التحف والهدايا

الخالديان

كتاب التحف والهدايا لأبي البكر محمد وأبي عثمان سعيد ابني هاشم الخالديين فاتحة الكتاب

كتاب التحف والهدايا لأبي البكر محمد وأبي عثمان سعيد ابني هاشم الخالديين فاتحة الكتاب "إن هذان لساحران، يغربان بما يجلبان، ويبدعان فيما يصنعان" أبو منصور الثعالبي بسم الله الرحمن الرحيم خصك الله بتحف إحسانه، ومنحك من هدايا امتنانه، وأجزل من الخير قسمك، ووفّر من اليمن سهمك، وأطال للمجد بقاك، ولأهل الرجاء نعماك، في دولة تغض عيون الخطوب، ورتبة تخرس لسان العيوب، ولا زلت للأدب معقلاً، ولأهله موئلاً؛ يصبحهم تطولك، ويغبقهم تفضلك. ما امتد العصران، وترادف الملوان. وبعد، فإنك - أدام الله عزك - أمرتنا، لا زال أمرك نافذاً ونهيك مطاعاً: أن نختار لك بعض ما قيل في التحف والهدايا من النظم والنثر، وأن نتجنب ما لا معنى فيه، ولا فضيلة له، وأن نختصر ذلك، ونحذف فضوله، فبادرنا إلى ما أمرت، وسارعنا إلى ما رسمت، لنوفي الخدمة حقها، ونعطيها قسطها. والشعر - أدان الله عزك - في هذا المعنى كثير الضروب، متشعب الفنون، غير أنه قليل في أشعار المتقدمين، موجود في أقاويل المحدثين. ووجدنا - أيدك الله_ سائر ضروبه وجميع فنونه أحدد عشر ضرباً؛ فاخترنا من كل ضرب جيده وألغينا رديه. واقتصرنا من كل فن على روحه، واطرحنا جسمه، ليكون جميع ما ينضم إليه، وتشتمل أقطاره عليه من الشعر والأخبار، والنوادر والآثار، عيناً تبهج القلوب، ولا تمجها الآذان. ورغبنا عما يذكره مصنفو الكتب من تفضيلها وتقريظها لأن كتابنا يصف نفسه ويبين عن محله، ولأنه يزف من سمعك إلى بعل كفى، ويرد من معرفتك إلى بحر من لجى. ونرجو أن يقع من قبلك - أيدك الله - بحيث أملنا، ومن رأيك بحيث توخينا. ولله القوة و [به] المعونة. ذكر الأبواب التي نودعها الكتاب الباب الأول - في ذكر من أهدى هدية معها شعر. الباب الثاني - في ذكر من أهديت إليه هدية فشكر عنها بشعر. الباب الثالث - في ذكر من استدعى الهدية بشعر. الباب الرابع - في ذكر من استدعى الهدية بغير شعر. الباب الخامس - في ذكر شيء من أخبار الهدايا. الباب السادس - في ذكر من ذم ما أهدى إليه بنظم أو نثر. الباب السابع - في ذكر من أستهدى شيئاً فمنع منه أم مطل به فذمه واستبطأ بشعر. الباب الثامن - في ذكر من لم يقبل الهدية ترفعاً وردها تنزهاً. الباب التاسع - في ذكر شيء من أشعار من قصرت يده عن الهدية فاقتصر على الدعاء واعتمد على الثناء. الباب العاشر - في ذكر شيء من هدايا ملوك الأطراف [للسلطان] وكتبهم إليه. الباب الحادي عشر - في ذكر هدايا النوكى وتحف المتخلفين. الباب الأول في ذكر من أهدى هدية معها شعر حدثنا أحمد بن أبي خالد قال: أهدى الرقاشي إلى يزيد ابن مزيد سيفاً موصوفاً بالعتق والجودة وكتب معه: بعثت ما أنت به أولى ... إليك يابن الشرف الأعلى سيفاً رقيق الحد تعلو به ... هان العدى راحتك العليا أنت تراه مقة نعمة ... كما أراه بغضة بلوى وهو حرام قبل ذا أن يرى ... للعبد ما يصلح للمولى وقد أخذ هذا المعنى يعقوب التمار فقال، وقد أهدى إلى محمد بن عبد الله بن طاهر بازياً في يوم عيد: قل للأمير الذي يداه ... قد صيغتا من ردى وجود ما كان من حاجة الموالى ... فهو حرام على العبيد ومع رسولي إليك باز ... أبرش ذو مخلب حديد جعلته تحفة لعيد ... لاقاك بالطالع السعيد ومثل هذا ما حدثناه الصولي عن يزيد بن محمد المهلبي أن الحريري أهدى إلى المتوكل فرساً وكتب معه: يا أمين الله في الأر ... ض وللخلق إمام ملك ما يصلح للمو ... لى على العبد حرام ولدى عبدك من طو ... لك آلاء جسام وكميت اللون تحكى ... لون عطفيه المدام قلق العذر يغنى ... بين لحييه اللجام فإذا رام صهيلاً زمر الشيخ "زنام" فتطول بقبول الط ... رف منى والسلام وقريب من هذا ما يروى أن بعض من كان في جملة أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي أهدى إليه سيفاً وكتب معه: قد بعثنا إليك قدح المعالي ... ورسول الآمال والآجال وحرام على العبيد إذا ما ... ملكوا ما تخيرته الموالى

وما نعرف في هذا المعنى بعينه غير ما ذكرنا، وبيتاً آخر في أبيات نحن نثبتها في حبر حدثناه جحظة البرمكي قال: كان أوكد الأسباب في قتل عمي جعفر بن يحيى البرمكي وزوال النعمة عن أهله أبياتاً عملها بعض الشعراء لما بنى جعفر داره "بباب الشماسية" وألقاها في القصص، فوقعت في يد الرشيد وقد جلس للمظالم، فلما قرأها تغير وجهه، وأعاد النظر فيها مرات، ثم ختمها، ودفعها إلى بعض خدمه وأمره بحفظها، فكان يدعو بها في كل يوم، وينظر فيها ويعيد ختمها، ويدفعها إلى الخادم إلى أن أوقع بالبرامكة، ثم أظهر ما فيها، وكانت: قل لأمين الله في خلقه ... ومن إليه الحل والعقد هذا ابن يحيى جعفر قد غدا ... مثلك ما بينكما حد أمرك مردود إلى أمره ... وأمره ليس له رد ونحن نخشى أنه وارث ... ملكك إن غيبك اللحد وقد بنى الدار التي مالها ... شبه على الأرض ولا ند ما بنت الفرس نظيراً لها ... كلا ولا الروم ولا الهند وجدك المنصور لوحلها ... لما اطباه قصره "الخلد" الدر والياقوت حصباؤها ... وتربها العنبر والند ساواك في الملك فأبوابه ... آهلة يعمرها الوفد وما يباهي العبد أربابه ... إلا إذا ما بطر العبد البيت الأخير من هذه الأبيات معكوس قول الحريري: ملك ما يصلح للمو ... لى على العبد حرام وحدثنا أبو الفرج قدامة بن جعفر قال: أهدى الأخيطل الأهوازي إلى ابن حجر في يوم نوروز وردة، ويهماً، وديناراً، ودرهماً، وهذه الأبيات: قل لابن حجر ذي السماح الخضرم ... لا زلت كالورد نضير الميسم ونافذاً مثل نفاذ الأسهم ... في عز دينار، ونجح درهم وحدثنا جحظة قال: حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي قال: كان أبي قد ربى جارية من أكمل الجواري جمالاً وظرفاً وأدباً وصنعة، واتصل خبرها بالأمين، فتطلعت نفسه إليها، وخشي أن يكوم إبراهيم قد دنا منها، وعلم أبي بذلك فأنفذها إليه في عقب كلام جرى له معه، وعليها قميص وشى، مكتوب على ذيله بذهب: لا والذي تسجد الجباه له ... ما لي بما تحت ثوبها خبر ولا بفيها ولا همت به ... ما كان إلا الحديث والنظر فردها ولم يقبلها، فردها إليه ومعها عود من عود هندي، قلما نظرت إلى الأمين غنت: هتكت الضمير برد اللطف ... وكشفت هجرك لي فانكشف فإن كنت تحقد شيئاً مضى ... فهب للخلافة ما قد سلف فقبلها منه ورضى عنه. وحدثنا أبو النضر بن أسباط المصري: أهدى المريمي إلى أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون في يوم عيد مرآة وكتب معها: ولما أتى عيد عليك مبارك ... تقابل فيه طالع السعد لا النحس ولم أرض مدحي وحده لك تحفة ... وإن كان وشياً لا يدنس باللبس بعثت بأخت البدر والشمس والتي ... رأيت لها فضلاً على البدر والشمس بأحسن مرآة لأحسن طلعة ... غدت طينة للمجد في صورة الإنس مكشفة ستر العمى عم ذوى العمى ... ومنطقة في وصفها ألسن الخرس بحيرة نور موجها متدافعٌ ... وليس لها غير التألق من حس لها نور إفرند ورونق جوهر ... يكدره أدنى التنفس واللمس صفت واستوت بالماء والنار واكتست ... من اللين ثوباً وهي كامنة اليبس أتتك محلاة تزف كأنها ... عروس توافى بعلها ليلة العرس ولم أهدها إلا ونفسي تحبها ... ولكن نفسي آثرتك على نفسي وأهدينا إلى أبي الفوارس سلامة بن فهد منثوراً من بستان في دارنا، وقد تقدم وقته وكتبنا معه: يا بن فهد وأنت من ترانا ... في المعالي نرى له من ضريب زعم الزهر أنه كسجايا ... ك شبيه في حال حسن وطيب فأريناه أنه يكذب الدع ... وى فلم يلتفت إلى التكذيب فبعثنا به إليك لتلقا ... هـ بتصديق قولنا من قريب وحدثنا نصر بن أحمد الخبزأرزي البصري قال: أهديت إلى ابن يزداد وهو يتقلد البصرة فصاً حسناً وكتبت معه: أهديت ما لو أن أضعافه ... مطرح عندك ما بانا كمثل "بلقيس" التي لن يبن ... إهداؤها عند "سليمانا" هذا امتحان لك إن ترضه ... بان لنا أنك ترضانا

حدثنا القاضي التنوخي قال: أهدى إلي نصر بن أحمد الخبزأرزي سبحة سبج وكتب معها: بعثت يا بدر بني يعرب ... بسبحة من سبج معجب يقول من أبصرها طرفه: ... نعم عتاد الخائف المذنب لم تحظ إن فكرت في نظمها ... ولونها من حمة العقرب وأهدى بعض الشعراء إلى رجل جليل ثوباً طريفاً وكتب معه: هذي هدية واثق ... بمكانه منكم مدل يرنو لمقلة معظم ... لك عن هديته مجل والظرف كل الظرف من ... ك قبول ألطاف المقل وحدثنا جحظة قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن حمدون النديم عن أبيه قال: غزونا مع المأمون والمعتصم بلد الروم فأهدى إلينا محمد بن عبد الملك الزيات ونحن بالبذندون شراباً عتيقاً عراقياً وكتب معه هذه الأبيات: ما إن ترى مثلي فتىً ... أندى يداً وأعم جوداً أسقى الصديق ببلدة ... لم يرو فيها الماء عوداً صفراء صافية كأن ... على جوانبها العقودا فإن استقل بشكرها ... أوجبت بالشكر المزيدا خذها إليك كأنما ... كسيت زجاجتها فريدا فاجعل عليك بأن تقو ... م بشكرها أبداً عهوداً وأهدى علي بن العباس الرومي إلى بعض الرؤساء دواة سوداء محلاة بذهب وكتب إليه: قد بعثنا إليك أم المنايا ... والعطايا زنجية الأحساب قد تحلت بصفرة وكذا الزن ... ج تحلى شكلاً بصفر الثياب في حشاها بغير حرب حراب ... هن أمضى من مرهفات الحراب قال: وأهدى أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع نعلاً وكتب معها: نعل بعثت بها لتلبسها ... تمشى بها قدم إلى المجد لو كان يصلح أن أشركها ... خدي جعلت شراكها خدي حدثنا النوبختي قال: افتصد المتوكل فقال لخاصته وندمائه: أهدوا إلي يوم فصدى? فاحتفل كل واحد منهم في هديته، وأهدى إليه الفتح بن خاقان جارية لم ير الراؤون مثلها حسناً وظرفاً وكمالاً، فدخلت إليه ومعها جام ذهب في نهاية الحسن، ودن بلور لم ير مثله، فيه شراب يتجاوز الصفات، ورقعة فيها مكتوب: إذا خرج الإمام من الدواء ... وأعقب بالسلامة والشفاء فليس له دواء غير شرب ... بهذا الجام من هذا الطلاء وفض الخاتم المهدي إليه ... فهذا صالح بعد الرواء فاستطرف المتوكل ذلك واستحسنه، وكان بحضرته يوحنا بن ماسويه فقال له: "يا أمير المؤمنين، الفتح والله أطب مني فلا تخالف ما أشار به". وأهدى أبو البكر الصنوبري إلى بعض إخوانه شمعاً وكتب معه: يا أبا عمرو قد اختر ... ت فلم آل اختيارا وتأملت الهديا ... ت صغاراً وكبارا لم أجد شيئاً كشيء ... يجعل الليل نهارا فتأمل من قريب ... شجراً يحمل ناراً واكسها منك قبولاً ... تكس مهديها فخارا وحدثنا طاهر بن محمد الهاشمي الحلبي قال: أهدى الصنوبر إلى أبي شمعاً وكتب معه: وصفر من بنات النحل تكسي ... بواطنها وأظهرها عوار عذارى يفتضضن من الأعالي ... إذا افتضت من السفل الجواري وليست تنتج الأضواء حتى ... تلقح في ذوائبها بنار كواكب لسن عنك بآفلات ... إذا ما أشرقت شمس العقار بعثت بها إلى ملك كريم ... شريف الأصل محمود النجار فأهديت الضياء بها إلى من ... محاسنه تضيء لكل سار وحدثنا الصولي قال: أهدى ابن المعتز إلى القاسم بن عبيد الله دفتراً وكتب معه: فدونكه موشى نمنمته ... وحاكته الأنامل أي حوك بشكل يأخذ الحرف المخلى ... كأن سطوره أغصان شوك قال: وأهدى نطاحة الكاتب إلى بعض إخوانه دفتراً وكتب معه: خذه فقد سوغت منه مشبهاً ... بالروض أو بالبرد في تفويفه نظمت كما نظم السحاب سطوره ... وتأنق الوراق في تأليفه وشكلته ونقطته فأمنت من ... تصحيفه ونجوت من تحريفه بستان خط غير أن ثماره ... لا تجتنى إلا بشكل حروفه قال: وأهدى أبو الجهم أحمد بن سيف إلى بعض إخوانه يوم النوروز شمامة مطيبة وكتب معها: غاداك يوم وأي يوم ... قد حل فيه السرور عقده فتحفة الناس فيه شتى ... وهذه تحفة المودة لا زال حول يحث حولاً ... يفنى وتعطى البقاء بعده

حتى ترى ألف مهرجان ... تلبس من ثوبه أجده وألف يوم يكون فيه ... دين وهجر المدام رده وأهدى محمد بن هاشم الخالدي إلى عمرو بن اصطفن الكاتب مروحة طريفة، وكتب معها: أيا عمرو يا بن العلى والحسب ... ومن حل في المنصب المنتخب بعثت إليك أطال الإل ... هـ عمرك مات طال عمر الحقب بمروحة راحة للقلوب ... لها نسبان إذا تنتسب ففي سعف النخل نخل النبيط ... وفي خيزران غياض العرب عليها الحداد كمهجورة ... رمتها عشيقتها بالغضب منافعها أبداً جمة ... لمالكها غير قول كذب ترد التشارين في حمة ... من القيظ نيرانها تاتهب وتجعل ستراً إذا ما أرد ... ت سراً إلى صاحب في سبب وإن شئت كانت قضيب الأقاع ... فأدت إليك فنون الطرب وتصلح للضرب ضرب الدلال ... دلال الحبيب إذا ما عتب وتومى بها في عروض الكلام ... إذا ما احتبيت لنثر الخطب ومن بعد ذا كله فاسمك ال ... مبارك في ظهرها قد كتب وحدثنا جحظة قال: أهدت جارية ظريفة إلى فتى كانت تهواه تفاحة معضوضة مكتوب عليها بذهب: ليس هذا العض من عيب بها ... إنما ذاك رسول للقبل فلما صارت إليه كنت إليها: تفاحة جاءتك معضوضة ... قريبة العهد بكفيها أكرم بها تفاحة أشبهت ... حمرتها حمرة خديها وحدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد القمي الكاتب قال: أهدى أبو الغمر الطبري إل الحين بن زيد الراعي إلى الحق في يوم نوروز سهمين، ومعهما هذان البيتان: أهديت للداعي إلى الحق سه ... مي فتوح الغرب والشرق زجاهما النصر وريشاهما ... ريشا جناحي طائر السبق وحدثنا أيضلً قال: كان في ناحية كاتب للصفار شاعر ظريف؛ وكان الكاتب كريماً أديباً فأهدى إليه بعض أصحابه في يوم النوروز هدايا جليلة. وكان ذلك الشاعر مملقاً فطالبه بالهدية فذكر إملاقه، فقال له: "دع عنك هذا لا بد أن تهدى إلي شيئاً" قال: "أفعل". وانصرف فابتاع ورداً كثيراً أحمر وأهداه إليه وكتب معه: أتاك من النوروز يوم مبارك ... وعيد على الدنيا أعد لنا فخراً فأهديت فيه الورد غضاً كأنه ... خدود جواري الروم شاربة خمرا فباكر بها كأساً مداماً كأنما ... تدير يد الساقي به قمراً بدراً تزيل مقام الهم عن مستقره ... وتمنعه العتبى وتستعبد الدهرا فلما قرأ الأبيات استحسنها وأمر أن يصرف جميع ما أهدى إليه في النوروز إلى هذا الشاعر وكانت هدايا جليلة فوصلت كلها له. وحدثنا الصولي قال: أهدى محمد بن بشر إلى أحمد بن يوسف الكاتب قارورة فيها دهن الحماحم وكتب معها: هو دهن الحماحم الطيب النش ... ر كأرواحكم إذا كان صرفاً إن ظرفاً هديتي لك هذا ... وإذا ما قبلته ازددت ظرفاً فقبلها أحمد بن يوسف كتب إ ليه: قد أتانا دهن الحماحم صرفاُ ... مرحباً بالحمول ألفاً وألفاً دهنة لو تشمها جنح ليل ... قلت إلف مخاطر زار إلفاً وحدثنا أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي قال: أهدى أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب إلى علي بن عيسى في أيام وزارته أقلاماً، وكتب معها: عبدك أهدى إليك أقلاماً ... زنجية اللون ناسبت جاما وجئن طوعاً إليك من بلد ال ... كفر لكي يستعدن إسلاما حائرة في سبيل كل هدى ... تكون للحائرين أعلاما زارتك شوقاً إلى بنانك كي ... تحدث نقضاً لها وإبراماً فتخدم الملك حين تخدمها ... وسطى وسبابة وإبهاما معدة للخطوب إن دهمت ... تبرى فتبرى الأكف وإلهاما إذا تناولت للعدى قلما ... منها بذذت الليوث إقداما تبصره العين مفصحاً وتعيه ال ... أذن عند الكلام نمناما كأنه مبدياً عجائبه ... ليل يرى النائمين أحلاما كأن في صدره لمعمله ... رمحاً وفي الردف منه صمصاما وحدثنا أيضاً قال: أهدى إلي بعض إخوانه بغلة معها هذه الأبيات على طريق المجون لأنه يعرف بابن أبي البغل، فذكر أن البغلة من نسلهم، ويرمي الذي أهداها إليه أنه ينال منها وطراً، وكانت الأبيات: تخيرتها لك من نسلنا ... وكنت لها والياً كافيا

الباب الثاني في ذكر من أهديت إليه هدية فشكر عنها بشعر

فهنيتها راكباً في الملا ... ومتعت خلوتها خاليا لعلك ترزق منها فتى ... يكون لنما سيداً كاليا فيكسب أعمامه مفخراً ... وأخواله شرفاً عاليا حدثنا أبو سوادة الحاسب قال: حدثني عبد الرحمن بن أحمد الكاتب العبرناني قال: كنت أكتب لسليمان بن عبد الله بن يحيى بن معاذ فأتيت يوماً بمرماحوز فبعثت إليه منه شمامة في مكبة مختومة وكتبت معها: لم تر مسكاً قبله نابتاً ... ينفح من فرع ومن أصل يرى لكل البيت في جنبه ... مذلة الهجر مع الوصل من ذاك وكلت به خاتماً ... يمنعه من شمة الرسل وأهدى علي بن الجهم إلى بعض إخوانه كلباً وكتب معه: أوصيك خيراً به فإن له ... عندي يداً لا أزال أحمدها يدل ضيفي علي في غسق الل ... يل إذا النار نام موقدها وحدثنا أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب قال: أهدى أحمد بن يوسف الكاتب إلى المأمون، في يوم نوروز، هدية جليلة القدر، وكتب معها: على العبد حق فهو لا بد فاعله ... وإن عظم المولى وجلت فضائله ألم ترنا نهدي إلى الله ماله ... وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله ولو كان يهدي للمليك لقدره ... لقصر فضل المال عنه وباذله ولكننا نهدى إلى من نعزه ... وإن لم يكن في وسعنا ما يعادله وقال: وأهدى عبد الرحيم بن أحمد بن يزيد ين الفرج إلى عمه دواة وكتب معها: لم تر سوداء قبلها ملكت ... نواظر الخلق والقلوب معا كأنما الليل حاك رونقها ... فكان طباً بنسج ما صنعا لا الطول أزرى بها ولا قصر ... لكن أتت والبهاء مجتمعا تريك جنحاً من الظلام لها ... وبارقاً بائتلافها لمعا وحدثنا الخباز البلدي قال: أهديت إلى بعض العمال نبيذاً وكتبت معه: أستاذنا والذي نؤمله ... للدهر من كل ما يحاذره لهذا نبيذ رايته حسناً ... مستعذباً يرتضيه خابزه أحببت أن أوثر الرئيس به ... من دون نفسي ومن أعاشره وإن عذري في فرط قلته ... باطنه واضح وظاهره إذ كان هذا الذي بعثت به ... أول ما عندنا وآخره وأهدى بعض إخواننا إلى صديق له سكينا عليها طائر مذهب، وكتب معها ابياتاً منها: أوقد الصقل ماء إفرندها الجاري ... فجاءت كالنار ذات اشتعال جو نور لم تخله بدعة الصن ... عة من طائر بديع المثال عام في لؤلؤ ولكنه قد ... قام فيه مذهب السربال الباب الثاني في ذكر من أهديت إليه هدية فشكر عنها بشعر حدثنا الصداني قال: أهدى محمد بن علي القمى إلى البحتري غلاما فاشتغل به أياما عن حضور مجلسه، فكتب إليه محمد: هجرت كأن الوصل أعقب هجرة ... وما خلت وصلا قبلها أعقب الهجرا فأجاب البحتري: فتى مذحج عفوا فتى مذحج غفرا ... لمعتذر جاءت إساءته تترى أتاني قريض منك يحدوه نائل ... فأنطقني جودا وأفحمني شعرا وأكسبني شغلا عن الوصل شاغلا ... تعاتبني فيه وتعتده هجرا فإن كنت مشغوفا بقربي آنسا ... بشخصي فلم خولتني ذلك البدرا؟ وما هو إلا درة لم أجد لها ... سوى جودك الأمسى إذ برزت نحرا حملت عليه في سبيل فتوة ... هي الثغر خلف المجد بل تفضل الثغرا وجدت نداك اليوم ألطف موقعا ... ود كنت لي خلا فأصبحت لي صهرا قال وأهدى إليه عبد الله بن السحين بن سعد القطربلي نبيذا أصفر في إناء زجاج أزرق فكتب إليه البحتري شعرا منه هذه الأبيات: حبذا أنت من منمم بر ... يفرج الهم أو معظم رفد طرقتنا تلك اهدية والصه ... باء من خير ما تبرعت تهدي لبست زرقة الزجاج فجاءت ... ذهبا يستنير في لازورد قال: وأهدى إليه محمد بن علي القمي نبيذا مع غلام حسن الوجه، فجمشه البحتري، وكتب معه إلى صاحبه هذه الأبيات: أبا جعفر كان تجميشنا ... غلامك إحدى الهنات الدنية بعثت إلينا بشمس المدا ... م تضيء لنا مع شمس البرية فليت الهدية كانت رسولا ... وليت رسولك كان الهدية فوهب له الغلام لما قرأ الأبيات.

