التحصيل من المحصول

السِّرَاج الأُرْمَوي

هَذَا الْكتاب قدم لنيل دَرَجَة الدكتوراة ونوقش مسَاء الِاثْنَيْنِ الْمُوَافق للتاسع من شهر شَوَّال سنة 1398 هـ ونال مقدمه مرتبَة الشّرف الأولى مَعَ التوصية بالطبع والتداول بَين الجامعات.

جَمِيع الْحُقُوق مَحْفُوظَة الطبعة الأولى 1408 هـ - 1988 م مؤسَّسَة الرسَالة للطباعةِ والنشر والتوزيع مؤسَّسَة الرسَالة بَيرْوت - شَارع سُوريَا - بنَاية صَمَدي وَصَالحَة هَاتف: 319039 - 241692 - صَ. بَ: 7460 برقيًّا، بيوشران

مقدمة المحقق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين الذي هدانا لطريق الحق وجعلنا مسلمين. ووفقنا لتحقيق التحصيل من المحصول، وأعاننا في البدء ويسّر لنا الختام. وكان عوناً لنا على مرِّ الليالي والأيام. وأمدّنا بالصبر والمثابرة، كلما غزا القلب والعينين الملل والسهاد. فله الحمد والشكر اللذان يليقان بكماله وجلاله سبحانه. وصلواته وسلامه على من أدّى الأمانة وبلَّغ الرسالة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلَّا هالك، وعلى الآل والصحب الطيبين الطاهرين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الله جلَّ شأنه لم يخلقنا عبثاً بل خلقنا لأمر عظيم. قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (¬1). ولم يتركنا جلَّ شأنه هملاً بل بعث إلينا الرسل، وأيدهم بالمعجزات فمن أطاعهم واتبع سبيلهم دخل جنةً عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. ومن عصى وتولى أعدَّ له ناراً وقودها الناس والحجارة. قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (¬2). وقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (¬3). وأوحى لرسله شرائع تصلح حال الناس في المعاش والمعاد. وكان آخر هذه الشرائع شريعة خاتم الأنبياء والمرسلين محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- التي امتازت عن ¬

_ (¬1) [الذاريات: 56]. (¬2) [النساء: 165]. (¬3) [طه: 124].

سائر الشرائع بالعموم والشمول. قال -صلى الله عليه وسلم-: "أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي". ومنها (كان كل نبي يبعث في قومه خاصة "وبعثت إلى الأحمر والأسود" (¬1). واحتفظ جلَّ شأنه بحق التشريع لنفسه، وأمر عباده بالاحتكام إلى ما نزَّل قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬2). وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (¬3) وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (¬4) وقال تعالي: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (¬5) وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (¬6) وما ذلك إلَّا لعلم اللُه سبحانه وتعالى بالإنسان، وما أودع فيه من غرائز، كحب النفس وحب المال والبنين وإيثار الحياة الدنيا، وما ركب فيه من شهواتٍ، كشهوة البطن والفرج وحب الظهور وحب الاستطلاع، فيعلم ما يكنه صدره وما توسوس به نفسه. زد على ذلك أن العلم الذي منحه إياه علم محدود، والعقل الذي وهبه إياه له مجال لا يتخطاه، فتحقيق هذه الغرائز والرغبات والمصالح المختلفة معوقات عن كون الإنسان أهلاً للتشريع. وما عليه البشرية اليوم من الحيرة وعدم استقرار النفوس وكدر العيش والقلق المستمر، والعداوة والبغضاء والتقاطع بين الأرحام والتهارش على هذه الدنيا، إنما سببه الاحتكام إلى شريعة وضعها البشر لا يكاد يستقر لها قرار، ولا يثبت لها حال، فكل يوم مرسوم يعدل ما مضى ونظام ينسخ ما سلف وسرعان ما ينقض الجديد بالأجد. ولعلَّ هذا التبديل والتغيير يكون لمصلحة أفرادٍ معدودين، حتى إذا حصلت لهم المصلحة استبدل بنظام آخر وهلم جراً. قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (¬7). ¬

_ (¬1) متفق عليه (الفتح الكبير: 1/ 199). (¬2) [النساء: 65]. (¬3) [الأنعام: 57]. (¬4) [المائدة: 49]. (¬5) [المائدة: 44]. (¬6) [الأحزاب: 36]. (¬7) [النساء: 82].

ولا خروج للبشرية مما هي فيه إلَّا بالرجوع لدين الله الذي لا يقبل سواه قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (¬1). ولن يُصلح شأن هذه الأمة إلا ما صلح به أولها. وهي ليست في حاجة لاستيراد التعاليم، بل مأمورة بالتصدير إلى البشرية جمعاء. وكل ما يجري في أرجاء المعمورة الآن هو برهان قاطع ودليل ساطع على أن المستقبل لهذا الدين. وما يقذف به الإسلام وأنظمته من عدم صلاحيته للحكم لتغير الحياة واختلاف الزمان، سواء أكان هذا الهراء من أعداء الدين الظاهرين، أم ممن تسموا بأحمد ومحمد وعاشوا بين أظهرنا، فهو إما نابع عن حقدٍ خبيث أو جهل بالإسلام. فالإسلام قد سيَّر دفةَ الحكم ونظم الحياة للخلافة الإسلامية، لما كان امتدادها من الصينِ شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً ومن فينَّاَ شمالًا إلى أواسط إفريقيا جنوباً، فكيف يرمى الآن بالجمود ويتهم بالقصور؟. بل هو صالح لكل زمانٍ ومكان، ولكن يحتاج إلى علماء أفذاذ لا تأخذهم في الحق لومة لائم، ينكبون عليه تنقيحاً وتنظيماً ودرساً واستنباطاً، فيكشفون لنا عن عظمة هذا الدين ومدى صلاحيته لأن يسود الأرض. وما دام أن الهدف من وجودنا في هذه الحياة هو تحقيق العبوديَّة لله، وما دام أن الله جل شأنه لم يكلنا لأنفسنا في تحقيق ذلك، بل أرسل إلينا الرسل وأيدهم بالوحي، فلابد لنا من فهم هذا الوحي ومعرفة مراميه وأهدافه، وما فيه من التعاليم التي تصلح لنا المعاش والمعاد. فكتاب الله وسنّة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-هما النبعان الصافيان اللذان تكفلا بسعادة الدنيا ونعيم الآخرة لمن تمسك بهما. ولكن فهم ما فيهما بعد أن فسدت السليقة وأصاب اللسان العجمة لا يتسنى لكل فردٍ من الأمة. فاختص بالفهم الشامل والاستنباط جماعة توفرت فيهم شروط وظهرت فيهم مميزات، تؤهلهم لذلك، فأحاطوا بدقائق علمٍ خاص سموه علم أصول الفقه، ونص العلماء على أن حكم تعلمه فرض ¬

_ (¬1) [آل عمران: 85].

كفاية لحاجة الأمة إلى استنباط الأحكام الشرعية للحوادث المتجددة. وعلم أصول الفقه من أشرف (¬1) علوم الشريعة، وذلك لعموم موضوعه بالنسبة لسائر علوم الشريعة، لحاجة الفقيه والمفسر والمحدث وغيرهم إليه. وبالتالي يكون أفضل العلوم على الإطلاق لشرف علوم الشريعة على غيرها، وبعضهم فضل العلم الذي يبحث في ذات الله تعالى وذلك لشرف موضوعه. وقد ذكر علماء الأصول فضل هذا العلم في بداية مصنفاتهم فقال حجة الإسلام محمد الغزالي في مقدمة كتابه المستصفى (¬2): (وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع واصطحب فيه الرأي والشرع. وعلم الفقه وأصوله من هذا القبيل. فإنه يأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل. فلا هو تصرفٌ بمحض العقول بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول ولا هو مبني على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد). ومن أهم فوائد هذا الفن التي لا تحصى (¬3): 1 - التمكين من نصب الأدلة السمعية على مدلولاتها ومعرفة كيفية استنباط الأحكام الشرعية منها. إذ بدون معرفة قواعد هذا الفن لا يتسنى للإنسان النظر في الأدلة، وذلك لأنه لا بد للمستنبط من معرفة أشياء منها: دلالات الألفاظ من حيث الحقيقة والمجاز، والمجمل والمبين والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم، والناسخ والمنسوخ، والمجمع عليه والِإجماع الذي يعتد به، ومعرفة ظنية الأخبار من قطعيتها، وما يحتج به منها وما لا يحتج به، ثم إذا تعارضت الأدلة فلابد وأن يكون متمكناً من مسالك النظر فيها. وهذه كلها تتوفر في الأصولي. فالمتقن لهذا الفن يصل إلى مرتبة الاجتهاد والاستنباط. وحتى إذا لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد فعلى الأقل تؤهله للنظر في أقوال ¬

_ (¬1) مذكرة لم تطبع لشيخنا الدكتور عبد الغني محمد عبد الحق. (¬2) المستصفى ص 9. (¬3) مذكرة لشيخنا الدكتور عبد الغني محمد عبد الخالق لم تطبع.

المتقدمين وحججهم، وبسبرها يتوصل للقول الراجح من المرجوح، ويعرف عقيم الأدلة وصحيحها بواسطة القواعد التي اكتسبها من هذا الفن، فيخرج من دائرة التقليد الذي هو طريق معرفة الأحكام للعامي ومن في منزلته. 2 - العالم بهذا الفن يشعر بالاطمئنان إلى ما نقل إليه من أحكام في كتب المتقدمين من الأئمة الأعلام، الذين ملكوا ناصية هذا الفن ودونوا لنا أحكاماً تدل على علو كعبهم ورسوخ أقدامهم، وأنها كانت بناء على قواعد ثابتة وأسس حكيمة فليست تبعاً لميل النفس وتلبيةً للرغبة والشهوة. 3 - يشعر العالم بهذا الفن بأن هذا الدين وقد جعله الله خاتم الشرائع، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن المستقبل له وسيظهر فساد كل ما عداه من القوانين الوضعية البشرية مهما كان واضعها. ومهما رُفع لترويجها من شعارات، فالعدالة الاجتماعية هي روح الِإسلام ومنه نبعت، والتعاون الذي يلوحون به طَبَّقه الِإسلام في صورةٍ مثالية. قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (¬1). وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (¬2) وأما الإحسان فيكفينا فيه قوله-صلى الله عليه وسلم-: "دخلت امرأة النار في هرةٍ حبستها لا هيَ أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت" (¬3). وأما الإِحسان للِإنسان فيقول تعالى فيه: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (¬4). بل جعل الِإسلام هذا الحق ركناً من أركان الإِسلام لا يتم إسلام المؤمن إلَّا بالاعتراف به. فإذن كل ما يدعونه من الخير، فقد جاء به الِإسلام قبل أربعة عشر قرناً فأخذوا من الِإسلام جذوة بل بصيصاً من عدله ورحمته ¬

_ (¬1) [الحشر: 9]. (¬2) [المائدة: 2]. (¬3) متفق عليه عن ابن عمر (كشف الخفا 1/ 403). (¬4) [المعارج: 24، 25].

ورفقه وادَّعوه لأنفسهم، والأغرب من ذلك استوردناه من عندهم متجاهلين أن ما عندنا خير منه. 4 - وبهذا العلم نستطيع أن نرد على الفِرَق الضالة الملحدة التي تنتسب للِإسلام وتكيل إليه التهم في أصله الأصيل. سواء أكان ذلك بالنسبة للقرآن الكريم أن فيه ألفاظاً مهملة (كالحشوية). أو أنه لا دلالة فيه على حلالٍ أو حرام كالهشامية (¬1) من الشيعة الِإمامية. أم بالنسبة للسنة المطهرة كقول بعض المعتزلة (لا حجة في أخبار الآحاد) وكإنكار كون القياس والِإجماع من الحجج الشرعية (كالنطام وبعض الرافضة) (¬2). وقد أجمل جمال الدين الأسنوي المتوفى سنة 772 هـ فوائد هذا الفن، وغايته في مقدمة كتابه التمهيد بقوله: (فأصول الفقه هو المعلم الذي يكوَّن المجتهد المبدع والفقيه المثمر المنتج، ويقضي على أُكذوبة غلق باب الاجتهاد، ويذهب بأسطورة سد طريق الاستنباط، وأنه لا يمكن أن يستغني عنه من أراد أن يتأهل للنظر والاجتهاد. ولا من يهتم بعلم الفقه والخلاف ويتعرض لمقارنة المذاهب المختلفة والموازنة بين الآراء المتباينة، ويعنى بإظهار أدلتها وعللها وكيفية دلالتها عليها، ويحرص على التقريب بينها أو إظهار الحق فيها وبيان قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها. ومعرفة أسرار آيات القرآن وأحاديث السنة المطهرة والوصول للأحكام التي تؤخذ منها). عملي في الكتاب: 1 - ترجمت للمؤلف بترجمة وافية تبين نَسبه ومولده ونشأته ومنزلته بين العلماء وشيوخه وأقرانه وتلاميذه ومؤلفاته. والكتب التي تأثر بها وتأثرت بكتاب التحصيل وبينت مسلك الأرموي في الاختصار. كما أظهرت قيمة الكتاب العلمية. ¬

_ (¬1) نسبة لهشام بن الحكم "الملل والنحل للشهرستاني" 1/ 184. (¬2) لها ترجمة في القسم التحقيقي ص 2/ 39.

2 - قمت بنسخ إحدى النسخ وهي التي غلب على ظني أنها أفضل النسخ الموجودة، وسلكت في ذلك أنني كنت أكتب سبعة أسطرٍ في كل صفحة من الصفحات اليسرى، وتركت الصفحة اليمنى خالية وذلك لتدوين الحواشي، وإثبات المقابلات بين النسخ عند الاختلاف وتوضيح ما يحتاج إلى ذلك. 3 - قمت بمقابلة الصورة المنسوخة بما نسخت للتأكد من صحة النسخ. ثم قابلت باقي النسخ مع إثبات مخالفة كل نسخةٍ للنسخة المنسوخة في الهامش وبعد أن وضعتُ لكل نسخة رمزاً خاصاً، وقد بينتُ الرمز المستعمل لكل نسخةٍ في المبحث الخاص بنسخ كتاب التحصيل ولم أترك من هذه الفروق إلا ما لا تدعو الحاجة إلى إثباته ومن ذلك: أ- ألفاظ تنزيه الله تعالى الواردة بعد لفظ الجلالة، فاخترت منها لفظ تعالى. ب - ألفاظ الصلاة والسلام على الرسول-صلى الله عليه وسلم-فكنت أثبت أكملها في الغالب، مثل-صلى الله عليه وسلم-أو عليه الصلاة والسلام. جـ - ألفاظ الترضي، والترحم، فاخترت رضي الله عنه للصحابة، ورحمه الله لغيرهم من المسلمين. د- تصحيح صور كتابة بعض الكلمات التي تخالف قواعد الِإملاء العصرية، ولم أنبه على ذلك في كل موضع لكثرته، وخاصة إبدال الهمزة ياء. 4 - قابلت التحصيل مع المحصول فقرة فقرة وكلمة كلمة لأعرف مدى الاختصار، ودونت ما دعت إليه الحاجة لتوضيح التحصيل، واستعنت بالمحصول في ترجيح الراجح من الألفاظ المختلفة بين النسخ. 5 - قابلت التحصيل مع نهاية السول للعلامة جمال الدين الأسنوي، وذلك لأنه أكثر من النقل عنه وتأكدت من صحة ما عزاه له. 6 - رقمت الآيات القرآنية الموجودة في المتن مبيناً لسورة ورقم الآية.

7 - خرجت الأحاديث النبوية الشريفة وآثار الصحابة والتابعين، وعزوتها للكتب التي وردت فيها وبينت درجتها من الصحة. 8 - خرجت الأشعار والأمثال بذكر قائليها ومناسبتها ومكان ورودها. 9 - ترجمة للأعلام والأماكن والفرق الواردة في المتن. 10 - تأكدت من صحة نسبة الأقوال الفقهية والأصولية لأصحابها، مع ذكر مكان ورودها في كتبهم كلما أمكن ذلك. 11 - شرحت بعض الألفاظ الغريبة والعبارات المشكلة والمصطلحات العلمية. 12 - أجبت عن معظم اعتراضات القاضي الأرموي على الإمام الرازي - رحمهما الله تعالى-، وأحصيتها إحصاءً كاملًا فوجدتها أربعةً وثمانين اعتراضاً. 13 - نسخت الكتاب مرة أخرى مثبتاً اللفظ الصحيح أو الأصح في المتن، مشيراً للفظ المخالف ذاكراً في الغالب سبب اختيار اللفظ المختار في الهامش. 14 - أثناء نسخ الكتاب في المرة الأخيرة وضعتُ عناوين مناسبةً بشكل بارزٍ مع إضافة ألفاظٍ لا بد منها. ووضعتُ الفواصل والنقط بما يسهل فهم المعنى، لأن الكتاب كان كسائر كتب ذلك العصر لا يوجد فيه فواصل وعناوين بارزة، بل مقسماً تقسيماً جيداً إلى أبواب وفصول ومسائل مدموجة بين السطور. 15 - صححت بعض الألفاظ المخالفة لقواعد الصرف والنحو وهي نادرة جداً. 16 - ألحقت بالكتاب ثمانية فهارس: فهرساً للآيات، وفهرساً للأحاديث والآثار، فهرساً للشعر والأمثال، فهرساً للأعلام، فهرساً للطوائف والأماكن، فهرساً للكتب، فهرساً للمراجع، فهرساً لمحتويات الرسالة. هذا وانني لا أدّعي الكمال فيما قمت به بل هو جهد المقل، فإن كان صواباً فهو من توفيق الله جلَّ شأنه وله الحمد والشكر، وإن كان غير ذلك- لا

سمح الله- فهو مني وأستغفر- الله من ذلك. وحسبي أنني بذلت قصارى جهدي وعملت ما في وسعي. وإنني والحمد لله ممن يثلج صدره أن تهدى إليه عيوبه فرحم الله امرأً أهدى إلينا عيوبنا. وكل إِنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر، كما قال الإمام مالك مشيراً لقبر رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، سائلاً المولى أن يوفقنا للعمل بما علمنا لأنه هو الغاية والمبتغى. المحقق

ترجمة المؤلف

ترجَمَة المؤلّف نَسَبهُ وَمَولدهُ وَنشْأته هو أبو الثناء سراج الدين محمود بن أبي بكر بن أحمد بن حامد الأرموي (¬1) الأذربيجاني التنوخي (¬2) الدمشقي الشافعي. ولد في مدينة أُرمية من أعمال أذربيجان وهي الآن تسمى رضائية تابعة لدولة إيران. وذلك سنة 594 هـ. وقد زار هذه المدينة ياقوت الحموي، ووصفها في كتابه العظيم ¬

_ (¬1) نسبة إلى أُرمية بضم الهمزة وسكون الثاني وميم مكسورة وياء مفتوحة خفيفة وهاء. ونقل في هذه النسبة ياقوت الحموي عن الفارسي بحثاً أذكره بتمامه إتماماً للفائدة قال الفارسي: أما قولهم في اسم بلدة أرمية متجوَّز في قياس اللغة العربية تخفيف الياء وتشديدها. فمن خففها كانت الهمزة على قوله أصلاً، وكان حكم الياء أن تكون واواً للِإلحاق ببَيْرين ونحوه. ولكن الكلمة لما لم تجئ على التأنيب كعنصرة أبدلت ياءً كما أبدلت في جمع عرقوه إذ قالوا: عرق. وقال: حتى تقضي عرقي الدلي. ويجوز في الشعر أن تكون الياء للنسبة وتخفف كما قال ابن الخواري: من شدد الياء احتملت الهمزة وجهين. أحدهما: أن تكون زائدة فإذا جعلتها أفعولة من رميت. والآخر: أن تكون فعلية إذا جعلتها من أرم فتكون الهمزة فاء. وأما قولهم في اسم الرجل "إرميا" فلا يكون في قياس العربية "إفعلا" ولا يتجه فيه ما يتجه في أرمية من كون الياء منقلبة عن واو. أما ترى أن ما جاء وفيه الألف من المؤنث، لا يكون إلا مبنياً عليها وليست مثل الياء التي تبنى مرة على التأنيث ومرة على التذكير. (¬2) بعد البحث والتقصي لم أستطع أن أقطع بسبب نسبة القاضي الأرموي إلى تنوخ، مع أن القاضي الأرموي من مواليد أذربيجان من أصل كردي. وتنوخ قبيلة عربية الأصل من اليمن وهي عبارة عن عدة قبائل سكنت البحرين قبل الإسلام، واتحدت وكونت لها دولة في مدينة الحيرة، وكان من ملوكهم النعمان بن المنذر. ومعظم هذه القبائل تنصر قبل الِإسلام، واختلطوا بأجناس أخرى، وقد ورد ذكرهم في عدة جهات في حروب الفتح الإسلامي فمنهم من كان يسكن دومة الجندل. وقسم كان يسكن نواحي مدينة حلب في عهد هارون الرشيد، =

معجم البلدان، وذلك سنة 617 هـ عندما كان عمر القاضي سراج الدين الأرموي ثلاثة وعشرين عاماً فقال: (هي مدينة عظيمة قديمة بأذربيجان، بينها وبين البحيرة نحو ثلاثة أميال أو أربعة، وهي فيما يزعمون مدينة زرادشت نبي المجوس. رأيتها سنة 617 هـ. وهي مدينة حسنة كثيرة الماء إلا أنها غير مرعية من جهة السلطان لضعفه وهو (إزبك بن البهلوان بن إيدكز) وبينها وبين تبريز ثلاثة أيام، وبينها وبين أربيل سبعة أيام. ونسب إليها جماعة منهم: أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن محمد الشويخ. وأبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي ومظفر بن يوسف الأرموي (¬1). ونشأ وتلقى علومه الأولية في بلده، ولم أجد من ذكر على من أخذ علومه ومتى كانت بداية طلبه العلم ولا نوع العلوم التي حصلها، ولا متى هجر بلاده ليلتقي بموسوعة العلوم آنذاك في الموصل كمال الدين بن يونس، ولكن يغلب على ظننا أنه كان بعد أن بلغ مبلغ الرجال لأن العلوم العقلية المنطقية والفلسفية لا يبدؤ بها في الطلب. ولم نعرف شيئاً عن بيئته الخاصة وأسرته التي ترعرع فيها، وأعوذ بالله أن أتكلف ما لم أجد رغم البحث الشديد والتقصي (¬2). ¬

_ = ثم هجروها إلى قنسرين. ويذكر البلاذري في صفحة 146 أنهم بعد قنسرين ذهبوا إلى تكريت وأرمينية وبلاد بحر الروم وغيرها من الجهات. وما ذكره البلاذري عن تشتت هذه القبائل، فلا مانع أن تكون قد وصلت إلى أرمية، فيكون القاضي سراج الدين الأرموي من أصل عربي. وقد يكون أنه اكتسب هذه النسبة خلال هجرته من بلاده، لطلب العلم في شمال العراق ثم ملطية ثم بلاد الشام كما حدث لكثير من العلماء، وذلك على سبيل الولاء لأنه سكن بينهم، ومهما يكن من أمرٍ فقد روى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي وابن عساكر عن أبي هريرة: "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه". ولكن البحث العلمي هو الذي يدفعنا للتنقيب. وقد ورد ذكر قبائل تنوخ والنسبة لها في دائرة المعارف الإسلامية 10/ 87 وما بعدها. والقاموس الإسلامي 1/ 502، واللباب للسمعاني 1/ 183. (¬1) معجم البلدان 1/ 159. (¬2) ترجمت للأرموي الكتب الآتية: طبقات الشافعية لابن السبكي 8/ 371، طبقات الشافعية للأسنوي 5/ 155، روضات الجنان للخوانيساري 8/ 118، هداية العارفين للبغدادي 2/ 406، والأعلام للزركلي 8/ 41، 42، معجم المطبوعات 1/ 427، مفتاح السعادة =

المدارس الأصولية في هذا العصر ومن أيها كان القاضي الأرموي بعد أن دوَّن الإِمام الشافعي رضي الله عنه في أواخر القرن الثاني الهجري قواعد علم أصول الفقه، أخذ العلماء يقتبسون من نوره وينسجون على منواله، ويوسعون ما استنبطه ودونه من أفكار، بالاستدلال عليها والتمثيل لها ووضع التفريعات عليها والذي يظهر من أسماء المصنفات التي صنفت في القرنين الثالث والرابع الهجريين أنها كانت تبحث في موضوع واحد من مواضيع علم أصول الفقه. ¬

_ = 1/ 297، ريحانة الأدب 1/ 108، السلوك للمقريزي 1/ 354، مفرج الكروب 4/ 247، كشف الظنون 61، 92، 95، 261، 848، 902، 1615، 1715، 1846، 2002، الكنى والألقاب 2/ 22، آثار البلاد ص 392، مجالس المؤمنين (نقل عنه الخوانساري قصة الأرموي مع جلال الدين الرومي) تلخيص الآثار في عجائب الأقطار). الكتب المخطوطة: التراجم لابن عبد الهادي، طبقات الشافعية الوسطى والصغرى. الكتب الفارسية: 1 - مناقب أوحد الدين الكرماني فارسي، طبع تهران سنة 1347 هـ من ص 1/ 9 - 95 وصفحة 185. 2 - مكتوبات مولانا جلال الدين الرومي، طبع أستانبول سنة 1356 ص 36. 3 - مسامرة الأخبار ومسايرة الأخيار لكريم الدين محمود الأقسرائي، طبع أنقرة سنة 1944 م ص 290 ص 131. 4 - مناقب العارفين لأحمد الأفلاكي طبع أنقرة سنة 1959 م 1/ 165 - 168 (274 - 276) 324 - 326، 410 - 412، 561، 562، 2/ 593 - 594. 5 - بزورزم للعزيز الأسترابادي، طبع إستانبول 1928 م ص 45. 6 - الأوامر العلائية في الأمور العلائية لحسين محمد علي الجعفري الرودكي الشهير بابن بي بي ص 700 - 701. طبع أنقرة سنة 1956 م. 7 - مقدمة لطائف الحكمة طبع تهران بالفارسية. 8 - رسالة فريدون بن أحمد سبهسا لار ص 338، 86 - 87، 97 - 98، 116. 9 - رسالة در أحوال مولانا جلال الدين الرومي ص 126، 127. 10 - لغت نامة دهخدا (دائرة المعارف الفارسية). 11 - دانشمندان أذربيجان 175 - 176. المعاجم والفهارس: 1 - Brocklman: g,1: 467 s,1: 848. 2 - Mingana Catalogue of Arabic Manuscripts 669.

ثم ازدهر بعد ذلك علم الكلام بعد أن بدأت في عهد الخليفة العباسي المأمون ترجمة الكتب الفارسية واليونانية، وأقبل العلماء على هذه الترجمات وتأثروا بها وظهر الاعتزال وقامت دولته، وعاش رؤساء الاعتزال في ردهات القصور وفي كنف الحكام. ثم خبت نارهم التي اكتوى بها أهل السنة فعذب منهم من عذب. ثم قامت دولتهم مرة أخرى في كنف الصاحب بن عباد. ومعظم مصنفات هذه الفترة قد اندثرت وضاعت فيما ضاع من التراث الإسلامي الضخم، لما أفلت شمس الخلافة في بغداد، ودهى الأمة الإسلامية ما دهاها من غزو التتار، حيث قذف بالمكتبات في دجلة لتكون جسوراً يُعبر عليها. ولكن من النقول التي وصلتنا في بطون كتبٍ كتبَ الله لها البقاء، علمنا أن الكتابة في هذا الفن أصبح لها منحيان، وأخذت تسلك طريقين لم يكن بينهما عظيم فارق في البداية، ولكن الفرق أخذ يظهر بالتدريج ويبرز شيئاً فشيئاً إلى أن انتهى بينهما الأمر إلى فارق واضح، ولكل طريقة ومنهج خاص وميزات لا تشارك إحداهما الأخرى فيها، وقد يصعب على الناظر في هذا الفن تحديد بداية التباين، ولعل ظهور طريقة الشافعية أو المتكلمين كان على يد أحمد بن عمر بن سريج المتوفى سنة 306 هـ، الذي ألّف كتاباً في الرد على أبي داود الظاهري في إبطال القياس. فقد نقل ابن السبكي (¬1) في طبقاته عن القاضي أبي بكر الباقلاني في التقريب وأبي إسحاق الشيرازي في التعليقة أنهما قالا: (إن ابن سريج وغيره كانوا قد برعوا في الفقه وغيره، ولم يكن لهم قدمٌ راسخة في الكلام، فطالعوا على الكبر كتب المعتزلة، فاستحسنوا عباراتهم وقولهم يجب شكر المنعم عقلًا. فذهبوا إلى ذلك غير عالمين بما تؤدي إليه هذه المقالة. ثم وضحت هذه الطريقة على يد عبد الجبار بن أحمد المعتزلي المتوفى سنة 415 هـ، حيث وضع كتابه العظيم الذي سماه العمد. ومحمد بن الطيب أبي بكر الباقلاني المالكي الأشعري المتوفى سنة 453 هـ، حيث صنف المقنع في أصول الفقه، وأمالي إجماع أهل المدينة، والتقريب الذي قال عنه ابن السبكي: ¬

_ (¬1) طبقات ابن السبكي 1/ 177.

وهو أجل كتب الأصول، والذي بين أيدينا مختصره ويبلغ أربعة مجلدات، ويحكى أن أصله كان في إثني عشر مجلداً) ثم انتهت الكتب المصنفة على هذه الطريقة إلى أربعة كتب. قال ابن خلدون في تاريخه (¬1): (وعنى الناس بطريقة المتكلمين فكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون: كتاب البرهان لِإمام الحرمين والمستصفى للغزالي، وهما من الأشعرية وكتاب العمد للقاضي عبد الجبار بن أحمد، وشرحه المعتمد لأبي الحسين البصري، وهما من المعتزلة. وكان الأربعة قواعد هذا الفن وأركانه. ثم لخص هذه الكتب الأربعة فحلان من المتكلمين المتأخرين، وهما الإمام فخر الدين بن الخطيب في كتاب المحصول وسيف الدين الآمدي في كتاب الأحكام، واختلفت طرائقهما بين التحقيق والحجاج، فابن الخطيب أميل للاستكثار من الأدلة والاحتجاج- والآمدي مولع بتحقيق المذاهب وتفريع المسائل). وأما جمال الدين الأسنوي (¬2): فقد قال: (والمحصول استمداده من كتابين لا يكاد يخرج عنهما غالباً. أحدهما: المستصفى لحجة الإسلام الغزالي، والثاني: المعتمد لأبي الحسين البصري. حتى رأيته ينقل منهما الصفحة أو قريباً منها بلفظها وسببه على ما قيل: إنه كان يحفظهما). ويظهر مما نقلناه عن العلامة ابن خلدون في تاريخه والإمام جمال الدين الأسنوي في نهاية السول: أن علم الأصول على طريقة المتكلمين، قد انتهى في القرن السادس وأوائل السابع الى الِإمامين فخر الدين الرازي وسيف الدين الآمدي ومعظم من كتب في القرن السابع لم يخرج عن إطارهما، فهم ما بين مختصرٍ لكتابيهما أو شارح أو معلقٍ عليهما، ولقد كانت العناية بكتاب فخر الدين الرازي أشد. وسنذكر في فصل من اشتغل بكتاب المحصول مزيداً من البيان، ولعل ما رمي به سيف الدين الآمدي كان سبباً في تنفير الناس عن كتابه في ذلك الوقت، وهو في الحقيقة لا يقل فائدةً عن كتاب فخر الدين الرازي. ¬

_ (¬1) تاريخ ابن خلدون 1/ 380. (¬2) نهاية السول 1/ 9.

وهذه المدرسة- مدرسة المتكلمين- كانت هي المسيطرة في القرن السابع الهجري، حيث إن المصنفات على هذه الطريقة كانت لا تعد ولا تحصى، وكان القاضي سراج الدين الأرموي- رحمه الله- ممن أدلى بدلوه مع سائر الدلاء، ولكنه بلغ من البئر غوره، ووصل لما لم يصله غيره، لأن الميدان ميدانه فقد بلغ الأرموي- رحمه الله- في العلوم العقلية مبلغاً فاق أهل زمانه، لأنه ورد النبع الصافي وأخذه من علامة ذلك الزمان كمال الدين بن يونس وصنف فيه الكتب التي لا تزال المورد العذب والمنبع الصافي، فما إن أراد طاش كبري زاده في كتابه مفتاح السعادة أن يدخل في مصنفات علم المنطق والحكمة والجدل، حتى بدأ بمصنفات سراج الدين الأرموي. وقد كان لعلمه الغزير وحذقه بالفنون العقلية أثر بالغ على كتابه التحصيل، فظهر التنظيم المنقطع النظير، والبحث الدقيق، وإقامة الأدلة العقلية، ونقاش أدلة الخصوم بما يظهر عوارها وزيفها، ولا يكون ذلك إلاَّ لمن له القدح المعلى في الإحاطة بهذا الفن وإدراك عويصات مسائله. فالقاضي الأرموي- رحمه الله- هو ابن هذه المدرسة، وما إن بلغ مبلغ الرجال، حتى أصبح شيخها ورئيسها الذي تربع على عرشها بحق. وأما انغمار ذكره في كتب التراجم العربية فله أسباب ومبررات، ولعل من أهمها وأعظمها، أنه عاش فترة نضوج علمه وكمال شخصيته في بلاد الروم في فترة تمزقت فيها الأمة الإسلامية إلى دويلات بينها تقاطِع وتدابر. زد على ذلك أنه عاش هذه الفترة بين جماعة يختلفون عنه مذهباً وجنساً، ومع هذا سطرت الصفحات المتلألئة في مزاياه وصفاته الحميدة حتى من أقرانه الذين يخالفهم مسلكاً ومنهجاً في الكتب الفارسية والتركية ككتاب مناقب العارفين وغيره. وينبغي أن نختم ذكر هذه المدرسة بذكر بعض مميزاتها: 1 - أن القواعد الأصولية في هذه الطريقة تدرس دراسة دقيقة عميقة بقصد إثباتها بأدلة عقلية وبراهين قاطعة، بغض النظر عن الفروع الفقهية المذهبية التي تتعلق بهذه القواعد. وذكر الفروع الفقهية فيها على سبيل التمثيل لا لبناء القواعد.

2 - تطرق الكاتبون على هذه الطريقة إلى مباحث كلامية هامة وأكثروا منها. واستعملوا الأدلة المنطقية والمباحث الفلسفية في إثبات هذه القواعد، ومن ذلك ما تعرضوا له من التحسين والتقبيح العقليين، وعصمة الأنبياء، وشكر المنعم عقلاً وشرعاً. 3 - امتازت هذه الطريقة بالترتيب والتنظيم والتقسيم إلى أبواب وفصول ومباحث ومسائل. وأما المدرسة الأصولية الأخرى، فهي طريقة الفقهاء أو الحنفية وقد وصف العلامة ابن خلدون (¬1) هذه الطريقة في تاريخه بقوله: (ثم كتب الحنفية فيه وحققوا تلك القواعد وأوسعوا القول فيها، وكتب المتكلمون أيضاً كذلك، إلَّا أن كتابة الفقهاء فيها أمس بالفقه وأليق بالفروع، لكثرة الأمثلة فيها والشواهد وبناء المسائل فيها على النكت الفقهية ثم قال: فكان لفقهاء الحنفية اليد الطولى في الغوص على النكت الفقهية والتقاط هذه القوانين من مسائل الفقه ما أمكن). وقال العالم محمد أبو زهرة (¬2): وتمتاز هذه الطريقة: بأنها تقرر القواعد تبعاً للفروع الفقهية المنقولة عن الأئمة، ولهذا يلتزمون بعدم مخالفة القاعدة للفروع، ولذا دونت هذه الطريقة بعد تدوين الفروع، ولذا اتسمت بحشد كثيرٍ من الفروع أثناء إثبات القاعدة. ولعل من أقدم من صنف من الحنفية هو عيسى بن أبان بن صدقة الحنفي المتوفى سنة 220 هـ، ثم عبيد الله بن الحسن بن دلال بن دلهم الكرخي المتوفى سنة 340 هـ، ثم تلميذه الجصاص أحمد بن علي أبو بكر الرازي المتوفى سنة 370 هـ، ثم الدبوسي أبو زيد عبد الله بن عمر المتوفى سنة 430 هـ، ثم السرخسي محمد بن أحمد شمس الأئمة وكتابه مطبوع في مجلدين المتوفى سنة 482 هـ، ثم الصدر الشهيد الحنفي عمر بن عبد العزيز بن عمر أبو محمد حسام الدين المتوفى سنة 536 هـ، له عمدة المفتي ¬

_ (¬1) تاريخ ابن خلدون 1/ 379. (¬2) أصول أبي زهرة ص 22.

والمستفتي وكتاب أصول حسام الدين، ثم أبو المفاخر الكردي الحنفي عبد الغفور بن لقمان بن محمد شرف القضاة تاج الدين له المفيد والمزيد في أصول الفقه توفي سنة 562 هـ، ثم عبد العزيز بن عثمان بن إبراهيم القاضي النسفي المتوفى 563 هـ، صاحب كفاية الفحول في علم الأصول. وأما هذه المدرسة فقد هدأت حالة التصنيف فيها في القرن السابع الهجري، فلم يظهر من المصنفات على هذه الطريقة كما ظهر من المصنفات على طريقة المتكلمين، ومن المصنفات في القرن السابع الهجري على هذه الطريقة: كتاب الفصول في علم الأصول للموفق الخاصي المتوفى 634 هـ، وهو الموفق بن محمد بن الحسن بن أبي سعيد الخاصي صدر الدين الخوارزمي. وكتاب الطريقة الحصيرية في الخلاف بين الحنفية والشافعية لجمال الدين الحصيري محمود بن أحمد بن عبد السيد البخاري الحصيري أبي حامد جمال الدين المتوفى سنة 637 هـ. والمجتبى في أصول الفقه للمختار بن محمود بن محمد أبي الرجاء نجم الدين القزميني الفقيه الحنفي، المتوفى سنة 658 هـ، وشرح أصول فخر الإسلام البزدوي، للإمام علي بن محمد بن علي نجم العلماء حميد الدين الضرير الرامشي، المتوفى سنة 667 هـ، والكتاب الشهير المسمى بالمغنى للشيخ الخبازي عمر بن محمد بن عمر الخبازي الحنفي جلال الدين أبي محمد، المتوفى سنة 671 هـ. ثم في آخر هذا القرن ظهر الكتاب العظيم المسمى بالمنار مع شرحه لنفس المؤلف أبي البركات حافظ الدين النسفي عبد الله بن أحمد بن محمود تلميذ شمس الدين الكردري، المتوفى سنة 710 هـ. وهذا الكتاب كثرت عليه الشروح والحواشي واعتني به كثيراً. وبرزت للوجود في هذا القرن طريقة ثالثة قد حاز قصب السبق فيها علامة من علماء الأحناف الأجلاء وهو ابن الساعاتي أحمد بن علي بن ثعلب مظفر الدين، المتوفى سنة 694 هـ. فقد ابتكر كتابه العظيم الذي سماه (بديع النظام) الذي جمع فيه بين طريقتي سيف الدين الآمدي الشافعي في كتابه الأحكام الذي اعتنى فيه الآمدي بالاستدلال على القواعد الكلية

رحلاته في طلب العلم والوظائف التي شغلها

وتحقيق المذاهب، وبين طريقة فخر الِإسلام البزدوي علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم، المكنى بأبي العسر في كتابه الذي عني فيه بالشواهد الجزئية الفرعية، وقد افتتح ابن الساعاتي كتابه هذا بعبارة لطيفة وهي: (قد منحتك أيها الطالب لنهاية الوصول إلى علم الأصول هذا الكتاب البديع في معناه المطابق اسمه لمسماه لخصته لك من كتاب الأحكام ورصعته بالجواهر النقية من أصول فخر الِإسلام، فإنهما البحرانْ المحيطان بجوامع الأصول الجامعان لقواعد المعقول والمنقول. هذا حاوٍ للقواعد الكلية الأصولية وذلك مشمول بالشواهد الجزئية الفرعية). رحْلَاته في طَلَب العِلْم وَالوَظائِفُ الّتي شَغَلَهَا ذكرت بأن القاضي سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي، قد ولد في أرمية من أعمال أذربيجان عام 594 هـ. في وقتٍ كان حاكم بلدته ضعيف الشخصية عديم المسؤولية. عازفاً عن الجد إلى اللهو والعبث. وقد زار بلدته أرمية في هذه الآونة العلاّمة ياقوت الحموي (¬1)، صاحب معجم البلدان فوصفها لنا وصفاً دقيقاً، وذكر من خيراتها وجمالها ما ذكر مع الِإهمال وعدم رعاية الجانب من قبل السلطان. "إزبك بن البهلوان بن إيدكز". أما تفاصيل حالة أسرته العلمية والمادية وطبقتهم الاجتماعية، فلم أجد فيما اطلعت عليه من المراجع العربية والفارسية ما يكشف عنها. سوى أن بعض المراجع ذكرت أنه تلقى مبادئ العلوم في بلدته أُرمية، ولعله يوجد في المستقبل من يكشف لنا عن مزيدٍ من تفاصيل حياة القاضي الأرموي - رحمه الله- إذا استقصى الكتب الفارسية، لأن معظم أخباره وجدتها فيها. ولا أبيح لنفسي أن أرسم في ذهني شخصاً وأسرة ثم أبدأ في إطلاق الأوصاف جزافاً، وأعوذ بالله أن أقول ما لا أعلم. وإنني وصلت في بحثي عن حال القاضي الأرموي وآثاره لا إلى طريق مسدود، بل إلى طريق شاق وصعب بالنسبة لي، حيث إنني لا أعرف اللغة الفارسية والتركية. ومن يعرف ¬

_ (¬1) معجم البلدان 1/ 159.

هاتين اللغتين بلا شك سيصل إلى ما لم أصل إليه، وسيعرف ما لا أعرف عن أحواله وتفاصيل صفاته. وكذلك لا أدري كم المدة التي قضاها من عمره في أحضان بلدته وأكناف أسرته وعشيرته وكل ما وجدته أن محقق كتابه لطائف الحكمة، المطبوع أخيراً باللغة الفارسية في إيران أنه قال: العله فرَّ أمام الزحف التتاري كسائر العلماء). وجيوش التتار قد وصلت في زحفها إلى بلاد أذربيجان كما في كتاب الكامل لابن الأثير (¬1). عام 617 هـ حيث فر أمامها حاكم تلك البلاد إزبك بن البهلوان، ولكن لم تسقط في أيديهم حيث دخلت تحت وطأة التتار في عام 654 هـ فيما بعد. وذكرت كتب التراجم أنه هاجر من بلده طلباً للعلم، متوجهاً تلقاء كعبة العلم آنذاك، وموسوعة المعارف كمال الدين موسى بن يونس بن منعة الكردي في الموصل، المتوفى عام 639 هـ، والذي كان يتقن أربعةً وعشرين فناً على ما في طبقات ابن السبكي (¬2)، وكان يشرح لليهود والنصارى التوراة والِإنجيل أحسن من أحبارهم، ولازمه القاضي سراج الدين الأرموي، وخدمه حباً في العلم فترة من الزمن فيظن أن تحصيله العلمي الذي أكسبه هذه الشهرة كان في الموصل، ويغلب على الظن أنه قد تهيأ له أيضاً، الأخذ عن علماء الموصل الآخرين الذين كانت تعج بهم الموصل آنذاك، وخاصةً آل منعة بيت العلم والفضل، ولا ندري هل هجر بلده مع أسرته أم وحيداً فريداً، لأنه فيما اطلعنا عليه لم نجد أنه رجع لزيارة بلده والله أعلم. غرف القاضي الأرموي- رحمه الله- من بحور معارف كمال الدين بن يونس العقلية والشرعية ما شاء الله له أن يغرف، حتى ارتوى وتضلع من تلك العلوم وقد ورد في سيرة كمال الدين بن يونس، أنه لما وصلت كتب فخر الدين الرازي درسها وشرحها ولم يعرف أحد مصطلحاته إلا هو والذي يغلب على الظن أن القاضي الأرموي- رحمه الله- ممن استمع لهذه الشروح، ولعل هذا هو سبب تعلق القاضي سراج الدين الأرموي- رحمه ¬

_ (¬1) الكامل لابن الأثير طبع الاستقامة 9/ 329. (¬2) طبقات ابن السبكي 5/ 158.

الله- بكتب الِإمام فخر الدين الرازي، وخاصة المحصول وكتاب الأربعين فاختصرهما، والذي يظهر أن القاضي الأرموي لم يغادر الموصل، إلا وقد بلغ مبلغ العلماء، وأتقن الفنون وذاع صيته وظهرت شهرته. وهذا نجده واضحا جلياً في استقبال حاكم ملطية له، علاء الدين كيقباذ السلجوقي، الذي تربّع على كرسي الحكم بعد موت أخيه عز الدين بن كيكاوس بن كيخسرو بن قلج السلجوقي سلطان قونية وأقصرا وملطية. وقد وجدنا قصة استقباله له في كتاب مطبوع بالفارسية يسمى مناقب (¬1) أوحد الدين حامد بن أبي الفخر الكرماني، المتوفى سنة 635 هـ في مدينة ملطية. ومطبوع في طهران سنة 1347 هـ وخلاصة ترجمة القصة: أن القاضي سراج الدين الأرموي قد قدم إلى ملطية من مصر، قاصداً التشرف والتقرب من الشيخ أوحد الدين الكرماني. وكان ذلك في عهد علاء الدين كيقباذ الذي استقبله بنفسه، ورحب به ترحيباً يليق بجلالة قدره وعظيم منزلته، واستفسر منه عن مراده من الحضور، فلما أجابه وكشف عن رغبته التقرب من الشيخ أوحد الدين الكرماني استنكر ذلك واستغربه وقال له: إن ملطية لا تليق بمقام القاضي سراج الدين الأرموي، ولا تتسع إلى طموحه وعلومه التي في حاجة لها المدن الكبيرة ثم أسكنه مدرسةً أمام الجامع وعينه مدرساً فيها. وما هذا إلا لشهرة الأرموي- رحمه الله- وفي مناقب أوحد الدين الكرماني وردت قصص أخرى عن ملازمته للشيخ أوحد الدين الكرماني وإعجابه به، والتقائه مع عالم من علماء الكلام والهيئة والحكمة وإقليدس والمنطق والنجوم والرياضيات هو جمال الدين الواسطي، الذي توفي قبل أوحد الدين الكرماني، ولكن لم نعثر على ترجمة له في كتب التراجم. وكما يظهر من هذه الرواية أن القاضي سراج الدين الأرموي قد زار مصر قبل ملطية، ولكن لا نعلم كم مدة أقام سواء في مصر أو في ملطية. وبلغنا من كتاب مفرج الكروب (¬2) في أخبار بني أيوب الذي ألفه صديقه ¬

_ (¬1) مناقب أوحد الدين الكرماني من 91 - 95. (¬2) مفرج الكروب 4/ 247.

وقرينه جمال الدين محمد بن سالم بن نصر الله بن سالم بن واصل الحموي الشافعي، قاضي القضاة المتوفى 697 هـ أن القاضي سراج الدين الأرموي قد بعثه الملك الصالح نجم الدين أيوب إلى الانبراطور الذي صالحه الملك الصالح نجم الدين على تسليم بيت المقدس للنصارى، وأقام سراج الدين عنده مكرماً مدةً، وصنف له كتاباً في المنطق، وأحسن إليه الانبراطور إحساناً كبيراً، وعاد سراج الدين الأرموي للملك الصالح منعماً. وهذه القصة إن دلت على شيء إنما تدل على منزلة القاضي الأرموي - رحمه الله- حيث إنه في هذه السن المبكرة وصل إلى أن يكون سفيراً لملك بني أيوب. ثم بعد ذلك يظهر لنا أن الركائب قد أناخت به في دمشق الشام ملتقى العلماء، والتي شهدت من العلماء ما لم تشهده مدينة أخرى في هذا القرن بلا نزاع، والذي يبدو لي من نسخ كتابه التحصيل أنه صنف كتابه التحصيل في دمشق، حيث إن معظم النسخ قد أثبتت في آخرها أنها دُونت في دمشق الشام، وكانت الشام في هذه الفترة تحت سلطان بني أيوب. ثم ربما سافر خلال مدة إقامته في دمشق إلى بلاد أخرى، وقد ذكر المقريزي في كتاب السلوك (¬1) لمعرفة دول الملوك، أن القاضي سراج الدين الأرموي قد قدم إلى مصر، وكان ذلك برفقة الملك السلطان المعظم غياث الدين توران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل، المتوفى 648 هـ، عندما طلبت منه زوجة أبيه شجرة الدر الحضور لتولي الأمر لموت أبيه، وكان برفقته أيضاً سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام وبهاء الدين بن الجميزي وبعض العلماء، وحدث بينهم مناظرات ومباحثات فقهية منها في 2 ذي الحجة سنة 647 هـ، وكان موضع الحديث قوله- صلى الله عليه وسلم-: "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه" (¬2). ¬

_ (¬1) كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك 2/ 354. (¬2) قال العجلوني في كشف الخفا: 2/ 323، اشتهر هذا الأثر في كلام الأصوليين وأصحاب المعاني وأهل العربية من قول عمر وبعضهم رفعه. ونقل عن السخاوي في المقاصد الحسنة أنه قال: ظفر به ابن حجر في مشكل الحديث لابن قتيبة من غير إسناد. وورد في بعض =

علومه ومنزلته بين العلماء

ثم لا ندري متى رجع إلى قونية للاستقرار فيها، إلَّا أن كاتب مقدمة كتابه لطائف الحكمة قد- ذكر أن لطائف الحكمة قد صنفه القاضي سراج الدين الأرموي باسم سلطان السلاجقة في قونية والذي دخل في خدمته سراج الدين الأرموي عام 655 هـ، وبعد ذلك استقر في قونية عاصمة سلاطين بني سلجوق واشتغل فيها قاضياً ثم قاضياً للقضاة، وكذلك مدرساً حيث عرفنا اثنين فقط من تلاميذه في بلاد الروم وهما: الصفي الهندي محمد بن عبد الرحيم الهندي المتوفى سنة 715 هـ، والشيخ تاج الدين الكردي ولم نعثر على أسماء تلاميذ له آخرين في كتب التراجم. وبقي في مدينة قونية حتى انتقل إلى رحمة ربه راضياً مرضياً. وعلى العموم يظهر لنا أن الأرموي- رحمه الله- قد قضى صدر حياته طالباً للعلم في بلده ثم في الموصل. وبلغ من العلم أوجه حتى حظي بالمنازل الرفيعة عند السلاطين والحكام فبدأ حياته العملية مدرساً في ملطية، ثم سفيراً للملك الصالح نجم الدين أيوب عند الانبراطور، ثم انتظم في سلك القضاء مع المواظبة على مهنة التعليم، فبلغ من القضاء منصب قاضي القضاة وهو أعلى منصب علمي في ذلك الزمان، فكان في ذلك مثال النزاهة والذكاء والفطنة، ومع هذا لم يكن ليغفل مع تزاحم الأعمال عليه الاتصال بأقرانه، فكان يتردد على جلال الدين الرومي ويشارك في شؤون المسلمين العامة ويهتم بأمورهم. عُلومُه وَمَنزلَتُهُ بَيَن العُلَماء ذكر المترجمون لحياة القاضي سرج الدين الأرموي- رحمه الله- تعالى أنه برع في عدة فنون، وأجاد في أخرى. ولهذا، فالقاضي الأرموي لم يختص بنوع واحدٍ من الفنون بل كان موسوعة علمية متحركة. ويدل على ذلك مصنفاته العظيمة التي لازالت تتلألأ ناصعة نقية تكشف لنا عن دقةِ ¬

_ = المصنفات سالم مولى أبي حذيفة بدل صهيب. وانظر أيضاً أسنى المطالب للحوت البيروتي ص 244.

فهمه ورجاحةِ عقله. ولذا سيكون الكلام عن علومه موزعاً على شتى العلوم التي برع فيها وخاض غمارها. فالقاضي الأرموي- رحمه الله-: منطقي حكيم جدلي أصولي فقيه، متكلم شاعر مفسر ولذلك سنقسم الحديث عن علومه إلى خمسة أقسام: 1 - القاضي سراج الدين الأرموي المنطقي الحكيم الجدلي: عاش القاضي الأرموي في عصرٍ غلبت عليه العلوم العقلية وخاصة في بلاد المشرق، فلذا كان لابد له أن يتسلح بسلاح العلم بها. وقد قامت طائفة أخرى في نفس العصر تعادي هذه العلوم وترمي أهلها بالزيغ والضلال والانحراف، ولذا قال الناظم يصف رأي علماء عصره في المنطق بقوله: ابن الصلاح والنواوي حرما ... وقال قوم ينبغي أن يعلما وفعلاً رمي جهابذة علماء ذلك العصر بالانحراف لغلبة العلوم العقلية عليهم وكانوا ينسبون من تكلم بتلك العلوم إلى فساد الاعتقاد، وقد رمي فيمن رمي بذلك علامة الموصل وشيخ القاضي الأرموي كمال الدين موسى بن يونس- رحمه الله- قال الناظم: وأعطيته صهباء من فيه مزجها ... كرقة شعري أو كدين ابن يونس وكان بعض الأفاضل يطلبون هذه العلوم سراً خوفاً من أن يظن فيهم العوام فساد الاعتقاد، ويقذفونهم بما يطعن في دينهم. ومن ذلك ما حدث لعلّامة الحديث في ذلك العصر عثمان أبي عمرو بن الصلاح الشهرزوري، حيث حاول سراً دراسة علم المنطق على الشيخ كمال الدين بن يونس، ولكنه أظلم قلبه فلم يفتح الله عليه بشيء ونصحه العلاّمة كمال الدين بن يونس بعدم دراسة هذا الفن لكي لا تفسد عقائد الناس فيه. ومع هذا فإن القاضي سراج الدين الأرموي- رحمه الله- لم أجد لفظةً واحدةً من الغمز أو اللمز أو الطعن في دينه لا من أقرانه ولا من مخالفيه في

المسلك، فقد عاش- رحمه الله- موفور العرض مصون الجانب رغم تعدد الاتجاهات وكثرة النزعات في عصره، بل وصفوه بأسمى ألفاظ الثناء والفضل، وأعلى درجات العلم مما يدل على سمو علمه وخلقه. والقاضي الأرموي أجاد في هذه الفنون العقلية الثلاثة: المنطق والحكمة والجدل، وصنف فيها أنفع المصنفات، وقد بلغ في ذلك الذروة، وحاز قصب السبق، حتى أصبح يشار لمؤلفاته بالبنان. فإذا ذكر علم المنطق تبادر للذهن مطالع الأنوار الذي تلقته العلماء بالشرح والتعليق بما لم يحدث لكتاب آخر كما سنوضح ذلك في فصل مصنفاته. وإذا ذكرت الحكمة تبادر للذهن لطائف الحكمة ذلك الكتاب العظيم الذي وضعه باللغة الفارسية وطبع بها. وإذا ذكر الجدل تبادر للذهن رسائله في هذا الفن وكتابه تهذيب النكت للشيرازي. ولم يكتفِ بمصنف واحد في كل فن، بل صنف عدة مصنفات ففي المنطق والحكمة بالِإضافة إلى مطالع الأنوار فقد صنف بيان الحق في المنطق والحكمة، وشرح الِإشارات والتنبيهات لابن سينا، والمناهج في المنطق والحكمة، ولطائف الحكمة، ولعله يوجد أيضاً ما لم يصل علمنا إليه. وهذه الكتب تعطينا فكرةً صادقةً عن مدى تمكن القاضي الأرموي من العلوم العقلية على العموم، فقد كان فارس حلبتها وخبير خباياها وعويصات مسائلها وحلاَّل عقدها وغوامضها. فلا مبالغة إن قلنا: إنه تربع على عرش هذه الفنون، وفاق من قبله ووقف من بعده دونه وعاش عالةً عليه. يرتوي من نبعه ويأكل من ثماره، ويحاكيه فيما ذهب إليه. 2 - القاضي سراج الدين الأرموي الأصولي: لقد كانت طريقة المتكلمين في فن الأصول هي السائدة في هذا العصر - القرن السابع الهجري- وقد غلب على مصنفات الأصول طابع الاختصار والشرح والتعليق على مصنفات قد تقدمت، وكان صنيع القاضي الأرموي

- رحمه الله- متناسباً مع ما ساد في ذلك القرن فشارك وأدلى بدلوه مع من أدلى، ولقد انتهى علم الأصول في القرن السادس إلى كتاب المحصول لفخر الدين الرازي، والِإحكام لسيف الدين الآمدي، وقد حظي كتاب المحصول بما لم يحظ به كتاب سيف الدين الأمدي من الشرح والتعليق. والقاضي الأرموي الحاذق لفن المنطق والحكمة المجيد لعلم الكلام خير من تمتد يده إلى المحصول، ولذا فقد كان مختصراً متميزاً عن غيره من المختصرات، بأنه التزم منهجاً رسمه في صدر كتابه مقيداً بقوانين وضوابط، تدل على الدقة في الفهم والبراعة في التصنيف والترتيب والتقسيم إلى أبواب وفصول ومسائل وفروع، وكان يبدي من الملاحظات ما يدل على علو كعبه ورسوخ قدمه فيِ فن الأصول، ولذا فاق مختصره المحصول سائر المختصرات تنظيماً وترتيباً وتنبيهاً على مشكلاتٍ، وحلاً لعويصات ودفعاً لإيهام قد يرد على بعض الأدلة والحدود. وأسئلته الواردة فيه تشهد له بذلك. لم يكتف القاضي الأرموي بهذا الكتاب الذي اشتهر به كأصولي، بل وجدت له كتاباً آخر لا يشعر اسمه في فهارس المكتبات بحاله ولا ينبئ عما فيه، فالعنوان لا يناسب المحتوى، فقد سموه في الفهارس بأسئلة القاضي الأرموي على المحصول، فيتبادر للذهن أن المقصود هو الأسئلة التي أوردها القاضي سراج الدين الأرموي داخل التحصيل، ولكن الواقع والحال بعد أن نظرتها، وجدت أن البون شاسع والفارق عظيم والذي وجدته شرح للمحصول، ولكن الموجود في دار الكتب المصرية ليس مستوعباً لجميع المحصول وقد سماه القاضي الأرموي في بدايته: (مقاصد العقول من معاقد المحصول) وهو كتاب عظيم فصلت التعريف به في مصنفاته. وقد ساهم في هذا الفن أيضاً برسالةٍ في أمثلة التعارض في أصول الفقه، وقد حررت ما تحتويه في مصنفاته، وذكرت أنها ليست شاملة لجميع أمثلة التعارض، بل هي في عشر مسائل في دلالات الألفاظ فقط. فالقاضي الأرموي- رحمه الله- بما قدم للمكتبة الِإسلامية في هذا الفن استحق أن يوسم بالانتساب لعلمائه، وأن يجلس معهم جنباً إلى جنب،

مع أنه تربع على كرسي الصدارة في علم المنطق والحكمة. 3 - القاضي سراج الدين الأرموي الفقيه قاضي القضاة: كثير من العلماء يرتقون من المجد أعلاه ويصلون من العلم منتهاه، ولكن لم يخلِّفوا لمن بعدهم علماً مدوناً مكتوباً، لأنهم لا يريدون شهرة، أو قد يكون لأسباب أخرى. فالقاضي الأرموي- رحمه الله- قد وصل لرتبة قاضي القضاة في دولة بني سلجوق. وهذه المرتبة لا يصلها أحد وفي زمانه من يدانيه علماً، فضلاً عن أن يفوقه والقضاء ينبع من الفقه ويسانده الذكاء والفطنة، وتؤيده العزيمة وقوة الشخصية، فكلِ ذلك اتصف به القاضي الأرموي ومع هذا لم يذكر المترجمون له إلَّا كتاباً واحداً في فروع الفقه وهو شرح الوجيز. فقد جرت عادة الأفذاذ أن لا ترضى إلا بمصافحة الأفذاذ، فبعد أن مدَّ القاضي الأرموي يده ليصافح فخر الدين الرازي علَّامة عصره من خلال اختصار المحصول، فيحدث له بذلك اقتران اسمه باسمه، ويندرج ذكره مع ذكره، فنجد يد القاضي الأرموي- رحمه الله- تمتد لمصافحة حجة الِإسلام وحيد زمانه وفريد عصره وأوانه، فيضع ظلال قلمه في جملة من وضع على معجزته التي تبارى العلماء في شرحها واختصارها والتعليق عليها، وذلك هو كتابه الوجيز الذي سارت بذكره الركبان، وأصبح عمدة في فروع مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه فشرحه شرحاً لم نطلع عليه، ولكن شخصية القاضي سراج الدين الأرموي ووصوله إلى منصب قاضي القضاة ينبئ عن عظيم فائدته، وليس ما في شرح الوجيز هو كل فقه القاضي الأرموي بل في أحكامه إبَّان مهنة القضاء الذي تولاه ما يقارب الثلاثين عاماً ما قد يكون أضعاف شرحه للوجيز. ولذا نجد معظم من ترجم له وصف بالاجتهاد، ومرتبة الاجتهاد، مرتبة عزيزة لم يصل إليها إلا أفذاذ العلماء. 4 - القاضي سراج الدين الأرموي المفسر والشاعر: لم يذكر من ترجم للقاضي الأرموي تراثاً له في التفسير، ولكن وصفوه

بأنه عالم بالتفسير (¬1)، وفي الحقيقة فإن علوم الشريعة حلقات متداخلة، فلا يكون فقيهاً من لم يكن عالماً بالتفسير، فليس في وصفه بالمفسر مع عدم ذكر إنتاجٍ له في ذلك مخالفة، فقد يكون له إنتاج ولكن لم يصل إلينا، وقد تكشف الأيام ما لم نره اليوم وتخبرنا عما لا نعلمه الآن. وأما كونه شاعراً مع عدم ذكر شيء من شعره فلا غرابة فيه، لأنه قد نقل ذلك مشاهد أعيان ورفيق زمانه أحمد الأفلاكي (¬2)، الذي يقول: سمعته يقول شعراً في رثاء جلال الدين الرومي وقت دفنه على تبره، ولعل البحث والتنقيب سيكشف لنا عن شيء من شعره، وهل كان باللغة العربية أم الفارسية أم التركية. 5 - القاضي سراج الدين الأرموي المتكلم: قد ظهرت شخصية القاضي سراج الدين الأرموي- رحمه الله- كمتكلم من خلال كتاب التحصيل، فيما تعرض له من مسائل على سبيل التبع والارتباط بينها، وبين بعض مسائل أصول الفقه، وهي كثيرة في كتابه التحصيل ومنها: التحسين والتقبيح العقليان، وعصمة الأنبياء، وشكر المنعم عقلاً وشرعاً، والصفة هل هي ذات الموصوف أم غيره وتكليف ما لا يطاق، وغير ذلك من المسائل. وأظهر في كل ذلك قدرة فائقةً في بحث هذ المسائل ونقاش أدلة المذاهب وخاصة المعتزلة، وأظهر احترازاً شديداً من قاعدتهم المشهورة التحسين والتقبيح العقليين حيث أدخل كلمة شرعاً في جميع حدود الأحكام الشرعية الخمسة. وقد صنف في ذلك كتباً مستقلة، ومن ذلك مختصره لكتاب الأربعين للإمام فخر الدين الرازي المتمكن من ناصية علم الكلام في عصره، وقد بلغ فيه الذروة وسماه اللباب، وهو أيضاً من أمهات الكتب في هذا الفن. والأرموي في صنيعه هذا كأنه يأبى إلَّا أن تمتد يده إلا للأمهات، ويرفض أن يقارن إلَّا العظماء فكما سبق له أن امتدت يده ليضع ظلال قلمه على ¬

_ (¬1) مقدمة لطائف الحكمة. (¬2) مناقب العارفين 1/ 354.

صفحات الوجيز، فيعانق بذلك حجة الِإسلام، فقد مدَّ يده ليصافح ابن سينا علامة زمانه وفيلسوف عصره، فيضع شرحاً للِإشارات التي تعتبر من عيون كتب المنطق والحكمة، وقد شارك فقهاء الشافعية في اختصار الوجيز، ليقف بذلك في صف حجة الإسلام الغزالي، وهنا كذلك يسيل مداد قلمه ليسطر لنا مختصراً من أعظم المختصرات لكتاب الأربعين الشهير في أصول الدين، ولم يكتف بذلك فقد وجدت له رسالةً في "الفرق بين موضوع العلم الإلهي والكلامي" في مكتبة الحرم المكي حرسه الله. وقد أجاد في كل ما كتب في هذا الفن لارتباطه بفنه الذي فاق فيه الأقران، وهو علم المنطق والحكمة، فكان بذلك متكلماً مناظراً ومجادلًا، يحسب له الحساب في بلاط بني سلجوق. هذه هي العلوم التي برع فيها القاضي سراج الدين الأرموي، وتراثه العلمي الضخم يدل بالبرهان ويقيم الحجة على صحة الدعوى، ويشهد له بالفضل وحيازة قصب السبق في كل مضمار. وقد أحسن العلّامة محمود بن محمد الأقسرائي المتوفى سنة 723 هـ، والذي عاش في عصره فترة من الزمن في كتابه "مسامرة الأخبار ومسايرة الأخيار" المطبوع باللغة الفارسية بأنقرة سنة 1944 م. حيث يقول عن سراج الدين الأرموي في فصل وفيات الأكابر صفحة 121 ما معناه: (كان سراج الدين الأرموي علماً للعالم وبحر الفضائل وشمس سماء الشريعة ومركز محيط الحقيقة والطريقة. فقد سلب من علماء العالم قصب السبق في المعقول والمنقول، وكان أفاضل الدنيا يأتون من الأطراف والأكناف بقصد الاستفادة من مجلسه. وكانوا يجتمعون جميعاً حول ملك قونية مثل كوكب "بروين" (ويتفرقون مثل بنات نعش). وقد سارت بذكره الركبان في حياته من مقارنيه فعطروا كتبهم بذكره الجميل، وسطرت أقلامهم له أنصع الصفحات وأحلى الذكريات، وقلما أن يُفعل ذلك لِإنسان في حياته وليس له صولة السلطان ولا جبروت الحاكم فيكون ما كتب عنه رياءً ونفاقاً وخوفاً وتزلفاً، بل الخلق القويم والفضل العميم والعلم الغزير ينطق الأقلام فتتكلم، ويوحي لها فترسم ما تكنه له

القلوب وما تلمسه مما ترى وتسمع، فتسجل طائعة مختارة عين الحقيقة. وهذا هو الحسين بن محمد بن علي الجعفري الرودكي الشهير بابن بي بي المتوفى قبل الأرموي سنة 679 هـ، ينطق كتابه بالصدق ويظهر الحق ويدون الذكرى الحميدة التي نظرها بعينه ووعاها بقلبه، فيسطر ما شاء الله له أن يسطر من الفضائل، ويذكر مركز الأرموي بين علماء زمانه في شتى العلوم والفنون على صفحات كتابه الشهير. الأوامر العلائية في الأمور العلائية المطبوع باللغة الفارسية صفحة 700، 701، واكتفى بذكر الألقاب التي أوردها له خوفاً من التطويل، وليتناسب المقال مع المقام. فيقول المصنف في فصل حادثة جمرى القرماني في التعريف بالقاضي سراج الدين الأرموي: قاضي القضاة ملك العلماء، سلطان الأئمة، قدوة الأمة، شُرَيْح الزمان، سراج الملة والدين، حجة الإسلام والمسلمين، أبو الملوك والسلاطين، أبو الثناء محمود الأرموي أدام الله علاه، وأطال بقاه، فريد دهره ووحيد عصره، حاز قصب السبق على العلماء الأوائل والحكماء الأفاضل وزعيم المحافل، يشار له بالبنان في جملة فنون لاسيما الأصولين (¬1): (والمنطق والفقه والخلاف واقتبس من مصنفاته واستفاد الأعاظم والأماثل والأماجد). انتهى مترجماً. أوردت هذه النقول من كتب أقرانه ومعاصريه، ليعلم الناظر أنني لم أبالغ فيما وصفته به، وما ذكرته من علماء الجم، وفضله العميم فهؤلاء عاصروه وقارنوه، فوصفوه بشُرَيْح الزمان في القضاء وبشمس السماء في العلوم والعهدة عليهم، ولكن دليلهم قائم والآثار شاهدة. ومنزلته بين العلماء لم تبرز بشهادة معاصريه فحسب، بل في منزلته عند عظماء حكام الأمة الإسلامية آنذاك بني أيوب، الذين فرجوا الكروب وكسروا الصليب وهزموا آله وأعادوا للمسلمين عزهم ومجدهم التليد، وتحطمت على سواعدهم الفتية أطماع الطغاة، الذين لا زالوا يكيدون للإسلام وأهله وإن تغير السلاح وتبدل الأسلوب، فقد كان سفيراً للملك ¬

_ (¬1) اعتاد العلماء أن يطلقوا على علمي أصول الدين وأصول الفقه الأصلين".

الصالح نجم الدين وهو في عنفوان شبابه، فيمثله في لقاء إمبراطور الروم على ما ذكر صديقه وقرينه جمال الدين محمد بن سالم بن واصل الحموي في كتابه مفرج الكروب. ثم يجلس في حلقات الملوك والعلماء للمناظرة والنقاش والاستفتاء برفقة سلطان علماء زمانه بل سلطان علماء المسلمين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، عز الدين بن عبد السلام قدَّس الله روحه وأعلى درجاته في الجنة، وذلك في اليوم الثاني من شهر ذي الحجة سنة 647 هـ في ردهات قصر آخر ملوك بني أيوب في القاهرة الملك المعظم السلطان غياث الدين توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل، فيدلي برأيه غير خافتٍ ولا متروك، وروى لنا ذلك شاهد عيان حاضر ذلك المجلس فلا ريبة ولا شك في صحة ما نقل. وأما شأنه في قصور سلاجقة الروم فهو ليس أدنى من ذلك ولا أقل، وقد أوردنا فيما مضى من شأنه في ذلك من المواقف والحوادث، وما يبهر العقل ويثير في النفس العجب. وهناك سؤال يفرض نفسه على كل ناظر في ترجمة القاضي سراج الدين الأرموي هذه، وهو كيف تكون سيرة هذا العالم بهذا الشكل العظيم، ونحن معاشر العلماء لا نكاد نسمع إلَّا باسمه؟ ولا نعرف من شأنه وحاله إلا اختصاره للمحصول؟ والجواب على هذه الصفحات مسطور وخزانات الكتب بآثاره تقول: كم من عالم اليوم مغمور الذكر أصبح نسياً منسياً، وكان قد ارتقى أعلى المنابر، وتصدر أكبر المحافل وجالس أعظم الأماثل، ثم يأتي زمان فترفع الستائر، وتنقشع الحجب عن دُرٍّ مستور، ويتبدد السحاب عن شمس صافية وينفض الغبار المتراكم عن رفوف الكتب، فيظهر الحق ويزهق الباطل، إن الباطلَ كان زهوقاً. فهذه منزلة القاضي سراج الدين الأرموي- رحمه الله- بين علماء زمانه ومنها تظهر منزلته بين علماء المسلمين جميعاً، قد أقمنا عليها الأدلة وأحضرنا لها الشهادات من بطون الكتب ليس ما دوِّن منها بالعربية فحسب، بل ما دوِّن باللغتين الفارسية والتركية أيضاً، ولعل المستقبل يكشف لنا عن المزيد.

وفاته

وَفَاتُهُ لقد عاش القاضي سراج الدين الأرموي حياة حافلة بالرحلات، مملوءة بالعمل الشاق الدؤوب في التدريس والسفارة للسلاطين والملوك، ثم استقر به المقام قاضياً ومدرساً في بلاد الروم، ثم ارتقى منصب قاضي القضاة بما أودع الله فيه من المؤهلات العلمية والنفسية فوصل إلى ما وصل إليه من الجاه، وعاش حميدَ السيرة موفور العرض، سليماً من أذى الحساد، مُحباً للجميع حتى من كان ينكر أحوالهم كالمولوي جلال الدين الرومي، فيعوده في مرضه ويسقيه الدواء ويجلس على وسادته بل ويتقدم أتباعه وتلاميذه ليصلي عليه. فقد ألف القلوب من حوله، فبكته العيون يوم لبى نداء ربه، وفقدته كراسي القضاء يوم احتاج له المتخاصمون، ورثه طلاب العلم، وخسرته المدارس، ولكن لكل أجلٍ كتاب ولكل أمر نهاية وأمر الله نافذ وقضاؤه ماض ولا حول ولا قوة لمخلوق في صرفه، فذاق كأس الموت التي لثمت فاهه شفاه الأنبياء من قبله، ولكن بعد أن عمر آخرته بما زرعه في دنياه فسيجني ثمار غرسه، ويحصد نتاج أرضه التي أتت أكلها ضعفين تغمده الله برحمته، وأسكن روحه الدرجات العليا في الجنة وجزاه الله عن طلبة العلم والمسلمين خير الجزاء وإنا لله وإنا إليه راجعون- وذلك عام 682 هـ في مدينة قونية. شيوُخه بعد تقصي ترجمة القاضي سراج الدين أبي الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي- رحمه الله تعالى- في جميع كتب التراجم، لم أجد أنها ذكرت له إلَّا شيخاً واحداً، وما من شك أنه تتلمذ على عدد من أفاضل العلماء، ولكن التاريخ يخفي كثيراً من الأخبار، فتصبح نسياً منسياً مع أن كتب التراجم نقلت لنا: أن القاضي محمود بن أبي بكر الأرموي- رحمه الله- قد بدأ دراسته في بلده التي ولد فيها أرمية، ولكن لم تذكر لنا على يد من أخذ علومه في مقتبل العمر. ولم تذكر لنا إلَّا اسم شيخه في الموصل بعد هجر بلاده لعله أمام الزحف التتاري. وكم نحن في شوق لمعرفة المزيد عمن أخذ عنهم، لأن

معرفة ذلك يؤنس القلب ويطمئن النفس، فيعرف المنبع الذي نهل منه والمصدر الذي تغذى عليه، فتزداد الثقة بعلمه. ولكن لو لم يكن له شيخ إلا كمال الدين موسى بن أبي الفضل يونس بن محمد بن منعة- أبا الفتح الموصلي- لكفى ذلك دافعاً للثقة بعلم الأرموي والاعتراف بمنزلته، لأن العبرة ليست بالعدد والكثرة، ولكن العبرة بإتقان العلوم والإِلمام بها. فكم من عالم احتوى قلبه علم مئات العلماء، وأتقن من الفنون ما يعجز عنه العشرات وقديماً قال الشاعر: فكم رجل يعد بألف رجلٍ ... وكم رجلٍ يمر بلا عداد وكمال الدين بن يونس (كما سيظهر لك من ترجمته التي أنقلها من مرجع واحد فقط، لأنني لو ذهبت أتقصى ترجمته في شتى الكتب لاتسع الأمر، ولأصبح تطويلًا قد يمجه الناظر مع ما فيه من الأخبار الشيقة) موسوعة علمية وبحر زاخر لشتى الفنون والعلوم العقلية والنقلية، وكان حظه من كل علم أعظم من حظ أربابه، حتى سعى له عظماء العلماء يلتمسون بصيصاً من نوره وجذوة من قبسه، وسوف لا أتكلف في نسبة تلمذة الأرموي لغير كمال الدين بن يونس، وأتشبث بخيوط العنكبوت حتى أصله بأناس لم يقم الدليل القاطع على وصله بهم، وأعني بذلك أني وجدت عباراتٍ في بعض الكتب تدل على أنه تتلمذ على فخر الدين الرازي المتوفى سنة 606 هـ، وعدلت عن ذلك، لضعف هذه النسبة ولاحتمال الوهم أو التجوز في النسبة.

كمال الدين أبو الفتح موسى بن أبي الفضل يونس بن محمد بن منعة الموصلي والد شارح التنبيه "شرف الدين أحمد بن موسى" (¬1) ولد في صفر سنة 551 هـ بالموصل، وتفقه على والده الشيخ رضي الدين يونس (¬2). ثم توجه إلى بغداد فتفقه بالمدرسة النظامية على معيدها السديد السلماسي (¬3). وقرأ العربية بالموصل على الِإمام يحيى بن سعدون (¬4)، وببغداد على الكمال عبد الرحمن الأنباري (¬5). ¬

_ (¬1) أحمد بن موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الأربلي الأصل، ثم الموصلي الشافعي شرف الدين أبو الفضل فقيه. ولد بالموصل سنة 575 هـ، وتوفي بها في 24 ربيع الآخر سنة 622 هـ. له شرح التنبيه للشيرازي في فروع الفقه الشافعي ومختصران لإحياء علوم الدين. ترجم له: وفيات الأعيان 1/ 39، ابن كثير البداية والنهاية 13/ 111، مرآة الجنان لليافعي 4/ 50 - 52، مختصر دول الإسلام للذهبي 2/ 96، شذرات الذهب لابن العماد 5/ 99، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 5/ 17، كشف الظنون 24، 489، معجم المؤلفين 2/ 190. (¬2) هو يونس بن محمد بن منعة رضي الدين الموصلي الشافعي، تفقه على الحسين بن نصر خميس، وعلى أبي منصور الرزاز ببغداد، كان مولده بأربل سنة 511 هـ، وتوفي بالموصل في المحرم سنة 579 هـ. ترجم له شذرات الذهب لابن العماد: 4/ 267. (¬3) السديد السلماسي: هو الشيخ سديد الدين محمد بن هبة الله. كان إماماً نظاراً جدلياً تخرج به جماعة من الفضلاء، وكان معيداً بالمدرسة النظامية، توفي في شعبان سنة 574 هـ. ترجم له طبقات الشافعية لابن السبكي 7/ 23، اللباب 1/ 552. (¬4) يحيى بن سعدون بن تمام بن محمد الأزدي القرطبي أبو بكر، عالم بالقرآن والحديث واللغة له شعر. ولد بقرطبة سنة 486 هـ. وتعلم بمصر وبغداد، وأقام بدمشق ثم استوطن الموصل، وتوفي بها سنة 567 هـ. له القرطبية في القراءات. ترجم له: وفيات الأعيان 2/ 226، بغية الوعاة 412، إرشاد الأريب 7/ 278، غاية النهاية 2/ 372، مرآة الجنان 3/ 380، الأعلام 9/ 180. (¬5) عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله كمال الدين أبو البركات ابن الأنباري النحوي. سكن بغداد قرأ على أبي السعادات الشجري في النحو، وأخذ اللغة عن أبي منصور الجواليقي، والحديث عن ابن خيرون، والفقه على أبي منصور الرزاز. كان ورعاً له تصانيف كثيرة تبلغ الخمسين منها: هداية الذهب في معرفة المذاهب، وبداية الهداية، والنور اللائح في اعتقاد السلف الصالح، والتنقيح في مسلك الترجيح، والجمل في علم الجدل. توفي ليلة الجمعة التاسع من شعبان سنة 577 هـ ترجم له طبقات ابن السبكي 5/ 157، أنباه الرواة 2/ 169 , بغية الوعاة 2/ 86، العبر 4/ 231.

ثم عاد إلى الموصل مقيماً بها. وكان رجلاً متبحراً في كثير من فنون العلم موصوفاً بالذكاء المفرط، إليه مرجع أهل الموصل وما والاها في الفتوى. وأصحابه يعظمونه كثيراً. وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات وقال: أنه درَّس بعد وفاة والده في موضعه بالمسجد المعروف بالأمير زين الدين (¬1) صاحب أربل قال وهذا المسجد يعرف الآن بالمدرسة الكمالية، لأنه نسب إلى كمال الدين المذكور لطول إقامته فيه. ولما اشتهر فضله انثال عليه الفقهاء، وتبحر في جميع فنون العلم. وجمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وتفرد بعلم الرياضة، ولقد رأيْته بالموصل في شهر رمضان سنة 626 هـ. وترددت إليه دُفَيْعاتٍ عديدةٍ لما كان بينه وبين الوالد- رحمه الله- من المؤانسة والمودة الأكيدة، ولم يتفق لي الأخذ عنه لعدم الِإقامة وسرعة الحركة إلى الشام. وكان الفقهاء يقولون: إنه يدري أربعةً وعشرين فناً درايةً متقنة، ومن ذلك المذهب وكان فيه أوحد الزمان. وكان جماعة من الطائفة الحنفية يشتغلون عليه بمذهبهم، ويحل لهم مسائل الجامع الكبير أحسن حل، مع ما يجيء عليه من الِإشكال المشهور، وكان يتقن فن الخلاف العراقي والبخاري وأصول الفقه وأصول الدين. ولما حملت كتب فخر الدين الرازي للموصل وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء، لم يفهم أحد منهم إصطلاحه فيها سواه، وكذلك الِإرشاد للعميدي (¬2) فلما وقف عليها حلها في ليلة واحدة وأقرأها على ما قالوا. ¬

_ (¬1) هو زين الدين علي المعروف بكجك صاحب إربيل، كان قصير القامة أصله من التركمان عمَّر طويلًا حتى جاوز المائة، توفي بأربل ليلة الأحد 11 ذي القعدة سنة 563 هـ وحج مع أسد الدين شيركوه سنة 655 هـ، وفقد بصره في آخر عمره. ترجم له: وفيات الأعيان 4/ 113، سيرة صلاح الدين لابن شداد ص 39. (¬2) هو محمد بن محمد ركن الدين العميدي أبو حامد السمرقندي، صاحب كتاب الإِرشاد في الخلاف وكتاب النفائس. وله الطريقة العميدية في الخلاف. أشتغل بكتابه الإِرشاد جماعة منهم شمس الدين أحمد بن الخليل الخويي قاضي دمشق وبدر الدين المراغي ونجم الدين المرندي. واختصر شمس الدين الخويي كتابه النفائس وسماه عرائس النفائس. توفي ليلة الأربعاء التاسع من جمادى الآخرة سنة 615 هـ ببخارى (الفوائد البهية ص 200).

وكان يدري فن الحكمة والمنطق والطبيعي والإلهي. وكذلك الطب ويعرف فنون الرياضة من إقليدس والهيئة والمخروطات والمتوسطات والمجسطي (وهي لفظة يونانية معناها بالعربية: الترتيب) وأنواع الحساب المفتوح منه، والجبر والمقابلة والأرتماطيقي وطريق الخطابين، والموسيقى والمساحة معرفة لا يشاركه فيها غيره، إلَّا في ظواهر هذه العلوم دون دقائقها والوقوف على حقائقها. وبالجملة فلقد كان كما قال الشاعر: وكان من العلوم بحيث يقضى ... له في كل علمٍ بالجميع واستخرج في علم الأوفاق طرقاً لم يهتد إليها أحد، وكان يبحث في العربية والتصريف بحثاً تاماً مستوفى، حتى أنه كان يقرئ كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي والمفصل للزمخشري (¬1). وكان له في التفسير والحديث وأسماء الرجال وما يتعلق به يد جيدة، وكان يحفظ من التواريخ وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شيئاً كثيراً. وكان أهل الذمة يقرؤون عليه التوراة والإنجيل، ويشرح لهم هذين الكتابين شرحاً يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله. وكان في كل فنٍ من هذه الفنون، كأنه لا يعرف سواه لقوته فيه. وبالجملة: فإن مجموع ما كان يعلمه من الفنون لم نسمع عن أحد ممن تقدمه أنه كان قد جمعه. ولقد جاءنا الشيخ أثير الدين المفضل (¬2) بن عمر بن المفضل الأبهري، ¬

_ (¬1) هو محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي أبو القاسم جار الله، مفسر محدث متكلم معتزلي نحوي لغوي بياني أديب ناظم ناثر، ولد بزمخشر سنة 467 هـ، قدم بغداد ورحل لمكة، وتوفي بجرجانية ليلة عرفة سنة 538 هـ، له الكشاف في التفسير والفائق في غريب الحديث وديوان شعر. ترجم له: الأعلام 12/ 186، النجوم الزاهرة 5/ 274، وفيات الأعيان 2/ 107، معجم الأدباء 19/ 126، مرآة الجنان 3/ 269، المنتظم لابن الجوزي 10/ 112، نزهة الألبا للأنباري 469، طبقات المفسرين للسيوطي 41. (¬2) هو المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري أثير الدين، حكيم منطقي فلكي من تصانيفه هداية الحكمة. وشرح إيساغوجي، ودرايات الأفلاك والزيج وغيرها.=

صاحب التعليقة في الخلاف والزيج والتصانيف المشهورة من الموصل إلى إربل في سنة 626 هـ، ونزل بدار الحديث وكنت أشتغل عليه بشيء من الخلاف، فبينما أنا يوماً عنده إذ دخل عليه بعض فقهاء بغداد. وكان فاضلاً فتجاريا في الحديث زماناً. وجرى ذكر الشيخ كمال الدين في أثناء الحديث، فقال له الأثير: لما حجَّ الشيخ كمال الدين ودخل بغداد كنتَ هناك؟ فقال: نعم. فقال: كيف كان إقبال الديوان العزيز عليه؟ فقال: ذلك الفقيه. ما أنصفوه على قدر استحقاقه فقال الأثير: ما هذا إلَّا عجبٌ والله ما دخل بغداد مثل الشيخ فاستعظمت منه هذا الكلام وقلت: يا سيدنا كيف تقول كذا؟ فقال: يا ولدي ما دخل بغداد مثل أبي حامد الغزالي ووالله ما بينه وبين الشيخ نسبة. وكان الأثير على جلالة قدره في العلوم، يأخذ الكتاب ويجلس بين يديه فيقرأ عليه والناس يوم ذلك يشتغلون في تصانيف الأثير، ولقد شهدت هذا بعيني وهو يقرأ عليه كتاب المجسطي. وقد حكى لي بعض الفقهاء: أنه سأل الشيخ كمال الدين عن الأثير ومنزلته في العلوم. فقال: ما أعلم. فقال: وكيف هذا يا مولانا وهو في خدمتك منذ سنين عديدة يشتغل عليك؟ فقال: لأنني مهما قلت تلقاه بالقبول. وقال: نعم يا مولانا. فما جادلني في مبحثٍ قط حتى أعلم حقيقة فضله. وكان الأثير معيداً عنده في المدرسة البدريَّة وكان يقول: ما تركت بلادي وقصدت الموصل إلا للاشتغال على الشيخ. وكان شيخنا تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح المتقدم ذكره يبالغ في الثناء على فضائله وتعظيم شأنه وتوحده في العلوم فذكره يوماً وشرع في وصفه على عادته. فقال له بعض الحاضرين: يا سيدنا على من اشتغل ومن كان شيخه؟ فقال: هذا الرجل خلقه الله إماماً عالماً في فنونه، لا يقال: على من اشتغل ولا من كان شيخه فإنه أكبر من هذا. ¬

_ = ترجم له: معجم المؤلفين 12/ 315، كشف الظنون 97، 206، 494، 953، 1493، 1616، 1750، 2028.

وحكى (¬1) لي بعض الفقهاء بالموصل أن ابن الصلاح المذكور سأله أن يقرأ عليه شيئاً من المنطق سراً، فأجابه إلى ذلك، وتردد إليه مدة فلم يفتح عليه بشيء، فقال له يا فقيه، المصلحة عندي أن تترك الاشتغال بهذا الفن. فقال له: ولمَ ذلك يا مولانا؟ فقال: لأن الناس يعتقدون فيك الخير، وهم ينسبون كل من اشتغل بهذا الفن إلى فساد الاعتقاد، فكأنك تفسد عقائدهم فيك، ولا يحصل لك من هذا الفن شيء فقبل إشارته وترك قراءته. ومن يقف على هذه الترجمة فلا ينسبني إلى المغالاة في حق الشيخ، ومن كان من أهل تلك البلاد وعرف ما كان عليه الشيخ، عرف أني ما أعرته وصفاً ونعوذ بالله من الغلو والتساهل في النقل. وقد ذكره أبو البركات بن المستوفي (¬2) المتقدم ذكره في تاريخ أربل. فقال: هو عالم مقدم، ضرب في كل علم. وهو في علم الأوائل كالهندسة والمنطق وغيرهما ممن يشار إليه، حل إقليدس والمجسطي على الشيخ شرف الدين المظفر بن محمد بن المظفر الطوسي الفارابي (¬3) يعني صاحب ¬

_ (¬1) أي حكى لابن خلكان صاحب وفيات الأعيان، وهذه القصة غير موجودة في وفيات الأعيان المطبوع وقد راجعت منه طبعتين فلم أجد هذه القصة وكنت قد ظننت أن هذه القصة إدراج من ابن السبكي، ولكن وجدت أن صاحب الطالع السعيد قد نقلها أيضاً، مما يدل على أن كتاب وفيات الأعيان المطبوع فيه نقص. (¬2) هو أبو البركات بن أبي الفتح بن المبارك بن موهوب اللخمي شرف الدين بن المستوفي الأربيلي، كان عالماً بالنحو واللغة والعروض والقوافي وأشعار العرب وأخبارهم، له تاريخ أرل في أربع مجلدات. شرح شعر المتنبي وأبي تمام في عشرة مجلدات. وكتاب إثبات المحصل في نسبة أبيات المفصل في مجلدين تكلم فيه على شواهد الزمخشري في المفصل. وسر الصنعة وكتاب (أبو قماش في الأدب والنوادر) سمع منه ابن خلكان كثيراً، تولى الديوان ثم الوزارة سنة 629 هـ، كان مولده منتصف شوال سنة 564 هـ بأربل، وتوفي بالموصل يوم الأحد الخامس من محرم سنة 637 هـ، ترجم له مرآة الزمان 644، الحوادث الجامعة 135، بغية الوعاة 384، العبر 5/ 155، شذرات الذهب 5/ 186، ابن خلكان 4/ 146. (¬3) شرف الدين المظفر بن محمد بن المظفر الطوسي الفارابي. رياضي له تصانيف في الجبر والمقابلة والهندسة، توفي بعد 606 هـ (انظر ترجمته في معجم المؤلفين 12/ 301 تراث العرب العلمي لقدري طوقان ص 356). Brockman g,1: 472. s,1: 858.859.

الأسطرلاب (¬1) الخطي المعروف بالعصا. وقال ابن المستوفي: وردت عليه مسائل من بغداد في مشكلات هذا العلم فحلها واستصغرها ونبه على براهينها بعد أن احتقرها، وهو في الفقه والعلوم الإِسلامية نسيج وحيد، ودرَّس في عدة مدارس بالموصل وتخرج عليه خلق كثير في كل فنٍ. ثم قال: أنشدنا لنفسه وأنفذها إلى صاحب الموصل يشفع عنده: لئن شرفت أرض بمالكٍ رقها ... فمملكة الدنيا بكم تتشرف ومكنت من حظ البسيطة مثل ما ... تمكن في أمصار فرعون يوسف بقيت بقاء الدهر أمرك نافذٌ ... وسعيك مشهور وحكمك منصف قلت أنا: ولقد أنشدني هذه الأبيات عند أحد أصحابه بمدينة حلب، وكنت بدمشق سنة 633 هـ، وبها رجل فاضل في علوم الرياضة فأشكل عليه مواضع من مسائل الحساب والجبر والمقابلة والمساحة وأقليدس، فكتب جميعها في درج وسيَّرها إلى الموصل، ثم بعد أشهر عاد جوابه وقد كشف عن خفيها وأوضح غامضها، وذكر ما يعجز الِإنسان عن وصفه ثم كتب في آخر الجواب: فليمهد العذر في التقصير في الأجوبة فإن القريحة جامدة، والفطنة خامدة قد استولى عليها كثرة النسيان وشغلها حوادث الزمان، وكثير مما استخرجناه وعرفناه نسيناه بحيث صرنا كأنا ما عرفناه. وقال لي صاحب المسائل المذكورة: ما سمعت مثل هذا الكلام إلا للأوائل المتقنين لهذه العلوم، ما هذا من كلام أبناء هذا الزمان. وحكى لي الشيخ الفقيه الرياضي علم الدين قيصر بن أبي القاسم بنِ عبد الغني بن مسافر الحنفي المقرئ، المعروف بتعاسيف (¬2)، وكان إماماً ¬

_ (¬1) الأسطرلاب: يعرف به كيفية استخراج الأعمال الفلكية بطرق خاصة مبينة في كتبها. (انظر مفتاح السعادة 1/ 389). (¬2) هو قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني الأسنوي علم الدين الملقب بتعاسيف، عالم رياضي=

في علوم الرياضة قال: لقد أتقنت علوم الرياضة بالديار المصرية وبدمشق، تاقت نفسي إلى الاجتماع بالشيخ كمال الدين، لما كنت أسمع من تفرده بهذه العلوم، فسافرت إلى الموصل قصداً للاجتماع، فلما حضرت في مجلسه وخدمته وجدته على حلية الحكماء المتقدمين، وكنت قد طالعت أخبارهم وحلاهم فسلمت عليه، وعرفته قصدي له للقراءة عليه فقال لي: في أي العلوم تريد تشرع؟ فقلت: في الموسيقى، فقال: مصلحة هو، فلي زمان ما قرأه علىَّ أحد، أوثر مذاكرته وتجديد العهد فشرعت فيه، ثم في غيره حتى شققت عليه أكثر من أربعين كتاباً في مقدار ستة أشهر، وكنت عارفاً بهذا الفن، لكن كان غرضي الانتساب في القراءة إليه، وكان إذا لم أعرف المسألة أوضحها لي، وما كنت أجد من يقوم مقامه في ذلك، وقد أطلت الشرح في نشر علومه، ولعمري لقد اختصرت. ولما توفي أخوه الشيخ عماد الدين (¬1) محمد المتقدم ذكره، تولى الشيخ المدرسة العلائية موضع أخيه، ولما فتحت المدرسة القاهرية تولاها ثم تولى المدرسة البدريَّة في ذي الحجة سنة 620 هـ، وكان مواظباً على إلقاء الدروس والإِفادة وحضر في بعض الأيام دروسه جماعة من المدرسين أرباب الطيالس وكان العماد أبو علي عمر بن عبد النور بن يوسف الصنهاجي (¬2) ¬

_ = مهندس، ولد بأسفون من صعيد مصر سنة 574 هـ. أقام بحماة وبنى بها أبراجاً فلكيةً وطاحوناً على نهر العاصي، وتولى نظر الدواوين بالقاهرة، ومات بدمشق سنة 649 هـ. ترجم له: الطالع السعيد ص 259، الأعلام 6/ 62. (¬1) هو عماد الدين محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك لأربلي أبو حامد، ولد سنة 535 هـ بالموصل تفقه على والده. ثم رحل إلى بغداد، وتفقه على السديد السلماسي وغيره، وعاد للموصل ودرس بعدة مدارس فيها. له المحيط في الجمع بين المهذب والوسيط وشرح الوجيز وكتاب التحصيل في الجدل، ولي القضاء وتوفي سنة 608 هـ بالموصل. ترجم له: البداية والنهاية 13/ 62، شذرات الذهب 5/ 34، العبر 5/ 28، مرآة الجنان 4/ 16، هداية العارفين 2/ 108، وفيات الأعيان 3/ 385، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 8/ 109. (¬2) هو عمر بن عبد النور بن ماخوخ بن يوسف أبو علي الصنهاجي اللزبي النحوي، قدم مصر ورحل إلى الموصل ولازم كمال الدين بن يونس. ترجم له: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي 2/ 220.

النحوي البجائي حاضراً، فأنشد على البديهة: كمالَ كمالُ الدين للعلم والعلى ... فهيهات ساعٍ في مساعيك يطمعُ إذا اجتمع النظار في كل موطنٍ ... فغاية كلٍ أن تقول ويسمعوا فلا تحسبوهم من غناءٍ تطيلسوا ... ولكن حياء واعترافاً تقنعوا وللعماد المذكور فيه أيضاً: تجر الموصل الأذيال فخراً ... على كل المنازلِ والرسومِ بدجلة والكمالِ هما شفاءٌ ... لهيمٍ أو لذي فهمٍ سقيم فذا بحر تدفق وهو عذب ... وذا بحر ولكن من علوم وكان الشيخ- سامحه الله- يُتهم في دينه، لكون العلوم العقلية غالبةً عليه، وكانت تعتريه غفلة في بعض الأحيان، لاستيلاء الفكرة عليه بسبب هذه العلوم، فقال فيه العماد المذكور: أجدك أن قد جاد بعد التعبس ... غزال بوصلٍ لي وأصبح مؤنس وأعطيته صهباء من فيه مزجها ... كرقة شعري أو كدين ابن يونس انتهى كلام ابن خلكان.

ورأيت بخط الشيخ كمال الدين بن يونس على الجزء الأول من أقليدس إصلاح ثابت بن قرة (¬1) ما نصه: قرأت على الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع شرف الدين فخر العلماء تاج الحكماء أبي المظفر أدام الله أيامه بعد عوده من طوس هذا الجزء، وكنت حللته عليه نفسي مع كتاب المجسطي وشيء من المخروطات واستنجزته ما كان وعدنا به من كتاب الشكوك، فأحضره واستنسخه وكتَبَه موسى بن يونس بن محمد بن منعة في تاريخه هذا صورة خط وتاريخ الكتاب المشار إليه. التاسع عشر من ربيع الأول سنة 576 هـ. انتهى من طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي عبد الكافي السبكي المتوفى سنة 771 هـ. ولم أضف لما نقلته شيئاً من غيره (¬2). وروى القاضي الأرموي- رحمه الله تعالى- كما نقل ذلك مؤلف كتاب مناقب أوحد الدين حامد بن أبي الفخر الكرماني، المتوفى سنة 635 هـ حيث يقول: انتقلت من مصر إلى بلاد الروم بقصد التشرف والتقرب من الشيخ أوحد الدين الكرماني، وكان ذلك في عهد السلطان علاء الدين ¬

_ (¬1) هو ثابت بن قرة بن زهرون الحراني الصابئ أبو الحسن، طبيب حاسب فيلسوف ولد بحران سنة 221 هـ، ونشأ بها، حدث منه أشياء أنكرتها الصابئة عليه، فخرج لبغداد واشتغل بالفلسفة والطب. كان له منزلة عند الخليفة العباسي المعتضد ألَّف نحو 150 كتاباً. منها الذخيرة في علم الطب. وأكثر كتبه في الهندسة والموسيقى كان يحسن معظم اللغات الشائعة في عصره، توفي ببغداد سنة 288 هـ. ترجم له: طبقات الأطباء 0/ 215، حكماء الإسلام ص 20، وفيات الأعيان 1/ 100، الأعلام 2/ 81. (¬2) ترجم له: طبقات ابن السبكي الطبعة الأولى 5/ 158، وطبعة عيسى البابي الحلبي 8/ 378 (ويوجد زيادات في طبعة الحلبي) البداية والنهاية لابن كثير 13/ 158، شذرات الذهب 5/ 206، العبر 5/ 162، 163، عيون الأنباء 1/ 306، الفلاكة والمفلوكين 84، المختصر في تاريخ أبي البشر لأبي الفداء 3/ 177، 178، مرآة الجنان 4/ 101، مفتاح السعادة 2/ 356، 357، النجوم الزاهرة 6/ 342 - 344، وفيات الأعيان 4/ 396 - 401، وروض المناظر بهامش ابن الأثير 12/ 135، والحوادث الجامعة 149، الأعلام 8/ 288، معجم المؤلفين 13/ 51، مختصر دول الإسلام 2/ 110، إيضاح المكنون للبغدادي 1/ 75، 135، 2/ 367، تراث العرب العلمي لقدري طوقان 344، البغدادي هداية العارفين 2/ 479.

تلاميذه

كيقباذ، الذي استقبلني بنفسه واستفسر مني عن مرادي، فأخبرته مرادي مصاحبة الشيخ أوحد الدين الكرماني، واستنكر ذلك، حيث إن ملطية لم تكن مركزاً يصلح مقراً لأمثال القاضي الأرموي، ثم أصدر أمره بأن أُنزلَ بمدرسةٍ أمام الجامع والتحقت بالتدريس فيها. ثم أخذت في الذهاب للشيخ أوحد الدين الكرماني في كل يوم بعد العصر، وقد وجدت من لطفه وحسن خلقه ما لا أستطيع وصفه، وكنت مواظباً على الأذكار عنده، ويذكر قصة رجل آخر اسمه جمال الدين الواسطي، وهو عالم حكيم يجيد علوم الهيئة وأقليدس والمنطق والحكمة والنجوم والرياضيات، كان يتذاكر مع القاضي الأرموي في هذه العلوم واستفسر منه عن مكان ذهابه كل يوم، فأخبره أنه يذهب لملازمة الشيخ أوحد الدين الكرماني، فاستنكر ذلك جمال الدين الواسطي على القاضي محمود بن أبي بكر الأرموي، ولكن استطاع القاضي الأرموي- رحمه الله- أن يقنع زميله بالذهاب إلى الشيخ الكرماني، فأعجب به ولازمه أيضاً. فهذه القصة قد يثبت منها أخذ القاضي محمود بن أبي بكر الأرموي عن أوحد الدين الكرماني، فيعتبر أوحد الدين الكرماني أحد مشايخ الأرموي، وإن كانت تلمذته عليه تلمذة تزكية النفس والأخلاق، وأما العلوم فالأرموي قد حازها قبل ذلك. فاستقبال علاء الدين كيقباذ له يدل على علو منزلته وعظمة علومه قبل وصوله إلى ملطية، فعينه مدرساً في مدرستها حال وصوله. ولا أظن أنه كان عظيم تأثير لأوحد الدين الكرماني على قدرة الأرموي العلمية، ولهذا لم أعتبره شيخاً له. تَلاميذهُ مما لا شك فيه أن عالماُ كالفاضي سراج الدين الأرموي في سعة العلوم وإتقانها والتصنيف فيها، لا بد وأن يكون له طائفةٌ ليست بالقليلة من طلبة العلم ولكن جميع من ترجم له لم ينقل اسم أحدٍ من تلاميذه رغم ورود

ترجمته في مراجع كثيرة ولهذا لا بد لي من دراسة كتب التراجم التي ترجمت لمن عاصره لمن دونه سناً. وبعد عناءٍ وتفتيش في كل كتابٍ يظن وجود ذلك فيه وصلت إلى أنه تتلمذ عليه عالمان من العلماء وهما: 1 - محمد (¬1) بن عبد الرحيم (¬2) بن محمد الشيخ صفي الدين الهندي الأرموي المتكلم على مذهب الأشعري، كان من أعلم الناس بمذهب الشيخ أبي الحسن وأدراهم بأسراره متضلعاً بالأصلين. اشتغل على القاضي سراج الدين صاحب التحصيل وسمع من الفخر بن البخاري، وروى عنه الذهبي شيخ السبكي صاحب الطبقات، ولد ببلاد الهند سنة 644 هـ، ورحل إلى اليمن سنة 667 هـ، ثم حجَّ وقدم إلى مصر، ثم سار إلى بلاد الروم، واجتمع بسراج الدين وقرأ عليه وخدمه حباً في العلم. ثم قدم دمشق سنة 685 هـ، واستوطنها ودرَّس بالأتابكية والظاهرية الجوانية، وشغل الناس بالعلم. كان خطه في غاية الرداءة. وكان رجلًا ظريفاً ساذجاً فيحكى أنه قال: وجدت في سوق الكتب مرةً كتاباً بخط ظننته أقبح من خطي فغاليت في ثمنه، واشتريته لأحتج به على من يدعي أن خطي أقبح الخطوط، فلما عدت إلى البيت وجدته بخطي القديم. ولما وقع من ابن تيمية في المسألة الحموية ما وقع، وعقد له المجلس بدار السعادة بين يدي الأمير تنكز وجمعت العلماء أشاروا بأن يحضر الشَّيخ الهندي فحضر، وكان الهندي طويل النفس في التقرير إذا شرع في وجه يقرره لا يدع شبهةً ولا اعتراضاً، إلا قد أشار إليه في ¬

_ (¬1) ترجم له: طبقات الشافعية لابن السبكي 5/ 240، الوافي بالوفيات للصفدي 3/ 239، شذرات الذهب لابن العماد 6/ 37، الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 14، البداية والنهاية لابن كثير 14/ 74، 75، الدارس للنعيمي 1/ 130، البدر الطالع للشوكاني 2/ 187، مرآة الجنان لليافعي 4/ 272، القلائد الجوهرية لابن طولون الصالحي 1/ 104، كشف الظنون 873، 953، 1217، 1991، مفتاح السعادة لطاش كبري 2/ 218، هداية العارفين 2/ 143، معجم المؤلفين 1/ 160، الأعلام 7/ 72، نزهة الخاطر 2/ 138، حسن المحاضرة 1/ 544، طبقات الأسنوي 2/ 534. (¬2) ورد في حسن المحاضرة والوافي بالوفيات عبد الرحمن بدل عبد الرحيم وهو خطأ.

التقرير بحيث لا يتم التقرير إلا وقد بعد على المعترض مقاومته، فلما شرع يقرر أخذ ابن تيمية يعجل عليه على عادته ويخرج من شيء إلى شيء. فقال له الهندي: ما أراك يا ابن تيمية إلا كالعصفور حيث أردت أن أقبضه من مكانٍ فر إلى مكان آخر. وكان الأمير تنكز يعظم الهندي ويعتقده، وكان الهندي شيخ الحاضرين كلهم فكلهم صدر عن رأيه وحبس ابن تيمية بسبب تلك المسألة، وهي التي تضمنت قوله بالجهة ونودي عليه في البلد وعلى أصحابه وعزلوا من وظائفهم، توفي بدمشق في 29 صفر سنة 715 هـ. وله من المصنفات: نهاية الوصول إلى علم الأصول في ثلاث مجلدات رأيت الجزء الثالث منه في دار الكتب وهو شرح للمحصول، والفائق في أصول الفقه، والزبدة في علم الكلام، والرسالة التسعينية في الأصول الدينية. 2 - تاج الدين الكردي (¬1): قرأ رحمه الله على علماء عصره منهم العالم الفاضل سراج الدين الأرموي صاحب المطالع وبيان الحكمة. وحصل من العلوم شيئاً كثيراً وبرع في جميعها وتمهر في الفقه واشتهرت فضائله في الآفاق. ولما مات داود القيصري نصبه السلطان أورخان مقامه مدرساً بمدرسة أزنيق وأفاد تلاميذه. زوج إحدى ابنتيه للشيخ إده بالي وزوج ابنته الأخرى للمولى خير الدين القاضي الذي أصبح وزيراً ولقب بخير الدين باشا. ¬

_ (¬1) الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية، طبع الأميرية حاشية على وفيات الأعيان 1/ 8، ولم أجد له ترجمة في كتاب آخر.

مؤلفات القاضي سراج الدين الأرموي بوجه عام

مؤَلَّفَاتُ القَاضي سِرَاجِ الدّين الأَرمَوي بوَجهٍ عَام مع بيان موضوعها ولمحة عن كل منها ومكان وجود المخطوط منها القاضي أبو الثناء سراج الدين محمود بن أبي بكر بن أحمد الأرموي من الأئمة المكثرين في التأليف ومن المحققين في التصنيف، رغم عدم استقرار الأحوال في زمانه إذ كان عصره (السابع الهجري) عصر قلاقلٍ وفتنٍ وحروبس داميةٍ وزحفٍ دمويٍ منقطع النظير. ففي باكورة شبابه دهم بلاده الزحف التتاري، ويغلب على الظن أنه فرَّ أمامه إلى الموصل في شمال العراق محط رحل العلماء آنذاك، ولازم فيها موسوعة العلوم في ذلك الزمان كمال الدين (¬1) موسى بن يونس بن محمد بن منعة أبا الفتح الموصلي الكردي، المتوفى سنة 639 هـ. والذي أفردناه بترجمةٍ طويلةٍ تدل على مدى سعة علومه، حتى إن عظماء الزمان قد سعوا للارتشاف من علمه وعلى رأسهم علامة الحديث أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي المتوفى في دمشق سنة 643 هـ والمشهور بابن الصلاح، وابن خلكان أحمد بن محمد بن إبراهيم الأربيلي القاضي، المتوفى 681 هـ صاحب وفيات الأعيان، المتوفى قبل سراج الدين الأرموي بعامٍ واحد، وغيرهم من العلماء في شتى الفنون والعلوم. ولا ندري عن مدة ملازمته لهذا العلّامة. ¬

_ (¬1) له ترجمة مطولة في الباب الأول في شيوخ الأرموي.

ثم توجهت به الركائب إلى ملطية من بلاد الروم، حيث لقي التجلة والاحترام من حاكمها حينذاك علاء الدين كيقباذ السلجوقيِ، الذي تولى الحكم سنة 615 هـ ثم هجرها بعد أن أقام فيها فترةً ملازمًا لأوحد الدين الكرماني (¬1)، ثم توجه لدمشق حيث كما يبدو أنَّه استقر فيها فترةً من الزمن، وألف فيها كتابه التحصيل، وبعض مؤلفاته الأخرى ثم توجه إلى مصر في أواخر عام 647 هـ، حيث تشرف بمقابلة السلطان الملك غياث الدين توران شاه ابن الصالح نجم الدين أَيُّوب آخر من حكم مصر من الأكراد، وكان برفقة سلطان العلماء آنذاك، عز الدين بن عبد السلام المتوفى سنة 660 هـ، ثم استقر به المطاف في عاصمة الروم السلاجقة أعظم مدن الروم آنذاك، فاشتغل بالقضاء حتَّى أصبح قاضي القضاة. ورغم هذا التجوال في البلاد واضطراب الأحوال واشتغاله بالقضاء، وكل هذه عوامل تحول بينه وبين التأليف والتصنيف، فقد خلَّف تراثًا ضخمًا في شتى العلوم والفنون، وربما لم يصل إلينا كاملًا، كما حدث لكثيرٍ من العلماء الذين ذهبت مصنفاتهم أدراج الرياح وحتى هو نفسه، فقد عثرنا له على ثلاثة مصنفات لم يرد لها ذكر في فهارس المصنفات، وخاصة أنَّه يجيد اللغتين الفارسية والعربية، وقد صنف بعض كتبه بالفارسية وقد طبع له بالفارسية "لطائف الحكمة" الكتاب العظيم الذي طبع حديثًا في إيران. فالقاضيِ -رحمه الله- قد شارك في شتى الفنون والعلوم، ولكن كان له القدح المعلى في علم المنطق وعلم الحكمة فما إِن أراد طاش كبري (¬2) زادة في كتابه مفتاح السعادة (¬3). أن يكشف لنا النقاب عن غرر فن المنطق ¬

_ (¬1) أوحد الدين الكرماني أبو حامد الشاعر المتوفى سنة 634 هـ، له مصباح الأرواح وأسرار الأشباح في المثنويات فارسي (هداية العارفين ص 228). (¬2) هو عصام الدين أبو الخير أَحْمد بن مصطفى بن خليل طاش كبري زادة) ولد في مدينة بروسة سنة 901 هـ، وكانت عاصمة بني عثمان قبل فتح القسطنطينية، وتوفي بأستانبول سنة 968 هـ. له مؤلفات كثيرة جدًا ذكر منها محقق مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم سبعًا وثلاثين مصنفًا. (¬3) مفتاح السعادة 1/ 297.

والحكمة، فإذا به يصدِّرها بمؤلفات سراج الدين الأرمويّ، وفي مقدمتها مطالع الأنوار (¬1) الذي شاء الله له أن يشتهر، وتتناوله العلماء بالشرح والتحقيق ووضع الحواشي، ويقبلوا عليه إقبالًا منقطع النظير، فلا شك أن علمي المنطق والحكمة كان القاضي الأرموي فارسهما المغوار ورائدهما المحنك بعد أن ألمَّ بمصنفات الشيخ الرئيس أبي علي بن سيناء (¬2) والِإمام فخر الدين الرَّازيّ، فقد حذق دقائق هذا الفن وخباياه، وعرف عويصات مسائله ولا زال أجلة العلماء في هذا الفن يَردون مصنفاته العظيمة عطاشًا فيصدرون عنها بعد أن تبتل العروق ويذهب الظَمأ. وأما سراج الدين الأرموي العالم بالأصول، فلم يقتصر على كتاب واحد في هذا الفن. والناظر في كتابه التحصيل يجد علمًا غزيرًا ونظرًا ثاقبًا دقيقًا وتنظيمًا غريبًا عجيبًا في التصنيف وإيراد الإشكالات والرد عليها، فذلَّل بذلك علم المنطق لخدمة علم الأصول. ولا تكاد تفارق التحصيل رائحة علم الكلام، فقد أورد الكثير من مسائله في كتابه التحصيل مما تمس له الحاجة، فقد كان -رحمه الله- أصوليًا بارعًا ذا رأي سديد واجتهاد مصيب، فاستدرك على إمام الزمان وعلّامة القرن السادس الهجري بلا منازع فخر الدين محمَّد ابن عمر الرَّازيّ المتوفى سنة 606 هـ، صاحب العلوم الغزيرة والعقل المستنير، وصاحب التفسير الذي سارت بذكره الركبان ولا يزال منهلًا عذبًا للحكماء والعلماء. وقد ساهم القاضي الأرموي -رحمه الله- في علم الكلام بكتابه العظيم اللباب مختصر الأربعين للإمام الفخر الرَّازيّ. وقد ساهم في الفقه حيث امتدت يده إلى الوجيز (¬3)، الذي ذاع صيته بين الفقهاء، وتناولته الفقهاء بالاختصار والشرح ووضع الحواشي والتعليق حتَّى قال البيلقاني (¬4): وقفتُ للوجيز على سبعين شرحًا. ¬

_ (¬1) انظر مؤلفات الأرموي في هذا الكتاب. (¬2) وردت ترجمته في القسم التحقيقي. (¬3) الوجيز كتاب فقه مطبوع للإمام الغزالي. (¬4) هو زكي بن الحسين بن عمر أبو أَحْمد البيلقاني، فقية مناظر متكلم أصولي، ولد سنة =

1 - مطالع الأنوار في المنطق والحكمة

والأرموي -رحمه الله- وإن لم تذكر له المصنفات التي بين أيدينا تراثًا شعريًا، فإننا لا نشك في أنَّه كان يقرض الشعر، حيث روى ذلك عنه من سمع بأذنه، وهو أَحْمد الأفلاكي المتوفى سنة 745 هـ (¬1). الذي ألَّف مناقب العارفين (¬2)، وعاصر الأرموي -رحمه الله- وعاش معه في مدينةٍ واحدةٍ وهي (قونية) عاصمة بني سلجوق آنذاك. والآن قد حان الوقت للشروع في ذكر مصنفات القاضي الأرموي -رحمه الله- معرفين بها بقدر الاستطاعة بادئين بمؤلفاته المنطقية والحكمية، نظرًا لأن المصنفين يعدونه مؤلفًا في هذا الفن من الدرجة الأولى. 1 - مطالع الأنوار في المنطق والحكمة قال صاحب كشف الظنون (¬3) حاجي خليفة: (عن مطالع الأنوار): كتاب اعتنى بشأنه الفضلاء، واهتموا ببحثه ودرسه وتدريسه أوله: اللهمَّ إنَّا نحمدك والحمد من آلائك، ونشكرك والشكر من نعمائك، ونعوذ بك من الغباوة والغواية، ونبتغي منك إعلام الحق وإلهام الصدق، فإنَّه لا علم إلَّا ما علَّمت، ولا دراية إلَّا ما ألهمت، إنك أَنْتَ العليم الحكيم والجواد الكريم ونبتهل إليك في أن تصلي على محمَّد سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد: فهذا مختصر في العلوم الحقيقية والمعارف الِإلهية ¬

_ = 582 هـ. دخل خراسان وقرأ على الإِمام فخر الدين الرَّازيّ، وعلى تلميذه قطب الدين المصري وسمع الحديث من المؤيد الطوسي، قدم دمشق تاجرًا سنة 636 هـ، ودرس بها ثم ذهب للإسكندرية واليمن، واشتهر فيها ودرَّس وتوفي بعدن سنة 676 هـ. ترجم له شذرات الذهب 5/ 352، العبر / 310، طبقات ابن السبكي 8/ 146، طبقات الإسنوي 1/ 256. (¬1) هو أَحْمد بن أخي ناطور القونوي الشهير بالأفلاكي المولوي، ولد سنة 649 هـ، وتوفي سنة 745 هـ بقونية. وله مناقب العارفين ومراتب الكاشفين. (¬2) مناقب العارفين ومراتب الكاشفين باللغة الفارسية، وهو في مناقب جلال الدين الرومي صنفه بإشارة من ابن جلال الدين الرومي. ومطبوع بأنقرة في مجلدين سنة 1959 - 1961، كشف الظنون 1843. (¬3) كشف الظنون 1715، ومطالع الأنوار 1/ 5.

سميته بمطالع الأنوار، رتبته على طرفين الأول: في المنطق، والثاني: أربعة أقسام: الأول: في الأمور العامة. الثاني: في الجواهر خاصة. الثالث: في الأعراض خاصة. الرابع: في العلم الإلهي خاصة. وهذا الكتاب قد اعتنى به طائفة من أجلّة العلماء والحكماء ما بين شارح وناقد وواضع حاشية زادوا عن الثلاثين. وسنذكر طائفةً منهم على سبيل المثال لا الحصر وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على مدى أهمية هذا الكتاب ومنزلته بين كتب هذا الفن. وفيما يلي أذكر بعضًا ممن اشتغل به (¬1). 1 - شرحه قطب الدين محمَّد بن محمَّد الرَّازيّ التحتاني المتوفى سنة 706 هـ، شيخ بدر الدين التستري، شرحه لغياث الدين الوزير، فصار عظيم القدر كثير النفع، وسماه لوامع الأسرار. أ- وضع حاشية على هذا الشرح السيد الشريف علي بن أَحْمد الجرجاني، المتوفى سنة 816 هـ. كتبها حين قرأ الشرح على مباركشاه المنطقي (¬2). ومطالع الأنوار مع لوامع الأسرار، وحاشية الجرجاني طبع مرتين (¬3)، الأولى: في الآستانة (أستانبول) سنة 1303 هـ، في جزأين في حوالي 600 صفحة كبيرة في مطبعة محرم أفندي. والثانية: في طهران بإيران سنة 1314 هـ. ¬

_ (¬1) انظر كشف الظنون لحاجي خليفة 1715. (¬2) هو أحد غلمان قطب الدين الرَّازيّ، تبنّاه وعلّمه حتَّى أتقن العلوم وخاصة المنطق درس عليه الشريف الجرجاني. انظر مفتاح السعادة 2/ 191. (¬3) معجم المطبوعات لززكين 919 - 920.

ب- حاشية أخرى لمولانا حسن بن عليّ الشَّافعيّ (أبي وردى) المتوفى سنة 816 هـ، ويوجد نسخةٌ مخطوطةٌ منها في مكتبة ليدن برقم 1543 (¬1). جـ- حاشية أخرى لمولانا داود المتوفى سنة 850 هـ، يوجد منها نسخة مخطوطة في مكتبة برلين برقم (5090) والإسكندرية برقم 23 منطق، وكوالالمبور برقم 2/ 350. د- حاشية أخرى لحاجي باشا المتوفى سنة 816 هـ، رد فيها على الاعتراضات الواردة على شرح القطب الرَّازيّ التحتاني، وفرغ من تصنيفها في جمادى الأولى سنة 784 هـ، ويوجد منها نسخة مخطوطة في باريس برقم 2388. هـ - وحاشية أخرى لمير مرتضى الشيرازي المتوفى سنة 994 هـ، ويوجد منها نسخة مخطوطة في مكتبة كوالالمبور برقم 2/ 352، ونسخة أخرى في المركز الهندي بلندن برقم 529. و- حاشية أخرى لمولانا لطفي المقتول سنة 900 هـ، وموجود معها نسخة مخطوطة في دار الكتب بالقاهرة برقم 5/ 92، ومكتبة برلين برقم 1/ 266، 2/ 482. ز- حاشية أخرى لسيدي علي العجمي المتوفى سنة 860 هـ، يوجد منها نسخة مخطوطة في المركز الهندي بلندن برقم 528، ونسخة أخرى في مكتبة ليدن برقم 1540. ح- رسالة للفياض القاضي زادة الرومي وشرف الدين حسن شاه المتوفى سنة 815 هـ، يوجد منها نسخة مخطوطة في مكتبة كوالالمبور برقم 2/ 343. ط- حاشية أخرى لمولانا عبد الرَّحِيم الشرواني، المتوفى سنة 1134 هـ. ي- حاشية أخرى لأحمد بن سليمان كمال باشا، المتوفى سنة 940. ¬

_ (¬1) Brocklman, g,1: 614,S,1: 848. وكشف الظنون 1715.

ك- حاشية أخرى لعلاء الدين الطوسي، المتوفى سنة 887 هـ. ل- حاشية أخرى لشجاع الدين إلياس الرومي، المتوفى سنة 929 هـ. م- حاشية أخرى للقاضي شمس الدين محمَّد بن أَحْمد البسطامي، المتوفى سنة 842 هـ. ن- حاشية أخرى للشيخ شمس الدين محمَّد بن شهاب الشرواني، المتوفى سنة 892 هـ. س- حاشية أخرى لسيف الدين أَحْمد بن محمَّد حفيد السعد التفتزاني، المتوفى سنة 842 هـ. 2 - شرح مطالع الأنوار شمس الدين أبو الثناء محمود بن عبد الرَّحْمَن الأصفهاني، المتوفى سنة 749 هـ وعليه الحواشي الآتية: أ- حاشية للمولى محمَّد شاه بن يوسف الفناري المتوفى سنة 929 هـ. ب- حاشية أخرى للمولى قرة داود بن كمال القوجوي المتوفى سنة 948 هـ. جـ- حاشية أخرى لعلاء الدين علي بن محمَّد الشهير بمصنفك المتوفى سنة 872 هـ. د- حاشية أخرى لعز الدين بن جماعة محمَّد بن أَحْمد المتوفى سنة 816 هـ. 3 - شرح المطالع لبدر الدين محمَّد بن أسعد التستري صاحب حل عقد التحصيل المتوفى سنة 732 هـ، بتبريز، وهو أستاذ جمال الدين الأسنوي، صنفه سنة 707 هـ بتبريز، وسماه حل عقد مطالع الأنوار. 4 - شرح لعلاء الدين الطوسي المتوفى سنة 887 هـ ألفه بأمر السلطان محمَّد خان ومطبوع بالفارسية. وموجود منه نسخة مخطوطة في مكتبة ليدن برقم 3/ 1542. 5 - شرح لجلال الدين محمَّد بن أسعد الدواني المتوفى سنة 908 هـ وسماه تنوير الطالع وتبصير المطالع يوجد نسخة منه مخطوطة في مكتبة كوالالمبور برقم 2/ 327. وأخرى في مكتبة برلين برقم 1/ 509، وثالثة في مكتبة باريس برقم 2398.

2 - شرح الإشارات والتنبيهات في المنطق والحكمة

ويوجد له ثلاث حواشي: أ- حاشية لصدر الدين الدشتكي، يوجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة السيد النجومي في كرمان شاه (¬1). ب- حاشية أخرى لسراج الدين محمَّد بن عمر الحلبي المتوفى سنة 850 هـ. جـ- حاشية أخرى للمولى عبد الكريم المتوفى سنة 900 هـ (¬2). 2 - شرح الإِشارات والتنبيهات في المنطق والحكمة كتاب الإشارات يعتبر من عيون كتب المنطق والحكمة, لأنه للشيخ الرئيس أبي علي بن الحسين بن عبد الله، الشهير بابن سينا المتوفى سنة 428 هـ. وابن سينا من رواد هذا الفن البارعين، وكتابه الإشارات له من اسمه نصيب، فهوكتاب صغير الحجم كثير العلم مستصعب على الفهم منطوٍ على كلام أولي الألباب، مبينٍ للنكت العجيبة والفوائد الغريبة التي خلا عنها أكثر المبسوطات، أورد المنطق في عشرة مناهج والحكمة في عشرة أنماط. الأول: في الأجسام. الثاني: في الجهات. الثالث: في النفوس. الرابع: في الوجود. الخامس: في الإِبداع. السادس: في الغايات والمبادئ. السابع: في التجريد. الثامن: في السعادة. ¬

_ (¬1) السيد النجومي هو العلّامة السيد مرتضى النجومي، من عظماء كرمان شاه له مكتبة تحتوي على أربعة آلاف مطبوع ومائتين وخمسين مخطوطًا (دليل المحفوظات للسيد أَحْمد الحسيني طبع المطبعة العلمية- قم. سنة 1397 هـ). (¬2) لم نذكر تراجم لهؤلاء المصنفين، واكتفينا بذكر سنة الوفاة خوفًا من الإطالة.

3 - بيان الحق في المنطق والحكمة ذكره صاحب كشف الظنون

التاسع: في مقامات العارفين. العاشر: في أسرار الآيات. ثم ذكر صاحب كشف الظنون (¬1) جماعة ممن شرح الإِشارات، أو وضع عليها حاشيةً أو رد على الشيخ الرئيس ابن سينا فيها، وكان من بين من كان لهم الشرف العظيم بالاشتغال بها علاّمة عصره القاضي الأرموي حيث حلّ عويص مسائلها، ووضّح أفكارها ونقّب عن غوامضها. 3 - بيان الحق في المنطق والحكمة ذكره صاحب كشف الظنون قال بروكلمان (¬2): كتاب بيان الحق حسبما ذكر حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون (¬3) 2/ 78، 1983، كتاب في المنطق والفلسفة ربما تكون منه نسخة في المتحف البريطاني برقم 149 في الفيزيا والميتافيزيقيا (¬4)، تابع فيه أرسطو (¬5) وتنقيح الفارابي (¬6)، والعنوان الموجود لدى حاجي خليفة يبدو أنَّه ¬

_ (¬1) كشف الظنون ص 95. (¬2) ملحق بروكلمان: 1/ 849. (¬3) هذا الرقم في الطبعة القديمة المطبوعة في لبزك بألمانيا, ولكن في الطبعة الجديدة موجود في صفحة 1/ 261. (¬4) الميتافيزيقيا: فرع من الفلسفة يبحث عن الحقيقة الأولية للوجود، سماها أرسطو الفلسفة الأولى، وهي بحث في الوجود بما هو موجود أي مستقل عن مظاهره الخارجية، كما يبحث في ماهية العالم والإنسان والله، هاجمتها المذاهب التجريبية والمادية والوضعية الحديثة بشدة وهي عند الكندي الفلسفة الأولى، ومبحث الربوبية، وعند الفارابي العلم بالموجود بما هو موجود، وعند ابن سينا العلم الإلهي، وعند ابن رشد النظر في الموجود بما هو موجود، وعند ديكارت المبادئ الأولى التي يفسر بها الوجود. انظر الموسوعة الثقافية بإشراف الدكتور حسين سعيد، طبع دار الشعب سنة 1972، حقوق الطبع لمؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر بالقاهرة ونيويورك. (¬5) أرسطو طاليس الفيلسوف اليوناني ولد عام 384 قبل الميلاد، وتوفي عام 322 قبل الميلاد، تلميذ أفلاطون في أثينا وأستاذ الإسكندر المكدوني الأكبر وهو يسمى بالمعلم الأول، ترجمت مؤلفاته للعربية في عهد المأمون على يد إسحاق بن حنين 1/ 66 القاموس الإِسلامي. (¬6) هو محمَّد بن محمَّد بن أوزلغ بن طرخان الفارابي، ويلقب بالمعلم الثاني أبو نصر حكيم، رياضي طبيب موسيقي عارف باللغات التركية والفارسية واليونانية والسريانية، ولد في فاراب =

متعلق بالجزء الأخير منه فقط. وذكره طاش كبري زاده في كتابه مفتاح السعادة (¬1). 4 - المناهج في المنطق والحكمة: ذكره صاحب كشف الظنون برقم 1846، وذكره أَحْمد بن مصطفى الشهير بطاش كبري زادة في كتابه مفتاح السعادة. 5 - لطائف الحكمة في المنطق: لم يذكره صاحب، كشف الظنون ولا صاحب مفتاح السعادة، وذكره الزركلي في الأعلا م وغيره، وقد وجدته مطبوعًا في المعرض العاشر للكتاب المقام بالقاهرة في شهر كانون الثاني من عام 1978 م، باللغة الفارسية في جناح دولة إيران وهو في مجلد ضخم. 6 - شرح الموجز في المنطق لمحمد بن ناماور بن عبد الملك القاضي أفضل الدين الخونجي المتوفى سنة 649 هـ، وقد أشار لذلك ملحق بروكلمان 1/ 838، ويوجد منه نسخةٌ خطية بجامع القرويين بفاس برقم 1375. 7 - رسالة في الفرق بين موضوع العلم الإلهي والكلامي لم يذكر أحد ممن ترجم للقاضي محمود بن أبي بكر الأرموي هذه الرسالة، وقد عثرت عليها في مكتبة الحرم المكي زاده الله تشريفًا وتكريمًا، وقد رأيتها بعيني رأسي أثناء مطالعتي في المكتبة المذكورة في غرة جمادى الآخرة سنة 1395 هـ، وتقع الرسالة في ثمان صفحات مكتوبة بخط ممتاز في كل صفحةٍ واحدٌ وعشرون سطرًا، وهي موجودة ضمن مجاميع في قسم العقائد برقم (456). بدأها بمقدمةٍ ذكر فيها أن العلوم إما نظريَّة أو عمليَّة، والنظرية منها هي التي الغاية منها حصول رأي واعتقاد، والعمليَّة بها استكمال النفس في قوتها ¬

_ = وأحكم العربية أخذ عن متى بن يونس ويوحنا بن جيلان، سافر إلى حران ومصر وسكن دمشق وتوفي بها سنة 339 هـ، معجم المؤلفين 11/ 194. (¬1) مفتاح السعادة 1/ 297، طبع مطبعة الاستقلال الكبرى.

العملية، ويعرف بعلم الأخلاق والسياسات، والعلوم النظرية إما طبيعية أو تعليمية وإما إلهيَّة. أمَّا الطبيعية فموضوعها الأجسام من حيث إنها متحركة أو ساكنة، ويبحث فيها عن العوارض التي تلحقها من هذه الجهة ... ألخ. وتتميمًا للفائدة وجدت برفقها رسالة لقطب الدين الرَّازيّ (¬1) وموضوعها: (رسالة في معنى التصور والتصديق). وقد شارك الأرموي -رحمه الله- في علم الجدل, حيث أَلّف بعض المؤلفات فيه وقد وجدت له في ذلك كتابين وهما: 8 - الرسائل في علم الجدل ذكره صاحب كشف الظنون في صفحة رقم 902. 9 - تهذيب النكت في علم الجدل مختصر كتاب النكت في علم الجدل لأبي إسحاق الشيرازي المتوفى سنة 476 هـ، ولم يذكر هذا الكتاب إلَّا محقق كتاب لطائف الحكمة نقلًا عن كتاب فارسي، وقد رأيت كتابًا نسبه طاش كبري زادة في مفتاح السعادة (¬2) باسم تهذيب النكت لمحمد بن عبد الله بن أبي بكر الأبهري المالكي المتوفى 375 هـ، وهو قطعًا غير الكتاب المنسوب للقاضي الأرموي, لأن الذي نسب هذا الكتاب للقاضي الأرموي ذكر بأنه مختصر لكتاب النكت لأبي إسحاق الشيرازي (¬3)، المتوفى سنة 476 هـ، أي بعد الأبهري بمائة عام. 10 - وقد شارك الآرموي -رحمه الله- في أصول الدين بالإضافة للمسائل التي بحثها في التحصيل عرضًا باختصار أحد أعظم مؤلفات الإِمام فخر الدين الرَّازيّ في هذا الفن، وهو كتاب الأربعين المشهور وسماه "اللباب" وقد ذكره صاحب كشف الظنون في صفحة 61، وذكره طاش ¬

_ (¬1) قطب الدين محمَّد بن محمَّد الرَّازيّ التحتاني المتوفى 766 هـ، شيخ بدر الدين التستري وصاحب لوامع الأسرار وغيره من كتب الكلام، درس على نصير الدين الطوسي المتكلم الشيعي المتواطئ مع هولاكو على المسلمين. (¬2) مفتاح السعادة 1/ 305. (¬3) له ترجمة في القسم التحقيقي ص (2/ 240).

كبري زادة في مفتاح السعادة في 1/ 297، ونسبه غيره من المترجمين للأرموي. 11 - وقد ساهم سراج الدين الأرموي في الفقه حيث امتدت يده ليصافح حجة الإِسلام محمَّد بن محمَّد الغزالي المتوفى 505 هـ، ليكون من جملة منَ ألقى بظلال قلمه على معجزة الغزالي "الوجيز" فشرحه وسماه (شرح الوجيز). والوجيز أخذه حجة الإِسلام من كتابيه البسيط والوسيط، وزاد فيه، وهو عمدة في مذهب الإِمام الشَّافعيّ، وقد اهتم به العلماء غاية الاهتمام بالشرح والاختصار وذكر صاحب كشف الظنون (¬1) حوالي عشرين شخصًا ممن اشتغلوا به، وذكر من بينهم سراج الدين الأرموي -رحمه الله- وبعد أن عدد حاجي خليفة في كشف الظنون طائفةً ممن اشتغل به، نقل عن البيلقاني أنَّه قال: وقفت للوجيز على سبعين شرحًا وقد قيل: (لوكان الغزالي نبيًا لكان معجزته الوجيز) وفي الطالع السعيد (¬2): (أن ابن دقيق (¬3) العيد لما وصل إليه الشرح الكبير (¬4) للرافعي (¬5)، اشتغل بمطالعته وصار يقتصر من الصلوات على الفرائض). ¬

_ (¬1) كشف الظنون 2002. (¬2) الطالع السعيد الجامع لأسماء فضلاء الصعيد، لكمال الدين أبي الفضل جعفر بن تغلب الأدفوي الشَّافعيّ المتوفى سنة 749 هـ. (¬3) علي بن محمَّد بن عليّ بن وهب بن مطيع القشيري الشَّافعيّ مسجد الدين ابن دقيق العيد، ولد بقوص سنة 657 هـ وتوفي بالقاهرة 716 هـ، له شرح التعجيز لم يكمل وتحفة اللبيب في شرح التقريب، له ترجمة في معجم المؤلفين 7/ 224، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 241، الطالع السعيد 217، الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 113، حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 238، كشف الظنون 418. (¬4) الشرح الكبير يسمى فتح العزيز على كتاب الوجيز للغزالي في 16 مجلدًا في فروع فقه الشافعية. (¬5) الرافعي: هو عبد الكريم بن محمَّد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين بن الحسن الرافعي القزويني الشَّافعيّ أبو القاسم، فقيه أصولي محدث مفسر مؤرخ تُوفِّي بقزوين سنة 623 هـ، له فتح العزيز، شرح المحرر، شرح مسند الشَّافعيّ في مجلدين والتدوين في أخبار قزوين وغيرها، ترجم له: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 264، طبقات الشافعية لابن السبكي 5/ 119، طبقات الشافعية لابن هداية ص 83، مرآة الجنان لليافعي 4/ 56، فوات =

12 - رسالة في أمثلة التعارض في أصول الفقه لا زالت مخطوطةً وموجودة في الخزانة التيمورية الملحقة بدار الكتب المصرية برقم (140)، وهي عبارة عن جزءٍ واحدٍ مجلد مكتوبة في عام (645 هـ) وأشار لها صاحب كشف الظنون في صفحة 848، وقد طالعتها في دار الكتب المصريَّة في غرة ربيع الأول عام 1398 هـ، وهي تقع في ثلاث عشرة صفحة في كل صفحةٍ سبعةَ عشرَ سطرًا في كل سطر عشر كلمات تقريبًا وخطها مقروء. أولها: "بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. اللهم تمم بخير. أمثلة التعارض للشيخ الإِمام العلامة سراج الدين محمود بن أبي بكر بن أَحْمد الأرموي". ثم ذكر أمثلة لعشر مسائل وأتبعها بثلاثة فروع وهي: المسألة الأولى: النقل أولى من الاشتراك. المسألة الثَّانية: المجاز أولى من الاشتراك. المسألة الثالثة: الإضمار أولى من الاشتراك. المسألة الرابعة: التخصيص أولى من الاشتراك. المسألة الخامسة: المجاز أولى من النقل. المسألة السادسة: الإِضمار أولى من النقل. المسألة السابعة: التخصيص أولى من النقل. المسألة الثامنة: المجاز والإضمار سيان. المسألة التاسعة: التخصيص أولى من المجاز. المسألة العاشرة: التخصيص أولى من الإِضمار. ¬

_ = الوفيات للكتبي 2/ 3، طبقات المفسرين للسيوطي ص 21، شذرات الذهب لابن العماد 5/ 108، مفتاح السعادة 1/ 43، هداية العارفين للبغدادي 1/ 609، معجم المؤلفين لكحالة 6/ 3.

" فروع" الأول: الاشتراك راجح على النسخ. الثاني: التواطؤ أولى من الاشتراك. الثالث: الاشتراك بين علمين أولى، ثم بين علم ومعنى، ثم بين معنيين. وختمها بقوله: تمّ بحمده وعونه وحسن توفيقه ويمنه، والصلاة والسلام والإيمان الأكملان على سيدنا ونبينا محمدٍ رسوله وعبده، وذلك يوم الأحد عاشر ذي الحجة الحرام سنة 645 هـ بالعادلية الكبرى بدمشق المحروسة علقها لنفسه أقل عبيد الله وأفقرهم وأذلهم الراجي عفو ربه ومغفرته. يوسف بن محمَّد بن عبد القوي بن غازي بن عبد الوهَّاب الجناني الثبوتي غفر الله له ولوالديه ولمن نظر فيها، ودعا له بالتوبة ولجميع المسلمين آمين آمين آمين. وصلواته على سيدنا محمَّد وحسبنا الله ونعم الوكيل. ثم نقل بعدها صفحةً من كتاب هواتف الجن (¬1)، ولم يذكر اسم مصنف الكتاب ومما نقله فيها حديث الاستعاذة بالله من هول الوادي والنهي عن الاستعاذة بالجن، ثم نقل قصة عبد المطَّلب (¬2) بن هاشم مع سيف بن ذي يزن (¬3) وفيها خطبته المشهورة. ¬

_ (¬1) هواتف الجن: لابن أبي دنيا الإِمام أبي بكر عبد الله بن محمَّد البغدادي القُرشيّ المتوفى سنة 281 هـ. (¬2) عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد مناف أبو الحارث زعيم قريش في الجاهلية، ولد سنة 127 قبل الهجرة وتوفي سنة 45 قبل الهجرة، جد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكافله بعد موت أَبيه. ولد بالمدينة ونشأ بمكة كانت له السقاية والرِّفادة، ترجم له الأعلام 4/ 299، ابن الأثير 2/ 4، الطبري 2/ 176، تاريخ الخميس 1/ 253، اليعقوبي 1/ 203. (¬3) سيف بن ذي يزن بن ذي أصبح بن مالك بن زيد الحميري من ملوك العرب اليمانيين ولد نحو 110 قبل الهجرة وتوفي نحو 50 قبل الهجرة. حرر اليمن من حكم الأحباش بالاستعانة مع كسرى أنوشروان ملك الفرس، وحكم اليمن حوالي خمسة وعشرين عامًا، ثم غدر به من بقي من الأحباش فقتلوه بصنعاء، له ترجمة في: سيرة ابن هشام 10/ 22، الروض الأنف 1/ 51، الكامل لابن الأثير 1/ 158، مروج الذهب للمسعودي طبع باريس 3/ 162، نزهة الجليس 1/ 276، الأعلام 3/ 218.

13 - أسئلة أوردها القاضي محمود بن أبي بكر الأرموي على المحصول للإمام فخر الدين الرَّازيّ المتوفى سنة 606 هـ، وهي محفوظة في دار الكتب المصرية ضمن مجموعة برقم (30)، وقد ذكرها صاحب كشف الظنون في صفحة 92. وبعد الرجوع لهذه النسخة وقراءتها وجدتها ملحقةً بنسخةٍ من نسخ المحصول، وهي في حوالي أربعين صفحة كبيرة جدًا، في كل صفحةٍ سبعة وعشرون سطرًا، وفي كل سطر حوالي اثنتين وعشرين كلمة، ومكتوب في بدايتها، كراريس من كلام الشيخ سراج الدين الأرموي على المحصول لفخر الدين الخَطيب- رحمه الله-. ثم بدأها بقوله: بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم والحمد لله المستحق الحمد ووليه والصلاة على سيدنا محمَّد عبده ونبيه، هذه الأسطر من (مقاصد العقول من معاقد المحصول للإمام العلامة سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي). قول المصنف -رحمه الله- في تعريف الفقه: (بالأحكام الشرعية) فالعلم كالجنس في هذا التعريف، والقيد الأول وهو قوله: بالأحكام احتراز عن العلم بالذوات والصفات الحقيقية، وبيانه أنَّه إنما يكون علمًا بالحكم إيجابًا كان أوسلبًا أو بغيره سواء كان من الصفات، وإنما قيد بالحقيقة لأن الحكم صفة لكن غير حقيقية بل مضافة فإذا قلنا العلم بالأحكام خرج عنه العلم بالتصورات. ثم أخذ يعدد أشياء من ألفاظ المحصول للرازي مثل: قوله: العملية احتراز عن العلم بكون الإجماع وخبر الواحد والقياس حجة. قول المستدل على أعيانها إلى آخره: بيانه ... وفي الصفحة الأخيرة قال: قوله: الدليل الثاني عشر لفظ "إفعل" دل على اقتضاء الأمر، فوجب أن يكون مانعًا من نقيضه قياسًا على الخبر فيه بحث.

وهذا يدل على أن هذه الصفحات الموجودة كان آخرها يبحث في باب الأوامر وهو في خمس الكتاب الأول، حيث إن باب الأوامر يلي الكلام على اللغات مباشرة، ومعنى ذلك أنَّه لو تم الكتاب على هذا النحو كان أضخم من كتاب التحصيل بكثير، وظاهر من كلام الناسخ أنَّه كتب كراريس من هذا الكتاب ولم يستوعبه. وكثير من المصنفين الذين نوهوا بهذه الأسئلة، يشيرون إلى أنها هي الأسئلة التي أوردها القاضي الأرموي في التحصيل. ونحن بعد الاطلاع على هذه النسخة وبعد قراءة التحصيل مرات عديدة، وإحصاء كل ما أورده الأرموي على التحصيل، كأسئلة بدون أجوبة نجزم ونقطع أن هذا كتاب مغاير للأسئلة الواردة في التحصيل، وظاهر من كلام الناسخ أنَّه كتابٌ آخر، حيث بيَّن الناسخ أن اسمه (مقاصد العقول من معاقد المحصول)، وإنني أستطيع أن أسميه شرحًا للمحصول، والأسئلة الواردة على التحصيل وجدتها مجموعة في آخر إحدى نسخ التحصيل، وذكر ناسخها أنَّه وضعها في آخر الكتاب من باب الإلحاق، حيث إنه نقَّب عنها من داخل التحصيل، وذكرها في آخره، وهي لا تعدو عشر صفحات كان يبدؤها بقوله: "ولقائلٍ أن يقول". وما إن اطلعتُ على هذه الحقيقة، حتَّى دهشتُ واستغربتُ ممن ترجم للأرموي كيف أن هذا الكتاب يبقى في عالم النسيان، وهذا أوقد في نفسي شكًا في صحة نسبة الكتاب إليه، فدفعني ذلك إلى البحث من جديد في مصنفات من اشتغل بمؤلفات القاضي سراج الدين الأرموي، لعلي أجد بصيصًا من النور يرشدني لصحة نسبة هذا الكتاب إليه. وفعلًا طفقتُ أبحث عمن ذكر هذا الكتاب أو نقل عنه، حتَّى هداني الله لقراءة كتاب نهاية السول من ألفه إلى يائه, لأنه أكثر كتاب استفاد من التحصيل فإذا بي أجد ضالتي المنشودة في نهاية جزئه الأول 1/ 235 في (مسألة إعمال المشترك في جميع مفهوماته غير المتضادة) فنقل الإِمام الإسنوي -رحمه الله- عن شمس الدين محمَّد بن محمود الأصفهاني المتوفى

678 هـ أنَّه ذكر في كتابه الكاشف عن المحصول أنَّه رأى في تصنيفٍ آخر لصاحب التحصيل (أن الأظهر من كلام الأئمة وهو الأشبه أن الخلاف في الكلي المجموعي، فإنهم صرحوا بأن المشترك عند الشَّافعيّ كالعام). وبهذا يظهر صحة نسبة هذا الكتاب للقاضي الأرموي، وأنه غير أسئلته الواردة على التحصيل والتي لا نعتبرها مؤلفًا منفصلًا عن التحصيل.

الكتاب

من اشتغل بالمحصول للإِمام فخر الدين الرَّازيّ بالشرح أو الاختصار قد اتفق علماء الأصول على أن علم الأصول في القرن الخامس الهجري قد انتهى إلى أربعة كتبٍ، حوت جميع ما تقدم عليها من أبوابٍ وفصول ومسائل هذا الفن وهذه الكتب هي (¬1): 1 - كتاب العمد للقاضي عبد الجبار بن أَحْمد المعتزلي المتوفى سنة 415 هـ، وهو شيخ المعتزلة في عصره بلا منازع. 2 - كتاب المعتمد (¬2) لأبي الحسين البَصْرِيّ المعتزلي المتوفى سنة 436 هـ، وهو تلميذ القاضي عبد الجبار بن أَحْمد الآنف الذكر، وهو شرح للعمد كتاب أستاذه. وهذان الكتابان يشم الدارس لهما رائحة الاعتزال كما كان البحث له علاقة بعلم الكلام. 3 - كتاب البرهان لإمام الحرمين عبد الملك بن يوسف الجويني المتوفى سنة 478 هـ، شيخ حجة الإِسلام وإمام الأشعرية في عصره. 4 - المستصفى لحجة الإِسلام أبي حامد محمَّد بن محمَّد الغزالي المتوفى ¬

_ (¬1) انظر تاريخ ابن خلدون المجلد الأول ص 380، وأصول الفقه للخضري ص 6 وأصول الفقه لأبي زهرة ص 20. (¬2) طبع مع كتابين آخرين عليه، وهما زيادات المعتمد والقياس الشرعي سنة 1965 م في المطبعة الكاثوليكية في لبنان.

سنة 505 هـ، وحيد زمانه وفريد عصره ورعًا وتقوى وعلمًا ومناظرةً وجدلًا، حتى سُمي فيلسوف الإِسلام وقد اعتصره من مصنفين في الأصول تقدما عليه في التأليف، وهما المنخول وتهذيب الأصول وهذا الكتاب المستصفى- صنفه في آخر حياته فظهرت فيه شخصيته واستقلال آرائه، فهجر بعض الآراء التي كان يتابع فيها شيخه إمام الحرمين رحمه الله. ثم انتهت هذه الكتب الأربعة إلى كتابين عظيمين جامعين لعلوم الأولين في هذا الفن وهما: 1 - الإحكام في أصول الأحكام لسيف الدين الآمدي المتوفى سنة 631 هـ، وهو موسوعةٌ أصولية زاخرة أكثر فيه من الاستدلال على القواعد بالحجج العقلية والنقلية. 2 - المحصول في الأصول للِإمام فخر الدين محمَّد بن عمر الرازي المتوفى سنة 606 هـ، وهذا الكتاب لا يكاد يخرج عن المستصفى للِإمام الغزالي والمعتمد لأبي الحسين البَصْرِيّ. وهذا الكتاب هو الذي اختصره القاضي سراج الدين أبو الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي وسماه (التحصيل من المحصول) والمحصول من الكتب التي أقبل عليها العلماء إقبالًا منقطع النظير، فاشتغل به جمهرة من العلماء المتكلمين في حياة المؤلف وبعد مماته ممن يتعذر حصرهم، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على مدى تلقي هذا الكتاب بالقبول والرضا، وما ذاك إلَّا لأنه قد فاق كل ما تقدمٍ عليه من المصنفات تنظيمًا وترتيبًا وتنسيقًا وإحاطة بدقائق هذا الفن وتوضيحًا لعويصات مسائله. وإنه ليبهر عقل الناظر هذا العدد الضخم الذي شارك في العمل في هذا الكتاب، ومهما حاولنا التقصي لهؤلاء فإننا بلا شك سوف لا نتمكن من ذلك وخاصة وأن هذا الكتاب قد ألف قبيْل الغزو التتاري الذي لم يبقِ ولم يذر، الذي زحف على بلاد المشرق فسال دجلة شهورًا وفيه زرقة السماء من مداد مصنفات التراث الإِسلامي العريق، وكم من مصنفات ذهبت أدراج الرياح لا نسمع منها إلَّا

اسمها, ولم يصلنا منها إلَّا عباراتٍ وكلماتٍ كانت قد اختطتها الأقلام في غابر العصور فدونتها في كتب غير أصحابها فذابت فيها ذوبان الملح في الماء، ولكن ما لا يدرك كله لا ينبغي أن يترك جله، ولذا سنذكر في هذا المبحث كل ما شاء الله له أن يصل إلى أذهاننا بعد التفتيش الدقيق المتواصل طيلة أربع سنوات عشناها بين رفوف الكتب، سائلين المولى عَزَّ وَجَلَّ أن يمدنا بعونه وتوفيقه وأن يلهمنا رشدنا وأن يهدينا سواء السبيل. والأن آن الأوان أن نذكر كل من عرفناه اشتغل بهذا الكتاب، سواء أكان بالشرح أم بالاختصار أم بوضع الأسئلة أم الاعتراضات أم التعليقات، وذلك بحسب الترتيب الزمني لوفاة مصنفيها, ولتكن البداية من مصنف المحصول نفسه: 1 - فخر الدين محمَّد بن عمر الرازي المتوفى سنة 606 هـ مؤلف "المحصول": اختصره في كتاب سماه "المنتخب" أوله: الحمد لله على نعمائه ... ثم قال: هذا مختصر انتخبته من كتاب المحصول، ورتبته على مقدمةٍ وفصول، أما المقدمة الأولى ففي تعريف أصول الفقه، أعلم أن الأصل هو المحتاج إليه، وأما الفقه فهو في أصل اللغة عبارة عن فهم غرض المتكلم من كلامه، وفي اصطلاح العلماء عبارة عن العلم بالأحكام الشرعية العملية المستدل على أعيانها، بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة ولا يقال: الفقه من باب الظنون دون العلم, لأنا نقول: الحكم معلوم قطعًا وإنما الظن في طريقه. والذي وصل لعلمي من مخطوطات هذا الكتاب أربع نسخ: الأولى: موجودةً في دار الكتب المصرية برقم 115، ومكتوبة في عام 775 هـ. الثَّانية: موجودة في المكتبة الأزهرية برقم (175) 6101 فرغ من كتابتها عام 653 هـ، في تسع وأربعين ومائة ورقة، الورقة الأولى مقطعة وبها خروم وتلويث.

الثالثة: موجودة في المكتبة العمومية بدمشق، وكانت محفوظة في المكتبة العمرية، ورقمها في فهرست المكتبة 15 في صفحة 57 من الفهرست. الرابعة: موجودة في المكتبة الملحقة بمسجد محمَّد الفاتح بإستانبول برقم 1464، ويوجد منها ميكروفلم في معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية بالقاهرة. 2 - اختصره (¬1) عماد الدين محمَّد بن يونس بن منعة الأربيلي المتوفى سنة 608 هـ، أخو كمال الدين موسى بن يونس شيخ سراج الدين الأرموي صاحب التحصيل ولعماد الدين كتاب في الجدل سماه التحصيل. 3 - اختصره: أمين الدين مظفر بن محمَّد التبريزي المتوفى سنة 621 هـ، المشهور بالمظفر الوزاني، وسماه التنقيح، وقد نقل عنه جمال الديِن عبد الرَّحِيم الإسنوي المتوفى سنة 772 هـ في كتابه نهاية السول كثيرًا. ويوجد لهذا المختصر نسخة خطية في مكتبة جامع أَحْمد الثالث بإستانبول برقم 1246، ولها صورة في معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية بالقاهرة. 4 - يوجد تعليقة على المحصول لعز الدين عبد الحميد هبة الله المدائني المعتزلي المتوفى سنة 655 هـ، ذكر ذلك حاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1615. ووجدت حاشية على كتاب لطائف الحكمة المطبوع باللغة الفارسية عند تعداد مؤلفات القاضي سراج الدين الأرموي -رحمه الله- وهي: أن التحصيل عبارة عن مختصر عن تعليقة عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المعتزلي، المعروف بابن أبي الحديد نقلًا عن رسالةٍ مطبوعة باللغة الفارسية، ولم نطلع على تعليقة عز الدين المدائنيّ حتَّى نثبت ذلك أو ننفيه. 5 - اختصره: القاضي تاج الدين محمَّد بن حسين الأرموي المتوفى سنة ¬

_ (¬1) الفتح المبين 2/ 50.

656 هـ، وسماه الحاصل، وذكر فيه أنَّه أتمّه سنة 614 هـ، وقد ألفه استجابةً لطلب الإِمام العالم العامل صدر الإِسلام (أبي حفص عمر بن همام الوزان). ويوجد له عدة نسخ مخطوطة منها نسخة في دار الكتب المصرية برقم (61) أصول فقه، وهي مكتوبة سنة 694 هـ، وعدد لوحاتها 141 لوحة في كل صفحة 19 سطرًا وفي كل سطر 12 كلمة تقريبًا، وخطها مقروء واضح. وبهامشها إشعار بالمقابلة على الأصل، ويوجد نسخة مخطوطة أخرى في مكتبة آية الله الحكيم بالنجف الأشرف بالعراق، عدد لوحاتها 169 لوحة، بقياس 27/ 19 سم، في كل صفحةٍ 19 سطرًا في كل سطرٍ عشرُ كلمات. فيها نقص من أولها إلى الباب السادس في الحقيقة والمجاز، ومن هذه النسخة يوجد ميكروفلم بمعهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية برقم 150. ويوجد نسخة ثالثة في رواق المغاربة الملحق بالجامع الأَزْهَر الشريف حرسه الله برقم (1858) أصول فقه، عدد أوراقها 175 ورقة بقياس 27 × 19 سم في كل صفحة 22 سطرًا وفي كل سطر تسع كلمات تقريبًا، خطها مغربي بأولها نقص قليل جدًا، ومنسوخة في شهر رجب سنة 628 هـ، ولها ميكروفلم في معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية بالقاهرة. ويوجد نسخة أخرى في مكتبة ليدن بهولندا وتقع في 158 لوحةً، في كل صفحةٍ 19 سطرًا ومتوسط السطر 12 كلمة خطبها جيد، وبأولها نقص قليل جدًا وبآخرها نقص حوالي ثلاث صفحات. وقد اشتغل بالحاصل جماعة من العلماء منهم: أ- شرحه أبو عبد الله القفطي (¬1) المتوفى سنة 736 هـ في تونس وسماه تحفة الواهل في شرح الحاصل. ب- اختصره: القاضي عبد الله بن عمر البيضاوي المتوفى سنة 685 هـ، وسماه منهاج الوصول إلى علم الأصول، وهو رغم صغر حجمه غزير ¬

_ (¬1) انظر الفتح المبين الجزء الثاني.

العلم، كثير الفوائد جليل المنافع، لذا كان عمدة المشتغلين بهذا الفن فبلغت شروحه بين مخطوط ومطبوع اثنين وثلاثين (¬1) شرحًا، ومن أشهرها نهاية السول للعلاّمة جمال الدين أبي محمَّد عبد الرَّحِيم بن الحسن الإسنوي المتوفى سنة 772 هـ على الراجح. 6 - اختصره (¬2): تاج الدين عبد الرَّحِيم بن محمَّد بن يونس بن منعة الموصلي المتوفى سنة 671 هـ، المولود في عام 598 هـ تلميذ كمال الدين بن يونس، شيخ القاضي سراج الدين الأرموي. 7 - شرحه شمس الدين محمَّد بن محمود الأَصْبهانِيّ المتوفى سنة 678 هـ (¬3)، تلميذ صاحب الحاصل تاج الدين الأرموي، يوجد منه نسخة في دار الكتب المصرية برقم (473) أصول فقه، وهو كتاب حافل ضخم، مات ولم يكمله، والموجود في دار الكتب الجزء الأول فقط، مكتوب في 26 جمادى الأولى سنة 714 هـ. وبه نقص من أوله مقدار ثمان كراسات وينتهي إلى أول القسم الثاني في المسائل المعنوية وهذا الجزء في 212 ورقة، وبأوراقه تآكل كثير من الأرضة، في كل صفحةٍ منه خمسة وعشرون سطرًا، ومقياس الورق 18 × 28 سم، وسماه بالكاشف وهو مكتوب بخط محمَّد أَيُّوب بن وحشي العلوي الشَّافعيّ، ومن أهم مزايا هذا الشرح العظيم أن مصنفه كان يرجع أثناء شرحه إلى أمهات كتب الأصول، فينقل منها بلفظ مصنفيها. ومنها كتب اندثرت مع ما اندثر من التراث الِإسلامي العريق مع مر العصور وتقلب الظروف، وبذلك يكون قد حفظ لنا هذا المصنف ثروةً عظيمةً من تراثنا. 8 - اختصره: سراج الدين أبو الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي المتوفى سنة 682 هـ، بمدينة قونية عاصمة بني سلجوق وسماه التحصيل، وهو هذا الكتاب الذي بين يديك، وسنذكر في فصل خاص عدد مخطوطاته ¬

_ (¬1) انظر البداية والنهاية 13/ 265، وفي كشف الظنون تُوفِّي سنة 771 وهو خطأ. (¬2) حاشية سلم الوصول على نهاية السول "المقدمة" ونهاية السول طبع الحلبي 1/ 8. (¬3) ذكر الصفدي في فوات الوفيات أن وفاته سنة 688 هـ.

التي علمنا بوجودها وسنشير لمكان وجودها وأرقامها وصفة كل منها بالتفصيل، فليرجع إليه في موضعه، وهو المبحث التالي لهذا المبحث. وهو بلا شك أجل مختصرات المحصول كما ستعرف هذا أثناء مطالعتك له، وقد ارتبط بهذا المختصر كتبٌ أخرى سنتكلَّم عليها بعد قليل إن شاء الله تعالى. 9 - اختصره: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي، المتوفى سنة 684 هـ. وسماه (تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول) وجعل كتابه التنقيح مقدمة لكتابه الذخيرة في الفقه، ثم لما رأى النَّاس قد أقبلوا عليه وضع له شرحًا سماه (شرح تنقيح الفصول) وهذا الشرح قد طبع مرتين: المرة الأولى في سنة 1306 هـ في المطبعة الخيريَّة في الجمالية في القاهرة في 308 صفحات. والمرة الثَّانية فيها تبويب وتنسيق بتحقيق طه عبد الرؤوف سعد عام 1393 هـ في 464 صفحة، طبع شركة الطباعة الفنية المتحدة بالعباسية. ويوجد مختصر لتنقيح الفصول لم يعلم مختصره، وهو مطبوع ضمن مجموع متون في دمشق من ص 40 - 79، ويوجد منه نسخة في المكتبة الأزهرية برقم 908. 10 - شرحه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي المتوفى سنة 684 هـ المتقدم الذكر صاحب التنقيح، وسماه "نفائس الأصول في شرح المحصول" ويوجد منه نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية في ثلاثة مجلدات تقرب من 1700 صفحة، وهو شرح عظيم هائل يعتبر موسوعة في الأصول. 11 - أحمد (¬1) بن كمال الدين أحمد بن نعمة المقدسي النابلسي المولود سنة 622 هـ والمتوفى سنة 694 هـ في دمشق، تلميذ عز الدين بن ¬

_ (¬1) انظر الفتح المبين 2/ 96.

عبد السلام وأبي عمرو عثمان بن الصلاح، وأستاذ شيخ الإِسلام ابن تيمية له كتاب جمع فيه بين المحصول لفخر الدين الرَّازيّ والأحكام لسيف الدين الآمدي، قال ابن كثير وهو موجود عندي بخط مؤلفه. 12 - اختصره (¬1): مجد الدين دقيق العيد المتوفى سنة 702 هـ، والمولود عام 624 هـ والد الإِمام تقي الدين ابن دقيق العيد قاضي قضاة المالكية، وسماه مختصر المحصول. 13 - اختصره: محيي الدين سليمان بن عبد القوي الحنبلي المتوفى سنة 710 هـ. 14 - اختصره علاء الدين علي بن محمَّد بن خطاب المغربي ثم المصري الباجي الشَّافعيّ، المتوفى سنة 714 هـ، وسماه غاية السول مرتب على أربعةَ عشرَ نوعًا موجود منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية ضمن مجاميع برقم (209) ومكتوبة في الرابع من شوال سنة 709 هـ، بخط محمَّد بن محمَّد الشَّافعيّ ورقمها العام (21733 ب)، قياس الورقة 18/ 28 سم وموجود منه نسخة خطية أخرى في باريس برقم 1/ 6559، ونسخة ثالثة في الرباط برقم (132) ونسخة رابعة في جامع الزيتونة بتونس برقم 4/ 36/ 1831. 15 - يوجد شرح ضخم جدًا للعلّامة محمَّد بن عبد الرَّحِيم الهندي الأرموي أبي عبد الله صفي الدين الشَّافعيّ، المتوفى سنة 715 هـ بدمشق تلميذ القاضي سراج الدين الأرموي، يوجد منه نسخة مصورة في دار الكتب المصرية برقم 162 أصول فقه ورأيت المجلد الثالث منه وهو يبدأ بباب القياس، وهو يقع في 193 ورقة كبيرة جدًا وفي آخره نقص لا يتجاوز الورقة. 16 - شرحه شمس الدين محمَّد بن محمَّد الجزري المتوفى سنة 733 هـ في ثلاثة مجلدات. 17 - علق عليه أحمد بن عثمان بن صبيح الجوزقاني المتوفى سنة 744 هـ، ¬

_ (¬1) انظر روضات الجنان للخوانساري في ترجمة فخر الدين الرَّازيّ ص 701.

والمولود سنة 681 هـ. والمشهور بتاج الدين التركماني، وذكر ذلك صاحب كشف الظنون (¬1). 18 - تلخيص المحصول لا يعلم مؤلفه وتوجد منه نسخة مخطوطة في مجلد بقلم معتاد وقديم في مكتبة الجامع الأَزْهَر حرسه الله برقم (115) 4493. مكتوبة عام 875 هـ. وبها خروم، وبأوراقها تلويث وترقيع في 138 ورقة. أوله: رب تمم بخير. أما بعد: أحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم الطاهرين الطيبين. فإن أصول الفقه من أشرف العلوم الشرعية الغامضة فيه مجال البحث الدقيق، ومتسع الإتقان والتحقيق، وهو المتوسط بين الحكمة النظرية التي هي علم الكلام وبين الحكمة العملية السياسية التي هي الفقه، فمن لم يطلع عليه لم يتمكن من استنباط الأحكام، ولا يوثق باجتهاده ... ثم قال: (إني وجدت الكتب المؤلفة في هذا الفن غير خالية عن الانحراف عن الحق). وأن كتاب المحصول هو المتداول في زماننا، وهو وإن نقل أكثر ما في كتاب المعتمد والمستصفى والبرهان، ولكن الانحراف في تصرفاته أكثر، فأحببت أن أنظر في هذا الفن، وأظهر ما فيه من الانحراف وسميت كتابي هذا: (تلخيص المحصول لتهذيب الأصول). وأول اعتراض اعترض به مصنف هذا الكتاب على الِإمام الرَّازيّ هو (قوله الشرعية احترازًا عن العقلية). ثم ذكر أن إدراك الأحكام بالعقل لا يخرجها عن كونها شرعية. ثم اعترض على قوله: (العملية احترازًا عن العلمية)، ومثل له بالإجماع قائلًا: إنه علم بكيفية عمل ولا يجوز للمجتهد متى وجد الإجماع في صورةٍ أن يخالفه. ¬

_ (¬1) كشف الظنون 1615.

تنبيهات

تنبيهات الأول (¬1): يوجد كتاب باسم المحصول في أصول الفقه للقاضي أبي بكر بن العربي المتوفى سنة 543 هـ. الثاني (¬2): يوجد كتاب في أصول الفقه باسم التحصيل، للإمام أبي منصور عبد القادر بن طاهر البغدادي الشَّافعيّ المتوفى سنة 429 هـ، وهو صاحب الكتاب المشهور "بالفرق بين الفرق" في المذاهب. الثالث (¬3): يوجد كتاب في أصول الفقه أَيضًا يسمى المحصول للسيد محسن بن حسن الكاظمي الشيعي المتوفى سنة 1240 هـ، وهو شرح لوافية الأصول. ¬

_ (¬1) انظر الفتح المبين 2/ 29. (¬2) انظر كشف الظنون 1/ 360، والفتح المبين 1/ 234. (¬3) انظر ذيل كشف الظنون 1/ 701.

كتاب التحصيل وعدد نسخه الموجودة ومكان وجودها وصفتها

كتَابُ التّحْصِيل وعَدَدُ نُسُخهَ الموَجُوَدَة وَمَكان وُجُودهَا وَصفَتها ما إن وضعتُ خطة البحث في هذه الرسالة وأبلغت بالموافقة على تسجيلها حتَّى شرعت أبحث عن نسخ هذا الكتاب في شتى الفهارس العربية والأجنبية، وأراسل بعض من لهم اهتمام بهذا الشأن، وبذلتُ في ذلك من الوقت ما يقارب العام، فما من مكتبة خطر ببالي وجوده فيها حتَّى راسلتها، وبحمد الله تعالى استطعت معرفة وجود أكثر من عشر نسخ موزعة على مكتبات العالم العربية والأجنبية الغربية والشرقية، مما يدل على أن هذا الكتاب قد كان متداولًا عند طلاب العلم، وبالفعل فقد قال حاجي خليفة في كشف الظنون (¬1): (وهو مشهور متداول) فانتشار هذا الكتاب يثير العجب ويبعث على الارتياح، ويبهج النفس في آنٍ واحد، ويشعر الباحث بطمأنينة النفس، ويغلب على الظن أن الكتاب له أهمية عظمى، حيث إن نسخه كانت موزعةً على القارات الثلاث أوروبا وآسيا وإفريقيا وفي بلدان متعددة منها. مع أن العصر الذي صنف فيه عصر الحروب والمعارك، ولم يأت على الأمة الإِسلامية أيام أحلك من تلك الأيام فالفوضى ضاربة أطنابها لذهاب هيبة الحاكم، وتمزق الأمة الإِسلامية إلى دويلات وإمارات على رأس كل منها هو يحكى انتفاخًا صولة الأسد. ودماء جارية بلا رحمة، وفلول هاربة أمام المارد التتاري الذي أخذ يسيل من جهة المشرق بعنفوانه ووحشيته يمر على الحدائق الغناء فيذرها يبابًا، وكأنما أسراب من الجراد دهمت البلاد تأكل الأخضر واليابس، ومع هذا كله نجا هذا العدد من النسخ، أنَّه ليبعث ¬

_ (¬1) كشف الظنون 1615.

