها وقت الحاجة (¬4). ولبعض العلماء رأي آخر، وهو أن الأحكام لا يقصر استنباطها على الآيات الخاصة بذلك، بل من الممكن أخذها من الآيات التي فيها القصص والمواعظ (¬5). وفي الكوكب المنير أن التنصيص على خمسمائة آية، ربما كان المقصود به ما دل على الأحكام بدلالة المطابقة، (وأما بدلالة الالتزام فغالب القرآن، بل كله، لأنه لا يخلو شيء منه عن حكم يستنبط منه) (¬6). وينبغي له أن يعرف تفسيره، وما نقل من مأثور بشأن معانيه، وأن يحيط ¬

_ (¬1) شرح اللمع 2/ 1033، والتلويح 2/ 117. (¬2) المستصفى 2/ 350 و 351، والمحصول 2/ 497، والإبهاج 3/ 254، ونهاية السول بحاشية سلم الوصول 4/ 548، وشرح مختصر الروضة 3/ 577، وفواتح الرحموت 2/ 363. (¬3) الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه ص 180 نقلاً عن إيقاظ الوسنان في العمل بالسنة والقرآن. (¬4) المحصول 2/ 497، والإبهاج 4/ 253، وشرح مختصر الروضة 3/ 577، والمستصفى 2/ 351. (¬5) شرح مختصر الروضة 3/ 577 و 578. (¬6) 4/ 460.

بأسباب نزوله، وأن يعرف ناسخه ومنسوخه. 2 - السنة: والشرط فيها أن يعلم متونها ومعانيها وطرقها وأسانيدها، بأن يعلم متواترها ومشهورها وآحادها، والسند الذي رويت به، وحال الرواة، وقوة الحديث بمعرفة الصحيح والحسن والضعيف منه. ولا يشترط أن يكشف عن ذلك بنفسه، بل يكفي فيه الأخذ من أولي الشأن، أو المتخصصين في ذلك (¬1). وفي جمع الجوامع وشرحه للجلال المحلي (¬2). أنه يكفي في زمانهم الرجوع إلى أئمة الحديث كالإمام أحمد والبخاري (¬3) ¬

_ (¬1) شرح اللمع 2/ 1033، والتلويح 2/ 117، ونهاية السول بشرح سلم الوصول 4/ 549، وشرح الكوكب المنير 4/ 461و 462، وجمع الجوامع بشرح الجلال المحلي 2/ 384، وفواتح الرحموت 2/ 363. (¬2) هو محمد بن أحمد بن محمد المحلي المصري الشافعي الملقب بجلال الدين. كان فقيهاً وأصولياً ومتكلماً ونحوياً ومفسراً. تلقى علومه عن مشاهير العلماء في مصر، في زمنه، وصف بحدة الذكاء حتى قالوا: إن ذهنه يثقب الماس، وسماه بعضهم تفتازاني العرب، درس بالمؤيدية والبرقوقية. وكان متقشفاً يأكل من كسب يده في التجارة توفي في مصر سنة 864هـ. من مؤلفاته: شرح الورقات، والبدر الطالع في حل جمع الجوامع، وشرح المنهاج في فقه الشافعية، وتفسير لم يتمه أكمله السيوطي بعده فسمي بتفسير الجلالين. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 7/ 303، والأعلام 5/ 333، والفتح المبين 3/ 40. (¬3) هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي. إمام المحدثين وصاحب الصحيح. ولد ببخاري ونشأ يتيماً، ورحل إلى أقطار عديدة، طلباً للحديث عند من فيها من المحدثين. فكتب عنهم بخراسان والجبال ومدن العراق والحجاز والشام ومصر. وقيل إنه سمع عن ألف شيخ وزيادة، ولم يكتب عن كل أحد، بل عمن كان يقول: الإيمان قول وعمل. دخل بغداد فأذعن له علماؤها وأقروا بفضله بعد اختبار. توفي- رحمه الله- في قرية خرتنك من قرى سمرقند في بلاد فارس سنة 256هـ. من مؤلفاته: الجامع الصحيح، والتاريخ، والأدب المفرد، والضعفاء في رجال الحديث. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 3/ 329، وشذرات الذهب 2/ 134، والأعلام 6/ 34.

ومسلم (¬1) وغيرهم، فيعتمد عليهم في التعديل والتجريح لتعذر ذلك في زمانهم (¬2) وكان أبو إسحاق الشيرازي يقول بمثل ذلك قبلهم (¬3)، وممن وافق على ذلك الفخر الرازي في المحصول (¬4) وإذا كان الأمر كذلك في زمان الشيرازي وابن السبكي فلأن يكون الاعتماد على مثل هذه المراجع في زماننا أولى. ويكفي عند جمهور الأصوليين أن يعرف الأحاديث المتعلقة بالأحكام. وما نقل عن الإمام أحمد- رحمه الله- في أن الرجل لا يكون فقيهاً حتى يحفظ أربعمائة ألف حديث، أو ستمائة، فمبالغة. وهو محمول على الاحتياط والتغليظ في الفتيا (¬5). 3 - معرفته بمواقع الإجماع، حتى لا يأتي بحكم مخالف له. ولا يلزمه أن يحفظ جميع مواقع الإجماع والخلاف، بل عليه أن يعلم في كل مسألة يجتهد فيها، أن اجتهاده فيها ليس مخالفاً للإجماع (¬6). 4 - معرفة الدليل العقلي، أي البراءة الأصلية، ومعرفة أننا مكلفون بالتمسك ¬

_ (¬1) هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري. أحد أئمة الحديث المعروفين وصاحب الصحيح. تنقل بين البلدان طلباً للحديث، فرحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر، فسمع من علمائها، وكان كثير التردد على البخاري. وكان ثقة في الحديث، روى عنه أئمة كبار فيه. توفي- رحمه الله- في نيسابور سنة 261هـ. من مؤلفاته: الجامع الصحيح، المسند الكبير رتبه على الرجال، والكنى والأسماء، والأقران، وأولاد الصحابة، وأوهام المحدثين، وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات العيان 4/ 280، وشذرات الذهب 2/ 144. والأعلام 7/ 221. (¬2) جمع الجوامع بشرح الجلال المحلي وحاشية الأنبابي 2/ 384. (¬3) شرح اللمع 2/ 1033. (¬4) 2/ 498و 499. (¬5) العدة 5/ 1597 وأصول الفقه لابن مفلح القسم الثاني ص 987. (¬6) المستصفى 2/ 351، شرح اللمع 2/ 1031و 1032 وشرح الكوكب المنير 4/ 464، والتلويح 2/ 118، والإبهاج 3/ 255 والمحصول 2/ 498، وفواتح الرحموت 2/ 363.

بها إلا إذا ورد ما يصرفنا عنها، من نص أو إجماع (¬1). ويبدو أن هذا الشرط غير معتد به عند من لا يحتج بالاستصحاب. وقد رجح الشوكاني (¬2) ذلك، وقال: (وهو الحق، لأن الاجتهاد إنما يدور على الأدلة الشرعية، لا على الأدلة العقلية، ومن جعل العقل حاكماً، فهو لا يجعل ما حكم به داخلاً في مسائل الاجتهاد) (¬3). ب- العلم بالطرق والوسائل الممكنة من الاستنباط الصحيح من الأدلة. وأهم ما يتناوله ذلك: 1 - معرفته باللغة العربية وأساليبها وطرق دلالتها. وذلك لأن الكتاب والسنة، وهما منبع الأحكام الشرعية ومصدرها الأساس، عربيان، فلا بد أن يعرف المجتهد من علوم العربية ما يمكنه من فهم خطاب العرب، وعاداتهم في الاستعمال، إلى الدرجة التي يستطيع بها تمييز صريح الكلام وظاهره ومجمله ومبينه وحقيقته ومجازه، وعامه وخاصه، ومطلقه ومقيده وغير ذلك، مما له تعلق بالفهم المطلوب لكل من الكتاب والسنة. ولا يشترط في ذلك أن يبلغ مبلغ الخليل بن أحمد (ت 170هـ) (¬4) ¬

_ (¬1) المحصول 2/ 498، والمستصفى 2/ 351، روضة الناظر ص 353، جمع الجوامع بشرح الجلال المحلي 2/ 382و 383. (¬2) هو أبو عبد الله محمد بن علي الشوكاني الخولاني، ثم الصنعاني عالم مشارك في الحديث، والتفسير والفقه والأصول والتاريخ، والنحو والمنطق والكلام، إلى جانب عدد من العلوم الأخرى. ولد بهجرة شوكان في اليمن ونشأ بصنعاء، قرأ على والده وكثير من علماء بلده، وأفتى وهو في العشرين من عمره، وولي القضاء في صنعاء حتى توفي في سنة 1250هـ. راجع في ترجمته: أبجد العلوم 3/ 201، وما بعدها، وهدية العارفين 2/ 365، ومعجم المطبوعات 2/ 1160، والأعلام 6/ 298، ومعجم المؤلفين 11/ 53. (¬3) إرشاد الفحول ص 252. (¬4) هو: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي البصري. من أشهر علماء اللغة والنحو والعروض. روى عن أبي أيوب السختياني =

والأصمعي (ت 216هـ) (¬1) بل يكفي من ذلك ما يحقق الغاية المذكورة (¬2). 2 - معرفته بطرق الاستثمار من الأدلة، وكيفية الحصول على الأحكام منها، ويكون ذلك بمعرفة قواعد أصول الفقه، وبخاصة معرفة القياس بشروطه وأركانه، لأنه أبرز مناطات الاجتهاد، وأصل الرأي، ومنه يتشعب الفقه (¬3). ¬

_ (¬1) = وغيره، وتتلمذ عليه عدد من العلماء المعروفين كسيبويه والنضر بن شميل، وكانت بينه وبين بعض مشاهير علماء عصره، كأبي عمرو بن العلاء، مناظرات. كان صاحب ذهن متميز فهو أول من استخرج العروض وحصن به أشعار العرب، كما كان أول مفكر لوضع معجم لغوي. عرف برجاحة العقل والصلاح والحلم والوقار، كما كان فقيراً صابراً. توفي في البصرة سنة 170هـ. من مؤلفاته: العروض الشواهد، والنقط والشكل، والإيقاع، والجمل، وكتاب العين، والنغم، والعوامل. راجع في ترجمته: طبقات النحويين واللغويين ص 47، والفهرست ص 63 وما بعدها، ووفيات الأعيان 2/ 15، وشذرات الذهب 1/ 275، والأعلام 2/ 314، ومعجم المؤلفين 4/ 112. () هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي البصري المعروف بالأصمعي. من كبار أوائل علماء اللغة والأدب والنحو والأخبار والفقه. سمع ابن عون وغيره، وأكثر عن أبي عمرو بن العلاء. وقد أثنى عليه كثير من علماء عصره، وعرف بكثرة الحفظ والرواية، كان شديد الاحتراز في تفسير القرآن والسنة. مخافة أن يقول في ذلك برأيه. قدم بغداد زمن الرشيد ولقي حظوة عنده، ثم عاد إلى البصرة فتوفي فيها، سنة 216هـ، وقيل غير ذلك. من مؤلفاته: نوادر الإعراب، الأجناس في أصول الفقه، المذكر والمؤنث، كتاب اللغات، كتاب الخراج. راجع في ترجمته: طبقات النحويين واللغويين ص 167 وما بعدها، الفهرست ص 82، وفيات الأعيان 2/ 344، شذرات الذهب 2/ 36، الأعلام 4/ 162، معجم المؤلفين 6/ 187. (¬2) البرهان 2/ 1331، وإحكام الفصول ص 722، والمستصفى 2/ 352، والإبهاج 3/ 255 ونهاية السول مع حاشية سلم الوصول 4/ 552. (¬3) البرهان 2/ 1332، وإحكام الفصول ص 722، والمحصول 2/ 499، والإبهاج =

3 - معرفته بكيفية النظر بأن يعرف شرائط البراهين والحدود، وكيف تركب المقدمات ويستنتج المطلوب، ليكون على بصيرة في اجتهاده (¬1). وعد أبو حامد الغزالي (ت 505هـ) ذلك أحد علوم أربعة تعرف بها طرق الاستثمار (¬2)، وقد تابعه كثيرون ممن جاء بعده، كما ذكرنا. ولا يشترط في المجتهد أن يحفظ الفروع، لأنها ثمرة الاجتهاد، فلا يصح أن تكون متقدمة عليه (¬3). وما ذهب إليه بعض الأصوليين من اشتراط ذلك (¬4)، أو اشترط أكثرها أو أشهرها (¬5)، فإنه مرجوح للسبب الذي ذكرناه. ولم يستبعد أبو حامد الغزالي إمكان الاجتهاد من دونها، ولكنها – في رأيه- ذات فائدة للفقيه في زمانه، من حيث إنها تولد الدربة لديه على استنباط أحكام المسائل المطروحة عليه (¬6). ولا يشترط أن يعرف المنطق ولا علم الكلام على الراجح من أقوال العلماء (¬7). ولا حاجة إلى إلزامه بعلم بعد ذلك، إلا إذا كان اجتهاده يتوقف على معرفته، كحاجة من يجتهد في مسألة من مسائل الفرائض إلى الحساب. ج- معرفته بمقاصد الشريعة. وهذا الشرط مما ذكره الشاطبي في ¬

_ (¬1) = 3/ 255، ونهاية السول بحاشية سلم الوصول 4/ 551 وإرشاد الفحول ص 252. () المحصول 2/ 498، والإبهاج في الموضع السابق، ونهاية السول في الموضع السابق. (¬2) المستصفى 2/ 351. (¬3) المصدر السابق، والبحر المحيط 6/ 205. (¬4) كأبي إسحاق وأبي منصور (البحر المحيط 6/ 205، وإرشاد الفحول ص 252). (¬5) البحر المحيط في الموضع السابق، وشرح الكوكب المنير 4/ 467. (¬6) المستصفى 2/ 353. ونذكر هنا أن حنبل روى عن الإمام أحمد- رحمه الله- قوله (ينبغي لمن أفتاه أن يكون عالماً بقول من تقدم، وإلا فلا يفتي) العدة 5/ 1595. انظر أيضاً ميزان الأصول للسمرقندي ص 752. (¬7) شرح مختصر الروضة 3/ 583، 584، وتيسير الاجتهاد ص 41.

الموافقات (¬1) إذ جعل درجة الاجتهاد تتحقق بوصفين أحدهما فهم مقاصد الشريعة، وثانيهما التمكن من الاستنباط؛ بناءً على فهمه فيها. ولم يشترط جمهور الأصوليين ذلك، إذ اقتصروا على تفصيل الوصف الثاني الذي ذكره. وذكر الشوكاني أن الغزالي بين منهج الشافعي في الاستنباط، وكان مما جاء فيه، أنه ينبغي على المجتهد أن يلاحظ القواعد الكلية أولاً، ويقدمها على الجزئيات، كما في القتل بالمثقل، فتقدم قاعدة الردع على مراعاة الاسم (¬2). وهو في معنى ما ذكره الشاطبي في الموافقات. وإذا كان الشارع قد راعى المصالح باتفاق العلماء، فلا بد في الاعتداد بمثل هذا الشرط. تلك هي شروط المجتهد بإجمال وتركيز، والذي يبدو من خلال ما عرضه العلماء، من شروط في المفتي، ومن يقوم بالتخريج، أن هذه الشروط لابد من أن تتحقق فيهم، ولكن بدرجة أقل. ومع ذلك فإن هناك طائفة من الشروط المختصة بهم، نذكر منها ما يأتي: 1 - أن يكون عالماً بالفقه، أي الفروع الثابتة في المذهب؛ لأنها من مصادره الأساسية في الاجتهاد، بخلاف المجتهد المطلق الذي لا يشترط له ذلك. 2 - أن يكون تام الارتياض في التخريج والاستنباط، بأن يكون قادراً على إلحاق ما ليس منصوصاً عليه لإمامه، بأصوله. 3 - أن يكون ملتزماً بأصول إمامه وقواعده، ولا يتجاوزها، عند التخريج والاستنباط (¬3). 4 - أن يكون بالإضافة إلى ذلك، متمكناً من الفرق والجمع، والنظر والمناظرة، فيما تقدم (¬4). ونظراً إلى أن الصفات العامة للمجتهد موجودة ¬

_ (¬1) 4/ 105، 106. (¬2) إرشاد الفحول ص 258. (¬3) أدب المفتي والمستفتي ص 95، والمجموع 1/ 43، وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 18، والرد على من أخلد إلى الأرض ص 114، 115. (¬4) الإحكام للآمدي 4/ 236.