وحدثنا البرمكي عن أبي هفان قال: أهدى أحمد بن يوسف الكاتب إلى أبي الزرقاء الشاعر دابة، فكتب إليه أبو الزرقاء: أيها السيد الذي ... شرفته أرومه قد بعثت الجواد لي ... فعلى من قضيمه؟ فوقع على ظهر رقعته: "قضيمه على مهديه ما دام حيا فإن نفق أخلفنا عليك غيره". قال: واستهدى بعض الشعراء من صديق له يكنى أبا العباس خطرا فلم يسعفه بما طلب، فكتب على معن بن زائدة وهو يتقلد بلاد اليمن يطلب منه ذلك فأنفذ إليه جراب خطر وفيه ألف دينار، وكتب إليه أن اختضب بالخطر، وانتفع بنخالته، فقال: إذا ما أبو العباس ضن بخطره ... كتبنا إلى معن فأهدى لنا خطرا وأهدى دنانيرا وأهدى دراهما ... وأهدى لنا بزا وأهدى لنا عطرا فبلغ البيتان "معنا"، فوجه إليه ألف دينار ثانية وألف درهم وسفط بز وعتيد عطر. وحدثنا البرمكي عن أبي هفان قال: وعد عبد الصمد بن المعذل خالي مسلمة بن مهزم غلاما يهديه إليه ثم أهدى إليه جارية فكتب إليه: قد لعمري يا أبا القا ... سم ملحت الرسالة قلت لي: أرسل ظبيا ... ثم أرسلت غزالة قال: أهدى أبو القاسم التنوخي القاضي رضي الله عنه إلى طيلساناً فكتبت إليه: قد أتي الطيلسان مستوعبا شك ... ري في حسن منظر ورواء مثقلاً عاتقي وإن كان في الخف ... ة واللطف في قياس الهواء تسرح العين منه والقلب في الآ ... ل وفي الماء والسنا والبهاء يتلقى حر الصدود يبرد ال ... وصل والصيف في طباع الشتاء يخفق الدهر في النسيم كما يفخ ... فق قلب الجبان في الهيجاء كل جزء منه يمج إلى الأر ... واح روح المنى وبرد الوفاء ليس فيه للنار والأرض حظ ... هو من جوهري هواء وماء زاد في همتي ونفسي وتأمي ... لي علوا وزاد في كبريائي فكأني إذا تبخترت فيه ... قد تطيلست نصف بدر السماء قال: وأهدى الحسن بن وهب على أبي تمام غلاما جميلاً فكتب إليه: قد جاءنا الرشأ الذي أهديته ... خرقا ولو شئنا لقلنا المركب لدن البنان له لسان أعجم ... خرس معانيه ووجه معرب يرنو فيثلم في القلوب بطرفه ... ويعن للنظر الحرون فيصحب قد صرف الرانون خمرة خده ... وأظنها بالريق منه ستقطب وأهدى إليه ثياباً، فكتب إليه: قد كسانا من كسوة الصيف قرم ... مكتس من مكارم ومساع حلة ذات رونق ورداء ... كسحا القيض أو رداء الشجاع كالسراب الرقراق بالقفر إلا ... أنه ليس مثله في الخداع سابري يسترجف الريح متني ... هـ بأمر من الهبوب مطاع رجفانا كأنه الدهر منه ... كبد الصب أو حشا المرتاع لازماً ما يليه تحسبه جز ... ء من المتنين والأضلاع يطرد اليوم ذا الهجير ولو شب ... هـ في حره بيوم الوداع خلعة من أغر أروع رحب الصد ... ر رحب الفؤاد رحب الذراع سوف أكسوك ما يعفى عليها ... من ثناء كالبرد برد الصناع حسن هاتيك في العيون وهذا ... حسنه في القلوب والأسماع وأهدى بعض الرؤساء إلى صالح الديلمي ثيابا فكتب إليه صالح: كسوت من تملكه كسوة ... جاءت إلى ملكك من ملككا صنيعة أعطى نساجها ... أنموذج الرقة من وجهكا فهي من الحسن ترينا الذي ... يعرفه الزائر من بشركا طويلة في عرضها فضلة ... كأنما مرت على صدركا أظنها من قبل إهدائها ... مرغها الخازن في خلقكا فنشرها في وقت نشرى لها ... أذكى على الأنف من ندكا وأهدى الحسن بن وهب إلى أبي تمام فرسا رائعا، فكتب إليه أبو تمام شعرا يقول فيه: نعم متاع الدنيا حباك به ... أروع لا حيدر ولا جبس اصفر منها كأنه محة الب ... يضة صاف كأنه عجس هادية جذع من الأراك وما ... خلف الصلا منه صخرة جلس يكاد يجري الجادي من ماء عط ... فيه ويجني من متنه الورس ضمخ من لونه فجاء كأن ... قد كسفت في أديمه الشمس هذب في جنسه فنال المدى ... بنفسه فهو وحده جنس أحرز آباؤه الفضيلة مذ ... تفرست في عروقه الفرس

وهو إذا ما ناجاه فارسه ... يفهم عنه ما تفهم الإنس كل ثمين من التلاد له ... غير ثنائي فإنه بخس وأهدى إليه فرسا آخر فقال فيه شعرا، منه هذه الأبيات: ما مقرب يختال في أشطانه ... ملآن من صلف به وتلهوق حوافر حفر وصلب صلب ... وأشاعر شعر وخلق أخلق وبشعلة تبدو كأن فلولها ... في صهوتيه بدو شيب المفرق ذو أولق تحت العجاج وإنما ... من صحة إفراط ذاك الأولق تغري العيون به ويفلق شاعر ... في نعته عفوا وليس بمفلق صلتان يبسط إن ردى أو إن عدا ... في الأرض باعا منه ليس بضيق مسود شطر مثل ما اسود الدجى ... مبيض شطر كابيضاض المهرق قد سالت الأوضاح سيل قرارة ... فيه فمفترق عليه وملتق صافي الأديم كأنما ألبسته ... من سندس بردا ومن استبرق يرقى وما هو بالسليم ويغتدي ... دون السلاح سلاح أروع محلق في مطلب أو مهرب أو رغبة ... أو رهبة أو مركب أو فيلق أمطاكه "الحسن بن وهب" إنه ... داني ندى اليد من رجاء المملق وحدثنا أحمد بن جعفر البرمكي قال: أهدى سعيد بن حميد الكاتب إلى أبي هفان قارورة من ماء الورد الفارسي فكتب إليه أبو هفان: بعثتها حالية النحر ... بكرا وكل الخير في البكر ملفوفة في حلل هن من ... خضر ومن صفر ومن حمر تزر في الجيد ولكنها ... تجر أذيالا على الخصر بيضاء في زرقاء كالش ... مس إذ تطلعت من زرقة الفجر كجامد الياقوت أقطاره مملوءة ... مملوءة من ذائب الدر جادت لمن ركب جثمانها ... روحها سيدة الزهر ما حضرت والعطر في مجلس ... وإلا وكانت ربة العطر نابت عن الورد كما نبت عن ... أبيك في العز وفي القدر فعاد ذا منها إلى غصنه ... وقام ذا عنك من القبر إن أنت حييت بها مسكة ... فمثلها الأبيات في النشر ولم يضيع فارسي الندى ... في عربي الحمد والشكر وحدثنا طاهر بن محمد الهاشمي قال: كان أبو بكر الصنوبري صديقاً لوالدي كثير الإلمام به والسلام عليه، وكان والدي محباً له بارا به، وكنت وأنا غلام أميل إليه وأكتب شعره، فأهديت إليه يوما نبيذا ووردا فكتب إلي: أهدى إلي فأي حسن معجب ... أو معوز في غيره لم يهده الراح تضحك عن عتيق فرندها ... والورد يضحك عن حديث فرنده فكأن حمرة ورده من راحه ... وكأن نكهة راحه من ورده وكأن هذي تمترى من ريقه ... وكأن هذي تجتنى من خده وأهديت إليه نعلاً صفراء فكتب إلي: بخير الهدايا جدت يا خير منتم ... إلى خير باد في الأنام وحاضر بمحذوة حذو اللسان شبيهة ... أوائلها في حسنها بالأواخر مخالفة الوجهين قام خلافها ... مقام اتفاق عند أهل البصائر فأما الذي من فوقها وجه عاشق ... وأما الذي من تحتها وجه شاعر وحدثنا أبو منصور طلحة بن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال: أهديت إلي علي بن محمد المعروف بابن طباطبا العلوي الأصبهاني خاتما فصه عقيق حسن، فكتب إلي: جاءتك إبهامي وسبابتي ... تشكر ما أوليته خنصري فالتتا في قلم ناطق ... يفصح عن شكرهما المضمر أعانتا أختهما بالتي ... سطرتا لمدح من أسطر جزاء ما أوليتها بالذي ... قد زانها من رائق الجوهر ألبستها فص عقيق غدا ... يزهى على ياقوتها الأحمر قال: وأهدى أبو جعفر محمد بن حميد إلى البحتري فرساً، فكتب إليه البحتري يشكره، ويصف الفرس ويستهديه سرجا ولجاما بشعر يقول فيه: أما الجواد فقد بلونا يومه ... وكفى بيوم مخبرا عن عامه جارى الجياد فطار عن أوهامها ... سبقا وكاد يطير عن أوهامه جذلان تلطمه جوان غرة ... جاءت مجيء البدر تحت تمامه وأسود ثم صفت لعيني ناظر ... جنباته وأضاء في إظلامه مالت نواحي عرفه فكأنها ... عذبات أثل مال تحت حمامه ومقدم أذنين تحسب أنه ... بهما يرى الشخص الذي لأمامه يختال في استعراضه ويكب في اس ... تدباره ويشب في استقدامه

الباب الثالث في ذكر من استدعى الهدية بشعر

وإذا التقى الثفر القصير وراءه ... فالطول حظ عنانه وحزامه لانت معاطفه فخيل أنه ... للخيزران مناسب لعظامه في ضعلة كالشيب مر بمفرقي ... غز لها عن شبيه بغرامه ومردد بين القوافي يجتني ... ما شاء من ألف القريض ولامه وكأن صهلته إذا استعلى بها ... رعد يقعقع في ازدحام غمامه وكأن فارسه وراء قذاله ... ردف فليس تراه من قدامه لا شيء أجود منه غير فتىً غدا ... من جوده الأوفى ومن إنعامه وكأن كل عجيبة موصولة ... تتقسم اللحظات في أقسامه والطرف أجلب زائر لمؤونة ... ما لم يزرك بسرجه ولجامه حدثنا الأسباطي قال: أهدى بعض بني طولون إلى المريمي في يوم عيد هدية فيها دنانير جدد من ضرب السنة، فكتب إليه المرمي شعرا طويلا، يقول فيه: لم ترض نيلا جاء يسبق موعدا ... حتى وصلت النيل منك بموعد ورأيت في بر اللسان وإن حلا ... مذقا إذا لم تبله بر اليد فحبوتني بعيون وشي مونق ... معه حباء من عيون العسجد من كل ذي وجهين لم يقنع له ... في الحسن صانعه بوجه مفرد واشتق من لونين مشرق لونه ... من أصفر في أحمر متوقد لا روح فيه وما لذي روح غنى ... عنه ولا صبر إذا لم يوجد مولى لمكرمة وعبد مهيبة ... وترى له الأحرار مثل الأعبد قال: وامتدح عباس الخياط المصيصي علي بن عامر الحلبي، فدفع إليه ديناراً، فقال يشكره: أبا حسن أصبحت زين الأقارب ... ودينارك البراق زين المواهب رأته عيون الحاسدين فخلنه ... من الحسن في كفي إحدى الكواكب ليهنك منه أنك الرجل الذي ... نجوت به من أمهات عقارب وقال وامتدح أبا عثمان الأموي فدفع إليه دينارا، فقال: يا عمرو يا مكنى بعثمان ... أصبح دينارك ذا شان لما أتى في السبت صرنا به ... منك إلى معيار وزان فلم يطق وزانه وزنه ... حتى وزناه بقبان وفيه يقول أيضاً: دينارك الواثقي نحن به ... نجلو عن العين ظلمة الغسق إنك يا عمرو حين جدت به ... جاء على حاجة إلى الورق حاولت تحريكه فأعجزني ... ورمت تعييره فلم أطق حتى حملناه بين أربعة ... خشن إلى الصيرفي بالوهق قال: وأهدى ابن يزداد إلى أبي القاسم الخبزأرزي البصري ثيابا وطيبا، ودراهم، ودنانير في بعض الأعياد، فقال يشكره، ويذكر الدراهم والدنانير في شعر طويل: فأعطيتها تحكي أياديك في الورى ... بياضا وإن كانت أياديك أنصعا زواهر أوضاحا لها أريحية ... إذا خامرت خمر القلوب تشعشعا ومن بعدها قد نلت صفرا توقدت ... من السبك حتى صرن كالجمر لمعا إذا اختلطا كانا كنور وزهره ... زكا بهما غرس النجار فأينعا كأنهما بيض الوجوه تلألأت ... صفاء بتوريد الخدود مرصعا وأهدى إليه بعض إخوانه وردا في طن آس وكان ذلك في ابتداء الورد، فكتب إليه: أبدعت في كل المكارم سابقا ... حتى لقد أبدعت في إهدائكا أتحفتني بالورد قبل أوانه ... في قضب آس غضة كإخائكا فالورد عن نفحات عرضك مخبر ... والآس يخبر عن دوام وفائكا فاسلم ونشر الورد حسن ثنائكا ... واعمر وعهد الآس طول بقائكا الباب الثالث في ذكر من استدعى الهدية بشعر حدثنا علي بن العباس النوبختي قال: قال لي البحتري: رأيت عند أبي جعفر محمد بن حميد بن عبد الحميد غلاما أعجبني فعملت إليه شعرا أستهديه منه، وأشكو إليه غلمانا كانوا لي أحرارا، فأنفذه إلي، وسمع شعري جماعة من الرؤساء فأهدوا إلى عدة غلمان، والشعر طويل وأوله: أبكاء في الدار بعد الدار ... وسلوا بزينب عن نوار يقول فيه: قد مللناك يا غلام فغاد ... بسلام أو رائح أو سار سرقات مني خصوصا فإلا ... من صديق أو صاحب أو جار أنا من ياسر ويسر وفتح ... لست من عامر ولا عمار لا أحب الغلام يخرجه ال ... تم إلى الاحتجاج بالافتخار وإذا رعته بناحية السو ... ط على الذنب راعنى بالفرار هل بأرض العراق يا قوم حر ... يشتريني من خدمة الأحرار

أو جواد بأبيض من بنى الأصفر محض الجدود محض النجار لم ترم قومه السرايا ولم يغزهم غير جحفل جرار أو خميس كأنما طرقوا منه بليل أو صبحوا بنهار في زهاه "أبو سعيد" على آ ... ثار خيل قد حاجزته بثار يتلظى كأنه لصفوف السبى في جانبيه "ذو الأذعار" فحوته الرماح أغيد مجدو ... لا قصير الزنار وافى الإزار فوق ضعف الصغار إن وكل الأمر غليه ودون كيد الكبار لك من ثغره وخديه ما شئ ... ت من الأقحوان والجلنار أعجمي إلا عجالة لفظ ... عربي تفتح النوار وكأن الذكاء يبعث منه ... في ظلام الخطوب شعلة نار يا "أبا جعفر" وما أنت بالمد ... عو إلا لكل أمر كبار ولعمري للجود للناس بالنا ... س سواه بالثوب والدينار وعزيز إلا لديك بهذا الف ... خ أخذ الغلمان بالأشعار * * * وحدثنا الصولي قال: قال لي ابن المعتز: الذي حداني على قول الشعر, ورغبني فيه أنى رأيت البحتري يوماً ينشد الماضي -رضي الله عنه- شعرا افتن فيه برقة النسيب, وجودة المديح, ثم خرج من ذلك إلى استهداء خاتم ياقوت فأبدع, وأول الشعر: بودي لو يهوى العذول ويعشق ... فيعلم أسباب الهوى كيف تعلق والأبيات التي يستهدى بها الخاتم: فهل أنت يابن الراشدين مختمي ... بياقوتة تبهي على وتشرق! يغار احمرار الورد من حسن صبغها ... ويحكيه جادى الرحيق المعتق إذا برزت للشمس قلت تجارتا ... على أمد أو كادت الشمس تسبق إذا التهبت في اللحظ ضاهى ضياؤها ... جبينك عند الجود إذ يتألق علامة جود منك عندي مبينة ... وشاهد عدل لي بنعماك يصدق ومثلك أهداها وأضعاف مثلها ... ولا غرو للبحر انبرى يتدفق * * * وحدثنا قال: أهدى محمد بن على بن عيسى الأشعري القمي إلى البحتري فرسا رائعا, فكتب إليه البحتري شعرا يمدحه, ويذكر الفرس, ويصفه, ويستهديه سيفاً, وأول الشعر: أهلا بذلكم الخيال المقبل ... فعل الذي أهواه أم لم يفعل يقول فيه: وأغر في الزمن البهيم محجل ... قد رحت منه على أغر محجل كالهيكل المبنى إلا أنه ... في الحسن جاء كصورة في هيكل وافى الضلوع يشد عقد حزامه ... يوم الرهان على معم مخول يهوى كما هوت العقاب وقد رأت ... صيدا وينتصب انتصاب الأجدل تتوهم الجوزاء في أرساغه ... والبدر فوق جبينه المتهلل متوجس برقيقتين كأنما ... يريان من ورق عليه موصل ذنب كما سحب الرداء يذب عن ... عرف وعرف كالقناع المسبل جذلان ينفض عذرة في غرة ... يققٍ تسيل حجو لها في جندل صافى الأديم كأنما عنيت له ... بصفاء نقبته مداوس صقيل وكأنما نفضت عليه صبغها ... صبهاء "للبردان" أو"قطربل" وتخاله كُسِيَ الخدود نواعما ... مهما تواصلها بلحظ تخجل هزج الصهيل كأن في نغماته ... نبرات "معبد" في الثقيل الأول ملك العيون فإن بدا أعطينه ... نظر المحب إلى الحبيب المقبل نفسي فداؤك يا "محمد" من فتى ... يوفى على ظلم الخطوب فتنجلي قد جدت بالطرف الجواد فثنة ... لأخيك من أدد ابيك بمنصل يتناول الروح البعيد منالها ... عفوا ويفتح في الفضاء المقفل بإنارة في كل خطب مظلم ... وهداية في كل نفس مجهل ماض وإن لم تمضه يد فارس ... بطل ومصقول وإن لم يصقل يغشى الوغى فالترس ليس بجنة ... في حده والدرع ليس بمعقل مصغ على حكم الردى فإذا مضى ... لم يلتفت وإذا قضى لم يعدل متألق يبرى بأول ضربة ... ما أدركت ولوانها في "يذبل" وإذا أصاب فكل شيء مقتل ... وإذا أصيب فما له من مقتل وكأنما سود النمال وحمرها ... دبت بأيد في قراه وأرجل حملت حمائله القديمة بقلة ... من عهد عاد غضة لم تذبل * * * واستهدى أيضا من أبى جعفر محمد بن عبد الحميد فرسا وبغلا بقصيدة أولها: لم يبق في تلك الرسوم "بمنعج" ... إما سألت معرج لمعرج يقول فيها في المعنى الذي ذكرنا:

أزف الفراق فنحن سفر في غد ... بالبين من دعوى الترحل ننتجي وهو المسير إلى الخليج لنية ... لولا "ابن يوسف" لم نشط فنخلج فأعن على غزو العدو بمنطو ... أحشاؤه طى الكتاب المدرج إما بأشقر ساطع أغشى الوغى ... منه بمثل الكوكب المتأجج متسربل شية طلت أعطافه ... بدم فما تلقاه غير مضرج أو أدهم صافى السواد كأنه ... تحت الكمي مظهر بيرندج ضرم يهيج السوط من شؤبوبه ... هيج الجنائب من حريق العرفج خفيت مواقع وطئه فلو أنه ... يجرى برملة "عالج" لم لم يرهج أو أشهب يقق يضئ وراءه ... متن كمتن اللجة المترجرج تخفى الحجول ولو بلغن لبانه ... في أبيض متألق كالدملج أوفي بعرف أسود متغرببٍ ... فيما يليه وحافر فيروزجي أو أبلق يلقى العيون إذا بدا ... من كل لون معجب بنموذج جذلان تحسده الجياد إذا مشى ... عنقا بأحسن حلة لم تنسج وأقب نهد للصواهل شطره ... يوم الفخار وشطره للشحج لا ديزج يصف الرماد ولم أجد ... (حالا تحسن من رواء الديزج) وعريض أعلى المتن لو عليته ... بالزئبق المنهال لم يترجرح خاضت قوائمه الوثيق بناؤها ... أمواج تحنيب بهن مدرج ولأنت أبعد في السماحة همة ... من أن تضن بموكف أو مسرج * * * وقد حذا الصنوبري حذو البحتري في هذه المعاني, فقال يستهدي نعلا: متى تتدارك نعلى ألا ... فقد ذهبت أو بدت تذهب بسوداء ذات بريق تراه ... كالآل من فوقها يلعب وإلا فصفراء كالشمس حي ... ن يجللها ثوبها المذهب وإلا فبلقاء قد وشحت ... بنقش كما وشح المشجب وإلا فدكناء عرسية ... يشاكلها العنبر الأشهب وإلا فحمراء لون الشقي ... ق إن كان هذا فذا أغراب وإلا فصهباء ما إن يزا ... ل ينافسها السوسن الأصهب (ولو كنت أعرف خضراء قل ... ت كالماء دبجه الطحلب) ومما يزينها في العيو ... ن كما زين الفرس المركب شراك كخطافة رنقت ... تهم بشرب وما تشرب وإلا كحمرة رفرفت ... فلا هي تنأى ولا تقرب كأن عيون الدبى خرزها ... إذا ما بدا للدبى موكب له شمسة سال كيمختها ... كما انقض من حالق كوكب هي البكر يخطبها كفؤها ... كذا البكر أحسن ما يخطب أبوها يمان ولكنها ... إلى السند في زيها تنسب محذفة الوسط شابورة ... حكتها بآذانها الربرب وفي وسطها طرة قصها ... على طرة العود بل أعجب إذا أقبلت أدبرت حية ... وإن أدبرت أقبلت عقرب وذا النعت يعزب إلا علي ... ك فأما عليك فما يعزب * * * وعلى البحتري أيضا ومعانيه في القصيدة التي قدمنا عول المريمي, وقد استهدى تكة من ابن (عبد كان) كاتب أحمد بن طولون بقوله: ياسيدي ومؤملي ... إن خفت من عنت الليالي أشكو إليك مصيبتي ... في تكة كانت جمالي لعب البلى بجديدها ... فكأنها دمن بوالي ولديك منها عدة ... نخب من التكك الغوالي فابعث بإحداهن لي ... حمراء مثل دم الغزال أو جد بها صفراء مث ... ل الشمس في وقت الزوال أو لا, فبيضاء القم ... يص كأنها رقراق آل ومتى بعثت بها مور ... دة لعبدك لا يبالي والخضر لون أشتهي ... هـ وأرتضيه بكل حال ولئن أتت خمرية ... فقد اعتقدت بها وصالي أو فلتكن زرقاء تش ... به زرقة الماء الزلال وتجنب السوداء فه ... ى تعد في السقط الرذال والعيش في منقوشة ... كأكف ربات الحجال هبها وخذ حظي بها ... ألا تحل على حلال قال: فأهدى إليه من كل لون ذكره عشر تكك. * * * واستهدى البحتري من إبراهيم بن المدبر الكاتب غلاما روميا اسمه "ميخائيل" بشعر يقول فيه: وقد زعموا أن ليس يغتصب الفتى ... على عزمه إلا الهدية والسحر فإن كنت يوما لا محالة مهديا ... ففي المهرجان الوقت إذ فاتنا الفطر وإن تهد "ميخائيل" ترسل بتحفة ... تقضى بها العتبى ويغتفر الوزر

عزيز تراءته العيون كأنما ... أضاءلها في عقب داجية فجر ولو يبتدى في بضع عشرة ليلة ... من الشهر ما شك امرؤ أنه البدر إذا انصرفت يوما بعطفيه لفتة ... أو اعترضت من لحظه نظرة شذر رأيت هوى قلب بطيئا نزوعه ... وحاجة نفس ليس عن مثلها صبر ومثلك أعطى مثله لم يضق به ... ذراعا ولم يحرج له أوبه صدر تجاف لنا عنه فإنك واجد ... به ثمنا يغليه في مدحك الشعر * * * واستهدى أبو تمام من محمد بن مالك بن طوق فرسا بشعر يقول فيه: قالت ... وعى النساء كالخرس وقد يصبن الفصوص في الخلس: هل يرجعن غير خائب فرسا ... ذو سبب في ربيعة الفرس كأنني قد زرت ساحتها ... بمسمح في قياده سلس أحمر منها مثل السبيكة أو ... أحوى به كاللمى أو اللعس أو أدهم فيه كمتة أمم ... كأنه قطعة من الغلس فهو لدى الروع والجلائب ذو ... أعلى مندى وأسفل يبس يكثر أن يستحم في الحر والقر حميما يزيد في النجس * * * واستهدى أيضا من بعض آل المهلب بن أبى صفرة فروا بشعر يقول فيه: دنا سفر والدار تنأى وتصقب ... وينسى سراه من يعافى ويصحب وأيامنا خزر العيون عوابس ... إذا لم يخضها الحازم المتلبب ولا بد من فرو إذا اجتابه امرؤ ... بدا وهو شات في الصنابر أغلب يسرك بأسا وهو غر مغمر ... ويعتد للأيام حين يجرب تظل البلاد ترتمى بضريبها ... وتشمل من أقطارها وهو يجنب إذا البدن المقرور ألبسه غدا ... له راشح من تحته متصبب إذا اعتد ذنبا ثقله منكب امرئ ... يقول الحشا إحسانه حين يذنب يراه الشفيف المرثعن فينثنى ... حسيرا وتغشاه الصبا فتنكب إذا ما أساءت بالثياب فقولها ... له كلما لاقته أهل ومرحب إذا اليوم أمسى وهو غضبان لم يكن ... طويل مبالاة به حين حين يغضب كأن حواشيه العلى وخصوره ... وما انحط منه جمرة تتلهب فهل أنت مهديه بمثل شكيره ... من الشكر يعلو مصعدا ويصوب فأنت العليم الطب أي وصية ... بها كان أوصى في الثياب "المهلب" يريد بهذا البيت ما يروى أن المهلب بن أبي صفرة قال يوما لبنيه, وقد اجتمعوا عنده في أجمل اللباس, وأحسن الزي: "إن أحسن ما كانت ثيابكم غذ رآها الناس على غيركم". * * * وحدثنا على بن العباس النوبختي قال: استهدى على بن العباس الرومي من أبى العباس بن بشر المرثدي لوزينجا عن مولود رزقه بشعر طويل أوله: لا يخطئني منك لوزينج ... إذا بدا أعجب أو عجبا لم تغلق الشهوة أبوابها ... إلا أبت زلفاه أن بحجبا لو شاء أن يذهب في صخرة ... لسخر الطيب له مذهبا يدور بالنفخة في جامه ... دورا ترى الدهن له لولبا عاون فيه منظر مخبرا ... مستحسن ساعد مستعذبا مستكثف الخبز ولكنه ... ارق جلدا من نسيم الصبا كأنما قدت جلابيبه ... من أعين القطر إذا قببا يخال من رقة خرشائه ... شارك في الأجنحة الجندبا لو أنه صور من خبره ... أن يجعل لكان الواضح الأشنبا من كل بيضاء يحب الفتى ... أن يجعل الكف له مركبا ذيق له اللوز فلا مرة ... مرت على الذائق إلا أبى وانتقد السكر نقاده ... وشاوروا في نقده المذهبا فلا إذا العين رأته نبت ... ولا إذا الضرس علاه نبا * * * قال: واستهدى من بعض إخوانه بخوانه بخورا بشعر أوله: أبا على طلبت عيبك ما اسطعت فألفيت عيبك السرفا يا أحسن الوجه والشمائل والأخلاق والخلق حيث ما انصرفا عندي عليل أرد منته ... بطيب الطيب كلما ضعفا فابعث بشيء من البخور له ... كبعض معروفك الذي سلفا ولتك أنفاسه تشاكل ذك ... راك وحسبي بطيبها وكفى من ندك الفاضل المفضل في الند على غيره إذا وصفا ذاك الذي لو غدا يفاخره ... نسيم نور الرياض ما انتصفا ولا يكن دخنة المعزم للعفريت من شم ريحها رعفا لا تدخلن الجفاء في لطف ... فربما ألطف امرؤ فجفا