النفس على الارتياح ويزيد فيها الثقة، وإنني لا أدّعي أنني استقصيت، فقد يكون ما لم أعلم وجوده من النسخ أضعاف ما بلغني علمه، فكم من مكتبات خاصة لا أعرف اسمها ولا مكان وجودها وكم من فهارس لم تكتحل برؤيتها عيناي، ولكن القلب مطمئن جدًا إلى أن ما وصلني من النسخِ كافٍ جدًا للتحقيق لأنها في صورة جيدة جدًا، بل إحداها مقابلة على أصل المصنف زد على ذلك أن بعضها قد كتب قبل موت المصنف بسنوات فكل هذا يبعث على الارتياح. وبعد أن بلغني مكان وجود هذه النسخ حاولت الحصول عليها بالمراسلات، وبتكليف بعض من جمعتنا وإياهم أخوّة الإِسلام، ولكن يحز في نفسي أن أسطر هنا حقيقة أبت نفسي، إلَّا أن أسجلها لعل الأنّات والزفرات التي يطلقها طلاب العلم وهم يتنفسون الصعداء مما يلاحظونه من الفارق العظيم في خدمة العلم وتذليل عقباته وتسهيل سبله بين الغرب والشرق تصل لآذان من لهم الأمر، فيعيدوا النظر في أنظمة المكتبات وأسلوب المعاملات، إن هذه الورقات ليست مكان بث أحزاني وإظهار آلامي، ولكن أريد من ذلك العظة والعبرة فإحدى النسخ كانت في بلد عربي فأرسلت الرسالة تلو الرسالة بأرق العبارات وألطف الأساليب بل اضطررت إلى التملق، ولم أحظ بجواب سلبي أو إيجابي. ثم اغتنمت فرصة سفر أحد الإِخوان الذين نحبهم في الله لتلك البلاد. وذكرت لهم الحاجة إلى صورة من هذه المخطوطة، فكان الجواب قد أزعجنا صاحبك بكثرة رسائله، فأمر الإِذن ليس لنا ولكن لوزارة التعليم الأصلي، فإذا أذنت تطلب الوزارة النسخة، ثم نرسلها للعاصمة حيث تبعد حوالي مائتي كيلومتر، ثم يتم التصوير هناك وهذا العمل يستغرق نصف العام، وقد لا تسمح الوزارة بتصويرها وبعد جهدٍ جهيد تلطفوا وسمحوا له أن ينقل ما يوجد على البطاقة الخاصة بها من كلام ولم يسمحوا له برؤية النسخة لينقل لي ما طلبته من معلوماتٍ عنها. وفي المقابل طلبت صورة عن نسخة مدينة جوتا بألمانيا الشَّرقية فإذا بالصورة عندي خلال أسبوعين وبرفقها فاتورة دراهم معدودة لا أظنها تزيد عن أجرة البريد فهل من مدَّكر؟.

وأما بعض النسخ فقد اضطررت للسفر للحصول عليها؛ لأن أنظمة تلك البلاد لا تسمح بتصوير المخطوطات فيها بحجة أنها تراث لها، وينبغي المحافظة على التراث ومن شروط التصوير فيها أن يأتي طالب التصوير بصورة لمخطوطة نادرة غير موجودة عندها، أو أن يصورها باسم طالب يحمل جنسية تلك البلاد. وفعلًا سافرت لتركيا رغبة في الحصول على صورٍ لما يوجد فيها من مخطوطات هذا الكتاب، وهي خمس نسخ معظمها مكتوب في دمشق وتمكنت من تصوير ثلاثِ نسخ منها اصطحبتها معي، وهي التي مدار التحقيق عليها لجودة خطبها وتمامها، وإنني سأذكر في هذا البحث مكان وجود العشر نسخ التي بلغني علم وجودها وسترى أنها انتشرت في بلاد شتى فشملت: ألمانيا ولندن وإستانبول وفاس والقاهرة وبغداد ومدينة الرسول الأعظم على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام. وسأذكر معلوماتٍ وافية عن كل منها شاملة لتاريخ كتبها، ورقمها في المكتبة الموجودة فيها، وصفتها من حيث الجودة، وحسن الخط وامتداد التلف إليها وعدمه وقد استعملت في المقابلة من هذه النسخ خمسًا فقط، لأن أربعًا منها لم أتمكن من تصويرها والخامسة فيها نقص شديد، وقد رمزت للنسخ التي استعملت في المقابلة (أ، ب، جـ، د، هـ). والآن حان الوقت لنتكلم عن هذه النسخ. 1 - النسخة التي رمزنا لها "أ": وهي مصورة من مكتبة دماد إبراهيم الملحقة بالمكتبة السليمانية العامة في إستانبول في تركيا. ورقمها 436، وعدد لوحاتها ثلاثٌ وثمانون ومائة لوحة. وهي مكتوبة بخط نسخ جيد جدًا، وحالتها كذلك، ويوجد في كل صفحة من صفحاتها سبعةَ عشرَ سطرًا. وفي كل سطرٍ حوالي اثنتي عشرةَ كلمة، وكثيرًا ما تكون كلماتها مشكولة وغالبا ما تكون الحروف غير منقوطة مما يصعب التفريق بين الياء والتاء في غالب الأحيان، وكان كاتبها يبرز الفقرات والأرقام والعناوين بخط متين، ويوجد بهامشها بعض التعليقات

اليسيرة وتبدأ صفحتها الأولى بقوله: "بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم" رب تمم بفضلك نحمدك اللهمَّ والحمد من نعم أوليت ومنح أسديت، ونستعين بك والتوفيق للاستعانة بك من قدرٍ قدرت وقضاء قضيت ونسترشدك ونستهديك، فاهدنا إلى سبل الرشاد وسواء الصراط ولا تزغنا بعد إذ هديت، وأسر بأرواحنا إلى معارج قدسك ومدارج أنسك فيمن بروحه أسريت. وأجر على قلوبنا من سبحات جلالك ونفحات كمالك خير ما على قولب خلائقك أجريت ... إلى أن قال: أما بعد: (فلقد كانت الهمم فيما قبل لا تقصر عن الارتقاء إلى المراتب القاصية، ولا تفتر دون الوصول إلى المطالب العالية، والآن قد أفضى الحال بالأمم في تقصير الهمم إلى أن استكثروا اليسير واستكبروا النزر الحقير). وهذه النسخة كما يرى المطالع لها لم تبدأ بأي كلمة من الناسخ كغيرها من النسخ، حيث إن النسخ الأخرى قد بدأت بكلمات من ناسخيها وجميع صفحات هذه النسخة مرقمة. وقد ختمت هذه النسخة بقوله: (وإذ وفينا بالمقصود ختمنا الكتاب حامدين لله تعالى ومصلّين على نبيه ومحمَّد وآله أجمعين وسلّم تسليمًا كثيرًا). (كتابة الكتاب المسمى بتحصيل الأصول من كتاب المحصول بدمشق المحروسة في الرباط المسمى بالمنابع خارج المدينة في العشر الأوسط من شهر جمادى الأخرى سنة أربع وثمانين وستمائة. والحمد لله). وعلى الصفحة الأخيرة أختام ثلاثة: أحدها: يدل على أن واقفها هو إبراهيم باشا الصدر الأعظم والوزير للسلطان المغازي أحمد خان. والثاني: مكتوب عليه وقف دماد زادا وتكرر في الصفحات 25، 162. والثالث: كتابته غير ظاهرة.

2 - النسخة المرموز لها: "ب". وهي مصورة من مكتبة الجامع الجديد (Yeni Gami) الملحقة بالمكتبة السليمانية بإستانبول بتركيا. ومحفوظة برقم 309. وعدد لوحاتها إحدى وسبعون ومائة لوحة وخطها أدق من خط نسخة "أ" وهي متقنة الكتابة، وبعض كلماتها مشكولة والحروف غير المنقوطة فيها أقل من نسخة "أ"، ويوجد في كل صفحةٍ من صفحاتها سبعةَ عشرَ سطرًا، وفي كل سطر أربعَ عشرَة كلمة تقريبًا، ويوجد بهامشها بعض التعاليق. وفي أثناء تجليد هذه النسخة وقع تقديم وتأخير في ترتيب أوراقها، وهو يبدأ من اللوحة الثَّانية عشرة منها وينتهي باللوحة العشرين. وقد اكتشفته أثناء المقابلة مع النسخ الأخرى، وهذه وإن كانت من أقدم النسخ المكتوبة وجدت فيها كثيرًا من السطور الساقطة. واللوحة الأولى من لوحات هذه النسخة مكتوبٌ عليها ما يلي: (كتاب التحصيل في أصول الفقه تصنيف الشيخ الإِمام الفاضل الزَّاهد ملك الفضلاء والحكماء، أفضل المتأخرين سراج الملة والدين عماد الإِسلام والمسلمين، أبو الثناء محمود بن أبي بكر بن أحمد الأرموي، متَّع الله المسلمين بطول بقائه). ومعلق (¬1) عليها: صاحب المطالع في المنطق، وهو أستاذ القاضي البيضاوي وتلميذ فخر الدين الرَّازيّ ومكتوب عليها أَيضًا، ملك العبد الضعيف الراجي رحمة الله تعالى محمود بن عبد القادر بن محمود بن عمر بن أبي بكر النشوي التَّمِيمِيّ، ويوجد عليها ختمان: الأول: ختم المكتبة وفيه رقم الكتاب الخاص وهو 309 ورقمه العام وهو 4/ 297. الثاني: ختم وقف السلطان أحمد خان بن غازي. ¬

_ (¬1) خط التعليق مختلف عن خط الناسخ، فالذي يبدو لي أن التعليق من قلم مالكها محمود بن عبد القادر بن محمود بن عمر النشوي، وذكر كون القاضي الأرموي شيخًا للبيضاوي وتلميذًا للرازي يحتاج إلى إثبات، ورغم أنني فتشت في معظم كتب التراجم فلم أجد هذه النسبة، وقد وجدت نظير هذا على غلاف نسخة في مكتبة مسجد بايزيد في إستانبول في تركيا, ولا يثبت مثل هذا بكلمات سطرت على أغلفة الكتب ربما وهم كاتبها أو استعملها استعمالًا مجازيًا.

ويوجد في بداية هذه النسخة مقدمة من كلام الناسخ، وهو قوله: (بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. وبه أستعين. قال سيدنا ومولانا الإِمام العلّامة سراج الدين الأرموي، متَّع الله المسلمين بطول مدته، وصرف المكاره عن سدته، نحمدك اللهمَّ والحمد من نعم أوليت، ومنح ابتديت). وهذه النسخة مختومة بقوله: (وإذ وفَّينا بالمقصود ختمنا الكتاب حامدين لله تعالى ومصلِّين على نبيه وآله أجمعين وسلّم تسليمًا كثيرًا تم الكتاب). وقع الفراغ في وقت الظهر يوم السبت التاسع من صفر سنة تسع وستين وستمائة على يد يوسف المعروف بابن مهذب الفقه، ومختومة بالختمين المتقدمين في الصفحة الأولى. وهذه النسخة بينها وبين النسخة المرموز لها "د" صلة رحم وثيقة فهي لا تكاد تفارقها، إذ التطابق عليهما ظاهر ويعرف التطابق والصلة بالتوافق في السقط والخطأ، وليس في التوافق في الصواب ولهذا ما سقط من إحداهما غالبًا يكون ساقطًا من الأخرى، ولا نعرف أيهما نسخت أولًا، حيث إن نسخة "د" لم نعرف تاريخ نسخها, ولكن يغلب على الظن أن نسخة "ب" متقدمة نسخًا على نسخة "د" والله أعلم. وامتازت نسخة "ب" و"د" بميزة خاصة، وهي أن ناسخ الأولى منهما كان يتابع المحصول أثناء النسخ، ولذا نجده أحيانًا يستبدل لفظ التحصيل بلفظ المحصول، بل وفي بعض الأحيان يضع أحد اللفظين في المتن واللفظ الآخر في الهامش. 3 - النسخة المرموز لها "جـ": وهي مصورة من المكتبة المحمودية الملحقة بالحرم النبوي الشريف على ساكنة أفضل الصلاة وأزكى السلام ومحفوظة برقم (14) أصول فقه. وعدد لوحاتها 132 لوحة مقاسها 20 × 13 سم، وفي كل صفحةٍ 23 سطرًا،

في كل سطرٍ حوالي أربعَ عشرةَ كلمة. ويوجد ميكروفلم منها في معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية بالقاهرة. خطها أشبه بالفارسي في قراءته صعوبة، ومعظم حروفها ليست منقوطة وخطها أدق من نسخة "أ، ب" وفي كتابتها رموز واصطلاحات تعرف بعد التمرن على قراءة النسخة ومقابلتها بغيرها ومن ذلك: أنَّه يكتب "لا" بخطين قائمين ويصور النُّون في آخر الكلمة كالزاي. وحينئذٍ كان يشير لها بالحاء، ولكنها وإن كانت من أضعف النسخ الموجودة خطًا فهي من أعظمها فائدةً لحواشيها، وتحقق ناسخها من المعنى حيث إن ناسخها كان يدرج بعض الألفاظ من عنده، وهي ألفاظ تفسيرية كوضع مرجع الضمير بدل الضمير، وله قيودات كثيرة جدًا ونافعة في تحليل المعنى، وبيان المراد في الهامش وكان أحيانًا يستبدل "أ" بالأول والزاي بالسابع دلالة على أنَّه متحقق مما ينقل. وناسخها مطَّلع على نسخة "أ، ب" بل نسخ نسخته منهما، إذ حيث ما سقط من إحداهما كثيرًا ما يثبته في الهامش، مما يدل على أنَّه بعد ما نسخه قابله بالنسخة الأخرى، ويظهر ذلك واضحًا في اللوحة "73"، وفي بعض الأحيان يظهر أنَّه لم يتمكن من الترجيح بين لفظي النسختين فكان يدون إحدى اللفظتين في الأصل، ثم يشير إلى اللفظ الآخر في الهامش. وأولها: (بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، وبه نستعين. قال مولانا وشيخنا العلامة فريد الدهر وحيد العصر مظهر الحق ومثبت الحقائق ملك العلماء والأفاضل، أفضل المتقدمين والمتأخرين، سراج الملة والدين، حجة الإِسلام والمسلمين، أبو الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي قدَّس الله سره. نحمدك والحمد من نعم أوليت ومن منح ابتديت ونستعين بك والتوفيق للاستعانة بك من قدر قدرت ومن قضاء قضيت). ويوجد على اللوحة الحادية عشرة أشعار بتاريخ وقف هذه النسخة، وهو غرة رجب سنة 1320 هـ.

وختمت اللوحة الأخيرة بقوله: (وإذ وفينا بالمقصود، ختمنا الكتاب حامدين لله تعالى ومصلين على نبيه محمَّد وآله أجمعين ومسلمين تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين). وقع الفراغ من تحريره ليلة الأحد السادس من شهر الله الأصم الرجب عمت مغفرته على سائر المسلمين، وختمه الله بالخير والسرور في المدرسة ... غفر الله ... (¬1) فضلًا منه عن الآفات في سنة أربع وثمانين وستمائة. والحمد لوليه والصلاة على نبيه. وهذه النسخة مطابقة للنسخة التي كانت بين يدي بدر الدين محمد بن أسعد التستري صاحب حل عقد التحصيل, لأنها انفردت بذكر اعتراضٍ للقاضي الأرموي لم يوجد في سائر النسخ وقد ذكره بدر الدين التستري، وذلك في لوحة رقم 14 من حل عقد التحصيل. 4 - النسخة المرموز لها "د": وهي ميكروفلم جاءني بالمراسلة من مكتبة البودليانا الملحقة بجامعة أكسفورد والنسخة محفوظة برقم 1/ 267. خطها دقيق لكنه جميل في 124 لوحة، في كل صفحةٍ واحدٌ وعشرون سطرًا، في كل سطرٍ ثلاثَ عشرةَ كلمة تقريبًا. وهي مبدوءة: ببسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وبه أستعين. قال مولانا وشيخنا الِإمام العلّامة فريد الدهر وحيد العصر مظهر الدقائق كاشف الحقائق ملك العلماء المتكلمين سراج الحق والدين قاضي قضاة المسلمين، أبو الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي، أدام الله ظلال معاليه. (بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، نحمدك اللهم والحمد من نعم أوليت ومن منح ابتديت، ونستعين بك والتوفيق للاستعانة بك من قدر قدرت وقضاء قضيت ونسترشدك ونستهديك فاهدنا سبل الرشاد وسواء الصراط). ¬

_ (¬1) يوجد كلام لم أستطع قراءته.

ويوجد في هذه النسخة نقص في آخرها يقارب الصفحة، والنقص ليس ناتجًا عن فقدان ورقة من آخرها بعد نسخها, لأن لفظ الختام موجود فيها. فقد يكون النقص من النسخة المنقولة منها أو سهوًا من الناسخ نفسه، حيث لم يقلب الصفحة لأن الناسخ ختم النسخة بقوله: (ولا يعارض بقول النافي تم الكتاب، وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله وحده) ولم يذكر تاريخ نسخها ولا اسم ناسخها. وبعد الاطلاع على نسخة دار الكتب المصرية، وجدت أن فيها نقصًا بقدر النقص الذي في هذه النسخة، إلَّا أن كاتبها لم يذكر لفظ الختام في آخرها بل وضع نقطًا مما يدل على أنَّه كان شاعرًا بنقصها، وبذلك تكون هذه النسخة منسوخة من نسخة دار الكتب والله أعلم. وقد تقدمت إشارتنا لعلاقة هذه النسخة مع نسخة "ب". 5 - النسخة المرموز لها "هـ": وهي مصورة من مكتبة دماد زادا الملحقة بمكتبة مراد ملا في إستانبول بقرب جامع محمَّد الفاتح، ورقمها القديم 629 ورقمها الجديد 436. عدد لوحاتها 181 لوحة، في كل صفحةٍ سبعةَ عشرَ سطرًا، في كِل سطرٍ حوالي عشر كلمات. وهي منقوطة ومشكولة وخطها واضح جدًا. وموجود في حوالي عشرين موضعًا منها إثبات مقابلتها على أصل المصنف في اللوحات (28، 31، 40، 42، 47، 50. 60، 70، 80، 90، 92، 97، 100، 110، 120، 122، 130، 140، 150، 160، 170). ومثبت على صفحتها الأولى أن واقفها الشيخ جاويش زاده أفندي سنة 1073 هـ، وفي مكان آخر مكتوب أن واقفها نعمة الله خاتون بنت الشيخ جاويش زادة. ومختومة بختم وقف الشيخ أحمد الشهير بجاوش زادة، ويوجد ختم آخر يدل على أن واقفها الشيخ أحمد الشهير بدماد زادا سنة 1117 هـ في أماكن متفرقة من المخطوطة. بدأت النسخة بقوله: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وما توفيقي إلا بالله

عليه توكلت، قال شيخنا وسيدنا وإمامنا وعلّامة دهرنا الشيخ الِإمام العالم العامل الكامل سيد العلماء وأوحدهم بقية السلف سراج الدين أبو الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي متَّعنا الله بطول حياته آمين، نحمدك اللهَ والحمد من نعم أوليت ومنح ابتديت، ونستعين بك والتوفيق للاستعانة بك من قدر قدرت وقضاء قضيت، ونسترشدك ونستهديك فاهدنا إلى سبيل الرشاد وسواء الصراط، ولا تزغنا بعد إذ هديت). ويوجد على الصفحات الأولى حواشي كثيرة جدًا ومفيدة تنتهي باللوحة الرابعة والعشرين، وبعدها تكاد تكون الحواشي معدومة إلَّا من تصحيح المقابلة. وفي الصفحة الأخيرة يقول: (وإذ وفينا بالمقصود ختمنا الكتاب حامدين لله تعالى ومصلين على نبيه محمَّد وآله وأصحابه أجمعين إلى يوم الدين). (ووافق الفراغ من نسخه يوم السبت ثامن رجب المبارك سنة خمس وخمسين وستمائة بمدينة دمشق المحروسة، غفر الله لكاتبه ولقارئه ولمن نظر فيه ولجميع المسلمين برحمتك يَا أرحم الراحمين، بلَغ مقابلة بأصل المصنف فصح والله أعلم بالصواب). ولم يذكر اسم كاتبها وهذه النسخة تعتبر أقدم النسخ التي حصلت عليها، إذ نسخت قبل موت المصنف بحوالي سبعة وعشرين عامًا. وهي أَيضًا أصح النسخ نظرًا لمقابلتها بأصل المصنف ويغلب على الظن أن كاتبها من تلاميذ المؤلف والله أعلم. وهذه النسخ الخمسة المتقدمة تمت مقابلتها، وهي التي حصلت على صور منها وأما النسخ الآتية فلم أحصل على نسخ منها سوى مخطوطة جوتا بألمانيا. ولم أقابلها للنقص الشديد في أولها وآخرها، وقد استطعت الحصول على معلومات عن النسخ الأخرى سأذكرها للفائدة. 6 - نسخة أخرى موجودة في مكتبة ولي الدين جار الله أفندي الملحقة بالسليمانية، محفوظة برقم 444 في صفحة 27 من فهرس المكتبة

المذكورة. وعدد أوراق النسخة 221 ورقة، ومقاسها 20 × 9 سم في كل صفحةٍ عشرون سطرًا، وفي كل سطرٍ سبع كلماتٍ تقريبًا فرغ من كتابتها في أوائل شهر ربيع الآخر سنة 707 هـ. وموجود على الصفحة الأولى منها: هذا كتاب تحصيل الأصول من كتاب المحصول من أهم المهمات في هذا الفن، ويليه حاشية متعلقة ببيان اعتراضات صاحب التحصيل على صاحب المحصول المبدوءة بقوله: (ولقائل أن يقول) وعلى ظهر الورقة الأولى: بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. رب تمم بحمدك اللهم، والحمد من نعم أوليت ومنح أسديت ونستعين بك والتوفيق للاستعانة بك من قدر قدرت وقضاء قضيت، ونسترشدك ونستهديك فاهدنا إلى سبيل الرشاد وسواء الصراط فلا تزغنا بعد إذ هديت. وفي الصفحة الأخيرة: (وإذ وفينا بالمقصود ختمنا الكتاب حامدين لله تعالى ومصلين على نبيه محمَّد وآله وأصحابه أجمعين إلى يوم الدين. وقع الفراغ منه في أوائل شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعمائة، اللهم اغفر لصاحبه ولجميع المُؤْمنين والمؤمنات برحمتك يَا أرحم الراحمين. وأما الاعتراضات الملحقة بالنسخة فقد كتبت بخط دقيق وعدد أوراقها سبع ورقات، في كل صفحةٍ خمسة وأربعون سطرًا في كل سطر أربعَ عشرةَ كلمة، ولكن الأرضة قد عبثت بهذه النسخة عبثًا بالغًا مما قلل من قيمتها. وبدأت هذه الاعتراضات بقوله: (بسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وبه نستعين. رب كما أنعمت علي بالتوفيق اهدني إلى معرفة الحق بالتحقيق، وزدني علماً واجعل لي في العالمين ذكرًا جميلًا. عليك توكلت لا آله إلَّا أَنْتَ اتخذتك وكيلًا، وصل على نبيك المصطفى محمَّد وعلى آله بكرةً وأصيلًا وبعد: فهذا بيان للإِيرادات التي أوردها صاحب التحصيل على الإِمام، وإيضاح لتلك الاعتراضات حررته على سبيل الإدخال والله ولي التوفيق. ولقائل أن يقول: (بالحبر الأحمر) إنما يتم الإِشكالان بإثبات الحصر في الأقسام المذكورة إلى آخره. الإِشكالان أحدهما ما أورده على قوله: ليس

له أن يفعله، والآخر ما أورده على قوله: يستحق فاعله الذم، إنما يتمان إذ لو أثبت أن استعمال الأول في الموارد الأربعة منحصر، واستعمال الثاني أَيضًا منحصر في الموضعين، ثم أقام الدليل على امتناع إرادة كل واحدٍ من حيث هو هو، ومن حيث أن المعنى المشترك يتناوله، ولم تقم الدلالة على الحصر وهو ظاهر إذ ثم قسم آخر وهو المراد. وهو أنَّه ليس له أن يفعله لأن الفعل يمنعه. وأيضًا أنَّه لم تقم الدلالة على امتناع الِإرادة, لأن امتناع الاشتراك بين الأول والرابِع يوجب امتناع الاشتراك بين كل واحدٍ منهما وبين الباقين، وفي الثاني أَيضًا معنى آخر وهو المراد وهو الإِيجاب فإنَّه يقال: المؤثر يستحق الأثر أي يوجبه والتخلف في الكذب النافع للمانع فلا يقدح. وختم التعليقات بقوله: ولقائلٍ أن يقول: الِإثبات أعم منه بصيغة العموم الضمير في "منه" يرجع إلى الإِثبات وقيده بصفة العموم حتَّى يصح تفصيله عليه. 7 - نسخة أخرى موجودة في خزانة القرويين بمدينة فاس بالمغرب ورقمها 1311/ 80، ولم أتمكن من الحصول على صورة منها رغم تكرار المحاولة، وكل ما استطعت عليه هو السماح بنقل المعلومات المدونة على البطاقة الخاصة بها في المكتبة، وما وجد في البطاقة أنقله حرفيًا: (الأصول شرح المحصول في أصول الفقه للرازي كتب عليه أنَّه شرح للأرموي، ولم نعرف من هو الأرموي هذا إذ عندنا أرمويان وكل منهما اختصر المحصول، ثم بعد هذا تبين أنَّه شرح محمود بن أبي بكر سراج الدين الأرموي ذكروا له من كتبه التحصيل من المحصول. وتوفي سنة 682 هـ جزء متوسط بخط مشرقي واضح كتب فيه المتن بالأحمر. السفر الأول منه فقط مبتور الطرفين أول الموجود منه الكلام على الحسن والقبح العقليين، وآخره موضوع استعمال المشترك المفرد، انتهى ما على البطاقة). وكما يظهر لا نعلم متى كتبت ومن كاتبها, ولا عدد أوراقها ولا حال الأجزاء الأخرى.

8 - نسخة أخرى: موجودة في دار الكتب المصرية، ومحفوظة برقم 771 عدد أوراقها 179 ورقة، وصفحاتها صغيرة في كل صفحةٍ تسعةَ عشرَ سطرًا في كل سطرٍ حوالي ثمان كلمات. والعناوين وأوائل المسائل مكتوب بالحبر الأحمر. أصابتها الرطوبة ولا يوجد نقص في أولها - وآخرها به نقص يقارب الصفحة. موافقة في نقصها إلى مخطوطة البودليانا بجامعة أكسفورد. أولها: (نحمدك اللهم والحمد من نعم أوليت ومنح أسديت، ونستعين بك والتوفيق للاستعانة بك من قدرٍ وقضاءٍ قضيت، نسترشدك ونستهديك فاهدنا إلى سبيل الرشاد وسواء الصراط). وأما آخر سطرين من المخطوطة فهما: (أما الحكم الوجودي فيمكن إثباته بوجوه: أ- قال به مجتهد فلاني فيكون حقًا لقوله عليه السلام: "ظن المؤمن لا يخطئ". ترك العمل به في العامي، إذ لا يستند فيه إلى وجهٍ صحيح ولا يعارض بقول النافي لأن ... ولم يذكر فيهما تاريخ النسخ ولا اسم الناسخ). 9 - نسخة أخرى في مكتبة "لا له لي" الملحقة بالمكتبة السليمانية بإستانبول بتركيا. وردت في صفحة 53 من فهرس المكتبة برقم 705، ولم أتمكن من مشاهدتها. 10 - نسخة أخرى موجودة في مكتبة جوتا برقم 934 في ألمانيا مقطوع من أولها حوالي تسع ورقات، فتبدأ من قوله: هـ: الاصطلاح يمنع الأمان عن الشرع لجواز تبدل اللغات وآخرها به نقص كثير جدًا. 11 - نسخة بالمكتبة القادريَّة الملحقة بجامع الشيخ عبد القادر الكيلاني ببغداد، منسوخة بخطٍ معتاد في القرن الثاني عشر، عليها تمليك لعبد الرَّحْمَن القادري من السيد فيض الله سنة 1179 هـ. عدد أوراقها 189 ورقة في كل صفحةٍ سبعة عشر سطرًا، مقاس 17.5 × 13.5 سم.

علاقة كتاب التحصيل بما تقدم عليه من كتب الأصول

أولها: (نحمدك اللهمَّ، والحمد من نعمٍ أوليت، ومن منحٍ أسديت، ونستعين بك ...) وآخرها: (وإن نقص من حركة الفاء وزيد فيها حرف المضارعة فهذه الأقسام التي كسبها وأمثلتها. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلَّم على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين). عَلَاقة كِتَاب التَّحْصِيل بِمَا تقدّم عَلَيْه منْ كتُب الأصُول يحسن بنا قبل أن نبين علاقة كتاب التحصيل من المحصول، للقاضي سراج الدين أبي الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي مع الكتب التي تقدمته، ولها علاقة وثيقة معه سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة، كاستمداد معلوماته منها أو مشاركته لها في استمداد المعلومات أن نذكر لمحة موجزة عن نشأة هذا العلم وتطوره حتَّى عصر سراج الدين الأرموي القرن السابع الهجري، وسنقسم الكلام في ذلك على أربعة أقسام: 1 - التشريع قبل تدوين علم أصول الفقه وهذه الفترة تبلغ حوالي القرنين من الزمان تعبدًا منذ أن بزغت شمسِ المعرفة بانبعاث نور الوحي السماوي، ليبدد الظلام الدامس الذي كان مخيمًا على جزيرة العرب بصورةٍ خاصة، وعلى سائر أرجاء المعمورة بصورة أعم، حيث أخذ النور يطارد الظلام، وفلول الظلم والكفر تهرول أمام جحافل الحق وجنود الله، وأخذ الوحي السماوي ينزل على قلب خير البشر منذ تلك اللحظة المباركة التي التقي فيها جبريل عليه السلام بخاتم الأنبياء في مكان تعبده في غار حراء في قمة جبل النور، إلى أن أصبح الشَّافعيّ رضي الله عنه مرجع العلوم وموسوعة الفقه في زمانه في أواخر القرن الثاني الهجري. كان الوحي في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينزل منجمًا حسب الحوادث بلسان عربي مبين، وكان القرآن معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الخالدة، حتَّى تحدى الله به أفصح من وجد على ظهر البسيطة على ثلاث مراحل (¬1): ففي المرة الأولى ¬

_ (¬1) المرحلة الأولى قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ=

أن يأتوا بمثله، وفي المرة الثَّانية أن يأتوا بعشر سورٍ، وفي المرة الثالثة أن يأتوا بسورةٍ من مثله، ولكن من أين لكلام البشر أن يضاهي كلام الله تعالى أو يدانيه. واعترف صناديد قريش في أنفسهم بأن القرآن معجزة، وإن ظلوا في ضلالهم يعمهون. وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو المرجع في الأحكام، والقاضي في الخصومات، فينتظر الوحي فينزل الوحيِ بالقول الفصل، والصحابة رضوان الله عليهم إذا بلغهم ذلك ما عليهم، إلَّا أن يقولوا سمعنا وأطعنا، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقضي في بعض الأمور بدون انتظارٍ للوحي. فإذا حدث أن قضى في أمرٍ بخلافِ الأولى، نزل الوحي يسدده لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يُقَرُّ على الخطأ. وَذلك كما حدث في قصة أسارى بدرٍ، وكما حدث في إعراضه عن ابن أم مكتوم رضي الله عنه قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} (¬1) وقال تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} (¬2). وقد ساعد على تطبيق الأحكام وفهم دقائقها أنها كانت تنزل منجمةً حسب الحوادث، وما على الصَّحَابَة رضوان الله عليهم إلَّا أن يُلحقوا بها كل ما ضارعها من الحوادث. وكانت الصَّحَابَة في عهد رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاتساع الدولة الإِسلامية يجتهدون فيما يعترض لهم من حوادث، لعدم تمكنهم من مراجعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبعده عنهم، وقد سنّ ذلك - صلى الله عليه وسلم - وعلمهم إياه بفعله وورد في ذلك من ¬

_ = لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]. المرحلة الثَّانية بقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود: 13]. المرحلة الثالثة بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23]. (¬1) [الأنفال: 67]. (¬2) [عبس: 1 - 11].

السنة الشيء الكثير، ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب لما سأله عن قبلة الصائم: "أرأيتَ لو تمضمضت بماء ثم مججته أكنت شاربه" (¬1). وكذلك قوله للخثعميَّة لما سألته عن قضاء الحج عن الميت "أرأيتِ إن كان على أبيك دينٌ فقضيته أكان يجزئ. فقالت: نعم. قال: فدين الله أحق بالقضاء" (¬2). ولم يكتف الرسول-صلى الله عليه وسلم- بأنه اجتهد ليعلمهم ذلك، بل أمرهم بذلك ودرّبهم عليه ومن ذلك حديث معاذ المشهور (¬3) عندما أرسله قاضيًا لليمن. وزاد على ذلك أنَّه حثّهم عليه، ورغّبهم فيه لعلمه صلوات الله وسلامه عليه أنَّه سيجدُّ للنَّاس أقضية بعد أن يلحق بربه تحتاج إلى أحكام. ولا وحي بعد وفاته، فلا بد أن يطمئن قبل أن يلحق بالرفيق الأعلى على أن ما خلفه من تراثٍ كافٍ لسد كل ما تحتاجه أمته من أحكام، ولهذا أطلقها صراحةً واطمأن على ذلك حيث قال: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلَّا هالك". وقال: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وعترتي" (¬4). وقد روى عمرو بن العاص رضي الله عنه أنَّه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر" (¬5). وهذا حث على الاجتهاد ليس بعده حث، حيث رتّب على الاجتهاد الخطأ أجر فإذن كانت مصادر التشريع في عهد رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ¬

_ (¬1) انظر تخريج الحديث في صفحة (2/ 165) من الجزء التحقيقي. (¬2) انظر تخريج الحديث في صفحة (2/ 166) من الجزء التحقيقي. (¬3) وهو أنَّه لما أراد أن يبعث رسول الله معاذًا لليمن قال كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: "أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فإن لم تجد في سنّة رسول الله ولا في كتاب الله؟ قال: أجتهد برأي ولا آلو. فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله". واللفظ لأبي داود ورواه أحمد في مسنده والتِّرمذيّ في سننه وغيرهم وقد تكلمنا على سنده بالتفصيل أثناء تخريجه في القسم التحقيقي، وقد اجتهد الإِمام الرَّازيّ في المحصول في دفع الاعتراضات الواردة على الحديث وأطال في ذلك. (¬4) انظر تخريج الحديث في صفحة (2/ 70) من الجزء التحقيقي. (¬5) انظر تخريج الحديث في صفحة (2/ 295) من الجزء التحقيقي.

الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والسنّة المطهرة بأنواعها الثلاثة القولية والفعلية والتقريرية، والاجتهاد في استنباط الأحكام منهما الذي حثّ عليه ودرّب قضاته في حياته عليه الصلاة والسلام. وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - اجتهدت الصَّحَابَة فيما اعترضها من حوادث ومن طبيعة الاجتهاد أن تختلف الآراء فقد تجد في المسألة الواحدة أقوالًا متعددة لهم مما يدل على أن الحكم فيها كان عن اجتهادٍ لا عن نص، ولو كان عن نص ما اختلفوا أبدًا لأنهم كانوا يعظمون النصوص فلا يخالفونها أبدًا، وكان إذا نزلت بهم نازلة سألوا عن من سمع فيها شيئًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك لما عرض لعمر رضي الله عنه أمر المجوس، وهل يأخذ منهم الجزية، توقف في ذلك حتَّى سأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشهد عبد الرَّحْمَن بن عوف رضي الله عنه على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سُنوا بهم سنة أهل الكتاب" (¬1). فأخذ منهم الجزية. وكذلك لما جاءت الجدة تطلب الميراث من أبي بكرٍ رضي الله عنه سأل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل سُمع منه في ذلك شيء. "فأخبر المغيرة بن شعبة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس" (¬2). وشهد له محمَّد بن مسلمة بذلك. وغير ذلك من الحوادث كثير جدًا. وهذا يدل على أن الصَّحَابَة رضوان الله عليهم لا يلجأون للاجتهاد إلَّا بعد أن يستنفذوا الوسع في عدم وجود النص، سواء أكان من القرآن أم من السنّة المطهرة بأقسامها الثلاثة، ولم يتجرأ أحد منهم أن يترك النص الصريح للعقل أبدًا. وقد اجتهد الصَّحَابَة في أحكام كثيرة ونقلت لنا الكتب بين صفحاتها الكثير من آرائهم، وقد ساعدهم في ذلك ما خلفه لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تراثٍ عظيم فيه خبر ما قبلهم وما بعدهم، وقد كانوا على دراية تامة بألفاظ القرآن ومرامي التشريع، وبأسباب النزول لأنهم عاصروا التنزيل، ورافقوا تطبيق الأحكام، وكانوا على علم بالسنة المطهرة يحفظونها عن ظهر قلب غضة طرية يتذكرون المجالس التي قيلت فيها والحوادث التي نزلت من ¬

_ (¬1) انظر تخريج الحديث في صفحة (1/ 280) من الجزء التحقيقي. (¬2) انظر تخريج الحديث في صفحة (1/ 390) من الجزء التحقيقي.

أجلها، ويذكرون مع ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيشعرون بالهيبة، ويدفعهم ذلك لإجلالها واحترامها والمسارعة للعمل بموجبها، وكانت الألسن لم تفسد بعد ولم يستشر داء المعجمة إلى الأفهام والألسنة فكانوا على علم بالمطلق والمقيد والعام والخاص والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم ومدلولات الألفاظ على المعاني، والناسخ والمنسوخ، حتَّى كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أنَّه وضع الحمل، وكان يقول: آية النساء الصغرى نزلت بعد آية عدة الوفاة ومن شاء باهلته (¬1). وكان كبار الصَّحَابَة رضوان الله عليهم يرسمون لمن دونهم منهج الاجتهاد، ويحثونهم عليه ويدربونهم عليه بنوعٍ من الحذر, لأن الخطأ في الأحكام أمر خطير وتعتبر رسائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك إلى قضاته أساسًا رصينًا بنى عليه من جاء بعده، ومن أعظم هذه الرسائل رسالته إلى أبي موسى الأَشْعريّ رضي الله عنه والتي جاء فيها: (الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم قس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال). وقد ذكرتها بطولها في أول كتاب القياس من القسم التحقيقي، لما لهذه الرسالة من أهمية عظمى في التشريع الِإسلامي على وجه العموم والقضاء على وجه الخصوص. وكتبَ عمر رضي الله عنه أَيضًا إلى قاضيه شريح يقول: (إذا حضرك أمر لا بد منه، فانظر ما في كتاب الله فاقض به، فإن لم يكن فَبما قضى به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يكن فَبما قضى به الصالحون وأئمة العدل، فَإِنْ لم يكن فأنت بالخيار، فإن شئتَ أن تجتهد رأيك فاجتهد رأيك، وإن شئت أن تؤامرني فآمرني ولا أرى مؤامرتك إياي إلَّا خيرًا لك والسلام) (¬2). ونقل البغدادي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: (يَا أيها ¬

_ (¬1) يعني بآية النساء الصغرى قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. وآية عدة الوفاة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. (¬2) أعلام الموقعين 1/ 70.

النَّاس أنَّه قد أتى علينا زمان لسنا نقضي ولسنا هناك، وأنه قد قدر أن بلغنا من الأمر ما ترون فمن ابتلي منكم بقضاءٍ فليقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله فليقض بما قضى به النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن الحلال بين والحرام بيَن، وشبهات بين ذلك، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك) (¬1). ونقل عن جمهور من الصَّحَابَة رضوان الله عليهم أنَّهم استعملوا القياس. فنقل عن ابن عباس رضي الله عنه أنَّه قال: (ألا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن إبنًا، ولا يجعل أبي الأب أبًا). ونقل عن علي وزيدٍ رضي الله عنهما أنهما شبها الأخ والجد بغصنيْ شجرة وجدوليْ نهر، وشركا بينهما في الميراث. وقد ذكر النظام (¬2) أن الذين استعملوا القياس من الصَّحَابَة عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو الدَّرداء وأبو موسى الأَشْعريّ وعائشة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر. وبهذا يظهر أنَّه قد أصبح الاجتهاد مصدرًا بارزًا ظاهرًا في التشريع الإِسلامي أكثر من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيث كانت الحاجة للاجتهاد في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قليلة لوجوده بينهم، فيقضي هو فيها أو ينتظر الوحي من رب العباد. ومن البديهي أن تظهر أقوال مختلفة في المسألة الواحدة، إما لاختلاف وجهات النظر في دلائل النصوص إذا لم تكن جلية أو لمشابهة المسألة أكثر من أصل، ومن ذلك ما أورده صاحب التحصيل تبعًا لما تقدمه من كتب الأصول مسألة الحرام (¬3) اختلف فيها الصَّحَابَة على خمسة أقوال (¬4): أولها: أن التحريم في حكم الطلاق الثلاث، وهو منقول عن علي ¬

_ (¬1) أعلام الموقعين 1/ 71. (¬2) ترجمنا له في الجزء التحقيقي ص (1/ 431). (¬3) هو قوله لامرأته "أنت علي حرام". (¬4) التحصيل الجزء التحقيقي (2/ 167).

وزيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم، وعمدتهم في ذلك أنَّه كناية عن الطلاق وأدرجوه تحت آية الطلاق ونزَّلوه على أعظم أحواله. ثانيها: أنَّه في حكم الطلقة الواحدة، وهو منقول عن عبد الله بن مسعود وغيره. وبعضهم قال: إنها طلقة واحدة بائنة، وبعضهم قال: إنها رجعية، وعمدتهم في ذلك أنَّه كناية عن الطلاق وأدرجوه تحت آية الطلاق، ولكن نزلوه على أقل أحواله. ثالثها: أنَّه يمين تلزم فيه الكفارة وهو منقول عن أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم، وذلك لأنهم تمسكوا بقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (¬1). نزلت لما حرَّم النَّبِيّ على نفسه مارية القبطية (¬2) فالله سبحانه وتعالى جعل حكمه حكم اليمين. رابعها: أنَّه في حكم الظهار، وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذلك لأنه اعتبره كناية عن الظهار وأدرجه تحت قوله: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (¬3) الآية. خامسها: أنَّه ليس بشيء، وهو منقول عن علي رضي الله عنه وعن مسروق (¬4)، وذلك لأنه من لغو الكلام الذي لا يترتب عليه حكم, لأن المحلل والمحرم هو الله جل شأنه، ولا عبرة بتحريم العبد وتحليله، وشبهوه بمن يحرم على نفسه نوعًا من الطعام. فكل قول من هذه الأقوال كما يظهر للناظر فيها لم يكن قولًا بالتشهي، ولا نابعًا من هوى النفس، بل كل قولٍ له مستند لو لم يكن غيره لأيقن الناظر فيه أنَّه صحيح فمنشأ الاختلاف بين أقوالهم له ما يبرره، وهو أمر لا مفر منه. وسبحان الله الذي تنزهت أقواله عن التعارض، وعصمت عن الاختلاف. قال ¬

_ (¬1) [التحريم: 2]. (¬2) ترجمت لها في الجزء التحقيقي ص (2/ 170). (¬3) [المجادلة: 5]. (¬4) ترجمت له في الجزء التحقيقي ص (2/ 167).

تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (¬1). ومن ذلك أَيضًا المسألة المشتركة أو المشركة في الفرائض المشهورة، ومن ذلك أيضًا اختلافهم في توريث الجد مع الأخوة (¬2)، وغير ذلك لا حصر له. وعلى العموم فقد ذكر محمَّد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية (¬3) في كتابه إعلام الموقعين (¬4) نيفًا وثلاثين صحابيًا أُثر عنهم القياس، والذين اشتهروا منهم بذلك تقدم ذكرهم قبل صفحتين. والناظر في فقههم يدرك أن لهم طرقًا في الاستنباط واضحةً، وإن لم يدونوها ويذكروا لها أسماءًا اصطلاحية. فكانت هذه الأسس التي اعتمدوا عليها عبارة عن سليقةٍ سليمة وقريحةٍ وقَّادة وفطنةٍ خارقة ودراية بأهداف التشريع ومرامي الأحكام، ويلمس الناظر في فقههم أنَّهم كانوا يأخذون بعين الاعتبار تحصيل المصالح ودفع المفاسد وسد الذرائع، وغير ذلك من الأسس التي بني عليها الفقه الإِسلامي الشامخ البناء المتين الأساس. ومع هذا فقد كانوا رضوان الله عليهم يهابون من القول بآرائهم، خوفًا من أن تزل الأقدام بعد الثبوت, لأن الأمر خطير والخطب جسيم، وكانوا ¬

_ (¬1) [النساء: 82]. (¬2) الجزء التحقيقي من التحصيل ص (1/ 167). (¬3) هو محمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب بن سعد بن حريز الزرعي ثم الدِّمشقيّ الحنبلي، المعروف بابن القيم الجوزية شمس الدين أبو عبد الله. ولد بدمشق سنة 691 هـ لازم ابن تيمية وسجن معه في قلعة دمشق، وهو فقيه أصولي مجتهد مفسر متكلم نحوي محدث مشارك في غير ذلك من العلوم، تُوفِّي بدمشق في 13 رجب سنة 751 هـ، مصنفاته كثيرةٌ جدًا، منها: روضة المحبين ونزهة المشتاقين، زاد المعاد في هدي خير العباد، تهذيب سنن أبي داود، الجيوش الإِسلامية على حرب المعطلة والجهمية، وإعلام الموقعين. له ترجمة في: الدرر الكامنة لابن حجر 3/ 400، النجوم الزاهرة 10/ 249، شذرات الذهب لابن العماد 6/ 168، البدر الطالع للشوكاني 2/ 143، روضات الجنان 205، إيضاح المكنون للبغدادي 1/ 271، هداية العارفين للبغدادي 2/ 158، معجم المؤلفين 9/ 106. (¬4) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم، مطبوع في مجلدين كبيرين من المطبعة الفنية المتحدة وغيرها.

يحلون القول بالقياس وينزلونه منزلة الميتة للمضطر فلا يقدمون عليه إلَّا بعد نفاذ السبل في الحصول على حكم صريح من كتاب الله أو سنّة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. فروى عبد الرَّحْمَن بن مهدي عن حماد بن زيد عن سعيد بن المسيّب عن محمَّد بن سيرين قال: (لم يكن أهيب لما لا يعلم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبي بكر وعمر. وأنها نزلت بأبي بكر فريضة فلم يجد لها في كتاب الله أصلًا ولا في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أثرًا. فقال: أقول فيها برأي، فإن يكن صوابًا فمن الله وإن يكن خطأً فمني وأستغفر الله) (¬1). وأخرج أبو عبيد في فضائل أبي بكر، وعبد بن حميد عن إبراهيم التَّمِيمِيّ قال: (سئل أبو بكر الصديق عن قوله تعالى: {وأبا} فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم) (¬2). وقد ورد عن بعض من أثر عنهم القياس من الصَّحَابَة ذم القياس، وقد اعتنى بنقل هذه الآثار أبو علي محمَّد بن حزم (¬3) صاحب ملخص إبطال القياس، ونقل طائفةً منها الِإمام الدَّارميّ (¬4) في سننه (¬5)، ونقلها أَيضًا ابن ¬

_ (¬1) انظر تلخيص الحبير 4/ 195. (¬2) انظر الدر المنثور للسيوطي 6/ 317. (¬3) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح الأندلسي القرطبي اليزيدي أبو محمَّد، ولد سنة 384 هـ وتوفي سنة 456 هـ. فقيه أديب أصولي محدث حافظ متكلم. مشارك في النحو واللغة والشعر والتاريخ والمنطق والفلسفة، له مصنفات كثيرة منها المحلى بالآثار والأحكام في أصول الأحكام ترجم له: ابن خلكان 1/ 428، جذوة المقتبس 290، معجم الأدباء لياقوت 12/ 235، تذكرة الحفاظ 3/ 321، البداية والنهاية لابن كثير 2/ 91، تاريخ الحكماء للقفطي 233، لسان الميزان لابن حجر 4/ 198، النجوم الزاهرة 5/ 75، مرآة الجنان 3/ 79، شذرات الذهب لابن العماد 3/ 299، معجم المؤلفين 7/ 16. (¬4) هو عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن الفضل بن بهرام بن عبد الصمد التَّمِيمِيّ الدَّارميّ السمرقندي أبو محمَّد، محدث حافظ مفسر فقيه، له السنن والثلاثيات في الحديث ولد سنة 181 هـ وتوفي سنة 255 هـ، له ترجمة في تهذيب التهذيب 5/ 294، الكامل لابن الأثير 7/ 71، تذكرة الحفاظ للذهبي 2/ 105، شذرات الذهب لابن العماد 2/ 130، النجوم الزاهرة 3/ 22، مفتاح السعادة 2/ 16، هداية العارفين 1/ 441، معجم المؤلفين 6/ 71. (¬5) سنن الدَّارميّ مطبوع في جزءين أكثر في أوله من ذكر آثار ذم القياس عن الصَّحَابَة والتابعين.

عبد البر النمري (¬1) في كتابه جامع (¬2) بيان العلم وفضله، فنقلوا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّه قال: (لو كان الدين يؤخذ قياسًا لكان باطن الخف أولى بالمسح من أعلاه) (¬3). ونقلوا عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّه قال: (من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه) (¬4). ونقلوا عن ابن عباس رضي الله عنه أنَّه قال: (يذهب قراؤكم وصلحاؤكم ويتخذ النَّاس رؤساء جهالًا يقيسون الأمور برأيهم) (¬5). ونقلوا عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قال: (السنة ما سنه رسول الله، لا تجعلوا الرأي سنّة المسلمين) (¬6). وقد وردت آثارٌ أخرى كثيرة جدًا أَيضًا عن تلاميذهم من كبار التابعين، والتناقض بين فعل الصَّحَابَة رضوان الله عليهم وهذه الأقوال لا يليق بهم أبدًا، فلذا لا مناص من الجمع بين هذه الأقوال وما ورد عنهم من القول بالقياس أن هذه الأقوال محمولة على القياس المذموم، وهو الذي يكون قبل التفتيش والتدقيق عن وجود النص. والقياسِ مع وجود النص باطل عند كل من يعتد بقولهم من علماء الإِسلام وقد صرَح أئمة الفقه بذلك قال الإِمام مالك: (كلٌّ يؤخذ من قوله ويرد عليه إلَّا صاحب هذا القبر). وقال الشَّافعيّ: (إذا خالف رأي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاضربوا به عرض الحائط). وقد يكون ذمهم للقياس الفاقد لشرائط القياس أو ما يتعارض مع عمومات الشريعة ¬

_ (¬1) يوسف بن عبد الله بن محمَّد بن عبد البر بن عاصم النمري الأندلسي القرطبي المالكي أبو عمر، ولد بقرطبة سنة 368 هـ، حافظ محدث مؤرخ عارف بالرجال والأنساب مقرئ فقيه نحوي، له: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحرير التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، وجامع بيان العلم وغيرها. له ترجمة في وفيات الأعيان 2/ 458، جذوة المقتبس 344، البداية والنهاية لابن كثير 12/ 104، مرآة الجنان لليافعي 3/ 89، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 306، معجم المؤلفين 13/ 316. (¬2) جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته ونقله لابن عبد البر، أعظم ما أَلْف في بابه طبع كثيرًا، منها طبع المنيرية في جزءين. (¬3) انظر القسم التحقيقي في هذا الكتاب ص (2/ 172). (¬4) انظر القسم التحقيقي صفحة رقم (2/ 172). (¬5) انظر القسم التحقيقي صفحة رقم (2/ 172). (¬6) انظر القسم التحقيقي صفحة رقم (2/ 172).

السمحة، ويحمل ما ورد عنهم من العمل بالقياس على القياس الصحيح المتوفر فيه شروط صحة القياس. وعلى العموم فإن التجرؤ على القول بالقياس بدون الإلمام بما ورد غير محمود، وينبغي الإقدام على ذلك بعد استفراغ الوسع في البحث عن النص، وأن يكون الإقدام مع الحذر الشديد حتَّى لا يُحرم ما أحل الله ولا يُحلل ما حرم الله عصمنا الله من ذلك. وينبغي أن لا نغفل عن نقطةٍ هامة جدًا يتميز بها اجتهاد صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وينبغي أن نجعلها دائمًا أمام عيوننا وفي قلوبنا لنتأسى بهم ونهتدي بهداهم، ألا وهي الرجوع للحق ولو كان مرًا، والتنازل عن آرائهم إذا ظهر الصواب مع غيرهم مهما كانت صفة الذي معه الحق فهذا خليفة خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمير المؤمنين، وماذا عساه يستحق من الألقاب لو عاش في هذا الزمان، وماذا عساه يستحق من الألقاب لو عاش في هذا الزمان، وماذا عساه يستحق من الأوسمة والنياشين لو قُدِّر له العيش في هذه الأيام يعتلي المنبر يريد أن يحدد المهور رأفةً وشفقةً بشباب هذه الأمة، وحرصًا على المصلحة العامة واستئصالًا لآفةٍ اجتماعية قد يستشري ضررها لجسم الأمة الإِسلامية، فإذا بامرأة عجوز تنهض من مجلسها وتقول: اتق الله يا عمر، كيف تقول ذلك، والله جل شأنه يقول: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (¬1). فينزل عن المنبر حامدًا الله شاكرًا له. ويعلنها صريحة مدوية على مسمع ومرأى من مئات الصَّحَابَة. (أصابت امرأة وأخطأ عمر). وتناقلها التاريخ عبر العصور وبين سطور الكتب لكي نعتبر بها ونتعظ بما نسمع. وهو الذي وقف قبلها على المنبر وخطب النَّاس وقال: (من رأى منكم فيَّ اعوجاجًا فليقوِّمه). فينهض رجل من ضعفاء الصَّحَابَة فيقول: (والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا). فيرد عليه بقوله: (الحمد لله الذي وجد في المسلمين من يقوِّم اعوجاج عمر بسيفه). وهو الذي سنّ لقضاته الرجوع إلى الحق حيث يقول ¬

_ (¬1) [النساء: 20].

في رسالته لأبي موسى الأَشْعريّ رضي الله عنه: (لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل) (¬1). وكانوا يرجعون للحق لا تأخذهم في ذلك لومة لائم، ويتنازلون عن آرائهم لآراء غيرهم، وقد صرحوا بذلك كثيرًا في موسوعات الفقه الإِسلامي، فاجتهادهم يختلف عن كثير ممن جاء بعدهم بعصور حيث كانوا يدورون في فلك غيرهم، أو يجهدون أنفسهم في الحصول على الأدلة المؤيدة لمذهبهم ويسوؤهم الإقلاع عن مذهب إمامهم مع وضوح الحق مع غيره وضوح الشمس في رابعة النهار، مع أن الله رزقهم من العلم ما أوصلهم إلى رتبة الاجتهاد فكفروا بالنعمة وأساؤوا استعمالها ولم ينطلقوا من قيودٍ ما أنزل الله بها من سلطان، فالعصمة لله وحده جل شأنه، ثم لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في ما أمره بتبليغه اتفاقًا، ولم تثبت العصمة لبشرٍ بعده ولم يدع من أنزلوهم منزلة المعصومين العصمة لأنفسهم، بل ثبت عنهم رضوان اللهَ عليهم نفي العصمة عن أنفسهم وأجازوا على أنفسهم الخطأ. ثم انقرض عهد الصَّحَابَة رضوان الله عليهم وظهر عصر التابعين، وكان من أعظم فقهاء التابعين الحسن البَصْرِيّ وإبراهيم بن يزيد النَّخَعيّ وسعيد بن المسيّب وعروة بن الزُّبير ومحمَّد بن سيرين وعطاء بن أبي رباح وغيرهم، وكبار التابعين سلكوا مسلك الصَّحَابَة رضوان الله عليهم في استنباط الأحكام من الكتاب والسنة، والأخذ بما أجمع عليه الصحابة، ثم الاستئناس بأقوالهم وما صدر عنهم من أحكام وكانوا يجلون آراء الصَّحَابَة ويلتزمون بها إذا عرفوها. فروي عن أبي حنيفة النُّعمان رضي الله عنه أنَّه قال: (وما جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعين وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال). ونقل صاحب إعلام الموقعين عن الإِمام الشَّافعيّ رضي الله عنه أنَّه قال عن الصَّحَابَة: (أدوا إلينا سنن رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وشاهدوه والوحي ينزل عليه ¬

_ (¬1) انظر القسم التحقيقي أول كتاب اّلقياس.

فعلموا ما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاماً وخاصاً وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سننه ما عرفناه وجهلناه، وهم فوقنا في كل علمٍ واجتهاد وورعٍ وتقوى وعقل، وآراؤهم لنا أحْمدُ وأولى بنا من آرائنا عند أنفسنا) (¬1). وعن الحسن بن عبد الله قال: قلت لِإبراهيم النخعي أكلَّ ما أسمعك تفتي به سمعته فقال: لا. فقلت: تفتي بما لم تسمع. فقال: (سمعت الذي سمعت وجاءني ما لم أسمع فقسته بالذي سمعت) (¬2). وفي هذه الفترة أيضاً لم تظهر قواعد مدونة للاستنباط يرجع إليها، ومع هذا فالناظر في فقههم يقطع ويجزم أنهم كانوا يُصدرون أحكامَهم عن ضوابط وقواعد تكاد تكون فردية فمثلاً الإمام مالك رضي الله عنه أدخل مصدراً جديداً في التشريع، وهو عمل أهل المدينة وإجماعهم. وكذلك قال بالمصالح المرسلة وكذلك وضع ضوابط لرواية الحديث، وكان أيضًا للإِمام أبي حنيفة رضي الله عنه أصول يستنبط الأحكام بموجبها ولكن لم تجمع وتدون في فصول وأبواب. وخلال هذه الفترة بدأت تلوح في الأفق طريقتان (¬3) متمايزتان لاستنباط الأحكام، فالأولى تنحو نحو التمسك بظواهر الألفاظ، والوقوف عند ظواهر النصوص وهؤلاء لهم سلف من الصحابة رضوان الله عليهم، وقصة قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - للصحابة رضوان الله عليهم بعد الرجوع للمدينة من غزوة الخندق: "لا يصلين أحد العصر إلَّا في بني قريظة". مشهورة مسطورة في كتب المغازي والسير وكتب الفقه والسنّة. فبعضهم لم يصل العصر إلَّا في بني قريظة عملاً بظاهر النص مع أن الصلاة أدركته في الطرَيق، والبعض الآخر صلى في الطريق لأنه فهم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حثهم على الإِسراع في السير، ولما عرضوا الأمر على الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقر كلا الفريقين فيما فهم وفيما عمل، ولكن ¬

_ (¬1) إعلام الموقعين 1/ 92. (¬2) الفقيه والمتفقه 1/ 203. (¬3) انظر: تاريخ التشريع الإِسلامي للخضري ص 133، وما بعدها وانظر تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ عبد اللطيف السبكي وآخرين ص 217، وما بعدها طبع الاستقامة سنة 1946. وانظر المذاهب الإسلامية لأبي زهرة 2/ 17 وما بعدها.

كان هذا الخلاف عند الصحابة لا يدعو للمشاحنة والقذف بالتُّهم، بل كان يعذر بعضهم بعضاً فيما ذهب إليه. والذين التزموا بهذه الطريقة هم أهل الحجاز تلاميذ عبد الله بن عمر، وعلى رأسهم سعيد بن المسيِّب، وذلك لأن السنة كانت بين أيديهم وفي صدورهم نقيةً صافيةً لم تمتد لها أيدي الوضاعين ولا ألسنتهم، وكانوا على معرفة بسقيمها وصحيحها. وفي الحقيقة أنهم لم يهملوا العقل، لأن العقل السليم لا يتعارض مع النقل الصحيح، ولكن يقفون عند النصوص ولا يلجأون للرأي إلا نادراً. وكان ما عندهم من الآثار كافٍ لما عندهم من الحوادث لقلة ما يحتاجونه من الأحكام لبعدهم عن مركز الخلافة. وأهل الحديث في الحجاز يختلفون قليلاً عن أهل الحديث في العراق، وهم الذين حدث التصادم بينهم وبين أهل الرأي. وأما الطريقة الثانية فهي طريقة أهل الرأي وكان هؤلاء في العراق وهم تلاميذ الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه، وهؤلاء اهتموا بالبحث عن علل الأحكام اعتقاداً منهم أن أكثر الأحكام الشرعية معقولة المعنى، والمقصود من شرعيتها مصالح العباد. وذكر بعض المؤرخين للتشريع الإِسلامي أن سبب تمسكهم بالرأي أن بضاعتهم كانت في الحديث مزجاة، وهذا الكلام يحتاج إلى برهان ودليل، ولكن الذي يظهر لي أن سبب تمسكهم بالرأي أن المشرق كان مركزاً لوضاعي الحديث، نظراً لظهور الفرق الإسلامية الكثيرة بعد التحكيم، وعلى رأسهم الشيعة. ثم هؤلاء تفرقوا إلى شيع وأحزابٍ سخرت من يضع الحديث تأييداً لأرائهم وتقويةً لمذهبهم، زد على ذلك ظهور جماعة من السذج، أخذوا يضعون الأحاديث على زعمهم حسبةً لله ترغيباً للناس في الإِقبال على قراءة القرآن وغير ذلك من الأذكار، وقالوا: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قال: "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". ولم يقل: "من كذب لي". ولما كثر الوضع في الحديث تعسر عليهم معرفة السقيم من الصحيح بسهولة، وهذا السبب نفسه هو الذي أدى إلى ظهور صيارفة للحديث في المشرق لم تشهد الدنيا من يضارعهم أو يدانيهم حتى في جميع أرجاء الدولة الإِسلامية على

وجه العموم والحجاز على وجه الخصوص، فمن الذي يقارب محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج وأبا داود والترمذي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة السنة، ولا يوجد في الحجاز من يقارب هؤلاء إلَّا مالك بن أنس - رحمه الله -. وكان من أشهر تلاميذ ابن مسعود علقمة وإبراهيم والنخعي - رحمهما الله -. وكان من دوافع انتشار الرأي وجود الخلافة في بغداد التي نتج عنها كثرة الحوادث التي في حاجة إلى أحكام متجددة باستمرار، وظهور طريقتين للاستنباط بينهما تغاير طفيف لا غبار عليه، لأن طبيعة الاجتهاد يؤدي لذلك وقد حدث بين الصحابة ما يماثل ذلك، كما مثلنا له باختلافهم في فهم لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند أمرهم بالصلاة في بني قريظة. ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل احتدم النزاع بين الفريقين، فأسرف كل فريق في الطعن على الآخر. فعاب أهل الرأي على أهل الحديث الجمود عند ظواهر النصوص وعدم التدبر وإشغال الفكر في الاستنباط. وكان أهل الحديث (¬1) يعيبون على أهل الرأي بأنهم يأخذون في دينهم بالظن ويحكمون العقل في الدين، ولكن كما يبدو أن كفة أهل الرأي كانت راجحة وطعنهم على أهل الحديث كان شديداً لأن السلطان كان معهم، ولأنهم أقدر على الحجاج واللجاج. قال الإِمام الرازي: (أما أصحاب الحديث فكانوا حافظين لأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنهم كانوا عاجزين عن النظر والجدل وكلما أورد عليهم أحد من أصحاب الرسول سؤالًا أو إشكالًا أُسقط في أيديهم عاجزين) (¬2). وظهر متعصبون لكلا المدرستين واتسع الخلاف وزادت الشقة واحتدم النزاع وأخذ كل فريق ينتصر لمذهبه ولطريقة شيخه. ¬

_ (¬1) تاريخ التشريع الإسلامي للخضري ص 146. (¬2) مناقب الإِمام الشافعي لفخر الدين الرازي ص 21.

2 - الشافعي واضع علم الأصول

2 - الشافعي واضع علم الأصول قد بيّنا فيما تقدم أنه لم يكن هناك قواعد مدونة في هذا الفن، لا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عهد صحابته رضوان الله عليهم أجمعين، ولا عهد التابعين. وقد بينا أن الحاجة أصبحت ماسةً لوضع قواعد لهذا الفن بعد أن تأسست المدارس الفقهية في العراق والحجاز، واحتدم النزاع بينهما، وكادت أن تدب الفرقة بين الصفوف والشقاق بين الفريقين فاستدرك هذا الوضع عالم الحديث في المشرق عبد الرحمن بن مهدي (¬1) المتوفى سنة 198 هـ، لأنه عاش تلك الفرقة واكتوى بنارها وأدرك أنه لا بد من وجود قواعد مدونة لتكون مرجعاً لفض النزاعات، ولتكون قاعدة للنقاش والمناظرات، ولم يكن هذا بالأمر الهين فابتكار نظام وقواعد ثابتة وأساس محدد في غاية الأهمية والخطورة، ومن الذي ستكون عنده المؤهلات للتصدي لهذا الأمر العظيم. فهذا لا يتسنى إلا لمن اطلع اطلاعاً واسعاً إن لم يكن تاماً على مصادر التشريع الإِسلامي، وملماً بشتى المذاهب بالحجاز والمشرق، وأن يكون حجة في اللغة العربية، ومطبوعاً على الذكاء الخارق والقريحة الوقّادة الذي بهما يصل لأغوار الأشياء ومقاصدها وغاياتها. وأن يكون متسربلًا بلباس التقوى والإِخلاص في النية والعمل التي بهما تذلل الصعاب. قال الشافعي رضي الله عنه: شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظ ... فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال: إن علم الله نورٌ ... ونور الله لا يهدى لعاصي ¬

_ (¬1) تاريخ بغداد للخطيب 2/ 64، مناقب الشافعي للفخر الرازي ص 57 المجموع للإمام النووي 1/ 8.

ولا يحوز على هذه الصفات من البشر إلا النادر. وأدرك عبد الرحمن بن مهدي - رحمه الله - أنه ليس لها إلَّا الشافعي عالم قريش الذي كان جديراً بها وأهلًا لها. فكان - رحمه الله - حجةً في اللغة وملماً بالكتاب والسنة، وعالماً بفقه أهل الحجاز، حيث حفظ الموطأ على الإِمام مالك في المدينة، وكان عالماً بفقه أهل العراق، حيث تتلمذ على محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإِمام أبي حنيفة. فجمع بين أسس المدرستين وأما فطنته وذكاؤه فيكفينا فيهما ما روي أنه كان إذا أراد قراءة كتاب وضع يده على الصفحة المقابلة لئلا يلمحها نظره فيحفظ الصفحتين معاً فيتشوش حفظه وكفاه أنه استنبط من حديث: (يا نقير ماذا فعل النغير سبعين مسألة وهو مستلق على فراشه). وذكر مثل ذلك يطول. ولقد كان اختيار الإِمام عبد الرحمن بن مهدي (¬1) موفقاً. فأرسل رسالةً للإِمام الشافعي يسأله فيها وضع قانون كلي يضبط مناهج الاستنباط، ووضع كتاب جامع يبين مراتب السنة وكيفية الاحتجاج بها، فصادف هذا الطلب رغبةً في نفس الإِمام الشافعي. واستحثه على إجابة طلب عبد الرحمن بن مهدي المحدث علي بن المديني حيث قال: قلت لمحمد بن إدريس الشافعي: أجب عبد الرحمن بن مهدي عن كتابه، فقد كتب إليك يسألك وهو متشوق إلى جوابك. قال: فأجابه الشافعي وهو كتاب الرسالة ووضعها الإِمام الشافعي وهو في مكة على الراجح، وأرسلها له مع الحارث (¬2) بن سريج النقال الخوارزمي المتوفى سنة 236 هـ. وأقبل الناس على الرسالة ودرسوها ووجدوا فيها بغيتهم وضالتهم المنشودة، وهي تلك القواعد الأصولية التي كان يعييهم البحث قبل العثور عليها. وخرج أهل الحديث بها من ¬

_ (¬1) فقد قال بعدما قرأها (ما ظننت أن الله خلق مثل هذا الرجل) يعني من العلماء كما نقله اليافعي في مرآة الجنان 2/ 18. (¬2) هامش آداب الشافعي لأبي حاتم الرازي ص 102، المعرفة للحاكم النيسابوري أبي عبد الله ص 229، وطبقات الشافعية للسبكي طبعة أولى 1/ 229، ومذكرات لشيخنا الدكتور عبد الغني عبد الخالق لم تطبع.

جمودهم وساعدتهم على نصرة السنة. وأقبل عليها أيضاً أهل الرأي واهتموا بها، وأصبحوا يشعرون بوزن أهل الحديث، لأنه أصبح لهم قواعد وأسس يناظرون عليها. وكان في هذه الرسالة ما تمس حاجة أهل الرأي إليه مثل متى يقبل خبر الواحد ومتى يرد؟ ومتى يحتج بالقياس ومتى يرد؟ وما شروط صحة القياس؟. وعلى العموم أصبحت رسالة الشافعي مناراً يهتدي به السالكون سبل الأحكام الشرعية بمأمن من الزلل والخروج عن الجادة، وبها تحول الصراع الذي كان بين الفريقين إلى مناظراتٍ علميةٍ هادفة لها آداب وضوابط يحترمها معظمهم، فتقاربت بها وجهات النظر وضاقت شقة الخلاف والنزاع، وتكون مذهب وسط يعتمد على المنقول ويستخدم العقل في الاستنباط وفعلاً ساعدت على تنمية الثروة الفقهية. ولهذا الكتاب وما تبعه من كتب مفيدة سنذكرها بعد قليل استحق الشافعي أن يسمى بناصر السنة لكثرة دفاعه عنها. قال الرازي في كتابه مناقب الإِمام الشافعي: "أن أبا زرعة الرازي نقل عن سعيد بن عمر البرادعي أنه قال: وردت الري فدخلت على أبي زرعة فقلت: يا أبا زرعة سمعت حميد بن الربيع يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (ما علمت أحداً أعظم منةً على الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي، فقال أبو زرعة: قد صدق أحمد ولا أحداً أدرأ عن سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشافعي، ولا أحداً أكشف لسوءات القوم مثل ما كشف الشافعي) (¬1). وقال أبو حاتم الرازي: (لولا الشافعي لكان أصحاب الحديث في عمى). وقال الإمام أحمد: لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث. وقال: (كانت أقضيتنا في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تنزع حتى رأينا الشافعي فكان أفقه الناس في كتاب الله وسنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). ¬

_ (¬1) انظر مقدمة الرسالة للشيخ أحمد شاكر ص 6.

وهذه الرسالة التي وضعها الإِمام الشافعي، والتي قصصنا عليك خبرها قد اندثرت مع ما اندثر من تراث إسلامي على مر العصور وكر الدهور، ولكنها كانت موجودة حتى القرن الثامن الهجري، وتوجد منها نقول في بعض الكتب فنقل عنها أبو عمرو بن الصلاح، والحافظ البيهقي ومحيي الدين النووي والتاج السبكي وابن القيم الجوزية. والرسالة الموجودة الآن هي القاهرية التي وضعها بعد أن استقر في مصر (¬1) فأعاد النظر في الأولى، وتعديله في أبوابها لا يعتقد بأنه كثير. وقد أملاها بعد تأليفها على أصحابه المصريين وعلى رأسهم الربيع بن سليمان المرادي أبو محمد المصري المتوفى سنة (¬2) 270 هـ. ورواها أيضاً الإِمام أحمد بن حنبل (¬3). وهذه الرسالة وصلت إلينا كاملة وطبعت عدة طبعات بالقاهرة. ورسم الشافعي في رسالته هذه المنهج الذي يجب أن يسير عليه كل مجتهد وجمع بين منهجي أهل السنة وأهل الرأي بحيث لا يطغى الرأي وتهمل السنة، ولا يجمد الفقه على ظواهر الألفاظ وقد بحث فيها مهمات قواعد هذا الفن، وكل ما زاده المتأخرون بعده كان من باب التتميم والتوضيح ومن المباحث التي تعرضت لها الرسالة: 1 - الناسخ والمنسوخ في الكتاب والسنة. 2 - العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والعام المراد به ظاهره والعام الذي لا يراد به ظاهره. 3 - حجية خبر الواحد ومنزلة السنة ومكانتها. 4 - القياس والاجتهاد وشروط المفتي. 5 - الإجماع وغير ذلك من المباحث المهمة. ¬

_ (¬1) انظر مناقب الشافعي للفخر الرازي ص 57. (¬2) على ما في هامش آداب الشافعي لأبي حاتم الرازي ص 27. (¬3) معالي التأسيس لابن حجر ص 77، مذكرة شيخنا الدكتور عبد الغني عبد الخالق لم تطبع بعد.

وقد أردف الشافعي - رحمه الله - الرسالة بمؤلفات أخرى في أصول الفقه، لا زالت تعتبر المرجع كما كانت في الماضي كذلك ومنها: 1 - إبطال الاستحسان: الذي رد فيه على من قال بالاستحسان وقال في ذلك كلمته المشهورة: (من استحسن فقد شرع). 2 - اختلاف الحديث: وفيه جمع بين الأحاديث المتعارضة، وكان هذا الكتاب الأول في بابه، حيث تبعه في ذلك ابن قتيبة (¬1) فألف كتابه (¬2) مختلف الحديث والطحاوي (¬3) فألف مشكل الآثار (¬4). 3 - جماع العلم: الذي عقده لإِثبات حجية خبر الواحد ووجوب العمل به والرد على من أنكره. دعوى الشيعة الإمامية أنهم السابقون لهذا الفن والرد عليها ادعت الشيعة الإِمامية أنها قد سبقت الإِمام الشافعي لهذا الفن، فقالوا: إن أول من دون فيه هو الإمام محمد الباقر بن علي زين العابدين المتوفى سنة 114 هـ، وتابعه ابنه الإِمام أبو عبد الله جعفر الصادق المتوفى سنة 148 هـ. ¬

_ (¬1) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري وقيل المروزي النحوي اللغوي، سمع إسحاق بن راهويه ولد سنة 213 هـ وتوفي سنة 276 هـ، مصنفاته عديدة منها: غريب القرآن، غريب الحديث، عيون الأخبار، مشكل القرآن، مشكل الحديث، طبقات الشعراء، كتاب الأشربة، إصلاح الغلط، كتاب الخيل، إعراب القرآن (من مقدمة كتابه تأويل مختلف الأحاديث). (¬2) كتابه: تأويل مختلف الحديث يجمع فيه بين ما ظاهره التعارض في السنة، وهو في جزءٍ واحد مطبوع سنة 1386 هـ دار القومية العربية للطباعة والنشر. (¬3) هو أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي، أبو جعفر ابن أخت المزني صاحب الشافعي، كان شافعياً ثم أصبح حنفياً حتى انتهت إليه رئاسة الحنفيه في مصر. ولد في طحا من صعيد مصر. له شرح معاني الحديث مطبوع في مجلدين وكتاب الشفعة مطبوع وأحكام القرآن، والمختصر في الفقه ومناقب أبي حنيفة وكتاب في التاريخ، له ترجمة في: طبقات الحفاظ للسيوطي وفيات الأعيان لابن خلكان 1/ 19، البداية والنهاية 11/ 174، لسان الميزان: 1/ 274، معجم المطبوعات 1232، هداية العارفين 1/ 581، الأعلام 1/ 197. (¬4) مشكل الآثار للطحاوي في الجمع بين الآثار المتعارضة، وطبع مرات منها في دائرة المعارف النظامية الكائنة بحيدر أباد الدكن بالهند سنة 1333 هـ في أربعة مجلدات.

قال آية الله السيد حسن الصدر: (اعلم أن أول من أسس أصول الفقه وفتح بابه وفتق مسائله الإِمام أبو جعفر محمد الباقر، ثم من بعده ابنه الإِمام وقد أمليا على أصحابهما قواعده وجمعوا من ذلك مسائل رتبها المتأخرون على ترتيب المصنفين برواياتٍ مسندةٍ إليهما متصلة الإِسناد) (¬1). وبعض الحنفية ادعت أيضاً أن واضع علم الأصول الإِمام قاضي القضاة أبو يوسف، ثم تابعه محمد بن الحسن - رحمهما الله -. ونقول: إن دعوى الإِمامية أن الإمام محمد الباقر - رحمه الله - هو واضع علم الأصول، ودعوى الحنفية بأن أبا يوسف ومحمد بن الحسن قد سبقا الشافعي في وضع قواعد هذا الفن، إنما ما حدث منهم هو التكلم في قواعد لمسائل فقهية عارضة أو بينوا منهجهم في استنباط حكم من الأحكام، أو أوضحوا طريقة استدلالهم. وكل هذا لا يعارض دعوى كون الإِمام الشافعي - رحمه الله - هو أول من صنّف مصنفاً شاملًا لمعظم أبواب هذا الفن الذي أتم بناءه الأصوليون من بعده، فلا تعارض بين الدعوتين. وقد أثبت الفقهاء والأصوليون والمؤرخون سبق الوضع للإِمام الشافعي كما تقدم في الكلام على سبب وضع "الرسالة"، وسنذكر أيضاً بعضاً من شهادات العلماء بذلك. قال جمال الدين الأسنوي المتوفى سنة 772 هـ - رحمه الله - في كتابه التمهيد: (إن الركن الأعظم والأمر الأهم في الاجتهاد إنما هو علم أصول الفقه. وكان إمامنا الشافعي - رحمه الله - هو المبتكر لهذا العلم بلا نزاع وأول من صنف فيه بالإِجماع. وتصنيفه المذكور فيه موجود بحمد الله تعالى، وهو الكتاب الجليل المشهور المسموع عليه المتصل إسناده الصحيح إلى زماننا المعروف بالرسالة، الذي أرسل الإِمام عبد الرحمن بن مهدي من خراسان إلى الشافعي بمصر فصنفه له، وتنافس في تحصيله علماء عصره، على أنه ¬

_ (¬1) الشيعة وفنون الإسلام ص 56. وعقيدة أهل الشيعة في الإمام الصادق ص 292.

قد قيل: إن بعض من تقدم (¬1) على الشافعي نقل عنه إلمام ببعض مسائله في أثناء كلامه على بعض الفروع. وجواب عن سؤال السائل لا يسمن ولا يغني من جوع، وهل تعارض مقالة قيلت في بعض المسائل تصنيف كتابٍ موجود مسموع مستوعب لأبواب العلم) (¬2) انتهى. قال الإِمام فخر الدين الرازي في كتابه مناقب الشافعي: (الناس كانوا قبل الإِمام الشافعي رضي الله عنه يتكلمون في مسائل أصول الفقه ويستدلون ويعترضون، ولكن لم يكن لهم قانون كلي يرجعون إليه في معرفة دلائل الشريعة وكيفية معارضتها وترجيحاتها، فاستنبط الشافعي - رحمه الله - علم أصول الفقه، ووضع للخلق قانوناً كلياً يُرجع إليه في مراتب أدلة الشرع. ثم قال: والناس وإن أطنبوا بعد ذلك في علم أصول الفقه إلَّا أن كلهم عيال على الشافعي فيه، لأنه هو الذي فتح هذا الباب، والسبق لمن سبق) (¬3). قال جلال الدين السيوطي: أول من ابتكر هذا العلم الإمام الشافعي رضي الله عنه بالإِجماع، وألف فيه كتاب الرسالة الذي أرسل به إلى عبد الرحمن بن مهدي، وهو مقدمة كتاب (¬4) الأم. وعقد بدر الدين الزركشي المتوفى سنة 794 هـ في كتابه البحر المحيط فصلاً بعنوان: الشافعي أول من صنَّف في أصول الفقه (¬5). ويكاد يكون كل من أرخ لهذا الفن ذكر أن الشافعي رضي الله عنه هو أول من صنف في هذا العلم، وبهذا البيان الشافي بطلت دعوي كون الإمام - رحمه الله - مسبوقاً في تدوين هذا الفن. ¬

_ (¬1) يشير بذلك إلى ما نقله ابن النديم في كتابه الفهرست ص 286، في ترجمة أبي يوسف قاضي القضاة ومحمد بن الحسن أنهما أول من تكلم في هذا الفن. ثم تابعه الأفغاني المقدم لكتاب أصول السرخسي 1/ 3. (¬2) التمهيد للأسنوي طبع مكة ص 3، 4. (¬3) مناقب الشافعي للفخر الرازي ص 57. (¬4) إتمام الدراية ص 77 طبع الميمنية سنة 1318 هـ. (¬5) مناقب الشافعي للشيخ مصطفى عبد الرازق ص 66.

3 - علم الأصول في القرنين الثالث والرابع الهجريين ومن ورد ذكره في التحصيل من أصولي هذين القرنين

3 - علم الأصول في القرنين الثالث والرابع الهجريين ومن ورد ذكره في التحصيل من أصولي هذين القرنين لقد بينا أن أول كتاب برز إلى الوجود في علم أصول الفقه هو الرسالة، للإِمام محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله -. وكانت الرسالة شاملة لمعظم أبواب وفصول هذا الفن، ولكنها لم تكن مستوعبة لجميع مسائل هذا الفن. ثم أخذ هذا الفن ينمو في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وذلك بالإِكثار من الأدلة على إثبات القواعد، وبحث المسائل التي لم تتعرض لها رسالة الشافعي، ولكن كما يظهر من أسماء هذه المصنفات أنها كانت في مواضيع من علم أصول الفقه وليست شاملةً لجميع أبحاث هذا الفن بالصورة التي عليها الكتب المتكاملة التي وجدت في القرنين الخامس والسادس، وكتب الشافعية كانت أشمل من غيرها لأنها كانت شارحةً للرسالة، والرسالة كما علمنا تحتوي على جزء كبير من مواضيع أصول الفقه. وتعرضت هذه الكتب الشارحة للرسالة إلى بسط ما قرره الشافعي والرد على اعتراضات المخالفين له من كتب غير الشافعية. ومعظم المصنفات في هذين القرنين لا نعرف منها إلا اسمها أو نقولاتٍ في كتبٍ أخرى منسوبة لها، لأنها ضاعت مع ما ضاع من التراث الإِسلامي في غزوا لتتار لبلاد الإِسلام، فمثلاً ذكر صاحب كشف الظنون عدة شروح للرسالة في هذين القرنين نذكر منها: 1 - شرح محمد بن عبد الله الصيرفي المتوفى سنة 330 هـ، قال عنه أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء: أنه أعلم خلق الله بالأصول بعد الشافعي. 2 - شرحها أبو الوليد حسان بن محمد النيسابوري الأموي، المتوفى سنة 349 هـ. 3 - شرحها محمد بن علي الشاشي القفال الكبير، المتوفى سنة 365 هـ. 4 - شرحها محمد بن عبد الله الشيباني أبو بكر الجوزقي، المتوفى سنة 388 هـ. 5 - شرحها عبد الله بن يوسف أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين، المتوفى سنة 438 هـ.

ولا نجد الأن من ذلك كله إلا بعض نقولٍ لا تشفي الغليل من شرح محمد بن عبد الله الصيرفي، ومن الكتب التي صنفت في القرن الثالث الهجري كما ذكر ابن النديم في الفهرست كتاب العموم والخصوص، والفصول في معرفة الأصول لإبراهيم بن أحمد المروزي صاحب المزني، ومن ذلك كتاب خبر الواحد وكتاب الاجتهاد. وكتاب إثبات القياس لعلي بن موسى القمي. ومن ذلك خبر الواحد، وإثبات القياس، وكتاب اجتهاد الرأي لعيسى بن أبان بن صدقة الحنفي المتوفى سنة 220 هـ ومن ذلك: كتاب الإجماع. وإبطال التقليد وإبطال القياس، وكتاب خبر الواحد، وكتاب الخبر الموجب للعلم، وكتاب الخصوص والعموم وكتاب المفسر والمجمل، وكتاب الكافي لمقالة المطلبي، ومن ذلك كتاب العلل للإِمام أحمد بن حنبل، والناسخ والمنسوخ لأحمد بن حنبل أيضاً، وكلها كما ترى كتب مؤلفة في موضوعٍ واحد فقط. وقد استفاد القاضي سراج الدين الأرموي - رحمه الله - في كتابه التحصيل تبعاً للإِمام الرازي - رحمه الله - في المحصول من أقوال علماء هذين القرنين، فنقل عنهم أقوالاً كثيرةً وسنذكر طائفةً من علماء الأصول في هذين القرنين ممن وجدت لهم أقوالًا في التحصيل مرتبين حسب سنة الوفاة. 1 - عيسى (¬1) بن أبان بن صدقة الحنفي المتوفى سنة 220 هـ، وهو أول من نقل عنه أنه صنف في أصول الفقه من الأحناف فيما أعلم وله كتب عدة في هذا الفن وهي: إثبات القياس، وكتاب خبر الواحد، وكتاب اجتهاد الرأي، وكتاب الحُجج، وكتاب الجامع. 2 - إبراهيم (¬2) بن سيَّار بن هانئ المعروف بالنظَّام المتوفى سنة 221 هـ، المعتزلي تلميذ أبي الهذيل العلاف وأستاذ الجاحظ له كتاب النكت، وهو الذي نفى فيه حجية الإِجماع، وطعن فيه على صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) الفتح المبين 1/ 139. (¬2) الفتح المبين 1/ 142.

3 - داود (¬1) بن علي بن داود الأصبهاني الظاهري أبو سليمان المتوفى سنة 270 هـ. له في الأصول: كتاب إبطال القياس، وكتاب خبر الواحد، وكتاب الخبر الموجب للعلم، وكتاب الحجة، وكتاب الخصوص والعموم، وكتاب المفسر والمجمل. 4 - أحمد (¬2) بن عمر بن سريج المتوفى سنة 306 هـ، تلميذ المزني وأبو داود السجستاني ألف كتاباً في الرد على ابن داود الظاهري في إبطال القياس. ونقل ابن السبكي في طبقاته عن القاضي أبي بكر الباقلاني في التقريب، وعن الأستاذ أبي إسحاق في التعليقة أنهما قالا: (إن ابن سريج من الشافعية وغيره كانوا قد برعوا في الفقه، ولم تكن لهم قدم راسخة في علم الكلام، فطالعوا كتب المعتزلة فاستحسنوا عباراتهم وقولهم يجب شكر المنعم عقلاً فذهبوا إلى ذلك غير عالمين بما تؤدي إليه هذه المقالة) (¬3). وبذلك يكون ابن سريج قد سبق القاضي أبا بكر الباقلاني والقاضي عبد الجبار بن أحمد في التصنيف على طريقة المعتزلة. 5 - عبد الله (¬4) بن أحمد أبو القاسم الكعبي المتوفى سنة 319 هـ، له آراء خاصة في الأصول اشتهرت عنه وهو قوله: إن المباح مأمور به، وإن العلم الحاصل من الخبر المتواتر نظري. 6 - عبد السلام (¬5) بن محمد بن عبد الوهاب أبو هاشم الجبائي المتوفى سنة 321 هـ، له كتاب في الاجتهاد وفي أصول الفقه. 7 - أبو الحسن (¬6) الأشعري علي بن إسماعيل المتوفى 324 هـ، له كتاب في إثبات القياس وآخر في العام والخاص. 8 - الحسن (¬7) بن أحمد الاصطخري الشافعي المتوفى سنة 328 هـ، له آراء في الأصول مشهورة منها: فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إن كان مجرداً عن القرينة ¬

_ (¬1) الفتح المبين 1/ 159. (¬2) طبقات ابن السبكي 1/ 177. (¬3) الفتح المبين 1/ 166. (¬4) الفتح المبين 1/ 172. (¬5) الفتح المبين 1/ 170. (¬6) الفتح المبين 1/ 178. (¬7) الفتح المبين 1/ 174.

الدالة على الوجوب يفيد الوجوب في حقه وحق أمته، ووافقه على ذلك ابن سريج المتقدم وابن أبي هريرة وابن خيران والحنابلة وجماعة من المعتزلة. 9 - محمد بن عبد الله أبي بكر البغدادي الصيرفي (¬1) المتوفى سنة 330 هـ، وقد دوَّن كتباً في الأصول غير شرح رسالة الشافعي السالف الذكر في غاية الأهمية، منها: كتاب لم يسبق له مثيل في الشروط، وكتاب البيان في دلائل الإِعلام في أصول الأحكام، وكتاب في الإِجماع. 10 - الحسن بن الحسين ابن أبي هريرة (¬2) الشافعي المتوفى سنة 345 هـ، له آراء خاصة في الأصول منها: تحريم الأفعال الاختيارية قبل البعثة. 11 - عبيد الله بن الحسن بن دلَّال بن دلهم الكرخي (¬3) المتوفى سنة 340 هـ، له في الأصول رسالةٌ مطبوعة ذكر فيها الأصول التي مدار كتب أبي حنيفة عليها. اهتم بها نجم الدين النسفي. 12 - القفال (¬4) الكبير الشاشي محمد بن علي بن إسماعيل المتوفى سنة 365 هـ، شارح رسالة الشافعي - رحمه الله -، وله كتاب في أصول الفقه. 13 - أحمد بن علي أبي بكر الرازي الحنفي المعروف بالجصاص (¬5) تلميذ أبي الحسن الكرخي وأبي العباس الأصم المتوفى سنة 375 هـ، له كتاب الأصول، وهو كتاب جامع طويل حقق ولم يطبع جعله مقدمة لكتابه أحكام القرآن. 14 - المعافى بن زكريا النهرواني (¬6) المتوفى سنة 390 هـ، تفقه على مذهب ابن جرير الطبري. وله التحرير والمنقر في أصول الفقه. 15 - محمد بن محمد بن جعفر المعروف بابن الدقاق (¬7) ويلقب بالخياط، أبو بكر المتوفى سنة 392 هـ، له كتاب في أصول الفقه. ¬

_ (¬1) الفتح المبين 1/ 180. (¬2) الفتح المبين 1/ 193. (¬3) الفتح المبين 1/ 186. (¬4) الفتح المبين 1/ 201. (¬5) الفتح المبين 1/ 203. (¬6) الفتح المبين 1/ 211. (¬7) معجم المؤلفين 11/ 203.

16 - إبراهيم (¬1) بن أحمد أبو إسحاق المروزي المتوفى في مصر سنة 340 هـ، تلميذ ابن سريج له في الأصول: الفصول في معرفة الأصول، وكتاب العموم والخصوص. 17 - وأبو علي (¬2) محمد بن خلاد البصري، تلميذ أبي علي وأبي هاشم الجبائيين صاحب كتاب الأصول والشرع. 18 - أبو مسلم (¬3) الأصفهاني محمد بن علي بن بحر المعتزلي المتوفى سنة 322 هـ، له جامع التأويل لمحكم التنزيل وناسخ الحديث ومنسوخه. ويوجد بعض علماء الأصول لم ينقل عنهم القاضي سراج الدين الأرموي تبعاً للإِمام الرازي، ومن هؤلاء الأبهري محمد بن عبد الله أبو بكر المالكي المتوفى سنة 375 هـ، له كتاب في إجماع أهل المدينة وكتاب في الأصول، وكذلك عبد الواحد بن الحسين الصيمري المتوفى سنة 386 هـ صاحب كتاب القياس والعلل في الأصول. وقد نقل عن عدد ضخم من علماء هذه الفترة غير الأصوليين وخاصة بالنسبة للأبحاث اللغوية وبعض مسائل الكلام، ومن هؤلاء. عباد بن سليمان الصيمري المتوفى سنة 250 هـ، والخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى 170 هـ، ومحمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي المعتزلي المتوفى سنة 303 هـ، وسيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان المتوفى بعد المئتين، وأبو عبد الله الحسين بن علي البصري المعتزلي المتوفى سنة 369 هـ، وأبو الفتح عثمان بن جني المتوفى سنة 392 هـ، أبو بكر محمد بن داود الأصفهاني المتوفى سنة 297 هـ، وابن متويْه إبراهيم بن محمد بن الحسن المتوفى سنة 302 هـ، والأصمعي عبد الملك بن قريب اللغوي المتوفى سنة 217 هـ، والمبرد أبو العباس محمد بن عبد الله البصري النحوي المتوفى سنة 285 هـ، وأبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ¬

_ (¬1) ابن خلكان 1/ 40 الفهرست لابن النديم 299، حسن المحاضرة 1/ 125. (¬2) طبقات المعتزلة 324، الفهرست 247. (¬3) كشف الظنون 6/ 71.

الفوي الفارسي النحوي المتوفى سنة 377 هـ، والجرجاني أبو الحسن علي بن عبد العزيز الشاعر المتوفى سنة 366 هـ، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه المتوفى سنة 240 هـ، والكسائي أبو الحسن علي بن حمزة النحوي اللغوي المتوفى بعد عام 182 هـ، والفراء أبو زكريا يحيى بن زياد النحوي المتوفى سنة 207 هـ، والمزني إسماعيل بن يحيى أبو إبراهيم المصري الفقيه الشافعي المتوفى سنة 264 هـ، وأبو الهذيل محمد بن الهذيل أبو عبد الله العلَّاف المعتزلي المتوفى سنة 235 هـ، وابن خيران أبو علي الحسين بن صالح الفقيه الشافعي المتوفى سنة 320 هـ، وأبو الحسين عبد الرحيم بن أبي عمرو الخياط المعتزلي المتوفى سنة 350 هـ، وأبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري المفسر المؤرخ المتوفى سنة 310 هـ، والحاكم أبو الفضل محمد بن محمد بن أحمد المروزي البلخي السلمي المتوفى سنة 334 هـ، والجاحظ عمرو بن بحر أبو عثمان الفيلسوف الأديب المعتزلي المتوفى سنة 255 هـ، وابن الراوندي الملحد الزنديق الحسين أحمد بن يحيى الفارسي الأصبهاني صاحب المصنفات التي فيها الكيد للإِسلام، المعاصر لأبي علي الجبائي وأبي الحسين الخياط، وعمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان البصري التميمي بالولاء شيخ المعتزلة المتوفى في خلافة أبي جعفر المنصور، وابن علية إبراهيم بن إسماعيل الأسدي أبو إسحاق المحدث الجهمي الجدلي المتوفى سنة 218 هـ، والمازني النحوي أبو عثمان بكر بن محمد البصري المتوفى سنة 136 هـ، وبشر بن غياث المريسي تلميذ أبي يوسف القاضي رمي بالزندقة والكفر وكان جهمياً، وعثمان البتي أبو عمرو البصري المتوفى سنة 143 هـ، وعبيد الله بن الحسن العنبري القاضي المتوفى سنة 168 هـ، والأصم أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان معاصر لأبي علي الجبائي وأبي الهذيل العلَّاف، وإسحاق بن راهويه إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي المحدث تلميذ البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل، وموسى بن عمران المعتزلي من الطبقة السابعة. ومن الطبيعي أنه نقل آراءً للصحابة رضوان الله عليهم والتابعين والأئمة الأربعة أصحاب المذاهب، بالإضافة إلى بعض الشعراء الجاهليين كشواهد

4 - علم الأصول في القرنين الخامس والسادس الهجريين وذكر من وردت آراؤهم في كتاب التحصيل من الأصوليين

في اللغة يطول الأمر بذكرهم، والذي يهمنا ذكر الأصوليين الذين استفاد منهم القاضي الأرموي - رحمه الله - تبعاً للإِمام الرازي في المحصول، ومعظم من ذكرناهم قد اندثرت كتبهم مع ما اندثر من الكتب ولكن آراءهم مدونةٌ في كتب من تبعهم التي لا تزال محفوظة في خزائن المكتبات، أو قدر لها الله أن ينفض عنها الغبار وتخرج لحيز الوجود وتطبع، وما علينا الآن إلا أن نتكلم عن عصر نضوج هذا العلم وهو القرن الخامس الهجري. 4 - علم الأصول في القرنين الخامس والسادس الهجريين وذكر من وردت آراؤهم في كتاب التحصيل من الأصوليين في القرن الخامس الهجري اكتمل بناء علم أصول الفقه، بعد أن أرسى قواعده محمد بن إدريس الشافعي، وأصبح بناءً شامخاً يضاهي سائر علوم الشريعة بعد أن كان متأخراً عنها في النضوج، ولا نستطيع أن نجزم على يد من اكتمل البناء، لأنه ما من كامل إلا ويوجد أكمل منه. قال ابن خلدون: (ثم جاء أبو زيد الدبوسي من أئمتهم (الحنفية) فكتب في القياس أوسع من جميعهم، وتمم الأبحاث والشروط التي يحتاج إليها فيه، وكملت صناعة أصول الفقه بكماله وتهذيب مسائله، وتمهدت قواعده. ثم قال: (وعنى الناس بطريقة المتكلمين فيه، فكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون كتاب البرهان لإمام الحرمين والمستصفى للغزالي). ومن كلام ابن خلدون يظهر أن اكتمال الأصول الذي كتب على طريقة الحنفية كان على يد أبي زيد الدبوسي المتوفى سنة 430 هـ، والكتب التي ألفت على طريقة المتكلمين كملت على يد إمام الحرمين عبد الملك بن يوسف الجويني المتوفى سنة 478 هـ. ولا شك بأن هنالك كتباً قاربت الكمال وأصبحت من الأمهات التي يرجع إليها قبل البرهان لإِمام الحرمين، ومن ذلك المعتمد لأبي الحسن والعمد للقاضي عبد الجبار بن أحمد. ولا ننسى كتاب القريب للقاضي أبي بكر الباقلاني، ولكننا الآن لا نعرف ما فيه لأنه اندثر مع ما اندثر من تراثٍ

إسلامي في عصر الركود. ومعظم الكتب التي صنفت في هذه الفترة استفاد القاضي سراج الدين الأرموي منها. تبعاً للإِمام فخر الدين الرازي في المحصول. وسنذكر الآن الكتب التي ورد آراء أصحابها في كتاب التحصيل من علماء هذين القرنين مراعين في ذلك الترتيب الزمني حسب الإِمكان، ثم نذكر طائفة من الكتب التي لم يستفد منها. فلقد نقل القاضي الأرموي - رحمه الله - آراءً لعلماء هذين القرنين من الأصوليين وهم: 1 - محمد بن الطيب بن محمد أبو بكر الباقلاني (¬1) المالكي المتوفى سنة 403 هـ، له المقنع في أصول الفقه، وأمالي إجماع أهل المدينة، وذكروا له التقريب والإِرشاد قال ابن السبكي: (وهو أجل كتب الأصول، والذي بين أيدينا مختصره ويبلغ أربع مجلدات، ويحكى أن أصله كان في إثني عشر مجلداً، ولم نطلع عليه). انتهى ابن السبكي. 2 - أبو حامد الإِسفرائيني (¬2) أحمد بن أبي طاهر الشافعي المتوفى سنة 406 هـ، له كتاب لم يصل إلينا وآراؤه المنقولة كثيرة في كتب الأصول. 3 - ابن فورك (¬3) محمد بن الحسن المتوفى سنة 406 هـ، له آراء في الأصول، أكثر من النقل عنه الأسنوي في شرح المنهاج، والآمدي في الأحكام، وابن السبكي في جمع الجوامع، والإِمام الرازي في المحصول. 4 - الأستاذ أبو إسحاق (¬4) الإِسفرائيني إبراهيم بن محمد المتوفى سنة 418 هـ، قال ابن خلكان له رسالة في أصول الفقه. 5 - أبو زيد الدبوسي (¬5) عبد الله بن عمر المتوفى سنة 430 هـ، له تأسيس النظر فيما اختلف فيه أبو حنيفة وصاحباه، وكتاب الأمد الأقصى. 6 - أبو إسحاق الشيرازي (¬6) إبراهيم علي بن يوسف الأصولي الجدلي ¬

_ (¬1) الفتح المبين 1/ 221. (¬2) الفتح المبين 1/ 224. (¬3) الفتح المبين 1/ 226. (¬4) الفتح المبين 1/ 228. (¬5) الفتح المبين 1/ 236. (¬6) الفتح المبين 1/ 255.

المتوفى سنة 476 هـ، له كتاب في الأصول يسمى اللمع وله أيضاً شرحه. 7 - المرتضى (¬1) علي بن الحسين بن موسى الشريف الإِمامي المتوفى سنة 436 هـ، له في الأصول الذخيرة. 8 - وأبو جعفر الطوسي (¬2) الإِمامي محمد بن الحسن المتوفى سنة 460 هـ، له العدة في الأصول. ويوجد عدد من كبار علماء الأصول في هذين القرنين لم يود لهم ذكر كتاب التحصيل تبعاً للمحصول، ومن هؤلاء: 1 - القاضي عبد الوهاب (¬3) بن علي بن نصر أبو محمد المالكي تلميذ أبي بكر الأبهري، المتوفى سنة 422 هـ، له في أُصول الفقه، الأدلة في مسائل الخلاف والإِفادة والتلخيص، وأوائل الأدلة، والإِشراف على مسائل الخلاف، وقد أكثر من النقل عنه القرافي في شرح التنقيح حتى أنه لم يكن ليترك رأيه في كل مسألة. 2 - ابن حزم (¬4) أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد المتوفى سنة 456 هـ، صاحب الأحكام لأصول الأحكام المطبوع في ثمانية أجزاء، وصاحب المحلى كتاب الفقه العظيم وله تلخيص إبطال القياس، وله مسائل في أُصول الفقه وكلها على المذهب الظاهري. 3 - القاضي أبو يعلى (¬5) محمد بن الحسين المتوفى سنة 458 هـ، أُستاذ أبي الخطاب - الكلوذاني. له في أُصول الفقه العدة، ومختصرها، والكفاية، ومختصرها. 4 - فخر الإِسلام البزدوي (¬6) علي بن محمد بن الحسين الحنفي المتوفى سنة 482 هـ، له مؤلف عظيم في الأُصول يسمى كنز الوصول إلى معرفة ¬

_ (¬1) معجم المؤلفين 7/ 81. (¬2) معجم المؤلفين 9/ 202. (¬3) الفتح المبين 1/ 230. (¬4) الفتح المبين 1/ 243. (¬5) الفتح المبين 1/ 247. (¬6) الفتح المبين 1/ 263.

الأُصول. وقد اعتنى بكتابه هذا جماعة منهم عبد العزيز البخاري وسمّاه بكشف الأسرار. 5 - محمد بن أحمد شمس الأئمة السرخسي (¬1) الحنفي المتوفى سنة 483 هـ، له في أُصول الفقه أُصول السرخسي مطبوع في مجلدين. 6 - أبو الخطاب (¬2) الكلوذاني محفوظ بن أحمد الحنبلي المتوفى سنة 510 هـ، له في أْصول الفقه التمهيد. 7 - أبو الوفاء (¬3) علي بن عقيل الحنبلي المتوفى سنة 513 هـ، تلميذ أبي يعلى، وصاحب كتاب الفنون الكبير، وله في الأُصول كتاب عظيم أثنى عليه ابن تيمية في المسودّة وقال: إنه استفاد منه، واسمه الواضح ولا يزال مخطوطاً، منه نسخة في الظاهرية بدمشق وأُخرى في أمريكا. ومن النظر لهؤلاء الثمانية الذين لم ينقل عنهم القاضي سراج الدين الأرموي تبعاً للإِمام في المحصول مع تقدمهم عليه نجد أنهم ليسوا من الشافعية أو المعتزلة، فأبو يعلى وأبو الخطاب وأبو الوفاء من الحنابلة، والسرخسي والبزدوي من الحنفية، وابن حزم من الظاهرية، والقاضي عبد الوهاب من المالكية وكتاب المحصول لا يكاد يخرج عن ما في المعتمد لأبي الحسين البصري المعتزلي، والمستصفى لحجة الإِسلام الغزالي الشافعي الأشعري، وإنما ورد ذكر الإِمامية كثيراً لأن قسماً كبيراً منهم دخل في الاعتزال، ولهذا اهتم بآرائهم أبو الحسين البصري المعتزلي. وقد وردت آراء لبعض العلماء من غير الأُصوليين، لكنه عدد قليل جداً منهم أبو علي بن سينا المنطقي الكبير صاحب الإِشارات، المتوفى سنة 428 هـ، والميداني صاحب الأمثال المتوفى سنة 518 هـ، وعبد القادر الجرجاني النحوي المتوفى سنة 474 هـ. وعبد الله بن سعيد بن كلاب من فقهاء الشافعية وابن العارض المتوفى سنة 448 هـ. ¬

_ (¬1) الفتح المبين 1/ 264. (¬2) الفتح المبين 2/ 11. (¬3) الفتح المبين 2/ 12.

ولم نتعرض في الكلام على أُصول الفقه في هذين العصرين للكلام عن قواعد هذا الفن الأربع، التي حوت كل ما تقدمها، وكل ما جاء بعدها عالةٌ عليها، وذلك لأننا نريد أن نفردها ببحث خاص لأهميتها، ولأن اعتماد الإِمام في المحصول كان عليها مباشراً. قال ابن خلدون في تاريخه (¬1): (وعنى الناس بطريقة المتكلمين فيه، فكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون كتاب البرهان لإِمام الحرمين والمستصفى للغزالي وهما من الأشعرية، وكتاب العمد لعبد الجبار وشرحه المعتمد لأبي الحسين البصري وهما من المعتزلة، وكان الأربع قواعد هذا الفن وأركانه، ثم لخص هذه الكتب الأربعة فحلّان من المتكلمين المتأخرين، وهما الإِمام فخر الدين بن الخطيب في كتاب المحصول، وسيف الدين الآمدي في كتاب الأحكام. واختلفت طرائقهما في الفن بين التحقيق والحجاج. فابن الخطيب أميل إلى الاستكثار من الأدلة والاحتجاج، والآمدي مولع بتحقيق المذاهب وتفريع المسائل، وأما كتاب المحصول فاختصره تلميذه الإِمام سراج الدين الأرموي في كتاب التحصيل ...). لقد ذكرنا أن علماء الأصول أخذوا يسيرون بهذا الفن نحو الكمال رويداً رويداً، منذ أن وضع الإِمام الشافعي رسالته واتسم القرنان الثالث والرابع الهجريان بتصنيف الكتب ذات الموضوع الواحد على الغالب أو شرح الرسالة، وبمطلع القرن الخامس الهجري ظهرت الكتب التي صنفت وشملت معظم مواضيع علم الأصول، وذلك بوضع محمد بن أبي بكر الباقلاني كتابه التقريب. (وهو مفقود الآن، ولكنه كان موجوداً في عصر ابن السبكي حيث يقول في طبقاته (¬2) أنه اطّلع عليه فقال: وكنت أغتبط بكلام رأيته للقاضي أبي بكر في التقريب والإِرشاد). واختصر هذا الكتاب إمام الحرمين (¬3) أبو المعالي عبد الملك الجويني المتوفى سنة 478 هـ وسمّاه ¬

_ (¬1) تاريخ ابن خلدون 1/ 380. (¬2) طبقات الشافعية لابن السبكي 2/ 177. (¬3) الفتح المبين 1/ 260.

التلخيص، ومعظم الآراء المنقولة عن أبي بكر الباقلاني في كتب الأُصول أخذوها من هذا الكتاب. ثم صنّف إمام الحرمين كتابه الشهير "البرهان" الذي ظهرت فيه شخصيته وتكاملت فيه سائر أبواب أُصول الفقه، وهو من أهم كتب الأصول على طريقة المتكلمين، كما ذكر ابن خلدون. وإمام الحرمين في هذا الكتاب لم يلتزم بآراء مَن تقدمه من الأشاعرة والشافعية، وقد شرح هذا الكتاب عالِمان من المالكية هما أبو عبد الله المازري (¬1) المتوفى سنة 536 هـ ولم يتم شرحه، وأبو الحسن الأنباري المتوفى سنة 618 هـ، والبرهان مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (25) أُصول فقه، وطبع في قطر سنة 1399 هـ. ثم ظهرت كتب تلميذ إمام الحرمين (¬2) حجة الإِسلام محمد بن محمد الغزالي المتوفى سنة 505 هـ، وهو الذي وصفه أُستاذه إمام الحرمين بأنه بحر مغدق وهي: 1 - تهذيب الأُصول: قال في مقدمة المستصفي (¬3): (اقترح عليَّ بعض طلبة العلم وضع كتاب أقصر من تهذيب الأُصول وأطول من المنخول فأجبتهم لذلك). 2 - المنخول: وهو أقصر من المستصفى ومتقدم عليه في التأليف، وفي الغالب كان يلتزم فيه آراء أُستاذه إمام الحرمين. 3 - شفاء الغليل. 4 - المستصفى: وهو آخر ما ألّف في الأصول فظهرت فيه شخصيته المستقلة، وهو أهم كتبه وقد قدّم لهذا الكتاب مقدمة عظيمة المنفعة، ذكر فيها أُسس علم المنطق وأفاض فيها، وخاصة ما يتعلق بالحدّ والشرط ¬

_ (¬1) الفتح المبين 2/ 26. (¬2) الفتح المبين 2/ 8. (¬3) المستصفى ص 10 طبع الفنية المتحدة.

والدليل وأقسامه، ثم قسّمه إلى أقطاب أربعة واستوعب كتابه معظم دقائق علم الأُصول إلا النادر، وله آراء خالف فيها من تقدّمه فلم يكن مقلِّداً، وبعضها لم يرتضها مَن جاء بعده. وأما المعتزلة: فقد وضع القاضي عبد الجبار (¬1) بن أحمد المعتزلي المتوفِى سنة 415 هـ، كتاباً عظيماً سمّاه "العمد". وقد كان هذا الكتاب مماثلاَ في الأسلوب والمنهج لكتاب التقريب للقاضي أبي بكر الباقلاني، إلَّا أنه كان يخالفه في بعض المسائل الكلامية. ثم تصدى لشرح هذا الكتاب أبو الحسين البصري المعتزلي المتوفى سنة 435 هـ، تلميذ القاضي عبد الجبار بن أحمد في كتاب عظيم سمّاه المعتمد (¬2). وقد تقدم كلام ابن خلدون أن هذه الكتب الأربعة - العمد والمعتمد والبرهان والمستصفى - أصبحت أركان هذا الفن، وأنها انتهت إلى كتابين عظيمين هما الأحكام لسيف الدين الآمدي، والمحصول للإِمام فخر الدين بن الخطيب الرازي رحمهما الله. قال جمال الدين الأسنوي (¬3): والمحصول استمداده من كتابين لا يكاد يخرج عنهما. غالباً، أحدهما المستصفى لحجة الإِسلام الغزالي، والثاني المعتمد لأبي الحسين البصري حتى رأيته ينقل منهما الصفحة أو قريباً منها بلفظها، وسببه على ما قيل: (إنه كان يحفظهما). ورأيت في نسخة مخطوطة في مكتبة الجامع الأزهر برقم (115) 4493 لم يعلم مؤلفها ويظن أنه الشنواني أنه قال: (إني وجدت الكتب المؤلفة في هذا الفن غير خالية عن الانحراف عن الحق، وإن كتاب المحصول هو المتداول في زماننا، وهو وإن نقل أكثر ما في كتاب المعتمد والمستصفى والبرهان ولكن الانحراف في تصرفاته أكثر. ¬

_ (¬1) مقدمة الأصول الخمسة 1/ 23. (¬2) الفتح المبين 1/ 237. (¬3) نهاية السول 1/ 9.

وبالجمع بين النقلين يظهر أن الإِمام الرازي اعتمد في تأليف كتابه المحصول على ثلاثة كتب هي (المعتمد والمستصفى والبرهان). والقاضي أبو الثناء سراج الدين الأرموي في كتابه التحصيل التزم باختصار كتاب المحصول لفخر الدين محمد بن عمر الرازي، فلم يذكر فيه آراءً لعلماء لم ينقل عنهم الإِمام الرازي، وإنما كان ينبّه على أدلة لم يرتضها لعدم وجود اعتراضات عليها أو وجود غيرها أقوى منها، وقد يضيف دليلاً ارتضاه، أو يدمج مسألة في مسألةٍ أُخرى، وسنذكر ذلك بالتفصيل مع الأمثلة في طريقته في الاختصار بعد المبحث التالي. والإِمام الرازي صرف النظر عن آراء معاصريه من الأُصوليين، حيث إنه التزم بما ورد في الكتب التي اعتمد عليها، ولم نجد أثراً لأمثال الكيا الهراسي علي بن محمد المتوفى سنة 554 هـ، زميل حجة الإِسلام في الدراسة، الذي له كتاب في أُصول الفقه أكثر من النقل عنه صاحب إرشاد الفحول محمد بن علي الشوكاني، ولم يذكر ابن برهان أحمد بن علي الشافعي المتوفى سنة 520 هـ صاحب البسيط والوسيط والأوسط والوجيز في أُصول الفقه وعلّامة زمانه أبا المظفر السمعاني منصور بن محمد المتوفى سنة 489 هـ، صاحب قواطع الأدلة والاصطلام والبرهان. والإِمام المازري محمد بن علي المتوفى سنة 536 هـ شارح كتاب البرهان بالإِضافة إلى ما سبق ذكرهم من الأحناف والحنابلة، والحنابلة على وجه الخصوص لم يرد في التحصيل أي نقل عنهم، ولعلَّ السبب في ذلك هو تأخرهم في التأليف في هذا الفن وأول مَن دوّن منهم في الأصول كما أعلم، هو القاضي أبو يعلى بن الفراء المتوفى سنة 458 هـ. وأما المعتزلة فقد كان لهم النصيب الأوفر وذلك لاعتماد الإِمام في المحصول في الدرجة الأولى على المعتمد لأبي الحسين البصري المعتزلي فذكر منهم: العلاَّف والجاحظ والنظَّام والكعبي وأبا علي وأبا هاشم الجبائيين وابن الراوندي وعبيد الله بن الحسن العنبري والقاضي عبد الجبار، وأبا الحسين الخياط وعمرو بن عبيد وغيرهم.

الكتب التي تأثرت بالتحصيل

وأما الشيعة الإِمامية فقد أكثر من النقل عنهم، وذلك لأنهم التزموا بالاعتزال وبذلك نكون قد ألممنا بعلاقة كتاب التحصيل بكل ما تقدم عليه من كتب علم الأصول ومدى وكيفية ارتباطه به، وسنذكر في المبحث التالي علاقة كتاب التحصيل بما بعده من الكتب. الكتُبُ الّتي تأثّرَت بالتّحصِيل تدل نسخ كتاب التحصيل على أن الأرموي انتهى من تأليفه قبل عام 655 هـ قطعاً، حيث إن النسخة المرموز لها "هـ" والموجودة في مكتبة دماد زادا الملحقة بمكتبة مراد ملا بإستنبول قد فرغ من نسخها سنة 655 هـ. ويغلب على الظن أنه قد ألّفه قبل عام 645 هـ، حيث انتهى ناسخ رسالته التي في أمثلة التعارض من نسخها سنة 645 هـ، ويغلب على الظن أن التحصيل قد تم تأليفه قبلها. ونقطع بأن الكتاب قد ألّف في دمشق، وذلك أنه لم يسافر ليستقر في قونية إلا في أواخر عام 655 هـ على ما في مقدمة كتاب لطائف الحكمة، المطبوع بالفارسية حيث التحق في آخر ذلك العام بخدمة السلطان أبي الفتح عز الدين كيكاوس بن كيخسرو من سلاجقة آسيا الصغرى، حيث قدّم له كتابه المشهور (لطائف الحكمة) وكتبه باسمه. ومعظم نسخ الكتاب كما يذكر ناسخوها نسخت في دمشق، وكانت الحركة العلمية آنذاك في عنفوان قوتها، والقدح المعلى فيها للأكراد، لأن الحكم كان في يد بني أيوب فكان في دمشق سلطان العلماء العز بن عبد السلام الكردي، وشيخ دار الحديث أبو عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري الكردي، وابن خلكان المؤرّخ المشهور الكردي وغيرهم. وكان سراج الدين الأرموي على اتصال بهم، فابن خلكان وابن الصلاح زميلاه في الدراسة على كمال الدين بن يونس والعز بن عبد السلام رفيقة في السفر إلى مصر سنة 647 هـ، حيث تشرّفا بلقاء آخر ملوك بني أيوب في مصر السلطان الملك المعظم غياث الدين توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب، المتوفى قتلاً على يد مماليك أبيه سنة 648 هـ.

حيث تناظرا معه في حديث: "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه" (¬1) مع جماعة من العلماء (¬2). وانتشار نسخ كتابه في معظم أرجاء المعمورة دليل قاطع على ذيوع هذا الكتاب وانتشاره والاستفادة منه، وقد صرّح بذلك حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون حيث قال في التعريف بالتحصيل: (وهو كتاب معروف متداول). والنسخ التي بلغني علم وجودها كانت موزعة توزيعاً يثلج الصدر ويبعث في النفس الطمأنينة إلى أهمية الكتاب، وأنه تلقاه طلاب العلم بالنسخ والاستفادة فإحدى نسخه موجودة في جامع القرويين بمدينة فاس بالمغرب الأقصى برقم 1311/ 80، وأُخرى في ألمانيا الشرقية بمكتبة جوتا برقم 934، وأُخرى في لندن في مكتبة البودليانا التابعة لجامعة أكسفورد برقم 1/ 267، وأُخرى في دار الكتب المصرية بالقاهرة برقم 771 أُصول فقه، وأُخرى بمدينة الرسول الأعظم على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام برقم 14 أُصول فقه، وأربعة في عاصمة الخلافة الإِسلامية سابقاً إستانبول وأُخرى بالمكتبة القادرية ببغداد. ولا شك أنه يوجد نسخ أُخرى لم يبلغني مكان وجودها حيث لا يعقل أن تخلو مكتبات دمشق عن هذا الكتاب، وخاصة أن معظم النسخ نسخت هناك. واستقصاء التفتيش في خزانات مكتبات العالم يحتاج إلى وقت طويل. وأما على وجه الخصوص، فقد استفاد منه تلميذاه اللذان استطعنا معرفتهما وهما: تاج الدين الكردي (¬3) الذي اشتغل مدرِّساً في مدرسة أزنيق ¬

_ (¬1) قال ابن حجر وجدته في مختلف الحديث لابن قتيبة من غير إسناد، وقال في اللآلئ: منهم مَن يجعله من قول عمر بن الخطاب وروى الديلمي عن عمر، أن سالماً مولى أبي حذيفة شديد الحب في الله لو لم يخف الله ما عصاه، كشف الخفا 2/ 323. (¬2) القصة التي وردت في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك الجزء الأول من القسم الثاني ص 354 ومن العلماء: بهاء الدين بن الجميزي، والقاضي عماد الدين القاسم بن إبراهيم الحموي قاضي مصر، وابن واصل صاحب كتاب مُفرِج الكروب. (¬3) تقدمت ترجمته في الباب الأول في فصل تلاميذ الأرموي.

عندما أسّسها أورخان، وكان من العلماء الذين يُشار لهم بالبَنَان في دولة بني عثمان عند تأسيسها فحصل من العلوم شيئاً كثيراً وبرع في جميعها وتمهّر في الفقه، ولم تذكر التراجم له تراثاً علمياً لنرى مدى تأثره بكتاب التحصيل. وأما تلميذه الآخر فهو صفي الدين (¬1) أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم الهندي الأرموي الشافعي المتكلم الأشعري الأصولي. شارح المحصول في ثلاثة مجلدات ضِخام، شيخ الذهبي ومناظر ابن تيمية وبسبب هذه المناظرة سجن ابن تيمية. وقد قدم على سراج الدين الأرموي ولازمه في مدينة قونية ببلاد الروم بعد سنة 667 هـ. ولا شك بأنه استفاد من التحصيل حيث أنه شرح المحصول، وكِلا الكتابين يخرجان من مشكاة واحدة، وقد استفاد من كتاب صفي الدين الهندي صاحب إرشاد الفحول حيث أكثر من النقل عنه. وأما الكتب المطبوعة المشهورة المتداولة فلم نجد نقلاً فيها من التحصيل إلَّا في نهاية السول للإِمام جمال الدين الأسنوي المتوفى سنة 772 هـ، فلا يكاد يغفل ذكر اسمه في مسألة من المسائل، وخاصة ما كان فيه مخالفاً للإِمام فخر الدين الرازي. وكان كثيراً ما يصوِّبه ويرجح ما ذهب إليه. وقد نقل عنه أيضاً البدخشي في شرحه للمنهاج المسمى "مناهج العقول" في مواضع معدودة، ومن ذلك ما ورد في صفحة (141) من الجزء الأول. وقد نقل عنه أيضاً شمس الدين محمد بن محمود الأصفهاني المتوفى 678 هـ، تلميذ تاج الدين الأرموي صاحب الحاصل. حيث أثبت ذلك الإِمام جمال الدين الأسنوي (¬2) في نهاية السول في مسألة إعمال المشترك في جميع مفهوماته غير المتضادة. وقد تكون هناك نقول أُخرى في هذا الكتاب عن التحصيل بلا شك. ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمته في الباب الأول في فصل تلاميذ الأرموي. (¬2) نهاية السول 1/ 235.

وقد اهتم بالكتاب جماعة من كبار الأصوليين جاؤوا بعد القاضي سراج الدين الأرموي، وعلى رأسهم الإِمام بدر الدين محمد بن أسعد التستري الشيعي المتوفى سنة 732 هـ، شيخ جمال الدين الأسنوي، وشارح مختصر ابن الحاجب الذي كثيراً ما كان يحيل إليه داخل كتابه الذي سمّاه "حل عقد التحصيل". وهذا الكتاب ليس شرحاً مستغرقاً لكتاب التحصيل بل اختصّ بتوضيح بعض ما ورد مبهماً غامضاً في التحصيل، والنسخة المصوّرة عندي من دار الكتب المصرية تقع في 147 لوحة مكتوبة بخط دقيق، ورقمها في دار الكتب المصرية 14 م أُصول فقه. وذكر أنه صنّفه للصدر الأعظم أحمد بن علي البناني. وقد تكلم فيها على معظم اعتراضات القاضي سراج الدين الأرموي، وحل كثيراً من الغموض الناتج عن الاختصار، وقد بيّن سبب تأليفه كتابه هذا في مقدمته حيث قال: (قد ساقني القدر إلى أن صرفت بعض زمن التحصيل في البحث في كتاب التحصيل للقاضي العلّامة سراج الدين محمود الأرموي - رحمه الله -، فوِجدته مشتملاً على فوائد هذه الصناعة، وعيون قلائد هذه البضاعة، متضمناً لأقسام الحسن والكمال، مستحقاً لصرف الهمّة إليه في الأيام والليالي لما فيه من حُسْن النظم مع صغر الحجم، واختصاصه بإيرادات لطيفة ونكات ظريفة من قبله مكمّلة تدل على جودةِ قريحةِ موردها وكثرة تحقيقه وقوة مظنته وشدة تدقيقه. غير أن المحقّقين في هذه الأقطار أحجموا عن تدريسه، والمشتغلين في هذه الديار عن تحصيله، لما فيه من المواضع الصعبة واللطائف الغريبة والمضايق المنغلقة والمواقف العميقة. فأجبت بعد استدعاء المحقِّقين والتماس المشتغلين أن أكشف القناع عن وجوه مخدرات لا تُغني عن التدقيق في الأنظار. وأرفع الحجاب عمّا يفتقر إلى التعمّق في الأفكار ...) (¬1). ولم يذكر في النسخة التي عند اسم ناسخها ولا تاريخ نسخها، ويوجد نسخ كثيرة (¬2) من حل عقد التحصيل منها نسخة في المكتبة الملحقة بجامع ¬

_ (¬1) حل عقد التحصيل اللوحة الأولى. (¬2) منها نسخة في مكتبة ولي الدين جار الله الملحقة بالسليمانية برقم 515، عدد أوراقها 179=

بايزيد بإستانبول رأيتها وتصفحتها (¬1). وأما الأسئلة التي أوردها القاضي سراج الدين الأرموي في كتابه التحصيل، فقد جمعها أحد نسّاخ كتاب التحصيل في آخر النسخة وتكلم عليها، وهي محفوظة في مكتبة وليّ الدين جار الله أفندي الملحقة بالمكتبة السليمانية العامة بإستانبول برقم 444 في صفحة 27 من الفهرس، والمكتوِبة سنة 707 هـ، وتبلغ سبع لوحات بخط دقيق جداً في كل صفحة 45 سطراً، في كل سطرٍ عشر كلمات. وهذه الأسئلة شرحها محمد بن يوسف (¬2) الجزري المتوفى سنة 711 هـ في كتاب مستقل لم أتمكن من معرفة مكانه ولا الاطّلاع عليه. وعلى العموم فإنه يظهر مما كتبته عن مَن استفاد من التحصيل للقاضي سراج الدين الأرموي ليس على سبيل الحصر، بل قد تكشف لنا الأيام التي أخذ يُظهر فيها كثير من التراث الإِسلامي المدفون تحت طبقات الغبار على رفوف المكتبات، الذي بُدئ في تحقيقه وطبعه، ومما ذكرنا يظهر مدى اهتمام مَن جاء بعده بهذا الكتاب ومدى أهميته وعظم منزلته بين كتب الأُصول، ولعلّ اكتفاء الناس بالنقل عن المحصول مباشرة قلّل من النقل عن التحصيل حيث اتحد منبعهما واستوى مشربهما. ¬

_ = ورقة فرغ ملأ كتابتها سنة 710 هـ في الروضة المباركة. ونسخة أُخرى في مكتبة مراد ملّا برقم خاص 130 وعام 1848 في 180 ورقة. (¬1) ونسخة جامع بايزيد ذكر فيها أن الكتاب أُلِّف بتبريز سنة 707 هـ باسم الوزير علي باشا وقَدِمَ التستري مصر سنة 727 هـ، ثم رجع ومات بهمذان سنة 732 هـ بعد أن اتهم بالرفض، مكتوبة بالجامع الكبير بحلب سنة 714 هـ ومقابلة على نسخة مقابلة على أصل المصنف في 205 ورقات، وقفها عمر آغا. (¬2) انظر كشف الظنون: 92.

مسلك القاضي سراج الدين الأرموي في الاختصار ومدى إلتزامه بآراء الإمام فخر الدين الرازي

مَسْلَكُ القَاضِي سِرَاج الدّين الأَرمَويّ في الاخِتِصَار وَمَدَى إلتزامه بآراء الإِمَام فخر الدّين الرّازي لقد بيَّن القاضي سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي في صدر كتابه التحصيل الدافع الذي دفعه إلى اختصار المحصول، وبيّن منهجه الذي رسمه لنفسه ليسير عليه بياناً شافياً حيث قال: (لقد كانت الهِمم فيما قبل لا تقصر عن الارتقاء إلى المراتب القاصية، ولا تفتر دون الوصول إلى المراتب العالية، والآن فقد أفضى الحال بالأُمم في تقصير الهِمم إلى أن استكثروا اليسير، واستكبروا النذر الحقير، حتى أن الكتاب الذي صنّفه الإِمام العالم العلّامة فخر الملة والدين، حجة الإِسلام والمسلمين، ناصر الحق مغيث الخلق محمد بن عمر الرازي، نوَّر الله ضريحه، في أُصول الفقه وسمّاه بالمحصول، مع نظافة نظمه ولطافة حجمه، يستكثره أكثرهم ولا يقبل عليه أيسرهم. على أنه يشتمل من الفوائد على جملٍ كافية، ويحتوي من الفرائد على قوانين متوافية، ثم إن بعض مَن صدقت فيه رغبته وتكاملت فيما يحتويه محبته التمس مني أن أُسهّل طريق حفظه بإيجاز لفظه ملتزماً بالإِتيان بأنواع مسائله، وفنون دلائله، مع زياداتٍ من قبلنا مكملة، وتنبيهات على مواضع منه مشكلة، لا على سبيل استيفاء الفكر واستكمال النظر لإِخلاله بالمقصود من هذا المختصر، وأجبته إليه مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه، وسمّيته بتحصيل الأُصول من كتاب المحصول ليتوافق اسمه ويتطابق لفظه ومعناه. والله وليّ التوفيق والمعين وعليه أتوكل وبه أستعين). بهذه الكمات بيَّن الإِمام سراج الدين الأرموي رحمه الله منهجه، وأُسسه التي شرع يختصر كتاب المحصول بموجبها، وفعلاً فقد التزم بالمنهج الذي وضعه، وسار على الخطة التي رسمها، فلم يكد يفارقها. وقد تتبعت التحصيل مع المحصول كلمة كلمة وفقرة فقرة ومسألة مسألة فما وجدته خرج عن منهجه. ومسلك القاضي الأرموي هذا في الاختصار هو المنهج القويم لأي

مختصر، فالاختصار هو ضغط المعنى في ألفاظ أقل مع عدم التصرّف في الآراء المنقولة في الكتاب، إلَّا على سبيل التنبيه مع إظهار أن ما أدخل ليس من الأصل. والأرموي - رحمه الله - كان إذا ما عنَّ له تدوين ملاحظة ابتدأها بقوله: (ولقائلٍ أن يقول) تمييزاً لها عن ما ورد في الكتاب، وعبارته هذه تدل على ذوق سليم وأدب رفيع كان يتحلى به القاضي سراج الدين الأرموي، حيث أنه ينسب الملاحظة أو الاستدراك لمجهول تواضعاً منه، ووأداً لغريزة حب الظهور لأن العلم لا يتعلم ليُمارى به العلماء، ولا ليُقال فلان أعلم من فلان، فروى ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَن طلب العلم ليباهي به العلماء أو ليُماري به السفهاء وليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار". ورواه أيضاً عن ابن دريك بلفظ: "مَن طلب العلم لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار". وما نبّه عليه القاضي الأرموي - رحمه الله - لم يكن كله اعتراضاً وردّاً لما ذهب إليه الإِمام محمد بن عمر الرازي - رحمه الله -، بل وجدته بعد التقصّي له في كتابه أن أغلبه كان تنبيهاتٍ على أدلةٍ ضعيفةٍ لا تقف أمام مناظرات الخصوم، ويوجد ما هو أقوى منها، فيسدّ بالتنبيه على ذلك ثغرة قد تنفتح على دليل الإِمام الرازي أو خلل قد ينفذ للاستدلال به، وقد أحصيت هذه التنبيهات والاعتراضات فوجدتها نيِّفاً وثمانين، جمعها أحد النسّاخ أيضاً في آخر إحدى مخطوطات التحصيل بعد أن نسخها. والمخطوطة هذه محفوظة برقم 444 في مكتبة وليّ الدين جار الله أفندي الملحقة بالمكتبة السليمانية بإستنبول بتركيا. وقد تصدى لبيان معظم هذه التنبيهات والاعتراضات الإِمام بدر الدين محمد بن أسعد التستري المتوفى سنة 732 هـ في كتابه حل عُقَد التحصيل، فكان غالباً يقرّها، وكان في بعض الأحيان يبيِّن عدم وجاهتها وعدم رضائه بها. وقد أفردها بمصنف مستقل محمد بن يوسف الجزري، المتوفى سنة 711 هـ بكتابه المسمى أجوبة أسئلة القاضي الأرموي على التحصيل، ولم أتمكن من معرفة مكان وجوده.

وكانت معظم التنبيهات والاعتراضات موجهة للأدلة العقلية، وذلك لأنه فارس حلبتها ومغوارها الحاذق الذي كان له الباع الأطول فيها. ولهذا خلا القسم الأخير من هذه الاعتراضات لقلة المباحث الكلامية فيه، حيث أن آخر ما ورد من الاعتراضات كان في الفصل الثاني من التراجيح، ولم أجد شيئاً منها في الفصول الآتية (ترجيح الأخبار، الاجتهاد، المفتي، والمستفتي، الأدلة المختلف فيها). وكان القاضي الأرموي - رحمه الله - يورد هذه التنبيهات بعبارةٍ موجزةٍ جداً، قد تصل إلى حدّ الإِلغاز، ولا يمكن أن يعرف الناظر المُراد منها إلَّا بعد الرجوع للمحصول، وحتى بعد الرجوع للمحصول قد يكون معرفة مراد الأرموي - رحمه الله - من باب الاجتهاد. وليس هذا طابع جميع التنبيهات بل يوجد بعض التنبيهات الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. ومن الاعتراضات التي ظهر عليها الإِبهام والإِلغاز. أ- ما أورده على أجوبة الإِمام الرازي عن أدلة مَن قال بعدم جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد حيث قال في التحصيل: (احتج القائل بعدم جواز التخصيص بما يلي: أ- الإِجماع: (إذ ردّ عمر خبر فاطمة بنت قيس. وقال: لا ندع كتاب ربنا وسنّة نبيِّنا بقول امرأة لا ندري لعلّها نسيت أم حفظت). ب - قوله عليه السلام: "إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق فاقبلوه وإن خالف فردّوه". جـ - الكتاب مقطوع فقدّم على الخبر المظنون. د- لو جاز تخصيصه به لجاز نسخه به بجامع تقديم الخاص). والجواب عن: أ- أنه ردٌّ للتهمة بالكذب والنسيان. ب- أنه ينفي تخصيصه بالمتواتر، ولو قيل تخصيص الكتاب لا يكون على خلافه قلنا: كذلك ههنا.

جـ - أن خبر الواحد تترك به البراءة الأصلية اليقينية على أن الكتاب مقطوع المتن مظنون الدلالة، والخبر بالعكس، وأيضاً لما دل القاطع على وجوب العمل بخبر الواحد كان وجوب العمل مقطوعاً فاستويا ... ولقائلٍ أن يقول: في هذه الأوجه نظر: (انتهى من التحصيل ..). فكيف يمكن أن يعرف هذا النظر الذي في الأجوبة، وإذا توصل الناظر في الأجوبة إلى خلل فيها فهل يكون موافقاً لما في ضمير القاضي سراج الدين الأرموي، فلا يعلم ما في ضميره على وجه القطع إلَّا الله جلّ شأنه، ولهذا لما أراد الإِمام بدر الدين محمد بن أسعد التستري أُستاذ جمال الدين الأسنوي أن يوضّح هذا الاعتراض قال: (لعله كانت بالنسبة للدليل الأول أن فاطمة بنت قيس لم تكن متهمةً بالكذب). وقوله: أصدقت أم كذبت لا يوجب تهمتها. وبالنسبة للدليل الثاني أنه لا يلزم من ترك العمل بخبر الآحاد ترك العمل بالخبر المتواتر لزيادة قوة المتواتر وبالنسبة للثالث، فإن البراءة الأصلية ربما يقدم عليها خبر الواحد لأنها ليست من الأدلة الشرعية) (¬1). ب- ومن ذلك ما أورده اعتراضاً على بعض الأحكام المتعلقة بكون الإِجماع ناسخاً للنص، أو لإِجماع آخر أو للقياس حيث قال: ولقائلٍ أن يقول: (في هذه الأقسام نظر ما فليتأمله الناظر). وهو يشبه المثال المتقدم في الإِبهام، وقد اجتهد بدر الدين التستري في معرفة ذلك مع عدم الجزم بما يقول ولهذا قال: إن محل النظر يحتمل أن يكون ما أقوله: 1 - عدم تسليم وقوع الإِجماع بخلاف النص، وكذلك قد ينسخ الإِجماع النص وذلك إذا كان الإِجماع مستنداً إلى نص راجح على النص المنسوخ، وحينئذٍ يكون الناسخ النص الراجح. ¬

_ (¬1) انظر حل عقد التحصيل لوحة: 63 والجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص (1/ 392).

2 - ما ذكر من عدم نسخ الإِجماع إجماعاً آخر سواء كان يفيد الحكم مطلقاً أم إلى وقت فهو منقوض بجواز نسخ نصٍ بنص، ويلزم كذلك عدم إمكان نسخ نصٍ بنص أصلاً. 3 - عدم تسليم أن الإِجماع لا ينسخ القياس، لجواز أن يكون سند الإِجماع قطعياً أو ظنياً راجحاً. 4 - يجوز نسخ النص بقياس يكون قطعي المقدمات، باعتبار أن يكون أصل القياس متأخراً عن نص متناول لما يتناوله القياس. 5 - لا نسلم نسخ النص أو الإِجماع للقياس، فإن صحته مشروطة بعدم وجودهما فإذا وجد النص أو الإِجماع زال القياس لزوال شرطه (¬1). ولم يُجب القاضي سراج الدين الأرموي عن ما أورده من اعتراضات وتنبيهات، بل تركها للناظر الحاذق، والمتأمل النبيه. وهي كما قال بدر الدين محمد بن أسعد التستري تدل على علو كعب القاضي سراج الدين الأرموي في هذا الفن، ودقة فهمه وصفاء ذهنه، لأنها نكات لطيفة لا يتنبه إليها إلَّا مَن له قريحةٌ وقّادة وذكاء خارق وذهن عبقري، اعتاد النظر في عويصات علم الكلام، والاشتغال بدقائق الاستنباط والاجتهاد. وما كان لغير سراج الدين الأرموي أن يستدرك على الإِمام فخر الدين الرازي، الذي بهر علمه علماء زمانه، ومناظراته شهد له بها أقرانه، فإن كان القاضي الأرموي - رحمه الله - قد لمح هذه الملاحظات، فهي إن دلّت على شيء إنما تدل على منزلته بين العلماء، ودقة فهمه وحذاقته لفن الأصول. وهذا لا يضير الإِمام الرازي - رحمه الله -، حيث إن العصمة لله وحده، وما من أحدٍ إلَّا يؤخذ منه ويردّ عليه إلَّا الرسول الحبيب صلوات الله وسلامه عليه. وكفى الرازي فخراً وعلوّاً في المنزلة وارتفاعاً في الرتبة أن يتلقى كتابه بالشرح والاختصار والتدقيق والتعليق عشرات من العلماء الأجلّة، فلم يوجد كتاب في فن الأُصول ذاع صيته وعمّت شهرته المشرق والمغرب والروم والعرب ككتاب المحصول، ¬

_ (¬1) انظر حل عقد التحصيل لوحة: 80 والجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص (1/ 374).

وليس ذلك محل استغراب إذا اعلمنا أنه خلاصة كل ما كتب في هذا الفن قبله كما بينا ذلك وأيدناه بالنقل عن مؤرخ العلوم العلّامة ابن خلدون. وقد التزم القاضي الأرموي - رحمه الله - بنقل الأقوال المنسوبة لأصحابها في المحصول، ولا يكاد يحذف أو يزيد اسماً ممّن نسبت إليهم الأقوال، ولهذا خلا كتاب التحصيل من ذكر آراء أقران الإِمام الرازي، والمتأخرين عنه تماماً. والإِمام الرازي نفسه التزم بنقل الآراء التي نسبها صاحب المستصفى وصاحب المعتمد لأصحابها ولم يتعرض لنقل آراء مَن تأخر عن هذه الكتب إلا ما ندر. ووجدتُ أن القاضي الأرموي - رحمه الله - يغيِّر أحياناً نسبة القول من أبي حنيفة إلى الأحناف، وكأنه يسوّي بين النسبتين، ومن ذلك أن الإِمام الرازي في المحصول نسب القول بعدم جواز التعليل بالعلة القاصرة للإِمامٍ أبي حنيفة وأصحابه، ولكن القاضي الأرموي قال: وجوّزه الشافعي خلافاً للحنفية (¬1). ومن ذلك أيضاً ما وقع في مسألة إثبات التقديرات والحدود والكفّارات والرخص بالقياس، حيث نقل الإِمام فخر الدين الرازي الخلاف في جواز ذلك عن الإِمام أبي حنيفة وأصَحابه، وأما القاضي الأرموي قال خلافاً للحنفية (¬2)، وجدت مثل هذا في عدة مواضع في الكتاب. وقد وجدت أن القاضي سراج الدين الأرموي قد أبدل كلمة الإِجماع في مواضع بلفظ الجمهور أو ما يقاربها، وكان موفقاً في ذلك لأن الإِمام نقل الإِجماع على أُمورٍ لا تسلم له أبداً، حيث هو نفسه نقل في موضع آخر الخلاف فيها. ولعله لم يكن يقصد بإطلاق لفظة الإِجماع الإِجماع الاصطلاحي المعروف. ولكن هذا الاحتمال أيضاً واهٍ، حيث إن الإِمام الرازي من عظماء علماء الأصول وعالم بمصطلحاتهم وعامل بها. ومن ذلك ما نقله الإِمام الرازي في أدلة مَن قال بالقياس: إن الدليل الرابع هو إجتماع الصحابة على العمل به ثم عدّد رهطاً من الصحابة عملوا به، وهذا لا يسمى ¬

_ (¬1) انظر المحصول 2/ 2/ 423، والجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص 2/ 231. (¬2) انظر المحصول 2/ 2/ 471، والجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص 2/ 243.

إجماعاً عند عامة الأصوليين لأنه نقل عن بعضهم إنكار القياس، وبعضهم حذّر منه. فالإِجماع لا يسلم للإِمام الرازي ولكن القاضي الأرموي قال: ومعتمد الجمهور هو أن بعض الصحابة عمل بالقياس (¬1). وكان اختصار القاضي الأرموي - رحمه الله تعالى- يتناول أحياناً بعض المعاني الإِضافية التي ليست أساسية، كبيان المحترزات بالتعريف أو حذف دليل ضعيف وكان هذا في مواضع معدودة. وهذا ليس عيباً في الاختصار لأن المحترزات بالقيود من الأشياء التي يدركها الناظر بالتأمل، وكان في بعض الأحيان يشير للمحترز عنه بذكر المثال، وصنيعه هذا من مستلزمات الاختصار التي لا محيد عنها، وإنما ذكرته لأُبيِّن أن اختصاره لم يتناول الفِكَر الأساسية، بل كان في الأمور الجانبية، ومن ذلك في المقدمة الأولى من الجزء التحقيقي لم يستوعب المحترزات الخارجة بقيود تعريف الفقه، وقد بيّنها الإِمام الرازي في المحصول. ولم يبيِّن القاضي الأرموي - رحمه الله - ما خرج بقوله: (لا يعرف كونها من الدين بالضرورة)، وهو مثل الصلاة والصيام المعلومين من الدين بالضرورة، ولم يبيِّن ما خرج بقوله: (بالاستدلال على أعيانها) بما أخذه المقلّد من الأحكام فهو لا يسمى فقهاً لعدم أخذه الحكم بالدليل. وحدث مثل هذا في تعريف أُصول الفقه أيضاً، فلم يبيِّن القاضي الأرموي - رحمه الله - ما خرج بقوله: (مجموع طرق الفقه) حيث خرج العلم ببابٍ واحد ككون القياس حجة، ولم يبيِّن ما خرج بقوله: (من حيث هي طرق) حيث خرج الفقيه والخلافي، لأنهما يبحثان في حجية الدليل في مسألة معينة. وأما حذفه لبعض الأدلة الضعيفة فلم يحدث إلَّا في موضعين أو ثلاثة في جميع الكتاب نبّهت عليها في مكانها ومن ذلك. أورد الإِمام الرازي - رحمه الله - على تعريف القاضي أبي بكر الباقلاني للقياس ستة اعتراضات، ولم يورد القاضي سراج الدين الأرموي ¬

_ (¬1) الجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص 2/ 165.

- رحمه الله - سوى خمسة اعتراضات، فحذف خامس الاعتراضات وهو: (أن كلمة "أو" للإِبهام وماهية كل شيء معينة، والإِبهام ينافي التعيين)، وحذف هذا الاعتراض لضعفه لأن "أو" ليست دائماً للإِبهام. وطبيعة الاختصار جعلت القاضي سراج الدين الأرموي - رحمه الله - يتصرف في تقسيمات الكتاب، فكثيراً: ما كان يحوِّل الأبواب إلى فصول، والفصول إلى مسائل، ومع هذا كان يحافظ على الأفكار الواردة، وهذا كثير جداً في الكتاب ومنه ما ورد في الكلام على اللغات حيث قسَّمه الإِمام الرازي إلى أبوابٍ، وقسّمه القاضي سراج الدين الأرموي إلى فصول ينطوي تحتها مسائل وجعل الكلام في اللغات باباً واحداً (¬1). ومن ذلك أيضاً أن الإِمام فخر الدين الرازي - رحمه الله تعالى- ذكر في بداية المحصول عشر مقدماتٍ ثم عدّدها واحدة تلو الأُخرى، ولكن القاضي الأرموي - رحمه الله - في التحصيل ذكر أن المقدمات ست، وبعد التقصّي وجدته لم يحذف من المادة العلمية شيئاً، ولكنه دمج بعض المقدمات مع ما يناسبها لقوة ارتباطها بها وشدة تعلقها. وكل ما تقدم في هذا المبحث ذكرته إظهاراً لمسلكه، ولمس على سبيل إظهار مآخذ على كتابه لأنه لا بدّ للمختصر من فعل ما تقدم. وأما ما قد يكون عيباً في مسلك الاختصار في كتاب التحصيل فهما أمران، وهما أيضاً يدلّان دلالة واضحة على دقة فهمه وقوة قريحته ورسوخ قدمه في علم الأصول المركب من المعقول والمنقول، وإنما هما عيبان من زاوية أُخرى غير الزاوية التي يدلّان منها على سعة علمه وقوة عقله، وإنني حينما أكتب هذه الكلمات أشعر بشيء من الوجل، لأن النقد سهل والعمل صعب، ولكن الأمانة العلمية تلزمني بتدوين كل ما انطبع في ذهني عن هذا الكتاب لتلاوته المرة بعد المرة، ولمحت فيه ما لا يلمحه القارئ العجل. أما الأمر الأول: تصرفه في بعض التعاريف الواردة في الكتاب بما ¬

_ (¬1) الجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 191.

يصلحها ويسدّ ثغرة فيها مع بقائها منسوبة لأصحابها مع عدم التنبيه على ذلك، والتعاريف نقلها مبني على التضييق في نظري، فلا يجوز التصرّف فيها أدنى تصرف، مع أن الأقوال قد يتجوّز في نقلها بما لا يحدث اختلافاً في المعنى. وهذا الِإصلاح الذي حدث في التعاريف يدل على دقة فهم القاضي الأرموي - رحمه الله -. ومن ذلك: قد عرَّف القاضي أبو بكر الباقلاني القياس كما ورد في المحصول بلفظ: (حمل معلومٍ على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما من حكم أو صفة أو نفيهما عنهما). والقاضي سراج الدين الأرموي - رحمه الله - نقله في التحصيل منسوباً للقاضي أبي بكر الباقلاني بلفظ: (حمل معلوم على معلوم في إثبات حكمٍ لهما أو نفيه عنهما بجامع حكمٍ أو صفةٍ أو نفيهما) (¬1). فمن حيث المدلول التعريفان متقاربان إلَّا أن تعريف القاضي الأرموي كان أشد اختصاراً، وحبذا لو ذكر التعريفين لأن التعريف الثاني لا يمكن القول عنه أنه تعريف القاضي أبي بكر الباقلاني. وقد تصرف أيضاً في تعريف أبي الحسين البصري صاحب المعتمد للقياس، حيث أورده القاضي سراج الدين الأرموي في التحصيل منسوباً لأبي الحسين بلفظ: (تحصيل مثل حكم الأصل في الفرع لاشتباههما في علة الحكم في ظن المجتهد) (¬2). والإِمام فخر الدين الرازي أورده في المحصول بلفظ: (تحصيل حكم الأصل في الفرع لاشتباههما في علة الحكم عند المجتهد). فالقاضي سراج الدين الأرموي - رحمه الله - أضاف كلمة "مثل"، وذلك لأن الحكم الحادث في الفرع ليس عين الحكم الذي في الأصل، فتعبير الأرموي أدق وأبدل "عند المجتهد" بقوله: "في ظن المجتهد" وذلك لكي لا يدخل القياس الذي يعتقد المجتهد فساده لأنه ليس بقياس، وكان ¬

_ (¬1) الجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص 2/ 155. (¬2) الجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص 2/ 156.

القاضي الأرموي موفقاً في إضافة هاتين اللفظتين إذ بهما انسدّ خلل التعريف. ومن ذلك أيضاً: أورد القاضي الأرموي في التحصيل تعريف الحقيقة منسوباً لأبي الحسين البصري بلفظ: (ما أُفيد بها في اصطلاحٍ به التخاطب ما وضعت له فيه). وعرفها أبو الحسين البصري كما ورد في المعتمد (¬1) ونقله الإِمام فخر الدين الرازي في المحصول بلفظ: (ما أُفيد بها ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به). ومدلول التعريفين واحد، مع أن التعريف الذي أورده القاضي الأرموي أشد اختصاراً. ومن ذلك أيضاً نقل القاضي الأرموي - رحمه الله - عن العلماء أنهم عرفوا الفقه بلفظ: (العلم بالأحكام الشرعية العملية التي لا يعرف بالضرورة كونها من الدين إذا حصل بالاستدلال على أعيانها) (¬2). وقد أورده الإِمام فخر الدين الرازي في المحصول بلفظ: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المستدل على أعيانها بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة). فاستبدل القاضي الأرموي كلمة يعلم بكلمة "يعرف"، وذلك للاعتراض الذي أورده الإِمام فخر الدين الرازي - رحمه الله - ثم أجاب عنه وهو: أن الفقه من باب الظنون فكيف يجعل علماً، وأجاب أنه إذا غلب على ظن المجتهد مشاركة صورة بصورة قطع بوجوب العمل بما أدى إليه ظنه، فالحكم معلوم قطعاً، والظن واقع في طريقه. وأما الأمر الثاني: أن القاضي الأرموي - رحمه الله - كان يقول في مواضع كثيرة. والجواب عن أ - من غير ذكر المجاب عنه وإذا نظر الإِنسان فيما تقدم لم يجد أشياءً مرقمة، وعندئذ يظهر أن الأجوبة عن أشياء لم ترد مرقمة، وهذا يشوِّش ذهن الناظر ويحتاج أحياناً إلى جهد في تعيين المُجاب عنها، لأنها قد تكون تقدمت قبل صفحات وهي مرقمة في ذهنه وهذا ورد كثيراً، وفي مواضع متعددة نبّهت على هذا في مواضعه بعد قراءة الأجوبة ¬

_ (¬1) المعتمد 1/ 16 والتحصيل الجزء التحقيقي ص (1/ 221). (¬2) الجزء التحقيقي من هذا الكتاب المقدمة الأولى.

ومعرفة ما أُجيب بها عنه. وفي بعض الأحيان كنت أضع ترقيماً لما أُجيب عنه موافقاً للأجوبة. وهذا يدل على سعة علمه ورجاحة عقله، ولكنه يشوِّش على الناظر فيه، ويؤخر عليه الوصول إلى معرفة المراد، ومن ذلك على سبيل المثال. قوله: احتجوا (القائلون بأن الكفّار غير مخاطبين بفروع الشريعة) بأن الصلاة مثلاً لا تجب عليه بعد الإِسلام وفاقاً ولا قبله لامتناعه، ولأنها لو وجبت لوجب قضاؤها كالمسلم بجامع تدارك المصلحة. والجواب عن: أ- أن ما ذكرتم لا ينفي العقاب على تركها. ب- النقض بالجمع، والفرق (أن وجوب القضاء عليه تنفير له عن الإِسلام) (¬1). ويقصد بالجواب عن أ- عن دليلهم الأول، وهو بأن الصلاة مثلاً لا تجب عليه بعد الإِسلام وفاقاً ولا قبله لامتناعه. ويقصد بالجواب عن ب- عن دليلهم الثاني وهو: لأنها لو وجبت لوجب قضاؤها كالمسلم بجامع تدارك المصلحة، وكلاهما لم يرد مرقماً. وقد برزت شخصية القاضي سراج الدين الأرموي - رحمه الله - بروزاً واضحاً كمختصر متمكِّن من فنه ولغته، فقد كانت عباراته بقدر المعاني، فلا حشو ولا إلغاز. فلو حذفت كلمة من موضعها لحدث بها خلل كبير في التركيب. وأظهر قدرة فائقةً في إبراز المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة، وهذا من سمات الحكماء المتكلمين الذين كل حرف في كلامهم له وزن ومعنى. فالأسلوب العلمي الذي يعتني بالحقائق يختلف عن الأسلوب الأدبي الذي يعكس العواطف. واختصاره كتاب المحصول وهو لأعظم الحكماء العلماء المتكلمين في القرن السادس الهجري إلى الثلث مع عدم نقص المادة العلمية لَدليلٌ قاطع على التمكّن من لغته ودقة تعبيره، وكتاب علمي مثل هذا لا يتأتى اختصاره لأقل من ذلك إلَّا إذا كان الاختصار على حساب المعاني، وحينئذٍ تضيع القيمة العلمية للأصل. ¬

_ (¬1) الجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 324.

وأما وضوح العبارة وسهولة إيصالها المعاني للناظر فيها فقد حالف القاضي الأرموي فيها الحظ، فقد خلا كتابه مما احتوت عليها المختصرات الأخرى من تعقيد اللفظ، والإِلغاز في التركيب، ولكن ليس معنى وضوح المعنى أنه واضح للقاصي والداني، بل واضح لمن اعتاد النظر في كتب هذا الفن، وكثيراً ما يتكلم إنسان بكلام واضح في ذهنه وضوح الشمس مع وجود غموض فيه على بعض الناس. وقد ألانَ الله له التراكيب فانسابت على قلمه فنمنم بها صفحات كتابه، كما ألانَ الله لسليمان الحديد فنسج منه الدروع فمعظم ما كتب واضح يدرك بالنظر الثاقب ودقة الفهم، ولم أجد العبارة قد خانت القاضي الأرموي - رحمه الله - فلم توصل المعنى للقارئ لأول وهلة إلَّا في مواضع قليلة ناتجة عن اجتهاد الأرموي في الاختصار بقدر الإِمكان. نبّهت عليها في مواضعها وهي: أولاً: دمج القاضي سراج الدين الأرموي - رحمه الله - مسألتين في مسألة واحدة في موضعين، فحدث بذلك التباس وتشويش في الفهم، مما يجعل الفهم صعباً إلا بالرجوع للمحصول. أ- الموضع الأول: دمج مسألة الاختلاف في صدق المشتق بدون المشتق منه بمسألة بقاء وجه الاشتقاق، هل هو شرط لصدق المشتق أم لا (¬1). ففي المسألة الأولى ارتضى القاضي الأرموي - رحمه الله - تبعاً للإِمام الرازي - رحمه الله تعالى- عدم صدق المشتق دون المشتق منه، لاستحالة صدق الكل بدون الجزء، وخالفه في ذلك الجبائيان أبو علي وأبو هاشم. وارتضى في الثانية أن الاشتقاق شرط لصدق المشتق منه. وخالف في ذلك أبو علي بن سينا وأبو هاشم الجبائي المعتزلي، ونظراً لترابط المسألتين أراد القاضي الأرموي حرصاً منه على الاختصار أن يجعلهما مسألةً واحدة فحدث الالتباس. ¬

_ (¬1) الجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 204.

ب- دمج القاضي الأرموي - رحمه الله - مسألتين مشهورتين في مسألة واحدة وهما: الأولى: هل الأمر يفيد التكرار أم المرة الواحدة. الثانية: هل الأمر على الفور أم على التراخي (¬1). والذي دفع القاضي الأرموي - رحمه الله - لدمج المسألتين كما يبدو والله أعلم - أن الرأي المختار في المسألتين كان واحداً، وهو أنهما يدلّان على القدر المشترك ولهذا كانت معظم الأدلة متحدة، فحدث بذلك تشويش وخاصة في الاستدلال، لأن كل مسألة انفردت ببعض الأدلة، ولم أرَ في الكتب الأُصولية التي نظرتها أن أحداً جعلهما مسألةً واحدةً. ثانياً: نقل القاضي الأرموي - رحمه الله - عن الإِمام الغزالي تبعاً للإِمام الرازي في المحصول أربعة أوجه، للتفريق بين الحقيقة والمجاز فقال: (أ- اطراد الحقيقة: فلا يقال واسأل البساط وهو ضعيف) (¬2). والناظر في هذا الوجه لا يفهم منه شيئاً إلا بعد الرجوع للمحصول أو المستصفى ليعرف المراد، ومراده أن الطريق الأول من طريق التفريق بين الحقيقة والمجاز، أن الحقيقة مطّردة والمجاز غير مطّرد. فلا يقال: واسأل البساط إلحاقاً لقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وضعَّف هذا الطريق الإِمام الرازي في المحصول، وتابعه القاضي سراج الدين الأرموي بقوله: (وهو ضعيف) والضمير (هو) راجع للتفريق، والتفريق لم يتقدم وهذا يرد على ما يرد عليه في اللغة. ¬

_ (¬1) الجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 287. (¬2) الجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 240.

وقد ظهرت شخصية القاضي الأرموي - رحمه الله - في اختصار المحصول في التبويب بالتقسيم، فكانت في غاية الدقة. فقد أحسن تنظيم الكتاب وتقسيمه إلى أبوابٍ وفصول ومسائل، وكثيراً ما كان يذيّل المسائل إما بتفريعات أو بتنبيهات. وقد أكثر القاضي الأرموي - رحمه الله - في تقسيماته وتعداد بعض الأمور من استعمال الحروف. وكان يستعملها بشكل عجيب لم يسبق لي الاطّلاع على مثله، حيث كان يركب الحروف الهجائية لتدل على الأرقام، ففي باب التراجيح ركّب حرفاً لتدل على ستةٍ وستين نوعاً. وبرزت شخصية القاضي الأرموي - رحمه الله - في التحصيل كمتكلمٍ ممسك بناصية فنه، عالم بأبعاده ومراميه خبير بدقائقه وخباياه. فظهر ذلك في الإِضافات الدقيقة والملاحظات اللطيفة التي أوردها على أدلة الإِمام الرازي في المحصول، والتي بينّاها في الجزء التحقيقي بياناً شافياً. وظهرت دقة علمه في ترتيب الأدلة، حيث كان في بعض الأحيان يقدم بعض الأدلة، ويؤخر أُخرى، وبعد السبر وجدت أن هذا لم يكن عبثاً، بل لأنه لمّح أن بعضها أقوى من الآخر فقدّم الأقوى. والإِضافات الدقيقة لبعض التعاريف وحذْف بعض الألفاظ منها لسد الخلل فيها، ومنع توجه الاعتراض عليها أيضاً يدل على مدى تمكنه من فنه. ومن ذلك ما تقدم ذكره من إضافة "مثل" و"ظن" لتعريف أبي الحسين البصري للقياس، لاحتمال ورود اعتراضين عليه وهما أن الحكم الحادث في الفرع ليس عين الحكم الموجود في الأصل، ولكي لا يدخل القياس الفاسد. ومن ذلك أيضاً استبداله كلمة "يعلم" بكلمة "يعرف" في تعريفه الفقه عند العلماء، وذلك لاحتمال ورود اعتراض عليه، وهو أن الفقه من باب الظنون فكيف يجعل علماً؟. وظهرت شخصية القاضي الأرموي - رحمه الله - في سلامة لغته، مع أنه أعجمي ولد في أذربيجان، ونشأ وترعرع فيها، ثم كانت دراسته على بني قومه من الأكراد ثم ختم حياته بالإِقامة في بلاد الروم، وكانت السلطة الحاكمة التى يعيش في ظلها سلجوقية ومع هذا كله، كانت لغته سليمة لا

الخاتمة

لحن فيها، وانقادت له الألفاظ والتراكيب، وانسابت على سنان قلمه انسياب الماء الرقراق في الجدول الصافي، لا تكدره رواسب العجمة، فكانت عبارته سليمة نحوياً ودلالةً ودقةً. وأما ما تكرر في كتابه من قلب الهمزة ياءً وَحذف همزة الممدود أو الهمزة في آخر الكلمة، فهذا أمر شائعٌ في ذلك الزمان رأيته في بعض المخطوطات الأُخرى، وهذا يحمل على أن اللغة العربية تميل للتسهيل في اللفظ، وحتى اليوم يوجد في كثير من الأقطار مَن يقلب الهمزة ياء ويحذف الهمزة من آخر الكلمة في اللفظ، وأما من ناحية الكتابة فالأمر فيها محمول على التضييق، فينبغي الالتزام بقواعد الإِملاء، وجميع نسخ التحصيل متوافقة في هذا المسلك من الكتابة، مما يدل على أن هذا التصرف ليس من النسّاخ، ومما ورد على هذا النحو ما رأيته في الصفحة الأولى أن كتابة (أنبيائك وأنبائك وخلائقك والفوائد) قد وردت مكتوبة على النحو الآتي: (أنبيايك، أنبايك وخلايقك، والفوايد). وأما حذف الهمزة في آخر الكلمة فقد ورد منه في الصفحة الأولى: (النجبا والكرما والارتقا). وقد أصلحت ما حدث في المخطوطة بدون الإِشارة إليه في كل موضع لكثرته. " الخاتمة" لقد خلَّف سلف هذه الأمة لخلفها تراثاً ضخماً. فمنذ عصور الدولة الإِسلامية الزاهرة حتى يومنا هذا والمكتبة الإسلامية تستقبل مواليد جدداً في عالم المعرفة، ولكن لا يزال القديم يتميز بغزارة المادة العلمية، وتفوح منه رائحة الإِخلاص والتجرّد في تصنيفه من الأغراض الدنيويَّة التي لا بدّ وأن تضفي على المصنَّف بركةً وقوةً في التأثير في النفوس، وتشعر النفوس بانجذابٍ إليها لصفائها، وسلامتها مما شابَ غيرها من الأغراض الدنيوية. ولا يزال يعيش الخلف عالةً على ما سطّرته أقلام السلف من تراثٍ ضخمٍ فني منه الشيء الكثير في ما مرّ على الأُمة الإِسلامية من حروب

طاحنة، ونقل منه ما نقل لخزائن مكتبات المستشرقين إبان غفوة الأُمة الإِسلامية واستهانتها بتراثها الضخم فملأت منه خزائن مكتبات أوربا. ومع هذا فقد بقي قسم ضخم ينتظر مَن يمدّ يده إليه ليُخرجه من غياهب سجنه، فيعيش عضواً فعّالًا في هذا المجتمع الإسلامي يؤدي دوره المطلوب منه. وإخراجٍ الكتب المخطوطة من المكتبات ينبغي أن يكون في ثوبٍ جذاب. خالياً مما يشوبه من التصحيف والتحريف الذي حدث فيها على أيدي النسّاخ. نقياً من الأخطاء النحوية التي تكدّر الصفاء، منسقاً منظماً بعناوين بارزة، وفهارس تنبئ عما يحتويه الكتاب فيوفر الوقت على الناظر فيه، ويسهّل الوصول إلى المراد. ولا سبيل لذلك إلا بتحقيق الكتاب قبل نشره بجمع جميع نسخه ومقابلتها، وتحقيق مادته العلمية تحقيقاً دقيقاً. وكتاب التحصيل كسائر الكتب المخطوطة كان في أمسّ الحاجة لمن يميط عنه اللثام، ويزيل عنه النقاب فيُظهره وضّاءً في ثوبٍ جذاب ظاهر العناوين، بارز الفقرات خالٍ من التصحيف والتحريف، تحيط به فهارس ترشد الناظر فيه لما يريده في يُسرٍ وسهولة، وتحفّ به أبحاث وتعليقات تخبر مَن رآه عن قيمته العلمية، وتعرفه بمصنفه وتظهر طول باعه ورسوخ قدمه في هذا الفن وسائر الفنون، لأن معرفة شخصية المؤلف تبعث في النفوس الاطمئنان والثقة فيما تجده في الكتاب. فنسخ كتاب التحصيل العشر لم تخلُ كسائر نسخ المخطوطات - من اختلافات في ألفاظ كثيرة كما يظهر ذلك للناظر في هامش الجزء التحقيقي واضحاً جليّاً. وبعض هذه الألفاظ يخلّ بالمعنى إخلالاً بيِّناً، بل قد يؤدي إلى عكس المعنى المراد، وقد وجدتُ أن إحدى النسخ وهي النسخة التي رمزت لها في التحقيق "ب" قد حدث فيها تقديم وتأخير في ترتيب صفحاتها عند تجليدها وبعد كتابتها ولا يمكن إصلاح هذا الخلل إلا بمقابلتها بالنسخ الأُخرى. ولم يقف الأمر عند هذا بل وجدت سطوراً ساقطة بالكلية، وأحياناً كلماتٍ لا يمكن استدارك كل ذلك إلَّا بتحقيق الكتاب ومقابلة نسخه، ولو خرجت كل نسخةٍ على ما هي عليه لظهرت أخطاء علمية ولغوية يصعب تلافيها.

والتحصيل في حاجة أيضاً لتحقيق مادته العلمية، والتأكد من صحة نسبة الأقوال إلى أصحابها، وتوضيح بعض الإِبهامات والغموض الناتج عن الاختصار. وهو لم يخلُ من مواضع وقع فيها غموض وإيهام غير الظاهر، وقد تعرضت لبيان ذلك في المبحث المتقدم الذي بحث فيه مسلك الأرموي في اختصار المحصول، ومن هذا الغموض ما كان نتيجةً لدمج مسألتين في مسألةٍ واحدةٍ. وأما المادة العلمية فالقاضي سراج الدين الأرموي - رحمة الله - مختصر ملتزم بالمحصول في آرائه، إلا ما نبّه عليه من اعتراضات وتنبيهات على أدلة ضعيفة وإضافة أُخرى أقوى منها في نظره. ولذا وجدت أنه تابعِ الإِمام الرازي في المحصول، وربما الإِمام الرازي - رحمه الله - تابع من قبله في هفواتٍ علميةٍ قد تكون تصحيفاً تابع فيه اللاحق السابق ومن ذلك: قد ورد في التحصيل (¬1) أن الذي قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ما منعك أن تستجيب وقد سمعت قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}. لما دعاه فلم يجبه لأنه كان في الصلاة هو أبو سعيد الخدري. وبعد الرجوع للمحصول وجدت الأمر كما في التحصيل، ونظرت الأحكام لسيف الدين الآمدي فوجدت الأمر كما في التحصيل أيضًا. وأما كتب السنة التي أوردت الحديث ومن بينها صحيح محمد بن إسماعيل البخاري، ذكرت أن صاحب القصة هو أبو سعيد بن المعلى وليس أبا سعيد الخدري. وما كان يعرف ذلك بدون تخريج الحديث من كتب السنة. ونظير ذلك ورد في جميع نسخ التحصيل (¬2) تبعاً للمحصول لفخر ¬

_ (¬1) انظر القسم التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 279، وفتح الباري طبع السلفية 8/ 307، والفتح الكبير 3/ 125، والاستيعاب 4/ 90. والبخاري أول كتاب التفسير وسنن أبي داود كتاب الصلاة، وجامع الأصول في كتاب الفضائل. (¬2) انظر القسم التحقيقي من هذا الكتاب ص 2/ 255، والفتح الكبير 3/ 368، مجمع الزوائد 4/ 196.