في مجتهد المذهب، أو المخرج، بدرجة اقل من المجتهد المطلق، وأن من شروطه التزامه بقواعد وفقه إمامه، فإننا نجد أن ابن الصلاح قال عنه إنه لا يعري عن ثوب التقليد، وذلك لطائفة من الأسباب، منها: 1 - إخلاله ببعض العلوم والأدوات المعتبرة في المجتهد المستقل، مثل أن يخل بعلم الحديث، أو بعلم العربية. ولعله يقصد عدم التبحر في ذلك، وإلا فإنه لا يكون أهلاً للتخريج، إن لم يعرف اللغة أو الحديث. 2 - إنه يتلقى حكم الإمام المدلل عليه، ويكتفي بدليل الإمام، دون أن يبحث عن ذلك. وهل لهذا الدليل من معارض أو لا؟ 3 - إنه لا يستوفي شروط النظر بصفة تامة، كما هو الشأن في المجتهد المستقل (¬1). إن صفات هؤلاء العلماء التي ذكرها ابن الصلاح، جعلت بعض العملاء يترددون في عدهم من المجتهدين، وإننا نجد أن بعض الأصوليين كأبي الحسين البصري وآخرين، منعوا إفتاء مثل هذا بمذهب غيره من المجتهدين، بحجة أنه يسأل عما عنده، وهذا يجيب عما عند غيره (وأنه لو جازت الفتوى بطريق الحكاية عن مذهب الغير لجاز ذلك للعامي، وهو مخالف للإجماع) (¬2). لكن طائفة من العلماء تخالف هذا الرأي. وقد أجاب ابن برهان عن اعتراض بهذا الشأن، مفاده أن المخرجين على هذا المذهب مجتهدون أو لا؟ (فإن كانوا مجتهدين، فلا يجوز لهم متابعة أحد، وإن كانوا مقلدين فما يؤمننا ¬

_ (¬1) أدب المفتي والمستفتي ص 96 وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 19، وقد ذكر ابن الصلاح في أدب المفتي، وتابعه ابن حمدان في صفة الفتوى: أن مثل هذا المجتهد المقيد، قد يستقل بالاجتهاد والفتوى في مسألة خاصة، أو باب خاص. (انظر المصدرين السابقين، وانظر الرد على من أخلد إلى الأرض ص 115). (¬2) المعتمد في أصول الفقه 2/ 932 والإحكام للآمدي 4/ 236.

أن يكونوا غالطين؟) فقال: (لا نحتاج في حقهم إلى بيان رتبة الاجتهاد، بل يقال: إذا أحاطوا بأصول صاحب المقالة، كانوا منه بمنزلة صاحب المقالة بالإضافة إلى الرسول، فكأنهم من أهل الاجتهاد في الدين، لأنهم أحاطوا بقواعده، وهم من أهل الاجتهاد في المذهب، لإحاطتهم بأقوال صاحب المذهب) (¬1) وقد علل المحقق التفتازاني (ت 792هـ) (¬2) عدهم من المجتهدين في المذهب، بسبب اطلاعهم على المآخذ وأهليتهم للنظر، وما لهم من ملكة الاقتدار على استنباط الفروع من الأصول التي مهدها الإمام، بمنزلة المجتهد في الشرع، حيث يستنبط الأحكام من أصوله (¬3). ¬

_ (¬1) الوصول إلى الأصول 2/ 357و 358. (¬2) هو: مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني الملقب بسعد الدين، ولد بتفتازان من بلاد فارس، وأقام بسرخس، وأبعده تيمورلنك إلى سمرقند وقد كان إماماً في علوم كثيرة، حتى ذاع صيته وانتفع الناس بمؤلفاته. وكانت في لسانه لكنة، ويذكر أنه لم يظهر عليه في مراحله الأولى نبوغ، ولكنه برز بعد ذلك في حلقة أستاذه العضد، وقد توفي في سمرقند سنة 792هـ. ألف في علوم متنوعة وشرح كتباً كثيرة. من مؤلفاته: تهذيب المنطق، وشرح العقائد النسفية، والتلويح إلى كشف غوامض التنقيح في أصول الفقه، وحاشيته على مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه، وشرح الأربعين النووية، وشرح الشمسية، وحاشية الكشاف، عدا ما ألفه في البلاغة والصرف والنحو وسواها. راجع في ترجمته: مفتاح السعادة 1/ 185 - 187، الدرر الكامنة 6/ 112، شذرات الذهب 6/ 321، كشف الظنون 1/ 496، هدية العارفين 2/ 429 - 430، والأعلام 7/ 219، ومعجم المؤلفين 12/ 228. (¬3) حاشية التفتازاني على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/ 308و 309.

المبحث الثاني في تحقق فرض الكفاية بهم

المبحث الثاني في تحقق فرض الكفاية بهم مما خاض فيه العلماء من موضوعات الاجتهاد، بيان حكمه الشرعي، ونظراً إلى أن التعرف على حكم الله- تعالى- في الوقائع مما لا بد منه، وأن الله لن يترك الناس سدى، وأنه أمرهم بالاعتبار بقوله {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} (الحشر 2). ونظراً إلى أن النصوص الشرعية متناهية، والحوادث غير متناهية، وأن الناس في حاجة إلى معرفة حكم الله، ما دام تشريعه قائماً وباقياً، نظراً إلى تلك الأمور وغيرها، قال العلماء: إن المجتهد الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد يلزمه الاستنباط، سواء كان لنفسه أو لغيره، وأنه إن لم يفعل ذلك كان آثماً، إلا إذا قام به غيره من أهل الاجتهاد. وعلى هذا بنوا قولهم: إن الاجتهاد من فروض الكفايات (¬1). وقد ذهبت جماعات من الأصوليين إلى أن الاجتهاد يختلف باختلاف أحوال المجتهد. وجعلوه على ثلاثة أضرب: 1 - الضرب الأول: أن يكون فرض عين على المسؤول (¬2)، ويكون ذلك في حالتين: أ- في حق غيره، وذلك عند خوف فوت الحادثة، إذا تعين عليه الحكم فيها، بأن يضيق الوقت، أو بحيث لا يستطيع السائل سؤال غيره عنها (¬3). ¬

_ (¬1) الملل والنحل للشهرستاني 1/ 357، والبحر المحيط 6/ 206. (¬2) كشف الأسرار للبخاري 4/ 26، والتقرير والتحبير 3/ 292، وفواتح الرحموت 2/ 362. (¬3) المصادر السابقة، والبحر المحيط 6/ 207، وأصول الفقه للشيخ محمد الخضري ص 367.

ب- في حق نفسه فيما نزل به، بحيث كان محتاجاً للعمل بما يؤديه إليه اجتهاده. لأن المجتهد لا يجوز له أن يقلد غيره (¬1). 2 - الضرب الثاني: أن يكون فرض كفاية، وذلك في حالتين: أ- الحالة الأولى: أن لا يخاف فوت الحادثة، مع وجود مجتهد غيره، يتمكن السائل من سؤاله، فيأثمون بتركه، ويسقط عن ذمة الكل بفتوى أحدهم (¬2). ب- الحالة الثانية: أن يتردد الحكم بين قاضيين مشتركين، في النظر، فيكون فرض الاجتهاد مشتركاً بينهما، فأيهما تفرد بالحكم، كان حكمه مسقطاً للفرض (¬3). 3 - الضرب الثالث: أن يكون مندوباً وذلك في حالتين: أ- الحالة الأولى: الاجتهاد قبل الوقوع، بأن يجتهد العالم، قبل نزول الحادثة، فيسبق إلى معرفة حكمها (¬4). ب- الحالة الثانية: أن يستفتيه سائل عن حادثة، قبل نزولها به، فيكون الاجتهاد في الحالتين مندوباً (¬5). وكلام الأصوليين في عد ما تقدم من المندوب يشكل بما ورد عن السلف، من نهيهم عن افتراض المسائل، وعن السؤال عما لم يقع، وقولهم بأن الاستفتاء في مثل ذلك، والاستغراق فيه، (يؤدي إلى تعطيل السنن والبعث على جهلها، وترك الوقوف على ما يلزم الوقوف عليه منها، ومن كتاب الله عز وجل ومعانيه) (¬6) واستدلالهم على ما قالوا بطائفة من الآثار ¬

_ (¬1) المصادر السابقة. (¬2) كشف الأسرار 4/ 26و 27 ومسلم الثبوت 2/ 363، وأصول الفقه للخضري ص 367. (¬3) كشف الأسرار 4/ 27، والتقرير والتحبير 3/ 292، والبحر المحيط 6/ 207. (¬4) المصادر السابقة، ومسلم الثبوت بشرحه فواتح الرحموت 2/ 263، وأصول الفقه للخضري ص 367. (¬5) المصادر السابقة. (¬6) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/ 139، وفتح الباري لابن حجر 13/ 266 =

والسنن (¬1). وإذا نظرنا إلى واقع ما هو موجود في كتب الفقه، من جميع المذاهب، رأينا أن هذه الكتب مملوءة، بأمثال تلك المسائل، بل إن فيها من المسائل ما هو نادر الوقوع، أو مستحيله (¬2)، وما هو مستأهل للإلغاء والحذف (¬3). وما روي عن أبي حنيفة- رحمه الله- وغيره من العلماء، من قولهم، في تبرير ¬

_ (¬1) = ومختصر القول المؤمل في الرد إلى الأمر الأول لأبي شامة المقدسي ص 37. () انظر طائفة منها في المصادر المذكورة في الهامش السابق. (¬2) ما لا يجوز الاختلاف فيه بين المسلمين للشيخ عبد الجليل عيسى ص 90، وانظر الأشباه والنظائر لجلال الدين السيوطي من ص 279 - 285، (القول في أحكام الجان) وما ذكره من فروع فقهية، بشأن ذلك، كحكم زواج الإنسي من الجنية، وهل له، على القول بالجواز، أن يجبرها على ملازمة المسكن أو لا؟ وهل له منعها من التشكل في غير صورة الآدميين، عند القدرة عليه، أو لا؟ وعن غير ذلك من الأحكام. وانظر، من جملة هذه الأحكام، امتداح السيوطي لمن خرج حكماً بمنع زواج الأنسي من الجنية، قياساً على منع نكاح الحر للأمة، وذلك (لما يحصل للولد من الضرر بالإرقاق، ولا شك أن الضرر بكونه من جنية، وفيه شائبة من الجن، خلقاً وخلقاً، وله بهم اتصال ومخالطة، أشد من ضرر الإرقاق الذي هو مرجو الزوال، بكثير، فإذا منع من نكاح الأمة مع اتحاد في الجنس، للاختلاف في النوع، فلأن يمنع من نكاح ما ليس من الجنس من باب أولى). وعلق السيوطي على ذلك بقوله: وهذا تخريج قوي لم أر من تنبه له .. وانظر ما قالوه عن صلاتهم، وهل تنعقد الجماعة بالجن، وهل تجوز الصلاة خلف الجني؟ وهل إذا مر الجني، بين يدي المصلي، تقطع صلاته؟ وما شابه ذلك من الفروع. ومن الغريب أن ابن نجيم عندما نقل في الأشباه والنظائر ما قاله السيوطي، ذكر أيضاً نقلاً عن السراجية أن الحسن البصري حينما سئل عن ذلك، قالك يصفع السائل لحماقته، وذكر أنه جاء في يتيمة الدهر في فتاوى أهل العصر، أنه سئل علي بن أحمد عن التزويج بامرأة مسلمة من الجن هل يجوز، إذا تصور ذلك أم يختص بالآدميين؟ فقال: يصفع هذا السائل لحماقته وجهله. نقول: إن ابن نجيم علق على ذلك، وقال بأنه لا يدل على حماقة السائل ولو كان لا يتصور.! انظر الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 327. (¬3) مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ص 80 وانظر فيه ما يتعلق بالأحق بالإمامة، مما لا يليق ذكره.

ذلك، بأننا نستعد للبلاء، قبل الوقوع (¬1)، ربما كان وجيهاً في مسائل محدودة، لا في الاسترسال، وافتراض المستحيل. هذا وقد ذكرت طائفة من العلماء ضرباً رابعاً من ضروب الاجتهاد، هو الاجتهاد المحرم، وهو الاجتهاد في مقابلة النص القاطع (¬2)، أو الاجتهاد في مقابلة الإجماع الثابت، بطريق التواتر، أو الاجتهاد ممن هم ليسوا من أهل الاجتهاد، أو الاجتهاد الذي هو نتيجة التشهي والغرض (¬3). وفي الحق إن الاجتهاد في مقابلة النص القاطع، ليس اجتهادً على الحقيقة، ولا يصدق عليه الحد أيضاً ولا كذلك الاجتهاد في مقابلة الإجماع، وما عدا ذلك فهو يفتقد شرط الاجتهاد، ولهذا لم يذكره أغلب العلماء. وينبغي أن لا يكون هناك اجتهاد مكروه أيضاً، لأنه لا بد أن يكون مما اختلت فيه الشروط، أو وجدت فيه بعض الموانع. ويبقى بعد ذلك الاجتهاد المباح، ولم يتطرقوا إليه ومقتضى ما بينوه من حالات الفرض والمندوب والحرام، أن يكون ذلك فيما عدا هذه الأحوال. وبوجه عام، فإن الأساس في حكم الاجتهاد، أن يكن فرض كفاية، وقد يخرج عن ذلك لاعتبارات تستلزم الخروج. ولا شك أن وجود المجتهد المطلق، يتحقق به فرض الكفاية المذكور، ولكن هل وجود المجتهد في المذهب، أو مجتهد التخريج، يتحقق به ذلك؟ لقد ذكر ابن الصلاح، أن ما رآه من كلام الأئمة يشعر بأن من كانت هذه حالته، ففرض الكفاية لا يتأدى به، ووجه ذلك بأن ما في هذا النوع من شائبة التقليد، ينقص مرتبتهم، ويؤدي على وقوع خلل في المقصود (¬4). ولكنه ذكر ¬

_ (¬1) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/ 348. (¬2) التقرير والتحبير 3/ 292، وفواتح الرحموت 2/ 363. (¬3) مناهج الاجتهاد في الإسلام للدكتور محمد سلام مدكور ص 339. (¬4) أدب المفتي والمستفتي ص 95، وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 19.