أطب وأقلل فإن أطبت وأكثرت نصيبي فيا له شرفا * * * واستهدى من أبى عبد الله محمد بن سليمان بن فهد غروسا من الزهر لبستان بشعر يقول فيه: قد تعرى بستاننا فاكس عار ... يه بنور يكسوه حلة نور نحن في كأبة به فاجلب الله ... وغلينا بجالبات السرور بغصون إذا تمايلن في الري ... ح عطفن القدود عطف الخصور ما تبدت إلا حكت ظفر العا ... شق في غفلة الرقيب الغيور وعرفنا في عرفها طيب أنفا ... سك ذات الذكاء والتعطير فهي تهدي إلى النفوس مع الأن ... فاس مسكا فتقته بعبير من نسيم تظل تحمله الري ... ح غلينا باكورة في الحجور الخلوقى كالخلوق وكافور ... ريها في الذكاء كالكافور مثل رقم الحرير أصفر في أح ... مر من فوق أخضر كالحرير طاب في ظلها مراضعة الخم ... ر وتنفيس وعكة المخمور قد بعثت المنظوم نحوكم مد ... حا فجودوا على بالمنثور * * * وأهدى بعض إخوان أبى على البصير غليه مرفقة قرمز من مرفقتين أهديتا إليه, فقال أبو على يستهدى الأخرى: مرفقة أعطيها فردة ... رمت لها أختا فلم يتفق يقول من أبصرها عندنا ... موضوعة: ما هي إلا سرق قالت ... وقد صدرت بيتي بها مقال موتور مغيظ حنق واستنكرت ما هو مستنكر ... من ضيعة القرمز بين الخرق وذكرت أختا لها عندكم ... كانت وإياها معا في نسق: تعسا لمن فرق ما بيننا ... ولم يكن في الحق أن نفترق فوجه إليه بالمرفقة الأخرى. * * * وحدثنا الأسباطي قال: استهدى المريمي من أبى الجيش خمارويه ابن أحمد بن طولون خمية بقصيدة طويلة يقول فيها: وقد عرضت إليك حويجة لي ... مصغرة وموقعها جليل مقدرة من الخيم اللواتي ... بها لطف وليس بها خمول حواليها السيول ولا عليها ... إذا أفضت على الخيم السيول ثناء يستهيل القطر فيه ... ولا يعفو كما تعفو الطلول إذا حلت من الأطناب خرب ... كما خر النزيف أو القتيل * * * قال أبو بكر المراغي الوراق: حدثنا اللبادي الشاعر أنه خرج من بعض مدن أذربيجان يريد أخرى وتحته مهر له رائع, وكانت السنة مجدبة, فضمه الطريق وغلاما حدثا على حمار له, قال: فحادثته فرأيته أديبا, راوية للشعر, خفيف الروح, حاضر الجواب, جيد الحجة, فسرنا بقية يومنا, وأمسينا أن يكون عنده شيء, فرفقت به على أن جاءني برغيفين, فأخذت واحدا, ودفعت إلى ذلك الغلام الآخر. وكان غمى على المهر أن يبيت بغير علف أعظم من غمى على نفسي. فسألت صاحب الخان عن الشعير فقال: ما أقدر منه على حبة واحدة. فقلت: فاطلب. وجعلت له جعيلة على ذلك. فمضى وجاءني بعد طويل, فقال: قد وجدت مكوكين عند رجل حلف بالطلاق أنه لا نقصهما من مائة درهم. فقلت: ما بعد الطلاق كلام. ودفعت إليه خمسين درهما, فجاءني بمكوك, فعلقته على دابتي. وجعلت أحادث الفتى, وحماره واقف بغير علف, فأطرق مليا, ثم قال: أتسمع -أيدك الله- أبياتا حضرت الساعة؟ قلت: هاتها, فأنشدني: يا سيدي شعري نفاية شعركا ... فلذاك نظمى لا يقوم بنثركا وقد انبسطت إليك في إنشادما ... هو بالحقيقة قطرة من بحركا آنستني وسررتني وبررتني ... وجعلت أمري من مقدم أمركا وأريد أذكر حاجة إن تقضها ... أك عبد مدحك ما حييت وشكركا أنا في ضيافتك العشية هاهنا ... فاجعل حماري في ضيافة مهركا فضحكت, واعتذرت غليه من إغفالي أمر حماره, وابتعت المكوك الآخر بخمسين درهما, ودفعته إليه. * * * حدثنا الصولي عن أبى العيناء قال: كتب الحسين بن الضحاك إلى أحمد يوسف الكاتب, ليلة الميلاد, يستهديه شمعا: سجاياك في طيب أعراقها ... تباهى النجوم بإشراقها وما للعفاة غياث سوا ... ك كانك ضامن أرزاقها وليلة ميلاد عيسى المس ... يح قد طالبتني بميثاقها فهذى قدوري على نارها ... وفاكهتي ملء أطباقها وبنت الدنان فقد أبرزت ... من الخدر تجلى لعشاقها وقد قامت السوق بالمسمعا ... ت وبالمطربات على ساقها

الباب الرابع في ذكر من استهدى هدية بغير شعر

فكن مهديا لي فدتك النفو ... س فجودك ممسك أرماقها نظائر صفرا غدت فتنة ... بلطفة أنامل حذاقها ومثل الأفاعي إذا ألهبت ... وللروم زرقة أحداقها ولم أر من قبلها أنفسا ... تذيب الجسوم بإحراقها وإن مرضت لم يكن برؤها ... بشيء سوى ضرب أعناقها الباب الرابع في ذكر من استهدى هدية بغير شعر حدثنا الأصبهاني قال: كتب رجل إلى محمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة، وكان كريما سخيا، يلقب "الفتى العسكر" يستهديه جارية رقعة فيها" "حفظك الله وحفظ النعمة عليك، إن بين كل أمر يطالبه الرجل وبين المطلوب إليه ذريعة يتوسل بها إلى معروفه، ولي بارتجائك درجة توجب قضى الحقوق. وحاجتي -أبقاك الله - ظريفة من الجواري لم تتداولها أيدي التجار، ولم تمتهنها خدمة الموالى؛ ولى فيها شريطة أعرضها عليك، وأذكرها لك، لترى رأيك فيها. وهي أنه كان يقال: إذا اتخذت جارية فاستجد شعرها؛ فإن الشعر أحد الوجهين؛ وتكون رائعة البياض تامة القوام، فإنه يقال: إن البياض والطول نصف الحسن. وأنا أقول: إنه الحسن كله، وتكون مليحة المضحك فإنه أول ما تسجلب به المرأة المودة وتعتقد الحظوة، وتكون جيداء العنق، غيداء الليث، كحلاء العين، لها طرف أدعج وحاجب أزج، موردة الخدين سهلتهما، واضحة الجبين، قنواء الأنف، حماء الشفتين، مفلجة الثنايا، نقية الثغر، مشرفة النحر؛ ولست أكره الانكسار في الثديين لأنه ليس للنهود عندي إلا لذة المنظر، وهي أيضا تحول بين المعانق وبين إرادته وليست من قول الشاعر: حال الوشاح على قضيب زانه ... رمان صدر ليس يقطف ناهد وأكره العجيزة الضخمة، ولا أحب الرسحاء بل أريدها وسطا، لأن "خير الأمور أوسطها". وتكون سبطة البنان فتلاء الساعد، ممتلئة الذراع، فخمة العضد، قباء البطن، نحيفة الخصر، يطويها الضجيع طي الحمالة؛ عبلة الفخذين، بردية الساقين، لطيفة القدمين. ولولا إفراط الغيرة لذكرت ما أحبه مما هو مستور إلا عند الحاجة إليه. وأريدها رخيمة الصوت، شهية النغمة، عذبة الألفاظ، بها غنة الحداثة، وبحة الاحتلام؛ أشجى حلقا من الغريض. وأنغم كلاما في الآذان من نغم "مخارق"، وأثبت حجة من "أبى الهذيل العلاف"، وأبين معنى من "النظام"، ظريفة المجون، حسنة الوقار إن أردتها دنت وإن كرهتها نأت، أطوع من الرداء وأذل من الحذاء. وقدرك - أيدك الله- يحتمل اقتراحي عليك، وشكري لك يستوجب ما سألته منك، وأنا بالإسعاف جدير، وأنت بالإفضال قمين؛ والسلام. فأجابه محمد بن منصور: "سألت أعزك الله عن هذه الصفة وطلبت هذا النعت فأعيتني في الدنيا، وما أراني أجدها في الآخرة وقد بعثت إليك ألف دينار لتلتمسها أنت، وتسأل إخوانك معاونتك على ذلك، فمتى وجدتها أو وجدها لك أحد دفعت الدنانير إليه عربون الدلالة وعرفتني مقدار الثمن حتى أنفذه إليك". قال: وكتب بعض أصحاب معن بن زائدة، وهو ببرذعة، متقلدا لها رقعة فيها: " إن رأى الأمير أن يأمر بحملاني، فإني بغير مركوب فعل إن شاء الله". فوقع معن على رقعته: "يدفع إليه حجر ومهر، وبغلة وبغل، وحمارة وعير، وناقة ونجيب، وبقرة وثور، وسفينة وقارب، وجارية وغلام، وخف ونقل. وما أعلم أنه أبقى شيء مما يركب إلا فيل وزندبيل؛ وأرجو أن أملكها وأحملك عليهما إن شاء الله". وحدثنا جحظة قال: كان جعفر بن عبد الواحد الهاشمي بخيلا موسرا، وكان ينزل سر من رأى وكان يستهدى في أيام الرطب من صديق له رطبا، فكان يوجه إليه في كل يوم سلة رطب، فكأنه ربما جاءته متشعثة، فيتهم الغلام أنه يأكل منها. فلما طال ذلك عليه قال للذي كان يهديها إليه: إن أردت تمام العارفة عندي، وأحببت أن تهنئني بما تهديه إلي فاختمها فقد اتهمت الغلام؛ فكان يختمها ويوجهها إليه، فساء ظنه أيضا بالغلام، فقال: إن أردت سروري وإزالة الفكر عن قلبي فصير ختمك إياها زنبورين حتى لا يتهيأ للغلام فيها ما يريد، ففعل ذلك. فكان إذا فتحها وطار الزنبوران منها علم حينئذ أنها ما فتحت، ولا أخذ الغلام منها شيئا. الباب الخامس في ذكر شيء من أخبار الهدايا

حدثنا الصولي عن يزيد بن محمد المهلبي قال: أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران في شبك إبريسم على مائة أتان شهب وحشية مرببة. فجاءت الهدية والمأمون عند الحرم فقيل له: قد وجه القاسم بن عيسى مائة حمل زعفران (على مائة حمار) فأحب المأمون أن ينظر إليها على حالها، وكره أن يكون من الحمير شيء لا يصلح للنساء، فسأل سؤال مستثبت عن الحمر أهي أتن أم ذكور؟ فقيل له: بل هي أتن وحشية مرببة، وليس فيها ذكر، فسر بذلك وقال: قد علمت أن الرجل أعقل من أن يوجه بها على غير أتن. وشبيه بهذا الخبر ما حدثناه جحظة قال: حدثني علي بن يحيى المنجم أن المتوكل كان يميل إلى جاريته "شجن" ميلا تماما، ويفضلها على سائر حظاياه، ويصفها لهن. فعاتبته على تفضيله إياها، وميله إليها وأثرته لها عليهن، فأقبل يصفها ويذكر أحوالها وتمام ظرفها وكمال مروءتها ثم قال: وهذا المهرجان قد قرب وقته، ولابد لكن من أن تهدين إلي فيه هدايا، وتهدى هي أيضا وننظر إلى هديتها وهداياكن، فتعلمن أن هديتها أطرف من هداياكن جميعا. فلما كان في يوم المهرجان أهدين هدايا نفيسة، واحتفلن في ذلك؛ وجاءت هدية "شجن" وهي عشرون غزالا مرببة بعشرين سرجا صينيا، على كل غزال خرج صغير من ذهب مشبك فيه المسك والعنبر وأنواع الطيب المرتفعة؛ مع كل غزال وصيفة بمنطقة من ذهب في رأسه جوهرة ياقوت أو زمرد أو غيرها من الجواهر الجليلة القدر، فقال المتوكل لحظاياه واستلمح ذلك؛ من كان يحسن منكن مثل هذا قال جحظة: فحدثني علي بن يحيى أنهن عملن في قتلها بشيء سقينها إياه فماتت. وحثنا محمد بن يحيى قال: حدثني يزيد بن محمد قال: كان موسى بن عيسى بن يزدانير من وجوه الكتاب وسرواتهم، وكان يكتب للفضل بن الربيع، فاتصل بالفضل أنه يهوى "عريب" المغنية، فقال له يوما: يا موسى بلغني أنك تهوى عريب هوى لا يهنيك معه مطعم ولا مشرب، وما نملكه فبين يديك، فإن كان لما بلغني حقيقة فعرفنيه حتى أبتاعها لك بما بلغت، ولو أتى ذلك على جميع ما أملك. واعلم أن هذه الحال ليست بناقصتك عندي، واحذر أن تكتمني فيتأدى إلي الخبر بصحة ما بلغني فأتنكر لك. فأنكر موسى ذلك، ودفعه، وحلف على بطلانه. فلما كان بعد ذلك بأيام تغدى الفضل، فقدم إليه في آخر الطعام لباء ظباء مع تمر من التمر السابري في طبق غضار صيني زمردي؛ فاستحسن الفضل ذلك. وكان يعرف كاتبه بالظرف، فقال: هذه هدية ظريفة تصلح لكاتبنا موسى. فدعا بطبق ومكبة، ووجه بذلك إلى موسى، فلما وضع بين يديه استحسنه وقال: لا أهدى إلى عريب شيئا أملح من هذا فوجه بالهدية على حالها (إليها) فلما نظرت إليها استطرفتها وقالت: لا أتحف الأمير- يعني الفضل - بأحسن من هذه الزلة فبعثت بها إليه، فدخلت داره كما خرجت منها لم تغير، فأمر بها، فعزلت. وحضر موسى بالعشي على رسمه فقال له الفضل: كيف رأيت تلك الهدية يا موسى؟ قال: حسنة، والله يا سيدي! قال: فأكلت منها؟ قال: نعم وأطعمت من في منزلي تشرفا. فقال له الفضل: يا فاسق أما زعمت أنك لا تحب عريب، هذه هديتنا إليك قد أتحفتنا بها عريب أما أنك لو كنت صدقتني عن مكانها من قلبك عند عرضي عليك ما عرضت من أمرها كنت قد ابتعتها لك بما بلغت، فأما الآن فلا. فقال موسى: ظلمتني يا سيدي إني لو أعلمتك أنى أهواها لوجب أن أسقط من عينك وتقل منزلتي عندك إذا أظهرت حبها، ولم أصبر على كتمانه؛ فقال الفضل: دع هذا عنك فقد خجلت، يا غلام أزل خجلة بعشرة آلاف دينار ينفقها على عريب؛ فدفعت إليه. وحدثنا أيضا قال: تقدم الواثق إلى إيتاخ - وكان على خزن الكسوة - أن يتخذ له حلتي وشي على صورة، ودفعتها إليه، وأمره بتعجيل ذلك في يوم ذكره له. فتقدم إيتاخ إلى كاتبه سليمان بن وهب فجد في اتخاذها حتى فرغ منهما وأتى بهما إلى الواثق، فرضيهما وأمر بقطعها له دراعة وقميصاً.

الباب السادس في ذكر من ذم ما أهدي إليه نظما أو نثرا

وعرض لسليمان شغل فسأل أخاه الحسن بن وهب النيابة عنه في ملازمة الخياطين وحثهم حتى يفرغوا. وكان الحسن يهوى "بنان" جارية محمد بن حماد كاتب راشد المعرى، فلما خلا بالثوبين قطع أحدهما قميصا لبنان؛ واستحث الخياطين في أمره حتى فرغوا منه، وأخذه وانصرف إلى منزله، وأحضر "بنان" فخلعه عليها، وجلس يشرب معها. واتصل الخبر بأخيه سليمان، فقامت القيامة عليه، وأيقن بالقتل، وأحضر الوشائين فطلب شكلا للثوب فلم يجده، فابتاع حلة دونه بستة آلاف دينار، وصدق إيتاخ الخبر. وألح الواثق في طلب القميص والدراعة وإيتاخ يدافعه إلى أن فرغ الخياطون من ذلك، فأحضرهما إياه؛ فلما لبسهما أنكر الحلة المبتاعة فسأل إيتاخ عن السبب، واستحلفه بحياته أن يصدقه فصدقه عن الخبر، فضحك حتى استلقى على فراشه. وأنفذ خدما لإحضار الحسن و"بنان" على الصورة التي هما عليها، فأحضرا فيوقته، فلما رآهما والقميص على بنان قال للحسن: ويحك؛ تأخذ ثوبا قد اخترته لنفسي فتقطعه للتي تحب عن غير أمري. قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: ولم؟ قال: لأنك الخليفة والدنيا كلها ملك يدك، وجميع أهلها رعيتك ولا يبعد عليك ما تطلب وأنا لا أقدر على مثله أبدا إلا أن تقطع حلة أخرى، ويستوى لي أن أتقلد أمرها فأسرقها. فضحك الواثق أكثر من ضحكه الأول وأمر له بمائة ألف درهم، ول"بنان" بثلاثين ألف درهم وصرفها. وكان في ناحية الحسان شاعر قد جفاه واطرحه، فقال في ذلك: أهدى إليها قميصاً ... سلها فيه غيره ففي السعادة حرها ... وفي الشقاوة تره وحدثنا جحظة في كتابة الملقب "بكتاب المشاهدة" قال: كان الحسن بن مخلد شحيحا على الطعام، سمحا بالأموال الجليلة القدر، فسمعت علي بن يحيى المنجم يقول: كان الحسن بن مخلط يعمل لجاريته "لاثم" في كل يوم من مائدته وسطا ويهديه إليها، فتظهر السرور بذلك فأغفله يوما فعاتبته على ذلك، فعمل لها وسطا من ذهب في جوفه جوهرة بعشرة آلاف دينار فأهداه إليها. قال: وكانت تسمى الوسط الذي يهديه إليها من المائدة في كل يوم "ما هناني". فقالت له عند إهدائه الوسط من الذهب: ليس هذا يا سيدي "ما هناني"؛ هذا ما أغناني. حدثنا أحمد بن أبي خال قال: خرج الفيض بن أبي صالح، وأحمد بن الجنيد وجماعة من وجوه الكتاب من دار المأمون منصرفين إلى منازلهم، وكان يوما مطيرا، فتقدم الفيض بن أبي صالح، وتلاه أحمد ابن الجنيد فنضح دابة الفيض على ثياب أحمد بن الجنيد برجله من ماء المطر فتأفف أحمد وقال (للفيض) هذه والله مسايرة بغيضة، وما أدرى أي حق أوجب لك التقدم علينا؟ فأمسك الفيض حتى صار إلى منزله، ثم دعا وكيله، فأمره بإحضار مائة تخت في كل قميص وسراويل ومبطنة وطيلسان ففعل ذلك. فقال له: احمل هذه التخوت على مائة حمال، وصر بها إلى أحمد بن الجنيد، وقل له: أوجب لنا التقدم عليك أن لنا مثل هذا نهديه إليك إذا أفسدنا ثيابك فإن أهديت لنا مثله إذا تقدمت علينا وأفسدت دابتك ثيابنا قدمناك. حدثنا الصولي قال: اختصم رجلان إلى قاض قد قدم أحدهما إليه هدية، فأراد القاضي أن يقضي عليه بحق وجب، فدنا منه فقال مسرا إليه: قد أهديت إلى القاضي شبابيط دجلية، وفراريج كسكرية، وحنطة بلدية، وجبنة دينورية، وشهدة رومية، فقال القاضي: قم! وصاح: ما هذا مما تسارني به، إذا كانت لك بينة بالرى انتظرناها وأخرنا الحكم وأجلناك. فقال: الغريم: إذا ما صب في القنديل زيت ... تحولت الحكومة للمقندل وعند قضاتنا حكم وعلم ... وبذر حين ترشوهم بسنبل وحدثنا جحظة عن حماد بن اسحق الموصلي عن أبيه قال: طهرت بعض ولدي فكتب إلى إبراهيم بن المهدي: "لولا أن البضاعة قصرت عن بلوغ الهمة لتقدمت السابقين إلى برك، وشأوت المتقدمين إلى إكرامك، وكرهت أن تطوى صحيفة البر وليس لي فيها ذكر فوجهت إليك المبتدأ بنفعه والمختوم ببركته وطيبه: جراب ملح وجراب أشنان" ثم جائتني هداياه بما تقصر الألسن عن نعته. الباب السادس في ذكر من ذم ما أهدي إليه نظما أو نثرا حدثنا الرجائي قال: حدثني صديق لي طريف أديب أنه وصف لجحظة ممقوراً كان عنده فاستهدى منه شيئا؛ قال: فوجهته كله إليه، فكتب إلي: يا بن روحي فدتك روحي من الأس ... واء إني بك الغداة عميد

قد أتانا الممقور لازلت كالمم ... قور في خله وفي الخل دود عملته العجوز حتى إذا ما ... جاد جادت به على من تريد زوجه طالق وبنت شرود ... وأمور منها يشيب الوليد قال: فلقيته وكنت له كالخادم، فقلت: من أنا ويحك حتى تهجوني؟ وأي شيء ذنبي إليك؟ فقال: سألتك ممقورا فوجهت إلي برفائد الفصد. وحدثنا علي بن اسحق الكاتب قال: أهدى ابن اليتيم الكاتب إلى البسامي دن شراب فلم يرضه وكتب إليه: أقبل الدن من بعيد فأيقن ... ابخفض ولذة وسرور ففتحناه مسرعين فألقي ... ناه خلا يعد للممقور قال: وأهدى إليه بعض إخوانه أقداحا وصفها له قبل إهدائها، وذكر أنها مخروطة في نهاية الحسن؛ فلما رآها لم تقع منه موقعا، فردها وكتب معها: قد دعتني إلى التنسك أقدا ... حك بعد المجون والإفراط هي مخروطة زعمت ولكن ... سقطت طاؤها من الخراط قال: وأهدى إليه صديق له قمريا غير فصيح، فكتب إليه: تعرضت مني للهجاء ولم يكن ... سوى الشكر والإحماد في كل مجلس وما الناس إلا من تكامل فيهم ... سماحة أخلاق وعفة أنفس فشأنك بالقمرى يا أهل مثله ... على صوته فأطرب وإياه فاحبس ولكن من حق العجوز وبرها ... بعثت إلى غضب اللسان بأخرس قال: وزار عبد الله -الذي كان أبو تمام يهواه - أبا تمام يوما ولم يكن عنده نبيذ، فأنفذ غلاما له إلى بعض إخوانه، يستهديه نبيذا بهذه الأبيات: جعلت فداك "عبد الله" عندي ... بعقب الهجر منه والبعاد له لُمةٌ من الكتاب بيض ... قضوا حق الزيارة والوداد واحسب يومهم أن لم تجدهم ... مصادف دعوة منهم جماد فكم بر من الصهباء سار ... وآخر منك بالمعروف غاد فهذا يستهل على ضميمي ... وهذا يستهل على تلادي دعوتهم عليك وكنت ممن ... يناديه إلى النوب الشداد فحبس غلامه وقتا طويلا ثم أنفذ نبيذا ردئيا فكتب إليه أبو تمام: قد عرفنا دلائل المنع أو ما ... يشبه اللوم باحتباس الرسول وافتضحنا عند الحبيب بما ص ... ح لديه من قبح وجه الشمول فاجأتنا كدراء لم تسب من تس ... نيم جريالها ولا السلسبيل من عقار لا ريحها نكهة المس ... ك ولا خدها بخد أسيل لا تهدى سبل العروق ولا تن ... ساب في مفصل بغير دليل وكأن الأنامل اعتصرتها ... بعد كد من ماء وجه البخيل وهي نزر لو أنها من دموع الص ... ب لم تشف منه حر الغليل احتسابا بذلتها أم تصدق ... ت بها رحمة على ابن سبيل كم مغطى قد اختبرنا جداه ... وعرفنا كثيره بالقليل وحدثنا أبو نجدة الأنماطي الموصلي قال: اعتل البحتري بالموصل فأشار عليه الطبيب بتجنب اللحم وأن يتغذى بمزورة وصفها له، فقال بعض رؤساء الموصل: لي طباخ يجيد صنعة هذه المزورة، وأنا أتقدم إليه باتخاذها في كل يوم، وتوجيهها إليك، فقال له: افعل. فلما جاءته لم يستطبها فكتب إلى الرجل: وجدت وعدك زورا في مزورة ... حلفت مجتهدا إحكام طاهيها فلا شفى الله من يرجو الشفاء بها ... ولا علت كف ملق كفه فيها فاحبس رسولك عنها أن يجيء بها ... فقد حبست رسولي عن تقاضيها وأهدى معمر السدوسي إلى أبي الخطاب البهدلي جملاً مهزولاً فكتب إليه أبو الخطاب: أهدى إلينا معمر خروفا ... كان زمانا عنده مكتوفا يعلفه الكستج والسفوفا ... والغارقون بعده مدوفا حتى إذا ما صار مستجيفا ... أهدى فأهدى قصبا ملفوفا عظما وجلدا فوقه وصوفا ... وكان من أفعاله موصوفا واستهدى ابن طباطبا من صديق له نبيذا في قرابة، فوجه إليه نبيذا ممزوجا فكتب إليه: كنت استمحتك في قرابة ماء ... "أبا الحسين" أم استهديت صهباء خطبت جارية سمراء قد جليت ... على زفت إلي اليوم بيضاء فرطت في ختم بر قد سمحت به ... قدبر اللص فيه أمس ما شاء وأهدى رجل إلى دعبل بن علي أضحية مهزولة فلم يرضها وكتب إليه: بعثت إلي بأضحية ... وكنت حريا بان تفعلا ولكنها خرجت غثة ... كأنك أعلفتها حرملا

الباب السابع في ذكر من استهدى شيئا فمنع منه أو مطل به فذم واستبطأ بشعر

فإن قبل الله قربانها ... فسبحان ربك ما أعدلا! الباب السابع في ذكر من استهدى شيئا فمنع منه أو مطل به فذم واستبطأ بشعر حدثنا أبو الفرج قدامة بن جعفر قال: حدثني أبي قال: أهدى أبو جعفر بن سطام إلى إبراهيم بن عيسى الزمن حمارا فلم يحمده، فكتب إلى أبي جعفر يذم الحمار ويعرض بأبي الصقر بن بلبل، وكان يعاديه: قل "لأبي جعفر" في عيركم ... خمس خلال من "أبي الصقر" مبلد يغمز من حقوه ... مع رقة الحافر والظهر فامنن لهذا العير يا سيدي ... بقوته للشهر والدهر فوقع: ليطلق له العلف في كل شهر. قال: فتأخر في بعض الشهور، وكان في شهر رمضان، فكتب إلى أبي جعفر: يا "أبا جعفر" بعيشك هل أب ... صرت عيرا يصوم شهر الصيام جاءني الصك للحمار ولكن ... لم أحصل سوى استماع الكلام فعلى حسب ذاك سوف أجازي ... ك وآتيك شاكرا في المنام فأمر أن يسلف لعشر سنين. واستهدى الحمدوي البصري من أحمد بن حرب طيلسانا لم يرضه، فعمل فيه شعرا كثيرا مشهورا عند الناس، نحن نذكر شيئا منه: يا بن حرب كسوتني طيلسانا ... مل من صحبة الزمان وصدا قد حسبنا نسج العناكب فيه ... قيس من نسج طيلسانك سدا إن تنحنحت فيه ينخر عشرا ... أو تنفست نحوه انقد قدا طال ترداده إلى الرفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدى ومن مشهور قوله فيه أيضا، وقد روى بعض هذه القطعة لعبد الصمد بن المعذل في خبر ليس ها هنا موضعه، وهي: طيلسان لو كان لفظا إذا ما ... شك خلق في أنه بهتان فهو كالطور إذ تجلى له الل ... هـ فهدت قواه والأركان يا بن حرب فكيف يبقى على البذ ... لة ثوب يذوب وهو يصان يا بن حرب لقد رفوناه حتى بقى الرفو وانقضى الطيلسان وفيه قوله أيضا: يا بن حرب إني أرى في زوايا ... بيتنا مثل ما كسوت جماعة طيلسان رفوته ورفوت الر ... فو منه وقد رقعت رقاعة فأطاع البلى فصار خليعا ... ليس يعطى الرفاء في الرفو طاعة فإذا سائل رآني فيه ... ظن أني فتى من أهل الصناعة واستهدى الحمدوي أيضا من سعيد بن أحمد البصري شاة فكانت غير مرضية، فأكثر في ذمها؛ فمن ذلك قوله: بشاة سعيد وهي روح بلا جسم ... تمثلت الأمثال في شدة السقم يقول لي الإخوان لما طبختها: ... أتطبخ شطرنجا عظاما بلا لحم فقلت: كلوا منها فقالوا تجمزا: ... أتطعمنا ناووس قوم من العجم فقلت لهم: كانت لديهم أسيرة ... ترى القت في أيدي العدو وفي الحلم وكم قد تغنت إذ تطاول جوعها، ولم تر عند القوم شيئا من الطعم ألا أيها الغضبان بالله ما جرمي ... إليك فقد بليت لحمى على عظمى شاة سعيد في أمرها عبر ... لما أتتنا قد مسها الضرر وهي تغنى لسوء حالتها ... حسبي ما قد لقيت يا عمر مرت بقطف خضر يشررها ... قوم فظنت بأنها خضر فأقبلت نحوها لتأكلها ... حتى إذا ما تبين الخبر وأبدلتها الظنون من طمع ... يأسا تغنت والدمع ينحدر كانوا بعيدا فكنت آملهم ... حتى إذا ما تقاربوا هجروا واستهدى ابن طباطبا من بعض الأمراء دابة، وكتب إليه بشعر يقول فيه: سأغدوا منه محمولا ... على أدهم هملاج بلون آبنوسي ... ووجه كسنا العاج وثيق خلقه لم يؤ ... ت من طي وإدماج قصير الظهر محبوك ... عظيم الردف رجراج كمنشور الميادين ... به سرعة إدراج ويسبى السمع منه عن ... د إلجام وإسراج صهيل في لجام عل ... كه إيقاع صناج له منه على إيقا ... هـ ألحان أهزاج عليه أبدا من صب ... غه سربالديباج أزح عني به اله ... م ولا تولع بإحراجي فلم أثتضك المرك ... ب إلا بعد إحواج فوعده ومطله أياما فكتب إليه: يا سيدي أيها الأمير أما ... تقضى لنا بحاجة رجوناها دابة الأرض تخرج من قب ... ل خروج التي طلبناها بشرت نفسي بما سمحت به ... وعدا فحقق لدى بشراها