الدين الرازي أن راوي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقض في شيءٍ واحدٍ بحكمين مختلفين". هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وبعد تقصّي كتب الحديث عند تخريجه، وجدت أن أبا بكر ليس من رواة هذا الحديث، بل راويه هو أبو بكرة. وقد تأكدت من أن التصحيف قد وقع في المحصول والتحصيل، وليس في كتب الحديث، لأنه في إحدى طرقه في معجم الطبراني الكبير عن عبد الرحمن بن حوشب قال كتب أبو بكرة إلى ابنه وهو عامل على سجستان: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقضيَنَّ أحد في أمر قضاءين". ولم تكن سجستان قد دخلت تحت ظل الدولة الإِسلامية في عهد الخليفة الراشد أبي بكر رضي الله عنه، ولم نعلم أحداً من أولاده وليّ سجستان. ومن ذلك أيضاً ما ورد في جميع نسخ التحصيل (¬1) تبعاً للمحصول، أن القائل ليزيد بن المهلب بن أبي صفرة: أمرتك أمراً جازماً فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإرادة نادماً هو الحباب بن المنذر. والحباب بن المنذر هو الصحابي الجليل صاحب المشورة في غزوة بدر بردم العيون، وهو لم يعش إلى إمارة يزيد بن المهلب. وبعد طلب هذا البيت في بطون كتب الأدب والتواريخ مدة طويلة، وجدت في تاريخ بغداد وفي تاريخ الطبري أن قائله هو الحصين بن المنذر الرقاشي البصري، حامل راية بكر بن وائل في معركة صفين وكان في جيش علي رضي الله عنه. وكيف يمكن معرفة هذا التصحيف الذي تابع فيه القاضي سراج الدين الأرموي فخر الدين الرازي في المحصول لولا البحث عن مكان ورود البيت أثناء تحقيق النص. ونظير ذلك كثير محله هوامش القسم التحقيقي. ¬

_ (¬1) انظر القسم التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 270، وتاريخ الطبري 6/ 396، وتاريخ بغداد 6/ 290.

وقد ورد في التحصيل تبعاً للمحصول نسبة بعض الأقوال لبعض العلماء بصورة قاطعة، مع أن أولئك العلماء لم يقولوا بذلك بل وردت عباراتٍ في كتبهم توهم ذلك فنسبت لهم أقوالٌ لم يقولوها. ومثال ذلك ما ورد في التحصيل (¬1) تبعاً للمحصول من أن الإِمام حجة الإِسلام الغزالي - رحمه الله - يقول: إنه لا بدّ من تحقّق العقاب على ترك الواجب. وبعد الرجوع للمستصفى للتحقّق من صحة نسبة هذا القول إليه، وجدت أن الإِمام الغزالي - رحمه الله - قد زيَّف التعريف الذي يقول: بأن الواجب ما يعاقب على تركه. ثم قال: لأنه قد يعفى عن العقوبة، وزيف تعاويف أُخرى، ثم نقل تعريف القاضي أبي بكر الباقلاني - رحمه الله -، وهو: (ما يذم تاركه ويلام شرعاً بوجه ما). ولم يعترض عليه ثم نقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه قال: (لو أوجب الله علينا شيئاً ولم يتوعد بعقاب على تركه لوجب، فالوجوب إنما هو بإيجابه لا بالعقاب). ثم قال الغزالي: (وهذا فيه نظر، لأنه ما استوى فعله وتركه في حقنا فلا معنى لوصفه بالوجوب، إذ لا نعقل وجوباً إلّا بأن يترجح فعله على تركه بالإِضافة إلى أغراضنا، فإذا اقتضى الترجيح فلا معنى للوجوب أصلًا). انتهى ما ورد في المستصفى. ولا أدري كيف نسب هذا القول للغزالي - رحمه الله - حيث إنه لم يصرّح بتحقق العقاب على ترك الواجب، بل زيّف التعريف الذي دل على ذلك، ولعلّ هذا قد صدر عنه في كتاب غير المستصفى، ولكن المعتمد في أقواله ما جاء في المستصفى، لأنه آخر ما صنّف في فن الأُصول وظهر فيه استقلال شخصيته وأما قوله: (وفيه نظر). بعد نقله ما نقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني ليس كافياً في نسبة هذا القول إليه، بل قد يكون النظر من جهة أُخرى. ¬

_ (¬1) انظر القسم التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 311، وانظر المستصفى طبع الفنية المتحدة ص 80.

ومن ذلك ما ورد في التحصيل (¬1) تبعاً للمحصول ومعظم كتب الأصول كمختصر ابن الحاجب والأحكام لسيف الدين الآمدي من أن الإِمام الشافعي - رحمه الله - يقول بأن العبرة بخصوص السبب وليس بعموم اللفظ، وسبب ما وقع فيه الأُصوليون من الخطأ في نسبة هذا القول للإِمام الشافعي أن إمام الحرمين في البرهان قال: (إنه الذي صح عندي من مذهب الشافعي). ثم نقله عنه الإِمام الرازي في المحصول وغيره من علماء الأُصول. والصحيح أن الإِمام الشافعي - رحمه الله - قد نصّ على أن السبب لا أثر له، فقال في الأُم في باب ما يقع به الطلاق ما نصه: (وما يصنع السبب شيئاً إنما يصنعه الألفاظ، لأن السبب قد يكون ويحدث الكلام على غير السبب. فإذا لم يصنع السبب بنفسه شيئاً لم يصنعه لما بعده، ولم يمنع ما بعده أن يصنع ما له حكم)، وهذا يدفع ما نسبه إمام الحرمين للإِمام الشافعي. والِإمام فخر الدين الرازي - رحمه الله - قد كشف عن عدم صحة هذه النسبة للإِمام الشافعي في كتابه مناقب الشافعي، حيث قال: (إنه التبس على ناقل هذا القول عن الشافعي، وذلك لأن الإِمام الشافعي - رحمه الله - يقول: إن الأَمة تصير فراشاً بالوطء حتى إذا أتت بولد يمكن أن يكون من الوطء لحقه سواءً اعترف به أم لا لقصة عبد بن زمعة لما اختصم هو وسعد بن أبي وقاص في المولود. فقال سعد: هو ابن أخي عهد إليَّ أنه منه. وقال عبد بن زمعة هو أخي، ولد على فراش أبي من وليدته فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، الولد للفراش وللعاهر الحجر، وذهب أبو حنيفة إلى أن الأَمة لا تصير فراشاً بالوطء، ولا يلحقه الولد إلَّا إذا اعترف به، وحمل الحديث المتقدم على الزوجة وأخرج الأمة من عمومه. فقال الشافعي: إنَّ هذا قد ورد على سبب خاص وهي الأمة لا الزوجة، قال الإِمام. فخر الدين الرازي فتوهم الواقف على هذا الكلام أن الشافعي يقول: إنَّ العبرةَ بخصوص السبب ومراده أن خصوص السبب لا يجوز إخراجه عن العموم بالإِجماع، والأمة هي السبب في ورود العموم فلا يجوز إخراجها). ¬

_ (¬1) انظر القسم التحقيقي من هذا الكتاب ص 1/ 402، نهاية السول طبع صبيح 2/ 132.

وما تقدم يُظهِر مدى الحاجة لمقابلة النسخ قبل نشر الكتاب، ومدى الحاجة لتحقيق النَص بالتأكد من صحة نسبة الأقوال لأصحابها، وتظهر ضرورة تخريج الأحاديث والأشعار والآثار وذلك لتصحيح ما ورد في الكتاب من تصحيف وتحريف أثناء النسخ، وكانت الحاجة أيضًا ماسّة لتخريج الآيات القرآنية بذكر اسم السورة التي وردت فيها ورقمها في السورة مع التأكد من صحتها وفعلاً وجدت أيضاً بعض الأخطاء - وإن كانت يسيرة في بعض الآيات. ولقد كانت عدد الآيات الواردة في النص ليست بالقليلة فقد بلغت ثلاثمائة واثنتين وأربعين آية، جعلت لها فهرساً خاصاً في آخر القسم التحقيقي، وأما الأحاديث النبوية والآثار فقد بلغت في النص ثمانية أحاديث ومائتين، وأفردتها أيضاً بفهرس خاص في آخر القسم التحقيقي. وأما الأشعار والأمثال فكانت قليلةً جداً حيث بلغت واحداً وعشرين نصاً. لقد كان من الضروري أيضاً أثناء التحقيق الترجمة لبعض الأعلام الواردة في النص، وذلك لمعرفة ما لهم من مصنفات وزمن وفاتهم ليكون الناظر في الكتاب على بصيرةٍ مما يجده منسوباً لهم، وقد بلغ عدد الأعلام المترجم لهم مائة وخمسة وثمانين علماً. كانت الترجمة لبعضهم في غاية المشقّة، وذلك لورود الاسم مصحفاً أحياناً، وورود اسمه فقط أو كنيته فقط وهو غير مشهور بذلك مثل أبي خازم القاضي، ومثل الحاكم صاحب المختصر ومثل ابن علية والقاشاني ومويس بن عمران. ولكن بحمد الله بعد البحث والتدقيق في بطون الكتب الناقلة عنهم استطعت كشف التصحيف ومعرفة المجهول منهم. وكذلك ترجمت للطوائف والفِرَق الواردة في النص، وذكرت أرقام الصفحات التي وردت فيها وجعلت لها فهرساً في آخر القسم التحقيقي. أما القسم الدراسي فكانت فائدته لا تقلّ عن القسم التحقيقي، والنتائج فيه تربو على القسم التحقيقي. فالقاضي سراج الدين الأرموي - رحمه الله - قبل التنقيب عن آثاره والبحث عن شخصيته لم تكن شخصيته واضحةَ المعالم بارزة الحدود. فقد كان في أذهان العلماء مرتبطاً فقط

بالتحصيل الذي يذكر تبعاً كلما ذكر المحصول ولا يعرف ما يحتويه هذا الكتاب، ومرتبطاً أيضاً بكتابه المشهور مطالع الأنوار في المنطق والحكمة، والآن ظهرت شخصيته على حقيقتها فقد استطعنا معرفة أربعة عشر مصنفاً له لم يطبع منها إلَّا ثلاثة فقط، ومؤلفاته موزعة في علوم شتى وليست محصورة في أصول الفقه والمنطق. وشخصيته لم تكن واضحةً لعامة الناس فحسب، بل التبس أمره على أعظم مَن اشتغل بمعرفة أحوال العلماء ومصنفاتهم، وهو صاحب هداية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين إسماعيل باشا البغدادي (¬1)، الذي نسب للقاضي سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي ثلاثة مصنفات ليست له. بل هي لأرموي آخر اشترك معه في الاسم واسم الأب والنسبة وهو محمود بن أبي بكر الأرموي الصوفي المتوفى سنة 722 هـ بدمشق. وهذه الكتب الثلاثة هي: 1 - تهذيب المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده في اللغة. 2 - ذيل النهاية لابن الأثير في غريب الحديث. 3 - مختصر شرح السنّة للبغوي. وبعض مَن ترجم له ذكر في مصنفاته أيضاً لوامع الأسرار، وهو ليس له، بل هو شرح لكتابه مطالع الأنوار لقطب الدين الرازي التحتاني المتوفى سنة 766 هـ. وجميع التراجم التي اطّلعت عليها للقاضي سراج الدين الأرموي - رحمه الله- لم تظهره كما هو حيث لم تذكر له إلَّا جزءاً من مصنفاته، ولعل كونه عاش فترة نضوجه العلمي في بلاد الروم من أهم الأسباب في ذلك، وعندما أدركت هذه النقطة طفقت أبحث عن شخصيته من خلال الكتب المدونة بالفارسية والتركية، وفعلاً حصلت على نتائج باهرة ومعلومات قيِّمة، واكتشفت له مصنفات لم تذكرها له التراجم في الكتب العربية ومن ذلك: ¬

_ (¬1) انظر هداية العارفين 2/ 406، طبع إستانبول سنة 1955 م.

1 - شرح الوجيز لأفضل الدين الخونجي. 2 - شرح كتاب التهذيب للشيرازي في الجدل. 3 - رسالة في علم الكلام عثرت عليها بطريق الصدفة في مكتبة الحرم المكّي أثناء مطالعتي فيها. 4 - ذكرت التراجم العربية أن له أسئلة على المحصول نقلاً عن فهارس المخطوطات، وبعد مطالعة هذه المخطوطة المُشار إليها، وجدت أنها ليست الاعتراضات المعروفة التي أثبتها في التحصيل، بل هو كتاب ضخم أشبه بالشرح للمحصول وقد سمّاه (مقاصد العقول من معاقد المحصول). وقد شرحت كل هذا مفصلًا في فصل مصنفاته من القسم الدراسي. ولعل المستقبل يكشف عن مصنفاتٍ أُخرى للقاضي الأرموي- رحمه الله- ومن خلال بحثي في الكتب الفارسية عرفت أنه كان يقرض الشعر، وقد وصفه معاصروه بأنه وصل لمرتبة الاجتهاد. وأما بالنسبة لمنزلته وفضله، فقد كشفتُ عن المناظرات التي كان يحضرها برفقة سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام في ردهات قصور بني أيوب، وأثبتُ سفارته للإمبراطور فردريك الثاني من قِبَل سلاطين بني أيوب، وكشفتُ النقاب عن ما وصل إليه من الجاه والمنصب في دولة سلاجقة الروم حيث كان قاضياً للقضاة. ومن خلال دراسة شخصية القاضي سراج الدين الأموري- رحمه الله- في كتب التراجم والتواريخ العربية والفارسية والتركية ظهر- رحمه الله- أنه من كبار علماء عصره وأنه متقن لشتى الفنون، وخاصة علمي أُصول الفقه والمنطق والحكمة، وأنه مصنف متقن واضح الشخصية فيما كتب وليس إمعةً يقول كما يقول غيره بدون سَبْر وتمحيص. فكان يُبدي رأيه ويظهر ما يتلجلج في صدره ومع هذا كان كريم الخلق لطيف العبارة، بعيداً عن مُماراة العلماء، ولذا كان يبدأ ما يعنّ له من ملاحظات بقوله: ولقائلٍ أن يقول:

وهذه الملاحظات تدل على دقةِ فهمه وشدةِ فطنته ورسوخ قدمه في فنه، فرحم الله القاضي الأرموي تلقاء ما قدم للمكتبة الإسلامية من تراث ضخم. ونفع الله طلبة العلم بما أنتج إنه سميع مجيب، وسبحان ربك رب العزّة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مراجع القسم الدراسي

مراجع القِسم الدّراسي - إتمام الدراية لقرّاء النقاية: لجلال الدين السيوطي، طبع بمصر بالمطبعة الميمنية بهامش العلوم للسكاكي سنة 1317 هـ. - آداب الشافعي: لأبي حاتم الرازي طبع السعادة سنة 1372 هـ، تحقيق الدكتور عبد الغني محمد عبد الخالق. - أُصول أبي زهرة: طبع دار الثقافة العربية للطباعة سنة 1973 م. - أُصول السرخسي: تحقيق أبي الوفا الأفغاني، طبع دار الكتاب العربي سنة 1372 هـ. - أُصول الخضري: الطبعة الخامسة سنة 1965 م، طبع مطبعة السعادة بمصر. - الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل: تأليف قاضي القضاة مجير الدين الحنبلي طبع دار الجيل ببيروت سنة 1973 م. - آثار البلاد وأخبار العباد: لأبي الحسين زكريا القزويني، المتوفى سنة 682 هـ. - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: لمحمد بن علي الشوكاني، الطبعة الأولى سنة 1348 هـ بمطبعة السعادة بالقاهرة. - تاريخ التشريع الإِسلامي: للخضري، مطبعة عيسى البابي الحلبي سنة 1343 هـ. - تاريخ التشريع الإِسلامي: لعبد اللطيف السبكي وجماعة، طبع الاستقامة سنة 1946 م.

- تاريخ المذاهب الإِسلامية: لمحمد أبي زهرة، طبع دار الفكر العربي سنة 1976 م. - تاريخ ابن خلدون المسمى بالعبر وديوان المبتدأ والخبر: طبع الأعلمي بيروت سنة 1391 هـ. - تاريخ الإِسلام السياسي والديني: للدكتور حسن إبراهيم حسن، طبع النهضة المصرية سنة 1967 م. - تاريخ الخلفاء: للسيوطي تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الثالثة سنة 1383 هـ بمطبعة المدني. - تأويل مختلف الحديث: لابن قتيبة الدنيوري المتوفى سنة 276 هـ، طبع دار القومية العربية للطباعة والنشر سنة 1386 هـ. - تراث العرب العلمي: لقدري طوقان، طبع دار مصر للطباعة بدون تاريخ. - ترجمة المثنوي: لمحمد بن عبد السلام كفافي، طبع صيدا المكتبة العصرية. - التعريف بالمؤرخين: للعزاوي، طبع بغداد سنة 1957 م. - التمهيد: لجمال الدين الأسنوي، الطبعة الثانية 1387 هـ، طبع مكتبة النهضة العربية بمكة. - توالي التأسيس بمعالي محمد بن إدريس: لابن حجر العسقلاني، طبع بولاق سنة 1301 هـ. - تهذيب الأسماء واللغات: للنووي، طبع المنيرية القاهرة. - جامع كرامات الأولياء: تأليف يوسف بن إسماعيل النبهاني المتوفى 1350 هـ، تحقيق إبراهيم عطوة طبع مصطفى البابي الحلبي سنة 1394 هـ. - الدارس في تاريخ المدارس: للنعيمي، تحقيق جعفر الحسني دمشق سنة 1370 هـ. - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: لابن حجر العسقلاني، تحقيق محمد سيد جاد الحق طبع مطبعة المدني. - ذيل مرآة الزمان: طبع حيدر أباد الهند سنة 1955 م.

- ذيل الروضتين: لأبي شامة المقدسي الدمشقي المتوفى سنة 665 الطبعة الثانية 1974 م، دار الجيل. - دليل المخطوطات: للسيد أحمد الحسيني، طبع المطبعة العلمية- سنة 1397 هـ. - الرسالة: للإِمام الشافعي، تحقيق أحمد محمد شاكر مطبعة الحلبي سنة 1358 هـ. - رحلة ابن بطوطة: طبع دار التراث بيروت. - ريحانة الأدب في تراجم المعروفين بالكنية واللقب: تأليف محمد علي مدرس. - السلوك في أخبار دول الملوك: للمقريزي، تحقيق الدكتور محمد مصطفى زيادة طبع القاهرة سنة 1941 م. - سيرة صلاح الدين الأيوبي: لأبي شداد، تحقيق الدكتور جمال الدين الشيال الطبعة الأولى سنة 1964 م. - الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية: لأحمد مصطفى طاش كبري زادة المتوفى سنة 968 هـ، المطبوع على هامش وفيات الأعيان بالمطبعة الأميرية. - الشيعة وفنون الإِسلام: للسيد حسن الصدر طبع صيدا سنة 1331 هـ. - الطالع السعيد الجامع لأسماء فضلاء الصعيد: لكمال الدين جعفر بن تغلب الأدفوي الشافعي المتوفى سنة 749 هـ. - طبقات الفقهاء: لأبى إسحاق الشيرازي، طبع بغداد سنة 1356 هـ، وطبع بيروت سنة 1970 م. - العقد المنظوم في ذكر أفاضل الروم: بهامش الجزء الثاني لوفيات الأعيان بولاق 1299 هـ. - الفتوح: للبلاذري، طبع مطبعة الموسوعات القاهرة سنة 1319 هـ. - فرق الشيعة: للنوبختي طبع محمد كاظم الكتبي القاهرة سنة 1959 م. - الكنى والألقاب: للشيخ عباس القمي، طبع المطبعة الحيدرية بالنجف الأشرف سنة 1376 هـ.

- الموسوعة الثقافية: بإشراف الدكتور حسين سعيد، طبع دار الشعب سنة 1972 م، حقوق الطبع لمؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر بالقاهرة. - مذكرة في تاريخ علم أُصول الفقه: لفضيلة أُستاذنا الدكتور عبد الغني محمد عبد الخالق لم تطبع. - مشكل الآثار: لأبي جعفر الطحاوي، طبع دائرة المعارف النظامية الكائنة بحيدر آباد الدكن بالهند سنة 1333 هـ. - المعرفة: للحاكم النيسابوري دار الكتب سنة 1937 م. - مناقب الشافعي: للشيخ مصطفى عبد الرازق. - مناقب الشافعي: لفخر الدين محمد بن عمر الرازي، طبع حجر القاهرة سنة 1279 هـ. - نكت الهميان: للصفدي تحقيق أحمد زكي، طبع الجمالية بمصر سنة 1911 م.

المراجع غير العربية

المراجع غير العربيّة - الأوامر العلائية في الأمور العلائية: لحسين محمد علي الجعفري الرودكي الشهير بابن بي بي المتوفى سنة 679 هـ، طبع بأنقرة سنة 1956 م. - بزورزم: للعزيز الأسترابادي، طبع إستانبول سنة 1928 م. - مكتوبات مولانا جلال الدين الرومي: طبع إستانبول سنة 1356 هـ. - مسامرة الأخبار ومسايرة الأخبار: لكريم الدين محمود الآقسرائي، طبع بأنقرة سنة 1944 م. - مناقب العارفين: لأحمد الأفلاكي المولوي، طبع بأنقرة سنة 1959 - 1961 م. - مناقب الشيخ أوحد الدين الكرماني: مجهول المؤلف، طبع في طهران سنة 1969 م. - لطائف الحكمة: تأليف سراج الدين الأرموي، بتصحيح غلامجسين يوسفي بطهران. - رسالة فريدون بن أحمد سبهسالار. - رسالة در أحوال مولانا جلال الدين الرومي. - لغت نامة دهخدا (دائرة المعارف الفارسية). - دانشمندان أذربيجان. 1 - Brocklman,g,1614,s,1\ 848,649. 2 - Mingana Catalugae of Arabic manuseripts. 669. ملاحظة: لم أذكر جميع المراجع المستعملة في القسم الدراسي، حيث أن بعضها قد ذكر في القسم التحقيقي.

التحصيل من المحصول تأليف سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي المتوفي سنه 682 هـ دراسة وتحقيق الدكتور عبد الحميد على أبو زنيد القِسْم التَحقِيقيّ الجزء الأوّل

مقدمة المصنف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (¬1) رَبّ تَمِّم بفضْلِكَ (¬2) نحمدك اللَّهمّ والحمد من نعم أوليت ومنح أسديت (¬3) ونستعين بك والتوفيق للاستعانة بك من قدر قدرت وقضاء قضيت ونسترشدك ونستهديك، فاهدنا الى سبيل (¬4) الرشاد وسواء الصراط، ولا تزغنا بعد اذ هديت. واسرِ ¬

_ (¬1) أ - لم يقدم كاتبها شيئاً على قول القاضي الأرموي. ب- قال كاتبها: قال سيدنا ومولانا الإمام العلّامة سراج الدين الأرموي منَّع الله المسلمين بطول مدته وصرف المكاره عن سدّته. جـ- قال كاتبها: قال مولانا وشيخنا العلّامة فريد الدهر وحيد العصر مظهر الدقائق كاشف الحقائق ملك العلماء والأفاضل أفضل المتقدمين والمتأخرين سراج الملّة والدين حجة الإسلام والمسلمين أبو الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي قدّس الله سرّه. د- قال كاتبها: قال مولانا وشيخنا الإمام العلّامة فريد الدهر وحيد العصر مظهر الدقائق كاشف الحقائق ملك العلماء والمتكلمين سراج الحق والدين قاضي قضاة المسلمين أبو الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي أدام الله ظلال معاليه. هـ- قال كاتبها: قال شيخنا وسيدنا وإمامنا وعلّامة دهرنا الشيخ الإمام العالم العامل الكامل سيد العلماء وأوحدهم بقية السلف سراج الدين أبو الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي أمتعنا الله بطول حياته آمين. (¬2) في "هـ" وما توفيقي الا بالله عليه توكلت وفي "ب" وبه أستعين. (¬3) وفي "جـ" ابتديت. (¬4) في "أ، ب، جـ، د" (سبل) ورجحنا ما في "هـ" لأسباب ثلاثة الأول: أن "هـ" مقابلة على أصل المصنف. الثاني: محاكاةً لقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}. الثالث: لقول علماء أُصول التفسير أن سبيل تأتي مفردة إذا أُريد طريق الحق لأنه واحد لا يتعدّد وإذا أُريد طرق الباطلٍ جاءت مجموعة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية خطّ خطاً واحداً وجعل عليه خطوطاً كثيرةً وتلا الآية.

بأرواحنا إِلى معارج قدسك ومدارج (¬1) أنسك فيمن بروحه (¬2) أسريت. وأجر على قلوبنا من سبحات جلالك ونفحات كمالك خير ما على قلوب خلائقك (¬3) أجريت. وأمددنا بالإعانة على الإِبانة (¬4)، وأملنا على الغواية إلى الدراية. ولا تجعلنا من جملة مَن أضللت. ولا تحشرنا في زمرة مَن أغويت. ونبتهل إِليك ونرغب في أن تصلي على جملة أنبيائك وحَملة أنبائك أفضل ما على أحدٍ صليت، واخصص من بينهم بأجل تسليم سلمت وأكمل تحيةٍ حييت مولانا وسيدنا محمداً عبدك ورسولك وصفيّك وخليلك الذي بلغ ما أنزلت وأبلغ ما أوحيت، ثم (¬5) آله الخيرة النجباء وأصحابه البررة الكرماء الذين لم يعصوا ما أمرت ولا فعلوا ما نهيت وسلم تسليماً (¬6). (سبب اختصار المحصول وطريقة الأرموي في الاختصار) (¬7): أما بعد: فلقد كانت الهمم فيما قبل لا تقصر عن الارتقاء إلى المراتب القاصية، ولا تفتر دون الوصول إلى المطالب العالية. والآن فقد أفضى الحال بالُأمم في تقصير الهمم إلى أن استكثروا اليسير، واستكبروا النزر الحقير، حتى أن الكتاب الذي صنّفه الإِمام العالم العلّامة فخر الملّة والدين حجة الإِسلام والمسلمين ناصر الحق مغيث الخلق (¬8) محمد بن عمر الرازي نوَّر ¬

_ (¬1) وفي "هـ " موضع بدل مدارج. (¬2) وفي "أ" سقطت الباء. والصحيح "به" بدل بروحه لأن الإِسراء كان بالروح والجسد على الصحيح. (¬3) في جميع النسخ خلايقك بالياء بدل الهمزة وقد تكرر هذا في مواضع لا حصر لها في الكتاب وفي هذه الصفحة كُتبت (أنبيائك وأنبائك) (أنبيايك وأنبايك) وليس هذا مختصّاً بهذه المخطوطة بل وجدته في كثير من المخطوطات المكتوبة وهذا يخرج على التسهيل والتيسير في النطق. وقد أصلحت كل ما ورد من هذا القبيل بدون الإشارة إلى ذلك ومثله حذف همزة الممدود ومنه ورد في هذه الصفحة (النجباء والكرماء) فقد كتبتا (النجبا والكرما). (¬4) وفي "ب" الإنابة بدل الإبانة. (¬5) وفي "أ" (ثم على آله) والصحيح بدون "على" لأن (آله) معطوفة على (مولانا). (¬6) (وسلم تسليماً) لا توجد إلا في "أ". (¬7) هذا العنوان من وضع المحقّق. (¬8) سقط من "د" ناصر الحق ومغيث الخلق ولعلّ الناسخ أسقطها لما فيها من المبالغة حيث إن=

الله ضريحه في أُصول الفقه وسمَّاه بالمحصول مع نظافة نظمه ولطافة حجمه يستكبره (¬1) أكثرهم ولا يقبل عليه أيسرهم على أنه يشتمل من الفوائد على جملٍ كافية ويحتوي (¬2) من الفرائد على قوانين متوافية. ثم أن بعض مَن صدقت فيه رغبته وتكاملت فيما يحتويه محبته التمس منّي أن أُسهّل طريق حفظه بإيجاز لفظه ملتزماً بالإِتيان (¬3) بأنواع مسائله وفنون دلائله مع زيادات من قِبلنا مكمّلة وتنبيهات على مواضع منه مشكلة لاعلى سبيل استيفاء الفكر واستكمال النظر لإِخلاله بالمقصود من هذا المختصر ... فأجبته (¬4) إليه مستعيناً ومتوكلًا عليه وسمّيته بتحصيل الأصول من كتاب المحصول ليتوافق اسمه ومسماه ويتطابق لفظه ومعناه والله الموفق والمعين (¬5)، وعليه أتوكل وبه أستعين. ¬

_ = المغيث هو الله جلّ شأنه وقد يوصف الإِنسان بهذا الوصف لكن ينبغي أن يكون مقيداً ولا يكون عامَّاً شاملاً للخلق. (¬1) وفي "أ" استكبره وفي "ب" يستكثره (وكله متقارب). (¬2) وفي "هـ" وتحتوي على أن الضمير فيها راجع للجمل. (¬3) وفي "هـ" الإتيان بدون الباء. (¬4) في "ب، جـ" "وأجبته". وفعلاً قد وفى القاضي الأرموي رحمه الله بما وعد وقد أتى بما قطع به على نفسه في منهج الاختصار. فالتزم بالمحصول من حيث ترتيب المادة العلمية التي فيه. وقد أتى تقريباً بجميع مسائله وما تفرع عليها. وكان اختصاره كما قال من جهة اللفظ لا من جهة المعنى غير أنه تصرف رحمه الله في تقسيمات الكتاب إلى أبواب وفصول ولم يلتزم بتقسيم الإمام الرازي رحمه الله وكان في ذلك موفّقاً ويظهر عليه الدقة ولم يكن في اختصاره ما يخلّ بالمعنى إلا في موضع أو موضعين نبّهت عليهما في مكانهما. وقد أضاف منه تعليقات واقتراحات وإشكالات على أدلة الإمام الرازي في نيِّف وثمانين موضعاً كان يبدؤها بقوله (ولقائل أن يقول) ولم يجب عليها وقد وضّحتها بالاستعانة بحل عقد التحصيل وبنهاية السول. وقد تكلمت بالتفصيل عن كل هذا في منهجه في الاختصار في القسم الدراسي من هذا الكتاب فليرجع إليه. (¬5) سقط الواو من "ب، جـ، هـ".

الكلام في المقدمات

الكَلَام في المقَدِّمَات (¬1) وَهي سَتّ (¬2) ¬

_ (¬1) جمع مقدمة. ومقدمة العلم: "ما يتوقف عليه في الشروع" ويفرّق بين المقدمة والمبادئ أن المقدمة أعمّ من المبادئ لأن المبادئ ما تتوقف عليه المسائل بلا واسطة والمقدمة ما تتوقف عليه المسائل بواسطة أو بلا واسطة (تعريفات الجرجاني 201). (¬2) جعل صاحب المحصول المقدمات في عشر فصول، وجعلها القاضي الأرموي في ست مقدمات، ولم يحذف من المادة العلمية شيئاً إلا أنه أدخل تحت بعض المقدمات أكثر من فصل.

المقدمة الأولى

المقدمة الأولى أُصول الفقه مركب (¬1). فيتوقف معرفته على معرفة مفرداته من حيث يصح تركبها. فالأصل (هو المحتاج إليه) (¬2). والفقه عند العلماء: (العلم بالأحكام (¬3) الشرعية العملية التي لا يعرف بالضرورة كونها من الدين إذا حصل (¬4) بالاستدلال على أعيانها) (¬5). وإنما جعل الفقه علماً لقطع المجتهد بوجوب العمل بموجب ظنه فالحكم معلوم وقع (¬6) الظن في طريقه وخرج عنه العلم بالذوات والصفات (الحقيقية) (¬7). ¬

_ (¬1) أي مركب إضافي والمركب الإضافي يتوقف معرفته على معرفة أجزائه، وهو ما ذهب إليه المصنّف وذلك من حيث صحة تركبها. وأما كونه علماً على هذا الفن الخاص فلا يتوقف معرفته على معرفة أجزائه. (¬2) وعرّفه أبو الحسين البصري بأنه: (ما يبنى عليه غيره) وعرّفه الآمدي: (ما يستند تحقّق الشيء إليه). وعرّفه صاحب الحاصل: (ما منه الشيء). (¬3) المقصود بالأحكام أنواعها وأصنافها الخمسة لا أشخاصها لعدم تناهيها. (¬4) وفي (أ) "حصلت". (¬5) تعريف الأرموي رحمه الله للفقه يخالف تعريف الإِمام الرازي في المحصول إذ تعريف الإمام هو: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المستدل على أعيانها بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة) وقد نبّه الإِمام بدر الدين التستري صاحب حل عقد التحصيل على أن تعريف القاضي الأرموي أدق وذلك لقوله: "بالاستدلال على أعيانها" بدلًا من (المستدل على أعيانها) لأن في تعريف الأرموي (دفع وهم سبق إلى أن علم المستفتي حصل بالاستدلال وهو لم يحصل بالاستدلال على نفس ذلك الحكم بل على مثل ما عند المجتهد فلذلك لا يسمى فقهاً والذي دفع الوهم قوله "على أعيانها" لأن علم المستفتي المأخوذ عن المفتي، حصل عليه الاستدلال ولكن ليس على عين الحكم). (¬6) سقطت كلمة (وقع) من "أ، د، هـ". (¬7) قيّد الإِمام في المحصول الصفات بالحقيقية وحذف القيد القاضي الأرموي رحمه الله. وإبقاء =

وبالأحكام (¬1) الشرعية العملية. العقلية والعلمية ككون الإِجماع (¬2) حجةً والعلم بوجوب الصوم والصلاة وعلم المستفتي (¬3). وإضافة اسم المعنى لغيره لاختصاص المضاف بالمضاف إليه في معنى لفظ (¬4) المضاف فإذن أُصول الفقه: "جميع طرق الفقه من حيث هي طرق وكيفيتي الاستدلال وحال المستدل بها" (¬5). والطريق: "ما يفضي النظر الصحيح- وهو ترتيب أُمور (¬6) مطابقة لمتعلقاتها في الذهن ليتوسل بها إلى غيرها- فيه إلى العلم أو الظن" (¬7). ¬

_ = القيد أحسن حيث أنه لم يحترز بقيود التعريف عن جميع الصفات لأن الأحكام صفات إضافية. لأنها خطاب الله وخطاب الله كلامه المتعلق بأفعال المكلفين وكلامه صفة له. (¬1) وفي "هـ" والأحكام وما في باقي النسخ أصح لأن التقدير وخرج بالأحكام. (¬2) لم يرتض جمال الدين الأسنوي في نهاية السول من صاحب التحصيل تبعاً للإمام في المحصولَ التمثيل بالعلم بأن الإِجماع حجة للمسائل العلمية. لأن هذا من المسائل العملية لأن معناه إذا وجد وجب على مَن علم أن الإِجماع حجة أن يعمل بمقتضاه وأن يفتي بموجبه ولا معنى للعمل إلا هذا، ونظيره العلم بأنه متى زنى الشخص وجب على الإمام حدّه وهو من الفقه. (نهاية السور 1/ 21). (¬3) لم يبيِّن القاضي الأرموي المحترزات بباقي قيود التعريف مع أن الرازي ذكرها. وهي: خرج بقوله لا يعرف كونها من الدين بالضرورة مثل الصلاة والصيام المعلومة من الدينٍ بالضرورة. وخرج بالاستدلال على أعيانها بما أخذه المقلّد من الأحكام فهو لا يسمى فقهاً لعدم أخذه الحكم بالدليل مع أن الأرموي ذكر الأمثلة فقط لتدل على ما خرج بالقيود. (¬4) وفي "هـ" لفظة. (¬5) تصرف الأرموي في التعريف الذي أورده الإِمام في المحصول رحمهما الله حيث أنه في المحصول (مجموع طرق الفقه على سبيل الإِجمال وكيفية الاستدلال بها وكيفية حال المستدل) فأبدل مجموع بجميع وأبدل على سبيل الإجمال "بـ" من حيث هي طرق. ودمج الكيفيتين اختصاراً. ولم يبيِّن القاضي الأرموي محترزات التعريف فقد خرج بقوله: "جميع طرق الفقه". العلم بباب واحد ككون القياس حجة وبقوله: "من حيث هي طرق". خرج الخلافي والفقيه حيث أنهما يبحثان في حجيَّة الدليل في مسألة معينة. (¬6) المقصود بأُمور: أمران فصاعداً. (¬7) المقصود بقوله: "إلى العلم أو الظن" إن بعض ما ينظر فيه يفضي للعلم والبعض الآخر يفضي للظن، فما أفضى للعلم سُمي دليلاً، وما أفضى للظن سمي أمارة. وهذا الإطلاق موافق لما عليه المتكلمون وهو مخالف لما عليه معظم الأصوليين حيث عرف الأصوليون الدليل أنه ما =

(المقدمة) الثانية

والأول يسمى دليلاً، والثاني أمارة. والكيفية الأولى: بيان شرائط الاستدلال والثانية: بيان وجوب الاجتهاد على المجتهد والاستفتاء على غيره. (المقدمة) الثانية إذا تصور أمر وحكم به على غيره كان تصديقاً (¬1). فإن كان جازماً كان جهلاً (¬2) إن لم يطابق، وتقليداً (¬3) إن طابق ولم يكن لموجب. وعِلماً (¬4) إن كان لموجب عقلي أو حسّي أو مركب. والأول يسمى علماً بديهياً (¬5) إن كفى تصور طرفيه لحصوله، وإلا نظرياً (¬6) والثاني عِلماً بالمحسوسات. والثالث بالمتواترات إن كان الحس سمعاً. وإلا فبالمجربات (¬7) أو بالحدسيات (¬8). وإن لم يكن جازماً وتساوى طرفاه سُمي شكاً (¬9) وإلا فالراجع ظناً (¬10) والمرجوح وهماً. ¬

_ = يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري سواء أكان قطعياً أم ظنياً. وعلى هذا فالدليل يتناول الأمارة. وقال صاحب المواقف ص 67 وقد يخصّ بالقطعي ويُسمى الظني أمارة. (¬1) التصديق: هو تصور أمر وحكم به على غيره. (¬2) الجهل: عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع. (التعريفات ص 71). (¬3) التقليد: عبارة عن قبول قول الغير بلا حجة ولا دليل. (تعريفات الجرجاني ص 57). (¬4) العلم: هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع. (تعريفات الجرجاني ص 135). (¬5) البديهي: هو الذي لا يتوقف حصوله على نظر كالتصديق بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان. (تعريفات الجرجاني ص 37). (¬6) النظري: هو الذي يتوقف حصوله على نظر وكسب. (تعريفات الجرجاني ص 216). (¬7) المجربات: هي ما يحتاج العقل فيها في جزم الحكم إلى تكرار المشاهد مرة بعد اخرى. كقولنا: شرب السقمونيا يسهل الصفراء. (تعريفات الجرجاني: ص 178). (¬8) الحدسيات: هو ما لا يحتاج العقل في جزم الحكم فيه إلى واسطة بتكرر المشاهدة كقولنا: نور القمر مستفاد من الشمس. (تعريفات الجرجاني: ص 73). (¬9) الشك: هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك. وقيل الشك: ما استوى طرفاه وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما (التعريفات: ص 113). (¬10) الظن: هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض وقيل: الظن أحد طرفي الشك بصفة الرجحان. (تعريفات الجرجاني: ص 125).

تنبيهان

تنبيهان (¬1) الأول (¬2): من التصور ما هو بديهي وإلَّا لدار أو تسلسل وهما يمنعانه. والعلم منه (¬3) إذ كل أحدٍ يعلم أنه عالم بجوعه وشبعه بلا كسب. والتصديق مسبوق بالتصور وكذا الظن. الثاني: الظن هو الاعتقاد الراجح من اعتقادي الطرفين ويغايره اعتقاد الراجح من الطرفين فقد لا يكون معه اعتقاد آخر. والأول: ظن صادق أو كاذب والثاني: فيه التقسيم من رأسي (¬4). (المقدمة) الثالثة قال أصحابنا (¬5): الحكم الشرعي: هو الخطاب (¬6) المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير. لا يقال: هذا يقتضي قِدم الحكم وأنه يمنع من وصف الفعل بالحل، ومن صِدقِ قولنا: حلَّ هذا بعد أن لم يحل، ومن تعليله بالحادث كالملك وخروج (¬7) الحكم بالسببية والشرطية والصحة والفساد. وتعلق الضمان بفعل الصبي. لأن الحكم يحل (¬8) الفعل. قوله: ¬

_ (¬1) تنبيهان مثنى تنبيه. والتنبيه ما يكون معلوماً من السابق إجمالاً ثم يذكر مفصلاً. وقيل: هو الدلالة عمّا غفل عنه المخاطب. (تعريفات الجرجاني: ص 59). (¬2) في (أ، د، هـ) "فا" بدل الأول وفي "ب، جـ" لم يذكر شيء. (¬3) أي من التصور البديهي. (¬4) إشارة إلى التقسيم المذكور في المسألة الثانية المتقدمة. (¬5) المراد بأصحابنا هنا الأشاعرة كما نبّه على ذلك التستري في حل العقد. لوحة: 4. (¬6) لم ينسب القاضي سراج الدين الأرموي الخطاب لله تعالى كما فعل الإمام في المحصول ولكن صاحب الحاصل أضافه لله تعالى ثم تابعه على ذلك البيضاوي في المنهاج واستحسنه الأسنوي في نهاية السول. وقال الأسنوي: لو لم يضف الخطاب لله تعالى لكان قول القائل لغيره افعل حكماً شرعياً وهو ليس كذلك وأجاب عمّا يرد عليه أنه غير جامع حيث لا تدخل الأحكام الثابتة بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبفعله وبالإجماع وبالقياس بأن هذه معرفات لا مثبتات. نهاية السول. 1/ 31. (¬7) معطوفة على قدم الحكم فهو اعتراض ثاني على كون التعريف غير جامع. (¬8) وفي "هـ" بحل.

رفعت الحرج عن فاعله (¬1) والفعل متعلقه (¬2) وهو لا يتصف بالمتعلق وإلا ¬

_ (¬1) لم يتقدم في قول المعترض على التعريف "رفعت الحرج عن فاعله" والذي تقدم هو وصف الفعل بالحل والمعنى واحد وكان يحسن من القاضي الأرموي رحمه الله إيراد لفظ المعترض الذي أورده. ولم يبيَّن القاضي من المعترض على التعريف وفي الحقيقة هم المعنزلة وتوجيه اعتراضات المعتزلة كما يلي: أولًا: اعترضوا على تعريف الحكم بالخطاب بأنه يقتضي قدم الحكم لامتناع حدوث الحكم مع قدم الخطاب لأن خطاب الله كلامه وكلامه قديم والحكم لا يمكن أن يكون قديماً لثلاثة أوجه هي: - الأول: لو كان قديماً لامتنع أن يكون وصفاً لفعل العبد لامتناع كون القديم صفة للحادث واللازم منتفٍ لصحة قولنا هذا وطء حلال وهذا وطء حرام. - الثاني: لو كان الحكم قديماً لمنع قولنا حل هذا بعد أن لم يكن حلالاً لامتناع وصف الحكم القديم بالحادث وكونه حاصلًا بعد أن لم يكن يشعر بسبق العدم وهو باطل لصدق هذا القول. - الثالث: لو كان قديماً لامتنع تعليله بالحادث لامتناع كون الحادث علةً للقديم وهو مُحال لصدق قولنا: حلّت المرأة بالنكاح. ثانياً: يكون التعريف غير جامع لخروج السببية والشرطية والصحة والفساد منه لأنها لا تتعلق بالمكلفين وهي أحكام شرعية مستفادة من الشارع. وكذلك يخرج تعلق الضمان بإتلاف الصبي مال الغير والصبي غير مكلف وأجيب عمّا تقدم من الاعتراضات بما يلي: عن الأول: بانتفاء اللازم، إذ ليس الحل صفة للوطء بل هو متعلق به، فالحل قول الله في الأزل: رفعت الحرج عن فاعله إذا تحقّقت الشرائط فالقول قديم والفعل حادث ولا يلزم من تعلق القول القديم بالفعل الحادث أن يكون صفةً له والَّا لزم اتصاف المعدوم بصفةٍ ثبوتية. وعن الثاني: معنى قولنا/ حلّ تعلق به الإِحلال بعدما لم تكن متعلقاً به، فكأن الموصوف تعلق الحكم لا نفس الحكم. ولا محذور في ذلك لأن التعلّق حادث والمتعلق قديم، ولا يستلزم قدمه قدم التعلّق. وعن الثالث: إنما يمنع ذلك لو كانت العلة بمعنى المؤثر وهي بمعنى المعرف والنكاح من المعرفات. وقد يُجاب أنه مؤثر في التعليق الحادث ويُجاب أيضاً أننا نعني بالخطاب: كلام الله المنزل لا كلامه النفسي وكلامه المنزل حادث على المختار، والموصوف بالقِدَم هو كلامه النفسي. وعن كون التعريف غير جامع: إن السبب هو علامة. ومعنى كون غروب الشمس سبباً لصلاة المغرب أنها مطلوبة حينئذ فهو داخلٌ تحت الاقتضاء. ومعنى الصحة في العقد: إذنُ الشارع في الانتفاع بالمعقود عليه، ومعنى فساده حُرمة الانتفاع، ومعنى تعلّق الضمان بإتلاف الصبي لمال الغير تكليف وليّه بأدائه من مال الصبي، فالحكم تعلق بالوليّ لا بالصبي وهو مكلف. (¬2) أي متعلق القول.

(المقدمة) الرابعة

اتصف المعدوم بصفةٍ ثبوتية لو تعلق به غيره، والمراد من قولنا حل تعلق الإِحلال به، ومن التعليل: التعريف، ومن سببيَّة الشيء إيجاب الفعل عنده، ومن صحة العقد: الإِذن في الانتفاع بالمعقود عليه ومن تعليق الضمان بفعل الصبي تكليف الولّي بأدائه من مال الصبي (¬1). (المقدمة) الرابعة للحكم تقسيمات التقسيم الأول: الخطاب إما أن يقتضي الفعل جازماً وهو الإِيجاب (¬2) أو غير جازم وهو الندب، أو الترك جازماً وهو التحريم، أو غير جازمٍ وهو الكراهة (¬3) وإما أن لا يقتضيها وهو التخيير والإِباحة. قال القاضي أبو بكر (¬4): الواجب ما يذم تاركه شرعاً على بعض الوجوه (¬5). ¬

_ (¬1) ذكر الرازي في المحصول اعتراضاً آخر وهو وجود "أو" في التعريف وأنها للترديد والحد للإيضاح وأجاب عنه بتحرير المراد "أن كل ما وقع على أحد هذه الوجوه المذكورة في التعريف كان حكماً والَّا فلا" ولم يذكر القاضي الأرموي هذا الاعتراض ولا الإجابة عنه. (¬2) أقسام الحكم: الإيجاب والتحريم والندب والكراهة والإباحة. ولم يقع القاضي الأرموي رحمه الله فيما وقع فيه غيره مثل البيضاوي في المنهاج والغزالي في المستصفى وغيرهم حيث قالو: هي الوجوب والحُرمة ... وذلك لأن الوجوب والحُرمة مصدرا وجب وَحَرُم، والإيجاب والتحريم مصدرا أوْجب وحَرَّمَ بتشديد الراء. وبما أن الحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى ناسب أن يكون الحكم من (أوجب وحرّم). (¬3) وفي "أ" الكراهية. (¬4) هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم المعروف بالباقلاني البصري المالكي الفقيه المتكلم الأصولي وكنيته أبو بكر. نشأ بالبصرة وسكن بغداد كان إمام الأشاعرة في عصره، أخذ عن أبي بكر الأبهري وأخذ عنه جماعة. له مصنفات كثيرة منها: شرح الإبانة في أُصول الدين. شرح اللمع وله الإِمامة الكبيرة والإِمامة الصغيرة والتبصرة بدقائق الحقائق. وأمالي إجماع أهل المدينة والتقريب والإرشاد والتمهيد والمقنع له كتاب جيد في الرد على الباطنية وإعجاز القرآن مطبوع. توفي سنة 403 هـ ترجم له: ابن خلكان: 1/ 609 تبيين كذب المقري 217 الفتح المبين 1/ 223 الشجرة الزكية 92 شذرات الذهب 3/ 68 ابن كثير 11/ 350. (¬5) هذا التعريف ليس لنفس الحكم بل هو تعريف للفعل المتعلق بالحكم. فالفعل الذي تعلق به=

وقولنا يذم خير من قولنا يعاقب ويتوعد بالعقاب ويخاف العقاب لاحتمال عفو الله تعالى: واستحالة الخلف في خبره. وخوف الشاكّ في وجوب الفعل من العقاب على تركه. وإنما قيد بالشرع ليوافق مذهبنا (¬1)، وببعض الوجود ليدخل فيه الموسع والمخيَّر وفرض الكفاية (¬2) ولا تدخل فيه السنّة وإن قُوتل أهل بلد على تركها إصراراً لما نجيب عنه. والفرض يرادف الواجب، وعند الحنفية يفارقه باستناده إلى قاطع. قال أبو زيد (¬3) الفرض (¬4): هو التقدير، والوجوب: السقوط. فخصص الفرض بالأول لأنه المعلوم التقدير علينا، وهو ضعيف إذ ليس الفرض هو المقدّر قطعاً كالواجب (¬5) ليس هو الساقط قطعاً (¬6). ¬

_ = الإيجاب هو الواجب وكذلك باقي التعاريف فالذي تعلق به الندب هو المندوب والذي تعلق به التحريم هو الحرام والذي تعلقت به الكراهة هو المكروه والذي تعلقت به الإباحة هو المباح. (انظر نهاية السول: 1/ 43). (¬1) أي مذهب الأشاعرة وهو أن الأحكام لا تثبت الا بالشرع خلافاً للمعتزلة. (¬2) قوله ليدخل فيه الموسع لأنه يُلام على تركه إذا تركه في كل الوقت وقوله "المخيَّر" لأنه يُلام على تركه إذا تركه وترك معه بدله. وقوله: فرض الكفاية: لأنه يُلام على تركه إذا تركه كل المكلفين. وإخراج السنّة: لأن بعض الفقهاء قالوا: لو أن أهل محلة اتفقوا على ترك أذان الفجر وشعائر الإسلام لذمّوا لذلك وفي الحقيقة إنَّ الذم لم يكن لمجرد الترك بل الذم لإظهار الزهد في الطاعة الموجبة لصدق الاعتقاد فامتناعه باعتبار أنه مبدأ وجوازه باعتبار أنه فعل مندوب فالذم موجّه لجهة أخرى غير جهة كونه مندوباً. (¬3) هو عبد الله بن عمر بن عيسى القاضي وكنيته أبو زيد كان من أكابر فقهاء الحنفية وهو أول مَن وضع علم الخلاف، وله في سمرقند مناظرات مع الفحول. له من المصنفات: كتاب تأسيس النظر فيما اختلف فيه أبو حنيفة وصاحباه ومالك والشافعي وتقويم الأدلة وتجريد أدلة الشرع وكتاب الأسرار في الأصول والفروع والأمد الأقصى وكلها في أُصول الفقه توفي ببخارى سنة 430 هـ عن 63 عاماً. ترجم له: الفوائد البهية 109. ابن خلكان 1/ 317. معجم البلدان 4/ 33. الفتح المبين 1/ 236. (¬4) سقط من "ب" (الفرض). (¬5) وفي "أ" فالواجب. (¬6) خلاصة الكلام في مسألة هل الواجب والفرض شيء واحد أو لا؟ يرجع إلى تمسك الحنفية=

المحظور: ما يذم فاعله شرعاً. وأسماؤه المعصية- أي فعل ما نهى الله عنه. وهي (¬1) عند المعتزلة (¬2): فعل ما كرهه الله تعالى. وهو مبني على خلق الأعمال وإرادة الكائنات، والمحرم ويقرب من المحظور. والذنب: أي المنهي عنه المتوقع عليه المؤاخذة والمزجور عنه والمتوعد عليه (¬3) أي من الشرع. والقبيح وسنفسِّره (¬4). المباح: ما أعلم فاعله أو دلّ على (¬5) أنه لا يترجح أحد طرفيه على الآخر شرعاً (¬6) وأسماؤه: الحلال والطِّلْق. وقد يقال الحلال لما لا ضرر في فعله وإن حرم تركه كدم (¬7) المرتد. المندوب: ما جاز تركه وترجح عليه فعله شرعاً ليخرج الأكل قبل ¬

_ = بأصل معناهما اللغوي. وهو أن الفرض هو القطع. والواجب هو الساقط. فالفرض أشد من الوجوب. ثم جعلوا ما ثبت بدليل قطعي هو الفرض وما ثبت بدليل ظنّى هو الواجب. وعند الشافعية: الفرض والواجب شيء واحد. وهو الفعل المطلوب طلباً جازماً غير ناظرين للمعنى اللغوي لأن الاصطلاح قد ينقل الكلمات عن أصلها اللغوي. وفي الحقيقة إن لهذا الخلاف ثمرة، وليس لفظياً فقط، لأن الأحناف بنوا على مذهبهم أنَّ عدم قراءة الفاتحة في الصلاة لا يبطلها لأنها ثابتة بدليل ظنّي وهو (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) متفق عليه وعند الشافعية الصلاة باطلة. (¬1) وفي "جـ" "وهو". (¬2) ويسموْن أصحاب العدل والتوحيد ويقولون بأن القدر خيره وشره من الله ونفوُا صفات الله تعالى وقالوا بوجوب رعاية الله مصالح العباد وقالوا بالقبح والتحسين العقليين وهم فِرَق كثيرة جداً وسمّوا بالمعتزلة لما قال الحسن البصري اعتزلنا واصل لما حدث الخلاف في مرتكب الكبيرة. انظر الفرق بين الفِرَق من ص 20 - 67 والمِلل والنحل للشهرستاني 1/ 43 وما بعدها والمواقف 62 واللباب 3/ 156. (¬3) وفي "جـ" عليه بالعقاب وهو كالتوضيح من الناسخ. (¬4) أي سيأتي الكلام على القبح بعد صفحتين. (¬5) سقطت "على" من جميع النسخ ما عدا "جـ". (¬6) أورد القاضي الأرموي رحمه الله في تعريف المباح قيداً وهو شرعاً وهكذا أورده في تعريف الأحكام الخمسة ولم يفعل الإمام ذلك إلا في الواجب والمحرم والمندوب، وهذا من دقة انتباهه وشدة تيقظه من القبح والحسن العقليين الذين تقول بها المعتزلة. (¬7) وفي أ "كذم" وهو تصحيف.

التقسيم الثاني

الشرع. وإنما ذمّ تارك جميع النوافل لأنه يدلّ على زهده في الطاعة واستهانته بها. وأسماؤه المرغب فيه أي بالثواب، والمستحب أي من الله تعالى، والنفل: أي الطاعة الغير واجبة، والتطوع أي الانقياد في قربة بلا حتم، والسنّة أي الطاعة غير الواجبة. لأنها تذكر في مقابلة الواجب. وقيل: ما يعلم وجوبه أو ندبيته بأمره عليه السلام أو إدامة فعله فهو سنّة لأنها مأخوذة من الإِدامة. يقال: الختان من السنّة، والإِحسان (¬1) إذا كان نفلًا موصلًا إلى الغير قصداً. المكروه: ما جاز فعله وترجح تركه شرعاً. وقد يقال بالاشتراك للمحظور وترك الأولى كترك صلاة (¬2) الضحى وإن لم يرد عن تركها نهي. " التقسيم الثاني": الفعل إن نهي عنه شرعاً فهو القبيح وإلا فهو الحسن. ولو فسر الحسن بما أذن فيه شرعاً خرج فعل الله تعالى، ولو فسر بما يصح من فاعله أن يعلم أنه غير ممنوع عنه شرعاً خرج عنه فعل البهائم والساهي والنائم دون فعل الله تعالى لأن الوجوب لا يمنع الصحة. وقال أبو الحسين (¬3): القبيح: هو الذي ليس للمتمكّن من فعله والعالم (¬4) بحاله أن يفعله. ويتبعه أنه يستحق الذمّ فاعله، وأنه على صفةٍ ¬

_ (¬1) بعض الفقهاء ومنهم القاضي حسين لم يجعلوا أسماء المندوب من باب الترادف بل فرّقوا بينها. فجعلوا: السنّة: ما واظب عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمستحب ما فعله مرة أو مرتين. والتطوع ما ينشئه الإِنسان باختياره وللحنفية فروق أُخرى بينها. انظر نهاية السول 1/ 47. (¬2) سقط من "أ" صلاة. (¬3) هو محمد بن علي الطيب البصري أبو الحسين أحد أئمة المعتزلة ولد بالبصرة ونشأ بها ثم سكن بغداد. له من المصنفات: المعتمد في مجلدين وتصفح الأدلة في مجلدين وغرر الأدلة في مجلد كبير وشرح الأصول الخمسة وله كتاب في الإمامة وأُصول الدين توفي ببغداد سنة 436 هـ. له ترجمة في: وفيات الأعيان 1/ 609 شذرات الذهب 3/ 259 طبقات المراغي 1/ 233. (¬4) في جميع النسخ العلم إلا في "جـ" "العالم".

تؤثر في استحقاق الذم (¬1) والحسن ما يقابله (¬2). فنقول: قولنا ليس له أن يفعله يقال للعاجز عن الفعل والممنوع (¬3) عنه حسّاً، ولمن به نفرة طبيعية، وللممنوع عنه شرعاً وشيء منها غير مراد ولا مشترك بينها يمكن تفسيره به لأن الأول إشارة إلى العدم والثاني (¬4) إلى الوجود. قوله: يستحق الذم فاعله. قلنا: قد يقال: الأثر (¬5) يستحق المؤثر أي يفتقر إليه لذاته. والمالك يستحق الانتفاع بملكه أي يحسن منه. والأول باطل والثاني دور- لتفسيره الحسن بالاستحقاق. ثم قالوا: الذم فعل أو قول أو ترك فعل أو قول ينبئ عن اتضاع حال الغير فنقول: إن عنوا بالاتضاع النفرة الطبيعية. خرج عنه فعل الله تعالى وإن عنوا به (¬6) غيره فليبيِّنوا (¬7). ولقائل أن يقول (¬8): إنما يتم الإِشكالان بإثبات الحصر في الأقسام ¬

_ (¬1) قد بيّن الرازي رحمه الله في المحصول الاعتراضات الواردة على تعاريف أبي الحسين البصري هذه ثم ارتضى النعريف الذي أورده الأرموي في التحصيل وقال بأنه لا يرد عليه شيء من هذه الإشكالات وهو (القبيح: المنهي عنه شرعاً والحسن ما لا يكون منهياً عنه شرعاً). (¬2) أي أن الحسن هو: المتمكّن من العلم بحاله أن يفعله ما لم يكن على صفةٍ تؤثر فى استحقاق الذم. (¬3) وفي "هـ" الممنوع في الموضعين. (¬4) وفي "د" الباقي. (¬5) وفي "ب" قد يستحق. (¬6) سقط من "أ، هـ" به. (¬7) وفي "هـ" فليثبتوا. (¬8) هذا هو الاعتراض الأول من اعتراضات القاضي الأرموي على الإِمام الرازي وملخصة أن ما اعترض به الإِمام على تعريف أبي الحسين الأول بقوله في تعريف القبيح (ليس له أن يفعله) إن هذا يطلق على: أ- العاجز عن الفعل. ب- الممنوع عنه حسّاً.

(التقسيم) الثالث

المذكورة ونفي كلٍّ منها بخصوصه وعمومه، ولم تقم الدلالة على واحدٍ منها. والثالث مجرد مطالبة. (التقسيم) الثالث قالوا الخطاب قد يرد بجعل الشيء سبباً (¬1) وشرطاً ومانعاً. فلله تعالى في حق (¬2) الزاني حكمان. وجوب الحد وجعل الزنا سبباً له. فنقول: إن عنوا بالسبب المعرّف فهو حق. وإن عنوا به المؤثر فهو باطل، إذ الحادث لا يؤثر في القديم ولأن حقيقة الزنا بعد الجعل إن بقيت كما كانت لم تؤثر كما قبله وإلا فالمعدوم لا يؤثر. ولأن الصادر من الشّارع بعد الجهد إما الحكم فلم يكن الزنا مؤثراً أو موجبه وهو (¬3) قول المعتزلة وسنبطله. أو غيرهما (¬4) فلم يكن له تعلق بالحكم. ولقائل أن يقول (¬5) على الأول: لعلّهم أرادوا جعل الزنا سبباً لتعلّق ¬

_ = جـ- لمن به نفرة طبيعية. د- للممنوع منه شرعاً. إن هذه الأقسام غير منحصرة بل هنالك قسم خاص وهو: (ما يمنع العقل الإقدام عليه) وهو المراد عند المعتزلة كمعه من الزنا لإفضائه إلى عدم تعهد الأولاد والخبط في النسب. ثم لا يدل الحصر على نفي كل قسم بعمومه وخصوصه ولم يحدث هذا من الإمام. وأما نفي المشترك فالذي أثبته الإمام نفي المشترك بين الأول والثاني فقط. ولا يتم هذا الاعتراض حتى يثبت نفي المشترك بين الأقسام جميعها. ولم يتم ذلك من الإمام. وأما الإِشكال الوارد على تعريف أبي الحسين الثاني (يستحق فاعله الذم) يتوجه له ما توجه للإشكال الأول من حيث إن الأمام لم يحصر الموارد. فهناك مورد ثالث: وهو أن المراد بالاستحقاق. استحقاق المؤثر أثره أي إيجابه. (¬1) وفي "أ، د" أو. (¬2) وفي "أ، ب، جـ" في الزاني. (¬3) أي الحسن والقبح. (¬4) أي: لا الحكم ولا ما يوجبه. (¬5) لم يرتض القاضي الأرموي رحمه الله قول الإمام: إن عنوا به المؤثر لزم تأثير الحادث في القديم. فقال: قد يعنوا بجعل الزنا سبباً: تعلق الحكم به تعلقاً تنجيزياً وحينئذ يكون تأثير حادث في حادث.

(التقسيم) الرابع

الحكم به وعلى الثاني: إنه يجوز بقاء الحقيقة مع طرآن (¬1) صفة المؤثرية. وعلى الثالث: إن الصادر من الشارع المؤثريَّة (¬2): وهي غيرهما ولها تعلق بالحكم. (التقسيم) الرابع الحكم قد يكون (¬3) إما بالصحة أو بالبطلان. وأراد المتكلمون بصحة العبادة "موافقة الشرع"، والفقهاء "إسقاط القضاء"، وعليه تبتنى (¬4) صلاة مَن ظن أنه متطهر (¬5). ومعنى صحة العقد: ترتب آثاره عليه. والبطلان (¬6) والفساد يقابلانها (¬7). وعند الحنفية الفاسد ما ينعقد بأصله دون وصفه كالربا. ويقرب من صحة العبادة إجزاؤها. وإنما يوصف الفعل به لو أمكن أن لا يترتب أثره عليه. لا كمعرفة الله تعالى وردّ الودائع. فإجزاء الفعل: أن يكفي الإِتيان به في سقوط التعبّد به. وقيل: هو إسقاط (¬8) القضاء. وهو باطل لسقوط القضاء بالموت عند الإِتيان به بدون شرطه بلا إجزاء. ولتعليلنا وجوب القضاء بعد الإِجزاء ولأن القضاء يجب بأمر مجدد لما سنبيِّن. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ "طريان" وأصل الفعل طرأ: قال الزبيدي في تاج العروس 1/ 91 وابن منظور في لسان العرب 1/ 108 طرأ يطرأ طروءاً وطَرءًا كقعود وقد يترك الهمز. وفي شذى العُرْف يأتي المصدر من فعل على فعلان إذا كان في معناه الانتقال مثلٍ دوران فلذا يمكن أن يكون المصدر طرءان ثم قلبت الهمزة ياءًا للتخفيف وقد ورد هذا كثيراً في المخطوطة. (¬2) في "أ، جـ" بدل "يه" وفي ب "فيه". (¬3) سقط من "هـ" إما. (¬4) وفي "ب، جـ" "يبنى". (¬5) فهي صحيحة عند المتكلمين لأنها موافقة للأمر، والقضاء وجب بأمر متجدد وفاسدة عند الفقهاء لأنها لا تسقط القضاء. (¬6) الباطل والفاسد عند الشافعية شيء واحد وعند الحنفية الفاسد منزلة بين البطلان والصحة. (¬7) وفي "جـ، هـ" يقابلانه. (¬8) في جميع النسخ سقوط وقد نبّه الأسنوي في نهاية السول 1/ 62 على أن إسقاط هو الصحيح لأن الفعل أسقط وليس سقط.

(التقسيم) الخامس

ولقائل أن يقول (¬1): لو فسّر الإِجزاء بما يكفى الإِتيان به فى سقوط القضاء اندفع الوجهان الأولان. (التقسيم) الخامس العبادة إن أُدِّيت في وقتها بلا خلل فإن سبقه أداء بخلل سمِّيت إعادة وإلا أداء. وإن أُدِّيت خارج وقتها المضيق سميت قضاء إن وجد سبب وجوب الأداء وجب أو لم يجب أو (¬2) لا يصح منه عقلاً كالنائم أو شرعاً كالحائض. أو يصح منه لكن سقط الوجوب بسبب (¬3) من جهة الله تعالى كالمرض، أو من جهته كالسفر. وقيل: إنما سمي قضاء في هذه الصور لأنه واجب الأداء وترك، وهو باطل إذ جواز الترك ينافي جزء (¬4) ماهية الوجوب وهو المنع منه: (التقسيم) السادس ما جاز فعله سُمي (¬5) عزيمة (¬6) إن لم يوجد المقتضي للمنع منه ورخصة (¬7) إن وجد، وجب كأكل الميتة في المخمصة أو لا كالإِفطار في السفر. ¬

_ (¬1) هذا الاعتراض من القاضي الأرموي رحمه الله تعالى على ما تقدم من تعاريف الإجزاء لا يتوجه للإمام رحمه الله لأن الإمام ناقل وزيف ما نقل، ولهذا يعتبر ما أورده القاضي عبارة عن اقتراح لتعريف جديد ارتضاه ولا يتوجه إليه ما يتوجه لغيره مما تقدم. وقد ارتضى جمال الدين الأسنوي هذا حيث نقله في نهاية السول 1/ 61 وصوّبه. (¬2) وفي هـ "إذ". (¬3) وفي "هـ" لسبب. (¬4) سقط "أ" من جزء. (¬5) وفي "هـ" يسمى. (¬6) العزيمة في اللغة: الإرادة المؤكدة قال تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} أي: لم يكن له قصد مؤكد في الفعل بما أمر به. وفي الشريعة: اسم لما هو أصل المشروعات غير متعلق بالعوارض. (تعريفات الجرجاني ص 130). (¬7) الرخصة في اللغة: اليسر والسهولة. وفي الاصطلاح: اسم لما شرع متعلقاً بالعوارض. أي بما استبيح بعذر مع قيام الدليل المحرم. (تعريفات الجرجاني: ص 97) وعرفها الأسنوي: بأنها (الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر).

(المقدمة) الخامسة

(المقدمة) الخامسة الحسن والقبح: بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته. وصفة الكمال والنقص عقلي (¬1) وبمعنى ترتب الذم عاجلًا والعقاب آجلًا على الفعل وعدمه عندنا شرعي، وعند المعتزلة عقلي. وهو الموصوف بصفة لأجلها استحق فاعله الذم والعقاب، استقل العقل بمعرفته ضرورة كالكذب الضار، أو نظراً كالكذب النافع. أو لا يستقل كصوم يوم العيد إذ الشرع يعرف اتّصافه بما لأجله قبح. لنا: إن فاعل القبيح إن لم يتمكن من تركه كان فعله اضطرارياً. وإن تمكن ولم يتوقف ترجح فاعليته على تاركيته على مرجح كان اتفاقياً. وإن توقف لم يكن ذلك المرجح منه، ويجب الفعل عنده لئلا يتسلسل (¬2) ولا يلزم خلاف ما فرض من المرجح التام، وحينئذ يكون اضطرارياً. والاضطراري والاتفاقي لا يقبحان عقلًا بالاتفاق. ¬

_ (¬1) خلاصة الكلام في مسألة الحسن والقبح: بيِّن الأرموي رحمه الله تبعاً للإِمام الرازي أن الحسن يطلق على ملاءمة الطبع، والقبح على منافرته كحسن إنقاذ الغرقى وقبح أخذ الأموال ظلماً وكذلك يطلق الحسن على صفة الكمال، والقبح على صفة النقص كحسن العلم وقبح الجهل، وهما بهذين المعنيين محل اتفاق بين أهل السنّة والمعتزلة على أنهما عقليان. وأما إطلاقهما وإرادة ترتب المدح في العاجل والثواب في الآجل بالحسن وترتب الذم في العاجل والعقالب في الآجل بالقبح. فهما محل خلاف. قال أهل السنّة: إنهما شرعيان بمعنى لا يؤخذان إلا من الشرع ولا يدركان إلَّا به. وقالت المعتزلة هما عقليان أي أن العقل يدركهما من غير توقف على الشرع مع أنه لا خلاف بين أهل السنّة والمعتزلة في أن الحاكم هو الله سبحانه وتعالى لا حاكم سواه، وأن العقل لا حكم له في شيء بالكلية. ولكن بعض أهل السنّة من المؤلفين أطلقوا عبارات فيها تساهل شديد بالنسبة للمعتزلة حيث إن عباراتهم تدل على أن الحاكم عند المعتزلة هو العقل ومن ذلك: قول ابن السبكي: وحكَّمت المعتزلة العقل. انظر في شرحه جمع الجوامع 1/ 64. وقول البيضاوي: الحاكم الشرع دون العقل انظر نهاية السول 1/ 258. وقول العضد: قالت المعتزلة بل الحاكم بها العقل. انظر المواقف ص 529 ولمعرفة آراء المعتزلة انظر المعتمد لأبي الحسين البصري 2/ 288. (¬2) وفي "ب" أو لا يلزم وفي "جـ" ولئلا يلزم.

ولقائل أن يقول: وجوب الشيء بشرط غيره لا ينافي إمكانه وقدرة الغير عليه، وإلَّا لزم نفي قدرة الله تعالى. فإن قلت الفرق أن مرجح فاعليته تعالى يحصل (¬1) باختياره. قلت (¬2): فالكلام في فاعليته لذلك المرجح كما في الأول فلزم (¬3) التسلسل في أفعاله تعالى أو الاعتراف بالمنع المذكور. ادّعى الخصم العلم الضروري بقبح الكذب الضار، وزعم أنه لا يستفاد من الشرع لحصوله لمنكريه، وأن المقتضي لقبحه (¬4) كونه كذلك بالدوران. ومنهم مَن استدل بأوجه: أ- المختص بالوجوب لو لم يختص بما يقتضيه (¬5) لترجح أحد الجائزين على الآخر بلا مرجع. ب- لو حسن من الله كل شيء لحسن منه أظهار المعجزة على يد الكاذب والتبس النبي بالمتنبي. جـ - ولحسن منه الكذب فلم يعتمد على أخباره. د- العاقل يختار الصدق على الكذب إذا استويا فدلّ على أن كونه صدقاً يقتضي حسنه. هـ- ما لا يعلم قبل الشرع لا يرد به الشرع. والجواب (¬6): المعلوم بالضرورة الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة. ولا يقال: الظلم ملائم لطبع (¬7) الظالم، ولا ينفر الطبع عن خطاب الجماد، وإنشاد قصيدة غراء في شتم الملائكة والأنبياء بصوت طيب مع العلم الضروري بقبحه لأن الظلم لولاه من طبع الظالم لما دفع (¬8) عن نفسه. ¬

_ (¬1) وفي "ب، د" تحصل. (¬2) وفي "هـ" قال بدل قلت. (¬3) وفي "ب، د" فيلزم. (¬4) وفي "أ، جـ" للقبح. (¬5) وفي "ب" تقتضيه. (¬6) بدأ بالجواب عن أدلة القائل بالحسن والقبح العقليين. (¬7) وفي "هـ" طبع. (¬8) وفي "ب" دفعه.

وإنما رغب فيه لمعارضة أخذ المال وحكم العقل بحسن الإِحسان لإِفضاء ذلك الحكم إلى وقوعه وبقبح الكذب لمخالفته لمصلحة (¬1) العالم. ويقبح خطاب الجماد لأنه اشتغال بما لا يفيد. ويقبح الإِنشاد المذكور لأنه مقابلة أرباب الفضائل بالشتم المخالف (¬2) لمصلحة العالم. فرجع الكل إلى ملاءمة الطبع. سلّمناه: لكن لا نسلّم تعليل قبح الظلم بكونه ظلماً والدوران لا يفيد العلية لما يأتي بعد. كيف (¬3) والمفهوم من الظلم أنه إضرار غير مستحق. والعدم لا يكون جزء علة الوجود وإلا لانسد (¬4) باب معرفة وجود (¬5) الصانع، ولا شرطاً لتأثير العلة إذ العلية تدور معه، ولا سبب سواه فيعلل (¬6) به ويعود (¬7) المحذور. ولقائل أن يقول: لما فُسر القبح بالأمر العدمي كما سبق لا يتوجه هذا (¬8). والجواب عن أوب: أن الرجحان بلا مرجح إن لم يجز لزم الجبر كما سبق وبطل القبح العقلي. وإن جاز اندفع الأول وورد الثاني عليكم لجواز خلق المعجزة لا لغرض أو لغرض غير التصديق. لا يقال خلق المعجزة على يد الكاذب وإن لم يوجب التصديق لكنه يوهمه وأنه قبيح لأن إيهام القبيح إذا لم يوجبه لا يقبح إذ التقصير من المكلف في قطعه لا في محل القطع كإنزال المتشابهات. ¬

_ (¬1) وفي "أ، ب، د": مصلحة. (¬2) وفي "هـ" المخالفة. (¬3) سقط من "ب" (بعد وكيف). (¬4) وفي "هـ" انسد. (¬5) سقط من "ب" وجود. (¬6) وفي "هـ" فتعلل. (¬7) وفي "هـ" فيعود. (¬8) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله: أنه ما دام فسر القبح بالأمر العدمي فإنه لا يسلم بلزوم كون العدم جزء علة الوجود. وإنما يلزم هذا لو لم يكن المعلول (القبح) عدمي لكنه عدمي لأنه فسّره بأنه (ما ليس للمتمكِّن أن يفعله).

ولقائل أن يقول (¬1): الجواب مبني على الدليل المذكور وقد سبق ضعفه. ثم لا حاجة (¬2) في جواب الثاني إلى الترديد. بل جوابه: أن حسن الشيء لا يوجب وقوعه بل قد يجزم بانتفائه، وهاهنا كذلك. وجواب الأول منع الملازمة إذ ليس المرجح منحصراً في صفة الفعل. وعن "جـ" أنه وارد عليكم بحسن الكذب لإنقاذ النبي وفي المتوعد (¬3) ظلماً. لا يقال: الحسن هو التعريض ثم المقتضي قد يتخلف الأثر عنه لمانع. لأن الخبر إنما يصير تعريضاً بصرفه عن ظاهره بطريق لا يتنبه السامع اليه وحينئذٍ لا يمكن القطع بإجراء كلام الله تعالى على ظاهره إلا إذا علم أنه ليس ثمة مصلحة تقتضي صرفه عن ظاهره ولا طريق إليه البتة. بل غايته أن لا يعلم ذلك لكن عدم العلم لا يدل على العدم. وأما تخلف الأثر عن المؤثر العقلي فمُحال. وإلا كان عدم المانع جزءاً منه. ولو جاز ذلك لجاز في كل كذب أن لا يكون قبيحاً لمانع (¬4) وعاد الإِلزام. وعن "د" أن اختيار الصدق للألف العام. فإن العقل لا يأتي بما يخالف نظام العالم. وعن "هـ" أن الموقوف على الشرع ليس تصور الحسن والقبح بل التصديق بهما. التفريع: مهما بطل الحسن والقبح العقلي لم يجب شكر المنعم عقلاً. ولا يكون قبل الشرع حكم لكن الأصحاب أبطلوا قول المعتزلة في المسألتين تفريعاً على القول بالحسن والقبح العقلي. ¬

_ (¬1) تقرير اعتراض القاضي الأرموي على جواب الإمام الرازي أن الأرموي لا يسلم أن الترجيح بلا مرجح إذا كان مُحالًا لزم الجبر الملزوم لبطلان القبح العقلي. والجواب عن الثاني: أنه لا يلزم الالتباس لو حسن من الله تعالى إظهار المعجزة على يد الكاذب. وإنما يلزم الالتباس لو وقع وهو ممنوع فحسن الشيء لا يوجب وقوعه. (¬2) وفي "هـ" لا حاجة به. (¬3) وفي "هـ" التوعد. (¬4) سقط من "جـ" لمانع.

مسألة: شكر المنعم لا يجب عقلاً خلافاً للمعتزلة (¬1). لنا قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (¬2)، ولأنه لا يجوز أن يجب لا لفائدة لكونه عبثاً. ولا لفائدة تعود إلى الله تعالى لتنزهه عنها. ولا إلى العبد لأنها إما جلب منفعةٍ. وهو غير واجبٍ عقلاً. فالمفضي إليه أولى. ولأن أداء الواجب لا يقتضي غيره. ولأن توسيطً الشكر يكون عبثاً لإِمكان إيقاعه بجميع المنافع بدونه وإما دفع مضرّة إما عاجلة- والمضرّة العاجلة لا تدفع مضرّة عاجلة- وإما آجلة. وأنه تعالى لا يضرّه الكفر ولا يسرّه الشكر، فلا نقطع بها. بل يحتمل العقاب على الشكر (¬3). لأنه تصرف في ملك الغير بدون إذنه بلا ضرورة، ومجازاة للمولى (¬4) على نعمه وشكر لنعمه التي (¬5) هي بالنسبة إلى خزانة الله أقل من كسرة خبز (¬6) بالنسبة إلى خزانة ملك، ولأنه قد لا يليق به تعالى. فإن قيل: لِمَ لا يجوز أن يجب لدفع ضررٍ عاجل وهو خوف العقاب على الترك، فإنه (¬7) راجح على خوف العقاب على الفعل: إذ فاعل الشكر أحسن حالاً من تارِكه. ثم ما ذكرتم ينفي الوجوب الشرعي أيضاً (¬8). وهو (¬9) في مقابلة ما تقرر في بداية العقول من وجوب شكر المنعم. ثم نقول الشكر طريق آمن فاقتضى العقل وجوب سلوكه. ولأنه لو لم يجب عقلاً لما وجب النظر في المعجزة أيضاً عقلاً إذ لا فرق بينهما وأنه يفضي إلى إفحام الأنبياء. إذ المكلف يقول ¬

_ (¬1) نقل الأسنوي في نهاية السول 1/ 120 عن الإمام الرازي أنه في كتبه الكلامية خالف هذا الرأي. (¬2) [الإسراء: 15]. (¬3) سقط من "جـ" على الشكر. (¬4) وفي "أ، ب، جـ" المولى. (¬5) سقط من "ب، جـ، د" التي. (¬6) خبز موجودة فى "جـ" فقط. (¬7) وفي "هـ" وأنه. (¬8) سقط من "ب" أيضاً. (¬9) وفي "أ" وهي.

لا أنظر في معجزتك ما لم يجب ولا يجب إلَّا بالشرع ولا يثبت الشرع إلا بالمعجزة. والجواب: أن الرجحان ممنوع في حق مَن لا يضرّه الكفر ولا يسرّه الشكر. وما ذكرنا وإن نفى الوجوب شرعاً لكن المدعى أن القبح العقلي ينفي الوجوب العقلي، وتقرر وجوب شكر منعم شأنه ما ذكرناه في البداية ممنوع. ولا نسلّم أن الشكر طريق آمن لما سبق. والإِفحام المذكور لازم على المذهبين. لأن وجوب النظر نظري فللمكلف أن يقول لا أنظر في المعجزة ما لم يجب النظر ولا يجب إلا بنظري فلا أنظر. ولقائل أن يقول: لِمَ لا يجوز أن يجب لفائدة هي منفعة العبد. ولا نسلّم أن جلب المنفعة لا يجب عقلًا إذ المنافع تختلف فيه (¬1). ولا نسلّم أن أداء الواجب لا يقتضي غيره. سلّمناه: لكنه لا ينفي الوجوب لفائدة هي منفعة العبد. إذ تلك الفائدة قد تكون نفس الشكر، إذ عندنا وجب الشكر لكونه شكراً. ولا نسلم أن توسيط الشكر عبث. إذ تلك الفائدة قد يمتنع حصولها بدونه لما سبق. فإن عُني بالفائدة أمر زائد على نفس كونه شكراً منعنا الحصر. إذ عندنا الشيء قد يجب لكونه ذلك الشيء. ولا نسلم أن المضرّة العاجلة لا تدفع مضرّة عاجلة فوقها. فقد (¬2) يكون ضرر خوف العقاب مثلاً (¬3) راجحاً على ضرر الإِتيان بالشكر وضرر خوف العقاب عليه. وحديث الإِفحام ضعيف جداً. ومن جانبكم (¬4) أضعف. فإن لم يأت بالنظر إلا بعد معرفة وجوبه فقد يعرف وجوبه بالعقل قبل دعوى النبوّة. ¬

_ (¬1) وفي "أ" فيها. (¬2) وفي "هـ" يكون عنده. (¬3) وفي "جـ، د، ب" مثلاً على الترك. (¬4) المراد بالضمير في "جانبكم" الأشاعرة.

مسألة: في حكم الأشياء قبل الشرع (¬1). ما يضطر المكلف إليه كالتنفس يؤذن (¬2) فيه قطعاً إن لم يجز تكليف ما لا يُطاق. وما لا (¬3) (يضطر المكلف إليه) فهو عند معتزلة البصرة (¬4) وبعض فقهاء الشافعية والحنفية مباح. ¬

_ (¬1) خلاصة الكلام في هذه المسألة يقول أهل السنّة إنه لا يوجد حكم قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنوا على ذلك أن أهل الفترة أمرهم إلى الله وذلك لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وكذلك لأن الأحكام لا تعرف إلا من الشرع. وقالت المعتزلة: إن الحكم موجود قبل الشرع أي متعلق تنجيزياً بمَن وجد قبل البعثة لأن العقل كافٍ في إدراك الأحكام الشرعية بناء على قاعدتهم "التحسين والتقبيح العقليين" واتفقوا على أن الضروري من الأفعال كتنفس الهواء مباح لحكم العقل بالاضطرار إليه. ثم اختلفوا في الاختياري من الأفعال كأكل الفاكهة. أما ما ظهرت مفسدة فعله سمّوه محظوراً. وما كان في تركه مفسدة كان واجباً. وما اشتمل فعله على مصلحة ولم يترتب على تركه مفسدة سمّوه مندوباً. وما اشتمل تركه على مصلحة ولم يترتب على فعله مفسدة كان مكروهاً. وما لا يشتمل تركه وفعله على مفسدة أو مصلحة كان مباحاً. وأما الذي لم يظهر دليل يخصّه بمصلحة أو مفسدة اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال: 1 - أنه محظور لأنه تصرّف في مُلْك الغير بدون إذنه، ولم يقم دليل على إذن الله فيه وإلى هذا ذهبت معتزلة بغداد وطائفة من الإمامية وأبو علي بن أبي هريرة من الشافعية. 2 - أنه مباح وذلك لأن الله خلق كل ما في الوجود من أجل ابن آدم {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} فالإذن في الاستعمال حاصل وبه قال الجبائيان وأبو الحسين البصري من معتزلة البصرة. 3 - التوقف: لتعارض دليلي مذهب الحظر ومذهب الإباحة وبه قال الإمام والصيرفي والأشعري انظر المعتمد 2/ 868، المستصفى 1/ 63، نهاية السول 1/ 124. (¬2) عبارة الإِمام في المحصول والمنتخب أنه غير ممنوع منه قطعاً إلا إذا جوّزنا التكليف بما لا يطاق وعبارة القاضي الأرموي مخالفة لأن الغير ممنوع لا يعني أنه مأذون فيه لأن المأذون فيه مباح، وهنا لا يثبت إلا بالشرع. ونبّه على ذلك الأسنوي 1/ 124. (¬3) ما بين القوسين إضافة منّي توضيحاً للمعنى. (¬4) قد ظهر الاعتزال في البصرة على يد واصل بن عطاء ثم عمرو بن عبيد. وظهر لواصل بن عطاء تلاميذ حملوا مذهبه. لكن عمرو بن عبيد نظراً لزهده لم يكن له تلاميذ. وكان من أشهر تلاميذ واصل بن عطاء عثمان الطويل. وتتلمذ على عثمان الطويل رؤساء الاعتزال ومنهم أبو الهذيل العلَّاف وأبو بكر الأصم ومعتمر بن عباد وتتلمذ في البصرة على أبي الهذيل النظام والإسواري والشحام شيخ الجبائيين والفوطي شيخ عبَّاد بن سليمان.=

وعند معتزلة بغداد وبعض الإِمامية (¬1) وأبي علي بن أبي هريرة (¬2) منّا محظور وعند الأشعري (¬3) والصيرفي (¬4) وبعض الفقهاء على الوقف بمعنى لا حكم أو بمعنى لا نعلم. ¬

_ = وأما المعتمر بن عباد خلفه ابنه الذي رحل إلى بغداد ليعيش هو وتلاميذه في أروقة القصور وفي حلبات المناظرات التي كانت تدعمها السلطة الحاكمة منذ أن تولى أبو جعفر المنصور الحكم إلى أن آل الحكم للمتوكل الذي أطاح بزعامتهم الدينية التي ذاق لهيب نارها أهل الحديث بسبب فتنة القول بخلق القرآن. وكان من أشهر معتزلة بغداد: أبو موسى المردار وأحمد بن أبي دؤاد وثمامة بن الأشرس. وجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر وأبو جعفر الإسكافي وأبو الحسين الخياط، وأبو القاسم البلخي وعيسى بن الهيثم. وفي الحقيقة أن مذهبهم كان في البصرة نظري. ولما أنتقل إلى بغداد في ردهات القصور وحلقات المناظرة أصبح عملياً وكان أكثر تأثراً بالفلسفة اليونانية لقوة حركة الترجمة في العاصمة. ئم أفَلَ نجمهم على يد المتوكل، وعاد مرة أُخرى على يد الصاحب بن عباد وزير دولة بني بويه. والمعتزلة إجمالاً متفقون على أُصولهم الخمسة (التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). ومع هذا يوجد بينهم اختلاف يصل لدرجة تكفير بعضهم بعضاً. ومن الأشياء التي اختلفوا فيها: اختلافهم في الجزء والجسم. وأفضلية الخلفاء والإمامة. انظر الفرق بين الفرق: 182، ضحى الإِسلام 3/ 159، الجبائيان لعلي فهمي خشيم ص 5. (¬1) فرقة من الشيعة وهم القائلون بإمامة علي رضي الله عنه بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - نصاً ظاهراً وقالوا لا يوجد في الإسلام أمر أهم من تعيين الإمامة وبعد علي رضي الله عنه لأولاده ثم هنالك إمام منتظر يخرج في آخر الزمان واختلفوا في هذا الإِمام فمنهم مَن قال: محمد بن الحسن بن علي ومنهم مَن قال: إنه موسى بن جعفر، وقالت الكيسانية. إنه محمد بن الحنفية انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1/ 162 الفرق بين الفرق (19) المواقف 629 اللباب 1/ 67. (¬2) هو الحسن بن الحسين المعروف بابن أبي هريرة تلميذ ابن سريج وأبي إسحق المروزي له آراء خاصة في مذهب الشافعي ويقول بتحريم الأفعال الاختيارية قبل البعثة موافقاً بذلك معتزلة بغداد توفي ببغداد سنة 346 هـ له ترجمة في: وفيات الأعيان 1/ 161، معجم المؤلفين 3/ 22، طبقات الأصوليين 1/ 204، طبقات ابن السبكي 2/ 206، وفي "ب" أبو علي بن هريرة. (¬3) هو علي بن إسماعيل أبو الحسن الأشعري كان معتزلياً ورجع لأهل السنة تتلمذ على القفال وتوفي ببغداد سنة 324 هـ له ترجمة في: طبقات السبكي 2/ 145، وفيات الأعيان 1/ 411، مرآة الجنان 2/ 298، الديباج: 193. (¬4) هو أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي شارح الرسالة وله البيان في دلائل الأعلام في=

لنا: ماسبق (¬1). للأولين (¬2) وجهان: أ- أنه انتفاع خالٍ من أمارة المفسدة لا يضر المالك فحسن لدوران الحسن معه في الاستنشاق (¬3) والاستظلال بحائط الغير. ب- الله تعالى خلق الطعوم في الأجسام لغرض وإلا (¬4) كان عبثاً وليس يعود إلى الله تعالى لاستحالته، بل إلى العبد. وليس هو غير نفعه بالاتفاق. ونفعه بإدراكها أو استحقاق الثواب باجتنابها لكون تناولها مفسدة وأنه يتوقف (¬5) على ميل النفس إليها الموقوف على إدراكها (¬6) أو الاستدلال بها الموقوف على معرفتها الموقوفة على إدراكها ولازم المطلوب مطلوب. وللآخرين (¬7): إنه تصرف في مُلْك الغير (¬8) بغير إذنه فقبح كما في الشاهد. ولهما على إبطال قولنا (¬9): إن التصرّف محظور إن كان ممنوعاً عنه وإلا فمباح. ¬

_ = أصول الأحكام وكتاب الإجماع توفي بمصر سنة 330 هـ وله ترجمة في وفيات الأعيان 1/ 580 طبقات ابن السبكي 2/ 169 الفهرست 300 معجم المؤلفين 5/ 31 روضات الجنان 7/ 313. (¬1) وهو أنه لا يعرف الحكم إلا من الشرع ولم يرد فيه شيء. (¬2) هم مَن قالوا بالإِباحة. (¬3) وفي "أ، جـ، د" سقط الاستنشاق. (¬4) وفي "هـ" لكان. (¬5) وفي "هـ" متوقف. (¬6) وفي "ب، د" والاستدلال. (¬7) أي القائلين بالحرمة. (¬8) سقط من أ "ملك الغير". (¬9) وهو أنه لا حكم لأن الحكم لا يعرف إلا من الشرع ولم يكن قد ورد خطاب الشرع.

(المقدمة) السادسة

والجواب عن: أ- بمنع حكم العقل في الأصل. ئم تضعيف (¬1) الدوران بما سيأتي (¬2). ب- بالنقض (¬3) بالطعوم المهلكة. ولقائل أن يدفع (¬4) النقض بأنه يمكن الانتفاع بالمؤذي (¬5) بالتركيب مع ما يصلحه بل الجواب بمنع الحصر ثم بمنع توقف المعرفة على التناول حالة التكليف فإنّا لا نسمّى فعل غير المكلف مباحاً. جـ- بمنع عدم الإِذن. د- إنه غير وارد إلَّا على الجزم بعدم الحكم. ولا نسلّم أن المباح ما لم يمنع عنه، بل ما أعلم فاعله أنه لا حرج عليه أقدم أو أحجم وإلا كان فعل البهيمة مباحاً. (المقدمة) السادسة لما كان أُصول الفقه: جملة طرق الفقه والكيفيتين (¬6). والطريق إما عقلي- ولا مجال له عندنا في الأحكام (¬7). وعند المعتزلة حكمه في المنافع الإِباحة وفي المضار الحظر- وإما سمعي وهو إما منصوص أو مستنبط. ¬

_ (¬1) وفي "أ" يضعف وفي "جـ" بتضعيف. (¬2) وفي "أ، هـ" بما سبق. (¬3) وفي "ب، د" النقض. (¬4) هذا الاعتراض من القاضي الأرموي على جواب الإمام عن "ب" بالنقض بخلق الطعوم المهلكة فلم يرتض الجواب لأنه يمكن الانتفاع بالأشياء المؤذية بتركيبها مع مواد تصلحها، ثم ذكر جوابين: أحدهما: منع الحصر في الأقسام والثاني: يمكن معرفته بتناول واقع في غير حال التكليف كالواقع في حال الصغر أو السهو ونحن لا نسمي فعل غير المكلف مباحاً. (الأسنوي 1/ 130). (¬5) وفي "أ، ب، د" المؤدي وهو تصحيف. (¬6) وفي "أ، ب، جـ، د" الكيفيتان. (¬7) قوله: لا مجال للعقل عندنا في الأحكام غير دقيق إذ أن بعض الأحكام تثبت بدلالة الالتزام وبدلالة التضمن وللعقل فيهما نصيب. وقوله: (وعند المعتزلة حكم العقل في المنافع الإباحة أيضاً غير دقيق إذ ليس الحكم عندهم محصوراً في الإِباحة بل قد يصل للوجوب والندب).

والمنصوص قول مَن لا يجوز عليه الخطأ، وهو الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ومجموع الأُمة (¬1) أو فعله. والنظر في القول مقدّم إذ الفعل لا يدل إلَّا معه. وهو إما (¬2) في ذاته وهو باب الأمر والنهي، أو في عوارضه بحسب متعلقاته وهو باب العموم والخصوص، أو بحسب كيفية دلالته وهي نسبة بين (¬3) الذات ومتعلقاته، وهو باب المجمل والمبين، وبعده باب الأفعال ثم النسخ لأن الدلالة قد ترد لرفع الحكم. وإنما قدّم على الإِجماع والقياس لأنهما لا ينسخان ولا ينسخ بهما، ثم الإِجماع. ويقدم على الكل اللغات لافتقاره إليها، ثم الأخبار إذ المتمسك قد لا يشاهد المنصوص (¬4)، ثم المستنبط وهو القياس (¬5)، ثم التراجيح، ثم الاجتهاد، ثم الاستفتاء ثم نختم بذكر ما اختلف فيه كونه طريقاً. خاتمة: معرفة أحكام الله تعالى واجبة إجماعاً وهي إما بالاستدلال أو السؤال من مستدل دفعاً للتسلسل. ولا بدّ للمستدل من طريق. وأُصول الفقه هي تلك الطرق، وما يتوقف عليه الواجب المطلق وكان مقدوراً فهو واجب لما سيأتي فهذا العلم واجب وليس فرض عين لما نبيِّن من جواز الاستفتاء (¬6) فهو فرض كفاية. ¬

_ (¬1) في "ب" وفعله. (¬2) معناه: (والنظر إما في ذات القول). (¬3) وفي "ب" (من) بدل (بين). (¬4) في "هـ" المنصص. (¬5) وبالقياس تنتهي أبواب طرق الفقه ثم يتبعه باب كيفية الاستدلال بها وهو التراجيح ثم باب كيفية حال المستدل وهو الاجتهاد وشرائطه وأحكام المجتهدين ثم باب المفتي والمستفتي ثم تذكر أبوابٌ اختلف الأُصوليون فى كونها طرقاً. (¬6) في باب المفتي والمستفتي الآتي في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.

الكلام في اللغات

الكَلَام في اللّغَات وفيه فصول

الفصل الأول في أحكامها الكلية

الفصل الأول في أحكامها الكلية وفيه مسائل " المسألة الأولى" الكلام يطلق على المعنى القائم بالنفس والأصوات المقطعة، والنظر (¬1) في الثاني. قال أبو الحسين "هو المنتظم من حروف مسموعة متميزة متواضع عليها" وزيد فيه صادرة عن قادرٍ واحد. فالنظام (¬2) هو: التأليف المختص بالأجسام فأطلق على الحروف للتشبيه. والمراد بالحروف الزائد على الواحد ظاهراً كان "كقم" أو في الأصل "كق" إذ أصله "قي" نقول في التثنية "قِيا" والحد يدخل الكلمة في الكلام. والنحاة تخالف الُاصوليين فيه وتخرج "ياء النسبة ولام التعريف" عنه مع أنهما (¬3) كلمة وكل كلمة كلام. فالأولى أن يقال: المنطوق به الدال على معنى بالاصطلاح إن لم يكن جملة مفيدة فهو الكلمة، وإن كان فهو الكلام وربما زيد فيه أو نقص فلا يبقى معه كلاماً. والجملة المفيدة إن تركبت من جملتين فهي الشرطية نحو: "إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود" وإلا فهي الاسمية نحو: "زيد قائم" أو الفعلية نحو: "قام زيد". تنبيه: النداء جملة مفيدة وفي كونها من الأقسام بحث. ¬

_ (¬1) أي أن النظر في علم الُاصول بحسب النظر الثاني إما كون الكلام يطلق على المعنى القائم بالنفس فهو محله علم الكلام وليس في أُصول الفقه. (¬2) وفي "ب" والنظام. (¬3) وفي "ب" أنها.

المسألة الثانية

المسألة الثانية دلالة الألفاظ لو كانت لذواتها لما اختلفت بالُأمم ولاهتدى إليها كل عاقل. وخالف عباد (¬1) بن سليمان محتجاً بأنه لو لم يناسب الاسم معناه (¬2) لترجح الجائز بلا مرجح. وجوابه: إن التخصيص من الله تعالى كتخصيص إيجاد العالم بوقت معين، ومن الناس كتخصيص الأعلام بالأشخاص. ثم إن كان وضع الكل من الله تعالى وهو مذهب الأشعري وابن فورك (¬3) سمي توقيفياً. وإن كان من الناس وهو مذهب أبي هاشم (¬4) وأتباعه سمي اصطلاحياً. وقيل: في ابتداء اللغات لابدّ من اصطلاح (¬5) دون الباقي (¬6) وقيل: بالعكس وهو مذهب الُأستاذ أبي إسحاق (¬7). ¬

_ (¬1) هو أبو سهل عباد بن سليمان الصيمري نسبة إلى صيمر آخر عراق العجم وهو من معتزلة البصرة. قيل إنه تزندق واختلف في وفاته والراجح أنها سنة 250 هـ ومذهبه كون اللفظ يفيد المعنى لذاته. لسان الميزان 3/ 229. (¬2) وفي "ب" مسماه بدل معناه. (¬3) هو أبو بكر محمد بن الحسن الأنصاري الأصولي المتكلم الفقيه الشافعي النحوي من تلاميذ البيهقي وأبي القاسم القشيري. له ما يقرب من مائة مصنف منها: تفسير القرآن ودقائق الأسرار وطبقات المتكلمين. قتله محمود بن سبكتكين عام 406 هـ. له ترجمة في: وفيات الأعيان 1/ 61، طبقات ابن السبكي 3/ 52، شذرات الذهب 3/ 181، مرآة الجنان 3/ 17، كشف الظنون 6/ 60، معجم المؤلفين 9/ 208. (¬4) هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب تتلمذ على والده حتى فاقه وتنسب له البهشمية من المعتزلة. من آرائه في الُأصول: امتثال الأمر لا يوجب الإجزاء. له كتاب في الاجتهاد وكتب كثيرة في علم الكلام توفي عام 321 هـ. له ترجمة في: وفيات الأعيان 1/ 361، الفهرست 247، معجم المؤلفين 5/ 230، روضات الجنان 7/ 291، طبقات الأصوليين 1/ 183. (¬5) وفي "هـ" الاصطلاح. (¬6) سقط من "ب، د" قيل. (¬7) هو إبراهيم بن محمد الإسفرائيني الملقب بركن الدين الفقيه الشافعي المتكلم الُأصولي. شارك الباقلاني في الأخذ عن محمد بن أحمد الطائي صاحب أبي الحسن الأشعري. وعنه أخذ عبد الجبارين علي الأسفرائيني وعن أبي القاسم أخذ إمام الحرمين الجويني وعن إمام الحرمين أخذ حجة الإسلام الغزالي. قال ابن خلكان له رسالة في الُأصول، وله الجامع في =

وتوقف (¬1) جمهور المحققين في الكل، لأنه يمكن أن يخلق الله تعالى فيهم علماً ضرورياً بأن هذه الألفاظ وضعت لهذه المعاني. وبأن يضع الواحد اللفظ للمعنى ويعرفه غيره بإيماء أو إشارة ويساعده غيره عليه كتعليم الوالد لغته ولده. ولا جزم بواحد لضعف دليله فوجب التوقف. حجة التوقف وجوه: أ- قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (¬2) دلّ أن الأسماء توقيفية فكذا الأفعال والحروف. لأنه لا قائل بالفرق، ولأن التكلّم بها وحدها متعذر، ولأنها إنما سمِّيت أسماء (¬3) لكونها علامة على معانيها. ب- قوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} (¬4). وإنما يصح الذم لو كان غيرها من الأسماء توقيفياً. ج- قوله تعالى.: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} (¬5) وليس المراد اختلاف تأليفاتها لأنه في غير الألسن أبلغ بل اختلاف لغاتها. فى- إنه لا بدّ في الاصطلاح من تعريف الغير ما في الضمير بطريق يدل لا بالاصطلاح لئلا يتسلسل، بل بالتوفيق. وبه تمسك الُأستاذ لكنه قال هذا في الابتداء، أما في الدوام فقد يحصل اصطلاح، بل هو معلوم الوقوع. ¬

_ = أُصول الدين في خمسة مجلدات. ترجم له معجم المؤلفين 1/ 161، تبيين كذب المفتري 143، طبقات الشيرازي 106، طبقات ابن السبكي 3/ 111، وفيات الأعيان 1/ 4. (¬1) اختار جمهور المحقِّقين التوقف، بمعنى أنه جائز أن يكون الوضع من الله تعالى وحينئذٍ يسمى توقيفياً، وذلك للأدلة الواردة وأهمها: - قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}.وقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ}. وجائز أن يكون الوضع من الناس لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} وغير ذلك من الأدلة. ولذلك توقف جمهور المحققين ومنهم القاضي أبو بكر والإمام الرازي والقاضي البيضاوي (انظر نهاية السول 2/ 23). (¬2) [البقرة: 21]. (¬3) في (ب، جـ، د) اسما. (¬4) [النجم: 23]. (¬5) [الروم: 22].

هـ (¬1) - الاصطلاح يرفع الأمان عن الشرع (¬2) لجواز تبدل اللغات. حجة الاصطلاح وجهان: أ- قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (¬3) دلّ على تقدم اللغة على البعثة المتوقف عليها التوقيف. ب- حصول التوقيف إما بخلق (¬4) الله تعالى علماً ضرورياً بوضعه هذه الألفاظ إما في غير عاقل وهو بعيد جداً أو في عاقل، وأنه يتضمن العلم به تعالى فيكون ضرورياً وأنه ينافي التكليف بمعرفته وإما بطريق آخر ولا يتسلسل بل ينتهي إلى الاصطلاح. والجواب عن: أ- إن التعليم هو الفعل الصالح لحصول العلم. يقال علّمته فما تعلم. والإِقدار على الوضع كذلك. ثم العلم الحاصل بعد الوضع بإيجاده تعالى ولأن الاسم مشتق من السمو أو السمة. فما يكشف عن حقيقة شيء اسم وتخصيصه بالألفاظ لعُرفٍ طارئ. فلعله أراد بالأسماء الصفات من صلاحية المخلوقات للمصالح. سلّمنا أنه ينافي وضع آدم عليه السلام. لكنه لا ينافي وضع مَن سبقه من خلق الله تعالى. ب- إن الذم لاعتقاد تحقّق الإِلهية في الصنم. جـ- المعارضة بمجاز آخر وهو الإِقدار على اللغات. د- النقض بتعليم الولد ولده. سلّمنا توقيف لغة فلم تتعين هذه. هـ- إن التغير لو وقع لاشتهر وسنجيب عن النقض بمعجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمر الإِقامة في الأخبار. و- منع توقف التوقيف على البعثة. ¬

_ (¬1) من هنا بدأت مخطوطة ألمانيا. (¬2) وفي (أ) (من) بدل (عن). (¬3) [إبراهيم: 4]. (¬4) وفي (ب، جـ) لخلق.

المسألة الثالثة

ز- أنه يجوز أن يخلق الله تعالى العلم الضروري (¬1) بأن واضعاً وضع لا أنه تعالى وضع، سلّمناه فَلِمَ لا يجوز أن يعلم المجنون بالعلم الضروري بعض الأحكام الدقيقة؟. المسألة الثالثة الإِنسان لاحتياجه إلى غيره يحتاج إلى تعريفه ما في ضميره بطريق. واختيرت العبارة طريقاً لسهولتها فإنها من كيفية التنفس الضروري ولوجودها عند الحاجة وانقضائها عن انقضائها. ولإِمكان الإِفادة بها كان ما في الضمير موجوداً أولاً، محسوساً أولاً. ولقلة لزوم الاشتراك فيها (¬2). ثم لو كان لكل معنى لفظ والألفاظ متناهية دون المعاني لوجد لفظ مشترك بين معاني غير متناهية وهو مُحال لافتقار الوضع لذلك (¬3). ومعرفته منّا إلى تعقلها مفصلًا. نعم ما تشتد الحاجة إلى التعبير عنه يجب الوضع له للداعي التام مع القدرة. وما لا يعرفه العوّام لا يكون اللفظ المشهور موضوعاً له كلفظ الحركة لما يقوله مثبتوا الحال من المعنى الموجب لكون الذات متحركاً. المسألة الرابعة ليس الغرض من وضع الألفاظ المفردة إفادة معانيها المفردة لتوقف إفادتها إياها على العلم بها. بل التمكّن من إفادة المعاني المركبة بتركيب الألفاظ ويكفي في تلك الإِفادة العلم بوضع الألفاظ المفردة بحركاتها المخصوصة (¬4) لتلك المعاني وانتساب بعضها إلى بعض بالنسب المخصوصة فلا يلزم الدور. ¬

_ (¬1) وفي "جـ" بعد الضروري "في العاقل". (¬2) سقط من "أ" فيها. (¬3) وفي "ب، جـ" كذلك. (¬4) سقط من "ب" (لتلك المعاني وانتساب بعضها إلى بعض بالنسب المخصوصة).

المسألة الخامسة

ولا وضعت الألفاظ للدلالة على ما في الخارج بل في الذهن، أما المفردة فلاختلافها عند تغير الصورة (¬1) الذهنية واستمرار الخارجية (¬2)، وأما المركبة فلأن قولك "زيد قائم" لا يفيد قيام زيد وإلا لم يكن كذباً بل حكمك به. نعم قد يستدل بالحكم على الوجود الخارجي إذا عرفت (¬3) براءته عن الخطأ. ولقائل أن يقول (¬4): اختلاف اللفظ الموضوع للخارجي ممنوع في نفس الأمر، وجواز إطلاق اللفظ على الشيء مشروط باعتقاد أنه كذلك في الخارج. والكذب في المركب إنما يمتنع لو كانت دلالته قاطعة. المسألة الخامسة معرفة العربية واجبة لتوقف معرفة شرعنا على معرفة القرآن والأخبار الواردين بها. ولا طريق إليها بالعقل بل بالنقل أو بالمركب منهما. كما يعلم (¬5) كون الجموع للعموم بالعقل بواسطة نقل جواز الاستثناء منها وأنه إخراج ما لولاه لدخل. والنقل إما متواتر يفيد العلم أو آحاد يفيد (¬6) الظن. فإن قيل التواتر ممنوع إذ (¬7) اختلف في أكثر الألفاظ دوراناً على الألسن كلفظ ¬

_ (¬1) وفي (ب، جـ، د) الصور. (¬2) وبيان ذلك: أننا وجدنا اللفظ يدور مع المعاني الذهنية دون الخارجية. فإذا شاهدنا شيئاً وظنناه حجراً أطلقنا لفظ الحجر عليه فإذا قربنا منه وظنناه شجرة أطلقنا لفظ الشجرة عليه. ثم إذا ظنناه بشراً أطلقنا لفظ البشر عليه مع أن المعنى الخارجي لم يتغير. (¬3) وفي "هـ" عرف. (¬4) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله: أنه موجه لقول الأمام أن الألفاظ وضعت للصورة الذهنية بدليل تغيرها عند تغير الذهن مع بقاء المعنى الخارجي واحداً. وهو أن هذا الدليل وهو اختلاف اللفظ الموضوع إنما كان جوازه لاعتقاد أنه في كل مرة كان في الخارج كذلك. ولهذا فاللفظ موضوع للمعنى من حيث هو، بقطع النظر عن كونه ذهنياً أو خارجياً. (¬5) وفي "هـ" نعلم. (¬6) وفي "هـ" نفيد. (¬7) وفي "أ، ب، د" إذا.

الله تعالى اختلافاً كثيراً أهو سوري (¬1) أو عربي مشتق (¬2) أو موضوع مع اختلاف كثير فيما اشتق منه. وما وضع له أهو الذات أو كونه قادراً أو معبوداً أو بحيث تتخير العقول في إدراكه أو غيره. وكذا الإِيمان والصلاة وغيرهما. ولأن شرطه استواء الطرفين والواسطة. ولم يعلم ولا يعتمد على أنه لو تغير لاشتهر. إذ ليس وضع لفظ معين لمعنى واقعة عظيمة ولأنه منقوض بما يتكلم به العرب الآن من ألفاظ وإعرابات فاسدة. وبالألفاظ المنقولة إذ لا يعلم مَن غيَّر ولا متى غُيِّر. ثم اشتهر أخذ اللغات عن جمع خاص كالخليل (¬3) وغيره مع قلتهم وعدم عصمتهم والقطع بأن الكل لم ينقل كذباً لا يفيد القطع بصدق واحد معين. والآحاد لا تفيد الظن ما لم تسلم عن القدح والمعارضة. ورواة اللغة جرَّح (¬4) بعضهم بعضاً. وقال بعضهم زيد في اللغة وآخر نقص منها. وبعد إفادتها الظن كيف نقطع بشيء من مدلولات القرآن والأخبار. والتمسك بالمركب موقوف على امتناع التناقض على الواضع ولا علم به. والإِجماع فرع هذا الطريق فإثباته به دور. والجواب: أنّا نعلم ضرورة أن الألفاظ المشهورة كالأرض والسماء وغيرهما كانت في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - مستعملة في معانيها المعلومة. وأكثر القرآن منها. وما ليس منها لا يثبت به إلا الظن. ويثبت وجوب العمل به بالإِجماع. ويثبت الإِجماع بآية ألفاظها منها ويزول الإِشكال. ¬

_ (¬1) جميع نسخ التحصيل والمحصول "سوري" وكتب التفسير تقول سرياني وهي لغة معروفة. (¬2) وفي "أ" مشتق. (¬3) هو الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي الأزدي البصري أبو عبد الرحمن نحوي لغوي مبتكر علم العروض. له: العروض والشواهد والنقط والشكل والإيقاع والجمل توفي عام 170 هـ. له ترجمة: في وفيات الأعيان 2/ 244. معجم المؤلفين 4/ 112 مرآة الجنان 1/ 362. مفتاح السعادة 1/ 107. معجم الأدباء 4/ 181. كشف الظنون 2/ 1136 البلغة في تاريخ أئمة اللغة: 79. (¬4) فيه إشارة إلى ما أورده ابن جنّي في كتابه الخصائص: باب سقطات العلماء. وكذلك إلى تعقب المبرد كتاب سيبويه. انظر الخصائص 2/ 287.

الفصل الثاني في تقسيم الألفاظ

" الفصل الثاني" في تقسيم الألفاظ دلالة اللفظ على تمام مسمّاه هي المطابقة. وعلى جزئه التضمّن. وعلى لازمه الالتزام وليعتبر في الكل كونه كذلك احترازاً عن اللفظ المشترك بين الشيء وجزئه أو لازمه وفي الالتزام اللزوم الذهني إذ لا فهم دونه. لا الخارجي لحصول الفهم دونه كما في الصدين والاستدلال بتلازم (¬1) الجوهر والعرض. وعدم استعمال لفظ أحدهما في الآخر ضعيف (¬2) إذ دلالة اللفظ غير استعماله، ولأنه استدلال بانتفاء الشيء ومع تحقّق غيره على عدم اعتبار الغير. والدّال بالمطابقة مفرد إن لم يدل جزء منه على شيء حين هو جزؤه، ومركب إن دلّ (¬3) جزء منه كذلك وما يدل جزء منه دون جزء غير موجود (¬4). والمفرد جزئي أن منع نفس تصور معناه من الشركة، وكلّي إن لم يمنع وهو إن دلّ على تمام الماهية كان مقولًا في جواب ما هو؟ بحسب الشركة والخصوصية إن صلح لذلك حالتي الجمع والإِفراد بالسؤال كالنوع بالنسبة إلى أفراده. وبحسب الشركة فقط إن صلح له (¬5) حالة الجمع فقط كالجنس بالنسبة إلى أنواعه. وبحسب الخصوصية فقط إن صلح له (5) حالة الإِفراد فقط كالحدّ بالنسبة إلى محدوده. ¬

_ (¬1) وفي "أ، ب" تلازم. (¬2) هذا التضعيف من القاضي الأرموي. (¬3) وفي "ب، د" كل جزء. (¬4) عدم وجوده راجع لكون أحد الجزئين مستعمل والآخر مهمل وهر غير مفيد ولا واقع. (¬5) سقط من "جـ" له من الموضعين.

وإن دلّ على جزء الماهية فإن لم يكن مشتركاً بينها وبين ماهية ما غيرها كان فصلًا قريباً. وإن كان تمام المشترك كان جنساً قريباً أو بعيداً. وإن لم يكن تمام المشترك كان بعضاً منه مساوياً له دفعاً للتسلسل. وكان (¬1) فصلاً بعيداً لصلاحيته لتمييز الماهية. عن شيء ما في ذاته. ولو فسر الفصل بتمام المميز لم يكن حصر (¬2) الجزء في الجنس والفصل والأجناس تنتهي في الارتقاء إلى ما لا جنس فوقه وهو جنس الأجناس. والأنواع في النزول إلى ما لا نوع تحته وهو نوع الأنواع. وإن دلّ على (¬3) الخارج عن الماهية فهو إما لازم لها أو لشخصيتها بوسط وهو المقرون بقولنا "لأنه" حين قال لأنه كذا. أو بغير وسط. وإما غير لازم بوطء زواله أولًا. وأيضاً الخارج خاصة إن اختص بالماهية وإلا فعرض عام (¬4). وأيضاً المفرد إن لم (¬5) يستقل بالمفهومية فهو الحرف. وإن استقل ودلّ على زمان معيق لمعناه فهو الفعل. وإلا فهو الاسم. فإن كان مسمّاه جزئياً مضمراً فهو المضمر وإن كان مظهراً فهو العَلَم. وإن كان كلياً هو نفس الماهية فهو اسم الجنس عند النحاة. وإن كان موصوفية أمر ما بصفةٍ فهو المشتق. ثم حصول الكلي بإن كان في بعض تلك المواضع أولى أو أقدم فهو المشكك (¬6) والا فهو المتواطئ وأيضاً المفرد إن وافقه غيره في معناه ¬

_ (¬1) وفي "ب" (فكان). (¬2) وفي "ب" (لم يكن حصر الجزء). (¬3) سقط من "ب" على. (¬4) العرض العام: كلي مقول على أفراد حقيقيةٍ واحدة وغيرها قولاً عرضياً. فقولنا "وغيرها" يخرج النوع والفصل والخاصة لأنها لا تُقال إلا عن حقيقة واحدة فقط. وبقولنا: قولاً عرضياً يخرج الجنس لأنه قول ذاتي (تعريفات الجرجاني ص 129). (¬5) وفي "ب" "لا" بدل (لم). (¬6) المشكك: هو الكلي الذي لم يتساو صدقه على أفراده بل كان حصوله في بعضها أولى أو أقدم أو أشد من البعض الآخر كالوجود فإنه في الواجب أولى وأقدم وأشد في الممكن (تعريفات الجرجاني: ص 192).

سميا مترادفين (¬1) وإلا فمتباينين (¬2). وأيضًا إنه قد ينسب لمعنى غير واحد. فإن وضع أولًا لمعنى ثم نقل إلى غيره لا لمناسبة بينهما فهو المرتجل (¬3). أو لمناسبة فإن ترجح المنقول إليه سمي منقولاً شرعيًا أو عرفياً أو اصطلاحيًا على اختلاف الناقلين. وإلا سمي بالنسبة إلى الأول حقيقة وإلى الثاني مجازًا. ومنه المستعار وهو المنقول للمشابهة. وإن وضع لهما وضعًا أولًا فهو المشترك إن نسب إليهما. والمجمل إن نسب إلى كل واحدٍ منهما. وأيضًا المفرد إن لم يحتمل غير معنى فهو النص وإن احتمله سواء سمي مجملًا (¬4) وإلَّا سمي بالنسبة إلى الراجح ظاهرًا (¬5). وبالنسبة إلى المرجوح مؤولًا. والنص الظاهر يشتركان في الرجحان. والمجمل والمؤول في عدمه. واللفظ (¬6) بالنسبة إلى الأول يسمى محكماً وإلى الثاني متشابهًا. ولا يحسن جعل الظاهر من قبيل وضع اللفظ لمعنيين (¬7). وأما المركب فإما أن يفيد طلب شيء إفادة أولية فإن كان المطلوب ¬

_ (¬1) المترادفين: ما كان معناهما واحداً ولفظهما مختلفًا كالليث والأسد (تعريفات الجرجاني ص 135). (¬2) المتباينين: ما كان لفظهما ومعناهما مختلفين كالإنسان والفرس (تعريفات الجرجانى ص 107). (¬3) المرتجل كما يتّضح من تعريفه (أنه ما وضع لمعنى ثم نقل إلى غيره لا لمناسبة بينهما). ولكن عرفه الجرجاني: ص 186 أنه هو الاسم الذي لا يكون موضوعًا قبل العلمية. (¬4) المجمل: هو ما خفي المراد منه بحيث لا يدرك بنفس اللفظ (تعريفات الجرجاني ص 180). (¬5) الظاهر: هو ما احتمل معنيين أحدهما أرجح من الآخر فالراجح يسمى ظاهراً والمرجوح مؤولًا. (¬6) وفي "أ، جـ" واللفظ. (¬7) قوله: (ولا يحسن جعل الظاهر من قبيل وضع اللفظ لمعنيين) فيه اعتراض على الإِمام الرازي. حيث قال الإِمام في المحصول (أما إذا كان اللفظ موضوعًا للمعنيين جميعًا فإما أن تكون إرادة ذلك اللفظ لهما على السوية أو لا تكون على السوية ... إلى أن قال وأما إن كانت دلالة اللفظ على أحد مفهوميه أقوى سمي اللفظ بالنسبة إلى الراجح ظاهراً وبالنسبة للمرجوح مؤولًا) انظر المحصول: 1/ 1/ 314.

ذكره (¬1) فهو الاستفهام وإن كان تحصيله فهو مع الاستعلاء أمر ونهي: ومع التساوي التماس. ومع الخضوع سؤال وإما أن لا يفيده فإن احتمل التصديق كان خبراً وإلا تنبيهاً ومنه التمنّي والترجّي والقَسَم والنداء. والدال بالالتزام إما مفرد - فإن كان معناه الالتزامي شرطًا للمطابقي سمي اقتضاء عقلية (¬2) كانت الشرطية أو شرعية (¬3) - وإما مركب وهو إما أن يكون الالتزامي مكمِّلًا للمطابقي كدلالة تحريم التأفيف على تحريم الضرب أولا يكون. وهو إما ثبوتي كدلالة قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} (¬4) مادّاً إلى تبين الخيط الأبيض على صحة صوم المصبح جنبًا. أو عدمي كدلالة تخصيص الشيء بالذكر على نفي ما عداه. واعلم أن اللفظ قد يدل على لفظ مفرد أو مركب قال على معنى أو غير دال. والأول كلفظ الكلمة والاسم، والثاني (¬5): كلفظ الخبر، والثالث (¬6): كحرف المعجم الدال على لفظ لا يفيد. ولم يوجد الرابع (¬7) إذا لتركيب للإفادة. ¬

_ (¬1) أي ذكر ماهيته. (¬2) مثال دلالة الاقتضاء العقلية: قولنا: اصعد، فإنه يستلزم نصب السلم لأنه شرط يتوقف عليه الصعود. (¬3) ومثال ذلك الاقتضاء الشرعية قولنا "اعتق عبدك" فإنه يستلزم تحصيل الملكية الذي هو شرط العتق. (¬4) [البقرة: 187]. (¬5) أي اللفظ المركب الدال على معنى مركب. (¬6) أي اللفظ المفرد غير الدال على معنى. (¬7) أي اللفظ الدال على لفظ مركب لم يوضع لمعنى.

الفصل الثالث في الأسماء المشتقة

" الفصل الثالث" في الأسماء المشتقة وفيه مسائل المسألة الأولى قال الميداني (¬1): الاشتقاق (¬2) أن تجد بين اللفظين تناسبًا في المعنى والتركيب فتردّ أحدهما إلى الآخر. وأركانه: اسم وضع لمعنى. وآخر له نسبة إلى ذلك المعنى. ومشاركتهما في الحروف الأصلية. وتغير يلحق ذلك الاسم في حرف أو حركة أو فيهما بزيادة أو نقصان أو بهما. " المسألة الثانية" (¬3) لا يصدق المشتق بدون المشتق منه لاستحالة الكل بدون الجزء. ¬

_ (¬1) هو أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميداني النيسابوري ولد ونشأ وتوفي بنيسابور عام 518 هـ كان من أئمة اللغة والأدب والنحو. له الأمثال والسامي في الأسامي ونزهة الطرف في علم الصرف. له ترجمة في: وفيات الأعيان 1/ 46، بنية الوعاة 155، الأعلام 1/ 208، روضات الجنات 1/ 291، معجم الأدباء 2/ 107، البداية 12/ 194، مرآة الجنان 3/ 223، نزهة الألبا 466. (¬2) وعرفه الجرجاني ص 21 أنه (نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنًى وتركيباً ومغايرتهما في الصيغة). (¬3) منشأ الخلاف في هذه المسألة مسألة كلامية راجعة لصفات الله تعالى وهي أن أبا علي وأبا هاشم الجبائيين المعتزليين يقولان إنَّ عالمية الله تعالى واجبة له سبحانه وليست معللة بالعلم. لأن الواجب لا يعلل بالغير. وذلك تبعًا لشبهتهم في إنكار صفات الله تعالى حيث قالوا: لو اتصف الباري بها فإن كانت حادثةً لزم أن يكون الباري سبحانه محلًا للحوادث. وإن كانت قديمة لزم تعدّد القدماء. فمَن أثبت الذات مع الصفات الثمان التي تثبتها الأشاعرة كان كفره =

وجوّزه أبو علي (¬1) وأبو هاشم. إذ قالا العلم والقدرة والحياة (¬2) معانٍ توجب العالميَّة والقادِريَّة والحيية الثابتة لله تعالى دونها. ولا بدون (¬3) بقائه خلافًا لأبي علي بن سينا (¬4) وأبي هاشم. إذ يصدق بعد الضرب أنه ليس بضارب لصدق الأخص منه وهو قولنا ليس بضارب في الحال ¬

_ = أعظم من كفر النصارى بثلاث مرات لأن النصارى قالوا: إن الله ثالث ثلاثة. وقد أجاب الإِمام فخر الدين الرازي رحمه الله عن شبهتهم وآرائهم في صفات الله تعالى جوابًا شافيًا في كتابه الأربعين. والذي دفعنا للإشارة لهذه المسألة الكلامية هو تعلقها بهذه المسألة اللغوية. ومما يجدر الإشارة إليه أن المعتزلة يعللون العالمية بالنسبة للمخلوق بالعلم. (¬1) هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران المعروف بالجبائي أحد أئمة المعتزلة والمتكلمين أخذ عنه أبو الحسن الأشعري ولد عام 235 هـ، وتوفي عام 303 هـ. له: مقامات المعتزلة. والرد على أهل السنة. ترجم له وفيات الأعيان 4/ 267، الأنساب 1/ 121، مفتاح السعادة 2/ 165، مرآة الجنان 2/ 241، الجبائيان لعلي فهمي خشيم 57. (¬2) وفي "أ، ب، د"، الحيوية. (¬3) كان اختصار الأرموي هنا مخلًّا وذلك أنه دمج مسألتين في مسألةٍ واحدة. فالمسألة الأولى: هي الاختلاف في صدق المشتق بدون المشتق منه وارتضى الأرموي تبعًا للرازي عدم صدق المشتق دون المشتق منه لاستحالة صدق الكل بدون الجزء وخالفه في ذلك الجبائيان أبو علي وأبو هاشم. والمسألة الثانية: بقاء وجه الاشتقاق هل هو شرط لصدق المشتق أم لا. ونقل الأرموي عن الرازي أنه شرط. وخالف في ذلك أبو علي بن سينا وأبو هاشم الجبائي المعتزلي. فيكون بداية المسألة الثانية من قوله: (ولا بدون بقائه) ونظرًا لترابط المسألتين أراد الأرموي حرصاً على الاختصار جعلهما مسألة واحدة فحدث الالتباس للناظر فيها لأول وهلة. وقوله: (ولا بدون بقائه) معطوف على قوله: (لا يصدق المشتق بدون المشتق منه). واعلم أن المشتق إن أطلق باعتبار الحال أو كان المعنى موجودًا حال الإطلاق فهو حقيقة بالاتفاق. وإن كان باعتبار المستقبل كقوله تعالى: {إنك ميت} فهو مجاز بالاتفاق. فإن كان باعتبار الماضي ففيه الاختلاف المذكور. انظر المحصول 1/ 1/ 329، ونهاية السول 1/ 205. (¬4) هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا البلخي الفيلسوف ويلقب بالشيخ الرئيس. له من الكتب: القانون، تقاسيم الحكم، لسان العرب، الموجز في المنطق، ديوان شعر. توفي عام 428 هـ. له ترجمة: في الملل والنحل للشهرستاني 2/ 159، ومرآة الجنان 3/ 47، عيون الأنباء ص 437.

فلا يصدق قولنا ضارب. لأن استعمال أهل اللغة كل واحد منهما لتكذيب الآخر يدل على عدم تناقضهما وتناولهما لزمان معين. وإذ ليس هو غير الحاضر وفاقًا فهو عينه. ولقائل أن يقول (¬1): لا نسلم أن قولنا ليس بضارب في الحال سلبٌ أخصٌ بل سلبُ أخصٍ كقولنا: الحمار ليس بحيوان ناطق. ثم لا نسلم تناولهما للزمان الحاضر. إذ الفرق بين قولنا ضارب وبين قولنا ضارب في الحال معلوم بالضرورة من أهل اللغة. وكذا في السلب. وهذا يصلح ابتداء دليل في المسألة. وإنما يستعملان في التكاذب عند توافق المتخاطبين على إرادة (¬2) زمان معين حاضر أو غيره. ثم إنه معارض بما أنه يصدق في الحال أنه ضارب في الماضي وأنه أخص من قولنا ضارب فليصدق. ولهما وجوه: أ- صحة تقسيم الضارب إلى الضارب في الماضي والحال. ب- اتفاق أهل اللغة على أن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل عمل الفعل إذ يدل على جواز إطلاقه بمعنى الماضي والأصل فيه الحقيقة. جـ - لو شرط البقاء لما كان اسم المخبر والمتكلم حقيقة إذ لا يوجد معناهما دفعة ولا اسم المؤمن عندما لا يكون الشخص متلبسًا بمعنى الإِيمان. والجواب عن: أ- النقض بصحة تقسيمه إلى الحال والمستقبل. ب- المعارضة باتفاقهم على أنه إذا كان بمعنى المستقبل عمل عمل الفعل. ¬

_ (¬1) ملخص اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله على دليل الإِمام الذي رد به على ابن سينا وأبي هاشم. وهو قوله إن الضارب في الحال أخص من مطلق الضارب فقولنا ليس بضارب في الحال نفي للأخص ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم فلا يلزم من صدقه صدق ليس بضارب. كقولنا: الحمار ليس بحيوان ناطق فإنه صادق على أنه لا يصدق قولنا: إنه ليس بحيوان. (¬2) سقط من "أ، جـ، د" إرادة.

المسألة الثالثة

ولقائل أن يقول (¬1): فيما ذكرناه تقليل المجاز فكان أولى. جـ - أن المعتبر وجود آخر جزء مما لا يوجد دفعة. ودعوى الإِجماع على عدم الفرق ممنوع. والتسمية المذكورة مجاز، إذ لا يقال للصحابة كفره (¬2) ولليقظان نائم باعتبار ما مضى. ولقائل أن يقول: الحقيقة قد تهجر لمعارض (¬3) من تعظيم أو عرف أو غيرهما (¬4). " المسألة الثالثة" المعنى الذي له اسم يجب أن يشتق منه لمحله اسم. ولا يجوز أن يشتق لغير محله منه اسم. والمعتزلة تخالف أصحابنا فيهما إذ قالوا: الله تعالى متكلم بكلام يخلقه في جسم. ولا يسمى ذلك الجسم متكلماً وتمسكوا (¬5) بأن القتل قائم بالمقتول ولا يسمى قاتلًا وأجيبوا بأن القتل هو التأثير القائم بالقاتل. وأجابوا بأن التأثير نفس وقوع الأثر. وإلا فإن كان حادثًا تسلسل وإلا لزم قدم الأثر وتقدم النسبة على المنتسبين. وأيضًا المكي والحداد مشتقان مما يمتنع قيامه بمحل الاشتقاق. ¬

_ (¬1) ملخص اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله هذا أن ما ذكر على رأي الإِمام أنه يلزم منه تكثير المجاز. إذ إن الضارب مجاز في الاستقبال اتفاقاً ومجاز في الماضي على رأي الإِمام. وأما على الرأي الآخر يكون حقيقة في الماضي فيقل المجاز وهو أولى. (¬2) وفي "ب" بالكفرة. (¬3) وفي "هـ" لعارض. (¬4) قال جمال الدين الإسنوي في نهاية السول 1/ 211. وفي جواب القاضي الأرموي في التحصيل نظر. حيث إنه صرح بأن المانع من وصف الصحابة بالكفرة هو تعظيمهم وهو أمر عارض. وذلك لأن هذا الجواب مخالف لقاعدة مشهورة وهي أن امتناع الشيء متى دار إسناده بين عدم المقتضي ووجود المانع كان إسناده إلى عدم المقتضي أولى. لأننا لو أسندناه إلى وجود المانع لكان المقتضي قد وجد وتخلف أثره والأصل عدمه وعلى هذه القاعدة لا يصح جوابهم لأن الرازي يدعي أن امتناع إطلاق الكافر لعدم المقتضى وهو وجود المشتق منه حالة الإطلاق والمجيب يدعي أن امتناعه لوجود المانع فكان الأول أولى. (¬5) وفي "أ" أو تمسكوا.

ولقائل أن يقول (¬1): العلم بأن التأثير غير وقوع الأثر ضروري ثم لا برهان على وجوب الانتهاء إلى أثر أخير بل إلى مؤثر أول. والتسلسل في الثاني ممنوع وتقدم النسبة على محلها ممتنع دون المنسوب إليه كالتقدم. ولعل الأصحاب لا تدعي ذلك إلَّا في المشتق من المصادر. تنبيه: المشتق لا يدل على حقيقة ما سميَ به بل على (¬2) أنه أمر ما له المشتق (¬3) منه. ¬

_ (¬1) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله على الإِمام الرازي في قوله إن التأثير نفس وقوع الأثر. وأنه يلزم التسلسل لكونه حادثًا. ولم يسلم الأرموي أن التأثير نفس وقوع الأثر. بل هما متغايران ولم يسلم بالتسلسل. وكذلك منع الأرموي استحالة تقدم النسبة على المنتسبيْن وذلك كالمتقدم فإن نسبته بين المتقدم والمتأخر وأنه متقدم على المتأخر وكذلك منع ما أورده من اشتقاق المكي مع أنه لا يقوم بمحل الاشتقاق وذلك بأن الأصحاب لا تقول بذلك إلا في المشتق من المصادر. وهذا مشتق من الأعيان. (¬2) سقط من "ب" على. (¬3) وفي "ب" مشتق.

الفصل الرابع في الترادف والتوكيد

" الفصل الرابع" في الترادف والتوكيد وفيه مسائل " المسألة الأولى" المترادفان: هما اللفظان المفردان الدالان على مسمى واحد باعتبار واحد. والقيد الأول احتراز عن الرسم (¬1) والحد (¬2). والأخيران: عن الموضوعين لذاتين ولذات وصفة (¬3). والتأكيد: هو اللفظ الموضوع لتقوية ما يفهم من آخر. وبه يفرق بينه وبين الترادف، والفرق بينه وبين التابع أن التابع وحده لا يفيد. ¬

_ (¬1) وفي "أ" الإسم. والرسم نوعان: تام وناقص. فالرسم التام: ما يتركب من الجنس القريب والخاصة. كتعريف الإنسان بالحيوان الضاحك. والرسم الناقص: ما يكون بالخاصة وحدها أو بها وبالجنس البعيد. ومثال الأول تعريف الإنسان بالضاحك. والثاني بالجسم الضاحك. (تعريفات الجرجاني ص 75). (¬2) الحد: لغة المنع وسُميت الحدود الشرعية حدوداً لأنها تمنع المكلف من الوقوع في ما يوجبها وفي الاصطلاح نوعان: الحد التام: وهو ما يتركب من الجنس والفصل القريبين كتعريف الإنسان بالحيوان الناطق، الحد الناقص: وهو ما يتركب من الفصل القريب وحده. كتعريف الإنسان بالناطق. أو بالفصل القريب والجنس البعيد كتعريف الإنسان بالجسم الناطق (تعريفات الجرجاني ص 56). (¬3) مثال قوله لذات وصفة: السيف والصارم. فالأول: باعتبار الذات، والثاني: باعتبار الصفة.

المسألة الثانية

" المسألة الثانية" جواز الترادف والتأكيد معلوم بالضرورة واستقراء اللغات يدل على وقوعهما، وأنكر الملاحدة (¬1) التأكيد وقوم الترادف. وزعموا أن ما يظن أنه (¬2) من المترادفة فهو من المتباينة تباين (¬3) الصفتين أو الصفة والموصوف. ثم الداعي إلى الترادف: التسهيل والإِقدار على الفصاحة برعاية الوزن والقافية والسجع وأصناف البديع والتمكن من التعبير بأحدهما إذا نسي الآخر ووضع القبيلتين (¬4) واشتهاره. وإلى التأكيد ما يأتي من فوائد. وقيل: الأصل عدم الترادف لإِخلاله بالفهم عند اختلاف علم المتخاطبين بالمترادفين. " المسألة الثالثة" النظر إلى اتحاد معنى المترادفين يوهم صحة (¬5) إقامة كل واحد منهما مقام الآخر (¬6) وليس كذلك إذ قد يختص أحدهما بصحة ضمه إلى غيرهما كالمترادفين من لغتين لكنه (¬7) قد يمتنع ذلك كما في المترادفين من لغتين. واعلم أن أحد المترادفين قد يكون أجلى فيكون شرحًا للآخر وقد يختلف الجلاء بالأمم. ¬

_ (¬1) وصف القاضي الأرموي رحمه الله المنكرين للتأكيد بالملاحدة تبعًا للرازي وذلك ليس لإنكارهم التأكيد بل لما رتبوه عليه ونفذوا إليه وهو الطعن في القرآن بوجود الحشو فيه الذي يؤدي إلى عبث الواضع تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. (¬2) سقط من "هـ" أنه. (¬3) وفي "هـ" بتباين. (¬4) وفي "ب، د"، القبيلين والصحيح ما أثبتناه لتوافقه مع المحصول 1/ 1/ 351. (¬5) وفي "ب" موهم. (¬6) سقط من ب (وليس كذلك إذ قد يختص أحدهما بصحة ضمه إلى غيرهما كالمترادفين من لغتين). (¬7) سقط من (جـ، هـ) (لكنه قد يمتنع ذلك كما في المترادفين من لغتين).

المسألة الرابعة

" المسألة الرابعة" قد يؤكد الشيء بنفسه بأن يكرر، وبغيره. فالمختص (¬1) بالمفرد النفس والعين وبالمثنى كلا وكلتا وبالجمع أجمعون واكتعون (¬2) وأبصعون والكل وهو (¬3) أم الباب. ¬

(¬1) وفي "أ" والمختص. (¬2) وفي (أ، جـ، د، هـ) أبتعون واخترت أكتعون لموافقتها للمحصول 1/ 1/ 356. (¬3) إشارة إلى لفظ "الكل".

الفصل الخامس في الاشتراك

" الفصل الخامس" في الاشتراك وفيه مسائل " المسألة الأولى" المشترك (¬1): هو اللفظ الواحد المتناول لعدد معان من حيث هو كذلك بطريق الحقيقة على السواء. خرج بالقيد الأول: المتباينان. وبالثاني: العلَم. وبالثالث: المتواطئ. وبالرابع: ما تناوله العدد أو لبعضه بالمجاز. وبالخامس: المنقول. ثم قيل: هو واجب في اللغة لأن الألفاظ متناهية فلو وزعت على المعاني وهي غير متناهية وجب الاشتراك. ولأن اللفظ العام كالوجود واجب في اللغة. ووجود كل شيء عين ماهيته فوجب الاشتراك. وجوابه ما تقدم: أنه لم يوضع للمعاني الغير متناهية (¬2) لفظ مفرد. ولا نسلم وجوب الاشتراك. وإن سلمنا المقدمتين إذ يجوز وضع لفظ الوجود لأمر عام وقيل هو ممتنع لمفاسد الاشتراك من إخلاله بالفهم التام وغيره. وجوابه: إن تلك المفاسد لا توجب النفي كما في أسماء الأجناس. ويدل على إمكانه أن ذكر الشيء إجمالًا قد يكون غرض المتكلم حيث لا يعلم التفصيل أو يكون ذكره مفسدة. والوضع (¬3) يتبع الغرض، ولأن القبيلتين ¬

_ (¬1) وعرف الرازي المشترك بأنه (اللفظ الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعًا أوّلًا من حيث هما كذلك) المحصول 1/ 1/ 359. (¬2) وفي (أ، جـ، د، هـ) المتناهية. (¬3) سقط من "أ" (والوضع يتبع الغرض ولأن القبيلتين قد تضعان ثم يشتهر الوضعان).

المسألة الثانية

قد تضعان ثم يشتهر الوضعان. وقيل: لم يقع. وما يظن مشتركًا فهو متواطئ أو حقيقة في معنى مجازٌ في آخر، فالعين وضع للجارحة المخصوصة ثم نقل إلى الدينار والشمس (¬1) والماء لمشابهتها إياها في الصفاء والضياء. وغالب الظن وقوعه لتردد الذهن عند سماع القرء (¬2) بين الطهر والحيض بلا قرينة. ثم المشترك قد لا يصدق أحد مفهوميه على الآخر كالقرء وقد يصدق صدق الجزء على الكل كالممكن. أو صدق الصفة على الموصوف كالأسود إذا سُمي به شخص أسود. " المسألة الثانية" إطلاق المشترك بين النقيضين لا يفيد، فوضع اللفظ لذلك عبث. ولقائل أن يقول: هذا لا ينفي ما يحصل من وضع القبيلتين (¬3). ثم سبب وقوع الاشتراك ما مضى وسبب معرفته هو سماع تصريح أهل اللغة به (¬4) أو وجدان دليل كون اللفظ حقيقة بالنسبة إلى معنيين. وزيد فيه (¬5) الاستعمال وحسن الاستفهام وسيأتي ضعفهما. ¬

_ (¬1) سقط من "ب" والماء. (¬2) وفي "ب" من. (¬3) اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله موجه إلى استدلال الإمام الرازي رحمه الله على عدم جواز كون اللفظ مشتركاً بين النقيضين بعدم الفائدة من هذا الوضع فيكون عبثاً وهذا الدليل لا ينفي إلا كونه واقعًا من واضع واحد. والوضع من شخص واحد هو الأقل احتمالاً. حيث أنه على الأكثر يكون الوضع من واضعين فلذا فالدليل ينفي جزء المدعى فقط. (نهاية السول 1/ 230). (¬4) سقط من (أ، ب، جـ، د) به. (¬5) زاد بعض المستدلين على وجوب المشترك طريقين. أولهما: إن استعمال اللفظ في معنيين ظاهر في أنه حقيقة فيهما وهو الاشتراك. ثانيهما: حسن الاستفهام إذا تردد بين المعنيين وهو علامة الاشتراك وضعف الأرموي هذين الطريقين.

المسألة الثالثة

" المسألة الثالثة" جوز الشافعي (¬1) والقاضي أبو بكر رضي الله عنهما استعمال المشترك المفرد في معانيه على الجمع وهو قول الجبائي والقاضي عبد الجبار (¬2). ومنع آخرون وهو قول أبي هاشم وأبي الحسين (¬3) البصري والكرخي (¬4). ثم المانع يرجع إلى القصد عند بعض وإلى الوضع عند بعض وهو المختار. إذ الموضوع للمفردات ما لم يوضع للمجموع لم يجز استعماله فيه وحينئذٍ لو استعمل في جميع معانيه لزم أن يحصل الاكتفاء بكل مفرد لاستعماله فيه وأن لا يحصل ولا بواحد لاستعماله في المجموع وهو محال. ولقائل أن يقول (¬5): النزاع في استعماله في كل واحد من المفهومات ¬

_ (¬1) هو الإمام أبو عبد الله بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي المطلبي، ولد سنة 150 هـ بغزة، وتوفي بمصر عام 204 هـ، صاحب الأم ومؤسس علم الأصول، وهو أشهر من أن يعرف. ترجم له: وفيات الأعيان 4/ 163، طبقات الأسنوي 1/ 11، طبقات ابن السبكي 1/ 100، ابن كثير 10/ 251، النجوم الزاهرة 2/ 176، تذكرة الحفاظ 1/ 329، مرآة الجنان 2/ 13، طبقات المراغي 1/ 133، وفي مناقبه كتب. (¬2) هو عبد الجبار بن أحمد ويكنى أبا الحسين أحد أئمة المعتزلة ويلقب بقاضي القضاة. شافعي في الفروع معتزلي في الأصول. له من المطبوع (تنزيه القرآن عن المطاعن). شرح الأصول الخمسة والمغني تُوفِّي عام 415 هـ. ترجم له الأعلام 4/ 47، طبقات المعتزلة 122، طبقات الأسنوي 1/ 354، طبقات ابن السبكي 3/ 219، تاريخ بغداد 11/ 113. (¬3) في جميع نسخ التحصيل القاضي حسين وفي المحصول 1/ 1/372 أبو الحسين والذي يظهر أنه ليس من النساخ بل وهم وقع للقاضي الأرموي رحمه الله والله أعلم. (¬4) هو أبو الحسن عبيد الله بن الحسن بن دلال بن دلهم الكرخي الفقيه الحنفي من كرخ جدان، ولد عام 260 هـ، له المختصر في الفقه وشرح الجامع الكبير والجامع الصغير لمحمد بن الحسن. له رسالة مطبوعة في الأصول عني بها نجم الدين النسفي. وله اختيارات في الأصول تخالف مذهب أبي حنيفة توفي عام 340 هـ ترجم له تاريخ بغداد 10/ 353، ابن الأثير 8/ 178، ابن كثير 11/ 224، النجوم الزاهرة 3/ 306. (¬5) ظاهر كلام الإمام رحمه الله في المحصول أنه اختار منع استعمال المشترك المفرد في معانيه وذلك بحجة أنه يلزم المحال لأنه يلزم من ذلك الاكتفاء بكل مفرد لاستعماله فيه، وأن لا يحصل الاكتفاء ولا بواحد لاستعماله في المجموع، ولكن القاضي الأرموي رحمه الله، قال بأن النزاع في استعماله في كل واحد من المفهومات. أي في كل فرد فرد على حدته =

لا في كلها وبينهما فرق. ثم استعمال اللفظ في معنى لا يوجب الاكتفاء (¬1) به مع استعماله في غيره معه. كاستعمال العام في كل واحد من أنواعه وأفراد أنواعه. وأيضًا المحال المذكور يلزم من استعماله في كل واحد من المفردين فلا حاجة (¬2) إلى المقدمة الأولى. وأيضًا إن عني بالوضع للمجموع ما يعم الحقيقة والمجاز لا يلزم من استعمال اللفظ في جميع معانيه استعماله في المجموع. وإن عني به المختص بالحقيقة لا يلزم من عدم الوضع له عدم جواز استعماله فيه. للمجوزين وجوه: أ- قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (¬3) والصلاة من الله تعالى رحمة (¬4) ومن الملائكة استغفار. ب- قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} (¬5). الآية. أراد بالسجود من الدواب الخشوع (¬6) ومن الناس ¬

_ = بالمطابقة، وليس المراد هو الكلي المجموعي أي: كجعل مجموع المعنيين مدلولاً مطابقيًا، كدلالة العشرة على آحادها. (¬1) سقط من "ب" به. (¬2) (وفي أ، د، جـ) فلا حاجة به. (¬3) [الأحزاب: 56]. (¬4) فسر الصلاة من الله تعالى بالرحمة تبعًا للمحصول. ولكن صاحب الحاصل لم يرتض ذلك، حيث أبدلها بالمغفرة محتجًا بأن استعمال الرحمة في حق الله ليس حقيقة بل مجازًا. لأن الرحمة في الحقيقة رقة القلب، وهو منزه عنها فيكون ذلك جمعاً بين الحقيقة والمجاز، وليس بين الحقيقتين كما هو المدعى. وقد اعترض صاحب الحاصل على الاستدلال بهذه الآية، ولم يرضه البيضاوي في منهاجه حيث قال: إن في يصلون ضميراً عائداً إلى الله تعالى، وضميرًا يعود إلى الملائكة. وتعدد الضمائر بمثابة تعدد الأفعال، فكأنه قال: إن الله يصلي وملائكته تصلي والنزاع هو في استعمال اللفظ الواحد في معنييه. وأجاب الأسنوي أن الفعل لم يتعدد في اللفظ قطعاً وإنما تعدد في المعنى وهو عين الدعوى. (¬5) كان ينبغي إكمال الآية لعدم وجود موضع الشاهد في المذكور وتمامها: {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18]. (¬6) وردت الخشوع تبعًا للمحصول وفسرها الإِمام في تفسيره بالخضوع 6/ 149.

وضع الجبهة على الأرض (¬1) لتخصيص كثير ممن حق عليه العذاب منهم. جـ - أراد بلفظ القرء في آية العدة الطهر والحيض لوجوب الاعتداد على المرأة المجتهدة بكل واحدٍ منهما بشرط أداء اجتهادها إليه. د- قول سيبويه (¬2): قول القائل ويل لك (¬3) دعاء، وخبر جعله مفيدًا لهما. والجواب (¬4): لو صح ما ذكرتم لكان اللفظ موضوعًا للمجموع كما للآحاد لئلا يلزم استعماله في غير موضعه وحينئذٍ يكون مستعملًا في أحد مفهوماته لا في كلها لما بينا وقد عرفت ما فيما بيَّن (¬5). التفريع: إن منع في المفرد فمنهم من جوز في الجمع نفياً وإثباتًا والحق المنع إذ قوله: اعتدي بالأقراء معناه بقرء وقرء. والمفرد لا يفيد إلاَّ واحدًا فكذا جمعه. وفي النفي نظر إذ لم يدلنا قاطع على أن الواضع ما استعمله لإفادة الكل. وقد يجاب عنه بأن النفي يرفع مقتضى الإِثبات وهو واحد ولو أريد به المسمى بهذا الاسم صار اللفظ كالمتواطئ. ولقائل أن يقول (¬6): إذا كان الجمع معناه تعديد الأفراد جاز أن يفاد به الكلي كما بالمفردات. ولأنهم يجمعون العام لإِفادة الأشخاص المختلفة. ¬

_ (¬1) سقط من (أ، ب، جـ، د) على الأرض. (¬2) هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ويلقب بسيبويه. وهو لقب فارسي. معناه: رائحة التفاح، ولد سنة 148 هـ بالبيضاء إحدى قرى شيراز. نشأ بالبصرة وأخذ العلم عن شيوخها، وألّف كتابه المشهور. له ترجمة في طبقات النحويين للسيرافي 48، مراتب النحويين 65، معجم الأدباء 6/ 80. وفيات الأعيان 3/ 463، البلغة في تاريخ أئمة اللغة 173، والأعلام للزركلي 5/ 252، مفتاح السعادة 1/ 153. (¬3) سقط من "أ" ويل لك. (¬4) عن الوجوه المتقدمة كلها لا عن قول سيبويه وحده. (¬5) وفي "هـ" وقد عرفت ما فيه: وهذه العبارة من قول القاضي الأرموي إشارة إلى اعتراضه المتقدم وهو أنه لا يلزم من عدم الوضع للمجموع استعماله في غير ما وضع له فالاستعمال في كل واحد لا يستلزم الاستعمال في الجميع. (¬6) قال التستري إن هذا الاعتراض غير متوجه على الإِمام. قال الرازي (إنه إذا لم يفد المفرد فكذا جمعه إذ الجمع تفصيل الآحاد) واعترض الأرموي: (بأن الجمع لما كان تعديد الآحاد =

المسألة الرابعة

وإن جوز في المفرد فقد قال الشافعي وأبو بكر (¬1): المشترك (¬2) إذا تجرد عن القرينة وجب حمله على جميع معانيه. وفيه نظر لأن اللفظ ما لم يوضع للمجموع لا يجوز استعماله فيه وحينئذ لو استعمله فيه مع أنه أحد المعاني لزم الترجيح بلا مرجح. والترجيح بالأحوط سنتكلم عليه. ولقائل أن يقول (¬3): هذا ينفي الجواز أَيضًا فلا يتمسك به تفريعًا عليه. " المسألة الرابعة" الأصل عدم الاشتراك لوجوه: أ- إنه لولاه لما حصل فهم المخاطب ولا أفادت السمعيَّات الظن. ولقائل أن يقول (¬4): ظن وضع اللفظ للمعنى يوجب حمله عليه ¬

_ = جاز أن يفيد كل آحاده كما جاز إفادة الكل بالمفردات) كلام الإِمام في المنع في الجمع متفرع على المنع في المفرد وليس الكلام في الجواز في المفرد تبعًا للجواز في الجمع. انظر المحصول 1/ 1/378. واعترض الأرموي أيضًا بقوله: (لأنهم: يجمعون العلم لإِفادة الأشخاص المختلفة) وقد بين التستري دفعه عن الإِمام بأنه لا يسلم بأنهم جمعوا الأعلام من حيث أنها أعلام، بل جمعوها باعتبار أنهم نقلوها أولاً إلى المسمى، ثم جمعوها فصار كاسم الجنس، فيكون متواطئًا لا مشتركًا، فخرج من محل النزاع، ويؤكد ذلك دخول لام العهد عليها، ولو صح جمع العلم فالفرق بينه وبين المشترك ظاهر، حيث إن جمع العلم لتعيين مدلوله. أما جمع المشترك كالعيون مثلًا لاحتمال الأنواع وأفرادها. (¬1) هو القاضي أبو بكر الباقلاني تقدمت ترجمته في صفحة 1/ 172. (¬2) سقط من "ب" إذا. (¬3) هذا/ إشارة إلى ما ذكر دليلًا على نفي وجوب الحمل على الكل، يقتضي نفي جواز الحمل على الكل، وذلك لأنه جاز استعماله في الكل حقيقة. (¬4) اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله متوجه لدليل الِإمام الرازي الأول، وهو أن المشترك لا يحصل به فهم المخاطب، ولا تفيده السمعيات الظن. واعترض الأرموي أن وضع اللفظ على سبيل الاشتراك لمعنيين كافٍ في الفهم، والظن، وفي الحقيقة كان من الواجب على الإِمام الرازي رحمه الله أن يقيد عبارته كما فعل جمال الدين الأسنوي فتكون (أنه إذا كان اللفظ مشتركًا لا يحصل الفهم حال التخاطب إلا بالاستفسار) فيدل ذلك على أن الفهم ليس منتف بالكلية، ولكن تحدث مشقة في الحصول عليه، تزيد عن وضع الكلمة لمعنى واحد فقط. (انظر نهاية السول 1/ 228).

المسألة الخامسة

وإن احتمل وضعه لغيره احتمالًا سواء. وأنه كافٍ في الفهم والظن. ب - الانفراد أكثر للاستقراء وأنه آية الرجحان. وإنما يلزم من اشتراك الحروف، وكثير من الأسماء بين المعاني، واشتراك الفعل الماضي بين الخبر والدعاء، والمضارع بين الحال والاستقبال، والأمر بين الندب والوجوب كثرة الاشتراك لو لم تكن الأسماء المنفردة أكثر من الألفاظ المشتركة. جـ - الاشتراك يخل بالفهم ويوقع في الجهل بتعذر الاستكشاف لمهابة القائل أو استنكاف السامع عن السؤال. ويضر بالقائل بحمله (¬1) على ما يضره ولم يرده وذلك يوجب ظن عدمه. د - الحاجة إلى وضع الألفاظ المنفردة ضرورية لما سبق دون المشتركة (¬2) لحصول التعريف الإِجمالي بالترديد فكان أولى. ولقائل أن يقول: هذان (¬3) لا ينفيان وضع القبيلتين وهو السبب الأكثري (¬4) للاشتراك. " المسألة الخامسة" المشترك إن تجرد عن القرينة بقي مجملًا، إن منعنا حمله على كل مفهوماته وإن كان معه قرينة، فإن اعتبرت بعض المفهومات تعيَّن. وإن ¬

_ (¬1) وفي "أ" لحمله. (¬2) وفي (أ، جـ، د) المشترك. (¬3) هذان إشارة إلى إبطال الدليلين الثالث والرابع أي"جـ، د" وتوجيه ذلك: إن المفاسد المذكورة تكون حاصلة لو كان الواضع واحدًا. وأما وضع قبيلة لفظًا إزاء معنى ثم قبيلة أخرى لفظًا آخر، وإن استلزم المفاسد لعدم علم كل منهما بوضع الأخرى. ولم يرض التستري هذا الاعتراض من القاضي، إذ إن المفاسد حاصلة عند علم المخاطب بالوضعين ولو كان من وضع القبيلتين. وقد يكون مراد الإِمام رجحان الانفراد على الاشتراك. ويتوجه الاعتراض على الدليل الرابع ما توجه على الدليل الثالث. وقد وافق الأسنوي القاضي الأرموي حيث قال واعلم أن أكثر هذه الوجوه لا ينفي وقوع الاشتراك مطلقًا، بل من واضع واحد وهو السبب الأقلي. انظر نهاية السول 1/ 228 وحل عقد التحصيل لوحة 19. (¬4) وفي (أ، جـ) الأكثر.

المسألة السادسة

اعتبرت كلها وهي متنافية كان كالمتجرد. وإن لم تكن متنافية فقيل بتعارض القرينة والدليل المانع من استعماله في كل مفهوماته فتعيَّن الترجيح بينهما (¬1)، وهو خطأ. إذ الدليل المانع قاطع فلا تعارض. سلمناه. لكنه يحتمل كون اللفظ موضوعًا للمجموع كما للآحاد. أو (¬2) أنه تكلم به مرتين. وإذ لا تعارض فليحمل (¬3) على الكل. وإن ألغت القرينة بعضها والباقي واحد تعيَّن. وإن كان أكثر بقي مجملًا فيه (¬4). وإن ألغت كلها والحقائق ومجازاتها متساوية بقي مجملًا في مجازاتها. وإن تساوت الحقائق دون مجازاتها أو بالعكس حمل على المجاز الراجح أو مجاز (¬5) الراجحة. وإن لم تتساو الحقائق ولا مجازاتها، فإن ترجح مجاز الراجحة تعيَّن، وإلا طلب ترجيح آخر. " المسألة السادسة" جاز حصول المشترك (¬6) في القرآن والأخبار. بل وقع في آية العدة وفي قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} (¬7) فإنه مشترك بين الإِقبال والإِدبار. حجة (¬8) المانع: إنه لو لم يقصد من اللفظ المشترك الإِفهام أو قصده بلا بيان لزم العبث أو تكليف ما لا يطاق. وإن بيَّن مقارنًا (¬9) له كان تطويلًا ¬

_ (¬1) وفي "ب" بينها. (¬2) سقط من "ب" أنه. (¬3) وفي "ب" فيحمل. (¬4) سقط من "ب" فيه. (¬5) أي يحمل على مجاز الحقيقة الراجحة. (¬6) وفي "ب" حصوله بدل حصول المشترك. (¬7) [التكوير: 17]. (¬8) وفي "ب" احتج. (¬9) سقط من "أ، جـ" له.

بلا فائدة وإلا أمكن أن لا يصل إليه (¬1) البيان فيبقى الخطاب مجهولًا (¬2). والجواب (¬3) على مذهبنا: أنه تعالى يفعل ما يشاء. وعلى مذهب المعتزلة ما سيأتي في تأخير البيان عن وقت (¬4) الخطاب. ¬

_ (¬1) سقط من "أ" إليه. (¬2) وفي "جـ" مجملًا بدل مجهولًا. (¬3) وفي "هـ" وجوابها. (¬4) سقط من"هـ" وقت.

الفصل السادس في الحقيقة والمجاز

" الفصل السادس" في الحقيقة والمجاز وفيه مسائل " المسألة الأولى" قال أبو الحسين (¬1): "الحقيقة ما أفيد بها في اصطلاح به التخاطب ما وضعت (¬2) له فيه". والمجاز: "ما أفيد به في اصطلاح به التخاطب غير ما وضع له لعلاقة بينهما". وهذا (¬3) القيد لم يذكره ولا بد منه ليخرج عنه الوضع الجديد. ومن يشترط (¬4) الوضع في المجاز زاد فيه "معنى مصطلحًا عليه" وهذان يتناولان الحقيقة اللغوية والشرعية والعرفية ومجازاتها. وقال أبو عبد الله البصري (¬5) أولًا: (الحقيقة ما انتظم لفظها معناها بلا ¬

_ (¬1) تصرَّف الأرموي في تعريف أبي الحسن للحقيقة. حيث قال أبو الحسين في المعتمد 1/ 16 (ما أفيد بها ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به) وعرف أبو الحسين المجاز بأنه (ما أفيد به معنى مصطلحًا عليه غير ما اصطُلح عليه في أصل تلك المواضعة التي وقع التخاطب بها). (¬2) في "جـ، ب" وضع بدل وضعت. (¬3) أي لم يذكر أبو الحسين "العلاقة بينهما" وهو زيادة من الرازي وعلل الرازي هذه الزيادة بأنه لولاها لما كان مجازًا بل كان وضعًا جديدًا. وزاد الرازي في تعريف أبي الحسين للمجاز (معنى مصطلحًا عليه) وقال بعد أن أضافها من لم يقل بوضع المجاز يجب عليه حذف هذه الزيادة، ومن قال لا بد في المجاز من الوضع جاز له إثباتها، والأرموي حذفها من أصل التعريف كما ترى. (¬4) وفي "جـ، د" ومن شرط. (¬5) هو أبو عبد الله الحسين بن علي البصري من كبار المعتزلة توفي عام 369 هـ له ترجمة في: =

زيادة ونقصان (¬1) ونقل). والمجاز: (ما لا ينتظم لفظه معناه إما بزيادة (¬2) أو نقصان أو نقل) وهو خطأ لأن المجاز بالزيادة والنقصان للنقل إلى موضوع آخر معنى وإعرابًا. أما معنى فلأن قوله: ليس كمثله شيء {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} لنفي مثل المثل وسؤال القرية وقد نقلا إلى نفي المثل وسؤال أهل القرية. وأما إعرابًا فلأنهما ما لم يغيرا إعراب الباقي لم يكونا مجازين كقولهم: جاءني (¬3) زيد وعمرو، وقال (¬4) ثانيًا الحقيقة: "ما أفيد بها ما وضعت له" والمجاز: "ما أفيد به غير ما وضع له". وقال ابن جني (¬5): الحقيقة ما أقرت في الاستعمال على أصل وضعها في اللغة والمجاز بضده (¬6) وهما متقاربان. وقال عبد القاهر النحوي (¬7): (الحقيقة كل كلمةٍ أريد بها ما وقعت له في وضع واضعها وقوعًا لا يستند فيه إلى غيره) والمجاز: (كل كلمة أريد بها ¬

_ = طبقات الشيرازي 143، الفهرست 294، كشف الظنون 5/ 307، طبقات المعتزلة ص 325. (¬1) وفي "ب" أو نقصان أو نقل. (¬2) وفي "جـ، د" لزيارة. (¬3) وفي "أ" جاء زيد. (¬4) أبو عبد الله البصري: وقد بيَّن الرازي بطلان تعريف أبي عبد الله هذا لأنه يدخل في الحقيقة ما ليس منها، كلفظة الدابة إذا استعملت في النملة، فقد أفيد بها ما وضعت له في أصل اللغة، مع أنها بالنسبة للوضع العرفي "مجاز" فبذلك يكون قد دخل المجاز العرفي في حد الحقيقة. ولم ينبه الأرموي رحمه الله على فساد هذا التعريف. (¬5) هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي النحوي ولد بالموصل عام 330 هـ له الخصائص وسر الصناعة واللمع والتبصرة والمنصف توفي عام 392 هـ ترجم له وفيات الأعيان 3/ 246، مرآة الجنان 2/ 445، مفتاح السعادة 1/ 135، معجم الأدباء 5/ 15، معجم المؤلفين 6/ 251. (¬6) وقد بيَّن الرازي ضعف تعريف ابن جني حيث أورد عليه أنه غير جامع حيث يخرج عن حد الحقيقة "الحقيقة الشرعية والحقيقة العرفية" وهما داخلان في حد المجاز عنده. (¬7) هو عبد القاهر بن عبد الرحمن المكنى بأبي بكر الجرجاني النحوي المتكلم على مذهب الأشعري الفقيه الشافعي. كان من كبار أئمة العربية والبيان وله من المصنفات كتابي المغني والمقتصد في شرح الإيضاح. ودلائل الإعجاز توفي عام 474 هـ على خلاف في ذلك. ترجم له: فوات الوفيات 1/ 612، كشف الظنون 1/ 602، طبقات الأسنوي 2/ 491، طبقات ابن السبكي 5/ 149، بغية الوعاة 2/ 106، مرآة الجنان 3/ 101.

المسألة الثانية

غير ما وقعت له في وضع واضعها لملاحظة بينهما) وهذه الثلاثة تخرج الحقيقة الشرعية والعرفية عن حد الحقيقة وتدخلها في حد المجاز وأيضًا قوله في الأول منها (المجاز ما أفيد به غير ما وضع له) لا بد وأن يريد به مع القرينة وحينئذ (¬1) ينتقض باستعمال لفظ الأرض في السماء والأعلام المنقولة. واعلم أن لفظي الحقيقة والمجاز حقيقتان في المعنيين عرفيتان (¬2). مجازان لغويان. إذ الحقيقة فعيلة من الحق وهو الثابت إذ يذكر في مقابلة الباطل الذي هو المعدوم. والفعيل بمعنى الفاعل أو المفعول. والتاء (¬3) لنقل اللفظ من الوصفية إلى الإسمية. فلا يقال شاة أكيلة ونطيحة. ثم نقل إلى العقد. ثم إلى القول المطابق (¬4) لأنهما بالوجود أولى من غير المطابق. ثم إلى اللفظ المستعمل في موضوعه، لأن استعماله فيه تحقيق لذلك الوضع. والمجاز مفعل من الجواز إما بمعنى التعدي وأنه مختص بالجسم فاستعماله في اللفظ مجاز للتشبيه ولأن بناء المفعل للمصدر أو الموضع لا للفاعل. فاستعماله في اللفظ المنتقل (¬5) مجاز. وأما بالمعنى المذكور في مقابلة الوجوب والامتناع فإنه وإن أمكن حصوله في اللفظ لكنه يرجع إلى الأول. لأن الجائز لتردده بين الوجود والعدم كأنه ينتقل من أحدهما إلى الآخر. " المسألة الثانية" احتج الجمهور على الحقيقة اللغوية بأن ما استعمل فيه اللفظ إن كان ما وضع له كان حقيقة فيه وإلا مجازًا لكنه فرعها فلا بد منها وهو ضعيف إذ ¬

_ (¬1) وفي "أ، د" تنتقض. (¬2) في العبارة تعقيد ناتج عن تقديم وتأخير: ومدلولها: إن لفظي الحقيقة والمجاز حقيقتان عرفيتان، في المعنيين، ومجازان بالنسبة لأصل اللغة. (¬3) وفي "أ" والياء. (¬4) وفي "د، هـ" المطابقين. (¬5) وفي "ب" المستعمل.

المجاز فرع الوضع ونفي الوضع لمعنى ليس بحقيقة بل يتوقف بعده على استعمال اللفظ فيه وقد لا يتفق. نعم ها هنا ألفاظ مستعملة في موضوعاتها فهي حقائق فيها. والحقيقة العرفية: (هي اللفظة المنتقلة عن معناها إلى غيره (¬1) بعرف الاستعمال العام أو الخاص). ولا شك في إمكانها. ووقوع الثاني كألفاظ أهل العلم والصنائع. والنزاع في وقوع الأول. والحق ثبوت تصرف العرف في الألفاظ باشتهار مجازاتها في الاستعمال بحيث يستنكر معها الحقائق كتسمية قضاء الحاجة بالغائط الموضوع للمطمئن من الأرض. والمزادة بالراوية الموضوعة للجمل الذي يحملها وبتخصيصها ببعض مسمياتها كتخصيص الدابة المأخوذة من الدبيب. والملَك والجن المأخوذين من الألوكة التي هي الرسالة ومن الاجتنان ببعض ما هو كذلك. وأما على غير هذين الوجهين فلم يثبت. والحقيقة الشرعية: (هي اللفظة (¬2) المستفاد وضعها للمعنى من الشرع). والقاضي أبو بكر منعها مطلقًا (¬3). والمعتزلة أثبتوها مطلقاً وزعموا أنها أسماء أجريت على الأفعال كالصوم والصلاة. أو الفاعلين كالمؤمن والفاسق، وسموا الثاني بالأسماء الدينية تفرقة بينه وبين الأول. والمختار (¬4) أن إطلاق هذه الألفاظ على هذه المعاني (¬5) مجاز لغوي. لأن إفادتها لها لو لم تكن عربية لما كان القرآن كله عربياً. لأن كون اللفظ ¬

_ (¬1) وفي "هـ" إلى غيرها. (¬2) وفي "أ" اللفظ. (¬3) في الحقيقة إنه لا خلاف في إمكان الوقوع والخلاف في الوقوع بالفعل (انظر المحصول 1/ 1/ 414، وحل عقد التحصيل لوحة 22). (¬4) الفرق بين مذهب المعتزلة والمذهب الذي اختاره الإِمام الرازي أن المعتزلة تقول: إن هذه الألفاظ لم تبق على المعنى اللغوي لا حقيقة ولا مجازًا. بل خرجت إلى وضع آخر جديد لا تعلق له باللغة والمذهب الذي اختاره الإِمام، يقول: إنها لم تخرج عن كونها مجازًا لغوياً (انظر حل عقد التحصيل لوحة 22). (¬5) سقط من "أ، جـ" على هذه المعاني.