أن هذا النوع من العلماء يتأدى بهم فرض الكفاية في الفتوى، وإن لم يتأد بهم فرض الكفاية في إحياء العلوم التي منها استمداد الفتوى. وعلل ذلك بقوله: (لأنه قد قام في فتواه مقام إمام مطلق، فهو يؤدي عنه ما كان يتأدى به الفرض حين كان حياً قائماً بالفرض فيها، والتفريع، على الصحيح، في أن تقليد الميت جائز) (¬1). وينبني على عدم تأدي فرض الكفاية بهم أن يكون هناك تفريط من قبل العلماء، وإخلال بما هو مفروض عليهم. وإذا كان فرض الكفاية في الاجتهاد لا يسقط عن الأئمة بأمثال هؤلاء العلماء، فينبغي على الأئمة أن تعد نفسها لذلك، وتهيئ السبل لظهور المجتهدين القادرين على تقديم الحلول الشرعية الصحيحة، لما تحتاجه من الأحكام، وإلا فإنها تعد مفرطة في ذلك، وسيؤدي تفريطها إلى الاحتكام إلى شرائع وضعية وعلمانية، وإلى شرائع لا تمت إلى الإسلام بصلة، وفي ذلك إثم كبير. ¬

_ (¬1) المصادر السابقة.

الفصل الثالث أنواع الأحكام المخرجة وصفاتها

الفصل الثالث أنواع الأحكام المخرجة وصفاتها أولاً: الرواية والروايتان والروايات. ثانياً: التنبيهات. ثالثاً: القول والقولان والأقوال. رابعاً: الوجه والوجهان والأوجه. خامساً: الطرق.

الفصل الثالث أنواع الأحكام المخرجة وصفاتها لم يجعل أكثر العلماء الأحكام المخرجة على مرتبة واحدة، بل نوعوها تبعا لكيفية التخريج، وأطلقوا على كل منها اسماً خاصاً به كالرواية والتنبيه والقول والوجه والطريق. وفيما يأتي بيان لما يندرج تحت كل مصطلح من هذه المصطلحات. أولاً: الرواية والروايتان والروايات: الرواية هي نص الإمام نفسه على الحكم في المسألة، وهذه التسمية والنسبة، على ما يبدو عامة في المذاهب كلها (¬1) باستثناء ما نقل عن بعض علماء الحنابلة من تجويز أن تكون الرواية تخريجاً من الأصحاب (¬2) وأما إذا ذكر أكثر من ذلك بأن قيل (روايتان) أو روايات، فإن المحققين من علماء الحنفية وغيرهم لا يرون نسبتها جميعاً إلى الإمام. ويذكر ابن عابدين، مع ذلك، أن هذه النسبة قد وقعت في مسائل لا تحصى، وقال: (ونراهم يرجحون إحدى الروايتين على الأخرى وينسبونها إليه) (¬3). ويرى ابن أمير الحاج (ت 879هـ) (¬4) أن الاختلاف في الروايتين إنما ¬

_ (¬1) لاحظ المجموع 1/ 65 مسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت 2/ 394. (¬2) الإنصاف 12/ 266. (¬3) شرح عقود رسم المفتي 1/ 23 من مجموعة رسائل ابن عابدين. (¬4) هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحسن المعروف بابن أمير الحاج الحلبي والملقب بشمس الدين، وابن الموقت من فقهاء وأصوليي الحنفية، كان من تلاميذ كمال الدين بن الهمام البارزين، اشتهر بحلب وذاع صيته، وكان من رؤوس علماء الحنفية، الذين أخذ عنهم الأكابر، وافتخروا بالانتساب إليهم. توفي في حلب سنة 879هـ. =

هو من جهة الناقل، بخلاف القولين، فإن الاختلاف فيهما من جهة المنقول عنه. وهو الإمام، ووجه كلامه بذكر طائفة من الأسباب التي يأتي من قبلها الاختلاف في الرواية (¬1). وقد ذكر الزركشي، من الشافعية، مثل هذا أيضاً، قال: (وأما اختلاف الرواية عن أحمد وأبي حنيفة- رحمهما الله تعالى- فليس هو من باب القولين لأن القولين نقطع أن الشافعي ذكرهما بالنص عليهما، بخلاف الروايتين، فإن الاختلاف جاء من جهة الناقل، لا من المنقول عنه) (¬2). وإذا كان الأمر بهذه الكيفية فهذا يعني أن لا ينسب إلى الإمام إلا رواية واحدة، هي الرواية الأخيرة، إن علم التاريخ، أما إذا لم يعلم التاريخ، فلا بد من الاجتهاد. وقد قال ابن تيمية بشأن ما روي عن الإمام أحمد بهذا الخصوص: (اجتهدنا في الأشبه بأصوله والأقوى في الحجة فجعلناه مذهباً ¬

_ (¬1) = من مؤلفاته: التقرير والتحبير في شرح التحرير في أصول الفقه، وحلية المجلي في الفقه، وذخيرة القصر في تفسير سورة العصر. راجع في ترجمته: شذرات الذهب 7/ 328، والأعلام 7/ 49، والفتح المبين 3/ 46، ومعجم المؤلفين 11/ 274. () التقرير والتحبير 3/ 334 ومما ذكره من الأسباب في الاختلاف في الرواية. أ- الغلط في السماع، كأن يجيب بحرف النفي إذا سئل عن حادثة ويقول: لا يجوز فيشتبه على الراوي فينقل ما سمع. ب- أن يكون له قول قد رجع عنه، ويعلم بعض من يختلف إليه رجوعه، فيروي الثاني، والآخر لم يعلمه، فيروي الأول. ج- أن يكون قال الثاني على وجه القياس، ثم قال ذلك على وجه الاستحسان فيسمع كل واحد أحد القولين فينقل ما سمع. د- أن يكون الجواب في المسألة من وجهين من جهة الحكم ومن جهة البراءة والاحتياط فينقل كما سمع. (¬2) البحر المحيط 6/ 128، وفيه نسبة هذه الأسباب إلى أبي بكر البلعمي في الغرر. وانظر ذلك أيضاً في: مسلم الثبوت بشرحه فواتح الرحموت 2/ 394، ورسالة شرح عقود رسم المفتي 1/ 21 و22 و 23 من مجموعة رسائل ابن عابدين.

له، وكنا في الأخرى شاكين) (¬1). ومن جوز من الحنابلة إطلاق الرواية على ما خرج من نصوص الإمام (¬2) فالدقة في النسبة تقتضي التنبيه إلى ذلك، وبيان ما هو بنص الإمام وما هو بإيماء منه أو تخريج من نص آخر له، أو غير ذلك. ثانياً: التنبيهات: ورد التعبير بالتنبيه والتنبيهات كثيراً في كتب الحنابلة. والتنبيهات، عندهم، هي أقوال الإمام أحمد- رحمه الله- التي لم تنسب إليه بعبارات صريحة دالة عليها، بل يفهم منها أنها أقوال الإمام مما توحي إليه العبارة، ويدل عليه السياق. ويعبرون عن ذلك بقولهم: أومأ إليه أحمد، أو أشار إليه، أو دل كلامه عليه، أو توقف فيه (¬3). ثالثاً: القول والقولان والأقوال: القول، والقولان، والأقوال هي ما نص عليها الإمام نفسه في وجهة نظر علماء الحنفية (¬4) وعند الشافعية يطلق القول على ما هو أعم من ذلك، فيتناول ما ذكره الحنفية، وما خرج على نص آخر للإمام مخالف لنصه في صورة أخرى (¬5). وعند الحنابلة قد يكون القولان مما نص عليهما الإمام أحمد- رحمه الله- كما ذكر أبو بكر عبد العزيز (¬6)، أو نص على واحد منها وأومأ إلى ما ¬

_ (¬1) المسودة ص 527. (¬2) السابق ص 532 و 533، والمدخل لابن بدران. ص 138 - 139، والإنصاف 12/ 257. (¬3) المسودة ص 532. (¬4) عقود رسم المفتي 1/ 21 من مجموعة الرسائل. (¬5) المجموع 1/ 65، وأدب المفتي والمستفتي ص 97. (¬6) يبدو أن ذلك قد ذكر في أكثر من موضع، ففي المسودة ص533 أنه ذكره في زاد المسافر، وفي الإنصاف 12/ 257 أنه ذكره في الشافي.

عداه، وقد يكون مع أحدهما وجه أو تخريج أو احتمال بخلافه (¬1) هذا وإن نسبة الأقوال المتعددة في المسألة الواحدة، أو في الأمور المتشابهة إلى المجتهد مما اختلف فيه العلماء، وجمهورهم على عدم جواز نسبة القولين المختلفين، في وقت واحد، بالنسبة إلى شخص واحد، وأما إذا كان القولان المختلفان في وقتين فهو واقع وممكن، ونسبتهما جائزة إلى الإمام إن أمكن الجمع بينهما، وإن لم يمكن الجمع بينهما، فإن العلماء مختلفون في جواز نسبتهما، أو نسبة أحدهما إليه. وقد أفردنا هذه المسألة في مبحث خاص فليراجع لمعرفة المذاهب والراجح من الآراء فيها. رابعاً: الوجه والوجهان والأوجه: الوجه في مصطلح علماء الشافعية قول أصحاب الإمام المنتسبين إلى مذهبه، فيخرجونه على أصوله، ويستنبطونه من قواعده (¬2) ويظهر أن هذا الاطلاق يصح عندما يكون هذا التخريج قد قال فيه بعض الأصحاب غير ما توصل إليه المخرج، وحينئذ يقال في المسألة وجهان (¬3). وهذا الاصطلاح هو نفسه عند الحنابلة، فالوجه عندهم ما لم يؤخذ من نص الإمام، والوجهان والأوجه هي أقوال الأصحاب وتخريجاتهم، التي لم تؤخذ من نص الإمام، بل من قواعده أو إيمائه، أو دليله، أو تعليله، أو سياق كلامه، ولا يجعل مذهباً له (¬4). ¬

_ (¬1) المسودة ص 533، والمدخل ص 139 و 140 نقلاً عن المسودة، والإنصاف 12/ 257، وأصول مذهب الإمام أحمد ص 731 عن المسودة. (¬2) المجموع 1/ 65 والبحر المحيط 6/ 128. (¬3) أدب المفتي والمستفتي ص 97، والبحر المحيط 6/ 128 وقد فرق الزركشي بين القول المخرج والوجه، بأن القول المخرج إنما يكون في صور خاصة، وأما الوجوه فهي على قواعد عامة في المذهب. وقد ذكر صاحب الإنصاف من الحنابلة أن الأوجه قد تؤخذ من نصوص الإمام أيضاً (12/ 266)، وهو مخالف لما ذكرناه في المتن، ومفسد لتمييز المصطلحات. (¬4) المسودة ص 533، وأصول مذهب الإمام أحمد ص 731، وحينئذ لا يعمل عندهم إلا بأصح الوجهين وأرجحهما. (الإنصاف 12/ 256).

خامساً: الطرق: الطرق من اصطلاح علماء الشافعية، وهي اختلاف الأصحاب في حكاية المذهب، كأن يحكي بعضهم في المسألة قولين أو وجهين لمن تقدم، أو يقطع بعضهم بأحدهما، أو يقول أحدهم: في المسألة تفصيل، ويقول الآخر: فيها خلاف مطلق. ومع أن هذا هو الأصل في المصطلح، عندهم، إلا أنهم قد يستعملون الوجهين في موضع الطريقين، والطريقين في موضع الوجهين (¬1). ¬

_ (¬1) المجموع 1/ 66 وقد أورد نماذج لذلك مما ذكره صاحب المهذب، فلتراجع للاطلاع وانظر: مغني المحتاج 1/ 12.

خاتمة

خاتمة يتبين لنا من خلال ما قدمنا من عرض للتخريج، بأنواعه المختلفة، مدى أهميته ومدى ما أفادت منه المجتمعات الإسلامية، خلال قرون كثيرة، عانت منها من وطأة التقليد، ومن افتقاد الثقة بالنفس، فقد كان التخريج هو ملجأهم في تحصيل الظن بآراء أئمة المذاهب التي يقلدونها، سواء كان ذلك بتحديد القواعد التي بنيت عليها الأحكام، أو بالتعرف على أحكام الجزئيات الجديدة وفقاً لتلك القواعد، أو تشبيهاً لها بما ورد عنهم من آراء في وقائع جزئية أخر، أو غير ذلك من الأساليب، وبذلك استقام المنهج الأصولي، واكتملت جوانبه، ونمت الثروة الفقهية واتسعت جنباتها، وغطت بأحكامها جميع ما كان يحصل لهم من الوقائع والنوازل، ولئن كان في ذلك بعض الجوانب السلبية، إلا أن نفي جوانبه الإيجابية يعد من الحكم المجانب للعدل. ولعل أسوأ ما فيه من السلبيات اتخاذه تراث الأئمة، من قواعد ونصوص وأفعال وتقريرات، مصادر للفقه، ومنبعاً للأحكام، بدلاً من نصوص الكتاب وما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال أو أفعال أو تقريرات. وقد بان لنا، من خلال ما عرضناه، أن التخريج مظنة الخطأ، وأن طائفة من القواعد والأحكام المخرجة من قبل بعض العلماء، لم تكن مرضية من طائفة أخرى منهم. وفي العصر الحاضر هبت معاملات ونوازل جديدة، اقتضاها التطور العلمي، والاندفاع الحضاري والصناعي، وما أورثه ذلك من التغيرات الاجتماعية والحياتية، وكان كل ذلك محتاجاً إلى معرفة موقف الفقه منه.

وقد تصدى كثير من العلماء إلى تحليل هذه الوقائع والنوازل، منهم من اجتهد فيها، بحثًا عن دليل شرعي يؤيدها أو يرفضها، ومنهم من أنفق وقته بحثاً عما يشابهها من جزئيات في كتب الفقه، لغرض تخريجها عليها. وقد اختلفت آراء هؤلاء العلماء تبعاً لاختلافهم في التخريجات، وتكييف الوقائع، موضوع الفتوى، وكان من تلك الآراء ما هو فتاوى شخصية منسوبة لأفراد، ومنها ما هو رأي جماعي، سواء كان من لجان إفتاء واسعة، أو من مجامع فقهية، أو من دوائر ومؤسسات شبيهة بذلك. وسنمثل في هذه الخاتمة لبعض هذه الأمور والنوازل، التي حدثت في عصرنا الحالي، مما لم يبحثها سلفنا الصالح، كما سنمثل لنماذج محدودة مما أبديت فيها وجهات النظر، مع الإشارة إلى الاختلافات في التكييف والتخريج. 1 - أما الأمور والنوازل الجديدة فهي كثيرة جداً ولا يكاد يوجد مرفق من مرافق الحياة لم توجد فيه نوازل، ولكننا سنكتفي بذكر قدر محدود منها، وفي مجالات محدودة أيضاً، لا لدراستها، أو إعطاء رأي فيها، وإنما لبيان الحاجة إلى تكييفها وتخريجها أو الاجتهاد فيها. ففي المجال الاقتصادي ظهرت منشآت مالية جديدة، وطرائق في التعامل كثيرة (¬1)، فظهرت البنوك وشركات التأمين المتنوعة، والشركات ¬

_ (¬1) نشير فيما يأتي إلى بعض المراجع المفيدة في هذا الشأن: تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية للدكتور سامي حسن أحمد حمود، والجامع في أصول الربا للدكتور رفيق يونس المصري، والمعاملات المالية المعاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية للدكتور علي أحمد السالوس، والنظام الاقتصادي الإسلامي للدكتور محمد عبد المنعم عبد القادر عفر، والغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي للدكتور الصديق محمد الأمين الضرير، والودائع المصرفية النقدية واستثمارها في الإسلام للدكتور حسن عبد الله الأمين، وأحكام الأوراق النقدية والتجارية في الفقه الإسلامية لستر بن ثواب الجعيد. وفقه النوازل- الموضوع الثالث من المجلد الأول للدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد وغيرها.