الباب الثامن في ذكر من لم يقبل الهدية ترفعا وردها تنزها

عندي لك الشكر والثناء وإن ... أغريت نفسي بطول شكواها واستهدى دعبل بن علي دراعة من بعض الرؤساء، فلم يهدها إليه، وقال: "هذه الدراعة كانت لأبي، وما أسعف بها أحد، فقال دعبل: ما يتقضى عجبي ... ما عشت من مطلب سألته دراعة ... لباسها يجمل بي فقال لي: أكره أن ... تلبس من بعد أبي وقد رأى البرد ومن ... يلبسه بعد "النبي" حدثنا جحظة قال: كتب البسامي إلى ابن عمه محمد بن جعفر البسامي يستهديه برذونا كان عنده، فكتب يعتذر ولم يهده إليه، ثم بلغه أنه قال: "أنا أصون هذا البرذون عن ولدي، فكيف أهبه لغيري؟ " فقال البسامي: بخلت عني بحارن حطم ... لست تراني ما عشت أطلبه فلا تقل صنته، فما خلق الل ... هـ مصونا وأنت تركبه ثم استهداه بعد ذلك حمارا فلم يسعفه، فكتب إليه: بعثت لأستهديك عيرا فلم تجد ... ولم أدر أن العير صار لنا صهرا فوجه به كي نشترك في ركوبه ... فتركبه بطنا وأركبه ظهرا واستهدى البحتري من إسماعيل بن شهاب كاتب ابن أبي داؤاد برذونا كان عنده، فوعده إياه ومطله مدة، وكان للبحتري برذون أدهم فنفق في تلك الأيام، فكتب إليه: وعدت برذونا ورددتني ... إليك حتى مات برذوني وكان مصقول النواحي إذا ... رأيته مستغرب اللون لؤلؤة تضحك أرجاؤها ... تحسن في البذلة والصون منيتني الأشهب من بعد ما ... فجعتني بالأدهم الجون إن يكذب الميعاد تظلم وإن ... يصدق فبرذون ببرذون الباب الثامن في ذكر من لم يقبل الهدية ترفعا وردها تنزها حدثنا علي بن العباس الكاتب قال: كان أبو العباس السفاح يعرف عمارة بن حمزة مولاه بالكبر وعلو الهمة والقدر، وشدة التنزه؛ فجرى بينه وبين أم سلمة بنت يعقوب بن سلمة المخزومية زوجته يوما كلام، فاخرته فيه بأهلها، فقال لها أبو العباس: أنا أحضرك الساعة على غير أهبة مولى من موالى ليس في أهلك مثله. ثم أمر بإحضار عمارة بن حمزة على الحال التي يكون عليها فأتاه الرسول في الحضور؛ فاجتهد في تغيير زيه، فلم يدعه. وجاء به إلى أبي العباس وأم سلمة خلف الستر، وإذا عمارة في ثياب ممسكة، قد لط لحيته بالغالية حتى قامت واستتر شعره فقال: ما كنت أحب أن يراني أمير المؤمنين على هذه الحال. فرمى إليه بمدهن كان بين يديه فيه غالية، فقال: يا أمير المؤمنين، أترى لها في لحيتي موضعا؟. فوجهت إيه أم سلمة عقدا قيمته جليلة، فدفعه إليه الخادم فتركه بين يديه؛ وشكر أبا العابس، ونهض؛ فقالت أم سلمة لأبي العباس: إنما أنسيه. فقال للخادم: ألحقه به، وقل له هذا هدية أم سلمة إليك لم خلفته؟ فاتبعه الخادم وقال: هذا لك فلم تركته؟ فقال: ما هو لي فاردده. فلما عرفه أن أم سلمة أهدته إليه قال: إن كنت صادقا فقد وهبته لك. فانصرف الخام بالعقد، وعرف أبا العباس ما جرى، فقالت أم سلمة: اردد علي عقدي؛ فامتنع الخادم من رده عليها، وقال: قد وهبه لي الذي وهبته له؛ فلم تزل به إلى أن ابتاعته منه بعشرة آلاف دينار. قال محمد بن عبدوس: حدثني جعفر بن أحمد عن أشعث رجل كان يخلف العمال بالحضرة قال: كنت أكتب وأخلف أحمد بن محمد ابن مدبر، وهو يتولى مصر وأجناد الشام، فأنفذ إلي في عيد من الأعياد سفاتج بمائتي ألف دينار، وأنفذ معها ثلاثين سفطا من دق مصر وطائفها. وكتب إلي أن أصير بجميع ذلك إلى عبيد الله بن يحيى هدية له، فوصل إلي كتابه في عشية يوم التروية. فقصدت بابه ولقيت "سعدا" حاجبه، وسألته إيصالي إليه، فاعتل علي بضيق الوقت، فعرفته أن معي شيئا مهما: فاستأذن لي، ودخلت فوجدته خالي الوجه، فقال لي حين رآني: خير؛ قالت: خير - أعز الله الوزير - ودفعت إليه الكتاب، وأخرجت الإضبارة بالسفاتج وعملا بأسماء أهلها، ومبلغ المال، وعملا بالأسفاط. قال: فوقف على الجميع، ثم قال لي: والله، إن علي من الدين ما أحتاج معه إلى عشرة أمثال ما ذكرت، ولكني لا أحب الحمل على أبي الحسن بتغنم هذا المال منه.

الباب التاسع في ذكر شيء من أشعار من قصرت يده عن الهدية فاقتصر على الدعاء واعتمد على الشكر

وكتب إلى صاحب بيت المال في قبض مال السفاتج والاحتساب به حملا لأحمد بن محمد بن مدبر، ودعا بالأسفاط، فجعل يقلبها صنفا صنفا، ويستحسنها، ويرد شدها عليها، حتى مر به سفط سفاتج ومناديل صغار،؛ فتناول منها منديلا صغيرا، فجعله بين يديه، ودعا بغلام، فدفع الأسفاط إليه، وأمره أن يمضي بها، ويسلمها إلى خازن المتوكل؛ ويأمره بعرضها عليه وتعريفه أن عامل مصر حملها هدية للخليفة. وروى محمد بن جرير الطبري في كتاب "التاريخ" عن الفضل ابن إسحاق الهاشمي أن إبراهيم بن جبريل خرج مع الفضل بن يحيى البرمكي إلى خراسان، وهو كاره للخروج، فأحفظ الفضل ذلك عليه. قال إبراهيم: فدعاني يوما بعد أن أغفلني حينا، فدخلت إليه، فلما وقفت بين يديه، سلمت فما رد السلام، فقلت في نفسي هذا أول الشر، وكان مضجعا فاستوى جالساً، ثم قال لي: ليفرخ روعك يا إبراهيم، فإن قدرتي عليك منعتني منك، ثم عقد لي على سجستان. فلما حملت خراجها وهبه لي وزادني خمسمائة ألف درهم. وقال: ثم أنفذني إلى كابل فافتتحتها، وغنمت منها ما لا يوصف فما أخذ مني درهماً (واحداً) منه، ثم استعملني على شرطته. قال إبراهيم: فأحصيت مما صار إلي في الشرطة وغيرها مما كان إلي من الأعمال سبعة آلاف درهم. قال: فاجتمع له عندي من مال الخراج أربعة آلاف درهم. فلما قدمت بغداد، وبنيت داري، استزرته: وسألته أن يشرفني بدخول منزلي والتحرم بطعامي، وليرى أثر نعمته علي، فأجابني إلى ذلك فأعددت له الهدايا والطرف، وآنية الذهب والفضة، وجعلت الأربعة الآلاف ألف في ناحية من الدار فلما جاءني وجلس قدمت إليه ما أعددته له من الهدايا فأبى أن يقبل منها شيئا وقال لي: "لم آتك لأسلبك" فقلت: إنما هي نعمتك أيها الأمير، قال: ولك عندنا مزيد. فلم يأخذ من جميع تلك الهدايا إلا سوطا سجزيا. وقال: هذا من آلة الفرسان؛ فقلت له، وأومأت إلى المال: هذا مال الخراج فقال: هو لك! فأعدت عليه القول، فقال: أما لك بيت يسعه! وسوغه لي وانصرف. الباب التاسع في ذكر شيء من أشعار من قصرت يده عن الهدية فاقتصر على الدعاء واعتمد على الشكر والثناء حدثنا علي بن حيان الأهوازي قال: قال لي الحسن بن دعبل: وافى النوروز في بعض السنين وما عندي شيء أرتضيه هدية لمحمد بن واصل التميمي، فكتبت إليه: الجود يغرق في المنهل من ديمك ... والمجد مفتخر بالغر من شيمك أما ترى غرة النوروز مشرقة ... كأنها بعض ما تسديه من كرمك يوم جديد وعز أنت لابسه ... فافخر بمجدك إن الملك في ذممك تذل في عزك الأيام صاغرة ... وتغرق الراسيات الشم في همك الدهر طوعك، والدنيا بأجمعها ... في راحتيك، وأهل الأرض في نعمك هذي هدية عبد أنت ملبسه ... ثوب الغنى فاقبل الميسور من خدمك فلما قرأ الأبيات استخفه الطرب، وحركته الأريحية، فوقع تحت كل بيت منها ألف درهم، ودابة وخلعة، وأحضرني جميع ذلك، فأقمت يومي عنده، وانصرفت بما ذكرت. وحدثنا الإيذجي القاضي: أنه كتب إلى بعض الرؤساء في يوم مهرجان هذين البيتين: وافق المهرجان والعيد مني ... رقة الحال وهو داء الكرام فاقتصرنا على الدعاء وفيه ... عون صدق على قضاء الذمام فوقع على الرقعة: "هذا القول يستحسن من المساكين، وجوابه أن تقول: صنع الله لك". فلم تمض عليه إلا أيام يسيرة حتى اجتاحته جائحة من السلطان أتت على ماله، وألجأته إلى سؤال الناس. وحدثنا ابن أبي خالد قال: قال أبو علي البصير كتبت إلى الفتح ابن خاقان في يوم مهرجان: إني جعلت هديتي ... في المهرجان إليك شكري لما تعذر واجب ... فسح التعذر فيه عذري فإذا أجزت على اسم من ... وافت هديته ببر فأدر على اسمي دارة ... واكتب عليه طليح فقر فضحك وقال: وقعوا على اسمه مائتي دينار وخلعة. قال أبو هفان: كتبت إلى بعض إخواني في يوم النوروز: دخلت السوق أبتاع ... وأستطرف ما أهدي فما استطرفت للإهدا ... ء إلا طرف الحمد إذا نحن مدحناك ... قضينا حرمة المجد ونشر المدح في مثل ... ك أذكى من ثنا الند وكتب بعض الشعراء، وكان ممتحنا إلى رجل جليل في يوم نوروز:

الباب العاشر في ذكر شيء من هدايا ملوك الأطراف للسلطان ومكاتبتهم إياه

جعلت فداك للنوروز حق ... وأنت علي أعظم منه حقا ولو أهديت فيه جميع ملكي ... لكان جليله لك مستدقا فأهديت الثناء بنظم شعر ... وكنت لذاك مني مستحقا لأن هدية الألطاف تفنى ... وإن هدية الأشعار تبقى وحدثنا جحظة قال: دخلت على أبي الصقر بن بلبل، وهو وزير في يوم نوروز، فقال: أين هدية النوروز يا جحظة؟ فقلت: "في صدري أيد الله الوزير" قال: "أحب الهدايا هاتها"، فأنشدته: ب"أبي الصقر" علينا=نعم الله جليله ملك في عينه الدن ... يا لراجيه قليله فأمر لي بمائتي دينار، وخلع علي، وحملني. الباب العاشر في ذكر شيء من هدايا ملوك الأطراف للسلطان ومكاتبتهم إياه حدثنا أبو العباس أحمد بن أبي خالد عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي خالد وزير المأمون قال: كتب ملك الهند إلى المأمون مع هدية أهداها إليه: من رهمى ملك الهند، وعظيم أركان الشرق، وصاحب بيت الذهب وألوان الياقوت وفرش الدر. والذي قصره مبني من العود الذي يختم عليه، فيقبل الصورة قبول الشمع، والذي توجد رائحة قصره من عشرة فراسخ. والذي يسجد له إمام البد الذي وزنه ألف ألف مثقال من ذهب، وعليه مائة ألف حجر من الياقوت الأحمر والدر الأبيض. والذي ركب في السعادة في ألف موكب وألف راية مكللة بالدر، تحت كل راية فارس معلمين بالحرير والذهب. والذي في مربطه ألف فيل خزائمها أعنة الذهب. والذي يأكل في صحاف الذهب على موائد الدر، والذي في خزائنه ألف تاج وألف حلة جوهر لألف ملك من آبائه، والذي يستحى من الله أن يراه خائنا في رعيته إذا اختصه بالأمانة عليهم والرئاسة فيهم. إلى عبد الله ذي الشرف والرئاسة على أهل مملكته. أما بعد فإن الذي تقدم به ذكرنا، أيها الأخ، من الملك والشرف والثروة، فما خطر ما ترتحل به الأوقات وتتخرمه الساعات ذهابا وزوالا والخطر الذي يجب على المستودعين من الله فضيلة العقل والاعتداد به، والمكاثرة له. ولكنا جرينا على ما جرت به سنة الملوك قلبنا، ولم نجهل أن الله له الشرف الذي يفوت الألسن ذكره، فإن الابتداء بتمجيده من أفضل الاعتداد، ولكنا أجللناه عن الافتتاح بذكره إلا في مواقف المناجاة له عابدين. وأخبارك ترد علينا بفضيلة لك في العلم لم نجدها لغيرك، ونحن شركاؤك في المحبة والرغبة، وإن في أفئدتنا من ذلك ما لم نزل به لله بالفضل ذاكرين. وقد افتتحنا استهداءك بان وجهنا إليك كتابا ترجمته: "صفو الأذهان"؛ والتصفح له يسعد على صواب التسمية، وبعثنا إليك لطفا بقدر ما وقع منا موقع الاستحسان له، وإن كان دون قدرك. ونحن نسألك، أيها الأخ، أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذرا في التقصير. وكانت الهدية جام ياقوت أحمر فتحته شبر في غلط الإصبع مملوءا دار، وزن كل درة مثقال والعدد مائة؛ وفراشا من جلد حية تكون بوادي الديبراج، تبتلع القيل؛ ووشى جلدها دارات سود كالدراهم في أوساطها نقط بيض، لا يتخوف من جلس عليها السل، وإن كان به سل وجلس عليها سبعة أيام برئ؛ ومصليات ثلاثا بوسائدها من جلد طائر يقال له السمندل موشى إذا طرحت في النار لم تحترق فراوزها در؛ ومائة ألف مثقال عود هندي، يختم عليه فيقبل الصورة؛ وثلاثة آلاف منا من كافور محبب، كل حبة أكبر من اللوزة؛ وجارية طولها سبة أذ1رع تسحب شعرها لها أربعة ضفائر طل كل شفر من أشفارها إصبع، يبلغ إذا أطرقت نصف خدها، ناهد؛ لها ثماني عكن في نهاية الحسن والجمال ونقاء البياض. وكان الكتاب مكتوباً في لحاء شجرة تنبت بالهند يقال لها الكاذي لونه إلى الصفرة، والخط لازورد مفتح بذهب. فأجابه المأمون: من عبد الله "عبد الله" الإمام المأمون أمير المؤمنين الذي وهب الله له ولاية الشرف بابن عمه النبي المرسل صلى الله عليه وسلم وعلى ذكره التصديق بالكتاب المنزل. إلى ملك الهند وعظيم من تحت يده من أركان الشرق، سلام عليك فإني أحمد إليه الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله وعلى أهل بينه.

الباب الحادي عشر في ذكر هدايا النوكي وتحف المتخلفين

وصل كتابك فسررت لك بالنعمة التي ذكرت ووقع إتحافك إيانا الموقع الذي أملت من قبول ذلك؛ ولولا أن السنة لنا جارية بترك تقديم من لم يكن لنا على الشريعة مواليا ما تركنا ما يحسن من مبرتك بالتقديم والاعتذار فهذا أحد التقديمين، وأنت له منا أهل. وقد أهدينا إليك كتابا ترجمته "ديوان الأدب وبستان نوادر العقول" ومطالعتك ترجمته تحقق عندك فضيلة النعمة. وجعلنا لذلك عنوانا من الهدية وهو لطف استقللنا قدره لك؛ ولو كانت الملوك تتهادى على أقدارها لما اتسعت لذلك خزائنها؛ وإنما يجرى ذلك بينها على قدر تدل عليه النية بالتوطين - عن شاء الله تعالى - وكانت الهدية فرسا بفارسه وجميع آلاته من عقيق، ومائدة جزع فيها خطوط سود وحمر وخضر، على أرض بيضا، فتحتها ثلاثة أشبار وغلظها إصبعان، قوائمها ذهب؛ وخمسة أصناف كسوة بياض مصر، وخز السوس، ووشى اليمن، وملحم خراسان، والديباج الخسرواني وفرش قرمز (وفرش) سوسنجرد ومائة طنفسة حيرية بوسائدها. كل ذلك خز وفرش خز سوسي، مائة قطعة من كل صنف. وجام زجاج فرعوني فتحته شبر؛ في وسطه صورة أسد نبات، وأمامه رجل قد برك على ركبتيه، وفوق السهم في القوس نحو الأسد. وكانت المائدة والجام مما أخذ من خزائن بني أمية؛ وكان الكتاب في طومار ذي وجهين؛ وغلظ الخط إصبع. وحدثنا الوراق المراغي قال: كتبت برتا بنت الأوتاري ملكة فرنجة إلى المكتفي كتابا، ومعه هدايا شرحتها وكان الكتاب: - حفظك الله لسلطانه - أيها الملك الجيد العهد، القوي السلطان، من كل أعدائك، وثبت لك ملكك، وأدام سلامتك في بدنك ونفسك، منذ الآن إلى الأبد. أنا برتا بنت الأوتاري، الملكة على جميع ملك الفرنجيين، أقرأ يا سيدي عليك السلام. واعلم أنه جرت بيني وبين ملك إفريقية صداقة لأني لم أكن أتوهم أن ملكا يكون فوقه يملك الأرض إلى هذه الغاية. فإن مراكبي كانت خرجت فأخذت مراكب ملك إفريقية؛ وكان رئيسها خادما يقال له "علي" أسرته ومائة وخمسين رجلا كانوا معه، في ثلاثة مراكب؛ ووجدته عاقلا فهما، فأعلمني أنك ملك على جميع الملوك. وقد كان صار إلى مملكتي خلق كثير لم يصدقني منهم عنك إلا هذا الخادم الذي يحمل كتابي إليك. وقد بعثت معه هدايا مما في بلدي، جعلتها تكرمة لك واستجلابا لمودتك؛ وهي: خمسون سيفا، وخمسون ترسا، وخمسون رمحا فرنجية، وعشرون ثوبا منسوجة بالذهب؛ وعشرون خادما، وعشرون جارية، وعشرة أكلب كبار لا تطيقها السباع، وسبعة بزاة، وسبعة صقور، ومضرب حرير بجميع آلاته؛ وعشرون ثوبا معمولة من صوف تكون في صدف يخرج من البحر يتلون ألوانا في كل ساعة من ساعات النهار، وثلاثة أطيار تكون ببلاد فرنجة، إذا نظرت إلى الطعام والشراب المسموم صاحت صياحا منكرا، أو صفقت بأجنحتها حتى يعلم بذلك. وخرز تجتذب به النصول والأزجة بعد بناء اللحم عليها بغير وجع. وعرفني هذا الخادم أن بينك وبين ملك الروم المقيم بقسطنطينية صداقة. وأنا أوسع منه سلطانا وبلدا، وأكثر جنودا؛ لأن سلطاني على أربع وعشرين مملكة؛ كل مملكة لسانها مخالف للسان المملكة التي تليها؛ وفي مملكتي مدينة رومية العظمى. وأنا أسأل الله العون على مصادقتك والصلح بيننا ما أحببت. فإن الأمر في ذلك إليك. وقد حملت هذا الخادم سرا يقوله لك إذا رأى وجهك، وسمع كلامك، ليكون هذا السر بيننا لا أحب أن يقف عليه غيري وغيرك. وعليك أكبر سلام وعلى جميع من معك؛ وكتب الله عدوك، وجعله وطاء قدميك. والسلام. الباب الحادي عشر في ذكر هدايا النوكي وتحف المتخلفين حدثنا جحظة قال: كان ابن الكلبي الإخباري نهاية في التخلف والركاكة والنوك والبلادة؛ وكان عبيد الله بن يحيى بن خاقان يعنى به؛ فقلده الخبر بسر من رأى فكتب إلى المتوكل في بعض الأيام: اعلم، أمير المؤمنين، أطال الله بقاه أن امرأتي أم ولدي حسن -فديته - خرجت ومعها حبتها فلانة ابنة فلان إلى البستان الفلاني، وأن حبتها عربدت عليها، فضربت صدغها بقنينة نبيذ ففتحته فتحا عظيما. فصحف القارئ على المتوكل، فقال: صدعها (بالعين) ، فضحك المتوكل، وقال: ما بقى هذا غاية في الفضيحة. قال جحظة: ولما مات خلف ابنه "حسنا"، وكان يفضله في التخلف، ويوفى عليه في البلادة ويتقدمه في الحمارية، فحدثني بعض الكتاب، قال:

دعاني في يوم شديد الحر فأقعدني في خيش غير مبلول على فراش أرمني كثير التراب، وقدم لي فجلية حارة، وسقاني نبيذا تمريا، متغير الرائحة، شديد الحرارة، وكان نقلنا تمرا شهريزا وحبة الخضراء، ثم قال لي: أعلمت أن أبى - رحمه الله وقد فعل، وأبقى والدتي وأيدها - لما مات ندم الخليفة أشد ندامة؟ قلت: ولم أقتله؟ قال: لا، قلت: فمات في حبسه؟ قال: لا، قلت: أفكان صادره فلما أخذ ماله اغتم فمات؟ قال: لا قلت: فما معنى ندم الخليفة، وقد مات أبوك حتف أنفه؟ قال: لا أدري، ولكن كذا حدثني ستي أمه العزيزة - جعلني الله وإياك فداها -. قال: وبلغه أن عبيد الله بن سليمان ابتاع خادما أسود طباخا، فتوهم بركاكته أنه مزين، فكتب إلى عبيد الله رقعة فيها: أنا - أسعد الله الوزير - وإن لم أكن من العامة ولا الخاصة، فإنني أشفق على الوزير، وأحبه، وأراعي أموره، وأشتهي ما عاد بصلاح حاله، ولما اتصل بي خبر الخادم الذي اشتراه - عرف الله الوزير بركته وعضده بحياته - سررت سرورا شديدا حتى تجاوزت الحد، وخرجت عن الحق، وطاش عقلي في هدية تشاكله، فمن الله بها علي، وسهلها للوزير ببركتي عليه، وهي جونة كانت لمزين الشيخ - رضي الله عنه وأيد المزين فإنه باق - فاخترت من جملة ما فيها موسى ما مشى على رأس أحد بعد الشيخ، ويمشي على رأس الوزير بمشيئة الله تعالى، ومشطا ما اختلف في غير لحية الشيخ، ويختلف في لحية الوزير - أكرمه الله - ومناقشا ما نتف شارب أحد بعد الشيخ، وينتف شارب الوزير، ومحاجم ما وقعت على قفا أحد مذ مات الشيخ، وتقع على قاف الوزير - جعلت فداه - ومشراطا ما شق قفا أحد غير الشيخ ويشق قفا الوزير - بعون الله وقوته -. وجعلت هذه التحفة في منديل مختوم نقش خاتمه حسن بن الكلبي بالله لا يشرك. فرأى الوزير في قبول هذه الهدية الظريفة التي تشبه وتليق به موفق - إن شاء الله تعالى-. فلما وصلت الرقعة والهدية إلى عبيد الله، ووقف على الجميع استطير غضبا، وأمر بإحضار رسوله ليعاقبه، فلما دخل إليه، وعلم ما يراد به، قال: أيد الله الوزير، لا تظلمني بالعقوبة، فإني ألقى من جهل هذا الرجل وقلة عقله ونوكه، في كل يوم أضعاف هذا. فصدقه جميع من كان في المجلس ولم يعاقبه، وتقدم بإخراج الخادم من داره، فقيل له: إنه نهاية في صنعة الطعام، فقال: والله لا أكلت من طعام طباخ ظن به أنه حجام. وحدثنا أحمد بن جعفر قال: كان إسحاق بن أيوب التغلبي يحب بدعة جارية عريب المغنية حبا يتجاوز فيه حب المجنون ليلى وعروة لعفراء وبذل في ثمنها مالا جليلا، لا نعلم أن مثله بذل في ثم جارية بوجه ولا سب، فامتنعت مولاتها من بيعها. فلما يئس من ذلك كان يهدى إليها الهدايا النفيسة إلا انه ربما أهدى إليها شيئا يستجهله الناس، ويستركون عقله. من ذلك أنه أهدى إليها وهو مقيم بديار ربيعة مكبة ذهب في منديل مختوم، وفي المكبة نصف وسط ذكر أنه استطابه فتنغص لهابه، فما وصل إليها حتى تغير فلم يكن للكلب فيه مستمتع. ومن ذلك أيضا أنه أهدى إليها هدية جليلة فيها غلام من أحسن الغلمان قدا ووجها قد راهق أو قارب ذلك، فاستجهله كل من عرف الخبر، واتصل بالبسامي ذلك فقال: عجب الناس من جهالة إسحا ... ق وفعل أتاه غير جميل حين أهدى إلى الغزالة ظبيا ... ذا قوام لدن وخد أسيل وفم مشرق الثنايا وألحا ... ظ مراض خلال طرف كحيل أتراها تعف عنه إذا ما ... خلوا للعناق والتقبيل وكأني بذيل "بدعة" قد صا ... ر طريقا للقرطق المحلول قلت: لا تعجبوا فإن له ذع_را صحيح القيا غير عليل بعدت دارها، وقام عليه ... فاشتهى أن سكها برسول وحدثنا أبو القاسم علي بن أحمد الأصبهاني قال: كان عندنا بأصبهان رجل حسن النعمة، واسع النفس، كامل المروءة، يقال له: سماك بن النعمان وكان يهوى جارية مغنية من أهل أصبهان، لها قدر ومعنى تعرف "بأم عمرو" فلإفراط حبه إياها وصبابته بها، وهب لها عدة من ضياعه، وكتب عليه ذلك كتبا، وحمل الكتب إليها على بغل؛ فشاع الخبر بذلك، وتحدث الناس به واستعظموه.