عربيًا حكم يحصل له بإفادته لمعناه، وتسمية البقر (¬1) بالأسود مع نقط بيض فيه وتسمية الشِّعر بالفارسي مع كلمات عربية فيه مجاز لجواز (¬2) الاستثناء لكنه عربي لقوله تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} (¬3) وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (¬4). فإن قيل: هذا يقتضي كون هذه الألفاظ موضوعة لما استعملته (¬5) العرب فيه فلم تتناول محل النزاع. سلمناه: لكن القرآن حقيقة في بعض الكتاب أيضًا لوجوه: أ- لو حلف لا يقرأ القرآن حنث بالبعض (¬6). ب- القرآن مشتق من القراءة والقرء وهو الجمع وأنه حاصل في البعض والخارج عن الكتاب لا يسمى به للعرف. جـ - يقال هذا كل القرآن وهذا بعض القرآن والتكرار والنقص خلاف الأصل. د- أنه تعالى أراد بالقرآن المذكور في سورة يوسف نفسها، فلا يلزم من عربية القرآن عربية كل الكتاب، ويدل عليه أن الحروف في أوائل السور غير عربية والمشكاة (¬7) حبشية والأستبرق (¬8) والسجيل (¬9) فارسيان، والقسطاول (¬10) رومي. ¬

_ (¬1) وفي "أ" الثور بدل البقر طبقًا للمحصول. (¬2) وفي "ب" مجازان. (¬3) [الزمر: 28]. (¬4) [إبراهيم آية: 4]. (¬5) وفي "د، هـ" استعملتها. (¬6) قال الأسنوي رحمه الله في نهاية السول 1/ 253 عند ذكره هذا الدليل. واعلم أن ما ذكره من الحنث ممنوع. فقد نص الشافعي على ما حكاه الرافعي في أبواب العتق أنه لو قال لعبده: إن قرأت القرآن فأنت حر لا يعتق إلا بقراءة الجميع. (¬7) المشكاة: الكوة. قال الآمدي في الأحكام وابن الحاجب في المختصر أن المشكاة هندية. (¬8) الأستبرق: الديباج الغليظ. (¬9) السجيل: الحجر المصنوع من الطين. (¬10) القسطاس: الميزان.

ثم ما ذكرتم معارض بوجوه (¬1): أ - هذه (¬2) المعاني حدث تعقلها فلا بد من حدوث أسمائها كالولد يحدث فيوضع له اسم. ب - الإِيمان في اللغة التصديق وفي الشرع فعل الواجبات لوجوه: 1 - فعل الواجبات هو الدين لقوله تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (¬3). فإنه يرجع إلى جميع (¬4) ما تقدم والدين الإِسلام لقوِله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (¬5) والإِسلام الإِيمان، وإلَّا لم يقبل ممن ابتغاه لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (¬6). ولما صح استثناء المسلمين من المؤمنين لكن صح في قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (¬7). استثناء المسلمين من المؤمنين. 2 - قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (¬8) أي أعمالكم، وقيل: صلاتكم إلى بيت المقدس. 3 - قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬9) والرسول لا يستغفر للفاسق حالة (¬10) فسقه فلم يكن مؤمنًا. ¬

_ (¬1) وفي "ب" بوجهين. (¬2) وفي "ب" أن هذه. (¬3) [البينة: 5]. (¬4) وفي "أ، د، هـ" كل بدل جميع. (¬5) [آل عمران: 19]. (¬6) [آل عمران: 85]. (¬7) [الداريات: 35، 36]. (¬8) [البقرة: 143]. (¬9) [النور: 62] وفي "ب" خطأ في الآية. (¬10) وفي "ب" حال بدل حالة.

4 - قاطع الطريق يُخزى يوم القيامة لقوله تعالى: {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (¬1). مع قوله حكاية عنهم: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} (¬2) فإن عدم تكذيبهم فيه يدل على أنه صدَّقهم فيه. والمؤمن لا يخزى يوم القيامة لقوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} (¬3). 5 - لو كان الإِيمان نفس التصديق لما سُمي الشخص بعد الفراغ منه مؤمنًا لانتفاء شرط (¬4) صدق المشتق ولكان كل مصدِّقٍ ولو بالجبت والطاغوت مؤمنًا. ولكان المصدق بالله الساجد للشمس مؤمنًا. ولما جامع الشرك الإِيمان بالله لكنه يجامعه لقوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (¬5). جـ - الصلاة في اللغة المتابعة أو الدعاء أو عظم الورك. ولم تفد في الشرع شيئًا منها. إذ لم (¬6) يخطر بالبال عند سماعها. ولأن صلاة المنفرد والإِمام لا متابعة فيها ولا يكون (¬7) رأسه عند عظم ورك غيره وصلاة الأخرس لا دعاء فيها. د - الزكاة في اللغة الزيادة، وفي الشرع تنقيص مخصوص. والصوم في اللغة الإمساك، وفي الشرع إمساك خاص. والجواب عن: أ - إن هذا يقتضي وضع هذه الألفاظ لمعانٍ هي عند العرب حقائق فيها أو مجازات وتسمية الشيء باسم جزئه مجاز مشهور عندهم كتسمية الزنجي ¬

_ (¬1) [المائدة: 33] وفي "ب" ولهم عذاب النار. (¬2) [آل عمران: 192]. (¬3) [التحريم: 8]. (¬4) سقط من "جـ" شرط. (¬5) [يوسف: 106]. (¬6) وفي "ب" (لا) بدل (لم). (¬7) وفي "جـ، ب" كون بدل يكون.

بالأسود والدعاء جزء المسمى بالصلاة. بل الجزء المقصود لقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬1). لا يقال شرط المجاز تصريح أهل اللغة بتجويز النقل وهو بدون تعقل المنقول إليه ممتنع. لأنا نمنع شرطية التصريح على أنهم صرحوا بتجويز نقل اسم الجزء إلى الكل فيتناول هذا. ب- إجماع الأمة على أنه تعالى لم ينزل إلَّا قرآناً واحداً والوجوه الأربعة معارضة بما يقال في كل آيةٍ وسورة إنه بعض القرآن. ولقائل أن يقول: هذا لا يعارض الوجوه (¬2) لصدقه في المقول على الجزء والكل بالاشتراك اللفظي أو المعنوي (¬3). جـ - إن تلك الحروف عندنا أسماء السور (¬4)، وأنه لا امتناع في توافق العربية (¬5) للغة أخرى في مثل لفظ المشكاة. أ- إنه يكفي فيها المجاز بتخصيص (¬6) بعض الألفاظ ببعض مواردها وعن الوجوه الخمسة في ب: إنَّ لفظة "ذلك" (¬7) للوحدان والذكران فلا ينصرف إلى أمور كثيرة ولا إلى إقامة الصلاة. فلا بد من إضمار. وإضماركم الذي أمرتم به ليس أولى من إضمار الإِخلاص والدين (¬8)، إذ يدل ¬

_ (¬1) [طه: 14]. (¬2) وفي "جـ" الوجوه المذكورة. (¬3) خلاصة اعتراض القاضي هذا أن صدق بعض القرآن على كل آية وسورة لا يعارض الوجوه الأربعة المذكورة، لأنه يجوز أن يصدق أن كل آيةٍ وسورةٍ بعض القرآن، وكذلك يصح أن يطلق عليه أنه قرآن، لجواز أن يكون القرآن مشتركاً لفظياً بينهما فيستعمل فيهما، أو مشتركًا معنويًا. ولم يرتض التستري هذا الاعتراض فقال: وهو مدفوع إذ الأصل عدم الاشتراك اللفظي، والاشتراك المعنوي يستلزم تعدد القرآن. (حل عقد التحصيل لوحة 24). (¬4) هذا الرد لا يسلم للإمام الرازي حيث إن الحروف أسماء السور شرعاً ولا تعلق للغة بها على رأي المعتزلة كما تقدم. (¬5) وفي "ب" العرب. (¬6) سقط من "هـ" بعض. (¬7) إشارة لقوله تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}. (¬8) وفي "هـ" التدين بدل الدين.

عليهما قوله تعالى (¬1): {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (¬2). بل إضمارنا أولى لأنه تقرير اللغة: والمراد من قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (¬3). التصديق بوجوب تلك الصلاة وبقية الآيات معارضة بآيات تدل على محلية القلب للإِيمان كقوله تعالى: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} (¬4). وقوله تعالى: {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (¬5). وقوله تعالى: {يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} (¬6). وبقوله عليه السلام: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" (¬7). وبآيات تدل على ترتب الأعمال الصالحة على الإِيمان كقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (¬8). وقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا} (¬9). وقوله تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ} (¬10). وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} (¬11). وبآيات تدل على مجامعة الإِيمان للمعاصي كقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (¬12). وقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (¬13). ¬

_ (¬1) سقط من د: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} بل إضمارنا أولى لأنه تقرير اللغة والمراد من قوله تعالى. (¬2) [البينة: 5]. (¬3) [البقرة: 143]. (¬4) [المجادلة: 22]. (¬5) [النحل: 106]. (¬6) [الأنعام: 125] وفي "أ" فمن شرح الله صدره للإِسلام وفي "د" وشرح الله صدره للإِيمان. (¬7) جزء من حديث أوله: كان أكثر دعائه. أخرجه الترمذي عن أم سلمة ورمز له السيوطي بالحسن وقال الهيثمي فيه شهر بن حوشب وهو ضعيف (فيض القدير 5/ 167) وحسنه الترمذي عن أنس وصححه الحاكم عن جابر. وعند البخاري: "لا ومقلب القلوب". (كشف الخفا 2/ 390). (¬8) [الرعد: 29]. (¬9) [الطلاق: 11]. (¬10) [طه: 75]. (¬11) [طه: 112]. وفي "ب، د" ومن يعمل صالحاً وهو مؤمن. (¬12) [الأنعام: 82]. (¬13) [الحجر ات: 9].

والملازمة (¬1) الأولى متعارضة والثلاث (¬2) الباقية لا تفيد. فإنا نسلم أن الإيمان في الشرع ليس نفس التصديق بل تصديق النبي عليه السلام في كل أمر ديني علم بالضرورة مجيئه به. وعن جـ (¬3)، د، أنهما ينفيان كون تلك الألفاظ حقائق لغوية لا مجازات. " فروع" الأول: النقل خلاف الأصل لتوقفه على الوضع اللغوي ثم نسخه ثم وضع جديد. ولإِخلاله بالفهم ولأن الأصل بقاء ما كان على ما كان (¬4). الثاني: في الألفاظ الشرعية المتواطئ وفاقًا. واختلف في المشترك. والحق وقوعه إذ لفظة الصلاة مستعملة في معان لا يجمعها جامع كصلاة الأخرس والقاعد وصلاة الجنازة والصلاة بالإِيماء على مذهب الشافعي فهو بالاشتراك. ولقائل أن يقول (¬5): الفعل الواقع على أحد الوجوه المخصوصة جامع إياها فلم لا يجوز وضع لفظ الصلاة له. ¬

_ (¬1) الملازمة الأولى المراد بها أنه لو كان الأيمان نفس التصديق لما سمي الشخص بعد الفراغ منه مؤمنًا لانتفاء شرط صدق المشتق ويلزمكم على هذا أن الأيمان لو كان فعلًا لما سمي الشخص مؤمنًا بعد الفراغ منه لما ذكرتم. (¬2) والثلاث الباقية لا تفيد لأن الإِيمان ليس مجرد التصديق ليكون المصدق بالطاغوت والساجد للشمس والمصدق بالله مؤمنًا بل التصديق هو التصديق الخاص. وهو التصديق بالنبي عليه السلام في كل أمرٍ ديني عُلم بالضرورة مجيئه به. (¬3) وفي "ب" وعن "ب". وفي "د" عن "و، ز". وارتباك شديد في أرقام الأجوبة المتقدمة صححناها بحسب المادة المجاب عنها. (¬4) سقط من (ب) من أول الفرع الأول إلى "الأصل بقاء". وسقط من"جـ، أ" " (ثم نسخه) ". (¬5) ملخص اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله إنه (لا مانع أن تكون لفظة الصلاة من المتواطئ أي إطلاقها على صلاة الأخرس والقاعد والجنازة والصلاة بالإِيماء) ولم يرتض بدر الدين التستري جوابه، وقال: الحق إنها حقيقة في غيرها مجاز فيها، لأنها ليست المتبادرة إلى الذهن وهو دليل المجاز.

وأما الترادف (¬1) فالأظهر أنه لم يوجد إذ الترادف خلاف الأصل فيقدر بقدر الحاجة (¬2). الثالث: الأقرب أنه لم يوجد فعل شرعي كما وجد إلاسم للاستقراء ولأن الفعل يتبع المصدر. فيكون كونه شرعيًا بالعرض تبعًا (¬3) لكون المصدر شرعيًا لا بالذات. الرابع: صيغ العقود اخبارات لغة فإذا استعملت في الشرع لاستحداث الأحكام فالأقرب أنها إنشاءات لوجوه: أ- لو كان قوله أنت طالق إخبارًا عن الماضي أو الحال لامتنع تعليقه. أو عن المستقبل لما وقع الطلاق كما لو قال ستصيرين طالقًا (¬4). ب- لو كان إخبارًا كاذبًا لما اعتبر ولو كان صادقًا لما توقف وقوع الطلاق عليه لئلا يلزم الدور لتوقف صدق الخبر (¬5) على وقوع المخبر عنه. جـ - الأمر بالتطليق (¬6) يقتضي القدرة عليه ولا قدرة إلَّا على اللفظ فهو المؤثر في الطلاق. ¬

_ (¬1) وفي "أ، هـ " المترادف. (¬2) لم يرتض جمال الدين الأسنوي في نهاية السول 1/ 263 قول القاضي الأرموي تبعًا للإمام الرازي في المحصول رحمهم الله: (والأظهر أن الترادف لم يوجد في الألفاظ الشرعية) حيث إنه تقدم في كلام الإمام الرازي أن الفرض والواجب مترادفان، وهما من الحقائق الشرعية وتقدم أنه ذكر للحرام والمندوب إسمين آخرين. (¬3) سقط من "أ" تبعًا. (¬4) خلاصة هذا الدليل: إنه قد صح تعليق الطلاق على الشرط. ولو كان إخبارًا عن الماضي أو الحال لما صح التعليق ولكن صح فثبت أنه ليس إخبارًا عن الماضي أو الحال وكذلك لا يجوز أن يكون إخباراً عن المستقبل لأنه لا يقع الطلاق لو قال: (ستصيرين طالقًا في المستقبل) مع وضوحها ودقتها. فما كان أغمض لا يقع به الطلاق من باب أولى، فإذن لا يصح أن يكون إخباراً عن المستقبل. وبهذا ثبث عدم كونه إخبارًا عن الماضي والحال والاستقبال فثبت أنه إنشاء. (انظر نهاية السول 1/ 264). (¬5) وفي "أ، ب" المخبر بدل الخبر. (¬6) سقط من"ب" بالتطليق.

المسألة الثالثة

د- لو أضاف إلى الرجعية وقع، وإن صدق دون الوقوع (¬1). " المسألة الثالثة (¬2) " المجاز إما في مفردات الألفاظ كإطلاق الأسد على الشجاع أو المركب (¬3) دون مفرداته كقوله (¬4): أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كر الغداة ومر العشي (¬5) أو فيهما كقوله: (أحياني اكتحالي بطلعتك) فإن المفردات ونسبة بعضها إلى بعض مجاز. ومنهم من منع المجاز في المفرد بأن اللفظ لا يفيد المعنى المجازي بدون القرينة وهو معها لا يحتمل غيره، فكان حقيقة فيه وهو ضعيف. إذ المجاز لفظ لا يفيد إلا مع القرينة ودلالة القرينة ليست وضعية ليكون المجموع حقيقة. والمجاز المفرد على إثني عشر وجهًا (¬6): ¬

_ (¬1) الدليل الرابع من أدلة صيغ العقود إنشاءات لا أخبار. هو قول الرجل للمطلقة الرجعية (طلقتك) فإنه يقع عليه طلاق آخر. وإن كان قوله هذا صادقًا بدون وقوع هذا الطلاق. أي صادق بما حدث منه من التطليق سابقاً. (¬2) وفي "ب، جـ" الثانية. (¬3) اعترض جمال الدين الأسنوي في نهاية السول 1/ 266 على الإمام في المحصول وعلى أصحاب مختصراته لقولهم أو المركب، وقال: الصواب أو التركيب. (¬4) سقط من"ب" كقوله. (¬5) البيت للشاعر الصلتان العبدي وهو قتم بن خبيئة من عبد القيس انظر الشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 119، ومعاهد التنصيص 35، ومعجم الشعراء 49. وبيان وجه المجاز في البيت هو إسناد الشيب إلى كر الغداة ومر العشى والحقيقة أن الشيب بفعل الله. (¬6) قال القاضي الأرموي رحمه الله: والمجاز المفرد على إثني عشر وجهًا تبعًا للإمام الرازي الذي قال: والذي يحضرنا من أنواع المجاز المفرد إثنا عشر وجهاً ونقل الأسنوي رحمه الله عن العلامة صفي الدين الهندي أعظم تلاميذ صاحب التحصيل أنه قال يحضرنا من أنواعه واحد وثلاثون نوعاًّ وعددها. ولم يذكر ابن الحاجب إلا أربعةً فقط. نهاية السول 1/ 271.

أ - إطلاق اسم السبب على المسبَّب كان السبب قابليًا كقولهم: سال الوادي أو صُوريًا: كتسمية اليد بالقدرة. أو فاعليًا كتسمية المطر بالسماء. أو غائيًا: كتسمية العنب بالخمر. ب - عكسه (¬1) كتسمية المرض والمذلة (¬2) العظيمين بالموت ويحتمل كون هذا المجاز من باب المشابهة. والأول أقوى لاستلزام العلة المعينة للمعلول المعين من غير عكس. والعلة الغائية أولى الجميع لاجتماع العلية والمعلولية فيها. جـ - تسمية الشيء باسم شبيهه وهو المسمى بالمستعار. د - تسمية الشيء باسم ضده كتسمية جزاء السيئة سيئة (¬3) ويمكن جعله مجازًا للمشابهة. هـ - تسمية الجزء باسم الكل. و- عكسه. والأول أولى لأن الكل يستلزم الجزء بلا عكس. ز - تسمية إمكان الشيء باسم وجوده كتسمية الخمر في الدن بالمسكر. ح - إطلاق المشتق بعد زوال المشتق منه. ط - المجاز بالمجاورة كتسمية الشراب بالكأس ويمكن جعله مجازًا بسبب (¬4) القابل. ي - المجاز بسبب نقل أهل العرف اللفظ العرفي إلى معنى آخر كتسمية الكلب بالدابة. وهذا وإن كان حقيقة لغوية لكنه مجاز عرفي. ويمكن جعل هذا مجازًا للمشابهة. يا - المجاز بالزيادة والنقصان وقد سبقا (¬5). يب - تسمية المتعلق باسم المتعلق كتسمية المعلوم عِلمًا. ¬

_ (¬1) إطلاق المسبِّب على السبب. (¬2) وفي "أ" الذلة بدل المذلة. (¬3) وفي "أ، ب" بالسيئة بدل سيئة. (¬4) وفي "د" بالسبب. (¬5) في تعريف المجاز والحقيقة.

المسألة الرابعة

" المسألة الرابعة" (¬1) المجاز لا يدخل بالذات إلا في أسماء الأجناس. فإن الحرف إن ضُمَّ إلى ما ينبغي ضمه إليه كان حقيقة وإلا كان مجازًا في التركيب. ومجازية الفعل والاسم المشتق تابعة للمصدر والمشتق منه. والعلم لا علاقة بين مسماه وبين الأصل، وإنها (1) شرط المجاز. " المسألة الخامسة" (¬2) لا بد من السمع في استعمال المجاز لأن النخلة تطلق على الِإنسان الطويل دون غيره، ولأنه لا يعار الأبخر - اسم الأسد - وإن شابهه فيه. ولقائلٍ أن يقول (¬3): لعل المعتبر المشابهة في أخص الصفات وأشهرها (¬4). حجة المخالف وجهان: أ- الاتفاق على توقف استخراج وجوه المجاز على تدقيق النظر. ب- إذا قلت للشجاج أنه أسد فالتعظيم إنما يحصل بإعارة معناه دون لفظه فوجب الجواز حيث حصلت. والجواب عن: أ- إنَّ الموقوف جهات حسن المجاز لا نفسه. ب- إن الإِعارة أمر تقديري فيجوز منع الواضع منه في بعض الصور. ¬

_ (¬1) أي العلاقة بين الأصل والمجاز. (¬2) وفي "ب" سقط (الرابعة والخامسة). (¬3) ملخص اعتراض القاضي الأرموي على تعليل الإِمام الرازي لوجوب السمع في استعمال المجاز أنه لعل عدم إطلاق النخلة على غير الإِنسان الطويل، وعدم استعمال الأسد للرجل الأبخر، ليس لعدم السماع بل قد يكون هناك مناسبة مخصوصة بين الإنسان الطويل والنخلة لا توجد في غيرهما، ككونهما جسمين ناميين أو غير ذلك. وبالنسبة للأسد والرجل الأبخر ربما لم يستعمل ذلك؛ لعدم كون المناسبة ثابتة بينهما، أو اشتراكهما في صفة ظاهرة دون الخفية، وليس ذلك لعدم السماع. (¬4) وفي "ب" أو بدل الواو.

المسألة السادسة

"المسألة السادسة" (¬1) المجاز المركب عقلي كقوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} (¬2) وقوله تعالى: {مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ} (¬3) إذ الإِخراج والانبات مستندان إلى الله تعالى، وهوحكمٌ عقلي. فنقله نقل لحكم عقلي لا للفظ لغوي. ولا يقال (¬4): جاز أن يكون لفظ أخرج موضوعًا لصدور الخروج عن القادر فاستعماله في غيره يكون مجازًا لغوياً. لأن (¬5) أمثلة الأفعال لو دلت على خصوصية المؤثر لكان لفظ أخرج خبرًا تامًا (¬6). وقولنا أخرجه القادر تكرارًا. سلمنا: لكنها لا تدل على تعين القادر. وإلا لزم الاشتراك بحسب كل قادرٍ فإذا أضيف إلى غير القادر الذي صدر عنه (¬7) لا يكون التعبير واقعًا في مفردات الألفاظ بل في الإِسناد. ثم القرائن الحالية أو المقالية يتميز هذا المجاز عن الكذب. " المسألة السابعة" (¬8) جاز دخول المجاز في الكتاب والسنّة كما في قوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} (¬9) وقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} (¬10). ومنع منه أبو بكر الأصفهاني (¬11) محتجًا بأمور: ¬

_ (¬1) سقط من"ب" السادسة. (¬2) [الزلزلة: 2]. (¬3) [البقرة: 61]. (¬4) وفي "ب" فإن قلت بدل لا يقال. (¬5) وفي "ب" قلت بدل لأن. (¬6) وفي "ب" (واقعًا لا في مفردات) بدل تامًا. (¬7) سقط "لا" من "ب، د". (¬8) سقط من"ب" السابعة. (¬9) [الكهف: 77]. (¬10) [الفجر: 23] وهذه الآية لا مجاز فيها بل يجيء الله جل شأنه مجيئًا يليق بجلاله سبحانه. (¬11) أبو بكر الأصفهاني: هو أبو بكر محمد بن داود بن علي المولود عام 255 هـ والمتوفى شابًا =

المسألة الثامنة

أ - المجاز يصحح وصف من صدر عنه (¬1) بالمتجوز. ب - إنه يقتضي عجزه عن الحقيقة. جـ - وروده في القرآن يوجب الإِلباس إذ لا ينبئ بنفسه. د - كلامه تعالى حق فله حقيقة ولا شيء من الحقيقة بمجاز. والجواب عن: أ - إنَّ أسماء الله تعالى توقيفية. سلمنا كونها اصطلاحية لكن لفظ المتجوز يوهم كونه فاعلًا لما لا ينبغي. ب - إن العدول عن الحقيقة قد يكون لأغراضٍ أخرى. جـ - إنه لا إلباس مع القرينة. د - إن كلامه تعالى حق بمعنى الصدق دون (¬2) كونه مستعملًا في موضوعه. " المسألة الثامنة" الداعي إلى المجاز اختصاص لفظة بالعذوبة أو صلاحية (¬3) الشعر والسجع وأصناف البديع، أو اختصاص معناه بالتعظيم، أو التحقير أو زيادة البيان أو تلطيف الكلام، إذ لفظ الحقيقة يوقف على المقصود بتمامه، فلا يبقى إليه شوق والمجاز الذي هو ذكر اللازم يوقف عليه من وجهٍ دون وجه فيتعاقب بسبب (¬4) الشعور والحرمان لذات وآلام فيحصل حالة كالدغدغة النفسانية فلأجله كان التعبير بالمجاز ألذ. ¬

_ = عام 297 هـ ابن داود بن علي مؤسس مذهب الظاهرية. خلف أباه على رئاسة المذهب. اشتهر بالأدب والشعر. ترجم له وفيات الأعيان 2/ 681، مرآة الجنان 2/ 288. (¬1) وفي "أ، ب، د" منه بدل عنه. (¬2) سقط من"ب" دون. (¬3) وفي د أو صلاحيته للشعر. (¬4) وفي "أ" لسبب.

المسألة التاسعة

" المسألة التاسعة" قال ابن جني: أكثر اللغة مجاز. أما في الأفعال فلأن قولك (قام زيد) يفيد المصدر المتناول لكل الأفراد الممتنع صدورها منه، وهو ضعيف. إِذ المصدر يفيد الماهية دون كليتها أو جزئيتها. وقال: قولك "ضربتُ زيدًا" مجازٌ إذا ضربتَ بعضه. واعترض أبو محمَّد بن متوْيه (¬1)، بأن المتألم كله وهو ساقط. إذ الكلام في لفظ الضرب وهو: إمساس الحيوان بعنف دون التألم. ثم قولك (ضربتُ زيدًا) مجاز من وجه آخر، إذ زيد عبارة عن الأجزاء الباقية من أول عمره إلى آخره. وربما لم يُمس شيء منها. وقولك (رأيت زيدًا) مجاز إذ المرئي لونه وسطحه دون أجزائه الكامنة فيه (¬2) وليعلم أن هذا مجاز في التركيب. " المسألة العاشرة" المجاز خلاف الأصل لوجوه: أ- شرط المجاز حصول القرينة إذ لا معنى للحقيقة إلا ما يحمل عليه بلا قرينة لكن الأصل عدم القرينة. ب- إنه يتوقف بعد الوضع على النقل وعلته دون الحقيقة فكان أندر (¬3). جـ - السابق إلى الفهم هو الحقيقة وأنه دليل رجحانها. ¬

_ (¬1) هو إبراهيم بن محمد بن الحسن بن أبي الحسن بن متوْيه، المتوفى عام 302 هـ، من أعلام اللغة (وفي هامش الجبائيان لعلي خشيم. الحسن بن أحمد بن متويْه تلميذ القاضي عبد الجبار بن أحمد) وهو آخر. له ترجمة في أخبار أصبهان 1/ 189، العبر 2/ 122، مرآة الجنان 2/ 240، تبصير المنتبه 4/ 1342. (¬2) سقط من "ب، أ" فيه. (¬3) أي أن المجاز يتوقف على كونه قد نقل بعد الوضع مع وجود علة للنقل. والحقيقة لا حاجة لها إلا لشيء واحد وهو الوضع للأصل. وما يحتاج إلى أشياء متعددة يكون أندر مما لا يحتاج إلى ذلك.

د- استدل الكل بالاستعمال على الحقيقة. قال ابن عباس (¬1) رضي الله عنه: ما كنت أعرف معنى الفاطر حتى اختصم إلى شخصان في بئر فقال أحدهما: (فطرها أبي. أي اخترعها) (¬2). وقال الأصمعي (¬3): ما كنت أعرف الدَّهاق حتى سمعت جاريةً تقول: (إسقني دهاقًا) أي ملآنًا. هـ - لولا (¬4) أن الأصل هو الحقيقة لما فهم المراد دون الاستفهام. إذ الأصل ليس هو المجاز وفاقًا. " فروع" (¬5) الأول: إذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح فالأول أولى عند أبي حنيفة (¬6) والثاني عند أبي يوسف (¬7). وقيل يستويان فرجحان كل منهما على الآخر من وجه. ¬

_ (¬1) هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القُرشي الهاشمي يكنى أبا العباس ويلقب بحبر الأمة. ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات خرج للطائف بأمر ابن الزبير. دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفقه في الدين وكان يدعى ترجمان القرآن وينسب له تفسير مطبوع. شهد مع علي رضي الله عنه الجمل وصفين ونهروان. فَقَد بصره في آخر حياته. وتوفي سنة 68 هـ بالطائف. (الاستيعاب ص 933). (¬2) انظر تفصيل القصة في تفسير الإمام الرازي 4/ 16. (¬3) هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أجمع ويكنى بأبي سعيد الباهلي البصري. وكان إمامًا في اللغة والنحو والأخبار والنوادر والمُلح والغرائب. مات بالبصرة من 213 - 217 هـ له ترجمة في اللباب 1/ 56، أخبار النحويين للسيرافي 58، إنباه الرواة 2/ 197، ابن خلكان 3/ 170، مرآة الجنان 2/ 64، الفهرست 82، مراتب النحويين 46. (¬4) سقط من (ب، جـ، د) أن. (¬5) ذكر الإِمام الرازي هذه الفروع في مسائل تحت قسم منفصل سماه (المباحث المشتركة بين الحقيقة والمجاز). (¬6) هو الإِمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت أحد الأئمة الأربعة وهو غني عن التعريف كتب في مناقبه مصنفات. توفي ببغداد عام 150 هـ، ترجم له وفيات الأعيان 5/ 405، تاريخ الإِسلام الذهبي 6/ 32، الفهرست 284، ابن الأثير 5/ 239، ابن كثير 10/ 127، النجوم الزاهرة 2/ 12، مفتاح السعادة 2/ 63. (¬7) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي الحنفي قاضي القضاة، ولد عام 113 هـ، =

الثاني: اللفظ في أول وضعه ليس بحقيقة ولا مجاز إذ شرطهما الاستعمال بعده. الثالث: اللفظ بحسب الوضع الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد لا يكون حقيقة ومجازًا (¬1) معاً. أما بحسب الوضعين أو بالنسبة إلى المعنيين فنعم. الرابع: الحقيقة قد تصير مجازًا (¬2) وبالعكس إذ الحقيقة العرفية كانت مجازًا لغوياً والحقيقة اللغوية صارت مجازًا عرفيًا. الخامس: المجاز في معنى حقيقة في غيره بأن يستعمل في موضوعه ولا ينعكس. إذ لا يلزم من وضع اللفظ لمعنى تجوز نقله إلى غيره لمناسبةٍ بينهما. ولقائل أن يقول (¬3): إن ادعيت لزوم إمكان الحقيقة للمجاز فهو مسلم لكن هذا ينعكس. وإن ادعيت لزوم الفعل فممنوع (¬4) إذ المجاز فرع الوضع العاري عنهما. فإن التزم أنه حقيقة فقد ناقض ما بيَّن في إثبات الحقيقة اللغوية. السادس: يفرق بين الحقيقة والمجاز بنص الواضع عليهما أو على أحدهما أو ¬

_ = وتوفي عام 182 هـ، صاحب أبي حنيفة. سمع من أبي إسحاق الشيباني وسليمان التيمي ويحيى بن سعيد الأعشى وهشام بن عروة وعطاء بن السائب وسمع منه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ومحمد بن الحسن وعلي بن الجعد وبشر الكندي له كتاب الخراج وغيره. له ترجمة في وفيات الأعيان 2/ 400، الأعلام 3/ 116، تاريخ التشريع للخضري ص 144، معجم المؤلفين 13/ 24، المسعودي 3/ 350، ابن الأثير 6/ 57. (¬1) في "د" ولا مجازًا. وسقط من "هـ" معًا. (¬2) وفي "جـ، د" أو بدل الواو. (¬3) من قوله: ولقائلٍ أن يقول إلى أول الفرع السادس سقط من جميع النسخ ما عدا "هـ" وذكر صاحب حل عقد التحصيل أن هذا الاعتراض وجد في بعض النسخ وفي بعضها الآخر حاشية. (¬4) أي أن كل مجازٍ يستلزم الحقيقة بالفعل ممنوع. غايته استلزامه للوضع الأول. وهو لا يستلزم ما ذكرتم لجواز أن لا يستعمل ذلك اللفظ في معناه الأصلي. وإن التزم أنه حقيقة فقد ناقض ما بيَّن فيه ضعف رأي الجمهور في الحقيقة اللغوية.

خواصهما أو خواص أحدهما. وبفهم (¬1) أهل اللغة المعنى أو إفهامه إياه دون القرينة وبتعليق اللفظ بما يستحيل تعليقه (¬2) به. وباستعماله (¬3) له فيما ترك استعماله فيه. وفرق الغزالي (¬4) رحمه الله بأمور (¬5): أ - اطراد (¬6) الحقيقة: فلا يقال واسأل (¬7) البساط. وهو ضعيف إذ المثال لا يصحح دعوى عامة. وأيضًا إذا أراد بالاطراد الاستعمال في موارد نص الواضع فالمجاز كذلك (¬8). وإن أراد به الاستعمال (¬9) في غيرها وأنه قياس في اللغة ولا يقول هو به. ¬

_ (¬1) وفي "ب، د" أو بدل الواو. (¬2) وفي "ب، د، هـ" تعلقه. (¬3) وفي "ب، د" واستعماله. (¬4) انظر قول الغزالي رحمه الله في المستصفى ص 268، حيث بدأ بقوله: وقد يعرف المجاز بإحدى علامات أربع ثم ذكرها. وقد أفسد هذه الفروق العلوي في كتابه الطراز المتضمن. لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز 1/ 94، وقد أضعف هذه الفروق أبو الحسين البصري في المعتمد 1/ 32 بعد أن نقلها عن قوم متقدمين على الغزالي. والغزالي: هو أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الملقب بحجة الإِسلام، زين الدين الطوسي ولد عام 450 هـ بطوس. كان من كبار الشافعية وعظماء الفلاسفة في الإِسلام. له مصنفات عظيمة منها: إحياء علوم الدين والوجيز والوسيط والبسيط. وفي الأصول المستصفى والمنخول وشفاء الغليل. توفي عام 505 هـ. له ترجمة في: هداية العارفين 6/ 79، طبقات الأسنوي 2/ 242، شذرات الذهب 4/ 10، طبقات ابن السبكي 4/ 101، وفيات الأعيان 1/ 661، ابن الأثير 10/ 188، مفتاح السعادة 2/ 51، النجوم الزاهرة 5/ 203. (¬5) وفي "ب، د" بوجوه. (¬6) يوجد اختصار مخل هنا فالفرق الأول بين الحقيقة والمجاز مما أورده عن الغزالي وهو أن الحقيقة مطردة والمجاز غير مطرد فلا يقال: واسأل البساط إلحاقًا لقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَة}. وضعف الرازي والأرموي هذا التفريق لأن الحقيقة لا تطرد في مواضع كثيرة عددها الرازي في المحصول انظر المستصفى صفحة 268 والمحصول 1/ 1/483. (¬7) وفي (ب، د) واستل. (¬8) سقط الواو من "أ". (¬9) وفي "جـ" لا استعمال.

وأيضًا الحقيقة قد لا تطرد بأن يمنع منه العقل (¬1). كالدليل لا يقال على الله تعالى إلا مقيداً وإن جعل حقيقة في فاعل الدلالة. أو السمع (¬2). فلا يقال لله تعالى فاضل سخي. أو اللغة فلا يقال لغير الفرس أبلق. فإن شرط فيه كون الملون باللونين فرسًا جاز أن يشرط في المجاز وصفًا لا يطرد فاستويا فيها. ب - جواز (¬3) الاشتقاق منها. فلفظ الأمر بمعنى القول يشتق منه الأمر والمأمور ولا يشتق منه بمعنى الفعل. وهو أيضًا تمسك بالمثال ومنقوض بقولهم للبليد حمار وللجمع حمر. وبأن الرائحة لا يشتق منها اسم (¬4). جـ - اختلاف جمع اللفظ باختلاف معناه يوجب كونه مجازًا في أحدهما. فلفظ الأمر بمعنى القول يجمع على أوامر وبمعنى الفعل على أمور. وهو ضعيف إذ لا إشعار لاختلاف الجمع بالحقيقة والمجاز. د - إذا استعمل لفظ (¬5) معناه الحقيقي يتعلق (¬6) بشيء فيما لا يتعلق بشيء كان مجازًا فيه. كما (¬7) يقال القدرة (¬8) على الشاب الحسن الصورة وهو ضعيف إذ قد يكون له بحسب حقيقةٍ متعلق دون الأخرى. ¬

_ (¬1) وفي " أ" القول بدل العقل. (¬2) سقط من (ب) فلا يقال لله تعالى سخي أو اللغة. وموجودة في (د) تعليقًا. بما يدل على علاقة بين نسخة "ب" ونسخة "د". (¬3) هذا هو الأمر الثاني الذي فرَّق به الغزالي بين الحقيقة والمجاز. ومفاده أن امتناع الاشتقاق يدل على المجاز وجواز الاشتقاق يدل على الحقيقة. وضعفه الرازي بأن هذه الدعوى لا تصح بالمثال الواحد ثم إنه منقوض بقولهم للبليد حمار وللجمع حمر مع أنها مجاز ومنقوض بأن الرائحة حقيقة ولم يشتق منها الاسم. (¬4) وفي "ب، د" الاسم. (¬5) وفي "أ" في معناه و"في" زائدة. (¬6) وفي "هـ" متعلق. (¬7) وفي "أ" فما بدل كما. (¬8) أي يقال: انظر إلى قدرة الله مشيراً إلى شاب حسن الصورة.

الفصل السابع في تعارض أحوال الألفاظ

" الفصل السابع" (¬1) في تعارض أحوال (¬2) الألفاظ وهو من عشر أوجه إذ الاحتمالات المخلة بالفهم خمسة: (الاشتراك والنقل والمجاز والإِضمار والتخصيص). وإنما تركنا احتمال الاقتضاء إذ الاقتضاء إثبات شرط يتوقف عليه وجود المذكور دون صحة اللفظ. " المسألة الأولى" النقل أولى من الاشتراك لأنه حقيقة منفردة في كل الأوقات. لا يقال الاشتراك أولى لوجوه (¬3). أ - إنه لا يقتضي (¬4) النسخ. ب - إنه لم ينكره أحد من المحققين. ¬

_ (¬1) أمثلة المسائل العشرة الواردة في هذا الفصل أفردها القاضي الأرموي رحمه الله تعالى بمصنف مستقل موجود منه نسخة ضمن مجاميع في دار الكتب المصرية برقم 140 في الخزانة التيمورية وتقع في ثلاث عشرة صفحة مكتوبة عام 645 هـ بخط يوسف بن محمد بن عبد القوي الجناني الثبوتي. (¬2) سقط من "أ" أحوال. (¬3) العبارة توهم أن الوجوه الخمسة الواردة هي أدلة لمن يقول إن الاشتراك يشير بأولى من النقل. ولكن الواقع أن هذه الوجوه الخمسة هي أدلة لمن قال إن الاشتراك أولى. ثم بيَّن الأرموي عدم القول بأن الاشتراك أولى مع ورود هذه الوجوه الخمسة بقوله: (لأن النقل إذا وجد يجب اشتهاره فتزول المفاسد) وعبارة المحصول أولى لعدم إيهامها ذلك. فعبارة صاحب المحصول: (فإن قيل: لا أي ليس النقل أولى) بل الاشتراك أولى لوجوه ثم ذكر الوجوه الخمسة. وهذا من الاختصار الموهم خلاف الظاهر. انظر المحصول 1/ 1/489. (¬4) سقط من "ب" "لا".

المسألة الثانية

جـ - إنه لا يتوقف بعد الوضع على نسخه ثم وضع جديد. د- إنه أقل احتمالًا للخطأ إذ يتوقف فيه عند الجهل بالقرينة لما تقدم، والمنقول يحمل على المعنى الأول عند الجهل بالنقل. هـ - أنه أقل مفسدة لأنه أكثر وجوداً ولأن المنقول قد يعتقد كونه مشتركًا بسماع (¬1) استعماله في المعنى الثاني. لأن النقل إذا وجد يجب اشتهاره فتزول المفاسد. ولقائل أن يقول (¬2): اشتهار النقل كيف يزيل نسخ الوضع الأول وتوقفه عليه وعلى وضع جديد وقلة وجوده. سلمناه لكن التواتر لا يحصل إلا متدرجًا والمفاسد قائمة قبله ولأنهما إنما يتعارضان في لفظ لا يعلم كونه منقولًا ولا مشتركًا. نعم لو تعارض لفظ منقول مع آخر مشترك في آيتين (¬3) مثلًا، فالتمسك بالمنقول أولى لاقتضاء النقل إرادة معين دون الاشتراك. ولا يرد عليه (¬4) شيء من تلك الوجوه (¬5). " المسألة الثانية" المجاز أولى من الاشتراك لكثرته وإفادته المراد وجدت القرينة أولًا. لا يقال: الاشتراك أولى لوجوه (¬6): ¬

_ (¬1) وفي "جـ" كسماع وفي "د" لسماع. (¬2) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله موجة لتعليل الإِمام الرازي لكون النقل أولى من الاشتراك بأن اشتهار النقل يزيل المفاسد التي يحدثها النقل. ومنها نسخ الوضع الأول وتوقفه عليه وتوقفه على وضعٍ جديد. وقلة وجود النقل. (¬3) وفي "ب، جـ" في اثنين. (¬4) سقط من"أ، جـ" عليه. (¬5) ارتضى الأرموي أن الحجة في ترجيح النقل على الاشتراك هو أن النقل يراد به معين أما المشترك لا يراد به معين وهذه الحجة لا يرد عليها ما ورد على حجة الإِمام الرازي من اقتضاء النقل النسخ، والتوقف وقلة الوجود. (¬6) هذه الوجوه أدلة لمن قال الاشتراك أولى وليست أدلة لمن لم يقل الاشتراك أولى كما توهم العبارة.

المسألة الثالثة

أ- المجاز يقتضي النسخ (¬1). ب- إنه يحمل على غير المراد لو وجدت القرينة ولم تسمع (¬2). جى- إنه يتوقف بعد الوضع على ما يناسب الحقيقة ثم تعذرها. د- إلغاء إحدى الحقيقتين (¬3) يعين الأخرى وإلغاء الحقيقة لا يعين مجازًا لكثرته. هـ - تعيين إحدى الحقيقتين لتساويهما يحصل بأدنى قرينة. و- إفادة المشترك أحدهما لا عينًا حقيقة. ز- الاشتراك يوجب كثرة البحث عن القرينة لتعذر العمل بدونها لأنا نعارض الوجوه بفوائد المجاز. " المسألة الثالثة" الإِضمار أولى من الاشتراك لتخصيص الِإجمال فيه ببعض الصور والِإضمار وإن احتاج إلى قرينة أصله وقرينة موضعه وقرينة تعين المضمر لكن في صورة واحدة، كيف والِإضمار إيجاز. وهو من محاسن الكلام. قال عليه السلام: "أوتيت جوامع الكلم فاختصر ليَ الكلام اختصارًا" (¬4) " المسألة الرابعة" التخصيص أولى من الاشتراك لأنه أولى من المجاز الأولى (¬5) منه. ¬

_ (¬1) هذا هو الدليل الخامس عند الرازي وقد جعله الأرموي الأول لقوته. (¬2) وفي "ب" ولم يمتنع. (¬3) سقط من هـ من "يعين الأخرى" إلى "لتساويهما". (¬4) رواه النسائي عن ابن عباس والعسكري مرسلًا ويشهد له ما رواه البخاري في كتاب الجهاد. ومسلم والنسائي بلفظ "بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب فبينا أنا نائم أوتيت مفاتيح خزائن الأرض فوضعت بين يدي"، قال أبو هريرة: (وقد ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنتم تنتشلونها). انظر هداية الباري 1/ 286. كشف الخفا 1/ 308. الفتح الكبير 1/ 199. المقاصد الحسنة 1/ 132، وفيض القدير 1/ 563، وفتح الباري 13/ 247، 12/ 390. (¬5) قد تقدم بيان كون المجاز أولى من الاشتراك فى المسألة الثانية.

المسألة الخامسة

" المسألة الخامسة" المجاز أولى من النقل لأنه لا يتوقف إلا على القرينة وهي متيسرة والنقل يتوقف على اتفاق أهل اللسان على تغيير الوضع وأنه متعسر أو متعذر. لا يقال: النقل إذا وجد يجب اشتهاره فيحصل الفهم. والحقيقة إذا تعذرت قد يخفى (¬1) وجه المجاز لأنا نعارضه بفوائد المجاز، وبأن الحقيقة (¬2) تعين على فهم المجاز لتناسبهما بخلاف المنقول عنه. " المسألة السادسة" الإِضمار أولى من النقل كما في المجاز (¬3) " المسألة السابعة" التخصيص أولى من النقل لأنه أولى من المجاز الأولى (¬4) منه. " المسألة الثامنة" المجاز والإِضمار سيَّان لاستوائهما في الحاجة إلى القرينة وتوقع الخفاء وإعانة الحقيقة على الفهم، إذ الِإضمار إسقاط شيء من الكلام يدل عليه الباقي. " المسألة التاسعة" التخصيص أولى من المجاز لأنه يحصل المراد عرفت القرينة (¬5) أم لا، ¬

_ (¬1) سقط من "أ، جـ، د" وجه. (¬2) وفي "جـ" قد تعين. (¬3) تقدم بيان كون المجاز أولى من النقل في المسألة الخامسة. (¬4) كون التخصيص أولى من المجاز سيأتي في المسألة التاسعة. وكون المجاز خيرٌ من النقل تقدم في المسألة الخامسة. (¬5) وفي "جـ، هـ" أولًا.

المسألة العاشرة

ولأن اللفظ العام دليل على كل الأفراد. فإذا تعذر البعض حمل على الباقي، والحقيقة إذا تعذرت لم تحمل على المجاز إلا بعد تأمل. " المسألة العاشرة" التخصيص أولى من الِإضمار لرجحانه على ما يساويه (¬1) " فروع" الأول: الاشتراك راجح على النسخ، وهو تخصيص في الأزمان. فإن ترجح عليه التخصيص في الأعيان فلأنه يحتاط في النسخ أكثر منه في التخصيص إذ يصير الخطاب بعده كالباطل ولهذا جاز التخصيص بالقياس وخبر الواحد دونه (¬2). ولقائل أن يقول (¬3): هذا لا يقتضي رجحان الاشتراك على النسخ بل طريقه ترجح مفاسد النسخ على مفاسد الاشتراك. الثاني: التواطؤ أولى من الاشتراك وهو ظاهر. وإذا تناول اللفظ الشيء بالجهتين كان اعتقاد جهة (¬4) التواطؤ أولى كتناول الأسود الزنجي المسمى به. الثالث: الاشتراك بين علمين أولى. ثم بين علم ومعنى ثم بين معنيين لقلة الاختلال بقلة الموارد. ¬

_ (¬1) إن التخصيص أولى من الإِضمار لأن التخصيص قد ثبت رجحانه على المجاز المساوي للإِضمار. (¬2) أي لا يجوز النسخ بالقياس وخبر الواحد مع أنه يجوز التخصيص بهما. (¬3) لم يرتض القاضي الأرموي ما أورده الِإمام من الأدلة على رجحان الاشتراك على النسخ. لأنها تفيد رجحان التخصيص على النسخ، ولا تفيد رجحان الاشتراك على النسخ، ولكن بدر الدين التستري رد هذا الاعتراض بقوله: (بأن رجحان التخصيص على النسخ يستلزم رجحان الاشتراك على النسخ) (حل عقد التحصيل لوحة 30). (¬4) سقط من "ب، د" جهة.

الفصل الثامن في تفسير حروف تشتد الحاجة إلى معرفة معانيها في الفقه

" الفصل الثامن" " في تفسير حروف تشتد الحاجة إلى معرفة (¬1) معانيها في الفقه" وفيه مسائل " المسألة الأولى" أجمع (*) إنحاة البصرة والكوفة على أن واو العطف (¬2) لمطلق الجمع ونص عليه سيبويه (¬3) في سبعة عشر موضعًا من كتابه. وقيل: إنه للترتيب. لنا وجوه: أ - إنه لا يفيد الترتيب في قوله تعالى: في البقرة {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} (¬4) وعكسه في الأعراف (¬5). مع اتحاد القصة. ولا في قوله تعالى: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} (¬6) وكثير من الآيات، ولا في قول السيد اشتر اللحم والخبز، ولا في قولنا: تقاتل زيد وعمرو. والاشتراك والمجاز خلاف الأصل. ¬

_ (¬1) وفي "أ" لمعرفة. (*) نفى جمال الدين الأسنوي رحمه الله هذا الِإجماع بقوله: (وليس الأمر كما قالوا فقد ذهب جماعة إلى أنها للترتيب منهم ثعلب وقطرب وهشام وأبو جعفر الدينوري وأبو عمر الزاهد) (نهاية السول 1/ 297). (¬2) قيد القاضي الأرموي تبعًا للإِمام الرازي الواو بالعطف ليحترز عن واو المعية نحو جاء البرد والطيالسة وواو الحال نحو جاء زيد والشمس طالعة. (¬3) انظر الكتاب لسيبويه 1/ 150 - 324. (¬4) [البقرة: 58]. (¬5) إشارة لقوله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [الأعراف: 161]. (¬6) [آل عمران: 43].

ب - لو كان للترتيب لكان قولنا: جاءني زيد وعمرو عند مجيئهما معًا كذبًا ولكان إردافه بقولنا بعده أو قبله تكرارًا أو نقضًا. ولما سألت الصحابة رضي الله عنهم عما يبدأ به في السعي بين الصفا والمروة. ج - قال أهل اللغة واو العطف في الأسماء المختلفة كواو الجمع في الأسماء المتماثلة وذلك لا يفيد الترتيب. حجة المخالف أمور (¬1): أ - قوله عليه السلام (¬2) لمن قال: "من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى ومن عصاهما فقد غوى" قل: (من عصى الله ورسوله فقد غوى) (¬3). وقول عمر رضي الله عنه لمن أنشد: (كفى الشيب والإِسلام للمرء ناهيًا) (¬4). ¬

_ (¬1) وفي "أ، ب" للمخالف أمور. (¬2) الحديث موجود في صحيح مسلم 3/ 12 وغيره عن عدي بن حاتم. ووجه الاستدلال بهذا الحديث ووجه الرد على من استدل به بأن الواو تفيد الترتيب غير مرضي لأنه وردت أحاديث كثيرة بإسناد ضمير المثنى لله ورسوله عليه الصلاة والسلام: منها ما رواه أبو داود في سننه من حديث ابن مسعود في خطبة الحاجة التي فيها (ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه) ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنكر على الخطيب مع ورود ذلك عنه -صلى الله عليه وسلم- فالأظهر توجيهه كما قال النووي: إن الخطب شأنها البسط والإِيضاح واجتناب الإِشارات والرموز والاختصار بعكس مواقف التعليم التي تحتاج إلى الاختصار للحفظ فلهذا لا يسلم الاستدلال للمستدل بأن السبب هو كون الواو للترتيب. انظر شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 159. (¬3) سقط من "جـ" قل من عصى الله ورسوله فقد غوى. (¬4) عمر بن الخطاب (أمير المؤمنين) ابن نفيل بن عبد العزي العدوي القرشي أبو حفص. أمه هنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله المخزومية ولد رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة أسلم بعد أربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأة أعز الله به الإِسلام فانتقلت الدعوة من السر إلى الجهر لِما كان له من هيبة عند قريش شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناقبه لا تحصى. نزل الوحي بتصديقه وتسديد رأيه في أسارى بدر وحجاب نساء النبي. ذهل يوم موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان أول من بايع أبا بكر رضي الله عنه واستخلفه أبو بكر فسار في الأمة أحسن سيرة وفتح الفتوح وكان لا يخاف في الله لومة لائم. قتله أبو لؤلؤة المجوسي الفارسي غلام المغيرة بن شعبة لثلاث ليالٍ بقين من ذي الحجة عام 23 هـ استاذن عائشة أن يدفن مع صاحبيْه فأذنت له أُلفت في سيرته مصنفات. وسار بذكر عدله وحزمه الركبان. (الاستيعاب 1144). =

لو قدمت الإِسلام على الشيب لأجزتك وقول الصحابة لابن عباس رضي الله عنهم لم تأمرنا بالعمرة قبل الحج وقد قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬1). ب- لو قال لغير المدخول بها أنت طالق وطالق طلقت واحدة. ب- الترتيب في الذكر له سبب والترتيب في الوجود صالح له فيضاف إليه إلا لمعارض. د- الترتيب بصفة التعقيب له "الفاء" وبصفة التراخي له "ثم" ومطلقه تمس الحاجة إلى تعريفه فليكن له لفظ وما ذلك إلا "الواو" ولا يعارض بمثله لأنا نرجحه بأنه لو جعل حقيقة في الترتيب أمكن جعله مجازًا في الجمع للزومه إياه من غير عكس. والجواب عن: أ- إن المعصيتين متلازمتان. فالأمر بالدلالة على ما قلنا أولى. لكن الإِفراد بالذكر أكثر تعظيمًا فأمره به. وحمل أثر عمر رضي الله عنه على أن الأدب تقديم الأفضل. وأثر ابن عباس رضي الله عنهما معارض بأمره بتقديم العمرة. ب - إن الطلاق الثاني لا يفسر الأول فبانت (¬2) به وقوله طلقتين يفسره والكلام بآخره. جـ - إنه لا يقتضي إفادة الواو للترتيب. د- معارضة الترجيح بزيادة الحاجة إلى التعبير عن العام. ¬

_ = عجز بيت صدره: (عميرة ودع إن تجهزت غازيًا) نسبه محمد محيي الدين عبد الحميد إلى سحيم ويقال حية وهو عبد بني الحسحاس. انظر أوضح المسالك 2/ 273، شواهد المغني للسيوطي 112، خزانة الأدب 1/ 272. (¬1) [البقرة: 196]. (¬2) وفي "هـ" فيناسبه.

المسألة الثانية

" المسألة الثانية" " الفاء" للتعقيب حسب ما يمكن لإِجماع أهل اللغة عليه (¬1). ومنهم من استدل بأنه لو لم يفد التعقيب (¬2) لما وجب دخوله على الجزاء إذا لم يكن ماضيًا أو مضارعًا لوجوب تعقيب الجزاء للشرط لكنه واجب. وقول الشاعر: "ومن يفعل الحسنات الله يشكرها" (¬3) أنكره المبرد (¬4). وزعم أن الرواية الصحيحة "ومن يفعل الخير فالرحمن يشكره". ولقائل أن يقول (¬5): لم لا يجوز أن يجب دخول "الفاء" على المذكور عقيب الشرط ليجعله جزاء. ويكون التعقيب مقتضى الجزاء. حجة المخالف (¬6) أمور: أ- قوله تعالى: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} (¬7). وقوله تعالى: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (¬8). ¬

_ (¬1) سقط من"جـ، هـ" عليه. (¬2) وفي (ب، د) يكن بدل تفد. (¬3) صدر بيت عجزه (والشر بالشر عند الله مثلان) منسوب لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت وقيل لكعب بن مالك وهو من شواهد سيبويه 1/ 435، وأوضح المسالك 3/ 193. (¬4) هو أبو العباس محمد بن عبد الله بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي البصري شيخ أهل النحو والعربية، ولد بالبصرة عام 210 هـ، أخذ عن الكسائي. له من الكتب الكامل، ومعاني القرآن، والمقصور والممدود، والاشتقاق، ومات ببغداد عام 285 هـ له ترجمة في وفيات الأعيان 4/ 313 أخبار النحويين للسيرافي في 2/ 2 ومرآة الجنان 2/ 210، مفتاح السعادة 1/ 157، معجم المؤلفين 12/ 114. (¬5) توجيه اعتراض القاضي الأرموي على أن الفاء تفيد التعقيب. بأنه من الممكن أن يقال: إن "الفاء" تدخل لربط الداخلة عليه بالشرط لتجعله جزاءً والتعقيب يكون من مقتضيات الجزاء فيفهم التعقيب من نفس الجزاء لا من "الفاء" ويفهم أيضًا من تقدم الشرط على الجزاء في الوجود. ويؤيد هذا أنه لو استفيد التعقيب من "الفاء" لانتفى عند انتفائها ولكنه لا ينتفي عند انتفائها لأن المضارع والماضي غير المحقق إذا وقع جزاءً دلَّ على التعقيب مع امتناع دخول "الفاء" فيهما. (¬6) وفي "جـ، د" وللمخالف. (¬7) [طه: 61]. (¬8) [البقرة: 283].

المسألة الثالثة

ب- "الفاء" قد تدخل على التعقيب والأصل عدم التكرار. جـ- التعقيب يخبر عنه وبه دون "الفاء". والجواب: أنَّه استدلال في مقابلة النص فكان الأول مجازًا والثاني تأكيدًا وفي الثالث بحث دقيق مذكور في "المحرر" (¬1). " المسألة الثالثة" " في" للظرفية تحقيقًا أو تقديرًا كما في قوله تعالى: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (¬2) لتمكن المصلوب على الجذع تمكن الشيء في المكان وقيل: إنه للسببية، ولم يذكره أهل اللغة. " المسألة الرابعة" المشهور أن "مِنْ" ترد لابتداء الغاية نحو (سرت من البصرة) وللتبعيض نحو (باب من حديد) وللتبيين كقوله (¬3) تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} (¬4) وصلة نحو: (ما جاءني من أحدٍ) والحق (¬5) إنه "للتمييز" لاشتراك الكل فيه. وإلى: لانتهاء الغاية. وقيل بإجماله لِإدخاله الغاية في قوله تعالى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} (¬6) وإخراجه إياها في قوله تعالى: {إِلَى اللَّيْلِ} (¬7) وهو ضعيف لتوقف إجماله على اشتراكه بين الدخول وعدمه وقد بينا امتناعه (¬8). والحق إنه إنما (¬9) تدخل غايةً لا تتميز عن ذي الغاية حِسًا. ¬

_ (¬1) المحرر: كتاب في دقائق النحو للِإمام فخر الدين الرَّازيّ صاحب المحصول. (¬2) [طه: 71]. (¬3) وفي "ب" نحو قوله. (¬4) [الحج: 30]. (¬5) وعبارة الرازيّ والحق عندي أن تكون "مِنْ" دائمًا للتبيين. (¬6) [المائدة: 6]. (¬7) [البقرة: 187]. (¬8) أي امتناع كون اللفظ مشتركًا بين وجود الشيء وعدمه، أي أنها لدخول الغاية وعدم دخولها. (¬9) سقط من "أ" "إنما".

المسألة الخامسة

" المسألة الخامسة" (¬1) " الباء" الداخل على فعل متعد بنفسه للتبعيض خلافًا للحنفية. فإنا نفرق ضرورةً بين قولنا (مسحت المنديلَ وقولنا مسحت بالمنديل) في إفادة الأول: الشمول، والثاني: التبعيض. احتجوا بأمرين: أ- قولنا: كتبت بالقلم وطفت بالبيت، إنما يفيد إلصاق الفعل بالمفعول به. ب- قال ابن جني: كون الباء للتبعيض لم يعرفه أهل اللغة (¬2). والجواب عن: أ- إن النزاع في فعلِ متعد بنفسه والطواف هو الدوران حول جميع البيت. ب- إنه شهادة على النفي. ¬

_ (¬1) ذكر جمال الدين الإسنوي رحمه الله في نهاية السول 1/ 304 أن الأصوليين أوردوا هذه المسألة ظنًا منهم أن الشَّافعيّ ذهب في المسح لجزء من الرأس لأجل الباء. ثم قال وليس الأمر كذلك بل اكتفى بمسح الجزء لصدق الاسم عليه كما ستعرفه في المجمل والمبين. (¬2) نفى ابن جني كون أهل اللغة تعرف أن الباء للتبعيض وهذا مخالف لما ذكره ابن هشام في المغني بأن "للباء" أربعة عشر معنى وذكر منها التبعيض وقال: إنه قال به (الأصمعيّ والفارسي وابن مالك) وقد جعل منه قوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} والذي يظهر لي أن أهل اللغة أَيضًا كانوا يخضعون لمذاهبهم الفقهية والاعتقادية. كمخالفة الزمخشري لأهل اللغة في أنَّ "لن" للتأييد ليتناسب مع معتقده في الاعتزال بعدم إمكان رؤية الله في الآخرة، بقوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} وعلى العموم معظم الأحناف ينكرون كون الباء للتبعيض، وكان يحسن من ابن جني أن ينفي علمه بذلك عن أهل اللغة، وأن لا ينفي العلم عن أهل اللغة بذلك. لأن من عَلمَ حجة على من لم يعلم. انظر المغني لابن هشام 1/ 95.

المسألة السادسة

" المسألة السادسة" " إنما" للحصر نقله أبو علي (¬1) عن النحاة. وقال الأَعمش (¬2): (وإنما العزة للكاثر) (¬3) وقال الفرزدق (¬4): (وإنما يدافع (¬5) عن أحسابهم أنا أو مثلي) (¬6). ولأن "إنَّ" للِإثبات "وما" للنفي. والأصل عدم التغير بالتركيب. ولا يقتضي "إنَّ" إثبات غير المذكور. و"ما" نفي المذكور وفاقًا فتعيَّن عكسه. احتجوا بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (¬7). وجوابه أنَّه للمبالغة. ¬

_ (¬1) هو الحسن بن أَحْمد بن عبد الغفار القوي الفارسيّ الشيرازي الِإمام في النحو والتصريف صاحب الإِيضاح في النحو والتكملة في التصريف. والمسائل الشيرازيات والحجة في علل القراءات السبع. والتعليقة على كتاب سيبويه وغيرها. ولد عام 288 هـ، وتوفي عام 377 هـ. ترجم له: وفيات الأعيان 2/ 80، وبغية الوعاة 1/ 496، مرآة الجنان 2/ 406، مفتاح السعادة 1/ 171، شذرات الذهب 3/ 88. (¬2) هو أبو بصير ميمون بن قيس بن ثعلبة بن جندل الأسدي اليماني المعروف بالأعشى الأكبر من أصحاب المعلقات وفحول الشعراء يسمى صناجة العرب. وقع عن بعيره فمات بعد الهجرة بقليل. ترجم له: مفتاح السعادة 10/ 250، الشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 257، خزانة الأدب 1/ 175، الأغاني 9/ 228. (¬3) عجز بيت صدره: (ولست بالأكثر منهم حصى)، هجى الأعشى علقمة بن علاثة بقصيدة منها هذا البيت. انظر أوضح المسالك 2/ 300، والخصائص لابن جني 1/ 85، وخزانة الأدب 3/ 489. (¬4) هو همام بن غالب بن صعصعة التيمي وكنيته أبو فراس، ولد سنة 20 هـ بالبصرة ومات سنة 110 هـ أو بعدها. له ديوان مطبوع وترجم له وفيات الأعيان 6/ 86، مرآة الجنان 1/ 234، مفتاح السعادة 1/ 241، الأغاني 9/ 3444، ميزان الاعتدال 3/ 345، ابن هشام 1/ 53، الأعلام للزركلي 5/ 343. (¬5) سقط من "أ" يدافع. (¬6) عجز بيت صدره (أنا الذائد الحامي الذمار وإنما) انظر في دلائل الإعجاز للجرجاني 215، والمغني 1/ 342، ومعاهد التنصيص 119، وأوضح المسالك 1/ 95. (¬7) [الأنفال: 2].

الفصل التاسع في كيفية الاستدلال بالخطاب

" الفصل التاسع" " في كيفية الاستدلال بالخطاب" وفيه مسائل " المسألة الأولى" لا يجوز أن يرد في القرآن والأخبار ما لا يفهم خلافًا للحشوية (¬1). إذ التكلم به هذيان وهو نقص. ولأن وصف القرآن بكونه هدى وشفاء وبيانًا ينفيه. احتجوا بأمور: أ- إنَّ الحروف التي في أوائل السور. وقوله تعالى: {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} (¬2) وقوله تعالى: {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (¬3) وما شابهه لا يفيد شيئًا. ب- يجب الوقف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ الله} (¬4) وإلاّ لعاد الضمير في قوله تعالى: {يَقُولُونَ آمَنَّا} إلى الله تعالى وللراسخين. وأنه محال وحينئذ لا يعلم تأويل المتشابهات. جـ- إنه تعالى خاطب الفُرس بالعربية ولا إفهام. ¬

_ (¬1) اختلف في سبب تسمية هذه الطائفة بهذا الاسم، فقيل لأنهم يدخلون الأحاديث التي لا أصل لها مع أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقيل سموا بذلك لأنهم مجسمة. وقيل: لأن الحسن البَصْرِيّ قال ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة لأنهم كانوا مخالفين ويتكلمون بكلام ساقط. وقيل: لأنهم كانوا يقولون عن أهل الحديث حشوية وقيل: لأنهم يتهمون القرآن والسنة أنهما مملوءان بما لا يفهم من الحشو كما يظهر ذلك من قولهم هنا. وخلاصة الكلام إنهم فئة ضالة زائفة. (انظر التذكرة التيمورية 148)، والحور العين 204. (¬2) [الصافات: 65]. (¬3) [البقرة: 196]. (¬4) [آل عمران: 7].

المسألة الثانية

والجواب عن: أ- إنها أسماء السور {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} ضرب مثل في القبح {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}. وأمثالها تأكيد. ب- إن موضع الوقف والراسخون في العلم والضمير يعود إلى الراسخين إذ التخصيص أهون من التكلم بما لا يفيد. هـ - إن الفرس يتمكنون من الفهم بالرجوع إلى العرب. " المسألة الثَّانية" لا يجوز أن يرد فيهما ما يعني به غير ظاهره ولا يدل عليه خلافًا للمرجئة (¬1). لنا: إنه بالنسبة إلى غير ظاهره مهمل، وقد بينا امتناعه. لا يقال: المهمل ما لا يفيد. وما ظاهره الوعيد يفيد تخويف الفساق. فإن عنيت به غير المفهم فهو أول المسألة لأن فتح هذا الباب ينفي الاعتماد على أخبارهما لجواز كون المقصود غير الِإفهام. " المسألة الثالثة" قيل (¬2) الدليل اللفظي لا يفيد اليقين لأنه مبني على نقل اللغة والنحو والتصريف وعدم الاشتراك والمجاز والإِضمار (¬3) والنقل والتخصيص والتقديم والتأخير والناسخ والمعارض العقلي وهما ظنيان. أما الأول: فلما تقدم من عدم عصمة الرواة وبلوغهم التواتر. ولأن ¬

_ (¬1) هم أنواع كثيرة يقولون لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. والمؤمن يستحق الجنة بالإيمان دون سائر الطاعات والكافر يستحق النَّار بالكفر دون سائر المعاصي. انظر المصباح 1/ 21، الفرق بين الفرق 20، اللباب 3/ 123، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 139، الملل والنحل لابن حزم 2/ 112، المواقف 631. (¬2) سقط من "ب، د" قيل. (¬3) سقط من "ب، د" الإضمار.

المسألة الرابعة

الأدباء لحنوا أكابر شعراء الجاهلية كما يشهد به كتاب الوساطة (¬1) بين المتنبي (¬2) وخصومه الذي صنفه الجرجاني (¬3). أما الثاني: فلأن غايته عدم الوجدان الذي (¬4) لا يفيد إلَّا ظن العدم. ولا شك أن المبني على المظنون مظنون. والِإنصاف إفادة (¬5) اليقين تتوقف على القرائن مشاهدة كانت أو معلومة بالتواتر. " المسألة الرابعة" الخطاب إن استقل بالِإفادة بلفظه (¬6) حمل أولًا على الحقيقة الشرعية. ثم العرفية ثم اللغوية ثم المجاز. ويجب على كل طائفة حمله على ما يتعارف لئلا يخاطب بما يعني به غير ظاهره بلا قرينة. وإن استقل بها بمعناه فهي (¬7) أقسام الدلالة الالتزامية التي سبقت وإن لم يستقل فالمضموم إليه قد يكون نصًا وهو قسمان: أ- أن يفيد أحدهما إحدى (¬8) المقدمتين والآخر الأخرى كقوله تعالى: ¬

_ (¬1) الوساطة: كتاب مطبوع. ذكر المصنف فيه بعض ما خطأ به الشعراء والأدباء بعضهم. (¬2) هو أَحْمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكُوفيّ الكندي أبو الطب المتنبي الشَّاعر الحكيم ولد بالكوفة ونشأ بالشام. تنبأ في بادية السماوية ثم سجنه أمير حمص وخرج من السجن بعد أن تاب. مدح سيف الدولة الحمداني وحظي عنده ثم مضى لمصر فمدح كافور الأخشيدي. ولما لم يظفر عنده بولاية هجاه وتجول في البلاد ثم قتل في أسفاره قرب دير العاقول. سنة 354 هـ وألف عن المتنبي كتب كثيرة كما له ديوان مطبوع. انظر ترجمته. وفيات الأعيان 1/ 36، معاهد التنصيص 1/ 27، لسان الميزان 1/ 259، تاريخ بغداد 4/ 102، المنتظم 7/ 24، الأعلام 1/ 111. (¬3) والجرجاني هو أبو الحسن علي بن عبد العزيز شاعر وفقيه متوفى عام 366 هـ ترجم له في مقدمة كتابه الوساطة من 4 - 8 مرآة الجنان 2/ 368، طبقات الشيرازي 11/ 101، وفيات الأعيان 1/ 461، طبقات الأسنوي 1/ 348، شذرات الذهب 3/ 56. (¬4) سقط من"ب، د" الذي. (¬5) وفي "هـ" إن إفادته لليقين. (¬6) وفي "أ، د" بلفظ. (¬7) وفي "ب" وهي. (¬8) وفي "أ، د" أحد.

المسألة الخامسة

{أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} (¬1) مع قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (¬2) الآية. ب- أن يفيد أحدهما حكمًا لشيئين والآخر بعضه لأحدهما فيتعين الباقي للآخر كقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (¬3) مع قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ} (¬4). وقد يكون (¬5) إجماعًا أو قياسًا أو شهادة حال المتكلم فإن كونه شارعًا يعين الحكم الشرعي من الخطاب المتردد بينه وبين الحكم العقلي. " المسألة الخامسة" إذا عُلم عدم إرادة ظاهرة الخطاب حُمل على مجازه المتعين في نفسه أو بتعيين الدليل إياه ابتداء. أو بنفي غيره. أو على الأقوى أو الكل على البدل إن انحصرت وجوه المجاز ومن يمنع استعمال اللفظ في معنيين مختلفين فإنَّه يوجب الدلالة المعينة. وإن لم ينحصر قال القاضي عبد الجبار: لا بد من دلالة معينة لتعذر العمل على الكل مع تعذر حصره علينا. واعترض أبو الحسين. بأن حمله على الكل على البدل ممكن. نعم يليق ذلك بمن (¬6) يمنع استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين إذ اللفظ لم يوضع للتخيير. واعلم أن هذه الأقسام يتقدمها في اللفظ العام قسم وهو تعيين بعض ما يتناوله بنفي الدليل ¬

_ (¬1) [طه: 93]. (¬2) [النساء: 14]. (¬3) [الأحقاف: 15]. (¬4) [البقرة: 233]. (¬5) قد يكون المضموم إجماعًا. مثل الإِجماع على أن الخالة بمثابة الخال إذ دل النص على أن الخال لا يرث. وقد يكون المضموم قياسًا كما يدل النص على حرمة الربا في البُر وداع القياس أن الذرة مثله. وقد يكون المضموم شهادة حال المتكلم ككون خطاب الشرع متردد بين الحكم العقلي والشرعي فحمله على الشرعي أولى. (¬6) وفي "أ، د" ممن بدل بمن.

المسألة السادسة

غيره، وأن الدلالة المعينة لا بد منها، فيه مهما تردد المراد بين بعض ما يتناوله وما لا يتناوله لامتناع اجتماعهما. فرع: إذا دل دليلًا على إرادة ظاهرة وغير ظاهرة وهو معين حمل عليهما ولزم أن يقال اللفظ موضوع لهما لغة أو شرعًا، أو تكلم به مرتين. " المسألة السادسة" ثبوت حكم الخطاب فيما يتناوله مجازًا (¬1) لا يدل على أنَّه المراد به خلافًا للكرخي وأبي عبد الله البَصْرِيّ. مثال قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (¬2) فإنَّه يتناول المجامع بطريق الكناية. فوجوب التيمم عليه لا ينفي إرادة الحقيقة إذ المقتضي لإِرادتها موجود. وثبوت الحكم ثمة قد يكون لدليل (¬3) آخر فلا يعارضه. احتجوا: بأن ذلك الحكم لا بد له من دليل ولا دليل سواه وإلا لنقل، والجمع بين الحقيقة والمجاز متعذر. وجوابه: لعل الإِجماع أغنى عن نقل ذلك الدليل. ¬

_ (¬1) أي على وجه المجاز. (¬2) [النساء: 43]. (¬3) وفي "ب" بدليل.

الكلام في الأوامر والنواهي

الكلَام في الأوامِر وَالنّواهي وَفيهِ فصُول

الفصل الأول في المقدمات

" الفصل الأول" في المقدمات وهي سبع (¬1) " المقدمة الأولى" لفظ الأمر حقيقةٌ في القول المخصوص فقط عند الجمهور. وعند بعض الفقهاء (¬2) مشترك بينه وبين الفعل. وعند أبي الحسين (¬3) مشتركٌ بينهما وبين الشأن والشيء والصفة (¬4) والطريق. حجتنا: النافي للاشتراك. ومنهم من تمسك بوجوه: أ- لو كان حقيقة في الفعل لاطرد. ب- ولاشتق منه الآمر والمأمور. ب- ولدخل فيه الوصف بالمطيع والعاصي، ومضادة النهي إياه، ومنع الخرس والسكوت، وانقسام الكلام إليه. د- ولما صح نفي الأمر عنه (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من "ب، هـ" سبع. (¬2) وفي "هـ" إنه مشترك. (¬3) انظر قول أبي الحسين في المعتمد 1/ 45. (¬4) سقط من "أ" الصفة. (¬5) فيقال ما أمر به ولكن فعله.

وهو ضعيف (¬1). لأن اطراد الحقيقة ثم عدم الاطراد ههنا ممنوعان، وكذا لزوم الاشتقاق في الحقيقة، وكذا كون تلك الصفات لازمة لمطلق الأمر، وكذا صحة نفي الأمر مطلقًا عنه. وللفقهاء أمران: أ- إنه استعمل بمعنى الفعل. قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} (¬2) وقال تعالى: {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (¬3) وقال تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} (¬4) وقال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} (¬5) وقال تعالى: {تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} (¬6) وقال تعالى: {مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} (¬7) وقال الشَّاعر: (لأمرٍ ما يسود من يسود) (¬8) يُقال: (لأمرٍ ما جدعَ قصيرٌ أنفه) (¬9). يُقال: (أمرٌ مستقيم، وأمرٌ عظيم، وأمرٌ هائل). ب- إنَّ جمعه بمعنى الفعل على أمور دليل الحقيقة. ولأبي الحسين: إنَّ تردد الذهن عند سماع لفظ الأمر بين الكل إلى سماع القرينة دليل الحقيقة فيه. ¬

_ (¬1) وهو راجع لجميع الوجوه الأربعة والمعنى أن تمسكهم ضعيف. (¬2) [المؤمنون: 27]. (¬3) [هود: 73]. (¬4) [هود: 97]. (¬5) [القمر: 50]. (¬6) [الحج: 65]. (¬7) [النحل: 12]. (¬8) عجز بيت لأنس بن مدركة الخثعمي. وصدره: (عزمت على إقامة ذي صباح) وقد ذهب عجز البيت مثلًا وأورده الميداني في مجمع الأمثال. انظر مجمع الأمثال 2/ 196، خزانة الأدب 3/ 87. (¬9) هذا مثل وسببه أن قصير بن سعد اللخمي كان قد جدع أنفه وأثر آثارًا بظهره ليخدع الزباء. فقالت العرب لما رأته لمكرٍ ما جدع قصيرٌ أنفه. والرواية للأمرٍ ما جدع قصير أنفه. مجمع الأمثال للميْداني 1/ 233 - 237.

المقدمة الثانية

والجواب عن. أ- إن المراد من الآية الأولى والثانية القول أو الشأن لصدقه على الفعل ومن الثالثة القول لتقدم قوله تعالى: {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} (¬1) أي أطاعوا أو الشأن الصادق على الفعل والثلاث البواقي لتعذر إجرائها على ظاهرها إذ فعل الله تعالى ليس واحدًا ولا كلمح البصر في السرعة ولا حصل الجري والتسخير بفعله بل بقدرته محمولة (¬2) على الشأن. سلمنا استعماله فيه لكنه مجاز إذ هو أولى من الاشتراك. ب- إن الأمور جمعه بمعنى الشأن. ثم لا نسلم أن الجمع علامة الحقيقة. وعن دليل أبي الحسين (¬3): منع تردد الذهن بين الكل، بل السابق إليه الأول. " المقدمة الثَّانية" قال القاضي أبو بكر: "الأمر هو القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به. وارتضاه الأصحاب وهو ضعيف (¬4). إذ الطاعة عندهم موافقة الأمر. والمأمور مشتق. من الأمر فتعريفه بهما دور (¬5) لتوقف معرفتهما على معرفته. وقالت المعتزلة: (هو قول القائل لمن دونه افعل أو ما يقوم مقامه). وهو ضعيف لوجوه: أ- إن الأمر يوجد دون هذا اللفظ بأن يوضع له لفظٌ آخر أو يُعبر عنه بلغةٍ ¬

_ (¬1) [هود: 97]. (¬2) وفي "جـ، أ" محمول. (¬3) جميع النسخ موجود فيها "وعن جـ" ولا يوجد دليل برقم جـ فيما تقدم بل الموجود بعد أن ذكر أ، ب قال ولأبي الحسين البَصْرِيّ ولذا أصلحناه من باب التوضيح. (¬4) قول القاضي الأرموي رحمه الله وهو ضعيف لا يطابق قول الإمام, لأن الإمام قد جزم بخطأ التعريف وبتعريف المعتزلة الآتي. انظر المحصول 1/ 2/ 19. (¬5) قدمت دور على الجملة التي بعدها لسلامة التركيب.

المقدمة الثالثة

أخرى. وقولنا (¬1): أو ما يقوم مقامه إنما يدفع (¬2) لو عني به ما يقوم مقامه في الدلالة على طلب الفعل وحينئذٍ يصير الأمر هو: (القول الدال على طلب الفعل) ويضيع التعرض بخصوص افعل. ولقائل أن يقول: هذا (¬3) تغيير العبارة. ب- عكسه بأن يصدر من نائمٍ أو ساهٍ أو حاكٍ أو سابق إليه لسانه أو قبل وضعه لمعنى. ولقائل أن يقول: لا نسلم أنَّه قول (¬4) القائل لغيره افعل (¬5). هـ - إن العلو غير معتبر لما نبين (¬6). بل الأمر طلب الفعل بالقول استعلاءً ومنهم من لم يعتبر القيد الأخير. " المقدمة الثالثة" تصور ماهية الطلب أوَّلي، إذ كل أحدٍ يفرق بالضرورةِ بين طلب الفعل وطلب الترك، وبينهما وبين المفهوم من الخبر. ويعلم ضرورة أن ما يصلح لأحدَهما جوابًا لا يصلح للآخر. وهي (¬7) غير الصيغة لأنها لا تختلف باختلافها بل هي صفة المتكلم كعلمه وقدرته، والصيغة تدل عليها. وأنها (¬8) غير الِإرادة خلافًا للمعتزلة لوجوه: أ- أنَّه تعالى أمر الكافر بالِإيمان ولم يرده منه لوجهين. ¬

_ (¬1) وفي "ب" وقوله. (¬2) وفي "ب، د" يدفع ذلك. (¬3) وفي "ب، د" "إن هذا". (¬4) سقط من "أ، هـ" القائل. (¬5) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله أن اعتراض الإِمام على تعريف المعتزلة بقوله: إنه غير مانع لدخول ما يصدر من النائم والساهي وسبق اللسان وغير ذلك ليس بداخل تحت الحد وذلك لأنه لا بد من القصد والقصد هنا منتفٍ فلا يصدق عليه أنَّه (قول لغيره افعل). (¬6) ردٌ على ما ورد في تعريف المعتزلة "لمن دونه" فالعلو غير معتبر لما سيأتي قريبًا. (¬7) أي ماهية الطلب. (¬8) أي ماهية الطلب.

الأول: إن صدوره (¬1) منه مع علمه تعالى بعدمه محال. وتمامه في مسألة تكليف ما لا يطاق والعالم باستحالة الشيء لا يريده وفاقًا. ولأن الإِرادة صفة مرجحة لأحد (¬2) جانبي الجائز. الثاني: إن صدور الكفر منه يتوقف على مرجحٍ يخلقه الله ويجب الفعل عنده لما عرف. وخالق الموجب مريد لموجبه، فلو أراد الِإيمان منه والحالة هذه لزم إرادته للضدين (¬3). وهو باطل وفاقًا. ولا يقال: الأمر هو اللفظ الدال على إرادةِ العقاب بتقدير الترك. لأنه لو كان كذلك لتطرق إليه التصديق والتكذيب. ولأنَ العقاب قد يسقط بالعفو أو التوبة، والخلف في خبره تعالى محال. ب- يصح أن يقال أريد هذا الفعل منك ولا آمرك به. وأن يأمر الحكيم عبده بما لا يريده إظهارًا لتمرده. جـ- إنَّا نبين جواز النسخ قبل وقت (¬4) الامتثال. ولا تجتمع الِإرادة والكراهية في فعلٍ واحد في وقتٍ واحد. واحتجوا (¬5) بأمرين: أ- الطلب الذي وضع الأمر (¬6) له معلوم للعقلاء وغير الإِرادة غير معلوم. ب- إنه لو لم تعتبر الِإرادة في الأمر (¬7) لصح الأمر بالماضي والحال كالخبر. ¬

_ (¬1) في "أ، هـ" سقط منه. (¬2) وفي "جـ" لأحد الجائزين على الآخر. (¬3) وفي "أ، جـ" إرادة الضدين. (¬4) سيأتي ذلك في باب النسخ. (¬5) أي: المعتزلة. (¬6) ويقصد بذلك الإرادة وهو معلوم للجميع وأما غير الإرادة فليس معلومًا. (¬7) سقط من"هـ" الأمر.

المقدمة الرابعة

والجواب عن: أ (¬1) - إن أمرهم بما لا يريدون دليلُ علمهم به. ب- طلب الجامع على أن من يجوَّز تكليف ما لا يطاق يجوزه. " المقدمة الرابعة" ترجيح الفعل أعم منه مع المنع من الترك. ومنه مع عدمه. ولكل منهما (¬2) لفظ يدل عليه عربيًا كان أو غيره. والأمر (¬3) اسمٌ للفظ لا للترجيح لوجوه: أ- قال أهل اللغة الأمر من الضرب اضرب. ب- لو علق (¬4) العتق على الأمر لا يحصل بالإِشارة إلى معناه. ولا يعارض بما لو أشار بعد الخرس لأنا نمنع المسألة. جـ - جعله حقيقة في اللفظ مجازًا في المعنى أولى من العكس لاستلزام الدليل المدلول من غير عكس. د- لو عُلم خطران المعنى بباله لا يقال له إنه (¬5) أمرَ. هـ - المتبادر إلى الفهم عند سماع لفظ الأمر اللفظ (¬6). احتجوا بأمرين: أ- قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} (¬7) الآية كذبهم مع صدقهم في ¬

_ (¬1) هذان الجوابان عن دليلي المعتزلة. (¬2) وفي "ب، د" منها بدل منهما. (¬3) جزم الأرموي بأن الأمر اسم للفظ الدال على الترجيح وليس اسمًا لنفس الترجيح مع أن الإِمام في المحصول قال: إن هذا الإطلاق من باب الأولى انظر المحصول 1/ 2/ 35. (¬4) وحقيقة التعليق أن يقول:. لو أمرت فلانًا فعبدي حر. فإن عتقه لا يحصل بالإشارة التي يفهم منها مدلول صيغة الأمر. (¬5) سقط من (أ، جـ، هـ) "أنَّه". (¬6) سقط من (ب) اللفظ وموجود في (د) تعليقًا. (¬7) [المنافقون: 1].

اللفظ وقول عمر رضي الله عنه: (زوَّرتُ في نفسي كلامًا) (¬1). وقول الأخطل (¬2): إنَّ الكلامَ لفي الفؤادِ وإنما ... جُعل اللسان على الفؤادِ دليلا (¬3) ب- لو سميت الألفاظ كلامًا لكان كونها معرفات لما في النفس والكتابة والإِشارة كذلك. والجواب عن: أ- إن الشهادة هي الِإخبار عن الشيء مع العلم (¬4) به. وقوله زوَّرتُ أي قدرت. ولا يلزم منه كونه في النفسِ، كما يقال قدرت في نفسي دارًا وبناءً. ولا نسلم كون الشَّاعر عربيًا. سلمناه: لكنه محمول على المقصود من الكلام. ب- منع القياس في اللغة. فرعٌ: الأمر اسم لمطلق اللفظ (¬5) لا للفظ العربي. إذ العربي يسمي الفارسيّ إذا أتى بلفظ يدل على ذلك الترجيح بلغته آمرًا وأما أنَّه لمطلق اللفظ (5) الدال على أي ترجيحٍ فيعرف من أن الأمر للوجوب أو ليس. ¬

_ (¬1) قول عمر رضي الله عنه قاله في سقيفة بني ساعدة التي اجتمع المهاجرون والأَنْصار فيها بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لاختيار من يخلفه وفي البُخَارِيّ بلفظ هيأت كلامًا ومعنى زوَّرت. حسَّنت انظر فتح الباري 7/ 20 - 30. (¬2) هو غياث بن غوث التغلبي النصراني ويكنى أَبا مالك. شاعر عبد الملك بن مروان انظر ترجمته في مقدمة ديوانه لأنطون صالحاني المطبوع في اليسوعية ببيروت والشعر والشعراء 1/ 483. (¬3) البيت المذكور لا وجود له في ديوانه. واشتهر هذا البيت عند علماء الأشاعرة اشتهارًا منقطع النظير وتناقلوه في كتبهم الكلامية والنحوية. (¬4) وتكذيب الله لهم كان لادعائهم أنَّهم شاهدون. (¬5) سقط من"أ" من مطلق اللفظ إلى مطلق اللفظ في السطر الثاني وفي "ب" الساقط قريب من هذا.

المقدمة الخامسة

" المقدمة الخامسة" (¬1) دلالة هذه الصيغة على الطلب يكفي فيها الوضع. وقال أبو علي وأبو هاشم يتوقف بعده على إرادة أخرى تؤثر في صيرورتها أمرًا. لنا وجوه: أ- القياس على سائر الألفاظ (¬2). ب- إنها لو توقفت على الِإرادة وأنها أمرٌ باطني لما أمكن الاستدلال بالصيغة على الطلب. جـ - الأمرية ليست صفةً لمجموع الحروف إذ لا وجودَ لها ولا لآحادها إذ لا واحدَ منها بأمرٍ. احتجا (¬3): بأنا نميز بين كون الصيغة طلبًا أو تهديدًا ولا مميزَ إلَّا الإرادة. وجوابه: إنها مجاز في التهديد. والأصل الحقيقة إلَّا لمعارض. " المقدمة السادسة" قال أصحابنا (¬4) لا يعتبر في الأمر علو رتبة الآمر (¬5) خلافًا للمعتزلةِ (¬6) ¬

_ (¬1) دمج القاضي الأرموي في هذه مسألتين من مسائل المحصول وقد أجاد لأنه لا وجه لجعلهما مسألتين حيث إن ما فيه الخلاف شيءٌ واحد تعددت فيه الأقوال. انظر المحصول 1/ 2/ 41. (¬2) ووجه القياس على سائر الألفاظ أنها وضعت لتدل على معاني فلا تفتقر في إفادتها لما هي موضوعة له إلى الإرادة. (¬3) وفي "ب، د، هـ" احتجوا: ولم يتقدم إلَّا ذكر أبي علي وأبي هاشم. (¬4) سقط من"ب" قال أصحابنا. (¬5) سقط من "هـ" الآمر. (¬6) تحقيق مذهب المعتزلة: (قالت المعتزلة يجب أن يكون الأمر أعلى رتبةٌ من المأمور وقد أفرد الإمام في المحصول أَبا الحسين البَصْرِيّ بقول مخالف لقولهم وهو أنَّه يعتبر الاستعلاء لا علو الرتبة. وبعد الرجوع للمعتمد وجدت تفاوتًا بين قول أبي الحسين وقول أصحابه. وقد انتقد أبو الحسين قول أصحابه بقوله: واشتراط الاستعلاء أولى من ذكر علو الرتبة لأن من قال لغيره افعل على سبيل التضرع والتذلل لا يقال أنَّه أمره، وإن كان أعلى رتبة من المقول له. ومن=

لقوله تعالى حكايةً عن فرعون (¬1): إذ قال لقومه {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} (¬2) وقال عمرو (¬3) بن العاص لمعاوية (¬4): أمرتك أمرًا جازمًا فعصيتني ... وكان من التوفيقِ قتل ابن هاشمِ (¬5) وقال دريد (¬6) بن الصِّمة لنظرائه ولمن هو فوقه: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلَّا ضُحى الغدِ (¬7) وقال الحصين بن المنذر (¬8) .................................... ¬

_ = قال لغيره افعل على سبيل الاستعلاء يقال: إنه أمره وإن كان أدنى رتبةً منه). انظر المحصول 1/ 2/ 42 والمعتمد 1/ 49. (¬1) هو الوليد بن مصعب بن أبي أهون بن الهلواث بن فازان عمرو بن عمليق بن يلمع وهو فرعون موسى. وقيل إن جده فرعون يوسف واسمه بيرخوز. انظر المحبر لمحمد بن حبيب بن أمية الهاشمي البغدادي المتوفى سنة 245 هـ برواية أبي سعيد الحسن السكري. طبع دائرة المعارف النعمانية بحيدر أباد الدكن عام 1361 هـ. (¬2) [الأعراف: 110] والآية: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}. (¬3) عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد من قريش صحابي جليل، أسلم قبل الفتح وهو أحد دهاة العرب الثلاث. افتح مصر ووليها وانضم إلى معاوية تُوفِّي عام 43 هـ أنظر الإصابة 3/ 2. (¬4) معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية. أول خلفاء بني أمية كان كاتبًا للوحى تُوفِّي عام 60 هـ. انظر الِإصابة 3/ 412. (¬5) نسب الأرموي البيت لعمرو بن العاص تبعًا للِإمام الرَّازيّ وشطر البيت الأول هو جزء من بيت سيأتي منسوبًا للحصين بن المنذر الرقاشيّ ويبدو أن ابن هاشم المذكور في البيت هو أحد العلويين الخارجين على معاوية رضي الله عنه. (¬6) هو دريد بن الصِّمة من قبيلة هوازن ويكنى بأبي قرة قتل يوم حنين مشركًا وكان من زعماء هوازن. انظر الشعر والشعراء 2/ 749. (¬7) قال هذا البيت في رثاء أخيه عبد الله. وفي بعض الروايات يتبينوا النصحَ بدل يستبينوا الرشد. (¬8) في جميع نسخ التحصيل تبعًا للمحصول وقع تصحيف في الاسم حيث ورد حباب بن المنذر. والناظر لأول وهلة يعرف ذلك لكون الحباب بن المنذر الصحابي صاحب المشورة يوم بدر لم يعش حتَّى زمن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة. وقد وجدت البيت بعد أيام من طلبه في تراجم يزيد بن المهلب فوجدته في تاريخ بغداد 6/ 290 منسوبًا للحصين بن المنذر وذكر أنَّه =

........... ليزيد (¬1) بن المهلب أمير خراسان والعراق: أمرتك أمرًا جازمًا فعصيتني ... فأصبحت مسلوبَ الِإمارةِ نادما ولا الاستعلاء خلافًا لأبي الحسين البَصْرِيّ لما يقال في العرف "فلانٌ أمرَ فلانًا" على وجه (¬2) الرفق واللين "نعم لو بالغ في التواضع لا يسمى أمرًا عرفًا وإن سُمي لغةً". احتجوا: باستقباح العرف قول القائل: أمرت الأمير. قال أبو الحسين: اعتبار الاستعلاء أولى. فإن من قال لغيره استعلاء افعل يقال إنه أمره وإن كان أعلى رتبةً ولهذا يصفونه بالجهل والحمق. الجواب: منع الاستقباح. ¬

_ = موجود في تاريخ الطبري فوجدته أَيضًا فيه في 6/ 396 وقد صحف اسمه للحضين بالصاد المنقوطة. والحصين بن المنذر الذُّهليّ الرَّقاشيّ من أهل البصرة. حاملُ رايةِ بكر بن وائل في معركة صفين وكان مع جيش علي وكان في شبابه حينذاك ثم أصبح شريفًا في قومه وكان يكني نفسه في الحرب بأبي ساسان وكنيته الحقيقية أبو حفص وهذا البيت مع بيت آخر لا ثالثَ لهما قالهما ليزيد بن المهلب لما أمره الحجاج بترك البصرة بإيعاز من عبد الملك عام 85 هـ. فاستشار يزيد الحصين فقال له: أمرتك أمرأ جازمًا فعصيتني ... فأصبحتَ مسلوبَ الإمارةِ نادما فما أنا بالباكي عليْك صبابةً ... وما أنا بالداعي لترجعَ سالما (¬1) يزيد بن المهلب بن أبي صفرة الأَزدِيّ. أبو خالد أمير من القادة الشجعان. ولد عام 53 هـ وولي خراسان بعد وفاة والده المهلب عام 83 هـ فمكث حوالي ست سنوات ثم عزله عبد الملك بمشورة الحجاج بن يوسف ثم حبسه. قدم إلى الشام ولما أفضت الخلافة إلى سليمان بن عبد الملك ولاه العراق وخراسان فعاد إليها وفتح جرجان وطبرستان. ثم نقل إلى البصرة فبقي فيها إلى أن جاء عمر بن عبد العزيز فعزله في أموال أخذها وطلبه فجيء به للشام فحبسه بحلب ثم خرج من السجن بعد موت عمر رضي الله عنه ثم دخل البصرة وثبت حروب طويلة بينه وبين بني أمية انتهت بقتله بمكان يسمى الغفر بين واسط وبغداد وذلك عام 102 هـ وله ترجمة في: الأعلام 9/ 246، وفيات الأعيان 2/ 264، اليعقوبي 3/ 52، معجم ما استعجم 950، خزانة الأدب 1/ 105، ابن الأثير 5/ 29، الطبري 8/ 151. (¬2) وفي "ب" على سبيل.

المقدمة السابعة

" المقدمة السابعة" قد يقوم الأمر والنهي مقام الخبر كقوله عليه السلام: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" (¬1). أي صنعتَ ما شئت. وبالعكس كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} (¬2) وقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} (¬3) وقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (¬4). وجه المجاز أن الخبر يشابه الأمر في الدلالة على الوجود والنهي في الدلالة على العدم. ¬

_ (¬1) أخرجه البُخَارِيّ بلفظ: إنَّ مما أدرك النَّاس من كلام النبوة الأولى. إذا لم تستح فاصنع ما شئت. ورواه أَحْمد والبزار وغيرهما انظر الفتح الكبير 3/ 400، فتح الباري 10/ 523. (¬2) [البقرة: 233]. (¬3) [البقرة: 228]. (¬4) [الواقعة: 79].

الفصل الثاني في المباحث اللفظية

" الفصل الثاني" في المباحث اللفظية وفيه مسائل " المسألة الأولى" صيغة افعل مستعملةٌ في خمسةَ عشرَ وجهًا. 1 - الإِيجاب: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (¬1). 2 - الندْبُ: "فكاتبوهم". ويقرب منه التأديب كقوله عليه السلام: "كل مما يليك" (¬2). 3 - الإرشاد: {وَاسْتَشْهِدُوا} (¬3) وهو لمنافع الدنيا. 4 - الإباحة: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (¬4). 5 - التهديد: اعملوا ما شئتم. ويقرب منه الإِنذار. كقوله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُوا} (¬5). 6 - الامتنان: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} (¬6). 7 - الإِكرام: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ} (¬7). ¬

_ (¬1) [النور: 33]. (¬2) متفق عليه وابن ماجه من رواية عمر بن أبي سلمة وتمام الحديث. "يَا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك". انظر هداية الباري 2/ 339، الفتح الكبير 3/ 400. (¬3) [البقرة: 282]. (¬4) [الأعراف: 160]. (¬5) [إبراهيم: 30]. (¬6) [النحل: 114]. (¬7) [ق: 34].

8 - التسخير: {كُونُوا قِرَدَةً} (¬1). 9 - التعجيز: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} (¬2). 10 - الِإهانة: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} (¬3). 11 - التسوية: {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} (¬4). 12 - الدعاء: "اللهم اغفر لي". 13 - التمني: (ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ) (¬5). 14 - الاحتقار: {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} (¬6). 15 - التكوين: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬7). ثم إنها ليست حقيقةً في الكل وفاقًا. لكن قيل: هي مشتركة بين الوجوب والندب والإِباحة والتنزيه والتحريم. وقيل: بين الثلاثة الأولى. وقيل: حقيقةٌ في الإِباحة. لنا: التفرقة الضرورية بين مدلولات صيغ افعل ولا تفعل وإن شئت افعل وإن شئت لا تفعل. ولا يقال: لعل ذلك لعرف طارئ. ثم الاستعمال في هذه المعاني يعارضه لأن الأصلَ عدم التغيير. والمجاز أولى من الاشتراك ووجه المجازِ المضادة (¬8). ¬

_ (¬1) [البقرة: 65]. (¬2) [البقرة: 23]. (¬3) [الدخان: 49]. (¬4) [الطور: 16]. (¬5) هذا صدر بيت من معلقة امرؤ القيس المشهورة وعجزه (بصبحٍ وما الإصباح منكَ بأمثلِ) والبيت موجود في ديوانه ص 18 طبع المعارف تحقيق أبي الفضل سنة 1969 م. (¬6) [الشعراء: 43]. (¬7) [يس: 82] الموجود في جميع النسخ "كن" وأنا أكملت الآية. (¬8) معنى قوله: ووجه المجاز المضادة أي أن الأمور الخمسة. الوجوب، والندب، والإباحة، والتحريم، والمكروه أضداد. وإطلاق اسم الضد على الضد أحد وجوه المجاز وبذلك يترجح أن إفادتها لها ليس من باب الاشتراك.

المسألة الثانية

" المسألة الثَّانية" الأمر للوجوب عند أكثر الفقهاء والمتكلمين. وللندب عند أبي هاشم. وللمشترك بينهما (¬1) عند قوم ويليق بمذهبهم حمله (¬2) على الندب باستصحاب جواز الترك. وقيل: إنه حقيقة فيهما. وقيل: لا يدري أنَّه حقيقة فيهما أو في أحدهما وهو قول الغزالي (¬3). لنا وجوه: أ- إنه تعالى ذمَّ على مخالفة الأمر بقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (¬4) إذ ليس مستفهمًا. وبقوله: {وَإِذَا (¬5) قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (¬6). لا يقال: الأمر قد يفيد الوجوب في لغةٍ أو لقرينة (¬7) وأيضًا إنَّما ذمَّهم لا لترك الركوع بل لأنهم لم يعتقدوا حقيَّة الأمر بدليل قوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (¬8). لأن ترتب الذم على مجرد مخالفة الأمر يفيد أنها هي المنشأ له، واستحقاق الويل بالتكذيب لا ينفي استحقاق الذم بترك الركوع، إذ الكافر عندنا يعاقب بترك العباداتِ كما يعاقب بترك الإِيمان. ¬

_ (¬1) معناه أنَّه حقيقة في القدر المشترك. والقدر المشترك في ترجيح الفعل على الترك لكونه مطلوبًا. ولهذا قال القاضي الأرموي تبعًا للِإمام الرَّازيّ إنه يليق بمذهبهم حمله على الندب لأنه هو القدر المشترك بين الوجوب والندب. ومن قال إنه حقيقة فيهما يعني أنَّه مشترك لفظيَ بين الوجوب والندب وهذا القول نَسبه الرَّازيّ للمرتضى من الشيعة. وقول حجة الإِسلام هو التوقف بمعنى أنَّه لا يدري هل هو حقيقة فيهما كما - ذهب المرتضى- أو حقيقة في الوجوب أو حقيقة في الندب. انظر المستصفى ص 295. (¬2) وفي "هـ" الحماية. (¬3) وفي "ب، د" زيادة عن النسخ الأخرى (ومشترك بينهما عند المرتضى). (¬4) [الأعراف: 12]. (¬5) عند الإِمام الرَّازيّ هذه الآية دليل منفصل. (¬6) [المرسلات: 48]. (¬7) وفي "ب" بقرينة. (¬8) [المرسلات: 49].

ب- الزام الأمر يقتضي لزوم المأمور به لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (¬1). والقضاء: الإلزام. والمراد الخِيَرة في المأمورِ به لاستحالةِ خيرة المكلف فيَ أمر الله والزام ما لا يقتضي لزوم شيءٍ لا يقتضي لزومه كالقضاء بإباحته. ولقائلٍ أن يقول (¬2): سبق الذهن إلى إيجاد معنى الأمريْن يوجب حملَ الأوَّل على الشيء وإن كان مجازًا فيه. جـ - تارك ما أمرَ الله به مخالفٌ لأمره إذ مخالفة الأمر تقابل موافقته وهي الِإتيان بالمأمورِ به. ومخالف أمره يستحق العقاب لقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬3) وإنما يحسن الأمر بالحذر عن العذاب بعد قيام المقتضي له. لا يقال: الاعتراض من وجوه: أ- موافقة الأمر الإتيان بمقتضاه كما يقتضيه (¬4) أو اعتقاد حقيته (¬5). ب- إنه أمرٌ بالحذر عن المخالف، لا أمرُ المخالفِ بالحذر. هـ - إنَّ المأمور ليس مخالف الأمر. بل المخالف عن الأمر. ولا يجعل عن صلةٍ لأنها خلافُ الأصلِ. ¬

_ (¬1) [الأحزاب: 36]. (¬2) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي. إن الإمام دلل على أن الأمر للوجوب بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ووجه الاستدلال أن لزوم الأمر يدل على لزوم المأمور به. فاعترض القاضي حيث أنَّه قال: "لم لا يجوز أن يكون المرادُ من قوله أمرًا "شيئًا" والمتبادر للذهن أن تكون أمرًا الثانية بمعنى الأولى فيكون معنى الآية على هذا. "إذا قضى الله ورسوله شيئًا لا يكون لهم الخيرة في هذا الشيء". وبهذا لا يسلم الاستدلال للإمام لأن "أمرًا" في الآية حملت على معناها المجازي وهو شيء. (¬3) [النور: 63] لم يرد موضع الشاهد في جميع النسخ فأكملت الآية. (¬4) أي إن كان واجبًا يؤتى به على وجه الوجوب. (¬5) وفي "أ" حقيقته. واعتقاد حقية الأمر معناه الاعتراف يكون ذلك الأمر حقًا واجب القبول.

د- إنه يحسن الأمر بالحذر لاحتمال المحذور (¬1). وأنه حاصل إذ المسألة اجتهاديَّة. سلمناه: لكن لفظ الأمر مفردٌ فلا يعم. لأنَّا نجيب عن: أ- بأن سبق الذهن إلى ما ذكرنا (¬2) يلغى ذلك القيد واعتقاد حقية الأمر موافقة دليل حقيته (¬3) لا له (¬4). ب- إنه لو كان أمرًا بالحذر عن المخالف لكان الحذر مسندًا إلي مفعوله. وإسناد الفعل إلى فاعله أولى ولكان لا يتعين المأمور بالحذر إذ ليس في سياق الآية سوى المتسللين لواذًا (¬5) وهم المخالفون. وحذر الإنسان عن نفسه محالٌ. ولكان قوله: أن تصيبهم إلى آخره ضائعًا. إذ الحذر لا يتعدى إلى مفعوليْن. جـ- إن النحويين قالوا: كلمة "عن" للمجاوزة والبعد. يقال: جلس عن يمينه أي متراخيًا عنه في الجهةِ التي يليها، ومخالفة الأمر بعدٌ عنه، فذكر بلفظ "عن". د- استقباح العرف الأمر بالحذر بدون المقتضي. هـ (¬6) - إن جواز الاستثناء يفيد عمومه ولأن ترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعليَّةِ ولأن استحقاق العقاب في الفرد لاقتضاء مخالفة الأمر عدم المبالاةِ بالأمر المناسب للزجر. ¬

_ (¬1) سقط من (ب، د) المحذور. (¬2) إنه إذا امتثل العبدُ أمرَ سيده حَسُنَ أنْ يقال: "وافق سيده" فثبت أنَّ موافقة الأمرِ عبارة عن الإتيان بمقتضاه. وبهذا لا حاجة للقيد وهو (على الوجه الذي يقتضيه الأمر). (¬3) وفي "أ، جـ" حقيقة. (¬4) الضمير في له راجع إلى الأمر. (¬5) وفي "أ" وهو. (¬6) لا يوجد فيما تقدم فقرة "هـ" وما ورد هنا هو رد على جزء من فقرة "د" والأجوبة الواردة في هذه الفقرة كلها تبرهن على أن "أمره" يفيد العموم. فالدليل الأول جواز الاستثاء والدليل الثاني ترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعليِّة فالحكم يدور مع العلة. والثالث: إن العقاب استحقه الفرد للمخالفةِ الناتجة عن عدم المبالاة بالأمرِ بالعقوبة مناسِبةً لزجر كل من حدث منه ذلك.

ولقائلٍ أن يقول (¬1): مناقضة الأول ستأتي (¬2). د- تارك المأمور به عاص لقوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} (¬3) وقوله تعالى: {وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} (¬4). وقوله تعالى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} (¬5). والعاصي يستحق العقابَ بالنص. لا يقال: لو كان ترْك المأمور به معصيةً لكان قوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬6) تكرارًا ولم يصح تقسيمُ الأمر إلى أمرِ إيجاب وأمر استحباب. ثم آية المعصية حكايةُ حالٍ فلا تعم وآية العقاب مختصة بالكفار بقرينةِ الخلود. لأنَّا نجيب عن: أ- يحمل قوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}. على المستقبل وما قبله على الماضي. ب- إن تسميةَ المستحب مأمور به مجاز محافظة على عموِم قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ} (¬7) أولى من جعل المستحب مأمورًا به محافظة (¬8) على صيغ الأوامر لأنه أحوط. ولأن الاستحباب لازم للوجوب ولا ينعكس. ¬

_ (¬1) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله هنا متوجه لجواب الإمام الرَّازيّ في الاستدلال بأن جواز الاستثناء يفيد العموم. فاعترض القاضي بأن هذا معارض بما سيجيء في باب العموم. وهو أن الجمع المنكر يصح الاستثناء منه مع عدم عمومه. (¬2) وفي "أ" شتات وهو تصحيف. (¬3) [طه: 93]. (¬4) [الكهف: 69]. (¬5) [التحريم: 6]. (¬6) [التحريم: 6]. (¬7) [النساء: 14]. (¬8) سقط من "ب، د" سطر كامل من "محافظة" إلى "مُحافظة".

جـ- أنَّه رتَّبَ اسم (¬1) المعصية على (¬2) مخالفة الأمرِ فتكون هي (¬3) المقتضي لاستحقاقه. - إن الخلود هو (¬4) المكث الطَّويل. تقرير آخر: بأن العصيان هو الامتناعِ. لهذا سميت العصا عصًا. والاجتماع عصا. يقال: شققت عصا المصلين أي اجتماعهم. وهذا كلام يستعصي على الحفظ وحطب يستعصي على الكسر. وقال عليه السلام: "لولا أنا نعصي الله لما عصانا" (¬5). أي لم يمتنع عن إجابتنا وترك الفعل بعد الأمر المقتضي له امتناع عنه. واسم العاصي يختص بتارك الواجبًا وفاقًا. ولأن (¬6) العاصي هو المخالف لما منع منه. وإلا لكنا عصاةً بتصدقنا اليوم بعد مجرد (¬7) الأمر بالصلاة غدًا. ولقائلٍ أن يمنع الملازمةَ بجواز اختصاص العصيان بالامتناع عما حث عليه بلفظ إفعل. هـ - قوله عليه السلام لأبي سعيد بن المعلى (¬8) لما دعاه فلم يجبه لأنه كان (3) ¬

_ (¬1) وفي "ب، د" فعل بدل اسم. (¬2) يوجد في (ب، د) زيادة عن النسخ الأخرى كلمة "معنى". (¬3) وفي "ب" هو بدل هي. (¬4) سقط من"ب، د" هو. (¬5) لم أجد هذا الحديث رغم البحث الطويل عنه. (¬6) سقط من (أ) الواو. (¬7) وفي "ب، د، جـ" وجود بدل مجرد. (¬8) هو أبو سعيد بن المعلى صحابي جليل تفرد البُخَارِيّ بالرواية عنه واسمه رافع ويقال الحارث بن نفيع بن المعلى من جلّة الْأَنصار وساداتهم ويكنى بأبي سعيد واشتهرت نسبته إلى جده تُوفِّي سنة 74 هـ وقد وهم الإِمام في المحصول تبعًا للغزالي ومعظم من اشتغل بالمحصول فنسبه لأبي سعيد الخُدرِيّ وكذلك الآمدي. وقد نبّه على هذا الوهم الإسنوي في نهاية السول 2/ 29 وابن حجر في فتح الباري 8/ 307 وقد ورد في بعض كتب السنة نسبة القصة لأبي بن كعب، انظر الفتح الكبير 3/ 125. ولترجمة الصحابي انظر الاستيعاب 4/ 90 والحديث خرجه البُخَارِيّ في أول كتاب التفسير وأبو داود في كتاب الصلاة وجامع الأصول في كتاب الفضائل.

في الصلاة ما منعك أن تستجيبَ وقد سمعت قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (¬1). فلولا أنَّ الأمرَ للوجوب لما صحَّ ذلك. إذ (¬2) حينئذٍ لا يكون سؤالًا عن العذر. إذ الصلَاة عذرٌ في تركِ كلام لا يجب. ولا ذمًا على ترك الاستجابة. إذ لا ذمَ على ترك ما لم يجب. ويجوز التمسك بخبر الواحد في مسألة علميَّة تكون وسيلةً إلى العمل. و- قوله عليه السلام: "لولا أنْ أشق على أمتي" (¬3) الحديث. وكلمة لولا لانتفاء الشيء لوجِود غيره. والسؤال مندوبٌ مع وجود المشقة فلا يكون المندوب (¬4) مأمورًا به. ولقائلٍ أن يمنع (¬5) انتفاء أمر الله تعالى عند انتفاء أمر النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى يبين تلازمهما. ثم هذا يفيد أن بعض المندوب ليس بمأمورٍ به. ولعلَّ الخصم يقول إنَّ بعضه أَيضًا مأمور به. ز- قالت بريرة (¬6) للنبي عليه السلام: "أتأمرني بذلك؟ فقال: لا. إنما أنا ¬

_ (¬1) [الأنفال: 24]. (¬2) وفي "ب، د" لأنه بدل إذ. (¬3) رواه الستة من حديث أبي هريرة وتتمته عند مسلم "لأمرتهم بالسواك عند كل صلاةٍ" وتتمته عند النَّسائيّ وابن خزيمة والبخاري تعليقًا "عند كل وضوء" انظر نصب الراية 1/ 9 والفتح الكبير 3/ 51. (¬4) سقط من "جـ" المندوب. (¬5) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على ما استدل به الِإمام الرَّازيّ من حديث: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". أنَّه مندوب فلذلك لم يأمر به - صلى الله عليه وسلم - انتفاء أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يلزم منه انتفاء أمر الله تعالى، فقد يكون مأمورًا به من الله تعالى مع أنَّه مندوب. وعلى فرض التسليم إنه لم يرد فيه أمر. فإنما يدل على أن بعض المندوب ليس مأمورًا به وقد يكون البعض الآخر مأمورًا به. ولم يرتضِ بدرُ الدين التستري هذيْن الاعتراضيْن وقال: إنه يرد على الرَّازيّ أن المنفي أمر الوجوب لا الأمر مطلقًا والقرينة تدل على ذلك (انظر حل عقد التحصيل لوحة: 36). (¬6) بريرة مولاة عائشة رضي الله عنهما. كانت مولاة لقوم من الْأَنصار قيل لآل عتبة بن أبي لهب وقيل لبني هذيل. وزوجها مغيث وقيل اسمه غير ذلك. اشترتها عائشة وأعتقتها وهي التي ورد فيها قوله - صلى الله عليه وسلم - "الولاء لمن أعتق". الاستيعاب 1795 الإصابة 8/ 29.

شفيع" (¬1). أثبت الشفاعة الدالة على الندبيَّة مع نفي الأمر. ح- تمسك الصَّحَابَة رضوان الله عليهم بالأمرِ في قوله عليه السلام: (سُنوا بهم سنةَ أهلِ الكتاب) (¬2). وقوله عليه السلام: "فليغسله سبعًا" (¬3). وقوله عليه السلام: "فليصلها إذا ذكرها" (¬4). على الوجوب ولم ينكر عليهم. فكان إجماعًا لما سيأتي في القياس. ولا يعارض بأنهم لم يرتبوه على مثل قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا} ¬

_ (¬1) أخرجه الجماعة إلَّا مسلمًا عن ابن عباس. ولفظه "إن زوج بريرة كان عبدًا أسود يقال له مغيث" كأني انظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته. فقال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - للعباس: يَا عباس. ألا تعجب من شدة حب مغيث بريرة ومن شدة بغض بريرة مغيثًا. فقال لها عليه السلام: لو راجعتيه. قالت: يَا رسول الله. أتأمرني به. فقال عليه السلام: "إنما أنا شفيع قالت. لا حاجة لي به" نصب الراية 3/ 206. (¬2) رواه البَزَّار في مسنده والدارقطني في سننه وابن أبي شيبة في مسنده ومالك في الموطأ عن جعفر بن محمَّد عن أَبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لا أدري ما أصنع بالمجوس. فقال عبد الرَّحْمَن بن عوف رضي الله عنه: أشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول سُنوا بهم سنةَ أهل الكتاب" أعله ابن عبد البَّر بالانقطاع لأن محمَّد بن عليّ بن الحسين لم يلقَ عمرَ. وأعلَّه غيره بالإرسال ولكن ورد معناه في البُخَارِيّ من حديث مجالد قال: أتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتَّى شهد عبد الرَّحْمَن بن عوف أنَّ رسول الله أخذها من مجوس هجر. ويشهد له أَيضًا ما رواه البُخَارِيّ من أخذ الجزية من البحرين التي صالح أهلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وولى عليها العلاء بن الحضرميّ وهم من المجوس. انظر نصب الراية 3/ 448. فتح الباري 6/ 259. (¬3) ورد الحديث بطرق عدة وروايات مختلفة وممن خرجه أَحْمد ومسلم وأبو داود والنَّسائيّ وابن ماجه والدارقطني وأول الحديث "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات" وفي بعض الروايات بزيادة أولاهن بالتراب. وفي أخرى وعفروه الثامنة بالتراب انظر الفتح الكبير 1/ 162. نصب الراية 1/ 130. التلخيص الحبير 1/ 14. (¬4) رواه البُخَارِيّ ومسلم وأبو داود من حديث أنس ورواه التِّرْمِذِيّ وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردوْيه من حديث أبي هريرة ولفظ البُخَارِيّ: "من نسيَ صلاةً فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلَّا ذلك وأقم الصلاة لذكري" هداية الباري 2/ 232 وفتح القدير للشوكاني 3/ 361.

وقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ}. وقوله تعالى: {فَانْكِحُوا}. وقوله تعالى: {فَاصْطَادُوا} لأن التمسك بما لا يفيد الوجوب عليه لا يجوز. ويجوز تخلف الحكم عن المقتضي لمانعٍ. ط- أنَّه ليس (¬1) حقيقةً في الندب فقط لأن الواجب مأمور باتفاق الأمة وصرح كثير من الأصوليين بأن المندوب غير مأمور به فيمتنع مثله. ولا هو حقيقةٌ فيه وفي الوجوِب إذ الاشتراك خلافُ الأصل. ولا في المشترك بينهما إذ جعله مجازًا فيه حقيقةً في الوجوب أولىَ من العكس (¬2) لما عرف. فتعين جعله حقيقةً في الوجوب فقط. ي- اقتصار العقلاء في تعليل حسن (¬3) ذم العبد إذا ترك ما أمره به سيدُه على أنَّه ترك ما أمر به، يدل على أنَّ ترك المأمور (¬4) به عِلةٌ لحُسْن الذم. ولا يقال إنما ذموا لكراهية السيد تركه أو لأن الشارع (¬5) أوجبَ طاعة السيد أو إيصال النفع إليه. ثم إنه معارض بما أنَّه لا يذم لو كان ما أمر به معصيةً. لأن الاقتصار على القدر المذكور ينفي اعتبار الكراهة. والشرع إنما يوجب طاعة السيد وإيصال المنافع إليه فيما يوجبه (¬6) السيد عليه. حتَّى لو قال لك أن تفعله وأن لا تفعله لا يجب عليه ذلك. والمعصيةُ لما خرجت بدليل وجب فيما وراءها حمل كلامهم على ظاهره. يا- الأمر يفيد الوجود فليمنع من العدم (¬7) كالخبر بجامع تكميل المقصود من ¬

_ (¬1) سقط من "أ" ليس. (¬2) وفي "ب، د" وفي الوِجوب لا لأمر مشترك بينهما لأنه يلزم منه الاشتراك ولا لأنه لأمر مشترك بينهما لأن جعله حقيقةً في الوجوب مجازًا في المشترك أولى من العكس. (¬3) سقط من "ب، هـ" حسن. (¬4) سقط من "هـ" "به". (¬5) وفي "أ، جـ، هـ" الشرع بدل الشارع. (¬6) وفي "أ" يوجب. (¬7) أي إذا دل على معنى منع من نقيضه.

الوضع (¬1) له. لا يقال لعلَّ الأمر يفيد أولويَّة الوجود لأن الفعل إنما يشعر بالمصدر لا بأولويته. يب- الأمر يفيد رجحان مصلحة الوجود لامتناع الأمر بما فيه مفسدة راجحة أو مساوية والإذن في تركه إذنٌ في تفويت المصلحة الخالصة وأنه قبحٌ عرفًا فكذا شرعًا لقوله عليه السلام: "ما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح" (¬2) تُرك العمل به في المندوبات فيبقى فيما عداها. ولا يقال: إلزام المكلف استيفاء المصلحة الخالصة (¬3) لنفسه قبيح عرفًا فكذلك شرعًا لأن ذلك (¬4) ينفي أصل التكليف. ولقائلٍ أن يقول: لما انتقض كل (¬5) منهما وجب الترجيح (¬6). يج- لأمر يفيد رجحان الوجود على العدم وأنه (¬7) لا يخلو عن الإذن في الترك والمنع منه والمفضي إلى الراجح راجح في الظن فالمنع من الترك راجحٌ في الظن فوجب العمل به لقوله عليه السلام: "اقض بالظاهر" (¬8). وقياسًا على الشهادة والفتوى وقيم المتلفات وأروشَ ¬

_ (¬1) وفي "أ، هـ" الموضوع. (¬2) رواه الحاكم في المستدرك في فضائل أبي بكر وقال صحيح الإِسناد ولم يخرجاه ورواه البيهقي في كتاب المدخل وفي كتاب الاعتقاد. ورواه الطَّيالِسيّ في مسنده والبزار في مسنده والطبراني في الكبير وأَحمد موقوفًا على ابن مسعود ولفظ أَحْمد: إن الله عزَّ وجل نظر في قلوب عبادِه فاختار محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد فاختار له أصحابًا فجعلهم أنصارَ دينه ووزراءَ نبيه فما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن. وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح وقال العجلوني موقوف حسن. انظر الزيلعي 4/ 133. وكشف الخفا 2/ 188. ملاحظة: رواه أَحْمد في كتاب السنة وليس في المسند. (¬3) سقطت الخالصة من (أ، ب، جـ، د). (¬4) وفي "هـ" هذا بدل ذلك. (¬5) وفي "جـ" كل واحد منهما. (¬6) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي إنه لما انتقض عدم الإذن بترك المأمور به بالمندوبات وانتقض استيفاء المصلحة بالقبح عرفًا وجب الترجيح، وظاهر أنَّه يشير إلى رجحان دليل الخصم. (¬7) وفي "ب، د" ولأنه. (¬8) واللفظ الوارد في المحصول "أنا أقض بالظاهر" قال ابن الديبع الشَّيبانِيّ في كتابه (تمييز الطيب من الخبيث) حديث "أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر". اشتهر بين الأصوليين =

الجنايات وتعيين القبلة ولأن العمل بالمرجوح لا يجوز عقلًا. يد- الوجوب له لفظ مفرد لشدة الحاجةِ إلى تعريفه الداعية إلى الوضعِ المقدور عليه بلا مانع. وليس ذلك سوى الأمر وفاقًا. لا يقال: لم لا يكفي القرينة والمركب. ولا نسلم عدم المانع. إذ توقيف اللغة مانع. ثم هو منقوض بشدةِ الحاجةِ إلى تعريف معنى الحال والاستقبال والاعتمادات والروائح. ومعارض بشدةِ الحاجةِ إلى تعريف أصل الترجيح والندب وتعريف الوجوب أو (¬1) الندب مبهمًا. وبأنه لو كان له لفظ مفرد لاشتهر لشدة الحاجة إلى الَتعبير به. لأنا نجيب عن: أ (¬2) - بأن التعريف باللفظ أسهل. والمفرد على اللسان أخف فيغلب ذلك على الظن كسائر الألفاظ المفردة. ب- بأن الأصل عدم المانع والتوقيف. ¬

_ = والفقهاء بل وقع في شرح مسلم للنووي في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنِّي لم أؤمر أن أنقب عن قلوب النَّاس". والحديث لا وجود له في كتب الحديث المشهورة ولا الأجزاء المنثورة وجزم العراقي بأنه لا أصل له. وكذا أنكره المزي. انتهى ابن الديبع. والحديث معناه صحيح حيث عقد له النَّسائيّ بابًا خاصًا في سننه فقال باب الحكم بالظاهر ثم أورد تحته حديث أم سلمة: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ ولعلَّ بعضكم ألْحن بحجته من بعض فاقضى له على نحوِ ما أسمع. فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه إنما أقطع له قطعةً من نارٍ". متفق عليه- ويشهد له أَيضًا ما أخرجه الَبخاري من قول عمرَ رضي الله عنه: "إنما كانوا يؤخذون بالوحي على عهد النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم". ويشهد له أَيضًا حديث أبي سعيد المرفوع. "إنِّي لم أؤمر أن أنقب عن قلوب النَّاس ولا أشق بطونهم". وقال أمير المُؤْمنين في الحديث ابن حجر العسقلاني. بعد أن أورد الإِمام الشَّافعيّ رحمه الله حديث أم سلمة في كتاب القضاء من كتابه الأم قال فأخبرهم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه إنما يقضي بالظاهر وأن أمر السرائر إلى الله فبعضهم ظن هذا حديثًا منفصلًا فنقله كذلك والحال أنَّه تفسير من الشَّافعيّ رحمه الله ولهذا يوجد هذا الحديث كثيرًا في كتب أصحاب الشَّافعيّ دون غيرهم. انظر المقاصد الحسنة 91، تلخيص الحبير 2/ 405، كشف الخفا 1/ 221، تمييز الطيب من الخبيث ص 31. (¬1) وفي "أ" (إذا) بدل (أو). (¬2) هذه الأجوبة واردة على ما أورده الخصم من بداية قول المصنف: لا يقال لم لا يكفي ووردت =

النقض بزيادة (¬1) الحاجة إلى تعريف معنى الوجوب لتكررها. المعارضة الأولى: بأن جعله حقيقةً في الوجوب مجازًا في الترجيح أولى من العكس لما عرف. ب- بأن الحاجة إلى تعريف ما لا يجوز الِإخلال (¬2) به أمس. هـ - بأن الاشتراك خلاف الأصل (¬3). د- بأن الاشتهار إنما يجب فيما (¬4) لا يعارضه ما لا يظهر الفرق بينهما إلَّا بوجهٍ غامض. يه- حمله على الوجوب يفيد القطع بعدم مخالفة الأمر وعلى غيره يفيد الشك فيه لجواز أن يكون المأمورُ به واجبًا. ويتركه بناءً على جواز تركه فوجب العمل على الوجوب لقوله عليه السلام: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (¬5). ولأن ترجيح الطريق الآمن على المخوف واجب عقلًا. وأما أمر الاعتقاد (¬6) فهو متعارض. ¬

_ = الأجوية مرقمةً وأما ما أورده الخصم لم يرد مرقمًا وكان ينبغي أن يكون ما أورده الخصم مرقمًا وقد تكرر هذا من المصنف في مواضعَ كثيرة. (¬1) أي أن الحاجة لوضع لفظ للوجوب أعظم وأكثر من الأشياء التي ذكروها، وهي الروائح والحال والاستقبال لأن الحاجة إلى التعبير عن الوجوب متكررة بعكس الأخرى. (¬2) فيه إشارة إلى أن الوجوب يمتنع الإخلال به. فالحاجة إلى تعريفه أولى من الندب الذي يجوز الإخلال به. (¬3) لم يرد في أدلة الخصم لفظة الاشتراك فى التحصيل ولكن أورد هذا الإِمام في المحصول ولفظ الأرموي إن الحاجة ماسة لتعريف الوجوب أو الندب مبهمًا وهذا فيه إشارة إلى الاشتراك. (¬4) العبارة غير واضحة وتوضيحها بأن الخصم قال: لو كان اللفظ للوجوب لاشتهر وجوابه إن اللفظ يشتهر إذا سلم عن المعارض. أما إذا كان له معارض ولم يظهر الفرق بينه وبين معارضه إلَّا على وجهٍ غامض لم يلزم اشتهاره. (¬5) رواه أَحْمد وأبو داود والتِّرمذيّ وابن حبان والحاكم. وقال التِّرْمِذِيّ حسن صحيح وقال الحاكم صحيح الإسناده ورمز له السيوطي بالصحة وتتمة الحديث عند ابن حبان فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة، انظر نصب الراية 2/ 471، الفتح الكبير 2/ 111، كشف الخفا 1/ 486، فتح القدير للشوكاني 3/ 528. (¬6) المقصود بتعارض أمر الاعتقاد أي أن حمله على الوجوب عند كونه للندب يستلزم الاعتقاد =

لا يقال: العلم بأنه لغير الوجوب لغة. وأنه لا يجوز تجريده عن القرينة عند وجوب (¬1) المأمور به بنفي هذا الشك لأن النظر إلى مجرد ما ذكرنا يوجب ما ذكرنا ودعوى العلم معارضة (¬2). احتجوا بأمور: أ- العلم بكونه للوجوب لا يجوز أن يكون للعقل إذ لا مجال له في اللغة. ولا للنقل المتواتر وإلا لعرفه كل واحدٍ ولا لآحادٍ إذ المسألة علميَّة وهذه حجة من ينفي الدراية (¬3)، فإنَّها واردة على من يدعي الوضع لمعين ولو بالاشتراك (¬4). ب- قال أهل اللغة: لا فرق بين الأمر والسؤال إلَّا في (¬5) الرتبة ثم السؤال لا يفيد الوجوب. جـ - إنه ورد في الكتاب بمعنى الوجوب وبمعنى الندب والأصل عدم الاشتراك والمجاز. فكان حقيقة في القدر (¬6) المشترك بينهما وأنه لا إشعار (¬7) له بواحدٍ منهما. والجواب عن: أ- إنه يجوز أن يعرَّف بالمركب من العقل والنقل كما سبق (¬8) في بعض الوجوه، ولا نسلم كون المسألة علميَّة. ¬

_ = الفاسد وهو معارض بأن حمله على الندب عند كونه للوجوب يستلزم الاعتقاد الفاسد والترجيح بحمله على الوجوب لأن العمل به لا يستلزم الخطأ كما في حمله على الندب. (¬1) وفي "أ" وجود. (¬2) معارضة بمثله. وهو أنَّه يمتنع تجريد الأمر عن القرينة إذا كان للندب. (¬3) إشارةً إلى من قال بالتوقف وهو في الإِسلام ومن قال بقوله. (¬4) ولو بالاشتراك موجود في (ب، د) فقط. (¬5) سقط من "أ، هـ" "في". (¬6) سقط من "د، هـ" القدر. (¬7) وفي "أ" لاشتغاله وهو تصحيف. (¬8) ومثال ذلك قولنا تارك المأمور به عاصٍ. والعاصي يستحق العقاب ويستلزم العقل من تركيب هاتين المقدمتين النقليتين أنَّ الأمر للوجوب.

المسألة الثالثة

ب- إنَّ السؤال أَيضًا إيجاب. فإن السائل قد يقول أعطني ألبتة ولا تخيب رجائي وإن لم يجب المسؤول. جـ- إن ما سبق من الأدلة دلَّ على المجاز. " المسألة الثالثة" الأمر بعد الحظر والإِذن (¬1) للوجوب خلافًا لبعض أصحابنا. لنا: إن المقتضي قائم لما سبق (¬2) والموجود لا يصلح معارضًا إذ يجوز الانتقال من الحظر إلى الوجوب كما منه (¬3) إلى الإباحة والعلم به ضروري (¬4). احتجوا بقوله تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} (¬5) وبقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (¬6). وبقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} (¬7). والأصل الحقيقة. ويقول السيد لعبده: افعل بعد منعه منه إذ لا يفهم منه الوجوب. والجواب عن (¬8): أ- المعارضة بقوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا} (¬9). ¬

_ (¬1) والإذن موجود في "هـ" فقط وهذا موافق لما في المحصول حيث قال: الأمر عقيب الحظر والاستئذان للوجوب انظر المحصول 1/ 2/ 159. (¬2) وهو ما سبق من أن الأمر للوجوب وكون الأمر جاء بعد الحظر لا يصلح معارضًا. (¬3) وفي "أ" كما أنَّه. (¬4) اقتصر الأرموي رحمه الله في التدليل على أن الموجود لا يصلح معارضًا بالقياس على النقل من الحظر إلى الإباحة. وأورد الرَّازيّ دليلًا آخر وهو أن أمر الحائض والنفساء بالصلاة والصوم بعد أن كانا محظوريْن عليهما أنَّه للوجوب. انظر المحصول 1/ 2/ 159. (¬5) [الأحزاب: 53]. (¬6) [المائدة: 2]. (¬7) [البقرة: 222]. (¬8) لم يرد ترقيم لما وردت هذه أجوبة عنه. والمقصود بالجواب عن "أ" الجواب عن الآيات والمقصود بالجواب عن"ب" الجواب عن الدليل العقيليّ وهو قول السيد لعبده افعل بعد منعه إذ لا يفهم منه الوجوب. (¬9) [التوبة: 5].

المسألة الرابعة

والجهاد فرض كفاية. وقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬1). والحلق نسك ليس بمباح. ب- المعارضة "بقول الأب لابنه. أخرج إلى المكتب بعد منعه منه إذ يفهم منه الوجوب". تنبيه: من قال بأن (¬2) الأمر بعد الحظر للإباحة، اختلفوا في النهي الوارد بعد الوجوب. فقيل إنه للإباحة قياسًا. وقيل: إنه للتحريم. " المسألة الرابعة" قيل: الأمر مفيدٌ للتكرار. وقيل للمرة الواحدة لفظًا. وقيل: بالتوقف. ثم قال الحنفية: إنه مفيد للفور (¬3). وقيل: للتراخي. وقيل: بالتوقف إما لدعوى الاشتراك أو عدم العلم بالواقع. والحق أنَّه يفيد الاشتراك بين الكل. لوجوه. أ- إنه استعمل في كل واحدٍ شرعًا وعرفًا والأصل الحقيقة الواحدة لكن المرة الواحدة ضرورية فدل اللفظ عليه (¬4) معنى. ب- قال أهل اللغة: لا فرق بين من يفعل وافعل إلَّا في الخبرية والأمرية. لكن يفعل الخبر (¬5) لا يفيد شيئًا من القيود سوى المرة الواحدة بجهة المعنى. ¬

_ (¬1) [البقرة: 196]. (¬2) سقط بأن من "أ، ب، جـ". (¬3) دمج الأرموي رحمه الله مسألتين مختلفتين في مسألة واحدة مما أدى إلى تشويش الناظر مع أن الإِمام الرَّازيّ جعلهما مسألتين مختلفتين مفصولتين. والمسألتان هما: أ- هل الأمر يفيد التكرار أم المرة الواحدة. ب- هل الأمر على الفوِر أم على التراخي وقد كان الِإمام موفقًا أكثر من القاضي الأرموي رحمهما الله جميعًا والذي دفع القاضي لهذا الفعل كما يبدو أن الرأي المختار في المسألتين واحد وهو الدلالة على القدر المشترك ولهذا كانت معظم الأدلة موحدة. (¬4) وفي "د" عليها والضمير راجع للقدر المشترك. (¬5) سقط من "د" الخبر.

جـ- لو قال: افعل مرةً أو مرارًا أو حالًا أو استقبالًا لم يكن نقضًا ولا تكرارًا. د- صحة تقسيمه إلى كل واحدٍ يدل على إفادته للمشترك. هـ - حمله على التكرار يقتضي استغراق العمر بفعل المأمور به. إذ لا إشعار للفظ بوقت وليس البعض أولى فإنَّه باطل إجماعًا ولأنه يلزم منه (¬1) أن يكون كل أمرٍ ناسخًا لما قبله (¬2). حجة التكرار وجوه: أ- تمسك (¬3) أبو بكر رضي الله عنه علي تكرار الزكاة بقوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} ولم ينكر أحد فكان إجماعًا. ب- القياس على النهي (¬4). ب- لو لم يفده لكان ورود النسخ والاستثناء عليه بداءً ونقضًا. د- إنه ليس بعض الأوقات أولى فيحمل على الكل. هـ - طريقه الاحتياط (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" منه. (¬2) هذه العبارة فيها تساهل وينبغي أن تقيد بقوله ولا يجامعه لأنه لا يلزم كون كل أمرٍ ناسخًا لما قبله. فبعض الأوامر لا يلزم من الأمر بأحدهما بعد الأمر كون الثاني ناسخًا للأول مثل الصوم والصلاة. (¬3) روى أَحْمد والبخاري ومسلم وأبو داود والتِّرمذيّ والنَّسائيّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: لما تُوفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو بكر كفر من كفر من العرب فقال عمر: كيف تقاتل النَّاسَ وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمرتُ أن أقاتل النَّاس حتَّى يقولوا لا إله إلَّا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلَّا بحقه وحسابه على الله. فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عِناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها. فقال عمر: "فواللُه ما هو إلَّا أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنَّه الحق" ولفظ مسلم وأبي داود والتِّرمذيّ لو منعوني عِقالًا كانوا يؤدونه. انظر منتقى الأخبار 2/ 120. (¬4) الأمر يفيد التكرار قياسًا على النهي بجامع الدلالة على الطلب. (¬5) كونه يحمل على التكرار أحوط حيث أن المأمور يكون آمنًا من العقاب والأخذ بالأحوط من أوجه الترجيح.

حجة الفور وجوه: أ- قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن لا (¬1) تَسْجُدَ} (¬2). ب- قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} (¬3) وقوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (¬4). جـ - إنه يفهم من أمر السيد عبده (¬5) بالسقي الفور والأصل الحقيقة. د (¬6) - الأمر يفيد وجوب الفعل في الحال كما يفيد النهي وجوب الانتهاء في الحال ولأن الأمر بالشيء نهي (¬7) عن تركه. والانتهاء عن الترك في الحال إنما يكون (¬8) بالفعل في الحال. هـ- لا يجوز التأخير لا إلى بدل لأنه ينفي الوجوب. ولا إلى (غير) (¬9) بدل وإلاَّ لسقط التكليف به، إذ البدل ما يقوم مقام المبدل من كل الوجوه. وليس الأمر للتكرار ليقال يقوم مقامه في الوقت الأول. وقد قام مقامه مرةً واحدةً. و- لا يجوز التأخير لا إلى غير (¬10) غاية لأنه ينفي الوجوب ولا إلى غاية لأنها إن لم تكن معلومة لزم تكليف ما لا يطاق. وإن كانت معلومة كانت زمانًا يظن المكلف أنَّه لو لم يشتغل به فيه (¬11) لفاته إجماعًا. لكن ذلك الظن إن لم يكن لِإمارة فلا عبرةَ به. وإن كان لإمارةٍ كانت هي المرض الشديد (¬12) أو علو السنن وفاقًا. لكن كم من شابٍ يموت فجأة وذلك ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" لا. (¬2) [الأعراف: 12]. (¬3) [آل عمران: 133]. (¬4) [المائدة: 48]. (¬5) سقط عبده من باقي النسخ ما عدا "هـ". (¬6) هذا الدليل أورده الِإمام الرَّازيّ في آخر الأدلة وجعله الأرموي الدليل الرابع. (¬7) وفي "أ" نفي بدل نهي. (¬8) وفي "د" بالإقدام على بدل "إنما يكون". (¬9) أضفت "غير" لتصحيح المعنى. (¬10) أضفت "غير" لتصحيح المعنى. (¬11) سقط من "أ" فيه. (¬12) وفي "أ" أو هي علو السن.

ينفي الوجوب في علم الله تعالى مع (¬1) ظاهرٍ يقتضيه. ز- القياس على وجوب اعتقاد الوجوب على الفور بجامع المسارعة إلى امتثال الأمر. ح- إِن الأمر وإيجاب العقد يستدعيان الفعل والقبول فيقتضيان الفورَ قياسًا. ط- طريقه الاحتياط (¬2). حجة الاشتراك: الاستعمال وحُسْنُ الاستفهام. والجواب عن: أ (¬3) - إنَّ ذلك لدليلٍ خاص. ب- إن الانتهاء عن الفعل أبدًا ممكن، ولأن النهي كالنقيض للأمر لامتيازه عنه بحرف السلب، ونقيض الكلي الجزئي. جـ- إنَّ النسخ قرينةٌ في إرادة التكرار والاستثناء يمنعه القائل بالفور. والمانع منه يقول: فائدتُه دفع التخيير بين ذلك الوقت وبين سائرِ الأوقات. د- إنَّ الوقت الأول أولى إن قلنا بالفور وإلَّا حُمل على المشترك. هـ- إنَّ العلم بأنه ليس للتكرار يؤمن من الضرر على أن الخوف في التكرار حاصل لأنه قد يكون معصيةً كما إذا قال لعبده. اشتر اللحمَ أو ادخل الدار. أ- من وجوه الفور (¬4). أن ذلك للقرينة. ب- إن المراد (¬5) من المغفرة ما يقتضيها وليس في الآية تعيينه. سلمنا لكن للآية دلالةٌ خارجيةٌ عن نفس اللفظ. ¬

_ (¬1) وفي "ب، د" مع أن ظاهر. (¬2) لأن الفاعل له على الفور يخرج من العهدة بيقين. (¬3) هذه الأجوبة عن أدلة من قال: إن الأمر يفيد التكرار المتقدمة قبل صفحتين. (¬4) سقط من "ب، د" من وجوه الفور. (¬5) إن المراد من المغفرة ليس المغفرة لأنها فعل الله بل المراد ما يقتضي المغفرة وهو فعل العبد الذي يستحق المغفرة. وعلى فرض أن الآية تدل على الفور فإن الدلالة خارجية حيث إنه دل عليها لفظ {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} وهو لا خلاف فيه.

جـ- المعارضة بأمرِ السيد بما لا يعلم حاجته إليه حالًا وحُسْن تعليل السيد ذم عبده عند (¬1) التأخير معارض بحسن اعتذار العبد بأنه لم يأمره بالتعجيل ولم يعلم أن في التأخير مضرةً. د- إنَّ النهي يفيد التكرار (¬2). وعن البواقي: النقض بقوله: افعل في أي وقتٍ شئت وبالواجبات الموسعة. وعن السابع: جواب آخر وهو أن الاعتقاد غير مستفاد من اللفظ بل من العقل. وآخر عن الثامن: إن الجامع وصفٌ طردي (¬3). وعن وجهي الاشتراك: ما سيأتي في العموم. ولقائل أن يقول (¬4): طريقة الاحتياط غير منقوضةٍ إذ لا خوف ثمة. فرع: من قال الأمر (¬5) المطلق لا يفيد التكرار. اختلفوا في المقيد بصفةٍ كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬6) أو بشرط كقوله: إن كان زانيًا فارجموه والمختار أنَّه لا يفيده بحسب اللفظ ويفيده من جهة الأمر بالقياس. ¬

_ (¬1) وفي "أ، ب" بالتأخير. (¬2) هذا الجواب يدل على التفريق بين الأمر والنهي، فالنهي يفيد التكرار الذي من لوازمه التعجيل، والأمر لا يفيد التكرار، فبهذا بطل قياس الأمر على النهي لوجود الفارق. (¬3) أي الجامع بين الإيجاب في العقود من حيث إلزامه الفور وبين الأمر ولكن الوصف غير مطرد فلا يصح القياس في هذه الحالة. (¬4) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على جواب الِإمام الرَّازيّ بأن الاحتياط منقوض بقولنا: افعل إن شئت ومنقوض بالواجب الموسع. والاعتراض. إن مما أورده الرَّازيّ من النقض غير سليم لأن الاحتياط يكون عند وجود الخوف. والواجب الموسع والتصريح بالتخيير لا خوف فيه فلهذا لا يتوجه النقض لدليل الأخذ بالأحوط. (¬5) سقط من "ب، هـ" الأمر. (¬6) [المائدة: 38].

المسألة الخامسة

أما الأول فلوجوه: أ- لو قال لعبده: إن دخلتَ السوقَ فاشترِ اللحم. أو لامرأته إن دخلتِ الدار فأنت طالق. أو لوكيله إن دخلتَ الدار فطلق زوجتي. أو قال: إن شفى الله مريضي فله عليَّ كذا لا يفيد التكرار. ب- القياس على الخبر بجامع دفع ضرر التكرار (¬1). جى- صحة تقسيمه إلى التكرار وعدمه. وأما الثاني: فلأن ترتيب الحكم علي الوصف يشعر بعليته (¬2) له. وإلَّا لما قَبُحَ أن يقال: (إن كان الرَّجل جاهلًا فأكرمه وإن كان عالمًا فأهنه) إذ الجهلُ لا ينافي حسن الِكرام لشجاعة أو لنسب أو غيرهما. والعلم لا ينافي حسن الإهانة لفسقٍ أو حمقٍ أو غيرهما. والحكم يتكرر بتكرر العلة باتفاق القائسين. ولا ينقض بما ذكرنا منِ الصور لأنه يفيد العلية فيها. إلَّا أن الحكم لا يتكرر بتكرر ما جعله العبدُ علةً. حتَّى لو قال أعتقتُ غانمًا لسواده لا يُعتق سالم مع سواده. لا يقال: إنه قد يفيد العلة في هذه الصورة فقط لأنا نقيس عليها باقي الصور بجامع زيادة قبول الحكم المذكور معه علته. أو نبين ذلك في صور كثيرة. ونقول لا بد فيها من مشترك وهو ما ذكرناه، إذ الأصل عدم غيره. " المسألة الخامسة" الأمر والخبر المعلق بشيء بكلمة "إن" عدمٌ عند عدمه خلافًا للقاضي أبي بكر وأكثرِ المعتزلة. لنا وجهان: أ- إن النحاةَ سموا الكلمة "إن" بحرف الشرط والأصل عدم النقل ¬

_ (¬1) خلاصة هذا الدليل: أنَّه يقيس الأمر المقيد بصفةٍ أو شرط على الخبر المعلق على الشرط كقولنا: سيدخل زيد الدار إذا دخلها عمرو. فيصدق الخبر بدخول زيد مرةً واحدةً والجامع هو رفع الضرر المتوقع من التكليف بالتكرار. (¬2) سقط من "جـ، أ" له.

والمجاز، والشرط ما ينتفي الحكم عند انتفائه. يقال الوضوء شرط صحة الصلاة. والحول شرط وجوب الزكاة (¬1). والأصل الحقيقة. وأشراط الساعة إنما سميت بها لانتفاء الساعة عند انتفائها. لا لأنها علامات لئلا يلزم المجاز في تسمية ما ليس بعلامة شرطًا. ب- قال يعلى (¬2) بن أمية لعمر رضي الله عنه: (ما بالنا نقصر الصلاة وقد أمِنا) فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "صدقةٌ تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" (¬3). لا يقال: إنما تعجَّبَ لأن الأصل (¬4) الإتمام وحالة الخوف مستثناة، ثم معارضة (¬5) بقوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} (¬6). وبقوله تعالى: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} (¬7). وبقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (¬8). وقوله تعالى: {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬9). وقوله تعالى: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (¬10) ولجواز تنجيز الطلاق بعد التعليق (¬11). ¬

_ (¬1) سقط من "ب" من (والأصل الحقيقة ... إلى لا لأنها) وسقط من "د" (والأصل الحقيقة). (¬2) هو يعلي بن أمية وقيل بن منية بن أبي عبيدة بن همام بن الحارث التَّمِيمِيّ الحنظلي واختلف في كنيته فقيل أبو خالد وقيل أبو صفوان وقيل أبو خلف. اشتغل عاملًا لأبي بكر ثم لعمر ثم لعثمان. قتل في صفين وقد شهدها مع علي عام 38 هـ. (انظر الإصابة 3/ 630 وبهامشها الاستيعاب لابن عبد البَّر). (¬3) أخرجه النَّسائيّ وابن ماجه وأَحمد وأخرجه التِّرْمِذِيّ في تفسير سورة النساء ومسلم وأبو داود في باب صلاة المسافر (نصب الراية 2/ 190، نيل الأوطار 3/ 170). (¬4) وفي (ب، د) أصلها. (¬5) ووجه معارضته بهذه الآيات أنَّه لا يحرم الإكراه على البغاء إن لم يردن التحصن لأنه على قولهم عدمٌ عند عدم الشرط وكذلك في باقي الآيات يكون الحكم منتفٍ عند انتفاء الشرط. (¬6) [النور: 33]. (¬7) [النساء: 101]. (¬8) [النور: 33]. (¬9) [النحل: 114]. (¬10) [البقرة: 283]. (¬11) أي أنَّه يجوز تنجيز الطلاق مع أنَّه يوجد قبله طلاق معلق مثل قوله (إن دخلت الدار فأنتِ=

لأنا نجيب عن: أ- بأن آيات الصلاة لا تشعر بالإتمام. ولا نسلم أن الأصل هو الإتمام إذ قالت (¬1) عائشة (¬2) رضي الله عنها: (كانت صلاة السفر والحضر ركعتين فأقرت صلاة السفر وزِيد في صلاة الحَضر) (¬3). وعن الآية الأولى: بمنع النهي عند عدم إرادة التحصن. (فإنهن إذا لم يُردنَ التحصن يردن (¬4) البغاء). والإكراه على المراد ممتنع (¬5). وعن باقي الآيات (¬6): إن ظاهر (¬7) الشرط يمنع منه بدليل التعجب المذكور لكنه لا يمتنع مخالفة الظاهر لمعارض. ولقائلٍ أن يقول: لِمَ (¬8) كان مخالفة هذا الظاهر أولى من مخالفة ظاهر قولهم إن كلمة "إنْ" للشرط (¬9). أو أن الشرط ما ينتفي الحكم عند انتفائه ¬

_ = طالقُ). ولو لزم عدم المشروط عند عدم الشرط لزم وجود التناقض بين تنجيز الطلاق وبين الطلاق المعلق. (¬1) سقط من "ب" قالت. (¬2) عائشة بنت أبي بكر الصديقة بنت الصديق القرشية أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين، كانت تكنيِ بأم عبد الله تزوجها - صلى الله عليه وسلم - في السنة الثَّانية من الهجرة بكرًا وهي بنت تسع سنين ولم يتزوج بكرًا غيرها، وهي أحب نسائِه إليه بعد موت خديجة، لها 2218 حديثًا، أَلْف في مناقبها كتب منها: عائشة أم المُؤْمنين، وعائشة والسياسة لسعيد الأفغاني، والإجابة لما استدركته عائشة على الصَّحَابَة للزركشي، ولها تراجم: الأعلام 4/ 5، طبقات ابن سعد 8/ 39، الطبري 3/ 67، أعلام النساء 2/ 760، حلية الأولياء 2/ 43، تاريخ الخميس 1/ 475، صبح الأَعمش 5/ 435، السمط الثمين 29. (¬3) متفق عليه ولفظ البُخَارِيّ (فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأُقرت صلاة السفر وزِيدَ في صلاة الحضر). (انظر فتح الباري 1/ 464، نصب الراية 2/ 1/188). (¬4) وفي "أ" أردن. (¬5) وفي "هـ" ممنوع. (¬6) أي أن ظاهر الشرط يمنع من ثبوت المشروط عند انتفاء الشرط. (¬7) وفي "أ، د" (أن الظاهر الشرط بدليل). (¬8) وفي "أ، ب" كانت بدل كان. (¬9) سقط من "جـ" سطر كامل (من. لم كان ... للشرط).

المسألة السادسة

والتعجب محتمل لما سبق، ومعارض بأن ما قلنا لا يوجب مخالفة الدليل بخلاف ما قلتم. وعن الأخير: إن المنجز عندنا غير المعلق حتى لو وجد الشرط بعد تنجيز الثلاث في نكاحٍ آخر يقع المعلق. " المسألة السادسة" الحكم المقيد بعدد إن كان معلول ذلك العدد ثبت (¬1) في الزائد لوجوده فيه. كما لو حرم جلد مائة أو حكم بدفع القلتيْن حكم النجاسة. وإلَّا لم يلزم كما لو أوجب جلد مائة. والناقص عن ذلك العدد إن كان داخلًا فيه والحكم إيجاب أو إباحة ثبت فيه كما لو أوجب أو أباح لجلد مائة. وإن كان تحريمًا فلا يلزم. وإن لم يكن داخلًا فيه كالحكم بشهادة شاهدٍ واحدٍ فإنَّه لا يدخل في الحكم بشهادةِ شاهدينْ فالتحريم قد ثبت فيه بطريق الأولى. وبالإباحة والإيجاب لا يلزمان فيثبت أن قصر الحكم على عدد لا ينفيه عما زاد ونقص إلَّا لمنفصل (¬2). احتج المخالف بقوله عليه السلام لما نزل قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (¬3) والله لأزيدنَّ على السبعين (¬4). عقل عليه السلام نفي الحكم عن الزيادة. وبأن الأمة عقلت من تحديد جلد القاذف بثمانين نفي الزيادة. ¬

_ (¬1) في "ب، د" ثبت ذلك في الزائد. (¬2) في "أ، د" المنفصل بدل لمنفصل. (¬3) [التوبة: 80]. (¬4) جزء من حديث أخرجه البُخَارِيّ والطبراني وعبد بن حميد وابن أبي حاتمِ وغيرهم وسبب ورود الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يصلي على عبد الله بن أبيّ بن سلولَ رئيس المنافقين تأليفًا لقلب ابنه وكان ابنه من خيار المُؤْمنين أعترض عليه عمر بن الخطاب ثم قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعمر: أخر عني يَا عمر إنِّي خيِّرت فاخترت فصلى عليه ثم نزل قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}. انظر فتح الباري 8/ 333.

المسألة السابعة

والجواب عن: أ- إنه (¬1) لا ينفي الحكم عن الزائد ولا يوجبه فلعله عليه السلام جوَّز المغفرة عند الزيادة. ب- إن ذلك للتمسك بالبراءة الأصلية. " المسألة السابعة" الحكم المقيد بالاسم لا يدل (¬2) على نفي الحكم عما عداه خلافًا لأبي (¬3) بكر الدقاق (¬4). لنا وجوه: أ- إنه لا يدل عليه بلفظه إذ ليس فيه غيرُ ذكر زيد. ولا بمعناه. إذ قد يعلم الحكم فيهما ويخص أحدهما بالذكر لغرضٍ يخصه. ب- لو دلَّ عليه لما صحَّ القياس. إذ عدم الحكم في الفرع يثبت حينئذٍ بالنص. جـ- ولا يقال (¬5) أكل زيد مع العلم بأن عمرًا أكل (¬6). احتج المخالف: بأنه لا فائدة للتخصيص إلَّا نفي الحكم عما عداه. وجوابه: إن الغرض قد يختص بذكر أحدهما. ¬

_ (¬1) وفي "هـ" أنَّه كما لا ينفى الحكم عن الزائد فلا يوجبه. (¬2) سقط من "ب، د" يدل على. (¬3) سقط من"ب" (أبي بكر). (¬4) هو القاضي أبو بكر محمَّد بن محمَّد بن جعفر المعروف بابن الدقاق، البغدادي الأصولي، الفقيه الشَّافعيّ، ولد عام 306 هـ، ولي قضاء الكرخ ببغداد. له شرح المختصر وغيره تُوفِّي عام 392 هـ. له ترجمة في طبقات الشيرازي 118، طبقات الإسنوي 1/ 522، الوافي بالوفيات 1/ 116. (¬5) وفي "أ، جـ، ب" ولا أن يقال. (¬6) هذا الدليل أورده الرَّازيّ في المحصول أول الأدلة ومفاده: لوِ أن الأمر المقيد باسم ينفي الحكم عما عداه لما جاز أنْ يقال: أكل زيد مع العلم بأن عمرًا أكل والحال أن الأمة اتفقت على جواز هذا القول، وذلك لأن الأمر المقيد باسم لا ينفي الحكم عما عداه.

المسألة الثامنة

" المسألة الثامنة" تقييد الحكم بالصفة لا ينفي الحكم عما عداه وهو قول أبي حنيفة وابنِ سريج (¬1) والقاضي أبي بكر وإمام الحرمين (¬2) وجمهور المعتزلة خلافًا للشافعي والأشعري ومعظم فقهاء أصحابنا. لنا وجوه: أ- أنَّه لا يدل عليه بلفظه لما (¬3) عرف ولا بمعناه لأن إثبات الحكم في أحدِ القسمين لا يستلزم نفيه عن الآخر. لجواز أن يختصَّ الأول بوجوب البيان كمن يملك السائمةَ فقط أو بيَّن حكم الآخرِ بنصٍ، أو تكون الفائدة البيان بلفظ أقوى في الدلالة. وهو الخاص، أو بغير نصٍ وذلك إذا لم يدل حكم الأول على حكم الثاني من طريق الأولى كما في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (¬4) وهذا الجواز ينفي اللزوم وإن كان ظاهرًا احترازًا عن مخالفة الظاهر. ب- إنه ورد مع نفي الحكم عما عداه وعدمه. والأصل الحقيقة الواحدة. جـ- إن الصورتين المختلفتين يجوز اشتراكهما في الحكم والإخبار عنه واختلافهما فيهما عقلًا. فلا يدل الإِخبار عن الحكم في إحداهما على ¬

_ (¬1) هو أبو العباس أَحْمد بن عمر بن سريج الشَّافعيّ تتلمذ في الفقه على المزني، وفي الحديث على أبي داود، والزعفراني وغيرهم. ناظر أَبا داود الظاهري وتخرج عليه الطَّبْرَانِيّ صاحب المعاجم الثلاث الكبير والأوسط والصغيره بلغت مؤلفاته 400 مؤلف منها الرد على أبي داود في إبطال القياس، تُوفِّي عام 306 هـ. ترجم له البغدادي في هداية العارفين 4/ 287، ابن خلكان 1/ 21، طبقات ابن السبكي 2/ 87، الأعلام 1/ 56. (¬2) هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الأصولي الفقيه الشَّافعيّ الأديب، تفقه على القاضي حسين ودرَس الحديث على والده. له الرهبان في الأصول والورقات، وله الإِرشاد وتلخيص التقريب، تُوفِّي عام 478 هـ. ومن أشهر تلاميذه حجة الإِسلام الغزالي، والكيا الهراسي وغيرهم. له ترجمةٌ في وفيات الأعيان 1/ 360، تاريخ ابن كثير 12/ 182، تبيين كذب المفتري 278، طبقات ابن السبكي 3/ 249. (¬3) أي: أن اللفظ لم يذكر نفي الحكم عن الغيره إذ لو وضع للإِثبات هنا ونفي الحكم عن الغير لم يكن فيه نزاع. (¬4) [الإسراء: 31].

ثبوته في الأخرى ولا على نفيه عنها. د- القياس على تقييد الحكم بالاسم بجامع صلاحية نفي الحكم عما عدا المذكور فائدة لتخصيص المذكور بالذكر. احتجوا بأمور: أ- أنَّه يفيد (¬1) عرفًا. إذ يستقبحِ قول القائل: الِإنسان الطَّويل لا يطير. ويعلل بأن القصير أَيضًا لا يطير والنقل خلاف الأصل. ب- التخصيص له فائدة ونفي الحكم عما عداه يصلح فائدةً فحمل عليه تكثيرًا للفوائد. ولأن المناسبة مع الاقتران دليل العليَّة. جـ- إن ترتب الحكم على الوصف يشعرُ بالعليَّة. والأصل تعليل الأحكام المتساويَة بالعلل المتساوية. والجواب عن: أ- النقض باستقباح قوله: زيد الطَّويل لا يطير. مع أن التقييد بالاسم لا ينفي الحكم عما عداه. وهذا مندفع لأنه تقييد بالصفة، ولو قال زيد لا يطير فإنما يستقبح لأنه بيان للواضحات لا لأنه عبث. ب- إن تخصيص القادر لا يتوقف على مرجح. إذ التخصيص بالأحكامِ المعينةِ من هذا القبيل. إذ لا حُسنَ ولا قبحَ عقلًا. وتخصيص إحداث العالم بوقتٍ معين منه. سلمناه لكن ما ذكرنا من الفوائد مرجحات. ولقائل أن يقول (¬2): إن تلك الفوائد محتملة (¬3). ¬

_ (¬1) خلاصة هذا الدليل أن الحكم المقيد بصفةٍ يفيد عرفًا نفيه عما عداه. فإذا قيل الِإنسان الطَّويل لا يطير يضحك من هذا القول. لأنه لا فائدة من الصفة لأن القصير أَيضًا لا يطير وإذا ثبت في العرف ينبغي أن يثبت في أصل اللغة وإلا لزم النقل وهو خلاف الأصل. (¬2) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله على جواب الِإمام الرَّازيّ أن الفوائدَ متعارضة وفائدة الخصم ظاهرة وهي (نفي الحكم عند التقييد بالصفة عما عداه) وأما الفوائد المرجوحة التي ذكرها من قال برأي الإمام كبيان حمل السؤال كما ورد في الغنم السائمة. أو تقوية أحد القسمين لأنه عبَّر عنه بلفط أقوى وهو الخصوص وغير ذلك من الفوائد المحتملة. (¬3) هذا الاعتراض لم يرد إلا في نسخة "هـ".

جـ- لا نسلم أن الأصل ذلك لما سيأتي (¬1). " فرعان" الأول (¬2): التقييد بالصفة إنما ينفي الحكم عما عداه ما لم يكن ثمة عادة يحتمل أنها السبب في التخصيص بالذكر كما في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} (¬3) وقوله عليه السلام: "أيما امرأةٍ نكحت نفسها (¬4) بغير إذن وليها" (¬5). الثاني (¬6): التقييد بالصفةِ في جنس إنما ينفي ذلك (¬7) الحكم عما عداه في ذلك الجنس وقيل: ينفيه في غيره أَيضًا. لنا: إن دليل الخطاب مقتضى النطق وأنه لم يتناول غير ذلك الجنس. احتجوا: بأن السوْم كالعلة لوجوب الزكاة فينتفي حيث ينتفي. وجوابه: إن المذكور هو السوم في الغنم. ¬

_ (¬1) أي لا نسلم أن الأصل إسناد الأحكام الرعية المتساوية إلى العلل المتساوية وسيأتي في القياس. (¬2) خلاصة هذا الفرع أن القائلين بأن التخصيص بالصفة يدل على نفي الحكم عما عداه أقروا بأنه لا دلالة له في المثاليْن المذكوريْن وذلك لأن العادة أن الخُلع لا يجري إلَّا عند الشقاق. والمرأة لا تنكح نفسها إلَّا عند رفض الولي. (¬3) [النساء: 35]. (¬4) سقط من"أ، جـ" نفسها. (¬5) رواه أَحْمد وأبو داود والتِّرمذيّ وابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وحسنه التِّرْمِذِيّ وأعله جماعة بالإرسال وتمامه (فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له) (إنصب الراية 3/ 184، تلخيص الحبير 296). (¬6) أبدلت "أ، ب" بالأول والثاني للتوضيح. (¬7) ذلك موجود في "هـ" فقط.

المسألة التاسعة

" المسألة التاسعة" في دخول الآمر تحت الأمر (¬1). الحق إنه يمكن قول القائل لنفسه افعل مريدًا للفعل من نفسه لكنه لا يسمى أمرًا لأن الاستعلاء أو المغايرة (¬2) معتبرة في الأمر ولا يَحسنُ أَيضًا إذ الفائدةُ منه إعلام طلب الفعل. نعم لو حكى أمرَ الغير بلفظِ نفسه دخل فيه إن تناوله وإلاَّ فلا. وإن حكاه بلفظ ذلك الغير كقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} (¬3) دخل فيه لعموم الخطاب للمكلفين. " المسألة العاشرة" إذا أمر عقب أمرٍ فإن اختلف المأمور بهما وجبا متفرقيْن إن لم يصح اجتماعهما عقلًا كالصلاة في مكانين، أو سمعًا كالصلاة والصدقة. وإن صح لم يتعين الجمع أو التفريق إلَّا لمنفصلٍ. وإن تماثلا فإن (¬4) صح الزائد في ذلك المأمور به ولم يعطف الثاني على الأول قال أبو الحسين: الأشبه الوقف. وقال القاضي عبد الجبار يفيد غير ما أفاد الأول إن لم تمنع منه العادة كقوله: اسقني اسقني. أو التعريف كقوله: صل ركعتين صل الصلاة. إذ لام الجنس تصرف إلى المعهود وهو المختار إذ الأمر للإيجاب- وإيجاب الواجب محال ولأن إفادة فائدة زائدة أولى من إفادة التأكيد. وإن عطف عليه فإن (¬5) لم يكن معرفًا له (¬6) أفاد غيره وإن كان معرفًا ¬

_ (¬1) نسب الِإمام الرَّازيّ في المحصول التفصيل في هذه المسألة إلى أبي الحسين البَصْرِيّ، صاحب المعتمد، وقد وصفه بأنه تفصيل لطيف، انظر المحصول 1/ 2/ 250، والمعتمد 1/ 147. (¬2) يوجد زيادة في "جـ" (في الأمر). (¬3) [النساء: 11]. (¬4) سقط من "هـ" فإن. (¬5) وفي "ب" ولم يكن. (¬6) سقط من "ب، د" "له".

قال أبو الحسين: الأشبه الوقف لتعارض لَام التعريف وواو العطف. ولعلَّ (¬1) الثاني أولى إذ اللام قد تكون لتعريف الماهية أو لتعريف معهود آخر سابق. وإن لم يصح الزائد في ذلك المأمور به عقلًا كصوم يوم أو شرعًا كعتق زيد إذا كان يمكن توقفه على العدد كالطلاق فإن كانا عاميْن أو خاصيْن كان الثاني تأكيدًا للأول وإِن كان أحدهما عامًا والآخر خاصًا فإن لم يُعطف الثاني على الأول كان تأكيدًا وإن عطف عليه قيل دل واو العطف على أن الخاص غير مرادٍ من العام والأشبه الوقف لمعارضة ظاهر العموم إياه. ¬

_ (¬1) جزم الإمام الرازي رحمه الله بأن حمله على صلاة أخرى أولى وعبارته: (وعندي أن هذا الأخير أَولى ودلل على ذلك، بأن العطف يقتضي المغايرة، وهو سليم عن المعارضة، ولام التعريف تحتمل تعريف الماهية، ويحتمل أن تكون لمعهودٍ سابق والمعهود السابق يحتمل أن يكون المأمور به أو غيره).

الفصل الثالث في المباحث المعنوية

" الفصل الثالث " في المباحث المعنوية والنظر في أمور " النظر الأول" .. في الواجب وهو بحسب نفسه إما معين أو مخيَّر .. .. وبحسب وقته إما مضيقٌ أو موسع .. .. وبحسب فاعله إما فرض عين أو فرض كفاية .. " المسألة الأولى" قالت المعتزلة: الأمر بالأشياء على التخيير يقتضي وجوب الكل على التخيير. وقالت الفقهاء: الواجب واحد لا بعينه ولا خلاف بينهما في المعنى (¬1) لإِرادة كل منهما أنَّه (¬2) لا يجوز الإِخلال بجميعها، ولا يجب الإِتيان بجميعها وله اختيار أي واحدٍ كان. نعم ههنا مذهب يرويه المعتزلة عن أصحابِنا وأصحابُنا عنهم. وهو أن الواجبَ واحدٌ معين عند الله تعالى غير معين عندنا لكنه تعالى عَلِمَ أن المكلف لا يختار إلَّا ذلك ويدل على فساده أن معنى ¬

_ (¬1) قرر القاضي الأرموي تبعًا للإِمام في المحصول رحمهما الله: (أنه لا خلاف بينهما في المعنى، وهذا مبني على قولهم المنقول هنا، وهذا القول هو قول أبي الحسين البصري منهم، ولكن ينسب لهم قول آخر، وقد نقله عنهم السعد التفتازاني في حاشيته على العضد: وهو أنَّه يثاب ويعاقب على كلٍّ واحدٍ ولو أتى بواحدٍ سقط عنه الباقي) ولهذا قرر السعد أن الخلاف على هذا معنوي. انظر المعتمد 1/ 84، ونهاية السول 10/ 138، وحاشية السعد على العضد 1/ 236. (¬2) سقط من "ب" (إنه لا يجوز الإِخلال بجميعها).

الواجب (¬1) على التخيير يجيز ترك كلٍّ وجهٍ بشرط الإِتيان بالآخر. ومعنى الواجب عينًا ينافي ذلك التجويز (¬2) عَلِمَ أنَّه يختار ذلك المعيَّن أولم يعلم. لا يقال: اختيار المكلف يجعله واجبًا أو يكون ما عداه مباحًا يَسقطُ الفرض به لأن الكلام فيما قبل الاختيار. والأمْة اتفقت على أنَّه إذا (¬3) فعل أي واحدٍ كان فاعلًا لما كُلِّفَ به. احتجوا بأمرين (¬4): أ - إذا أتى المكلف بالكل دفعةً سقط الفرض وأتى بالواجب واستحق (¬5) ثواب الواجب. وذلك لا يجوز أن يكون لكل واحدٍ منها، ولا لمجموعها لعدم (¬6) وجوب ذلك، ولا لواحد غير معين إذ لا وجود له بل لواحدٍ معين. ب - إذا ترك الكل استحق العقاب وعاد التقسيم (¬7). حجة من (¬8) قال الواجب واحدٌ لا بعينه إنه لو قال ابتعت قفيزًا من هذه الصبرةِ أو أعتقتُ عبدًا من عبيدي فالمعتق والمبتاع واحدٌ لا بعينه يتعين باختياره. ¬

_ (¬1) سقط من "ب، د" سطر كامل من عند كلمة الواجب إلى كلمة الواجب. (¬2) وفي "ب، د" ينافي تجويز الترك وهو توضيح من الناسخ. (¬3) في جميع النُسخ (يفعل) وأبدلتها بإذا فعل لصحة المعنى. (¬4) وفي "ب، ج" بأمور. (¬5) سقط من "ب" واستحق ثواب الواجب. (¬6) وفي "أ" لعدة. (¬7) قوله وعاد التقسيم: يعني به أنَّه كما في الفقرة السابقة. وهو إما أن المكلف يستحق العقاب على ترك كل واحد منها، أو على ترك واحدٍ منها، وهذا الواحد إما أن يكون معينًا أو غير. معينٍ. والأول يلزم منه أن يكون فعلُ كل واحدٍ منها واجبًا على التعيين، وهذا خلاف، وكون العقاب واجبًا على ترك واحدٍ غير معين محال، فلزم أن يكون العقاب على ترك واحدٍ معين عند الله تعالى. (¬8) وفي جميع النسخ ما عدا "هـ" (ولمن) بدل (حجة من).