الاستثمارية المختلطة الأعمال والاقتراض بطريق السندات والمضاربات التجارية في (البورصة) بالأسهم والسندات والأعيان، والتفنن في الاكتساب الربوي، سواء كان في فوائد البنوك، أو صناديق التوفير، أو الاعتماد المستندي وكتاب الضمان، أو خصم الأوراق التجارية، أو ما يسمى بشهادات الاستثمار المصرفية أ، وب، وج. ومن ذلك ما نشأ نتيجة التطور الصناعي والاتساع التجاري الهائل، من حقوق تحتاج إلى تكييف ينبني عليه الحكم الشرعي، كالحقوق التي أدخلها مجمع الفقه الإسلامي تحت اصطلاح (الحقوق المعنوية) (¬1) كحق التأليف، وحق النشر، وحق الاختراع والابتكار، وحق الأسماء والعناوين والعلامات الصناعية التجارية وغيرها (¬2). ومن ذلك احتكار استيراد بعض المصنوعات والسلع وحصرها بوكيل محدد، لا يجوز لغيره أن ينافسه فيها، ومن ذلك ما نشأ في المجالات الطبية (¬3)، كمسألة المعالجة ببعض أنواع الأدوية، ومسألة تشريح جسم الميت للأغراض التعليمية، أو لبيان أسباب الوفاة، ومسألة اقتطاع أجزاء من جسم الإنسان الحي، ونقلها وزرعها في جسم آخر، وهل يختلف الحكم في زرع أعضاء الكافر في جسم المسلم، أو زرع أعضاء المسلم في جسم الكافر؟ وهل للإنسان أن يتبرع ببعض أعضائه كعينه أو كليته أو غيرهما لغيره؟ سواء كان ذلك في حياته أو بعد مماته؟ ومتى يعتبر الإنسان ميتاً؟ هل عند توقف قلبه؟ أو عند موت خلايا مخه؟ وهل يجوز رفع أجهزة الإنعاش الصناعي عن المريض أو التأخر في تركيبها؟ وما الذي يترتب على ¬

_ (¬1) انظر القرار رقم (5) للدورة الخامسة لمجلس الفقه الإسلامي المنعقدة في الكويت سنة 1409/ 1988م. (¬2) انظر: حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن للدكتور فتحي الدريني. (¬3) انظر في ذلك: الأحكام الشرعية للأعمال الطبية للدكتور/ أحمد شرف الدين. حكم نقل الأعضاء في الفقه الإسلامي للدكتور/ عقيل بن أحمد العقيلي. نقل وزراعة الأعضاء الآدمية من منظور إسلامي للدكتور/ عبد السلام عبد الرحيم السكري، وفقه النوازل (المجلد الثاني) للدكتور/ بكر بن عبد الله أبو زيد.

ذلك من المسؤوليات الجنائية؟ وما حكم التبرع بالدم وبيعه؟ (¬1) وإنشاء ما يسمى ببنوك الدم؟ وما حكم نقله إلى بدن آخر؟ وهل يترتب على ذلك من الحرمة ما يترتب على شرب لبن الأمهات المنشئ للجزئية؟ وما أثر إخراج الدم من البدن بالحقنة لغرض إجراء الفحص؟ هل يترتب عليه فطر الصائم أو لا؟ وما حكم تجميع لبن الأمهات وخلطه وتأسس ما يسمى ببنوك الحليب؟ وتغذية الأطفال منها، مما يترتب عليه الاختلاط والريبة في الأنساب؟ (¬2) ومن الوقائع المعاصرة ما أطلق عليه اسم التلقيح الصناعي، أو أطفال الأنابيب (¬3)، وما يترتب عليه من نشوء ظاهرة استئجار الأرحام، وبيع وشراء ¬

_ (¬1) انظر رسالة: نقل الدم وأحكامه الشرعية لمحمد صافي. (¬2) انظر القرار رقم (6) من قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في جدة في ربيع الثاني سنة 1406هـ- ديسمبر سنة 1985م، فقد جاء فيه بعد ذكر المبررات ما يأتي: (... وبناء على ذلك قرر: أولاً: منع إنشاء بنوك حليب الأمهات في العالم الإسلامي. ثانياً: حرمة الرضاع منها) وقد خرجوه على مقاصد الشارع الكلية بالمحافظة على الأنساب ومنع ما يؤدي إلى الاختلاط والريبة. (¬3) انظر: فقه النوازل للدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد المجلد الأول، البحث الخامس. وانظر: قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة في عمان في شهر صفر سنة 1407هـ/ أكتوبر سنة 1986م، فقد جاء فيه، بعد عرضه سبعة من طرق التلقيح الصناعي المعروفة في هذه الأيام، تحريم خمسة طرق منها، وتجويز طريقين عند الحاجة إلى ذلك مع تأكيد أخذ الاحتياطات اللازمة، والطريقان الجائزان في قراره، هما: 1 - أن تؤخذ نطفة من زوج وبيضة من زوجته ويتم التلقيح خارجياً، ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة. 2 - أن تؤخذ بذرة الزوج وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحاً خارجياً. وانظر الفتاوى للشيخ محمود شلتوت ص 328 و 329 من طبعة دار الشروق سنة 1403هـ فقد أفتى بتحريم ذلك، وخرجه على التبني، بل هو أشد منه، ووجه التخريج عنده، أن كلاً منهما فيه إدخال عنصر غريب في النسب.

بويضات النساء، وبذور الرجال مما يسمى بالحيوانات المنوية، وتأسيس بنوك لحفظ ذلك وبيعه. ومن ذلك الصناعات الكيماوية، وصناعة الأسلحة الفتاكة التي لا تميز بين محارب وغيره، ويذهب ضحيتها الأطفال والشيوخ والنساء، وتدمر الأشجار والثمار والممتلكات وأماكن العبادة، مما يتعارض مع النصائح والتعليمات التي زودت بها الجيوش الإسلامية، من منع قطع الأشجار المثمرة، ومنع قتل النساء والأطفال والشيوخ، ومن ذلك وضع المتفجرات في المحلات العامة، ببلاد المسلمين، مما يترتب عليه أن يذهب ضحيتها الأبرياء، إلى غير ذلك من الأمور التي يصعب حصرها واستقصاؤها. ومن الممكن أن يقال ذلك في جميع ميادين الحياة، وليس في الميادين التي ذكرناها وحدها. 2 - وقد أسهم العلماء ولجان الفتوى والمجامع الفقهية، في دراسة بعض هذه الموضوعات وأبدوا وجهات النظر فيها، وسأذكر فيما يأتي نماذج لبعض وجهات النظر، تمثل تخريجات للأحكام في قضايا متفرقة، قد لا تجمعها وحدة الموضوع، وسأبين وجه تخريجها عند القائلين بها، وعند من عارضوهم، بإيجاز وتركيز شديدين، لأن الغرض من ذلك هو عرض الواقع وتصويره، وليس دراسة هذه المسائل. أ- من أوائل ما اشتدت الحاجة إلى معرفة حكمه في هذا القرن حكم فوائد ودائع صناديق التوفير والبنوك، والاقتراض منها سواء كانت من البنوك الزراعية أو الصناعية أو العقارية أو التجارية. وكثر الكلام فيها، بين مجيزين يتذرعون بتخريجها على أن الربا إنما حرم لما فيه من الظلم، ومثل هذه الأمور لا ظلم فيها، أو بأنها ذات مصلحة للفرد والأمة ولم يرد بخصوصها ما يمنعها، وحيث كانت المصلحة فثم شرع الله، أو أنها من الأمور الضرورية أو المحتاج إليها، والضرورات تبيح

المحظورات، والحاجة تنزل منزلة الضرورة. أو ما شابه ذلك من التخريجات، وإزاء أولئك وقف جمهور العلماء يرفضون مثل هذه التسويغات، ويعلنون حرمة هذه الفوائد، وأن هذه المعاملات ربوية، وإن اكتست بجلباب جديد، ولا يصح القول بأنها عقد جديد مستحدث، وللناس أن يحدثوا من العقود ما يرون فيه مصلحة أو حاجة. إذ معنى الربا متحقق فيها وعلته قائمة. وأن استقصاء ذلك يحتاج إلى كتاب منفرد (¬1). ب- ومن ذلك مسألة التأمين التجاري أو التأمين بقسط ثابت، وهو من العقود الجديدة التي لم تكن موجودة قبل القرن الرابع عشر الميلادي، ولهذا فإن لم يرد بشأنه شيء في الفقه الإسلامي، مثل ما ورد عن ابن عابدين (ت 1252هـ) في كتاب رد المحتار بشأن التأمين البحري، وتحريمه للسوكرتاه، أو التأمين الذي تجريه الشركات فيه (¬2). وقد اختلفت تكييفات وتخريجات العلماء المعاصرين لهذه النازلة، فاختلفت بالتبعية أحكامهم ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: المعاملات المالية المعاصرة، في ضوء الشريعة الإسلامية للدكتور/ علي أحمد السالوس ص 67 وما بعدها، وص 91 وما بعدها، والودائع المصرفية النقدية واستثمارها في الإسلام للدكتور/ حسن عبد الله الأمين ص 288 وما بعدها، الفتاوى للشيخ محمود شلتوت ص 351 وما بعدها، الاجتهاد للدكتور/ عبد المنعم النمر ص 254 وما بعدها، وفوائد البنوك هي الربا المحرم للدكتور/ يوسف القرضاوي، ودراسات في الاقتصاد الإسلامي والمعاملات المعاصرة للدكتور علي حسن عبد القادر ص 50 وما بعدها، وتطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية للدكتور سامي حسن أحمد حمود ص 206 وما بعدها وغير ذلك من الكتب الكثيرة التي تناولت موضوع الربا بوجه عام، وهذه المسألة بوجه خاص. (¬2) ذكر ابن عابدين في حاشيته رد المحتار مسألة التأمين، وبما مثل به يتضح أنه أراد التأمين البحري وأفتى بحرمة أخذ التاجر بدل الهالك من ماله، وخرجه على أنه التزام ما لا يلزم، ومنع من تخريجها على تضمين المودع الوديعة إذا أخذ أجراً عليها، لوجود الفارق بينهما؛ لأن المال ليس في يد صاحب السوكره، بل في يد صاحب المركب، وإذا كان صاحب السوكره هو صاحب المركب يكون أجيراً مشتركاً، قد أخذ أجره على الحفظ وعلى الحمل، وكل من المودع والأجير المشترك لا يضمن ما لا يمكنه الاحتراز عنه، كالموت، الغرق. رد المحتار شرح الدر المختار 4/ 170.

بشأنها، فمنهم من أجازها، ومنهم من منعها (¬1) فالذين منعوا منها اختلفت تخريجاتهم: فخرجها بعضهم على أنها من باب أكل أموال الناس بالباطل، فيدخل في النهي الوارد في قوله تعالى: {} (النساء/ 29) (¬2). وخرجها الشيخ محمد بخيت المطيعي في رسالته (السوكرتاه) بالقياس على القمار. قال (عقد التأمين عقد فاسد شرعاً، وذلك لأنه معلق على خطر، تارة يقع، وتارة لا يقع، فهو قامر معنى) (¬3) ومما علل به المنع في هذه الواقعة، أن ضمان الأموال شرعاً إما أن يكون بطريق الكفالة أو بطريق التعدي أو الإتلاف، ولا يوجد أي من هذه الأسباب في عقد التأمين، ولهذا المعنى- أي المخاطرة- ذهب الشيخ أحمد إبراهيم- رحمه الله- إلى منعها (¬4)، وخرجها آخرون على أنها من عقود الغرر، إذ هي عقد احتمالي (¬5). ¬

_ (¬1) اتخذ مجمع الفقه الإسلامي في دورته المنعقدة في 10 شعبان سنة 1398هـ، بمكة المكرمة قراراً يمنع التأمين التجاري بجميع أنواعه، بإجماع الآراء عدا الشيخ مصطفى الزرقا. كما اتخذ مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، في دورته العاشرة المنعقدة في الرياض في 4/ 4/ 1397هـ، قراراً بتحريم التأمين التجاري بجميع صوره. المعاملات المالية المعاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية للدكتور علي أحمد السالوس ص 394 وما بعدها. (¬2) انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي للدكتور الصديق محمد الأمين الضرير ص 647. ونظرية التأمين في الفقه الإسلامي للدكتور محمد زكي السيد ص 81 حاشية 1. (¬3) رسالة (السوكرتاه) من مجموعة ثلاث رسائل ص 12 طبعة جمعية الأزهر العلمية 1351هـ/ 1932م. وانظر أيضاً: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي ص 648 ومناقشة المؤلف لهذا التخريج، وبيان الفرق بين التأمين والقمار. (¬4) الغرر في الفقه الإسلامي ص 648. (¬5) المصدر السابق ص 650، والمعاملات المالية المعاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية للدكتور/ علي أحمد السالوس ص 380 و 381.

أما المجيزون للتأمين التجاري، فقد اختلفوا في تخريجه، واضطربت أقوالهم فيه، وسنكتفي بذكر أهم هذه الأوجه التخريجية. 1 - فمنهم من خرجه على أنه من التعاون المحبب، وأنه محقق لمساندة الإنسان لغيره، ومساندة الغير له، في تحمل الكوارث والصعاب، وهو داخل في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (¬1) (المائدة / 2). 2 - ومنهم من خرجه على أنه نوع من التبرعات، وليس من البيوع، فلا ينطبق عليه ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من بيوع الغرر (¬2). 3 - ومنهم من خرجه على قاعدة أن الأصل في العقود الإباحة وأن التأمين عقد جديد، وأن الشارع لم يحصر الناس في الأنواع المعروفة من العقود، بل لهم أن يبتكروا أنواعاً جديدة تدعوهم حاجة الأمة إليها (¬3) وللشيخ علي الخفيف توجيه مقارب لهذا (¬4)، وقد أضاف إلى ذلك أنه لا ضرر فيه، وأنه محقق للفائدة، وأنه لا يوجد نص يمنع منه. 4 - ومنهم من خرج ذلك بالقياس على عقد المضاربة في الشريعة الإسلامية، ¬

_ (¬1) التأمين في الشريعة والقانون للدكتور غريب الجمال ص 73 طبعة دار الشروق/ جدة/ 1977م، وممن خرجه على أنه من ضروب التعاون د/ محمد يوسف موسى. انظر ص 203 من المصدر المذكور. وانظر: نظرية التأمين في الفقه الإسلامي للدكتور محمد زكي السيد ص 126 وما بعدها. (¬2) المصدر السابق ص 77، وممن خرجه على ذلك محمد بن الحسن الحجوي في كتابه الفكر السامي 2/ 504 وما بعدها، وقد أجهد نفسه في التفريق بين هذه المعاملة والبيع، وأكد أنها نوع من التبرعات، وكأنها جمعية خيرية لإعانة المنكوبين! ولم يفته أن يوبخ العلماء الرافضين لذلك، وأن يتهمهم- باطلاً- بالجبن. (¬3) المصدر السابق. وهذا أحد الوجوه التي خرج بها الشيخ الزرقا جواز عقد التأمين، في بحثه: التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه. وانظر هذا الاستدلال ومناقشته في كتاب (نظرية التأمين في الفقه الإسلامي) ص 123 وما بعدها. (¬4) التأمين في الشريعة الإسلامية للدكتور غريب الجمال ص 111.