وكان بأصبهان رجل متخلف بين الركاكة، يهوى مغنية أخرى، فلما اتصل به ذلك ظن بجهله وقلة عقله أن "سماكا" إنما أهدى إلى "أم عمرو" جلودا بيضاء لا كتابة فيها، وأن هذا من الهدايا التي تستحسن ويجل موقعها عند من تهدى إليه، فابتاع جلودا كثيرة، وحملها على بغلين لتكون هديته ضعف هدية "سماك"، وأنفذها إلى التي يحب. فلما وصلت الجلود إليها، ووقفت على الخبر فيها تغيظت عليه، وكتبت إليه رقعة تشتمه فيها، وتحلف أنها لا كلمته أبدا، وسألت بعض الشعراء أن يعمل أبياتا في هذا المعنى لتودعها الرقعة، ففعل، وكانت الأبيات: لا عاد طوعك من عصاكا ... وحرمت من وصل مناكا فلقد فضحت العاشقي ... ن بقبح ما فعلت يداكا أرأيت من يهدى الجلو ... د إلى عشيقته سواكا وأظن انك رمت أن ... تحكى بفعلك ذا "سماكا" ذاك الذي أهدى الضيا ... ع "لأم عمرو" والصكاكا فبعثت منتنة كأن ... ك قد مسحت بهن فاكا من لي بقربك يا رقي ... ع ولست أهوى أن أراكا لكن لعلي أن أقط ... ع ما بعثت على قفاكا وحدثنا الصولي قال: كتب بعض عمال "الحجاج" إليه: أما بعد، فقد وجهت إلى الأمير ثوب خز أحمر أحمر أحمر؛ فأجابه "الحجاج": قد وصل الثوب فانصرف معزولا، فإنك أحمق أحمق أحمق!. وحدثنا ابن أبي خالد عن حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: غنى أبي يوما الرشيد بهذا الشعر: تخيرت من نعمان عود أراكة ... "لهند" فمن هذا يبلغه "هندا" وناولتها المسواك والقلب خائف ... وقلت ألا يا "هند" أهلكتنا وجدا فقال الرشيد: قبح الله هذا عاشقا يهدي لعشيقته مسواكا ثم يمن به عليها. فقال الأصمعي - وكان حاضرا -: غنها يا أمير المؤمنين قد أنكرت ما أنكرت، فقالت في ذلك شعرا قال: أو تعرف الشعر؟ قال: نعم! وأنشده: فمدت يدا في حسن دل تناولا ... إليه وقالت: لم أخل مثل ذا يهدى فقال الرشيد صدقت والله، انشدني بقية الشعر، فأنشده: خليلي مرا بارك الله فيكما ... وإن لم تكن "هند" لأرضكما قصدا وقولا لها: ليس الطريق أجازنا ... ولكننا جئنا لنلقاكم عمدا غدا يكثر الباكون منا ومنكم ... وتزداد داري من دياركم بعدا فإن شئت حرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم لذيذا ولا بردا فقال الرشيد: أحسن محا بهذا ما سلف من هدية المسواك. وأجاز الأصمعي. وحدثنا أبو عبد الله الأسود المصري قال: كان عندنا بالفسطاط شويعر ربما أصاب المعنى باللفظ المهجن، فاتصل به أن عند صديق له مغنية يهواها يقال لها "زادمهر" فأهدى إليه وردا ونبيذا وكتب إليه: شراب مشبه بول الغزال ... وورد مثل أسرام البغال بعثتها لتشرب ذا على ذا ... بأكمل غبطة وأسر حال وقد خبرت عندك "زادمهر" ... تجاوب بالجفاف وبالثقال فأنت من النسا إن لم سكها ... ضروب السك وهي من الرجال ومن النوكي الذين أجابوا من أهدى إليهم عند هديتهم بشعر: "عبدون" أخو "صاعد بن مخلد" أهدى إليه ابن منارة في يوم مهرجان كمثرى ورمانا، فأحضر بعض كتابه، وقال له: أجب الرجل عن هديته قال: وبماذا أجيبه؟ فقال: بشعر تقوله فيه. قال: ما أحسن أقول الشعر، ولا تعاطيت قوله قط، فاغتاظ عليه غيظا شديدا. وقال: قم لعنك الله، وأنت كاتبي، وما تحفظ التسع الطوال، ولا قصيدة حفص بن معدى كرم التي يقول فيها: أما ترى الشمس حلت الجملا (بالجيم) ولا غيرها من أشعار الشعراء، ثم قدم الدواة وكان يظن أنه شاعر فكتب: قد أتتنا هديتانك ... يا خليلي في يوم مهرجانك وأكلنا من كمثراك ورمانك ... فأنت جايخاني وأنا جايخانك وأنفذ الرقعة إلى صاحب الهدية. قال: وأهدت امرأة من بعض مياسير البصرة إلى حبتها سراويل فاستقبح ذلك سائر النساء الظراف، وقلن: سلفت بها. فقال في ذلك بعض الشعراء: يا ويح من شانت الظرفا ... وغلطت غلطة جزافا أهدت سراويلها لبيسا ... مرقها قد شتى وصافا إلى التي ساحقت زمانا ... فلم تجد عندها خلافا فقال كل الظراف قولا ... يوسعه كلنا اعترافا: نقسم بالبيت والمصلى ... ومن سعى فيهما وطاف

ذيل الكتاب أخبار التحف والهدايا

لينتجن الطلاق هذا ... لمن رجا العرس والزفافا فقلت: ما سلفت ولكن ... أهدت لشق أسها غلافا وقال أيضا في ذلك: ظريفة أهدت إلى ... حبتها من القلق رزيمة ملفوفة ... فيها سريويل خلق فيه لمن قلبه ... خطوط حيض وعرق قد لبسته زمنا ... حتى تهرى وانسحق وكان قد صابرها ... فيه صديق فانفتق فقال من أبصره: أفا وتفا وبصق فلطمت حبتها ... ونفت من الحنق وأقسمت ب (قل هو الل ... هـ) يمينا، والفلق لا ساحقتها أبدا ... فيه ولو قيل: احترق ولا أرتها وجهها ... إلا على ظهر الطرق فأصبحت حقتها ... مفتوحة بلا طبق ذيل الكتاب أخبار التحف والهدايا في كتب التاريخ والأدب (مرتبة حسب وفيات مؤلفيها) 1- عيون الأخبار -لابن قتيبة (المتوفي سنة 276 هـ) مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة 1348 هـ_ 1930 م. الهدايا قال: حدثنا يزيد بن عمرو قال: حدثنا عمير بن عمران قال: حدثنا الحارث بن عتبة عن العلاء بن كثير عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تصافحوا فإن المصافحة تذهب غل الصدور, وتهادوا فإن الهدية تذهب بالسخيمة) . وحدثني أبو الخطاب قال: حدثنا بشر بن النفضل عن يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أهديت لي ذراع لقبلت, ولو دعيت لي كراع لأجبت) . وفي حديث آخر: (تهادوا تحابوا فإن الهدية تفتح الباب المصمت وتسل سخيمة القلب) . قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله عن الأصمعي قال: سمعت نافعا يحدث قال: كان ابن عمر يقول: "الهدايا من أمراء الفتنة. " وروى الزبير بن بكار عن عمه قال: كان الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة يجلس وعمر بن عبيد الله بن صفوان, ما يكادان يفترقان, وكان عمرو يبعث إلى الحارث في كل يوم بقربة من ألبان إبله, فاختلف ما بينهما فأتى عمرو أهله (فقال) : لا تبعثوا للحارث باللبن فإنا لا نأمن أن يرده علينا, وانقلب الحارث إلى أهله فقال: هل أتاكم اللبن؟ قالوا: لا, فلما راح الحارث بعمرو قال: يا هذا لا تجمعن علينا الهجر وحبس اللبن, فقال: أما إذا قلت هذا فلا يحملها إليك غيري, فحملها من ردم بنى جمح إلى أجياد * * * وبعث النضر بن الحارث إلى صديق له يسكن عبادان بنعلين مخصوفتين وكتب غليه: بعثت غليك بهما وأنا أعلم أن بك عنهما غنى, ولكني أحببت أن تعلم أنك منى على ذكر. وقال بعض الشعراء: إن الهدية حلوة ... كالسحر تجلب القلوبا تدنى البغيض من الهوى ... حتى تصيره قريبا وتعيد مضطغن العدا ... وة بعد نفرته حبيبا أهدى رجل إلى صديق له عبدا أسود, فكتب إليه: أما بعد, فلو علمت عددا أقل من واحد أو لونا شرا من الأسود لبعثت به إلى. وهذا نظير قول الآخر وقد سئل كم لك من الولد؟ قال: خبيث قليل, قيل: وكيف؟ فقال: لا أقل من واحد ولا أخبث من بنت. * * * أهدى رجل إلى بعض الأمراء هدية, فكتب إليه الأمير: قد قبلتها بالموقع ورددتها بالإبقاء. وكان ابن عباس يقول: من أهديت إليه هدية وعنده قوم شركاؤه فيها, فأهدى غليه صديق ثيابا من ثياب مصر وعنده أقوام فأمر برفعها, فقال له رجل: ألم تخبرنا أن من أهديت غليه هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها! فقال: إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب ويشم, فأما في ثياب مصر فلا. * * * وقال خلف الأحمر: أتاني أخ من غيبة كان غابها ... وكنت إذا ما غاب أنشده ركبا فجاء بمعروف كثير فدسه ... كما دس راعى السوء في حضنه الوطبا فقلت له هل جئتني بهدية ... فقال بنفسي قلت أتحف بها الكلبا هي النفس لا أرثى لها (من) بلية ... ولا أتمنى أن رأيت لها قرابا أهدى رجل إلى صديق له وكتب غليه: الأنس سهل سبيل الملاطفة فأهديت هدية من لا يحتشم, على من لا يغتنم. * * *

وحدثنا أحمد بن الخليل قال: حدثنا أبو سلمة عن حبابة بنت عجلان عن أمها أم حفص عن صفية بنت جرير عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما جزاء الغنى من الفقير؟ قال: (النصيحة والدعاء) قلت: يكره رد اللطف؟ قال: (ما أقبحه, لو أهديت على ذراع لقبلت, ولو دعيت على كراع لأجبت, تهادوا فإنه يضعف الحب ويذهب بغوائل القلوب) . * * * وحدثني محمد بن سلام الجمحي قال حدثني خلاد بن يزيد الباهلي قال: أهديت ليزيد بن عمر بن هبيرة في يوم المهرجان هدايا وهو أمير العراق فصفت بين يديه, فقال خلف بن خليفة وكان حاضرا: كأن شماميس في بيعة ... تسبح في بعض عيداتها وقد حضرت رسل المهرجا ... ن وصفوا كريم هدياتها علوت برأسي فوق الرءوس ... فأشخصته فوق هاماتها لأكسب صاحبتي صحفة ... تغيظ بها جاراتها فأمر له بجام من ذهب, ثم أقبل يفرق بين جلسائه تلك الهدايا, وينشد: لا تبخلن بدنيا وهى مقبلة ... فليس ينقصها التبذير والسرف فإن تولت فأحرى أن تجود بها ... فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف * * * كتب رجل من أصحاب السلطان على بعض العمال يستهديه مهارة من ناحية عمله. فكتب إليه العامل: أما المهارة فإن أهل عملنا يصونونها صيانة الأعراض, ويسترونها ستر الحرم, ويسومون بها مهور العقائل, وأنا مستخلص لك منها ما يكون زين المربط وحملان الصديق, إن شاء الله. وقال بعضهم: الهدية إذا كانت من الصغير إلى الكبير, فكلما لطفت ودقت كان أبهى لها, وإذا كانت من الكبير على الصغير, فكلما عظمت وجلت كان أوقع لها وأنجع. وكتب أبو السمط: بدولة جعفر حسن الزمان ... لنا بك كل يوم مهرجان ليوم المهرجان بك اختيال ... وإشراق ونور يستبان جعلت هديتى لك فيه وشيا ... وخير الوشى ما نسج اللسان * * * أهدى حسام بن مصك نعلا رقيقة, فجعل قتادة يزنها بيده, وقال: إنك تعرف سخف عقل الرجل في سخف هديته. وقال الشاعر: سقى حجاجنا نوء الثراي ... على ما كان من بخل ومطل هم جمعوا النعال وأحرزوها ... وسدوا دونها بابا بقفل إن أهد نفسي فهي من ملكه ... أو أهد مالي فهو من ماله * * * لما قدم معاوية المدينة منصرفاً عن مكة, بعث على الحسن والحسين وعبد الله ابن جعفر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن صفوان بن أمية بهدايا من كسى وطيب وصلات من المال, ثم لرسله: ليحفظ كل رجل منكم ما يرى ويسمع من الرد. فلما خرج الرسل من عنده, قال لمن حضر: إن شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم, قالوا: أخبرنا يا أمير المؤمنين, قال أما الحسن فلعله ينيل نساءه شيئا من الطيب وينهب ما بقي من حضره ولا ينتظر غائبا. وأما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفين, فإن بقى شيء نحر به الجزر وسقى به اللبن. وأما عبد الله بن جعفر فيقول: يا بديح اقض به ديني, فإن بقى شيء فأنفذ به على عداتي. وأما عبد الله بن عمر فيبدأ بفقراء بني عدي بن كعب, فإن بقى شيء ادخره لنفسه ومان به عياله. وأما عبد الله بن الزبير فيأتيه رسولي وهو يسبح فلا يلتفت غليه ثم يعاوده الرسول فيقول لبعض كفاته خذوا من: رسول معاوية ما بعث به. وصله الله وجزاه خيرا, لا يلتفت غليها وهى أعظم في عينه من أحد, ثم ينصرف على أهله فيعرضها على عينه ويقول: ارفعوا, لعلى أن أعود بها على ابن هند يوما ما. وأما عبد الله بن صفوان فيقول: قليل من كثير, وما كل رجل من قريش وصل إليه هكذا, ردوا عليه, فإن رد قبلناها. فرجع رسله من عندهم بنحوها مما قال معاوية, فقال معاوية: أنا ابن هند! أعلم من قريش. * * * قال يونس بن عبيد: أتيت ابن سيرين فدعوت الجارية, فسمعته يقول: قولوا له: إني نائم -يريد: سأنام-, فقلت: معي خبيص, فقال مكانك حتى أخرج إليك. قال رجل لبى الدرداء: إن فلانا يقرئك السلام, فقال: هدية حسنة ومحمل خفيف. وبعث رجل إلى جارية يقال لها "راح" براح وكتب إليها: قل لمن يملك الملو ... ك وإن كان قد ملك قد شربناك فاشربي ... وبعثنا إليك بك أهدى رجل إلى عبيد بن الأخطل شاة مهزولة, فكتب إليه عبيد: وهبت لنا يا أخا منقر ... وعجل وأكرمها أولا

عجوزا أضر بها دهرها ... وأنزلها الذل دار البلى سلوحا حسبت بأن الرعاء ... سقوها الغريقون والحنظلا وأجدب من ثور زراعة ... أصاب على جوعه سنبلا فإن أهديت فاكهة وجديا ... وعشر دجائج بعثوا بنعل ومسواكين طولهما ذراع ... وعشر من ردىء المقل حسل فإن أهديت ذاك ليحملوني ... على نعل فدق الله رجلي أناس تائهون لهم رواء ... تغيم سماؤهم من غير وبل إذا انتسبوا ففرع من قريش ... ولكن الفعال فعال عكل * * * كتب رجل إلى صديق له: لولا أن البضاعة قصرت بي عن بلوغ الهمة لأتعبت المسابقين على برك. وكرهت أن تطوى صفيحة البر, وليس لي فيها ذكر, فبعثت إليك بالمبتدأ بيمنه وبركته والمختوم بطيبه ورائحته: جراب ملح, وجراب أشنان * * * أهدى الطائي على الحسن بن وهب قلما وكتب إليه: قد بعثنا إليك أكرمك الل ... هـ بشيء فكن له ذا قبول لا تقسه على ندى كفك الغم ... ر ولا نيلك الكثير الجزيل واغتفر قلة الهدية منى ... إن جهد المقل غير قليل وبعث أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع بنعل وكتب معها: نعل بعثت بها لتلبسها ... تسعى بها قدم إلى المجد لو كان يمكن أن أشركها ... جلدي جعلت شراكها خدي وقال بعض الشعراء في نحو ذلك: أو ما رأيت الورد أتحفنا به ... إتحاف من خطر الصديق بباله لو كان يهدى لامرئ ما لا يرى ... يهدى لعظم فراقه وزياله لرددت تحفته عليه وإن علت ... عن ذاك واستهديت بعض خصاله وقال المهدي: تفاحة من عند تفاحة ... جاءت فماذا صنعت بالفؤاد والله ما أدرى أأبصرتها ... يقظان أم أبصرتها في الرقاد * * * قال: وكتب بعض العمال إلى صديق له: إني تصفحت أحوال الأتباع الذين يجب عليهم الهدايا على السادة في مثل هذا اليوم والتأسي بهم في الإهداء, وإن قصرت الحال عن قدرك, فرأيتني إن أهديت نفسي فهي ملك لك لا حظ فيها لغيرك ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدت أكثرها منك, فكنت إن أهديت شيئا منه كالمهدي مالك إليك ومنفق نفقتك عليك, وفزعت على مودتي وشكري فوجدتها خالصين لك قديمين غير مستحدثين: ورأيت إن أنا جعلتهما هديتي لم أجدد لهذا اليوم الجديد برا ولا لطفا. ولم اقس منزلة من شكري بمنزلة من نعمتك إلا كان الشكر مقصرا عن الحق, وكانت النعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة, ولم أسلك سبيلا ألتمس بها برا أعتد به أو لطفا أتوصل إليه, إلا وجدت رضاك قد سبقني غليه فجعلت الاعتراف بالتقصير عن حقك هدية إليك, وقد قلت في ذلك: وأزهد من جيفة لم تدع ... لها الشمس من مفصل مفصلا فأهوت يميني إلى جنبها ... فخلت حراقيفها جندلا وأهوت يساري لعرقوبها ... فخلت عراقيبها مغزلا فقلت أبيع فلا مشربا ... تؤدى إلى ولا مأكلا أم اجعل من جلدها حنبلا ... فأقذر بجنبلها حنبلا إذا هي مرت على مجلس ... من العجب كبر أو هللا رأوا آية خلفها سائق ... يحث وان هرولت هرولا فكنت أمرت بها ضخمة ... بشحم ولحم قد استكملا ولكن روحا عدا طوره ... وما كنت أحسب أن يفعلا فعض الذي خانني حاجتي ... ناست أمه تطرها الأعرلا فلولا مكانك خضبتها ... وعلقت في جيدها جلجلا فجاءت لكيما ترى حالها ... فتعلم أنى بها مبتلى سألتك لحما لصبياننا ... فقد زدتني فيهم عيلا فخذها وأنت بها محسن ... وما زلت بي محسنا مجملا ? ? ? وبعث رجل إلى دعبل بأضحية, فكتب إليه: بعثت إلى بأضحية ... وكنت حريا بأن تفعلا ولكنها خرجت غثة ... كأنك أرعيتها حرملا فإن قبل الله قربانها ... فسبحان ربك ما أعدلا قيل لرجل قدم من مكة: كيف أثمان النعال بمكة؟ قال: أثمان الجداء بالعراق. وقال مسلم بن الوليد: جزى الله من أهدى الترنج تحية ... ومن بما يهوى عليه وعجلا أتتنا هدايا منه أشبهن ريحه ... وأشبه في الحسن الغزال المكحلا ولو أنه أهدى إلى وصاله ... لكان إلى قلبي ألذ وأوصلا ? ? ? وكتب رجل إلى صديق له شرب دواء:

باب ذكر الأشياء التي يتطير الظرفاء من إهدائها

تأنق في الهدية كل قوم ... غليك غداة شربك للدواء فلما أن هممت به مدلا ... لموضع حرمتي بك والإخاء رأيت كثير ما أهدى قليلا ... لعبك فاقتصرت على الدعاء وكتب رجل إلى صديق له: وجدت المودة منقطعة ما كانت الحشمة عليها متسلطة, وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة, ولا تقع المؤانسة إلا بالبر والملاطفة. ? ? ? حدثني زيد بن أخزم عن عبد الله بن داود قال: سمعت سفيان الثوري يقول: إذا أردت أن تتزوج فأهد للأم. والعرب تقول: من صانع لم يحتشم من كلب الحاجة. قال ميمون بن ميمون: إذا كانت حاجتك على كاتب فليكن رسولك الطمع. وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة. وقال رؤبة: لما رأيت الشفعاء بلدوا ... وسألوا أميرهم فانكدوا نامستهم برشوة فأفردوا ... وسهل الله بها ما شددوا 2- الشعر والشعراء -لابن قتيبة الدينوري (المتوفي 276 هـ) طبعة الشيخ أحمد محمد شاكر- بمصر 1369 هـ. وكان أبو العتاهية أتى أحمد بن يوسف الكاتب, فحجب عنه, فقال: متى يظفر الغادي إليك بحاجة ... ونصفك محجوب ونصفك نائم وبعث على بعض الملوك بنعل, وكتب إليه: نعل بعثت بها لتلبسها ... تسعى بها قدم إلى المجد لو كان يحسن أن أشركها ... خدي جعلت شراكها خدي ? ? ? وقال في الهدية: جزى الله من أهدى الترنج تحية ... ومن بما يهوى عليه وعجلا أتتنا هدايا منه أشبهن ريحه ... وأشبه في الحسن الغزال المكحلا ولو أنه أهدى على وصاله ... لكان إلى قلبي ألذ وأفضلا 3- الموشى -لأبى الطيب محمد بن إسحاق بن يحيى الوشاء (المتوفي سنة 325 هـ) طبعة ليدن 1302هـ- 1886 م باب ذكر الأشياء التي يتطير الظرفاء من إهدائها فأما الأترج فإن باطنه خلاف ظاهره, وهو حسن الظاهر, حامض الباطن, طيب الرائحة, مختلف الطعم, ولذلك يقول فيه الشاعر: أهدى له أحبابه أترجة ... فبكى وأشفق من عيافة زاجر خاف التلون إذا أتته لأنها ... لونان باطنها خلاف الظاهر فرق الميتم من حموضة لبها ... واللون زينها لعين الناظر وأما السفرجل, فلأن فيه اسم السفر, وقد قال فيه الشعر: متحفي بالسفرجل ... لا أريد السفرجلا اسمه لو عرفته ... سفر جل فاعتلى وقال آخر: أهدت إليه سفرجلا فتطيرا ... ومنه وظل متيما مستعبرا خاف الفراق لأن أول اسمه ... سفر فحق له بأن يتطيرا ? ? ? وأما السوسن فلأن اسمه السوء, وقال فيه الشاعر: سوسنة أعطيتنيها وما ... كنت بإعطائكها محسنه شطر اسمها سوء فإن جئت بال ... آخر منها فهو سوء سنه وأنت إن هاجرتني ساعة ... قلت: أتت من قبل السوسنه وقال آخر: يا ذا الذي أهدى لنا سوسنا ... ما كنت في إهدائه محسنا أوله سوء فقد ساءني ... يا ليت أنى لم أر السوسنا ? ? ? وأما الياسمين فلمبدأ اسمه تطير منه, قال الشاعر: أهدى حبيبي ياسمينا فبي ... من شرة الطيرة وسواس أراد أن يؤئس من وصله ... إذ كان في شطر اسمه الياس ? ? ? وقد استحسنوا هدايا كثيرة, وتفاءلوا فيها بقول الشاعر, وإن كان بعضها مما ذكرناه أنهم لا يتهادونه من طريق الظرف, واجتنبوه لعلة التسفيل, وأحبوه من حسن التفول. فمن ذلك الرمان, وهو مما ذكرناه أنهم لا يتهادونه لما فيه من التسهيل, وما يقع فيه من التمثيل. وكذلك الشاهلوج, والنبق, والورد, والبنفسج. فأما الرمان, فقد قال فيه الشاعر: أهدت إليه بظرفها رمانا ... تنبيه أن وصالها قد آنا قال الفتى لما رآه تفاؤلا: ... وصل يكون متمما أحيانا رم يرم تشعثي بوصالها ... لقد التفاؤل صادقا قد كانا ? ? ? وأما الشاهلوج, فهو فيه النوى, وقد تهاداه لموضع تفاؤل الشاعر به إذ يقول: أهدت إليه الآن شاهلوجا ... تنبيه أن لو جاء كان ولوجا فمضى على فأل الهدية جاسرا ... عمدا فصار مداخلا خريجا ? ? ? وأما النبق, فهو يستقبل وقد قال فيه الشاعر: أيا أحسننا خلقا ... ومن فات الورى سبقا