المسألة الثانية

والجواب عن: أ - إنه يسقط الفرض بكل واحدٍ بمعنى أنَّ كلَّ واحدٍ يُعرفُ سقوط الفرض لا أنَّه يؤثر ليلزم اجتماع المؤثرات المستقلة على أثرٍ واحد. وكل واحد واجب على البدل على ما مر من التفسير. ثم هما لا زمان عليكم فإن الواجب عندكم ما يختاره المكلف. فإذا أتى بالكل فقد اختار الكل فلزم وجوب كل واحدٍ وسقوط الغرض بكل واحد. وأما استحقاق الثواب والعقاب فإنه يستحق الثواب على فعل الواجبات على البدل والعقاب على ترك الواجبات على البدل. وقيل يستحق ثواب الواجب على فعل أكثرها ثوابًا. وعقابه على ترك أدناها عقابًا. وعن الآخر أن كل واحدٍ من القفزان العبيد مبتاع، ومعتق على البدل بمعنى أنَّه لا اختصاص للابتياع، والعتق بمعيَّن وإنما يتعيَّن الملك والعتق المختار باختياره. فرعٌ: الأشياء المأمور بها على الترتيب أو البدل قد يَحرم الجمع بينها، كأكل الميتة والمباح في الترتيب. وتزويج المرأة من كفؤين في البدل وقد يباح كالوضوء والتيمم في الترتيب. وستر العورة بثوبين في البدل. وقد يستحب كخصال كفارة الإِفطار في الترتيب وخصال كفارة الحنث في البدل. " المسألة الثانية" الفعل إن زاد على الوقت، كان الأمر به تكليف ما لا يطاق، إذا لم يقصد منه إيجاب القضاء. كما لو طهرت الحائض وقد بقي من الوقت قدر ركعة. وإن نقص عنه فهو الواجب الموسع. والمنكرون له اختلفوا على أقوال .. الأول: قول بعض أصحابنا: إن الوجوب يختص بأول الوقت وما يؤتى به بعدُ قضاءٌ.

الثاني: قول بعض الحنفية: إنه يختص بآخر الوقت وما يؤتى به قبلُ تعجيل. الثالث (¬1): أن الآتي به في أول الوقت إن بقي مكلفًا إلى آخره كان ما فعله واجبًا إلا نفلًا. والمعترفون به وهم جمهور أصحابنا وأبو علي وأبو هاشم وأبو الحسين. فمنهم من لم يجوَّز ترك الفعل في أول الوقت إلَّا إلى بدل وهو العزم عليه (¬2) وهم أكثر المتكلمين. والمختار وهو قول أبي الحسين: أنَّه لا حاجة إلى هذا (¬3) العزم. لنا: أن الأمر تناول الوقت ولم يتعرض لجزء منه وجميع أجزائه قابل فكان حكمه إيقاع الفعل في أي (¬4) جزء أراده المكلف. لا يقال: جواز ترك الفعل في أول الوقت ينفي وجوبه فيحمل على الندب. فإن قلتَ: يجوز ترك المندوب مطلقًا ولا يجوز ترك الصلاة في أولِ الوقتِ إلَّا لبدلٍ وهو العزم. قلتُ: قد نفيْنا جواز التأخير إلى بدلٍ في أن الأمر للفور ولأن الموجود ليس إلَّا الأمر بالصلاة. وأنه لا يدل على إيجاب العزم ولا في العقل ما يدل عليه لأنا نعلم أنَّه لو قال السيد (¬5) لعبده. لا يجوز لك إخلاء جميع أجزاء (¬6) ¬

_ (¬1) هذا القول نسبه الإمام في المحصول للكرخي بصيغة التضعيف فقال: (يحكى عن الكرخي) وفي نسختي (ب، د) نسب القول للكرخي وهو من الناسخ حيث إن عبارة "ب، د" توافق المحصول مما يدل على أن ناسخ الأولى منهما كان يتمشى مع المحصول أثناء نسخه، انظر المحصول 1/ 2/ 291. (¬2) وفي "أ، جـ، هـ" وهو قول أكثر المتكلمين. (¬3) سقط من (ب) هذا. (¬4) سقط من "أ" "أي". (¬5) سقط من "أ، جـ، هـ" "لعبده". (¬6) سقط من "جـ" "أجزاء".

المسألة الثالثة

هذا الوقت عن الفعل، ولا يجب عليك إيقاعه في جميعها، ولك اختيار أي جزء شئتَ منها فإنه لا يحتاج إلى بدلٍ وإيجاب العزم من غير دليلٍ يدل عليه تكليفُ ما لا يطاق. ولأنه لو وجب العزم لوجب مَرةً واحدةً. إذ البدل إنما يجب على جهة وجوب الأصل فلا يكون الفعل في الجزء الأول والثاني من الوقت واجبًا ولا بدلَ له فيكون مندوبًا. لأنا نقول: الواجب الموسع في التحقيق يرجع إلى الواجب المخيِّر، كما سبق من تمثيله، يقول السيد لعبده: فوصفِ الفعل في كل واحدٍ من أجزاء الوقت بالوجوب، كوصف كلٍّ واحدٍ من الواجب المخيِّر بالوجوب، وحينئذٍ لا حاجةَ إلى العزم. واختار أكثر الأصحاب وأكثر المعتزلة في الجواب الفرق المذكور (¬1) وقد عرفت ضعفه. فرع: الواجب الموسع في جميع العمر إنما يجوز تأخيره إذا غلب على ظنه بقاؤه بعد ذلك (¬2) ولم يجوِّز أبو حنيفة تأخير الحج لأن البقاء إلى سنةٍ لا يغلب على الظن. ويرى الشافعي (¬3) ذلك غالبًا على الظن في حق الشاب الصحيح دون الشيخ المريض. " المسألة الثالثة" الأمر إذا تناول جماعةً فإن كان على سبيل الجمع فقد يكون فعل البعض شرطًا في فعل البعض كصلاة الجمعة. وقد لا يكون. وإن كان على سبيل البدل فهو فرضُ الكفاية. وذلك إذا كان الغرض يحصل بفعل البعض كالجهاد. ومناطُ التكليف فيه غلبةُ الظنِ فمن غلب على ظنه أن غيرَه لا يقوم به تعيَّن عليه. ومن غلب على ظنه أنَّ غيرَه يقوم به سقط عنه. وإن كان حصوله في حق الكل يفضي إلى أن لا يقوم به أحدٌ لأن الممكن تحصيل الظن بعدم قيام الغير به. ¬

_ (¬1) وهو أن المندوب يجوز تركه من غير بدل، والواجب الموسع يجوز تركه ببدلٍ وهو العزم. (¬2) يوجد زيادة تفسيرية في "هـ" وهو (بموجب ظنه). (¬3) الحج عند الشافعي واجب على التراخي، وبه قال محمد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة (انظر المجموع 7/ 103، والهداية 1/ 96).

النظر الثاني في أحكام الوجوب وفيه مسائل

" النظر الثاني " في أحكام الوجوب وفيه مسائل " المسألة الأولى" (¬1) الأمر المطلق بالشيء أمرٌ بمقدماته المقدورة للمكلف. ¬

_ (¬1) خلاصة مما قيل فيما لا يتم الواجب إلَّا به. هو إما أن يكون جزءًا للواجب كالركوع في الصلاة، وهذا محل اتفاق في وجوبه. وإما أن يكون شرطًا كالطهارة للصلاة، أو سببًا كالصيغة للعتق، والسبب والشرط إن كانا غيرُ مقدورين للمكلف كحضور العدد الَّذي تنعقد به الجمعة، اتفقوا على أن إيجاب الواجب لا يوجبه. بل إن الواجب نفسه يتوقف على وجود الشرط والسبب. ويكون الوجوب هنا مقيد بحصول السبب والشرط. وأما إن كانا مقدورين للمكلف فهذه الحالة هي محل النزاع، لأن الواجب فيها مطلق بمعنى غير مقيد بحصول السبب. ومثال ذلك قول الشارع أقيموا الصلاة هل يجب الوضوء بقطع النظر عن وجوبه بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية أم لا؟ وهذا فيه أربعةُ مذاهب هي: 1 - إنها تجب بوجوب الواجبً المطلق سواء أكانت سببًا شرعيًا كالصيغةِ للعتق أو شرطًا شرعياً كالطَّهارة للصلاة. أو كانت سببًا عقليًا كالنظر لحصول العلم، أو شرطًا عقليًّا كترك ضد الواجب. وهذا المذهب هو الَّذي اختاره الإمام وتابعه القاضي الأرموي عليه. 2 - إنها لا تجب بوجوب الواجب مطلقًا؛ لأن اللفظ الدال على وجوب الواجب ساكت عنه، والجواب أنَّه يدل عليها بدلالة الالتزام. 3 - إنها تجب إن كانت سببًا مطلقًا، ولا تجب إن كانت شرطًا، وحجتهم شدة ارتباط السبب بالمسبب، وجوابه: لا معنى للتفريق بين الشرط والسبب؛ لأن الواجب يتوقف وجوده على كل من السبب والشرط وهذا كافٍ في تحقق دلالة الالتزام. 4 - التفريق بين الشرط الشرعي وغيره من العقلي والعادي. وهذا التفريق غير وجيه؛ لأن السبب العقلي والعادي أيضًا مقصودٌ للمكلف. انظر المعتمد لأبي الحسين 1/ 202، والمستصفى 1/ 71، ونهاية السول 1/ 67، وحاشية التفتزاني على العضد 1/ 244.

وقالت الواقفية (¬1): إن كانت المقدمة سببًا للمأمور به كان أمرًا بها وإلا فلا (¬2). لنا: إن الأمر اقتضى إيجاب الفعل على كلٍّ حالٍ إذ لا فرق بين قوله: أوجبت عليك الفعل في هذا الوقت وبين قوله: (ينبغي أن لا يخرج الوقت إلَّا وقد أتيْتَ به) فلو لم يقتضِ إيجاب المقدمة كان مأمورًا بالفعل حال عدمها وهو تكليفُ ما لا يطاق. لا يقال: الأمر مقيد بحال حصول المقدمة. فإن قلتَ: إنه خلاف الظاهر قلتُ: وإيجاب المقدمة مع أن الظاهر لا يقتضيه خلاف الظاهر أيضًا. لأن خلاف الظاهر رفع ما يقتضيه لا إثبات ما لا يقتضيه. وأيضًا لو قال السيد لعبده: اسقني والماء على مسافة لم تتقيد بحال قطع المسافة، وإلا لم يتوجه الأمر نحوه لو قعد عن قطعها. ولقائلٍ أن يقول: لمَّا كان حال عدم (¬3) المقدمة من جملة الأحوال، كان تكليف مَا لا يطاق، إن لزم لازمًا على المذهبين، إلَّا أن تفسير (¬4) تلك الأحوال بما عدا حالتي (¬5): وجود ما يقتضي الأمر إيجابه، وعدمه، وحينئذٍ يمنع لزوم تكليف ما لا يطاق، إذ المحال هو الفعل مع عدم المقدمة. لا هو في حال عدمها والمكلف به هو الثاني. ¬

_ (¬1) الواقفية: فرقة من الأمامية. اتفقت الإمامية على سوق الإمامة إلى جعفر بن محمد الصادق، المتوفى عام 148 هـ. ثم اختلفوا إلى فرق لا حصر لها منهم الواقفية وهم الذين وقفوا على جعفر الصادق ووالده محمد الباقر، ولم ينسبوها إلى غيرهما. وهؤلاء يسمون الباقرية والجعفرية الواقفة. ويوجد فرقة أخرى تسمى بالإِسماعيلية الواقفة وهم يقولون: بأن الإمام بعد جعفر الصادق ولده إسماعيل وقالوا: إن إسماعيل لم يمت ولكنه اختفى، تقية عن بني العباس. انظر (الملل والنحل للشهرستاني 1/ 165 - 167). والمقصود بالواقفية هنا، من توقف في هذه المسألة. (¬2) أي إذا لم تكن سببًا بل كانت شرطًا كالصلاة مع الوضوء فحينئذٍ المشروط لا يكون واجبَ الحصول عند حصول الشرط. (¬3) سقط من "أ، ب" عدم. (¬4) وفي "أ" يفسر. (¬5) وفي "هـ " جانبي.

" فروع" الأول: ما لا يتم الواجب بدونه (¬1) إما أن يكون وصلةً إليه أو لا. والأول: إما أن يستلزمه كالإِيلام الَّذي لا يتم بدون الضرب المستلزم إياه. وإما أن (¬2) لا يستلزمه وهو إما أن يكونَ احتياجه إليه شرعيًّا كالوضوء والصلاة. أو عقليًا وهو: إما أن يمكن تحصيله من المكلف كبعض الآلات أو لا يمكن كالقدرة. والثاني: إنما يلزم مع الواجب، لأنه لا يمكن استيقان الواجب بدونه. إما للاشتباه به كصلاة نُسيَت من صلاتيْن، أو للمقاربة بينهما كغسل جزءٍ من الرأس مع غسل (¬3) الوجه. الثاني: إذا تعذَّر ترك المحرم بدون تركِ غيره لالتباسه به فقد يكون متغيرًا في نفسه، كاختلاط النجاسةِ بالماء الطاهر (¬4)، وقد لا يكون كاشتباه (¬5) إناءٍ نجسٍ بإناءٍ طاهرٍ. وللفقهاء فيه خلاف والأقوى تحريم الكل تغليبًا للحرمة. الثالث: إذا اشتبهت منكوحته بأجنبية وجب الكف عنهما، لكن قيل: الحرام (¬6) هو الأجنبية. وهو باطل لأن إثبات الحرج في الفعل ينفي حله. نعم حُرَّمتْ الأجنبية لكونها أجنبية والمنكوحة لاشتباهه بها. أما لو طلق إحدى امرأتيه أمكن القول بحلهما إذ ¬

_ (¬1) وفي "جـ" (إلا به) بدل (بدونه). (¬2) سقط من "أ، جـ" أن. (¬3) سقط من "ب، د" غسل. (¬4) نقل مختصر الطحاوي عن أبي حنيفة رحمه الله أن النجاسة إذا وقعت في الماء نَجُسَ جميعه، إلَّا إذا كان كثيرًا جدًا كالبحر أو ما في حكمه. وذهب مالك والشافعي في القديم إلى أنَّه طاهر إن لم يتغير أحدُ أوصافه (الطعم واللون والرائحة) وأما أحمد والشافعي في الجديد قالا: ينجس مطلقًا إذا كان دون القلتيْن. ولا ينجس إلا بالتغير، إذا كان أكثر من قلتين (انظر مغني المحتاج 1/ 21، والمغني لابن قدامة 1/ 24، ومختصر الطحاوي 19). (¬5) لمعرفة آراء الفقهاء في اشتباه إناء نجس بإناء طاهر انظر مختصر الطحاوي 17، ومغني المحتاج 1/ 26. (¬6) في "أ، جـ" المحرم.

المسألة الثانية

الطلاق شيء معين يستدعي محلًا معينًا. والموجود قبل (¬1) التعيين لا يكون طلاقًا. بل ما له (¬2) صلاحية التأثير في الطلاق عند البيان. وقيل بحرمتهما تغليبًا للحرمة. فإن قلتَ: الله تعالى عَلِمَ ما بعينها فتكون (¬3) هي المتعينة. قلتُ: الله تعالى يعلم الأشياءَ كما هي فيعلم قبل التعيين أنها غير متعينة وأنها ستتعين بالتعيين. الرابع: قيل الزيادة على الواجب غير المقدر كمسح الرأس توصف بالوجوب وهو باطل لأن جواز تركها ينفي وجوبها (¬4). " المسألة الثانية" الأمر بالشيء نهي عن ضده خلافًا لجمهور المعتزلة وكثيرٍ منا. لنا: إن ما دل على الشيء دل على ما هو من ضروراته. والمنع من الترك من ضرورات الطلب الجازم فكان الأمر دالًا عليه التزامًا. ولأنه يمتنع الإِذن في الترك عند الطلب الجازم لتناقضهما، وهو المعني بقولنا. لا يقال: ليس هو من ضروراته لجواز الأمر بالمحال وجواز الأمر بالشيء عند الغفلة عن ضده وامتناع النهي عما لا شعور به، لأن يمتنع تصور ¬

_ (¬1) وفي "ب" على التعيين. (¬2) وفي "أ" (ما يصلح صلاحية التأثير كالطلاق). (¬3) سقط من "ب، د" فتكون. (¬4) حدث في نسخ هذا الفرع اضطراب كثير جدًّا والعبارة الصحيحة ما أثبتناه وسبب هذا الاضطراب أن ناسخ "أ، جـ" وهما متوافقتان في الغالب، أن الفرع مبدوء بلفظة "قيل" وهي تدل على التضعيف وعدم موافقة المصنف لهذا القول ولذا أسقطوا "لا" اجتهادًا منهم ليتناسب مع قوله: وهو باطل وأما ناسخ "ب" أثبت لا وحذف تعقيب المصنف (وهو باطل؛ لأنه لا يتناسب معها وكذلك فعل ناسخ (د) لأنها غالبًا موافقة إلى نسخة (ب) والحق ما أثبتناه مأخوذًا من نسخة "هـ" المقابلة على أصل المصنف. وهي مطابقة لما جاء في المحصول 1/ 2/ 330).

المسألة الثالثة

ماهية الإِيجاب بدون تصور المنع من الترك. نعم، قد لا يتصور أضداد الفعل الوجودية لكنه لا ينافيها بالذات بل بالعَرَض. فكان الأمر بالفعل نهيًا عن الترك بالذات وعن تلك الأضداد بالعرض. سلمنا الغفلة عن الضد. لكن سلمتم كون الأمر بالشيء أمرًا بمقدماته وإن غفل عنها فكذا ههنا. سلمنا لكنا ندعي أن الأمر بالشيء نهي عن ضده المشعور به ما لم يكلف (¬1) بما لا يطاق. ولقائل أن يقول (¬2): لا نزاع في أن الدال على إيجاب الفعل دالٌ على المنع من الترك تضمنًا. بل النزاع في دلالته على المنع من أضداده الوجودية والدليل المذكور نُصبَ (¬3) لا في محل النزاع مع إمكان نصبه فيه. " المسألة الثالثة" (¬4) المختار وهو: قول القاضي أبي بكر أنَّه ليس من شرط الوجوب تحقق العقاب على الترك، خلافًا للغزالي. ¬

_ (¬1) وفي "أ" ما لم يكن تكليف ما لا يطاق. (¬2) خلاصة هذا الاعتراض أن القاضي الأرموي رحمه الله يقول: إن الإمام نصب الدليل في غير محل النزاع، إذ محل النزاع في أن الأمر بالشيء يدل على امتناع الأضداد الوجوديَة. والإمام قد أقام الدليلَ على المنع من الترك وهو لا نزاعَ فيه. ولم يرتضِ بدر الدين التستري هذا الاعتراض بقوله: لو فرضنا أنَّ النزاع فيما قاله القاضي: فالإمام قد ذكره أيضًا، كما نقل أنَّه يدل عليه بالذات وعلى الأضداد بالعرض، ثم وجه النقد للقاضي في قوله: (دالٌ على المنع مع الترك تضمنًا). وقال الأولى ما قاله الإمام: أنَّه يدل التزامًا (انظر حل عقد التحصيل لوحة: 45). (¬3) وفي "أ، جـ" نص. (¬4) نقل القاضي الأرموي تبعًا للإمام عن حجة الإسلام أنَّه يقول: لا بد من تحقق العقاب على ترك الواجب. وبعد الرجوع إلى المستصفى، وجدت أن حجة الإسلام - رحمه الله - قد زيَّف التعريف الَّذي يقول: بأن الواجب ما يعاقب على تركه لأنه قد يعفى عن العقوبة. وزيف تعاريف أخرى ثم ذكر تعريف القاضي الباقلاني رحمه الله وهو (ما يذم تاركه ويلام شرعًا بوجه ما) ولم يعترض عليه ثم نقل عن القاضي الباقلاني أنَّه قال: (لو أوجب الله علينا شيئًا ولم يتوعد بعقابٍ على تركه لوجب فالوجوب إنما هو بإيجابه لا بالعقاب) ثم قال الغزالي: وهذا فيه نظر، لأن ما استوى فعله وتركه في حقنا فلا معنى لوصفه بالوجوب، إذ لا تعقل وجوبًا إلا =

المسألة الرابعة

لنا (¬1): جواز العفو عن الكبائر. وأن الواجب ما يذم تاركه شرعًا وبه (¬2) زيَّف الغزالي ما قيل: إن الواجب ما يعاقب على تركه. " المسألة الرابعة" الوجوب إذا نسخ بقي الجواز خلافًا للغزالي (¬3). لنا: إن المقتضي بالوجوب مقتضي للجواز بمعنى الإذن في الفعل، لكونه جزءًا منه والموجود لا يصلح معارضًا (¬4) له، لجواز أن يكون رفع الوجوب يرفع المنع (¬5) من الترك، فوجب بقاء الإِذن في الفعل. فإذا انضم إليه رفع المنع من الترك الحاصل من النسخ ثبت الإِذن في الفعل، والترك المشترك (¬6) بين المندوب والمباح. ¬

_ = بأن يترجح فعله على تركه بالإضافة إلى أغراضنا. فإذا اقتضى الترجيح فلا معنى للوجوب أصلًا. انتهى ما ورد في المستصفى. وبعد النظر والتأمل: إنَّ ما نسب للغزالي رحمه الله فيه نظر، حيث أنَّه لم يقل بتحقق العقاب على ترك الواجب، بل التعريف الَّذي يدل على ذلك زيفه - رحمه الله - والسبب الَّذي من أجله نسب له هذا القول. هو ما نقلناه وهو لا يدل على أنَّه يقول: بأنه لا بد من تحقق العقاب على ترك الواجب. وقوله: فيه نظر ليس كافيًا في نسبة هذا المذهب إليه. وبعد أن قيدت هذه الملاحظة رجعت للمحصول فوجدت أن الإمام الرازي رحمه الله قد تعجب من صنيع الغزالي، وحكم بالتناقض على ما ذهب إليه. وأقول: إن التناقض على حجة الإسلام هنا بعيد جدًا وخاصة: أنَّه في صفحةٍ واحدة من كتابه. انظر المستصفى ص 80 ط الفنية المتحدة 1391 هـ. (¬1) توجيه الدليلين. الأول: إن ما نسب للغزالي أن من شرط الوجوب، تحقق العقاب على الترك منقوض باتفاق الأمة على جواز العفو عن أصحاب الكبائر. الثاني: إن الغزالي نفسه قد أبطل التعريف القائل: إن الواجب ما يعاقب على تركه وارتضى تعريف الباقلاني بأن الواجب ما يذم تاركه شرعًا. (¬2) سقط من "أ، ب، د" به. (¬3) انظر مذهب الغزالي في هذه المسألة في المستصفى 1/ 73. (¬4) سقط من "هـ" له. (¬5) وفي "ب" (الجواز) بدل (المنع). (¬6) وفي "هـ" للمشترك.

المسألة الخامسة

" المسألة الخامسة" ما يجوز تركه لا يجب فعله لتنافيهما. وقال الكعبي (¬1): المباح واجب لأنه ترك المحرم وهو واجب. وجوابه: إنه فردٌ من أفراد ما يترك به المحرم لا هو هو. وقال كثير من الفقهاء: يجب الصوم على المريض والمسافر والحائض، وما يؤتى (¬2) به بعد العذر قضاءٌ لما وجب. وقيل: يجب على المريض والحائض دون المسافر. وعندنا لا يجب على المريض والحائض ويجب على المسافر صوم أحد الشهرين على البدل. احتجوا بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬3) وبأنه يسمى قضاءٌ وينوى قضاءً وهو يحكي وجوبًا سابقًا. ولأن القضاء يساوي الأداء فكان بدلًا عنه كغرامات المتلفات. والجواب أنَّه استدلال في مقابلة الضرورة (¬4)، لاستحالة الجمع بين جوازِ الترك ووجوبِ الفعل. ¬

_ (¬1) هو أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الكعبي من شيوخ المعتزلة، أخذ الاعتزال عن أبي الحسين الخياط، ومن آرائه الخاصة في الأصول: أن المباح مأمور به وله كتب في علم الكلام، توفي عام 319 هـ له ترجمة في وفيات الأعيان 1/ 316، البداية والنهاية 11/ 264، الخطط للمقريزي 4/ 168. (¬2) وفي "أ" ما يؤمر به. (¬3) [البقرة: 185]. ووجه الاستدلال بها أنَّه أوجب الصوم على كل من شهد الشهر. (¬4) يعني بمقابلة الضرورة: أي ما يتوصل له العقل بالضرورة.

" فروع" الأول (¬1): المندوب هل هو مأمور به. هذا بناء على أن الأمر حقيقة في ماذا؟ الثاني: المندوب لا يجب بالشروع فيه، خلافًا لأبي حنيفة (¬2). لنا: قوله عليه السلام: "الصائم المتطوعٍ أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر" (¬3). ولأنه لو نوى صومًا يجوز له تركه. وقع كذلك لقوله عليه السلام: "ولكل امرئ ما نوى" (¬4). الثالث: ليس المباح من التكليف، لأنه لم يرد تكليف بفعله بل باعتقاد ¬

_ (¬1) خلاصة هذا الفرع: كون المندوب مأمورًا به أو لا موقف على معرفة حقيقة الأمر، إذا كان الأمر هو الترجيع المطلق بالفعل، ولا يشعر بجواز الترك والمنع من الترك، على هذا يكون المندوب مأموراً به. وإن كان الأمر يشعر بالمنع من الترك. أي أن الأمر للوجوب فلا يكون عندئذ المندوب مأمورًا به. والأمام دلل على أن الأمرَ للوجوب ولهذا لا يكون المندوب عنده مأمورًا به حقيقةً. وذهب سيف الدين الآمدي وجماعة: إلى أَن المندوبَ مأمورٌ به حقيقة لأن لفظ "أمَرَ" عندهم حقيقة في الطلب للفعل مطلقًا، ولو كان ليس على وجه الوجوب، وإلا لزم أن يكون المأمور قدر مشترك بين الواجب والمندوب. (¬2) نقل صاحب الهداية 1/ 91 أن من شَرَعَ في نقلٍ لزمه الإتمام فإذا خرج منه بعذرٍ لزمه القضاء، وليس عليه إثم وإن خرج منه من غير عذرٍ عليه القضاء، وأثم لخروجه دون عذر، وارتضى المصنف قول أبي حنيفة هذا. وذكر صاحب المجموع أنَّه يستحب له الإتمام، فإن أفسده فلا قضاء. وانظر المجموع 6/ 394. (¬3) أخرجه بهذا اللفظ عن طريق أم هانى رضي اللُه عنها أحمد والترمذي والحاكم في المستدرك، وأخرجه عن طريق أنس وأبي أمامة رضي الله عنهما البيهقي في السنن الكبرى، بلفظ (الصائم المتطوع بالخيار ما بينه وبين نصف النهار) انظر الفتح الكبير 2/ 200، وكشف الخفا 2/ 26. (¬4) جزء من حديث مشهور رواه أصحاب الكتب الستة وأحمد عن طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولفظه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى اللُه ورسوله فهجرته إلى اللُه ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه". وورد الحديث بألفاظ شتى وطرق متعددة. انظر التلخيص الحبير 1/ 20، فيض القدير 1/ 29، كف الخفا، ومزيل الإِلباس 1/ 11، وص 1/ 331 من هذا الكتاب.

إباحته، وهما متغايران، والأستاذ أبو إسحاق سماه تكليفًا بهذا المعنى. الرابع: المباح حَسَنٌ إن عني به رفع الحرج عن فعله، وإن عني به ما يثاب على فعله (¬1) فلا. الخامس: قيل: المباح ليس من الشرع، لأن رفع الحرج كان معلومًا قبل السمع (¬2)، وقيل: هو من الشرع، لأنه إنما يثبت بإذن الشرع في الفعل أو الترك أو بإخباره عن رفع الحرج عنهما، أو بانعقاد الإجماع على أن ما لم يرد فيه طلب من الشرع لا للفعل ولا للترك فهو مباحٌ، والخلاف لفظي لأنه إن عني بكونه من الشرع أنَّه أثبت حكمًا لم يكن فليس منه. وإن عني به أنَّه ورد به خطابُ الشرع فهو كذلك لما سبق (¬3). ¬

_ (¬1) وفي "ب، د" (عليه) بدل (على فعله). (¬2) وفي (د) قبل الشرع. (¬3) سقط من "ب، د" لما سبق.

النظر الثالث في المأمور به وفيه مسائل

" النظر الثالث " في المأمور به وفيه مسائل " المسألة الأولى" (¬1) يجوز تكليف ما لا يطاق خلافًا للمعتزلة والغزالي. لنا وجوه: الأول: الكافر مأمور بالإِيمان وهو منه محال لإفضائه (¬2) إلى انقلاب علم الله جهلًا. لا يقال: لو فرض الإِيمان بدلًا عن الكفر كان العلم (¬3) أزلًا متعلقًا به دون الكفر فلم يلزم محال. ثم لو وجب كل ما علم الله تعالى وجودَه وامتنع كل ما علم عدمه لزم أن يكون العلم (¬4) التابع للمعلوم مؤثرًا فيه. وأن يكون العلم قدرة. إذ لا معنى لها سوى الصفة المؤثرة. وأن لا يكون لنا اختيار وأن يكون العالم غنيًا عن المؤثر وأن لا يقدر الله تعالى على إيجاد شيء. ثم النزاع في ¬

_ (¬1) هذه المسألة بحثها الإمام الرازي في كتبه الكلامية بالتفصيل وفي مواضع كثيرة وكذلك في تفسيره ونص رأي الغزالي رحمه الله من كتابه (والمختار استحالة التكليف بالمحال لا لقبحه ولا لمفسدة تنشأ عنه ولا لصيغته إذ يجوز أن ترد صيغته ولكن للتعجيز لا .. للطلب) ولمزيد من الإِيضاح للآراء والأدلة ينظر. المستصفى 105، نهاية السول 1/ 145، تفسير الرازي 1/ 178، الأربعين للرازي 227، المحصل للرازي 141، والمعالم بهامش المحصل 73. (¬2) وفي "ب، د" لأنه يستلزم انقلاب. (¬3) وفي "هـ" أولًا بدل أزلًا. (¬4) سقط من "ب" العلم.

الممتنع لذاته لا للعلم ثم ما ذكرتم يقتضي كون كل تكليفٍ تكليفُ ما لا يطاق ولم يقل به أحدٌ. ثم هو معارضٌ بوجوه: أ - قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (¬1). وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬2). ب - إن تكليف العاجز عبثٌ وهو على الله تعالى محال. ج - المحال لا يتصور، إذ المتصور متميز، والمتميز ثابت. وما لا يتصور لم يكن إليه إشارة. والمأمور به إليه إشارة. د - لو جاز ذلك جاز أمر الجماد. لأنا نجيب عن: أ (¬3) - بأن علمه لما تعلق بعدم الإِيمان أزلًا فلولا حصول متعلقه انقلب العلم جهلًا في الماضي. ولقائل أن يقول (¬4): لا ينقلب (¬5) العلم جهلًا بل يكون تعلقه (¬6) أزلًا بالإِيمان، بدلًا عن تعلقه بعدمه. وهذا (¬7) لازم لتلازم عدم الإِيمان مع تعلق العلم به أزلًا. ب، جـ - أنَّه لا يلزم من وجوب الشيء عند العلم كونه أثرًا له. د - بمنع استحالته. هـ، و- أن العلم تبع الوقوع التابع للقدرة فلم يمنع منها (¬8). ¬

_ (¬1) [البقرة: 286]. (¬2) [الحج: 78]. (¬3) قول القاضي الأرموي لأنا نجيب عن أ. لا يوجد ترقيم ترجع له الأجوبة بل هذه الأجوبة راجعة إلى ما ورد بعد قوله لا يقال: لو فُرض الإِيمان بدلّا عن الكفر قبل صفحة واحدة. (¬4) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على جواب الإمام الرازي: أنَّه لا يلزم أن لا ينقلب العلم جهلًا كما ذكر الإمام في جوابه بل يكون تعلق علمه سبحانه أزلًا، بالإِيمان بدلًا عن تعلقه بعدم إيمانه. (¬5) وفي "ب، د" لا يلزم انقلاب العلم. (¬6) وفي "ب" بعقله. (¬7) وفي "هـ " وهو بدل وهذا. (¬8) وفي "أ، ب، جـ" منه بدل منها.

ز - أن العلم بعدم الإيمان لمَّا نافى الإيمان، كان الأمر به زمان ذلك العلم أمرًا بالجمع بين المتنافيين. ج - أنا نقول به. وعن المعارضة الأولى: بقوله تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (¬1). ثم ظواهر النقل لا يعارض القواطع بل تؤول وإن لم نعلم عين التأويل. ب - أنَّه إن عنى بالعبث الخالي عن المصلحة منعنا استحالته. جـ - أن الحكم عليه بالامتناع يستدعي تصوره ولأنا نميز بين الجمع بين الضدين وبين قولنا الواحد نصف الاثنين. د - أن الأمر إعلام (¬2) وهو في الجماد ممتنع. الثاني (¬3): إنه تعالى أخبر (¬4) عن عدم إيمان قوم فاستحالة الإيمان منهم لما سبق. الثالث: أمر أبا لهب (¬5) بالإيمان. ومن الإيمان تصديق الله تعالى في كل ما أخبر عنه. ومما أخبر عنه أنَّه لا يؤمن فقد أمر بأنه لا يؤمن وهو جمع بين الضدين (¬6). ولقائل أن يقول (¬7): لو سُلم أن تصديق الله في كل ما أخبر عنه ¬

_ (¬1) [البقرة: 286]. (¬2) وفي "أ، هـ" (الإعلام) بدل (إعلام). (¬3) أي الدليل الثاني من أدلة القائلين بجواز التكليف بما لا يطاق. (¬4) ومن الآيات الواردة بهذا الإخبار قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} وقوله تعالى {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}. (¬5) هو عبد العزي بن عبد المطلب أحد أعمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأحد عشر مات هو وزوجه أم جميل على الكفر وكانا من أشد الناس إيذاء للرسول - صلى الله عليه وسلم - نزل في حقه سورة من القرآن يتعبد بتلاوتها (انظر الوافي بالوفيات 1/ 83) (¬6) قول الأرموي تبعًا للإمام الرازي وهو جمع بين الضدين". فيه نظر. إذ إنِّ الجمع بين الضدين يكون فيما إذا كلف بأن يؤمن وأنه لا يؤمن وهذا ممنوع والذي كلف به هو أنَّه يؤمن بأنه لا يؤمن. وهو من التكليف بالمحال. وليس من الجمع بين الضدين. (¬7) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله إنه لا يسلم أن الإيمان هو التصديق بكل فردٍ فرد =

من الإِيمان لم يلزم منه أمره بتصديق هذا الخبر عينًا إذ ما هو من الإِيمان من التصديق يجب أن يكون جمليًا. الرابع: دليل الجبر (¬1) المذكور في مسألة الحسن والقبح. الخامس: الأمر إما حال استواء الداعي إلى الفعل والترك والفعل فيها ممتنع. وأما حال رجحان الداعي إلى أحدهما، والراجح فيها واجب والمرجوح ممتنع لما مرَّ في الرابع. السادس: أفعال العبد مخلوقة لله تعالى إذ لو كانت مخلوقة له لكان عالمًا بتفاصيلها وليس كذلك وهذا مقرر في الكلام (¬2) فلا قدرة للعبد على أفعاله. ولقائل أن يقول (¬3): ذلك التقرير ضعيف يعرف في الكلام. السابع: الأمر قبل الفعل والقدرة مع الفعل إذ لا بد لها من متعلق موِجود لامتناع أن يكون المعدوم الَّذي هو نفي محض مستمر مقدورًا. لا قدرة للعبد حال وجود الفعل لامتناع إيجاد الموجود ولا قبله. إذ القدرة المتقدمة لو أثرت في الفعل المتأخر كان ذلك التأثير مغايرًا لوجود المقدور ويعود الكلام في تأثير القدرة في ذلك المغاير. والوجهان يشكلان بقدرة الله تعالى. التاسع: أمر الله تعالى بمعرفته في قوله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا اللهَ} (¬4). فالمأمور إما العارف به، وتحصيل الحاصل محال، أو غير العارف ¬

_ = مما أخبر الله تعالى عنه أو أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- فلهذا لا يلزم التصديق بهذا الخبر عينًا. (¬1) وفي "ب" (الخبر) بدل (الجبر) وهو تصحيف. (¬2) يشير بذلك إلى بحث هذه المسألة في كتب الإِمام ومنها المحصل ص 141 وبهامشه المعالم ص 72. وكتابه الأربعين ص 230. (¬3) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي. هو تضعيف الكلام في الدليل السادس حيث إنه يلزم على نفي قدرة العبد على أفعاله الجبر. ثم بيَّن أن هذا الموضوع من مواضيع علم الكلام فبحثه هناك. (¬4) [محمد: 19].

به وهو ما دام غير عارفٍ به يمتنع أن يعلم أنَّه مأمور بمعرفته. وهو تكليفُ ما لا يطاق. ولقائل أن يقول (¬1): ذلك أمر بمعرفة وحدانيته تعالى. سلمنا، لكن العلم بأمره تعالى يكفي فيه علمه به باعتبارٍ ما. العاشر: إنه ورد الأمر بالنظر في قوله تعالى: {قُلْ انْظُرُواْ} (¬2) وأنه غير مقدور إذ لا قدرة على تحصيل التصور فإنه إن لم يكن مشعورًا به امتنع توجيه الذهن نحوه. وكذا إن كان (¬3) لامتناع تحصيل الحاصل. وكذا إن كان (¬4) مشعورًا به من وجه دون وجه. لأن الوجه الأول: معلوم مطلقًا، والثاني: مجهول مطلقًا وإذا امتنع تحصيل التصور امتنع تحصيل التصديق البديهي لوجوبه عند حصول تصور طرفيه، وامتناعه عند عدمه. وإذا امتنع تحصيل (¬5) البديهي فكذا تحصيل النظري لوجوبه عند حصول التصديقين البديهيين (¬6)، وامتناعه عند عدمه. فلم يكن الاستدلال مقدورًا. ولقائل أن يقول (¬7): المعلوم باعتبار صادق عليه أمكن توجه الطلب نحوه. وإنما يمتنع ذلك في المجهول بجميع اعتباراته. ثم حضور (¬8) التصديقات البديهية في الذهن كيف كان لا يوجب العلم ¬

_ (¬1) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله على الدليل السابع من أدلة الإمام على جواز التكليف بما لا يطاق إذ الأمر في الآية ليس أمرًا بمعرفته بل هو أمرٌ بمعرفةِ وحدانيته فقط وإن سلم أنَّ المأمور به معرفته. لكن يكون باعتبارٍ ما. (¬2) [يونس: 101 [أ. (¬3) أي إن كان مشعورًا به. (¬4) وفي "ب، د" فإنه إن كان مشعورًا به امتنع بحصوله تحصيله له وإن لم يكن مشعورًا به أصلًا امتنع تحصيله لغفلة الذهن عنه. وكذا إن كان مشعورًا به من وجه دون وجه. (¬5) وفي "جـ" تحصيل تصديق البديهي. (¬6) وفي "أ" التصديق البديهي. (¬7) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي الله على الدليل العاشر من أدلة الإمام الرازي على جواز التكليف بما لا يطاق أنَّه لا يسلم أنَّه غير مقدور على النظر فبذلك تكون العلوم النظرية مقدورة. (¬8) وفي " أ، جـ " (حصول) بدل (حضور).

المسألة الثانية

بالنتيجة. بل لا بد من ترتيب خاص وهو النظر وإذا كان هذا (¬1) الترتيب مقدورًا كانت العلوم النظرية مقدورة. " المسألة الثانية" (¬2) قال الأكثرون منا ومنِ المعتزلة: الكافر مخاطب بفروع الشرع (¬3) بمعنى أنَّه يعاقب على تركها خلافًا لجمهور الحنفية وأبي حامد الإِسفرائيني (¬4) منا. وقيل: يتناوله النهي دون الأمر. ¬

_ (¬1) سقط من (د) هذا. (¬2) قال الأسنوي في نهاية السول 1/ 155، اعلم أن تكليف الكافر بالفروع مسألة فرعية وإنما فرضها الأصوليون مثالًا لقاعدةٍ، وهي أن حصول الشرط الشرعي هل هو شرط في صحة التكليف أم لا؛. لا جرم أن سيف الدين الآمدي وابن الحاجب وغيرهما قد صرحوا بالمقصود. (¬3) قد حقق الإِمام الرازي أثر الاختلاف في هذه المسألة وأهمله القاضي الأرموي وهو أن أثرها في أحكام الآخرة فقط. ولا تأثير لهذا الاختلاف على أحكام الكافر بالنسبة للدنيا. ووجه تأثيرها على أحكام الآخرة أنَّه إذا مات فإنه يعاقب على كفره قطعًا. وأختلف هل يعاقب كذلك على تركه فروع الشريعة كالصلاة وغيرها أو لا؟. ولم يرتض جمال الدين الأسنوي - رحمه الله - ما قرره الإِمام الرازي في المحصول باختصاص أثرَ الاختلاف بالآخرة فقال: إن دعوى الإِمام أنَّه لا فائدة لها في الدنيا باطل. بل له فوائد منها تنفيذ طلاقه وعتقه وظهاره وإلزامه الكفارات وغير ذلك. ومنها إذا قتل الحربي مسلمًا ففي وجوب القود أو الديَة خلاف مبني على هذه القاعدة. كما صرح به الرافعي ومنها إذا دخل الكافر الحرم وقتل صيدًا فإن المعروف لزوم الضمان. قال في المهذب: ويحتمل أن لا يلزمه، وهذا التردد منشأه هذه القاعدة، ومنها فروع كثيرة، نقل المعالمي عن محمد بن الحسن: أن الوجوب فيها معلل بذلك. ومذهبنا فيها الوجوب كوجوب دم على الكافر، إذا جاوز الميقات ثم أسلم وأحرم ووجوب زكاة الفطر على الكافر، في عهدة المسلم ووجوب الاغتسال عن الحيض، إذا كانت الكافرة تحت مسلمٍ انتهى كلام الأسنوي، نهاية السول 1/ 157. (¬4) هو أحمد بن محمد بن أحمد الشافعي الفقيه الأصولي، ولد سنة 342 هـ، وتوفي عام 406 هـ، لم يصل كتابه الأصول إلينا مع كثرة آرائه. انظر وفيات الأعيان 1/ 23، طبقات الشافعية لابن السبكي 3/ 24، وذكر الأسنوي في نهاية السول 1/ 155، أن الإِمام في المنتخب نسب القول لأبي إسحاق الاسفرائيني وفي المحصول إلى أبي حامد الإِسفرائيني، ورجعت للمستصفى فوجدته. نسب القول إلى أهل الرأي ولم يفصل.

لنا وجوه: أ- المقتضي لوجوبها قائم لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (¬1). والكفر ليس بمانع إذ يمكنه رفعه أولًا كرفع الحديث ولهذا قلنا: الدهري (¬2) مكلف بتصديق الرسول عليه السلام. ب - قوله تعالى: {يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (¬3) الآية. عللوا ذلك بتركهم الصلاة وغيره. ولو كذبوا لكذَّبهم الله تعالى فيه. إذ لا يستقل العقل بمعرفة كذبهم فيه ليكون ذكره بدون تكذيبهم بيانًا لعنادهم كما في قوله تعالى: {قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (¬4). وقوله تعالى: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} (¬5) فلم يبق فيه فائدة زائدة يجب حمل كلامه تعالى عليها. لا يقال: تكذيبهم بيوم الدين مذكور. وأنه مستقل باقتضاء دخول سقر، فلم يجز إحالته على غيره. ثم المراد من المصلين المسلمين كما في قوله عليه السلام: "نهيت عن قتل المصلين" (¬6). لئلا يلزم الكذب إذ أهل الكتاب منهم في سقر مع أنهم كانوا يصلون ويؤمنون بالغيب. سلمناه: لكن المراد قوم فعلوا هذه الأشياء ثم ارتدوا. ¬

_ (¬1) [البقرة: 21]. (¬2) الدهري نسبة إلى الدهر. وهم جماعة من الكفرة يقولون: بقدم العالم وقدم الدهر، وتدبيره للعالم وتأثيره فيه، وأنه ما أبلى الدهر من شيء إلَّا وأحدث شيئًا آخر. وقد حكى الله تعالى خبرهم في القرآن الكريم: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}. انظر الرد على الدهريين لجمال الدين الأفغاني، والحور العين 143، الملل والنحل للشهرستاني 3/ 79. (¬3) [المدثر: 40 - 42]. (¬4) [الأنعام: 23]. (¬5) [النحل: 28]. (¬6) رواه البزار. بلفظ (نهيت عن ضرب المصلين). ورواه الطبراني والدارقطني بلفظ (نهيت عن المصلين). من حديث أنس بن مالك. رمز له السيوطي بالصحة وتعقبه الميناوي. أن الهيثمي قال فيه عامر بن سنان منكر الحديث لكن له شواهد. فيض القدير 6/ 290.

لأنا نجيب عن: أ (¬1) - بأن الحكم مرتب على القيود أجمع. والتكذيب مستقل باقتضاء دخول الجحيم لا باقتضائه في موضع معين. ب - أن هذا تأويل لا يأتي في قوله تعالى: {لَمْ نَكُ نِطْعِمُ الْمِسْكِينَ} (¬2). ثم الصلاة في عرف شرعنا لما كانت هي الأفعال المخصوصة لم يكن أهل الكتاب مصلين. جـ- (¬3) أن لفظ المجرمين عام. د - قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (¬4). وكذلك قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (¬5). ذمهم على الكل وكذلك قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (¬6). هـ - النهي يتناوله لوجوب الحد عليه فكذا الأمر بجامع التمكن من استيفاء المصلحة المدلول عليها بالتكليف. لا يقال: إنما وجب عليه الحد لالتزامه أحكامنا. والفرق أن الانتهاء عن المنهي عنه مع الكفر ممكن. لأنا نجيب عن: أ (¬7) - إن من أحكام شرعنا أن لا يحد أحد بالفعل المباح. ¬

_ (¬1) هذه الأجوبة لما ورد من الاعتراض على الدليل الثاني من أدلة القائلين: بأن الكافر مخاطب بفروع الشريعة بمعنى أنَّه يعاقب على تركها ولم ترد الاعتراضات مرقمة وقد نبهت على مثل هذا كثيرًا. (¬2) [المدثر: 44]. (¬3) وفي "هـ "وعن "د". (¬4) [الفرقان: 68، 69]. (¬5) [القيامة: 31، 32]. (¬6) [فصلت: 6، 7]. (¬7) هذه الأجوبة واردة عن الاعتراضات الواردة على الدليل "د" من أدلة القائلين بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة والاعتراضات لم ترد مرقمة وقد سبق أن نبهنا على مثله كثيرًا.

المسألة الثالثة

ب - إن النية إن اعتبرت في الامتثال فالأقدام كالاحجام في الامتناع وإلا فكذلك في الإِمكان. احتجوا (¬1): بأن الصلاة مثلًا لا تجب عليه بعد الإسلام وفاقًا ولا قبله لامتناعه، ولأنها لو وجبت لوجب قضاؤها كالمسلم بجامع تدارك المصلحة. والجواب عن: أ (¬2) - إن ما ذكرتم لا ينفي العقاب على تركها. ب (¬3) - النقض بالجمع (¬4)، والفرق أن وجوب القضاء عليه تنفير له عن الإِسلام. " المسألة الثالثة" فعل المأمور به يقتضي الإِجزاء بمعنى (¬5) سقوط الأمر خلافًا لأبي هاشم (¬6). ¬

_ (¬1) القائلون بأن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة. (¬2) هذه الأجوبة واردة لأدلة من قال بأن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة وهي لم ترد مرقمة. (¬3) خلاصة الجواب الثاني: أن ما قالوه: إنه لو كانت الصلاة واجبة على الكفار لوجب قضاؤها كالمسلم، إذا فاتته صلاة وجب عليه قضاؤها لتدارك المصلحة. وهذا الكلام منقوض بأن المسلم غير مكلفٍ بقضاء صلاة الجمعة. وكذلك بالفرق بين المسلم والكافر، حيث الكافر لا يجب عليه القضاء ترغيبًا له في الدخول في الإِسلام. (¬4) وفي "هـ، جـ" بالجمعة. (¬5) أي أن الإتيان به كافٍ في سقوط الأمر. (¬6) يقول الأسنوي رحمه الله نقلًا عن القرافي في تعليقه له على المنتخب أنَّه لا خلاف بين أبي هاشم وغيره في براءة الذمة عند الإتيان بالمأمور به ثم اختلفوا فقال الجمهور: الأمر كما دل على شغل الذمة دل أيضًا على البراءة بتقدير الإتيان. وقال أبو هاشم: الأمر يدل على الشغل فقط والبراءة بعد الإتيان بالمأمور به مستفادة من الأصل، ومعناه أن الإنسان خلق وذمته بريئة من الحقوق كلها. فلما ورد الأمر اقتضى شغلها. فإذا امتثل كان الإجزاء وهو براءة الذمة بعد ذلك مستفادًا من الاستصحاب لا من الإتيان بالمأمور به قال وهذا الخلاف شبهه بالخلاف في مفهوم الشرط. كما إذا قال: إنْ دخلت الدار فأنت طالق فالقائلون بأن الشرط لا مفهوم له يقولون عدم طلاقها مستفاد من العصمة السابقة والقائلون بالمفهوم يقولون عدم الطلاق مفهوم من ذلك ومن مفهوم الشرط. (نهاية السول 1/ 160).

المسألة الرابعة

لنا: إن الأمر لم يتناول غير المأتي به لأنه تمام المأمور به فامتنع بقاؤه بعده لامتناع تناوله إياه بعده. ولأنه لو قال السيد لعبده افعل هذا فإذا فعلت، لا يجزئ عنك عُدَّ مناقضًا. احتجوا بوجوه: أ - النهي لا يقتضي الفساد فالأمر لا يقتضي الإِجزاء. ب - يجب إتمام الحج والصوم الفاسدين بلا إجزاء. ج - كون المأمور به سببًا لسقوط التكليف زائد على مدلول الأمر. والجواب عن: أ - إن النهي لا ينفي كون المنهي (¬1) عنه سببًا لغيره والأمر يقتضي فعل المأمور به فاستحال بقاؤه بعده. ب - إنه لا (¬2) يجزئ عن الأمر بالحج والصوم بل عن الأمر بالإتمام (¬3). جـ - إن الأمر يقتضي فعل المأمور به وهو يقتضي سقوط التكليف وهو المعني في اقتضائه للإجزاء. " المسألة الرابعة" الإِخلال بالمأمور به المؤقت (¬4) لا يوجب القضاء لوجهين: أ - إن الأمر لم يتناول غير ذلك الوقت لغة فلم يدل عليه نفيًا ولا إثباتًا. ب - إن الأمر انفك عن إيجاب القضاء كما في الجمعة. ووجود (¬5) الدليل بدون المدلول خلافُ الظاهر. وإثبات ما لا يدل عليه اللفظ ليس خلاف الظاهر. ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" عنه. (¬2) أي أن الاستمرار في الحج والصوم الفاسدين لا يجزئ عن الأمر الأول بل هو أمتثال للأمر الوارد بالإتمام. (¬3) وفي "أ، هـ" (بإتمامهما) بدل (بالاتمام). (¬4) هو قوله: افعل هذا الفعل في يوم الجمعة مثلًا. (¬5) وفي "أ" (يعود) بدل (وجود).

المسألة الخامسة

وإن كان الأمر مطلقًا (¬1) فمن نفى الفور أوجب الفعل مطلقًا ومن أثبته لم يوجب القضاء إذا فات الفعل في أول وقت الإِمكان إلَّا لمنفصل محتجًا بما ذكرنا في الأمر المؤقت إلّا (¬2) أبا بكر (¬3) الرازي. فإنه قال الأمر اقتضى وجوب الفعل وأنه يقتضي كونه فاعلاً على الفور. واقتضى أيضًا كونه فاعلًا على الإِطلاق. فإذا فات الأول وجب بقاء الثاني. " المسألة الخامسة" الأمر بالأمر بالشيء كقوله عليه السلام: "مروهم بالصلاة" (¬4) ليسِ بأمرٍ به وإن انضم إليه قوله: وكل من أمرته (¬5) بشيء فقد أمرته به كان آمرًا به. لكن إنما جاء ذلك من القول الثاني. ¬

_ (¬1) هو: قوله افعل بدون تقييد. (¬2) مقتضى كلام القاضي الأرموي - رحمه الله - أنَّه لم يقل بوجوب القضاء مِمَّن قال: إن الأمر المطلق محمول على الفور، إلَّا أبا بكر الرازي - رحمه الله - والمحصول لم يعبر عن قول أبي بكر الرازي بالحصر. بل قال وأما مثبتوا الفور فمنهم من قال: إنه يقتضي الفعل بعد ذلك وهو قول أبي بكر الرازي. (¬3) هو أحمد بن علي الرازي المعروف بالجصاص. والجصاص نسبة للعمل بالجص وتبييض الجدران، ولد عام 305 هـ، وتوفي عام 370 هـ. سكن بغداد وتتلمذ على الكرخي. وأصبح رئيس المذهب الحنفي بعد الكرخي. عرض عليه القضاء فامتنع. له أحكام القرآن شرح مختصر الكرخي، شرح مختصر الطحاوي، له كتاب ضخم في أصول الفقه. له تراجم في تاريخ بغداد 4/ 304، الجواهر المضيئة 1/ 84، تذكرة الحفاظ 3/ 160، البداية والنهاية 11/ 297، الفهرست 291، طبقات الشيرازي 144، العبر 2/ 354، الكامل 9/ 4، شذرات الذهب 3/ 71، النجوم الزاهرة 4/ 139، مفتاح السعادة 2/ 53، الفكر السامي 3/ 93. (¬4) رواه أبو داود من طريق عمرو بن شعيب وسكت عنه وتابعه المنذري بلفظ: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع). وأخرجه البغوي في شرح السنن وأحمد والحاكم والترمذي وابن خزيمة والدارقطني من طريق سيرة بن معبد الجهني وقال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين الفتح الكبير 3/ 135، فيض القدير 5/ 521، مرعاة المفاتيح 2/ 10. (¬5) وفي "جـ" أمرته بأمري بشيء.

المسألة السادسة

" المسألة السادسة" الأمر بالماهية ليس أمرًا بشيء من جزئياتها. لأنها ليست هي هي. ولا لازمة لها فلم يدل اللفظ عليها لا بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام. نعم لو دلت القرينة على الرضا بشيء منها نزل عليه كقوله (¬1): "بع" فإن العرف يشهد بالرضا بثمن المثل. ¬

_ (¬1) أي لو وكل إنسانًا في بيع شيء بلفظ مطلق مثل: (بع هذا الثوب) لا يدل هذا الأمر أنَّه يباح للموكل البيع بالغبن الفاحش. أو البيع بثمن المثل. بل العرف هو الَّذي خص الجواز بالبيع بثمن المثل.

النظر الرابع في المأمور وفيه مسائل

" النظر الرابع" (¬1) في المأمور وفيه مسائل " المسألة الأولى" يجوز أن يصير الشخص مأمورًا بعد وجوده بأمر وجد قبله خلافًا لسائر الفرق (¬2). ¬

_ (¬1) وفي (ب) الثالث. وفي (د) كان الثالث وحول للرابع. والصواب أنَّه الرابع وقد تقدم الثالث قبل حوالي أربع عشرة صفحة وهو في المأمور به، وبعد الرجوع للمحصوِل وجدت أن في بعض نسخه الثالث، كما تقدم قد نبهت أن ناسخ نسخة (ب) كان غالبًا يتابع المحصول ويختار لفظه إذا خالفه صاحب التحصيل. (¬2) خلاصة الكلام في هذه المسألة منشأ الخلاف فيها. هو هل يجوز الحكم على المعدوم أو لا؟ قال أهل السنّة: يجوز الحكم على المعدوم وذلك لأن الحكم عندهم هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، أو التخيير وخطابه كلامه النفسي القديم وهو صفة واحدة تتنوع باعتبار متعلقاتها، فإن تعلقت بطلب الفعل؛ كانت أمرًا وإن تعلقت بطلب الكف كانت نهيًا، ولو فرض أنها لم تتعلق بما سيحدث لزم أن تنعدم فلا تكون أمرًا ولا نهيًا ولا خبرًا، لكن كونها منعدمة في الأزل باطل. وذلك لأن الأدلة قامت على أن كلام الله النفسي قديم. ولهذا ذهبوا إلى أن المعدوم يجوز الحكم عليه. ولكن تعلق الحكم بالمعدوم ليس تنجيزي بل هو عقلي أي أن المكلف إذا وجد، كان مأمورًا بذلك الأمر النفسي فالأمر معلق على وجود المكلف. ودليل صحة هذا الرأي أننا الآن مأمورون ومنهيون بأوامر ونواهي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكنا معدومين عند صدورها وهذا محل اتفاق بين جميع الطوائف، فلا مانع من جواز تعلق أوامر الله بنا في الأزل بجامع أن المكلف معدوم في كل. وقد اعترض على هذا الدليل: بأنه يوجد فرق بين المقيس وهي أوامر الله والمقيس عليه، وهي أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم -. بأن أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إخبار بأن من سيولد سيكون مأمورًا من الله تعالى، بكذا بخلاف أوامر الله تعالى فإنها أنشاءات لا أخبار. ويمكن أن يجاب بعدم الفرق. واعترض ثانيًا: بأن أخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا عبث ولا سفه فيها، من حيث أن من سمعها. =

لنا: إنَّ الواحد منا مأمور بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولأنه كما جاز قيام طلب العلم من الولد قبل وجوده بذات الأب، جاز أن يقوم بذات الله تعالى طلب فعل العبد قبل وجوده. لا يقال: أمره عليه السلام إخبار عن الله تعالى بأمر أحدنا عند وجوده. سلمنا لكن كان ثم من يسمع ذلك الأمر ثِم يبلغه إلينا، ولم بكن في الأزل أحد يسمع أمره تعالى، فكان أمره أزلًا عبثًا. لأنه أجيب عن: أ (¬1) - بأن أمره تعالى أيضًا إخبار عن نزول العقاب بتركه. لكنه مشكل لأن أمره تعالى لو كان خبرًا لتطرق إليه التصديق والتكذيب ولامتنع العفو، لامتناع الخلف في خبره. ولأن أخباره تعالى في الأزل لنفسه عبث ولغيره محال. ومن هذا الإِشكال قال أبو عبد الله بن سعيد (¬2): إن كلام الله تعالى إنما يصير أمرًا ونهيًا أو خبرًا، فيما لا يزال ولو أورد عليه بأن المفهوم منه الأمر والنهي والخبر. فإذا سلمت حدوثها لزم حدوث الكلام. فله أن يعني بالكلام القدر المشترك بينها (¬3). ¬

_ = امتثل بها ومن لم يسمعها، وجد من نقلها له. ثم يبلغ من سيولد. أما أخبار الله تعالى فهي أزلية إذ لا يوجد من سمعها حتَّى يمتثل أو يبلغ فلا فائدة منها، وأنه مستحيل على الله العبث. وأجيب عن ذلك أن الاستحالة مبنية على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، وقد تقدم إبطالها. ولا نسلم أن ذلك عبثٌ؛ لأن العقل يستحسن أن يقوم بنفس الإِنسان طلب العلم من أنَّه سيولد له. انظر المستصفى 102، والمعتمد 1/ 177. (¬1) لم يسبق ترقيم لما أجيب عنه هنا، وهو جواب للاعتراضات الواردة على رأي الجمهور والتي بدأها بقوله: (لا يقال: أمره ...). (¬2) هو عبد الله بن سعيد بن محمد بن القطان المشهور بابن كُلَّاب البصري أحد المتكلمين في أيام المأمون. قيل: إنه أخو يحيى بن سعيد القطان المحدث وقيل: ليس من نسبه، وصفه ابن النديم في الفهرست أنَّه من الحشوية. له مع عباد بن سليمان المعتزلي مناظرات. وهو رئيس الطائفة الكُلَّابية وذكر صاحب الفهرست أنَّه توفي سنة 240 هـ. له ترجمة في لسان الميزان 3/ 290، والفهرست 255، وطبقات الشافعية لابن السبكي 2/ 51، وطبقات الشافعية للأسنوي 2/ 244، طبقات العبادي ص 70. (¬3) وفي "أ، د" بينهما.

المسألة الثانية

ولقائلٍ أن يقول: إذا لم ينفك المشترك عن أحد القيود لزم من حدوثها حدوثه. ويمكن الجواب عن أصل الإِشكال، بأنه مبني على الحسن (¬1) والقبح وقد تقدم. " المسألة الثانية" لا يجوز تكليف الغافل لقوله عليه السلام: "رفع القلم عن ثلاثة" (¬2). ولأن شرط فعل الشيء العلم به. فالأمر بالفعل حال عدم العلم به تكليفُ ما لا يطاق. لا يقال: الجاهل قد يتفق الفعل منه وحكم الشيء حكم مثله فليمكن ذلك مرارًا وحينئذٍ يجوز أنْ يعلم الله تعالى صدور ذلك من شخصٍ فلم يكن تكليفه به تكليفًا بما لا يطاق. ثم إنه منقوض بالأمر بمعرفة الله. فإنه قبل العلم به لئلا يلزم الأمر بتحصيل الحاصل أو الجمع بين المثلين. وبالأمر (¬3) بالنظر فإنه لا يعلم إلَّا بعد الإِتيان به وبعد الإِتيان به (¬4) لا يجب تحصيله لما سبق (¬5) آنفًا. ¬

_ (¬1) أي أنَّه إن أردتم به القبح الشرعي فممنوع، وان أردتم القبح العقلي فمسلم ولكن قد سبق أن بيَّنا فساد القبح والحسن العقليين، في المقدمات من هذا الكتاب. (¬2) أخرجه أبو داود في الحدود والنسائي وابن ماجة في الطلاق والحاكم في المستدرك في البيوع وقال صحيح على شرط مسلم. ورواه البزار والترمذي من طرق كثيرة وتمامه عند الحاكم: "عن النائم حتَّى يستيقظ وعن المبتلى حتَّى يبرأ وعن الصبي حتَّى يكبر". نصب الراية 4/ 161، فيض القدير 4/ 35. (¬3) أي منقوض بالأمر بالنظر في معرفته الوارد في قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُواْ}. فإنه يمتنع علمه بوجوب معرفته إلَّا بعد الإتيان بالنظر. وفي "ب" (والنظر) بدل (بالنظر). (¬4) سقط من "ب" به. (¬5) أي لزوم تحصيل الحاصل أو الجمع بين المثلين.

المسألة الثالثة

ومعارض (¬1) بقوله تعالى (¬2): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (¬3). لأنا نجيب عن أ: أنا ندعي أن فعل الشيء لغرض الإِمتثال مشروط بالعلم به وهو ضروري. ب - ما قيل: إن العلم بوجوب النظر ضروري. وهو ضعيف لتوقفه على كون النظر في الإِلهيات، يفيد كونه متعينًا (¬4) له وهما نظريان (¬5). ج - أن المراد من ظهر منه مبادئ النشاط معناه حتَّى يتكامل فيكم العلم كما يقال للغضبان: اصبر حتَّى تعلم ما تقول. وقيل وردت في ابتداء الإِسلام. والمراد المنع من إفراط الشرب كما يقال: لا تتهجد وأنت شبعان. أي لا تشبع فيثقل عليك التهجد. " المسألة الثالثة" يجب قصد الامتثال في المأمور به لقوله عليه السلام: "إنما الأعمال بالنيات" (¬6) ويستثنى عنه ................................................ ¬

_ (¬1) حذف القاضي معارضة أخرى ذكرها الإِمام في المحصول، وهي أن الصبي والمجنون والنائم غافلون عن الفعل مع أن أفعالهم توجب الغرامات والأروش. فاجاب الإِمام عن ذلك بأن الخطاب موجه فيها للولي أو للصبي، بعد صيرورته بالغًا. (¬2) وجه المعارضة بالآية، أنَّه خاطب السكران حالة سكره ويظهر فساد المعارضة بالجواب المذكور. (¬3) [النساء: 43]. (¬4) سقط من "أ، ج" "له". (¬5) لم يتعرض للجواب عن اعتراض المعترض بالنقض بالأمر بمعرفة الله. (¬6) رواه الأئمة الستة في كتبهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي من علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب. أ - رواه البخاري في سبعة مواضع من صحيحه. في أول كتابه وفي آخر كتاب الإِيمان وفي أول العتق وفي أول الهجرة وفي أول النِّكَاح وفي آخر الإيمان - وفي أول الخيل -. ب - رواه مسلم في باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات" 3/ 140. جـ - رواه الترمذي في باب من يقاتل رياءً 1/ 198. =

المسألة الرابعة

... الواجب الأول (¬1) لعدم العلم بوجوبه قبل الإتيان به وقصد الامتثال لامتناع التسلسل. " المسألة الرابعة" الملجأ إلى الفعل لا يؤمر به ولا بتركه لوجوب الفعل وامتناع الترك. وقد يقال فعل المكلف إما اضطراري وإما (¬2) اتفاقي كما سبق. ولا شيء منهما باختياره. وإذا جاز ذلك فلم لا يجوز تكليف المكره. " المسألة الخامسة" المأمورا إنما يصير مأمورًا بالفعلِ حال وقوعه لا قبله، خلافًا للمعتزلة. والموجود قبله إعلام بأنه يصير مأمورًا. لنا: إن الفعل قبل وقوعه ممتنع، وإلا تناول الأمر زمان الإِمكان. والمثل مندفع، لأن وجوب الفعل بالقدرة لا يمنع وقوعه بها. لا يقال: إنه في الزمان الأول (¬3) مأمور بإيقاع الفعل في الزمان الثاني، ¬

_ = د - رواه أبو داود في باب ما عني به الطلاق والنيات 307. هـ - رواه النسائي في باب النية في الوضوء 1/ 24، وفي باب النية في اليمين 2/ 144. و- رواه ابن ماجة في باب الزهد 321. ز - رواه الدارقطني 19. ح - رواه أحمد في مسنده ص 25، 43. ط - الطيالسي ص 9. ك - البيهقي 41 - 215. ي - ابن الجارود ص 38. والأحاديث في النية يتعذر حصرها مع تفاوت ألفاظها ذكرها ابن حجر في الفتح 1/ 9، انظر نصب الراية للزيلعي 1/ 301. (¬1) المقصود بالواجب الأول: النظر المعرف لوجوب المعرفة وذلك؛ لأنه يمتنع من الناظر قصده؛ لأن المعرفة تأتي متأخرة عن النظر. (¬2) وفي "ب، د، هـ" أو. (¬3) وفي "ب" الماضي بدل الأول.

المسألة السادسة

لأن كونه موقعًا للفعل إن كان عين القدرة (¬1) أو غيرها، ولم يحصل في الزمان الأول لم يوجد فيه إلَّا نفس القدرة. وإن حصل كان مأمورًا بالإِيقاع زمان حصوله. ولقائلٍ أن يقول: لا امتناع في تناول الأمر زمان إمكان الفعل، ولو فرض وقوعه في ذلك الزمان كان مأمورًا بالفعل قبله فلا خلف فيه. ثم ما ذكرتم يقتضي أن لا يذم تارك المأمور به أصلًا (¬2) لامتناع الذم قبل الأمر. " المسألة السادسة" الجاهل بفوات شرط المأمور به جاز أن يؤمر به. ويكون أمرًا بشرط حصول (¬3) الشرط. والعالم به لا يجوز أن يؤمر به عند جمهور المعتزلة. ويجوز ذلك عند القاضي أبي بكر والغزالي، إذ الأمر كما يحسن لمصلحة المأمور به يحسن أيضًا لمصلحة تنشأ من نفس الأمر من الامتحان، وتوطين النفس على الامتثال فيكون لطفًا له معادًا ومعاشًا. ¬

_ (¬1) وفي "أ" المقدور عليه بدل القدرة. (¬2) سقط من "ب، د" أصلًا. (¬3) وفي "ب، د، جـ" (حصوله) بدل (حصول الشرط).

الفصل الرابع في المناهي

" الفصل الرابع " في المناهي وفيه مسائل " المسألة الأولى" النهي للتحريم لقوله تعالى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُواْ} (¬1). ومعنى تحريم الفعل وجوب الانتهاء عنه والمذاهب فيه كما في أن الأمر للوجوب. " المسألة الثانية" المشهور أنَّه يفيد التكرار، وقيل لا. وهو المختار. لنا: إنه يقال للمريض لا تقعد وللصبي لا تلعب أي اليوم. والأصل الحقيقة الواحدة. ولأنه ليس تقيده بالدوام وعدمه تكرارًا ونقضًا. احتجوا بأمور: أ - إن الامتناع عن الماهية بالامتناع عن كل أفرادها وذلك بالامتناع دائمًا. ب (¬2) - إنه في العرف نقيض الأمر المفيد للمرة. جـ - إن الامتناع دائمًا ممكن ولا يخصص اللفظ بوقت فيعم. ¬

_ (¬1) [الحشر: 7]. (¬2) بيان كون الأمر نقيضًا للنهي هو لو قلنا: اضرب ثم قلنا لا تضرب. كان الأول مناقضًا للثاني وهذا لا يتحقق إِلَّا إذا جعلنا النهي للتكرار؛ لأن كون الأمر للمرة وكون النهي للمرة لا يتناقضان، بحيث يحمل كل واحدٍ منهما على زمن غير زمن الأول، والحال أن العرف حكم بأنهما متناقضان.

المسألة الثالثة

الجواب عن: أ - أن الامتناع أعم منه مع الدوام وعدمه. ب - أن تناقضهما لدلالتهما على النفي والإِثبات والمدلولان إنما يتناقضان عند اتحاد الوقت. ج - أن دلالته على نفس الامتناع فقط. تنبيه: إن قلنا: إنه (¬1) يفيد التكرار أفاد الفور وإلا فلا. " المسألة الثالثة" (¬2) المنهي عنه لا يؤمر به لدخول إثبات الحرج في الفعل في ماهية النهي (¬3)، ورفعه في ماهية الأمر. والجمع بينهما تكليفٌ بالمحال. وجوزه الفقهاء فيما له جهتان، كالصلاة في الدار المغصوبة. إذ جهة كونها صلاةً تباين جهة كونها غصبًا، فجاز تعلق الأمر بأحدهما والنهي بالأخرى وهو ضعيف. أما إجمالًا فلأنه إن لم تتلازم الجهتان فلا نزاع فيه. وإن تلازمتا والأمر بالملزوم أمر بلازمه، فالجهة المنهي عنها مأمورٌ بها. وأما تفصيلًا فلأن الحركة والسكون جزء ماهية الصلاة وشغل الحيز جزؤهما فشغل الحيز جزء الصلاة فشغل هذا الحيز جزء هذه الصلاة، وأنه منهي عنه فلا يكون مأمورًا به فلم تكن هذه الصلاة مأمورًا بها إذ الأمر بالكل أمر بالجزء. ولقائلٍ أن يقول: لا نزاع في أن الفعلِ المعين إذا أمر به بعينه لا يُنهى عنه إنما النزاع في الفعل المعين إذا كان فردًا من أفراد الفعل المأمور به هل ينهى عنه وما نفيتموه جوازه بيِّن إذ عندكم. الأمر بالماهية، ليس أمرًا بشيء من أفرادها، ولأنه لو امتنع ذلك لامتنع النهي عن فعل ما، لأن نفس الفعل مأمور ¬

_ (¬1) سقط من "أ، جـ" أنَّه. (¬2) من المسائل المتفرعة على هذه المسألة أيضًا الصلاة في الثوب المغصوب والوضوء بماء مغصوب، ولمعرفة آراء العلماء فيها انظر المعتمد 1/ 184، تيسير التحرير 1/ 376، إرشاد الفحول 99، المستصفى 96. (¬3) وفي "ب" زيادة (وفي الترك).

المسألة الرابعة

به لكونه جزءًا من الفعل المأمور به. وكل منهي عنه فرد من أفراد نفس الفعل (¬1). احتجوا بقوله تعالى: {أَقِيْمُواْ الْصَّلَاةِ}. وجوابه: لو سَلِمَ عمومه فهو مخصوص بما ذكرناه فإنه لا قضاء بعد هذه الصلاة إجماعًا. قلنا: يسقط عندها لا بها، كما قال القاضي أبو بكر. " المسألة الرابعة" النهي لا يفيد الفساد عند أكثر الفقهاء ويفيده عند بعض أصحابنا. وقال أبو الحسين البصري: يفيده في العبادات دون المعاملات وهو المختار. ومعنى الفساد في العبادات عدم الإِجزاء، وفي البيع مثلًا أنَّه لا يفيد الملك. لنا: في العبادات أنَّه لم ياتِ بالمأمور به، لأن المنهي عنه لا يؤمر به لما سبق فلا يخرج عن العهدة، لأن تارك المأمور به يستحق العقاب. احتجوا بوجوه: أ - المنهي عنه قد يكون سببًا للخروج عن العهدة، كالصلاة في الثوب المغصوب. ب - أن النهي وضع للزجر وعدم الإِجزاء، ليس هو ولا لازمه لجواز أن يقال: لا تصل في كذا وإذا صليت فيه صحت فلم يدل عليه (¬2) بلفظه ولا بمعناه. ¬

_ (¬1) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على أدلة الإِمام في الرد على رأي الفقهاء، في جواز الصلاة في الدار المغصوبة. أن الإمام الرازي جعل الجهة المأمور بها منهي عنها، وهذا محل اتفاق بين المتكلمين والفقهاء، أنَّه لا يجوز أن يرد الأمر والنهي على فعل معين. والصلاة في الدار المغصوبة ليس شأنها كذلك. فالصلاة في الدار المغصوبة جزئي من جزئيات الصلاة المأمور بها. والأمر بالماهية ليس أمرًا بشيء من جزئياتها فلا تكون تلك الصلاة مأمورًا بها. فلا مانع أن يرد عليها النهي وخلاصة الكلام: أن الأمر والنهي ليسا واردين على محلٍ واحد، بل الأمر متوجه للصلاة. وليس متوجهًا للدار المغصوبة. فلهذا يجوز أن يتوجه النهي إليها؛ لأنه ليس الأمر واردًا عليها؛ لأن الأمر شيء كلي ليس أمرًا بأفراده. (¬2) سقط من "أ" عليه.

جـ (¬1) - الصلاة في الأوقات المكروهة والوضوء بالماء المغصوب، منهي عنهما مع صحتهما. الجواب عن: أ - أن مماسة (¬2) البدن ليس جزءًا من الصلاة ولا مقدمةً لها. فالآتي بها آتٍ بالمأمور به بلا خلل. ب - أن النهي دل على أن المنهي عنه غير المأمور به، والنص على أن عدم الإِتيان به لا يخرج عن العهدة، فدل النهي عليه بهذه الواسطة. ج - أن متعلق النهي مجاور لمتعلق الأمر لما بينا. ولنا في المعاملات: أن عدم إفادة الملك ليس معنى النهي، ولا لازمه لجواز أن يقال: لاتبع وإذا بعتَ أفاد الملك فلم يدل عليه لا بلفظه ولا بمعناه. فلأن قال هذا يشكل بالعبادات ثم نقول: يدل عليه بمعناه لوجهين: الأول: إنه يدل على أن المنهي عنه معصية، والملك نعمة فناسب أن لا يناط به. الثاني: النهي يدل على اشتمال المنهي عنه على المفسدة الخالصة أو الراجحة أو المساوية، فيكون الإِقدام عليه عبثًا، فيناسب الفساد وأصله المنهيات الفاسدة. ثم أنَّه معارض بوجوه: أ - قوله عليه السلام: "من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد" (¬3). والمنهي ¬

_ (¬1) وجه الاستدلال بهذا الدليل: أنَّه لو اقتضى النهي الفساد لكان أينما تحقق النهي، تحقق الفساد. لكن في المثالين الواردين ثبت النهي مع الصحة. وهذا يدل على أن النهي لا يقتضي الفساد. (¬2) المقصود بمماسة البدن مماسة الثوب المغصوب للبدن وهو شيء مجاور للصلاة فليس جزءًا منها، ولا مقدمة لها، فلهذا لا تفسد الصلاة. (¬3) أخرجه أبو داود وابن ماجة والبيهقي عن عائشة، ورمز له السيوطي بالصحة ولفظه: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". وقال الطوخي هذا الحديث نصف أدلة الشرع لأن الدليل يتركب من مقدمتين. وهو مقدمة كبرى في إثبات كل حكم. وقال النووي ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات. فيض القدير 6/ 36.

المسألة الخامسة

عنه (1) ليس من الدين فكان (2) ردًا والمردود لا يفيد الحكم. ب - تمسك الصحابة على الفساد في الربا، ونكاح المتعة بالنهي. ج - النهي نقيض الأمر المفيد للإِجزاء فيفيد الفساد. د - القياس (3) على المنهيات الفاسدة. والجواب عن: أ (4) أنَّه لا نقض مع تابين المعنيين. ب (5) - مذكور في الخلاف. جـ - أن المنهي عنه من حيث إنه كذلك ليس من الدين، ومن حيث إنه يفيد الحكم منه. د - أن تمسكهم بالنهي مع القرينة إذ حكموا في كثيرٍ من المناهي بالصحة وترك الظاهر خلاف الأصل. هـ - أن المتضادين قد يشتركان في بعض اللوازم ثم كونه نقيض الأمر يقتضي أن لا يفيد الإِجزاء إلَّا أن يفيد الفساد. و- ما سبق. " المسألة الخامسة" ممن قال النهي في المعاملات لا يدل على الفساد من قال: إنه يدل على الصحة وهو أبو حنيفة ومحمد بن الحسن (6) رحمهما الله. وأنكره (1) سقط من "أ، جـ، هـ". عنه. (2) وفي "ب، د" (فيكون) بدل (فكان). (3) وقياس النهي على المنهيات الفاسدة بجامع السعي في إعدام تلك المفاسد. (4) هذا الجواب عن قوله: وهذا يشكل بالنهي في العبادات. (5) هذا الجواب عن "أ، من أوجه المعارضة والذي بعده، عن "ب" والذي بعده عن "ج" والذي بعده عن "د". ولا يوجد "هـ"، في الترقيم السابق. (6) هو أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة ولازم أبا يوسف ناظر الشافعي واعترف له بالفضل توفي عام 189 هـ له تراجم في الفتح المبين 1/ 110، الأعلام 3/ 182، الفهرست 287، وفيات الأعيان 1/ 574.

المسألة السادسة

أصحابنا لقوله عليه السلام: "دع الصلاة (¬1) أيام أقرائك" (¬2). "ونهى عن بيع المضامين والملاقيح" (¬3) مع عدم الصحة. احتجوا: بأن النهي عن (¬4) غير المقدور عبث. وجوابه: النقض بالنهي المذكور (¬5) ثم يجوز حمل النهي على النسخ (¬6) كقول الموكِّل لوكيله لا تبع ثم يجوز حمل البيع على معناه اللغوي وهو مقدور (¬7). " المسألة السادسة" المطلوب بالنهي فعل ضد المنهي عنه وعند أبي هاشم هو نفس أن لا يفعل. لنا: أن النهي تكليف وهو إنما يرد بالمقدور. والعدم المستمر لا يكون مقدورًا. احتج: بأن العقلاء يمدحون من لم يزنِ على عدم الزنا وان لم يخطر ببالهم فعل الضد. ¬

_ (¬1) وفي "جـ" في أيام. (¬2) حديث فاطمة بنت أبي حبش هذا متفتي عليه بلفظ. قالت: إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة. فقال: "لا إنما ذلك عِرقٌ وليس بحيضة، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة واذا أدبرات فاغسلي عنك الدم وصلي". ولم أعتز عليه باللفظ الوارد. نصب الراية 1/ 200، التلخيص الحبير 1/ 49. (¬3) رواه الطبراني والبزار ومالك واسحاق بن راهويه وعبد الرزَّاق في المصنف ولفظه عند عبد الرزاق: "نهى عن المضامين والملاقيح وحبل الحَبَلة". قال ابن حجر: سنده قوي ورمز له السيوطي بالصحة. نصب الراية 4/ 10، فيض 6/ 307، الفتح الكبير 3/ 278. الملاقيح: ما في بطونها. والمضامين ما في أصلابها. وحبل الحبلة: ولد ولد هذه الناقة. (¬4) وفي "أ" (عين) بدل (غير). (¬5) يعني بالنهي المذكور. النهي الوارد في الحديثين المتقدمين لأن النهي فيهما ثابت مع الامتناع. (¬6) وفي "أ" (الفسخ) بدل (النسخ). (¬7) وفي "جـ" المقدور.

المسألة السابعة

وجوابه: أنَّه إنما يمدح على ما يقدر عليه وهو الامتناع وأنه وجودي. ولو قلت: الإِبقاء على العدمٍ الأصلي مقدور. قلنا: الإِبقاء على العدم، إن كان عدمًا لم يكن مقدورًا، وإلا كان وجوديًا وهو فعل الضد. " المسألة السابعة" الأشياء قد ينهى عنها على الجمع كقوله: لا تفعل هذا ولا ذاك. وعن الجمع كقوله: لا تجمع بينهما (¬1). وعلى البدل كقوله: لا تفعل هذا إن فعلتَ ذاك. وعن البدل ويفهم منه (¬2) تارةً النهي عن جعل الشيء بدلًا لغيره، وتارة النهي عن فعل أحدهما دون فعل الآخر. ثم ما كان منها ممكنًا جاز التكليف به. وإلا خرج على تكليف ما لا يطاق. ¬

_ (¬1) هذا المثال فيه نظر، والصحيح ألا تجمع بين كذا وكذا. (¬2) سقط من "ب" تارة.

الكلام في العموم والخصوص

الكَلَام في العُمُوم وَالخصُوص وَفيه فصُول

الفصل الأول في ألفاظ العموم

" الفصل الأول " في ألفاظ العموم "وفيه مسائل" " المسألة الأولى" العام: (لفظ مستغرق لكل ما يصلح له في وضعٍ واحد) (¬1). والأول: احتراز عن (¬2) النكرات وحدانًا وتثنيةً وجمعًا، وعن ألفاظ العدد. والثاني (¬3): عن المشترك وما له حقيقةٌ ومجاز فإن عمومه لا يستغرق جميع المفهومات. وقيل: (هو لفظة دالة على شيئين فصاعدًا بلا حصر) (¬4) واحترز باللفظة عن المعاني العامة والألفاظ المركبة. وبالدالة عن الجمع المنكر. وبالشيئين فصاعدًا عن النكرة في الإِثبات. وبقولنا: بلا حصر عن أسماء العدد. " المسألة الثانية" عموم اللفظ لغة إما على البدل كالنكرات أو الجمع، إما بنفسه (¬5) كأي، وما، ومن، في المجازاة (¬6) والاستفهام. وكل، وجميع، ومتى، ¬

_ (¬1) ولفظ المحصول: (اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضعٍ واحد)، (انظر المحصول 1/ 2/ 513). (¬2) وفي "ب" على بدل عن. (¬3) الثاني يقصد به (في وضع واحدٍ) وبالأول (مستغرق لجميع ما يصلح له). (¬4) التعريفان المذكوران هما بناءً على أن العموم من خصائص الألفاظ حقيقة دون المعاني. (¬5) وفي "هـ" لنفسه. (¬6) المراد بها جزاء الشرط.

المسألة الثالثة

وأين (¬1)، وحيث، أو بغيره. كالجمع مع الإِضافة أو الألف واللام، وكالنكرة مع النفي وعمومه عرفًا كتحريم الأمهات، فإنه يفيد تحريم جميع وجوه الاستمتاع عرفًا وعمومه عقلًا. كما يذكر الحكم بعد سؤالٍ بلفظ عامٍ، أو يقرن (¬2) به علته، وكدليل الخطاب (¬3) عند من يقول بعمومه. " المسألة الثالثة" (¬4) الماهية من حيث هي لا واحدةً ولا لا واحدة (¬5). ولا كثيرة ولا لا كثيرة (¬6). وكذا سائر القيود. فاللفظ الدال عليها من حيث هي: هو المطلق والدال عليها، مع كثيرةٍ معينة (¬7)، هو لفظ العدد، ومع كثرةٍ غير (¬8) معينة هو اللفظ العام. ومع وحدةٍ معينة المعرفة، ومع وحدةٍ (¬9) غير معينة النكرة. ¬

_ (¬1) وفي المحصول (أنى) بدل (أين). (¬2) وفي "ب" قرن. (¬3) مثال دليل الخطاب (في سائمة الغنم الزكاة) يدل على أنَّه لا زكاة في كل ما ليس بسائمة ويسمى مفهوم المخالفة. (¬4) خلاصة هذه المسألة هو التفريق بين المطلق والعام وبين المعرفة والنكرة وألفاظ العدد. المطلق: هو اللفظ الدال على الماهية من حيث هي. كالإِنسان الدال على الماهية، بغض النظر عن العوارض. وأما إذا كانت العوارض ملحوظة، فهناك أربعة أقسام: أ - الوحدة المتعينة وتسمى المعرفة. ب - الوحدة غير المتعينة وتسمى النكرة. ج - الكثرة المتعينة وتسمى ألفاظ العدد. د - الكثرة غير المتعينة وتسمى العام. والمعرفة والنكرة لم يذكرهما الإِمام الرازي في المحصول، وذكرهما القاضي الأرموي - رحمه الله -. (¬5) سقط من "ب، د" ولا لا واحدة. (¬6) سقط من "ب، د" ولا لا كثرة. (¬7) وفي "ب، د" (هي) بدل (هو). (¬8) سقط من "أ، جـ، هـ" كثرة. (¬9) سقط من "أ، جـ، هـ" وحدة.

المسألة الرابعة

" المسألة الرابعة " لفظة: (أي، وما، ومن، وأين، ومتى، في الاستفهام والمجازاة. وكل، وجميع، للعموم). وهو قول المعتزلة والفقهاء. وقال أكثر الواقفية: إنها مشتركة بينه وبين الخصوص وتوقف فيه أقلهم. لنا وجوه: أ - أنها (¬1) إذا ذُكرت بلا قرينةٍ لو كانت للخصوص لما حسن الجواب بذكر العموم، ولا الجري (¬2) على موجب الأمر، بفعله لعدم المطابقة (¬3). ولو كانت مشتركة بينهما لوجب الاستفهام عن جميع مراتب الخصوص لاحتمالها، ولم يجب - لقبحه - لغة وتعذره عقلًا فهي للعموم. لا يقال: إنما حسن الجواب بالكل لأنه يفيد المطلوب جزمًا (¬4) ثم قبح بعض الاستفهامات يعارضه حسن بعضها. ثم ما ذكرتم معارض بأنها لو كانت للعموم، لكان جواب قولنا: من عندك؟ بلا أو نعم. كقولنا أكلُّ (¬5) الناس عندك؟. لأنا نجيب عن: أ (¬6) - بأنه يلزم منه حسن الجواب بذكر الرجال والنساء. لو قال: مَن عندك مِن الرجال؟ لجواز تعلق غرضه بالسؤال عن ¬

_ (¬1) وفي "ب، د" أنها لو كانت إذا ذكرت بلا قرينة للخصوص. (¬2) وفي "أ" يجري بدل الجري. (¬3) ومعنى قوله: ولا الجري على موجب الأمر بفعله لعدم المطابقة. أي لم يجز امتثال مقتضى الأمر، بفعله في المجازاة ومثال ذلك: من دخل داري فأكرمه. ولكن حسن الامتثال، فدل ذلك على المطابقة. (¬4) معنى قوله: لأنه يفيد المطلوب جزمًا. أن الجواب بالكل مفيد على كل حال، حيث لو كان المقصود البعض يكون داخلًا في الكل وإن أريد حصل المقصود فالمقصود حاصل على كل حال. (¬5) وفي "ب، د" (كل) بدل (أكل). (¬6) هذه أجوبة عن قوله: (لا يقال إنما حسن الجواب ... إلى قوله أكل الناس عندك؟ وهي لم ترد مرقمة).

القبيلين. كيف؟ وقد يكون غرضه ذكر البعض والسكوت عن الباقي. ب - أن الاشتراك يعم بجميع مراتب الخصوص وفاقًا وذلك يوجب حسن جميع الاستفهامات، وعدم الاشتراك لا يوجب (¬1) قبح جميعها، لما نبين من فوائد الاستفهام. جـ - أن "لا ونعم" جواب سؤال للتصديق، وقوله من عندك؟ سؤال التصور. أي اذكر كل من عندك؟. ب - أنَّه يصح استثناء كل واحدٍ من الآحاد منها، أما في الاستفهام ففي جوابه (¬2)، وأما في غيره ففي أصله. والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله فيه إذ صحة الدخول معتبرة في الاستثناء من الجنس وفاقًا، ولأن الاستثناء مشتق من الثني، وهو الصرف فلو لم يعتبر الوجوب فيه لما فرق (¬3)، في الاستثناء بين الجمع المنكر والمعرف لحصول الصحة فيهما والفرق معلوم بالضرورة من أهل اللغة. لا يقال: هذا منقوض (¬4) بالاستثناء من جموع القلة (¬5) والجمع المنكر وبقولنا: صل إلَّا اليوم الفلاني. ثم لا نسلم صحة استثناء كل أحدٍ. إذ لا يصح استثناء الملك والجن والملوك واللصوص (¬6). ثم دليل اعتبار الوجوب في الاستثناء معارض، بأن الحمل على الأعم أولى. وبأنه يلزم منه كون الجمع المنكر للعموم. ثم إنما يلزم العموم (¬7) من المقدمتين لو لم تجز المناقضة على الواضع فإنه ممنوع. ¬

_ (¬1) وفي "أ" (لأنه) بدل (لا). (¬2) مثاله قولنا: الرجال إلَّا زيدًا في جواب من قال: من عندك؟. (¬3) وفي "ب، د" (لما بقي فرق) بدل (لما فرق). (¬4) ووجه النقض أنَّه يصح استثناء كل فردٍ من آحاد جموع القلة والجمع المنكر مع أنها لا تفيد العموم. (¬5) جموع القلة هي: أفعال وأفعل وأفعلة وفعلة وجمع السلامة إذ نص سيبويه أنَّه جمع قلة انظر الكتاب 2/ 192 - 195. (¬6) في مثل قوله: من دخل داري فأكرمه. (¬7) وفي "ب، د" (المقدمتين من العموم).

ثم صحة الاستثناء تنفي العموم لئلا يكون نقضًا له (¬1). لأنا نجيب عن: أ (¬2) - بأن استثناء كل عدد من جمع القلة كالألف وما فوقه لا يصح، وأنه إذا لم يفد الوجوب في الجمع المنكر فلمْ يفده في غيره والاستثناء قرينة في دلالة الأمر على التكرار. ولقائلٍ أن يقول: بأن النقض استثناء الأفراد من جموع القلة. ولو أفاد الوجوب في غير الجمع المنكر لزم الاشتراك أو المجاز. ولو دل الأمر على غير موضوعه لقرينة لزم المجاز. كيف وأن صحة الاستثناء لا (¬3) توجب وجوده (¬4). ب (¬5) - إن خروجهم بقرينة الحال إذ يصح أن يقول الله: أطعِم من خلقت إلَّا الملَك والجن وانظر بعين الرحمة إلى من خلقت إلَّا الملوك المتكبرين واللصوص. ¬

_ (¬1) سقط من "أ، جـ" له. (¬2) هذا جواب عن النقض بالاستثناء بجموع القلة ولم يسبق ترقيم. (¬3) سقط من "أ" لا. (¬4) يتضمن اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله ثلاثة اعتراضات: أولها: متوجه لجواب الإِمام الأول وهو جوابه عن النقض بجموع القلة، بأنه لا يصح استثناء عدد معين والذي أورد النقض (قال: إنه يجوز الاستثناء بأي واحد فلهذا لا يلزم من امتناع استثناء أعداد مخصوصة امتناع استثناء أي واحد، كان من أفراد ذلك الجنس) فالجواب مخالف للنقض الوارد. وهذا الاعتراض مدفوع لأن قولنا استثناء أي واحد أعم من العدد المعين. ثانيها: اعتراض على جواب الإِمام الرازي الثاني. وهو أنَّه: (إذا لم يفد الوجوب في الجمع المنكر لم لا يفده في غيره) بأنه لو أفاد الوجوب في غير الجمع المنكر، لزم الاشتراك أو المجاز؛ لأنه يفيد الوجوب في الجمع المنكر. ثالثها: وهو موجه لدليل الإِمام الثالث. وهو أن الاستثناء قرينة في دلالة الأمر على التكرار. ويلزم على هذا أنَّه ما دام أن الأمر دل على التكرار بقرينة، وهي الاستثناء فهو مجاز في التكرار. (¬5) هذا الجواب عن عدم التسليم بصحة استثناء كل واحدٍ، كالملك والجن والملوك واللصوص وهو ليس مرقم.

جـ (¬1) - أن مفيد الوجوب مفيد الصحة فالحمل عليه جمع بين الدليلين والجمع المنكر مرَّ جوابه. د (¬2) - أن الأصل عدم التناقض من العقلاء. هـ (¬3) - سيأتي: ولقائلٍ أن يقول (¬4): هذا الوجه حجةٌ على المتوقفين من الواقفية. والحجة على من يدعي الاشتراك أنها إذا كانت للعموم لا تكون للخصوص بالنافي للاشتراك. ج - لما نزل قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} قال ابن الزبعري (¬5) لأخمصن محمدًا به. ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال (¬6): ¬

_ (¬1) هذا جواب عن معارضة دليل اعتبار الوجوب في الاستثناء، بحمله على العموم أولى. (¬2) هذا جواب عن المعارضة الثالثة وهي قوله: (إنما يلزم من المقدمتين العموم لو لم تجز المناقضة على الواضع). (¬3) هذا جواب المعارضة الرابعة (وهي أن صحة الاستثناء تنفي العموم لئلا يكون نقضًا له). (¬4) خلاصة هذا الاعتراض أن الأدلة التي تعتمد على أن صحة الاستثناء دليل العموم متوجه فقط للمتوقفين من الواقفية، أما الذين يقولون: إن هذه الألفاظ مشتركة بين العموم والخصوص فهذه الأدلة لا تتوجه لهم بك تحتاج إلى أدلة تبين أنَّه حقيقة في العموم وذلك ينفي الاشتراك. (¬5) هو عبد الله بن قيس بن عدي السهمي القرشي وأمه عاتكة بنت عبد الله بن عمرو بن وهب كان من أشعر قريش وكان شديدًا على المسلمين أسلم بعد الفتح ومن شعره بعد إسلامه يعتذر للرسول - صلى الله عليه وسلم -: إني معتذر إليك من التي ... أسديت إذ أنا في الضلال أهيم أيام تأمرني بأغوى خطة ... سهمُ وتأمرني بها مخزوم فاليوم آمن بالنبي محمد ... قلبي ومخطئ هذه محروم انظر الإِصابة 2/ 300 وبهامشها الاستيعاب لابن عبد البر. (¬6) الآيتان من سورة الأنبياء [98، 101]. والقصة أخرجها الفريابي وعبدُ بن حميد أبو داود في ناسخه وابن حجر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويْه والحاكم وصححه، وغيرهم من طرق وقد نقل القصة الإِمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير: (أنه عليه السلام دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، فجلس إليهم فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفحمه ثم تلا عليهم: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ =

أليس قد عُبد الملائكة أليس قد عُبد عيسى؟ تمسك بالعموم ولم ينكر عليه حتَّى نزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}. ولم يكن سؤاله خطأً لأن "ما" تتناول العقلاء أيضًا. لقوله تعالى: {وَالْسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} (¬1). الآية. د - قولنا: جاءني كل فقيه يناقضه قولنا: ما جاءني كل فقيه ورفع الكل لا يناقض ثبوت البعض. ولقائلٍ أن يقول: يكفي في تناقضهما دلالتهما على شيء واحد. هـ - سبق الفهم إلى العموم من قوله: أعط من دخل داري رغيفًا. وسقوط الاعتراض عن المأمور بالاستيعاب وتوجه اللوم عليه بالاقتصار يوجب عمومه. و- فرق أهل اللغة بين قولنا: جاءني الفقهاء أوكل فقيه وبين قولنا: جاءني فقهاء، ومبادرتهم إلى استعمال هذه الألفاظ للعموم يوجب عمومها. ز - كذَّب عثمان (¬2) بن مظعون .............................................. ¬

_ = اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} الآية، فأقبل عبد الله بن الزبعري فرآهم يتهامسون. فقال فيم خوضكم؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال عبد الله: أما والله لو وجدته لخصمته فدعوه. فقال ابن الزبعري: أأنت قلت ذلك؟ قال: نعم. قال قد خصمتك ورب الكعبة. أليس اليهود عبدوا عزيرًا والنصارى عبدوا المسيح وبنو مليح عبدوا الملائكة. ثم سكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فضحك القوم فنزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}. وأما الزيادة الواردة بلفظ. يا غلام ما أجهلك بلغة قومك فإني قلت وما يعبدون "وما" لما لا يعقل ولم أقل ومن تعبدون. تعقبها ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف فقال: (إنه اشتهرت على ألسنة كثير من علماء العجم وفي كتبهم، وهي لا أصل لها، ولم توجد في كتب الحديث مسندةً ولا غير مسندة، والوضع عليها ظاهر والعجب ممن نقلها من المحققين). انظر كلام ابن حجر في الكافي الشافي بتخريج أحاديث الكشاف الملحق بالجزء الرابع ص 111، انظر فتح القدير للشوكاني 3/ 431، وأسباب النزول للواحدي ص 315، والدر المنثور 4/ 338، وتفسير الطبري 17/ 76، والقرطبي 11/ 343. (¬1) [الشمس: 5]. (¬2) هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة الجمحي القرشي الصحابي من السابقين في الإِسلام. أسلم بعد ثلاثةَ عشرَ رجلًا. توفي في السنة الثانية من الهجرة، وهو أولُ من =

.......... قول لبيد (¬1): (وكلُّ نعيم لا محالةَ زائل) (¬2) بقوله (نعيم أهل الجنّة لا يزول) وإنما يصح تكذيبه لو أفاد العموم. تذنيب (¬3): النكرة في النفي للعموم لوجوه: أ - قوله أكلت اليوم شيئًا يناقضه قوله: ما أكلت اليوم شيئًا. ونقيض الجزئي كلي. ب - قوله تعالى: {قُلْ (¬4) مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} (¬5). لما قالت اليهود (وما أنزل الله على بُشر من شيء) ولو لم يكن الثاني للعموم، لما كان الأول مكذبًا له. ج - لولا عمومها لما كان قوله) (¬6): لا إله إلَّا الله نفيًا للآلهة بأسرها سوى الله تعالى. وأما النكرة في الإِثبات إن كانت خبرًا لم تفد العموم، وإن كانت أمرًا أفادته عند الأكثر، للخروج عن العهدة بكل واحدة. ¬

_ = مات من المهاجرين، ودفن بالبقيع، ولما توفي إبراهيم بن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون انظر الإصابة 2/ 457. (¬1) لبيد بن ربيعة بن مالك العامري أَحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية من أهل نجد. يعد صحابيًا من المؤلفة قلوبهم، سكن الكوفة، وتوفي بها سنة 41 هـ، وهو أحد أصحاب المعلقات، ولم يقل في الإسلام إلَّا بيتًا واحدًا من الشعر انظر: خزانة الأدب للبغدادي 1/ 337 - 339، الشعر والشعراء 231 - 243، الأعلام 6/ 104، جمهرة أشعار العرب 30 طُبع ديوانه وترجم للألمانية. (¬2) هذا عجز بيت صدره: "ألا كل شيء ما خلا الله باطل" وهذه القصة وردت مطولة في سيرة ابن هشام 1/ 391، وفي خزانة الأدب 2/ 221، طبع السلفية. ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، وفي رواية أصدق كلمة قالها العرب. (¬3) التذنيب: هو جعل شيء عقيب شيء لمناسبة بينهما. (تعريفات الجرجاني ص 48) وفي "ب" ترتيب بدل التذنيب، وهو تصحيف. (¬4) سقط من "ب" قل. (¬5) [الأنعام: 91]. (¬6) وفي "ب، د" (قوله) بدل (قولنا).

احتج الواقفية بوجوه: أ- العلم بعمومها ليس ضرورياً ولا نظرياً عقلياً. إذ لا مجال للعقل في اللغات ولا نقلياً متواتراً، لوجود الخلاف ولا آحاداً لأنها لا تفيد العلم. ب- استعمال (¬1) اللفظ في العموم والخصوص يقتضي الاشتراك إذ لا طريق الى العلم بكون اللفظ حقيقة، إلا ذلك ولأنه لو لم يكن مشتركاً بينهما، لكان مجازاً في أحدهما لقرينة وهو خلف الأصل. ولأن تلك القرينة لا تعلم ضرورة لوجود الخلاف. ولا نظراً إذ ليس في أدلة مثبتيها ما يعوَّل عليه. جـ- لو كان للعموم. لما حسن الاستفهام لأن طلب الفهم عند المقتضي له عبث. د- ولكان تأكيده عبثاً، لِإفادته فائدة حاصلة. هـ (¬2) - ولكان الاستثناء نقضاً كتعديد الأشخاص واستثناء (¬3) واحدٍ. وكقوله: ضربت كل من في الدار. ما ضربت بعض من في الدار. و- ولكان إيراد الكل والبعض "على من وما" تكراراً ونقضاً. ز- ولامتنع جمع (¬4) "من " لكنه لم يمتنع لقول الشاعر: (أتوا ناريَ فقلتُ منون أنتم؟) (¬5). ¬

_ (¬1) سقط من"أ" استعمال. (¬2) خلاصة هذا الدليل أنه لو لم يكن مشتركاً، لكان الاستثناء نقضاً من وجهين: أ - لكونه تعديد الأشخاص واستثناء واحد، مثل: جاءني زيد وعمرو إلا زيداً. ب- لكونه معدولًا من الدلالة على الكل. مثل: ضربت كل من في الدار ما ضربت بعض مَن في الدار. (¬3) وفي "جـ، د" كل واحد. (¬4) قوله لامتنع جمع (من) لامتناع الزيادة على الاستغراق الذي يفيده الجمع لكن جمعت مَنْ. (¬5) صدر بيت عجزه: (فقالوا الجن قلت عموا ظلاماً) نسبه محمد محي الدين عبد الحميد لشمير بن الحارث الضبي وهو من شواهد سيبويه 1/ 402 وأوضح المسالك 3/ 231، وقال الخضري على شرح ابن عقيل للألفية: إنه أكذوبة والله أعلم.

والجواب عن: أ- أنه معلوم بالضرورة بعد استقراء (¬1) اللغات. سلمناه: لكنه يجوز أن يعلم بالعقل (¬2) بواسطة كما سبق. سلمنا، لكن المسألة عندنا ظنية والآحاد تفيد الظن. ب- أن الاستعمال قد يوجد مع المجاز فلا يفيد العلم بالحقيقة، وعندكم المسألة علمية. وأيضاً المجاز أولى من الاشتراك. ثم لا نسلم أن الضروري لا ينكره جمع قليل. سلمنا، لكن لا يلزم من عدم الوجدان عدم الوجود. جـ- أن الاستفهام لو كان للاشتراك لوجبت الاستفهامات (¬3) المذكورة، ولامتنع أن يجانب عنه بعين ما منه (¬4) الاستفهام. ومن فوائد الاستفهام الثقة بتحفظ المتكلم، ونفي الظن بالمخصص وتقوية الظن بالعموم، وترجيح المعمم على المخصص (¬5). د- أن تاكيد ألفاظ العدد. وتأكيد الشيء بنفسه من غير اشتراك. وأيضاً التأكيد تقوية الحاصل. فلو كان هو الاشتراك كان التأكيد تقوية له. وتعيين أحد مفهومي اللفظ لا يكون تأكيداً بل بياناً. ومن فوائد التأكيد إبعاد التجوز والتخصيص وتقوية الظن بالعموم. هـ - أن استثناء ألفاظ العدد بلا اشتراك. والفرق أن الخبر يتعدد بتعدد الأشخاص وشيء منه لا يقبل الاستثناء. وقوله: ما ضربت بعض من في الدار. مستقل بنفسه فلا يتعلق بما تقدم فيناقضه. و- أن عمومها قد يشترط فيه عروها عن البعض. ز- أنه إشباع حركة وفاقاً لا جمع. ¬

_ (¬1) وفي "ب، د" استقرار. (¬2) سقط من "أ" العقل. (¬3) في "جـ" الاستفهام. (¬4) في "أ" (منا) بدل (منه). (¬5) ترجيح المعمم على المخصص إذا كان المخصص قرينة فقط وليس لفظاً. ومثال ذلك أن يقول: ضربت كل من في الدار، ويوجد قرينة على التخصيص، كوجود الوزير معهم، فيغلب على الظن أنه ما ضربه.

المسألة الخامسة

" المسألة الخامسة" الجمع المعرف باللام للعهد إن كان. وإلا فللعموم خلافاً للواقفية وأبي هاشم. لنا وجوه: أ- تمسك أبو بكر رضي الله عنه على الأنصار لما طلبوا الإمامة، بقوله عليه السلام: "الأئمة من قريش" (¬1) وتمسك عمر (¬2) على أبَي بكر رضي الله عنهما، لما همَّ بقتال مانعي الزكاة بقوله عليه السلام: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" (¬3) ولم ينكر عليهما. ب- أنه بعد التأكيد بكلهم وأجمعين يفيد العموم وفاقاً فكذا قبله إذ التأكيد تقوية الأصل. وقول سيبويه: جمع السلامة للقلة محمول على المنكَر منه لما بينا (¬4). وتأكيد جمع القلة والمنكر ممنوع عند البصريين. جـ (¬5) - الألف واللام للتعريف وفاقاً. والمعرف به ليس هو الماهية، لتعرفها بالجمع ولا البعض إذ لا بعض أولى من بعض فهو الكل. ولقائل أن يقول: هما لتعيين الجمع المشترك بين كل جمع، ¬

_ (¬1) جزء من حديث رواه الحاكم وصححه. والبيهقي. وحسنه السيوطي وابن حجر جمع الدارقطني طرقه في جزء ضخم عن نحو أربعين صحابياً. ذهل التاج السبكي فذكر في المجموع: أنه في الصحيحين، والذي في الصحيحين معناه (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس إثنان). انظر: فيض القدير 3/ 190، الفتح الكبير 1/ 54، كشف الخفا 1/ 271. (¬2) وفي "ب، د" (عثمان) بدل (عمر) وفي "جـ" وضع عثمان في المتن وعمر في الحاشية. (¬3) متفق عليه عن ابن عمر وأبي هريرة وتمام الحديث "وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوه عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" ورواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، انظر نصب الراية 2/ 324. (¬4) الدليل الثاني من أدلة الجمع المعرف الذي ليس للعهد، أنه يفيد العموم، هو كون الجمع يؤكد دليل على عمومه؛ لأنه يفيد العموِم بعد تأكيده وفاقاً، ولهذا ينبغي حمل قول سيبويه (جمع السلامة للقلة). على الجمع المنكْر لا على الجمع المعرف وذلك للأدلة التي أوردناها أن الجمع المعرف يفيد العموم، وكذلك لأن جمع القلة المنكر ممنوع تأكيده عند البصريين. (¬5) سقط من نسخة "جـ" جـ.

كما أنهما في المفرد (¬1)، لتعيين الماهية المشتركة بين كل فرد. د - التمسك بصحة الاستثناء. هـ - يصح انتزاع ما دون الكل من الجمع المعرف بلفظ الجمع المنكَّر والمنتزع منه أكثر (¬2). احتجوا: بانه لو كان للعموم لزم الاشتراك أو المجاز في استعماله في (¬3) العهد، وفي قولهم: جمع الأمير الصاغة. و- لكان إيراد الكل أو البعض (¬4) عليه تكراراً ونقضاً. والجواب عن: أ (¬5) - أنه للأظهر عند السامع من العهد والكل ولا اشتراك (¬6) ولا مجاز. وقد يقال: هو في العهد مجاز لتوقفه على قرينة العهد. ب - أنه تخصص بالعرف. جـ - أن لفظ الكل تاكيد ولفظ (¬7) لبعض تخصيص. فرع: الجمع (¬8) المعرَّف بالِإضافة كهو (¬9) باللام والكناية (¬10) يتبع ¬

_ (¬1) سقط من "أ" في المفرد. (¬2) مثال انتزاع ما دون الكل من الجمع المعرف بلفظ الجمع المنكر قولنا: (رجال من الرجال) وصحة هذا يدل على أن الجمع المعرَّف للعموم. (¬3) وفي "جـ، د" (للعهد) بدل (في العهد). (¬4) مثل رأيت كل الناس- فتعتبر كل تكراراً- ورأيت بعض الناس فتكون بعض نقضاً؛ لأن الناس تدل على العموم وبعض تدل على الخصوص. (¬5) لا يوجد ترقيم فيما تقدم وهذه أجوبة عن أدلة الواقفية وأبي هاشم. (¬6) في "ب" (الاشتراك) بدل (لا اشتراك). (¬7) سقط من "أ" لفظ. (¬8) سقط من "ب، د، هـ" الجمع. (¬9) يعني كالمعرف باللام في إفادته للعموم. (¬10) وذلك مثل فعلوا فيكون ضمير الجماعة للاستغراق، إذا كان يعود إلى لفظ يفيد الاستغراق. ولا يكون للاستغراق إذا كان يعود للفظ لا يفيد الاستغراق.

المسألة السادسة

المكنى في العموم. أمر الجمع بلفظ الجمع للعموم لاستحقاق كل منهم الذم بتخلفه (¬1). " المسألة السادسة" المفرد المعرف باللام ليس للعموم خلافاً للفقهاء والجبائي والمبرد. لنا وجوه: أ- لا يفهم العموم من قوله: لبست الثوب وشربت الماء. والأصل عدم تخصيص العرف إلاَّ لمعارض. ب- لا يؤكد بما يؤكد به الجمع ولا ينعت بما ينعت به، وقولهم: أهلك الناسٍ الدرهم البيض والدينار الصفر مجاز إذ لم يطرد، ولأنه لو كان حقيقة لكان وصفه بالأصفر مجازاً كالدنانير. جـ -أن إحلالَ هذا البيع إحلالٌ للبيع لكونه جزؤه. فلو أفاد إحلال البيع العموم، لأفاده إحلال هذا البيع (ويجعل عروه عن) هذا شرطاً لعمومه ولا تقييده به مانعاً منه، لأن العدم لا مدخل له في التأثير والتعارض خلاف الأصل. ولقائلِ أن يقول (¬2): كيف جعلت عراء (¬3) لفظ الكل عن لفظ البعض شرطاً لِإفادته العموم مع هذا الجواب. د- أنه لا يفيد إلا الماهية التي لا إشعار لها بالوحدة والكثرة. ¬

_ (¬1) وذلك مثل (قوموا) مشيراً إلى جماعةٍ من غلمانه ودليل العموم هو استحقاق كل واحدٍ منهم الذم إذا تخلف. (¬2) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على الإمام الرازي- رحمهما الله- أنه جعل عراء اللفظ العام عن المخصص شرطاً في إفادته العموم، مع أن العراء عدمي ولا تأثير له. (¬3) وفي "جـ، د" عمرو لفظ الجمع وفي "أ" عراء اللفظ منه.

المسألة السابعة

احتجوا بوجوه: أ- التمسك بصحة استثناء الأفراد كما في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} (¬1). ب- الألف واللام ليستا لتعريف الماهية لحصوله بأصل الاسم ولا للوحدة ولا للبعض (¬2) فتعين للكل (¬3). جـ - ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية فيعم الحكم لعموم العلة (¬4). والجواب عن: أ- أنه مجاز إذ لم يطرد (¬5). وقد يقال: إنما صح ذلك لعموم الخسر كل الناس غير المؤمنين. ب- أنه لتعيين الماهية. جـ- أنه تمسكٌ بغير اللفظ. " المسألة السابعة" أقل الجمع ثلاثة عند الشافعي وأبي حنيفة. وقال بعض الصحابة والتابعين والأستاذ أبو إسحاق والقاضي إنه إثنان. لنا: أن أهل اللغة فصلوا بين الواحد والتثنية والجمع فكذلك فصلوا بين ضمائرها ولأن الجمع ينعت بالثلاثة والتثنية بالاثنين ولا ينعكس. ¬

_ (¬1) [العصر: 2]. (¬2) وفي "هـ" (والبعض) بدل (ولا للبعض). (¬3) وفي "جـ" (الكل) بدل (للكل). (¬4) ذكر الإمام الرازي دليلين آخرين هما: 1 - أنه يؤكد بما يؤكد به العموم كقوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}. ب- أنه ينعت بما ينعت به العموم كقوله تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} وكقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}. وقد ذكر محقق المحصول أنه لم يرد هذان الدليلان إلا في نسخة واحدة فقط ولهذا يظهر أن عدم إيراد الأرموي لهما عدم الاطلاع عليهما غالباً. انظر المحصول 1/ 2/ 603. (¬5) كونه لا يطرد بحيث لا يقال: رأيت الإنسان إلا المؤمنين؛ فيكون اسثناء مجازياً.

احتجوا بأمور: أ- قوله تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (¬1). وأراد داود وسليمان عليهما السلام. وقوله تعالى: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} (¬2) وكانوا إثنين وقوله تعالى: {خَصْمَانِ} وقوله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ (¬3) مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ} (¬4) وقوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} (¬5). وقوله في قصة موسى: {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} (¬6). وقوله تعالى (¬7): {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} (¬8) وأراد يوسف وأخاه. وقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (¬9). وقوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (¬10). ب- قوله عليه السلام: "الِإثنان فما فوقهما جماعة" (¬11). جـ- إن الاجتماع حاصل في الِإثنين. والجواب عن: 1 - الآية الأولى: أن المراد المتحاكمان والحاكم. وأن المصدر يضاف (¬12) إلى الفاعل والمفعول وعن آية الخصام. أن الخصم يطلق على ¬

_ (¬1) [الأنبياء: 78]. (¬2) [ص: 21]. (¬3) سقط من "ب، د" {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ}. (¬4) [ص: 22]. (¬5) [الحج: 19]. (¬6) [الشعراء: 15]. (¬7) وفي "ب, جـ، د" في قصة يعقوب. (¬8) [يوسف: 83]. (¬9) [الحجرات: 9]. (¬10) [التحريم: 4]. (¬11) وترجم به البخاري فقال: (بابٌ الإثنان فما فوقهما جماعة) وقال ابن حجر في الفتح هو لفظ حديث ورد من طرق ضعيفة منها في ابن ماجه، ومعجم البغوي، وفي أفراد الدارقطني، والبيهقي، والأوسط للطبراني، وأحمد. انظر فتح الباري 2/ 142، كشف الخفا 1/ 47، فيض القدير 1/ 149، الفتح الكبير 1/ 41. (¬12) تعجب جمال الدين الأسنوي من جواب الإمام هذا حيث قال (وهو جوابٌ عجيب فإن =

الواحد والجمع كالضيف. والمراد في قصة موسى هو وهارون وفرعون. وفي قصة يعقوب يوسف وأخاه والأخ الثالث القائل: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} (¬1). وعن آية الاقتتال: أن كل طائفة جمع. وعن الآية الأخيرة: أن القلب يطلق على الميل الحاصل فيه. يقال للمنافق ذو وجهين وقلبين. فوجب الحمل عليه إذ القلب لا يوصف بالصغو بل الداعي الحاصل فيه. وعن الخبر أنه محمول على إدراك فضيلة الجماعة (¬2). وقيل: إنه عليه السلام "نهى عن السفر إلا في جماعة" (¬3). ثم بيَّن أن الاثنين فما فوقهما جماعة في جواز السفر. وعن الأخير: أن النزاع في لفظ الرجال والمسلمين لا في لفظ الجمع. فرع: الجمع المنكَّر عندنا يحمل على أقل الجمع وهو الثلاثة. وقال الجبائي يحمل على العموم. لنا: أنه يمكن نعته بأي عدد شئنا، فكان للقدر المشترك بين الكل. ¬

_ = المصدر إنما يضاف إليهما على البدل، ولا يجوز أن يضاف إليهما معاً، سمعت شيخنا أبا حيان يقول: سمعت شيخنا أبا جعفر بن الزبير يقول في هذا الجواب: أنه كلام مَن لم يعرف شيئاً مِن علمِ العربية) نهاية السول 2/ 85. (¬1) [يوسف: 80]. (¬2) روى أحمد رحمه الله تعالى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يصلي وحده فقال: (ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه فقام رجل فصلى معه فقال - صلى الله عليه وسلم -: "هذان جماعة". انظر المقاصد الحسنة 21. (¬3) أخرج البخاري والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم الناس من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده". وأخرج مالك عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشيطان يهم بالواحد والإثنين فإذا كانوا ثلاثة لا يهم بهم" وأخرج مالك وأبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب". انظر تيسير الوصول إلى جامع الأصول 2/ 149.

المسألة الثامنة

واحتج (¬1): بأن حملُه على العموم حملٌ له على جميع حقائقه. وجوابه: أنه (¬2) لا حقيقة له إلا القدر المشترك، لكن الثلاثة لا بد منها فتعينها لذلك. " المسألة الثامنة" قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} (¬3). لا ينفي استواءهما من كل وجهٍ لأن نفي الاستواء أعم من نفيه من كل وجه ومن نفيه من وجه (¬4)، ولأن قولنا يستويان يعتبر فيه الكل (¬5) وإلا لصدق على كل شيئين أنهما يستويان، لاستوائهما في المعلومية والمذكورية ونفي ما عداهما عنهما وغير ذلك. وقولنا لا يستويان نقيضه (¬6) ونقيض الكلي جزئي. ولقائل أن يقول: كل من الوجهين متعارض ولا يتفصى (¬7) عنه إلا بأن يعتبر في تناقض قولنا يستويان. وقولنا لا يستويان وحده ما فيه الاستواء. وأيضاً لما وجب استواء كل شيئين. من وجه كفى ذلك في عدم نفي (¬8) قولنا: لايستويان الاستواء من كل (¬9) وجه. ¬

_ (¬1) أي الجبائي. (¬2) سقط من "جـ" "أنه" وفي "أ" (وجواب أنه) بدل (وجوابه). (¬3) [الحشر: 20]. (¬4) سقط من (جـ) من وجه. (¬5) وفي "أ، ب" الكلي. (¬6) وفي "أ" يقتضيه ومقتضى. (¬7) وفي "أ، د" ولا ينقضي. (¬8) سقط من "أ" نفي. (¬9) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله. أن قولنا يستويان وقولنا لا يستويان متعارض، فمن حيث أن قولنا يستويان يعتبر فيه الاستواء من كل وجهٍ، وإلا لو اشترك شيئان في المعلومية سُميا متساويين، وقولنا لا يستويان أيضاً لا يصح أن يكون وارداً على السلب من كل وجه، لكونهما يستويان في بعض الأشياء العامة فمثلاً: الجنة والنار لا تستويان، ولكنهما مستويتان لكونهما مخلوقتين. فالاستواء من كل وجهٍ محال؛ ولهذا بنبغي أن يكون الاستواء فيما فيه الاستواء.

المسألة التاسعة

" المسألة التاسعة" قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} لا يتناول الأمة (¬1). وقيل: ما ثبت في حقه ثبت في حقنا إلَّا لمخصص به. فإن زعم أنه مستفاد من اللفظ فهو جهالة وإن زعم أنه يستفاد من دليل آخر كان خروجاً عن المسألة. وكذلك الخطاب الموضوع للأمة لا يتناوله عليه السلام. " المسألة العاشرة" اللفظ المختص بالذكور لا يتناول الإِناث وبالعكس وغير المختص إن لم تتميز الِإناث عن الذكور بعلامة كمن يتناولهما بدليل دخولهما فيه لو ذكر في وصيةٍ أو توكيل أو تعليقِ (¬2) وقيل: (لا لقول العرب من منه؟ وهو ضعيف. لأنه وإن كان جائزاً لكَنهم اتفقوا على استعمال (مَنْ) فيهما). وإن تميز: فما فيه علامة الِإناث لا يتناول الذكور. وما لا علامة فيه لا يتناول الِإناث، لأن الجمع تضعيف الواحد. وأنه لا يتناول الأنثى فكذا الجمع (¬3). وقيل يتناولهن لاتفاق النحاة على أن التذكير يغلب التأنيث وهو ضعيف. إذ مرادهم أنه متى أريد التعبير عن الفريقين بلفظ واحد كان التذكير. " المسألة الحادية عشرة" متى وجب إضمار شئ وثمة أمور صالحة له (¬4) لا يضمر (¬5) الكل وهو المراد بقولهم: الاقتضاء لا عموم له (¬6). ¬

_ (¬1) في "أ" (الآية) بدل (الأمة). (¬2) مراده التعليق بلفظ لا يختص به الذكور أو الإناث مثل قولنا (من دخل داري فهو حر). يعتق الداخل سواء أكان ذكراً أم أنثى. (¬3) العبارة هنا غير واضحة الدلالة. ومراد المصنف أن ما لا علامة فيه للإناث وفيه علامة للذكور محل خلاف، اختار المصنف أنه لا يتناول الإناث ومثال ذلك لفظة (المسلمين وافعلوا). (¬4) سقط من "ب" له. (¬5) وفي "ب، د" لم يجز إضمار. (¬6) سقط من "ب، د" (وهو المراد بقولهم الاقتضاء لا عموم له).

المسألة الثانية عشرة

لنا: أن الأصل عدم الِإضمار. ترك في واحدٍ للضرورة. وللمخالف: أن إضمار البعض ليس أولى من إضمار الباقي ولا بد من شيء فليضمر الكل. " المسألة الثانية عشرة" قوله: (والله لا آكل) يعم المواكيل عند أصحابنا. ويصح نية التخصيص ببعضها وبه قال أبو يوسف: وقال أبو حنيفة: (لا يصح) وهو المختار، لأن الفعل يدل على المصدر. والمصدر لا إشعار له بالتوحد والتعدد (¬1) المصححين لنية التعيين لا بحسب ذاته ولا بحسب المفعول به والمفعول فيه، فلم تصح نية (¬2) التخصيص من اللفظ ولا من المعنى أيضاً. كما لا تصح نية (2) التخصيص ببعض المفعول فيه بجامع تعظيم اليمين (¬3). ولقائلِ أن يقول (¬4): تعلق الفعل بالمفعول به أقوى منه بالمفعول فيه فكانت دلالتة الالتزامية عليه أقوى. حجة الشافعي: أنه لو قال: لا آكل أكلًا صحت نية التخصيص فكذا لو قال: لا آكل لوجود المصدر في الفعل. وجوابه: أن قوله: أكلاً يدل على المصدر بوصف التوحد (¬5) المصحح لنية التعيين فكانت نية التعيين من اللفظ. ¬

_ (¬1) وفي "أ" (العدد) بدل (التعدد). (¬2) وفي "جـ " (فيه) بدل (نية) في الموضعين. (¬3) وفي "أ" (التميز) بدل (اليمين). (¬4) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على دليل الإمام الرازي- رحمهما الله- في كونه لا تصح نية التخصيص، واستدل على ذلك بنفي صحة نية التخصيص باللفظ، ونية التخصيص بمتعلق اللفظ قياساً على المفعول فيه، فاعترض القاضي على صحة هذا القياس حيث أن تعلق الفعل بالمفعول به أقوى منه بالمفعول فيه. فلهذا دلالة الفعل الالتزامية على المفعول به أقوى منه في المفعول. (¬5) وفي "هـ" (التوحيد) بدل (التوحد).

المسألة الثالثة عشرة

" المسألة الثالثة عشرة" قال الشافعي (¬1): (ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال). كقوله عليه السلام لابن غيلان (¬2) حين أسلم على عشرة نسوة: "أمسك أربعاً وفارق سائرهن " (¬3) من غير سؤال إيراد العقد عليهن جمعاً أو ترتيباً، وفيه نظر لاحتمال معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - الحال، فبنى (¬4) جوابه عليها. " المسألة الرابعة عشرة" العطف على العام لا يقتضي العموم. إذ مقتضاه نفس الجمع (¬5). قال الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬6) وقال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} والأول عام والثاني خاص. ¬

_ (¬1) قال جمال الدين الأسنوي: اعلم أنه قد روي عن الِإمام الشافعي أيضاً أنه قال (حكاية الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الاجمال وسقط بها الاستدلال) وقد جمع القرافي بينهما في شرحه للمحصول بقوله: لا شك أن الإجمال المرجوح لا يؤثر، إنما يؤثر المساوي أو الراجح، وحينئذٍ نقول: الاحتمال المؤثر إن كان في محل الحكم وليس في دليله فلا يقدح كحديث غيلان وهو مراد الشافعي بالكلام الأول، وإن كان في دليله قدح وهو المراد بالكلام الثاني. انظر نهاية السول 2/ 74. (¬2) هو غيلان بن سلمة بن معقب بن مالك الثقفي، ويكنى أبا عمرو على ما في الِإصابة. وبهذا يظهر وَهْمُ من قال عنه ابن غيلان. (¬3) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم قال البخاري غير محفوظ، وحكم أبو حاتم وأبو زرعة أن المرسل أصح. ولفظ الحديث: أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية. فأسلمن معه فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يختار منهن أربعاً، وزاد أحمد فلما كان في عهد عمر طلق نساءه، وقسم ماله بين بنيه فبلغ ذلك عمر فقال: إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك ولعلك لا تمكث إلا قليلاً. وأيم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لأورثهن منك ولأمرن بقبرك أن يرجم كما رجم قبر أبي رغال. (¬4) وفي "أ، هـ، ب" (وبناء) بدل (فبنى). (¬5) معنى قوله مقتضاه نفس الجمع أي أن العطف يقتضي جمع المعطوف مع المعطوف عليه فقط ولا يدل على اشتراك الثاني مع الأول في العموم لأنه منقوض بالآيتين الواردتين فالمطلقات في الأول عامة في البائنات والرجعيات، والضمير في بعولتهن خاص بالرجعيات فقط. (¬6) [البقرة: 228].

المسألة الخامسة عشرة

" المسألة الخامسة عشرة" خطاب المشافهة لا يتناول من يحدث بعده إلا لمنفصل فإنه لا يكون زمان الخطاب إنساناً ولا مؤمناً إلى غير ذلك، والحق أن العموم معلوم بالضرورة من دين محمد عليه السلام وذكر طريقان آخران: 1 - التمسك بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} (¬1) وقوله عليه السلام: "بعثت إلى الأحرم والأسود" (¬2) وقوله عليه السلام: "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" (¬3). ب- أنه عليه السلام متى أراد التخصيص بين فحيث لم يبين دل على العموم. الأول: ضعيف إذ لفظ الناس والأحمر والأسود والواحد والجماعة يختص (¬4) بالموجودين. والثاني: ضعيف (¬5) إذ الحاجة إلى التخصيص حيث اللفظ الموهم للعموم، وقد ثبت أن لفظ المشافهة لا يتناول المعدومين. ¬

_ (¬1) [سبأ: 28]. (¬2) جزء من حديث أخرجه أحمد متصلاً ومرسلاً، وأخرجه الطبراني من حديث أبي موسى وابن عباس ورجاله رجال الصحيح، انظر مجمع الزوائد 8/ 258، والفتح الكبير 1/ 199، والحديث أصله في الصحيحين بلفظ (أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي ...). (¬3) قال العراقي لا أصل له، وأنكره المزني والذهبي، ولكن أخرج الترمذي وابن ماجه والنسائي وأحمد والبيهقي. وغيرهم بسند صححه الترمذي وابن حجر في تخريج المختصر، ورمز له السيوطي بالصحة من حديث بيعة النساء الطويل، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة انظر أسنى المطالب 96، وفيض القدير 3/ 16، فتح القدير للشوكاني 5/ 217، كشف الخفاء 1/ 364. (¬4) وفي "جـ" مختص بدل يختص. (¬5) وفي "جـ" ضعيف أيضاً.

المسألة السادسة عشرة

" المسألة السادسة عشرة" (¬1) قول الصحابي: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر (¬2) وقضى بالشفعة للجار) (¬3) لا عموم له، لأن الحجة في المحكي، ولعله وقع في صورة خاصة وكذا قوله: (سمعته عليه السلام يقول: قضيت بالشفعة للجار) (¬4) لجواز أن يكون ذلك القضاء بالشفعة لجارٍ معلوم ويكون الألف واللام للعهد. وهذا الاحتمال يقل (¬5) لو سمع منه هذا اللفظ مشافهة، إذ المعهود يعلمه السامع ظاهراً وكذا قول الراوي: (كان عليه السلام: يجمع بين الصلاتينِ في السفر) (¬6) إذ لفظ كان يفيد (¬7) تقدم الفعل دون التكرار. وقيل يفيده عرفاً. إذ لا يقال كان فلان يتهجد بالليل إذا تهجد مرة. وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم - بعد الشفق (¬8) لا يحمل على الشفقين إذ المشترك لا ¬

_ (¬1) دمج القاضي الأرموي في هذه المسألة ثلاث مسائل من المحصول (انظر المحصول 1/ 2/ 642 وما بعدها). (¬2) رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة ولفظ مسلم (نهى عن بيع الحصاة وبيع الغرر) ورمز له السيوطي بالصحة ورواه ابن حبان والبيهقي، انظر فيض القدير 6/ 331، والفتح الكبير 3/ 277، التلخيص الحبير 2/ 234. (¬3) سقط من "أ" هـ" للجار. (¬4) حديث الشفعة متفق عليه ولفظ البخاري (قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) انظر بلوغ المرام باب الشفعة نصب الراية 4/ 174، والفتح الكبير 2/ 64. (¬5) وفي "أ، ب، جـ" (نقل) بدل (يقل) وهو تصحيف. (¬6) متفق عليه ولفظ البخاري: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين المغرب والعشاء في السفر) وفي بعض الروايات إذا جدَّ به السير، انظر فتح الباري 2/ 579، نصب الراية 2/ 193، الفتح الكبير 2/ 377، فيض القدير 5/ 206، تلخيص الحبير 1/ 130. (¬7) سقط من "ب" يفيد. (¬8) صلاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد الشفق، وردت في حديث إمامة جبريل عليه السلام الذي رواه ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمَّني جبريل عند البيت فصلى بي الظهر حين زالت الشمس، فكانت بقدر الشراك، ثم صلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليْه، ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم. ثم صلى بي العشاء حين غاب الشفق. ورواه أحمد في المسند 5/ 34، وأبو داود 1/ 150، والترمذي 1/ 140، انظر الفتح الكبير 1/ 264، وتلخيص الحبير 1/ 64.

المسألة السابعة عشرة

يستعمل في مفهوميه معاً. وكذا قوله (صلى عليه السلام في الكعبة) (¬1) لا يدل على جواز الفرض والنفل فيها. لأن العموم في اللفظ لا في الفعل. " المسألة السابعة عشرة" قال الغزالي (¬2): المفهوم لا عموم له، إذ العموم لفظ تتشابه دلالته بالنسبة إلى مفهوماته. فإن عنى به أنه لا يسمى عاماً، فالنزاع لفظي، وان عنى به أنه لا يفيد انتفاء الحكم عن كل ما عداه، فدليل كون المفهوم حجةً ينفيه. ¬

_ (¬1) متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت هو وأسامة بنِ زيد وبلال وعثمان بن طلحة فاغلقوا عليهم الباب فلما فتحوا كنت أول من ولج فلقيت بلالاً فسألته هل صلى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم بين العمودين اليمانيين. (انظر نيل الأوطار 2/ 117). (¬2) انظر المستصفى ص 340.

الفصل الثاني في الخصوص

" الفصل الثاني " في الخصوص "وفيه مسائل " " المسألة الأولى" التخصيص عندنا: (إخراج بعض ما يتناوله الخطاب عنه) (¬1). وعند الواقفية: (إخراج بعض ما صح تناوله إياه) فالعام المخصوص. ما استعمل في بعض ما يتناوله أو في بعض ما يصح تناوله، والمخصص بالحقيقة هو قصد المتكلم إلى ذلك الاستعمال. ويقال (¬2) بالمجاز لِإقامة الدلالة على التخصيص ولمن اعتقده أو قال به. " المسألة الثانية" (¬3) فرقوا بين التخصيص والنسخ، بأن النسخ قد يكون فيما ......... ¬

_ (¬1) انظر المعتمد لأبي الحسين 1/ 251. (¬2) أي يطلق مجازاً على إقامة الدلالة على التخصيص، وعلى من اعتقد التخصيص وعلى من قال به. (¬3) هذه المسألة معقودة للتفريق بين التخصيص والنسخ، وذكر القاضي الأرموي رحمه الله خصائص النسخ التي تفرقه عن التخصيص، ولم يذكر مميزات التخصيص المقابلة اعتماداً على ما مر، في أبحاث التخصيص، ولا باس بأن نذكر هنا ما يقابل كل صفة من الصفات التي ذكرها: 1 - النسخ يجوز فيما علم بالدليل أنه مراد، كان لم يتناوله اللفظ والتخصيص لا يصح إلاَّ فيما يتناوله اللفظ. 2 - يجوز نسخ شريعة بشريعة أخرى، ولا يجوز تخصيص شريعة بشريعة أخرى. 3 - النسخ رفع الحكم بعد ثبوته والتخصيص ليس كذلك. =

المسألة الثالثة

................................. (علم أنه (¬1) مراد من اللفظ وان لم يتناوله ويجوز نسخ شريعةٍ بأخرى وهو رفع الحكم بعد ثبوته والناسخ يجب تراخيه وأن لا يكون قياساً وخبر واحد). وفرقوا (¬2) بينه وبين الاستثناء، بأنْ الاستثناء مع المستثنى منه كاللفظ الواحد الدال على شيء واحد، وأنه لا يثبت بقرينة الحال ولا يجوز تأخيره. والحق أن التخصيص كالجنس للنسخ والاستثناء، وغيرهما فإن النسخ تخصيص بالأزمان. " المسألة الثالثة" عموم الخطاب إن كان من حيث اللفظ جاز تخصيصه، وإن كان من حيث المعنى كعمومه لعموم علته. وكمفهوم المخالفة والموافقة ففي تخصيص الأول (¬3) كلام، وتخصيص الثاني جائز. وكذا الثالث إذا لم يعد على اللفظ بالنقض. " المسألة الرابعة" إطلاق العام لِإرادة الخاص جائز في الخبر والْأمر خلافاً لقوم. ¬

_ = 4 - الناسخ يجب أن يكون متراخياً، والمخصص لا يجب أن يكون متراخياً، بل يجب على أحد القولين كونه مقارناً. 5 - النسخ لا يقع بخبر الواحد، والقياس والتخصيص يقع بهما. (¬1) وفي "أ" أنه غير مراد. (¬2) قول القاضي الأرموي وفرقوا: إشارة إلى أنه لم يرتضِ هذا التفريق، تبعاً للِإمام في المحصول، قال الامام الرازي في المحصول: وأما الفرق بين التخصيص والاستثناء، فهو فرق بين العام والخاص عندي، ومنهم من تكلف بينهما فروقا وبعد أن ذكر الفروق قال: (وهذه الوجوه متكلفة، والحق أن التخصيص جنس تحته أنواع، كالنسخ والاستثناء وغيرهما). (¬3) المراد بتخصيص الأول تخصيص العلة، وفيه كلام يأتي في القياس، وتخصيص الثاني المراد به تخصيص مفهوم المخالفة، فهو جائز، وأما الثالث فالمراد به تخصيص مفهوم الموافقة، وهذا جائز بشرط أن لا يعود على اللفظ بالنقض.

المسألة الخامسة

لنا: قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬1) وقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (¬2) احتجوا: بأن وقوعه في الخبر يوهم الكذب وفي الأمر البداء. وجوابه (¬3): أن اللفظ لما احتمل التخصيص فقيام الدلالة عليه (¬4) يدفع الِإيهام. " المسألة الخامسة" اتفق أصحابنا على جواز تخصيص ألفاظ الاستفهام والمجازاة إلى الواحد. واختلفوا في الجمع المعرف. فزعم القفال (¬5) أنه يجب إبقاء أقل الجمع. وقيل يكفي الواحد. قال أبو الحسين (¬6): إنه لا بد من الكثرة في الكل (¬7)، إلا إذا استعمل في الواحد تعظيماً، كقوله تعالى: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} (¬8) وهو المختار (¬9). ¬

_ (¬1) [التوبة: 5]. (¬2) [الزمر: 62]. (¬3) خلاصة الجواب: أن اللفظ لما كان ظاهراً في دخول المخرج منه وقام الدليل على الِإخراج، دفع إيهام الكذب على الخبر والبداء على الأمر. (¬4) سقط من "ب" د، جـ" عليه. (¬5) هو أبو بكر مجمد بن إسماعيل القفال الشاشي الشافعي، ولد سنة 291، أخذ عن ابن خزيمة وابن جرير الطبري والبغوي، وتتلمذ له أبو عبد الله الحاكم وابن مندة وأخذ مذهب أهل السُّنّة عن الأشعري بعد أن كان معتزلياً. كان يقول بوجوب العمل بخبر الواحد عقلاً والقياس. شرح الرسالة. وله كتاب في الأصول، توفي سنة 365 هـ، له ترجمة في معجم المؤلفين 6/ 26، طبقات ابن السبكي 2/ 176، شذرات الذهب 3/ 51، تبيين كذب المفتري 182، وفيات الأعيان 1/ 585. (¬6) انظر المعتمد 1/ 253. (¬7) في "أ" (من) بدل (في). (¬8) [المرسلات: 23]. (¬9) سقط من "جـ" وهو المختار وعبارة المحصول (وهو الأصح).

المسألة السادسة

لنا: أن من قال: أكلتُ كل ما في البيت من الرمان وإن كان أكل واحدةً أو ثلاثةً وفيه ألف. أو قال: من دخل داري فأكرمه. ثم قال: أردت زيداً. عابه أهل اللغة. احتجوا: بأنه ليس البعض أولى من البعض بالتخصيص إليه فجاز إلى الواحد. وجوابه (¬1): أنه ممنوع كما سبق. " المسألة السادسة" العام المخصوص حقيقة عند بعض الفقهاء ومجاز عند أبي علي وأبي هاشم. ومنهم من (¬2) فصل. والمختار تفصيل أبي الحسين (¬3). أن المخصوص بقرينة مستقلة عقلية أو لفظية مجاز (¬4)، لأنه مستعمل في غير موضوعهِ لقرينة. وبقرينة غير مستقلة كالشرط والصفة والاستثناء حقيقة، لأنه عند الضم إلى القرينة لا يفيد إلاَّ (¬5) ذلك البعضِ، وإلا لم تفد القرينة شيئاً، وإذا لم يفده لا يكون حقيقةً فيه (¬6)، ولا مجازاً، بل يكون هو مع القرينة حقيقةً في ذلك البعض. لا يقال: المخصوص بقرينة مستقلة يكون هو مع القرينة حقيقة فيه، لأن ذلك ينفي وجود المجاز أصلاً وهذا النزاع فرع (¬7) عليه. ¬

_ (¬1) الجواب عن حجة من جوز ذلك: أن التسليم بأن البعض ليس أولى من البعض ممنوع، وقد تقدم أن بعض المراتب أولى من بعض. (¬2) سقط من "أ" (من). (¬3) انظر المعتمد 1/ 283. (¬4) سقط من "هـ" (لأنه). (¬5) يوجد في "أ، جـ، ب" "إلا" زيادة. (¬6) سقط من "أ، ب" فيه. (¬7) المقصود بالنزاع هو كون العام المخصص مجازاً في الباقي أو حقيقة مفرع على وجود المجاز.

المسألة السابعة

تنبيه: إذا قال الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عقيبه إلا زيدا فهذا دليل متصل أو منفصل فيه احتمال. " المسألة السابعة" جوز الفقهاء التمسك بالعام المخصوص، ومنعه عيسى (¬1) بن أبان وأبو ثور (¬2) مطلقاً (¬3)، وجوزه الكرخي فيِ المخصوص بدليل متصل فقط. والمختار أن التخصيص إن كان مجملاً لم يجز، كقول المتكلم بالعام أردت به (¬4) بعضه. وإن كان معيناً جاز لوجوه: أ- أن كونه حجةً في كل بعض لا يتوقف على كونه حجة في الآخر، لامتناع الدور فكان حجةً في بعض، كان لم يكن حجةً (¬5) في آخر. ولقائلٍ أن يقول (¬6): لا يلزم من عدم توقف الشيء على غيره جواز وجوده بدونه كما في المتلازمين. وان عنى بتوقفه عليه عدم وجوده بدونه لا يلزم الدور كما في المتلازمين. ¬

_ (¬1) هو عيسى بن أبان بن صدقة الكوفي الحنفي القاضي. أخذ عن محمد بن الحسن، ولي قضاء البصرة عشر سنين، له في الأصول: كتاب إثبات القياس، خبر الواحد، اجتهاد الرأي، وكتاب الحجج، توفي سنة 221 هـ، انظر: الجواهر المضيئة 2/ 401، الفوائد البهية 151، الفهرست 289، طبقات المراغي 1/ 139، النجوم الزاهرة 2/ 235. (¬2) هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي البغدادي من أكابر الفقهاء، ومن أصحاب الشافعي بعد أن كان حنفيإ، مات سنة 240 هـ، انظر مرآة الجنان 2/ 129، طبقات الأسنوي 1/ 25، ميزان الاعتدال 1/ 29، طبقات ابن هداية 22. (¬3) سقط من "أ، هـ "مطلقاً. (¬4) سقط من "أ" (به). (¬5) سقط من "ب" (حجة). (¬6) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على دليل الإمام الأول أن الإمام قال: لا يتوقف كونه حجة في بعض العام، كونه حجة على الأخر، ونفى القاضي أن هذا الدليل يلزم منه كون الباقي حجة. وقال: إنما يلزم كونه حجة لو لزم من عدم الاحتياج وجود أحدهما بدون الآخر، وهو ممنوع كما في المتلازمين وان عنى بتوقفه عليه وجوده بدونه لا يلزم الدور كما في المتلازمين من معلولي علة واحدة. وقد ارتضى الأسنوي هذا الاعتراض في نهاية السول 2/ 91.

ب- المقتضي للحكم في هذا البعض موجود، وهو اللفظ الدال على الحكم في كل فردٍ والمعارض (¬1) الموجود، وهو عدم الحكم في غيره لا يعارضه. إذ عدم الحكم في فردٍ لا ينافي ثبوته في آخر. جـ- تمسك عثمان بن عفان (¬2) رضي الله عنه بقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬3). في الجمع بين الأختين في ملك اليمين (¬4) مع أنه مخصوص بالأخت والبنت ولم ينكره أحد من الصحابة. احتجوا: بأن العموم إذا لم يرد لم يكن البعض أولى من الآخر. وجوابه: أن الباقي أولى. ¬

_ (¬1) وفي "جـ، د، هـ" العارض. (¬2) عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية القرشي، أمير المؤمنين، ذو النورين، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد أهل الشورى الستة. ولد بمكة قبل الهجرة بسبع وأربعين عاماً، من السابقين في الِإسلام، جهز نصف جيش العسرة، بذل فية 300 بعير بأقتابها وأحلاسها وألف دينار، أتم جمع القرآن، فتحت في زمانه الفتوحات، تزوج ابنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، له عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مائة وستة وأربعون حديثاً، قتل مظلوماً بعد حصار دام أربعين يوماً وهو يقرأ القرآن في بيته بالمدينة، مناقبه كثيرة، أفرده بمصنفات كل من شيخنا الصادق العرجون وطه حسين ومحمد جاد المولى، له تراجم في الأعلام 4/ 372، حلية الأولياء 1/ 55، اليعقوبي 2/ 139، الطبري 5/ 145، صفوة الصفوة 1/ 112، تاريخ الخميس 2/ 254، الرياض النضرة 2/ 82. (¬3) [النساء: 3]. (¬4) أخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب، أن رجلاً سأل عثمان بن عفان في الأختين في ملك اليمين هل يجمع بينهما؟. فقال: "أحلتهما آية وحرمتهما آية وما كنت لأصنع ذلك". فخرج من عنده فلقي رجلاً من أصحاب النبيِ - صلى الله عليه وسلم - أراه علياً رضي الله عنه فسأله عن ذلك فقال: لو كان إلي من الأمر شيء ثم وجدت أحداً فعله لجعلته نكالاً، وفي رواية أخرى: (فإنه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله من الحرائر إلا العدد). ومن هذا يظهر أن قوله: ولم ينكره أحد من الصحابة، ليس بصحيح، ولم يرَ الجمع بين الأختين في ملك اليمين جمع من الصحابة. انظر الدر المنثور 2/ 136.

المسألة الثامنة

" المسألة الثامنة" يجوز التمسك بالعام ابتداءً وهو قول الصيرفي. وقال ابن سريج: إنما يجوز إذا طلب المخصص فلم يجده. لنا (¬1) وجهان: أ- لو وجب طلب المخصص لوجب طلب المانع من الحقيقة في التمسك بها، بجامع تقليل احتمال الخطأ. ولم يجب ذلك عرفاً لأنهم يحملون الألفاظ على حقائقها بلا طلب فلم يجب شرعاً لقوله عليه السلام: "ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن" (¬2). ب- أن الأصل عدم المخصص وأنه يجب ظن عدم التخصيص (¬3). احتج (¬4): بأنه قبل الطلب احتمل كونه حجةً في هذه الصورة مثلاً، بأن لا تكون مخصوصة وأن لا يكون حجةً فيها بأن تكون مخصوصة، والأصل أن لا يكون حجةً. وجوابه: أن احتمال كونه حجة راجح لما سبق (¬5). ¬

_ (¬1) لم يصرح الإمام في المحصول بما اختاره، وصرح به القاضي الأرموي معتمداً على عدم إجابة الامام عن دليل الصيرفي، مع إجابته عن دليل ابن سريج. (¬2) انظر هامش صفحة 1/ 282 من هذا الكتاب. (¬3) ذكر التستري هنا اعتراضاً من القاضي الأرموي على هذا الدليل، ولم تذكره النسخ التي عندي إلا نسخة هـ حاشية لوحة 58، وخلاصة الاعتراض: أنه يوجد فرق بين طلب المخصص بالنسبة للعام، وطلب الناقل للفظ عن الحقيقة، مع أنه لا يجب طلب المانع من الحقيقة للعرف، وهو حمل الألفاظ على حقائقها، وأما بالنسبة للعام فإن ظن تخصيصه أقوى، حتى قيل: ما من عام إلا وقد خصص، فإذا لم يجب طلب المانع من حمل اللفظ على الحقيقة، ولا يلزم منه عدم وجوبُ طلب المخصص حيث ظن وجود المخصص، ليس كظن وجود المانع من الحقيقة. (حل عقد التحصيل لوحة: 59). (¬4) أي ابن سريج. (¬5) أي أن الأصل إجراؤه على العموم وعدم المخصص.

الفصل الثالث في مخصص العام المتصل به

" الفصل الثالث" في مخصص العام المتصل به وهو أربعة الأول: الاستثناء وفيه مسائل " المسألة الأولى" الاستثناء: (إخراج بعض الجمله عنها (¬1) بلفظ إلا) أو ما يقوم مقامه، أو يقال: (ما لا يدخل في الكلام إلا لإِخراج بعضه بلفظ ولا يستقل بنفسه). خرج عن هذا التخصيص بالأدلة العقلية والقياس فإنه ليس بلفظ. وبالأدلة اللفظية المنفصلة فإنها مستقلة، وبالصفة والشرط، لأن الخارج بهما ليس بعض الكلام إذ ليس ملفوظاً وبالغاية، فإن الغاية قد تكون داخلةً كقوله تعالى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} (¬2). ولقائلٍ أن يقول (¬3): التعريف الثاني تعريف الاستثناء بالاستثناء. " المسألة الثانية" يجب اتصال الاستثناء بالمستثنى منه عادةً وعن ابن عباس (¬4): إنه ¬

_ (¬1) سقط من "ب، د"عنها. (¬2) [المائدة: 6]. (¬3) خلاصة اعتراض القاضي رحمه الله أنه ورد في التعريف الثاني لفظة إلا وهذا يلزم منه تعريف الاستثناء بنفسه، وهو ممنوع وقد أجاب التستري عن هذا الاعتراض بأنه مدفوع؛ لأن المحدود الماهية وأنه يتوقف على معرفة الاستثناء بعارض له، وهو كونه دافعاً للنفي السابق عليه؛ فيكون المعنى يدخل في الكلام لإخراج بعضه بلفظ ولا يستقل بنفسه (انظر حل عقد التحصيل لوحة: 60). (¬4) استبعد كثير من الأصوليين هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر المستصفى ص 364، نهاية السول 2/ 97، ونقل عن الأشعري استبعاد هذا القول عن ابن عباس وعبارة =

المسألة الثالثة

يجوز تأخره ولو صح هذا فالمراد ما إذا نوى عند اللفظ (¬1) ثم أظهره بعده، فإنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى. لنا: أنه لو جاز لما استقر العتاق والطلاق والحنث لجواز ورود الاستثناء بعده. ولأنه لو قال: بِع داري ممن شئت. ثم قال بعد غدٍ إلا من زيد (لم يعد إلى الأول عرفاً). والقياس (¬2) على النسخ (¬3) والتخصيص منقوضٌ بالشرط، وخبر المبتدأ على أنا نمنع الجامع. " المسألة الثالثة" الاستثناء من غير الجنس (¬4) صحيح مجازاً لا حقيقة (¬5)، فإنه لا يصح من اللفظ إذ لم يتناوله اللفظ فلا حاجة به إلى صارفٍ عنه. ولا من المعنى وإلا لجاز استثناء كل شيء من كل شيء، بوجوب اشتراك كل شيئين في معنى، لو حمل اللفظ عليه جاز الاستثناء عنه (¬6). ¬

_ = الغزالي في المستصفى: ونقل عن ابن عباس أنه يجوز تأخير الاستثناء، ولعله لا يصح عنه النقل إذ لا يليق ذلك بمنصبه، إن صح فلعله أراد به إذا نوى الاستثناء أولاً، ئم أظهر نيته بعده. (¬1) سقط من "أ" ثم. (¬2) قوله والقياس إشارة إلى دليل أورده الخصم، وهو أنه يجوز تأخر الاستثناء قياساً على النسخ، بجامع أن كليهما منافٍ لما قبله، وأجاب عنه بأنه منقوض بالشرط وخبر المبتدأ، حيث أن تأخرهما باطل، وكذلك بالفرق بين المقيس والمقيس عليه (انظر المحصول ص 2/ 1/ 41). (¬3) وفي "أ" على علة النسخ. (¬4) وهو ما يسميه النحاة الاستثناء المنقطع. (¬5) في المسألة آراء أخرى أولها: أنه لا يجوز الاستثناء، وإن وقع يكون استدراكاً بمعنى لكن. وثانيها: أنه استثناء حقيقي، وقال به القاضي الباقلاني واختلف من قال: بأنه حقيقي هل هو مشترك أم متواطئ. وثالثها: الوقف هل هو حقيقة أم مجاز. (¬6) ثمرة الخلاف في هذه المسألة تظهر في قول القائل: له علي ألف درهم إلاَّ ثوباً فالشافعي رضي الله عنه يرى وجهاً معقولاً لصحة الاستثناء وهو قيمة الثوب أما أبو حنيفة رحمه الله لا يرى ذلك. انظر المستصفى ص 365، والمعتمد 1/ 262، ونهاية السول 2/ 95.

احتجوا بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} (¬1). {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ} (¬2) {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} (¬3). {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (¬4) {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا} (¬5). وقول الشاعر: وبلدة ليس بها أنيس ... إلاَّ اليعافير وإلَاَ العيس (¬6) وبقول النابغة (¬7): (وما بالدار من أحدٍ إلاَّ أواريَ) (¬8) وبأن الاستثناء قد يقع عن المدلول عليه بالمطابقة أو بالتضمن. وقد يقع عن المدلول عليه بالالتزام. فقوله لفلانٍ: عليَّ ألفٌ إلا ثوباً معناه قيمة الثوب. ¬

_ (¬1) [النساء: 92]. (¬2) [ص: 73، 74]. (¬3) [النساء: 29]. (¬4) [النساء: 157]. (¬5) [الواقعة: 25، 26]. (¬6) البيت لعامر بن الحارث النمري المعروف بحران العود. واليعافير: أولاد البقر الوحشية والعيس: إبل بيض مع شقرة. انظر أوضح المسالك ص 309، باب المستثنى وشرح شواهد الكتاب لسيبويه 1/ 133. (¬7) هو زياد بن معاوية الذبياني الغطفاني أبو أمامة المتوفى سنة 604 هـ، شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، كانت تضرب له قبة من جلد أحمر في سوق عكاظ، فتقصده الشعراء، فتعرض عليه أشعارها، وممن عرض عليه الخنساء وحسان والأعشى، كان له حظ عند النعمان بن المنذر، حتى شبب بزوجته المتجردة، فغضب عليه غفر للغساسنة بالشام، ثم عفا عنه، له ديوان مطبوع. انظر الأعلام 3/ 92، مصادر الدراسة الأدبية ليوسف أسعد داغر المطبعة المخلصية - صيدا. (¬8) هو جزء من عجز بيت وصدر آخر والبيتان هما: وقفت فيها أصيلاً أسائلها ... أعيت جواباً وما بالربع من أحد إلا أواري لأيا ما أبينها ... والنوء كالحوض بالمظلومة الجلد انظر ديوانه ص 30 ط بيروت. والكتاب لسيبويه 1/ 364.

المسألة الرابعة

والجواب عن الآية الأولى: أن إلاً بمعنى لكن أو يقال "معناه إلا (¬1) قتلاً يخطئ فيه برمية إلى جرثومة واصابته إياه. وعن الثانية (¬2): لا نسلم أن كونه من الجن ينفي كونه من الملائكة. سلمناه. لكن إنما حسن الاستثناء لكونه مأموراً بالسجود (¬3). ولقائلٍ أن يقول (¬4): هذا استثناء من المعنى وقد بطل. وعن الآيات الباقية.: أنه ليس باستثناء باتفاق النحاة. بل هو عند البصريين بمعنى لكن وعند الكوفيين بمعنى سوى. وعن الشعر أن الأنيس المؤنس والمبْصَرُ فَدخلت اليعافير والعيس فيه. وعن الأخير: أنه يجوز استثناء كل شيء من كل شيء (¬5). " المسألة الرابعة" قال القاضي: يجب أن يكون المستثنى أقل من الباقي. وقيل: يجب أن لا يكون أكثر منه وهما باطلان. لأنه لو قال: له علي عشرة إلا تسعة لم يلزمه إلا واحد، ولأن قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (¬6). وقوله حكاية عن إبليس: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ¬

_ (¬1) وعن "ب" إلا ما يخطئ فيه. (¬2) انظر التفسير الكبير للرازي 1/ 288 لمعرفة أقوال العلماء في كون إبليس من الجن أم من الملائكة، واستدلال كل على مذهبه ونقاش الأدلة. (¬3) وجه صحة الاستثناء أن التقدير (سجد المأمورون إلا إبليس). (¬4) اعتراض الأرموي هذا على قول الإمام (إنما حَسُنَ الاستثناء لكونه مأموراً بالسجود وهو من المأمورين). ووجه الاعتراض أن هذا أصبح استثناءٌ من المعنى وليس من اللفظ والِإمام قد أبطله في أول المسألة بنفسه، وقد أجاب التستري عن الِإمام بجواب ضعيف، وهو أن الاستثناء هنا من قبيل المبتدئ وأتبعه فإنه أمر الأول أمر للثاني، لا لأن الثاني من جنس الأول. (انظر حل عقد التحصيل لوحة: 60). (¬5) توضيح الجواب عن الأخير: أنه يقتضي جواز استثناء كل شيء من كل شيء أي أنه يكون استثناءً من المعنى، وقد تقدم بطلانه. (¬6) [الحجر: 42].

المسألة الخامسة

إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (¬1). ينفي وجوب كونه أقل وإلا لزم أن يكون كل واحد من الغاوين وغيرهم أقلَ من الآخر (¬2). حجة القاضي: أن كون الاستثناء رجوعاً عن الِإقرار ينفي صحته. وإنما صح في (¬3) القليل، لأنه في معرض النسيان لقلة إلتفات القلب إليه. وأنه معدوم ههنا فلا يصح. والجواب: الاستثناء مع المستثنى منه كاللفظ الواحد الدال على الباقي، فلا يكون رجوعاً. " المسألة الخامسة" الاستثناء من الِإثبات (¬4) نفي وفاقاً ومن النفي (¬5) إثبات خلافاً لأبي حنيفة (¬6). لنا: أنه لو لم يكن كذلك لما تم الِإسلام بقوله: "لا إله إلَّا الله" فإنه لا يكون مثبتاً إلا له تعالى. احتج (¬7): بقوله عليه السلام: "لا نكاح إلَّا بولي" (¬8). "ولا صلاة إلَّا بطهور" (¬9). ¬

_ (¬1) [ص: 82، 83]. (¬2) كان الأولىٍ أن يستبدل الآية الثانية بقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} وذلك دفعا لما قد يرد من كون الآية الثانية على لسان إبليس. (¬3) سقط من "هـ" "في". (¬4) مثاله. قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}. (¬5) مثاله. قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ}. (¬6) وفي "أ" زيادة فيه بعد أبي حنيفة. (¬7) وجه استدلال الِإمام أبي حنيفة بالحديثين. أنه لم يلزم تحقق النكاح عند حضور الولي ولا تحقق الصلاة عند حضور الوضوء. بل يدل على عدم صحتهما عند عدم هذين الشرطين. (¬8) رواه اصحاب السنن الأربعة وأحمد والحاكم وابن ماجة وابن حبان. وقد افرد الدمياطي طرق هذا الحديث بتأليف. وقال الحاكم: ورد الحديث عن نحو ثلاثين صحابياً، ورمز له السيوطي بالصحة أنظر فيض القدير 6/ 437، نصب الراية 3/ 167. (¬9) رواه أبو داود والترمذي والبيهقي والنسائي وأحمد عن أبي هريرة بلفظ (لا يقبل الله صلاة =

المسألة السادسة

ولقائلٍ أن يقول (¬1): الِإثبات أعم منه بصفة العموم. " المسألة السادسة" الاستثناء الثاني: إن عطف على الأول أو كان أكثرَ منه أو مساوياً له، عاد إلى المستثنى (¬2) منه. وإلا فإلى الأول فقط. إذ لا بد من عوده إلى شيء ولم يعد إلى المستثنى منه فقط، إذ البعد يوجب مرجو حيتَه ولا إليهما إذ يُثبت للأول (¬3) ما ينفيه عن الثاني، فيلغو ويتناقض فتعين هو. " المسألة السابعة" إذا تعقب الاستثناء جملاً عاد إليها عند الشافعي وأصحابه (¬4) رضي الله عنهم، وإلى الأخيرة عند أبي حنيفة وأصحابه- رحمهم الله تعالى-. ومشترك بينهما عند المرتضى (¬5) وتوقف القاضي في الكل. ومنهم من فصَّل وذكروا ¬

_ = أحدكم إذا أحدثَ حتى يتوضأ) وصححه السيوطي، ورواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم في المستدرك، بلفظ (لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) انظر الفتح الكبير 3/ 345، وفيض القدير 6/ 452. (¬1) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على حجة أبي حنيفة (ليس موجهاً للِإمام كما في الاعتراضات المتقدمة) وحجة أبي حنيفة أنه لا يثبت المستثنى بمجرده، كما هو في الحديثين المذكورين، فاعترض القاضي على أن الِإثبات أعم من الثبوت بالمجرد، أو الثبوت مع وجود شيء آخر فلهذا لا يلزم من عدم ثبوتهما بمجردهما أن لا يكون الاستثناء من النفي إثبات، واستحسن هذا الجواب الأسنوي في نهاية السول 2/ 103. (¬2) أمثلة ما يعود الاستثناء الثاني فيه للمستثنى منه هي: أ- إن كان معطوفاً مثل لزيدٍ علي عشرة إلا أربعة وإلْاَ ثْلاثة. ب- إن كان الثاني أكثر من الأول مثل (لزيد علي عشرةٌ إلاَّ ثلاثة إلاَّ أربعة). جـ- إذا كان الثاني مساوٍ للأول: (لزيد علي عشرة إلاَّ أربعة إلا أربعة). وأما إذا كان الثاني أقل فيعود للأول وذلك لقربه ومثاله: لزيد علي عشرة إلاَّ أربعة إلا ثلاثة فيكون الناتج تسعة. (¬3) وفي "أ" الأول. (¬4) سقط من "د" وأصحابه. (¬5) هو أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد انتهى نسبه للحسين بن علي رضي الله =

فيه وجوهاً منها: أن الجملتين إن تنوعتا بكون أحدهما خبراً والأخرى أمراً أو نهياً، أو لم تتنوعا ولا أضمر اسم أحدهما أو حكمها في الأخرى عاد إلى الأخيرة، إذ الظاهر عدم الانتقال من جملة مستقلة قبل إتمامها إلى جملة مستقلة، وإن أضمر (¬1) ذلك عاد إلى الكل إذ لا استقلال للثانية، فهما كلام واحد وهو الأقرب، لكنا في المناظرة نسلك مسلك القاضي. احتج الشافعي رضي الله عنه بوجوه: أ- القياس على الشرط والاستثناء بمشيئة الله تعالى. ب- العطف يجعل الجمل كالواحدة فعاد الاستثناء إليها. جـ- لوأريد الاستثناء من الجمل قبح تعقيب كل جملة باستثناء فلا طريق إلّاَ تعقيب الكل بواحد، والأصل الحقيقة الواحدة. د- لو قال: علي خمسةٌ وخمسةٌ إلَّا سبعة عاد إليهما، والأصل الحقيقة الواحدة. احتج أبو حنيفة رحمه الله بوجوه: أ- الاستثناء خلف الأصل وإنما تعلق بواحدة لئلا يلغو فلا يتعلق بغيرها، وتلك هي الأخيرة إذ لا قائلَ بالفرق، ولأن القرب مرجح لاتفاق البصريينِ على أولوية إعمال أقرب العاملين، ولأن الهاء في قوله ضرب زيدٌ عمراً، وضربته يعود إلى عمرو. وسلمى في قوله: ضربت سلمى سُعدى أولى بالفاعلية. وعمرو في قوله: أعطى زيد عمراً بكراً أولى بكونه مفعولًا أولًا. كل ذلك للقرب. ¬

_ = عنه، ولد عام 355 هـ، كان شاعراً أديباً متكلماً فقيهاً رئيس الشيعة في زمانه في العراق، له الدرر والغرر في المحاضرات. الذخيرة في أصول الفقه توفي سنة 346 هـ، له ترجمة في: مرآة الجنان 3/ 255، شذرات الذهب 3/ 256، النجوم الزاهرة 5/ 39، وفيات الأعيان 3/ 313. (¬1) مثال ذلك: أكرم ربيعةَ ومضرَ إلا الطوال، وأكرم ربيعة واخلع عليهم إلْاَ الطوال.

ب- لو عاد الاستثناء إلى الجمل فإنْ أضمر عقيب كل جملةٍ لزم (¬1) الِإضمار، وإلا لزم اجتماع العاملين على معمولٍ واحدٍ، إذ العامل في نصب ما بعد الاستثناء هو ما (¬2) قبله من فعل أو تقديره وهو باطل لنص سيبويه، ولامتناع اجتماع مؤثرين على أثرٍ واحد. جـ- الاستثناء من الاستثناء يختص بالأخيرة، والأصل الحقيقة الواحدة. د- الظاهر عدم الانتقال من جملةٍ مستقلةٍ قبل إتمامها إلى أخرى مستقلة (¬3). احتج المرتضى بوجوه: أ- حسن الاستفهام (¬4). ب- الاستعمال في المعنيين (¬5). جـ- لو قال: ضربت غلماني، وأكرمت جيراني قائماً، أو في الدار، أو يوم الجمعة، احتمل عودُ الحال والظرفين إلى الكل، وإلى الأقرب فقط. فكذا الاستثناءُ إذ كل منها (¬6) فَضْلَةٌ يأتي بعد تمام الكلام. ¬

_ (¬1) وفي "ب" لزم استثناء الاضمار، وفي "د" لزم اضمار الاستثناء. وعبارة "د" صحيحة من حيث المعنى ولكن عبارة "ب" فيها تقديم وتأخير مفسد للمعنى. (¬2) وفي "هـ" هو مع ما قبله. (¬3) سقط من "جـ" مستقلة. (¬4) مراده من حسن الاستفهام أنه يحسن الاستفهام من المتكلم، هل استثنى من الأخيرة فقط، أو من كلها وهو دليل الاشتراك. (¬5) لقد ورد استعمال الاستثناء في القرآن تارة، عائداً للكل فقط مثل قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وقد ورد عائداً للأولى فقط كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} والاستعمال دليل الحقيقة، فوجب أن يكون مشتركاً. (¬6) وفي "جـ, د" منه.