الذين يكون المال فيه من أحد طرفيه، والعمل من الطرف الآخر، فالمال من المشتركين الذين يدفعون الأقساط، والعمل من جانب الشركة التي تستغل هذه الأموال، وتدفع الأرباح للمشتركين، وقد تطرف صاحب هذا التخريج، وأباح التأمين على الحياة أيضاً (¬1). 5 - ومنهم من خرجه بالقياس على عقد الموالاة، وعلى تحمل العاقلة الدية (¬2). 6 - ومنهم من خرجه على ما رآه بعض العلماء من أن العدة تلزم الواعد، ويقضي عليه بتنفيذها جبراً عليه إن امتنع. فالتأمين هو من هذا القبيل، لأنه التزام من المؤمن للمستأمنين، ولو بلا مقابل، على سبيل الوعد، أن يتحمل عنهم أضرار الحادث الخطر الذي يتعرضون له (¬3). 7 - ومنهم من خرجه على نظام التقاعد والمعاش لموظفي الدولة (¬4). 8 - ومنهم من خرجه على أنه من باب المصالح المرسلة (¬5). 9 - ومنهم من خرجه على أنه مما تعامل به الناس، وتعارفوا عليه، والعرف مما يحتج به (¬6). ¬

_ (¬1) المصدر السابق ص 201 وصاحب هذا التخريج هو الشيخ عبد الوهاب خلاف، في مقال له منشور بمجلة لواء الإسلام العدد (11) السنة (8) رجب سنة 1374هـ. (¬2) المصدر السابق ص 210 و 229 وفي ص 229 ذكر لمناقشة الشيخ أبي زهرة لهذا الاستدلال والتخريج وانظر النظام الاقتصادي الإسلامي ص 74. (¬3) المصدر السابق ص 209، وهذا التخريج هو أحد الوجوه التي استند إليها الشيخ الزرقا، وقد استأنس بأحد آراء المالكية الذاهب إلى لزوم الوعد. وانظر: التأمين الإسلامي ص 35. (¬4) التأمين في الشريعة والقانون للدكتور/ غريب الجمال ص 211. (¬5) نظرية التأمين في الفقه الإسلامي للدكتور محمد زكي السيد ص 161، والتأمين الإسلامي بين النظرية والتطبيق لعبد السميع المصري ص 34. (¬6) نظرية التأمين في الفقه الإسلامي ص 133، وانظر القائلين بهذا التخريج في الهامش (1) من الصفحة المذكورة.

10 - ومنهم خرجه نزولاً على حكم الضرورة (¬1). ج- ومن ذلك مسألة حق التأليف والطبع والنشر، الذي هو من الحقوق الجديدة الداخلة في نطاق ما أطلق عليه مجمع الفقه الإسلامي اصطلاح الحقوق المعنوية، فقد اختلف العلماء في تكييفه وتخريجه، مما ترتب عليه اختلاف وجهات نظرهم في حكمه، ومن تلك التخريجات: 1 - قياسه على المصنوعات؛ لأن الكتاب المؤلف كالمصنوع، والمؤلف كالصانع فكما أن من صنع جهازاً، أو شيئاً فإنه يكون له، ومن حقه منع غيره من الاستفادة منه، أو إجازته الاستفادة منه بالأجر، أو المجان فكذلك الكتاب. وهو شيء متأكد متقوم، وليس حقاً محضاً غير متأكد ولهذا فإنه يورث. وممن خرجه على ذلك الشيخ أبو الحسن الندوي، وقد استأنس لرأيه بما نقله عن بعض العلماء المتقدمين الذين كانوا يمنعون من شاؤوا، ويأذنون لمن شاؤوا بأن يرووا عنهم، وروي عن بعضهم أنه كان يأخذ أجراً (¬2). 2 - قياسه على ما ورد في الفقه الحنفي، بشأن (النزول عن الوظائف بمال) (¬3) وممن خرجه على ذلك بعض علماء الهنود، باعتبار أن كلاً منهما من الحقوق، وتجويز متأخري الحنفية التنازل عن الوظيفة بمال، قالوا به لجريان العرف ولحاجة الناس، استحساناً أو استثناء من الأصل العام الذي يقضي بالمنع (¬4). وقد رفض الشيخ الندوي هذا التخريج لطائفة من الأسباب، منها: ¬

_ (¬1) المصدر السابق ص 135 والتأمين الإسلامي بين النظرية والتطبيق ص 34. (¬2) حق الابتكار للدكتور فتحي الدريني ص 149 - 153. (¬3) نقل ابن عابدين عن العيني في فتاواه أنه: ليس للنزول شيء يعتمد عليه، ولكن العلماء والحكام مشوا ذلك للضرورة واشترطوا إمضاء الناظر لئلاً يقع نزاع. انظر: رد المحتار 4/ 519. (¬4) حق الابتكار ص 94.

أ- إن الحكم المذكور ليس متفقاً عليه عندهم، بل أكثرهم على المنع. ب- الفرق بين التنازل عن الوظيفة، وأخذ العوض على حق الطباعة، لأن الوظيفة شيء قد تأكد استحقاقه لصاحبه، وإن لم تتم ملكيته عليه، بخلاف حق الطباعة. ج- إن كمية الوظيفة تكون محدودة في (حق الوظائف) ويكون منالها حتماً لا شبهة فيه، أما حق الطباعة فلا تكون كمية المال المرجو منها محدودة، ولا الحصول عليه متيقناً، لذا يدخل بيعه في بيع الغرر، لأن الطباعة ربما ينتج عنها الخسارة (¬1). 3 - وخرج بعضهم ذلك قياساً على إفتاء علماء المذهب الحنفي بجواز أخذ الأجرة على فعل بعض الطاعات، كالإمامة والأذان وتعلم القرآن، مع أن الأصل عدم الجواز، ولكن استثنيت تلك الأمور استناداً إلى قاعدة (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان). ومعنى ذلك قياس أمر استحساني على أمر استحساني، وإذا كان هناك نص يخالف ذلك فإن العرف يصلح مخصصاً، كما خصص المنع من أخذ الأجرة على الطاعات، وهذا التخريج قال به الأستاذ عبد الحميد طهماز (¬2). 4 - وخرج الشيخ تقي الدين النبهاني في كتابه (مقدمة الدستور الإسلامي) حكماً مخالفاً لما تقدم، وذهب إلى أنه ليس لمؤلف الكتاب أي حق في الاستئثار به، وأنه يجوز لأي ناشر كان، فرداً أو مؤسسة، أن ينشره كما يشاء. وخرج ذلك على مصلحة ترويج الفكر الإسلامي، وتحريره من كافة القيود؛ لكي يصل إلى أكبر قدر من الناس، فهم شركاء في البحث عن الحقيقة، وفي وصولها إليهم أيضاً (¬3). ¬

_ (¬1) المصدر السابق ص 156 و 157. (¬2) المصدر السابق ص 175 و 176. (¬3) المصدر السابق ص 162و 163.

وإذا كان الأمر، كما ذكر الشيخ النبهاني، فلعله قاسه على ما كان الناس فيه شركاء كالماء والكلأ. وإنما ذكرنا هذه التخريجات لبيان اختلاف وجهات النظر، وقد بت مجلس مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره الخامس المنعقد في الكويت في جمادي الأول سنة 1409هـ (كانون الأول 1988م) بهذا الشأن وأصدر قراره رقم (5) باعتبار الحقوق المعنوية كالاسم التجاري، والعنوان التجاير، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار حقوقاً خاصة لأصحابها، وأنها أصبحت في العرف المعاصر ذات قيمة مالية معتبرة لتمول الناس بها، وهي حقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها، وأنه يجوز التصرف بها ونقلها بعوض مالي، ونص في الفقرة الثالثة منه على حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار، وعدها حقوقا مصونة شرعاً، لأصحابها حق التصرف فيها ولا يجوز الاعتداء عليها. والذي يفهم من ذلك أنها خرجت على اعتبارها ذات قيمة مالية، وأن الأساس لهذا الاعتبار هو العرف المعاصر (¬1). والذي نحصل عليه، مما تقدم ذكره في هذه الخاتمة، أن الحاجة إلى التخريج والاجتهاد قائمة في عصرنا، وأن القيام به من الواجبات الكفائية، وأن الاختلاف فيه ممكن، إن مل يوجد النص الصريح، لكن على المخرج والمجتهد أن يتقي الله فيما يقول، وأن ينظر إلى المسائل ¬

_ (¬1) انظر نص هذا القرار في قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي 1406 - 1409هـ/ 1985 - 1988م، ص 93. هذا ومما يجدر التنويه عنه بحث الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد (حق التأليف تاريخاً وحكماً) في المجلد الثاني من كتابه فقه النوازل من ص 77 - 146، وقد ذكر مؤلفه أنه يرى أن الأولى للعالم المسلم، إذا لم تدعه حاجة، أن لا يأخذ عوضاً عن مؤلفاته، وأما إذا دعته الحاجة فيأخذ بقدرها، ومن أغناه الله فالأولى له التعفف. ص 143.

بعين الشرع، لا بعين (الشيخ العصري)، وأن يتبع منهج السلف من علماء هذه الأمة، الذين كانوا يهدفون إلى التوصل إلى الحكم الشرعي، وفق ما تقتضيه الأدلة، دون أن يكون لهم توجه سابق، من حيث التحليل أو التحريم، فيتخذون من الفتاوى وسائل لتصيد المبررات لاختراق المحظورات الشرعية، فالشرع هو الحاكم على التصرفات، وليست التصرفات أو الأعراف حاكمة عليه. وفي ختام هذا البحث نحمد الله تعالى على أن وفقنا من الانتهاء منه، ونرجوه تعالى أن يغفر لنا زلاتنا، وما بدر من هفواتنا، وأن يوفقنا في أعمالنا إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد.

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع الأسمندي: علاء الدين محمد بن عبد الحميد الأسمندي السمرقندي (ت 552هـ) 1 - طريقة الخلاف بين الأسلاف. تحقيق علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود. نشر: دار الكتب العلمية/ بيروت ط1/ سنة 1413هـ/ 1992م. الأسنوي: جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن (ت 772هـ). 2 - نهاية السول في شرح منهاج الوصول. مطبعة محمد علي صبيح/ مصر سنة 1389هـ/ 1969م (وانظر المطيعي). 3 - التمهيد في تخريج الفروع على الأصول. تحقيق د/ محمد حسن هيتو/ طبع مؤسسة الرسالة/ بيروت/ سنة 1401هـ/ 1981م. 4 - طبقات الشافعية. تحقيق عبد الله الجبوري. دار العلوم للطباعة والنشر/ الرياض سنة 1401هـ/ 1981م. 5 - الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية. تحقيق: د/ محمد حسن عواد/ نشر دار عمار في عمان. ط1 سنة 1405هـ- 1985م. الأشقر: محمد سليمان (الدكتور). 6 - أفعال الرسول ودلالتها على الأحكام الشرعية. نشر مكتبة المنار الإسلامية/ الكويت/ ط1 سنة 1398هـ/ 1978م.

الأصفهاني: أبو الثناء شمس الدين محمد بن عبد الرحمن (ت 749هـ) 7 - بيان المختصر- شرح مختصر ابن الحاجب. تحقيق د/ محمد مظهر بقا. نشر مركز البحث العلمي/ جامعة أم القرى/ مطبعة دار المدني/ جدة. 8 - شرح المنهاج للبيضاوي في علم الأصول. تحقيق د/ عبد الكريم النملة/ نشر: مكتبة الرشد في الرياض ط/ سنة 1410هـ. الألوسي: أبو الثناء شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني (1270هـ) 9 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني. نشر دار الفكر/ بيروت/ سنة 1398هـ/ 1978م. الآمدي: أبو الحسن علي بن أبي علي (سيف الدين) (ت 631هـ). 10 - الإحكام في أصول الأحكام. تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي ط/ 1 نشر: مؤسسة النور سنة 1389هـ. أمير بادشاه: توفي حوالي سنة 987هـ. 11 - تيسير التحرير/ مطبعة مصطفى البابي الحلبي/ مصر سنة 1350هـ. ابن أمير الحاج: محمد بن محمد الحلبي (ت 879هـ). 12 - التقرير والتحبير- دار الكتب العلمية/ بيروت 1403هـ/ 1983م. ط/ 2 أوفست عن طبعة بولاق سنة 1316هـ. الأمير الكبير: محمد بن محمد السنباوي المالكي الأزهري (ت 1232هـ) 13 - الإكليل شرح مختصر خليل/ مطبعة حجازي بالقاهرة، تصحيح وتعليق عبد الله الصديق الغماري. الأنصاري: أبو العياش عبد العليم محمد بن محمد اللكنوي (نبغ في حدود- 1180هـ). 14 - فواتح الرحموت: مطبوع مع المستصفى للغزالي.

المطبعة الأميرية/ بولاق/ سنة 1322هـ ج1 و 1324هـ ج 2. الإيجي: عضد الدولة عبد الرحمن بن أحمد (ت 756هـ). 15 - شرح مختصر المنتهى. المطبعة الأميرية/ بولاق/ مصر سنة 1316هـ ط/ 1. الأيوبي: محمد هشام. 16 - الاجتهاد ومقتضيات العصر. نشر دار الفكر/ عمان. البابرتي: أكمل الدين محمد بن محمد بن محمود الحنفي (ت 786هـ) 17 - العناية (لاحظ: ابن الهمام في فتح القدير) الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف (ت 474هـ) 18 - إحكام الفصول في أحكام الأصول/ تحقيق د/ عبد المجيد تركي. دار الغرب الإسلامي/ بيروت 1407هـ- 1981م. البخاري: علاء الدين عبد العزيز بن أحمد (ت 730هـ) 19 - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي. ضبط وتعليق وتخريج محمد المعتصم بالله البغدادي، ط/ 1. نشر: دار الكتاب العربي/ بيروت/ 1411هـ- 1991م. البدخشي: محمد بن الحسن 20 - مناهج العقول/ مطبعة محمد علي صبيح/ مصر/ 1389هـ ابن بدران: عبد القادر بن أحمد الدمشقي (ت 1346هـ) 21 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل/ طبع مؤسسة الرسالة/ بيروت/ ط2 سنة 1401هـ/ 1981م تحقيق: د/ عبد الله ابن عبد المحسن التركي. بدوي: عبد الرحمن بدوي (الدكتور)

22 - المنطق الصوري والرياضي/ مطبعة السنة المحمدية/ مصر/ سنة 1962م. أبو البركات: عبد السلام بن عبد الله الملقب بمجد الدين (ت 652هـ) 23 - المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل. نشر: مكتبة المعارف بالرياض ط/2 سنة 1404هـ/ 1984م. ابن برهان: أحمد بن علي بن برهان البغدادي (ت 538هـ) 24 - الوصول إلى الأصول. تحقيق د/ عبد الحميد علي أبو زنيد. مكتبة المعارف/ الرياض/ 1403هـ- 1983م. البصري: أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب (ت 436هـ) 25 - المعتمد في أصول الفقه- تحقيق: محمد حميد الله وآخرين. المطبعة الكاثوليكية/ دمشق/ سنة 1384هـ- 1964م. 26 - شرح العمد. تحقيق د/ عبد الحميد بن علي أبو زنيد/ المطبعة السلفية/ القاهرة/ ط1 سنة 1410هـ. البطليوسي: أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد (ت 521هـ) 27 - التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين. تحقيق د/ أحمد حسن كحيل، ود/ حمزة عبد الله النشرتي. ط/1 مطبعة دار النصر للطباعة الإسلامية- القاهرة/ نشر مكتبة الاعتصام سنة 1398/ 1978م. البغدادي: إسماعيل باشا بن محمد أمين (ت 1329هـ) 28 - هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين. طبع المكتبة الإسلامية بطهران ط/ 3/ 1387هـ. أوفست عن طبعة وكالة المعارف باستانبول سنة 1951م. 29 - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون. طبع المكتبة الإسلامية بطهران سنة 1378هـ ط/3 أوفست. البغدادي: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب (463هـ)

30 - تاريخ بغداد. نشر دار الكتاب العربي- بيروت/ لبنان/ أوفست. 31 - الفقيه والمتفقه/ دار الكتب العلمية/ بيروت ط/1، سنة 1400هـ- 1980م. البليني: الشيخ عبد الرحيم فرغل. 32 - الكشف عن أحكام الوقف/ مطبعة الشرق/ مصر 1949م- 1368هـ. البليدي: محمد بن محمد الحسني التونسي المغربي المالكي (ت 1176هـ) 33 - مقولات البليدي/ بحاشية الشيخ حسن العطار/ المطبعة الخيرية/ القاهرة/ سنة 1328هـ/ 1910م. البهاري: محب الله بن عبد الشكور (ت 1119هـ) 34 - مسلم الثبوت (انظر: الأنصاري: فواتح الرحموت). البهوتي: منصور بن يونس بن إدريس (ت 1046هـ) 35 - كشاف القناع عن متن الإقناع/ تعليق الشيخ هلال مصيلحي مصطفى هلال/ نشر مكتبة النصر الحديثة بالرياض. البيانوني: محمد أبو الفتح (الدكتور) 36 - دراسات في الاختلافات الفقهية- حقيقتها. نشأتها. أسبابها. نشر مكتبة الهدى/ حلب/ سوريا سنة 1395/ 1975م. التركي: عبد الله بن عبد المحسن (الدكتور) 37 - أسباب اختلاف الفقهاء. مكتبة الرياض الحديثة/ الرياض ط/2 سنة 1367هـ/ 1977م. التفتازاني: سعد الدين مسعود بن عمر (ت 792هـ) 38 - التلويح/ مطبعة دار الكتب العربية/ مصر/ سنة 1327هـ. 39 - حاشيته على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (انظر الإيجي).