الهدايا

تفاءلت بأن تبقى ... فأهديت لنا النبقا فأبقاك إله النا ... س ما سرك أن تبقى وأشقى الله شانيك ... وحاشا لك أن تشقى ? ? ? وأما البنفسج أيضا فقد قال فيه الشاعر: أهدت إليه بنفسجا يسليه ... تنبيه أن بنفسها تفديه فارتاح بعد صبابة وكآبة ... ورجا لحسن الظن أن تدنيه ? ? ? وأما الورد فقد تفاءل كثير من الظرفاء. أنشدني بعض الأدباء: أهدى له وردا فأخبره أنه ... في الواردين ولم يكن ورادا فارتاح من فرح بطيب وفوده ... وعدا له ورد الحياء فزادا ? ? ? وأهدى بعض الكتاب نعلا وكتب على شراكها: لي فؤاد شفه الحز ... ن وأضناه الصدود وهواي كل يوم ... هو ينمى ويزيد وأخبرني من رأى نعلا من فضة أهديت لبعض الظرفاء, عليها مكتوب: بأبي أنت سيدي ومناي ... جعل الله والدي فداكا لك خدي من الثرى لك نعلا ... قد للنعل من فؤادي شراكا ? ? ? وقرأت في تفليج أترجة أهديت لبعض الظرفاء: هي في العالم كالشم ... س أضاءت في البلاد وهي في كل كمال ... قد علت فوق العباد وأخبرني من قرأ في تفليج تفاحة: أنا للعاشق منسوبه ... أهدى لمحبوب ومحبوبه ? ? ? وحضرت هدية لبعض متطرفات القيان إلى بعض ظرفاء الكتاب وفيها تفاحة تفليجها مكتوب: ليس تفاحة بأطيب طيبا ... من حبيب معانق لحبيب وأترجة في تفليجها مكتوب: أهدى هلال لكل يوم ... إذا بدا الثغر بابتسام 4- العقد الفريد -لابن عبد ربه 0المتوفي سنة 327 هـ) طبع في القاهرة 1369 هـ- 1950 م الهدايا كتب سعيد بن حميد إلى بعض أهل السلطان في يوم النيروز: أيها السيد الشريف, عشت أطول الأعمار, بزيادة من العمر, موصولة بقرائنها من الشكر, لا ينقضي حق نعمة حتى تجدد لك أخرى, ولا يمر بك يوم إلا كان مقصرا عما بعده, موفيا على ما قبله. إني تصفحت أحوال الأتباع الذين تجب عليهم الهدايا إلى السادة فالتمست التأسي بهم في الإهداء, وإن قصرت بي الحال عن الواجب, وإني وإن أهديت نفسي فهي ملك لك, لا حظ فيها لغيرك, ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدتها منك. فكنت إن أهديت منها شيئا كمهدي مالك إليك, وفزعت على مودتي, فوجدتها خالصة لك قديمة غير مستحدثة, فرأيت إن جعلتها هديتي لم أجدد لهذا اليوم الجديد برا ولا لطفا, ولم أميز منزلة من الشكر بمنزلة من نعمتك, إلا كان الشكر مقصرا عن الحق والنعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة, فجعلت الاعتراف بالتقصير عن حقك هدية إليك والإقرار بما يجب لك برا أتوصل به إليك, وقلت في ذلك: إن أهد مالا فهو واهبه ... وهو الحقيق عليه بالشكر أو أهد شكرا فهو مرتهن ... بجميل فعلك آخر الدهر والشمس تستغني إذا طلعت ... أن تستضئ بسنة البدر ? ? ? وكتب بعض الكتاب إلى بعض الملوك: النفس لك, والمال منك, والرجاء موقوف عليك, والأمل مصروف نحوك, فما عسى أن أهدى إليك في هذا اليوم, وهو يوم سهلت فيه العادة سبيل الهدايا للسادة, وكرهت أن نخليه من سنته, فنكون من المقصرين, أو أن ندعى أن في وسعنا ما يفي بحقك علينا, فنكون من الكاذبين, فاقتصرنا على هدية تقضى بعض الحق, وتنفي بعض الحقد وتقوم عندك مقام أجمل البر. ولا زلت أيها الأمير دائم السرور والغبطة, في أتم أحوال العافية, وأعلى منازل الكرامة تمر بك الأعياد الصالحة, والأيام المفرحة, فتخلقها وأنت جديد, تستقبل أمثالها فتلقاك ببهائها وجمالها. وقد بعثت الرسول بالسكر لطيبه وحلاوته, والسفرجل لفأله وبركته والدرهم لبقائه عند كل من ملكه ولا زلت حلو المذاق على أوليائك مرا على أعدائك, متقدما عند خلفاء الله الذين تليق بهم خدمتك وتحسن أفنيتهم بمثلك. وقد جمعنا في هذه القصيدة ثناء ومسرة واعتذارا وتهنئة. وهي: غاد في المهرجان كأسا شمولا ... وأطعني ولا تطيعن عذولا فهو يوم قد كان آباؤك الغ ... ر يحلونه محلا جليلا إن للصيف دولة قد تقضت ... وأراك الشتاء وجها جميلا وتجلت لك الرياض عن النو ... ر فكانت عن كل شيء بديلا فتمتع باللهو لا زلت جذلا ... ن وطرف الزمان عنك كليلا

لم أجد لي هدية حين حصل ... ت كثيرا ملكته وقليلا يعدل الشكر والثناء وإن لم ... يك شكري لما أتيت عديلا فجعلت الذي أطيق من الشك ... ر على ما عجزت عنه دليلا يا لها من هدية تقنع المه ... دي إليه ولا تعنى الرسولا ? ? ? وكتب بعض الشعراء إلى بعض أهل السلطان في المهرجان: هذه أيام جرت فيها العادة بألطاف العبيد للسادة وإن الصناعة تقصر عما تبلغه الهمة, فكرهت أن أهدى فلا أبلغ مقدار الواجب فجعلت هديتي هذه الأبيات وهي: ولما أن رأيت ذوى التصافي ... تباروا في هدايا المهرجان جعلت هديتى ودا مقيما ... على مر الحوادث والزمان وعبدا حين تكرمه ذليلا ... ولكن لا يقر على الهوان يزيدك حين تعطيه خضوعا ... ويرضى من نوالك بالأماني ? ? ? وأهدى أبو العتاهية على بعض الملوك نعلا وكتب معها: نعل بعثت بها لتلبسها ... تسعى بها قدم على المجد لو كان يصلح أن أشركها ... خدي جعلت شراكها خدي وأهدى على بن الجهم كلبا وكتب: استوص خيرا به فإن له ... عندي يدا لا أزال أحمدها يدل ضيقي على في غسق ال ... ليل إذا النار نام موقدها أهدى أحمد بن يوسف ملحا طيبا على إبراهيم بن المهدي وكتب إليه: الثقة بك سهلت السبيل إليك فأهديت هدية من لا يحتشم على من لا يغتنم. وأهدى إبراهيم بن المهدي إلى إسحق بن إبراهيم الموصلي جراب ملح وجراب أشنان وكتب إليه: لولا أن القلة قصرت عن بلوغ الهمة لأتعبت السابقين إلى برك, ولكن البضاعة قعدت بالهمة, وكرهت أن تطوى صفيحة البر وليس لي فيها ذكر, فبعثت بالمبتدأ به ليمنه وبركته, والمختوم به لطيبه ونظافته, وأما ما سوى ذلك فالمعبر عنا فيه كتاب الله تعالى إذ يقول: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) إلى آخر الآية. ? ? ? وكتب إبراهيم بن المهدي على صديق له: لو كانت التحفة على حسب ما يوجبه حقك لأجحف بنا أدنى حقوقك ولكنه على قدر ما يخرج الوحشة ويوجب الأنس وقد بعثت بكذا وكذا. ? ? ? وكتب رجل إلى المتوكل على الله وقد أهدى إليه قارورة من دهن الأترج: إن الهدية يا أمير المؤمنين إذا كانت من الصغير إلى الكبير فكلما لطفت ودقت كانت أبهي وأحسن, وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فكلما عظمت وجلت كانت أنفع وأوقع, وأرجو أن لا تكون قصرت بي همة أصارتني إليك ولا أخرني إرشاد دلني عليك, وأقول: ما قصرت همة بلغت بها ... بابك يا ذا الندى وذا الكرم حسبي بوديك أن ظفرت به ... ذخرا وعزا يا واحد الأمم ? ? ? أهدى حبيب بن أوس الطائي على الحسن بن وهب قلما وكتب معه إليه هذه الأبيات: قد بعثنا إليك 'كرمك الل ... هـ بشيء فكن له ذا قبول لا تقسه على ندى كفك الغمر ولا نيلك الكثير الجزيل فاستجر قلة الهدية منى ... إن جهد المقل غير قليل ومن قولنا في هذا المعنى وقد أهديت سلى عنب ومعهما: أهديت بيضا وسودا في تلونها ... كأنها من بنات الروم والحبش عذراء تؤكل أحيانا وتشرب أح ... يانا فتعصم من جوع ومن عطش وأهديت حوتين وكتبت معهما: أهديت ازرق مقرونا بزرقاء ... كالماء لم يغذها شيء سوى الماء ذكاتها الأخذ ما تنفك طاهرة ... بالبر والبحر أمواتا كأحياء وأهديت طبق ورد ومعه: رياحين لريحانة المجد ... جنتها يد التخجيل من حمرة الخد وورد به حييت غرة ماجد ... شمائله أذكى نسيما من الورد ووشى ربيع مشرق اللون ناضر ... يلوح عليه ثوب وشى من الحمد بعثت بها زهراء من فوق زهرة ... كتركيب معشوقين خدا على خد وكتبت على كأس: اشرب على منظر أنيق ... وامزج بريق الحبيب ريقي واحلل وشاح الكعاب رفقا ... واحذر على خصرها الرقيق وقل لمن لام في التصابي ... إليك خل عن الطريق وأنشد أحمد بن أبى طاهر في هذا المعنى: ما ترى في هدية من فقير ... حيل ما بينه وبين اليسار يغرب الناس في الهدايا إلى النا ... س ويهدى غرائب الأشعار محكمات كأنها قطع الرو ... ض تحلت أنواره بالبهار

وأنشد ابن يزيد بن المهلب في المعتمد: سيبقى فيك ما يهدى لساني ... إذا فنيت هدايا المهرجان قصائد تملأ الآفاق مما ... أحل الله من سحر البيان وقال آخر: جعلت فداك للنيروز حق ... وأنت على أوجب منه حقا ولو أهديت فيه جميع ملكي ... لكان جميعه لك مسترقا وأهديت الثناء بنظم شعر ... وكنت لذاك منى مستحقا لأن هدية الألطاف تفنى ... وأن هدية الأشعار تبقى وقال حبيب: فو الله لا أنفك أهدى شواردا ... إليك يحملن الثناء المنخلا ألذ من السلوى وأطيب نفحة ... من المسك مفتوقا وأيسر محملا وقال مروان بن أبى حفصة: بدولة جعفر حمد الزمان ... لنا بك كل يوم مهرجان جعلت هديتي لك فيه وشيا ... وخير الوشى ما نسج اللسان وقال أحمد بن أبى طاهر: من سنة الأملاك فيما مضى ... من سالف الدهر وإقباله هدية العبد إلى ربه ... في جدة الدهر وأحواله فقلت ما أهدى إلى سيدي ... حالي وما خولت من حاله إن أهد نفسي فهي من نفسه ... أو أهد مالي فهو من ماله فليس إلا الحمد والشكر وال ... مدح الذي يبقى لأمثاله وقال الحمدوني وأهدى غليه سعيد بن حميد أضحية مهزولة. لسعيد شويهة ... نالها الضر والعجف فتغنت وأبصرت ... رجلا حاملا علف بأبي من بكفه ... برء دائي من الدنف فأتاها مطمعا ... وأتته لتعتلف ثم ولى فأقبلت ... تتغنى من الأسف: ليته لم يكن قد وقف ... عذب القلب وانصرف قال الحمدوني: كتبت على الحسن بن إبراهيم, وكان كل سنة يبعث إلى بأضحية فتأخر عنى سنة, فكتبت إليه: سيدي أعرض عنى ... وتناسى الود منى مر بي أضحى وأضحى ... أخلفاني فيه طني لا يراني فيهما أه ... لا لظلف ولقرن فتغذيت بيأس ... ثم ضحيت بجني واصطبحت الراح يوما ... ثم أنشدت أغنى: لا بجرم صد عنى ... صد عنى بالتجني ? ? ? أهدت جارية من جواري المأمون تفاحة له, وكتبت إليه: إني يا أمير المؤمنين لما رأيت تنافس الرعية في الهدايا إليك, وتواتر ألطافهم عليك, فكرت في هدية تخف مؤونتها, وتهون كلفتها ويعظم خطرها, ويجل موقعها, فلم أجد ما يجتمع فيه هذا النعت, ويكمل فيه هذا الوصف إلا التفاح فأهديت إليك منها واحدة في العدد, كثيرة في التصرف, وأحببت يا أمير المؤمنين أن أعرب لك عن فضلها, وأكشف لك عن محاسنها وأشرح لك لطيف معانيها, ومقالة الأطباء فيها, وتفنن الشعراء في وصفها حتى ترمقها بعين الجلالة, وتلحظها بمقلة الصيانة, فقد قال أبوك الرشيد رضى الله عنه: أحسن الفاكهة التفاح, اجتمع فيه الصفرة الدرية, والحمرة الخمرية, والشقرة الذهبية, وبياض الفضة ولون التبر, يلذ بها من الحواس: العين بهجتها, والأنف بريحها, والفم بطعمها. وقال أرسطاطاليس الفيلسوف عند حضوره الوفاة, واجتمع إليه تلاميذه: التمسوا لي تفاحة أعتصم بريحها, وأقضى وطرى من النظر غليها. وقال إبراهيم بن هانئ: ما علل المريض المبتلى, ولا سكنت حرارة الثكلى, ولا ردت شهوة الحبلى, ولا جمعت فكرة الحيران, ولا سلت حسيفة الغضبان, ولا تحيت الفتيان في بيوت القيان, بمثل التفاح. والتفاحة يا أمير المؤمنين, إن حملتها لم تؤذك, وان رميت بها لم تؤلمك وقد اجتمع فيها ألوان قوس قزح, من الخضرة والحمرة والصفرة, وقال فيها الشاعر: حمرة التفاح مع خضرته ... أقرب الأشياء من قوس قزح فعلى التفاح فاشرب قهوة ... واسقنيها بنشاط وفرح ثم عن الآن كي تطربني ... طرفك الفتان قلبي قد جرح فإذا وصلت غليك يا أمير المؤمنين, فتناولها بيمينك, واصرف إليها يقينك, وتأمل حسنها بطرفك, ولا تخدشها بظفرك, ولا تبعدها عن عيبك, ولا تبذلها لخدمك, فإذا طال لبثها عندك, ومقامها بين يديك. وخفت أن يرميها الدهر بسهمه ويقصدها بصرفه, فتذهب بهجتها, ويحيل نضرتها, فكلها: هنيئا مريئا غير داء مخامر والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال المأمون احملوا غليها من كل ما أهدى لنا في هذا اليوم. ? ? ? وكتب العباس الهمذاني إلى المأمون في يوم نيروز:

أهدى لك الناس المرا ... كب والوصائف والذهب وهديتى حلو القصا ... ئد والمائح والخطب فاسلم سلمت على الزما ... ن من الحوادث والعطب 5- كتاب الوزراء والكتاب لأبى عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري (المتوفي 331 هـ) طبعة السقا والأبياري وشلبي. مصر 1938 وكان بمصر قوم يدافعون بالخراج, ويكسرون بعضه, فأحضر عمر أشدهم مدافعة وإلطاطا, فطالبه, فاستمهله مدة فأمهله, ثم طالبه ثانية, فاستمهله, فأمهله مدة, ثم فعل ذلك في الثالثة, فلما حل الأجل دافعه أيضا, فخلف بأيمان مؤكدة أنه لا يستأديه إلا في بيت المال بمدينة السلام, ثم أشخصه على الرشيد, وكتب إليه بخبره, فبذل له الرجل أداء المال, فأبى عليه أن يقبضه منه, وأقام على ألا يؤديه إلا في بيت المال, فخاف الناس جميعا منه مثل ذلك, وسارعوا إلى الأداء, فلم ينكسر له ولا تخلف درهم واحد. وحكى أنه قال لغلامه أبى درة. وقد أهدى له أهل مصر هدايا كثيرة لا تقبل منها إلا ما يدخل في جراب, لا تقبل حيوانا, فقبل من هدايا الناس الثياب والطيب والعين والورق, وجعل يعزل كل هدية على حدتها, ويكتب عليها اسم صاحبها, وجد في استخرج مال مصر, فزجا منه نجمان, وتأخر النجم الثالث, وثلج أصحابه, فجمعهم وقال لهم. إنى قد حفظت عليكم ما أهديتموه إلى, وأمر بإحضاره وإحضار الجهبذ فما كان من عين أو ورق أجزأه عمن أهداه إليه وما كان من ثوب أو غيره باعه وأخذ ثمنه, حتى استغرق الهدايا كلها, ونظر فيما بقى بعد ذلك, فطالب به, فسارع الناس إلى الأداء, فيقال إنه عقد جماعة مصر من غير أن يبقى فيها درهم, ولم يعهد ذلك من قبله. ? ? ? وكان البرامكة قد فارقوا الرشيد على شيء يطلقونه له من المال للحوادث, سوى نفقاته وما يحتاج إليه هو وعياله, فعزم على الفصد, فقال لجعفر: يا أخي أنا على الفصد, وأريد التشاغل بالنساء, فكم تبعث إلى لما أهيئه لهن؟ قال: ما شاء أمير المؤمنين, قال عشرة آلاف درهم, قال: وأين المال؟ ولكن خمسة آلاف درهم, قال: فهاتها, فبعث بها إليه, ثم قال لجلسائه وقد افتصد: أي شيء تهدون إلى؟ فقال كل واحد منهم: قد أعددت كذا وكذا, واحتال الفضل بن الربيع في التخلص إلى منزله, فرهن حقه من قطيعة الربيع, وهو العشر, على مائة ألف درهم عند عون الجوهرى الحرى, فقال إنى أريد أن أهديها على الخليفة, فصيرها جددا ضربا, في عشرين بدرة ديباج, مختمة بفضة, وكان عون يحفظ للربيع يدا, فقال للفضل: أطابت نفسك عن جميع نعمتك في هدية اليوم؟ فأعلمه أن له عند الرشيد مواعيد, فقال له عون: فإن عندي خادمين مملوكين روميين, أحدهما ناقد, والآخر وزان, جميلي الصورة مراهقين وقد وهبتهما لك, وأحضره تابوت آبنوس محلى بالفضة, فصير البدور فيه مع الطيارات والموازين والصنجات, وأقفله بقفل فضة, وغشاه بديباج, وكسى الغلامين الديباج, وألبسهما المناطق والمناديل المصرية, ووجه بهما وبالتابوت مع من يحمله إلى دار الندماء, فلما ثنى الرشيد الدم قال: اعرضوا على هداياكم, فقدمت هدية يحيى وجعفر والفضل بن يحيى, من فاكهة ومشام, وما أشبه ذلك, وعرض عيسى بن جعفر وغيره هداياهم, فقال للفضل بن الربيع. أين هديتك يا عباسي؟ وبذلك كان يدعوه, قال: أحضرها يا أمير المؤمنين, فقال تجده قد ابتاع هدية بخمسين درهما, فقال للفراشين: احملوها, فحملوا شيئا راع الرشيد لما رآه, وكشفوا عن التابوت فاستحسنه ثم حضر الغلامان, فتح أحدهما القفل فأخرج الموازين والأوزان, وأخرج الآخر البدور, ففتح بدرة بدرة, واستوفي وزنها وختمها, فلم يدر الرشيد ما يستحسن من جلالة الهدية واستطير فرحا, وأمر بحمل المال, وإدخال الغلامين إلى دار النساء, ليفرقا المال على ما يأمرهما به. وقال للفضل: ويلك يا عباسي! من أين لك هذا؟ قال: سيعرفه أمير المؤمنين, قال: لتقولن. قال: بعت حقي من قطيعة الربيع لأسرك, لما رأيتك قد فصدت وأنت مغموم, قال: والله لأسرنك, وقام فدخل. وانصرف جعفر يجر رجليه إلى أبيه, فحدثه الحديث, فكتب كتب الفضل على بريد الموصل وديار ربيعة وديار مضر وختمها, وبعث بها إليه فردها, وقال: لا حاجة بي إليها. ولم يزل يحمل الرشيد عليهم حتى أوقع بهم. 6- أدب الكتاب تأليف أبى بكر محمد بن يحيى الصولي (المتوفي 336 هـ) المطبعة السلفية -مصر 1341 هـ

وأهدى بعض الكتاب غلاما كاتبا على رئيس له, وكتب إليه بصفة الخط وغيره- وسمعت من يحكى أن فاعل ذلك عيسى بن فرخانشاه بإبراهيم بن العباس الصولي وكان عيسى يكتب له ولا أدرى كيف صحته, لأني لم اعتد بما لم اسمعه من أفواه الرجال: اقبل هدية شاكر ... تجزيه بالنزر الجليلا بدرا يضئ إذا نظر ... ت إليه لم يألف أفولا إني بعثت به وكن ... ت بحسن موقعه كفيلا لما رأيت بخطه ... حسنا يصيد به العقولا كمنمنم الموشى قد ... سحب القيان به الذيولا أو كالرياض بكى الحيا ... فيها فأوسعها همولا وتراه للمعنى اللطيف ... إذا أشرت به قبولا لا مستعيدا منك إذ ... تملى عليه ولا ملولا عرف المبادئ والوصو ... ل من الحاكية والفصولا وصنوف ترتيب الدعا ... ء وأن يقصر أو يطيلا والهمز والمدود وال ... مقصور والمثل المقولا والفعل والأسماء وال ... مصروف منا والثقيلا فاستكفه واضمر له ... أن لا تريد به البديلا يحمل بفضل لسانه ... وبيانه عنك الثقيلا ? ? ? واستهدى أحمد بن إسمعيل دفترا فيه حدود الفراء, فأهداه على مستهديه وكتب على ظهره: خذه فقد سوغت فيه مشبها ... بالروض أو بالبرد في تفويفه نظمت كما نظم السحاب سطوره ... وتأنق الفراء في تأليفه وشكلته ونقطته فأمنت من ... تصحيفه ونجوت من تحريفه بستان خط غير أن ثماره ... لا تجتنى إلا بشكل حروفه ? ? ? أهدى رجل إلى إبراهيم بن المدبر قلما وكتب إليه: قد وجهت إليك أعزك الله بمفاتح العلوم باد جمالها. تام كمالها. فهي كما قال الشاعر: ليس فيها ما يقال له ... كملت لو أن ذا كملا كل جزء من محاسنها ... كائن من حسنه مثلا قال أبو بكر: أما المشهور مما قيل فيها فشعر بعض الكتاب وقد أهدى دواة محلاة بذهب وهي من الأبنوس: قد بعثنا لك أم المنايا ... والعطايا زنجية الأحساب تتزيا بصفرة وكذا الزن ... نج تزيا عجبا بصفر الثياب ريقها ريق نحلة مع صاب ... حين يجرى لعابها في الكتاب في حشاها لغير حرب حراب ... هن أمضى من مرهفات الحراب ? ? ? وفي كتاب الأوراق للصولي (أخبار الراضي بالله والمتقى لله) طبعة القاهرة 1935: ووافي رسول ملك الروم بهدايا كثيرة منها صياغات وثياب ديباج ومقارم وآنية ذهب, طريفة الصياغة, فجلس الراضي يوماً فعرضها علينا ووهب لنا أكثرها, وما كان شيء ألذ عنده من شيء يهبه وطعام يؤكل بين يديه. 7- ديوان المعاني للإمام أبى هلال العسكري (المتوفي 395 هـ) مكتبة القدسي بمصر 1352 وأخبرني بعض أصحابنا قال كتب أحمد بن أبى طاهر على إسماعيل بن بلبل: أنا, وإن كنت في عدد الحشم والأتباع الذين يخرجون من تفضيل الخاصة ويرتفعون عن الدخول في جملة العامة فإني في وسط القلادة منهم وبمكان من نظام نعمتك التي تجمعهم وهذا يوم من أيام الملوك السادة الذين لم تزل تجرى لهم السنة على عبيدهم وأصحابهم وقوادهم وكتابهم بالإهداء إليهم وقبول ما أهدوه منهم ليعرف مكان الشريف في مرتبته من مكان المنحط عن منزلته وموضع النعم من المنعم عليه في التقدم بقبول ما يهديه إليه وكل يهدى على قدر بضاعته ورتبته ومقداره في نفسه وهمته وعلى حسب موضعه من سيده ومالكه وما يحويه ملكه وتبلغه ومقدرته. وكرهت أن أمسك عن البر فأخرج عن جملة العبيد والحشم وأهدى ما يقصر عن الواجب اللازم والحق المفترض فجعلت هبتي مع الثقة بعذرك والاعتماد على تفضيلك وصفحك أبياتا اقتصرت فيها على الدعاء لك والثناء عليك أسأل الله تعالى أن يقرنه بالإجابة فيك كما قرن مدحي لك بالتصديق فقلت: أبا الصقر لا زالت من الله نعمة ... تجددها الأيام عندك والدهر ولا زالت الأعياد تمضى وتنقضي ... وتبقى لنا أيامك الغرر الزهر فإنك للدنيا جمال وزينة ... وإنك للأحرار ذخر هو الذخر رأيت الهدايا كلها دون قدره ... وليس لشيء عند مقداره قدر فلا فضل غلا وهو من فضل جوده ... ولا بر غلا دونه ذلك البر فأهديت من حلى الديح جواهرا ... منصلة يزهي بها النظم والنثر

مدائح تبقى بعد ما نفد الدهر ... وتبهي بها الأيام ما اتصل العمر شكرت لإسماعيل حسن بلاه ... وأفضل ما تجزى به النعم الشكر * * * أخبرنا أبو أحمد عن أبيه عن أحمد بن أبى طاهر عن ابن هفان قال: دخلت على سعيد بن حميد في يوم نيروز وهو مستعد يكتب على إخوانه فقرأت عليه كتابك وشعرك إلى أبى الصقر -يعنى الكتاب والشعر الذي تقدم- فكتب وأنا حاضر على الحسن بم مخلد: أيها السيد النجيب عشت أطوال الأعمار في زيادة من النعم موصولة بقرائنها من الشكر لا تقضى حق نعمة تتجدد لك أخرى ولا يمر بك يوم إلا كان موفيا على ما قبله مقصرا عما بعده. قد تصفحت أحوال الأتباع الذين تجب عليهم الهدايا على السادة في هذا اليوم والتمست التأسي بهم في الإهداء إليك وإن قصرت الحال عن الواجب لك فرأيتني إن أهديت نفسي فهي لك لا حظ فيها لغيرك ورميت بطرفي على كرائم مالي فوجدتها منك فكنت إن أهديت شيئا كمهدي مالك إليك ولم يزد على أن نبه على نعمتك واقتضى نفسه بشكرك وفرغت إلى مودتي وشكري فوجدتها لك خالصتين قديمتين غير مستجدتين وإني إن جعلتهما هديتي لم أجدد لهذا اليوم برا ولا لطفا ولم أقس منزلة شكري بمزلة من نعمتك إلا كان الشكر مقصرا عن الحق زائدة على ما لم تبلغه الطاقة ولم أملك سبيلا ألتمس بها ما اعتد به في مجازاتك غلا وجدت فضلك قد سبقني غليها فقدم لك الحق وأحرز لك السبق فجعلت الاعتراف بالتقصير عن حقك هدية غليك تفي ما يجب لك والعذر في العجز عن برك برا أتوصل به إليك: إن أهد نفسي فهو مالكها ... وله أصون كرائم الذخر أو أهد مالا فهو واهبه ... وأنا الحقيق عليه بالشكر أو أهد شكري فهو مرتهن ... بجميل فعلك آخر الدهر والشمس تستغني إذا طلعت ... أن تستضاء بسنة البدر ثم قرأه على فقلت: أبا عثمان الساعة قرأت عليك لابن أبى طاهر هذه المعاني بأعيانها قال: والساعة عملتها وليس بيننا حشمة. ولا اعرف لها تين الرسالتين في هذا الباب نظيرا في رقة معانيهما وحسن تخريجهما. ورسالة سعيد بن حميد أكثرهما معاني. * * * وأول من افتتح المكاتبة في التهاني بالنيروز والمهرجان أحمد بن يوسف, أهدى إلى المأمون سفط ذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه. وكتب معها هذا يوم جرت فيه العادة بألطاف العبيد للسادة وقد قلت: على العبد حق فهو لا شك فاعله ... وإن عظم المولى وجلت فضائله ألم ترنا نهدى إلى الله ماله ... وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله ولو كان يهدى للقليل بقدره ... لقصر عل البحر عنك وناهله ولكننا نهدى إلى من نجله ... وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله فأخذ سعيد بن حميد هذه المعاني وكتب إلى لبن صالح بن يزداد: النفس لك والمال منك والرجاء موقوف عليك والأمر مصروف إليك فما عسانا أن نهدى لك في هذا اليوم وهو يوم قد شملت فيه العادة للأتباع الأولياء بإهدائهم على السادة العظماء وكرهنا أن نخليه من سننه فنكون من المقصرين أو ندعى أن في وسعنا ما يفي بحقك علينا فنكون من الكاذبين فاقتصرنا على هدية تقضى بعض الحق ونقوم عندك مقام أجمل البر وهي الثناء الجميل والدعاء الحسن فقلت: لا زلت أيها السيد الكريم دائم السرور والعطية في أتم العافية وأعلى منازل الكرامة تمر بك الأيام المفرحة والأعياد الصالحة فتخلقها وأنت جديد. فأول كلامه مأخوذ من قول المعلى بن أيوب للمعتصم: النفس لأمير المؤمنين والمال منه وليس فيما أوجبه الحق نقيصة ولا على أحد فيه غضاضة, وباقيه من كلام أحمد بن يوسف, والدعاء الذي في آخره لعلى بن عبيدة الريحاني لم يزد سعيد بن حميد فيه شيئا. * * * كتب أبو الشيص على رجل كان وعده مخدة فأبطأت عليه: يا صديقي وأخي في ... كل ما يعرو وشده ليت شعري هل زرعتم ... بذر كتان المخده * * * وأخبرني أبو أحمد عن أبيه عن أحمد بن أبى طاهر قال أهدى بعض العمال على دعبل بن على الخزاعي برذونا زمنا فرده وكتب إليه: وأهديته زمنا فانيا ... فلا للركوب ولا للثمن حملت على زمن شاعرا ... فسوف يكافي بشعر زمن أبا الفضل ذما وغرما معا ... فما كنت ترضى بهذا الغبن * * *