والجواب عن (¬1): أ- منع حكم الأصل ثم الجامع ولا يلزم من اشتراكهما في عدم الاستقلال وفي اقتضاء التخصيص اشتراكهما في كل الأمور. ولقائلٍ أن يقول (¬2): هذا يقدح في أصل القياس. ب- أن الجملتين ليستا بواحدة فلا بد من الجامع. جـ- أن رعاية الاختصار مع التنبيه على العود إلى الكل ممكن. ولقائلٍ أن يقول (¬3): هذا ظاهر الضعف بل جوابه المعارضة بمثله. د- أن (¬4) عوده إليهما لامتناع عوده إلى الأخير. وعن أول أدلة الحنفية، النقض بالشرط والاستثناء بالمشيئة (¬5)، فلو قال الشرط متقدم معنى فاشترط به الكل، قلنا هو متقدم معنى على الأخيرة فقط، وان تقدم الكل فلا يشترط به إلا (¬6) بما يليه. ¬

_ (¬1) أي الجواب عن "أ" من أدلة الشافعي. والجواب يتضمن عدم التسليم أنه في الشرط والاستثناء بالمشيئة يعود للكل، فمنع حكم الأصل، ثم منع وجود الجامع بينهما. (¬2) خلاصة هذا الاعتراض أنه لما منع الإمام الجامع، وهو عدم الاستقلال، بحيث أنه غير معتبر؛ لأنه لا يقتضي الاشتراك في كل الأمور ألزمه القاضي بأن هذأ يلزم منه عدم صحة قياس مطلقاً، وَردَ هذا الاعتراض التستري بأن كلام الِإمام لا يقدح في أصل القياس، ومفاده أنه لا يلزم من اشتراك الشيئين في بعض الوجوه اشتراكهما في حكم وإنما يلزم لو كان الوصف معتبراً. (¬3) في هذا الاعتراض استضعف القاضي الأرموي ما أجاب به الِإمام الرازي على دليل الشافعي بقبح تكرار الاستثناء. وقال القاضي كان ينبغي للِإمام أن يكون جوابه بالمعارضة بمثل معارضة الشافعي، وهو أنه لو أراد المتكلم عوده للأخير فقط كيف نميزه عن كونه عائداً للأول والأخير؛ لأنه سيكون اللفظ واحداً في الحالتين فلا بد من التفريق في العبارة بين قصد عوده للأخيرة فقط، أو قصد عوده للكل. (¬4) يوجد زيادة في "أ، هـ" (عدم). (¬5) وفي " ب، د" المشيئة. (¬6) وفي"أ" (فيه) بدل (ب).

وعن ثانيها: معارضة نص سيبويه بنص الكسائي (¬1) وأما العوامل فهي معرفات. وعن ثالثها: أن ذلك للفسادين المذكورين (¬2). ولقائل ان يقول (¬3): الاستثناء الثالث لا يلغو بعوده إلى الكل. نعم يساويه عوده إلى ما يليه في الِإفادة. وعن رابعها: منع ظهور ذلك. وعن أول وثاني (¬4) أدلة المرتضى ما سبق في العموم (¬5). وعن ثالثها: أن الحال والظرفين تعود إلى الكل عند الشافعية وإلى الأخيرة عند الحنفية. سلمنا التوقف لكن بمعنى لا ندري. سلمنا بمعنى الاشتراك فلم يلزم ذلك في الاستثناء، ولا يلزم من اشتراكهما فيما (¬6) ذكر اشتراكهما في كل الأحكام. ¬

_ (¬1) هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن عثمان من أولاد بهمن بن فيروز الأسدي. ويعرف بالكسائي، لأنه أحرم في كساء وهو من أسرة فارسية الأصل أخذ عن الخليل بن أحمد. أصبح إمام الكوفيين في النحو واللغة والأدب وأحد القراء السبعة المشهورين. له معاني القرآن، الكامل والمقتضب والاشتقاق، توفي بالري بعد عام 182 هـ. له ترجمة في الأنساب ص 482، أنباء الرواة 2/ 256، إعجام الأعلام 173، جواهر الأدب 2/ 179، وفيات الأعيان 3/ 295، البلغة في تاريخ أئمة اللغة ص 156، مراتب النحويين ص 74. (¬2) والفسادين هما: لزوم الالغاء ولزوم التناقض باجتماع النفي والإثبات، لو أرجعناه للكل في تلك الصورة، وقد تقدم هذا في المسألة السادسة المتقدمة قبل قليل. (¬3) خلاصة اعتراضِ القاضي الأرموي: أنه يوجد صورة لا يلغو فيها بعوده للكل وهي: له علي عشرة إلاَّ ستة إلَا أربعة إلا ثلاثة. وذلك أن الواجب بالاستثناء الثاني ثمانية. وتصبح بالاستئناء الثالث خمسة ويمكن عوده للأخير فقط؛ فيكون الباقي بالاستثناء الأول أربعة، وإذا عاد الثالث للثاني يكون الباقي ثلاثة. (¬4) جميع النسخ لم تذكر "ثْاني" وفي المحصول مذكور. (¬5) تقدم الجواب عن حسن الاستفهام في العموم: أنه ليس دليل الاشتراك، وكذلك عن الدليل الثاني: أن الاستعمال لا يدل على الحقيقة. (¬6) أي اشتراكهما في وصف الفضْلة إذ الوصف ليس مناسباً للحكم.

الثاني الشرط

الثاني الشرط: وفيه مسائل " المسألة الأولى" الشرط (¬1): (ما يتوقف عليه تأثير المؤثر لا ذاته) كالِإحصان المتوقف عليه إيجاب الزنا للرجم. ولفظه: "إن" وتختص بالمحتمل. "وإذا" وتدخل عليه وعلى المحقق. ثم الشرط قد لا يوجد إلا دفعةً (¬2) وقد لا يوجد إلا متدرجاً وقد يختلف فيهما (¬3). فإن كان الشرط وجوده حصل المشروط في الأول عند وجوده. وفي الثاني عند وجود آخر جزء منه. ونحكِم (¬4) بوجوده إذ ذاك. وفي الثالث عند وجوده دفعةً لِإمكان اعتبار وجوده حقيقةَ، وإن كان الشرط عدمه حصل عند أول زمان عدمه في الثلاثة. ¬

_ (¬1) الشرط لغة هو العلامة ومنه قوله تعالى: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} أي علاماتها. والذي ذكره المصنف هو تعريف الشرط الاصطلاحي. (¬2) مثال ما يحصل دفعةً كالتعليق على وقوع طلاق وحصول بيع. ومثال ما يحصل متدرجاً مثال قراءة الفاتحة. (¬3) سقط من "جـ، د، هـ" فيهما. والمعنى أنه يدخل تارة في الوجود، بمجموعه وتارة بتعاقب أجزائه. (¬4) وفي "هـ "ولا يحكم.

المسألة الثانية

" المسألة الثانية" إذا رتب جزاء على شرطين على الجمع لم يحصل إلا عند حصولهما (¬1). وإن كان على البدل (¬2) حصل عند أحدهما. وإذاِ (¬3) رتب جزاء إن كان على شرط الجمع (¬4) حصلا عند حصوله. وإن كان على البدل (¬5) حصل أحدهما عنده وإلى القائل تعيينه. " المسألة الثالثة" إذا دخل الشرط على جملٍ رجع إليها عند الِإمامين (¬6). وإلى ما يليه عند بعض الأدباء. والمختار التوقف كالاستثناء. " المسألة الرابعة" اتفقوا على وجوب اتصال الشرط بالكلام كما في الاستثناء. وعلى حسن التقييد. بشرط يكون الخارج به (¬7) أكثر من الباقي. " المسألة الخامسة" يجوز تقديم الشرط وتأخيره، والأولى تقديمه خلافاً للفراء (¬8)، لأنه متقدم طبعاً فليتقدم وضعاً. ¬

_ (¬1) مثال ذلك: إن دخلتِ الدار وكلمت زيداً فأنتِ طالق. (¬2) مثال ذلك: إن دخلتِ الدار أو كلمَتِ زيداً فأنتِ طالق. (¬3) وفي المحصول جعلها مسألة مستقلة. (¬4) مثال ذلك: إن زنيتَ جلدتُك ونفيتُك. (¬5) مثال ذلك: إن زنيتَ جلدتُك أو نفيتُك. (¬6) المقصود بالِإمامين الشافعي وأبي حنيفة، كما وضحهما صاحب المحصول: 1/ 3/ 96. (¬7) سقط من "أ" (به). (¬8) هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن مروان الديلمي الباهلي فارسي الأصل تتلمذ على =

الثالث الغاية

" الثالث " الغاية: (وهي نهاية الشيء وطرفه) ولفظها (إلى وحتى) وحكم ما بعدها يخالف ما قبلها وإلاَّ لم يكن غاية. والأوْلى أن يقال: إن تميزاً حساً (¬1) كان كذلك وإلاَّ فلا. ولو اجتمع غايتان كما لو قيل: لا تقربوهن حتى يطهرن وحتى يغتسلن. فالغاية بالحقيقة الأخيرة والأولى تسمى بها لقربها منها. " الرابع" الصفة: وهي إذا تعقبت جملتين، فإن تعلقت إحداهما بالأخرى عادت إليهما (¬2). وإلأَ فإلى الأخيرة. وللبحث فيه مجال كما في الاستثناء. ¬

_ = الكسائي وكان. أعلم الكوفيين بالنحو بعد أستاذه. له معاني القرآن وإعرابه، الجمع والتثنية، التأنيث والتذكير، الممدود والمقصور، والكتاب الكبير في النحو، توفي عام 207 هـ بطريق مكة المكرمة. انظر: البلغة في تاريخ أئمة اللغة ص 280، تهذيب اللغة للأزهري 1/ 18، مراتب النحويين 86، تذكرة الحفاظ 1/ 338، بغية الوعاة 2/ 33، روضات الجنات 8/ 209، مرآة الجنان 2/ 38، مفتاح السعادة 1/ 178. (¬1) مثال ما تميزا حِساً: قوله تعالى: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ومثال ما لم يتميزا حساً: قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ففي الآية الأولى يكون حكم ما بعدها مخالفاً لما قبلها. وأما في الآية الثانية حيث يتعذر التمييز يدخل ما بعدها في حكم ما قبلها. (¬2) وفي "أ، ب، جـ" عليهما بدل إليهما.

الفصل الرابع في مخصص العام المنفصل

" الفصل الرابع " في مخصص العام المنفصل وهو أربعة الأول: العقل كما يعلم بضرورته تخصيص الله تعالى عن قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (¬1) ونظيره تخصيص الصبي والمجنون عن خطاب التكليف لعدم فهمهما إياه. ومنهم من منع ذلك وهو باطل. إذ العقل لمَّا عارض العموم امتنع إعمالهما وتركهما وإعمال النقل فقط. إذ ترجيحه على العقل الذي هو أصله يقدح فيهما فتعين إعمال العقل فقط. فإن أراد بالمخصص المؤثر في التخصيص لم يكن العقل مخصصاً ولا الكتاب ولا السنة أيضاً. إذ الِإرادة هي المؤثرة في التخصيص. فرع: العقل قد يَنْسخ فإن من سقطت رجلاه دل العقل على سقوط (¬2) فرض غسلهما عنه. الثاني: الحس وقد علم به تخصيص قوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ (¬3) مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (¬4) ¬

_ (¬1) [الأنعام: 102]. (¬2) سقط من"أ" فرض. (¬3) [النحل: 23]. (¬4) ووجه تخصيص هذه الآية بالحس أن الحس دل على أنها لم تؤت بأي شيء من العرش والكرسي.

الثالث: المسموع المقطوع وفيه مسائل

" الثالث: المسموع (¬1) المقطوع " وفيه مسائل " المسألة الأولى" يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب خلافاً لبعض أهل الظاهر. لنا: أن قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} (¬2) الآية مع قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬3) امتنع اعمالهما. وترك أحدهما تخصيص أو نسخ له. ومن جوز النسخ جوَّز التخصيص. وقوله تعالِى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} (¬4) لا ينفي أن يكون تلاوته عليه السلام الكتاب بياناً. كيف؟ وهو معارض بقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (¬5). " المسألة الثانية" يجوز تخصيص السنّة المتواترة بمثلها، لأن العام مع الخاص إذا اجتمعا فإعمالهما وتركهما وتقديم العام باطل وفاقاً فلزم تقديم الخاص. وكذلك تخصيص الكتاب بالسنّة المتواترة (¬6) فِعلاً كانت أو قولاً، وقد ¬

_ (¬1) في "أ، هـ" السمع والمسموع أولى؛ لأن استعمالها حقيقي، وأما السمع فهو بمعنى المسموع. (¬2) [البقرة: 228]. (¬3) [الطلاق: 4]. (¬4) [النحل: 44]. (¬5) [النحل: 89]. (¬6) التمثيل بالحديث الآتي لتخصيص الكتاب بالسنة المتواترة غير مسلم حيث أن هذا الحديث ليس بثابتٍ فضلاً عن أن يكون متواتراً؛ لأن مدار روايته على إسحاق بن أبي فروة. قال عنه النسائي متروك الحديث وطرقه كلها لا تخلو من مقال. وكذلك التمثيل لتخصيص القرآن بالسنَة المتواترة الفعلية فيه نظر، حيث أنه يجوز أن يكون إخراج المحصن ليس بالسنّة الفعلية بل بالآية المنسوخة لفظاً والمحكمة حكمًا وهي قوله: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم).

المسألة الثالثة

وقع أيضاً إذ خص قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (¬1) بقوله عليه السلام: "القاتل لا يرث" (¬2) وخص قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} (¬3) بما تواتر من رجمه عليه السلام المحصن (¬4). وكذل يجوز عكسه. ومن فقهائنا من منع ذلك. ويجوز تخصيص الكتاب والسنّة المتواترة بالإِجماع فإنهم خصصوا آية الِإرث بالإِجماع على أن العبد لا يرث. وآية الجلد بالإِجماع على أن حد الأمة نصف حد الحرة ولا يجوز عكسه، إذ إجماعهم على حكم العام مع سبق التخصيص خطأ. " المسألة الثالثة" تخصيص الكتاب والسنّة المتواترة بفعله عليه السلام جائز. وتحقيقه بأن العام إن تناوله كان فعله مخصصا (¬5) له في حقه. وكذا في حق غيره إن علم بدليل أن حكمه كحكمه لكن المخصص هو فعله مع ذلك الدليل. وكذا إن كان العام متناولًا للأمة فقط وثبت بدليل أن حكمه كحكمها. احتج من منع مطلقاً: بأن المخصص هو الآية الدالة على وجوب متابعته مطلقاً وأنها أعم من العام المخصص بالفعل. ¬

_ (¬1) [النساء: 11] (¬2) رواه الترمذي وابن ماجه والدارقطني والطبراني وكل طرقه لا تخلو من مقال، وذلك لأن مدار الحديث على إسحاق بن أبي فروة، قال النسائي عنه متروك الحديث. نصب الراية 4/ 329، فيض القدير 4/ 532. (¬3) [النور: 2]. (¬4) إشارةً لحديث ماعز رواه البخاري ومسلم من عدة طرق، وأخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم، وحديث العسيف أخرجه البخاري ومسلم، وأحاديث الرجم هذه مثل بها المصنف في كتاب النسخ أنها ناسخة للآية، وهذا تضارب لتخريج الحديث. انظر: نصب الراية 3/ 312. (¬5) مثال ذلك: تحريم الوصال في الصوم على المسلمين ثم كان يفعله ففعله يعتبر مخصصاً.

المسألة الرابعة

وجوابه: أن المخصص هو تلك الآية مع الفعل ومجموعهما أخص من ذلك العام. " المسألة الرابعة" عدم إنكاره عليه السلام على من خالف موجب العموم، تخصيص في حقه وفي حق غيره أيضاً إذا عرف بدليلٍ أن حكمه على واحدٍ حكمه على الكل.

الرابع: المسموع المظنون

الرابع: المسموع (¬1) المظنون "وفيه مسائل " " المسألة الأولى" يجوز تخصيص الكتاب بخبر الواحد عند الشافعي وأبي حنيفة ومالك (¬2). وقيل: لا يجوز. وقال عيسى بن أبان: إن خص قبله بدليلٍ مقطوع جاز وإلا فلا. وقال الكرخي: إن خص بدليل منفصل قبله جاز وإلاَّ فلا. وتوقف القاضي فيه. لنا: أنهما دليلان وتقديم العام على الخاص يلغيه فوجب تقديم الخاص عليه وتمسك الأصحاب بإجماع الصحابة إذ خصصوا قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} بخبر الصديق: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" (¬3) وقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} (¬4). يقول محمد بن مسلمة (¬5) والمغيرة (¬6) بن شعبة ¬

_ (¬1) في (أ، هـ) السمع بدل المسموع. (¬2) هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي إمام دار الهجرة، ويكنى بأبي عبد الله سمع من ربيعة وعبد الرحمن بن هرمز. وأخذ القراءة عن نافع بن أبي نعيبم، وسمع الزهريّ ونافعاً وسعيد بن المسيِّب وعروة وأبا سلمة وغيرهم. ضُرب سبعين سوطاً لافتائه بعدم لزوم طلاق المكره انخلعت فيها كتفه، تتلمذ عليه ما يقرب الألف كما يقول القاضي عياض. معجم المؤلفين 8/ 168. (¬3) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما بلفظ "لا نورث ما تركناه صدقة" قال ابن حجر ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) قد أنكره جماعة من الأئمة، وذلك بالنسبة لخصوص لفظة (نحن) وقد أخرجه النسائي والحميدي وغيرهم بلفظ (إنا معاشر الأنبياء لا نورث) انظر فتح الباري 7/ 12، وصحيح مسلم 5/ 153. (¬4) [النساء: 11]. (¬5) محمد بن مسلمة الأوسي الأنصاري الحارثي أبو عبد الرحمن صحابي، ولد سنة خمس وثلاثين قبل الهجرة، وتوفي سنة ثلاث وأربعين بعد الهجرة، شهد بدراً وما بعدها إلا تبوك، استخلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة في بعض غزواته، وولاه عمر على صدقات جهينة اعتزل الفتنة أيام علي وكان معداً عند عمر لكشف أمور الولاة في البلاد، وكان المحقق في الشكاوى الواردة عليهم. له ترجمة في الإصابة 7808، الكامل لابن الأثير 3/ 2. (¬6) هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي يكنى أبا عبد الله وقيل أبا عيسى أسلم عام =

أنه عليه السلام جعل للجدة السدس (¬1). إذ الميتة إذا خلفت بنتين وزوجاً وجدةً كانت للبنتين أقل أقل الثلثين (¬2). وقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (¬3) بخبر أبي سعيد (¬4) في المنع من بيع الدرهم بالدرهمين (¬5). وقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬6) بخعبر عبد الرحمن (¬7) في المجوس: (سُنوا بهم سنة أهل الكتاب) (¬8) وقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (¬9) بخبر أبي هريرة في المنع من نكاح المرأة على عمتها وخالتها وبنت أختها وبنت أخيها (¬10). ¬

_ = الخندق، قدم مهاجراً، وقيل أول مشاهده الحديبية، أصيبت عينه في اليرموك. أحد دهاة العرب الثلاثة، كان مفاوضاً للفرس في القادسية، ولاه عمر الكوفة ثم عزله عنها وولاه البصرة ثم أقره عثمان. اعتزل الفتنة ثْم ولاه معاوية على الكوفة، قيل: إنه أحصن ثلاثمائة امرأة في الإسلام، وقيل: ألف امرأة، له ترجمة في الإصابة 6/ 131، الاستيعاب 1445. (¬1) أخرجه مالك وأحمد والأربعة وصححه ابن حبان والحاكم، نصب الراية 4/ 428. (¬2) وذلك لأن المسألة من إثني عشر. للزوج الربع ثلاثة وللبنتين الثلثان ثمانية وللجدة السدس إثنان، فتعول المسألة إلى ثلاثْة عشر. فتكون الثمانية نصيب البنتين أقل من الثلثين. (¬3) [البقرة: 275]. (¬4) وفي "ب" أبي شعبة. (¬5) متفق عليه ولفظ البخاري: (لا صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم). هداية الساري 2/ 305. (¬6) [التوبة: 5]. (¬7) هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة القرشي الزهريّ يكنى أبا محمد، كان يسمى في الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الكعبة، فسماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن. أمه الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة، ولد بعد عام الفيل بعشر سنين. أسلم قبل أن يدخل الرسول - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم وجمع بين الهجرتين، وتآخى مع سعد بن الربيع. شهد بدراً والمشاهد كلها. فتح دومة الجندل وتزوج تماضر بنت الأصبغ الكلابية بنت شريفه بإذن من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فولدت له أبا سلمة وعبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد ستة أهل الشورى الذي توفي عنهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو راضٍ كان من أثرياء المسلمين وخفَف مالاً كثيراً، حتى إنهم صالحوا إحدى زوجاته على ربع الثمن بثلاث وثمانين ألفاً. أعتق في يوم واحد واحدا وثلاثين عبداً، وفي وصيته لكل واحد ممن بقي من أهل بدر أربعمائة دينار، فكانوا مائة رجل توفي بالمدينة محام 31 هـ وهو ابن خمس وسبعين سنة، انظر الأصابة 4/ 176، الإستيعاب 844. (¬8) انظر هامش ص 1/ 280 من هذا الكتاب. (¬9) [النساء: 24]. (¬10) رواه الجماعة من طريق أبي هريرة ورواه أحمد والبخاري والترمذي عن جابر (نصب الراية 3/ 170).

والاعتراض أن الصحابة إن أجمعت على تخصيص تلك الصور فلعلها خصت بالِإجماع وإلا سقط الدليل ولم يجب استناد (¬1) إجماعهم إلى هذه الأخبار إذ مستند الِإجماع قد يخفىِ للاستغناء بالِإجماع عنه. سلمنا: لكنها ربما كانت متواترة ثم صارت آحاداً. احتج المانع بوجوه: أ- الِإجماع (¬2): إذ رد عمر خبرَ فاطمة (¬3) بنت قيس وقال: (لا ندع كتاب (¬4) ربنا وسنّة نبينا يقول امرأةٍ لا ندري لعلها نسيت (¬5) أو كذبت). ب- قوله عليه السلام: "إذا روي عني حديث فأعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإن خالف فردوه (¬6). جـ- الكتاب مقطوع فقدم على الخبر المظنون. د- لو جاز تخصيصه به لجاز نسخه به بجامع تقديم الخاص. ¬

_ (¬1) وفي "ب" إسناد الإِجماع. (¬2) إثبات الِإجماع في رد التخصيص بخبر الواحد لا يسلم لمن قال به. (¬3) هي فاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر القرشية الفهرية. أمها أميمة بنت ربيعة من بني كنانة أخت الضحاك بن قيس كانت أكبر من الضحاك بعشر سنين من المهاجرات الأول، وكانت ذات عقلٍ ودينٍ وكمال وجمالٍ. اجتمع في بيتها أهل الشورى عند مقتل عمر. وهي التي استشارت الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم بن حذيفة، فأشار عليها أن تنكح أسامة بن زيد فنكحته، روى عنها النخعي والشعبي وأبو سلمة، وهي التي أمرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، الإِصابة 8/ 164، الاستيعاب 1901. (¬4) جزء من حديث أخرجه مسلم وغيرهما ولفظه: حدثنا الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل لها سكنى ولا نفقة ثم أخذ الأسود كفاً من حصى فحصبه به فقال: ويلك تحدث بمثل هذا، قال عمر: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأةٍ لا ندري لعلها حفظت أو نسيت لها السكنى والنفقة، قال الله عز وجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} (صحيح مسلم 4/ 198). (¬5) سقط من "أ" نسيت. (¬6) نقل ابن عبد البر النمري عن عبد الرحمن بن مهدي أن الزنادقة والخوارج وضعوه وقال الصغاني هو موضوع وورد بألفاظ أخرى عند الدارقطني والعقيلي والطبراني ووصفوه بالنكارة. وسئل عنه ابن حجر العسقلاني فقال طرقه لا تخلو من مقال كشف الخفا 1/ 86، جامع بيان العلم وفضله 2/ 191.

والجواب عن: أ- أنه ردٌ للتهمة بالكذب والنسيان. ب (¬1) - أنه ينفي تخصيصه بالمتواتر. ولو قيل تخصيص الكتاب لا يكون على (¬2) خلافه. قلنا كذلك ههنا. جـ- أن خبر الواحد تترك به البراءة الأصلية اليقينية على أن الكتاب مقطوع المتن مظنون الدلالة والخبر بالعكس. وأيضاً لما دلً القاطع على وجوب العمل بخبر الواحد كان وجوب العمل به مقطوعاً فاستويا. ولقائلٍ أن يقول (¬3): في هذه الأجوبة نظر. د (¬4) - أن الِإجماع فَصلَ بينهما وضعف الِإجماع على التخصيص بخبر الواحد سبق فالجواب الفرق بأن التخصيص أهون. تنبيه: حيث جوز عيسى والكرخي تخصيصه به إنما جوَّزا لِصيرورة العام مجازاً عندهما فيكون الكتاب مقطوعَ المتن مظنونَ الدلالة والخبر بالعكس فتعادلا. ¬

_ (¬1) كان الأولى من المصنف رد هذا الحديث بكونه موضوعاً كما نقلنا ذلك عن أئمة الحديث. (¬2) وفي (أ) (عن) بدل (على). (¬3) اعتراض القاضي الأرموي هذا غير مفصل، فلذا يكون تأويله من باب الاجتهاد، ولهذا قال بدر الدين التستري في توجيه اعتراضه لعله كان بالنسبة للدليل الأول أن فاطمة بنت قيس لم تكن متهمة بالكذب. وقوله: لا ندري أصدقت أم كذبت، لا يوجب تهمتها، وبالنسبة للدليل الثاني أنه لا يلزم من ترك العمل بخبر الآحاد ترك العمل بالخبر المتواتر، لزيادة قوة المتواتر. وبالنسبة للثالث فإن البراءة الأصلية ربما يقدم عليها خبر الواحد، لأنها ليست من الأدلة الشرعية. انظر حل عقد التحصيل لوحة 63. (¬4) خلاصة هذا الجواب أن الأصوليين فَصَلوا بين جواز التخصيص بخبر الواحد والنسخ به، على أن الِإجماع من الصحابة قد قام على جواز التخصيص به، وقام على عدم جواز النسخِ به، ولم يرتض الإمام الرازي هذا الجواب بعد نقله، وقال الجواب الصحيح لا يحصل إلا بذكر الفرق بينَ التخصيص والنسخ، وهو أن التخصيص أهون من النسخ، ولا يلزم من تأثير الشيء في الأضعف تأثيره في الأقوى.

المسألة الثانية

" المسألة الثانية" يجوز تخصيص الكتاب والسنّة المتواترة بالقياس عند الشافعي وأبي حنيفة ومالك والأشعري وأبي- الحسين البصري وأبي هاشم أخيراً. ومنع منه قوم- مطلقاً. وهو قول الجبائي وأبي هاشم أولاً. وفصل عيسى والكرخي كما تقدم. وقال ابن سريج (¬1) وكثير من فقهائنا يجوِّز بالقياس الجلي لا الخفي. ثم قيل الجلي قياس المعنى والخفي قياس الشبه (¬2). وقيل الجلي ما يفهم علته (¬3) كما يفهم تعليل قوله عليه السلام: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" (¬4). بأنه يدهش عن تمام الفكر ليتعدى إلى الجائع (¬5). وقيل: هو ما ينقض القضاء بخلافه. وقال الغزالي (¬6): إن تعادل العام والقياس توقفنا وإلا رجحنا الأقوى (¬7). وتوقف القاضي أبو بكر وإمام الحرمين- رحمهما الله- فيه والخلاف جارٍ في خصيص كل عام بقياس أصله من جنسه، وإن كان العام كتاباً أو سنةً متواترةً وأصل القياس خبر واحدٍ، فالجواز أبعد وعلى العكس أقرب. لنا: ما تقدم في المسألة السالفة، والمعارضتان الأخيرتان (¬8) بجوابهما فيها آتية ههنا (¬9). ¬

_ (¬1) وفي "هـ" ابن شريح. (¬2) في "ب" (التشبيه) بدل (الشبة). (¬3) في "أ" عنه بدل علته. (¬4) رواه البخاري ومسلم وأحمد وابن ماجه وأبو داود من حديث أبي بكرة بلفظ: "لا يقضي القاضي بين إثنين وهو غضبان" رواه النسائي عن أبي بكرة بلفظ: "لا يقضيَن أحد في قضاء بقضاءين" "ولا يقضيَن أحد بين خصمين وهو غضبان". انظر تلخيص الحبير 4/ 189، والفتح الكبير 3/ 368. (¬5) في " أ، ب، د" (الجامع) بدل (الجائع). (¬6) نسب الِإمام الرازي هذا القول في المحصول لأبي سعيد الأصطخري. (¬7) انْنظر قول الغزالي في كتابه المستصفى ص 355. (¬8) الإخيرتان موجودة في (جـ) فقط. (¬9) تقدم في المسألة السابقة في أدلة المانعين لجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، أنه معارض =

احتجوا بوجوه: أ- القياس فرع النص فكان أضعف منه فلئن قيل: هو فرع نصٍ آخر. قلنا: لكن النصوص متساويةُ المقدمات، واختص القياس بزيادة (¬1) ضعف (¬2). ب- حديث معاذ (¬3) يدل على تأخير الاجتهاد عن النص. ¬

_ = بكون الكتاب مقطوع وخبر الواحد مظنون، فيقدم المقطوع على المظنون. وأنه معارض بأنه لو جاز تخصيص المقطوع بالمظنون للزم نسخ المقطوع بالمظنون، وجواز النسخ ممنوع. (¬1) في "أ، جـ" بزيادة فضعف. (¬2) زيادة الضعف التي اختص بها القياس هي كثرة مقدماته من حكم للأصل وكونه معللاً، والعلة منصوصة أو مستنبطة، وحكم الفرع وعدم وجود المعارض، وتحقق شروط صحة القياس وغيرها. (¬3) لم يتقدم ذكر لحديث معاذ وقد ذكر جزء منه في ص 2/ 163 الآتية. وكان من الواجب ذكر نصه ليعرف ولفظه: "أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن قال له: كيف تقضي إذا غلبك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله. قال: فإن لم تجد في كتاب الله؛ قال: بسنّة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي وّلا آلو. فضرب صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضاه رسول الله" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن عدي والطبراني والبيهقي من حديث الحارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ. قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده بمتصل. قال البخاري في تاريخه: الحارث بن عمرو من أصحاب معاذ، وعنه أبو عون لا يصح. قال الدارقطني في العلل: رواه شعبة عن أبي عون وأرسله ابن مهدي عن أبي عون. قال ابن حزم: لا يصح، لأن الحارث مجهول وشيوخه لا يعرفون، وقد ادعى بعضهم فيه التواتر، وهذا كذب، لأنه لم يروه أحد غير أبي عون عن الحارث. قال عبد الحق: لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح. قال ابن الجوزي في العلل المتناهية: لا يصح وإن كان الفقهاء يذكرونه كلهم في كتبهم، ويعتمدون عليه وإن كان معناه صحيحاً. وقد صنف ابن طاهر في هذا الحديث تصنيفاً منفرداً. قال فيه: اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار. وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل فلم أجد له غير طريقين. أحدهما: طريق شعبة. والأخرى: عن محمد بن جابر عن الأشعث عن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ وكلا الطريقين لا يصح. ثم قال وأقبح مًا رأيت فيه قول إمام الحرمين في كتاب أصول الفقه. والعمدة في هذا الباب على حديث معاذ بن جبل وقال: هذه زلة منه ولو كان عالماً بالنقل، لما ارتكب هذه الجهالة. قال ابن حجر: أساء الأدب مع إمام الحرمين وكان يمكنه أن يعبر بألين من هذه العبارة، مع أن =

المسألة الثالثة

جـ- شرط القياس أن لا يرد (¬1) النص وفاقاً. والجواب عن: أ- أنه رب نص مقدماته مع مقدمات القياس لا تزيد على مقدمات نص آخر. ب- أنه يمتنع تخصيص الكتاب بالسنّة المتواترة. جـ- أن شرطه أن لا يدفع كل ما اقتضاه النص والنزاع في دفع بعضه (¬2). " المسألة الثالثة" دلالة المفهوم (¬3) بتقدير كونه حجة أضعف من دلالة المنطوق، ففي تخصيص المنطوق به نظر (¬4). ¬

_ = كلام إمام الحرمين أشد مما نقله عنه، فلقد قال إمام الحرمين: (والحديث مدون في الصحاح متفق على صحته لا يتطرق إليه تأويل). وأخرج الحديث الخطيب في كتابه الفقيه والمتفقه من رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ. واستند أبو العباس بن القاص في صحته إلى تلقي أئمة الفقه والاجتهاد له بالقبول. تلخيص الحبير 4/ 182، والبرهان 2/ 772. وراوي الحديث هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي ثم الجشمي، يكنى أبا عبد الرحمن، شهد العقبة، آخى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عبد الله بن مسعود، شهد بدراً وبعثه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضياً ومعلماً للناس القرآن وشرائع الِإسلام، مات معاذ في طاعون عمواس في فلسطين سنة ثمان عشرة. وقيل كان عمره ثمانٍ وعشرين سنة، وقيل ثمانٍ وثلاثين، وقيل أربع وثلاثين (الاستيعاب 1472، الِإصابة 3/ 106). (¬1) في "أ" أن لا يوجد. (¬2) في "أ" معصية بدل بعضه. (¬3) في "أ" الفهم. (¬4) عبارة القاضي الأرموي رحمه الله تبعاً للِإمام الرازي تشعر بأنه لا يجوز تخصيص المنطوق بالمفهوم، بحجة أنه أضعف مع أنه أجاز تخصيص الدليل القوي بالدليل الضعيف، وهو تخصيص الكتاب بالسنة، وذهب الآمدي وابن الحاجب إلى جوازه بحجة أن المفهوم والمنطوق كلاهما حجة. فجاز تخصيص المنطوق بالمفهوم جمعاً بين الدليلين ومثال ذلك. قوله عليه الصلاة والسلام: "الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه" حيث خصص بمفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل خبثاً". وهذا المثال لمفهوم المخالفة وأما مفهوم الموافقة فمثاله كما لو قال: (من دخل داري فاضربه ثم قال إن دخل زيد فلا تقل له أفٍ).

الفصل الخامس في بناء العام على الخاص

" الفصل الخامس" في بناء العام على الخاص إذا تعارض خبران عام وخاص فله أحوال " الحالة الأولى: أن يعلم تقارنهما" فالخاص يخصص العام وقيل بتعارضهما في قدر الخاص. لنا وجوه: أ- ما سبق قبل (¬1). ب- الخاص أقوى دلالة إذ العام يجوز إطلاقه بدون إرادة ذلك الخاص. جـ- إذا قال السيد- اشترِ كلَّ ما في السوق من اللحم. ثم قال عقيْبه: لا تشتر لحم البقر فُهمَ إخراجه منه. فإن قلتَ (¬2) يحمل قوله في الخيل زكاة على التطوع. وقوله: ليس في ذكور الخيل زكاة على نفي الوجوب. قلتُ: هذا لا يتأتى في قولنا: أوجبتُ الزكاة في الخيل. وأيضاً ذلك يصرف اللفظ عن ظاهره في الِإناث بلا دليل. ¬

_ (¬1) وهو أن العمل بالعام يقتضي إلغاء الخاص بالكلية والعمل بالخاص يستلزم العمل بهما، فكان العمل بالخاص متعيناً. (¬2) هذا الغرض من القول وارد على الدليل القائل: بأن إعمال الخاص متعين، لأن في إعماله إعمال للعام أيضاً. فلو قال قائل: ونحن نعمل العام والخاص بصورة أخرى وهي حمل العام على الندب وحمل الخاص على نفي الوجوب، فلا تكون معارضة. وقد أجاب عن هذا: أن هذا قد يصح في بعض الصور لكن لو ورد اللفظ مثلاً: (أوجبت الزكاة في الخيل). فكيف يحمل على الندب فهذا الوجه غير مطرد. وكذلك ظاهر قوله: في الخيل الزكاة الوجوب، ولا يحمل على الندب إلا بقرينة، وما قلتم يصرفه عن ظاهره.

الحالة الثانية: أن يعلم تأخر الخاص

" الحالة الثانية: أن يعلم تأخر الخاص" فإن ورد قبل وقت العمل بالعام كان تخصيصاً للعام، وجوازه فرع تأخير البيان عن الخطاب. وإن ورد بعده كان نسخاً له لا تخصيصاً إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. " الحالة الثالثة: أن يعلم تأخير العام" فيبنى العام على الخاص عند الشافعي وأبي الحسين. وقال أبو حنيفة والقاضي عبد الجبار العام ينسخ الخاص. لنا: الوجوه المذكورة (¬1). احتجا بوجوه: أ- قول ابن عباس: (كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث). ب- لفظان تعارضا فقدم الأخير، كما في العكس وفيه احتراز عن العقل المخصص. جـ - القياس على ما (¬2) إذا فصل آحاد العموم، لأن كل منهما في قوة الآخر. واحتج ابن العارض (¬3) على التوقف. بأن الخاص أخص في الأعيان ¬

_ (¬1) وهي الثلاثة المتقدمة: أ- إعمالً الخاص إعمالٌ للخاص والعام وإما إعمال العام إبطال للخاص. ب- الخاص أقوى دلالة من العام. جـ - العرف يقدم الخاص على العام للمثال المتقدم في الحالة الأولى في هذا الفصل. (¬2) صورة تفصيل آحاد العموم. هو أن يقول أولاً: اقتل زيداً المشرك، ثم يقول: لا تقتل المشركين فهو بمنزلة قوله: لا تقتل زيداً ولا تقتل عمراً ولا تقتل شخصًا مشركاً. (¬3) هو أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن عبدالله بن علي بن العارض. قال عبد الغافر معروف من أهل العلم ثقة، عفيف، حسن الوعظ، مرضي السيرة، سمع بنيسابور والعراق والحجاز، وكف بصره في آخر عمره، ولد سنة 373 هـ، وتوفي سنة 448 هـ، طبقات الشافعية الكبرى 5/ 116، ونقل محقق المحصول 1/ 3/ 165، عن القرافي أنه ابن القاضي أبو العباس محمد =

الحالة الرابعة: أن لا يعلم التاريخ

وأعم في الأزمان، لتناوله ما بين ورود الخبرين فاستويا (¬1). والجواب عن: أ- أن قول الصحابي ضعيف الدلالة، فيخص بما إذا كان الحادث أخص. ب- أن دلائلنا (¬2) عين الفرق. ب- أن المفصل لا يحتمل التخصيص. د (¬3) - أنه إنما يصح لو كان الخاص المتقدم نهياً والعام المتأخر أمراً، فلو انعكس الأمر كان العام المتاخر عاماً مطلقاً إذ الأمر لا يفيد التكرار. " الحالة الرابعة: أن لا يعلم التاريخ" فالخاص يخصص العامِ عند الشافعي، وتوقف فيه أبو حنيفة، إذ الخاصِ بين أن يكوِن منسوخاً ومخصصاً وناسخاً مقبولاً إن كان متواتراً. ومردوداً إن كان آحاداً والعام متواتراً. وهذا الاحتمال الأخير يضعف ما تمسك به أصحابنا من أن الخاص مقدم قارن العام أو تقدم أو تأخر فقدم مطلقاً. وتمسكوا أيضاً بأنه يجوز التخصيص بالقياس مطلقاً، فبخبر الواحد أولى. وهو ضعيف أيضاً، لأن أصل ذلك القياس إن كان مقدماً على العام لم يصح القياس عليه عندنا، فكذا إذا لم يعلم تقدمه عليه، بل المعتمد أن فقهاء الأمصار في هذه الأعصار يخصصون أعم الخبرين بأخصهما بلا علم بالتاريخ. ولا يلزم علينا (¬4) عدم تخصيص ابن عمر (¬5) قوله تعالى: ¬

_ = الطبري صاحب ابن سريج توفي سنة 305 هـ، مع أنه ذكر أنه في جميع نسخ المحصول ابن العارض. (¬1) وكيفية استوائهما أن الخاص أخص في الأعيان، لكنه أعم في الأزمان والعام أعم في الأعيان أخص في الأزمان، ولهذا لزم التوقف. (¬2) في "أ" دلائلهما. (¬3) لا يوجد (د) في الأدلة المتقدمة، وهذا الجواب هو عن دليل ابن العارض القائل بالتوقف. (¬4) سقط من "ب" علينا. (¬5) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي. أمه زينب بنت مظعون الجمحية، ولد سنة ثلاثٍ من البعثة، يكنى أبا عبد الرحمن، أسلم قبل أن يبلغ الحلم مع أبيه، هاجر =

{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} (¬1) بقوله عليه السلام: "لا تحرم الرضعة والرضعتان" (¬2). وأنه لما سئل عن نكاح النصرانية حرمه بقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (¬3) وجعله رافعاً لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (¬4) مع خصوصه، لأنا إنما (¬5) ادعينا إجماع أهل (¬6) هذه الأعصار وأيضاً يحتمل أنه فعل ذلك لدليل. تنبيه: من توقف حيث توقف يجب عليه الترجيح. فذكر عيسى بن أبان فيه وجوهاً: عمل الأمة بأحد الخبرين، أو عمل أكثرهم به (¬7) مع عيبهم على من لم يعمل به أو شهرة رواية أحدهما. وزاد أبو عبدالله البصري وجهين: ورود أحدهما بياناً للآخر (¬8)، أو تضمنه حكماً شرعياً. قال أبو الحسين البصري: هذه الأمور أمارة تأخير أحد الخبرين إذ لو كان مقدماً منسوخاً (¬9) لما كان كذلك. وهذا في تضمن الحكم الشرعي ضعيف. ¬

_ = قبل أبيه أول مشاهده الخندق على الصحيح، كان- رحمه الله- من أهل العلم والورع والعبادة، وكثير التحري لآثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتخلف عن سرية من سراياه ثم بعد وفاته، كان مولعاً بالحج، فكان أفقه أصحابه في مناسك الحج، قعد في الفتنة وندم في آخر حياته لعدم نصرته علياً، وتوفي بمكة سنة ثلاثٍ وسبعين بعد مقتل ابن الزبير بثلاثة أشهر، ودفن بذي طوى بمقابر المهاجرين، له ترجمة في الاستيعاب 950، الإصابة 4/ 107. (¬1) [النساء: 23]. (¬2) رواه مسلم بلفظ: "لا تحرم الرضعة والرضعتان" وفي رواية الإملاجة والِإملاجتان وفي رواية "المصة والمصتان" والمعاني متقاربة. ورواه أحمد والأربعة وابن حبان ورمز له السيوطي بالصحة فيض القدير 6/ 392، نصب الراية 3/ 217. (¬3) [البقرة: 221]. (¬4) [المائدة: 5]. (¬5) سقط من (ب، د، جـ) إنما وفي (أ) جعل بدلهما (أما). (¬6) سقط من "أ" أهل. (¬7) سقط من "أ" به. (¬8) في "ب، ب" "واو! " بدل " أو". (¬9) في "أ" (مسبوقاً) بدل (منسوخاً).

الفصل السادس فيما يظن أنه من المخصصات

" الفصل السادس" فيما يظن أنه من المخصصات وفيه مسائل " المسألة الأولى" الجواب الذي لا يستقل بنفسه (¬1) لذاته أو للعادة يفيد مع سببه، وكان السبب معاداً فيه، والمستقل إن ساوى السؤال فلا كلام (¬2) فيه. وإن كان أخص منه جاز إن نُبه في المذكور على حكم غيره، والسائل مجتهد لا يفوت باجتهاده مصلحة، وإن كان أعم لم يتخصص بالسبب، خلافاً (¬3) للشافعي رضي الله عنه ........................... ¬

_ (¬1) سقط من "ب، د" بنفسه. (¬2) أي أنه لا كلام في أنه يتبع سؤاله. (¬3) قد أخطا كثير من الأصوليين في نسبة القول، بأن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ للشافعي، وقد وقع هذا من القاضي الأرموي - رحمه الله - تبعاً للِإمام الرازي في المحصول، وكذلك سيف الدين الآمدي في الأحكام، وابن الحاجب في المختصر، وغيرهم معتمدين على قول إمام الحرمين- رحمه الله - في البرهان (أنه الذي صح عندي من مذهب الشافعي) ثم نقله عنه الأمام في المحصول. والصحيح أن الشافعي- رحمه الله - قد نص على أن السبب لا أثر له. فقال في الأم في باب ما يقع به الطلاق وهو بعد باب طلاق المريض ما نصه (وما يصنع السبب شيئًا إنما يصنعه الألفاظ، لأن السبب قد يكون ويحدث الكلام على غير السبب. ولا يكون مبتدأ الكلام الذي حكم. فإذا لم يصنع السبب بنفسه شيئاً لم يصنعه لما بعده ولم يمنع ما بعده أن يصنع ما له حكم) وهذا المنقول في الأم بحروفه يدفع ما قاله إمام الحرمين في البرهان: 1/ 372. وقال الامام فخر الدين الرازي في كتابه مناقب الشافعي: إنه التبس على ناقل نسبةِ هذا الرأي للِإمام الشافعي من قول الِإمام الشافعي في الأمة المفروشة حيث يقول: إنها تصير فراشاً =

.......... والمزني (¬1) وأبي ثور إذ خصوص السبب لا يعارض مقتضى العموم لجواز منع الشارع من التخصيص به، ولأن آية السرقة واللعان والظهار وردت في أقوام بعينها مع عمومها (¬2). احتجوا: بأن المراد بيان ما سئل عنه وإلا تأخر البيان عن الواقعة فاختص به. وجوابه: أنه يقتضي تخصيصه بذلك الشخص وذلك الزمان ثم ذلك السؤال الخاص، لعله اقتضى هذا الجواب العام. تنبيه: دلالته على موضع (¬3) السؤال أقوى وإن دلَّ على غيره. ¬

_ = بالوطء حتى إذا أتت بولدٍ يمكن أن يكون من الوطء لحقه سواء اعترف به أم لا، لقصة عبد بن زمعة لما اختصم هو وسعد بن أبي وقاص في المولود، فقال سعد: هو ابن أخي عهد إليَّ أنه منه، وقال عبد بن زمعة هو أخي ولد على فراش أبي من وليدته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الولد للفراش وللعاهر الحجر". وذهب أبو حنيفة إلى أن الأمة لا تصير فراشًا بالوطء، ولا يلحقه الولد إلا إذا اعترف به. وحمل الحديث المتقدم على الزوجة وأخرج الأمة من عمومه. فقال الشافعي: إن هذا قد ورد على سبب خاص وهي الأمة لا الزوجة. قال إمام الرازي: فتوهم الواقف على هذا الكلام أن الشافعي يقول: إن العبرة بخصوص السبب. ومراده أن خصوص السبب لا يجوز إخراجه عن العموم بالإِجماع كما تقدم، والأمة هي السبب في ورود العموم فلا يجوز إخراجها (نهاية السول 2/ 131). (¬1) هو إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل أبو إبراهيم المصري الشافعي، مات سنة 264 هـ عن 89 عامًا، أخص تلاميذ الشافعي. من تلاميذه الطحاوي، وله يرجع الفضل في تدوين آراء الشافعي. انظر وفيات الأعيان 1/ 88، طبقات الشافعية لابن السبكي 1/ 238، مفتاح السعادة 2/ 158، شذرات الذهب 2/ 108، الأعلام للزركلي 1/ 115. (¬2) أي أن آيات السرقة وردت في سرقة المجن أو في رداء صفوان على خلاف في سبب النزول، وآية اللعان وردت في هلال بن أمية. وآية الظهار وردت في سلمة بن صخر. (¬3) سقط من "أ، ب" موضع.

المسألة الثانية

" المسألة الثانية" (¬1) مذهب الراوي لا يخصص (¬2) عند الشافعي، خلافًا لعيسى بن أبان. وقيل: إن وجد ما يقتضي تخصيصه خص بمذهبه وإلا فلا. لنا: أن خلاف الراوي قد يكون لظنه ما ليس بدليل دليلًا فلا يعارض مقتضى العموم. احتج الخصم: بأن مخالفته لا عن طريق يقدح في عدالته. والطريق إن كان محتملًا لذَكَرهُ إزالةً للتهمة عن نفسه، والشبهة عن غيره وإن كان قاطعًا اقتضى التخصيص. وجوابه: إنه إنما يجب ذكره عند المناظرة، ولعلها لم تتفق، ثم لا يلزم من ذِكْرِه اشتهاره. " المسألة الثالثة" لا يخص العام بذكر بعضه (¬3) خلافًا لأبي ثور. لنا: أن البعض لا ينافي الكل والمخصص منافٍ. احتج: بأن المفهوم حجة وأنه ينافي (¬4) العموم. ¬

_ (¬1) في "جـ" (تنبيه) بدل (الثانية). (¬2) مثال ذلك: ما رواه أبو هريرة في الصحيح من حديث غسل الِإناء سبعًا، وروى أنه كان يغسله ثلاثًا. هذا ما أورده الإمام في المحصول مثالًا. وهو لا يصح حيث أن السبع ليس من ألفاظ العموم والمثال الصحيح "من بدل دينه فاقتلوه" وراويه ابن عباس ومذهبه أن المرأة إذا ارتدت لا تقتل. (¬3) مثال ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: "أيما إيهاب دبغ فقد طهر". وقوله في شاة ميمونة: "دباغها طهورها". (¬4) وفي جميع النسخ ما عدا (هـ) ينفي.

المسألة الرابعة

وجوابه: أن دلالة العموم أقوى من دلالة المفهوم. " المسألة الرابعة" العادة إن علم وجودها في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه ما منعهم (¬1) منها جاز التخصيص بها وإلا فلا، لكن المخصص بالحقيقة هو تقريره عليه السلام. " المسألة الخامسة" كونه مخاطبًا لا يخصص العام إن كان خبرًا وإن كان أمرًا جعل جزءًا فيشبه أن يُجعل مخصصًا. " المسألة السادسة" قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} يتناول النبي أيضًا وقيل: لا، لأن منصبه يقتضي إفراده بالذكر، وهو ضعيف إذ لا مانع من دخوله فيه. وقال الصيرفي: إن كان الخطاب صدر (¬2) بأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالتبليغ كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} لم يتناوله وإلا تناوله. " المسألة السابعة" الكفر لا يخصص العام لما سبق في الأوامر ولا الرق، إلَّا في عبادة تختص بالمالكين، إذ لا مانع سوى وجوب خدمة السيد والدال عليه، كالعام ¬

_ (¬1) في "أ، ب، جـ" منعه بدل منعهم. (¬2) في "أ، هـ " أصدر.

المسألة الثامنة

بالنسبة إلى الدال على وجوب العبادة لاختصاص كل عبادة بدليل فكان تخصيص ذلك بهذا أولى من العكس. " المسألة الثامنة" ذِكرُ العام في معرض المدح والذم لا يخصصه خلافًا لبعض (¬1) فقهائنا، إذ المدح والذم لا يعارض مقتضى العموم. " المسألة التاسعة" عطف الخاص على العام لا يخصصه خلافًا للحنفية إذ قالوا: قوله عليه السلام: "لا يقتل مؤمن بكافرٍ ولا ذو عهدٍ في عهده" (¬2) أي بكافر. ثم الكافر الذي لا يقتل به ذو عهد هو الحربي (¬3). فكذا الذي لا يقتل به المسلم وهو ضعيف. إذ قوله عليه السلام: "ولا ذو عهد في عهده"، كلام تام (¬4) لا يحتاج إلى إضمار قوله بكافر. سلمنا، لكن العطف لا يقتضي اشتراك المعطوف والمعطوف عليه من كل وجه. ¬

_ (¬1) سقط من "أ" بعض. (¬2) رواه البخاري 1/ 38 من طريق أبي جحفة بدون قوله ولا ذو عهد في عهده! ولهذا حسَّنه السيوطي ورواه أبو داود 4/ 252، وأحمد والنسائي 8/ 24، من طرق أخرى (والغريب لم يعزه السيوطي للبخاري وحكم عليه بالحسن وتعقبه المناوي). انظر فتح الباري 12/ 260، فيض القدير 6/ 453، بلوغ المرام 146. (¬3) وفي "هـ" الجزيي. (¬4) سقط من "أ، ب" (تام).

المسألة العاشرة

" المسألة العاشرة" تعقيب العام باستثناء أو صفة أو حكم لا يأتي في بعضه لا يخصصه به عند القاضي عبد الجبار، وقيل يخصصه به، وقيل بالتوقف وهو المختار. والأول كقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} إلى قوله: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (¬1). استثنى العفو بكناية راجعة إلى النساء ولم يصح العفو إلا من المكلفات. والثاني كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} إلى قوله تعالى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (¬2). أي الرغبة في مراجعتهن. والثالث كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} إلى قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (¬3) وهما يختصان بالرجعيات. لنا: أن مقتضى الكناية العود إلى كل ما سبق وليس تخصيصه لأعمال العموم الأول أولى من العكس فوجب التوقف. ¬

_ (¬1) [البقرة: 236، 237]. (¬2) [الطلاق: 1] (¬3) [البقرة: 228].

الفصل السابع في حمل المطلق على المقيد لا يحمل عليه إن اختلف حكمهما وإن تماثل حكمهما

" الفصل السابع " في حمل المطلق على المقيد لا يحمل عليه إن اختلف حكمهما وإن تماثل حكمهما "ففيه مسائل" " المسألة الأولى" إذا اتحد سبب الحكمين حمل المطلق على المقيد إذ المطلق جزءٌ من المقيد لما عرف فالآتي بالمقيد عامل بالدليلين. والآتي بالمطلق عامل بأحدهما، فكان الأول أولى. فإن قيل: مقتضى الِإطلاق التمكن من أي فرد شاء، والتقييد يزيله فلمَ كان هذا (¬1) أولى من حمل الأمر بالمقيد على الندب. قلنا: لأن التقييد مدلول عليه لفظًا، دون ذلك التمكن فكان بالرعاية أولى. " المسألة الثانية" إذا اختلف سبب الحكمين كتقييد الرقبة في كفارة القتل وإطلاقها في كفارة الظهار. فقال بعض أصحابنا: تقييد أحدهما يقتضي تقييد الآخر لفظًا، لأن القرآن كالكلمة الواحدة، ولأن الشهادة أطلقت مرارًا، وقُيدت بالعدالة مرة. وحمل الأول على الثاني وهو ضعيف، إذ إطلاق أحدهما لا يعد مناقضًا لتقييد الأخر. والقرآن كالكلمة الواحدة في عدم التناقض لا في كل شيء وذلك التقييد بالِإجماع. ¬

_ (¬1) سقط من "أ" هذا.

المسألة الثالثة

وقالت الحنفية: لا يجوز تقييده بطريق، لأن ذلك إزالة المكنة المطلقة (¬1) فكان نسخًا وهو ضعيف، لأن القياس إذا دل على تقييده وجب العملِ به. ولو كان التقييد نسخًا لكان تقييده بالسلامة عن العيوب نسخًا. وأيضًا الِإطلاق لا يزيد على العموم. وأنه يجوز تخصيصه بالقياس فهذا أولى. وقال المحققون من أصحابنا: جاز التقييد بالقياس على ذلك المقيد إن وجد القياس. " المسألة الثالثة" (¬2) إذا أطلق في موضعٍ وقيد في موضعيْن بقيدين متضادين حمل المطلق على ما كان القياس عليه. وعند الحنفية يبقى على إطلاقه، وكذلك على قول الأولين من أصحابنا إذ ليس تقييده بأحدهما أولى. ¬

_ (¬1) سقط من "جـ" المطلقة. (¬2) وصورتها: ورود صوم التمتع مقيدًا بالتفريق "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم " وورود صوم كفارة الظهار بالتتابع. وورود قضاء شهر رمضان مطلقًا، فعند الشافعية يلحق بأقرب المقيدين وعند الحنفية يبقى مطلقًا.

الكلام فى المجمل والمبين

الكلام فى المُجمَل والمبَيَّن وفيه مقدّمة وفصول

المقدمة في تفسير ألفاظ أطلقت في هذا الباب

المقدمة في تفسير ألفاظٍ أطلقت في هذا الباب (1) البيان: وهو مَصدر بيَّن يقال بَيَّن (¬1) تِبيانًا وبيانًا، كما يقال كلَّم تكليمًا وكلامًا. وهو عبارة عن الدلالة. وفي اصطلاح الفقهاء: (هو الدال على المراد بخطاب لا يستقل في الدلالة عليه. (2) المبيَّن: يقال للمحتاج إلى البيان بعد وروده عليه وللمستغني عنه. (3) المفسَّر: يقال للمحتاج إلى التفسير بعد وروده عليه وللمستغنى عنه أيضًا. (4) النص: وهو كلام تظهر إفادته لمعناه ولم يتناول أكثر منه. خرج بالكلام دليلِ العقل والقياس والمجمل مع المبين. فإن المبين قد لا يكون كلامًا، ولأن المجموع خطاب غير واحدٍ. وبظهور الِإفادة المجمل. وقوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} إنما يسمى نصًا بالنسبة إلى إفادة وجوب الصلاة، ومجملًا بالنسبة إلي تعيين الصلوات وبالأخير (¬2) قوله. اضرب عبيدي فإنه لا يسمى نصا بالنسبة إلى زيدٍ لتناوله أكثر منه. (5) الظاهر: وهو ما لا يفتقر في إفادته معناه إلى غيره إفادة وحده أو مع غيره، ¬

_ (¬1) سقط من "أ، ب، جـ" يقال "بيَّن". (¬2) أي قوله: (ولم يتناول أكثر منه).

وبهذا امتاز عن النص امتياز العام عن الخاص، وهذان التعريفان لا ينافيان التعريفين المذكورين للنص والظاهر في اللغات (¬1). ولقائلٍ أن يقول (¬2): ما ذكره ههنا يقتضي كون النص قسمًا من الظاهر والمذكور ثمة يقتضي كونه قسيمًا له وبينهما تنافٍ (¬3). 6 - المجمل: (ما يفيد شيئًا من جملة أشياء معينًا في نفسه لا يعينه اللفظ). بخلاف قولنا: (اضرب رجلًا) فإنه غير معين لجواز ضرب أي رجل كان. 7 - المؤول والتأويل: احتمال يعضده دليل يصير به أغلب على الظن مما دلَّ عليه الظاهر. 8 - المحكم. 9 - المتشابه: وقد مرا في اللغات. ¬

_ (¬1) التعريفان اللذان وردا في اللغات هما: أ - النص: هو اللفظ الذي يمتنع استعماله في غير معناه الواحد. ب - الظاهر: هو ما يحتمل غيره احتمالًا مرجوحًا. (¬2) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي - رحمه الله - تعالى موجه لما ذكره الإمام الرازي من عدم التنافي بين التعريفين وأثبت القاضي أنه يوجد تنافي بينهما. فالظاهر في التعريف الوارد في اللغات يقتضي كون الظاهر قسيمًا للنص، وأما التعريف الوارد هنا يقتضي كون النص قسمًا من الظاهر. (¬3) سقط من "ب" وبينهما تناف.

الفصل الأول في المجمل

" الفصل الأول" في المجمل "وفيه مسائل" " المسألة الأولى" الدليل الشرعي إما أصل أو مستنبط منه، والثاني هو القياس ولا يمكن فيه إجمال والأول (¬1) إن كان قولًا أمكن إجماله عند استعماله في جميع ما وضع له (¬2)، كالمشترك والمتواطئ إذا أُريد به واحدٌ ولا يدل على عينه، وعند استعماله في بعض ما وضع له كالعام المخصوص بصفة مجملة أو استثناء مجمل، أو بدليل منفصل مجمل، وعند استعماله لا في شيء مما وضع له كالألفاظ الشرعية إذا لم يعلم عين ما نقلت إليه والتي تعذرت حقائقها وتساوت مجازاتها. وإن كان فعلًا أمكن إجماله إذا لم يقترن به ما يدل على وجه وقوعه. " المسألة الثانية" جاز ورود المجمل في الكتاب والسنّة لوروده في آية العدة، وقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ} (¬3). احتجوا: بأن المجمل إن لم يبيَن لزم تكليف ما لا يطاق، وإن بُيِّن كان ¬

_ (¬1) وفي "هـ" الأصل بدل الأول وكلاهما صواب. (¬2) سقط من "أ" له. (¬3) [الأنعام: 141].

المسألة الثالثة

تطويلًا بلا فائدة، ومخلًا بالفصاحة وموجبًا للحيرة، لجواز وصول المجمل دون البيان إلى المكلف. وجوابه على أصلنا: أن الله تعالى يفعل ما يشاء. وعلى أصل المعتزلة لعل في إرداف المجمل بالبيان مصلحة لا نعلمها. " المسألة الثالثة" إضافة التحريم والتحليل إلى الأعيان تقتضي الِإجمال عند الكرخي. وعندنا تفيد بحسب العرف تحريم الفعل المطلوب من تلك الأعيان فتحريم الميتة تحريم أكلها، وتحريم الأمهات تحريم الاستمتاع بهن (¬1). لنا وجوه: أ - أن سبق الذهن في العرف إلى هذه المعاني يدل على كونها حقائق عرفية. ب - قوله عليه السلام: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا (¬2) ثمنها" (¬3). يدل على أن تحريم الشحوم تحريم أنواع التصرف المعتاد فيها. جـ - ملك الدار يفيد حل السكنى والبيع، وملك الجارية حل الوطء والاستخدام والبيع وإذا أجاز ذلك في إضافة الملك جاز في إضافة التحريم. ¬

_ (¬1) في "أ، ب، جـ" (بها) بدل (بهن). (¬2) سقط من "هـ" وأكلوا ثمنها. (¬3) متفق عليه. وهو جزء من حديث أوله: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ولا يوجد فيه لفظ "لعن" بل الموجود "قاتل" ورواه كثيرون منهم أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث جابر. والبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة من حديث عمر، انظر الفتح الكبير 2/ 282، فيض القدير 4/ 466، بلوغ المرام 95.

المسألة الرابعة

احتج (¬1): بأن العين لا تراد بالتحريم. بل فعلٌ يتعلق بها. وليس البعض أولى من البعض ولم يمكن إضمار الكل. إذ لا حاجة فوجب التوقف، ولأنه لو أفاد حرمة فعلٍ معين لكان هو المحرم في كل المواضع. وجوابه: أن العرف يقتضي تحريم الفعل المطلوب منه. " المسألة الرابعة" قال بعض الحنفية: قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} (¬2) مجمل لاحتمال إرادة كل الرأس وبعضه. وقيل يفيد الكل لولا المعارض، لأن الباء للِإلصاق. قال ابن جني. لا فرق بين قوله: (مسحت الرأس) وبين قوله: (مسحت بالرأس) والرأس اسم للكل فيتناوله وقال بعض الشافعية: إنه يفيد التبعيض، وقيل يفيد القدر المشترك بين الكل والبعض، وهو إمساس اليد بجزءٍ من الرأس إذ اللفظ مستعملٌ في البعض كما في الكل. كما يقال: مسحت يدي بالمنديل وبرأس اليتيم، والأصل الحقيقة الواحدة وهو قول الشافعي. " المسألة الخامسة" قال أبو عبد الله البصري: إذا دخل حرف النفي على الفعل كان مجملًا لأنه لا ينفيه. ولشى إضمار بعض الأحكام أولى. ولا يمكن إضمار الكل إذ لا ضرورة وقد يتناقض. فإن نفي الكمال يستلزم الصحة فإضمارها يتناقض فوجب الِإجمال. وقيل: إن كان المسمى شرعيًا انتفى ولا إجمال. وقول القائل هذه صلاة فاسدة يحمل على اللغوي للتوفيق. وإن كان حقيقيًا وله حكم واحد فقط كالشهادة والاقرار فيما يسن ستره فلا إجمال، وإن كان أكثر كالجواز والفضيلة تحقق الِإجمال وهو قول الأكثر. ¬

_ (¬1) أي الكرخي. (¬2) [المائدة: 6].

المسألة السادسة

وقد يقال: الحمل على (¬1) الجواز أولى لوجوه: أ - اللفظ يدل على نفي الذات بالمطابقة وعلى نفي الصفات بالالتزام، فصار كالعام بالنسبة إليهما. تُركَ العمل به في الأول فعمل به في الثاني. ب - المشابهة بين المعدوم وما لا يصح ولا يفضل أكثر منها بينه (¬2) وبين ما يصح ولا يفضل (¬3). جـ - معنى قولنا: هذا لفلان. عود نفعه إليه. فقولنا: لا عمل له. معناه لا يعود نفعه إليه وأنه ينفي الصحة لاستلزامها عود النفع إليه. " المسألة السادسة" قيل آية السرقة مجملة في اليد، لأنه يطلق على العضو من المنكب والمرفق والكوع ومفصل (¬4) الأنامل وفي القطع أيضًا، لأنه يطلق على الِإبانة وعلى الشق. وجوابه: أن اليد هو العضو من المنكب فلا يقال قطعت يده بالكلية إلا اذا قطع من المنكب ويطلق على الباقي بالمجاز. والقطع هو الِإبانة فإذا أضيف إلى الجلد أفاد إبانة تلك الأجزاء. ¬

_ (¬1) سقط من "ب، د" الحمل على وفي "جـ" حمله على الجواز. (¬2) سقط من "د" بينه. (¬3) سقط من "أ" لا. (¬4) وفي "هـ" أصول بدل مفصل.

المسألة السابعة

" المسألة السابعة" قيل قوله عليه السلام: "رفع عن أمتي الخطأ" (¬1). مجمل لما قيل في نفي الفعل (¬2). وجوابه: أنه يفيد في العرف نفي المؤاخذة على الفعل كما يفهم من قول السيد لعبده. رفعت عنك الخطأ. ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان وابن ماجه والحاكم وقال على شرط الشيخين من حديث ابن عباس ورمز له السيوطي بالصحة ونفى صحته المناوي ونقل عن الهيثمي أن فيه يزيد بن ربيعة الرجبي وهو ضعيف. وأنكر أحمد هذا الحديث وحسنه النووي وروي عن ابن عمر بلفظ "وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". انظر: فيض القدير 4/ 35، نصب الراية 3/ 223. (¬2) قيل: إنه مجمل، لأنه وقع الخلاف بين الأمة فرفع ذات الخلاف منتفٍ لهذا. ويتعذر حمله على الحقيقة، والمجازات متعددة فيتعدد الِإضمار، وإضمار واحد دون الآخر تحكم فيبقى مجملًا. ويُنفى الاجمال بتعيين العرف وهو نفي المؤاخذة على الفعل.

الفصل الثاني في المبين

" الفصل الثاني" في المبيَّن "وفيه مسائل" " المسألة الأولى" إفادة الخطاب بنفسه إما للوضع كقوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬1) أو لا وحينئذٍ إما للتعليل كما يكون الحكم في المسكوت عنه أولى وكقوله عليه الصلاة والسلام: "إنها من الطوافين" (¬2). أو لا (¬3) له. كما يدل الأمر بالشيء على وجوب شرطه وكقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (¬4) فإن إضمار الأهل متعين. " المسألة الثانية" البيان بالقول ظاهر، وأما بالفعل فكالكتابة وعقد الأصابع وإِشارة وكما يفعل فعلًا يعلم بالضرورة من قصده (¬5) كونه بيانًا. أو بالدليل العقلي كما يفعل في وقت الحاجة إلى العملِ بالمجمل ما يصلح بيانًا له فقط. أو اللفظِي كما يقول ما يدل على كونه بيانًا وأما بالترك فكما يترك التشهد الأول عمدًا، ¬

_ (¬1) [الحجرات: 16]. (¬2) رواه أبو داود ولفظه: "إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكما ورواه النسائي وابن ماجه والترمذي ومالك وابن حبان وابن خزيمة والدارقطني والحاكم قال الترمذي حسن صحيح قال الحاكم على شرط الشيخين، نصب الراية 1/ 133. (¬3) أي ليس للتعليل. (¬4) [يوسف: 82]. (¬5) في "هـ" (بصدده) بدل (قصده).

المسألة الثالثة

فيعلم أنه ليس بشرط ولا واجب. أو يسكت عن حكم الحادثة بعد السؤال عنه فيعلم أنه لا حكم فيها للشرع. أو بتناول الخطاب له ولأمته فيترك قبل فعله فيعلم تخصيصه منه أو بعده فيعلم نسخه في حقه. فإن علم أن حكم الأمة كحكمه علم نسخه في حقهم وإلا فلا. واعلم أن الفعل لا يدل على الوجوب والترك يدل على عدمه. " المسألة الثالثة" قيل: لا يجوز وقوع الفعل بيانًا. فإن عنى به أنه لا يجوز في العقل أصلًا فهو باطل، فإنه عليه السلام بيَن الصلاة والحج بفعله وقال: "خذوا عني مناسككم" (¬1). وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (¬2). وهو أدل عليهما من الوصف. وان عنى افتقاره إلى قوله: "هذا الفعل بيان لهذا المجمل" فمسلم لكن المبين هو الفعل (¬3) لتعليق الفعل بالمجمل. وان عنى به أنه لا يجوز في الحكمة (¬4) فأصلنا يأباه. وعلى أصل المعتزلة يجوز كون البيان بالفعل أصلح. احتج: بأن الفعل يطول فيتأخر البيان عن وقت الحاجة. وجوابه: أن القول قد يكون أطول. " المسألة الرابعة" القول والفعل إذا تطابقا في كونهما بيانًا، فالبيان هو الأول والثاني تأكيد، وإن تنافيا فيه كقوله عليه السلام: "من قرن الحج إلى العمرة فليطف ¬

_ (¬1) رواه مسلم عن جابر بلفظ: قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمي على راحلته يوم النحر ويقول لنا: خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه، نصب الراية 3/ 55. (¬2) جزء من حديث طويل أخرجه البخاري وغيره، انظر فتح الباري 2/ 111. (¬3) في "ب، جـ، د" الفعل والقول. (¬4) في "أ" (الحكم) بدل (الحكمة).

المسألة الخامسة

لهما طوافًا واحدًا" (¬1) مع أنه قرن وطاف لهما طوافين فالقول مقدم، لأنه يدل بنفسه. " المسألة الخامسة" قال الكرخي: لا يجوز بيان المعلوم بالمظنون. والحق جوازه كجواز تخصيص القرآن بخبر الواحد والقياس. " المسألة السادسة" قيل: إذا كان المبيَّن واجبًا كان بيانه واجبًا فإن أريد أنه بيان لصفة شيء واجب صح. وإن أريد أنه يدل على الوجوب فلا. إذ ليس فيه ما يدل على الوجوب بل على صفة المبين. وإن أريد أن المبين إذا وجب بيانه على الرسول عليه الصلاة والسلام وإلا فلا. فهو باطل، لأن بيان المجمل واجب مطلقًا وإلَّا فقد كلف بالمحال. ¬

_ (¬1) جزء من حديث متفق عليه ولفظ البخاري: "وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا". ورواه أحمد والترمذي والدارقطني وابن ماجه عن جمع من الصحابة، أنظر نصب الراية 3/ 118، فتح الباري 3/ 494.

الفصل الثالث في وقت البيان

" الفصل الثالث " في وقت البيان وفيه مسألتان " المسألة الأولى" من منع تكليف ما لا يطاق منع تأخير البيان عن وقت الحاجة. ومن جوَّزه جوز، وأما تأخيره عن وقت الخطاب فجائز عندنا، سواء كان الخطاب ظاهرًا أريد خلافه كبيان التخصيص والنسخ والاسم الشرعي والنكرة إذا أريد بها معيَّن، أو لا كالمتواطئ والمشترك ومنع منه جمهور المعتزلة إلَّا في النسخ. ومنع أبو الحسين منه فيما له ظاهر وزعم أن البيان الِإجمالي كافٍ كما يقول هذا العام مخصوص، وهذا الحكم سينسخ وجوَّز فيما لا ظاهر له إلى وقت الحاجة. وذكر هذا التفصيل (¬1) من أصحابنا أبو بكر القفال (¬2)، وأبو إسحاق المروزي (¬3) وأبو بكر الدقاق ويدل على جواز تأخيره عن وقت الخطاب في الجملة قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (¬4) وثم للتراخي لتواتره عند أهل اللغة. فإن قيل: ثم قد تستعمل بمعنى الواو كقوله تعالى: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}، ثم المراد بالبيان إظهاره بالتنزيل. ¬

_ (¬1) سقط من "جـ" سطر من قوله: فيما لا ظاهر له إلى من أصحابنا. (¬2) لم يرتض الأسنوي نسبة هذا القول إلى أبي بكر القفال حيث ذكر أنه رأى في كتاب القفال المسمى بالإِشارة أنه يقول بجواز تأخير البيان، انظر نهاية السول 2/ 156. (¬3) هو إبراهيم بن أحمد ويكنى أبا إسحاق، توفي في مصر سنة 340 هـ، تخرج على ابن سريج، له في الأصول الفصول في معرفة الأصول، أنظر وفيات الأعيان 1/ 40، حسن المحاضرة 1/ 125، شذرات الذهب 2/ 355، الفهرست 299. (¬4) [القيامة: 18، 19].

نعم هو خلاف الظاهر ولكن تخصيص عود الضمير لبعض القرآن مع أن ضاهره العود إلى كله خلاف الظاهر، ثم المراد البيان التفصيلي. سلمنا: لكن المراد جمعه في اللوح المحفوظ والبيان متأخر عنه. ثم الآية تقتضي وجوب تأخير البيان ولا قائل به. والجواب عن: أ - أن (¬1) ثُمَّ في الآيات لتأخير الحكم. ب - أن المراد بقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} (¬2) إنزاله، لأنه أمر عليه السلام باتباع قرآنه وإنما يمكنه اتباعه بعد إنزاله. فاستحال إرادته بالبيان. سلمنا إمكانها. لكنها (¬3) خلاف الظاهر. وظاهر الضمير لا يقتضي عوده إلى كل القرآن إذ القرآن أيضًا حقيقة في بعضه بدليل الحنث به. سلمنا أنه مجاز فيه لكن هذا المجاز أولى من ذلك إذ البيان لا يستلزم التنزيل. جـ (¬4) - أنه تقييد وهو خلاف الظاهر. د - أنه تعالى أخَّر البيان عن القراءة الواجب على النبي اتباعها. هـ - أنا نقول به (¬5) ويدل على جوازه في النكرة أمره تعالى بني إسرائيل بذبح بقرة موصوفة، إذ الهاء في قوله تعالى: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ} (¬6). إنها ¬

_ (¬1) لم يتقدم ترقيم هذه الأجوبة وهي عما ورد في الفقرة المتقدمة. أ - جواب عن قوله: ثم قد تستعمل بمعنى الواو كقوله تعالى: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ}. ب - جواب عن قوله: ثم المراد بالبيان إظهاره بالتنزيل. جـ - جواب عن قوله: المراد جمعه في اللوح المحفوظ. د - جواب عن قوله: والبيان متأخر عنه. هـ - جواب عن قوله: الآية تقتضي وجوب تأخير البيان ولا قائل به. (¬2) عبارة "ب" فإذا قرأناه فاتبع قرآنه أمر النبي عليه السلام باتباعه قرآنه. (¬3) في "جـ" إمكانه لكنه. (¬4) في "جـ" وعن د. (¬5) أي تأخير البيان عن وقت الحاجة. (¬6) سقط من "ب، جـ" إنها بقرة لا فارض.

بقرة صفراء إنها بقرة لا ذلول (¬1)، تعود إلى المأمور به أولًا، لأنها في قوله ما هي عائدة إليه وتطابق السؤال والجواب واجب وليست ضمير الشأن والقصة، لأنها غير مذكورة والعود إلى المذكور أولى، ولأن قوله بقرة صفراء لا تفيد حينئذٍ إلَّا بإضمار، والأصل خلافه، ولأن الصفات المذكورة عند السؤال المتأخر ليست صفة بقرة أخرى وجبت عنده بعد نسخ الأولى لوجوب تحصيل الصفات المذكورة أولًا إجماعًا بل صفة الواجبة أولًا (¬2). ثم إنه لم يبين لهم إلا بعد سؤال. فإن قيل: الآية تقتضي وجوب (¬3) تأخير البيان عن وقت الحاجة ولا تقولون به. ثم الواجب ذبح بقرةٍ مطلقةٍ لِإطلاق اللفظ ولذمه تعالى إياهم على السؤال بقوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} (¬4) ولا ذم عند الِإبهام ولقول ابن عباس: لو ذبحوا أية بقرة أرادوا لأجزأت ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم (¬5). سلمنا: لكن يجوز تقديم البيان التام بدون التبيين فسألوا لذلك. سلمنا: لكن يجوز تقديم البيان الِإجمالي لقول موسى عليه السلام: إن البقرة ليست مطلقة وتأخير البيان التفصيلي جائز عند أبي الحسين. والجواب عن: أ - أنه إنما يقتضيه لو اقتضى الأمر الفور (¬6) وأنه ممنوع. ب - أن المراد خلاف مقتضى الِإطلاق لما تقدم. وذمهم يجوز أن يكون لتوقفهم عن الفعل بعد استكمال البيان بعد السؤال. وقول ابن عباس مرجوح بالنسبة إلى الكتاب. ¬

_ (¬1) [البقرة: 68 - 71]. (¬2) وفي "هـ " أولى. (¬3) في "جـ، د" "جواز" بدل وجوب. (¬4) [البقرة: 71]. (¬5) روى الحديث مرفوعًا للرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ابن جريج موقوفًا على ابن عباس بسندٍ صححه ابن كثير بلفظ: (لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها ولكنهم شددوا فشدد عليهم) تفسير ابن كثير 1/ 110. (¬6) في "أ" على القول.

جـ - أنهم لو لم يتبينوا لسألوا التفهيم، ولأن البيان كان بالوصف المذكور، وأنه لا يخفى على العارفين باللغة. د - أنه لو كان كذلك لذكره الله تعالى إزالةً للتهمة. ويدل على جواز تأخير المخصص (¬1) تأخير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (¬2) عن قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} (¬3) ورد حين قال ابن الزبعري (¬4). أليس عبد الملائكة والمسيح "وما" يتناول من يعقل لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (¬5) وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} (¬6). ولفهم ابن الزبعري مع أنه من الفصحاء ولعدم تخطئته عليه السلام إياه ولاتفاق أهل اللغة على وروده. بمعنى (الذي) (¬7) المتناول للعقلاء. ولأنه لو قال: (ما لي صدقة) دخل فيه العقلاء، ولأن الاحتراز بقوله من دون الله، إنما يصح إذا اندرج فيه. فإن قيل: الخطاب مع العرب وأنهم إنما عبدوا الأوثان. سلمنا: لكن خص بدليل عقلي علموه. وهو أنه لا يجوز تعذيب الغير بفعل الغير. وإنما انتظر النبي عليه السلام ليتأكد البيان العقلي باللفظي. سلمنا لكنه خبر واحدٍ (¬8) والمسألة علميَّة. والجواب عن: أ (¬9) - أن عبادة بعض العرب للملائكة والمسيح مشهورة، وقد ذكره ¬

_ (¬1) في "ب، جـ" على جوازه في المخصص. (¬2) [الأنبياء: 101]. (¬3) [الأنبياء: 98]. (¬4) الزِبَعري. بكسر الزاي وفتح الباء على ما قال الفراء السيء الخلق وعلى ما قال أبو عبيدة وأبو عمرو كثير شعر الوجه ولمعرفة ترجمته وتخريج القصة انظر ص 348 من هذا الكتاب. (¬5) [الليل: 3]. (¬6) [الشمس: 5]. (¬7) في (ب) النهي. (¬8) إشارة لقصة ابن الزبعري. (¬9) هذه الأجوبة عن الفقرة المتقدمة المبدوءة بقوله: فإن قيل ولم ترد مرقمة.

الواحدي (¬1) وغيره في سبب نزوله (¬2)، ولأن الخطاب لو كان مع عبدة الأوثان لما ورد السؤال. ب - أن تعذيب المعبود للرضا بالعبادة جائز. وقد يتوهم الرضا فيصح السؤال. ب - أن اتفاق المفسرين على ذكره في سبب نزول الآية ينفي ذلك. سلمنا لكن خبر الواحد يفيد الظن. والأدلة اللفظية لا تفيد إلا إياه. والدليل على غير أبي الحسين: القياس على جواز تأخير التخصيص في الأزمان عكسًا بجامع نفي إيهام العموم في المجمل (¬3). فإن قيل: حكم الخطاب معلوم الانقطاع بالموت واحتمال النسخ لا يمنع العمل في الحال، وقد عدما في التخصيص. قلنا: قوله صل كل يوم جمعة عام في الدوام فسقوط التكليف بالموت لا ينفي عمومه فيما قبله. وأيضًا لما كان عامًا في الدوام لغة، مع أنه يقيد بالحياة والمكنة جاز مثله في العموم. ولقائلٍ (¬4) أن يضعف هذا بأن جوازه في العموم معلوم لكن شرطه ¬

_ (¬1) علي بن أحمد بن محمد الواحدي النيسابوري الشافعي أبو الحسن، مفسر نحوي لغوي فقيه شاعر إخباري، توفي في نيسابور سنة 468 هـ، من تصانيفه البسيط في التفسير في نحو 16 مجلدًا، المغازي شرح ديوان المتنبي، الأغراب في الِإعراب، نفي التحريف عن القرآن الشريف. ترجم له معجم المؤلفين 7/ 26. (¬2) كتابه أسباب النزول أشهر ما ألف اختصره إبراهيم الجعبري بحذف الِإسناد وكتاب الواحدي مطبوع عدة مرات لوحده، ومع تفسير الجلالين. انظر كشف الظنون 1/ 76. (¬3) في "أ" والجهل وسقطت من (ب). (¬4) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على الِإمام الرازي -رحمهما الله- في قياسه جواز تأخير المخصص على جواز تأخير المخصص في الأزمان (النسخ) أنه يوجد فرق بين التخصيص، حيث إن المخصص في الأزمان معلوم وموجود عقلًا، وهو رفع التكليف بالموت. وأما في تخصيص الأعيان غير موجود، لأنه لا مجال للعقل في إخراج البعض دون البعض قلت: يظهر في اعتراض الأرموي رحمه الله أنه يقول لا مجال للعقل في تخصيص الأعيان، وهذا معارض لما تقدم من الكلام على قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} وتدمر كل شيء حيث إنها خصصت بالعقل.

وجود المخصص والمخصص العقلي معلوم في الأزمان دون الأعيان. قوله: احتمال التخصيص يمنع العمل في الحال، قلنا: لا يمنع منه وقت الحاجة ولا يضر المنع قبله. دليل آخر في المسألة (¬1): أجمعنا على جواز موت كل مكلفٍ بالخطاب العام قبل وقت الفعل وموته، حينئذٍ يخصصه من الخطاب ولم يتقدم بيان. احتج أبو الحسين على المنع من تأخير بيان ما استعمل في غير ظاهره بوجهين: أ- العموم خطاب لنا: فإن قصد إفهامنا (¬2) بظاهره، فقد أراد الجهل منا أو بغير ظاهره، فقد أراد منا ما لا سبيل إليه. وإن لم يقصد إفهامنا انتقض كونه خطابًا لنا. إذ الخطاب معناه قصد الِإفهام ولكان ذلك إغراءً لنا بالجهل. إذ ظاهره يفيد أنه قصد إفهامنا. ولكن ذلك (¬3) عبثًا إذ لا فائدة للخطاب إلا قصد الِإفهام ولجاز خطاب العربي بالزنجي والنائم واليقظان بالتصويت والتصفيق، ثم يبيته بعد (¬4) مدة ولا يفرق بأن العربي يفهم الأمر بشيء في قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} لأنه يجوز (¬5) أن يكون المراد من الأمر غيره ثم يبينه فاستويا. بل خطاب الزنجي بالعربي أولى بالجواز، إذ لا يدعوه ظاهره إلى اعتقاد غير المراد. ب - لو جاز ذلك لتعذر معرفة وقت العمل، لجواز أن يقوِل: صلوا غدًا ويريد بعد غد وبعد بعده وهلم جرًا، إذ يسمى الكل غدًا مجازًا. ولو بينِ في الغد صفة الفعل ثم قال: افعل الآن، جاز أن يريد به زمانًا متراخيًا. ¬

_ (¬1) خلاصة هذا الدليل أن الِإجماع قائم على أنه يجوز أن يموت المكلف بالعام قبل وقت الفعل وهذا يعتبر أن العام مخصص به، ولكن من غير خطاب مخصص. وهذا يلزم منه جواز تأخر المخصص. قلت: قد يرد على هذا الدليل نفي عدم وجود المخصص، حيث إن المخصص كان معلومًا عقلًا فكأنه لم يتأخر. (¬2) في "هـ" اللام بدل الباء في الموضعين. (¬3) سقط من "هـ" ذلك. (¬4) في "ب، د" (بعده) بدل (بعد مرة). (¬5) في "جـ" زيادة: "له".

والجواب عن (¬1) "أ" بوجهين: أ - أنه ينتقض (¬2) بعدم جواز اعتقاد العموم من العام وقت طلب الأدلة العقلية والسمعية. فإن فرق بأن علم المكلف بكثرة السنن والأدلة كالِإشعار بالتخصيص. قلنا: يجوز وجدان المخصص فيما معه من الأدلة في ثاني الحال، كتجويز حدوث مخصص في ثاني الحال، فمنع أحدهما من اعتقاد العموم في الحالِ كمنع الآخر منه. وينتقض بزمان البيان بكلامٍ طويل وفعل طويل، وبتأخيره بزمانٍ قصير، وبتأخير بيان الجمل (¬3) المعطوف عليها إلِى الفراغ من المعطوف، لِإتيان التقسيم المذكور فيه وإن لم يعد تأخيرًا، وتجويز ورود شرط على الكلام فيما بعد. إن منع الحمل على الظاهر منع تجويز ورود المخصص بعده منه. ولقائلٍ أن يقول: الاحتمالان المذكوران في الصورتين راجحان على الاحتمال المذكور في صورة النزاع، فمنع الراجح من الحمل على الظاهر لا يستلزم منع المرجوح منه. وينتقض أيضًا بجواز موت كل مخاطب قبل الفعل، وينتقض على غير أبي الحسين من المعتزلة بتأخير بيان النسخ إجمالًا وتفصيلًا، حيث اقتضى اللفظ الدوام. ب - أن الغرض الِإفهام بمعنىِ إفادة الظن بالظاهر لا اليقين. وحينئذٍ لا يكون ناقضًا للخطاب ولا مُغريًا بالجهل ولا عابثًا وبهذا يخرج خطاب الزنجي بالعربي فإنه لا يفيد ظنه بشيء، ويمتنع أن يكون الغرض الِإفهام المفيد اليقين إذ الأدلة (¬4) اللفظية لا تفيده لما سبق. وظن الظاهر لا يمنع ورود ¬

_ (¬1) أي الجواب عن "أ" من أدلة أبي الحسين البصري المتقدمة. (¬2) في "ب، جـ، د" النقض. (¬3) في جميع النسخ ما عدا "ب" الحركة. (¬4) في "أ" (الدلالة) بدل (الأدلة).

المخصص عليه كما أن ظن نزول المطرِ من الغيم الرطب شتاءً، لا يمنع تخلف المطر عنه وإلا كان الظن يقينًا (¬1). جواب آخر: إن اللفظ مع المخصص يفيد الخاص، ومع عدمه العام واحتمالها سواء، فصار كالمجمل والمتواطئ وليس هذا عدولًا إلى القول بالاشتراك، إذ اللفظ وحده يفيد العموم إلا أن شرطه عدم المخصص والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط. ولقائلٍ أن يقول (¬2): الِإفهام بمعنى إفادة ظن (¬3) الظاهر إرادة ظن الكاذب وأنه ممتنع. وأما تسوية الاحتمالين (¬4) ممنوع لا كالمجمل والمتواطئ. ب (¬5) - أن اللفظ (¬6) المعيِّن للوقت (¬7) يفيد اليقين بقرائن. فإن لم يوجد قرينة وحصر الوقت المدلول عليه باللفظ غلب على الظن إفادة اللفظ الوجوب فيه، والظن يكفي في وجوب العمل، وظن عدم المخصص لا يكفي في القطع بالعموم. ¬

_ (¬1) في "أ" نفيًا. (¬2) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي: أنه موجه لفرع "ب" من الدليل الأول وللدليل الآخر من أدلة الِإمام الرازي - رحمهما الله تعالى - وفيه منع الِإرادة بالِإفهام إفادة الظاهر، لأن فيه إغراء على الجهل، وكذلك إرادة الظن الكاذب تستلزم الِإغراء أيضًا، وهو ممتنع على الله، وبالنسبة للدليل الآخر منع استواء الاحتمالين، حيث إن أحتمال عدم المخصص راجح على وجوده، إذ الأصل عدمه. قلت: وهذا يمكن دفعه بقولهم: ما من عام إلا وقد خصص ولم يمثلوا للعام الباقي على عمومه إلا بأمثلة معدودة كقوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. (¬3) سقط من "أ، ب، د" ظن في الموضعين. (¬4) في "أ، ب" تسويته بين احتمالين. (¬5) في "جـ" وعن جـ. (¬6) هذا جواب عن الدليل الثاني من أدلة أبي الحسين البصري المبدوء بقوله: ما جاز ذلك لتعذر معرفة وقت العمل. (¬7) في "ب" اللفظ المعين المؤقت.

المسألة الثانية

ويدل على جواز التأخير في المشترك. أنه (¬1) وإن كان مجملًا من حيث إفادته لمعنى من المعنيين، لكنه ظاهر من حيث إفادته لأحدهما، وهذا القدر يصلح أن يراد تعريفه. إذ قد يقول الرجل لغيره: لي إليك حاجة مهمة أوصيك بها. وقد يقول: رأيت رجلًا في موضع (¬2) كذا. وغرضه الِإعلام بهذه الجملة لكراهته وقوف غيره عليه. ثم يبين بعد ذلك. وقد يقول الملك لغيره: وليتك البلد الفلاني. فاخرج إليه وأنا أكتب إليك تفاصيل ما تعمل. ويقول أحدنا لغلامه: إني آمرك أن تبع غلامًا أبينه لك غدًا، لهذا وضعت في اللغة ألفاظ مبهمة، وتأخير بيان المجمل مثله (¬3). فإن قلتَ: الغرض من الأمر الفعل. والِإبهام يخل بالغرض من التمكن وأما الاعتقاد فتابع قلت: الغرض هو الفعل وقت الحاجة والعلم قبله. احتجوا: بأنه لو جاز ذلك لجاز خطاب العربي بالزنجي ولا يفرق بأن العربي لا يفهم من الزنجي شيئًا، لأنه إن اعتبر في حسن الخطاب الوقوف على كمال المراد حصل المطلوب وإن كُفي الوقوف عليه من بعض الوجوه فالعربي يعلم أن المراد إما الأمر أو النهي أو غيرهما. والجواب المعتبر: إفادة الخطاب فهم ما وضع له في الجملة مع التمكن من معرفة ما هو المراد منه، وهذا غير حاصل في النقض (¬4). " المسألة الثانية" يجوز للنبي عليه السلام تأخير ما يوحِى إليه إلى وقت الحاجة، إذ تقديم الإِعلام في الشاهد قد يكون قبيحًا. وقد يكون تركه قبيحًا وقد يستويان. وكذلك قد يعلم الله تعالى اختلاف مصلحة المكلف في التقديم والتأخير، فلا يجب التقديم مطلقًا. ¬

_ (¬1) سقط من "أ" أنه. (¬2) سقط من "هـ" موضع. (¬3) في "ب، جـ" وهذا يشبه ما اخترناه من تأخير بيان المجمل قبله. (¬4) في "أ" البعض بدل النقض والمراد خطاب العربي بالزنجي.

احتجوا. بقوله تعالى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} (¬1). والجواب: لا نسلم أن الأمر للفور. سلمنا. لكن المراد القرآن. إذ هو (¬2) المفهوم من المُنَزَّل. ¬

_ (¬1) [المائدة: 67]. (¬2) سقط من "أ" هو.

الفصل الرابع في المبين

" الفصل الرابع" في المبيَّن له وفيه مسائل " المسألة الأولى" يجب البيان لمن أُريد إفهامه لئلا (¬1) يلام التكليف بما لا سبيل إلى معرفته. ولا يجب لمن لم يرد إفهامه. إذ لا تعلق له بالخطاب. ثم كل منهما قد يراد منه العمل بمقتضى الخطاب وقد لا يراد منه ذلك. والأول والثاني كالعلماء بالنسبة للخطاب المتعلق بأفعالهم والمتعلق بأحكام الحيض. والثالث كأمتنا بالنسبة إلى الكتب الماضية. والرابع كالنساء بالنسبة إلى الخطاب المتعلق بأحكام الحيض. " المسألة الثانية" يجوز إسماع العام المخصوص بالعقل من غير التنبيه على ذلك المخصص وفاقًا، وكذا إسماع المخصوص بالسمع بدون إسماع (¬2) ذلك المخصص، وهو قول النظام (¬3) وأبي هاشم خلافًا لأبي الهذيل (¬4) والجبائي. ¬

_ (¬1) سقط من "ب، جـ، د" لئلا يلزم التكليف بما لا سبيل إلى معرفته. (¬2) في "هـ" (استماع) بدل (إسماع). (¬3) هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيار المعتزلي رأس الفرقة النظامية. تتلمذ على الخليل بن أحمد وأبي الهذيل العلاف، درس مذهب المانوية وآراء المعتزلة والفلاسفة وتأثر بها، من أخمر تلاميذه الجاحظ، أنكر حجية الِإجماع والقياس وألف كتاب النكت في ذلك، توفي ما بين 221 - 223. انظر: دائرة المعارف للبستاني 1/ 168، الفهرست 31، تاريخ بغداد 6/ 97، خطط المقريزي 4/ 165. (¬4) هو محمد بن الهذيل أبو عبد الله المعروف بالعلاف، رأس في الاعتزال، مات سنة 235 هـ، =

لنا: أ (¬1) - أن كثيرًا من الصحابة سمعوا آيةَ الوصية (¬2) ولم يسمعوا قوله عليه السلام: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" (¬3). وسمعوا آية قتل المشركين ولم يسمعوا قوله عليه السلام: "سُنوا بهم سنة أهل الكتاب" (¬4) إلى زمان عمر رضي الله عنه والواحد منا كثيرًا ما يسمع عمومات مخصوصة دون سماع مخصصاتها وإنكاره مكابرة. ب - القياس على المخصوص بدليل العقل بجامع التمكن من معرفة المراد. احتجوا: بأن ذلك إغراء بالجهل ويستلزم جواز خطاب العربي بالزنجي، وقد سبق جوابهما. وبأن دلالة العام مشروِطة بعدم المخصص وتجويز ذلك يفضي إلى أنه لا يجوز التمسك بالعام إلَّا بعد الطواف (¬5) في الدنيا للسؤال (¬6) عن المخصص. وجوابه: أن العموم مظنون والظن حجة في العمليات. ¬

_ = وقيل بعد ذلك انظر الحُور العين 209، معجم المؤلفين 1/ 249، ضحى الِإسلام 3/ 98، الفرق الِإسلامية للبشبيشي 19. (¬1) يناسب وضع "أ" بعد لنا مع سقوطها من جميع النسخ. (¬2) قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ...}. (¬3) انظر هامش صفحة (1/ 390) من هذا الكتاب. (¬4) انظر هامش صفحة (1/ 280) من هذا الكتاب. (¬5) وفي "هـ" الطوف. (¬6) في "هـ" على السؤال.

الكلام في الأفعال

الكَلاَم في الأَفعَال (¬1) وفيه مسائل " المسألة الأولى" قيل: (لا يجوز على الأنبياء عليهم السلام ذنبٌ ما بوجهٍ ما وهو قول الشيعة) (¬2). وقيل: يجوز. ثم اختلفوا في الذنب الاعتقادي الذي لا يكون كفرًا. واتفقوا على أنه لا يجوز منهم الكفر خلافًا للفضيلية (¬3) من الخوارج، إذ ¬

_ (¬1) في "أ، في العمليات. (¬2) هم الذين شايعوا عليًا رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصًا ووصية إما جليًا وإما خفيًا. واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج عن أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده، والإمامة ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفال الإمام أو إهماله ولا تفويضه إلى العامة، ولا ينصّب الإمام بتنصيبهم والأئمة عندهم معصومون وجوبًا عن الكبائر والصغائر. وهم فرق كثيرة جدًّا بعضهم يكفره أهل السنة، وبعضهم لا يصل في اعتقاده لدرجة الكفر، ومنهم الكيسانية والزيديَّة والإمامية والغلاة والإسماعيلية، انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/ 146، وفرق الشيعة للنوبختي. (¬3) الفضيلية من الخوارج: طائفة تنسب إلى الفضل بن عيسى الرقاشي وقد عده الشهرستاني من الخوارج ونسبه ابن حجر في لسان الميزان إلى المعتزلة وهم يقولون: إن كل معصية صغرت أم كبرت إنها شرك، ويكفرون من خالفهم ومن بلاياهم أن من أظهر الإيمان فهو مؤمن حتى ولو أسر الكفر. والخوارج هم الذين خرجوا على علي ومعاوية رضي الله عنهما، لأن عليًا رضي بالتحكيم محتجن بأنه لا يجوز أن يحكم الرجال في دين الله، وأنه لا حكم إلا لله وكفروا عليًا لقبوله التحكيم وحاربوه وهم فرقٌ كثيرة لا يزال منهم الأباضية في سلطنة عمان وفي الجزائر انظر الحور العين 170، وما بعدها، الفرق بين الفرق 19 - 45، الفرق الإسلامية للبشبيشي 30 =

المسألة الثانية

قالوا (¬1) وقعت منهم ذنوب وكل ذنب عندهم كفر. وأجازت الشيعة اظهار الكفر تقيةً. ولا تغيير (¬2) ما أنزل اليهم وإلَّا زال الوثوق بقولهم ولا الخطأ في الفتوى. وقيل بجوازهما سهوًا. أما الذنب الفعلي. فقيل يجوز عليهم الكبيرة والحشوية (¬3) منهم قالوا بوقوعها. ومنع القاضي أبو بكر من وقوعها سمعًا. وقيل: لا تجوز عليهم كبيرة ولا صغيرة عمدًا ويجوز مؤولًا وقيل: ولا مؤولًا بل سهوًا، ويعاتبون به لاختصاصهم بزيادة المعرفة والتحفظ. قيل: لا تجوز عليهم كبيرة وتجوز صغيرة عمدًا وخطًا ومؤولًا، إلا ما ينفر كالكذب والتطفيف، وهو قول أكثر المعتزلة. وعندنا أنه لا يقع منهم ذنب قصدًا وأما سهوًا، فقد يقع بشرط أن يتذكروه في الحال ويُنبهوا على كونه سهوًا. المسألة الثانية مجرد فعله عليه السلام يدل على الوجوب عند ابن سريج (¬4) والإصطخري (¬5) وابن خيران (¬6) وعلى الندب عند قوم وينسب إلى الشافعي. ¬

_ = وما بعدها، المواقف 629، مقالات الإسلاميين 81، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 114 - 138. (¬1) سقط من "أ، جـ، هـ" قالوا. (¬2) في "أ" ولا يعتبر. وهو تصحيف. والجملة معطوفة على قوله لا يجوز منهم الكفر. (¬3) أول من استعمل لفظ الحشوية عمرو بن عبيد يرمي بها بعض الصحابة وعلماء الحديث، وهم يقدسون العقل ويؤثرونه على النقل وانظر هامش صفحة 1/ 254 من هذا الكتاب. (¬4) انظر هامش 1/ 297 من هذا الكتاب. (¬5) هو أبو سعيد الحسن بن أحمد الإصطخري الشافعي، تولىٍ القضاء والحسبة، من آرائه الخاصة في الأصول. إن فعل الرسول المداوم عليه يكون واجبًا في حقه وحق أمته، توفي سنة 328 هـ، له ترجمة في الفهرست 300، تاريخ بغداد 7/ 268، وفيات الأعيان 1/ 161، البداية والنهاية 11/ 193، شذرات الذهب 2/ 312، طبقات الشافعية لابن السبكي 2/ 193. (¬6) هو أبو علي الحسين بن صالح بن خيران البغدادي من كبار فقهاء الشافعية، توفي سنة =

وعلى الإباحة عند مالك. وبتوقف في الكل عند الصيرفي وأكثر المعتزلة وهو المختار. لنا: أنه (¬1) يجوز كون ذلك الفعل ذنبًا - إن جوَّزنا الذنب عليه - ومباحًا ومندوبًا وواجبًا عامًا وواجبًا مختصًا به فامتنع الجزم. احتجوا على الوجوب بوجوه: أ - قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (¬2). والأمر هو الفعل وحرمة المخالفة توجب الموافقة. وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬3) الآية، وهو وعيد على ترك التأسي به، وهو فعل مثل فعله وقوله (¬4) تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} (¬5) والمتابعة فعل مثل فعل الخير. وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (¬6). وما فعله أتاناه. وقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (¬7) وفاعلٍ مثل فعل الخير (¬8) طائع له. وقوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (¬9) الآية. بيَّن أنه إنما زوجها منه ليكون حكم أمته مساويًا لحكمه فيه. ¬

_ =320 هـ، انظر طبقات الشافعية لابن هداية 55، طبقات ابن السبكي 2/ 213، تذكرة الحفاظ 3/ 19، تاريخ بغداد 8/ 53، الكامل 8/ 84، شذرات الذهب 2/ 287، البداية والنهاية 11/ 171، النجوم الزاهرة 3/ 235، مرآة الجنان 2/ 280. (¬1) وفي "أ" لا يجوز. (¬2) [النور: 63]. (¬3) [الأحزاب: 21]. وسقط من "أ" رسول الله. (¬4) سقط من "أ" قوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ}. (¬5) [آل عمران: 31]. (¬6) [الحشر: 7]. (¬7) [النساء: 59]. (¬8) سقط من "ب" (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وفاعل مثل فعل الغير طائع له). وفي (د، هـ) (فعله) بدل (فعل الغير). (¬9) الأحزاب: 37،. وتمام الآية: {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} وموضع الشاهد في مقدمتها.

ب - رجعت الصحابة إلى فعله "في التقاء الختانين" (¬1) لما اختلفوا فيه. و"واصلوا لما واصل" (¬2) وخلعوا نعالهم في الصلاة لما خلع (¬3). وأمرهم بالتحلل بالحلق عام الحديبية فتوقفوا فشكا إلى أم سلمة (¬4) فقالت: اخرج إليهم فاحلق واذبح ففعل فحلقوا وذبحوا مسارعين (¬5). وخلع خاتمه فخلعوا (¬6) وكان عمر رضي الله عنه يقبل الحجر الأسود ويقول: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك) (¬7) وقال عليه السلام لأم سلمة حين سألت عن قبلة الصائم: (ألا أخبرتيه أني أقبل وأنا صائم) (¬8) وهذا يدل على تقرير (¬9) وجوب العود إلى أفعاله عندهم. ¬

_ (¬1) متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ: "إذا جلس الرجل بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" وزاد مسلم. وإن لم ينزل. وأخرجه أيضًا أحمد والنسائي وابن ماجه وأخرجه مسلم وغيره عن عائشة. انظر فتح الباري 1/ 395، الفتح الكبير 1/ 100. (¬2) أحاديث النهي عن الوصال في الصيام أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما، وفي بعض طرقها ذكر سبب النهي أنه جماعة من الصحابة واصلوا لما واصل (فتح الباري 4/ 202). (¬3) رواه ابن حبان وعبد بن حميد وإسحاق بن راهويه وأبو يعلى وأبو داود من حديث أبي سعيد الخدري انظر (نصب الراية 1/ 208، سنن أبي داود 1/ 175). (¬4) أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله القرشية المخزومية. أم المؤمنين واسمها هند أمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة، وكانت تحت ابن عمها أبي سلمة، مات عنها فتزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد أن اعتذرت بأنها غيورة، وبأنه ليس لها ولي وانها كبيرة دعا لها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يذهب غيرتها وزوجها ابنها على الراجح سنة أربع من الهجرة، كانت قد هاجرت مع زوجها للحبشة، فولدت له هناك سلمة ثم هاجرت للمدينة، فولدت له فيها عمر ودرة وزينب، والراجح أنها ماتت في خلافة يزيد بن أبي سفيان بعد وقعة الحرة، انظر الإصابة 8/ 241، الاستيعاب 1939. (¬5) أخرج القصة البخاري وابن هشام وغيرهما، وهي طويلة جدًّا. انظر هداية الباري 1/ 178، فتح الباري 5/ 330. (¬6) أخرج الستة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. اصطنع رصول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمًا من ذهب فصنع الناس خواتم الذهب، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه وقال: والله لا البسه أبدًا فنبذ الناس خواتمهم. انظر تيسير الوصول إلى جامع الأصول 2/ 133. (¬7) رواه الستة والحاكم. انظر نصب الراية 3/ 38، فتح الباري 3/ 462. (¬8) الحديث بهذا اللفظ لم اعثر عليه، ولكن معناه متفق عليه من رواية أم سلمة وعائشة وحفصة، انظر فتح الباري 4/ 252، صحيح مسلم 3/ 135. (¬9) في "أ" (تقرر) بدل (تقرير).

جـ - أن حمل فعله على الوجوب أحوط فوجب المصير إليه. د- تعظيمه (¬1) عليه السلام واجب وفعل مثل فعله تعظيم له كما في العرف فيجب قياسًا عليه (¬2). والجواب عن الآية الأولى: أن الأمر حقيقة في القول فقط. سلمنا كونه حقيقة فيهما لكن حمله على القول أولى لقرينة ذكر الدعاء. سلمنا: لكنه أريد به القول إجماعًا، والمشترك لا يحمل على معنييه. سلمنا. لكن الهاء ضمير الله تعالى، لكونه أقرب وإن قال ورودها للحث على الرجوع إلىِ أقواله وأفعاله عليه السلام قرينة عود الضمير إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأيضًا لا امتناع في عوده إليهما. قلنا: العود إلى الله أيضًا مؤكد لذلك الحث وضمير الواحد لا يجوز عوده إليهما. قلنا: العود إلى الله أيضًا مؤكد لذلك الحث وضمير الواحد لا يجوز عوده إلى اثنين. سلمنا عود الضمير إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -. لكن لا نسلم أن عدم فعل مثل فعله مخالفة له. فإن المخالفة لغة وإن كانت عدم فعل مثل فعل الغير لمضادتها الموافقة، وهي فعل مثل فعل الغير ولعدم قيام كل واحد من فعل مثل فعل الغير وعدمه مقام الآخر بوجه أصلًا، لكن الشرع زاد عليه وجوب الفعل المتروك، حتى لا يسمى ترك الحائض الصلاة مخالفة للمسلمين. وحينئذٍ بيان الوجوب بالمخالفة دورٌ وهو جواب آية التأسي. وعن آيتي (¬3) المتابعة: منع العموم فإنه يوجب وجوب الفعل علينا واعتقاد عدم وجوبه بتقدير (¬4) أنه لا يكون واجبًا عليه وأنه متناقض. وعن آية الإيتاء (¬5): أن المراد الأمر لقوله تعالى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬6). لأنا بحفظ الأمر وامتثاله نصير كالأخذين له وهو كالمعطي. ¬

_ (¬1) وذلك أخذ من قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ}. (¬2) سقط من (أ، ب) "عليه". (¬3) في "أ" آية المتابعة. والصواب آيتي وهما. قوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}. (¬4) في (أ، ب، جـ) وتقدير. (¬5) في (ب، د، هـ) الإتيان والصواب الإيتاء، لأنه مصدر آتى بمعنى أعطى. (¬6) "عنه فانتهوا" موجودة في (هـ) فقط.

وعن آية الطاعة (¬1): أنها موافقة الأمر أو الإرادة (¬2) وإثباتهما (¬3) بالفعل وعن آية زيد: أنها تنفي الحرج عن فعل مثل فعله ولا يلزم منه الوجوب. ب - أنه خبر واحد ولا يفيد العلم ولهم اثبات الظن به ثم الوجوب بالظن سيأتي في القياس، ولأن أكثر هذه الأخبار ورد في الصلاة والحج، فلعله عليه السلام كان يُبيِّن لهم مساواته اياهم فيها. قال عليه السلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، "خذوا عني مناسككم" (¬4). ومسألة التقاء الختانين وتقبيل الحجر منه. وأما الوصال فلما قصدوا به إتيان الواجب كما في الصوم أنكر عليهم، ولا يعلم أنهم خلعوا نعالهم وجوبًا. وأيضًا يحتمل أنهم اعتقدوا وجوب الخلع عليهم (¬5) لتقدم قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (¬6) اذ لا يترك مأمور به إلَّا لأمرٍ. كيف؟ وقد أنكر عليهم. ولما عللوا بفعله قال: أن جبريل أخبرني أن فيها أذى وذلك ينفي وجوب اتباعه ما لم يعرفوا وجه وقوعه. جـ - منع الاحتياط باحتمال حرمة الفعل على الأمة. د - أن ترك مثل فعل الملك قد يكون تعظيمًا له. احتجوا على الندب بوجوه: أ - آية الأسوة فإن قوله: (لكم) ينفي الوجوب. وقوله: (أسوة حسنة) ينفي الإباحة. ¬

_ (¬1) آية الطاعة هي قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} المتقدمة والجواب عن الاستدلال بها، أنه يمتنع توقف وجوب الفعل على الطاعة، لأن الطاعة متوقفة على وجوب الفعل للزوم الدور. (¬2) في (أ، جـ) "إذ" بدل "أو". (¬3) في "أ" (وإتيانهما) بدل (إثباتهما). (¬4) عند تخريج الحديثين في صفحة 1/ 419 من هذا الكتاب. (¬5) في "هـ" عليه. (¬6) [الأعراف: 31].

المسألة الثالثة

ب - تطابق الناس على التأسي به في أفعاله. جـ - أن فعله راجح الوجود اذ فعل راجح العدم ذنب. وفعلَ مساويه عبث، وهو ممنوع منهما لقوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} (¬1). الآية. ثم عدم الوجوب ثابت بالأصل فيثبت الندب. والجواب عن: أ - ما سبق من تفسير التأسي. ب - أن ذلك للقرائن مع الفعل. جـ - أن فعل المباح لغرض عاجل لا يكون عبثًا. واحتجوا على الإباحة: أن فعله إما واجب أو مندوب أو مباح، إذ لا يوجد منه ذنب والمشترك رفع الحرج عن الفعل. والأصل عدم الرجحان. وهذا يقتضي إباحة كل أفعاله، إلّا ما علم أو ندبيته وإباحته في حقه إباحة في حقنا بآية التأسي، إلّا فيما اختص به. والجواب: منع ذلك في حقنا. وآية التأسي نجيب عنها. " المسألة الثالثة" قال جماهير الفقهاء والمعتزلة: يجب التأسي به. أي: إذا علمنا أنه فعل فعلًا على وجهٍ تعبدنا بفعله على ذلك الوجه. وقال أبو علي (¬2) بن خلاد يجب التأسي به في العبادات فقط. وقيل بمنعه مطلقًا. احتج أبو الحسين بآية الأسوة وآيتي الإتباع. فإن التأسي والإتباع (¬3) فعل ¬

_ (¬1) [المؤمنون: 115]. الموجود في جميع النسخ "أفحسبتم" فقط. (¬2) هو أبو علي محمد بن خلاد البصري، صاحب كتابي الأصول والشرع وغيرهما. تتلمذ على أبي علي وأبي هاشم الجبائيين، انظر الفهرست 247، طبقات المعتزلة ص 324. (¬3) سقط من "ب" فإن التأسي والإتباع.

مثل فعل الغير على وجه فعله وبرجوع الصحابة إلى أزواجه في قبلة الصائم (¬1) وإصباحه جنبًا (¬2) وتزويجه ميمونة (¬3) وهو حلال أو (¬4) حرام. والاعتراض على الأول: أنه لا يفيد العموم كقوله: لك في الدار ثوب حسن والتأسي به في الجملة واجب حيث قال عليه السلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي". و"خذوا عني مناسككم" (¬5). كيف؟ والآية وردت بصيغة الماضي. ولا يقال. لا يقال (¬6) فلان أسوة فلان ما لم يقتد به في كل شيء إلَّا ما خصه الدليل لأنا نمنع ذلك. فإن من تعلم نوعًا من العلم من إنسان يقال له في فلان أسوة حسنة. ويقال فلان أسوة فلان في كل شيء أو في بعض الأشياء. وعلى الثاني: أن الأمر بالماهية لا يفيد العموم والتمسك بأشعار ترتب (¬7) على الاسم منقوض بقول السيد لعبده (¬8): اسقني، وقم، وغيره من النقوض الكثيرة وعلى الِإجماع (¬9) ما مر. ¬

_ (¬1) انظر تخريج حديث قبلة الصائم في هامش صفحة 1/ 438. (¬2) إشارة لحديث عائشة وأم سلمة المتفق عليه (أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصبح جنبًا من جماع أهله ثم يصوم، وزاد مسلم من حديث أم سلمة ولا يقضي). انظر تلخيص الحبير 2/ 202. (¬3) هي ميمونة بنت الحارث الهلالية أخت أم الفضل بن العباس، كان اسمها برة سماها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ميمونة وأمها هند بنت عوف الحميرية. خطبها للرسول - صلى الله عليه وسلم - جعفر بن أبي طالب، لأنها كانت عنده أختها من أمها وزوجها من الرسول - صلى الله عليه وسلم - العباسي، لأن أختها أم الفضل كانت عنده وأختلف في زواجها، هل كان والرسول محرمًا أو حلالًا والراجح أنه كان حلالًا. ماتت على الراجح سنة إحدى وخمسين قبل عائشة رضي الله عنها (الإصابة 8/ 193، الاستيعاب 1918، نصب الراية 3/ 170). (¬4) في "هـ" "أم" بدل "أو". (¬5) تقدم تخريج الحديثين في ص 1/ 419 من هذا الكتاب. (¬6) في "أ" (لا يقال لفلان أسوة فلان يقيد به). (¬7) في "هـ" ترتيب وهو خطأ إذ الفعل ترتب. (¬8) سقط من "ب" لعبده. (¬9) في "ب" الاجتماع.

التفريع: إذا وجب التأسي به عليه السلام وجب معرفة وجه فعله من الإباحة والندب والوجوب. وذلك إما بمعرفة أنه عليه السلام نص أنه فعله على ذلك الوجه. أو أنه مخَّير بينه وبين ما ثبت كونه على ذلك الوجه، إذ التخيير بين مختلفي الجنس لا يجوز، أو بمعرفة وروده امتثالًا أو بيانًا لآية دالة على ذلك الوجه أو بمعرفة نفي القسمين الباقيين. فيعرف (¬1) نفي الوجوب (¬2) والندب بالاستصحاب، ونفي الإباحة بقصد القربة. ويختص الندب والوجوب بمعرفة وقوع الفعل قضاء واجبٍ أو مندوب. والندب بمعرفة إدامة الفعل والإخلال به بلا نسخ. والوجوب بمعرفة وقوعه بأمارة الوجوب، كالصلاة بأذانٍ وإقامة ووقوعه جزاء لشرط موجب كالنذر. وأنه لو لم يجب لم يجز كركوعين في صلاة الخسوف، ثم الفعل إذا عارضه قول وعلم تقدم أحدهما، فإن تراخي المتأخر عن المتقدم نسخ حكمي المتقدم في حق من تناوله القول. اختص به عليه السلام أو بأمته أو عمهما. وإن تعقب القول الفعل وعم القول له ولأمته أسقط حكم الفعل عن الكل. وإن اختص بأحدهما خصصه عن عموم حكم الفعل وإن تعقب الفعل القول (¬3) وعم القول له ولأمته خصصه عن عموم القول. وإن إختص بالأمة ترجح القول على الفعل. إذ ترجيح (¬4) الفعل يلغي القول ولا ينعكس. وإن اختص به جاز إن جوَّز نسخ الشيء قبل حضور وقته وإلا فلا. وإن لم يعلم تقدم واحد رجح القول لاستغناء دلالته عن الفعل من غير عكسٍ وليقين (¬5) تناوله إيانا إذ الفعل بتقدير تقدمه لا يتناولنا. ¬

_ (¬1) في "هـ" كتعرف. (¬2) في "د" (الواجب) بدل (الوجوب). (¬3) في "جـ" فإن عم. (¬4) في "أ، ب، جـ" ترجح والصواب ترجيح، لأنه مصدر رجَّح. (¬5) في "أ" (التعيين).

المسألة الرابعة

" فرع" نهى عليه السلام عن استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة ثم استقبل بيت المقدس فيه في البنيان (¬1) فالشافعي خصص عموم النهي بفعله في البنيان، ليجوز استقبال القبلة في البنيان للكل. إذ فعله مع دليل وجوب التأسي أخص من عموم النهي. والكرخي جعل فعله من خواصه. والقاضي عبد الجبار توقف فيه. وإن عارضه فعل آخر بأن يقر عليه السلام شخصًا على فعل ضده فيعلم خروجه عنه. أو يفعل عليه السلام ضده في وقت يعلم لزوم مثله له فيه ما لم يرد ناسخ فيعلم نسخه عنه ثم النسخ والتخصيص بالحقيقة، إنَّما يلحق دليل وجوب التأسي به ودليل لزوم فعله عليه السلام له في المستقبل. " المسألة الرابعة" قيل: إنه (¬2) عليه السلام لم يكن قبل نبوته متعبدًا بشرع (¬3) من قبله. إذ لم يشتهر رجوعه إلى علماء شريعة ولا افتخار أهل شريعة به. ولا يعارض بأنه لم يشتهر عدم كونه على شريعةٍ، فإنَّ قومه لما لم يكن على شريعة لم يكن عدم كونه على شريعة بدعًا (¬4) بخلاف العكس. وقيل: كان على شريعة لعموم الشرائع المتقدمة، ولأنه أَكلَ اللحم وركَب البهيمة وطاف بالبيت. والجواب (¬5) عن: أ - منع عموم تلك الشرائع. ثم علمه أو ظنه بها وهو المراد من زمان الفترة. ب - أن ركوب البهيمة حسن عقلًا، لأن طريق حفظًا ونفعها بالعلف وأكل ¬

_ (¬1) رواه الجماعة من حديث سلمان الفارسي ورواه البخاري من حديث أبي أيوب الأنصاري انظر فتح الباري 1/ 468، نصب الراية 2/ 102. (¬2) ذكر القاضي الأرموي - رحمه الله - القولين بصيغة التضعيف "قيل" ولكن يظهر من إجابته عن أدلة من قال: إنه كان على شريعة قبل النبوة، أنه يقول بالقول الآخر وهو أنه لم يكن على شريعة قبل البعثة. (¬3) في "ب" بشرع أحد من قبله. (¬4) سقط من"ب" بدعًا. (¬5) لم يتقدم في المسألة "أ، ب". ويقصد ما ورد بعد قيل الواردة مرتين في المسألة.

اللحم حسنٌ عقلًا إذ لا يضر حيوانًا. والطواف لا يحرم من غيرِ شرع، وتوقف فيه قوم. وأما بعد نبوته فقال جمهور المعتزلة وكثير من الفقهاء بنفيه. وقال قوم من الفقهاء كان متعبدًا بشرع من قبله إلا ما نسخه الدليل. ثم قيل كان ذلك شرع إبراهيم وقيل شرع موسى وقيل شرع عيسى عليهم السلام. واعلم بأنه إن أريد بتعبده بشرع من قبله أن الله تعالى يوحي إليه بمثل (¬1) أحكام ذلك الشرع كُلًا فهو باطل لمخالفة شرعنا شرع من قبلنا (2) في أحكام كثيرة. أو بعضًا وأنه لا يقتضي إطلاق القول بأنه متعبد بشرع من قبلنا (¬2)، لإيهامه التبعية مع أصالة شرعه. وإن أريد أنه تعالى أمره باقتباس الأحكام من كتبهم فهو أيضا باطلٌ لوجوه: أ- لو كان كذلك لرجع إلى كتبهم ولو في واقعة ولما توقف إلى نزول الوحي، فإنه لم يعلم خلو تلك الشريعة عن حكم الواقعة، لتوقفه على البحث والطلب الشديد وعدم اشتهارها منه. ولم يرجع، لأنه لم يشتهر، ولأنه غضب حين طالع عمر رضي الله عنه ورقة من التوراة وقال عليه السلام: "لو كان موسى حيًا لما وسعه إلَّا اتباعي" (¬3). ورجوعه إلى التوراة في الرجم لم يكن لإثبات الشرع، لأنه لم يرجع في غيره إليها ولأنها محرفة عنده، ولأن قول من أخبره بوجود الرجم فيها لم يفد العلم بل كان لتقريره (¬4) عليهم لما حكموه فيه. ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" بمثل. (¬2) سقط من"ب" سطر كامل من قوله (من قبلنا إلى من قبلنا). (¬3) عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنسخة من التوراة فقال: يا رسول الله: هذه نسخة من التوراة فسكت. فجعل يقرأ ووجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتغير. فقال أبو بكر: ثكلتك الثواكل ما ترى ما بوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فنظر عمر إلى وجه رسول الله فقال: أعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله. رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ نبيًا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان موسى حيًا وأدرك نبوتي لاتبعني" رواه الدارمي 1/ 95. ورواه البيهقي في شعب الإيمان بلفظ: (لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم أنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم). (¬4) في "ب" للتقرب.

لا يقال: الملازمة ممنوعة فإن (¬1) نقل تلك الأحكام تواترًا يغني عن الرجوع إلى كتبهم، ونقلها آحادًا يمنع قبولها لكفر النقلة. لأنا نقول: جاز أن (¬2) ينقل بالتواتر متن الدلائل، لكن الاستدلال (¬3) به يتوقف على نظر دقيق، فكان يجب أن يشتهر عنه ذلك للنظر والبحث. ب - لو تعبد بشرع قوم لوجب على علماء الأعصار الرجوع إلى كتبهم لوجوب التآسي به، وعدمه منهم ينفي وجوبه، ولكان حفظها علينا فرض كفاية كالقرآن والأخبار. جـ - أنه عليه السلام صوب معاذًا في الحكم بالاجتهاد عند عدم الكتاب والسنة، وتعبده بشرع من قبله يوجب الرجوع إلى كتبهم قبل الاجتهاد، إذ لفظ الكتاب المذكور في الحديث ينصرف إلى القرآن لسبق الفهم إليه. فإن قلت في القرآن آيات دالة على الرجوع إليها، فلم نحتج إلى ذكره كالِإجماع. قلت: عدم تعلم معاذ التوراة والِإنجيل وتمييز المحرف منهما عن غيره ينفي ذلك احتجوا: بقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} (¬4). وقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (¬5). وقوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (¬6). وقوله تعالى: {أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} (¬7) وقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} (¬8). ¬

_ (¬1) في "هـ" تلك الأحكام إن نقلت تواترًا. (¬2) في "هـ" (يتعلق) بدل (ينقل). (¬3) في " أ" (الاستقلال) بدل (الاستدلال). (¬4) المائدة: 44]. (¬5) [الأنعام: 90]. (¬6) [النساء: 163]. (¬7) [النحل: 123]. (¬8) [الشورى: 13].

والجواب عن: أ (¬1) - أن كل النبيين لم يحكموا بكل التوراة، فالمراد أن كلهم حكموا ببعض ما فيها أو بعضهم حكموا بكل ما فيها. وأنه لا يضرنا. ب - أن المراد هدى كلهم، وهو ما اتفقوا عليه، وهو الأصول. جـ - أنه يقتضي تشبيهه الوحي بالوحي لا (¬2) تشبيه الموحى به بالموحى به. د - أن الملة هي الأصول. يقال (¬3) الشافعي وأبو حنيفة على ملةٍ واحدة ويدل عليه قوله تعالى: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} واندراس شريعة إبراهيم عليه السلام. هـ - أنه يقتضي أنه تعالى أمر محمدًا ونوحًا بإقامة الدين وأمرهما بإقامة الدين لا يقتضي اتحاد دينهما، كما أن أمر الاثنين بأداء الحقوق، لا يقتضي اتحاد حقوقهما - كيف؟ والآية تدل على أنه عليه السلام تعبد بما وصى به نوحًا بأمر مبتدئ. ¬

_ (¬1) لا يوجد ترقيم للمجاب عنه. وهذا الجواب عن الآية الأولى من أدلة من قال: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان بعد البعثة متعبدًا بشرع من قبله. (¬2) سقط من "ب" لا. (¬3) في "أ، جـ" (قال) بدل (يقال).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الكلام في النسخ

الكَلامُ في النَّسْخ وفيه فصول " الفصل الأول" في حقيقة النسخ وفيه مسائل

المسألة الأولى

" المسألة الأولى" النسخ في اللغة: الإبطال. يقال نسخت الريح آثار القدم. ونسخت الشمس الظل، والأصل الحقيقة الواحدة. وقال الفقهاء: هو النقل والاستعمال المذكور مجاز إذ الناسخ هو الله تعالى. ومعارض باستعماله في النقل. يقال: نسخت الكتاب ومنه تناسخ (¬1) الأرواح والقرون والمواريث، والأصل الحقيقة الواحدة. والجواب عن: أ (¬2) - أن الناسخ هو الله تعالى بمعنى أنه مؤثر المؤثر. وأيضاً تمسكناً بإطلاق اسم النسخ على الإزالة، لا بإسناد النسخ الى الريح والشمس. ب- أن الإزالة أعم منٍ النقل، فإنه إزالة عن موضع ثم وضع في آخر، وجعل اللفظ حقيقة في العام أولى. وأما في اصطلاح العلماء: فقال القاضي أبو بكر واختاره (¬3) الغزالي (أنه خطاب دال على ارتفاع حكم ثابتٍ بخطابٍ متقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عنه). وقولنا بخطاب متقدم احتراز عن رفع حكم العقل بالإيجاب ابتداء. ¬

_ (¬1) تناسخ الأرواح: انتقالها من أجسام إلى أجسام، وبه تقول طوائف في الهند، انظر الملل والنحل للشهرستاني 3/ 99، 2/ 113. (¬2) أي الجواب عن قول الفقهاء، إن النسخ بمعنى الإبطال استعمال مجازي. (¬3) في "ب" اختاره وأجازه الغزالي. وانظر المستصفى 128.

المسألة الثانية

وإنما قلنا على وجه لولاه لكان ثابتاً إذ به تحقق الرفع. وقولنا: مع تراخيه احتراز عن المتصل. وهذا فاسد، لأنه حد للناسخ لا للنسخ، ولأنا نبطل تفسير النسخ بالرفع، ولأن الناسخ والمنسوخ قد يكونا فِعلاً حيث يعلم أن الغرض منه إزالة حكم كان ثابتاً بفعل أو غيره، وإن لم يوجد خطاب يدل على وجوب متابعته عليه السلام، ولأن الإجماع يرفع جواز الأخذ بكلا القولين ولا يجوز النسخ به. وقد يجاب عنه أنا نحد النسخ لا النسخ الجائز. والأولى أن يقال: (الناسخ طريق شرعي يدل على أن مثل الحكمٍ الثابت بطريق شرعي لا يوجد بعده متراخياً عنه بحيث لولاه لكان ثابتا) ونريد بالطريق الشرعي (¬1) المشترك بين قول الله ورسوله وفعله (¬2). والإجماع والعقل والعجز ليست طرقاً شرعيةً بهذا التفسير والتقييد بالشرط والصفة والاستثناء متصل (¬3). ولو أمَر بفعل واحد ثم نهى عنه متراخياً لا يثبت حكم الأمر لولا النهي فخرج الكل. " المسألة الثانية" (¬4) قال القاضي: النسخ رفعٌ: أي الحكم المتأخر يزيل المتقدم. وقال الأستاذ أبو إسحاق: إنه بيان، أي انتهى الأول ثم حصل بعده الثاني. وهذا يشبه الخلاف في بقاء الأعراض. فإن من قال ببقائها. قال الباقي يبقى (¬5) إلى طريان ضده ثم يزول به ومن قال بعدم بقائها. قال الحاصل ينعدم بذاته ثم يحصل ضده بعده وتلك الدلائل نفياً وإثباتاً آتية ههنا. ¬

_ (¬1) سقط من "أ، جـ" الشرعى. (¬2) في جميع النسخ فعلهما، والصواب فعله برجوع الضمير للرسول - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) معنى هذه العبارة: بما أن الشرط والصفة والاسثناء متصلة خرجت بقوله متراخٍ عنه. (¬4) في "د" الثالثة. وينظر تفصيل الأقوال والأدلة في المحصول 1/ 3/ 430. (¬5) في "ب" (ينفي) بدل (يبقى).

احتج من أنكر الرفع بوجوه: أ- أنه ليس ارتفاع الحاصل بحدوث الحادث أولى من اندفاع الحادث بحصول الحاصل، وليس الحادث لحدوثه أقوى، إذ عدم الباقي حال بقائه ممتنع كعدم الحادث حال حدوثه، ولأن الباقي إن حدث له ما لم يكن حال حدوثه فذلك لحدوثه مساوٍ للحادث فلم يترجح الحادث على الباقي لذلك الأمر، وإن لم يحدث استوى الباقي لحدوثه للحادث. وإذ لا أولوية لأحدهما، لم يحصل أحدهما. ب- حصول الثاني مشروط بزوال الأول فتعليله به دور. ب- الحادث إن وجد حال وجود الأول لم ينافه وإن وجد حال عدمه لم يعدمه لامتناع إعدام المعدوم. وليس كالكسر مع الانكسار، الذي هو زوال تأليفات هي أعراض غير باقية، فلا يؤثر الكسر في إزالتها. د- المرفوع ليس خطاب الله تعالى لقدمه ولا تعلقه، لأنه عدمي أو قديم وإلا لكان الباري تعالى محلاً للحوادث وهذه الوجوه على القاضي ألزم، لتعويله عليها في امتناع إعدام الضد بالضد. احتج إمام الحرمين: بأن علم الله تعالى إن (¬1) تعلق باستمرار الحكم الأول أبدا، أو إلى وقت معين فامتنع (¬2) زواله أبداً، لوجب (¬3) في ذلك الوقت، وإلا انقلب العلم جهلاً، وإثبات الواجب والممتنع محال. وهذا ضعيف لجواز تعلقه بزواله في ذلك الوقت بالحادث، وذلك لا يمنع زواله به. كما لم يمنع (¬4) تعلق علمه بحدوث العالم في وقتٍ معين بالمؤثر من حدوثه فيه وبه. ¬

_ (¬1) سقط من "أ، جـ" "إن". (¬2) في "أ، جـ"بامتناع. (¬3) في "ب، د" ووجب. (¬4) في "هـ" يمتنع.

المسألة الثالثة

ولقائل أن يقول على: أ- لا نسلم أنه لا أولوية، إذ العلة التامة لعدم الشيء تنافي وجوده وبالعكس ولولا الأولوية، لامتنع حدوث العلة التامة لعدم ولا لوجود (¬1). ب- لا نسلم أنه مشروط به ولا يلزم من منافاة الشيء لغيره كون وجوده مشروطاً بزواله، كالعلة مع عدم المعلول. ب- أن إثبات العدم ليس إعدام المعدوم، كما أن إثبات الوجود ليس إيجاد الموجود. د- أن حدوث التعلق لا يوجب كون الباري محلاً للحوادث. احتج من أثبته بوجهين: أ- النسخ في اللغة الإزالة، وكذا في الشرع إذ الأصل عدم التغيير ولما سبق في نفي الألفاظ الشرعية. ب- تعلق الخطاب بالفعل يمتنع أن يكون عدمه لذاته، وإلا لم يوجد بل لمزيل وهو الناسخ. والجواب عن: أ- أن الظني لا يعارض اليقيني. ب- أنه تعلق به إلى ذلك الوقت فلا يفتقر عدمه بعده إلى معدم. " المسألة الثالثة" النسخ واقع ومنعه بعض اليهود (¬2) عقلاً وبعضهم سمعاً وأنكره بعض المسلمين أيضاً. ¬

_ (¬1) سقط من "جـ" لا. (¬2) يقول سيف الدين الأمدي: إن اليهود افترقت إلى ثلاث فرق فالشمعونية منعوه عقلًا وسمعاً، والعناية منعوه سمعاً فقط. والعيسوية: قالوا بجوازه ووقوعه ولكن محمداً لم ينسخ شريعة موسى، بل بعث إلى بني إسماعيل دون بني إسرائيل.

احتج بعض المثبتين: بإجماع الأمة. وبأن نبوته عليه السلام لا تصح إلا مع النسخ وقد صحت. وبأنه جاء في التوراة أنه تعالى قال لنوح عند خروجه من الفلك: (إني قد جعلت كل دابةٍ مأكلاً لك ولذريتك وأطَّلقتُ ذلك لكم كنبات العشب ما خلا الدم فلا تأكلوه) ثم حرم كثيراً من الحيوان على موسى وبني إسرائيل. وكان آدم يزوج الأختَ من الأخ، ثم حرمه الله تعالى على موسى. والأول ضعيف، إذ لا إجماع مع الخلاف، وكذلك الثاني لجواز تأقيت الشريعة المتقدمة إلى وقت ورود المتأخرة، وذلك لا يكون نسخاً، كما أن إباحة الإفطار بالليل لا يكون نسخاً لإيجاب الصوم إلى الليل، وهذا ما عوَّل عليه من أنكر النسخ من المسلمين إذ قال: ثبت في القرآن أن موسى وعيسى بشرا بشرع محمدٍ عليه السلام، وأوجبا الرجوع إليه عند ظهوره وكذا يقول في الإلزامين. والمعتمد قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (¬1). ووجه الاستدلال: أن صحة التمسك بالقرآن إن توقفت على صحة النسخ وقد صح لصحة نبوته عليه السلام فيصح النسخ، وإن لم يتوقف تمسكنا بالآية المذكورة. ولقائلٍ أن يقول (¬2): ملزومية الشيء لغيره لا تقتضي وقوعه ولا صحة وقوعه. احتج منكروه عقلاً: بأن الفعل إن كان حسناً قبح النهي عنه، وإن كان قبيحاً قبح الأمر به. ¬

_ (¬1) [البقرة: 106]. (¬2) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على احتجاج الإمام الرازي بالآية. أن الآية لا دليل فيها، وذلك لأنها شرطية. وصدقها لا يتوقف على صدق الطرفين لجواز اللزوم بين المحالين، وذلك بأن يكون الشرط والجزاء محالين. ثم رد الأسنوي هذا الاعتراض بأنه قد يقال: إن سبب نزول الآية يدل على الوقوع، فإن الزمخشري قد نقل في كشافه، أن الكفار طعنوا فقالوا: إن محمداً يأمر بالشيء ثم ينهى عنه، فأنزل الله تعالى هذه الآية. (انظر نهاية السول 2/ 168).

ومنكروه شرعاً بوجهين: أ- ثبت بالتواتر قول موسى عليه السلام: (تمسكوا بالسبت ما دامت السموات والأرض). ب- نص الشارع على شرع موسى فإن لم ينص على دوامه استحال نسخه، لأن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، وإن نص عليه، ولم ينص على أنه ينسخه امتنع نسخه، وإلا لزم التلبيس وأن لا يعرف دوام شرعنا وأن لا يوثق بوعده ووعيده، ولا يمكن معرفته بالإجماع، لأنه فرع الآية والخبر وعدم الوثوق بهما حينئذٍ ولا بالمتواتر، لأنه لم (¬1) ينقل بالتواتر إلا اللفظ فلعل المراد غير ظاهره. وإن نص أيضاً على أنه ينسخه لزم الجمع بين كلامين متناقضين، وأن ينقلا بالتواتر وإلا لجاز مثله في شرعنا، ولأنهما من الوقائع العظيمة، وحيئنذٍ يمتنع إنكار الجمع العظيم للنسخ. والجواب عن: أ (¬2) - أن الفعل قد يكون مصلحةً في وقت الأمر، ومفسدةً في وقت النهي. ب (¬3) - منع التواتر فإنه لم يبق (¬4) من اليهود عدد التواتر في زمان بختنصر (¬5) وأيضا لفظ التأبيد جاء في التوراة للمبالغة في العبد أنه يستخدم ست سنين ثم يعتق في السابعة. فإن أبى العتق فإنه تثقب أذنه ويستخدم ¬

_ (¬1) في "هـ" "لا" بدل "لم". (¬2) هذا الجواب عن دليل من أنكر النسخ عقلاً. (¬3) هذا الجواب عن الدليل الأول من أدلة من أنكر النسخ شرعاً. (¬4) سقط من "د" (يبقى). (¬5) بختنصر: الاسم الذي أطلقه مؤرخو العرب على الملك (نابور سانزار الثاني) ملك بابل تولى الملك عام 605 قبل الميلاد اشتهر بحروب الإبادة التي شنها على اليهود الإسرائيليين فاستولى على أورشليمٍ بيت المقدس عام 597 قبل الميلاد أسر ملك يهود وأخذه معه إلى بابل، ووضع عليهم حاكما ولما حاول اليهود الثورة عليه عاد بختنصر مرة أخرى إلى فلسطين، وخرَّب بيت المقدس وهدم معابد اليهود ونهب كنوزهم وسبى نساءهم وأخذ الآلاف منهم أسرى إلى بابل، وشتت من بقي منهم على وجه الأرض، وبختنصر ملك عظيم بلغت بابل في عهده أوجها. ويقول اليهود: إن بختنصر جُنَّ في آخر حياته وهام على وجهه يأكل الحشائش، ثم شفي وعاد إلى ملكه عام 562 قبل الميلاد. (انظر القاموس الإسلامي 1/ 282).

المسألة الرابعة

أبداً. وفي البقرة التي امروا بذبحها (يكون ذلك سنةً أبداً) ثم انقطع ذلك عندهم. وفي قصة دم الفصح (أمروا بأن يذبحوا الجمل ويأكلوا لحمه ملهوجاً (¬1) ولا يكسروا منه عظماً ويكون لهم هذا سنة أبداً). ثم زال ذلك التعبد. وفي السفر الثاني: (قربوا إليَّ كل يوم خروفين خروفاً غدوة وخروفاً عشية قرباناً دائماً لاحقاً بكم) فكذلك ههنًا. جـ- أنه نص على دوامه وأنه ينسخه في الجملة. وهو قول أبي الحسين في وجوب البيان الِإجمالي. قوله وجب أن تنقلا بالتواتر. قلنا: نعم لو بقي من الناقلين عدد التواتر، لكن بختنصر لم يُبق من اليهود عدد التواتر. أو نقول نص على الأول دون الثاني، وهو قول الجماهير من المعتزلة، ومن أصحابنا فى جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب. قوله: يلزم التلبيس. قلنا: سبق الجواب عنه في مسألة تأخير البيان عن الخطاب. " المسألة الرابعة" يجوز نسخ القرآن خلافاً لأبي مسلم الأصفهاني (¬2) ¬

_ (¬1) في "ب" (مملوحاً) بدل (ملهوجاً). واللحم الملهوج المشوي على النار من مخير نضجٍ. قال الشاعر: خير الشواء الطيبُ الملهوج ... قد همَّ بالنضج ولمَّا ينضج وانظر لسان الميزان لابن منظور الإفريقي 3/ 185. (¬2) هو محمد بن علي بن مهريزين بن بحر المعتزلي أبو مسلم الأصفهاني له: جامع التأويل لمحكم التنزيل، وناسخ الحديث ومنسوخه. ولد عام 254 هـ، وتوفي عام 322 هـ، انظر كشف الظنون 6/ 71، وذكر الأسنوي في نهاية السول عن ابن التلمساني في شرح المعالم: أنه الملقب بالجاحظ، واسم أبيه على ما قاله في المحصول بحر، وفي المنتخب عمر وفي اللمع يحيى (نهاية السول 2/ 170) قلت لعله أراد أنه الجاحظ عمرو بن بحر، وهذا غيره وقد ترجمت للجاحظ في ص 2/ 97 من هذا الكتاب وما نقله الأسنوي عن المحصول موجود في 1/ 3/ 460 في مسالة جواز نسخ القرآن، وما نقله الأسنوي عن اللمع يبدو أنه أخذاً عن القرافي في شرح تنقيح الفصول ص 306، ولا يوجد في اللمع ولعله في شرح اللمع. وفي =

لنا وجوه: أ- نسخت آية عدة الوفاة حولًا بأربعة أشهر وعشراً واعتداد الحامل بالحمل، لا بالحول ليكون ذلك تخصيصاً (¬1). ب- نسخت آية الأمر (¬2) بتقديم صدقة بين يدي نجوى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وذلك الأمر لم يكن ليمتاز المنافق عن غيره، حتىٍ إذا حصل هذا الغرض لا يبقى (¬3) الأمر وإلا لكان من لم يتصدق منافقا، لكنه روي أنه لم يتصدق غير علي (¬4) رضي الله عنه، ويدل عليه قوله تعالى: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} (¬5). جـ- نسخت آية الأمر بثبات الواحد للعشرة (¬6). ¬

_ = المسودة ص 185 يحيى بن عمر بن يحيى. وفي طبقات المعتزلة ص 299، 323 محمد ابن بحر الأصفهاني، توفي سنة 322 هـ، وقال محققه ترجم له معجم الأدباء 18، 35، ولسان الميزان 5/ 89، وشذرات الذهب 2/ 244، وبغية الوعاة 23، والذريعة 4/ 258. (¬1) في "ب" ليس اعتداد الحامل حولًا بالحمل، ليكون ذلك تخصيصاً. (¬2) نسخ آية الصدقة قبل مناجاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخرجها الطبري في تفسيره وغيره بأسانيد كثيرة، عن علي بن أبي طالب أنه قال: آية من كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي. كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تصدقت بدرهم، فنسخت فلم يعمل بها أحد قبلي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}. (انظر تفسير ابن جرير الطبري 28/ 22). (¬3) في "أ، د" لا ينفي وهو تصحيف. (¬4) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو الحسن، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، توفيت مسلمة قبل الهجرة، كان علي أصغر ولد أبي طالب، كفله الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعيلة لحقت بأبي طالب، وهو أول من آمن به من الرجال إلا أبا بكر، وهو أول من صلى مع النبي بعد خديجة، نام في فراش الرسول ليلة الدار. هاجر وشهد مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - جميع المشاهد ما عدا تبوك، حيث خلفه الرسول في أهله وقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، ألا أنه لا نبي بعدي. قال ابن عبد البر وهذا من أثبت الآثار وأصحها. شهد له عمر بالقضاء فقال: (أقضانا علي وأقرؤنا أبي) قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي أخزاه الله، وهو ينادي لصلاة الصبح في مسجد الكوفة لأحد عشر ليلة خلون من رمضان سنة أربعين. انظر الاستيعاب 1089، الإصابة 4/ 269. (¬5) [المجادلة: 13]. (¬6) إشارة لقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ =

المسألة الخامسة

د- قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} (¬1) الآية ولم يرد إزالتها عن اللوح المحفوظ إذ لا تختص ببعض القرآن. هـ- نسخت آية التوجه إلى بيت المقدس، وليس التوجه إليه عند الِإشكال والعذر، لنفس بيت المقدس لمساواة غيره إياه فيه. و- قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} (¬2) والتبديل رفع الشيء وإثبات غيره مكانه، فيلزم رفع تلاوة الآية أو حكمها وأنه نسخ ولم يرد إنزال إحدى الآيتين بدلا عن الأخرى، إذ لا يجوز جعل المعدوم مبدلًا. احتج أبو مسلم بقوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} (¬3). والنسخ إبطال. والجواب: أنه أراد أنه لم يسبقه كتاب يبطله (¬4) ولا يسبق به. " المسألة الخامسة" يجوز نسخ الشيء قبل وقت فعله خلافاً للمعتزلة وكثير من الفقهاء. لنا: أنه تعالى أمر إبراهيم بذبح إسماعيل (¬5) عليهما السلام وقد نسخه قبل فعله، لأنه لو أمره بمجرد المقدمات، وقد أتى بها أو ذبحه (¬6) كما قيل بأنه كلما قطع من الحلق موضعاً وتعداه إلى غيره وصله الله تعالى، لكان قد أتى بالمأمور به فلم يحتج إلى الفداء. ¬

_ = يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} نسخت بقوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65، 66]. (¬1) [البقرة: 106]. (¬2) [النحل: 101]. (¬3) [فصلت: 42]. (¬4) في "ب" مطلة. (¬5) في كون الذبيح إسماعيل أو إسحاق، خلاف معروف رجح القرافي أنه إسحاق. (¬6) في "ب " (أو بذبحه وقد ذبحه).

فإن قيل: أمر بالمقدمات فقط لقوله تعالى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} (¬1) ولو أمر بالذبح لصدق بعض الرؤيا. ولئن عارض بقوله تعالى: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} (¬2). فإنه يجب عوده إلى شيء والذبح مذكور سابقاً فعاد إليه. وبقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} (¬3). والمقدمات ليست كذلك. قلنا: قوله: {مَا تُؤْمَرُ} مضارع فلا يعود إلى ما مضى في المنام والمقدمات مع الظن الغالب بأنه مأمور بالذبح بلاء عظيم. ثم ما ذكرتم يقتضي كون الشخص الواحد مأموراً ومنهياً عن فعل واحدٍ في وقتٍ واحدٍ من وجه واحد. إذ الكلام فيه وأنه باطل لأن ذلك الفعل في ذلك الوقت (¬4) إن كان حسناً قبح النهي عنه. وإن كان قبيحاً قبح الأمر به. والجواب عن: أ- أن تصديق الرؤيا لا يدل على أنه أتى بكل المأمور به. ب- أنا لا نقول بالحسن والقبح. سلمنا: لكن جاز كون الفعل حسناً، إلا أن الأمر به لم يبق حسنا فحسن رفعه. وقد يحسن الأمر لا لمصلحة تحصل (¬5) من الفعل، كما يقول السيد لعبده: اذهب إلى القرية غداً راجلًا، وغرضه رياضة العبد وتوطئة (¬6) نفسه على الامتثال، مع علمه بأنه سيرفعه عنه غداً. ¬

_ (¬1) [الصافات: 105]. (¬2) [الصافات: 102]. (¬3) [الصافات: 106]. (¬4) سقط من "د" في ذلك الوقت. (¬5) سقط من"د" "من". (¬6) في "أ" توطين.

المسألة السادسة

" المسألة السادسة" يجوز (¬1) نسخ الحكم لا إلى بدل، كما (¬2) نسخت آية تقديم الصدقة (¬3) لا إلى بدل ومنع منه قوم محتجين (¬4) بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} (¬5) الآية وجوابه: أن الآية تتناول اللفظ. سلمنا أنها تتناول الحكم، لكن إسقاط الحكم قد يكون خيراً. " المسألة السابعة" يجوز نسخ الحكم إلى ما هو أثقل. نُسخ التخيير بين الصوم والفدية بتعيين الصوم والحبس في البيوت إلى الجلد والرجم. وأمر الصحابة بترك القتال إلى نصبه، وثبات الواحد للعشرة، وإطلاق الخمر ونكاح المتعة إلى تحريمهما. وجواز تأخير الصلاة عند الخوف إلى إيجابها في القتال. وصوم يوم عاشوراء بصوم رمضان. وكانت الصلاة ركعتين فنسخت بأربع في الحضر. وخالف بعض أهل الظاهر محتجاً بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} (¬6) وبقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْر} (¬7). ¬

_ (¬1) لم يجوِّز الشافعي النسخ من غير بدل ونقل عنه ذلك الأسنوي قائلاً: إن الشافعي نص في الرسالة على ذلك بقوله: (وليس ينسخ فرض أبداً إلا إذا ثبت مكانه فرض) (نهاية السول 2/ 177). (¬2) سقط من باقي النسخ ما عدا (هـ) كما. (¬3) تقدم تخريج نسخ آية الصدقة قبل ثلاث صفحات. (¬4) في جميع النسخ محتجاً والمناسب محتجين. (¬5) [البقرة: 106]. (¬6) [البقرة: 106]. (¬7) [البقرة: 185].

المسألة الثامنة

والجواب عن: أ (¬1) - أن الخير ما هو أجزل ثواباً وأصلحَ في المعاد. ب (¬2) - أنه أراد به اليسر في الأخرة، دفعاً لتخصيصات غير محصورة. " المسألة الثامنة" يجوز نسخ التلاوة دون الحكم وبالعكس، لأنهما عبادتان منفصلتان، فجاز عقلاً صيرورة إحداهما مفسدة دون الأخرى، وفائدة بقاء التلاوة تحصيل (¬3) العلم بأنه تعالى أزال مثل هذا الحكم عن العباد تفضلاً ورحمة. وقد نسخ الحكم دون التلاوة لما تقدم. والتلاوة دون الحكم فيما روي من قوله تعالى: (الشيخ والشيخة إذا (¬4) زنيا فارجموهما ألبتة نكالًا من الله) (¬5). وعن ابن عباس رضي الله عنه: (نزل في قتلى بئر معونة: بلغوا إخواننا أننا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) (¬6) وعن أبي بكر رضي الله عنه: (كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم) (¬7). ¬

_ (¬1) هذا الجواب عن دليل بعض أهل الظاهر الأول وهو قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}. (¬2) هذا الجواب عن دليل بعض أهل الظاهر الثاني وهو قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْر}. (¬3) في "أ" يحصل. (¬4) سقط من "هـ" إذا. (¬5) أخرجٍ الشيخان عن ابن عباس أن عمر قال في خطبته: إن الله بعث محمداً نبياً وأنزل عليه كتابا. وكان فيما أنزل عليه آية الرجم فتلوناها ووعيناها. وقد رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده وفيه ... ولولا أنني أخشى أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لأثبته، ورواه البيهقي والترمذي والحاكم والطبراني. وفي بعض ألفاظه: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم). تلخيص الحبير 4/ 143. (¬6) أخرجه البخاري عن ابن عباس في حديث طويل: (فقرأنا فيهم قرآناً ثم إن ذلك رفع بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) فتح الباري 7/ 385. (¬7) وجدته من قول عمر بن الخطاب في قصة مملوك يسمى كيسان. فقال عمر لزيد بن ثابت أما تعلم أنا كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم. فقال زيد: بلى. رواه الطبراني في الكبير (انظر مجمع الزوائد 1/ 97).

المسألة التاسعة

والحكم والتلاوة معاً فيما روي عن عائشة (¬1) (فيما أنزل عشر رضعات يحرمن فنسخن بخمس) (¬2). وروي أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة (¬3). " المسألة التاسعة" يجوز نسخ الخبر عما يجوز تغيره ماضياً كان أو مستقبلاً وعداً أو وعيداً أو خبراً عن حكم، خلافاً لأبي (¬4) علي وأبي هاشم وأكثر المتقدمين. لنا: أن قوله: عمرتُ نوحاً ألف سنة، ولأعذبن الزاني أبداً، وأوجبت الحج أبداً في التناول للأوقات كالأمر، فجاز نسخه. احتجوا: بأن نسخ الخبر يوهم الكذب ويستلزم جواز قوله: أهلكت عاداً ما أهلكتهم. والجواب عن: أ (¬5) - أن نسخ الأمر أيضاً يوهم البداء. فإن قلتَ: النهي دل على أن الأمر لم يتناول ذلك الوقت. قلت: فالناسخ أيضاً دل على أن الخبر لم يتناول تلك الصورة. ¬

_ (¬1) قال الأسنوي: الاستدلال بما روي عن عائشة لا يتم، وهو مطلق الإنزال، بل لا بد أن ينضم إليه كونه من القرآن، لأن السنة أيضاً منزلة، نهاية السول 2/ 178. (¬2) أخرجه مسلم عن عائشة بلفظ: (كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخهن بخمس معلومات)، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يقرأ من القرآن). صحيح مسلم 4/ 167، نصب الراية 3/ 218. (¬3) أخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند، والنسائي وابن المنذر والدارقطني في الأفراد، والحاكم وصححه، وقال ابن كثير: إسناده حسن. ولفظه: عن زر قال: قال لي أُبي بن كعب كأن تقرأ سورة الأحزاب، قلت: ثلاثاً وسبعين آية. فقال: لقد رأيتها وأنها لتعادل سورة البقرة، أو أكثر من سورة البقرة فكان فيها: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالًا من اللُه والله عزيز حكيم). انظر فتح القدير للشوكاني 4/ 259. (¬4) سقط من "هـ" لأبي علي. (¬5) هذا الجواب عن الدليل الأول من أدلة المانعين من نسخ الخبر. والذي بعده جواب عن الدليل الثاني. والأدلة لم ترد مرقمة.

المسألة العاشرة

ب- أن إهلاكهم لم يتكرر. فإن أراد بإهلاكهم ثانياً (¬1)، إهلاك بعضهم كان ذلك تخصيصاً. " المسألة العاشرة" إذا قال افعلوا هذا الفعل أبداً جاز نسخه، لأنه تأكيد لتناول الأزمان فهو كالكل المؤكد لتناول الأعيان، ولأن شرط النسخ وروده على ما يدل على الدوام، فالدال على الدوام لا ينافيه. وخالف قوم محتجين (¬2): (بأن لفظ الدوام يفيد ما يفيده ذكر وقت وقت فلم يجز نسخه كذلك، وبأنه لو جاز ذلك لم يبق لنا طريق إلى العلم بالدوام). والجواب عن: أ (¬3) - أنه يمنع من جواز النسخ أصلًا وينتقض بتخصيص قوله: جاءني القوم كلهم. ب- أن اليقين لا يحصل إلا من القرائن. ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" ثانياً. (¬2) في جميع النسخ (محتجاً) والصواب (محتجين). (¬3) هذا جواب عن دليل من منع جواز نسخ اللفظ المقيد بالدوام المتقدم، والذي بعده جواب عن الدليل الثاني.

الفصل الثاني في الناسخ والمنسوخ

" الفصل الثاني" في الناسخ والمنسوخ وفيه مسائل " المسألة الأولى" يجوز نسخ الكتاب بالكتاب عند الأكثرين، لما سبق على أبي مسلم الأصفهاني. ويجوز نسخ السنة المتواترة بمثلها، والأحاد بمثلها وبالكتاب وبالسنة المتواترة وفاقاً. وأما نسخهما بالأحاد فجائز عقلًا غير واقع سمعاً، خلافاً لبعض أهل الظاهر. لنا: رد الصحابة خبر الواحد الرافع لحكم الكتاب والسنة. قال عمر: (لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة، لا نعلم أصدقت أم كذبت) (¬1) وهذا ضعيف لا يدل على ردهم كل خبر ناسخ. احتجوا (¬2) بوجوه: أ- القياس على التخصيص بجامع دفع الضرر المظنون. ب- القياس على سائر الأدلة في تقديم (¬3) المتأخر على المتقدم. ¬

_ (¬1) تقدم تخريج الحديث في صفحة 1/ 392 من هذا الكتاب. (¬2) هذه حجج بعض أهل الظاهر القائلين بجواز نسخ الكتاب والمتواتر بالأحاد. (¬3) في "هـ" تقدم.

جـ - قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} (¬1) نسخ بنهيه عليه السلام: "عن أكل كل ذي ناب من السباع" (¬2). د - قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (¬3). نسخ بقوله عليه السلام: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها" (¬4). هـ- آية الوصية للوالدين والأقربين نسخت بقوله عليه السلام: "ألا لا وصية لوارث" (¬5). و- أهل قباء قبلوا نسخ القبلة (¬6) بخبر الواحد، ولم ينكر عليهم الرسول عليه السلام. ز- أنه عليه السلام كان ينفذ آحاد الولاة الى الأطراف ويبلغون الناسخ والمنسوخ. ¬

_ (¬1) [الأنعام: 145]. (¬2) متفق عليه (فتح الباري 9/ 657). (¬3) [النساء: 24]. (¬4) تقدم تخريج الحديث في صفحة 1/ 391 من هذا الكتاب. (¬5) أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني وابن جبرير، من طرق لا تخلو من مقال. ترجم به البخاري، دلالة على أنه لم يصح على شرطه. قال الترمذي حديث حسن. وذهب الشافعي في الأم: إلى أن الحديث متواتر المتن، ونازعه في ذلك الفخر الرازي، ولفظ الحديث: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث". فتح الباري 5/ 372. (¬6) عن عبد الله بن عمر: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم الى الشام فاستداروا الى الكعبة. أخرجه البخاري في باب ما جاء في القبلة 1/ 58، ومسلم في المساجد في باب تحويل القبلة 1/ 200. وروى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال: صليت مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً حتى نزلت: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}. فنزلت بعدما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فانطلق رجل من القوم، فمر بناس من الأنصار وهم يصلون، فحدثهم بالحديث فولوا وجوههم قبل البيت، (نصب الراية 1/ 305).

المسألة الثانية

والجواب عن: أ- أن الصحابة فرقت بينهما. وللخصم منعه. ب- أن المتواتر مقطوع المتن دون الآحاد. جـ- أنه يتناول الوحي إلى تلك الغاية، فلا ينسخه نهي بعده. د- أنه مخصوص بذلك الحديث، لتلقي الأمة إياه بالقبول. هـ- أن المتواتر قد يضعف نقله (¬1) استغناءً بالإجماع الحاصل منه. و- لعله عليه السلام أخبرهم به أو علموه بالقرائن، نحو ارتفاع الضجة لكون المسجد قريباً منه عليه السلام. ز- ما سيأتي من ضعفه في باب خبر الواحد. " المسألة الثانية" نسخ السنة بالكتاب واقع، فإن وجوب التوجه إلى بيت المقدس وتحريم المباشرة ليسا في الكتاب ونسخا به. وآية صلاة الخوف نسخت ما أثبتته السنة من جواز التأخير إلى انجلاء القتال حيث قال يوم الخندق: (حشا الله قبورهم ناراً بحبسهم له عن الصلاة) (¬2). وقوله تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} (¬3) نسخ ما قرره النبي عليه السلام من الصلح والعهد: وهذا ضعيف لجواز ثبوت تلك الأحكام بآيات نسخت تلاوتها. ولجواز نسخها بسنن تقدمت على الآيات. ¬

_ (¬1) في"ب" (بعده) بدل (نقله). (¬2) أورده الطبري في تفسيره 2/ 557 من نحو عشرين طريقاً والحديث أخرجه مسلم ولفظه: "شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس. ملأ اللُه قبورهم وبيوتهم ناراً" والحديث مروي عن جمع من الصحابة منهم علي وابن مسعود وطلحة وابن عباس وأم حبيبة. تفسير الطبري 2/ 557، مسلم 5/ 127 طبع المطبعة العصرية. (¬3) [الممتحنة: 10].

المسألة الثالثة

ولم يجوزه الشافعي لقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬1). فإنه يفيد كون كلامه بياناً للقرآن. فلو كان القرآن ناسخاً للسنة كان بياناً لها، فيكون كل منهما بياناً للآخر. والجواب: أنه لا يقتضي كون كل (¬2) كلامه بياناً. وأيضاً المراد بالبيان الإبلاغ احترازاً عن الإجمال والتخصيص. " المسألة الثالثة" نسخ الكتاب بالسنة المتواترة واقع. وقال الشافعي لم يقع. احتجوا بوجهين: أ- آية الحبس (¬3) نسخت بآية الجلد، ثم هي بالرجم (¬4). فإن قلت: بل- نسخت بقوله تعالى: (الشيخ والشيخة). قلت: لم يكن ذلك قرآناً لقول عمر: (لولا أن يقول الناس زاد عمر في الكتاب لألحقتُ ذلك بالمصحف). وهذا ضعيف، لأن نسخ تلاوته تكفي في صحة قول عمر. ب- نسخت آية الوصية للوالدين (¬5) والأقربين بقوله. عليه السلام: "ألا لا ¬

_ (¬1) [النحل: 44]. (¬2) سقط من "أ، هـ" كل. (¬3) آية الحبس هي قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} وآية الجلد: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا}. (¬4) تناقض القاضي الأرموي مع نفسه تبعاً للإمام الرازي، وربما الرازي تبعاً لمن تقدمه بإيراد هذا المثال هنا، حيث أنه أورده في صفحة (1/ 387) من هذا الكتاب مثالاً لتخصيص السنة المتواترة للكتاب. ثم أحاديث الرجم وإن كانت في الصحيحين، فإثبات تواترها عسير. (¬5) سقط من (أ، ب، جـ، هـ) الوالدين.

وصية لوارث" (¬1). لأن آية الميراث لا تمنع الوصية لإِمكان الجمع بينهما، وهذا ضعيف، لأن كون الميراث حقاً للوارث يمنع صرفه إلى الوصية، وأيضاً الخبر خبر واحد، وإلا لبقي متواتراً، لأنه في واقعةٍ مهمة فتتوفر الدواعي على نقله. احتج الشافعي بوجوه: أ- قوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (¬2). وأنه يفيد أن الثاني من جنس الأول. كقوله: "ما آخذه من ثوب آتيك بخيرٍ منه" ويفيد أن الباري منفرد بالإِتيان به ويؤكده قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬3) ويفيد أن الثاني خير من الأول. ب- قوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬4). والرفع ضد البيان. جـ- قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ} (¬5) وَرَدَ لِإزالة التهمة، حين قال المشركون عند تبديل الآية بالآية: {إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} (¬6) فما لا ينزله روح القدس، لا يزيل التهمة. د- قوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ} (¬7) الآية. هـ- إن ذلك يوجب النفرة. ¬

_ (¬1) انظر تخريج الحديث في صفحة (2/ 22) من هذا الكتاب وقد ذكرت أنه لم يصح على شرط البخاري وحسنه الترمذي، فكيف يكون متواتراً والشافعي- رحمه الله- قال: إنه متواتر متناً فقط. (¬2) [البقرة: 106] وسقط من "هـ" أو مثلها. (¬3) [البقرة: 106]. (¬4) [النحل: 44]. (¬5) [النحل: 101] وفي "هـ" روح القدس من ربك. (¬6) [النحل: 101]. (¬7) [يونس: 15].

والجواب عن: أ- أن قوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا}. لا يفيد أن ذلك الخير ناسخ، لأنه رتبه على نسخ الآية فامتنع ترتب نسخ الآية عليه، وأيضاً المثال المذكور معارضٌ بمثالٍ آخر. وهو قول القائل: (من لقيني بحمد (¬1) لقيته بخيرٍ منه) وإن كان ذلك منحةً وعطاء. ولا نسلم أنه يفيد أن المنفرد بالِإتيان هو الله تعالى، أو نقول المراد بالِإتيان شرع الحكم، والسنة فيه كالكتاب والمنفرد بالرفع هو الله تعالى وإن ظهر بالسنة، والسنة (¬2) قد تكون خيراً إن أريد بالخير الأصلح في التكليف والأنفع في الثواب. ب- النسخ لا ينافي البيان كالتخصيص. جـ- أن من يتهم الرسول يشك في نبوته، فلا يزول اتهامه إياه بنسخ الكتاب بالكتاب أو بالسنة بل بالمعجزات. د- أن المبدِّل بالحقيقة هو الله تعالى، وإن كان الناسخ خبراً، وقوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (¬3) يدل على أنه لا ينسخ إلا بوحي، وأنه قد لا يكون قرآناً بل خبراً. هـ- أن النفرة زائلة بما يدل على أنه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (¬4). ¬

_ (¬1) في "ب" (بخير) بدل (بحمد). (¬2) سقط من"ب" والسنة. (¬3) [الأحقاف: 9]. (¬4) حكاية قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].

المسألة الرابعة

" المسألة الرابعة" الإجماع لا ينسخ الكتاب والسنة وإلا لكان خطأ لمخالفة النص ولا ينسخ بهما، لامتناع تراخيهما عنه، إذ لا ينعقد دليلاً في زمانه عليه السلام إذ لا بد فيه (¬1) من قوله. وقوله مستقلٌ بالِإفادة. ولا يَنسخُ إجماعاً آخر إذ المتأخر لا عن دليل خطأ، وعن دليل يوجب خطأ المتقدم، ولأن المتقدم إن أفاد الحكم مطلقاً كان أحدهما خطأ، وإن أفاد مؤقتاً إلى وقت ورود المتأخر لم يكن المتأخر ناسخاً له. وأما الاجماع بعد الخلاف، فإنه لا يرفع حكم الِإجماع على جواز الأخذ بكلا القولين، لأن ذلك الِإجماع يفيد حكمه إلى وقت ورود الإجماع الثاني. ولا يَنسخُ قياساً ولا يُنسخ به إذ شرط صحته (¬2) عدمه، وجوز عيسى بن أبان كون الإجماع ناسخاً. والقياس في زمانه عليه السلام ينسخ بالنص على خلاف حكمه في الفرع، وبالقياس بأن ينص على خلاف ذلك الحكم في صورة يكون القياس عليه (¬3) أقوى. وبعد وفاته ينسخ (¬4) بالنص والِإجماع والقياس معنى بأن يقيس المجتهد حيث لم يجد شيئاً منها ثم وجده، وصوبنا كل مجتهد لكنه لا يسمى نسخاً، وإن صوبنا واحداً فقط لم يكن القياس الأول معتداً به، فلم يكن منسوخاً. ولا يُنسخ النص والِإجماع بالقياس وفاقاً، إذ شرط صحته عدمهما. ¬

_ (¬1) سقط من (أ، ب، جـ) "فيه". (¬2) في "ب" صحة صحته. (¬3) في"هـ" عليها. (¬4) الضمير في ينسخ يرجع للقياس.

ولقائلٍ أن يقول (¬1): في هذه الأقسام نظر ما فليتأمله الناظر. فرع: يجوز نسخ الفحوى تبعاً لنسخ الأصل. ومنع أبو الحسين من نسخه مع بقاء الأصل، كما إذا حرم التأفيف تعظيماً للأبوين ثم أباح الضرب فإنه ينقض الغرض. ويجوز النسخ (¬2) به وفاقاً لفظية كانت دلالته أو عقلية (¬3). ¬

_ (¬1) هذا الاعتراض موجه للأحكام الصادرة على الأقسام المتقدمة وهو مبهم، حيث إن القاضي الأرموي- رحمه الله- لم يبين محل النظر في هذه الأقسام واجتهد بدر الدين التستري في معرفة ذلك ظناً لا قطعاً. ولهذا قال: إن محل النظر يحتمل أن يكون ما أقوله: 1 - عدم تسليم وقوع الإجماع بخلاف النص. وكذلك قد ينسخ الإجماع النص وذلك إذا كان الإجماع مستندا إلى نص راجح على النص المنسوخ، وحينئذٍ يكون الناسخ النص الراجح. 2 - ما ذكر من عدم نسخ الإجماع إجماعا آخر، سواء كان يفيد الحكم مطلقاً أم إلى وقت، فهو منقوض بجواز نسخ نص بنص. ويلزم كذلك عدم إمكان نسخ نص بنص أصلا. 3 - عدم تسليم أن الأجماع لا ينسخ القياس، لجواز أن يكون سند الأجماع قطعيا أو ظنياً راجحا. 4 - يجوز نسخ النص بقياس يكون قطعي المقدمات، باعتبار أن يكون أصل القياس متأخراً عن نص متناول، لما يتناوله القياس. 5 - لا نسلم نسخ النص أو الإجماع للقياس فإن صحته مشروطة بعدم وجودهما، فإذا وجد النص أو الإجماع زال القياس لزوال شرطه. (انظر حل عقد التحصيل: لوحة 80). (¬2) أي يجوز النسخ بالفحوى. (¬3) قول الإمام يجوز النسخ بالفحوى، وفاقا لفظية كانت دلالته أو عقلية فيه نظر، حيث أن الناسخ يجب أن يكون طريقا شرعيا لا عقلياً، كما نبه على ذلك الأسنوي 2/ 189.