التنبكتي: أحمد بن أحمد بن أحمد المعروف بـ (بابا التنبكتي) (ت 1032هـ) 40 - نيل الابتهاج بتطريز الديباج/ بهامش الديباج المذهب/ فانظر: ابن فرحون. التهانوي: محمد بن علي بن محمد الفاروقي (كان حياً سنة 1158هـ) 41 - كشاف اصطلاحات الفنون/ نشر دار صادر/ بيروت. ابن تيمية: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم (ت 728هـ) 42 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية/ جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم. مطابع دار العربية/ بيروت سنة 1398هـ. الأجزاء: 19 و 20 و29 و 35. 43 - درء تعارض العقل والنقل/ تحقيق د/ محمد رشاد سالم. مطابع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض /ط/1 سنة 1399هـ/ 1979م. 44 - المسودة في أصول الفقه/ مطبعة المدني/ مصر/ سنة 1384هـ- 1964م. توانا: سيد محمد موسى. 45 - الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه في هذا العصر. مطابع المدني/ مصر/ القاهرة/ 1973 (رسالة دكتوراه) الجرجاني: السيد الشريف علي بن محمد (ت 816هـ) 46 - التعريفات- مطبعة مصطفى البابي الحلبي/ القاهرة سنة 1938م. 47 - حاشية الجرجاني على شرح العضد لمختصر ابن الحاجب في الأصول/ المطبعة الأميرية/ بولاق- مصر/ 1316هـ ط/1. ابن جزي: أبو القاسم محمد بن أحمد الكلبي الغرناطي المالكي (ت 741هـ) 48 - تقريب الوصول إلى علم الوصول. تحقيق محمد علي فركوس/ مطابع سجل العرب/ نشر دار

الأقصى، ط/1 سنة 1410هـ. الجصاص: أحمد بن علي الرازي الحنفي (ت 370هـ) 49 - الفصول في الأصول. تحقيق د/ عجيل التشمي. نشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت ج/1 وج/2 سنة 1405هـ- 1985م، وج/ 3 سنة 1408هـ- 1988م. الجويني: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله- إمام الحرمين- (ت 478هـ) 50 - البرهان في أصول الفقه/ مطابع الدولة الحديثة- قطر سنة 1399هـ، تحقيق: د/ عبد العظيم الديب. 51 - الغياثي. غياث الأمم في التياث الظلم. تحقيق د/ عبد العظيم الديب/ مطبعة نهضة مصر/ القاهرة/ ط/2 سنة 1401هـ. ابن الحاجب: أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر المالكي (ت 646هـ) 52 - منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل. نشر: دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط/1 سنة 1405هـ- 1985م. 53 - مختصر المنتهى/ بشرح العضد/ المطبعة الأميرية/ بولاق/ مصر سنة 1316هـ ط/1. حاجي خليفة: مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الحنفي الشهير بكاتب جلبي (ت 1067هـ) 54 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون- المطبعة الإسلامية/ طهران/ ط3 سنة 1387هـ/ 1967م- أوفست. ابن حامد: أبو عبد الله الحسن بن حامد بن علي البغدادي (ت 403هـ) 55 - تهذيب الأجوبة/ تحقيق صبحي السامرائي. نشر مكتبة النهضة العربية/ بيروت/ ط/1 سنة 1408هـ/ 1988م.

أبو حبيب: سعدي. 56 - القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً دار الفكر- دمشق سنة 1402هـ/ 1982م. ابن حجر العسقلاني: أحمد بن علي (شهاب الدين أبو الفضل) (ت 852هـ) 57 - الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة. مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية/ حيدر آباد الدكن/ الهند، سنة 1392هـ/ 1972م. 58 - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير. دار المعرفة/ بيروت/ سنة 1384هـ/ 1964م، تعليق عبد الله هاشم المدني. 59 - فتح الباري بشرح صحيح أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. تحقيق وإشراف الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، نشر: رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية. 60 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر. نشر مؤسسة ومكتبة الحرمين بالرياض سنة 1400هـ/ 1980م. الحجوي: محمد بن الحسن الثعالبي 0ت 1376هـ) 61 - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي. نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة ط/1 سنة 1396هـ. الحصكفي: علاء الدين محمد بن علي الحصني (ت 1088هـ) 62 - الدر المختار. مطبعة مصطفى البابي الحلبي/ مصر 1386هـ/ 1966م (مع شرحه رد المحتار). الحكيم: السيد محمد تقي. 63 - الأصول العامة للفقه المقارن/ دار الأندلس/ بيروت ط /1 سنة 1963م.

ابن حمدان: أحمد بن حمدان الحراني (ت 695هـ) 64 - صفة الفتوى والمفتي والمستفتي/ نشر المكتب الإسلامي/ دمشق ط/3. الحموي: ياقوت بن عبد الله الرومي (ت 626هـ) 65 - معجم الأدباء. دار المشرق/ بيروت/ أوفست عن طبعة مرجليوت. دون تاريخ. الخبيصي: عبيد الله بن فضل الله (ت 1050هـ) 66 - شرح التهذيب/ مع تجديد علم المنطق/ للشيخ عبد المتعال الصعيدي/ نشر مكتبة الآداب ومطبعتها/ القاهرة ط/5. الخشت: محمد عثمان. 67 - مفاتيح علوم الحديث وطرق تخريجه. نشر مكتبة الساعي بالرياض/ دون ذكر تاريخ أو مطبعة. الخضري: محمد بن عفيفي الباجوري الشهير بالخضري (ت 1345هـ) 68 - تاريخ التشريع الإسلامي مطبعة الاستقامة/ مصر/ القاهرة/ ط1 سنة 1960م. 69 - أصول الفقه. ط/6 نشر المكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1389هـ/ 1969م. أبو الخطاب: محفوظ بن أحمد الكلوذاني (ت 510هـ) 70 - التمهيد في أصول الفقه. دار المدني للطباعة جدة/ مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي/ مكة/ 1405هـ/ 1985م. الخفيف: الشيخ علي. 71 - محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء. نشر معهد الدراسات العربية العالية/ القاهرة/ سنة 1956م.

ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد (ت 808هـ) 72 - مقدمة ابن خلدون. دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر/ بيروت/ ط/2 سنة 1979م. ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد (ت 681هـ) 73 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان/ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة السعادة/ مصر/ ط1 1367هـ/ 1948م. الدبوسي: أبو زيد عبيد الله بن عمر (ت 430هـ) 74 - تأسيس النظر. تعليق وتصحيح مصطفى محمد القباني الدمشقي/ نشر دار ابن زيدون للطباعة والنشر/ بيروت/ ومكتبة الكليات الأزهرية/ مصر. الدهلوي: أحمد بن عبد الرحيم (شاه ولي الله) (ت 1176هـ) 75 - الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف. مراجعة وتعليق عبد الفتاح أبو غدة/ دار النفائس. بيروت/ ط2 سنة 1404هـ 1984م. 76 - حجة الله البالغة/ دار المعرفة للطباعة والنشر/ بيروت. الرازي: فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين (ت 606هـ) 77 - المحصول في علم الأصول/ نشر دار الكتب العلمية/ بيروت. الرازي: قطب الدين محمود بن محمد (ت 766هـ) 78 - تحرير القواعد المنطقية/ دار إحياء الكتب العربية/ عيسى البابي الحلبي. الرافعي: أبو القاسم عبد الكريم بن محمد (ت 623هـ) 79 - فتح العزيز شرح الوجيز/ نشر دار الفكر. ابن رجب: عبد الرحمن بن أحمد (ت 795هـ)

80 - الذيل على طبقات الحنابلة. دار المعرفة/ بيروت. 81 - القواعد/ دار المعرفة للطباعة والنشر/ بيروت. ابن رشد: أبو الوليد محمد بن أحمد القرطبي (ت 595هـ) 82 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد/ مطبعة الاستقامة/ القاهرة/ 1353هـ/ 1935م. الزركشي: بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله (ت 794هـ) 83 - البحر المحيط في أصول الفقه/ دار الصفوة للطباعة والنشر/ مصر/ ط 2 سنة 1413هـ- 1992م. 84 - المنثور في القواعد. تحقيق د/ فائق أحمد محمود. طباعة مؤسسة الفليج. الكويت/ نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت. 85 - سلاسل الذهب. تحقيق محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي/ نشر مكتبة ابن تيمية/ القاهرة/ سنة 1411هـ- 1990م ط/1 (رسالة دكتوراه). الزركلي: خير الدين بن محمود الدمشقي (ت 1396هـ- 1976م) 86 - الأعلام. نشر دار العلم للملايين/ بيروت. ط5 سنة 1980م. الزلمي: مصطفى إبراهيم (الدكتور) 87 - أسباب اختلاف الفقهاء في الأحكام الشرعية مطبعة شفيق- بغداد- سنة 1406هـ- 1986م. الزمخشري: جار الله أبو القاسم محمود بن عمر (ت 538هـ) 88 - رؤوس المسائل. تحقيق عبد الله نذير أحمد. طبع دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت ط1 سنة 1407هـ/ 1987م. الزنجاني: شهاب الدين محمود بن أحمد (ت 656هـ) 89 - تخريج الفروع على الأصول. تحقيق د/ محمد أديب صالح.

مطبعة جامعة دمشق/ دمشق ط1 سنة 1382هـ- 1962م، وط5 لمؤسسة الرسالة سنة 1404هـ- 1984م. أبو زهرة: محمد بن أحمد (ت 1974م) 90 - مالك- حياته وعصره- آراؤه الفقهية. دار الفكر العربي/ مصر/ القاهرة. 91 - أبو حنيفة- حياته وعصره- آراؤه الفقهية. دار الفكر العربي/ مصر/ القاهرة/ 1977م. 92 - الشافعي- حياته وعصره- آراؤه الفقهية. دار الفكر العربي/ مصر/ القاهرة. الزيلعي: فخر الدين عثمان بن علي الحنفي (ت 743هـ) 93 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق. مطبعة الفاروق الحديثة. القاهرة ط2 أوفست عن طبعة بولاق سنة 1313هـ. السايس: الشيخ محمد علي السايس وجماعته. 94 - تاريخ التشريع الإسلامي/ مطبعة الشرق/ القاهرة/ ط2 - 1357هـ- 1939م. سبط ابن الجوزي: أبو المظفر يوسف بن فرغلي (ت 654هـ) 95 - إيثار الإنصاف في آثار الخلاف/ تحقيق ناصر العلي الناصر الخليفي، مطبعة دار الإسلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة/ مصر/ ط1 سنة 1987م- 1408هـ (رسالة ماجستير) ابن السبكي: عبد الوهاب بن علي (تاج الدين) (ت 771هـ) 96 - الأشباه والنظائر. تحقيق: عادل أحمد عبد المقصود والشيخ علي محمد عوض. نشر دار الكتب العلمية- بيروت ط/1 - سنة 1411 هـ- 1991م. 97 - جمع الجوامع مع شرحه للجلال المحلي بحاشية البناني/ مطبعة دار إحياء الكتب العربية. لعيسى البابي الحلبي/ مصر/ دون تاريخ.

98 - طبقات الشافعية الكبرى/ دار المعرفة للطباعة والنشر- بيروت/ ط2/ أوفست. 99 - الإبهاج في شرح المنهاج/ تعليق جماعة من العلماء/ نشر دار الكتب العلمية/ بيروت. السرخسي: أبو بكر محمد بن أحمد (ت 490هـ) 100 - أصول السرخسي- تحقيق أبو الوفاء الأفغاني- مطابع دار الكتاب العربي/ مصر/ سنة 1372هـ. نشر لجنة إحياء المعارف النعمانية/ حيدر آباد الدكن/ الهند. سركيس: يوسف بن إليان بن موسى (ت 1351هـ- 1932م) 101 - معجم المطبوعات العربية والمعربة- مطبعة سركيس- مصر 1346هـ- 1928م. السمرقندي: علاء الدين محمد بن أحمد (ت 539هـ) 102 - ميزان الأصول في نتائج العقول- مطابع الدوحة الحديثة- قطر/ 1404هـ- 1984م تحقيق: د. محمد زكي عبد البر. السمرقندي: أبو الليث نصر بن محمد الحنفي (ت 373هـ وقيل 393هـ) 103 - تأسيس النظائر/ رسالة ماجستير. تحقيق: علي محمد رمضان (على الآلة الكاتبة). ابن السمعاني: أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي المروزي (ت 489هـ). 104 - الاصطلاح في الخلاف بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة. تحقيق: د/ نايف بن نافع العمري/ دار المنار للطبع والنشر والتوزيع/ مصر- القاهرة (ط1 - 1412هـ- 1992م). السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ) 105 - تيسير الاجتهاد. تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد- نشر المكتبة التجارية- مكة- دار النشر والطباعة الإسلامية/ مصر سنة 1982م.

106 - طبقات المفسرين/ مطبعة الحضارة العربية ط1 سنة 1396هـ- 1976م نشر مكتبة وهبة. 107 - الأشباه والنظائر: مطبعة دار إحياء الكتب/ مصر. 108 - الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض. تحقيق خليل الميس/ نشر: دار الكتب العلمية/ بيروت ط1 سنة 1403هـ- 1983م. 109 - منتهى الآمال في شرح حديث إنما الأعمال/ تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط1 - 1406هـ- 1986م. الشاشي: أبو علي أحمد بن محمد (ت 344هـ) 110 - أصول الشاشي. نشر دار الكتاب العربي/ بيروت 1402هـ- 1982م. تصحيح الشيخ خليل الميس. الشاطبي: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي (ت 790هـ) 111 - الموافقات في أصول الشريعة شرح وتعليق الشيخ عبد الله دراز. نشر المكتبة التجارية الكبرى/ القاهرة- مصر أوفست دار المعرفة/ بيروت. الشافعي: محمد بن إدريس (ت 204هـ) 112 - الأم. شركة الطباعة الفنية المتحدة/ مصر 1381هـ- 1961م. ط1 إشراف محمد زهدي النجار. نشر مكتبة الكليات الأزهرية. أبو شامة: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي (ت 665هـ) 113 - مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول.