باب مدح الهدية

وعدد رجل دعبلا نعلا يهديها إليه عند قدمه من الحج فأبطأت عليه فقال دعبل الخزاعي: وعدت النعل ثم صدفت عنها ... كأنك تشتهي شتما وقذفا فإن لم تهد لى نعلا فكنها ... إذا أعجمت بعد النون حرفا * * * وأخبرني أبو أحمد عن أبيه عن أحمد بن أبى طاهر قال كتب إلى أبو على البصير بستهديني بخورا كنت أهديت منه إلى بعض إخواني, والأبيات: يا شقيقي ويا خليلي إباء ... المرجى لكل خير ومير أنت من أطيب الأنام بخورا ... غير أنى شممته عند غيري وهو جم لديك فابعث بدرج ... منه إن لم أكن تعديت طوري فكتبت إليه: قد بعثنا إليك منه بدرج ... وأزرناك منه أطيب زور بين ند وبين عود مطرا ... ما له مشبه بنجد وغور أنت منه أزكى وأطيب عرفا ... وهو أزكى من كل طيب ونور ما تعديت فيه طورك عندي ... فتبخر منه بأيمن طير * * * وحدثني أبو أحمد عن أبيه عن أحمد قال حدثني أبو دعامة الشاعر قال كتب العتابي إلى مالك بن طوق يستزيده ويستهديه ويدعوه على صلة الرحم والقرابة بينه وبينه وكان مما كتب: إن قرابتك من قرب منك خيره وإن ابن عمك من عم نفعه وإن عشيرتك من أحسن معاشرتك وإن أحب الناس إليك أجداهم بالمنفعة عليك وإن أهداهم إلى مودتك من أهدى إليك, ولذلك أقول: ولقد بلوت الناس ثم سبرتهم ... ووصلت ما قطعوا من الأسباب فإذا القرابة لا تقرب قاطعا ... وإذا المودة أقرب الأنساب 8- اللطائف والظرائف في الأضداد -للثعالبي (المتوفي 429 هـ) جمع بينه وبين اليواقيت الإمام أحمد المقدسي طبع بمصر 1334 هـ باب مدح الهدية في الخبر المرفوع: (تهادوا تحابوا) , وفيه (تصافحوا فإن التصافح يذهب غل الصدور, وتهادوا فإن الهدية تسل السخيمة) . قال الشاعر: إن الهدية حلوة ... كالسحر تجتلب القلوبا تدنى البعيد من الهوى ... حتى تصيره قريبا وتعيد معتضد العدا ... وة بعد نفرته حبيبا وقال ابن عائشة: الهدية سنة الله -صلى الله عليه وسلم- وأدب الملوك وعمارة المودة بين الإخوان. وكان يقال: أهدوا للولاة فإنهم إن لم يقبلوا أحبوا. وكان الفضل بن سهل ذو الرياستين يقول: ما أرضى الغضبان, واستعطف السلطان, ولا سلت السخائم, ولا رفعت المغارم, ولا استميل المحبوب, ولا توقى المحذور بمثل الهدية. ومن أحسن ما قيل في الإهداء إلى الملوك قول أحمد ابن يوسف المأموني: على العبد حق لا بد فاعله ... وإن عظم المولى وجلت فضائله ألم ترنا نهدى إلى الله ماله ... وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله وكتب بعض الكتاب إلى صديق له: وجدت المودة منقطعة ما دامت الحشمة عليها مسلطة, وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة, ولا تقع المؤانسة إلا بالمهاداة والملاطفة. * * * وكتب أبو العيناء إلى بعض الوزراء: قد بعثت إلى الوزير بباكورة عنب, فإن كنت سبقت المهدين لها فلي فضل السبق, وإن كنت مسبوقا فلي فضل النية. ويقال: من قدم هديته نال أمنيته, ومن قدم المئونة ظفر بالمعونة. وقال بعض السلف: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة. وقال آخر: الهدية تفتح الباب المغلق. وقال آخر: الهدايا تذهب الشحناء. والهدية رزق الله فمن أهدى إليه فليقبله. وقال بعض العلماء: لعظم خطر الهدية وجلالة قدرها على وجه الدهر قالت ملكة سبأ: (وإني مرسلة غليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) وقال الشاعر: للهدايا في القلوب مكان ... وحقيق بحبها الإنسان وقال الشاعر: إذا دخل الهدية دار قوم ... تطايرت العداوة من كواها باب ذم الهدية أهدى إلى عمر بن عبد العزيز هدية فردها فقيل له: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبلها فقال: كانت له الهدية هدية وهي لنا رشوة, وقد لعن الله الراشي والمرتشي والرائش. وقال بعض السلف: الهدية للعامل غلول, وفي عمل السلطان رشوة. وأهدى على دهقان هدية فكرهها وأظهر الجزع فعاتبه بعض من صاحبه, فقال: لئن كان ابتداني بها إنه ليدعوني إلى أن أتقلد منه منة, ولئن كافأني على معروف لي عنده إنه ليسألني أخذ ثمن ذلك, فمن أي هذين لا أجزع! 9- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب -للثعالبي القاهرة 13261909 م

ومما جاء في الهدايا

طيلسان ابن حرب -كان محمد بن حرب أهدى إلى الحمدوني طيلسانا خلقا, وكان الحمدوني يحفظ قول أبى حمران السلمي في طيلسانه وهو: يا طيلسان أبى حمران قد برمت ... بك الحياة فلا تلتذ بالعمر فاحتذى حذوه وانسالت عليه المعاني حتى قال في وصف الطيلسان قرابة مائتي مقطوعة ولا تخلو واحدة منها من معنى بديع. وصار الطيلسان عرضة لشعرة ومثلا في البلاء والخلوقة والانخراط في سلك حمار طياب وشاة سعيد وضراطة وهب -المتقدم ذكر كل منها- فمن نوادر ما قال فيه: يا ابن حرب كسوتني طيلسانا ... مل من صحبة الزمان وصدا طال ترداده إلى الرفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدى 10- التمثيل والمحاضرة للعلامة أبى منصور الثعالبي النيسابوري آخر: للهدايا من القلوب مكان ... وحقيق بحبها الإنسان آخر: إن الهدية حلوة ... كالسحر تجتلب القلوبا تدنى البعيد من الهوى ... حتى تصيره قريبا آخر: رويت في السنة المشهورة البركه ... أن الهدية في الإخوان مشتركه 11- محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء لأبى القاسم حسين بن محمد المعروف بالراغب الأصبهاني (المتوفي 502 هـ) القاهرة 1287 هـ ومما جاء في الهدايا (الحث على الإهداء وذكر فضيلته) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا) وقال: (الهدية تسل السخيمة) وقال عمر رضي الله عنه: نعم الشيء الهدية بين يدي الحاجة. وفي الخبر (إذا قدم أحدكم من سفر فليهد على أهله وليطرفهم وإن حجارة) وقيل: "اسكفة الباب تضحك من الهدية". وقيل: "الهدية هداية". وقال: ما من صديق وإن تمت صداقته ... يوما بأنجح في الحاجات من طبق لا تكذبن فإن الناس مذ خلقوا ... عن رغبة يعظمون الناس أو فرق أما الفعال ففوق النجم مطلبه ... والقول يوجد مطروحا على الطرق آخر: إذا أتت الهدية دار قوم ... تطايرت الأمانة من كواها وقيل: "الهدية بضاعة تيسر الحاجة ومن صانع بالمال لم يحتشم". قال الغاضري لأصحابه: أي راكب أحسن؟ فقال بعضهم: تمرة على زبدة, فقال: لا بل هدية على حمال. ومن أمثال الفرس: "الهدية تغالط العقول". (الحث على قبول الهدية) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الهدية رزق الله فمن أهدى إليه شيء من غير سؤال ولا إسراف فليقبه فإنما هو رزق ساقه الله إليه) وقال: (من سألكم بالله فأعطوه ومن استعاذكم فأعيذوه ومن أهدى إليه كراع فليقبله) . وقال: (لو أهدى على كراع لقبلت ولو دعت على كراع لأجبت) . (الحث على المقابلة) قال الله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) . فسره بعضهم بالهدية وجعل الثواب بها واجبا. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب علبها ما هو خير منها. أنشدني بعضهم: رأيت الناس طرا في الهدايا ... كبيع السوق خذ منى وهات * * * (طلب الهدية ومعاتبة من تركها) روى أن رجلا أهدى إلى الحسن والحسين رضي الله عنهما ولم يهد إلى ابن الحنيفة فأنشأ أمير المؤمنين على رضي الله عنه يقول: وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا * * * وكتب رئيس على بعضهم: لا تهدين ما يجحف بحالك فإنه لا يزيد في مالي ولا يمنعك من ملاطفتي بيسير, واللطف استعظامك لمكاني فالكثير منك يسير واليسير عندنا كثير والسلام. المعيطي: أتاني أخ من غيبة كان غابها ... وكنت إذا ما غاب أنشده الركبا فجاء بمعروف كثير فدسه ... كما دس راعى السوء في حضنه وطبا فقلت له: هل جئتني بهدية ... فقال: بنفسي, قلت: أطعمتها الكلبا هي النفس لا أرثى لها من ملمة ... ولا أتمنى إن نأيت لها قربا * * * (الهدية مشتركة) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم بهدية فجلساؤه شركاؤه فيها) , وكان الهيثم بن عدى يحدث بهذا الحديث فما تمم حتى طلعت هدية فقال ما خلا هذه.

(نهي الولاة عن قبول الهدية) صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال (ما بال أقوام استعملتهم على الصدقات فيجئ أحدهم فيقول هذا مالكم وهذا أهدى على هلا جلس في حفش أمه فينظر أيهدى إليه والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله بحمله فليأتين أحدكم وعلى رقبته بعير له رغاء وبقرة لها خوار وشاة لها ثغاء ثم رفع يده وقال اللهم قد بلغت) . وروى: إياكم والهدية فإنها ذريعة الرشوة. ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. قال الشيخ: وقد ذكرت خبر أنو شروان مع غيره في مثل هذا الباب في الولايات. * * * (الممتنع من أخذ الهدية) سأل رجل الخيرزان حاجة فاستبطأها فأهدى إليه هدية فكتب إليه إن كان ما وجته ثمنا لرأيي فيك فقد بخستني في القيمة وإن كان استزادة فقد استغششتني في النصيحة. وقال المدائني: أهدى رجل إلى مجوسي هدية فاغتم لذلك فقيل له فقال لئن ابتدأني: أهدى رجل إلى مجوسي هدية فاغتم لذلك فقيل له فقال لئن ابتدأني بها فإنه يدعوني إلى أن أتقلد منه منة ولئن كافأني على معروف عنده إنه ليروم أخذ ذلك فمن أي هذين لا أجزع. وطلب عبد الله بن جعفر لأزادمرد حاجة من أمير المؤمنين رضي الله عنه فأهدى إليه أزادمرد أربعين ألف درهم فامتنع عبد الله من أخذها وقال إنا أهل بيت لا نأخذ على معروفنا ثمنا. وأهدى عبد الله بن السري على عبد الله بن طاهر لما ولاه مصر مائة وصيفة مع كل واحدة بدرة وبعثها إليه ليلا فردها وكتب إليه لو قبلت هديتك قبلتها نهارا (فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون) . (من لان بعد لأخذ هدية) مر زياد بأبي العريان بالبصرة فقال من هذا فقالوا زياد بن أبى سفيان فقال ما أعرف في ولد أبى سفيان زيادا فبلغه ذلك فوجه غليه دنانير ثم مر به فقال من هذا فقالوا زياد بن أبى سفيان فقال لقد ذكرني شمائل أبى سفيان فبلغ ذلك معاوية رضي الله عنه فكتب إليه: ما لبثتك دنانير رشيت بها ... أن لونتك أبا العريان ألوانا لله در زياد منذ قدمها ... كانت له دون ما يخشاه قربانا فكتب له: ابعث لنا صلة تحيا النفوس بها ... قد كدت يا ابن أبى سفيان تنسانا من يسد خيرا يجده حيث يجعله ... أو يسد شرا يجده حيثما كانا أما زياد فلا أنسيت نسبته ... ولم أرد بالذي حاولت بهتانا * * * ولما ولى الحسن بن عمارة المظالم قيل ذلك للأعمش فقال ظالم ولى المظالم فأهدى إلى الأعمش رزمة ثياب فجعل يقول من بعد: إن الحسن كريم وحر سخي. وكان رؤية له حكومة فلم يكن يبلغ مراده فيها فأهدى لي الحاكم شيئا فنال ما رام فقال: لما رأيت الشفعاء بلدوا ... أسوتهم برشوة فقردوا وسهل الله بها ما شددوا وكان بعض الولاة يخاشن بعض عماله فأضاه بما أهداه فسألته كيف حالك مع فلان فقال قد سد ابن بيض الطريق. وخبره معروف. (استرداد ظروف الهدايا وتركها) : قال الغنوي: استيموا الهدايا برد الظروف, وقال إسحاق بن إبراهيم: كنت مع الرشيد بالكوفة في شهر رمضان فقال لموسى ابن عيسى يا أبا عيسى حلواؤنا عليك وكان يوجه إليه كل ليلة عشر صحاف فلما كان بعد عشر ليال قطعها قال له الرشيد أصفوت فقطعت الحلواء فقال ما قطعها غيرك إن أنصفت قال كيف؟ قال إن من يأخذها منا لا يرد صحفة ولا منديلا ولا طبقا قال بئس ما عمل إن الهدايا تستدام برد الظروف فإذا صرت المتقاضى وأنت القاضي فلا تحتشم أحدا في استرداد الظروف. للصاحب وقد أهدى دنانير على طبق فضة فكتب بأبيات فيها: والظرف يوجب أخذه مع ظرفه. (الاعتذار من إهداء شيء طفيف) كتب بعضهم: سهل لي سبيل الملاطفة فأهديت هدية من لا يحتشم على من لا يستغنم. كتب أحمد بن يوسف: للهدية معنيان كلاهما يوجب القبول وإن قل. وقيل إن كان لك عند المهدي يد فلا تستقصر بمزيدك وإن كان مبتدئا فالتفضل لا يستقل. الهدية أظرفها أخفها وأقلها أنبلها. وكتب آخر: قدمت المعذرة في إهداء ما اتسعت به المقدرة. وروى أن سليمان عليه الصلاة والسلام مر بعش قنبرة فأمر الريح أن تتجنب عشها الذي فيه فراخها فجاءت القنبرة لما نزل سليمان فرفرفت على رأسه وألقت جرادة هدية له لما فعل فقال سليمان: هي مقبولة فكل يهدى على قدر وسعه. ومما يروى لأبى يوسف القاضي:

علينا بأن نهدى إلى من نحبه ... وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله ألم ترنا نهدى إلى الله ماله ... وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله دعبل: هذى هدية عبد أنت ملبسه ... ثوب الغنى فاقبل الميسور من خدمك الخبزأرزي: تفضل بالقبول على إني ... بعث بما يقل لعبد عبدك أهدى بعض الأدباء إلى المعتز شيئا وكتب إليه لا يعيب العبد أن يهدى إلى سيده القليل من نعمته عنده ولا السيد أن يقبل ذلك وإن كان الكل له, والسلام. * * * (المقتصر في الهدية على الشكر) قال المازني: أظرف من اعتذر للفقر واقتصر على الشكر في الإهداء أحمد بن إبراهيم كتب إليه ابن ثوابة: إني جعلت هديتي ... في المهرجان إليك شكري لما تعذر واجب ... فسح التعذر فيه عذري فإذا مررت بذكر من ... جاءت هديته ببر فادر على اسمي دارة ... واكتب عليه: أتى بعذر محمد بن أبى حكيم: رأيت كثير ما يهدى قليلا ... لعبدك فاقتصرت على الدعاء وقال آخر: وافق المهرجان والعيد منى ... رقة الحال وهي داء الكرام فاقتصرنا على الدعاء وفيه ... عون صدق على قضاء الذمام * * * (المقتصر على إهداء النفس) افتصد المتوكل فلم يبق أحد من جواريه وحشمه إلا أهدى إليه فأخبرت قبيحة بذلك وكانت معشوقته فتزينت ودخلت عليه فأنشدته: طلبت هدية لك باحتيال ... على ما كان من حسي وبسي فلما أجد شيئا نفيسا ... يكون هدية أهديت نفسي فقال المتوكل: نفسك والله أحب إلى. عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: حبيبي فصدت العرق من أجل علة ... فلم تهد لي فيه وصالا مجددا فأهديت نفسي يوم فصدى بوصلها ... إليك فخذها كي تكون لك الفدار (استهداء النفس) كتب أبو العباس بن رشيد إلى صديق كان مشغوفاً به: الناس يهدون إلى المفتصد ... أحسن ما يلقونه في البلد فاهد لي وجهك يا سيدي ... فإنه أحسن شيء يرد * * * (المهدي شيئا معنيا) أهدى أبو عبادة الوزير على المأمون مصحفا في يوم مهرجان ووافق أول يوم من شهر رمضان فكتب إليه: عدلت عن هدايا السلطان إلى التيمن بالقرآن وما يرضى الرحمن, فوقع في رقعته: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) . وأهدى أحمد بن يوسف على المأمون هدايا وكتب غليه رقعة فلم يستظرف من هديته شيئا إلا قوله في رقعته: هذا يوم جرت فيه العادة بألطاف العبيد للسادة. وبعث إبراهيم بن المهدي بجراب ملح وجراب أشنان وكتب معهما: قصرت البضاعة عن بلوغ الهمة فكرهت أن تطوى صحف البر خالية من ذكرى فبعثت بالمبدوء لبركته والمختوم به لنظافته والسلام. وشرب الرشيد دواء فأهدت غليه الخيرزان جارية بكرا معها جام كتب عليه: إذا خرج الإمام من الدواء ... وأعقب بالسلامة والشفاء فليس له دواء غير شرب ... بهذا الجام ينزغ بالطلاء وفض الخاتم المهدي إليه ... فهذا العيش من بعد الدواء وفض رجل إلى آخر قلنسوة ونعلا فقال لقد أشواني فلان بكسوته: أي أصاب شواي. * * * (ذكر الهدية بأنها أمارة لفضل صاحبها ونقصه) قيل: يعرف فضل المرء بفضل هديته وسخافته بسخافة بره. وقيل: ثلاثة تدل على عقول أربابها: الهدية والرسول والكتاب وقد حكى الله تعالى عن بلقيس أنها قالت (وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) فجعلت جواب الهدية دلالة. كشاجم: إن هدايا الرجال مخبرة ... عن قدرهم قللوا أو احتفلوا * * * (المهدي هدية سخيفة) أهدى أبورهم السدوسي على قينة كان يتعشقها زنبيل بصل, فقال فيه ابن. المعدل: قالت جبل ماذا العمل هذا الرجل حين احتفل أهدى بصل. أهدى رجل إلى إسماعيل الطالبي فالوذجة عتيقة قد زنخت وكتب معها إني اخترت لعملها سكر السوس والعسل الماذي, والزعفران الأصفهاني, فكتب إليه: برئت من الله إن كانت هذه الفالوذجة قد عملت إلا قبل أن يوحى ربك على النحل. وأهدى أبو على البصير على أبى العيناء كرينجان قد كتب على كل واحدة منها (ادخلوها بسلام آمنين) فردها أبو العيناء وقد كتب عليها (فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن) وكان رجل قد شغف بصبي فأهدى غليه كلبا فقال أبو شبل:

وما رأت عيني ولا قيل لي ... أن فتى مستهترا صبا لما دنا من وصل أحبابه ... أهدى إلى أحبابه كلبا الصولي: أهدى إلى هدية مذمومة ... وأذم منها عندنا مهديها وكأنما هي في سماحة منظر ... تحكيه في قبح كما يحكيها * * * (الممتن بهدية أهداها) أهدى رجل على الأعمش بطيخة فلما أصبح قال يا أبا محمد كيف كانت البطيخة؟ قال طيبة ثم أعاد عليه ثانيا وثالثا, فقال: إن خففت من قولك وإلا قئتها. وأهدى أبو الهذيل إلى أستاذ له ديكا فكان بعد ذلك إذا خاطبه أرخ بديكه فيقول: إنه كان يوم أهديت إليك الديك وإنه قبل الديك بكذا وبعد الديك بكذا. وقدم زياد على معاوية وأهدى إليه هدايا كثيرة فأعجب بها معاوية فلما رأى زياد سروره بذلك قال يا أمير المؤمنين إني دوخت لك العراق وحبيت لك برها وبحرها وغثها وسمينها وحملت لك لبها وسروها فقال له يزيد: أما إذا فعلت ذلك فقد نقلناك من ولاء ثقيف إلى شرف قريش ومن عبيد إلى أبى سفيان وما أمكنك تدويخ العراق إلا بنا, فقال معاوية: حسبك فداك أبوك ووريت زناده فيك. (الشاكر المهدي إليه) : أتتنا هدايا منه أشبهن فضله ... ومن علينا منعما متفضلا ولو أنه أهدى على وصاله ... لكان إلى قلبي ألذ وأوصلا 12- درة الغواص في أوهام الخواص لأبى محمد القاسم بن على الحريري (المتوفي 512 هـ) طبعة القسطنطينية 1299 هـ ويقولون لهذا النوع من المشموم: سوسن, (بضم السين) فيوهمون فيه, كما أن بعض المحدثين ضمها فتطير من اسمه وكتب إلى من أهدى له: لم يكفك الهجر فأهديت لي ... تفاؤلا بالسوء لي سوسنه أولها سوء وباقي اسمها ... يخبر أن السوء يبقى سنه والصواب أن يقال فيه سوسن (بفتح السين) , وكذلك يقال روشن (بفتح الراء) ليلحقا بما جاء على وزن فوعل نحو جوهر نحو جوهر وجورب وكوثر وتولب إذ ما سمع في أمثلة العرب فوعل (بالضم) إلا جؤذر في قول بعضهم. 13- بدائع البدائه لعلى بن ظافر الأزدي (المتوفي 623 هـ) طبعة مصر 1278 هـ وذكر عبد الرحمن بن نصر الدمشقي في كتابه المسمى بالتحفة والطرفة أن الوزير المزدقاني خرج للتنزه فرأى امرأة في بعض القصور فأعجبته فوقف متأملا لها, فأشارت إليه, فآنس منها قبولا, فأرسل إليها رسولا يعلمها بشدة شوقه ووجده بها. فردت رسوله ومعه تفاحة عنبر فيها زر من ذهب ولم تكلمه بشيء فلم يفطن هو ومن حضره لتأويل ذلك, فقال له ابنه أحمد: قد فهمت ما أرادت, ونظمه في الحال في بيتين وأنشد: أهدت لك العنبر في جوفه ... زر من التبر خفي اللحام فالزر في العنبر معناهما ... زر هكذا مختفيا في الظلام 14- التذكرة -لابن العديم (المتوفي 660 هـ) مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 2042 أدب كتب أحمد بن مهران الكاتب إلى رجل أهدى له أقلاما. ونقلت من خط على بن مقلة أو غيره حضور المعنى: "أكرمك الله بحبيب عليه الهوى, واللسان بينه وبين القلب مترجم عن النجوى, وقليل البر بخلوص المحبة يتجاوز الكثير منه مع ضعف المودة, وموقع اللطف كموقع صاحبه من النفس, فإذا خص بها لطف, وإذا نبت عنها جفا, وهذه أبيات في الأقلام التي وضعها بين يدى: أهدت إلى أنامل أقلاما ... كادت لرقتها تكون مداما تبدى حروفا بالضمير نواطقا ... وتكون من دون الكلام كلاما شبهتها قد ألمحت فضاضة ... ونحافة ولطافة وسقاما خرساء تكلم في البلاد ولم ترم ... وتذيع عنك محبة وسلاما وتبث شكواك الحبيب إذا نأى ... وترد نفرته إليك غراما وتكاد رقة ما تخاطبه به ... تجرى كما جرت الدموع سجاما وتحمل القرطاس ما حملته ... سيرا حياة تارة وحماما تثنى قفا الخطى حد شباتها ... وتفل سيفا حين شيم حساما 15- وفيات الأعيان -لا بن خلكان (المتوفي 681 هـ) طبعة مصر 1310 هـ أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري- وله في وصف فرس أهداه إليه ممدوحه: يا واهب الطرف الجواد كأنما ... قد أنعلوه بالرياح الأربع لا شيء أسرع منه إلا خاطري ... في وصف نائلك اللطيف الموقع ولو أنني أنصفت في إكرامه ... لجلال مهديه الكريم الألمعي