الفصل الثالث فيما يظن أنه ناسخ

" الفصل الثالث" فيما يظن أنه ناسخ وفيه مسائل " المسألة الأولى" ليست زيادة عبادة على العبادات ولا زيادة صلاة على الصلوات نسخاً وفاقاً، وإنما جعل أهل العراق زيادة صلاة على الخمس نسخاً لقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (¬1) فإنها تزيل وجوب المحافظة على الوسطى، فإنها تجعلها غيرَ وسطى. ونقض (¬2) ذلك بزيادة عبادة على العبادة الأخيرة فإنها تجعلها غير أخيرة، وتغير عدد العبادات وما ليست (¬3) كذلك ليست نسخاً أيضاً، عند الشافعي وأبي علي وأبي هاشم خلافاً للحنفية. وقيل: إن نفت الزيادة ما دلَّ عليه النص (¬4) بدليل الخطاب أو الشرط، كانت نسخاً وإلا فلا. وقيل: إن غيَّرت الزيادة تغييراً شديداً بحيث لا يجزئ الأصل بعد الزيادة وحده، كزيادة ركعةٍ على ركعتين كانت نسخاً وإلا فلا. ¬

_ (¬1) [البقرة: 238]. (¬2) في "أ" يقضي. (¬3) في "أ" (ليس) بدل (ليست). (¬4) سقط من "ب" النص.

والأحسن طريقة أبي الحسين البصري، وهي أن الزيادة تزيل شيئاً وأقله عدمها، فتلك الإزالة تسمى نسخاً إن كان الزائل حكماً شرعياً، والزيادة متراخية وإلا فلا، ولا يجوز إثبات الزيادة بخبر الواحد، والقياس حيث تكون الإزالة نسخاً. " فروع" لهذا الأصل الأول: زيادة التغريب (¬1) على جلد ثمانين إنما يزيل نفي وجوب الزائد عليها، وذلك حكم العقل (¬2) إذ إيجاب الثمانين أعم من إيجابها مع الزائد ومع عدمه، ولفظ العام لا يدل على الخاص، وكونها وحدها مجزئة ومتعلق رد الشهادة وكمال الحد يتبع (¬3) نفي وجوب الزائد الذي هو عقلي، ككون الصلوات الخمس مخرجة من عهدة الصلوات ومتعلق قبول الشهادة وغيرهما. نعم لو صرح بنفي (¬4) هذه الأشياء أو كان إيجاب الثمانين ينفي وجوب الزائد على سبيل المفهوم، لقلنا بكونها نسخاً. الثاني: تقييد الرقبة بالإيمان يزيل إجزاء الكافرة، فهو نسخ إن تأخر وإلا فلا. الثالث: إباحة قطع يد السارق في الثالثة يزيل خطره المعلوم بالعقل فلم يكن نسخا. الرابع: التخيير بين الواجب وغيره يزيل خطر تركه المعلوم بالعقل (¬5)، لأن ¬

_ (¬1) في "ب، جـ" (ذلك ليس بنسخ) بدل (وذلك حكم العقل). (¬2) في (أ) برفع. (¬3) زيادة التغريب على جلد ثمانين جلدة أزالت نفي وجوب الزائد على الثمانين. ونفي وجوب الزائد على الثمانين حكم عقلي وليس شرعي. (¬4) سقط من (أ) بنفي. (¬5) في "أ" بالقول.

إيجاب الفعل يقتضي استحقاق الذم على الترك، وذلك لا ينفي قيام واجب آخر مقامه وإنما علم عدم وجوب غيره بالعقل، إذ الواجب بالشرع ما يدل عليه دليل شرعي، فلا يكون ذلك نسخاً. وكذلك لو (¬1) خُيِّر بين أمريْن ثم خُيِّر بينهما وبين ثالث. ومن قال الحكم بالشاهد واليمين نسخ لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ (¬2) فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (¬3) يلزمه أن يكون الوضوء بالنبيذ نسخاً لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (¬4). ولقائل أن يقول (¬5): حظر ترك الواجب معلوم من لفظ الأمر، لما سبق أن الأمر يقتضي المنع من الترك. ¬

_ (¬1) مثال ذلك لو خير بين أمرين كالإطعام والصيام ثم خير بينهما، وبين ثالث وهو الِإعتاق إذ معنى التخيير أولاً: أن الإطعام أو الصيام لا بعينه واجب، والغير لا يقوم مقامهما. وإدخال الِإعتاق رفع هذا النفي، وهو عدم قيام غيرهما مقامهما. ولكنه لا يسمى نسخاً، لأن هذا النفي ثبت بحكم العقل، فهو حكم عقلي. فلو ألزمت الحنفية الشافعية بأنها تقول بالنسخ بخبر الواحد، مثل القول بالشاهد واليمين الثابت بالآحاد، يكون نسخاً لذلك التخيير الثابت بالقرآن. وللشافعية الرد على الحنفية بتجويزهم الوضوء بالنبيذ الثابت بحديث ليلة الجن الضعيف، مع أن القرآن نزل بالتخيير بين الغسل والتيمم. وجوابهم يكون جوابا للشافعية. بل في الحقيقة حديث الوضوء بالنبيذ لا يصلح للحجية، فضلا عن أن يكون ناسخاً والكلام فيه قد بيناه في صفحة (2/ 189) من هذا الكتاب. (¬2) سقط من (د) رجلين. (¬3) [البقرة: 282]. (¬4) [النساء: 43]. (¬5) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على الإمام الرازي- رحمهما الله- أن الأمر يقتضي المنع من الترك والتخيير في الصورتين المتقدمتين، لا يقتضي المنع من الترك حيث يجوز ترك الأمرين الأولين وفعل الثالث فهو نسخ. وقد أجاب بدر الدين التستري بأن الأمر يقتضي المنع من الترك مطلقاً. وفي الصورتين المتقدمتين أبيح الترك بشرط فعل البديل الثالث، وكذلك المنع من الترك لم يستفد من اللفظ، بل من العقل. فرفعه لا يسمى نسخاً (حل عقد التحصيل: لوحة 81).

المسألة الثانية

الخامس: زيادة ركعة على ركعتين قبل التشهد نسخ لوجوبه (¬1) عقيبهما وليس نسخاً لهما، لبقاء وجوبهما وإجزائهما، إلا أنهما الآن يجزئان مع الركعة الزائدة، وذلك تابع لنفي وجوبها المعلوم بالعقل. وكذلك زيادة شرط في الصلاة ليست نسخاً لوجوبها، ولا لِإجزائها (¬2)، ولا لشرطية شرط سابق عليه. تنبيه: لو علم عدم وجوب هذه الأشياء بالضرورة من دين محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يرفعه بخبر (¬3) الواحد والقياس. السادس: إيجاب الصوم إلى غيبوبة الشفق يزيل كون أول الليل طرفاً وغاية للصوم وقوله تعالى: {إِلَى اللَّيْلِ} يثبته. فكان نسخا بخلاف ما لو قال صوموا النهار، فإن نفي وجوب صوم أول الليل بالعقل لقصور اللفظ عنه. " المسألة الثانية" نقصان العبادة نسخ لما سقط. ونقصان ما لا يتوقف عليه صحة العبادة لا يكون نسخاً لها. والمختار أن نقصان ما يتوقف عليه صحة العبادة ليس نسخا لها وهو قول الكرخي. وخالفنا القاضي عبد الجبار في نقصان الجزء دون الشرط. لنا: أن دليل (¬4) الكل يتناول الجزأين. فخروج أحدهما لا يخرج الأخر كأدلة التخصيص. ¬

_ (¬1) أي لوجوب التشهد. (¬2) في "أ" أجزائها. (¬3) في "ب" (غير) بدل (بخبر). (¬4) في"هـ" (ذلك) بدل (دليل).

احتج (¬1): بأن نقصان الركعة يرفع وجوب تأخير التشهد وإجزاء الصلاة مع الركعة المنسوخة. والجواب: أن هذه أحكام الركعة الباقية، وأنها مغايرة لذاتها، فنسخها غير نسخ ذاتها، وأما نقصان الشرط المنفصل، لا يكون نسخاً للعبادة، لأنهما عبادتان منفصلتان. فعلى هذا نسخ الوضوء لا يكون نسخاً للصلاة، إذ الزائل نفي الإجزاء بدون الطهارة فإن أريد بنسخ الصلاة هذا صح لكنه موهم، لأنه يفهم من نسخ الصلاة خروجها عن الوجوب أو العبادة. ¬

_ (¬1) أي القاضي عبد الجبار بن أحمد.

الفصل الرابع فيما يعرف به الناسخية والمنسوخية

" الفصل الرابع" فيما يعرف به الناسخية والمنسوخية وذلك بأن يقول: هذا ينسخ هذا أو ينص على نقيض الحكم الأول أو ضده (¬1). ثم يعلم التاريخ بأن يقول: هذا قبل ذلك أو هذا في سنة كذا وذلك في سنة كذا، وهذا في غزوة كذا وذلك في غزوة كذا، وهذا قبل الهجرة وذلك بعدها، وبأن يروي أحدهما متقدم الصحبة، والآخر متأخر لها بعد انقطاع الأول. " فرعان" الأول: قال القاضي عبد الجبار: قول الصحابي في الخبرين المتواترين هذا قبل ذلك مقبول. وإن لم يقبل قوله في نسخ المعلوم. كما تقبل شهادته في الإحصان، وإن لم تقبل في الرجم وتقبل شهادة النساء في الولادة، وإن لم تقبل في النسب. قال أبو الحسين: هذا يقتضي الجواز العقلي ولا يقتضي الوقوع ما لم يتبين لزوم أحد الحكمين من الأخر. الثاني: قول الصحابي كان هذا الحكم ثم نسخ لا يقبل لجواز أنه قاله اجتهاداً وقال الكرخي: إن قال هذا نسخ ذلك لم يقبل. وإن قال: هذا منسوخ قبل، لأنه لولا ظهور ذلك ما أطلق القول، وهذا ضعيف فلعله قاله لقوة ظنه الخطأ والله أعلم. ¬

_ (¬1) سقط من "ب" أو ضده.

الكلام في الإجماع

الكلام في الإجَماع وفيه فصول "الفصل الأول" في ماهيته وكونه حجة وفيه مسائل

المسألة الأولى

" المسألة الأولى" الإجماع هو العزم لغة قال الله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} (¬1). وقال عليه السلام: "لا صيام لمن لم يُجمع الصيامَ من الليل" (¬2)، والاتفاق أيضا. يقال: أجمع إذا صار ذا جمع كما يقال أَلبن وأتمر إذا صار إذا لبن وتمرٍ. وعند العلماء: "هو اتفاق (¬3) المسلمين المجتهدين في أحكام الشرع على أمر ما من اعتقاد (¬4) أوقول أو فعل ثم قيل: يستحيل اتفاقهم على ما لا يعلم بالضرورة كاتفاقهم على مأكولٍ واحد وكلمةٍ واحدة في ساعةٍ واحدة (¬5). والجواب: أن ذلك فيما يتساوى فيه الاحتمال دون ما يظهر فيه الرجحان، كاتفاق الشافعية والحنفية على قوليهما الصادرين عن الأمارة. وقيل: يجوز ويمتنع العلم به، لأن ما ليس بضروري ولا وجداني فطريق معرفته الحس أو الخبر أو النظر العقلي ولا مجال للثالث في العلم بحصول الإجماع، ولا يمكن الإحساس بكلام الغير ولا الإخبار عنه بدون معرفته لكن ذلك متعذر، لتفرق العلماء شرقاً وغرباً ومن أنصف عَلِمَ أن أهل الشرق لا يعلمون علماء الغرب. وكيف؟ تفاصيل مذاهبهم وبعد العلم بهم ¬

_ (¬1) [يونس: 71]. وفي (هـ) وشركاؤهم. (¬2) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وأحمد والطحاوي والبخاري في التاريخ الصغير والدارقطني والبيهقي في السنن والحاكم في كتاب الأربعين، رمز له السيوطي بالحسن. انظر: نصب الراية 2/ 433، فيض القدير 6/ 222. (¬3) "المسلمين" موجودة في "هـ" فقط وهي ضرورية للتعريف. (¬4) سقط من (أ، هـ) أو قول أو فعل. (¬5) سقط من (ب) في ساعة واحدة.

كيف يعلم عقائدهم؟. بل غايته سماع الفتوى منهم. وقد يفتىِ أحدهم خوفاً وتقية وبعد العلم بعقائدهم، كيف يعلم اجتماعها في وقت واحد، فلعل المثبت أثبت زمان نفي النافي (¬1) فلما أثبت النافي نفى المثبت. بل لو جمعهم السلطان في زمان ومكان واحد مع امتناعه ورفعوا أصواتهم بالفتوى، فلعل بعضهم صوت بالنفي فخفي صوته، أو صوت بالإثبات خوفاً من الملك أو الناس. ولا نبطل ذلك بأنا نعلم بالضرورة اتفاق المسلمين على نبوته عليه السلام، وعلى وجوب الصلوات الخمس، لأنك إن عنيت بالمسلم المعترف بنبوته عليه السلام، فيكون معنى الكلام أن المعترف بنبوته عليه السلام معترف بها (¬2). وإن عنيتَ به غير هذا منعنا حصول العلم باتفاقهم على ذلك ويدل عليه أن الإنسان في أول الوهلة يعتقد جزماً أن المسلمين يعترفون بأن ما بين الدفتين كلام الله تعالى. ثم إذا فتش عن المقالات الغريبة وجد فيه اختلافاً كثيراً، حتى روي عن ابن مسعود (¬3) إنكار كون الفاتحة والمعوذتين من القرآن. وعن الخوارج (¬4) إنكار كون سورة يوسف منه. وعن كثير من الفقهاء الروافض (¬5) إنكار كون ما عندنا من القرآن ما أنزل بل غيَر وبدل وزيدَ فيه ¬

_ (¬1) في"هـ" الباقي في الموضعين. (¬2) في (د) زيادة عن جميع النسخ (فيكون المحمول والموضوع واحدا) ولعله تفسير من الناسخ. (¬3) هو عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي أبو عبد الرحمن حليف بني زهرة. وأمه أم عبد بنت عبد وهي من بني هذيل. أسلم قديماً وسبب اسلامه أنه كان يرعى غنما لعقبة بن معيط، فطلب منه - صلى الله عليه وسلم - أن يسقيه لبنا فقال: "أنا مؤتمن" فطلب منه شاة لم ينزُ عليها الفحل فدرَّت لبناً غزيراً فشربوا جميعا، ثم أمرها فقلصت. خدم الرسول وهاجر الهجرتين. وهو أحد العشرة المبشرين ورد في مناقبه أحاديث كثيرة وقرأ على الرسول - صلى الله عليه وسلم - القرآن فبكى. قتل عدو الله أبا جهل ونفله الرسول سلبه، ولاه عمر الكوفة، ثم عزله مات سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بالبقيع. الإصابة 4/ 129، الاستيعاب 987. (¬4) هم الذين خرجوا على علي ومعاوية- رضي الله عنهما- وتمسكوا بقولهم: إنه لا حكم إلا لله وكفروا عليا لقبوله التحكيم، وهم فرق كثيرة جدا. انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/ 114 وما بعدها، الفرق بين الفرق 19 - 45، الحور العين 170، اللباب 2/ 164، المواقف 629، مقالات الإسلاميين 81، الفرق الإسلامية للبشبيشي ص 30 وما بعدها. (¬5) هم الذين كانوا مع زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب- رضي الله عنه- ثم تركوه لما =

المسألة الثانية

ونقصَ عنه. ولا يبطل أيضاً بالعلم باستيلاء بعض المذاهب والملل على بعض البلاد، لأن ذلك بخبر التواتر في أكثر أهل تلك البلاد، بناء على رؤية شعار الإسلام أو التبصر (¬1) في المحال وغيرها. أما في الكل فممتنع، والِإنصاف أنه لا يعلم حصول الِإجماع إلا في زمان الصحابة، حيث كانوا قليلين يمكن معرفتهم مفصلاً. " المسألة الثانية" إجماع المسلمين حجة، خلافاً للنظام والشيعة (¬2) والخوارج. لنا وجوه (¬3): أ- قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} (¬4) الآية. جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد. ولا يجوز (¬5) الجمع بين المحرم وغيره وما يختاره الِإنسان لنفسه قولًا وعملًا يسمى سبيلا له فحمل (¬6) عليه. وإذا حَرُمَ غير سبيل المؤمنين وجب اتباع سبيلهم. ¬

_ = رفض أن يتبرأ من الشيخين. فقال لهم: كانا وزيري جدي ثم أصبح هذا اللقب لكل من غلا في هذا المذهب، وهم فرق متعددة. انظر تلبيس إبليس 97، مقالات الإسلاميين 15، الحور العين 184، مرآة الجنان 1/ 257، الفرق الإسلامية للبشبيشي 27. (¬1) في "هـ" التنصر. (¬2) يوجد تفصيل في مذاهبهم ذكره الأسنوي رحمه الله فقال: الشيعة تقول بالإجماع ولكن ليس لكونه إجماعا، بل لاشتماله على قول الإمام المعصوم والذي لا يخلو زمان عنه، وهم يقولون أيضاً: إن قوله بانفراده حجة. وقالت الخوارج: إن إجماع الصحابة حجة قبل حدوث الفرقة وأما بعدها فقالوا: الحجة في إجماع طائفتهم لا غير، لأن العبرة بقول المؤمنين ولا مؤمن عندهم إلا من كان على مذهبهم. وأما النظام. فقد نقل الأمدي عنه أن الإجماع عنده (هو كل قول يحتج به) واضطربت الروايات عنه في الحجية فنقل عنه، أنه يسلم في إمكان الإجماع، ويخالف في حجيته كما في التحصيل تبعا للمحصول، ونقل عنه أنه يقول باستحالته، وعزا الأسنوي هذا القول لمختصر ابن الحاجب وابن برهان في الأوسط (نهاية السول 2/ 281). (¬3) في "ب" لوجوه. (¬4) [النساء: 115]. (¬5) سقط من "ب" سطر من قوله: (ولا يجوز إلى وإذا حرم). (¬6) في "أ" (يحمل) بدل (فحمل).

فإن قيل: حرمة اتباع غير سبيلهم مشروطة بالمشاقة، ولم يلزم منه وجوب اتباع سبيلهم عند المشاقة. إذ عدم الاتباع واسطة بينهما. وإن لزم ذلك فليس بممتنع إذ ليست مشاقة الرسول الكفر به، لأنها مشتقة من كون أحد الخصميْن (¬1) في شقٍ والآخر في آخر ويكفي فيه أصل المخالفة. وإن سلمنا فالكفر المنافي للعلم بالإجماع هو الجهل بصدقه دون ما عداه، وإن سلمنا فالتكليف بالمحال واقع. ثم نقول حرمته مشروطة بتبين الهدى، لأن حكم المعطوف حكم المعطوف عليه واللام للاستغراق. ودليل أهل الإجماع هدى. فسقط اعتبار الإجماع. ثم لفظ الغير والسبيل مفرد فلا يعم ولئن عمَّ ولم يُفِد. اذ حرمة الكل لا تستلزم حرمة البعض. ونحن نُحرِّم اتباع بعض ما يُغايِر بعض سبيلهم وهو ما صاروا به غير (¬2) مؤمنين، وهو الكفر ويدل عليه فهمنا (¬3) من قوله: لا تتبع غير سبيل الصالحين ما صاروا به صالحين ونزول الآية في رجل ارتد. ثم السبيل: ما يُمشى فيه وهو غير مراد وليس بعض المجازات أولى. كيف؟ ولا مناسبة بين الحقيقة والإجماع وبينهما وبين دليل أهل الإجماع مشابهة الإفضاء (¬4) إلى المطلوب فحمله عليه أولى. سلمنا حرمة اتباع غير سبيلهم فلم (¬5) يجب اتباع سبيلهم اذ لفظ غير للصفة في الأصل. وإن استعمل للاستثناء فعدم الاتباع إذاً واسطة بين الاتباعين. وليس ترك اتباع سبيلهم اتباعاً لغير سبيلهم اذ الاتباع فعل مثل فعل الغير، لأن ذلك الغير فعله. سلمنا وجوب اتباعهم لكن لا في كل أمرٍ وإلا لزم وجوب الفعل، وعدم وجوبه فيما فعلوه معتقدين إباحته وجواز الاجتهاد وعدم جَوازه، حيث ¬

_ (¬1) في (ب، جـ، هـ) (الشخصين) بدل (الخصمين). (¬2) سقط من (أ، جـ) "غير". (¬3) في "هـ" بعد فهمنا زيادة وهي "أنا فهمنا". (¬4) في "أ، هـ" الاتصال. (¬5) في "أ" (ما لم) بدل (فلم).

أجمعوا بعد الخلاف ولا يشرط في الِإجماع الأول عدم الإجماع بعده، وإلاَّ لشرط في الإجماع الثاني والثالث ولزم أيضا وجوب إثبات الحكم بدليل أهل الإجماع وعدم وجوبه، ونحن نوجب اتباعهم في البعض وهو الِإيمان ويتأكد بأنه يفهم من سبيل الصالحين الصلاح. كيف؟ والإيمان حاصل في الحال والإجماع يحصل بعد وفاته عليه السلام، والحمل على الحاصل أولى وبأن يفهم من قول السلطان: من يشاقق وزيري ويتبع غير سبيل فلان يريد به المتظاهر بطاعة الوزير عاقبته. سبيله في طاعة الوزير. ثم المراد كل المؤمنين وهم الموجودون إلى قيام الساعة وأهل العصر بعضهم. ولو قيل: المؤمن هو المصدق وهو الموجود، ولزم أن لا يكون إجماع أهل العصر الأول حجة في الثاني، إذ ليسوا مؤمنين فيه وأن تختص الآية بالموجودين وقت نزولها. لكن إنما يفيد الإجماع بعد وفاته عليه السلام، وقد مات بعضهم قبله، سلمنا أن المراد مؤمنو كل عصر لكن لا كلهم لخروج العوام والأطفال والمجانين، بل بعضهم وهو الإمام المعصوم. ثم الإيمان أمر باطن فلا يمكن معرفة المؤمنين (¬1) فكيف يجب اتباعهم؟. ولا يحمل المؤمن على المصدق باللسان كما في قوله تعالى: {حَتَّى يُؤْمِنَّ} لأنه مجاز ليس الحمل عليه أولى من حمل السبيل على ما من شأنه أن يكون سبيل المؤمنين، ثم دلالة الآية (¬2) ظنية والمسألة علمية وفاقاً. والعجب أن الفقهاء أثبتوا الإجماع بالعمومات ولم يكفروا ولم يفسقوا منكر مدلول العموم، لتأويل ثم كفروا وفسقوا منكر الحكم المجمع (¬3) عليه. ثم ما ذكرتم معارض بما في الكتاب من منع الأمة (¬4) عن القول والفعل الباطلين (¬5) بقوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (¬6) {وَلَا تَأْكُلُوا ¬

_ (¬1) في"ب" (المؤمن) بدل (المؤمنين). (¬2) وهي: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}. (¬3) في "أ" لجمع. (¬4) في "هـ" الأئمة وفي (أ) الآية. (¬5) في (أ، ب، جـ) الباطل. (¬6) [الأعراف: 33].

أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬1). والنهي عن الممتنع ممتنع. وبما في السنة من حديث معاذ (¬2) حيث ترك الإجماع مع الحاجة. ومن قوله عليه السلام: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس" (¬3) وقوله عليه السلام: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" (¬4) وقوله عليه السلام: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقَ عالم اتخذ الناس رؤساءَ جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" (¬5) وقوله عليه- السلام: "تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها أول ما ينسى" (¬6). وقوله عليه السلام: "من أشراط الساعة أن يرتفع العلم ويكثر الجهل" (¬7). فإنها تدل على خلو الزمان عمن يقوم بالواجبات. وبوجهين من المعقول: أ- أنه يجوز الخطأ على كل واحدٍ فكذا على الكل فإن كلَّ واحدٍ من الزنج لما كان أسوداً كان الكل كذلك. ¬

_ (¬1) [البقرة: 188]. (¬2) تقدم الكلام عليه في صفحة (1/ 395) من هذا الكتاب. (¬3) رواه مسلم وأحمد عن ابن مسعود. انظر فيض القدير 6/ 417، والفتح الكببر 3/ 334، وفي (ب، د، هـ) (أمتي) بدل (الناس). (¬4) متفق عليه. ورواه عن جرير أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة. وعن ابن عمر أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة. وعن أبي بكرة. البخاري والنسائي وعن ابن عباس البخاري والترمذي وفيه زْيادة عن ابن عمر عند النسائي (ولا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه) (انظر فيض القدير 6/ 394). (¬5) متفق عليه ورواه أحمد في مسنده والترمذي في سننه وابن ماجة عن ابن عمرو. انظر هداية الباري 9/ 158، والفتح الكبير 1/ 350. (¬6) رواه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم من حديث ابن مسعود والطبراني في الأوسط والدارقطني والدارمي وغيرهم بألفاظ متقاربة، وجميع طرقه لا تخلو من مطعن وظاهر كلام ابن حجر أنه يصل لدرجة الحسن، حيث قال رجاله موثوقون وقال ليس على شرط البخاري. انظر فتح الباري 12/ 14، كشف الخفا 1/ 308. (¬7) لم أجده بهذا اللفظ ويوجد أحاديث بمعناه كثيرة وبألفاظ مختلفة منها ما رواه أحمد والبخاري وابن ماجة عن أبي هريرة بلفظ: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج (وهو القتل)، الفتح الكبير 3/ 336.

ب- إن الإجماع لا لدلالة وأمارة خطأ بالإجماع. وامتنع أن يكون لدلالة، وإلا لوجب اشتهارها لكونها واقعة عظيمة وأن (¬1) يكون لإمارة لإمتناع اتفاق الخلق العظيم لما يختلف مقتضاه. والجواب عن: أ (¬2) - أن المعلق بالشرط إن لم يكن عدماً عند عدمه، حصل الغرض وإن كان لم يكن حرمة اتباع غير سبيل المؤمنين مشروطة بمشاقة الرسول لئلا يجوز اتباع كل ما هو غير سبيل المؤمنين عند عدم المشاقة. ولقائل أن يقول: لا يلزم حصول الغرض من القسم الأول لجواز أن (¬3) يكون المعلق بالشرط عدماً عند عدمه، ويكون حرمة اتباع غير سبيل المؤمنين عدماً عند عدم مشاقة الرسول. وإن ردد (¬4) في عدم هذه الحرمة عند عدم المشاقة لم يلزم جواز مخالفة الإجماع في جميع الصور عند عدم المشاقة، وإن كانت الحرمة عدماً عنده، إذ انتفاء حرمة كل اتباع لغير سبيل المؤمنين، لا يوجب جواز كل اتباع لغير سبيلهم. ثم إثبات القسم الثاني من الترديد الأول يحصل (¬5) غرضه. وأيضاً لم يرد المعترض بذلك تعليق الحرمة بالمشاقة، بل ترتيب الوعيد علي المشاقة والإتباع المذكورين مجموعاً، ولا يلزم منه ترتبه على كل واحدٍ (¬6) منهما منفرداً وما ذكره ليس جواباً عنه. ¬

_ (¬1) في "د" وأن لا يكون. (¬2) لا يوجد ترقيم للأدلة التي هذه أجوبتها. وهي أجوبة عن ما أورده الخصم على حجية الإجماع والتي بدأت قبل خمس صفحات بقوله: فإن قيل وكلها حول ما ورد على قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}. (¬3) في "هـ" (أن لا يكون). (¬4) في "أ" (ورد) بدل (ردد). (¬5) في "جـ، د" (لا يحصل). (¬6) في "ب" (حال) بدل (واحد).

ب- لا نسلم اقتضاء العطف الاشتراك في الاشتراط. سلمنا لكن المشروط في المشاقة دلائل التوحيد والنبوة كيف؟ وخروج الآية مخرج مدح المؤمنين ينفي ما ذكرتم، إذ لا منقبة لليهود والنصارى في الأخذ بما عرف كونه هدى (¬1) من أقاويلهم، على أن المتمسك بالدليل لا يكون متبعاً. اذ لا نعد متبعين لأحد في اثبات الصانع ونبوة الرسول. - أنه يفهم من قوله من دخل غير داري ضربته العموم، ولأن الحمل على العموم أكثر فائدةً لما في الحمل على واحدٍ مع أنه غير مذكور في الإجمال، ولأن ترتب الحكم على الوصف يشعر بالعلية. قوله: حمله على العموم لا يفيد. قلنا: ذلك إذا حمل على الكل لا على كل واحدٍ، والمفهوم من الاستعمال الثاني. ولو حمل على ما به صاروا غير (¬2) مؤمنين مع ارادته من (¬3) المشاقة لزم التكرار. ثم العبرة بعموم اللفظ دون خصوص السبب. د- لا نسلم أن السبيل ما يُمشي (¬4) فيه لقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} (¬5). وقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} (¬6). سلمنا لكن الحمل على دليل أهل (¬7) الإجماع يقتضي حقية كل ما أجمعوا عليه كيف؟ والمستدل لا يكون متبعاً. هـ- أنه يفهم من قولهم (¬8): ولا تتبع غير سبيل الصالحين، الأمر باتباع سبيلهم حتى يستقبح مع ذلك قولهم: ولا تتبع سبيلهم ولا يفهم ذلك لو ¬

_ (¬1) في "ب" (هذا) بدل (هدى). (¬2) سقط من "ب" غير. (¬3) سقط من "أ" من. (¬4) في "أ" (عليه) بدل (فيه). (¬5) [يوسف: 108]. (¬6) [النحل: 125]. (¬7) سقط من (ب، جـ) أهل. (¬8) في عبارة هذا الجواب اختلافات كثيرة بين النسخ ففي (1) سقط سطر، ويوجد اشارة للسقط، ولأجل هذا السقط حدث تصرف في (ب، جـ، د)، واخترنا عبارة (هـ) لكمالها وصحتها.

قال: لا تتبع سبيل غير الصالحين حتى لا يستقبح مع ذلك قوله ولا تتبع سبيلهم. أن المراد اتباعهم في كل أمر لصحة الاستثناء، ولما ثبت من حرمة اتباع كل ما هو غير سبيل المؤمنين إلا ما خصه الدليل، ووجوب اتباعهم في فعل المباح خصه ما ذكرتم، وجواز الاختلاف مشروط بعدم الإجماع بعده، وهذا الشرط حذفه أهل الإجماع في الإجماع (¬1) الثاني. ولقائل أن يقول: هذا جواب عن المقدمة بإثبات الحكم. وأما إثبات الحكم بدليل أهل الإجماع فالخصم يسلم أنه مخصوص. ولقائل أن يقول: الخصم لا يسلم أن إثبات الحكم بغير الإجماع مخصوص فله أن يلزم ذلك. قوله: يفهم من قولهم: اتبع سبيل الصالحين ما صاروا به صالحين. قلنا: لا نسلم: إذ الصلاح جزء الصالح وسبيله خارج (¬2) عنه سلمنا لكن الإتباع في الإيمان ممتنع إذ لا يحصل تقليداً، وإذا امتنع حمله عليه حمل على الإجماع تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه. وفي مثال قول السلطان قرينة عرفية والدلالة اللفظية راجحة عليها. أن المؤمن هو المصدق وهو الموجود والموجود في العصر كل المؤمن، فإذا اتفقوا على حكم، لم يجز لأحدٍ في عصرٍ ما مخالفتهم فيه، لكونه حقاً في ذلك العصر، وكون الحق في عصر حقاً في غيره. كيف؟ وورود الآية زجراً (¬3) عن مخالفتهم، وترغيباً في الأخذ بقولهم يمنع إرادة المؤمن إلى قيام الساعة. قوله: وجب أن تختص الآية بالموجودين وقت نزولها. ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" في الإجماع. (¬2) سبب كون سبيله خارجاً عنه، لكون أضيف إليه غير مسلم، حيث أنه قد يضاف الجزء للكل فلا يكون خارجاً عنه. (¬3) في "أ" جزءاً بدل زجراً.

قلنا: لما (¬1) امتنعت إرادتهم، لأن قولهم: إن طابق قول الرسول فالحجة في قوله دونهم وإن لم يطابق لغى قولهم- وجبت (¬2) إرادة الموجودين في أي عصر كان. ح- أن المراد كل مؤمني العصر إلا ما خصه الدليل، ولا يحمل على الِإمام المعصوم، لأنه لفظ جمع. ط- أن المؤمن هو المصدق باللسان لغة. ويدل عليه إيجاب اتباعهم المقتضي للمكنة من معرفتهم، وحمل السبيل على ما من شأنه أن يكون سبيلاً عدول عن الظاهر بلا ضرورة. ي- أن المسألة ظنية، والِإجماع على القطع ممنوع، ولا نكفر (¬3) مخالف الإجماع ولا نفسقه. وعن الآيات: أنها خطاب مع كل واحد والمدعي عصمة الكل. ثم النهي لا يقتضي إمكان المنهي عنه، فإنه تعالى نهى المؤمن عن الكفر مع علمه بأنه لا يكفر وخلاف علمه محال. وعن حديث معاذ، أن الإجماع لم يكن حجة إذ ذاك فترك. وعن باقي الأحاديث. لا تدل على شرية الكل بل على شرية البعض. وقوله: "لا ترجعوا بعدي (¬4) كفاراً" ممنوع الصحة (¬5). ثم لعله خطاب مع معينين. وقوله: يجوز الخطأ على كلِّ واحدٍ، فكذا على الكل ممنوع والمثال ¬

_ (¬1) في "أ" (ما) بدل (لما). (¬2) في (ب، جـ) (وجب) بدل (وجبت). (¬3) في "أ" (يكون) بدل (نكفر). (¬4) سقط من "أ" بعدي. (¬5) قوله ممنوع الصحة. كلام عجيب، لأنه ليس عن تثبت، إذ الحديث لا تتطرق لصحته الاحتمالات، لأنه جزء من خطبة حجة الوداع وروي عن جمع من الصحابة وخرجته معظم كتب السنة بما فيها الصحيحان. وقد تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 42) من هذا الكتاب وبيَّنا الكتب التي أخرجته ليس على وجه الحصر ولله الحمد والمنة.

الواحد لا يدل عليه. سلمنا لكنه تعالى أخبر عن عدم وقوعه فعلم عدمه. وعن الأخير: أن الدلالة إنما لم تنقل اكتفاء بالإجماع. " الوجه الثاني" قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (¬1). ووسط كل شيء خياره وإتيانهم بالمحرم ينفيه. فإن قيل: ظاهر الآية عدالة كل أحد، وهو متروك. فحمل على البعض وهو الإمام المعصوم. ثم لا نسلم أن سوط الشيء خياره. إذ العدالة فعل العبد وكونه وسطاً فعل الله، فهو غير العدالة، ولأن وسط ما يتوسط شيئين فجعله حقيقة في العدالة توجب الاشتراك، سلمنا لكنه ينفي إتيانهم بالكبيرة دون الصغيرة، كما في عدول القضاة والخطأ صغيرة. سلمنا: لكنه عذلهم للشهادة على الناس في الآخرة فيكفي عدالتهم فيها، ثم الآية مختصة بالموجودين عند نزولها ولم يعلم بقاؤهم بعد (¬2) الرسول. والجواب (¬3) عن: أ- أنه يحمل على امتناع خلو الأمة عن العدول وحمل الجمع على الِإمام المعصوم خلاف الظاهر. ب- قوله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} (¬4). أي أعدلهم. وقوله عليه السلام: "خير الأمور أوسطها" (¬5). أي أعدلها. ¬

_ (¬1) [البقرة: 143]. (¬2) في "ب" (عند) بدل (بعد). (¬3) هذه الأجوبة عن الاعتراضات على الوجه الثاني وهي المبدوءة بقوله: فإن قيل وهي لم ترد مرقمة وكلها موجهة إلى الاستدلال بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}. (¬4) [القلم: 28]. وفي "جـ": {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ}. (¬5) لم يصح حديثاً. ذكره حجة الإسلام في الإحياء 3/ 56، 165، وقال العراقي رواه البيهقي في شعب الإيمان من رواية مطرف بن عبد الله مُعضلاً (انتهى) وتكلم عليه شارح الإحياء الزبيدي 7/ 336، فأضاف أنه أخرجه أبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجيَّاني في الأربعين العلوية من طريق أهل البيت عن علي ولا يصح. ورواه السمعاني في ذيل تاريخ بغداد بسند =

وقيل كان عليه السلام أوسط قريش نسباً. قال الشاعر: (هم وسطٌ يرضى الأنام بحكمهم) (¬1) وقال الجوهري (¬2) في الصحاح (¬3): {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (¬4). أي عدولًا، ولأن الوسط هو البعد عن الطرفين، فالبعد عن طرفي الإفراط والتفريط المذمومين (¬5) وسط. فهو فاضل. ولهذا سمي الفاضل في كل شيء وسطاً. قوله: عدالة العبد فعله. قلنا: بل فعل الله تعالى عندنا. جـ- أنه قيل: لا صغيرة إلا بالنسبة ومن سلمها قال: الله تعالى يعلم الظاهر والباطن فحكمه بالعدالة يقتضي المطابقة، بخلاف شهود الحاكم إذ لا يعلم الباطن. ¬

_ = مجهول، عن علي مرفوعاً وهو عند ابن جرير في التفسير من قول مطرف بن عبد الله ويزيد بن مرة الجعفي (انتهى الزبيدي). ققلت: فتشت عليه ولم أجده ووجدته في الدر المنثور للسيوطي 4/ 179 وعزاه للبيهقي. وللديلمي عن ابن عباس مرفوعاً: "خيرُ الأعمال أوسطها" في حديث أوله: داوموا على أداء الفرائض وقد عزاه صاحب تيسير الوصول إلى جامع الأصول إلى رزين. انظر إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين للزبيدي 7/ 336، والإحياء 3/ 56، والدر المنثور 4/ 179. (¬1) هذا صدر بيت لزهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي الحكيم وعجزه: (إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم). (¬2) هو إسماعيل بن حمال الجوهري الفارابي أبو نصر، توفي سنة 393 هـ، لغوي أديب أصله تركي، رحل للعراق وقرأ على أبي علي الفارسي وأبي سعيد السيرافي. وصافر للحجاز ثم رجع لبلاده، ووضع الصحاح والمقدمة في النحو وكتاب في العروض. له ترجمة في: معجم الأدباء 6/ 151، يتيمة الدهر للثعالبي 4/ 373، لسان الميزان 1/ 400، النجوم الزاهرة 4/ 207، نزهة الألبا للأنباري 418، إنباه الرواة للقفطي 1/ 194، طبقات النحاة واللغويين لابن شهبة 215، مرآة الجنان 2/ 446، شذرات الذهب 3/ 141، بغية الوعاة للسيوطي 195، مفتاح السعادة 1/ 100، روضات الجنات 110، ومعجم المؤلفين 2/ 267. (¬3) الصحاح في اللغة صنفه الجوهري وجعل فيه 28 باباً في كل باب 28 فصلاً، طبع أول مرة الجزء الأول في ألمانيا سنة 1774، ثم طبع كاملاً بإيران سنة 1853 م، ثم في القاهرة سنة 1865 م. (المعجم الإسلامي 3/ 252). (¬4) [البقرة: 143]. (¬5) سقط من "أ، د" المذمومين.

د- أنه جزم بعد التهم في الحال، ولأن الأمم عدول في الأخرة، فلا فائدة لتخصيص هذه الأمة. هـ- ما سبق في الوجه الأول. " الوجه الثالث" قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} (¬1) الآية. واللام للعموم. وإجماعهم على الخطأ، يقتضي أمرهم بمنكر. فإن قيل: ظاهر الآية متروك فحمل على الإمام. ثم المفرد لا يعم. ولفظ كنتم يتناول الماضي، ومفهومه ينفي الحصول على الحال. فإن قلت: إنه مدح لهم (¬2) في الحال. قلنا: لا نسلم، بل إخبار. سلمنا لكن جاز أن يمدح الإنسان بما (¬3) في الماضي ويذم بما في الحال على ما علم من مذهبنا في مسألة الاحتياط (¬4). كيف؟ والمدح في الحال بصفة لا يقتضي الاتصاف بها في المستقبل، فربما لم يبقوا (¬5) عليها فيه. ثم الخطاب مع الموجودين وقد سبق بجوابه. والجواب عن: أ- أن المراد الكل لا كل واحد. فالواحد إنما يُسمى أمةً مجازاً كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} (¬6) ولأن كلِّ واحدٍ لو كان أمة، لكان خيراً من صاحبه وهو محال (¬7)، ولأنه المفهوم من قول السلطان. كنتم خيرَ عسكرٍ تفتحون القلاع وتكسرون الجيوش. ¬

_ (¬1) [آل عمران: 110]. (¬2) سقط من (ب، جـ) لهم. (¬3) سقط من "أ" بما. (¬4) في "هـ" الإحباط. (¬5) في "أ، ب، جـ" "لم يقفوا". (¬6) [النحل: 120]. (¬7) سقط من "ب" وهو محال.

ب- أنه لو لم يحمل على العموم بل على الماهية لكفى في العمل به أمرهم بمعروفٍ واحدٍ، ونهيهم عن منكرٍ واحدٍ وسائر الأمم تساويهم فيه فلم يفد خيريتهم بالنسبة إليها، مع أن الآية سيقت لذلك. ب- أن لفظ "تأمرون وتنهون" يتناول الحال والاستقبال. ولفظ "كنتم وإن" يتناول الماضي، لا ينفي الحصول فيهما. د- أن لفظ المضارع كالعام بالنسبة إلى الحال والاستقبال. " الوجه الرابع" قوله عليه السلام: "لا تجتمع أمتي على خطأ". قيل: معنى هذا متواتر بالضرورة، إذ نقل بألفاظ مختلفة بلغت التواتر: أ- "ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن" (¬1). ب- "لا تجتمع أمتي على ضلالة". وروي "ولا على خطأ" (¬2). جـ- "سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها". د- "يد الله على الجماعة". هـ- "لم يكن الله ليجمع أمتي على ضلالة ولا على خطأ". و- "عليكم بالسواد الأعظم" (¬3). ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه في صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب. (¬2) أحاديث عدم اجتماع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على ضلالة ولا على خطأ، مشهورة المتن كثيرة الأسانيد، ولها شواهد عديدة وممن رواها: أحمد والطبراني في الكبير، وابن أبي خيثمة في تاريخه، عن أبي نضرة الغفاري والطبراني وابن أبي عاصم عن أبي مالك الأشعري. وأبو نعيم والحاكم وابن منده عن ابن عمر وعبد بن حميد وابن ماجة عن أنس. والحاكم عن ابن عباس. انظر كشف الخفا 2/ 350. (¬3) لا يصح حديثاً أخرجه أحمد 8/ 304 من قول أبي أمامة الباهلي وأخرجه أحمد 4/ 383 من كلام عبد الله بن أبي أوفى لسعيد بن جمهان بلفظ: ويحك يا ابن جمهان، عليك بالسواد الأعظم وأخرجه ابن ماجة عن أنس مرفوعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظمً". وفي إسناده أبو خلف الأعمى حازم بن عطاء، وهو ضعيف. وقد جاء الحديث بطرق في كلها نظر على ما في تخريج العراقي لأحاديث البيضاوي. "انظر ابن ماجة 2/ 1303، مسند أحمد 4/ 378، 383".

ز- "يد الله على الجماعة ولا تبالِ بشذوذ من شذ" (¬1). ح- "من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقةَ الِإسلام من عنقه" (¬2). ط- "من خرج في طاعةٍ (¬3) وفارق الجماعة مات ميتةً جاهلية". ي- "لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم" (¬4). يا- "لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يخرج الدجال". يب- "لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى يأتي أمر الله". يج- "ثلاث لا يغل عليهن قلب المؤمن إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من ورائهم" (¬5). يد- "من سره بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الِإثنين أبعد". يه- "لن تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من ناوأهم إلى يوم ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي وحسنه عن ابن عباس بلفظ: "يد الله مع الجماعة اتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذَّ شذَّ في النار" وأخرجه الطبراني بسند وثقه الهيثمي بلفظ: "يد الله مع الجماعة والشيطان مع من خالف يركض" وحسن السيوطي حديث الترمذي ولم يسلم له المناوي. انظر فيض القدير 6/ 460، والفتح الكبير 3/ 421، وكشف الخفا 2/ 391. (¬2) رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود والحاكم والترمذي من طريق أبي ذر بألفاظ مختلفة وبعض طرقه صحيحة. انظر مجمع الزوائد 5/ 222، الفتح الكبير 3/ 188، مشكاة المصابيح 1/ 65، تلخيص الحبير 4/ 41. (¬3) في "هـ" الطائفة. (¬4) أحاديث بقاء طائفة على الحق متفق عليها بألفاظ متعددة وطرق كثيرة جداً. أفرد البخاري لها باباً خاصاً في صحيحه، وأخرجتها معظم كتب السنة وممن رواها: الحاكم في المستدرك عن عمر والبخاري ومسلم عن المغيرة. ومسلم والترمذي وابن ماجة عن ثوبان. وأحمد والبخاري ومسلم عن معاوية. وابن ماجة عن أبي هريرة. وابن ماجة وابن حبان عن قرة بن إياس وأحمد ومسلم عن جابر. وأحمد وأبو داود والحاكم عن عمران بن حصين. ومسلم عن عقبة بن عامر. انظر: الفتح الكبير 3/ 321، فح الباري 13/ 293، صحيح مسلم 6/ 52. (¬5) جزء من حديث رواه الشافعي والبيهقي في المدخل بسندٍ صحيح وأوله: "نَضَّرَ الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حاملِ فقهٍ غير فقيه ورب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن .. " ورواه أحمد في المسند والحاكم في المستَدرك وابن ماجة في سننه عن جبير بن مطعم وأبو داود وابن ماجة عن زيد بن ثابت والترمذي وابن ماجة عن ابن مسعود ورواه الطبراني. انظر مشكاة المصابيح 1/ 78، مجمع الزوائد 1/ 139، الفتح الكبير 3/ 263.

القيامة". وروي "لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر اللُه". يو- "ستفترق أمتي كذا وكذا فرقة كلها في النار إلا فرقةً واحدة قيل ومن تلك الفرقة؟ قال: هي الجماعة" (¬1). ومنهم من استدل على تواتر لفظه بأن الدواعي متوفرة على البحث عن هذه الأخبار تصحيحاً وتضعيفاً، إذ ثبت بها أصل عظيم مقدم على غيره فاستحال ذهولهم عن خلل فيه، فلو كان لاشتهر. وبأن التابعين أجمعوا على موجبها مستدلين بها. وقد عُلمَ أن أمتنا (¬2) لا يجمعون على موجب خبرٍ ما لم يقطعوا بصحته. والأول ضعيف فإنا نمنع تواتر هذه الألفاظ، والقطع بصحة واحدٍ منها إنما يفيد إن كان الكل قاطع الدلالة وأنتم تستدلون بعد الصحة بواحد، ولم يشترك الكل في كون الإجماع حجة، وإلا لكان معلوماً بالتواتر كغزوة بدر وأحد، وامتنع (¬3) وقوع الخلاف فيه، واستدلالكم عليها بعد صحة المتن ينفيه. وبه تخالف الأخبار الدالة على شجاعة علي وسخاوة حاتم فإنها تستغني عن الاستدلال عليها واشتراك الكل فيما يلزم منه حجية الإجماع، يقتضي وجوب بيانه وبيان إفادته كون الإجماع حجة. فإن قلت: هو تعظيم الأمة وبعدها عن الخطأ. قلتُ: مطلق التعظيم لا يفيد (¬4) والتعظيم المنافي للخطأ، ككون الإجماع حجة وقد بطل تواتره. وأما ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي دنيا عن عوف بن مالك. وأبو داود والترمذي والحاكم وابن حبان وصححوه عن أبي هريرة بلفظ: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقةً. وتفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقةً كلهم في النار إلا واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي، ورواه الترمذي عن أبي هريرة وابن عمر. ورواه ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس بسنده إلى أبي هريرة وقال الترمذي حسن صحيح. وفي الباب أحاديث كثيرة متقاربة اللفظ عن جمع من الصحابة منهم معاوية وأبي الدرداء وابن عمرو وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبي امامة وأنس. ورواه الشعراني في الميزان وصححه الحاكم بلفظ غريب (تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلها في الجنة إلا الزنادقة) قال صاحب كشف الخفا: لعل وجه التوفيق أن الحديث الأخير يحمل على أنهم أهل الجنة مآلاً. (كشف الخفا 1/ 150، 309). (¬2) وفي (ب، د) أنهم بعد أمتنا. (¬3) سقط من "أ، هـ" (امتنع). (¬4) سقط من "ب" (مطلق التعظيم لا يفيد).

الثاني فضعيف، فإنه طعنُ في الأحاديث بأنها آحاد. فإن قيل: بأنها متواترة عند التابعين. قلنا: لما لم يثبت ذلك التواتر عندنا بالتواتر لم يكن تواتراً. والطعن فيها تفصيلاً إنما يجب لو عرف فسادها وقد لا يعرفوه (¬1). وأما الثالث: فالمقدمات الثلاث منه ممنوعة، والصحيح جعلها آحاداً والتمسك بها أو بأحدها كقوله عليه السلام: "لا تجتمع أمتي على خطأ" (¬2) فإن قيل المراد بالأمة من يؤمن إلى يوم القيامة من وقت نزول الخبر (¬3). فلم يفد كون الإجماع حجة لما سبق سلمنا إرادة أهل (¬4) كل عصر. لكن قوله: "لا تجتمع" جاز أن يكون مسكوتاً (¬5) فأشتبه على الراوي فرواه مرفوعاً. سلمنا كونه خبراً، لكن الخطأ يحمل على السهو أو الكفر لقوله عليه السلام: "لا تجتمع أمتي على ضلالة". سلمنا: إصابتهم في كل أمرٍ. لكن المصيب قد يجوز مخالفته. والجواب عن: أ- أنه مدفوع بقوله عليه السلام: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق" (¬6) ونحوه. ب- أن عدالة الراوي تنفيه (¬7) وكذا سائر الأحاديث. جـ- اجتماع الجمع العظيم على السهو ممتنع. فلا يكون (¬8) نفيه تعظيماً. وليس في تخصيص الأمة (¬9) به فضيلة. والضلالة لا تقتضي الكفر لقوله ¬

_ (¬1) في "ب" (لا يعرفونها). (¬2) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 50) من هذا الكتاب. (¬3) في (أ، هـ) (الآية) بدل (الخبر). (¬4) سقط من جميع النسخ ما عدا (هـ) أهل. (¬5) في "ب" ساكناً. (¬6) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 51) من هذا الكتاب. (¬7) أي أن عدالة الراوي تنفي احتمال كون الراوي اشتبه عليه الأمر فرواه مرفوعاً. (¬8) في (هـ، أ) لا يذكر. (¬9) سقط من "أ" به.

المسألة الثالثة

تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} (¬1) وقوله تعالى: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} (¬2). د - أن الأمة اجتمعت على أن الِإجماع ليس حجة يجوز مخالفتها. فلو جاز ذلك لأجمعوا على الخطأ والحديث ينفيه. " الوجه الخامس" ما عوَّل عليه إمام الحرمين (¬3): أن الِإجماع إن صدر عن الدلالة كشف عنها فلا يجوز مخالفتها، وإن كان لامارة والتابعون أجمعوا على المنع من مخالفته قاطعين به، وذلك كاشف عن دلالة مانعة من مخالفته، وهذا ضعيف. إذ الاجماع قد يكون لشبهةٍ كإِجماع المبطلين مع كثرتهم. سلمنا: لكن لمَّا جاز صدور الِإجماع عن الامارة جاز صدور إجماع التابعين على المنع من مخالفته عنها. " المسألة الثالثة" قالت الشيعة: لا يخلو زمان عن إمام معصوم، فكان الِإجماع حجةً لكشفه عن قوله. بيان الأول: أن الِإمام لطف للعلم، فإن الخلق إذا كان لهم رئيس قاهر يمنعهم عن القبائح ويحثهم على الواجبات، كان حالهم فيها أحسن. واللطف واجب، لأنه كالتمكين (¬4) في إزاحة العذر والتمكين واجب. فإن من دعا غيره إلى طعامه مريداً نفعه، وعلم أنه لو لم يتواضع له لا يتناوله عد تركه للتواضع كرد الباب عليه، ولأنه لو لم يجب فعل اللطف، لم يقبح فعل المفسدة إذ لا فرق في العقل بينهما. وعصمة الِإمام واجبةٌ دفعا للتسلسل. ¬

_ (¬1) [الضحى: 7]. (¬2) [الشعراء: 20]. (¬3) انظر البرهان 1/ 630. (¬4) في "أ" كالمتمكن.

قالوا: فظهر بهذا أن العلم بكون الِإجماع حجةً لا يتوقف على العلم بالنبوة، وأن إجماع كل أمةٍ حجة. والاعتراض أن تفاوت حال الخلق بوجود الِإمام وعدمه، إنما يُعلم لو جرب حالهم عند عدمه وعندكم ما خلا زمان عنه. بل المجرب ظهور هذه المفاسد عند خوف الِإمام وتقيته وتستره. سلمنا: لكن التفاوت إنما يظهر بوجود الإمام القاهر دون الذي لا يعرف وأنتم لا توجبونه. وما توجبونه وهو أصل الِإمام ليس بلطف (¬1). سلمنا: لكن إنما يجب نصبه إذا خلا عن جهات المفسدة إذ يكفي في قبح الفعل اشتماله على جهة مفسدة. فإن قلت: لو قدح هذا في كون الِإمام لطفاً، لقدح في كون معرفة الله تعالى لطفاً ولتعذر القطع بوجوب شيءٍ على الله تعالى. كيف؟ ولم يشتمل نصب الِإمام على جهةِ قبح إذ لا دليل عليها، ولأن جهاته محصورة في الكذب والظلم والجهل وغيرها، وأنها منتفية فيه. قلت: أما الأول فساقط إن حصل بين الموضعين فرق، وإلا وجب الجوِاب فيهما ثم المعرفة لطف يجب علينا. فقام الظن فيه مقام العلم (¬2). والإمام لطف يجب على الله تعالى، وأنه عالم بجميع الأشياء، فمتى علم جهة قبح فعل لم يجب عليه. وأما الثاني: فلا نقول في فعل معين أنه لطف، بل نقول: ما هو لطف في نفسه يجب على الله فعله. وأما الثالث: فلا يلزم من انتفاء الدليل انتفاء المدلول، ولا من عدم وجدان الدليل عدم وجوده. وأما الرابع: فمنقوض بقبح صوم يوم العيد مع انتفاء الجهات المذكورة، ثم الحجة التقسيم المنحصر. سلمنا أن القادح في كونه لطفاً تعيين مفسدة لكنه يشتمل على مفسدة ترك المكلف الفعل القبيح لا لقبحه. بل لخوف الإمام وترتب العقاب على الفعل. وإن اشتمل عليها لكن جاز الفرق بينهما. كيف؟ وترتب (¬3) العقاب إنما يعرف من الشرع. فورود الشرع به يعرفنا عراه عنها ¬

_ (¬1) في "أ" وهو أصل ليس بلطف الإمام. (¬2) في "د" (المعرفة) بدل (العلم). (¬3) في "هـ" ترتيب.

فإنه لا يرد بالمفسدة، ولو قيل كذلك في نصب الِإمام لزم كونه شرعياً، وكذلك يشتمل على نفي زيادة المشقة في فعل الطاعة وترك المعصية المقتضية لزيادة الثواب. سلمنا أنه لطف لكن لا في كل زمان إذ رب زمانٍ يستنكف الناس فيه عن طاعة الرئيس. ويعلم الله منهم أن فعلهم الطاعة وتركهم المعصية عند عدم الِإمام أكثر، وهذا وإن كان نادراً لكنه يحتمل في كل زمانٍ، فلم يجب القطع بوجوب نصب (¬1) الإمام في زمان ما. فإن قلتَ: إنما يقع الاستنكاف عن (¬2) معين. قلتُ: وقد يقع عن مطلق الِإمام. كيف؟ وعندكم إنما يقع المطلق في قوم معينين، فقد يقع (¬3) الاستنكاف عن طاعتهم. سلمنا أنه لطف، فلمَ لا يجوز أن يكون له بدل فإن الإِمام معصوم عندكم وليس عصمته لِإمام آخر فله لطف غير الِإمام. فجاز مثله في الأمة. سلمنا أنه لطف عيناً. لكن في المصالح الدنيوية أو الدينية الشرعية، كإقامة الصلاة وأداء الزكاة وتحصيل الأصلح في الدنيا غير واجب على الله تعالىِ، فما هو لطف فيه أولى، وكذلك ما هو لطف في الشرعيات لا يجب عقلاً. فإن قلتُ: إنه لطف في الدينية العقلية، لأنه إذا حثهم (¬4) على فعل الواجب وترك القبيح العقليين تمرنت نفوسهم عليها فأتوا بذلك لوجه الوجوب والقبح. قلتُ: لا نسلم تفاوت حال الخلق بوجود الِإمام فيه. إذ ربما يبغضونه ويعاندونه فيأتوا بذلك لمجرد الخوف. سلمنا: لكن لا نسلم أن كل لطف واجب. قوله أولاً أنه كالتمكين (¬5). قلتُ: القياس لا يفيد اليقين. ثم ترك ¬

_ (¬1) سقط من "ب" نصب. (¬2) في "أ" (من) بدل (عن). (¬3) في (جـ، د) (يمنع) بدل (يقع). (¬4) في (ب، جـ) (حثوا) بدل (حثهم). (¬5) في "أ" كالمتمكن.

التواضع عند إرادة المضيف (¬1) تناول الضيف الطعام، إنما يقدح (¬2) فيها إذا بلغت الغاية والله تعالى ربما لم يرد منا فعل الطاعة إرادة في الغاية (¬3). إذ المتفضل لا يجب عليه التفضل في الغاية. قوله ثانياً: إنه كفعل المفسدة. قلتُ: الفرق أنَّه فعل المفسدة إضرار، وترك اللطف ترك الِإنفاع (¬4). والأول أشد. ثم إنَّما يجب لطف محصل فإن المضيف إنَّما يجب عليه التواضع إذا علم أو ظن أنَّه يأكل عنده إذ لو علم أنَّه لا يأكل لو تواضع لقبح منه. والِإمام لطف (¬5) مقرب إذ الذي يعلم كون الِإنسان عند وجوب الإِمام أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية. سلمنا: لكنَّه إنَّما يجب لو كان مقدوراً كمسألة الضيف (¬6). فرب زمانٍ علم الله تعالى كفر كل من يخلقه فيه أو فسقه. فلم يمكن خلق الإمام فيه. ثم إنه مبني على التحسين والتقبيح العقليين، والوجوب على الله تعالى وقد أبطلا في علم الكلام ثم ما ذكرتم منقوض بعدم عصمة القضاة والأمراء والجيوش، وبعدم الِإمام في كل بلدةٍ، وبعدم (¬7) كونه عالمًا بالغيوب، وقادراً على الاختفاء عن العيون والطيران في الهواء. فإن قلتَ: لعله تعالى علم فيها مفسدةً لا نعلمها أو علم خلوها عنها، لكن لم يجب عليه تعالى (¬8). قلتُ: جاز (¬9) مثله في الإمامة. ثم لا نسلم وجوب عصمة الإمام، فقد تكون الأمة لطفاً له وهو لطف لهم، ولا يكفي في القدح فيه القدح في ¬

_ (¬1) سقط من "أ، هـ" المضيف. (¬2) في "هـ" (فيما) بدل (فيها)؛ (¬3) في "ب" (العامة) بدل (الغاية). (¬4) في "أ" (الإيقاع) بدل (الانفاع). (¬5) في "هـ" (الامامة) بدل (الإمام). (¬6) سقط من "ب" كمسألة الضيف. (¬7) سقط من "أ" بعدم. (¬8) (عليه تعالى) في "ب" فقط. (¬9) في "هـ" (جاك) بدل (جاز) وفي "ب" (لعل).

أدلة الِإجماع. ثم لا نسلم أن الإجماع يشتمل على قوله، وأن قوله صواب إذ يجوز عندهم (¬1) فتوى الإمام بالكفر والفسق خوفاً وتقية، فلعله خاف مخالفة الخلق فأفتى بالباطل. ثم الخطأ لعله صغيرة فلم يقدح في العصمة. فإن قلتَ: الصغيرة منفرة. قلت: العجز الشديد والفتوى بالكفر والفسق مع الإيمان المغلظة، أكثر تنفيراً مع تجويزكم إياه. ¬

_ (¬1) في "ب" (عندكم) بدل (عندهم).

الفصل الثاني فيما من الإجماع وقد أخرج عنه

" الفصل الثَّاني" فيما من الِإجماع وقد أخرج عنه وفيه مسائل " المسألة الأولى" إذا اختلف العصر الأول على قولين في مسألة، فالأكثرون منعوا من القول الثالث. وجوزه الظاهريون والحقُّ أنَّه إن لزم خلاف ما أجمعوا عليه لم يجز كما إذا قال بعضهم في الجد مع الإخوة: المال كله للجد. وقال الباقون: له وللإخوة. فصرف الكل إلى الِإخوة يخالف إجماعهم على أن للجد شيئًا منه. وإن لم يلزم جاز إذ المحذور ذلك. احتجوا: بأن تجويز القول الثالث يبطل ما أجمعوا عليه من وجوب (¬1) الأخذ بأحد القولين، ويستلزم بطلانهما المستلزم لِإجماعهم على الخطأ. والجواب عن: أ - بأنه مشروط بأن لا يظهر وجه ثالث (¬2) وهذا الشرط حذفوه في سائر الإجماعات. ب- أنَّا لو قلنا: المصيب واحد لا يلزم من تجويز القول به حقيته إذ الاجتهاد الخطأ قد يعمل به. وإن قلنا: كل مجتهد مصيب لم يلزم من حقيته بطلانها. " المسألة الثَّانية" إذا لم يفصلوا بين مسألتين، فإن نصوا على عدم الفصل بينهما في كل حكمٍ أو في معين فمتى دلنا دليل على ثبوته في إحداهما، وجب مثله في ¬

_ (¬1) سقط من "ب" وجوب. (¬2) في جميع النسخ ما عدا "هـ" وجه الثالث.

الأخرى وإن لم ينصوا عليه وعلم اتحادهما في المأخذ كما قيل. من وَرَّثَ العمة أو الخالة ورث الأخرى، ومن منع لاتحادهما في أنهما من ذوي الأرحام فكذلك، لكنَّه أضعف الإجماعات (¬1). وإن لم يعلم جاز الفصل بينهما إذ ليس فيه مخالفة الإجماع لا في الحكم ولا في علته. ولأنه لو امتنع (¬2) ذلك (¬3)، لوجب على من وافق الشَّافعي في مسألة لدليل موافقته في الكل. وللمانعين مطلقًا: أن ذلك خلاف ما أجمعوا عليه من عدم الفصل ووجوب الأخذ بقول أي طائفة كانت. والجواب عن: أ - لا نسلم أن ذلك إِجماع على عدم الفصل. ب- ما سبق. وللمجوزين مطلقًا: أن ابن سيرين (¬4) عمل في زوج وأبوين بقول عامة الصّحابة فقال: للأم ثلث ما يبقى. وفي زوجة وأبوين يقول ابن عباس: للأم ثلث المال. وقول الثوري (¬5) الجماع ناسياً يفطر دون الأكل ناسياً (¬6) مع اتحادهما في الطريقة. ¬

_ (¬1) في "ب" الجماعات. (¬2) في "أ" (جاز) بدل (امتنع). (¬3) إشارة إلى جواز الفصل بين المسألتين. (¬4) هو محمد بن سيرين البصري التَّابعي الأنصاري، مولاهم وكنيته أبو بكر، ولد سنة ثلاث وعشرين، وتوفي سنة عشرة ومائة، كان عالماً في تعبير الرؤيا. انظر طبقات الشيرازي ص 88، الوافي بالوفيات 3/ 146، تذكرة الحفَّاظ 1/ 73، وفيات الأعيان 4/ 181، روضة الجنات 7/ 249، مرآة الجنان 1/ 232، مشاهير علماء الأمصار 88، طبقات الحفَّاظ للسيوطي 31، مفتاح السعادة 2/ 24، الفكر السامي 2/ 78. (¬5) هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الكوفيِّ، ولد سنة سبع وتسعين، كان محدثًا فقيهاً ورعًا، له الجامع الصَّغير والجامع الكبير، وكتاب الفرائض توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة. انظر طبقات الشيرازي 84، مراة الجنان 1/ 345، تذكرة الحفَّاظ 1/ 190، اللباب 1/ 198، الفرق بين الفرق ص 21، الجواهر المضيئة ص 250، الفكر السامي 2/ 146، تاريخ التّشريع الإسلامي 233، تذكرة الحفاظ اللسيوطي ص 88. (¬6) سقط من (ب، د) ناسياً.

المسألة الثالثة

" المسألة الثالثة" يجوز حصول الإجماع بعد الخلاف، خلافًا للصيرفي. لنا: إجماع الصّحابة على إمامة أبي بكر بعد خلافهم واجماع التّابعين على منع بيع أم الولد بعد خلاف. وله (¬1): ما مضى بجوابه. " المسألة الرابعة" اتفاق أهل العصر الثَّاني على أحد قولي أهل العصر الأول حجة، خلافًا لكثير من المتكلمين وفقهاء الشَّافعية والحنفية. لنا: الآيات السابقة والقياس على الإجماع بعد التردد والفكر. احتجوا بوجوه: أ- قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (¬2). والاتفاق الحادث لا ينفي التنازع السابق فوجب الرد. ب- قوله عليه السَّلام: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" (¬3). جـ- لو كان حجةً لكان قول إحدى الطائفتين إذا ماتت الأخرى حجة فكان قولهم حجةً بالموت. ¬

_ (¬1) أي للصيرفي: وهو جواز الأخذ لكل واحدٍ بأحد القولين يلزم منه تعارض الإجماعين، لانعقاد الأول على جواز الخلاف، والثاني على منع الخلاف. وجوابه أن الإجماع كأنه مشروطاً بعدم إجماع وجداني فزال، لزوال شرطه. (¬2) [النساء: 59]. (¬3) رواه البيهقي وقال البزار: هذا حديثَ لا يصح وليس في كتب الحديث المعتمدة؛ لأنَّه فيه عبد الرحيم بن زيد العمي. قال: ابن معين عبد الرحيم كذاب خبيث. انظر كشف الخفا 1/ 132، إبطال القياس لابن حزم ص 54.

المسألة الخامسة

د- ولكان ذلك على دليل لا يخفى على أهل العصر الأول. هـ- ذلك إحداث لقول ثالث، وقد سبق بطلانه. و- موتهم وحياتهم سواء. إذ تحفظ أقوالهم ويحتج بها وعليها ولا إجماع مع تلك الأقوال حال حياتهم. ز- لو كان حجة لنقض القضاء بخلافه. وأهل العصر الأول أجمعوا على عدمه. والجواب عن: أ - أن التعلق بالإِجماع رَدَّ إلى الله والرسول وأن أهل العصر الثَّاني لم يتنازعوا، فلم يجب عليهم الرد، إذ المعلق بالشّرط عدم عند عدمه. ب (¬1) - أنَّه خص عنه (¬2) الاقتداء بهم في التوقف حال الاستدلال، فكذا محل النزاع. جـ- أن قولهم: إنَّما يكون حجة لا بالموت بل بالاندراج تحت الآيات. د- أنَّه يجوز خفاء (¬3) ذلك الدليل على بعضهم. هـ- أنَّه مشروط بعدم القطع بعده، كما أن (¬4) قطعهم بجواز التوقف حال الاستدلال مشروط بعدم القطع بعده. و- أن بقاء أقوالهم على وجه يمنع من الإجماع بعدهم ممنوع، وبمعنى آخر لا يضر. ز- أن لا ننقض الحكم المصادر في زمانهم بل المصادر في زمان حصول الإجماع. " المسألة الخامسة" إذا انقسمت الأمة قسمين، ثم مات أحدهما أو كفر كان قول الثَّاني ¬

_ (¬1) كان الأولى بالمصنف رد حجية هذا الحديث، إذ أنَّه لا يصل لدرجة الاحتجاج به، كما وضحنا ذلك في الصفحة السابقة. (¬2) سقط من "ب، هـ" عنه. (¬3) في "أ" (حقًا) بدل (خفاء). (¬4) سقط من "ب، د" سطر من (إن قطعهم) إلى آخر الجواب.

المسألة السادسة

حجة لاندراجه تحت أدلة الِإجماع. ولو رجع أحدهما إلى قول الآخر كان حجةً عند من يقول بالإجماع في المسألتينِ السالفتين، بل أولى لكون هذا القول قولًا لكل أمة. وكون الأول مرجوعاً عنه ههنا دون ثمة. ومن لم يقل به فمن اعتبر في الإجماع انقراض العصر منهم من جوَّزه، ومنهم من لم يعتبر فمنهم من أحاله ومنهم من جوَّزه ومنع حجيته. والمختار أنَّه حجة للاندراج تحت أدلة الِإجماع، واتفاق الصّحابة في الإمامة بعد خلافهم فيها. " المسألة السادسة" انقراض العصر (¬1) غير معتبر في الإجماع خلافًا لبعض الفقهاء والمتكلمين. منهم ابن فورك. لنا: أدلة الِإجماع، وأنه لو اعتبر ذلك لم ينعقد إجماع، إذ حدث من التّابعين مجتهدون في زمان الصّحابة فجاز لهم مخالفتهم وكذا حدث في عصر التّابعين وغيرهم. فإن اعتبر انقراض عصر المجتهدين (¬2) عند حدوث الحادثة. قلنا: يجوز حدوث التّابعين عند حدوث الحادثة، فيجوز لهم المخالفة وكذا في كل عصر فلم يعلم إجماع. احتجوا (¬3) بوجوه: أ - لما سئل علي رضي الله عنه عن بيع أمهات الأولاد قال: كان رأيي ورأي عمر أن لا يبعن فرأيت بيعهن (¬4) فقال عبيدة (¬5) السلماني (¬6): رأيك في ¬

_ (¬1) في "ب، د" العصر الأول. (¬2) في (أ) (المجتهد) بدل (المجتهدين). (¬3) أي من يشترط انقراض العصر. (¬4) سقط من (هـ) فرأيت بيعهن. (¬5) في (هـ، أ) أبو عبيدة وهو خطأ. (¬6) هو عبيدة بن عمرو السلماني أبو مسلم ويقال أبو عمرو. صاحب ابن مسعود. قال أسلمت =

الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك (¬1). فدلً على أن علياً خالف الإجماع. ب- الصدِّيق كان يرى التسوية في القسم ولم يخالفه أحد، ثم خالفه عمر بعد ذلك (¬2). جـ- الِإنسان ما دام حيًا يتفحص فلا يستقر إجماع. د- ذلك يقتضي كونهم شهداء على أنفسهم وقال تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (¬3). هـ- القياس على قول النَّبيُّ عليه السَّلام فإنهْ لا يستقر كونه حجةً في حياته. والجواب عن: أ - أنَّه أراد بالجماعة علياً وعمر لا كل الأمة. ب- أنَّه روى منازعة عمر إياه. جـ- أنَّه أراد بعدم (¬4) الاستقرار عدم حصول الإجماع فهو باطل. وإن أراد (¬5) عدم كونه حجة فهو ممنوع. د- أن الشهادتين لا تتنافيان. هـ- منع الجامع (¬6). ¬

_ = وصليت قبل وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسنتين ولم أره. وهو أيضاً من أصحاب علي رضي الله عنه. هاجر من اليمن زمن عمر ونزل الكوفة. روى عن علي وابن مسعود وروى عنه ابن سيرين وأبو إسحاق السبيعي وإبراهيم النَّخعيُّ والشعبي. قال ابن المديني. أصح الأسانيد ابن سيرين عن عبيدة عن علي. وكان شريح يكتب إليه إذا أشكل عليه شيء. توفي سنة 72 هـ انظر الإصابة 5/ 104، الاستيعاب 1023. (¬1) روى الحديث عبد الرَّزاق في مصنفه عن عبيدة السلماني. قال: سمعت علياً يقول اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن، ثم رأيت بعدُ أن يبعن قال عبيدة فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحبَّ إليَّ من رأيك وحدك في الفرقة. قال: فضحك علي. قال ابن حجر في تلخيص الحبير إسناده من أصح الأسانيد. ورواه البيهقي عن طريق أيوب. انظر تلخيص الحبير 4/ 219، نصب الراية 3/ 290. (¬2) في (أ، جـ) بعد ذلك. (¬3) [البقرة: 143]. (¬4) سقط من "أ، هـ" عدم. (¬5) في (هـ) زيادة "به". (¬6) وهو الاستقرار في كونه حجة في حياتهم وحياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

المسألة السابعة

" فرع" كثير ممن لم يعتبر الانقراض في الِإجماع القولي اعتبره في السكوتي، لاحتمال أن السكوت للفكر فإذا مات تبينا رضاه. وهو ضعيف، لأنَّ السكوت (¬1) إذا دل على الرضا دل في الموضعين وإلا فلا. " المسألة السابعة" الإجماع المروي بالآحاد حجةْ خلافًا للأكثرين. لنا: أنَّه ظن وجوب العمل به فوجب. ولأن الِإجماع حجة فجاز التمسك بمظنونه كغيره. ولأن أصل (¬2) الِإجماع ظني لما بينا فكيف فرعه. ¬

_ (¬1) في (د) زيادة (للتفكر). (¬2) سقط من "أ" أصل، والمقصود بأصل الإجماع الدليل الدال على حجيته.

الفصل الثالث فيما ليس من الإجماع وأدخل فيه

" الفصل الثالث" فيما ليس من الِإجماع وأدخل فيه "وفيه مسائل" " المسألة الأولى" قول بعضهم وسكوت الباقين ليس بإجماعٍ ولا حجةً وهو مذهب (¬1) الشَّافعي. وقال الجبائي: بأنه إجماع وحجة بعد انقراض العصر. وقال أبو هاشم: ليس بإجماع ولكنه حجةً وقال ابن أبي هريرة: إن كان القول من حاكم لم يكن إجماعاً ولا حجةً، وإلا كان إجماعًا وحجةً. لنا: أن السكوت يحتمل صدوره من الراضي والساخط (¬2). والمجتهد إن كان لا يرى الِإنكار فرضًا. أو يرى تركه صغيرة أو قيام غيره مقامه فيه، أو ينتهز فرصة المكنة منه أو أنَّه في الفكر بعد. فلا يدل على الرضا وهو معنى قول الشَّافعي لا ينسب إلى ساكتٍ قول. احتج الجبائي: بأن من اعتقد خلاف ما انتشر أظهر إذ لا تقية، ولو كان هناك تقية لانتشر. وجوابه: ما سبق من احتمالات السكوت. احتج أبو هاشم: بأن النَّاس يحتجون بقول الصّحابة ما لم يعرف مخالف. وجوابه المنع. ¬

_ (¬1) في "أ" (قول) بدل (مذهب). (¬2) في (جـ، د) "وممن لا يرى الإنكار" زائدة.

المسألة الثانية

احتج ابن أبي هريرة: بأن أحدنا قد يحضر مجلس الحاكم، ولا ينكر عليه إذا حكم بخلاف مذهبه. وجوابه: إن ذلك بعد تقرر المذاهب، وأمَّا عند الطلب فلا فرق عند الخصم. " فرع" من قال: إنه إجماع وحجة اختلفوا (¬1) حيث انتشر (¬2) القول من البعض ولم يعرف مخالف. والحقُّ أنَّه إن كان فيما يعم به البلوى كان كالِإجماع السكوتي إذ لا بد لمن انتشر فيهم من قول، لكنَّه لم يظهر وإلا لم يكن إجماعًا ولا حجةً، لاحتمال ذهول البعض عنه. " المسألة الثَّانية" إذا تمسك أهل العصر بدليل أو ذكروا (¬3) تأويلاً. وأهل العصر (¬4) الثَّاني تمسكوا بآخر وذكر أو تأويلاً آخر لم يجز إبطال الأول وفاقاً، وإلا فقد أجمعوا على الباطل. والجديد إن أبطل القديم كاللفظ المشترك، إذا حمله الأول على معنى، والثاني على آخر، فإن لا يجوز حمله عليهما لم يصح وإلا صح إذ أهل كل عصر يستخرجوا أدلة وتأويلاتٍ جديدة ولا ينكر فكان إجماعًا. وللمانع وجوه: أ - قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬5). ¬

_ (¬1) في "هـ" سقط (اختلفوا). (¬2) في "د" لم ينتشر بل انتشر. (¬3) في جميع النسخ (ذكر وتمسك وذكر) والصحيح بالإسناد لواو الجمع، لأنَّ الضمير راجع لأهل العصر. (¬4) سقط من "أ، هـ" (العصر). (¬5) [النساء: 115].

المسألة الثالثة

ب- قوله تعالى: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} (¬1). يقتضي أمر الأولين بكلِّ معروفٍ فما لم يؤمروا به لا يكون معروفاً بل منكرًا. جـ- لو صح الجديد لما ذهل الأولون عنه. والجواب عن: أ- أن ما لم يتعرض له المؤمنون نفياً وإثباتاً لا يقال فيه اتباع لغير سبيلهم كيف؟ والحكم بفساد الجديد ليس سبيلاً لهم فكان باطلاً. ب- أنَّه قوله: {وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} يقتضي نهيهم عن كل منكرٍ. فما لم ينهون عنه لا يكون منكرًا بل معروفاً. جـ- أن الواحد يغني عن غيره فلم يطلبوه (¬2). " المسألة الثالثة" قال مالك: إجماع أهل المدينة، حجة خلافًا للباقين. له: قوله عليه السَّلام: "إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد" (¬3). وإنَّما ينتفي أصل الخبث بانتفاء كل أفراده، فانتفى (¬4) الخطأ فإنَّه خبث. فإن قيل: ظاهره يقتضي أن من خرج منها كان خبثاً وهو باطل. إذ خرج منها علي وعبد الله (¬5) بل قيل: ثلاثمائة ونيف من الصّحابة، انتقلوا منها ¬

_ (¬1) [آل عمران: 110]. (¬2) سقط من "أ، جـ" فلم يطلبوه. (¬3) جزء من حديث أخرجه البُخاريّ في قصة أعرابي بايع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، ثم مرض ثم طلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - إقالة البيعة ثلاثًا، وكان الرسول يرفض. ثم ترك المدينة وخرج فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصح طيبها" ونظيره قول الرسول فيمن رجع في غزوة أحد: "وأنها تنفي الرجال كما تنفي النَّار خبث الحديد" أخرج الأخير مسلم والترمذي والنَّسائيُّ. وورد بألفاظ أخرى عند البُخاريّ ومسلم. (فتح الباري 4/ 96، 13/ 303). (¬4) في "أ" فانتفاء. (¬5) أي ابن مسعود.

إلى العراق أمثل ممن بقي كأبي هريرة (¬1). ثم هو محمول على من كره المقام بها إذ كراهة ذلك مع جوار الرسول عليه السَّلام ومسجده، وما ورد من الثناء على المقيم بها (¬2) يدل على ضعف الدين. ثم هو (¬3) مخصوص بزمان الرسول عليه السَّلام والمراد الكفار. ثم إنه معارض بوجوه: أ- أدلة (¬4) الإجماع لا تفضل بين بلدةٍ وبلدة. ب- المكان لا يؤثر في كون القول حجة. جـ- قولهم لو كان (¬5) حجةً فيها، لكان حجةً إذا خرجوا منها، كقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -. والجواب عن: أ (¬6) - أن ظاهره أن ما هو خبث يخرج منها لا ما ذكرتم. ب- جـ (¬7) - أن التّقييد والتخصيص خلاف الأصل. ¬

_ (¬1) أبو هريرة الدوسي: اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من أربعين قولاً. قال النووي أصحها أنَّه عبد الرحمن بن صخر. وكان اسمه في الجاهلية عبد شمس أو عبد عمرو. كناه الرسول بأبي هريرة، لأنَّه حمل هرة في كمه. أسلم عام خيبر وشهدها. ثم لزم الرسول عليه الصَّلاة والسلام رغبة في العلم فكان يدور مع الرسول عليه الصَّلاة والسلام حيث دار. وكان من أحفظ أصحاب رسول الله وقد شهد له الرسول بالحرص على العلم، وقال لرسول الله إني سمعت منك حديثاً كثيرًا وأنا أخشى أن أنسى. فقال: ابسط رداءك. قال فبسطته فغرف بيديه فيه. ثم قال: ضمه إليك. فضممته فما نسيت شيئاً بعده. قال البُخاريّ روى عن أبي هريرة أكثر من 800 صحابي وتابعي ولاه عمر على البحرين ثم عزله. توفي بالمدينة سنة 57 هـ. ولتخرس الألسنة التي تمتد لهذا الصحابي الجليل بالغمز واللمز، الاستيعاب 1768، الإصابة 7/ 199. (¬2) سقط من (ب، د) ومسجده وما ورد من الثّناء على المقيم بها. (¬3) سقط من (ب، د) ثم هو مخصوص بزمان الرسول عليه السَّلام. (¬4) سقط من "هـ" أدلة. (¬5) في (أ) (لو كان قوله) بدل (قولهم لو كان). (¬6) هذا جواب عن قوله: فإن قيل ظاهره أن من خرج منها كان خبيثاً، وهو باطل لخروج كثير من الصّحابة. (¬7) هذا جواب عن قوله: وأنه مخصوص بزمان الرسول وأنه خاص بالكفار.

المسألة الرابعة

د (¬1) - أن أدلة الإجماع كما لا تُثبت لا تنفي. هـ- أنَّه لا يبعد تخصيص أهل بلدة بالعصمة كتخصيص أهل زمانٍ بها. و- أنَّه قياس طردي في مقابلة النص. " المسألة الرابعة" إجماع العترة ليس بحجة خلافًا للزيدية والإمامية. لنا: أن علياً خالف الصحابة كثيرًا، ولم يقل لأحدٍ: إن قولي حجة. احتجوا بوجوه: أ - قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} (¬2). الآية والخطأ (¬3) رجس. ب- قوله عليه السَّلام: "إنِّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي" (¬4). جـ- أنهم مهبط الوحي والنبي منهم وفيهم والخطأ عليهم أبعد. والجواب عن: أ - أنَّه أراد أزواجه لسياق الآية. وسياقها والتذكير لا ينفي إرادتهن، بل حصرها فيهن وما روي أنَّه عليه السَّلام لما نزلت الآية لف كساء على ¬

_ (¬1) هذا هو الجواب الأول عن أوجه المعارضة الثلاث و (هـ) عن الثَّاني و (و) عن الثالث. (¬2) [الأحزاب: 33]. (¬3) في "أ، ب" والرجس خطأ. (¬4) رواه أحمد والطبراني عن زيد بن ثابت ورمز له السيوطي بالصحة. ووهم ابن الجوزي في جعله في الموضوعات. ورواه أيضاً أبو يعلى بسندٍ لا بأس به. ورواه التِّرمذيُّ عن زيد بن أرقم ولفظ أحمد: إنِّي تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وأنهما لم يفترقا حتَّى يردا على الحوض. وفي التِّرمذيُّ زيادة: فانظروا كيف تخلفوني فيهما. انظر: فيض القدير 3/ 14، الفتح الكبير 1/ 451.

علي (¬1) وفاطمة (¬2) والحسن (¬3) والحسين (¬4). وقال عليه السَّلام هؤلاء أهل بيتي. معارض بما روي أن أم سلمة قالت: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألست من أهل البيت؟ فقال: "بلى إن شاء الله" (¬5). فإن قلتَ: ظاهره يدل على حصر إرادة إزالة الرجس في أهل البيت وهو غير مراد فيحمل على زوال الرجس حملاً (¬6) للسبب على ¬

_ (¬1) سقط من (أ، ب، هـ) "على". (¬2) هي فاطمة الزهراء بنت رسول الله عليه الصَّلاة والسلام. كانت تكنى: "أم أبيها"، أمها خديجة بنت خويلد الأسدية وهي صغرى بناته. وُلدت فاطمة والكعبة تبنى والنبي عمره خمسة وثلاثون عامًا. وتزوجها علي في المحرم من السنة الثَّانية للهجرة بعد زواج عائشة بأربعة أشهر، وأمهرها علي درعه الخطمية. انقطع نسل رسول الله إلا منها فولدت لعلي (الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب) ولم يتزوج عليها حتَّى ماتت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهر على الراجح. ورد في السنة من مناقبها الكثير فهي خير نساء العالمين إلا مريم ابنة عمران. الإصابة 8/ 160، الاستيعاب 1898. (¬3) هو الحسن بن علي بن أبي طالب، سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وريحانته من الدُّنيا. ولد في نصف رمضان من السنة الثالثة من الهجرة. كان أشبه النَّاس برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وروى البُخاريّ عن أسامة بن زيد أن رسول الله كان يجلسني والحسن بن علي فيقول: "اللَّهم إنِّي أحبهما فأحبهما" وأخرج مسلم عن حذيفة: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنَّة. وأخرج البُخاريّ من حديث أبي بكرة أنَّه سمع الرسول يقول: "إن إبني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" تنازل لمعاوية عن الخلافة فحقن دماء المسلمين. قيل: إنه مات مسموماً بالمدينة، ودفن بالبقيع سنة 49 هـ (الإصابة 2/ 12، الاستيعاب 383). (¬4) هو الحسين بن علي بن أبي طالب يكنى أبا عبد الله، ولد في الخامس من شعبان من السنة الرابعة وعقَّ عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -. روى عنه مصعب بن الزُّبير أنَّه حج خمساً وعشرين حجة. لم يبايع يزيد. خرج للكوفة بناء على مراسلتهم له فخذلوه، فقتله عبيد الله بن زياد في كربلاء في العاشر من محرم سنة إحدى وستين، وقتل معه ستةَ عشرَ رجلًا من آل بيته الطاهرين، وكان عمره 58 سنة، وقيل حمل رأسه إلى يزيد بالشام. الاستيعاب لابن عبد البر 392، الإصابة 2/ 140. (¬5) حديث الكساء أخرجه أحمد والترمذي وصححه والحاكم وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقيّ وغيرهم، من حديث أم سلمة وغيرها. وفي بعض طرقه قالت أم سلمة. قلت: يا رسول الله، وأنا من أهلك. قال: وأنت من أهلي، ورجح الشوكاني وغيره أن أهل بيته (علي وفاطمة والحسن والحسين وزوجاته) جمعاً بين الأدلة. انظر فتح القدير للشوكاني 4/ 280. (¬6) في "أ" (حمالاً) بدل (حملًا).

المسألة الخامسة

المسبب، وإذا زال كل رجس عنهم لزم عصمتهم ومن قال به قال المراد علي (¬1) وفاطمة والحسنان. قلت المفرد المعرف لا يعم. ب- أنَّه لا يجوز العمل بالآحاد عند الإمامية. وقبول بعض الأمة للاستدلال على إجماع العترة، والباقي الاستدلال على فضيلتهم لا يفيد القطع. ثم إنه يفيد وجوب التمسك بالكتاب والعترة. لا بالعترة وحدهم. جـ- أنَّه منقوض بأزواجه عليه السَّلام. " المسألة الخامسة" إجماع الأئمة (¬2) الأربعة ليس حجة خلافًا لأبي خازم (¬3). وقيل اجتماع الشيخين حجة. لأبي خازم: قوله عليه السَّلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عَضوا عليها بالنواجذ" (¬4). وللآخرين: قوله عليه السَّلام: "اقتدوا باللذيْن من بعدي أبي بكرٍ وعمر" (¬5). إنَّما يمكن الاقتداء بهما عند اتفاقهما. ¬

_ (¬1) سقط من (أ، هـ) على. (¬2) المراد بالأئمة الأربعة هنا الخلفاء الراشدون، وليس المراد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، وأحببت التنبيه على ذلك، لأنَّ المتبادر للذهن من لفظة الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة. (¬3) هو عبد الحميد بن عبد العزيز أبو خازم القاضي أخذ عن عيسى بن أبان وأخذ عنه الطحاوي وأبو طاهر الدباس، ولقيه أبو الحسن الكرخي وحضر مجلسه، توفي سنة 292 هـ، له كتاب المحاضر والسجلات. وكتاب أدب القاضي، وكتاب الفرائض، ولي قضاء الكوفة. انظر الفوائد البهية لعبد الحي اللكنوي. وتاريخ الطبري حوادث سنة 241 هـ، وابن الأثير 7/ 87. (¬4) جزء من حديث عن العرباض بن سارية: أوله: (وَعظَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً ذرفت منها العيون ..) رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح، ورواه أحمد وابن ماجة وقال أبو نعيم حديث جيد. قال البزار: حديث ثابت صحيح، وهو أصح إسناداً من حديث حذيفة (اقتدوا باللذين من بعدي). انظر جامع بيان العلم وفضله 2/ 181. (¬5) رواه أحمد والترمذي، وحسنه ابن ماجة عن حذيفة، ورمز له السيوطي بالحسن. وأعله البزَّار =

المسألة السادسة

وجوابهما: أنهما كقوله عليه السَّلام: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" (¬1). وهو لا يفيد أن قولَ كلِّ واحدٍ حجةٌ. " المسألة السادسة" إجماع الصّحابة مع مخالفة من لحقهم من التّابعين ليس بحجة خلافًا لبعضهم. لنا: أن الصّحابة رجعوا إلى قول (¬2) التّابعين. سئل ابن عمر (¬3) عن فريضة فقال: سلوها سعيد بن جبيرِ (¬4) فإنَّه أعلم بها. وربما سئل أنس (¬5) عن شيء فقال: سلوا مولانا الحسن (¬6) فإنَّه سمع وسمعنا وحفظ ونسينا. وسئل ¬

_ = وابن حزم وأبو حاتم، وخرجه التِّرمذيُّ والروياني وابن عدي من طرفي أخرى وصححه السيوطي. فيض القدير 2/ 57، الفتح الكبير 1/ 215. (¬1) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 61) من هذا الكتاب. (¬2) سقط من "ب" قول. (¬3) سقط من "أ، هـ" عن. (¬4) هو سعيد بن جبير الأسدي بالولاء الكوفيِّ أبو عبد الله تابعي، ولد عام 45 هـ، وتوفي سنة 95 هـ، أخذ العلم عن ابن عباس وابن عمر، خرج على عبد الملك بن مروان مع عبد الرحمن بن الأشعث، قتله الحجاج صبراً بواسط، له ترجمة في وفيات الأعيان 1/ 204، طبقات ابن سعد 6/ 178، تهذيب التهذيب 4/ 11، حلية الأولياء 4/ 272، الكامل 4/ 220، الطبري 8/ 93. (¬5) هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد من بني عدي ابن النجار، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي، قدم المدينة وهو ابن عمر سنين، حضر بدراً ولم يعد منهم لصغر سنه، خدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عشرَ سنين، ودعا له بأن يكثر ماله وولده، فدفن من صلبه 125 نفساً، وأرضه كانت تثمر في العام مرتين، ولد له ثمان وسبعون ولداً وبنتان، أقامٍ بالمدينة بعد وفاة الرسول، ثم سكن البصرة وتوفي بها بعد التسعين، وهو آخر الصّحابة موتاً ما عدا أبا الطفيل عامر بن واثلة. الإصابة 1/ 73، الاستيعاب 1/ 170. (¬6) هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري أبو سعيد إمام التّابعين في البصرة، كان عالماً فقيهاً فصيحاً واعظاً شجاعًا ناسكاً. ولد بالمدينة وشب في كنف علي بن أبي طالب استكتبه والي خراسان ثم سكن البصرة، وكان يأمر الولاة وينهاهم لا يخاف في الحق لومة لائم، ومواقفه مع الحجاج مشهورة. =

ابن عباس عن المنذر بذبح الولد فأشار إلى مسروق (¬1) ثم أتاه السائل بجوابه فتابعه. والباطل لا يرجع إليه. احتجوا بوجوه: أ - قوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2). والمُقْدِم على المحرَّم لا يرضى عنه. ب- قوله عليه السَّلام: "لو أنفق غيرهم ملء الأرض ذهباً ما بلغ (¬3) مد أحدهم" (¬4). جـ- إنكار عائشة على أبي سلمة (¬5) بن عبد الرحمن مخالفة ابن عباس (¬6) في عدة المتوفى عنها زوجها (¬7). والجواب عن: أ - أن الآية تختص بأهل بيعة الرضوان ولم يختصوا بالِإجماع. ¬

_ = له ترجمة في: الأعلام 2/ 242، تهذيب التهذيب، ميزان الاعتدال 1/ 254، حلية الأولياء 2/ 131. (¬1) هو مسروق بن الأجدع بن مالك الهمذاني الفقيه العابد المشهور، وكنيته أبو عائشة أخذ عن عمر وعلي وابن مسعود. قال عنه الشعبي: ما رأيت أطلب للعلم منه. توفي سنة 63 هـ، له ترجمة في تذكرة الحفَّاظ 1/ 46، طبقات الشيرازي 79، مرآة الجنان 1/ 139، مشاهير الأمصار 101، الفكر السامي 2/ 36، تاريخ التّشريع ص 153. (¬2) [الفتح: 18]. (¬3) في "هـ" (مدى) بدل (مد). (¬4) متَّفقٌ عليه ولفظ البُخاريّ (لا تسبُّوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه) ورواه أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد ومسلم وابن ماجة عن أبي هريرة. انظر هداية الباري 2/ 290، صحيح مسلم 7/ 188، الفتح الكبير 3/ 324. (¬5) هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزُّهريّ المدني. قيل اسمه عبد الله وقيل: إسماعيل. وقيل: اسمه كنيته كان ثقة فقيهاً كثير الحديث، أمه تماضر بنت الأصبغ الكلبية مات سنة 94 هـ أو بعدها. انظر تهذيب التهذيب لابن حجر 12/ 115. (¬6) حيث قال ابن عباس: إن المتوفى عنها زوجها تعتد بأبعد الأجلين من وضع الحمل أو الأربعة أشهر، وقال أبو سلمة بل بالوضع. (¬7) أخرج مالك في الموطأ من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنَّه قال: سألت عائشة ما يوجب الغسل فقالت: هل تدري ما مثلك يا أبا سلمة؟ مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ فيصرخ معها إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل (حديث رقم 72 "من الموطأ" كتاب الطهارة).

المسألة السابعة

ب- أنَّه لو أريد منه (¬1) ما ذكرتم لكان قول الواحد المخالف للتابعي حجة. جـ- أنه ربما أنكرت (¬2)؛ لأنَّه خالف بعد الإجماع. أو في مقطوع به أو قبل أن صار مجتهداً أو لِإساءته الأدب في المناظرة، ثم قول عائشة ليس بحجة. " المسألة السابعة" اختلفوا في الِإجماع مع مخالفة المخطئ في الأصول، والحقُّ أنا إن لم نكفرهم، اعتبرنا قولهم، لأنهم مؤمنون، وإن كفرناهم، فلا. ثم لا يمكن إثبات كفرهم بإجماعنا لأنهم إنَّما يخرجون عن الِإجماع بكفرهم. فإثبات كفرهم به دور. وقول العصاة يعتبر لبقاء اسم الإيمان عندنا. " المسألة الثامنة" لا إجماع (¬3) مع مخالفة الواحد والإثنين خلافًا لأبي الحسين الخياط (¬4) من المعتزلة ومحمد بن جرير الطبري (¬5) وأبي بكر الرازي. لنا: أن أبا بكر خالف وحده جميع الصّحابة في قتال مانعي الزكاة. ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" منه. (¬2) في (أ، هـ) (كان) بدل (أنكرت). (¬3) في "د" الإجماع. (¬4) هو أبو الحسين عبد الرحيم بن أبي عمرو الخياط المعتزلي. له كتاب الانتصار في الرد على ابن الراوندي، توفي سنة 300، انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/ 76، الفرق بين الفرق 107. (¬5) هو محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري أبو جعفر، صاحب التفسير العظيم والتاريخ الشَّهير، ولد سنة 224 هـ بآمد طبرستان، كان إماماً في الفقه والحديث والتفسير والتاريخ وشتى العلوم. كان على مذهب الشَّافعي، ثم اتخذ لنفسه مذهباً، توفي ببغداد سنة 310 هـ. له ترجمة في تذكرة الحفَّاظ 2/ 251، روضات الجنات 7/ 292، اللباب 2/ 80، مرآة الجنان 2/ 261، طبقات الشيرازي 93، وفيات الأعيان 4/ 191، مفتاح السعادة 1/ 252، معجم المؤلفين 9/ 147.

وابن عباس وابن مسعود خالفاً الكل في مسائل (¬1) الفرائض. ولم يقل أحد أن خلافهم غير معتبر. احتجوا بوجوه: أ - أن لفظ المؤمنين والأمة يتناولهم تناول السوداء للبقرة التي (¬2) فيها شعرات بيض. والأسود للزنجي مع بياض حدقتيه وأسنانه. ب- قوله عليه السَّلام. "عليكم بالسواد الأعظم" (¬3). جـ- قوله عليه السَّلام: "الشَّيطان مع الواحد" (¬4). د- الإجماع حجة على المخالف وأنه يستدعي مخالفًا. هـ- إنكار الصّحابة على ابن عباس خلافه للباقين في الصرف. و- اعتمدوا في خلافة أبي بكر على الإجماع مع مخالفة سعد وعلي. ز- القياس على ترجيح الخبر بكثرة العدد. ح- سبيل المجمعين سبيل المؤمنين قطعًا، لأنهم أخبروا عن كونهم مؤمنين، ويستحيل اتفاق الجمع العظيم على الكذب دون الواحد والإثنين. ط- اعتبار ذلك لا يمنع انعقاد (¬5) اجماع ما لاحتماله مخالفة الواحد والإثنين في الكل. والجواب عن: أ - أنَّه مجاز (¬6) لصحة النفي عنهم وصحة استثناء الباقي. ¬

_ (¬1) في (أ، ب) (مسألة) بدل (مسائل). (¬2) سقط من جميع النسخ ما عدا "هـ" التي. (¬3) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 50) من هذا الكتاب. (¬4) رواه الطّبرانيّ في الأوسط وفيه عبد الله بن خالد المصيصي متروك. ورواه أحمد وأبو يعلى والبزار ولفظ البزار: "إن الشَّيطان يهم بالواحد ويهم بالإثنين فإذا كانوا ثلاثة لا يهم). ولفظ الطّبرانيّ: (من سره بحبوحة الجنَّة فليلزم الجماعة فإن يد الله على الجماعة وأن الشَّيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد). الفتح الكبير 1/ 308، مجمع الزوائد 5/ 223. (¬5) في "هـ" (اعتقاد) بدل (انعقاد). (¬6) أي أن تناول المؤمنين للأكثر يكون مجازًا، والحقيقة أن المؤمنين للكل.

ب (¬1) - أن الكل أعظم، وهو المراد وإلَّا تناول النصف الزائد بواحد. جـ - أنَّه ليس المراد كل واحد وإلا لم يكن قوله عليه السَّلام وحده حجة. د - أنَّه حجة على مخالف يوجد بعده. هـ - أن الإنكار لمخالفته (¬2) خبر أبي سعيد (¬3). و- أن (¬4) البيعة كافية في الإمامة. ز - أن الإجماع لا يحصل بقول كلِّ بعضٍ بخلاف الخبر. ح - أن المقطوع به كونهم مؤمنين، لا كونهم كل المؤمنين. ط - أنا نتمسك بالإجماع حيث يعلم كما في زمان الصّحابة. وأعلم أن المجتهد الخامل يعتبر قوله إذ من عداه بعض المؤمنين. ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" جميع هذا الجواب. (¬2) أي أن الإنكار على ابن عباس في الصرف استناداً لخبر أبي سعيد في النَّهي عن بيع الدرهم بالدرهمين. (¬3) أبو سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الأنصاري الخدري، وأمه أنيسة بنت أبي حارثة من بني عدي ابن النجار. كان أبو سعيد من الحفَّاظ المكثرين العلماء والفضلاء العقلاء، عُرض على الرسول يوم أحد وهو ابن ثلاث عشرة سنة وأول غزواته بنو المصطلق، اختلف في وفاته من 63 - 74 هـ. انظر الإصابة 3/ 86، الاستيعاب 1672. (¬4) أي أنَّه لا داعي للإجماع ولم تكن تولية أبي بكر للخلافة عن إجماع بل كانت البيعة.

الفصل الرابع فيما يصدر عنه الإجماع

" الفصل الرابع" فيما يصدر عنه الِإجماع "وفيه مسألتان" " المسألة الأولى" لا يجوز صدور الإجماع عن شبهةٍ (¬1) خلافًا لقوم. لنا: أن القول لا لدلالة وأمارة خطأ والإجماع على الخطأ يقدح في الإجماع. احتجوا بوجهين (¬2): أ - أن ما ذكرتم ينفي فائدة الإجماع. ب- وقع (¬3) ذلك في بيع المراضاة وأجرة الحمام. ¬

_ (¬1) قال الأسنوي: حكى الآمدي وغيره عن بعضهم أنَّه لا يشترط المستند، بل يجوز صدوره عن توفيق بأن يوفقهم الله تعالى لاختيار الصواب. ولما حكى الإمام هذا المذهب، عبَّر عن التوفيق بالتبخيت، تبعاً لصاحب المعتمد وهو بالخاء المعجمة. وظن صاحب التحصيل أن المراد بالتبخيت هو الشبهة فصرح به. وهو مردود بأنه غير مطابق للأدلة، ولأن الإمام قد نص في المسألة التي تلي هذه، على جواز الإجماع على شبهةٍ واقتضى كلامه أن لا خلاف فيها. والمراد بالشبهة هو الدليل الظني كأخبار الآحاد والعمومات. (نهاية السول 2/ 311). (¬2) في "أ" بوجوه. (¬3) أن الإجماع وقع من غير دليل أو أمارة كالبيع بتراضي الطرفين ويسمى بيع المعاطاة: وهو أن يأخذ الشاري السلعة ويدفع الثمن بدون قول البائع (بعت) والشاري (اشتريت) وأجرة الحمام لعدم معرفة الماء المسكوب.

المسألة الثانية

والجواب عن: أ - أنَّه ينفي انعقاد الِإجماع عن دلالة أو أمارة وأن فائدة الِإجماع الكشف عن دليل (¬1) من غير حاجة إِلى معرفة عينه. ب- أنَّه (¬2) عن دليل لم ينقل استغناءً بالِإجماع عنه. " المسألة الثَّانية" يجوز صدوره عن الإمارة، وابن جرير (¬3) منع إمكانه، وبعضهم منع وقوعه، وبعضهم جوَّز وقوعه في الجليًة فقط. لنا: أنَّه وقع. شاور عمر الصّحابة في حد الشارب فقال علي: (إنه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وحد المفتري ثمانون) (¬4). وقال عبد الرحمن بن عوف: (هذا حدّ وأقل الحد ثمانون) (¬5). نصوا على الاجتهاد فلا يكون الِإجماع لنص استغنى به عنه، وأجمعوا على إمامة أبي بكر الصِّديق، بالقياس على تقديم النَّبيُّ إياه في الصَّلاة. احتجوا بوجوه: أ - الإمارة خفية. فامتنع أن يجمع الخلق العظيم المختلف الدواعي كجمعهم لطعام واحد وكلام واحد في ساعةٍ واحدةٍ، بخلاف الدلالة ¬

_ (¬1) سقط من (ب) من (غير حاجة) إلى (معرفة عينه). (¬2) في (ب) إنّه لعلهم أجمعوا عن دليل لم ينقل. (¬3) أي محمد بن جرير الطبري. (¬4) أخرج عبد الرَّزاق في مصنفه والحاكم في مستدركه ومالك في موطئه. أن عُمر استشار في الخمر يشربها الرجل. فقال له علي: (نرى أن تجلده ثمانين فإنَّه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون). فاجعله حد الفرية فجلد عمر في الخمر ثمانين. (نصب الراية 3/ 351، تلخيص الحبير 4/ 75). (¬5) أخرج مسلم في حد الخمر من حديث أنس بن مالك أن النَّبيُّ جلد في الخمر بالجريد والنعال، ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر جمع النَّاس من الريف والقرى. قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعله كأخف الحدود. قال: فجلد عمر ثمانين. (تلخيص الحبير 4/ 75، نصب الراية 3/ 351). والحديث الوارد عن علي متعارض مع ما صح عنه من جلد الوليد بن عقبة أربعين. ثم قال: هذا أحب إليَّ إلَّا أنَّه يحمل على أنَّه اختلف اجتهاده.

فإنها قوية والشبهة كالدلالة عند من يثبت بها، والدواعي إلى الجمع والأعياد (¬1) ظافرة. ب - من يعتقد بطلان الحكم بالأمارة لا يحكم بها. جـ - مخالف ما صدر عن الاجتهاد لا يفسق ولا يمنع منه. والمجمع عليه بخلافه فتنافيا (¬2). والجواب عن: أ - النقض باتفاق الشَّافعية والحنفية على قولي إماميهما. ب- أن الخلاف في صحة القياس حادث، وأن الإمارة قد تشتبه بالدلالة، وأنه ينتقض لصدوره عن العموم وخبر الواحد. جـ - أن تلك الأحكام ثابتة، ما لم تصر المسألة إجماعية. فرع: موافقة الإجماع لخبر لا يدل على أنَّه لأجله، لجواز قيام الدليلين على مدلول، خلافًا لأبي عبد الله البصري. ¬

_ (¬1) في "هـ" والدواعي للجمع في الأعياد. (¬2) في (ب، د) فيتنافيان.

الفصل الخامس في المجمعين

" الفصل الخامس" في المجمعين "وفيه مسألتان" " المسألة الأولى" إنَّما امتنع الخطأ على أمتنا للدلالة السمعية، وهي واردة بلفظ المؤمنين والأمة وهو عام يتناول الكل، وخروج البعض (¬1) لدليل منفصل، فلا عبرة بقول الخارج من الملة (¬2)، إذ لا يتناوله لفظ المؤمنين والأمة (¬3) في عرف شرعنا. ولا يعتبر قول الكل إلى يوم القيامة (¬4)، إذ لا يمكن الاستدلال به، لأنَّ ما دل على الإجماع، دل على وجوب التمسك به، ولا يمكن التمسك بقول (¬5) الكل لا قبل يوم القيامة ولا بعده. ولا يعتبر قول العوام خلافًا للقاضي أبي بكر. لنا وجوه: أ - قول العامي خطأ لأنه حكم بغير دلالة وأمارة، فلو كان حكم المجتهد خطأً أيضاً لأجمعت (¬6) الأمة عليه. ب - المعصوم (¬7) من الخطأ من يتصور منه الإصابة. ¬

_ (¬1) مثال خروج البعض خروج المجانين. (¬2) في "أ" (المسألة) بدل (الملة). (¬3) سقط من "د" والأمة. (¬4) سقط من (ب، جـ، د) لأنَّ ما دل على الإجماع دل على وجوب التمسك به. (¬5) بقول الكل موجود في (هـ) فقط. (¬6) في (ج، د) لاجتمعت. (¬7) توجيه الدليل أن العامي لا يعتبر قوله بل الذي يتصور منه الإصابة هو المعصوم عن الخطأ.

المسألة الثانية

جـ - خواص الصّحابة وعوامهم أجمعوا على أنَّه لا عبرة بقول العوام. د - القياس على الصبي والمجنون. احتج (¬1): بأن دليل الإجماع يوجب متابعة الكل. وجوابه: أنَّه لا ينفي وجوب متابعة العلماء. وقد بيَّنا وجوبها ولا يعتبر كل فنٍ قول من ليس مجتهداً فيه؛ لأنَّه كالعامي بالنسبة إليه. والحقُّ أن الأصولي المتمكن من الاجتهاد إذا لم يحفظ الأحكام يعتبر قوله فيها، خلافًا لقوم فإنَّه مميز بين الحق والباطل بخلاف الحافظ للأحكام فقط. ولو بقي من المجتهدين - نعوذ بالله- واحد كان قوله حجةً، لاندراجه تحت أدلة الِإجماع. نعم: من قال الإجماع حجة لكشفه عن الدليل، اعتبر في المجمعين حد التواتر. " المسألة الثَّانية" إجماع غير الصّحابة حجة خلافًا لأهل الظاهر. لنا: أدلة الإجماع. احتجوا بوجوه: أ - أدلة الإجماع لا تتناول غير الصّحابة لما سبق، فلا يكون إجماع غيرهم حجة إذ لا طريق إلَّا تلك الأدلة. ب - إجماع غيرهم لا يجوز أن يكون لقياس لما مر (¬2) من قبل ولا لنصٍ إذ لا يصل إليهم إلَّا من الصّحابة. فكانوا أولى بالإجماع. جـ - الإجماع لا يعرف إلَّا من قوم محصورين كالصحابة دون غيرهم لتفرقهم شرقاً وغرباً. ¬

_ (¬1) أي القاضي أبو بكر الباقِلَاني. (¬2) وهو أن القياس يمتنع أن يكون سنداً للإجماع.

د- الصّحابة أجمعت على أن ما لا يكون مجمعًا عليه بينهم يكون فيه مجال (¬1) للاجتهاد. هـ - قول الصحابي لا يهجر (¬2) لما تقدم فلعل واحدًا منهم قال بخلاف قول التّابعين، فلا يكون قولهم حجةً، إذ الشَّك في الشرط يوجب الشَّك في المشروط، وليس كاحتمال التخصيص والنسخ في الظواهر (¬3)، فإنهما يزيلان حكم الظواهر (¬4) والأصل عدمهما. والجواب عن: أ - أنَّه يقتضي أن لا يكون قول الباقين حجةً إذا مات واحد من الصّحابة الحاضرين. ب- لعل تلك الواقعة ما وقعت في زمان الصّحابة، فلم يتفحصوا عن دلالة ما معهم من النصوص. جـ - أن تعذر العلم به مسلم. والكلام في كونه حجة لو وقع. د- ما سبق غير مرَّة (¬5). هـ- أنَّه ينفي كون إجماع الصّحابة حجة لاحتمال وفاة أحدهم قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

_ (¬1) في "أ، هـ" (يكون محلاً) بدل (يكون فيه مجال). (¬2) سقط من "أ" لا يهجر. (¬3) في "أ" الظاهر. (¬4) في "أ" الظاهر. (¬5) وهو كونه مشروطًا بعدم اجماع وجداني.

الفصل السادس فيما ينعقد الإجماع عليه

" الفصل السادس" فيما ينعقد الِإجماع عليه "وفيه مسائل" كل ما يتوقف العلم يكون الإجماع حجة على العلم به كإثبات الصانع وعلمه بالجزئيات، وإثبات النبوة لا يمكن إثباته بالإجماع. وما لا يتوقف عليه (¬1) يمكن كإثبات الوحدانية وحدوث الأجسام. " المسألة الأولى" الإجماع في الآراء والحروب حجة إذ أدلة الإجماع مطلقة، ومنهم من أنكر (¬2)، ومنهم من جعله حجة بعد استقرار الرأي. " المسألة الثَّانية" منع الأكثرون من خطأ شطر الأمة في مسألة، وخطأ الشطر الآخر في أخرى لئلا يلزم خطأ الكل. وجوَّز الأقلون إذ المخطئ في كل مسألة بعض الأمة. " المسألة الثالثة" لا يجوز إجماع الكل على الكفر، لأنَّ إيجاب أتباع سبيل المؤمنين مشروط بوجود سبيلهم، وذلك ينفي إجماعهم على الكفر. ¬

_ (¬1) في "أ" لا يمكن (المعنى يمكن إثباته بالإجماع). (¬2) سقط من "هـ" ومنهم من أنكر.

المسألة الرابعة

وجوَّزه قوم (¬1) إذ لا يكون سبيلهم إذا كفروا سبيل المؤمنين (¬2) ولا قولهم قول الأمة. " المسألة الرابعة" يجوز إجماعهم على عدم العلم بما لم يكلفوا به، إذ لا يلزم (¬3) منه محذور. وللمخالف: أنَّه لو وقع لكان ذلك سبيلهم فلزم حرمة تحصيل العلم. ¬

_ (¬1) لا يتصور إجماع الأمة على الكفر، وقد وردت الآيات والأدلة على نفي ذلك بما لا يدع شبهة، إذ أنَّه لا يجوز خلو عصر من العصور من قائم لله بالحجة والتزام الحق. (¬2) سقط من "ب، د" سبيل المؤمنين. (¬3) في "هـ" فلا يلزم.

الفصل السابع في حكم الإجماع

" الفصل السابع" في حكم الإِجماع " المسألة الأولى" جاحد المجمع عليه لا يكفر خلافًا لبعض الفقهاء. لنا: أن أصل الإجماع مظنون لما سبق فكذا هو، ومنكر المظنون لا يكفَّر إجماعاً. ولأن العلم بالإجماع خارج عن ماهية الإسلام لحكمه عليه السَّلام بإسلام الكفار من غير معرفتهم يكون الإجماع حجة، فكذلك العلم (¬1) بتفاريعه. " المسألة الثَّانية" الإجماع المصادر عن الاجتهاد حجة خلافًا للحاكم صاحب المختصر (¬2). لنا: أدلة الإجماع. ¬

_ (¬1) في "أ" (الحكم) بدل (العلم). (¬2) لعله محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد المجيد بن إسماعيل بن الحاكم، المروزي البلخي السلمي، الشَّهير بالحاكم أبو الفضل، المتوفى سنة 334 هـ، فقيه محدث حافظ سمع الحديث بخراسان ونيسابور والري وبغداد والكوفة، ولي القضاء ببخارى ثم ولاه أمير خراسان وزارته، وقتل في ربيع الآخر سنة 334 هـ، من آثاره الكافي والمستخلص من الجامع والمنتقى في فروع الحنفية. وقوله هذا نقله عنه القاضي عبد الجبار بن أحمد على ما في المعتمد 2/ 495. تنبيه: من سمي بالحاكم كثير وفتشت عن من سمي بالحاكم وله كتاب مسمى بالمختصر، =

المسألة الثالثة

احتج بوجهين: أ - من سبيلهم إثباته بالاجتهاد. ب- من سبيلهم جواز القول بخلافه. والجواب عن: أ (¬1) - أن سبيلهم إثباته بطريق كيف كان وتعيينه غير معتبر بالإجماع. ب- أن (¬2) تجويز القول بخلافه مشروط بعدم الاتفاق. " المسألة الثالثة" منع الأكثرون من جواز الإجماع بعد الإجماع لإِفضائه إلى خطأ الأمة. وقال أبو عبد الله البصري: يجوز إذ لا امتناع في أن يكون الإجماع مشروطاً بعدم آخر. لكن لما أجمعوا على أن كل ما أجمعوا عليه في عصر وجب في كل عصر أمنا وقوع هذا وهو الأولى. " المسألة الرابعة" لا يجوز أن يعارض الإجماع قول الرسول عليه الصَّلاة والسلام. وقد علم إرادة كل واحد منهما ظاهر كلامه للتناقض. ثم أن علم إرادة أحدهما للظاهر قدم وإلا فإن أمكن (¬3) تخصيص أحدهما بالأخر، خصص به وإلا تعارضا. ¬

_ = فوجدت لهذا كتابين أحدهما: المستخلص، والآخر: المنتقى ولعلّه هو. انظر: معجم المؤلفين 11/ 185، المنتظم لابن الجوزي 6/ 346، الجواهر المضيئة 2/ 112، الفوائد البهية 185، هداية العارفين للبغدادي 2/ 37، كشف الظنون 2/ 1472، 2/ 1851. (¬1) في "أ، هـ" (وجوابه) بدل (والجواب عن "أ"). (¬2) في "هـ" (وعن "ب" جوابه قد مر). (¬3) في "أ" (أنكر) بدل (أمكن).

الكلام في الأخبار

الكلام في الأخبَار وفيه فصول " الفصل الأول" في المقدمات

المقدمة الأولى

" المقدمة الأولى" الخبر حقيقة في القول المخصوص لسبق الفهم إليه عند الِإطلاق ومجاز في غيره كقوله: (تخبرني العينان ما القلب كاتم). وقول المعري (¬1): نبيٌّ من الغربان ليس على شرع (¬2) ... يخبرنا أن الشعوب إلى (¬3) صدع ويقال أخبر الغراب بكذا. " المقدمة الثَّانية" قيل في حده: إنه (الذي يدخله الصدق أو الكذب) وإنه (الذي يحتمل التصديق والتكذيب). وهما باطلان، لأنَّ الصدق والكذب نوعا الخبر ¬

_ (¬1) أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي من ربيعة أبو العلاء المعري، شاعر حكيم أديب لغوي نحوي، ولد بالمعرة في بلاد الشام سنة 363، من مؤلفاته لزوم ما لا يلزم، سقط الزند، وهو ديوان شعر شرحه وسماه ضوء السقط، رسالة الغفران/ رسالة الملائكة. الفصول والغايات. له تراجم في معجم المؤلفين 1/ 290، معجم الأدباء 3/ 107، وفيات الأعيان 1/ 41، المنتظم لابن الجوزي 8/ 184، مرآة الجنان 3/ 66، اللباب لابن الأثير 1/ 184، النجوم الزاهرة 5/ 61. (¬2) وجدته في تاريخ بغداد 3/ 447 للخطيب البغدادي، وهذا البيت هو مطلع قصيدة لأبي العلاء المعري يرد فيها على البحتري الشاعر العباسي المشهور، وذكر المحقق أن البيت موجود في شروح السقط 1348. (¬3) في "ب" (على بدل إلى) وفي "جـ" يخبرني بدل يخبرنا.

والتصديق والتكذيب إخباران عن الصدق والكذب، فتعريفه بهما يوجب الدور (¬1). واعترض على الأول بوجوه: أ - "أو" للترديد المنافى للتعريف (¬2) وإسقاطه يوجب كون الخبر الواحد صدقاً وكذباً. ب- خبر الله تعالى لا يكون كذباً. ب- قولنا: محمدُ ومسيلمة كاذبان خبر ليس بصدقٍ ولا كذب. والجواب عن: أ، ب- أن المراد دخول أحدهما. ب- أنَّه خبران أحدهما: صادق. والآخر: كاذب. أو خبر واحد كاذب. وقال أبو الحسين البصري: (إنه كلام واحد (¬3) يفيد بنفسه إضافة أمرٍ الى أمرٍ بنفي أو إثبات). وقولنا: (بنفسه) احتراز عن إفادة الأمر وجوب الفعل، فإنها تابعة لاستدعاء الفعل، وهذا باطل إذ عنده وجود الشيء عين ماهيته. فقولنا السواد موجود خبر مع عدم إضافة أمرٍ الى أمرٍ آخر. وأنه إن لم يقل آخر لكن الإضافة تشعر به. وأيضًا قولنا: الحيوان الناطق يفيد إضافة أمرٍ الى آخر وليس خبراً. ولو زيد فيه بحيث يتم الكلام معه. قلنا: إن عني بتمام الكلام إفادته لمفهومه، فالنعت كذلك. وإن عني به إفادته لتمام الخبر لزم الدور. ولقائلٍ أن يقول (¬4): نعني بتمام الكلام صحّة السكوت عليه. ¬

_ (¬1) دفع التستري هذا الدور بأن حقيقة الخبر معلومة بالضرورة، لكن من لم يعلم الاسم الموضوع لها عرف بما ذكره فهو تعريف للاسم ولا دور. (¬2) في "هـ" الترديد ينافي التحريف. (¬3) سقط من (أ، د) واحد. (¬4) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي - رحمه الله - أن المراد بتمام الكلام صحة السكوت عليه، =

المقدمة الثالثة

وأيضاً النفى والِإثبات نوعا الخبر. فتعريفه بهما دور والحقُّ أن تصور ماهية الخبر غني عن التعريف، إذ كل أحد يعلم بالضرورة أنَّه موجود وأنه ليس بمعدوم. وأنه خبر خاص ومتى استغنى الكل عن الاكتساب استغنى الجزء عنه. وأيضًا كل أحدٍ يميز بالضرورة بين معنى الخبر والأمر وبين موضعي (¬1) حسن الخبر وحسن الأمر، ولا ذلك إلَّا ببداهية تصور الخبر. فإن قلتَ: الخبر لفظ فكيف يكون تصوره (¬2) بديهياً. قلتُ: إذا كان المعنى بديهي التصور، كان مطلق اللفظ الدال عليه بديهي التصور. " المقدمة الثالثة" قيل: لا بد في الخبر من الإرادة لصدوره (¬3) خبرًا، وقال أبو علي وأبو هاشم، كون اللفظ خبراً صفة معللة بتلك الإرادة، وقد مضى هذا بإبطاله في الأمر. " المقدمة الرابعة" مدلول الخبر الحكم بالنسبة لا ثبوتها، وإلا لم يكن الخبر كذباً. ثم الحكم الذهني ليس هو الاعتقاد، إذ قد يحكم بالنسبة من لا يعتقدها. ولا الإرادة إذ قد يخبر عن الواجب والممتنع مع امتناع تعلق الإرادة بهما، فهو كلام النَّفس ولم يقل به إلَّا أصحابنا. ¬

_ = وبهذا يندفع الإعتراض الوارد على التعريف أنَّه غير مانع لدخول الصفة مع الموصوف، لعدم صحة السكوت عليها. (¬1) في (هـ) موضع. (¬2) سقط من (ب، جـ، د) تصوره. (¬3) في (أ، ب) لصيرورته.

المقدمة الخامسة

" المقدمة الخامسة" الأكثرون على أن الخبر إما صدق أو كذب، خلافًا للجاحظ (¬1) والمسألة لفظية؛ لأنَّه إن أريد بالصدق والكذب المطابقة وعدمها فلا واسطة. وإن أريد بهما المطابقة وعدمها مع العلم بهما، فعدم العلم بهما (¬2) واسطة بين الصدق والكذب. احتج الجاحظ بوجوه: أ - قوله تعالى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} (¬3). جعلوا إخباره عن نبوته حال جنونه في مقابلة الكذب، فلا يكونَ كذباً وقد اعتقدوا عدم مطابقته لِمَا أن الإخبار حال الجنون لا يكون عن اعتقاد. ب - من أخبر عن شيء ظاناً ثبوته لا يقال: إنه كذب إذا ظهر خلافه. جـ - أكثر العمومات مخصوصة ومقيدة وليست كاذبة. احتجوا: باتفاق الكل على تكذيب اليهود والنصارى في عقائدهم، مع عدم علم بعضهم بفسادها. والجواب: أن أدلة الِإسلام لما كانت جلية كان ذلك كالِإخبار مع العلم. ¬

_ (¬1) هو عمرو بن بحر بن محبوب السيناني أبو عثمان، لقب بالجاحظ لجحوظ عينيه. وكان قبيح الخلقة، ولد وعاش في البصرة كان أديباً ذكياً درس مؤلفات الفلاسفة اليونانيين المترجمة للعربية وتأثر بها، والتزم الاعتزال، وله طائفة تسمى باسمه تميزت بآراء منها: إن المعارف ضرورية وليس شيء منها من أفعال العباد المكتسبة. ويقولون: إن العبد لا يخلد في النَّار وأن الله لا يدخل أحداً النَّار، بل النَّار هي تجذب أهلها. والخلق صنفان: عالم بالتوحيد، وجاهل به، فالجاهل معذور والعالم محجوج. ويقول باستحالة العلم على الجوهر، والأعراض هي التي تتبدل. أصيب بالشلل النصفي في آخر حياته، له مؤلفات عدة منها: البيان والتبيين، المحاسن والأضداد الذي نشره المستشرق فلوتن في ليدن سنة 1315، والبخلاء. وسلوة الحريف في المناظرة بين الرَّبيع والخريف والحيوان والتاج، توفي سنة 255 هـ انظر القاموس الإسلامي لأحمد عطية الله طبع النهضة المصرية سنة 1383. (¬2) في "هـ" ههنا (بدل) فعدم العلم بهما. (¬3) [سبأ: 8].

الفصل الثاني في أقسامه إنه إما مقطوع بصدقه أو بكذبه أو لا يقطع بواحد منهما

" الفصل الثَّاني" في أقسامه إنه إما مقطوع بصدقه أو بكذبه أو لا يقطع بواحدٍ منهما " القسم الأول" ما يقطع بصدقه (¬1) وطريقه التواتر أو غيره. والتواتر لغة: (مجيء واحدٍ بعد واحدٍ بفترة). قال الله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} (¬2) أي رسولاً بعد رسول بفترة ويراد بالتواتر في المخبرين مجيؤهم على غير اتصال. وفي اصطلاح العلماء: (خبر قوم يحصل العلم بقولهم لكثرتهم). " المسألة الأولى" التواتر يفيد العلم عند الأكثرين. وقالت السمنية (¬3) يفيد الظن القوي. وقيل يفيد العلم في الأمور المحاضرة دون الماضية. ¬

_ (¬1) سقط ما يقطع بصدقه من (ب، جـ، د). (¬2) [المؤمنون: 44]. (¬3) طائفة منسوية إلى سومان بلد بالهند، كان يعبد أهله صنماً كسره السلطان محمود بن سبكتكين يقولون بتناسخ الأرواح. ولا يجوزون على الله بعث الرسل. ويقولون بقدم العالم. ولا يؤمنون إلَّا بما يثبت بالحواس الخمس. ولهم مناقشات مع علماء الإسلام حول نظرية المعرفة، انظر الفرق بين الفرق ص 214، الحور العين ص 13، الفرق الإسلامية للبشبيشي ص 86.

لنا: أن كلَّ واحدٍ منا يجزم بوجود البلدان والأشخاص الغائبة كجزمه بوجود المشاهدات. احتجوا (¬1): بأن جزمنا بوجود جالينوس (¬2) ليس كجزمنا بأن الواحد نصف الإثنين فدل على احتمال نقيضه المانع من اليقين، وليس أقوى من جزمنا بأن زيداً الذي رأيته الآن هو الذي رأيته بالأمس، وأنه ليس بيقيني لاحتمال وجود مثله إما للفاعل على المختار أو للشكل الغريب. فإن قلتَ البرهان يمنع هذا الاحتمال لافضائه إلى الشَّك في المشاهدات ووجود التلبيس من الله تعالى. قلتُ المشاهَد هو زيد لا كونه هو المرئي بالأمس. ولو كان الجزم بناءً على هذا البرهان لما حصل لمن لا يعرفه. والجواب: أن التشكيل في الضروريات لا يستحق الجواب. ولقائل أن يقول (¬3): هذا ليس بجواب بل جواب الأول أن اليقينين قد يتفاوتان. وجواب الثَّاني: أن ذلك الاحتمال يقيِنِي الارتفاع. ¬

_ (¬1) أي المانعين من كون خبر التواتر يفيد العلم. (¬2) جالينوس: طبيب يوناني، ولد في مدينة برهاموم في آسية الصغرى حوالي عام 130 قبل الميلاد، وهو أشهر أطباء العصور القديمة ما عدا بقراط. عرف ببراعته في علمي التشريح ووظائف الأعضاء تنسب له حوالي خمس مائة رسالة في الطب. عاصر نيرون قيصر السادس من القياصرة الذين حكموا رومية. وبرع أيضاً في الفلسفة ترجمت له كتب للعربية منها التشريح، العلل، الأعراض، النبض، حركات الصدر والرئة، تدبير الأصحاء، الأورام، الأدوية المفردة، تشريح الرحم، الترياق، الطَّبيب الفاضل. انظر القاموس الإسلامي لأحمد عطية الله طبع النهضة المصرية سنة 1383، 1/ 558. (¬3) خلاف؛ هذا الإعتراض من القاضي الأرموي - رحمه الله - أن جواب الإمام غير مرضي وهو أن التشكيك في الضروريات لا يستحق الجواب. وينبغي أن يكون الجواب بعدم التسليم أنَّه يمتنع التفاوت بين اليقينيات بل يجوز التفاوت بينها كيف لا؟ والحال أنَّه يحدث التفاوت في البديهيات بسبب تصور جلاء أطراف وحقائق بديهية من أخرى، وكذلك بعدم التسليم أنَّه يحتمل ما ذكروا من وجود مثله لامتناع قلب الحقائق.

المسألة الثانية

" المسألة الثَّانية" حصول العلم عقيب التواتر ضروري. وقال أبو الحسين والكعبي وإمام الحرمين والغزالي (¬1) نظري وتوقف المرتضى فيه. لنا: حصول هذا العلم لمن لا نظر له كالعامة والصبيان والبله. فإن قيل: النظر فيه هو ترتب علوم بأحوال المخبرين، وهو سهل الحصول فلعله حصل لهم. ثم إنَّه معارض بوجوه: أ - أنا لا نعلم وجود المخبر عنه بالتواتر ما لم نعلم أنَّه لا داعي للمخبرين (¬2) من الكذب، ولا ليس في المخبر عنه، ومتى كان كذلك امتنع كون الخبر كذباً فهو صدق (¬3). ب - لو كان ضرورياً لعلمنا بالضرورة كوننا عالمين به. جـ - لو جاز أن يعلم غير المحسوس بالضرورة، لجاز أن يعلم المحسوس بالاستدلال. والجواب عن: أ (¬4) - أنا نبين غموض هذا الاستدلال. ب (¬5) - أن أصل الشيء قد يعلم ضرورةً دون كيفيته. جـ (¬6) - منع الجامع. ¬

_ (¬1) اعترض الأسنوي على هذا النقل عن الغزالي حيث قال: إن مقتض كلامه في المستصفى موافقة الجمهور أي أنَّه ضروري. ونقل البدخشي عن ابن الحاجب أنَّه يميل لقول ثالث، وهو أنَّه ليس بضروري ولا نظري- انظر نهاية السول 2/ 218، المستصفى ص 156. (¬2) في "أ" للمخبر. (¬3) في (ب، د) (فهو نظري) بدل (فهو صدق). (¬4) في جميع النسخ ما عدا "أ" عن (أ، ب). (¬5) في جميع النسخ ما عدا "أ" عن "جـ". (¬6) في جميع النسخ ما عدا "أ" عن "د".

واستدل أبو الحسين على صدقه بأن أهل التواتر لا تكذب مع علمهم بكذبهم لا لغرض إذ الكذب جهة قبح مانعة من الفعل. ويمتنع الفعل مع المانع إلَّا لغرض أقوى، ولأنه يُترجح الممكن لا لمرجح ولا لغرض (¬1) هو كونه كذباً لأنَّه مانع لا داعي، ولا لغرض (¬2) غيره، إذ داعي ذلك إما رغبة وإما رهبة دينية أو دنيوية اتفق غرض الكل أو اختلف. ولا رغبة دينية للكل، لأنَّ قبح الكذب صادف ديني وفاقاً، ولا دنيوية لأنها رجاء لعوض أو إسماع غريب وكثير منهم لا يرضى بالكذب لهما، ولا رهبة دينية لما تقدم، ولا دنيوية فإنَّها تكون من السلطان وهو لعجزه عن جمعهم للكذب، فإنَّه قد يخوفهم عن حديث ثم يشتهر ولم تختلف أغراضهم، لامتناع تساوي أحوال جماعة عظيمة أبعاضها جماعات عظيمة في قوة هذه الدواعي ولا يكذبون لا مع علمهم بكذبهم، لأنَّ ذلك إنَّما يمكن (¬3) فيما يشتبه بغيره، والتواتر إخبارٌ عما علم وجوده بالضرورة، إذ شرطه استواء الطرفين والواسطة، ويعلم ذلك بإخبار كل لاحق من أهلية السابق للتواتر، أو بأن كل ما ظهر بعد خفاء أو قوي بعد ضعفٍ يجب اشتهار حدوثه ووقت حدوثه، كمقالات الجهمية (¬4) والكرامية (¬5)، وهذا ضعيفٌ إذ تقسيماته غير منحصرة. ولا قاطع بنفي كل قسم. ¬

_ (¬1) سقط من (أ، هـ) "هو". (¬2) سقط من (ب) لغرض. (¬3) في "أ" (يكون) بدل (إنَّما يمكن). (¬4) أصحاب جهم بن صفوان تلميذ الجعد بن درهم الذي ضحى به خالد بن عبد الله القسري سنة 124 هـ لإلحاده وزندقته. والجهم من الجبرية ظهرت بدعته بترمذ وقتله سلم بن أحوز المازني بمرو في آخر ملك بني أميَّة. وافق المعتزلة في نفي الصفات الأولية. ونفى عن الله كل ما يوصف به خلقه كالعلم والحياة ويقول: إن الإنسان لا يقدر على شيء وتنسب له الأفعال مجازاً كما تنسب للجماد ويقول بفناء الجنَّة والنار، ويقول بأن الإيمان: هو المعرفة فقط. ولا فرق عنده بين إيمان الأنبياء والعامة ويقول بنفي الرؤية في الآخرة كالمعتزلة (الملل والنحل للشهرستاني 1/ 87). (¬5) هم فرقة من المرجئة ينتسبون إلى محمد كرام (بكسر الكاف وتخفيف الراء) أبي عبد الله السجستاني، المتوفى سنة 256 هـ كان داعياً إلى البدع، يقول بالتجسيم والتشبيه، وهم إثنتا عشرة فرقة انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/ 108، الفرق بين الفرق 130، مقالات الإسلاميين 135، المواقف 633، النجوم الزاهرة 6/ 198، الفرق الإسلامية للبشبيشي 59.

قوله: لا بد (¬1) لكذبهم من غرض. قلنا: لو كان كل فعل لغرض لزم الحبير لما سبق في أول الكتاب، وأنت (¬2) لا تقول به وإلَّا بطل قولك. وقوله: ذلك الغرض لا يكون كونه كذباً ممنوع، فإنا نرى جمعاً عظيماً يعتادون الكذب حتَّى لا يصبروا عنه، وإن علموا أنَّه يضرهم عاجلاً وآجلًا. وجوازه من البعض مع أن حكم الشيء وحكم مثله يقتضي (¬3) جوازه من الكل. كيف؟ ونحن نمنع القطع. وقوله: لا رغبة دينية إذ الكذب صارفٌ ديني وفاقاً. قلنا (¬4): مطلقًا ممنوع، إذ كثير منهم يعتقد جواز الكذب المفضي إلى المصلحة، حتَّى يضعون (¬5) أحاديث في فضائل الأوقات والعبادات للترغيب فيها. وقوله: الجمع العظيم لا يكذب إلَّا لعوض وإسماع الغريب. قلنا (¬6): يقينًا ممنوع فجوازه من العشرة والمائة يوجب جوازه منهم، ويؤكده أنَّه يجوز أن يكذب أهل بلد فيه وباب إذا علموا أن غيرهم لو سمعوا به لم يذهبوا إليه، واختلت معيشتهم وإن كثروا جداً. وقوله: السلطان لا يمكنه إسكات الكل يقينًا ممنوع إذ جواز إسكات الألف والألفين يوجب جوازه في الكل. فإن قلتَ: أجد العلم الضروري بذلك. قلتُ هذا أضعف من العلم بوجود محمد وعيسى عليهما السَّلام فهو بالضروري أولى. وقوله: لم تختلف أغراضهم ممنوع إذ ليس من شرط أهل التواتر كون كل بعضٍ (¬7) منهم أهل التواتر وإلا تسلسل. ¬

_ (¬1) في (ب، جـ، د) (لابد لكل فعلٍ من غرض). (¬2) في "أ" وأنتم لا تقولون به. (¬3) في "أ" نقيض. (¬4) سقط من "ب" قلنا. (¬5) في "أ" (يصنفون) بدل (يضعون). (¬6) سقط من "ب" قلنا. (¬7) سقط من "أ" بعض.

وقوله: الاشتباه في المحسوس ممتنع ممنوع، فإن (¬1) الحيوانات تتشابه بحيث يعسر التمييز، وهذا في الإنسان وإن كان نادرًا لكنه جائز، وأيضًا غلط (¬2) الناظر مشهور والمسيح اشتبه بغيره قبل الصلب وإلاَّ لم يصلب. ومن اشتبه عليهم كانوا قريبين منه والنصارى يروون بالتواتر أنَّه بقي بعد الصلب وقبل الموت مدة طويلة، رآه جمع عظيم في النهار ونزل جبريل عليه السَّلام في صورة دحية الكلبي (¬3). فإن قلتَ: إنخراق العادةِ زمان النبوة جائز. قلت: أبو الحسين يجوِّز الكرامات بعده، وبتقدير امتناعها إنَّما يعرف بالبرهان، والعلم بخبر التواتر موقوف عليه، فوجب أن لا يعلم الخبر المتواتر من لم يعلمه ويؤكد احتمال الاشتباه تصور الإنسان عند شدة الخوف صوراً (4) لا وجود لها في الخارج. سلمنا ذلك في الأمور المحاضرة (¬4) لكن تمنع في الماضية. وقوله: كل لاحقٍ يخبر من أهلية السابق للتواتر بُهت (¬5) صريح، فإن أكثر الفقهاء والنحاة لا يتصورون هذه الدعوى، فكيف العوام؟ فامتنع أن يعلموا ذلك (¬6) ضرورة بل غايتهم سماعهم من قومٍ كثيرين. قوله: ما ظهر بعد خفاء وقوي بعد ضعف، يجب اشتهار حدوثه ووقت حدوثه (¬7) منقوض باشتهار الأراجيف وبوقائع الأنبياء عليهم السَّلام مع كونها من الأمور (¬8) العظيمة. ¬

_ (¬1) في "د" (قال) بدل (فإن). (¬2) في (جـ) المناظر. (¬3) هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبي من مشاهير الصّحابة، كان يضرب فيه المثل في حسن الصورة، وكان جبريل عليه السَّلام ينزل على صورته عاش إلى خلافة معاوية. انظر الإصابة 2/ 384، سير أعلام النبلاء 2/ 396، الأنساب للسمعاني 485، اللباب 2/ 46، حسن المحاضرة 1/ 195. (¬4) سقط من "هـ" سطراً من (صور) إلى (لكن تمنع). (¬5) في "ب، جـ، د" (كذب) بدل (بهت) وهما بمعنى واحد. (¬6) سقط من "أ" ذلك. (¬7) سقط من (ب، جـ، د) وقت حدوثه. (¬8) في "ب، جـ، د" (أصول) بدل (أمور).

فإن قلتَ: ذلك لتطاول الزمان وعدم الدواعي. قلتُ: هذا يقدح في التواتر في الأمور الماضية، إذ شرطه استواء الطرفين والواسطة، وقد تقل (¬1) الرواة ولا يثبت ذلك، إلّا بأنه لو كان موضوعًا لاشتهر الوضع وزمانه، وذلك غير واجبٍ بعد طول المدة. ثم ما ذكرتم معارض بوجوه: أ - ما يفيده التواتر ليس علماً ضرورياً لما سلمتم، ولا نظرياً لحصوله لمن لا نظر له. ب - أن ذلك يتوقف على عدم اشتباه محسوس وقد بيَّنا اشتباهه. جـ - أنَّه إن حصل العلم مع جواز أن لا يحصل امتنع القطع بإفادته العلم، وإن حصل العلم (¬2) مع الوجوب فالمؤثر فيه لا يجوز أن يكون قولَ كلٍ واحد، إذ قول الواحد لا يفيد العلم، ولأنه إن حصل قول الكل دفعة اجتمع على الأثر الواحد مؤثرات مستقلة، وإن حصل على التعاقب لزم تحصيل الحاصل، أو اجتماع المثلين. ولا يجوز أن يكون قول المجموع؛ لأنَّه لو لم يحدث عند الاجتماع ما لم يكن عند الانفراد لم يكن المجموع مؤثراً. وإن حدث عاد الكلام فيه وتسلسل، ولأن المؤثريَّة صفة وجودية لأنها نقيض اللامؤثرية (¬3). فاتصاف المجموع بها يوجب حلول الصفة الواحدة في محال كثيرة، ولأن التواتر غالبًا يكون بوجود خبر بعد خبر. فلم يكن للمجموع وجود فلم يكن مؤثراً، ولأن كل واحد من الزنج لما لم يكن أبيض امتنع كون الكل أبيض كذلك ههنا. د - أن المؤثر إما آحاد الحروف أو المجموع وهما باطلان. أو الحرف الأخير بشرط وجود الباقي قبله، وأنه يوجب حصول المشروط عند عدم الشرط، أو هو بشرط مسبوقيته بالباقي، والمسبوقية عدمية وإلَّا كانت حادثة مسبوقة، وتسلسل والعدمي لا يكون جزء العلة ولا شرطها. ¬

_ (¬1) في "هـ" (في نقل) بدل (وقد تقل). (¬2) سقط من (د، هـ) العلم. (¬3) في "أ" تقتضي اللامؤثرية.

هـ - حجة من منع إفادته العلم في الأمور الماضية أن التواتر حصل في أمورٍ ماضية، كنقلِ اليهود والنصارى والمجوس (¬1) والمانوية (¬2) مع كثرتهم وتفرقهم شرقاً وغرباً أخبارًا من أمورٍ باطلةٍ عندنا قطعاً. فإن قلتَ استواء الطرفين والواسطة مفقود فيهم (¬3) إذ قلَّ عدد اليهود في زمان بختنصر (¬4)، والنصارى كانوا قليلين ابتداءً. وكذا القول في البواقي قلتُ: طريق العلم إلى الاستواء: إما نقل كل لاحق أهلية السابق للتواتر، وهم يدعون ذلك (¬5) ادعاء المسلمين وتكذيب أحدهما تكذيب الآخر. وأمَّا الخبر لو كان موضوعًا لَعُرِفَ وقد عرف (¬6) ضعفه وتصحيح جميع الفرق تواترهم به (¬7). قوله لم يبقَ من اليهود عدد التواتر ممنوع، إذ فناء الأمة العظيمة المتفرقة شرقاً وغرباً إلى هذا الحد ممتنع. قوله: النصارى كانوا قليلين ابتداءً ممنوع، وإلا لم يبقَ شرع عيسى عليه السَّلام حجة إلى ظهور شرعنا، واتفق المسلمون على بطلانه. وأعلم أن فساد بعض هذه الأسئلة والمعارضات أظهر من صحته، لكنا ذكرنا لبيان غموض هذا الاستدلال وخفائه بالنسبة إلى وجود محمد عليه السَّلام ومكة وأنه بناء (¬8) الواضح على الخفي وأن الحق مذهبنا. ¬

_ (¬1) هم فرقة لها شبهةكتاب، وورد في الأثر أنَّه كان لهم كتاب فأسريَ على كتابهم، وقد عاملهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - معاملة أهل الكتاب في أخذ الجزية. وبعد أن أُسري على كتابهم ضلوا، فاثبتوا أصلين إثنين مدبِّريْن قديمين يقتسمان الخير والشر والنفع والضر والصلاح والفساد، يسمون أحدهما النور والآخر الظلمة، وهم ينقسمون إلى فرقٍ كثيرةٍ جداً. انظر الملل والنحل للشهرستاني ص 37 وما بعدها. (¬2) أصحاب ماني بن فاتك الثنوي القائل بقدم النور والظلمة. وأنها أصل الكائنات، ويقولون: بتناسخ الأرواح الضَّالة وهي طائفة من المجوس، انظر مذهبهم في الملل والنحل للشهرستاني 2/ 49، الفرق بين الفرق 162، الحور العين 139، الفرق الإسلامية للبشبيشي ص 86. (¬3) في (ب) (بنفيهم) بدل (فيهم). (¬4) انظر ترجمته في صفحة (2/ 12) من هذا الكتاب. (¬5) سقط من (د) ذلك. (¬6) سقط من "أ" وقد عرف. (¬7) سقط من "أ" سطر من (لم يبق .. ممتنع). (¬8) في "هـ" (بني) بدل (بناء).

المسألة الثالثة

" المسألة الثالثة" في شرائط التواتر ولا حاجة إلى اعتبار حال المخبرين، بل السامع يعتبر حال نفسه، فإن أفاده الخبر يقينًا عَلِمَ أنَّه متواتر، وشرطه أن لا يعلم السامع المخبر به ضرورة. قال المرتضى: وأن لا يعتقد نقيضه لشبهة أو تقليد، إذ الخبر عن نص إمامة علي عنده متواتر، ولم يفد العلم لبعضهم لاعتقاده نفيه لشبهة. واحتج عليه: بأن إفادة المتواتر العلم بالعادة، فجاز أن يختلف باختلاف الاعتقاد بخلاف الأخبار عن البلدان والحوادث العظيمة، إذ لا شبهة في نفيها ولا داعي يدعو العقلاء إلى اعتقاد نفيها، وشرطه (¬1) أن يكون المخبر به ضرورياً، إذ يجوز الالتباس في غير الضروري وأن يكون المخبرون عددًا. ثم قال القاضي أبو بكر: قول الأربعة لا يفيد العلم وتوقف في الخمسة. واحتج: بأن قول أربعة صادقين لو أفاد العلم لأفاده قول (¬2) كل أربعة صادقين، إذ حكم الشيء حكم مثله، فلزم استغناء القاضي عن التزكية إذا شهد أربعة على الزنا؛ لأنَّه إن علم الزنا بقولهم قطع بصدقهم وإلا قطع بكذبهم فإن قيل: حصول العلم بالمخبر به فعل الله تعالى، فجاز اختلاف عادته في قول الأربعة مع أطرادها في قول الجمع العظيم كما اطردت في التكرار على البيت الواحد ألف مرَّة واختلفت فيه مرةً أو مرتين. ثم نقول عادته قد تطرد في لفظ الخبر دون لفظ الشهادة. كيف؟ وشرط الشهادة اجتماع المخبرين عند الأداء، وأنه يوهم الاتفاق على الكذب بخلاف الرّواية. ثم ما ذكرتم آتٍ في الخمسة وفي عدد أهل القسامة (¬3)، فليقطع ¬

_ (¬1) سقط من (ب، د) من (وشرطه .. الضروري). (¬2) سقط من "أ" قول. (¬3) القسامة: هي أيمانٌ تلزم على المتهمين بالدم.

بالإفادة في الثَّانية (¬1) وعدمها في الأولى. والجواب: الأسئلة الثلاثة لا جواب عنها، والفرق بين الأربعة والخمسة: أن الحاكم إذا لم يعلم الزنا بقولهم، لا يقطع بانتفاء الحجة لجواز كون الأربعة شاهدين للزنا دون الخامس، فوجب البحث بخلاف الأربعة. وأما أهل القسامة فتحلف عند أهل العراق خمسون من المدَّعى عليهم أنَّه ما قتل ولا عرف قاتلاً. وعند الشَّافعي رضي الله عنه يحلف خمسون من المدعين، كل منهم بحسب ظنه، فمخبر كل منهم غير مخبر الآخر، والحقُّ أن ذلك العدد غير معلوم، إذ لا عدد إلَّا ولا يبعد عقلًا صدور الكذب عنه ولا يتميز (¬2) عن الزائد والناقص بواحدٍ فيه. والمعتبرون ذكروا وجوهاً: أ - إثنا عشر عدد نقباء موسى عليه السَّلام. ب - عشرون وهو قول أبي الهذيل لقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (¬3). وإنَّما خصهم بالجهاد، لأنَّ خبرهم يفيد العلم. جـ - أربعون لقوله تعالى: وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬4) وكانوا أربعين. د - سبعون لقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا} (¬5). هـ - ثلاثمائة وبضع عشر عدد أهل بدر (¬6). و- عدد بيعة الرضوان ولا تعلق لشيء بالمسألة. فإن قيل: لو عرف كمال العدد بالعلم، تعذر الاستدلال به على العلم (¬7). ¬

_ (¬1) في "جـ" (أو في عدمها). (¬2) في "د" ولا يتميز الزائد عن الناقص. (¬3) [الأنفال: 65]. (¬4) [الأنفال: 64]. (¬5) [الأعراف: 155]. (¬6) الصواب. ثلاثمائة وعشر وبضع وليس بضع عشرَ. (¬7) في "أ، هـ" (الخصم) بدل العلم. والصَّواب العلم أخذاً من الجواب بعدها.

المسألة الرابعة

قلنا: لا نستدل به على العلم بل المرجع فيه الوجدان. ثم كل (¬1) ما يشترط في المشاهدين يشترط في الناقلين عنهم، ويعبر عنه باستواء الطرفين والواسطة، وقيل يعتبر في المخبرين أن لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلد وهو باطل. إذ خبر أهل الجامع عن سقوط المؤذن من المنارة يفيد العلم. واعتبر اليهود اختلاف دينهم. وقيل يعتبر اختلاف نسبهم وهما باطلان، إذ التهمة لو حصلت لم يحصل العلم مطلقًا، وإلا حصل العلم مطلقًا (¬2). وشرط ابن الراوندي (¬3) وجود المعصوم سيهم، وهو باطل، إذ المفيد قول المعصوم لا خبر التواتر. " المسألة الرابعة" في التواتر المعنوي كما إذا اشتركت الأخبار الجزئية الكثيرة في كل واحدٍ كالسخاوة مثلًا، فيصير ذلك الكلي مروياً بالتواتر إذ راوي الجزئي بالمطابقة روى الكلي بالتضمن. ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" كل. (¬2) سقط من (د، هـ) وإلا حصل العلم مطلقًا. (¬3) ابن الراوندي: هو أبو الحسين أحمد بن يَحْيَى بن إسحاق البغدادي الفارسي الأصبهاني كان معتزلياً. رمي بالإلحاد والزندقة. له كتاب التاج الذي يحتج فيه تقدم العالم، وكتاب الزمردة يبرهن فيه على إبطال الرسالات، وكتاب الفريد في الطعن على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والإمامة صنفها للرافضة وأخذ منهم ثلاثين ديناراً، فضائح المعتزلة ولأجله حاولت المعتزلة قتله. تصدى لكتبه بالنقض أبو علي وأبو هاشم الجبائيان وأبو الحسين الخياط. اختلف في توبته وأنكرها أبو الحسين. اختلف في سبب ردته وإلحاده، فقيل رئاسة لم يتمكن من الوصول إليها، وقيل فاقة لحقت به ولهذا صنف كتبًا لليهود والنصارى والثنوية وأهل التعطيل، وقد ترجم له القاضي عبد الجبار ترجمة وافيةً في طبقاته. انظر: روضات الجنات 1/ 193، معاهد التنصيص 76، التاج المكلل ص 298.

" الطَّريق الثَّاني" من طرق صدق الخبر غير المتواتر أ - معلومية المخبر عنه ضرورةً أو نظرًا. ب - صدوره من الله تعالى باتفاق المسلمين واختلفوا في أن الدال عليه عقلي أو نقلي. قال الغزالي: يدل عليه وجهان: الأول: إخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن امتناع الكذب عليه. الثَّاني: أن كلامه قائم بذاته، ويمتنع الكذب في كلام النَّفس على من يمتنع عليه الجهل. والاعتراض على الأول أن صدق الرسول موقوف على تصديقه تعالى إياه بالمعجزة، فمعرفة صدقه تعالى من صدق الرسول دور. فإن قلتَ: تصديق الله تعالى إياه بالمعجزة كقوله: أنت رسولي وهو إنشاء لا يحتمل التصديق والتكذيب يقول الرجل لغيره: أنت وكيلي. قلت (¬1): لا يلزم من كونه إنشاءً صدق الرسول في كل ما يقول. بل من تصديقه إياه فيه ولزم الدور. وعلى الثَّاني: أن الكلام في أصول الفقه ليس في كلام النَّفس، وأيضًا كبرى الدليل غير بديهية في البرهان. وقالت المعتزلة: يدل عليه أن الكذب قبيح، وهو على الله تعالى محال. ¬

_ (¬1) يوجد في (ب، جـ) زائدًا (تصديق الله تعالى إياه بالمعجزة).

والاعتراض: أنَّه لا خبر يخالف المخبر عنه في الظاهر، إلَّا ويصح بإضمار أو تغيير، ومثله لا يقبح من الله تعالى إذ أكثر العمومات كذلك. فإن قلتَ: حيث لم يرد الظاهر يجب بيانه احترازًا عن التلبيس والعبث. قلتُ: إنما يكون تلبيسًا لو لم يحتمل غير الظاهر، ولما تقرر (¬1) في العقول احتمال المطلق مثلًا للمقيد بقيد غير مذكور، كان قطع المكلف بالإطلاق تقصيرًا منه لا تلبيسًا من الله تعالى، كما في المتشابهات وإنما يكون عبثًا لو لم يكن (¬2) له غرض غير الظاهر، وقد يكون غرضه غيره كما في المتشابهات. فإن قلتَ: إنزال المتشابهة مشروط بإقامة الدليل على امتناع ظاهر اللفظ. قلتُ: نعم لكن لا يشترط علم (¬3) سامع المتشابهة بذلك الدليل، فكذلك ههنا قد يوجد (¬4) دليل ولا يعلمه سامع الظاهر، فدل (¬5) على امتناع إرادته، إذ لا يلزم من عدم العلم بالشيء العلم بعدمه. وحينئذ ارتفع الوثوق عن الظاهر، فالصحيح أنَّه يدل عليه أن الصادق أكمل من الكاذب قطعًا. فلو كذب الله لكان الواحد منا عند صدقه أكمل منه من هذا الوجه. جـ- صدوره من الرسول عليه السلام. قال الغزالي (¬6): دليل صدقه المعجزة، إذ يمتنع ظهورها على يد الكاذب، وإلا عجز الله تعالى عن تصديق رسله، والاعتراض أن تصديق الرسل على ذلك التقدير إن ¬

_ (¬1) في "أ" (قرن) بدل (تقرر). (¬2) سقط من "أ" (له غرض غير الظاهر وقد يكون). (¬3) في "د" (على) بدل (علم). (¬4) في "د" (توجه) بدل (يوجد). (¬5) في "د" (يدل) بدل (فدل). (¬6) انظر المستصفى صفحة 165.

أمكن (¬1) لم يلزم، وإن لم يمكن لم يوصف الله بالعجز كما في خلق نفسه. وإن كان عجزًا، فامتناع إظهار المعجزة على يد الكاذب عجز. وأيضًا إذا كانت قدرته على تصديق الرسل فرع عدم قدرته على إظهار المعجزة على يد الكاذب، لم يصح الاستدلال بالأول على الثاني، ثم إظهار المعجزة لما كان ممكنًا في نفسه كان ممكنًا عند دعوى الكاذب، وإلا انقلب الممكن لذاته ممتنعًا. ثم المعجزة إنما تدل على صدقه فيما ادعاه (¬2). فلم قلتَ: إنه ادعى صدقه في كل الأمور؟ ولقائل أن يقول (¬3): نقيض كل لازم يستدل به على نقيض ملزومه مع الفرعية المذكورة، والممكن في نفسه قد يمتنع عند وجود غيره. د- صدوره من كل الأمة. هـ- صدوره من الجمع العظيم في الوجدانيات. و- صدور أخبار مختلفة من أهل التواتر يدل على صدق أحدها. ز- القرائن وهو مذهب إمام الحرمين والغزالي والنظَّام. احتج المنكر بوجوه: أ- القرائن قد تكذب كما إذا حضرت الجنازة وكفن المريض مع البكاء والصراخ، ثم تبيَّن أنَّه مسبوت (¬4) أو مغمى عليه، أو أظهر ذلك لئلا يقتله السلطان. ب- لو جاز ذلك في خبر الواحد لجاز في المتواتر. ¬

_ (¬1) عبارة (ب، جـ، د) لم يلزم من القدرة على خلق المعجزة على يد الكاذب العجز عن تصديق مثله، وإن لم يمكن لم يلزم العجز ولم يوصف الله بالعجز، وهي توضيح لما في أ، هـ. (¬2) في "أ" (إذا) بدل (فيما). (¬3) هذا الاعتراض من القاضي الأرموي- رحمه الله- موجه للاراديْن الأخيريْن. أولهما: عدم صحة الاستدلال بقدرته على تصديق الرسل على عدم قدرته على إظهار المعجزة على يد الكاذب، واعترض بأنه يلزم على هذا أن يمتنع الاستدلال بانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم، لأن عدم الملزوم علة لعدم اللازم. ثانيهما: هو امتناع الممكن لذاته. واعترض عليه بأنه قد يمتنع الممكن في ذاته عند وجود غيره. (¬4) في "جـ" (مسكوت) بدل (مسبوت).

ب- ولا طرد كخبر التواتر. والجواب عن: أ- أن القدح في واحدٍ لا يقدح في كل واحد. ب- أن القرائن قد تفيد وغيرها قد يفيد كيف؟ والنظَّام يقول به في التواتر وتلك القرائن، العلم بأنه ما جمعهم جامع رغبةً أو رهبةً أو التباس. جـ- أن الاطراد في الخبر مع القرائن لازم كيف؟ وحصول العلم بالعادة وأنها قد تختلف في بعض الصور دون البعض. ح- ترك الرسول تكذيب المخبر عن أمر ديني لم يتقدمه بيان أمِنَا (¬1) تغيره، أو عن أمر دنيوي (¬2) استشهد به وادعى علمه بالمخبر عنه، أو علم الحاضرون علمه (¬3) به، ويدل عليه أن السكوت يوهم التصديق، وإيهام تصديق الكاذب لا يجوز وقيل سكوته تصديق مطلقًا. ط- قيل: سكوت جماعة عظيمة عن تكذيب الخبر (¬4) يدل على صدقه، لامتناع السكوت مع عدم علمهم بكذبه، إذ يبعد أن لا يعلمه واحدٌ مع علمهم (¬5) به لقيام الداعي، فإن من استُشْهِدَ على خبر يعلم كذبه وجد في الصبر عنه مشقة، وزوال الصارف، إذ لا يجمعهم رغبةً ولا رهبةً على كتمان (¬6) المعلوم، ولهذا لا يجتمعون على كتمان الرخص والغلاء وهذا لا يفيد إلَّا الظن (¬7) لما عرفت. ي- زعم أبو هاشم والكرخي وأبو عبد الله البصري: أن الإِجماع على موجب الخبر يدل على صدقه، وهو باطل إذ قد يعمل بالخبر المظنون، ولأن الإِجماع قد يكون لدليلٍ آخر. ¬

_ (¬1) في "ب، جـ " لا يمكن تغيره، في "د" أمكن تغيره. (¬2) في "د" (أمر ديني) بدل (دنيوي). (¬3) في "ب" (عمله) بدل (علمه). (¬4) في (جـ، د) (المخبر) بدل (الخبر). (¬5) في "أ" (علمه) بدل (علمهم). (¬6) (في ب، جـ، د) كتمانه. (¬7) في "د" لا يفيد الظن.

احتجوا: بأن نعلم من عادتهم أنهم لا يجمعون لما لم يقطعوا بصحته. وجوابه: منع العادة إذ أجمعوا لخبر عبد الرحمن (¬1). يا- قال بعض الزيدية (¬2): بقاء النقل مع توفر الدواعي على إبطاله يدل على صحته، كخبر الغدير (¬3) والمنزلة (¬4)، فإنه سلم نقلهما في زمان بني أمية وهو باطل، إذ الأحاد قد تشتهر بحيث يعجز العدو عن إخفائها، ولأن صوارف بني أمية عارضتها دواعي الشيعة كيف؛ والممنوع يشتد داعيه بالمنع. يب- قال كثير من الفقهاء والمتكلمين: تمسك بعض الأمة بالخبر وتأويل الباقي اتفاق على قبوله وصدقه وهو ضعيف. إذ خبر الواحد مقبول. فإن قلتَ: ذلك في العمليات والمسألة علمية (¬5). قلتُ: مَن أوَّلَ طعن فيه بأنه من الآحاد كيف؟ وعدم الطعن لا يفيد الصحة. ¬

_ (¬1) وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (سُنوا بهم سنة أهل الكتاب) تقدم تخريجه في ص 1/ 280. (¬2) هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب رضي الله عنه، وهي إحدى فرق الشيعة، وافترقت الزيدية الى فرقٍ متعددة. انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/ 54، الفرق بين الفرق 18، مقالات الإسلاميين للأشعري 61، المواقف 628، الحور العين 155، مرآة الجنان 1/ 257، تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة 1/ 50. (¬3) خبر الغدير: حديث طويل عن زيد بن أرقم وفيه: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فينا خطيبًا بماء يدعى خمًا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكَّر. ثم قال أما بعد: ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي، فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور: فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغَّبَ فيه. ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، فقال له: من أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. (واللفظ لمسلم 7/ 122). وانظر فيض القدير 2/ 175. وانظر فتح الباري 7/ 74 ومسند أحمد. (¬4) خبر المنزلة: أخرجه البخاري ومسلم وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص. واللفظ لمسلم أنَّه قال: خلَّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب في غزوة تبوك. فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنَّه لا نبي بعدي، انظر صحيح مسلم 7/ 120، وفتح الباري 7/ 74، وقد استوعب ابن عساكر الحديث في ترجمة علي وذكر جميع طرقه. (¬5) في "ب" (عملية) بدل (علمية).

القسم الثاني من الخبر ما يقطع بكذبه

" القسم الثاني من الخبر" ما يقطع بكذبه أ - ما علم عدم المخبر عنه ضرورةً أو نظرًا ومنه قول من لم يكذب قط "أنا كاذب " إذ المخبر عنه بكذبه ليس هذا الخبر، وإلا تأخر الشيء عن نفسه رتبة (¬1). بل ما قبله وهو صادق فيه فكذب في هذا. ولقائلٍ أن يقول (¬2): لِم لا يجوز اتحاد الخبر والمخبر عنه بكذبه، فإن قول منَ لم يتكلم في يومٍ قط "أنا كاذب" في هذا اليوم خبر اتحد مع المخبر عنه بكذبه. ثم الغرض يأتي في الصدق أيضًا. نعم قوله: كل إخباراتي كاذبة كاذب، لأنه إن صدق خبرٌ منها كذب هذا وإلا كذب هذا أيضًا (¬3). وإذا نقل عنه عليه السلام خبر علم أنَّه غير مطابق، فإن احتمل تأويلًا قريبًا حمل عليه، وإلَّا قطع بكذب النقل أو بأنه كان معه ما يصح به ولم ينقل. ب - ما لم ينقل متواترًا مما لو وجد لتوفرت الدواعي على نقله متواترًا، لتعلق الدين به كأصول الشريعة، أو لغرابته كسقوط المؤذن من المنارة، أولهما ¬

_ (¬1) سقط من (جـ، د) "رتبة". (¬2) خلاصة هذا الاعتراض من القاضي الأرموي - رحمه الله - لما ذكر الإمام الرازي في تعليل النوع الأول مما يقطع بكذبه من الأخبار، وهو كون المخبر عنه معدومًا، والذي مثل له بقول من لم يكذب قط (أنَّه كاذب) ووجه الاعتراض أنَّه يجوز اتحاد الخبر والمخبر عنه بكذبه قول من لم يتكلم في يومٍ قط (أنا كاذب في هذا اليوم). (¬3) في "أ" زيادة عن ساثر النسخ (ثم ما علم نفي المخبر عنه بكذبه).

كالمعجزات وجوزت الشيعة في مثله أن لا يظهر لخوف وتقية. لنا: لو جاز هذا لجاز وجود بلدةٍ بين البصرة وبغداد أكبر منهما، ولم ينقل، وأن الواجب عشر صلوات والمنقول خمس. فإن قيل: العلم بعدم تلك البلدة إن توقف على تلك المقدمة (¬1) لم يكن ضروريًا. وإن لم يتوقف لم يلزم من عدم النقل العدم. ثم المثال لا يفيد الكلي والقياس عليه لا يفيد اليقين. ثم إنه منقوض بكيفية الإِقامة وهيئات الصلاة ومفردات المعجزات مع كونها أمورًا عظيمةً ظاهرة. ونقل القرآن لا يغني عن نقلها، لأن إعجازه نظري، فلا يقوم مقام الضروري، ولو جاز أن يكون اشتهاره لكونه دليلًا قاطعًا موجبًا، لفتور نقل غيره جاز أن يكون دلالة قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} (¬2). الآية ودلالة خبر الغدير والمنزلة (¬3) على إمامة علي موجهة لفتور نقل النص الجلي على إمامته، ومنقوض بقصص الأنبياء والملوك المتقدمين. والجواب عن: أ (¬4): أنَّه متوقف عليها. فإن من سُئل عن كيفية علمه بها يقول: لو كانت لنقلت كبغداد. والمثال للتنبيه لا للاستدلال. وعن النقض الإقامة وهيئات الصلاة. أنَّه لعله لاختلاف فعل المؤذن في التثنية والإفراد، واختلاف فعله عليه السلام في الجهر بالتسمية ورفع اليدين، أو لعلمهم بأن تركه لا يوجب كفرًا وبدعة تساهلوا في النقل واشتغالهم بالقتال أنساهم. ب: وعن المعجزات: أنها ربما لم يشاهدها عدد التواتر، وقصص المتقدمين لا يتعلق بها فرض أصلي في الدين، بخلاف النص الجلي في إمامة علي رضي الله عنه. ¬

_ (¬1) في " هـ " وإلا لم يكن. (¬2) [المائدة: 55]. (¬3) تقدم تخريجها قبل ثلاث صفحات. (¬4) هذا الجواب عن قوله فإن قيل: العلم بعدم تلك البلدة ولا يوجد ترقيم.

جـ- ما نقل بعد استقرار الأخبار، ثم فتش فلم يوجد في صدور الرواة وكتبهم. د- بعض ما روي عنه عليه السلام آحادًا يقطع بكذبه إذ روي أنَّه قال: (سيكذب عليَّ). فهذا إن كذب فذاك (¬1) وإلا فغيره. ولأنه روي عنه ما لا يصح ولا يقبل التأويل. وقال شعبة (¬2) نصف الحديث كذب. ¬

_ (¬1) في (هـ، أ) فهذا كذب وإلا فغيره. (¬2) هو شعبة بن التوأم الضبي تابعي معروف، ولد في عهد عمر رضي الله عنه، وله رواية عن ابن عباس وروايته عن الرسول مرسلة (الإصابة 3/ 231).