تعليق صلاح الدين مقبول أحمد- نشر مكتبة الصحوة الإسلامية الكويت/ مطبعة الصحابة الإسلامية 1403هـ- 1983م. الشربيني: عبد الرحمن بن محمد بن أحمد (ت 1326هـ) 114 - تقريرات الشربيني على شرح جمع الجوامع للجلال المحلي- مطبعة دار إحياء الكتب العربية/ لعيسى البابي الحلبي/ مصر دون تاريخ. الشربيني: محمد بن أحمد المعروف بالخطيب الشربيني (شمس الدين) (ت 977هـ) 115 - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج. دار الفكر/ لبنان. الشرنبلالي: حسن بن عمار بن علي الحنفي (ت 1069هـ) 116 - مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح. مطبعة الجمالية/ مصر سنة 1329هـ- 1911م. الشهرستاني: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم (ت 548هـ) 117 - الملل والنحل/ تعليق الشيخ أحمد فهمي محمد/ مطبعة حجازي/ القاهرة/ ط1 سنة 1318هـ- 1948م. الشوشاوي: أبو علي حسين بن علي الرجراجي (ت 899هـ) 118 - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب. تحقيق: أحمد السراح. الشوكاني: محمد بن علي (ت 1250هـ) 119 - إرشاد الفحول. دار المعرفة للطباعة لبنان/ بيروت 1399هـ- 1979م. 120 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار- دار العلم/ بيروت. الشيرازي: أبو إسحاق إبراهيم بن علي (ت 476هـ) 121 - طبقات الفقهاء- تحقيق د. إحسان عباس/ نشر دار الرائد العربي- بيروت سنة 1978م.

122 - التبصرة في أصول الفقه. تحقيق د. محمد حسن هيتو/ دار الفكر. دمشق سنة 1400هـ- 1980م. 123 - شرح اللمع. تحقيق د. عبد المجيد تركي. نشر دار الغرب الإسلامي/ بيروت- لبنان ط1 سنة 1408هـ- 1988م. صدر الشريعة: عبيد الله بن مسعود البخاري (ت 747هـ) 124 - التوضيح مطبعة دار الكتب العربية الكبرى- مصر سنة 1325هـ (مع شرح التلويح) ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (ت 643هـ) 125 - أدب المفتي والمستفتي. تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر/ نشر مكتبة العلوم والحكم. عالم الكتب/ ط1 سنة 1407هـ/ 1986م. الصنعاني: محمد بن إسماعيل (ت 1182هـ) 126 - إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد. نشر: الدار السلفية بالكويت سنة 1405هـ- 1985م. الصيمري: أبو عبد الله حسين بن علي (ت 436هـ) 127 - أخبار أبي حنيفة وأصحابه. مطبعة المعارف الشرقية/ حيدر أباد/ الهند 1394هـ- 1974م. طاش كبري زاده: المولى أحمد بن مصطفى (ت 968هـ) 128 - مفتاح السعادة ومصباح السيادة. مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية/ حيدر آباد الدكن، الهند ط2 سنة 1397هـ- 1977م. 129 - طبقات الفقهاء/ نشر أحمد نيلة/ مطبعة الزهراء الحديثة/ الموصل العراق 1961م. الطحان: محمود الطحان (الدكتور)

130 - أصول التخريج ودراسة الأسانيد. نشر مكتبة المعارف/ الرياض/ دون تاريخ ولا ذكر للمطبعة. مقدمة المؤلف في 25/ 2/ 1978م. الطوفي: أبو الربيع سليمان بن عبد القوي (ت 716هـ) 131 - شرح مختصر الروضة. تحقيق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي/ مؤسسة الرسالة/ بيروت سنة 1410هـ- 1990م. الطويل: توفيق (الدكتور) بالاشتراك مع عبده فراج. 132 - مسائل فلسفية- مطابع المجلس الدائم للخدمات العامة. مصر- سنة 1955م ج2. ابن عابدين: محمد أمين بن عمر (ت 1252هـ9 133 - رد المحتار على الدر المختار. مطبعة مصطفى البابي الحلبي. مصر ط/2 سنة 1386هـ- 1966م. 134 - عقود رسم المفتي/ من مجموعة رسائل ابن عابدين- الرسالة الثانية من الجزء الأول/ نشر دار إحياء التراث العربي/ بيروت. ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله (ت 463هـ) 135 - الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء. نشر: دار الكتب العلمية- بيروت. 136 - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي/ نشر مكتبة الرياض الحديثة/ الرياض ط1 سنة 1398هـ 1978م. 137 - جامع بيان العلم وفضله/ دار الكتب العلمية/ بيروت 1398هـ/ 1978م/ عن دار الطباعة المنيرية. العجلوني: إسماعيل بن محمد الجراحي (ت 1162هـ) 138 - كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس.

تعليق أحمد القلاش/ مؤسسة الرسالة- بيروت ط3 سنة 1402هـ- 1983م. العراقي: أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين (زين الدين) (ت 806هـ) 139 - التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان/ مطبعة العاصمة/ القاهرة/ مصر/ 1389هـ- 1969م. 140 - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث. تعليقات محمود ربيع. طبع على نفقة أحمد نشأت ومحمود سكر بوكالة النخلة بجوار الأزهر الشريف/ مصر/ القاهرة ط 1 سنة 1355هـ 1937م. العطار: أبو السعادات الشيخ حسن بن محمد (ت 1250هـ) 141 - حاشيته على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع نشر دار الكتب العلمية/ بيروت/ دون تاريخ. أبو العلاء عفيفي: الدكتور 142 - المنطق التوجيهي/ مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر/ مصر 1938م. العلوي: سيدي عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي (ت 1230هـ) 143 - نشر البنود على مراقي السعود. طبع اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة الإمارات العربية المتحدة (دون تاريخ ولا ذكر للمطبعة). العليمي: عبد الرحمن بن محمد (ت 928هـ) 144 - المنهج الأحمد في تراجم الأصحاب الإمام أحمد. تحقيق محيي الدين عبد الحميد. عالم الكتب/ بيروت ط1 سنة 1403هـ- 1983م. ابن العماد: أبو الفلاح عبد الحي بن العماد (ت 1089هـ)

145 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب. تحقيق لجنة إحياء التراث العربي/ نشر دار الآفاق/ بيروت/ دون تاريخ. الغرياني: دكتور الصادق عبد الرحمن. 146 - الحكم الشرعي بين النقل والعقل/ نشر: دار الغرب الإسلامي/ بيروت 1989م. الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد (ت 505هـ) 147 - شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل. مطبعة الإرشاد/ بغداد/ 1390هـ- 1971م. 148 - المنخول: تحقيق د. محمد حسن هيتو. نشر: دار الفكر/ دمشق/ 1400هـ- 1980م. 149 - المستصفى من علم الأصول. دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ مع فواتح الرحموت أوفست. 150 - الوجيز في فقه الإمام الشافعي/ نشر: دار المعرفة/ بيروت/ 1399هـ- 1979م. 151 - الوجيز في المذهب- تحقيق: علي محيي الدين علي القرء داغي. دار النصر للطباعة/ مصر. الغنيمي: عبد الغني بن طالب الدمشقي الحنفي (ت 1298هـ) 152 - اللباب في شرح الكتاب، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. مطابع دار الكتاب العربي/ مصر/ ط4 سنة 1381هـ- 1961م. الفراء: محمد بن محمد بن الحسين بن أبي يعلى (ت 526هـ) 153 - طبقات الحنابلة. دار المعرفة للطباعة والنشر/ بيروت.

ابن فرحون: إبراهيم بن علي بن محمد (ت 799هـ) 154 - الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب. نشر دار الكتب العلمية/ بيروت/ لبنان/ دون تاريخ، ولا اسم مطبعة. الفرفور: محمد عبد اللطيف صالح (الدكتور) 155 - الوجيز في أصول استنباط الأحكام في الشريعة الإسلامية. نشر دار الإمام الأوزاعي/ دمشق ط1 سنة 1405هـ- 1985م. القاسمي: محمد جمال الدين بن محمد سعيد (ت 1332هـ- 1914م) 156 - قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط1 سنة 1979م. 157 - الفتوى في الإسلام/ دار الكتب العلمية/ بيروت/ ط1 سنة 1406هـ 1986م. ابن قاضي شهبة: أبو بكر بن أحمد بن محمد (ت 851هـ) 158 - طبقات الشافعية/ دار الندوة الجديدة للطباعة/ تعليق الحافظ عبد العليم خان. ابن قدامة: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد الجماعيلي المقدسي (ت 620هـ) 159 - روضة الناظر وجنة الناظر/ تحقيق د/ عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد. مطابع الرياض/ 1397هـ- 1977م/ باسم ابن قدامة وآثاره الأصولية قسم 2. 160 - المغني. مطبوعات رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. نشر: مكتبة الرياض الحديثة سنة 1401هـ- 1981م.

القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس (ت 684هـ) 161 - شرح تنقيح الفصول. تحقيق طه عبد الرؤوف سعد. دار الطباعة الفنية المتحدة/ مصر سنة 1978م. 162 - الأمنية في إدراك النية- تحقيق د. مساعد بن قاسم الفالح- نشر مكتبة الحرمين بالرياض ط/1 سنة 1408هـ- 1988م. القرشي: أبو محمد محي الدين عبد القادر بن محمد (ت 775هـ) 163 - الجواهر المضية في طبقات الحنفية/ مطبعة عيسى البابي الحلبي/ مصر سنة 1978م. تحقيق: د/ عبد الفتاح بن محمد الحلو. ابن القصار: علي بن أحمد البغدادي (ت 398هـ) 164 - مقدمة ابن القصار- مخطوط- نسخة الأسكوريال. ابن قطلوبغا: أبو العدل زين الدين بن قاسم (ت 879هـ) 165 - تاج التراجم في طبقات الحنفية. مطبعة العاني: بغداد 1962م. القنوجي: صديق حسن خان (ت 1307هـ) 166 - أبجد العلوم- الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم. نشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي/ دمشق 1978م. ابن قيم الجوزية: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر (ت 751هـ) 167 - أعلام الموقعين عن رب العالمين. إدارة الطباعة المنيرية/ مصر/ القاهرة. الكاساني: علاء الدين أبو بكر بن مسعود الحنفي (ت 587هـ) 168 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع/ دار الكتاب العربي/ بيروت. ط2 سنة 1402هـ- 1982م. كحالة: عمر رضا.

169 - معجم المؤلفين- تراجم مصنفي الكتب العربية. مطبعة الترقي/ دمشق/ 1957م. الكفوي: أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني (ت 1094هـ) 170 - الكليات- معجم في المصطلحات والفروق اللغوية/ مؤسسة الرسالة/ بيروت/ ط1 سنة 1412هـ/ 1992م. ابن اللحام: علي بن عباس البعلي (ت 803هـ) 171 - القواعد والفوائد الأصولية/ تعليق محمد حامد الفقي. مطبعة السنة المحمدية/ مصر/ 1956م. 172 - المختصر في أصول الفقه/ تحقيق: د/ محمد مظهر بقا. طبع دار الفكر/ دمشق/ 1400هـ- 1980م/ نشر: مركز البحث العلمي- جامعة أم القرى/ مكة. مالك بن أنس الأصبحي (الإمام) (ت 179هـ) 173 - الموطأ/ مع شرحه تنوير الحوالك شرح موطأ مالك لجلال الدين السيوطي/ نشر المكتبة الثقافية، بيروت 1984م. مجموعة أساتذة. 174 - تفسير آيات الأحكام ترتيب وتنقيح محمد علي السايس. مطبعة محمد علي صبيح/ مصر. محمد أديب صالح: الدكتور. 175 - تفسير النصوص في الفقه الإسلامي/ منشورات المكتب الإسلامي/ ط2 (رسالة دكتوراه). أبو محمد: عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي. 176 - طرق تخريج حديث رسول الله- دار الاعتصام/ مصر/ 1987م. مدكور: محمد سلام (الدكتور) 177 - مناهج الاجتهاد في الإسلام في الأحكام الفقهية والعقائدية.

المطبعة العصرية في الكويت/ 1974م طبعة معادة 1977. من مطبوعات- جامعة الكويت رقم 25. المراغي: عبد الله مصطفى. 178 - الفتح المبين في طبقات الأصوليين/ نشر محمد أمين دمج وشركاه/ بيروت/ ط2 سنة 1394هـ 1974م. المرداوي: أبو الحسن علي بن سليمان (ت 885هـ) 179 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد/ مطبعة دار إحياء التراث العربي/ بيروت سنة 1378هـ/ 1958م. 180 - التحبير شرح التحرير (مخطوط). المرغيناني: أبو الحسن علي بن أبي بكر (ت 593هـ) 181 - هداية المهتدي شرح بداية المبتدي. مطبعة مصطفى البابي الحلبي/ مصر 1355هـ- 1936م. المطيعي: محمد بن بخيت بن حسين (ت 1354هـ) 182 - سلم الوصول بشرح نهاية السول، نشر: دار عالم الكتب- بيروت سنة 1982م، عن طبعة المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1345هـ. ابن مفلح: شمس الدين محمد بن مفلح (ت 763هـ) 183 - أصول الفقه تحقيق: د/ فهد بن محمد السدحان (آلة كاتبة) رسالة دكتوراه. المقري: أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد (ت 758هـ) 184 - القواعد. تحقيق د/ أحمد بن عبد الله بن حميد. نشر: مركز إحياء التراث الإسلامي/ مكة- جامعة أم القرى. ابن ملك: عز الدين عبد اللطيف بن عبد العزيز بن فرشتا (ت 801هـ) 185 - شرح المنار/ المطبعة العثمانية سنة 1315هـ/ اسطنبول مع حواشيه.

منون: عيسى منون الشامي (ت 1376هـ) 1957م. 186 - نبراس العقول في تحقيق القياس عند علماء الأصول/ إدارة الطباعة المنيرية/ القاهرة. ابن مودود: عبد الله بن محمود الموصلي 0ت 683هـ) 187 - الاختيار لتعليل المختار/ مطبعة حجازي/ القاهرة ط1 و 2، ومطبعة البابي الحلبي ج3 سنة 1936م. النبهاني: محمد بن خليفة بن حمد النبهاني (ت 1369هم 1950م) 188 - التحفة النبهانية بشرح المنظومة البيقونية. طبعة المعاهد/ مصر/ 1347هـ. ابن النجار: الشيخ محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي الحنبلي (ت 972هـ). 189 - شرح الكوكب المنير/ منشورات مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى. تحقيق: د. نزيه حماد، ود. محمد الزحيلي. 190 - منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات. مكتبة دار العروبة/ القاهرة. الندوي: سلمان الحسيني. 191 - آراء الإمام ولي الله الدهلوي في تاريخ التشريع وأسباب الاختلاف في المذاهب الفقهية. مطبعة إيس. جي. والي كنج/ لكنهؤ/ الهند/ 1407هـ- 1986م. نشر: دار السنة للنشر والتوزيع/ لكنهؤ. ابن النديم: أبو الفرج محمد بن إسحاق بن أبي يعقوب النديم الوراق (ت 438هـ) 192 - الفهرست. نشر: دار المعرفة للطباعة والنشر/ بيروت/ دون تاريخ. النووي: أبو زكريا يحيى بن شرف (ت 676هـ)

193 - المجموع شرح المهذب، نشر دار الفكر. 194 - شرح صحيح مسلم/ نشر دار إحياء التراث العربي/ بيروت. 195 - الأسماء واللغات/ نشر: دار الكتب العلمية/ بيروت/ عن طبعة المنيرية. الونشريسي: أبو العباس أحمد بن يحيى (ت 914هـ) 196 - إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك/ تحقيق: أحمد بو طاهر الخطابي/ مطبعة فضالة/ الرباط/ المغرب. سنة 1400هـ- 1980م. ابن هبيرة: يحيى بن محمد بن هبيرة الحنبلي (ت 560هـ) 197 - الإفصاح عن معاني الصحاح/ مطبعة الدجوي/ القاهرة/ سنة 1978م. نشر: المؤسسة السعيدية بالرياض. ابن هداية الله: أبو بكر بن هداية الله الحسيني (ت 1014هـ) 198 - طبقات الشافعية. تحقيق: عادل نويهض/ دار الآفاق الجديدة/ بيروت ط 2 سنة 1979م. ابن الهمام: محمد بن عبد الواحد السيواسي السكندري (ت 681هـ) 199 - فتح القدير- مطبعة مصطفى محمد/ مصر سنة 1356هـ. هيتو: محمد حسن (الدكتور). 200 - الاجتهاد وطبقات مجتهدي الشافعية. مؤسسة الرسالة/ بيروت 1409هـ- 1988م. أبو يعلى: محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي (ت 458هـ) 201 - العدة في أصول الفقه- تحقيق: د. أحمد بن علي سير المباركي. ج1 و2 و3 طبع مؤسسة الرسالة/ بيروت ط1 - 1400هـ- 1980م، ج4 و5 طبع 1410هـ- 1990م. أبو يوسف: يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت 182هـ) 202 - الخراج/ دار المعرفة للطباعة والنشر/ بيروت/ 1399هـ- 1979م.