أقضمته حب الفؤاد لحبه ... وجعلت مربطه سواد المدمع وخلعت ثم قطعت غير مضيع ... برد الشباب لجله والبرقع 16- غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة لأبى إسحق إبراهيم الكتبي المعروف بالوطواط (المتوفي 818 هـ) طبعة مصر 1284 هـ. ومما يورد من المحبة أعذب الموارد هدية يستعطف بها القلب الشارد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء) . وقال عليه الصلاة والسلام: (تهادوا فإن الهدية تذهب وغر الصدور) وكان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها. وقال: (لو أهدى إلى كراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت) وقالت عائشة رضي الله عنها: "اللطفة عطفة تزرع في القلوب المحبة والإلفة" وفي الأثر: (الهدية تجلب المودة إلى القلب والسمع والبصر) شاعر: إن الهدية حلوة ... كالسحر تجلب القلوبا تدنى البغيض من الهوى ... حتى تصيره حبيبا وتعدي مضطعن العدا ... وة في تباعده قريبا ومن أمثالهم: إذا قدمت من سفر فأهد لأهلك ولو حجر. وقال الجاحظ: ما استعطف السلطان ولا استرضى الغضبان ولا أزيلت السخائم ولا استدفعت المغارم بمثل الهدايا, وقالوا: في نشر المهاداة طي المعاداة. * * * وقال ضياء الدين ابن الأثير في رسالة يذكر فيها الهدية: الهدية رسول يخاطب عن مرسله بغير لسان ويدخل على القلوب من غير استئذان وبهدية المرء يستدل على عقله كما ذكر: أن رجلا أهدى على قتادة نعلا رقيقة فجعل النعمان يرزنها بيده ويقول: يعرف قدر الرجل في سخف هديته اللهم إلا أن يهدى شيئا سخيفا حقيرا فيصيره بالاعتذار عنه شريفا خطيرا. كما فعل أبو العتاهية فإنه أهدى إلى الفضل بن الربيع نعلا وكتب له معها: نعلا بعثت بها لتلبسها ... قدم تسير بها على المجد لو كان يحسن أن اشركها ... جلدي جعلت شراكها خدي وأهدى الأخيطل الأهوازي إلى ابن حجر في يوم نوروز طبقا فيه وردة وسهم ودينار ودرهم وكتب معه: قل لابن حجر ذي السماح الخضرم ... لا زلت كالورد نضير المبسم ونافذا مثل نفاذ الأسهم ... في عز دينار ونجح درهم * * * وقال بعضهم: من امتنع من إهداء القليل لجلالة قدر المهدي إليه انقطعت سبل المودة بينه وبين إخوانه ولزمه الجفاء من حيث التمس الإخاء. أبو العتاهية: هدايا الناس لبعض ... تولد في قلوبهم الوصالا وتزرع في القلوب وودا ... وتكسوهم إذا حضروا جمالا آخر: ما من صديق وإن تمت صداقته ... يوما بأنجح في الحاجات من طبق إذا تلثم بالمنديل منطلقا ... لم يخش نبوة بواب ولا غلق لا تكذبن فإن الناس مذ خلقوا ... لرغبة يكرمون الناس أو فرق وبالجملة إذا كانت من الصغير إلى الكبير فلطفت ودقت كان أبهي وأحسن، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فعظمت وجلت كان أوقع لها وأنجع. * * * أهدى يعقوب الكندي إلى بعض إخوانه سيفا وكتب معه: "الحمد لله الذي خصك بمنافع ما أهدى إليك فجعلك تهتز للمكارم اهتزاز الصارم, وتمضى في الأمور مضاء المأثور, وتصون عرضك بالإرفاد كما تصان السيوف في الأغماد, ويظهر دم الحياء في صفحة خدك المشروف كما يشف الرونق في صفحات السيوف, وتصقل شرفك بالعطيات كما تصقل متون المشرفيات" * * * وأهدى الصابى دواة ومرفعا وكتب معهما: " قد خدمت مجلس مولانا بدواة يداوى بها مرض عفاته, ويروى بها قلوب عداته على مرفع يؤذن بدوام رفعته وارتفاع النوائب عن ساحته. وأهدى أيضا على بعض الأصحاب فرسا وكتب معه: قد قدمت إليك فرسا والله تعالى يبارك لك فيه, ويجعل الخير معقودا بنواصيه والإقبال غرة وجهه, ونيل الأماني طلق شده, وفتح الفتوح غاية شأوه, وإدراك المطالب تحجيل قوائمه, وسلامة العواقب منتهي عنايه. والسلام. (من أهدى هدية حقيرة واعتذر عنها) كتب بعضهم مع هدية حقيرة: قبول الهدية أرومة ... وحاشاك أن ترد الكرم فإن الملوك على قدرها ... لتقبل نشابة أو قلم ابن التعاويذي: هدية المرء تنبي عن مروءته ... وعن حقارة مهديها وخسته وما يحيط من المهدي إليه إذا ... كانت محقرة عن قدر رتبته

طبعة دار الكتب المصرية 13471929

فاغفر جريمة من خست هديته ... وتلك منه على مقدار قدرته وكتب آخر مع هدية أهداها ليلا: بعثت عشيا إلى سيد ... بما هو من خلقه مقتبس هدية خل صحيح الإخاء ... جرى منه ذكرك مجرى النفس فجد بالقبول وأيقن بأن ... لفرط الحياء أتت في الغلس آخر: يأيها المولى الذي ... عمت أياديه الجميلة أقبل هدية من يرى ... في حقك الدنيا قليلة آخر: قد بعثنا إليك الل ... هـ بشيء فكن له ذا قبول لا تقسه على ندى كفك الغم ... ر ولا نيلك الكثير الجليل فاغتفر قلة الهدية منى ... إن جهد المقل غير قليل ومن ظرائف الهدايا التي هي من أحسن ما يسطر في الصف ويذكر, ما يروى: أن يحيى بن خالد بن برمك عزم على ختان ولده فأهدى إليه وجوه الدولة كل منهم بحسب حاله وقدرته, فصنع بعض المتجملين العاجزين خريطتين وملأ إحداهما ملحا مطيبا وملأ الأخرى سعدا معطرا, وكتب معهما رقعة فيها: "لو تمت الإرادة لأسعفت العادة, ولو ساعدت القدرة على بلوغ النعمة لتقدمت السابقين إلى خدمتك وأتعبت المجتهدين في كرامتك, لكن قعدت بي القدرة عن مساواة أهل النعمة, وقصرت بي الجدة عن مباهاة أهل المكنة, وخشيت أن تطوى صحيفة البروليس لي فيها ذكر فأنفذت المفتتح بيمنه وبركته وهو الملح والمختتم بطيبه ونظافته وهو السعد, باسطا يد المعذرة, صابرا على ألم التقصير متجرعا غصص الاقتصار على اليسير, والقائم بعذري في ذلك (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) والخادم ضارع في الامتنان عليه بقبول خدمته ومعذرته والإحسان إليه بالإعراض عن جراءته, والرأي أسمى. " ثم دخل دار يحيى ووضع الخريطتين والرقعة بين يديه فلما قرأ الرقعة أمر أن تفرغا وتملأ إحداهما دنانير والأخرى دراهم. * * * ومن الحكايات المستظرفة: ما يحكى أن بعض القيان افتصدت فأهدى لها محبوها هدايا فكان من جملتهم من أهدى ثلاث سلال مخيطة ففتحت سلة منها فوجدتها مملوءة ماشا وفيها رقعة مكتوب فيها: ماش خير من لاش. وفتحت الأخرى فإذا هي مملوءة عصافير فطاروا, وفيها رقعة مكتوب فيها: "هذه أعتقتها لوجه الله تعالى شكرا له على سلامتك من فصدك" وفتحت الأخرى فإذا هي فارغة لا شيء فيها إلا رقعة مكتوب فيها: "لو كان لنا شيء لأهديناه" فضحك من كان حاضرا, ولم تدع القينة شيئا مما أهدى غليها إلا أعطته منه. (اعتذار من لم يهد شيئا) تأنق في الهدية كل قوم ... غليك غداة شربك للدواء فلما أن هممت بها مدلا ... لموضع حرمتي بك والإخاء رأيت كثير ما أهدى قليلا ... لديكم فاقتصرت على الدعاء آخر: إن أهد نفسي فهو مالكها ... ولها أصون كرائم الذخر أو أهد مالا فهو واهبه ... وأنا الحقيق عليه بالشكر أو أهد شكرا فهو مرتهن ... بجميل فعلك آخر الدهر آخر: وافق المهرجان حاشاك منى ... رقة الحال وهي داء الكرام فاقتصرنا على الدعاء وفيه ... عون صدق على قضاء الذمام آخر: هديتي تقصر عن همتي ... وهمتي تفضل عن مالي فخالص الود ومحض الولا ... أحق ما يهديه أمثالي * * * وكان في قلب الأمين من إسحق الموصلي شيء فأهدى له جارية فردها, فكتب إليه إسحق: هتكت الضمير برد اللطف ... وكشفت أمرك لي فانكشف فإن كنت تحقد شيئا مضى ... فهب للخلافة ما قد سلف وجد لي بالعفو عن زلتي ... فبالفضل تأخذ أهل الشرف فلم يفعل فكتب إليه: أتيت ذنبا عظيما ... وأنت أعظم منه فخذ بحقك أولا ... فامنن بصفحك عنه 17- نهاية الأرب -لشهاب الدين النويري (المتوفي 733 هـ) طبعة دار الكتب المصرية 13471929 وأهدى ابن الحرون إلى بعض إخوانه أقلاما, وكتب إليه:

في الهدايا والتحف النفيسة الأثمان

إنه لما كانت الكتابة -أبقاك الله- أعظم الأمور وقوام الخلافة, وعمود المملكة, أتحفتك من آلتها بما يخف حمله وتثقل قيمته, ويعظم نفعه ويجل خطره, وهي أقلام من القصب النابت في الصحراء الذي نشف بحر الهجير في قشره ماؤه. وستره من تلويحه غشاؤه, فهي كاللآلئ المكنونة في الصدف, والأنوار المجوبة في السدف, وتبرية القشور, درية الظهور, فضية الكسور, قد كستها الطبيعة جوهرا كالوشى المحبر, ورونقا كالديباج المنير. * * * قال ابن خفاجة وقد أهدى مهرا بهيما: تقبل المهر من أخي ثقة ... أرسل ريحا به على المطر مشتملا بالظلام من شية ... لم يشتمل ليلها على سحر منتسبا لونه وغرته ... على سواد الفؤاد والبصر تحسبه من علاك مسترقا ... بهجة مرأى وحسن مختبر حن على راحة تفيض ندى ... فمال ظل به على نهر ترى به والنشاط يحفزه ... ما شئت من فحمة ومن شرر لو حمل الليل حسن دهمته ... أمتع طرف المحب بالسهر أحمى من النجم يوم معركة ... ظهرا وأجرى به من القدر اسود وابيض فعله كرما ... فالتفت الحسن فيه عن حور فازدد سنا بهجة بدهمته ... فالليل أذكى لغرة القمر ومثل شكري على تقبله ... يجمع بين النسيم والزهر * * * وقال ابن نباتة في فرس أدهم أغر محجل أهدى إليه: قد جاءنا الطرف الذي أهديته ... هاديه يعقد أرضه بسمائه أولاية وليتنا فبعثته ... رمحا سبيب العرف عقد لوائه تختال منه على أغر محجل ... ماء الدياجي قطرة من مائه وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه متمهلا والبرق من أسمائه ... متبرقعا والحسن من أكفائه ما كانت النيران يكمن حرها ... لو أن للنيران بعض ذكائه لا تعلق الألحاظ في أعطافه ... إلا إذا كفكفت من غلوائه * * * أهدت إلى بنفسجا ... أحبب بمهدية البنفسج فكأنه هي في اللطا ... فة والذكاء إذا تأرج أوراقه اللهب المط ... ل على الذبالة حين تسرج أو إثر قرص مؤلم ... في وجنة الخد المضرج وقال الميكالي فيه متفائلا به: يا مهديا لي بنفسجا أرجا ... يرتاح قلبي له وينشرح بشرني عاجلا مصحفه ... بأن ضيق الأمور ينفسح وتطير آخر به فقال: يا مهديا لي بنفسجا سمجا ... أود لو أن أرضه سبخ أنذرني عاجلا مصحفه ... بأن عقد الحبيب ينفسخ 18- مطالع البدور في منازل السرور لعلاء الدين البهائي الغزولي (المتوفي 825 هـ) الطبعة الأولى بمصر 1300 هـ. في الهدايا والتحف النفيسة الأثمان ذكر ابن بدرون في شرحه لقصيدة ابن عبدون عند ذكر كسرى وبنائه للسور المذكور في الباب السادس من هذا الكتاب: "ولما بنى كسرى هذا السور هادته الملوك وراسلته, فمنهم ملك الصين كتب إليه: من يعفور ملك الصين صاحب قصر الدر والجوهر الذي يجري في قصره بهران يسقيان العود والكافور, والذي توجد رائحة قصره على فرسخين, والذي تخدمه بنات ألف ملك, والذي في مربطه ألف فيل أبيض على أخيه كسرى أنوشروان. وأهدى غليه فارسا من در منضد, عينا الفارس والفرس من ياقوت أحمر, وقائم سيفه من الزمرد منضد بالجوهر, وثوبا حريرا صينيا وفيه صورة الملك على إيوانه وعليه حلته وتاجه, وعلى رأسه الخدم بأيديهم المذاب المصورة من ذهب تحمله جارية تغيب في شعرها يتلألأ جمالها. وغير ذلك مما تهديه الملوك إلى أمثالها" وكتب إليه ملك الهند: "من ملك الهند وعظيم ملوك الشرق وصاحب قصر الذهب وإيوان الياقوت والدر إلى أخيه كسرى أنوشروان ملك فارس صاحب التاج والراية. وأهدى إليه ألف من من عود يذوب في النار كما يذوب الشمع, ويختم عليه كما يختم على الشمع, وجاما من الياقوت الأحمر فتحه شير مملوء من در, وعشرة أمنان كافور كالفستق وأكبر من ذلك, وجارية طولها سبعة أذراع تضرب أشفار عينيها إلى وجنتيها كأن بين أجفانها لمعان البرق مع إتقان شكلها مقرونة الحاجبين, لها ضفائر شعر تجرها وفراشا من جلود الحيات الين من الحرير وأحسن من الوشى.

وكان كتابه في لحاء الشجر المعروف بالكاذي مكتوب بالذهب الأحمر وهذا الشجر يكون بأرض الهند والصين, وهو نوع من النبات عجيب ذو لون حسن وريح طيبة تتكاتب فيه ملوك الصين والهند. وكتب ملك التبت: من ملك التبتان ومشارق الأرض المتاخمة للصين والهند إلى أخيه المحمود السيرة والقدر ملك المملكة المتوسطة في الأقاليم السبعة كسرى أنوشروان. وأهدى إليه أنواعا مما تحمل من عجائب أرض تبت: منها مائة جوشن ومائة ترس مذهبة وأربعة آلاف من المسك في نوافج غزلانية. * * * وأهدى يعقوب بن الليث الصفار خرسان على المعتمد هدية في بعض السنين, من جملتها: عشرة بزاة, منها بازي أبلق لم ير مثله, ومائة مهر, وعشرون صندوقا على بغال عشرة, فيهم طرائف الصين وغرائبه, ومسجد فضة برواقين يصلى فيه خمسة عشر إنسانا ومائة من مسك, ومائة من عود هندي وأربعة آلاف درهم. * * * وأهدت ملكة فرنجة على المكتفى بالله في سنة ثلاث تسعين ومائتين خمسين سيفا وخمسين رمحا, وخمسين فرسا, وعشرين ثوبا منسوجا بالذهب, وعشرين خادما صقلبيا حسنا, وعشرة كلاب كبار لا تطيقها السباع, وست بازات, وسبعة صقور ومضرب حرير يجمع ثلاثة وعشرين ثوبا معمولا من صوف يكون في صدف يخرج من البحر يتلون بجميع الألوان كقوس قزح, يتلون كل ساعة لونا وثلاثة أطيار تكون في أرض فرنجة إذا نظرت إلى الطعام المسموم صاحت صياحا منكرا, وصفقت بأجنحتها ليعلم ذلك من حالها, وخرزا يجتذب النصول فتخرج من غير ألم. وقدم الرسول بكتابها وهديتها, وكان في فصل من كتابها: "وعرفت أن بينك وبين ملك قسطنطينية صلة, وأنا أوسع منه سلطانا, وأكثر جندا, وأشد سطوة, وملكي على أربع وعشرين مملكة لسانها لا يشبه الآخر, وفي مملكتي وطاعتي رومية الكبرى. * * * (ومن طرائف الهدايا) ما أهدته شجرة الدر جارية المتوكل, وكان يميل إليها ميلا كبيرا ويفضلها على سائر حظاياه. فلما كان يوم المهرجان أهدى إليه حظاياه هدايا نفيسة واحتفلن في ذلك, فجاءت شجرة الدر بعشرين غزالا مرببة, عليهن عشرون سراجا صينيا, على كل غزال خرج صغير مشبك حرير فيه المسك والعنبر والغالية وأصناف الطيب, ومع كل غزال وصيفة بمنطقة ذهب وفي يدها قضيب ذهب في رأسه جوهرة. فقال المتوكل لحظاياه وقد سر بالهدية: ما فيكن من تحسن مثل هذا وتقدر عليه, فحسدنها وعملن على قتلها بشيء سقينه لها فماتت. * * * عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو عبد الرحمن الأمير ولى المدينة للرشيد, ثم ولى الشام والجزيرة للأمين. وجه إلى الرشيد فاكهة في أطباق خيزران وكتب إليه: أسعد الله أمير المؤمنين وأسعد به, دخلت على بستان أفادنيه كرمك وغمرته لى نعمك قد أينعت أشجاره وتهدلت ثماره فوهبت على أمير المؤمنين من كل شيء شيئا على القدرة والإمكان في أطباق القضبان ليصل إلى من بركة دعائه مثل ما وصل إلى من بركة عطائه. فقال رجل: يا أمير المؤمنين, لم أسمع بأطباق القضبان. فقال: يا أبله كنى عن الخيزران بالقضبان إذ كان اسما لأمنا. * * * أنشدني في المجدي فضل الله بن مكانس وقد أهدى له والده تحفا جليلة: تناهيت في برى على أن هديتني ... وقد كنت قبل في الغي ساريا وأهديت لي ما حير الفكر حسنه ... فلا زلت في الحالين للعبد هاديا * * * وأهدى بعض ملوك الهند إلى الرشيد قضيب زمرد أطول من ذراع وعلى رأسه تمثال طائر ياقوت أحمر لا قدر له نفاسة, قوم هذا الطائر على حدته لمائة ألف دينار. * * * ودفع مصعب بن الزبير حين أحس بالقتل إلى مولاه زياد فصا من الياقوت الأحمر, وقال له: انج بهذا, وكانت قيمته ألف ألف درهم. وسقط من يد الرشيد في ارض كان يتصيد فيها فاغتم لفقده, فذكر له فص ابتاعه صالح صاحب المصلى بعشرين ألف دينار, فأحضره ليكون عوضا عما سقط منه, فلم يره عوضا عنه. * * *

في ذكر الهدايا والتحف

ووهب المأمون للحسن بن سهل عقدا قيمته ألف ألف درهم, وقوم الجوهر الذي سلم من النهب عند فتنة المأمون بألف ألف ألف مائة ألف وستة عشر ألف درهم. ووجد في تركة السيدة بنت المعز العبيدي طست وإبريق من البلور, ومدهن ياقوت أحمر وزنه تسعة وعشرون مثقالا, وكان الناس يستعظمون الطست والإبريق إلى أن قبض على أبي محمد اليازوري وزير المستنصر العبيدي, فوجد عنده تسعون طستا بأباريقها من صافى البلور وجيده كبارا وصغارا, فهان عليهم ما استعظموه. * * * وأهدى صاحب قلعة "اصطخر" إلى السلطان الملك العادل ألب أرسلان السلجوقي قدح فيه منوا مسك مكتوب عليه: "جم شاد" أحد ملوك الفرس الأول. 19- المستطرف في كل فن مستظرف للشيخ شهاب الدين أحمد الأبشيهي (المتوفي 850 هـ) طبعة القاهرة 1279 هـ. (ذو الرياستين) الفضل بن سهل لأنه دبر أمر السيف والقلم, وولى رياسة الجيوش والدواوين, ودخل عليه شاعر يوم المهرجان وبين يديه الهدايا فقال: اليوم يوم المهرجان ... هديتي فيه اللسان لك دولتان حديثة ... وقديمة ورياستان لك في الورى من هاشم ... نبت وبيت خسروان علم الخليفة كيف أنت فصرت في هذا المكان فأمر له بجميع الهدايا. في ذكر الهدايا والتحف قال الله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) فسرها بعضهم بالهدية. وقال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا فإنها تجلب المحبة وتذهب الشحناء) . وقال صلى الله عليه وسلم: (الهدية مشتركة) . وقال صلى الله عليه وسلم: (من سألكم بالله فأعطوه ومن استعاذكم بالله فأعيذوه ومن أهدى إليكم كراعا فاقبلوه) وكان صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها ما هو خير منها. وفي الأثر: (الهدية تجلب المحبة إلى القلب والسمع والبصر) . ومن الأمثال إذا قدمت من سفر فأهد لأهلك ولو حجرا. وقال الفضل بن سهل: ما استرضى الغضبان ولا استعطف السلطان ولا سلبت السخائم, ولا دفعت المغارم, ولا استميل المحبوب, ولا توقى المحذور, بمثل الهدية. وأتى فتح الموصلي بهدية وهى خمسون ديناراً فقال حدثنا عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتاه الله رزقا من غير مسألة ورده فكأنما رده على الله تعالى) . وأهدى رسول الله صلى عليه وسلم هدية على عمر فردها فقال: يا عمر لم رددت هديتي فقال رضي الله عنه إني سمعتك تقول: (خيركم من لم يقبل شيئا من الناس) فقال يا عمر إنما ذاك ما كان عن ظهر مسألة فأما إذا من غير مسألة فإنما هو رزق ساقه الله إليك. وقالت أم حكيم الخزاعية سمعت رسول الله عليه وسلم يقول: (تهادوا فإنه يضاعف الحب ويذهب بغوائل الصدر) ويقال في نشر المهاداة طي المعاداة. ذكر أنواع الهدايا للخلفاء وغيرهم ممن قصرت به قدرته فأهدى اليسير وكتب معه مكاتبة يعتذر بها أهدى إلى سليمان بن داود عليهما السلام ثمانية أشياء متباينة في يوم واحد فيلة من ملك الهند, وجارية من نلك الترك, وفرس من ملك العرب, وجوهرة من ملك الصين, واستبرق من ملك الروم, ودرة من ملك البحر, وجرادة من ملك النمل, وذرة من ملك البعوض, فتأمل ذلك وقال: سبحان القادر على جمع الأضداد. وأهدى ملك الروم إلى المأمون هدية فقال المأمون أهدوا له ما يكون ضعفها مائة مرة ليعلم عز الإسلام ونعمة الله تعالى علينا ففعلوا ذلك فلما عزموا على حملها قال: ما أعز الأشياء عندهم قالوا المسك والسمور قال وكم في الهدية من ذلك قالوا مائتا رطل ومائتا فروة سمور. * * * وأهدت قطر الندى إلى المعتضد بالله في يوم نيروز في سنة اثنتين وثمانين ومائتين هدية كان فيها عشرون صينية ذهب في عشرة منها مشام عنبر وزنها أربعة وثمانون رطلا, وعشرون صينية فضة في عشرة منها مشام صندل زنتها نيف وثلاثون رطلا, وخمس خلع وشى قيمتها خمسة آلاف دينار, وعملت شمامات ليوم النيروز بلغت النفقة عليها ثلاثة عشر ألف دينار. وأهدى يعقوب بن الليث الصفار إلى المعتمد على الله هدية في بعض السنين من جملتها عشرة بازات منها باز أبلق لم ير مثله, ومائة مهر, وعشرون صندوقا على عشر بغال فيهم طرائف الصين وغرائبه, ومسجد فضة بدرابزين يصلى فيه خمسة عشر إنسانا ومائة رطل من مسك ومائة رطل عود هندى وأربعة آلاف ألف درهم. * * *

وأهديت تريا بنت الأوباري ملكة أفرنجة وما والاها إلى المكتفى بالله في سنة ثلاث وسبعين ومائتين, خمسين سيفا وخمسين رمحا وعشرين ثوبا منسوجا بالذهب وعشرين خادما صقلبيا وعشرين جارية صقلبية وعشرة كلاب كبار لا تطيقها السباع وستة بازات وسبع صقور ومضرب حرير متلون بجميع الألوان كلون قوس قزح يتلون في كل ساعة من ساعات النهار وثلاثة أطيار من الأطيار الإفرنجية إذا نظرت إلى الطعام أو الشراب المسموم صاحت صياحا منكرا وصفقت بأجنحتها حتى يعلم بذلك وخرزا يجلب النصول بعد نبات اللحم عليها بغير وجع وحمارة وحشية عظيمة الخلقة في قدر البغل وآذانها شبه آذان البغل وهي مخططة تخطيطا عاما لجميع خلقتها. وأهدى قسطنطين ملك الروم على المستنصر بالله في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة هدية عظيمة اشتملت قيمتها على ثلاثين قنطارا من الذهب الأحمر كل قنطار منها عشرة آلاف دينار عربية. وحكى أن الخيزران جارية المهدي كانت أديبة شاعرة فعزم المهدي على شرب دواء فأنفذت إليه جام بلور فيه شراب اختارته له مع وصيفة بكر بارعة الجمال وكتبت غليه تقول: إذا خرج الإمام من الدواء ... وأعقب بالسلامة والشفاء وأصلح حاله من بعد شرب ... بهذا الجام من هذا الطلاء فينعم للتي قد أنفذته ... إليه بزورة بعد العشاء فسر بذلك ووقعت بذلك ووقعت الجارية منه أعظم موقع وزار الخيزران وأقام عندها يومين. * * * وأهدى الصابي على عضد الدولة اسطرلابا في يوم المهرجان وكتب غليه يقول: وأهدى إليك بنو الأملاك واحتفلوا ... في مهرجان جديد أنت تبليه لكن عبدك إبراهيم حين رأى ... سمو قدرك عن شيء يدانيه لم يرض بالأرض يهديها غليك وقد ... أهدى لك الفلك العلى بما فيه * * * وأهدى رجل على المتوكل قارورة ذهب وكتب معها: إن الهدية إذا كانت من الصغير على الكبير فكلما لطفت ودقت كانت أبهى وأحسن وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فكلما عظمت وجلت كانت أوقع وأنفع. * * * وأهدى مرة أبو الهذيل إلى موسى بن عمران دجاجة وصفها له بصفات جليلة ثم لم يزل يذكرها وكلما ذكر شيء بجمال أو سمن قال هو أحسن وأسمن من الدجاجة التي أهديتها إليكم وإن ذكر حادث قال ذلك قبل أن أهدى لكم الدجاجة بشهر وما كان بين ذلك وبين إهداء الدجاجة إلا أيام قلائل فصارت مثلا لمن يستعظم الهدية ويذكرها. قال الشاعر: وإن امرأ أهدى إلى صنيعة ... وذكرنيها مرة للئيم * * * وقال سفيان الثوري إذا أردت أن تتزوج فأهد للأم وكان سفيان يروى عن ابن عباس رضى الله عنه: "من أهديت إليه هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها" فأهدى إليه صديق ثيابا من ثياب مصر وعنده قوم فذكروا الخبر فقال إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب أما في ثياب مصر فلا. وكتب الحمدوني على جارية اسمها برهان وقد حج مواليها فقال: حجوا مواليك يا برهان واعتمروا ... وقد أتتك الهدايا من مواليك فأطرفيني بما قد أطرفوك به ... ولا تكن طرفتي غير المساويك ولست اقبل غلا ما جلوت به ... ثنيتيك وما رددت في فيك وكتب بعضهم إلى صديقه وقد أهدى غليه هدية يسيرة يقول: تفضل بالقبول على إني ... بعثت بما يقل العبد عندك * * * وأهدى بعضهم على صديقه هدية في يوم نيروز وكتب غليه يقول هذا يوم جرت فيه العادة بألطاف العبيد للسادة, وقدر الأمير يجل عما تحيط به المقدرة, وفي سؤدده ما يوجب التفضل ببسط المعذرة, وقد وجهت ما حضر علما بأنه لا يستكثر ما جل, ولا يستقل لعبده ما قل, فإن رأى أن يتطول بقبول القيل كتطوله بإهداء الجزيل فعل, وجعل يقول: رأيت كثير ما يهدى إليكم ... قليلا فاقتصرت على الدعاء * * * وبلغ الحسن بن عمارة أن الأعمش يقع فيه ويقول ظالم ولى المظالم فأهدى إليه هدية فمدحه الأعمش بعد ذلك وقال: الحمد لله الذي ولى علينا من يعرف حقوقنا. فقيل له كنت تذمه ثم الآن تمدحه فقال حدثني خيثمة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (جبلت القلوب على حب من أحسن إليها, وبغض من أساء إليها) .

وقال عبد الملك بن مروان ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الكتاب يدل على عقل كاتبه, والرسول يدل على عقل مرسله, والهدية تدل على عقل مهديها. والله تعالى أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

§1/1