فهرس الأعلام المترجم لهم

فهرس الأعلام المترجم لهم اسم العلم ... رقم الصفحة الأثرم: أحمد بن محمد الإسكافي (ت 260هـ) ... 31 الأزجي: يحيى بن يحيى (ت بعد سنة 600هـ) ... 178 إسحاق بن منصور أبو يعقوب الكوسج (ت251هـ) ... 218 الأسفراييني: أبو حامد أحمد بن محمد (ت 406 هـ) ... 244 الأسمندي: علاء الدين محمد بن عبد الحميد السمرقندي (ت 552هـ) ... 78 الأسنوي: عبد الرحيم بن الحسن (أبو محمد جمال الدين) (ت772هـ) ... 50 الأشعري: علي بن إسماعيل/ أبو الحسن (ت324هـ) ... 281 أشهب بن عبد العزيز (أبو عمرو) (ت 204هـ) ... 150 الأصمعي: أبو سعيد عبد الملك بن قريب (ت 216هـ) ... 333 الآمدي: علي بن أبي علي (سيف الدين) (ت 631هـ) ... 212 ابن أمير الحاج: محمد بن محمد أبو عبد الله الحلبي (ت 879 هـ) ... 345 الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف (ت 474هـ) ... 325 البخاري: محمد بن إسماعيل (ت256هـ) ... 330 البردعي: أبو سعيد أحمد بن الحسين (ت 317هـ) ... 43 أبو البركات: عبد السلام بن عبد الله بن تيمية (ت 652هـ) ... 173 ابن برهان: أحمد بن علي (أبو الفتح) (ت 518هـ) ... 36 البزدوي: أبو الحسن علي بن محمد (ت 482 هـ) ... 26 البصري: أبو الحسين محمد بن علي (ت 436هـ) ... 249 البطليوسي: أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد (ت 521هـ) ... 79 بكر بن محمد البغدادي النسائي ... 199 البويطي: أبو يعقوب يوسف بن يحيى (ت 231هـ) ... 237 البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحيسن (ت 458هـ) ... 238

اسم العلم ... رقم الصفحة التفتازاني: مسعود بن عمر (ت 792هـ) ... 337 التلمساني: الشريف أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت 772هـ) ... 71 التمتراشي: محمد بن عبد الله (ت 1004هـ) ... 70 ابن تيمية: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم (ت 728هـ) ... 38 الثوري: سفيان بن سعيد (ت 161هـ) ... 265 ابن أبي الجارود: موسى ... 242 الجباثي: أبو هاشم عبد السلام بن محمد (ت 321هـ) ... 223 الجرجاني: علي بن محمد (السيد الشريف) (ت 816هـ) ... 54 ابن جُزي: أبو القاسم محمد بن أحمد الغرناطي (ت 741هـ) ... 81 الجصاص: أبو بكر أحمد بن علي الرازي (ت370هـ) ... 34 ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 597هـ) ... 174 الجويني: عبد الملك بن عبد الله (إمام الحرمين) (ت 478هـ) ... 250 الجيزي: الربيع بن سليمان (ت256هـ) ... 208 ابن الحاجب: أبو عمرو عثمان بن عمر (ت646هـ) ... 193 أبو الحارث: أحمد بن محمد الصائغ ... 193 ابن حامد: أبو عبد الله الحسن بن حامد الوراق البغدادي (ت 403هـ) ... 101 ابن حجر: أبو العباس أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي (ت 973هـ) ... 252 الحربي: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق (ت 285هـ) ... 217 الحسن بن زياد: الؤلؤي (ت 204هـ) ... 196 القاضي حسين: أبو علي حسين بن محمد بن أحمد (المروروذي) (ت 462هـ) ... 243 الحصفكي: علاء الدين محمد بن علي الحصني (ت1088هـ) ... 214 الحلواني: شمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد (ت448هـ) ... 302 حماد بن أبي سليمان (أبو إسماعيل) (ت 119هـ) ... 208 ابن حمدان: أبو عبد الله أحمد بن حمدان (ت695هـ) ... 206 ابن حنبل: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (ت241هـ) ... 28 حنبل بن إسحاق: أبو علي حنبل بن إسحاق الشيباني (ت273هـ) ... 257 ابن الحنبلي: أبو القاسم عبد الوهاب بن عبد الواحد الشيرازي (ت 536هـ) ... 178 أبو حنيفة: النعمان بن ثابت (ت 150هـ) ... 26

اسم العلم ... رقم الصفحة الخرقي: أبو القاسم عمر بن الحسين (ت 334هـ) ... 204 ابن خزيمة: أبو بكر محمد بن إسحاق (ت 311هـ) ... 207 الخصاف: أحمد بن عمر (ت261هـ) ... 301 الخضري: محمد عفيفي الباجوري (ت1345هـ) ... 289 ابن الخطاب: أبو حفص عمر بن الخطاب (أمير المؤمنين) (ت23 هـ) ... 235 أبو الخطاب: محفوظ بن أحمد الكلوذاني (ت 510هـ) ... 197 ابن خطيب الدهشة: أبو الثناء محمود بن أحمد (ت 834هـ) ... 72 الخفيف: الشيخ علي ... 88 الخلال: أبو بكر أحمد بن محمد (ت 311هـ) ... 205 ابن خلدون: أبو زيد عبد الرحمن بن محمد (ت 808هـ) ... 60 الخليل بن أحمد الفراهيدي ... 332 الداركي: أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله (ت 375هـ) ... 237 أبو داود: السجستاني ... 207 الدبوسي: أبو زيد عبيد الله بن عمر (ت430هـ) ... 60 دراز: عبد الله بن محمد بن حسين (ت 1351هـ) ... 229 الدقاق: أبو بكر محمد بن محمد (ت 392هـ) ... 148 الدهلوي: أحمد بن عبد الرحيم (شاه ولي الله) (ت1176هـ) ... 25 الرازي: الجصاص (ت 370هـ) ... 34 الرازي: أبو عبد الله فخر الدين محمد بن عمر (ت 606هـ) ... 251 الرافعي: أبو القاسم عبد الكريم بن محمد (ت 623هـ) ... 163 ابن رشد: أبو الوليد محمد بن أحمد (ت 595هـ) ... 71 ابن الرفعة: أبو العباس أحمد بن محمد (نجم الدين) (ت 710هـ) ... 40 الزركشي: بدر الدين محمد بن بهادر (ت 794هـ) ... 280 الزمخشري: محمود بن عمر (ت 538هـ) ... 77 الزنجاني: أبو الثناء محمد بن أحمد (ت 656هـ) ... 49 أبو زهرة: محمد أحمد (ت 1974م) ... 308 ابن الساعاتي: أحمد بن علي (مظفر الدين) (ت 694هـ) ... 67 السامري: محمد بن عبد الله بن الحسين (ت 616هـ) ... 182

اسم العلم ... رقم الصفحة سبط ابن الجوزي: يوسف بن قزغلي (ت 654هـ) ... 78 ابن السبكي: أبو نصر تاج الدين عبد الوهاب بن علي (ت 771هـ) ... 64 السبكي: أبو الحسين تقي الدين علي بن عبد الكافي (ت 756هـ) ... 40 السجستاني: أبو داود سليمان بن الأشعث (ت 275هـ) ... 207 السرخسي: أبو بكر محمد بن أحمد (ت 490هـ) ... 26 السمرقندي: أبو الليث نصر بن محمد (ت 373هـ) ... 45 السمعاني: أبو المظفر منصور بن محمد (ت 489هـ) ... 77 ابن السيد: البطليوسي ... 79 السيوطي: أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ) ... 106 الشاشي: أبو علي أحمد بن محمد (ت 344هـ) ... 147 الشاشي: أبو بكر محمد بن أحمد (ت 507هـ) ... 76 الشاطبي: إبراهيم بن موسى (ت 790هـ) ... 224 الشافعي: محمد بن إدريس (الإمام) (ت 204هـ) ... 24 ابن شاقلا: إبراهيم بن أحمد (ت 369هـ) ... 176 ابن الشحنة: محمد بن محمد الحلبي (ت 890هـ) ... 238 الشربيني: محمد بن أحمد (الخطيب) (ت 977هـ) ... 267 الشنقيطي: العلوي (عبد الله بن إبراهيم) (ت 1235هـ) ... 318 الشهرستاني: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم (ت 548هـ) ... 327 الشوكاني: أبو عبد الله محمد بن علي (ت 1250هـ) ... 332 الشيباني: أبو عبد الله محمد بن الحسن (ت 189هـ) ... 30 الشيرازي: أبو إسحاق إبراهيم بن علي (ت 476هـ) ... 105 ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عمر (ت 643هـ) ... 100 صديق خان: القنوجي (ت 1307هـ) ... 22 ابن الصيرفي: أبو زكريا يحيى بن منصور (ت 678هـ) ... 169 طاش كبري زاده: أحمد بن مصطفى (ت 935هـ) ... 63 أبو طالب: أحمد بن حميد المشكاني (ت 244هـ) ... 38 الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير (ت 310هـ) ... 76 الطحاوي: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة (ت 321هـ) ... 302

اسم العلم ... رقم الصفحة الطوفي: أبو الربيع سليمان بن عبد القوي (ت 716هـ) ... 102 عائشة: أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر (ت 58 هـ) ... 326 ابن عابدين: محمد أمين بن عمر (ت 1252هـ) ... 215 ابن عباس: عبد الله بن العباس (ت 68هـ) ... 235 ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري (ت 463هـ) ... 239 عبد الله بن أحمد بن حنبل (أبو عبد الرحمن) (ت 290هـ) ... 206 عبد الوهاب: القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر (ت 422هـ) ... 29 أبو عبدي: علي بن الحسين بن حرب (ت 319هـ) ... 265 ابن عقيل: أبو الوفاء علي بن محمد (ت 513هـ) ... 174 عكرمة: عكرمة بن عبد الله البربري (ت 105هـ) ... 326 العلوي: الشنقيطي عبد الله بن إبراهيم ... 318 ابن عمر: عبد الله بن عمر بن الخطاب (ت 63هـ) ... 326 الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (ت 505هـ) ... 41 غلام الخلال: أبو بكر عبد العزيز بن جعفر (ت 363هـ) ... 205 الفراء: القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين (ت 458هـ) ... 31 الفراهيدي: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد (ت 170هـ) ... 332 الفتوحي: ابن النجار (ت 972هـ) ... 254 ابن القاسم: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم (ت 191 هـ) ... 150 ابن القاصّ: أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري (ت 335هـ) ... 264 قاضي خان: فخر الدين الحسن بن منصور (ت 592هـ) ... 302 ابن قدامة: أبو محمد عبد الله بن أحمد الجماعيلي المقدسي (ت 620هـ) ... 253 القدوري: أبو الحسن أحمد بن محمد (ت 428هـ) ... 216 القرافي: أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي (ت 684هـ) ... 161 و239 ابن القصار: أبو الحسن علي بن أحمد (ت 398هـ) ... 29 القنوجي: أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن (ت 1307هـ) ... 22 ابن قيم الجوزية: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر (ت 751هـ) ... 317 الكاساني: أبو بكر بن مسعود (علاء الدين) (ت 587هـ) ... 196 الكرخي: أبو الحسن عبدي الله بن الحسين (ت 340هـ) ... 34

اسم العلم ... رقم الصفحة الكلبي: إبراهيم بن خالد البغدادي (ت 240هـ) ... 265 ابن كمال باشا: أحمد بن سليمان (شمس الدين) (ت 940هـ) ... 300 الكوثري: الشيخ محمد زاهد (ت 1371 هـ) ... 305 الكيا الهراسي: أبو الحسن علي بن محمد (ت 504هـ) ... 237 ابن اللحام: أبو الحسن علي بن عباس البعلي (علاء الدين) (ت 803هـ) ... 69 اللؤللؤي: الحسن بن زياد ... 196 مالك: أبو عبد الله مالك بن أنس (الإمام) (ت 179هـ) ... 27 المحلي: جلال الدين محمد بن أحمد (ت 864هـ) ... 330 محمد بن أحمد بن رشد (ت 595هـ) ... 71 المرجاني: هارون بن بهاء الدين (ت 1306هـ) ... 305 المرداوي: أبو الحسن علي بن سليمان (علاء الدين) (ت 885هـ) ... 186 المروذي: أبو بكر أحمد بن الحجاج (ت 275هـ) ... 225 المزني: إسماعيل بن يحيى (ت 264هـ) ... 207 مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261هـ) ... 331 المشكاني: أبو طالب (ت 244هـ) ... 38 المطوعي: عمر بن علي (ت 440هـ) ... 299 المطيعي: محمد بن بخيت (ت 1354هـ) ... 287 المقري: محمد بن أحمد التلمساني (ت 758هـ) ... 216 موسى بن أبي الجارود أبو الوليد المكي ... 242 الميموني: أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران (ت 274هـ) ... 199 نافع: أبو عبد الله مولى عبد الله بن عمر (ت 117هـ) ... 326 النجاد: أبو علي الحسين بن عبد الله (ت 360هـ) ... 176 ابن النجار: أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد العزيز الحنبلي (تقي الدين) الفتوحي (ت 972هـ) ... 254 النخعي: أبو عمران إبراهيم بن يزيد (ت 96هـ) ... النسائي: بكر بن محمد ... 209 النمري: ابن عبد البر (ت 463هـ) ... 199 النووي: أبو زكريا يحيى بن شرف (ت 676هـ) ... 239 258

اسم العلم ... رقم الصفحة الهراسي: الكيا (ت 504هـ) ... 237 ابن الهمام: كمال الدين بن عبد الواحد السيواسي (ت 861هـ) ... 54 الهيتمي: ابن حجر (ت 973هـ) ... 252 أبو يعلى: الفراء (ت 458هـ) ... 31 أبو يعلى الصغير: محمد بن محمد (ت 560هـ) ... 174 أبو يوسف: يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (القاضي) (ت 182هـ) ... 27

§1/1