" خاتمة" سبب الكذب من السلف ليس تعمدهم له، لنزاهتهم عنه بل تبديل لفظ بآخر يعتقده في معناه، أو نسيان ما يصح به الخبر، أو اعتقاد السامع أن حديث المتكلم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو ترك ذكر (¬1) سببٍ للحديث يوهم تركه للخطأ (¬2) كقوله عليه السلام: "التاجر فاجر" (¬3) قالت عائشة: قال عليه السلام في تاجر دلَّس أو اشتباه المحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمحدث عن غيره، وسببه (¬4) من الخلف تنفير العقلاء عنه عليه السلام، كما فعلت الملاحدة واعتقاد جواز الكذب لصلاح الأمة كمذهب الكرامية، من جواز وضع الأخبار على المذهب، إذ صح لترويج الحق واعتقاد أن كلام المتكلم كلام النبي عليه السلام (5). فإن الإمامية يسندون كل ما صح عندهم عن بعض أئمتهم إلى النبي عليه السلام (¬5). قالوا: لأن جعفر بن محمد (¬6). قال: حديثي حديث أبي وحديث أبي ¬

_ (¬1) سقط من (ب، جـ، د) ذكر. (¬2) سقط من (ب، د) للخطأ. (¬3) رواه الطبراني عن معاوية وأحمد والحاكم والبيهقي عن عبد الرحمن بن شبل، وصححه الترمذي وورد التجار يبثون يوم القيامة فجارًا. وقد ورد الاستثناء في بعض الروايات، إلا من اتقى الله وبر وصدق، وفي بعضها إلا من قال بيده هكذا وهكذا، كشف الخفا 1/ 218. (¬4) في "ب" (بسبب من الخلف) وفي "أ" (ومن سببه من الخلف). (¬5) سقط من "هـ " سطر من عليه السلام إلى عليه السلام. (¬6) هو جعفر بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي الإمام السادس من الأئمة الإثنا عشريَّة، ويلقب بجعفر الصادق، لأنه اشتهر بالصدق والعلم ولد بالمدينة سنة =

حديث جدي وحديث جدي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا حرج عليكم إذا سمعتم مني حديثًا أن تقولوا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والترغيب كما وضعت في مبدأ دولة بني العباس أخبارٌ في النص على إمامة العباس (¬1) وولده. واعلم أن الأصل عندنا في الصحابة العدالة. لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (¬2) وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬3) وقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} (¬4). وقوله عليه السلام: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" (¬5) وقوله عليه السلام: "لو أنفق غيرهم ملء الأرض ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نُصيفه" (¬6) وقوله عليه السلام: "خير الناس قرني" (¬7). وبالغ إبراهيم النظَّام في الطعن فيهم بتكذيب بعضهم بعضًا، ¬

_ = ثمانين. أمه فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر. انتهى اليه إجماع الإمامية ومن بعده افترقت فرقًا منها، الواقفيَّة الذين وقفوا عند الباقر. وقالوا: برجعته، ومنهم الجعفرية: الذين توقفوا عند جعفر الصادق ونسبوا اليه آراءً كثيرة هو منها براء. دخل جعفر العراق في خلافة أبي جعفر المنصور وأقام بها ولم يطالب بالحكم، وتوفي بالمدينة المنورة عام 148 المعجم الإسلامي لأحمد عطية الله 1/ 612. (¬1) هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يكنى أبا الفضل وأمه نتيلة بنت جناب بن كلب، ولد قبل رسول الله بعامين ضاع وهو صغير فنذرت أمه إن وجدته تكسي البيت، فوجدته فكسته بالحرير، كان له في الجاهلية السقاية والعمارة حضر بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم، شهد بدرًا مع الكفار مكرهًا فوقع في الأسر فافتدى نفسه وافتدى ابن أخيه عقيل ثم أسلم وأخفى إسلامه، وكان يرسل للرسول بأخبار قريش، هاجر للمدينة قبل الفتح بقليل وشهد الفتح وثبت يوم حنين. مات بالمدينة في رجب أو في رمضان سنة اثنتين وثلاثين (انظر الإصابة 4/ 30، الاستيعاب 810). (¬2) [البقرة: 143]. (¬3) [الفتح: 18]. (¬4) [التوبة: 100]. (¬5) تقدم تخريجه في صفحة (2/ 61) من هذا الكتاب. (¬6) تقدم تخريجه في صفحة (2/ 74) من هذا الكتاب. (¬7) رواه مسلم من طريق عائشة بلفظ: (خير الناس القرن الَّذي أنا فيه) وأخرجه أحمد والترمذي والبخاري وغيرهم بألفاظ مختلفة انظر (فيض القدير 3/ 478).

وقدح الخوارج فيهم بمثله، وبقبولهم (¬1) خبر الواحد على خلاف الكتاب، وعملهم (¬2) به وبأنهم لم يكتبوا ما سمعوا ولم يدرسوه. ثم أنهم نقلوه بعد تطاول الزمان ومثله يقطع بأنه ليس عين (¬3) ما سمع. والجواب عن المطاعن، أنها مروية بالآحاد فلا تعارض الكتاب، وعن قبولهم خبر الواحد ما سبق من جواز تخصيص الكتاب به (¬4). وعن الأخير: أن ظاهر حال الراوي يورث ظن أنَّه كلام الرسول والظن حجة. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ ما عدا" هـ " بقولهم. (¬2) في (ب، د) علمهم. (¬3) في "أ" (غير) بدل (عين). (¬4) سقط من "ب" به.

القسم الثالث ما لا يقطع بصدقه وكذبه

" القسم الثالث " ما لا يقطع بصدقه وكذبه وهو حجة في الأمور الدنيويَّة كالفتوى والشهادة وفاقًا. وكذا في الشرعية عندنا ودل عليه السمع. وقال القفال وابن سريج منا وأبو الحسين من المعتزلة: دل عليه العقل أيضًا. وقال الباقون منا وأبو جعفر الطوسي (¬1) من الإِمامية وأبو علي وأبو هاشم والقاضي عبد الجبار من المعتزلة لم يدل (¬2) عليه العقل. وقيل: ليس بحجة إذ لم يوجد ما يدل عليه. وقيل: منع منه السمع. وقيل: العقل. لنا وجوه: الأول- قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ¬

_ (¬1) هو الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي نسبة إلى طوس من مدن خراسان ولد في رمضان سنة 385 هـ، ثم هاجر إلى بغداد سنة 408 هـ ولازم العكبري ثم أصبح من أخص تلاميذ المرتضى أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي، وفي سنة 426 هـ. بعد أن آلت إليه رئاسة الشيعة الجعفرية هرب من بغداد، بعد أن نهبت داره ومكتبته إلى النجف حيث توفي سنة 460 هـ، ودفن في مشهد الإمام علي رضي الله عنه. وكان قد تفقه على المذهب الشافعي مما حدا ببعض المؤلفين عده من الشافعية ومنهم السبكي حيث ترجم له. له مؤلفات عدة أهمها: أمالي الطوسي، وتفسيره مجمع البيان لعلوم القرآن، التهذيب، الاستبصار، النهاية في الفقه، والعدة والرجال. (انظر طبقات الشَّافعية للسبكي 3/ 51، الإمام الصادق لمحمد أبي زهرة. ومقدمة كتابه رجال الطوسي). (¬2) سقط من " أ " لم.

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} (¬1). الآية. أوجب الحذر بإنذار الطائفة، لأن "لعل" للترجي وهو على الله محال فيحمل على الطلب لأنه لازم له. والطلب من الله أمر فيقتضي وجوب الحذر. أو نقول قوله: "لعلهم يحذرون" يقتضي حسن الحذر أو إمكانه. والحذر هو التوقي من المضرة. والفعل الَّذي منع منه الخبر قد لا يضر في الدنيا، فيحمل على المضرة في الآخرة وهي العقاب، والإنذار إخبار مخوف. والطائفة دون الثلاثة وكل ثلاثة فرقة. لأنها "فِعْلَة" من فرق، فكل ما فرق فهو فرقة، يقال: فرق الخشبةَ إذا شقها، لكن (¬2) المراد من الآية الثلاثة ليمكن خروج الطائفة منها. فإذا روى الراوي ما يقتضي المنع من فعل وجب تركه، وإذا وجب العمل بخبر الواحد أو الإِثنين ههنا وجب مطلقًا، إذ لا قائل بالفرق. فإن قيل: المراد من الإنذار الفتوى لقوله: "وليتفقهوا" والحمل عليه وإن خصص لفظ القوم (¬3) بغير المجتهد، فالحمل على الرواية تخصصه بالمجتهد. كيف؟ وتخصيصنا أولى (¬4) إذ المجتهد أقل من غيره. ولو حمل على المشترك بينهما كفى في العمل به ثبوته في صورة وهي الفتوى. ثم لو كان كل ثلاثةٍ فرقة لكانت الشافعية فرقًا، ولوجب على كل ثلاثةٍ أن يخرج منها طائفة للآية (¬5). ثم المراد ليس كل طائفةٍ إذ ضمير الجمع لا يصلح للواحد والإثنين بل مجموع طوائف، فلعلهم عدد التواتر ثم وجوب الترك قد لا يكون للعمل بالخبر بل للاحتياط إلى حصول الفتوى أو الاجتهاد. ¬

_ (¬1) [التوبة: 122]. (¬2) سقط من (ب، د) لكن المراد من الآية الثلاث ليمكن خروج الطائفة منها، وموجود في جـ، هـ تعليقًا. (¬3) في "هـ" (العموم) بدل (القوم). (¬4) في جميع النسخ ما عدا "د" (أقل) بدل (أولى). (¬5) سقط من "هـ" للآية ثم المراد ليس كل طائفةٍ.

والجواب عن: أ (¬1) - أن الخبر قد يروى لغير المجتهد، ليزجره عن الفعل ويدعوه إلى الاستفتاء أو البحث عن معناه. ولو حمل على المشترك كان وجوب الحذر مرتبًا على مسمى الإنذار، فكان علة (¬2) له فلزم عموم الحكم لعموم علته. وأيضًا الأمر بقبول الفتوى إن وجد قبل ورود الآية حمل الإنذار على الرواية دفعًا للتكرار، وإلَّا حمل عليهما دفعًا للإِجمال. ب- أن الشافعية فرقةٌ واحدة بحسب المذهب وفرق بحسب الأشخاص، وقد ترك العمل بالآية في وجوب خروج الطائفة من كل فرقةٍ فعمل بها في الباقي. جـ- أنَّه إنما يقال: رجع إلى القوم إذا كان فيهم أولًا. وضمير الجمع لا يضر، لأنه قابل الكل بالكل فتوزع البعض على البعض. د- أن العامي إنما يجوز له الفعل إذا علم جوازه بالفتوى، وذلك يغنيه عن الاستفتاء ثانيًا وخبر الواحد لو لم يكن دليلًا، لم يجب على المجتهد التوقف لأجله. أ (¬3) - الوجه الثاني: قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (¬4) أمر بالتبيُّن وعلل بمجيء الفاسق بالخبر إذ ترتيب الحكم على الوصف المناسب يشعر بعليته، ولو كان كون الخبر خبر واحدٍ مانعًا من القبول، لما علل به إذ علية الوصف اللازم تمنع عليَّة العرضي. ب- إنه علق الأمر بالتبيُّن بمجيء الفاسق بالخبر والمعلق بالشرط عدمٌ عند عدم الشرط، وعدم التبين بالرد باطل إجماعًا فهو بالقبول. ¬

_ (¬1) هذا الجواب عن قوله: فإن قيل المراد من الإنذار الفتوى، ولا يوجد ترقيم وجميع الأجوبة بعده متوجهة للاعتراضات التي بعد قوله فإن قيل. (¬2) في "أ" علته لم يلزم. (¬3) في "جـ" يوجد "ب" بدل (الثاني) والصواب الثاني، لأنه تقدم قبل صفحتين قولنا له وجوه الأول. (¬4) [الحجرات: 6].

الوجه الثالث (¬1): روي بالتواتر أنَّه عليه السلام كان يبعث رسله إلى القبائل آحادًا ليعلمهم (¬2) الأحكام، قال أبو الحسين: كان ذلك للفتوى اذ العوام فيها أكثر. الوجه الرابع (¬3): أن بعض الصحابة عمل به لما روى بالتواتر، أن يوم السقيفة لما احتج أبو بكر رضي الله عنه على الأنصار بقوله عليه السلام: "الأئمة من قريش" (¬4) مع أنَّه مخصوص بقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬5) قبلوه من غير (¬6) إنكارٍ عليه، ولأنهم عملوا على وفق خبر الواحد إذ رجعوا إلى خبر الصديق في قوله: (الأنبياء يدفنون حيث يموتون) (¬7) وقوله عليه السلام: "الأئمة من قريش". وقوله عليه السلام: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" (¬8). وإلى كتابه في نصب الزكاة. ورجع هو في توريث الجدة إلى خبر المغيرة (¬9). وقضى بقضيةٍ ثم أخبره بلال (¬10) أنَّه عليه السلام قضى فيها بخلافه فنقضه. ¬

_ (¬1) في "جـ" يوجد "د" بدل (الثالث). (¬2) في "ب، هـ" لتعليم. (¬3) في "جـ" يوجد (هـ) بدل (الرابع). (¬4) تقدم تخريجه في صفحة (1/ 380) من هذا الكتاب. (¬5) [النساء: 59]. (¬6) سقط من "ب" غير. (¬7) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد رواه الترمذي عن أبي بكر بلفظ (ما قبض الله نبيًا إلا في الموضع الَّذي يجب أن يدفن فيه). ادفنوه في موضع فراشه وفيه عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ضعيف الحفظ، مشكاة المصابح 3/ 204. (¬8) تقدم تخريجه في صفحة (1/ 419) من هذا الكتاب. (¬9) تقدم تخريجه في صفحة (1/ 420) من هذا الكتاب. (¬10) بلال بن رباح الحبشي مؤذن رسول الله. اختلف في كنيته فقيل: أبو عبد الله. وقيل: أبو عبد الكريم. وقيل: أبو عبد الرحمن، وأمه حمامة. اشتراه أبو بكر بإشارة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم أعتقه. كان من الصابرين على العذاب، ولاقى من أمية بن خلف ما لاقى وهو يقول: أحد أحد. شهد مع الرسول جميع المشاهد، خرج مجاهدًا للشام بعد وفاة رسول الله فمات في طاعون عمواس، وقيل بدمشق، وقيل بحلب سنة ست عشرة في خلافة عمر (الإصابة 1/ 170، الاستيعاب 1/ 181).

ورجع عمر عن تفصيل الأصابع في الدية بكتاب عمرو بن حزم (¬1) أنَّه في كل أصبعٍ عشرة، وقال لما سمع قول حمل (¬2) بن مالك (¬3)، أنَّه عليه السلام قضى في الجنين بغرة: لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغيره، ورجع إلى توريث المرأة من دية زوجها بقول الضحاك (¬4): إنه عليه السلام كتب إليه أن يورث امرأة أشيم (¬5) الضبابي (¬6) من دية زوجها. وفزع في أمر المجوس إلى ¬

_ (¬1) عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الخزرجي الأنصاري، يكنى أبا الضحاك شهد الخندق وما بعدها، استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على نجران. روي عنه أنَّه كتب له الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتابًا فيه الفرائض والزكاة والديات وغير ذلك، (أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والدارمي وغير واحد). وروى الخطابي في معالم السنن عن سعيد بن المسيب: أن عمر كان يجعل في الإبهام خمسة عشر، وفي التي تليها عشرة، وفي الوسطى عشرين، وفي التي تلي الخنصر تسع، وفي الخنصر ست، حتَّى وجد كتاب عمرو بن حزم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: إن الأصابع كلها سواء، فأخذ به ورواه الشافعي في الرسالة. انظر: تلخيص الحبير 4/ 195. روى عنه ابنه محمد وغيره، والأرجح أنَّه توفي في الخمسين، لأنه روى عنه أبو يعلى في مسنده أنَّه تكلم مع معاوية كلامًا شديدًا بشأن أخذ البيعة ليزيد، وروى لعمرو بن العاص ومعاوية حديث (تقتل عمارًا الفئة الباغية) انظر الإصابة: 4/ 293، الاستيعاب 1172. (¬2) في "ب" أحمد "جـ" حمد. (¬3) حمل بن مالك بن النابغة الهذلي أبو نضلة، نزيل البصرة وخرج حديثه في الجنين عند المدنيين. كان عنده زوجتان إحداهما (مليكة)، والأخرى (أم عفيف) رمت إحداهما الأخرى بحجر أو بمسطح أو عمود فسطاط فأصابت بطنها فألقت جنينها، فقضى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بغرةٍ عبد أو أمة، روى حديثه هذا البخاري عن أبي هريرة وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح. انظر: الإصابه 2/ 39، الاستيعاب 376. (¬4) الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبي بكر الكلابي، ويكنى أبا سعيد بعثه النبي على صدقات قومه، وعقد له لواءً تزوج الرسول أخت امرأته (أم شبيب) ولم يدخل بها، وروى سعيد بن المسيب أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتب له أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها الَّذي كان قد قتل خطأ. وقد شهد بذلك عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقضى به وترك رأيه. أخرج هذا الحديث أصحاب السنن روي عن الحسن البصري أن الضحاك كان سيافًا للرسول - صلى الله عليه وسلم - قائمًا على رأسه متوشحًا بسيفه (انظر الإصابة 3/ 267، الاستيعاب 2/ 742). (¬5) في "ب" وسيم وفي "هـ" رستم. (¬6) أشيم الضبابي قتل في الإسلام خطأ في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأورد قصته الترمذي حيث قال: حدثنا قتيبة وغير واحدٍ، قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب، قال: إن عمر كان يقول: الدية على العاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها، حتَّى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتب إليه: (أن ورِّث امرأة أشيم من دية زوجها) =

خبر عبد الرحمن بن عوف (¬1)، وأخذ عثمان برواية فريعة بنت مالك (¬2) حين قالت: جئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أستأذنه بعد وفاة زوجي في موضع العدة. فقال: "امكثي في بيتك حتَّى (¬3) تنقضي عدتك" (¬4). ولم ينكر الخروجِ للاستفتاء في أن المتوفى عنها زوجها تعتد في منزل الزوج، ولا تخرج ليلًا وتخرج نهارًا إذا لم تجد من يقوم بها. وعلي قبل رواية المقداد بن الأسود (¬5) في حكم المذي (¬6). ورجع الجمهور إلى قول عائشة في وجوب الغسل بالتقاء الختانين (¬7). وفي الربا إلى خبر أبي سعيد (¬8). وقال ابن عمر: كنا نخابر أربعين سنة ولا نرى به بأسًا حتَّى روى لنا ¬

_ = قال الترمذي: هذا الحديث حسن صحيح (انظر أسد الغابة لابن الأثير 1/ 19 طبع جمعية المعارف بالهند). (¬1) انظر تخريجه في صفحة (1/ 391) من هذا الكتاب. (¬2) فريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري، كان يقال لها الفارعة شهدت بيعة الرضوان وأمها حبيبة بنت عبد الله بن أبي سلول. روت عن الفريعة زينب بنت كعب بن عمرة حديثها في سكنى المتوفى عنها زوجها في بيتها حتَّى يبلغ الكتاب أجله. أخرجه النسائي وذكر أن اسمها الفارعة، وذكر الطحاوي أن اسمها الفرعة، وروى مالك في الموطأ أن عثمان بن عفان أرسل لها يسألها فقضى به (انظر الإصابة 8/ 167، الاستيعاب 1903). (¬3) في "ج" (حيث تقضي) بدل (حتَّى تنقضي). (¬4) جزء من حديث رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي والنسائي وأحمد وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم والطبراني من حديث سعد بن إسحاق (انظر بلوغ المرام 140، تلخيص الحبير 3/ 239). (¬5) هو المقداد بن عمرو بن مالك، وينسب للأسود بن عبد يغوث لمحالفته له. هاجر للحبشة وهو صاحب الكلمات الخالدات يوم بدر (امضِ لما أمرت فنحن معك) مات بالمدينة في خلافة عثمان. انظر أسد الغابة 4/ 411. (¬6) متفق عليه ولفظ البخاري: (قال علي بن أبي طالب كنت رجلًا مذاء فأمرت المقداد أن يسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - فسأل فقال: فيه الوضوء) (بلوغ المرام ص 10). (¬7) متفق عليه تقدم تخريجه في صفحة (1/ 438) من هذا الكتاب. (¬8) متفق عليه ولفظ البخاري لا تبيعوا الذهب بالذهب إلَّا مثلًا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلًا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا غائبًا بناجز (بلوغ المرام 101).

رافع بن خديج (¬1) نهيه عليه السلام عن المخابرة (¬2). وقال أنسِ: (كنت أسقي أبا عبيدة (¬3) وأبا طلحة (¬4) وأبي بن كعب (¬5) شرابًا إذا بلال أذَّن فقال: حُرمت الخمر فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها فقمتُ فكسرتها) (¬6). ¬

_ (¬1) رافع بن خديج بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم الأنصاري النجاري الخزرجي، يكنى أبا عبد الله وقيل: أبا خديج. أمه حليمة بنت عروة بن مسعود بن سنان الأنصارية. رده الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر، وأجازه يوم أحد فشهد الخندق وأكثر المشاهد وأصابه سهم يوم أحد، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: أنا أشهد لك يوم القيامة. انتقضت عليه جراحته زمن عبد الملك بن مروان فمات سنة أربع وسبعين قبل ابن عمر بيسير وهو ابن ست وثمانين سنة. روى عنه ابن عمر ومحمود ابن لبيد والسائب بن يزيد وأسيد بن ظهير، ومن التابعين مجاهد وعطاء والشعبي وحفيده عباية وعمرة بنت عبد الرحمن شهد صفين مع علي (الاستيعاب 480). (¬2) لم أعثر عليه بهذا اللفظ وأخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر (أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي إمارة أبي بكر وعمر وعثمان وصدر من خلافة معاوية حتَّى بلغه في آخر خلافة معاوية أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -). (انظر مسلم 5/ 22، فتح الباري 5/ 22). (¬3) هو عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي مشهور بكنيته والنسبة لجده. أمه أميمة بنت غنم أحد العشرة المبشرين، ومن السابقين في الإسلام هاجر الهجرتين وشهد بدرًا وما بعدها، وفي الصحيحين: "لكل أمةٍ أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة". وأخرج أحمد عن أنس أن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: ابعث معنا رجلًا يعلمنا السنة والإسلام، فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح. فقال: هذا أمين هذه الأمة آخى الرسول بينه وبين سعد بن معاذ كان أميرًا في جيوش الشام، وتوفي في طاعون عمواس بفلسطين سنة 18 هـ (الإصابة 4/ 11، الاستيعاب 793). (¬4) هو زيد بن سهل بن الأسود النجاري الأنصاري الخزرجي مشهور بكنيته أبي طلحة، كان من فضلاء الصحابة، روى النسائي أنَّه خطب أم سليم. فقالت: يا أبا طلحة ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر لا تحل لي فإن تسلم فذلك مهري فأسلم، نافح عن الرسول يوم أحد. وأخرج أحمد مرسلًا لصوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة، تصدق بأحب ماله إليه وهي أرض تسمى بيرحاء لما نزل قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. اختلف في وفاته، والراجح سنة إحدى وخمسين توفي غازيًا في البحر، ولم يجدوا له أرضًا يدفنوه فيها سبعة أيام ولم يتغير (الإصابة 2/ 28، الاستيعاب 1/ 553). (¬5) أبي بن كعب الخزرجي الأنصاري، كان حَبرًا من أحبار اليهود، أسلم وشهد بيعة الحقبة وبدرًا. كان أقرأ الصحابة ومن كتاب الوحي نقل عنه كثير من التفسير غير معروف المولد، واختلف في وفاته فقيل: سنة 19، وقيل: 30 (أسد الغابة 1/ 49). (¬6) أخرج ابن مردوْيه عن أنس عن أبي طلحة زوج أم أنس قال: لما نزل تحريم الخمر أنفذ =

وقبل أهلُ قباء في التحويل خبر الواحد (¬1) ولا حصر لأمثال هذه فصار المشترك بين الكل متواترًا. وإنما عملوا على وفق الأخبار بها إذ لو عملوا بغيرها، لوجب إظهاره إذ العادة تمنع من إخفاء ما يزيل اللبس فيما اشتد اهتمام الناس فيه، والدين أيضًا يمنع منه لإِيهام ذلك العمل بتلك الأخبار وعدم جواز إيهام الباطل كيف؟ وقد صرح في بعض ما روينا بالعمل بخبر الواحد فثبت أن بعضهم عمل به ولم ينكر أحد. فكان إجماعًا لما نثبته (¬2) في القياس. فإن قيل: منع المرتضى دعوى الضرورة لإنكار المخالف العلم والظن بالعمل المذكور والاستدلال ضعيف، إذ الروايات المذكورة لم تبلغ حد التواتر. ثم العمل لعله بدليل آخر والاحتمال يقدح في المسألة القطعيَّة. ثم لا نسلم عدم الإنكار فقد توقف عليه السلام في قول ذي اليدين (¬3)، حتَّى شهد له أبو بكر (¬4) وعمر ورد أبو بكر خبر المغيرة (¬5) حتَّى أخبره به محمد بن مسلمة (¬6) (¬7). ورد أبو بكر وعمر خبر عثمان فيما رواه من إذنه عليه السلام في ¬

_ = رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هاتفًا يهتف. ألا إن الخمر قد حرمت فلا تبيعوها ولا تبتاعوها فمن كان عنده منه شيء فليهرقه. فقال أبو طلحة يا غلام حل عرى تلك المزاد ففتحها فأهراقها. وخمرنا يومئذ البسر والتمر فأهراق الناس حتَّى احتقنت فجاج المدينة. انظر الدر المنثور 2/ 316. (¬1) في (ب، جـ) بخبر الواحد. (¬2) في "هـ" (نبينه) بدل (نثبته). (¬3) ذو اليدين (هو رجل من بني سليم يقال له الخرباق) عاش حتَّى روى عنه المتأخرون من التابعين روى حديثه المشهور في السهو في الصلاة أبو هريرة (الإصابة 2/ 179، الاستيعاب 475). (¬4) متفق عليه من حديث أبي هريرة ورواه خلق كثير بطرف كثيرة جمعها صلاح الدين العلائي وتكلم عليها. (نصب الراية 2/ 6، فتح الباري 9/ 99). (¬5) خبر المغيرة تقدم تخريجه في صفحة (1/ 390) من هذا الكتاب. (¬6) في "أ" محمد بن سلمة في عدة مواضع والصحيح محمد بن مسلمة. (¬7) محمد بن مسلمة الأوسي، شهد المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلَّا تبوك مات بالمدينة سنة 46 هـ، ولم يستوطن غيرها اعتزل الفتنة وكان المحقق في الشكاوى على عمال عمر رضي الله عنه. تقدمت ترجمة مفصلة له في صفحة (1/ 390) من هذا الكتاب.

رد الحكم (¬1) بن أبي العاص (¬2) حتَّى طالباه بمن شهد معه، ورد عمر (¬3) خبر أبي موسى الأشعري (¬4) حتَّى شهد له أبو سعيد الخدري (¬5). وردَّ عمر خبر ¬

_ (¬1) سقط من " أ " أبي. (¬2) هو الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي، عم عثمان بن عفان رضي الله عنه وأبو مروان بن الحكم، أسلم يوم الفتح، أخرجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى الطائف ولم يزل بالطائف إلى أن ولي عثمان فرده إلى المدينة، وتوفي في آخر خلافة عثمان، واختلف في سبب طرده، فقيل كان يتحيل ويستخفي ما يسره الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى كبار الصحابة وينشره بين الكفار والمنافقين، وقيل: إنه كان يحكي رسول الله في مشيته وبعض حركاته فرآه الرسول يفعل ذلك خلفه، فقال له عليه الصلاة والسلام: فكذلك فلتكن. فكان الحكم مختلجًا يرتعش وهجى عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عبد الرحمن بن الحكم بقوله: إن اللعين أبوك فارم عظامه ... إن تسرم تسرم مخلَّجًا مجنونًا يمسي خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا وقالت عائشة لمروان: أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن أباك وأنتَ في صلبه. روى الطبراني من حديث حذيفة قال: لما ولي أبو بكر كلَّم عثمان أبا بكر في الحكم أن يرده للمدينة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا أحل عقدةً عقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وروي من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كان الحكم بن أبي العاص يجلس عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا تكلم اختلج. فبصر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كن كذلك، فما زال يختلج حتَّى مات وفي إسناده نظر. وأخرجه البيهقي في الدلائل من هذا الوجه وفيه ضرار بن صرد منسوب للرفض، وأخرجه البيهقي من طريق مالك بن دينار: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مر بالحكم، فجعل الحكم يغمز بأصبعه فالتفت فرآه فقال: اللهم اجعله وزغًا فرجف مكانه. وقد اعتذر عثمان عن رده للمدينة بأنه كنت استأذنت النبي في رده فوعدني. انظر الإصابة 2/ 28، الاستيعاب 360. (¬3) سقط من "أ" عمر. (¬4) هو عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، ولد سنة 21 قبل الهجرة في زبيد باليمن، ولي لعمر وعثمان على البصرة ولعلي على الكوفة، أصر اليمنيون أن يكون حكمًا لعلي في التحكيم. له في الصحيحين 355 حديثًا، توفي سنة 44 هـ (انظر الأعلام 2/ 573، أسد الغابة 3/ 235). (¬5) خبر الاستئذان متفق عليه، وزاد في الموطأ: أما أني لا أتهمك، ولكني أردت أن لا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وبهذا يتضح أن رأي عمر الأخذ بخبر الواحد، وذلك لأنه عمل به في أخذ الجزية من المجوس وورث المرأة من دية زوجها (فتح الباري 11/ 27).

فاطمة بنت قيس (¬1) وردَّ علي خبر أبي (¬2) سنان الأشجعي (¬3) في قصة بروع (¬4) بنت واشق (¬5) وكان يحلف الرواة، وردت عائشة خبر ابن عمر في تعذيب (¬6) الميت ببكاء أهله عليه (¬7)، ومنع عمر أبا هريرة من الرواية ثم السكوت يحتمل غير الرضا لما سبق. سلمنا إجماعهم على قبول نوع، لكن جاز في كل خبر أن لا يكون منه. ولو علم لم يلزم من جواز عمل الصحابة به جواز عملنا (¬8) به فإنهم شاهدوا الرسول والرواة وعرفوا أحوالهم، فظنهم بصدق الخبر أقوى. فإن قلت: من قبل نوعًا في وقت قبل الكل في كل (¬9) وقت. قلت: هذا لا يعلم في زماننا لتفرق المسلمين شرقًا وغربًا. ¬

_ (¬1) تقدم خبر فاطمة بنت قيس في سكنى المتوفى عنها زوجها وترجمتها في صفحة (1/ 392) من هذا الكتاب. (¬2) أخرجه أحمد والبيهقي وابن ماجة وسعيد بن منصور والنسائي وأبو داود والترمذي قال الترمذي: حسن صحيح. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم (نصب الراية 3/ 202). (¬3) هو معقل بن سنان الأشجعي، يكنى بأبي سنان نزيل الكوفة وقدم المدينة في خلافة عمر رضي الله عنه، ثم نفاه عمر لما سمع امرأة تتغزل في جماله إلى البصرة، حمل راية أشجع يوم حنين. قتل في وقعة الحرة على يد مسلم بن عقبة صبرًا وذلك سنة ثلاث وستين، روى عنه الشعبي والحسن البصري وعلقمة ومسروق (له ترجمة في الإصابة 6/ 125، الاستيعاب 1431). (¬4) في " ب " (تزويج) بدل (بروع). (¬5) هي بروع بنت واشق الرواسية الكلابية أو الأشجعية، مات عنها زوجها هلال بن مرة الأشجعي، ولم يفرض لها صداقًا فقضى لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل صداق نسائها. وأخرج حديثها ابن أبي عاصم من روايتها أنها نكحت رجلًا وفوضت إليه، فتوفي قبل أن يجامعها، وحديثها مخرج في السنن وقد بالغ النسائي في تخريجه وبيان الاختلاف في رواياته (الإصابة 8/ 29، الاستيعاب 1795). (¬6) سقط من (ب، جـ، هـ) عليه. (¬7) متفق عليه ولفظه: (الميت يعذب في قبره بما نيح عليه)، (بلوغ المرام 68). (¬8) في "جـ، أ " (علمنا) بدل (عملنا). (¬9) سقط من "د" كل.

والجواب عن: أ (¬1) - أن المخالف (¬2) لا ينكر العلم، إذ النظَّام يسلم إجماع الصحابة لكنه قال ليس بحجة، وكذا (¬3) شيوخ المعتزلة والإِخباريون من الإمامية، مع أن كثرة الشيعة منهم يعولون في أصولهم وفروعهم على أخبار (¬4) مرويَّة عن أئمتهم، وأما الأصوليون منهم فأبو جعفر الطوسي موافق لنا، فلم يبق منكر لهذا العلم إلَّا المرتضى وقليل من أتباعه، ولا يبعد مكابرة جمع قليل للضروريات. ب- أن العادة والدين يوجبان القطع بإظهار ما يزيل اللبس عند شدة الاهتمام. جـ- أنهم وإن ردوا خبر الواحد، فقد قبلوا خبر الإثنين والثلاثة. ثم التوفيق أن قبول خبر الواحد مشروط بشرائط، فيحمل القبول على صور (¬5) وجودها والعدم على صور عدمها. الوجه الخامس (¬6): القياس على الفتوى والشهادة بجامع تحصيل المصلحة أو دفع المفسدة المظنونتين وبل أولى، إذ الفتوى تحتاج إلى الرواية ولا ينعكس. فإن قيل (¬7): القياس لا يفيد اليقين. ثم قبول خبر الواحد يوجب شرعًا ¬

_ (¬1) هذا جواب عن منع المرتضى دعوى الضرورة لإنكار المخالف العلم والظن، وهي المبدوءة بقوله فإن قيل. ولم ترد مرقمة وكذلك الأجوبة الآتية عن ما بعدها من الاعتراضات. (¬2) سقط من "أ" لا. (¬3) في "د" (أما) بدل (وكذا). (¬4) في "جـ" أخبار آحاد. (¬5) في " د " (ضرر) بدل (صور). (¬6) في " جـ" (هـ) بدل (الخامس). (¬7) خلاصة هذه الاعتراضات على الدليل الخامس من أدلة حجية خبر الواحد، وهو قياس الرواية على الفتوى والشهادة بجامع تحصيل المصلحة أو دفع المفسدة أنَّه قياس مع الفارق، بالإضافة الى أن القياس لا يفيد اليقين والمسألة علمية وتوضيح الفارق: 1 - الرواية توجب شرعًا عامًا يشتمل المجتهد وغيره فيكون الاحتياط فيها أكثر، وأما الفتوى والشهادة توجب شرعًا خاصًا بالنسبة لبعض المكلفين. =

عامًا دونهما، وهما ضروريان لتميز الحق عن الباطل، وامتناع تكليف كل واحدٍ بالاجتهاد دونه لإمكان الرجوع إلى البراءة الأصلية. والجواب (¬1) عن: أ- أنا ندعي الظن. ب- أن شرع أصل الفتوى شرع عام. جـ- أن البراءة الأصلية مشتركة. الوجه السادس (¬2): أن العمل به يدفع الضرر المظنون إذ رواية العدل الأمر بالفعل يوجب ظن العقاب بتقدير الترك، فوجب العمل به لما سيأتي في القياس. احتج: المعوِّل على العقل، بأنه لو جاز أن يرتب الله تعالى إيجاب العمل بالظن على الرواية، لجاز أن يرتبه على دعوى النبوة. وبقياس الفروع على الأصول كمعرفة الله تعالى. وبأن الشرعيات مصالح ولا (¬3) يعول فيها على الظن لئلا يلزم الإِذن (¬4) في فعل ما لا يجوز، ولا يقال فعل المظنون مصلحة، لأن الظن لا يُصيِّر ما ليس بمصلحةٍ مصلحةً، والا لجاز أن ياذن الله تعالى في الحكم مهما ظن بلا دليل وإمارة. واحتج المعوِّلون (¬5) على النقل بما سيأتي بجوابه في القياس. ¬

_ = 2 - العمل بالفتوى والشهادة ضروري، لأن بهما يتميز الحق من الباطل بخلاف الرواية. 3 - يمتنع تكليف كل واحد بالاجتهاد فلزم الاستغناء. أما بالنسبة للرواية إذا وجدنا دليلًا قاطعًا رجعنا إليه، وإذا لم نجد فنرجع للبراءة الأصلية ففيها غُنية عن الرواية. (¬1) هذه الأجوبة عن قوله فإن قيل: القياس لا يفيد اليقين ولا يوجد ترقيم للمجاب عنه. (¬2) في "جـ" "و" بدل (السادس). (¬3) في "هـ" (فلا) بدل (ولا). (¬4) في " هـ" (الإثم) بدل (الإذن). (¬5) في "أ" (المعول) بدل (المعولين).

والجواب (¬1): النقض بالفتوى والشهادة والأمور الدنيويَّة إذ لا يجوز تناول طعام أخبره من يظن صدقه أنَّه مسموم، وبعمل أهل العلم بالظن في الأغذية والأشربة والعلاجات والأرباح كيف؟ وهم مطالبون بالجامع اليقيني وانتفاء اللازم يقينًا. ¬

_ (¬1) هذا الجواب عن حجة المنكر لحجية خبر الواحد بالعقل.

الفصل الثالث في شرط العمل به وهو إما في المخبر أو المخبر عنه أو الخبر

" الفصل الثالث " في شرط العمل به وهو إما في المخبر أو المخبر عنه أو الخبر " الأول " في المخبر ويجب ترجح صدقه على كذبه، وذلك لاجتماع أمور خمسة: الأول: الضبط: فالمختل والمجنون والصبي غير المميز لا يضبط (¬1)، فلو قدر العاقل على ضبط القصير (¬2) دون الطويل قبل منه ما يقدر على ضبطه. الثاني: التكليف: فلا يقبل رواية الصبي المميز كالفاسق، وبل أولى إذ الفاسق يخاف الله تعالى، ولأن الظن لا يحصل بقوله فلم يجز العمل به كالخبر في الأمور الدنيويَّة. ولأنه يعلم أنَّه غير مكلف فلا يحترز عن الكذب، وإنما يعتمد على قوله في (¬3) كونه متطهرًا حتَّى يجوز الاقتداء به، لأنه لا تتوقف صحة صلاة المأموم على صحة صلاة الإِمام. نعم، لو تحمل وهو صبي ثم روى وهو بالغ قبلت لوجوه: ¬

_ (¬1) في "ب، د" لا يقدر على الضبط. (¬2) أي ضبط الحديث القصير دون الحديث الطويل. (¬3) في "أ" سقط (على وسقط في).

أ- قبلت الصحابة رواية ابن عباس (¬1) وابن الزبير (¬2) ونعمان بن البشير (¬3)، ولم يفرقوا بين ما تحملوه قبل البلوغ أو بعده. ب- أجمع الكل على إحضار الصبيان مجالس الرواة. جـ- روايته في الكبر تدل على ضبطه في الصغر. د- القياس على الشهادة. الثالث: الإسلام: فلا تقبل رواية كافرٍ ليس من أهل القبلة وفاقًا. ومن هو من أهلها كالمجسم إذا كفرناه إذا كان مذهبه جواز الكذب لم تقبل روايته، وإلا قبلت وهو مذهب أبي الحسين البصري خلافًا للقاضيين أبي بكرٍ وعبد الجبار. لنا: أن اعتقاده بحرمة الكذب يزجره عنه فيحصل ظن صدقه. واحتج أبو الحسين بأن كثيرًا من المحدثين قبلوا خبر الحسن وقتادة (¬4) وعمرو (¬5) بن عبيد مع علمهم بمذهبهم وتكفير الصائر إليه. ¬

_ (¬1) ورد في "أ" ابن مسعود وهذا خطأ حيث أنَّه رضي الله عنه من كبار الصحابة، انظر ترجمته ص (2/ 38) من هذا الكتاب. (¬2) هو عبد الله بن الزبير بن العوام، ويكنى أبا بكر وأبا خبيب أمه أسماء بنت أبي بكر وجدته لأبيه صفية عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هو أول مولودٍ ولد في الإسلام بعد الهجرة للمهاجرين حنكه رسول الله وسماه، وكناه بأبي بكر (انظر أسد الغابة 3/ 164). (¬3) هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري من بني كعب بن الحارث، من الخزرج وأمه عمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة، ولد قبل وفاة الرسول بثمان سنين، وهو أول مولود للأنصار بعد الهجرة صحح بعضهم سماعه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أمَّره معاوية على الكوفة ثم على حمص، وبقي أميرًا ليزيد ثم دعا لابن الزبير فأخرجوه أهلها وقتلوه، روى عنه من التابعين ابنه محمد وسماك بن حرب والشعبي وحميد بن عبد الرحمن بن عوف (الاستيعاب 1496، الإصابه 6/ 240). (¬4) هو قتادة بن دعامة السدوسي حافظ ثقة ثبت لكنه مدلس رمي بالقدر ومع هذا احتج به أصحاب الصحاح، لا سيما إذا قال حدثنا. ولد أكمه ولزم ابن المسيِّب. توفي سنة 117 هـ عن خمس وخمسين عامًا انظر تهذيب التهذيب 8/ 356، وميزان الاعتدال 3/ 385. (¬5) في (ب، جـ، د) عمرو بن عنيبة. عمرو بن عبيد بن باب التميمي بالولاء أبو عثمان البصري، ولد سنة ثمانين للهجرة، كان شيخ المعتزلة في عصره وفقيهها وأحد الزهاد المشهورين، قال المنصور العباسي كلكم طالب =

احتجوا: أ- بقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (¬1). ب- القياس على من ليس من أهل القبلة بجامع المنع من تنفيذ قول الكافر على المسلم ومن إكرام المستحق للإذلال (¬2)، وجهله بكفره لا يعذره لأنه ضمَّ جهلًا إلى كفرٍ. والجواب عن: أ- أن الفاسق في عرف الشرع هو المسلم المقدم على الكبيرة. ب- أن ذلك الكفر أغلظ. والشرع فرق بينهما في أمور كثيرة. الرابع (¬3): رجحان الذكر على السهو والنسيان إذ العدالة لا تمنع الكذب سهوًا أو نسيانًا. الخامس: العدالة: (وهي هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة). فكل ما لا يؤمن معه الجرأة على الكذب من كبيرة أو صغيرة كسرقة باقة بقل أو مباح، يقدح في المروءة كالأكل في الطريق ترد به الرواية وما لا فلا. فالمقدم على فسق يعلم كونه فسقًا لا تقبل روايته وفاقًا، ومن لا يعلم كونه فسقًا قبلت روايته إن كان كونه فسقًا مظنونًا. قال الشافعي: أقبل شهادة الحنفي وأحده إذا شرب النبيذ، وكذا إن كان مقطوعًا (¬4) به خلافًا للقاضي أبي ¬

_ = صيدٍ غير عمرو بن عبيد. جده من سبي فارس وأبوه نساجًا ثم شرطيًا للحجاج، له كتب منها الرد على القدرية، توفي قرب مكة ورثاه أبو جعفر المنصور ولم يسمع بخليفة رثى من دونه سواه وفي العلماء من يراه مبتدعًا، قال ابن معين كان من الدهريَّة الذين يقولون: إنما الناس مثل الزرع. له ترجمة في (الأعلام 5/ 252، الروض الأنف 3/ 191، وفيات الأعيان 1/ 384، أخبار أصفهان 2/ 33، البداية والنهاية 10/ 78، ميزان الاعتدال 2/ 294، الحور العين، آمالي المرتضى 1/ 117، المسعودي 2/ 192). (¬1) [الحجرات: 6]. (¬2) في (ب، جـ، د) للإهانة. (¬3) سقط من "ب" كل الرابع وسقط من "د" لا تمنع الكذب سهوًا أو نسيانًا. (¬4) سقط من " أ، هـ" به.

بكر. قال الشافعي: أقبل شهادة (¬1) أهل الأهواء إلَّا الخطابية (¬2) من الرافضة، لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم. لنا: أن المقتضي لصدقه موجود والمعارض معدوم. احتج: بأن منصب الرواية لا يليق بالفاسق، وجهله بفسقه ضمُّ جهلٍ إلى فسقٍ فهو أولى بالمنع. والجواب: أن العلم بكونه فسقًا يدل على اجترائه على المعصية، والمخالف الَّذي لا نكفره إن ظهر عناده لم تقبل روايته، إذ العناد كذب مع العلم بكونه كذبًا. ولا تقبل رواية المجهول خلافًا لأبي حنيفة وأصحابه. لنا وجوه (¬3): أ - أن النافي للعمل بخبر الواحد موجود لقوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (¬4) ولأن عدم الفسق شرط للقبول بالآية. والجهل بالشرط يوجب الجهل بالمشروط ترك العمل به في ظاهر العدالة، إذ الظن ثَمَّ (¬5) أقوى. ب- القياس على اشتراط ظن (¬6) عدم الصبي والرق والكفر وكونه محدودًا في القذف في الشهادة، بجامع دفع المفسدة المحتملة. ¬

_ (¬1) في " أ، هـ" (رواية) بدل (شهادة). (¬2) هم أصحاب أبي الخطاب الأسدي الأجدع مولى بني أسد، اعتقدوا نبوة أبي الخطاب وسائر الأئمة، ثم اعتقدوا بأنهم آلهة ومن صفاتهم أنهم يستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم، وقالوا: الجنَّة نعيم الدنيا والنَّار آلامها. تعريفات الجرجاني 89، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 179، الفرق بين الفرق 150، الحور العين 166. (¬3) سقط من جميع النسخ ما عدا "جـ" وجوه أ. (¬4) [النجم: 28]. (¬5) في (ب، د) (به) بدل (ثم). (¬6) سقط من (ب، جـ، د) ظن.

جـ- رد عمر خبر فاطمة بنت قيس وقال: (كيف نقبل خبر امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت) (¬1)؟. ورد على قول الأشجعي في المفوضة (¬2). وكان يحلف الراوي ولم ينكر أحد عليهما فكان إجماعًا. احتجوا بوجوه (¬3): أ- القياس على قبول قول المسلم في ذكاة اللحم وطهارة الماء ورق الجارية المبيعة وعدم كونها مزوجة ومعتدة، وكونه متوضئًا إذا أمَّ وإخباره للأعمى عن القبلة. ب- قبلت الصحابة قول العبيد والنسوان بمجرد علمهم بإسلامهم. جـ- قبل عليه السلام شهادة الأعرابي على رؤية الهلال مع أنَّه لم يظهر منه إلَّا الإِسلام (¬4). د- آية التبين (¬5): إذ المعلق بالشرط عدم عند عدمه. والجواب عن: أ - أن منصب الرواية أعلى، فإن ألغوا هذا الفرق بإيماء قوله عليه السلام: ¬

_ (¬1) تقدم تخريج الحديث في صفحة (1/ 392) من هذا الكتاب. (¬2) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 122) من هذا الكتاب. (¬3) هذه حجج من قال بحجية خبر مجهول الحال، وهم أبو حنيفة وأصحابه. (¬4) رواه أصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في المستدرك وقال على شرط مسلم. ولفظه: عن ابن عباس رضي الله عنهما: (جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت الهلال. فقال: أتشهد أن لا إله إلَّا الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم. قال: يا بلال أذِّن في الناس فليصوموا). (انظر نصب الراية 2/ 443) (¬5) في جميع النسخ آية التثبت وهي قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}.

(نحن نحكم بالظاهر) (¬1). قلنا: ترك العمل (¬2) به في الحرية والإِسلام فكذا ههنا. ب، جـ- منع عدم علمهم بغير الإِسلام. د - أنَّه لما وجب التوقف عند الفسق وجب معرفته ليعرف وجوب التوقف. (تذنيب: في أحكام الجرح والتعديل) أ - الأظهر أنَّه يشترط العدد في الجارح والمزكي للشهادة دون الرواية، إذ شرط الشيء لا يزيد عليه، فالإحصان يثبت (¬3) بقول اثنين دون الزنا، وقال بعض المحدثين يشترط فيهما. وقال القاضي: لا يشترط فيهما وكذا القول في الحرية والذكورة. ب - قال الشافعي: يجب ذكر سبب الجرح لاختلاف المذاهب فيه دون التعديل وقيل بالعكس. إذ مطلق الجرح يبطل الثقة ومطلق التعديل لا يحصلها وقيل يجب (¬4) فيهما. وقال القاضي أبو بكر لا يجب فيهما، لأنه لا معنى لسؤال البصير بهذا الشأن وغير البصير لا يصلح للتزكية (¬5). والحق أنَّه لا يجب فيهما إن علم كونه (¬6) عالمًا بأسباب الجرح والتعديل، وإلا وجب فيهما. جـ-الجرح يقدم على التعديل، لاطلاع الجارح على زيادة لم ينفها المعدل، فلو نفاها بطلت عدالته إذ النفي لا يعلم. نعم: لو جرح بقتل مسلم فقال: رأيته حيًا تعارضا. ¬

_ (¬1) قال الشوكاني حديث نحن نحكم بالظاهر يحتج به أهل الأصول ولا أصل له. أقول ورد بمعناه أحاديث ذكرتها بإطناب في حاشية صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب. منها قوله عليه السلام لأسامة (أشققت عن قلبه) إنكارًا لاعتذاره عن قتل من قال لا إله إلَّا الله (الفوائد المجموعة ص 200). (¬2) في جميع النسخ ما عدا "هـ" (العلم) بدل (العمل). (¬3) سقط من "هـ" يثبت. (¬4) سقط من (ب، د) يجب فيهما وقال القاضي أبو بكر. (¬5) سقط من "أ" للتزكية. (¬6) كونه عالمًا موجود في هامش "هـ" فقط وهو ضروري لصحة العبارة.

وقيل: إذا زاد عدد (¬1) المعدل قُدَّم وهو ضعيف، إذ سبب تقديم الجرح لا ينتفي بكثرة العدد. د- الحكم بشهادته تعديل، واختلفوا في الرواية عنه، والحق أنها تعديل إن عرف من عادته أو صريح قوله: إنه لا يروى إلَّا عن عدل وإلا فلا، إذ كثير منهم يروي عمن لو سئل عنه لسكت، وليس يوجب العمل على غيره بل ينقل ويكل البحث عن العدالة إلى من يريد القبول. والعمل بالخبر تعديل والعمل على وفقه احتياطًا أو لأمرٍ آخر (¬2) لا. وترك الحكم بشهادته ليس بجرح، إذ يشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية. خاتمة: مهما علم أنَّه قرأه على شيخه أو حدثه به جاز له روايته والأخذ به تَذَكَّر ألفاظ (¬3) قراءته ووقته أو (¬4) لا. وإن لم يعلم ذلك ولا يظنه فلا. وإن ظنه بناء على خطه جاز عند الشافعي وأبي يوسف ومحمد خلافًا لأبي حنيفة لإجماع الصحابة إذ كانت تعتمد على كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإن لم تعلم رواية راوٍ لها، ولأن الظن حاصل فوجب العمل به. احتج بأنه لا يؤمن كذبه. وجوابه: أن الظن كافٍ. واعلم أن من الناس من اعتبر في قبول الرواية أمورًا لا تعتبر. أ - قال الجبائي لا يقبل خبر الواحد ما لم يعضده ظاهر أو عمل به بعض الصحابة أو اجتهاد أو انتشار، ويقبل خبر الإثنين وعن القاضي عبد الجبار أنَّه لا يقبل في الزنا إِلَّا خبر أربعة. لنا: إجماع الصحابة: عمل أبو بكر على خبر بلال (¬5)، وعمر ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" عدد. (¬2) سقط "لا" من "أ". (¬3) في "ب، د" (ألفاظه) بدل (ألفاظ قراءته). (¬4) سقط من "هـ" ووقته. (¬5) في "أ، ب" (رفاعة) بدل (بلال).

وعلي (¬1) على خبر حمل بن مالك (¬2) وخبر عبد الرحمن بن عوف (¬3). وعلي على خبر المقداد (¬4) والصحابة على خبر أبي سعيد في الربا؟ (¬5)، وعلى خبر رافع بن خديج في المخابرة (¬6)، وخبر عائشة في التقاء الختانين (¬7)، وكان علي يقبل خبر أبي بكر رضي الله عنهما. وتركوا اجتهادهم لهذه الأخبار، وأما ردهم خبر الواحد كما تقدم فمحمول على التهمة. ب- المعقول المتقدم. احتجوا (¬8) بوجوه: أ - رد عليه السلام خبر ذي اليدين (¬9) حتَّى شهد له أبو بكر وعمر. ب- القياس على الشهادة. ب- قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (¬10) ترك في الإِثنين لزيادة الظن. والجواب عن: أ - أنَّه كان في محفلٍ عظيم، فانفراده (¬11) أوجب تهمته. ب- الفرق (¬12) والنقض. ¬

_ (¬1) سقط من (جـ، هـ) على. (¬2) تقدم تخريجه في صفحة (2/ 121) من هذا الكتاب. (¬3) تقدم تخريجه في صفحة (1/ 391) من هذا الكتاب. (¬4) تقدم تخريجه في صفحة (2/ 122) من هذا الكتاب. (¬5) تقدم تخريجه في صفحة (2/ 122) من هذا الكتاب. (¬6) تقدم تخريجه في صفحة (2/ 123) من هذا الكتاب. (¬7) تقدم تخريجه في صفحة (1/ 438) من هذا الكتاب. (¬8) هذه حجة من قال بأن خبر الواحد لا يقبل إلَّا إذا عضده ظاهر أو عمل به. (¬9) تقدم تحقيق الخبر وترجمة ذي اليدين قبل ثلاث عشرة صفحة من هذا الكتاب. (¬10) [النجم: 28]. (¬11) في (ب، د) عدم اطراده. وفي "جـ" فعدم اشتهاره وفي الهامش فانفراده. (¬12) أما الفرق بين الشهادة والرواية أن الشهادة آكد. وأما النقض هو اعتبار الحرية وعدم القرابة والعداوة في الشهادة دون الرواية.

جـ- أنا لما علمنا أنَّه تعالى أمرنا بالتمسك بخبر الواحد، كان التمسك معلومًا. ب (¬1) - زعم (¬2) أكثر الحنفية أن راوي الأصل إذا لم يقبل الحديث قدح في رواية الفرع والمختار أن الفرع إن جزم بالرواية فإن جزم الأصل بعدمها لم يُقبل وإلَّا قُبل. وإن قال الفرع أظن الرواية فإن عارضه جزم الأصل أو ظنه بعدمها لم يقبل وإلا قبل. احتجوا: بما (¬3) مضى بجوابه. جـ- قال أبو حنيفة: لا تقبل رواية غير الفقيه فيما يخالف القياس. لنا: آية التبين (¬4): وقوله عليه السلام: "نضَّر الله امرءًا سمع مقالتي إلى قوله: فرب حامل فقهٍ ليس بفقيه" (¬5). والمعقول المتقدم. احتجوا (¬6) بوجوه: أ- ما مضى بجوابه (¬7). ب- الأصل صدق الخبر وعدم وروده على خلاف القياس، فإذا تعارضا تساقطا. جـ (¬8) - غير الفقيه لا يفرق بين لام الاستغراق والعهد. ¬

_ (¬1) هذا هو الأمر الثاني من الأمور التي لا تعتبر في قبول الرواية. (¬2) في "أ" (علم) بدل (زعم). (¬3) وذلك بأن الآيات الدالة على العمل بالظن موجودة، وما خرج من هذا العموم بعدم العمل في بعضها بالظن بقي الباقي على أصله وهو العمل بالظن، والجواب كما تقدم أننا لا نقول: إنه يجب أن يكون العمل بالمقطوع، بل يجوز أن يكون بالمظنون. (¬4) هي قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}. (¬5) رواه الترمذي وصححه. وقال ابن حجر رواه أحمد وأبو داود وابن حيان وابن أبي حاتم والخطيب وأبي نُعيم والطيالسي، وقال سنده حسن انظر فيض القدير 6/ 284، وانظر هامش صفحة (2/ 51) من هذا الكتاب. (¬6) في "جـ" احتج. (¬7) يقصد بما مضى وجوابه: هو أن الدليل يمنع العمل بالظن وعورض بما إذا كان الراوي فقيهًا. وأما إذا لم يكن فقيهًا يبقى على الأصل وهو عدم العمل بخبره. (¬8) في "ب" لا يوجد "جـ".

والجواب: أن في التعارض تسليم صحة الخبر، وذلك الفرق لا يتوقف على الفقه، بل على مجرد الفطنة (¬1) على أنَّه منقوضٌ بخبر التواتر. د- المتساهل في غير حديث الرسول المحتاط جدًا في حديثه تقبل روايته على الأظهر. هـ- تقبل رواية من لم يعلم معنى الخبر إذ الحجة في لفظه، ولا تعتبر الحرية والذكورة والبصر وفاقًا. ولا تقبل رواية من أكثر الرواية مع قلة مخالطة المحدثين إذا لم يمكن تحصيل ذلك القدر في ذلك الزمان، وتقبل رواية من لم يعرف نسبه ومن له إسمان بأحدهما أشهر، وإن تساويا وهو بأحدهما مجروح وبالآخر معدل فلا. ¬

_ (¬1) في "أ" (لفظه) بدل (الفطنة).

القسم الثاني في المخبر عنه

" القسم الثاني" في المخبر عنه وشرطه أن لا يعارضه قاطع عقلي، فإن وجد وأمكن تأويل خبر الواحد أُوَّل وإلَّا رُدَّ، ولا قاطع سمعي من كتاب وسنة متواترة وإجماع، فإن الثلاثة أقوى متنًا من خبر الواحد والأقوى راجح وفاقًا. وأمَّا تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد فقد تقدم. " خبر الواحد فيما يخالف القياس" وإن (¬1) عارضه قياس فإن ثبت أصله (¬2) به ترجح عليه، وإلا فإن علم حكم (¬3) أصل القياس وكونه معللًا بوصف ووجوده في الفرع ترجح القياس، وإن ظن الكل ترجح الخبر (¬4)، إذ الظن فيه أقل وإن علم البعض، ومنه ما يعلم الحكم ويظن الباقيان، فالشافعي يرجح الخبر، ومالك القياس وعيسى ابن أبان يرجح خبر الراوي العالم الضابط، وفي غيره يوجب الاجتهاد، وأبو ¬

_ (¬1) خلاصة كلام المصنف في كون الخبر معارضًا بالقياس. هو إما أن يكون أصل القياس قطعيًا ومعللًا بوصف معين وموجود في الفرع حينئذٍ يكون القياس راجحًا، وإن كان أصل القياس ظنيًا ومعللًا بعلة ظنية ومظنون وجودها في الفرع ترجح الخبر، لأن احتمال الخطأ أقل من القياس. وإن كان حكم أصل القياس قطعيًا، ولكن العلة ووجودها في الفرع مظنونين ففيه خلاف، رجح الشافعي الخبر، ورجح مالك القياس وابن أبان يرجح خبر العالم الضابط. (¬2) معناه فإن ثبث أصل القياس بخبر الواحد ترجح خبر الواحد على القياس. (¬3) سقط من "أ" حكم. (¬4) سقط من "جـ " سطر من الخبر ... الخبر.

الحسين البصري يوجب الاجتهاد مطلقًا في ترجيح إمارة القياس أو العدالة ومنهم من توقف فيه. لنا: ترك الصحابة الاجتهاد لخبر الواحد لما تقدم وأما قول ابن عباس ما نصنع بمهراسنا؟ لمَّا سمع عن أبي هريرة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استيقظ أحدكم من منامه" (¬1). فليس برَدٍ بل وصفٌ للعمل بموجبه بالمشقة لعظم المهراس، ولو سلمنا أنَّه ترك الخبر لكن إنما ترك، لأنه لا يمكن قلب المهراس وذلك ليس قياسًا مظنونًا، وليس (¬2) في الأصول ما يقتضي القياس عليه غسل اليد من إناء آخر، ليكون رد الخبر من أجله. ب- خبر معاذ (¬3). جـ- الظن في الخبر أقل إذ التمسك به يتوقف على ثبوته ودلالته ووجوب العمل به، والأول (¬4) ظني والباقيان علميان والتمسك بالقياس يتوقف على ثبوت حكم الأصل، وكونه معللًا بعلة وحصولها في الفرع وعدم المانع (¬5) منه عند من يجوِّز تخصيص العلة ووجوب العمل به. والأول والأخير علميان والبواقي ظنية. فإن قلت: قد تكون أمارة الظني في القياس أقوى من أمارة الظني في الخبر، بحيث تتعادل الكمية والكيفية، فوجب الترجيح بالاجتهاد. قلت الدليلان الأولان (¬6) منعا من هذا الممكن. أما إذا اقتضى القياس تخصيص الخبر خصص به، وإن اقتضى الخبر ¬

_ (¬1) رواه الستة ولفظ مسلم (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتَّى يغسلها ثلاثًا فإنه لا يدري أين باتت يده) نصب الراية 1/ 3. (¬2) في (ب، جـ) وليس في قياس. الأصول ما يقتضي غسل اليدين من إناء آخر. (¬3) إشارة لقوله عليه السلام لمعاذ: بماذا تحكم؟ قال بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فإن لم تجد؛ قال: أجتهد رأي ولا آلو، وجه الاستدلال تقديم السنة على الاجتهاد. (¬4) في "ب، د" والأولان ظنيان. (¬5) سقط من "ب" منه. وفي "هـ" (فيه) بدل (منه). (¬6) سقط من "هـ" الأولان.

تخصيص القياس، فإن لم يجز تخصيص العلة فهو كالتعارض وإلا فكالقسم الثاني. وأما إذا عمل عليه السلام بخلاف الخبر. فإن لم يوجد ما يدل على مساواة (¬1) حكمنا له فيه. أو وجد وأمكن تخصيص (¬2) أحدهما بالآخر فعل ولم يرد الخبر، وإلا فإن كان أحدهما متواترًا ترجح وإلَّا طلب ترجيح آخر. ولا يرد بعمل أكثر الأئمة بخلافه، إذ الحجة فعل كل الأمة والحفاظ إذا خالفوا الراوي في بعض ما روى قبل ما لم يخالفوه فيه وفاقًا. والأولى أن لا يقبل ما خالفوه فيه. إذ الظاهر أنهم حفظوا وسها إذ السهو على الواحد أجوز. ومهما تكاملت شروط صحة خبر الواحد، قال الشافعي لا يجب عرضه على الكتاب، إذ لا يتكامل شروطه إلَّا وهو غير مخالف للكتاب. وقال عيسى ابن أبان؛ يجب لقوله عليه السلام: "إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق فاقبلوه وإلا فردوه" (¬3) ثم إن علم أن خبر الواحد غير مقارن للكتاب لم يقبل، إذ لا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد، وإن (¬4) شك فيه قال القاضي عبد الجبار يقبل لرفع الصحابة بعض أحكام القرآن بأخبار الآحاد من غير سؤال عن المقارنة. وإذا خالف الراوي روايته. قال الكرخي: ظاهر الخبر أولى. وقال بعض الحنفية راوي العام إذا خصه رُجع إليه، لأنه أعرف بمقاصده عليه السلام لذلك حملوا خبر أبي هريرة في ولوغ الكلب (¬5) على الندب (¬6)، ولأنه كان يقتصر على الثلاث وقيل: إن كان اللفظ ظاهرًا فهو أولى من تأويل الراوي بخلافه، وإن حمل على أحد معني اللفظ رُجع إليه وهو ظاهر مذهب الشافعي، وقال القاضي عبد الجبار: إن علم أن الراوي علم قصد النبي عليه السلام صير إلى ما صار إليه، وإلَّا وجب النظر فإن اقتضى ما ذهب إليه صير ¬

_ (¬1) في "ب، د، جـ" (مساواتنا له) بدل (مساواة حكمنا له). (¬2) سقط من "ب" من أحدهما إلى أحدهما. (¬3) تقدم تخريج الحديث في صفحة (1/ 392) من هذا الكتاب. (¬4) في "أ" (ولو شك) بدل (وإن شك). (¬5) تقدم تخريجه في صفحة (1/ 280) من هذا الكتاب. (¬6) في (ب، د) (وعلى الثلاث) بدل (وعلى الندب).

حجية خبر الواحد فيما تعم به البلوى

إليه وإلا فلا. وإن بين المجمل كان بيانه أولى. حجة الشافعي: أن ظاهر اللفظ مقتضي والمخالفة لا تعارضه، لجواز أنها لما يظنه دليلًا، ودينه لا يمنعه من الخطأ سهوًا وغلطًا ولم يعلم أنَّه بحيث لا يعرض له ذلك الخطأ. ولو اقتضى خبر الواحد علمًا، وفي الأدلة القاطعة ما يدل عليه جاز لاحتمال أنَّه قال لآحاد الناس، واقتصر لغيرهم على الدليل الآخر. وإن لم يكن فيها ذلك رُدَّ إذ التكليف بالعلم مع أنَّه لا يفيده تكليف ما لا يطاق. " حجية خبر الواحد فيما تعم به البلوى" وإن اقتضى عملًا تعم به البلوى لم يُرد، خلافًا للحنفية. لنا: الآية (¬1) والمعقول المتقدمان. ورجوع الصحابة إلى خبر عائشة في التقاء الختانين. وقبلت الحنفية خبر الواحد في أحكام القيء والرعاف والقهقهة في الصلاة، ووجوب الوتر ونقل الوتر بالتواتر في غير نقل وجوبه به. احتجوا بوجهين: أ - إجماع الصحابة: رد أبو بكر خبر المغيرة في الجدة (¬2)، ورد عمر خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان (¬3). ب- لو صح لأشاعه عليه السلام وأوجب نقله بالتواتر، مخافة أن لا يصل إلى من كُلف به. والجواب عن: أ - أنَّه إنما ينفع (¬4) لو لم يقبلوا إلَّا خبر التواتر. ب- أن شرط التكليف بالعمل به بلوغه إليه، كما فيما لم يعم به البلوى. ¬

_ (¬1) إشارة إلى قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ}.وقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}. وأما المعقول هو أن الخبر يفيد الظن والعمل بالظن واجب. (¬2) تقدم تخريجه في صفحة (1/ 390) من هذا الكتاب. (¬3) تقدم تخريجه في صفحة (2/ 125) من هذا الكتاب. (¬4) في "أ" (ينتفع) بدل (ينفع).

القسم الثالث في الإخبار

" القسم الثالث" في الإِخبار " المسألة الأولى" في مراتب نقل الصحابي الخبر (¬1). أ- قوله سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كذا، أو أخبرني أو .. شافهني أو حدثني. ب- قوله: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وظاهره من الصحابي النقل عنه، وليس (¬2) نصًا فيه وليس بظاهر من غير الصحابي. جـ- قوله أمر الرسول بكذا أو نهى عن كذا، وفيه (¬3) الاحتمال الأول واحتمال اختلاف الناس في صيغ الأوامر والنواهي، فالأكثرون على أنَّه حجة إذ الظاهر أن الراوي لا يطلق هذا اللفظ إلَّا إذا تبين مراده عليه السلام، ويمكن أن يقال يكفي فيه الظن. فإن قلتَ: هذه الصيغة حجة فإطلاق الراوي إياها مع تجويز خلافة إيجاب ما يجوز أن لا يجب. قلتُ: هذا بناءٌ على كون هذه الصيغة حجة، وأنتم أثبتم (¬4) كونها حجة بهذا فيلزم الدور. وفي المسألة احتمال ثالث وهو أنَّه لم يذكر أنَّه ¬

_ (¬1) في "أ" (التواتر) بدل (الخبر). (¬2) في "أ" (يقينا) بدل (نصا). (¬3) سقط من "هـ" وفيه. (¬4) في "أ" (أبيتم) بدل (أثبتم).

أمر الكل أو البعض دائمًا أو غير دائم، فلا يتم الاستدلال به إلَّا مع قوله عليه السلام: "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" (¬1). د- قوله: أمرنا بكذا أو نهانا عن كذا وأوجب كذا وأباح كذا. قال الشافعي: تفيد أن الأمر هو الرسول خلافًا للكرخي. لنا: أنَّه يفهم من قول من التزم طاعة ملك. أمرنا بكذا أمر ذلك الملك وأيضًا غرض الصحابي تعليم الشرع فيحمل على من يصدر عنه الشرع، ولا يحمل على أمر الله تعالى، لأنه لا يستفاد من قوله (¬2) لظهوره، ولا على أمر الأمة فإنه منهم فلا يأمر نفسه. هـ- قوله من السنة كذا يفهم منه سنة الرسول للوجهين. وقوله عليه السلام: "من سن سنة حسنة" (¬3). واشتقاق السنة من الاستنان لا ينفيه (¬4)، لأنه بحسب اللغة وما ذكرناه بحسب عرف الشرع. و- قوله: عن النبي عليه السلام. قيل يحتمل أنَّه أخبره غيره. وقيل: الأظهر سماعه منه عليه السلام. ز- قوله: كنا نفعل كذا، فالظاهر أنَّه يعلمنا الشرع، وذلك يفيد أنهم كانوا (¬5) يفعلونه مع علمه عليه السلام به وعدم إنكاره عليهم. ح (¬6) - إذا قال قولًا لا مجال فيه للاجتهاد فالظاهر أنَّه قاله عن طريق، وإذ ليس للاجتهاد فهو السماع عنه عليه السلام. ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه في صفحة (1/ 363) من هذا الكتاب. (¬2) في "ب" قول الصحابي. (¬3) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي وأخرجه الترمذي وغيره (فتح الباري 13/ 302). (¬4) في (أ، ب) (لا يمنعه) بدل (لا ينفيه). (¬5) سقط من (أ، هـ) كانوا. (¬6) لا يوجد في جميع النسخ "ح" وأثبتناها لجعل ما بعدها قسمًا منفصلًا.

المسألة الثانية

" المسألة الثانية" في مراتب نقل غير (¬1) الصحابي أ - قوله أخبرني أو حدثني أو سمعتُ فلانًا، فالسامع يلزمه العمل به وله أن يقول حدثني وأخبرني إن قصد الراوي إسماعه أو إسماع جمع هو منهم، وإلا لم يقل إلا سمعته يحدث عن فلان. ب - قوله للراوي: هل سمعت هذا الحديث؟ فيقول نعم. (أو يُقرأ عليه كتاب) فيقول: الأمر كما قرئ عليَّ فيلزم السامع العمل به، وله أن يقول أخبرني وحدثني وسمعت. جـ- أن يكتب إلى غيره سمعت كذا من فلان، فللمكتوب إليه العمل به إذا ظن أنَّه كتابه. ثم لا يقول حدثني أو سمعت بل يقول أخبرني. د- قوله له: هل سمعتَ هذا (¬2)؟ فيشير برأسه أو أصبعه فيجب عليه العمل ولا يقول حدثني أو أخبرني أو سمعت. هـ- قوله له: حدثك فلان فلم ينكر ولم يقر بإشارة وعبارة، فإن غلب على ظنه أنَّه إنما سكت، لأن الأمر كما قرئ عليه لزمه العمل. وجوز الرواية عامة الفقهاء والمحدثين وأنكره المتكلمون، قال بعض المحدثين لا يقول إلَّا أخبرني قراءة عليه وكذا الخلاف لو قرأه عليه وقال: أرويه عنك؟ فيقول: "نعم". حجة الفقهاء: إن الإخبار ما يفيد الخبر والعلم وهذا كذلك أو يقول هذا يشبه الإخبار في إفادة العلم. فلما استقر عرف المحدثين عليه صار منقولًا أو مجازًا راجحًا، فجاز استعمال لفظ الإِخبار فيه. حجة المتكلمين: أنَّه لم يسمع شيئًا فقوله: حدثني أو أخبرني أو سمعت كذب. وجوابها: لا نسلم أنَّه كذب بعد النقل العرفي. و- المناولة: وهي قول الشيخ سمعت ما في هذا الكتاب وهو يعلم ما فيه فهو محدث له به، ولو قال: حدث عني ما في هذا الجزء ولم يقل ¬

_ (¬1) في جميع النسخ ما عدا " هـ " النقل عن الصحابي وعبارة "هـ " أولى. (¬2) سقط من "ب" هذا.

المسألة الثالثة

سمعت لمِ يكن محدثًا له. وإذا سمع الشيخ كتابًا مشهورًا ليس له أن يقول مشيرًا إلى نسخة أخرى منه سمعت هذا ما لم يعلم اتفاقهما. ز- الإِجازة: وهي قول الشيخ أجزت لك أن تروي عني ما صح عني من الأحاديث، وهي في العرف كقوله: اروعني ما صحَّ عندك أني (¬1) سمعته. " المسألة الثالثة" قال الشافعي: المرسل (¬2) لا يقبل خلافًا لأبي حنيفة ومالك وجمهور المعتزلة. لنا: أن عدالة الأصل لم تعلم (¬3) إذ العدل قد يروي عمن لو سئل عنه لجرحه أو سكت عنه، وعمن لو ذكره لجرحناه. وقبول الرواية يوجب شرعًا عامًا في حق المكلفين (¬4) من غير رضاهم، وأنه ضرر ترك العمل به حيث علمت عدالته لزيادة الظن. فإن قيل (¬5) روايته عن العدل أرجح إذ عدالته تمنع من قوله: (قال رسول الله ما لم يعلم أو يظن أنَّه قوله، ولا ذلك إلا بعلمه أو ظنه عدالة الأصل، ولأنها تمنعه من إيجاب شيء على غيره (¬6) ما لم يعلم أنَّه عليه السلام أوجبه أو يظن) (¬7). ¬

_ (¬1) سقط من "ب" سمعته. وفي "أ" (أي) بدل (أني). (¬2) لم يفسر القاضي الأرموي المرسل تبعًا للإمام الرازي -رحمهما الله تعالى- فالإرسال لغة: الإطلاق واصطلاحًا عند المحدثين (ترك التابعي الواسطة بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -). وعند الأصوليين: قول العدل الَّذي لم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) في "ب" (عدالته) بدل (عدالة الأصل). (¬4) في "أ" (المكلف) بدل (المكلفين). (¬5) سقط من "د" قيل. (¬6) في "أ" (إلى) بدل (على). (¬7) سقط من "أ، هـ " أو يظن.

ثم أنَّه معارض بآيتي التبين والإِنذار وبالإِجماع، قال البراء بن عازب (¬1): (ليس كل ما حدثناكم به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعناه منه غير (¬2) أنا لا نكذب). وروى أبو هريرة عنه عليه السلام أنَّه قال: (من أصبح جنبًا فلا صوم (¬3) له). ثم ذكر أنَّه أخبره به الفضل بن عباس (¬4) وروى ابن عباس قوله عليه السلام: "لا ربا إِلَّا في النسيئة" (¬5) ثم أسنده إلى أسامة وروى عنه عليه السلام: "ما زال يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة" (¬6). ثم أسنده إلى الفضل بن عباس وبأنه لو لم يقبل لما قبل ما جاز كونه مرسلًا كقوله عن فلان. والجواب (¬7) عن: أ - أن قوله: قال رسول الله ظاهره الجزم بأنه قوله عليه السلام وأنه غير مراد، لجواز نقيضه وليس حمله على قوله. أظن أنَّه قال عليه السلام أولى من حمله على قوله: سمعت أنَّه قال عليه السلام: وقوله لا يوجب على غيره شيئًا ما لم يظن وجوبه إنما يصح لو ثبتت عدالة الراوي، وإثبات عدالته به دور، على أنهما ينتقضان بعدم قبول شهادة الفرع، إذا ¬

_ (¬1) هو البراء بن عازب بن الحارث الأوسي، يكنى أبا عمارة رده الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر وحضر أحدًا. غزا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أربعَ عشرة غزوة وهو الَّذي افتتح الري صلحًا سنة 24 هـ، وكان مع علي في صفين مات في الكوفة في زمن مصعب بن الزبير (انظر أسد الغابة 1/ 170). (¬2) في جميع النسخ ما عدا "هـ" (وأنا) بدل (غير أنا) وكله جائز. (¬3) رواه البخاري ومسلم وقد رجع أبو هريرة عن ذلك لما بلغه حديث عائشة وأم سلمة. انظر فتح الباري 4/ 143. (¬4) هو الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان (أكبر إخوته وكان يكنى أبوه به). أمه لبابة بنت الحرث الهلاليَّة، كنيته أبو العباس وأبو عبد الله وقيل أبو محمد، كان رديف رسول الله في حجة الوداع، زوجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمهر عنه. غزا مع الرسول في فتح مكة وثبت يوم حنين. مات في طاعون عمواس وقيل في اليرموك وقيل في اليمامة (الإصابة 5/ 212، الاستيعاب 1269). (¬5) متفق عليه عن أسامة بلفظ (الربا في النسيئة وفي رواية لا ربا فيما كان يدًا بيد) مشكاة المصابيح 2/ 90. (¬6) رواه الستة عن الفضل بن العباس بلفظ لم يزل يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة، وزاد ابن ماجة: فلما رماها قطع التلبية (فتح الباري 3/ 532). (¬7) هذه الأجوبة عن قوله فإن قيل روايته عن العدل أرجح ولم ترد مرقمة.

لم يذكر الأصل. والشهادة وإن أوجبت تهمةً لكونها على معين. فالرواية توجب شرعًا عامًا، فالاحتياط فيها أولى وليس (¬1) تضمين الأصل بالرجوع لازمًا في كل صورةٍ ليجب تعينه لأجله. وعن الآيتين: أن الرواية مخصوصة عنهما كالشهادة بجامع الاحتياط. وعن الإجماع: أن المسألة اجتهادية. ثم أنهم إنما قبلوا بعد ذكر الإِسناد على أَن من أطال صحبة شخصٍ إذا قال عن فلان فهم منه سماعه عنه وهو الجواب عن الأخير. " فروع" الأول: قال الشافعي: لا أقبل المرسل إِلَّا إذا أسنده المرسِل أو غيره، وهذا إذا لم تقم الحجة بإسناده. أو أرسله راوٍ آخر يعلم أن رجال أحدهما غير رجال الآخر. أو عضده قول صحابي أو فتوى أكثر أهل العلم أو يعلم أنَّه لو نص لنص على من يقبل خبره. قال: وأقبل مراسيل سعيد بن المسيب (¬2) لأني اعتبرتها، فوجدتها بهذه الشرائط والغرض من هذا كله تقوية المرسل، ليقوى الظن فيجب العمل به دفعًا للضرر المظنون لقوله عليه السلام: "اقض بالظاهر" (¬3). الثاني: إِذا أسند الحديث قبل وإن أرسله غيره، إذ المرسِل ربما سمع مرسلًا أو مسندًا لكن نسي شيخه وكذا لو أرسله المسند. الثالث: إذا ألحق الحديث بالنبي عليه السلام، ووقفه غيره على الصحابي ¬

_ (¬1) سقط من "أ" سطران. من (وليس إلى كالشهادة). (¬2) هو سعيد بن المسيب المخزومي ولد سنة 15 هـ، تابعي من فقراء المدينة المعدودين. ضربه والي المدينة في عهد عبد الملك بن مروان خمسين جلدة وطاف به في الأسواق، لعدم إعطائه البيعة والمسيِّب باسم الفاعل بناء على رغبته، وتوفي سنة 94 هـ (ابن خلكان 1/ 258، إعجام الأعلام 12). (¬3) في "ب" (تقضى) بدل (اقضى) وتقدم تخريج الحديث في صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب وصفحة (2/ 120).

المسألة الرابعة

غير متصل، لجواز أن الصحابي روى عن النبي عليه السلام مرةً وذكر عن نفسه أخرى أو اعتقد الواقف أنَّه يذكر عن نفسه وهو يروي. وكذا لو وقفه الملحق إِلَّا إذا أرسل أو وقف زمانًا طويلًا، ثم أسند أو وصل (¬1) بعد ذلك إذ يبعد (¬2) أن ينسى ذلك الزمان الطويل، إِلَّا أن يكون له كتاب يرجع إليه فيذكر ما نسيه الزمان الطويل. الرابع: من يرسل الأخبار إذا أسند خبرًا قبله كثير ممن لم يقبل المرسل. ورد الباقون لأن إرساله دليل ضعف الراوي فستره له خيانة. الخامس: من يقبل حديث المرسل إذا أسند كيف يقبل؟ قال الشافعي: إنما يقبل ما قال فيه حدثني أو سمعت ولا يقبل ما فيه لفظ موهم. وقيل: إنما يقبل إذا قال: سمعت. وهؤلاء يجعلون حدثني للمشافهة، وأخبرني مترددًا بينهما وبين الإِجازة والكتابة. " المسألة الرابعة" إذا روى عن رجل يعرف باسم وذكره باسم لا يعرف به. فإن (¬3) فعل لأن المروي عنه ليس بأهل، فقد غشَّ فلا يقبل حديثه، وإن لم يذكر اسمه لصغر سنه فمن يكتفي بظاهر الإِسلام أو يقبل المرسل ينبغي أن يقبله ومن لا فلا. " المسألة الخامسة" يجوز نقل الخبر بالمعنى، وهو مذهب الحسن البصري وأبي حنيفة والشافعي (¬4)، خلافًا لابن سيرين وبعض المحدثين، وشرطه مساواة الترجمة للأصل في إفادة المعنى، وفي الجلاء إذ الخطاب يقع بالمتشابه وبالمحكم. ¬

_ (¬1) سقط من" ب " (بعد ذلك إذ يبعد أن ينسى ذلك الزمان الطويل). (¬2) في "د" (إذ لا يبعد). (¬3) في "د" (ما كان) بدل (فإن فعل). (¬4) في جميع النسخ ما عدا "أ" (خلافًا للشافعي) وبعد الرجوع إلى المستصفى 194 وجدته نقل=

لنا وجوه (¬1): أ - نقل الصحابة القصة الواحدة المذكورة في مجلس واحدٍ بألفاظ مختلفة. ب- القياس على شرح الشرع للعجم بلسانهم. وبل أولى لقلة التفاوت بين عربيين. جـ- قوله عليه السلام: "إن أصبتم المعنى فلا بأس " (¬2). د- كان ابن مسعود إذا حدَّث يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا أو نحوه. هـ- أنا نعلم بالضرورة أن الصحابة ما كانوا يكتبون الأحاديث ولا يروونها (¬3) إلَّا بعد الأعصار، ولا ذلك إلَّا بالمعنى. احتجوا بوجوه: أ - قوله عليه السلام: "رحم الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها كما سمعها" (¬4). ب- المتأخر قد يتنبه لفوائد الحديث ما لم يتنبه له المتقدم فلو جوَّز النقل بالمعنى ربما أدى إلى تفاوت عظيم. جـ- لو جاز ذلك لجاز للراوي الثاني والثالث تبديله بلفظه، فيفضي إلى أن لا يبقى بين اللفظ الأول والأخير مناسبة (¬5). ¬

_ = عن الشافعي جواز الرواية بالمعنى، وقال التستري صاحب حل عقد التحصيل أنَّه وقع في النسخة خلافا للشافعي، وهذا خلاف المشهور عنه والمنقول في الكتب. ثم رجعت إلى نهاية السول فوجدت الأسنوي قد خطأ صاحب التحصيل في نقله 2/ 269، ثم رجعت للمحصول فوجدت أن الخطأ من صاحب التحصيل فقط. (¬1) سقط من (ب، هـ) وجوه. (¬2) رواه الطبراني في الكبير عن يعقوب بن عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي عن أبيه عن جده، فقال أَتَيْنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا له: بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله إنا نسمع منك الحديث فلا نقدر أن نؤديه كما سمعنا. قال: "إذا لم تحلوا حراما أو لم تحرموا حلالًا وأصبتم المعنى فلا بأس". مجمع الزوائد 1/ 154. (¬3) في "هـ" (يذكرونها) بدل (يروونها). (¬4) تقدم تخريجه في صفحة (2/ 138) من هذا الكتاب. (¬5) في "ب، د" والباقي نوع مناسبة.

المسألة السادسة

والجواب عن: أ - أن من أدى تمام المعنى فقد أدى كما سمع. يقال: أدى كما سمع للشاهد وللمترجم وإن اختلف اللفظ وعن الباقي ما تقدم (¬1). " المسألة السادسة" زيادة إحدى (¬2) الروايتين مقبولة إن اختلف المجلس لاحتمال ذكرها في مجلس دون آخر. وإلَّا (¬3) فإن كان السكوت من عدد (¬4) لا يجوز ذهولهم عما يضبطه الواحد لم يقبل، وحمل على أن الراوي سمعها من غير النبي - صلى الله عليه وسلم - فظن سماعها منه. وإن جاز فإن لم تُغيِّر الزيادة إعراب الباقي قبلت خلافًا لبعض المحدثين، لأن احتمال ذهول الإنسان عما سمعه غيره أرجح من احتمال توهمه سماع ما لم يسمعه. نعم: لو كان الساكت أضبط أو صرحٍ بنفي الزيادة بأن قال وقف عليه السلام على قوله كذا، ولم يذكر بعده كلامًا مع انتظاري له لم تقبل للتعارض. وإن غَيَّرت إعراب الباقي لم تقبل للتعارض، إذ أحد الإعرابين ينافيٍ الآخر، وقال أبو عبد الله البصري: تقبل وأما إذا روى الواحد مرةً بالزيادة ومرةً بدونها فإن اختلف المجلس قُبلت، وإن اتحد (¬5)، فإن غيَّرت إعراب الباقي تعارضا. وإن لم تغيره فإن كانت مرات روايته للزيادة أقل لم تقبل، لأن حمل الأقل على السهو أولى، إلَّا أن يقول: سهوت في تلك المرات وذكرت في هذه، وإن لم تكن أقل قبلت، إذ حمل السهو على نسيان ما يسمع أولى من حمله على توهم سماع ما لم يسمع. ¬

_ (¬1) يعني بذلك ما تقدم من اشتراط وجوب المطابقة والمساواة، إذ لا يضر المتأخر في الاستخراج ولا يفضي إلى الطمس. (¬2) في "أ" أحد الراوين. (¬3) سقط من "هـ" وإلَّا. (¬4) في "أ، جـ" (عددًا) بدل (من عدد). (¬5) في "هـ" (وإلَّا) بدل (وإن اتحد).

الكلام في القياس

الكَلامُ في القِيَاس وفيه فصول " الفصل الأول" في ماهيته وما يتعلق بها

المسألة الأولى

" المسألة الأولى" (¬1) ذكر القاضي في حده واختاره المحققون. "أنَّه حمل معلوم على معلوم في إثبات حكمٍ لهما أو نفيه عنهما بجامع حكمٍ أو صفةٍ أو نفيهما" (¬2). فالمعلوم (¬3) يتناول الموجود والمعدوم دون الشيء عندنا، والفرع يوهم اختصاص (¬4) ذلك بالموجود. والمعلوم الثاني لا بد منه، إذ القياس نسبة تستدعي منتسبين، ولأن إثبات الحكم بدون الأصل تحكم. والاعتراض (¬5): أ (¬6) - إن أردت بالحمل إثبات الحكم فقولك في إثبات حكمٍ تكرار، وإن ¬

_ (¬1) لم يتعرض المصنف لمعنى القياس في اللغة وكيف أخذه الأصوليون للتعبير به عن مرادهم، فنقول: القياس في اللغة التقدير. والتقدير يستدعي التسوية، لأن التقدير يستلزم شيئين ينسب أحدهما للآخر بالمساواة، وبالنظر لاستدعائه المساواة عبَّر الأصوليون عن مطلوبهم بالقياس. وفي الأصل يتعدى بالباء. فنقول فلان لا يقاس بفلان. وفي الشرع يتعدى بعلى ليدل على البناء (نهاية السول 3/ 3). (¬2) ما نقله الرازي عن الباقلاني في حد القياس (حمل معلومٍ على معلومٍ في إثبات حكمٍ لهما أو نفيه عنهما، بأمر جامعٍ بينهما من حكم أو صفةٍ أو نفيهما). (¬3) سقط من جميع النسخ ما عدا "هـ " الموجود. (¬4) وفي "هـ" زيادة عن جميع النسخ (اختصاص ذلك). (¬5) أورد الأرموي جميع الاعتراضات التي أوردها الرازي على تعريف الباقلاني ما عدا الخامس، وهو أن كلمة "أو" للإبهام وماهية كل شيء معينة، والإبهام ينافي التعيين، وقد أجاب الرازي عن جميع هذه الاعتراضات. (¬6) سقط "أ" من جميع النسخ ما عدا "هـ".

أردت غيره فبين كيف، وذلك الغير يكون خارجًا عن القياس، لأنه يتم بإثبات مثل حكم معلوم لآخر بجامع. ب- قوله: في إثبات حكمٍ لهما يشعر بإثبات حكم الأصل بالقياس. جـ- الصفة تثبت أيضًا بالقياس كقولنا: الله عالم فله علم كما في الشاهد، فإن أُدرجت (¬1) الصفة في الحكم، تكرر قوله بجامع حكمٍ أو صفةٍ وإلَّا نقص التعريف. د- المعتبر في القياس الجامع دون أقسامه، ولو وجب ذكر أقسامه لوجب ذكر أقسام الحكم. هـ- القياس الفاسد خارج عنه، لأن الجامع متى حصل صح القياس. وقال أبو الحسين (¬2) البصري: (هو تحصيل مثل حكم الأصل في الفرع، لاشتباههما في علة الحكم فيِ ظن المجتهد). وهو قريب. وأقرب منه: (إثبات مثل حكمِ (¬3) معلوم لأخر، لاشتباههما في علة الحكم عند المثبت)، ونعني بالإثبات ما يتناول العلم والظن والاعتقاد، وبالمعلوم متعلق الثلاثة، والمثل تصوره بديهي إذ كل أحدٍ يعلم بالضرورة أن الحار مثل الحار. وقولنا: عند المثبت يتناول القياس الفاسد ولا يخرج عن هذا قياس العكس، كقولنا: لو لم يكن الصوم شرطًا لصحة الاعتكاف، لم يصر شرطًا له بالنذر كالصلاة. إذ المثبت بالقياس الملازمة، ولا ينتقص بالتلازم والمقدمتين والنتيجة، إذ نمنع كونهما قياسًا، ولا يكفي تسوية النتيجة للمقدمتين في المعلومية (¬4) لتسميتهما (¬5) قياسًا، وإلَّا لكان إثبات الحكم ¬

_ (¬1) في "أ، هـ " (اندرجت) بدل (أدرجت). (¬2) قد تصرف الأرموي في نقل تعريف أبي الحسين، ولفظه: (تحصيل حكم الأصل في الفرع، لاشتباههما في علة الحكم عند المجتهد) حيث أنَّه أضاف كلمة مثل. وأبدل عند المجتهد بقوله في ظن المجتهد. (¬3) حكم: ليست منونة فهي مضافة إلى معلوم. (¬4) سقط من "ب" في المعلومية. (¬5) في "أ، هـ" لتسميته بدل لتسميتهما.

المسألة الثانية

بالنص قياسًا، فإن رمنا تعريف القياس بما يندرج في هذه الصورة. قلنا: (هو قول مؤلف من أقوال متى سُلِّمَتْ لزم عنها لذاتها قول آخر) (¬1). " المسألة الثَّانية" قال الفقهاء: الأصل في قياس الذرة على البر هو البر، وهو ضعيف، لأنه لا يتفرع حكم الذرة عليه ما لم يثبت الحكم فيه. وقال المتكلمون: هو النص الدال على الحكم وهو ضعيف. لأنه (¬2) لو علم الحكم في البر بالعقل مثلًا أمكن تفريع حكم الذرة عليه، ولو لم يدل النص على الحكم في صورةٍ خاصة لم يمكن تفريعه عليه قياسًا، بل الأصل الحكم أو علته، فنقول: الحكم أصل في محل الوفاق والعلة (¬3) فرع, لأنا إنما نعلل الحكم بعد معرفته، وفي محل الخلاف بالعكس, لأنا نعرف العلة فيه ثم يفرع الحكم عليها، وإنما سمى الفقهاء محل الحكم أصلًا, لأنه (¬4) أصله. وأصل الأصل أصل وكذا تسمية المتكلمين النص أصلًا. ثم تسمية العلة في محل الخلاف أصلًا أولى من تسمية محل الحكم في محل الوفاق أصلًا, لأن العلة مؤثرة دون المحل. والفرع عندنا: الحكم المطلوب بالقياس، وعند الفقهاء: محله ثم تسمية محل الوفاق بالأصل أولى من تسمية محل الخلاف بالفرع, لأنه أصل الأصل، وهذا أصل الفرع، ولنساعد الفقهاء في تسمية محل الوفاق بالأصل ومحل الخلاف بالفرع. ¬

_ (¬1) الأسنوي لم يحاول إدخال قياس العكس بتعريف آخر. بل قال: إن التماثل في قياس العكس حاصل على التقدير، ثم قال: وإن اعتمد الخصم في إيراده الاعتراض على التلازم، فقال: لا نسلم أنَّه خارج عن حد القياس لكن لا يضرنا ذلك, لأنه ليس بقياس عند الأصوليين، والذي يسمونه قياسًا هم المناطقة، وقياس الأصوليين هو قياس العلة والمنطقيون يسمونه تمثيلًا (نهاية السول 3/ 8). (¬2) سقط من "أ، جـ" لو. (¬3) في "أ" (العلم) بدل (العلة). (¬4) في "ب" (لا) بدل (لأنه).

المسألة الثالثة

" المسألة الثالثة" إذا علم علية الوصف (¬1) في الأصل وحصوله في الفرع فهو حجةٌ وفاقًا. وإن ظُنا أو أحدهما فهو حجة في الأمور الدنيويَّة وفاقًا. وفي الشرعية خلاف ونعني بكونه حجةً، وجوب العمل به والفتوى لغيره. والجمع بين الأصل والفرع بإلغاء الفارق يسميه الغزالي -رحمه الله- تنقيح المناط وباستخراج الجامع تخريج المناط (¬2). ¬

_ (¬1) في "ب" (المناسب) بدل (الوصف). (¬2) عبارة الأرموي المنقولة عن الغزالي -رحمهما الله- فيها غموض وتوضيحها: أن الجمع بين الأصل والفرع إما أن يكون بإلغاء الفارق، وهذا يسميه الغزالي (تنقيح المناط)، أو باستخراج الجامع ويسميه الغزالي تخريج المناط وهو بيان أن الحكم في الأصل معلل بكذا. وأما بيان وجود تلك العلة في الفرع ويسميه الغزالي تحقيق المناط.

الفصل الثاني في إثبات كونه حجة في الشرعيات

" الفصل الثاني" "في إثبات كونه حجة في الشرعيات" قيل: العقل يقتضي جواز التعبد به. وقيل: بل المنع منه. ومن الأولين من قال (¬1): وقع ذلك متفقين على أن السمع دل عليه. ثم قال القفال وأبو الحسين البَصْرِيّ: دل العقل عليه أَيضًا، وأنكره الباقون منا ومن المعتزلة، ثم زعم أبو الحسين: أن دلالة السمع عليه ظنية، والباقون أنها قطعية. ثم قال القاشاني (¬2) والنهرواني (¬3): لا يعمل (¬4) إلَّا بقياس هو كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفف، أو نص على علته تصريحًا، أو لإيماء (¬5)، ومنهم من قال: لم يقع لأنه ليس في السمع ما يدل عليه (¬6). وقيل: بل لأن الكتاب والسنة والإجماع دلت على عدمه. ¬

_ (¬1) سقط من "ب" قال. (¬2) القاشاني: نسبة إلى قاشان، ولعله أبو بكر محمَّد بن إسحاق، كان ظاهريًا ثم صار شافعيًا، له كتاب الرد على داود الظاهري في إبطال القياس، وكتاب إثبات القياس، وأصول الفتيا. ترجم له الفهرست 314، تبصير المنتبه 1146. معجم المؤلفين 9/ 41، هداية العارفين 2/ 20، اللباب 1/ 235. (¬3) النهرواني: هو المعافى بن زكريا النهرواني، ولد سنة 305 هـ، وتوفي سنة 390 هـ، كان معاصرًا لابن النديم صاحب الفهرست، تفقه على مذهب ابن جرير الطبري. له في الأصول كتاب التحرير والمنقر وله ردود على أبي داود الظاهري والكرخي. له ترجمة في (شذرات الذهب) 2/ 134، الفهرست 328، معجم البلدان 8/ 355، النجوم الزاهرة 4/ 201، الفتح المبين 1/ 211. (¬4) سقط من "ب" لا يعمل. (¬5) سقط من "هـ" أو لإيماء. (¬6) سقط من "هـ" عليه.

ومن الآخرين من قال (¬1) خص المنع بشرعنا, لأن مبناه على الجمع بين المختلفات (¬2)، والفرق بين المتماثلات وهو قول النظَّام. ومنهم من عم المنع زاعمًا أنَّه لا يفيد علمًا ولا ظنًا. وقيل يفيد الظن، لكنه لا يجوز العمل به لأنه قد يخطئ. وقيل (¬3) يجوز العمل بالظن، لكن حيث يتعذر النص كالقيم والأروش (¬4) والفتوى والشهادات إذ لا نهاية لها, ولا يتعذر النص على هذه الأحكام، فالاكتفاء بالقياس اقتصار على الأدنى مع القدرة على الأعلى. والمختار وهو قول جمهور علماء الصَّحَابَة والتابعين أنَّه حجة. لنا وجوه: الأول. قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} (¬5) والاعتبار من العبور، يقال عَبَرتُ عليه وعَبَرَ النهر والمعبر لما يعبر عليه، والمعبر ما يعبر فيه (¬6)، والعَبْرة: الدمعة، وعبَّر الرؤيا: أي جاوز عنها إلى ما يلازمها. والقياس عبور من حكم الأصل إلى حكم الفرع. فإن قيل: الاعتبار: الاتعاظ إذ لا يقال لمن استعمل القياس العقلي (¬7) معتبر، ويقال لمن استعمل القياس الشرعي ولم يتفكر في أمر معاده أنَّه غير معتبر. وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} (¬8) وقال تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} (¬9). ويقال: (السعيد من اعتبر بغيره). والترجيح معنا لأنه أسبق (¬10) إلى ¬

_ (¬1) سقط من "د" قال. (¬2) في "أ" بين المختلفين. (¬3) هذا القول نسبه الرَّازيّ لأهل الظاهر انظر المحصول 2/ 2/ 34. (¬4) المراد بالقيم والأروش. قيم المتلفات وأروش الجنايات. (¬5) [الحشر: 2]. (¬6) سقط من "هـ" (المعبر لما يعبر عليه). (¬7) سقط من "ب, هـ" العقلي. (¬8) [آل عمران: 13]. (¬9) [النحل: 66]. (¬10) في "ب" (اشتق) بدل (أسبق).

الفهم، ثم وجد ما يمنع من العمل على الحقيقة لركاكة قوله: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا} (¬1) فقيسوا الذرة على البر. ثم المجاوزة مشتركة بين القياس الشرعي والدليل العقلي والنص والبراءة الأصلية، والدال على العام لا يدل على الخاص لا بلفظه (¬2) ولا بمعناه. فإن قلتَ: لا بد له من نوع وليس البعض أولى فيجب الكل. قلتُ: ليس المأمور به هو القياس الشرعي فقط للركاكة المذكورة، بل يجب اعتبار (¬3) آخر وهو الاتعاظ مثلًا (¬4)، وفي إيجابه إعمال اللفظ فلا حاجة إلى غيره. ثم هنا اعتبار واجب وهو قياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف، وما نص على علة الحكم فيه والأقيسة العقلية. وفي الأمور الدنيوية وتشبيه الفرع بالأصل في أنَّه لا يستفاد حكمه إلَّا من النص والاتعاظ بالقصص والأمثال، ثم الحمل على العموم يقتضي الأمر بالتسوية بين الأصل والفرع في الحكم. وفي أن لا يستفاد حكمه إلا (¬5) من النص، وليس إخراج أحدهما أولى، بل إبقاء ما ذكرنا أولى (¬6) عملًا بالاحتياط واحترازًا من الظن. ثم أنَّه مخصوص إذ لا يجب القياس عند تعادل الإِمارات وتعارض الأقيسة، وفيما لا دليل عليه كمقادير الثواب وأجزاء الأرض، وما عرف مرة بالقياس أو النص وفيما لو قال: أعتق غانمًا لسواده، والعام المخصوص ليس بحجة، ثم أنَّه حجة ظنية لأنه تمسك بالاشتقاق، والمسألة يقينية، ثم أنَّه أمر فلا يفيد التكرار وهو خطاب مشافهة فاختص بالحاضرين. ¬

_ (¬1) [الحشر: 2]. (¬2) سقط من "ب" لا. (¬3) في "هـ" (أمر ما) بدل (آخر). (¬4) سقط من"هـ" مثلًا. (¬5) سقط من "أ" إلَّا. (¬6) سقط من "أ" أولى.

والجواب عن: أ (¬1) - إن جعله حقيقةً في المجاوزة أولى إذ يقال: اعتبر فاتعظ، وتعليل الشيء بنفسه لا يجوز ولأنها حاصلة في الاتعاظ وغيره، فجعله حقيقةً فيها (¬2) يدفع الاشتراك والمجاز. قوله: لا يقال لمن استعمل القياس العقلي أنَّه معتبر ممنوع. إذ يقال: فلان يعتبر الأشياء العقلية بغيرها. نعم من قاس مرة لا يقال له: إنه معتبر مطلقًا، كما لا يقال له: قائس مطلقًا إذ لا يستعملان مطلقًا إلَّا في المستكثر. وقوله: يقال لمن لم يتفكر أنَّه غير معتبر. قلنا: نعم لكن مجازًا لما أنَّه لم يأت بالمقصود الأعظم، فالآيتان محمولتان على المجاوزة. ب- منع المانع والركة المذكورة إنما جاءت لأنه لا مناسبة بين خصوص الصورة والمذكور قبل. فإن من سئل عن مسألة فأجاب بما يتناول تلك وغيرها كان حسنًا. جـ- أنَّه عام لصحة الاستثناء وترتيب الحكم على المسمى. ولقائل أن يقول (¬3): الثاني إثبات القياس بالقياس. د- أن التسوية في الحكم أسبق إلى الفهم، إذ يفهم من قول السيد- إذا ضرب عبدًا على ذنب- لغيره اعتبر به. الأمر بالتسوية في الحكم فهو ¬

_ (¬1) لم يتقدم ترقيم للاعتراضات الواردة على دليل من يريد إثبات حجية القياس، بل هي مبدوءة بقوله: (فإن قيل) الاعتبار: الاتعاظ. قبل صفحتين وهذه الأجوبة: أجوبة لما ورد بعدها من اعتراضات. (¬2) سقط من "هـ" فيها. (¬3) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي -رحمه الله- على جواب الإِمام الرَّازيّ -رحمه الله تعالى- الثالث، وهو جعل الاعتبار عامًا لترتب الحكم على المسمى أن هذا مصادرة على المطلوب، لأنه إثبات للقياس بالقياس. وذلك لأنه ثبت الحكم بوجود علة في كل صورةٍ من صور الاعتبار، وهذا هو القياس. وقد أجاب بدر الدين التستري عن هذا الاعتراض بأنه ليس من القياس في شيء, لأن شرط القياس كون بعض أفراد الاعتبار أصلًا والبعض الآخر فرعًا. وهنا ليس كذلك والقياس لا يتحقق بدون ذلك. ومجرد التعليل لا يسمى قياسًا. ولكن الأسنوي وافق صاحب التحصيل. انظر نهاية السول 3/ 12، وحل عقد التحصيل لوحة 107.

أولى بالاعتبار (¬1)، ولأنه لا مناسبة بين سياق الآية والتسوية الثَّانية. هـ، و- ما سبق (¬2). ز- أنَّه يتناول كل الأوقات لتناوله كل الأقيسة. هـ - أنَّه لا فرق بين الصحابي وغيره فيه بالإجماع. الثاني (¬3): خبر معاذ (¬4) وهو مشهور، ولو كان مرسلًا لكن الأمة تلقته بالقبول، وروي أنَّه عليه السلام أنفذ معاذًا وأبا موسى الأَشْعريّ إلى اليمن، فقال عليه السلام: بم تقضيان؟ فقالا: إذا لم نجد الحكم في السنة، نقيس الأمر بالأمر فما كان إلى الحق أقرب عملنا به، فقال عليه السلام: "أصبتما" وقال عليه السلام لابن مسعود: "اقصر بالكتاب والسنة إذا وجدتهما فإن لم تجد الحكم فيهما فاجتهد برأيك" فإن قيل: لا نسلم صحة الحديث، فإن قوله فإن لم تجد في كتاب الله يناقض قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬5) وقوله تعالى: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (¬6) ولأن الحديث يفيد جواز الاجتهاد في زمًان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -. وسؤاله عما به يقضي بعد نصبه للقضاء، ومنع تخصيص الكتاب والسنة بالقياس. ولأنه روي أنَّه لما قال: أجتهد برأي قال عليه السلام: "أكتب إلى أكتب إليك" والجمع بينهما ممتنع, لأنهما في واقعةٍ واحدة، ولأنه ورد فيما يعم به البلوى وشرطه ¬

_ (¬1) في "هـ" (بالإبقاء) بدل (الاعتبار). (¬2) بالنسبة للجواب عن "هـ" أنَّه قد تقدم أن العام المخصوص حجة. (¬3) وبالنسبة للجواب عن "و" ما سبق من أن المسألة ليست علميةً, لأن الغرض العمل والعمل يكفي فيه الظن. (¬4) في "جـ، د" بدل الثاني يوجد (ب). فصل الإِمام الرَّازيّ في المحصول في كيفية احتجاج الفريقين بهذا الحديث بما يبهر العقل، فقد أورد نحو عشرين شبهة للمانعين، ثم ناقشها جميعها مما يدل على رسوخ أقدام الأصوليين وعلو كعبهم في المعقول والمنقول، وبمثل هذا العمل يرد على من اتهم الأصوليين بالجهل في فن الحديث، انظر المحصول 2/ 2/ 52، وقد تقدم تخريج الحديث مفصلًا في صفحة (1/ 395) من هذا الكتاب. (¬5) [الأنعام: 38]. (¬6) [الأنعام: 59].

الاشتهار. ثم قوله: أجتهد برأي محمول على بذل الجهد في طلب الحكم من النصوص الخفية، وقوله: (فإن لم تجد). لا ينفي النص الخفي والجلي إذ يصح أن يقال: يعني به عدم الوجدان في صرائحه أو مطلقًا. ثم العموم غير مراد. إذ العمل بالقياس عندكم معلوم من الكتاب والسنة، أو يقول: هو محمول على التمسك بالبراءة الأصلية، أو بأن الأصل في الأفعال الإباحة أو الحظر أو بالمصالح المرسلة أو طريقة الاحتياط في تنزيل اللفظ على أقل مفهوماته أو أكثرها، أو على قياس نصٍ على علته. أو هو كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف. ثم أنَّه يدل على جواز القياس في زمان النَّبِيّ عليه السلام. وما بعده ليس في معناه لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (¬1) والتكميل بالتنصيص على كليات الأحكام في الكتاب والسنة، والقياس مشروط بعدم الوجدان فيهما. والجواب عن (¬2): أ- أن المراد من الآية اشتمال الكتاب على كل الأمور ابتداءً أو بواسطة، والكتاب يدل على الحكم المطلوب بالقياس بواسطة (¬3) الدلالة على قبول قول الرسول الدال على صحة القياس (¬4) الدال على الحكم. والاجتهاد في زمان النَّبِيّ عليه السلام جائز فيما لا يمكن تأخيره إلى استعلام النَّبِيّ عليه السلام، والمراد من قوله لما بعث معاذًا. لما عزم على بعثه وتخصيص الكتاب والسنة بالقياس منعه كثيرون ورواية الزيادة ¬

_ (¬1) [المائدة: 3]. (¬2) هذه الأجوبة أوردها على الاعتراضات الواردة على الاستدلال بخبر معاذ رضي الله عنه على حجية القياس. والاعتراضات لم ترد مرقمة بل بدأها المصنف بقوله: فإن قيل لا نسلم صحة الحديث وذلك قبل صفحتين. (¬3) في "هـ" (لدلالته) بدل (بواسطة الدلالة). (¬4) سقط من "ب" الدال على صحة القياس.

غير مشهورة (¬1). وأيضًا (¬2) تقتضي التأخير فيما لا يحتمله، ويمكن الجمع يحمل الزيادة على ما يقبل التأخير ووروده (¬3) فيما يعم به البلوى سبق جوابه. ب- أن قوله فإن لم تجد عام لصحة الاستثناء. وقول معاذ: (أحكم بكتاب الله). أراد ما دل عليه الكتاب بنفسه لا بواسطة، وإلَّا لكان قوله إذا لم يوجد في الكتاب حكمت بالسنة خطأ. ب- أن البراءة الأصلية ودليل (¬4) العقل معلوم لكل أحد من غير اجتهاد، والقياسان الباقيان لا يفيان بمعرفة جميع الأحكام، وإنما سكت النَّبِيّ عليه السلام عند قوله (أجتهد رأيي). لعلمه أن الاجتهاد وافٍ بها، وإذا تعذر الحمل على هذه الأشياء حمل على القياس الشرعي للإجماع على الحصر. د- ما سبق (¬5). الثالث: قوله عليه السلام لعمر لما سأله عن قبلة الصائم: "أرأيت لم تمضمضتَ بماء ثم مججته أكنت شاربه" (¬6) استعمل القياس إذ المفهوم منه أنَّه عليه السلام حكم بأن القبلة بدون الإِنزال لا تفسد الصوم، كما أن المضمضة بدون الِإزدراد لا تفسده، بجامع عدم حصول المطلوب من المقدمتين فكان حجةً لوجوب التأسي به، ولأن قوله أرأيتَ؟ يخرج مخرج التقدير، وإنما يصح ذلك لو تمهد عند عمر كون القياس حجةً. إذ لا يقال لمن لا يعتقد كون الكتاب حجة إذا سئل عن حكم. أليس قال الله تعالى كذا ¬

_ (¬1) يعني اكتب إليَّ أكتب إليك. (¬2) سقط من "ب، د، هـ" وأيضًا. (¬3) أي ورود الخبر المرسل فيما تعم به البلوى إذا تلقته الأمة بالقبول، يكون حجة عند الشَّافعيّ رضي الله عنه كخبر معاذ. (¬4) سقط من "هـ" الواو. (¬5) وهو أن الإجماع بعد اختصاص الاجتهاد بعصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - , لأن النصوص وافية بالأصول فقط دون الفروع التي لا يمكن استنباط الأحكام لمعظمها بدون القياس. (¬6) أخرجه أبو داود والنَّسائيّ وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال النَّسائيّ منكر، انظر فتح الباري 4/ 152.

وكذا؟ وكذلك قوله عليه السلام للخثعمية (¬1): "أرأيت إن كان على أبيك دين فقضيتيه أكان يجزئ؟ فقالت: نعم. قال: فدين الله أحق بالقضاء" (¬2). الرابع (¬3): معتمد الجمهور وهو أن بعض الصَّحَابَة عمل بالقياس. كتب عمر إلى أبي موسى: (اعرف الأشباه والنظائر وقس الأمور برأيك) (¬4). ¬

_ (¬1) الخثعمية: امرأة مجهولة لم تسمَّ وهي من خثعم بن أنمار بن أراش بن كهلان من قحطان كانت منازلهم في سروات اليمن والحجاز، وورد وصفها في بعض الروايات: أنها امرأة شابة وهي التي كان ينظر إليها الفضل بن العباس، وهو رديف الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع. (¬2) أفرد الإِمام الرَّازيّ في المحصول حديث الخثعمية برقم خاص، وقد أجاد الأرموي بإلحاقه بحديث عمر لأنه مسلك واحد. والحديث الموجود جزء من حديث رواه الأئمة الستة، وروى البُخَارِيّ في كتاب الاعتصام مثله عن امرأةٍ من جهينة. انظر نصب الراية 3/ 156، المحصول 2/ 2/ 72. (¬3) نقل الإمام الرَّازيّ في هذا الدليل الإجماع على عمل الصَّحَابَة بالقياس، وهذا النقل لا يسلم له، وقد أجاد القاضي الأرموي حيث لم يسمه إجماعًا. لأنه استفاض ذم جمع من الصَّحَابَة القياس، فالإجماع لا يسلم لمدعيه. (¬4) نظرًا لأهمية رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأَشْعريّ واعتبارها ركنًا في إثبات القياس وقواعد القضاء نوردها كما أوردها الدارقطني. عن أبي المليح الهذلي قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأَشْعريّ أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدليّ إليك بحجة، وانفذ الحق إذا وضح، فإنَّه لا ينفع تكليم بحقٍ لا نفاذَ له. وآس بين النَّاس في وجهك ومجلسك وعدلك حتَّى لا ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع الشريف في حَيفك. البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلَّا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا. ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمن راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب أو السنة. اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عند ذلك فاعمد إلىٍ أحبها عند الله وأشبهها بالحق فيما ترى. واجعل لمن ادعى بينة أمدًا ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلَّا وجهت القضاء عليه فإن ذلك أجلى للعمى وأبلغ في العذر. المسلمون عدول بعضهم على بعض إلَّا مجلودًا في حد أو مجرمًا في شهادة زور. أو ظنينًا في ولاة أو قرابةٍ، إن الله تولى منكم السرائر ودرأ عنك بالبينات وإياك والقلق والضجر والتأذي بالنَّاس، والتنكر للخصوم في مواطن الحق الذي يوجب الله بها الأجر ويحسن بها الذخر، فإنَّه من يصلح نيته فيما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفيه الله ما بينه وبين النَّاس. ومن تزيَّن للنَّاس بما يعلم الله منه غير ذلك يشنه الله، فما ظنك بثواب عند الله عَزَّ وَجَلَّ في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام عليك. (الدارقطني 4/ 206، ونقلها السيوطي في صدر كتابه الأشباه والنظائر ورواها البيهقي انظر نصب الراية 4/ 81).

قال ابن عباس: (ألا يتقي الله زيد بن ثابت) (¬1) يجعل ابن الابن إبنًا ولا يجعل أَبا الأب أبًا. وليس مراده التسمية لعلمه بأنه لا يسمى أبًا حقيقةً بل جعله كالأب في حجب الأخوة. وجعل ابن الابن كالابن فيه. وشبه علي وزيد الأخ والجد بغصني شجرة وجدولي ونهر وشركا بينهما في الميراث. ب- الصَّحَابَة اختلفت في مسائل لا يمكن أن يكون قول الكل فيها عن نصٍ كمسألة الحرام (¬2). قال علي وزيد وابن عمر هو ثلاث طلقات. وقال ابن مسعود طلقة واحدة. وقال أبو بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم يمين. وقال ابن عباس ظهار. وقال مسروق (¬3) ليس بشيء (¬4). وكمسألة الجد والأخوة فبعضهم جعل له خير الأمرين من المقاسمة والثلث لا ينقص حقه عن حق الأم، إذ له مع الولادة تعصيب وبعضهم جعل له خير الأمرين (¬5) من المقاسمة والسدس لا ينقص حقه عن حق (¬6) الجدة. وبعضهم لم يورث الأخوة معه. وكمسألة المشتركة (¬7). إذ شرَّك عمر بين الإخوة من الأب والأم ¬

_ (¬1) هو زيد بن ثابت بن الضحاك النجاري الأَنْصَارِيّ الخزرجي. ويكنى أَبا سعيد وقيل أَبا ثابت استصغر يوم بدر. ويقال: إنه شهد أحدًا. حمل راية بني النجار في تبوك. أمه النوار بنت مالك بن معاوية، روى عنه من الصَّحَابَة أبو هريرة وأبو سعيد وابن عمر وأنس وسهل بن سعد وسهل بن حنيف وعبد الله بن يزيد الخطمي ومن التابعين سعيد بن المسيب وغيره جمع القرآن في زمن أبي بكر. وتعلم السريانية لغة اليهود بأمر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - فحذقها في أسبوعين. كاتب رسول الله وترجمان رسائله، وكان من كبار علماء الصَّحَابَة وخاصةً في الفرائض، روى أَحْمد بإسناد صحيح. (أفرضكم زيد) اختلف في سنة وفاته على أقوالٍ أرجحها سنة 45 هـ. (الإصابة 3/ 22، الاستيعاب 540). (¬2) مسألة الحرام: هي قول القائل: أنتِ عليَّ حرام. وقد بين ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 215 ما نقل عن الصَّحَابَة فيها. (¬3) في "أ، ب، د" ابن مسروق. (¬4) ومعتمد مسروق إلحاقه بقول القائل هذا الطعام على حرام، وذكر صاحب المحصول أن المرتضى روى عن علي مثل قول مسروق. (¬5) سقط من "أ، د" خير الأمرين. (¬6) سقط من جميع النسخ ما عدا "هـ" حق. (¬7) صورة المسألة المشتركة (زوج وأم وأخ شَقِيق وأخوان لأم) وحكم عمر رضي الله عنه فيها بأن =

وبين الإخوة من الأم وغيره أسقط إخوة الأب والأم. وكمسألة الخلع قال عثمان رضي الله عنه في إحدى الروايتين، أنَّه طلاق، وفي الثَّانية أنَّه ليس بطلاقٍ وبه قال ابن عباس. وأمثالها كثيرة فلو كانت تلك الأقوال لنصٍ لأظهروه إذ يعلم بالضرورة من عادتهم استعظام النصوص ومخالفتها والتفحص عنها والحث على نقلها، حتَّى نقلوا ما لا يتعلق به حكم كقوله عليه السلام: "نِعم الِإدام النحل" (¬1). ومن حكم بحكم غريب يخالفه فيه جمع يوافقونه في تعظيم شخصٍ ووجد من كلامه ما يدل عليه فإنَّه يبادر إلى ذكره، ولو أظهروه لاشتهر ولو وصلَ إلينا بعد الطلب والبحث الشديد. ويمتنع أن يكون للعقل إذ طريقه البراءة الأصلية فثبت أنها لأجل القياس (¬2). جـ - قالوا بالرأي، قال أبو بكر في الكلالة: (أقول فيها برأي) (¬3) وروي أن عمر قضى في الجدِّ برأيه (¬4). وقال في الجنين لما سمع الحديث: (لولا هذا لقضينا برأينا) (¬5) وقال عثمان لعمر في بعض الأحكام إن اتبعت رأيك فرأيك رشيد (¬6)، وإن اتبعت رأي (¬7) من قبلك فنعم الرأي كان. وقال علي: اجتمع رأي ورأي عمر في أم الولد أن لا تباع، وقد رأيت ¬

_ = النصف للزوج والسدس للأم والثلث للإخوة من الأم. ثم قالوا: هب أن أبانا حمارًا وفي روايةٍ أنَّه حجرًا ألسنا من أمٍ واحدة؟ فشرَّك بينهم رضي الله عنه واشتهرت المسألة بهذا الاسم. (¬1) رواه الجماعة إلَّا البُخَارِيّ عن جابر مرفوعًا، ورواه مسلم والتِّرمذيّ عن عائشة والحاكم عن أم هانئ وفي بعض طرقه زيادة (لا يقفر بيت فيه خل) قال العجلوني: وأما بئس الإدام النحل فلا أصل له، والحديث ورد في قصةٍ مع بعض نسائه. (انظر نصب الراية 4/ 310، كشف الخفا 2/ 320). (¬2) العبارة المختارة أخذتها من المحصول، وعبارات النسخ مختلفة في (ب، د) فنقضها لقياس، وفي جـ، هـ أفبعضها للقياس. (¬3) سيأتي تخريج الأثر بعد ثلاث صفحات. (¬4) في "ب" وقال عمر في الجد برأيه. (¬5) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 120) من هذا الكتاب. (¬6) في "ب" (أشد) بدل (رشيد). (¬7) في جميع النسخ وإن اتبعت رأي (والعبارة المختارة من المحصول 2/ 2/ 84).

الآن بيعها (¬1). وقال ابن مسعود في قصة بروع (¬2): أقول فيها برأيي (¬3) والرأي هو القياس يقال. أقلتَ هذا برأيك أم بالنص؟ فدلت مقابلته بالنص على أنَّه للاستدلال، فثبت أن بعضهم قال بالقياس، ولم يوجد إنكار من أحدٍ إذ لو وجد لاشتهر, لأنه أصلٌ عظيم في الشرع نفيًا وإثباتًا، فيكون ذلك إجماعًا إذ سكوتهمِ ليس عن خوف, لأنا نعلم شدة انقيادهم للحق سيما ولا رغبةَ ولا رهبَ عاجلًا. كيف وقد اختلفوا في كثير من المسائل، وذلك ينفي الخوف المانع من الخلاف (¬4) فهو عن الرضا. فإن قيل هذه الروايات لا تبلغ التواتر والاستدلال بقبول البعض وتأويل البعض عرف ضعفه. ثم قول عشر: (اعرف الأشباه) معناه: أي لا تخرج من الجنس ما هو منه ولا تدخل فيه ما ليس منه. وقوله: (قس) أي سوِّ بيْن المقدمات. والمطلوب في المعلومية والمظنونيَّة، إذ الرأي هو الروية، أو سوِّ بيْن الأصل والفرع في أن لا يثبت حكم إلَّا بالنص، وتشبيه ابن عباس في التسمية أي سمى النافلة إبنًا مجازًا واكتفى به في الاندراج تحت قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (¬5) فيسمى الجد أبًا مجازًا، ويكتفى به في الاندراج تحت قوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} (¬6) لهذا نسبه إلى مفارقة التقوى وتارك القياس لا ينسب إليها، وقولهم في تلك المسائل، لو كان لنصٍ فإنما يجب إظهاره مع شدة تعظيمهم عند حاجة (¬7) المناظرة وما اعتادوا الاجتماع لها، ومع الحاجة لا ينفعه إظهاره إذ خبر الواحد ليس بحجة، وما هو حجة إنما يظهره المستدل (¬8) لو كان قويًا ظاهرًا ثم إنه لو كان لقياس لأظهروه. ¬

_ (¬1) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 64) من هذا الكتاب. (¬2) في "هـ" التزويج وفي باقي النسخ البروع. (¬3) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 126) من هذا الكتاب. (¬4) سقط من"أ" المانع من الخلاف. (¬5) [النساء: 11]. (¬6) [النساء: 11]. (¬7) في "هـ" عند حاجة لا لمناظرة. (¬8) سقط من "ب" المستدل.

ولا يقال: النص يجب على العالم اتباعه دون القياس, لأن القياس الجلي الظاهر يجب عليه اتباعه. لأجله حسنت المناظرة بين القائسين. ثم لا نسلم أنَّهم لو أظهروه لاشتهر، ونقل إذ ليس من الأمور العظيمة التي تتوفر الدواعي على نقلها. ثم إنه منقوض بالمعجزات والإقامة (¬1)، ثم لا نسلم أنا لم نعرفه فإن في مسألة الحرام مثلًا من جعله يمينًا تمسك بقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (¬2). نزلت لما حرَّم النَّبِيّ عليه السلام على نفسه (¬3) مارية القبطية (¬4). ومن جعله طلقة أو ثلاث طلقات جعله كناية عن الطلاق (¬5)، ونزله على أعظم أحواله أو أقلها وأدرجه تحت آية الطلاق، ومن جعله ظهارًا جعله كناية عنه وأدرجه تحت آية الظهار. وجعل الشيء كناية ليس بقياس. ثم بين النص والقياس بواسطة وهي تنزيل اللفظ على أقل المفهومات أو الأكثر (¬6)، واستصحاب الحال والمصالح المرسلة والاستقراء واعتقاد أن قوله حجة، استدلالًا بقوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} (¬7) ثم بقوله عليه السلام: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" (¬8). والإجماع وإن لم يتصور ثبوته في محل الخلاف فهو واسطة ثم الرأي مرادف للرؤية، وإنها ليست بقياس لغة والنقل ¬

_ (¬1) في المحصول 2/ 2/ 96 أمر الإقامة للأفراد. (¬2) [التحريم: 2]. (¬3) سقط من "ب" على نفسه. (¬4) هي مارية القبطية مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأم ولده إبراهيم، وهي مارية بنت شمعون أهداها له المقوقس القبطي صاحب الإسكندرية ومصر، وأهداه معها أختها سيرين وخَصيًا يقال له مأبور. وطأها رسول الله بعد أن أسلمت بملك اليمين فولدت له إبراهيم. وأهدى أختها إلى حسان بن ثابت وهي أم عبد الرَّحْمَن بن حسان. توفيت مارية في خلافة عمر بن الخطاب في المحرم سنة ست عشرة. (الاستيعاب 1912، الإصابة 8/ 185). (¬5) سقط من "أ" عن الطلاق. (¬6) في "ب" مفهوماته أو أكثرها. (¬7) [آل عمران: 93]. (¬8) قال السيوطي في الدر: لا أصل له، وقال في المقاصد قال شيخنا يعني ابن حجر لا أصل له. قبله الدميري والزركشي، وزاد بعضهم ولا يعرف في كتاب معتبر. (كشف الخفا 2/ 64).

خلاف الأصل. وقولنا: فلان يرى (¬1) ليس معناه يقيس (¬2). وقال أبو بكر في الكلالة: (أقول فيها برأي) (¬3). وتفسير اللفظة اللغوية لا يكون قياسًا. وذكره في مقابلة النص لا يفيد كونه قياسًا إذ النص لفظ جلي الدلالة. ثم الإنكار (¬4) وجد إذ روي عن أبي بكرٍ: (أي سماءٍ تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي) (¬5). وعن عمر (¬6): (إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن) (¬7). وعنه: (إياكم والمكايلة) وفسرها بالمقايسة. وعن شريح (¬8): (كتب عمر: اقض بما في كتاب الله، فإن جاءك ما ليس فيه فاقض بما في سنة رسول الله، فإن جاءك ما ليس فيها فاقض بما اجتمع عليه ¬

_ (¬1) في "جـ" (يروى) بدل (يرى). (¬2) في "ب" (نفس) بدل (يقيس). (¬3) روى عبد الرَّحْمَن بن مهدي عن حماد بن زيد عن سعيد بن المسيّب عن محمَّد بن سيرين، قال: لم يكن أهيب لما لا يعلم بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أبي بكر ولا بعد أبي بكر من عمر. وإنها نزلت بأبي بكرٍ فريضة فلم يجد لها في كتاب الله أصلًا، ولا في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أثرًا، فقال: (أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني وأستغفر الله). أخرجه قاسم بن محمَّد في كتاب الحجة والرد على المقلدين وهو منقطع (انظر تلخيص الحبير 4/ 195). (¬4) سقط من "هـ" الإنكار. (¬5) أخرج أبو عبيدة في فضائله وعبد بن حميد عن إبراهيم التَّيْميّ قال: سئل أبو بكر الصديق عن قوله تعالى: و {أَبَّا} فقال: (أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم) انظر الدر المنثور 6/ 317. (¬6) قال ابن حجر في الفتح أخرجه البيهقي عن عمرو بن حريث عن عمر وتمامه (أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا) وأخرجه ابن عبد البر بسنده في كتابه جامع بيان العلم. انظر: (فتح الباري 13/ 289، جامع بيان العلم 2/ 135). (¬7) في "هـ" (النبيين) بدل (السنن). (¬8) هو شريح بن الحارث الكندي أبو أمية القاضي. اختلف في نسبه لكنده، فقيل هو حليف لهم من بني رائش، واختلف في صحبته للرسول - صلى الله عليه وسلم -، أدرك الجاهلية ويعد من كبار التابعين، كان قاضيًا لعمر ثم لعثمان ثم لعلي على الكوفة فلم يزل قاضيًا بها إلى زمن الحجاج، كان أعلم النَّاس بالقضاء وكان ذا فطنةٍ وذكاءٍ ومعرفة وعقل ورصانة، وكان شاعرًا محسنًا، وكان أمردًا لا ينبت له شعر في وجهه، تُوفِّي سنة 87 هـ وهو ابن مائة سنة، وولي القضاء ستين سنة. انظر (الاستيعاب 702، الإصا بة 3/ 202).

أهل العلم، فإن لم تجد فما عليك أن لا تقضي) (¬1). وعن علي: (لو كان الدين يؤخذ قياسًا لكان باطن الخف أولى بالمسح) (¬2). وعنه وعن عمر (¬3): (من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه) (¬4). وعن ابن عباس: (يذهب قراؤكم وصلحاكم ويتخذ النَّاس رؤساء جهالًا يقيسون الأمور برأيهم) (¬5). وقال: (إذا قلتم في دينكم بالرأي فقد أحللتم كثيرًا مما حرَّم الله وحرَّمتم كثيرًا مما حلل الله) (¬6). وقال: (إن الله قال لنبيه: {وَأَنِ احْكُمْ (¬7) بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ولم يقل بما رأيتَ، ولو جعل الله لأحدكم أن يحكم برأيه لجعل لرسوله) وقال: (إياكم والمقاييس فإنما عُبدت الشَّمس والقمر بالمقاييس) (¬8). وعن ابن عمر: (السنة ¬

_ (¬1) أخرج البيهقي والدارمي عن الشعبي عن شريح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليه: (إذا جاءك أمر في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ فاقض به، ولا يلتفتنك عنه الرجال فإن أتاك ما ليس في كتاب الله، فانظر في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن في سنة رسول الله فانظر ما اجتمع عليه النَّاس، فخذ به فإن جاءك ما ليس في كتاب الله, ولم يكن في سنّة رسول الله، ولم يتكلم فيه أحد قبلك، فاختر أي الأمرين شئت، إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم وإن شئت أن تأخر فتأخر ولا أرى التأخر إلَّا خيرًا لك. انظر (الدَّارميّ 1/ 55، البيهقي 10/ 115). (¬2) أخرجه أبو داود بسند حسن ولفظه: (لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه) انظر (سنن أبي داود 1/ 42، فتح الباري 13/ 289). (¬3) في "ب" (وعن عثمان) بدل (عمر). (¬4) رواه الدَّارميّ ولم يذكر عمر بلفظ: (أن عليًا قال: من سره أن يقتحم جراثيم جهنَّم فليقض بين الجد والإخوة) انظر سنن الدَّارميّ 2/ 254. (¬5) أخرج الدَّارميّ في سننه عن ابن عباس: (لا يأتي عليكم عام إلَّا وهو شر من الذي كان قبله، أما إنِّي لست أعني عامًا أخصب من عامٍ، وأميرًا خيرًا من أمير ولكن علماؤكم وخياركم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفًا، ويجيء قوم يقيسون الأمور برأيهم). وأخرجه ابن ماجه بلفظ مقارب لهذا. انظر (سنن الدَّارميّ 1/ 58، وسنن ابن ماجه 1/ 20). (¬6) أخرج الدَّارميّ عن الشعبي (ولم يذكر ابن عباس) (إياكم والمقايسة، والذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقايسة لتحلن الحرام ولتحرمن الحلال، ولكن ما بلغكم عمن حفظ من أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فاعملوا به) (انظر: سنن الدَّارميّ 1/ 45). (¬7) سقط من "ب" بينهم. (¬8) أخرج الدَّارميّ عن ابن سيرين (ولم يذكر ابن عباس) (أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس =

ما سنه رسول الله لا تجعلوا الرأي سنة المسلمين). وعن مسروق: (لا أقيس شيئًا بشيء أخاف أن تزلَّ قدم بعد ثبوتها) (¬1). وكان ابن سيرين يذم القياس ويقول: (أول من قاس إبليس). وقال الشعبي (¬2) لرجلٍ: (لعلك من القياسيين). وقال: (إن أخذتم بالقياس أحللتم الحرام وحرمتم الحلال) (¬3). لا يقال: هؤلاء القائلون بالقياس فنوفق برد (¬4) هذا إلى قياس لم توجد فيه الشرائط, لأن قولهم بالرد صريح وبالقياس استدلال فترجح. ثم هنا توفيق آخر وهو قول بعضهم بالقياس حين قال الآخر بالرد، ثم انقلاب المنكر مقرًا وبالعكس ثم السكوت (¬5) للخوف. قال النظَّام: (العامل بالقياس عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأُبي وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو الدَّرداء (¬6) وأبو ¬

_ = إلَّا بالمقاييس) وفي الباب عن الحسن البَصْرِيّ: تلا قوله تعالى: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} ثم قال: (قاس إبليس وهو أول من قاس) انظر سنن الدَّارميّ 1/ 59. (¬1) رواه الطَّبْرَانِيّ في الكبير وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف، ورواه ابن عبد البر بسنده عن أبي عوانة، ورواه الدَّارميّ انظر (سنن الدَّارميّ 1/ 59، مجمع الزوائد 1/ 180، جامع بيان العلم وفضل 2/ 76). (¬2) الشعبي: هو أبو عمرو عامر بن شراحبيل بن عبد ذي كبار الشعبي، تابعي من أعلام المحدثين الفقهاء عالم الكوفة، ولد بها سنة تسع عشرة، أبوه عربي وأمه من سبي جلولاء، نشأ لتوأم فكان نحيف الجسم، روى عن أربعين من الصَّحَابَة، هرب من الكوفة من المختار أبي عبيد الثَّقَفيّ، ونزل المدينة على ساكنها أفضل السلام، خرج على الحجاج مع ابن الأشعث، وشهد وقعة دير الجماجم سنة اثنتين وثمانين ثم عفا عنه الحجاج. كان -رحمه الله- يمثل مدرسة أهل الحديث، كان قوي الذكاء وأثر عنه أنَّه قال: (ما كتبت أسود في أبيض وما حَدَّثني أحد بحديث فأحببت أن يعيده عليَّ). تولى قضاء الكوفة في خلافة عمر بن عبد العزيز، وتوفي سنة ثلاث ومئة وكان عمره سبعًا وسبعين عامًا. (المعجم الإِسلامي 4/ 108). (¬3) أخرجه ابن عبد البر والدارمي بسنديهما إلى الشعبي بلفظ (إياكم والمقايسة والذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقايسة، لتحلن الحرام ولتحرمن الحلال ولكن ما بلغك عمن حفظ من أصحاب محمَّد فاعملوا به) انظر (جامع بيان العلم وفضله 2/ 137، سنن الدَّارميّ 1/ 45). (¬4) سقط من "ب" برد. (¬5) يوجد في "أ" عدم السكوت. (¬6) هو عويمر بن عامر. ويقال عويمر بن قيس بن زيد وقيل عويمر بن ثعلبة بن عامر بن زيد الخزرجي الأَنْصَارِيّ، المشهور بكنيته أبي الدَّرداء. أمه محبة بنت واقد بن الأطنابة، وقيل واقدة بنت واقد بن عمرو. أسلم يوم بدر وشهد أحدًا وما بعدها من المشاهد. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: "نعم الفارس عويمر"، وقال: "هو حكيم أمتي"، قال ابن حبان: ولاه =

موسى الأَشْعريّ وقليل من أصاغر الصَّحَابَة (¬1)، وعمر وعثمان وعلي سلاطين الصَّحَابَة معهم الرغبة والرهبة، وإنما سكت الباقون خوفًا وتُقية حتَّى قال ابن عباس: (هبتُه وكان والله مهيبًا). وأيضًا إبطال مذهب الرجل العظيم يشق عليه ويصير سببًا للعداوة، وليس الخلاف في القياس كالخلاف في مسألة الحرام، فإنَّه أصل عظيم في الشرع نفيًا وإثباتًا، فالمخالفة فيه أصعب). سلمنا أنَّه لا خوف، لكنهم سكتوا للتوقف أو اعتقاد أن الخطأ صغيرة، أو أن غيره أولى بالإنكار، ثم رضاهم دفعةً غير معلوم وأنه شرط للإجماع (¬2). سلمنا إجماعهم على نوع فلعله غير المتنازع (¬3) فيه، ولم يتفق القائمون على قياس معين ليقال إذا ثبت حجية قياس فلو لم يكن ذلك المعين حجة (¬4) لزم خلاف الإجماع، إذ القياس المناسب مختلف فيه وغير المناسب رده الأكثرون. سلمنا اتفاقهم على معين لكنه قياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف أو ما نص على علته. سلمنا إجماع الصَّحَابَة فلم يجز القياس في زماننا والفرق ما سبق في خبر الواحد. والجواب عن: أ- قال الأصحاب: الروايات الكثيرة عن النَّبِيّ عليه السلام وأصحابه بلغت حد التواتر، فمن خالط أهل الأخبار والفقه وطالع كتبهم جزم بصحة شيء منها، وكل واحدٍ يفيد المطلوب والأولى جعل المسألة ظنيَّة والظن كافٍ في وجوب العمل. ¬

_ = معاوية قضاء دمشق في خلافة عمر، روى عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وعن عائشة وعن زيد بن ثابت وأبي أُمامة وفضالة بن عبيد، وروى عنه ابنه بلال وزوجته أم الدَّرداء وأبو إدريس الخولاني وعلقمة ابن قيس وغيرهم. تُوفِّي قبل نهاية خلافة عثمان بسنتين سنة 32 هـ (الإصابة 5/ 46، الاستيعاب 1229). (¬1) في "ب، جـ، د" (شبان) بدل (أصاغر). (¬2) في "أ، جـ" (للاجتماع) بدل (للإجماع). (¬3) في "أ" (الشارع) بدل (المتنازع). (¬4) سقط من "أ" حجة.

ب- أن سباق الكلام ولحاقه ينفيه (¬1)، إذ قال: (الفهم الفهم عندما يختلج في صدرك ما لم يبلغك في كتاب الله ولا سنة رسول الله، اعرف الأشباه والنظائر، وقس الأمور برأيك، ثم اعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى). جـ (¬2) - إنَّ حسن المجاز في موضع والقطع به في موضع (¬3) لا يوجب مثله في آخر، فلا وجه للإنكار (¬4) إلَّا في القياس، ونسبته إلى مفارقة التقوى، لاعتقاده، أن القياس جلي والخطأ فيه عظيم على أنَّه محمول على المبالغة. د- أن الحاجة حاصلة إذ المتمسك بالنص يعلم أن مخالفة خالفه لا لطريق أو لطريق مرجوح أو مساوٍ أو راجحٍ، وبالتقديرين الأولين كان (¬5) مخالفة مخالفًا للنص، وبالتقدير الثالث فرضهما التوقف ففتواهما مخالفة للنص. وبالتقدير الرابع كان هو مخالفًا للنص، وشدة إنكارهم لمخالفة النص يمنعهم منها (¬6)، ولا ذلك إلَّا بذكر النص وإن كان خفيًا. هـ- أن مخالفة النص أشد ولا يستقل العقل بمعرفته ويجب اتباعه، وحسن المناظرة لا يوجب اتباع القياس. إذ ما لا يجب قد يحسن ويمكن الإشارة إلى النص دون الأمارة حتَّى أن المقوّم (¬7) قد لا يمكنه التعبير عمًا أفاده ظن القيمة. وإشارة المتأخرين إلى العلل القياسية إنما ¬

_ (¬1) في "أ، هـ" (أن سياق الكلام وسباقه ينفيه) وهو مخالف لما في المحصول حيث قال: مقدمة هذا الكلام ومؤخرته تبطل هذا الاحتمال 2/ 2/ 122. (¬2) معنى ذلك أن إنكار ابن عباس لم يكن لحسن المجاز، إِذ لو كان لحسن المجاز، لأظهر ذلك, لأن حسن المجاز في موضع لا يلزم منه حسنه في موضع آخر، فثبت أن إنكاره لأنه ترك القياس، وأما وصفه بالمفارقة للتقوى فتحمل إما لكون القياس جليًا، أو أنَّه محمول على المبالغة. (¬3) سقط من "أ، جـ" في موضع. (¬4) في "ب، د" (فلا إنكار) بدل (فلا وجه للإنكار). (¬5) في "ب" سقطت نون كان. (¬6) يوجد في "أ" ذلك زائدة. (¬7) في "أ" (المقدم) بدل (المقوم).

أمكنت, لأنها تلخصت بعد أن لم تكن، ثم أنَّهم أظهروا قياساتهم بالتنبيه على الأصول من الظهار والطلاق واليمين. ورجَّح كل منهم أصله بمرجح. و- أن هذه المسائل يكثر وقوعها، فاشتدت الحاجة إلى معرفة حكمها بالدليل (¬1)، وأنها حاملة (¬2) على النقل ظاهرًا. ز- أن قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (¬3). لا يدل على أن تحريمه عليه السلام كان بقوله: "أنتِ عليَّ حرام" بل على أنَّه كان بلفظ اليمين وإلَّا لكان ذلك نصًا في الباب. فلم يختلفوا فيه وباقي التشبيهات (¬4) لابد فيها من القياس إذ ليس متفقًا عليها. وقول مسروق للتشبيه بقصعةٍ من ثريدٍ قال: إلَّا فرق عندي بينه وبين قصعةٍ من ثريدٍ). وإن قاله للبراءة الأصلية، لكنه تابعي فإن عاصرهم (¬5) حالة المخالفة قد تركوا البراءة الأصلية للقياس، وإلاَّ كان إجماعهم حجة عليه (¬6). ح- أن كل من قال بأنهم لم يقولوا فيها بالنص والبراءة الأصلية قال: إنهم قالوا فيها بالقياس. ط- أن الدليل دلَّ على النقل، إذ روى الخصم أقوالًا كثيرةً في ذم الرأي وسلم أن المراد هو القياس فعلم أنَّه في الشرع اسم له. ي- التوفيق المذكور وصريح الرد (¬7) يعارضه صريح الدلالة، والتوفيق الآخر ممنوع، إذ لو وقع لاشتهر لأنه أمر عجيب. ¬

_ (¬1) سقط من "أ، هـ" بالدليل. (¬2) في "هـ" حاصلة. (¬3) [التحريم: 2]. (¬4) في "ب، جـ، د" (الشبهات) بدل (التشبيهات). (¬5) في "أ" (عارضهم) بدل (عاصرهم). (¬6) في "أ" عليهم والصواب عليه طبقا للمحصول. (¬7) في "هـ" (الذي) بدل (الرد).

يا - أن شدة انقيادهم للحق ينفيه ظاهرًا، وقدح النظَّام فيهم (¬1) سبق جوابه في الأخبار. يب (¬2) - أن الظاهر عدم التوقف في آخر الأمر وأولوية (¬3) إنكار واحد. يج- أن الأصل بقاؤه (¬4). يد- أن الإجماع حاصل ظاهرًا على أن القياس المناسب حجة. الأخير- أن الإجماع ظاهر على عدم الفرق بين الزمانين (¬5). تقرير: للإجماع من وجهٍ آخر أن قولهم فيما اختلفوا فيه لطريق، وإلَّا فقد أجمعوا على الخطأ، وذلك ليس دليل العقل, لأن مقتضاه البراءة الأصلية بل دليل شرعي، وليس هو النص؛ لأن مخالفة يستحق العقاب لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا} (¬6) الآية ونعلم بالضرورة أن كل واحدٍ منهم لَمْ يعتقد في صاحبه كونه مستحقًا له، فهو القياس لانعقاد الإجماع على انحصار طرقهم في الثلاثة، وتمامه ما تقدم وهذا أوجز مما تقدم. الخامس: القياس (¬7) يفيد ظن الضرر. فإن من ظنَّ أن حكم الأصل معلل بوصف موجود في الفرع، ظن أن حكمه كحكمه، وهو يعلم أن مخالفة حكم الله تعالى توجب العقاب، فيظن أن مخالفة هذا توجب العقاب، فوجب العمل به, لأن ترجيح الراجح على المرجوح متعين في بداية العقول. ¬

_ (¬1) سقط من "أ، هـ" فيهم. (¬2) معنى هذا الجواب أن التوقف قد يكون في أول الأمر، ثم يرتفع التوقف لظهور الحق، ولا يمكن أن يجمعوا على عدم الإنكار, لأن ذلك يؤدي إلى الإجماع على الخطأ، فكون كلٍ واحد يعتقد أن غيره أولى بالإنكار، فترك الإنكار غير مسلم, لأنه لا بد أن يكون ولو واحدًا أولى بالإنكار فيقوم به. (¬3) سقط من "أ، هـ" أولوية. (¬4) أي أن الأصل بقاء الرضا الذي كان ثابتًا .. (¬5) المقصود بالزمانين زمن الصَّحَابَة وزمن من بعدهم. (¬6) [النساء: 14]. (¬7) سقط من "أ" القياس.

فإن قيل: هذا ينتقض بظن صدق الشاهد قبل استكمال (¬1) العدد، وبظهور المصالح المرسلة وبظن صدق مدعي النبوة، وبظن اليهودي قبح الأعمال الشرعية ولو امتنع الظن فيها (¬2) لدلالة شرعية على فساد تلك (¬3) المظان، لصار عدم الدلالة على فساد المظنة جزءًا من المقتضى للظن، فلا يفيد القياس الظن، إلَّا إذا تبيَّن انتفاء الدلالة على فساده، ثم إنما يجب الاحتراز عن الضرر المظنون إذا لم يمكن تحصيل علم أو ظن أقوى به، فلمَ قلتم إنه لا يمكن تحصيل العلم أو الظن الأقوى بالأحكام (¬4) لا من الكتاب والسنة ولا من الإمام المعصوم. ثم ما ذكرتم معارضٌ بقوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (¬5). وقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (¬6). وقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (¬7). وقوله تعالى: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (¬8). وقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬9) والأقوى (¬10) قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (¬11) وقوله عليه السلام: "تعمل هذه الأمة (¬12) برهةً بالكتاب وبرهةً بالسنة وبرهةً بالقياس، فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا" (¬13) وقوله عليه ¬

_ (¬1) في "هـ" (استعمال) بدل (استكمال). (¬2) سقط من "ب" فيها. (¬3) في "د" (المظنة) بدل (تلك المظان). (¬4) سقط من "ب" لا. (¬5) [الحجرات: 1]. (¬6) [الأعراف: 33]. (¬7) [الإسراء: 36]. (¬8) [الأنعام: 59]. (¬9) [الأنعام: 38]. (¬10) وجه الاحتجاج بالآيات- في الآية الأولى أن التقديم بين يدي الله ورسوله هو القياس، وفي الثَّانية والثالثة: أن القياس قول بغير معلوم، والآية الخامسة والرابعة: أن القياس لا يفتقر إليه والأقوى من الكل الآية الأخيرة, لأنه لو عملنا بالقياس لكان الظن أغنى من الحق. (¬11) [النجم: 28]. (¬12) في "أ" (الآية) بدل (الأمة). (¬13) رواه أبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة ورمز له السيوطي بالضعف، قال الهيثمي فيه عثمان ابن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ متفق على ضعفه (فيض القدير 3/ 256).

السلام: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمهم فتنة قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال ويحلون الحرام" (¬1). الخبر يفيد ظن الضرر في التمسك بالقياس فيجب الاحتراز عنه لما ذكرتم. وبإجماع الصَّحَابَة إذ ذم بعضهم القياس ولم ينكر أحد، وبإجماع العترة، وبأن العمل (¬2) بالقياس يوجب الاختلاف, لأنه تمسك بالأمارات، وهو منهي عنه بقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا} (¬3) وبأن الرَّجل لو قال: أعتقت غانمًا لسواده فقيسوا عليه لم يعتق سائر عبيدة السود. واحتج النظَّام على مذهبه بأن مدار شرعنا على الجمع بَيْن المختلفات والفرق بين المتماثلات، فإنَّه فرق بين الأزمنة وبين الأمكنة في الشرف مع الاستواء في الحقيقة، وجمع بين الماء والتراب في الطهورية مع الاختلاف في الغسل والتنظيف وفرض الغسل من المني والرجيع أنتن (¬4). ونهى عن إرسال السبع على مثله وأقوى منه، وأباحه على البهيمة الضعيفة، وجوَّز للمسافر قصر الأربع دون الاثنتين (¬5)، وأوجب قضاء الصوم على الحائض والصلاة أعظم قدرًا، وجعل الحرة الشوهاء تحصن ويحرم النظر إليها دون الجواري الحسان، وقطع سارق القليل دون غاصب الكثير، وجلد من قذف بالزنا دون من قذف بالكفر، وقبل شاهدين في القتل والكفر دون الزنا، وجلد قاذف الحر الفاجر دون العبد العفيف، وفرق بين الموت والطلاق في العدة وبين الحرة والأمة في الاستبراء، وأوجب بخروج الريح غسل غير ذلك المخرج (¬6)، إذا ثبت هذا وجب أن لا يصح القياس, لأن مبناه على أن الصورتين لما اشتركتا في الحكمة وجب اشتراكهما في الحكم وهو باطل. ¬

_ (¬1) رواه الطَّبْرَانِيّ والبزار ورجاله رجال الصحيح وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. انظر: (مجمع الزوائد 1/ 179، جامع بيان العلم 2/ 134). (¬2) هذا هو دليل العقل. (¬3) [الأنفال: 46]. (¬4) في "أ" (أبين) بدل (أنتن). (¬5) في جميع النسخ اثنتين. (¬6) في "ب، د، جـ" (الموضع) بدل (المخرج).

واحتج من عمَّ المنع وزعم أنَّه لا يفيد الظن: بأن البراءة الأصلية معلومة، فالقياس إن وافقها فلا فائدة فيه، وإن خالفها كان الظني معارضًا لليقيني. وبأن القياس يتوقف على استصحاب ما كان، فالحكم المثبت بالقياس إن كان نفيًا كفى فيه الاستصحاب الذي هو أصل القياس. وإن كان إثباتًا كان الاستصحاب نافيًا (¬1) له. وأنه أصل القياس فترجح عليه، وبأنه متوقف على تعليل أحكام الله تعالى وسيأتي بطلانه. واحتج من منع اتباع الظن بأنه قد يخطئ، فالأمر به آمر بما يجوز كونه خطأ. واحتج من منع اتباع الظن هنا (¬2)، بأن القدرة على التنصيص على قواعد الأحكام الكلية حاصلة، ولا يجوز الاختصار على أدنى البيانين مع القدرة على أعلاهما إزاحة لعذر المكلف في حمل عدم اليقين (¬3) على صعوبة البيان دون تقصيره، فإنَّه كاللطف خرج على هذا (¬4) الشهادة والفتوى والقيم والأروش وأمارات القبلة والأمراض والأرباح والأمور الدنيوية، إذ لا نهاية لها لاختلافها بالأحوال والأشخاص والأوقات والأمكنة. والجواب (¬5) عن: أ- أن عدم المانع لا يصير جزءًا من المقتضي، وإلَّا لكان عدم المانع من نزول الثقيل جزءًا للمقتضي له (¬6)، والعدم لا يكون جزءًا من علة الوجود. ب (¬7) - أنَّه قبل التمكن من تحصيل العلم لا بد له من ترجيح طرف. ¬

_ (¬1) في "ب" (باقيًا) بدل (نافيا) وفي "هـ" نفيًا. (¬2) هذه الفرقة تخالف الفرقة الثَّانية حيث أنَّهم يقولون بجواز التكليف باتباع الظن، لكن غير جائز في القياس، وأما الفرقة الثَّانية فمنعت العمل بالظن مطلقًا. انظر المحصول 2/ 2/ 156. (¬3) في "جـ" التبين وفي "هـ" سقط حمل، وما في "أ"، هو الصواب طبقًا للمحصول 2/ 2/ 157. (¬4) أي بقولنا: (قواعد الأحكام الكلية). (¬5) هذه الأجوبة عن النقض الوارد على المسلك الخاص والجواب الأول منها، وارد على قوله: فإن قيل هذا ينتقض بظن صدق الشاهد قبل استكمال العدد. (¬6) سقط من "ب، د" له. (¬7) أي أنَّه لا نسلم أن جواز الرجوع إلى الظن في الشرعيات مشروط بعدم التمكن من تحصيل العلم.

الآيات (¬1) - ما سبق قيل. الأحاديث- المعارضة بأحاديث العمل بالقياس والتوفيق المتقدم (¬2). الإجماع- ما سبق. وأما إجماع العترة: فروايات الإمامية معارضة لروايات الزيدية عن الأئمة في جواز العمل بالقياس. أ (¬3) - من المعقول: النقض بالأدلة الشرعية (¬4). ب (¬5) - أن العبد لو أمر بالقياس لم يتعد (¬6) الحكم بخلاف الشرع وفاقًا، وسببه أن حقوق العباد مبنية على الشح والضنة، لكثرة حوائجهم- ورجوعهم عن دواعيهم وصوارفهم. جـ (¬7) - أن الغالب رعاية المصالح المعلومة في أحكام الشرع. وتلك (¬8) الصور القليلة (¬9) لا تقدح في ظن تحصيل ظن القبلة (¬10). د، هـ (¬11) - النقض بالشهادة والفتوى والتقويم والأروش وغيرها. ز- ما سبق (¬12) من الكلام على اللطف (¬13). ¬

_ (¬1) وهو أن الحكم الثابت بالقياس معلوم. (¬2) وذلك بحمل النفي على القياس الفاسد والإثبات على القياس الصحيح. (¬3) في "أ، ب" عن أمر المعقول بدل عن "أ" من المعقول. (¬4) أي أن الاختلاف يقع في الأدلة والنصوص الشرعية كما يقع في القياس. (¬5) في "هـ" (السيد) بدل (العبد). (¬6) في "أ، هـ" لم ينفذ. (¬7) هذا الجواب عن دليل النظَّام الأول. (¬8) سقط من "أ" تلك. (¬9) وهي التي ذكرها النظَّام وهي التي تدل على الجمع بين المختلفات والتفريق بين المتماثلات. (¬10) في "هـ" (الغلبة) بدل (القبلة). (¬11) وهذان الجوابان متوجهان لأدلة من منع كون القياس لا يفيد الظن. (¬12) تقدم الكلام على اللطف في الكلام على الإجماع من هذا الكتاب، ونحن نمنع كون اللطف واجبًا، وهذا الجواب عن دليل من قال: إنه لا يجوز اتباع الظن في الأحكام الشرعية. (¬13) في "جـ" (اللفظ) بدل (اللطف).

الفرع الأول

" فروع" الفرع الأول النص على علة الحكم ليس أمرًا بالقياس خلافًا للنظَّام وأبي الحسين البَصْرِيّ وجماعة من الفقهاء. وخلافًا لأبي عبد الله البَصْرِيّ في الترك. لنا: أن قوله: حرمت الخمر, لأنها مسكر يجوز أن تكون العلة إسكار الخمر فلابد من أمرٍ (¬1) آخر بالقياس. فإن قيل: لو جاز هذا لجاز أن يقال الحركة إنما اقتضت المتحركيَّة لقيامها بهذا المحل. ثم العرف أسقط اعتبار هذا الجائز (¬2) إذ يفهم من قول الأب لابنه: لا تأكل هذه الحشيشة, لأنها سم منعه من أكل كل حشيشة هي سم، وأيضًا الغالب على الظن سقوطه, لأن منشأ المفسدة هو الإسكار لا هذا الإسكار. ثم هذا الاحتمال مندفع لو قال علة حرمة الخمر الإسكار. ثم أنَّه رتب الحرمة على الإسكار فيشعر (¬3) بحليته، وقال أبو عبد الله البَصْرِيّ من ترك أكل رمانةٍ لحموضتها لزمه ترك أكل كل رمانةٍ حامضةٍ (¬4)، ولو أكلها لحموضتها لا يلزمه أكل كلِّ رمانةٍ حامضةٍ. والجواب عن: أ- أنَّه إن عُني بالحركة ما يقتضي المتحركية امتنع فرضها بدونها، وإن عُني بها شيء آخر، بحيث يبقى (¬5) فيه الاحتمال لا بد في إبطاله من منفصل. ¬

_ (¬1) سقط من "أ" أمر وسقط من"هـ" آخر. (¬2) سقط من "هـ" الجائز. (¬3) في "هـ" (فلتستقر) بدل (فتشعر). (¬4) سقط من "أ، هـ" من حامضة إلى حامضة. (¬5) في "أ" (ينفى) بدل (يبقى).

الفرع الثاني

ب (¬1) - أن ذاك لقرينة الشفقة. جـ- أنَّه بعد الظن بعلية (¬2) الإسكار إنما يجب الحكم في الفرع، لما ذكرنا من الدليل على وجوب دفع الضرر المظنون لا للتنصيص. د- أنَّه لو قال ذلك لم يكن قياسًا، إذ العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول فلم يتميز الأصل عن الفرع. هـ - أنَّه رتَّب حرمة (¬3) الخمر على إسكارها. و- أن الداعي إلى ترك معين قد تكون حموضته ثم (¬4) لا فرق بينه وبين (¬5) الفعل. لكن إنما لا يجب أكل كل رمانةٍ حامضةٍ, لأنه مشروط بالاشتهاء وخلو المعدة وعدم العلم (¬6) بالتضرر به. " الفرع الثاني" القياس قد يكون جليًا كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف. وقيل: المنع من التأفيف منقول في العرف إلى المنع من أنواع الأذى. لنا: أن اللفظ لم يدل عليه لغةً فكذا عرفًا. إذ النقل خلاف الأصل، ولأنه يحسن من الملك المستولي على عدوه منع الجلاد من صفعه دون قتله، وإذ ليس مستفادًا من اللفظ فهو من القياس. احتجوا بوجوه: أ- تعميم المتع معلوم لمن لم يقل بالقياس وبتقدير منع الشرع من القياس. ¬

_ (¬1) أن الفهم من قول الأب لابنه بعدم التفريق بين هذه الحشيشة وغيرها ليس معروفًا بالعرف بل بقرينة الشفقة. قلت: هذا الجواب ضعيف جدًا, لأنه لو توجه هذا الكلام من أي شخص لأي شخص آخر، فهم منه التسوية لظهور العلة والله أعلم. (¬2) سقط من"هـ" (بعلية الإسكار إنما يجب الحكم في الفرع لما ذكرنا). (¬3) سقط من "أ" حرمة. (¬4) سقط من "أ" ثم. (¬5) أي بين الترك والفعل. (¬6) في "هـ" وعلمه بعدم التضرر.

الفرع الثالث

ب- قولهم: فلان (¬1) لا يملك حبةً وقولهم: لا يملك نقيرًا ولا قطميرًا، وقولهم: فلأن مؤتمن على قنطارٍ، إنما نقله العرف إلى العموم لتسارع الفهم وأنه موجود هنا. والجواب عن: أ- أن القياس يقيني (¬2) فيه فلم يقدح فيه منع الظني. ب- إن نفي الحبة ينفي الأكثر لوجودها فيه دون الأقل، والاتمان على القنطار يفيد الاتمان فيما دونه لوجوده فيه دون ما فوقه. وإنما نقل النقير (¬3) والقطمير (¬4) للضرورة. " الفرع الثالث" (¬5) الحكم في الأصل إن كان يقينيًا لم يكن الحكم في الفرع أقوى. وإن لم يكن فقد يكون أقوى كتحريم الضرب، وقد يكون مساويًا كالمنع من البول في الكوز ثم صبه في الماء الراكد، مقيسًا على المنع من البول فيه ويسمى بالقياس في معنى (¬6) الأصل، وقد يكون أضعف كسائر الأقيسة ثم مراتب التفاوت بحسب مراتب الظنون. ¬

_ (¬1) سقط من جميع النسخ ما عدا "د" فلان. (¬2) في "أ" (يقتضي) بدل (يقيني). (¬3) النقير: هي النقرة على ظهر النواة على ما جاء في المحصول. (¬4) القطمير: القشرة الرقيقة على نواة التمر. (¬5) في "أ" (الثالثة) وفي "جـ" (جـ) والصواب الثالث والفرع زيادة مني. (¬6) في "هـ" (موضع) بدل (معنى).

الفصل الثالث فيما يعرف به كون الوصف علة

" الفصل الثالث" فيما يعرف به كون الوصف علة قال نفاة القياس: تفسر العلة بالمؤثر أو الداعي أو المعرِّف أو برابع. والأول: باطل, لأن الحكم خطاب الله القديم لما سبق، فلا يؤثر فيه الحادث، ولأن استحقاق العقاب وجودي ويعلل بترك الواجب وهو عدمي. فإن قلتَ: لابد للقادر من فعل الشيء أو فعل ضده. قلتُ: نمنعه على رأي أبي الحسين وأبي هاشم ولو سلم، فالمستلزم للعقاب بالذات هو أن لا يفعل الواجب، إذ لو فرض دون فعل الضد استلزمه، وفعل الضد يستلزمه لاستلزامه إياه، ولأن العلل الشرعية تجتمع على معلول واحد كمن زنا وقتل وارتد، إذ الحكم واحد وهو وجوب القتل، ولو تعدد لم تكن إضافة البعض إلى البعض أولى من العكس فيعلل الكل بالكل، واجتماع المؤثرات على أثرٍ واحدٍ محال. ولأن وجوب القصاص يعلل بالقتل العمد العدوان، والعدوانية مفسرة بعدم الاستحقاق، فيكون العدم جزء علة الوجود، ولو جعل شرطًا للعلية دارت العلية معه. فإذا حدثت عند حدوثه افتقرت إلى سبب، ولا سبب سوى الشرط فيكون العدم سببًا للوجود. قال الغزالي (¬1): العلة مؤثرة بجعل الشارع وقد عرفت بطلانه (¬2). ¬

_ (¬1) انظر المستصفى ص 434، وما نقله المصنف عن الغزالي فهو من شفاء الغليل كما قال الإِمام في المحصول. (¬2) ولمعرفة بطلانه نقول: إما أن يريد الغزالي أن الزنا موجب للرجم، بمعنى أن الشارع قال: مهما رأيتم إنسانًا زنا فاعلموا أنني أوجبت رجمه فهذا صحيح، ولكن هذا يرجع لكون الزنا =

والثاني (¬1): باطل إذ هو ما يصير القادر لأجله فاعلًا للفعل أو الترك، وهو في حق الله تعالى محال، إذ الفاعل لغرضٍ مستكمل به، إذ الغرض ما يكون حصوله له أولى، وتلك الأولوَّية متعلقة بفعل الغرض فأمكن زوالها وذلك نقض. فإن قلتَ: هو أولى بالنسبة إلى العبد. قلتُ: فعله لغرض العبد أولى بالنسبة إليه (¬2) أولًا. ويعود الإشكال (¬3)، ولأن الغرض إما جلب نفع أو دفع ضررٍ أو ما يتوسل به إليهما، ومطلوبية الوسائل بالغرض والله تعالى قادر على تحصيلهما (¬4) ابتداءً بدون وساطة الأحكام، فلا تكون فاعليته لها لأجلهما. إذ يلزم من انتفاء العلة وما يقوم مقامها انتفاء المعلول. والثالث: باطل إذ حكم الأصل يعرف بالنص، ثم تعرف علية الوصف بعده. والرابع: لابد من بيانه. والجواب: أنا نعني بها المعرف، والوصف إنما يعرف الحكم في الفرع دون الأصل. إذا عرفت هذا فنقول ما يعرف (¬5) به عليَّة الوصف عشرة (¬6): ¬

_ = معرفًا وهو غير ما نحن فيه، وإن أراد به بجعل الزنا مؤثرًا في هذا الحكم فهو باطل أَيضًا لوجهين: أ- الحكم خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين، وهو كلامه القديم فكيف تكون الصفة المحدثة موجبة للشيء القديم، سواء أكانت هذه الموجبية بالذات أو بالجعل. ب- إذا جعل الشارع الزنا علة، فلا بد أن يصدر عنه أمر وهو الحكم، فيكون حينئذٍ المؤثر الشارع وليس الوصف. وقد فرض أن المؤثر هو الوصف هذا خلف. (¬1) المراد بالثاني: الداعي. (¬2) في "أ" إذ لا يعود. (¬3) سقط من "أ" سطر من الإشكال إلى الوسائل. (¬4) في "أ" تحصيلها ولأجلها. (¬5) في (ب، جـ) ما يعرف علية وفي "هـ" (ما به تعرف علية) والكل صحيح. (¬6) ذكر القاضي الأرموي هنا ما يعرف به علية الوصف، أنها عشرة ولكن اضطربت النسخ في حصر العشرة، حيث أن بعضها جعلت السير والتقسيم اثنين لكي تكمل العشرة، ومن لم يعتبر =

الأول: النص

" الأول: النص" وذلك إما بالتصريح بالعلية كقوله: لعلة كذا أو من أَجل كذا، أو إدخال لفظ يفيد العلية وهو "اللام وإن والباء" قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (¬1). وقال عليه السلام: "إنها من الطوافين" (¬2). وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ} (¬3) وبحصول الإِلصاق بين العلة والمعلول حسن استعمال الباء فيه. فإن قلتَ: اللام ليس للعلية لدخولها على العلة. ولقوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} (¬4) وليست جهنم غرضًا (¬5)، وقال الشاعرِ: لدوا للموت وابنوا للخراب (¬6). ويقال: أصلي لله وليس ذات الله غرضًا. قلت: صرح أهل اللغة بأنها للعلية فالاستعمالات المذكورة مجازات. ¬

_ = السبر والتقسيم اثنين كانت عنده تسعة، وأما الإمام في المحصول فكانت عنده عشرة مع اعتباره السبر والتقسيم واحدًا. وذلك لأنه ألحق بالتسعة عاشرة، وهي طرق لا تصلح أن يعرف بها العلة، وهذه الطرق أوردتها نسخ التحصيل تحت عنوان خاتمة فليتنبه لذلك. (¬1) [الذاريات: 56]. (¬2) تقدم تخريج الحديث في صفحة (1/ 418) من هذا الكتاب. (¬3) [الحشر: 4]. (¬4) [الأعراف: 179]. (¬5) سقط من "أ" سطر من (غرضًا إلى غرضًا). (¬6) أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة والزُّبير مرفوعًا من حديثٍ طويل، وفيه: وأن ملكًا بباب آخر في الجنة يقول: يَا أيها النَّاس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وأن ملكًا بباب آخر ينادي يَا ابن آدم: لدوا للموت وابنوا للخراب، ورواه أَيضًا البيهقي عن أبي حكيمً مولى الزُّبير وفي سنده ضعيفان وأبو حكيم مجهول. ورواه أبو نعيم عن أبي ذر موقوفًا. وأخرج الثعلبي في تفسيره عن كعب الْأَحبار بسندٍ واهٍ قال: صاح ورشان عند سليمان بن داود. فقال: أتدرون ما يقول هذا؟. قالوا: الله ورسوله أعلم. قال يقول: لدوا للموت وابنوا للخراب فذكر قصة طويلة. وأخرج أَحْمد في الزهد عن عبد الواحد بن زياد أن عيسى ابن مريم قال: (يا بني آدم لدوا للموت وابنوا للخراب تفنى نفوسكم وتبلى دياركم). كشف الخفا 2/ 140.

الثاني: الإيماء وهو أنواع

" الثاني: الإيماء" وهو أنواع: أ- تعليق الحكم بالوصف (¬1). فإن كان بالفاء فقد يدخل على الوصف المتأخر، كقوله عليه السلام: "لا تقربوه طيبًا فإنَّه يبعث (¬2) يوم القيامة ملبيًا" (¬3). وقد تدخل على الحكم المتأخر إما في كلام الشارع كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (¬4). وإما في كلام الراوي كقوله: (سهى رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسجد) (¬5)، والثاني أقوى الكل إذ إشعار العلة بالمعلول أقوى من العكس، والثالث أضعفه. ثم ترتب الحكم على الوصف يشعر بعليته خلافًا لقوم في غير المناسب (¬6). لنا: أ- أنَّه يقبح أن يقال: أكرم الجاهل وأهن العالم، والموجود إما نفي أمره بإكرام الجاهل، أو هو مانعيَّة الجهل منه أو مع جعل الجهل علة له. والجاهل قد يحسن إكرامه لنسبٍ أو شجاعةٍ أو غيرهما، فلم يقبح الأول ولم يوجد الثاني فتعين الثالث. وإذا ثبت في هذه الصورة فكذا في غيرها دفعًا للاشتراك عن التركيب. ب- الحكم لا بد له من (¬7) علة، إذ الفعل بدون الداعي عبث ولم يوجد غير هذا الوصف بالأصل. ¬

_ (¬1) وفي "ب، جـ، د" بالوصف المتأخر بحرف الفاء. (¬2) في "ب، جـ، د، هـ" يحشر والموافق للحديث حسب ما وجدته يبعث. (¬3) أخرجه مسلم والنَّسائيّ وابن ماجه من حديث ابن عباس: (أن رجلًا أوقعته راحلته وهو محرم فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اغسلوه بماءٍ وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه طيبًا ولا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنَّه يبعث يوم القيامة ملبيًا) نصب الراية 3/ 28. (¬4) [المائدة: 38]. (¬5) بهذا اللفظ لم أعثر عليه ولكن في البُخَارِيّ ذكر السهو ثم عقب عليه بقوله فسجد. (فتح الباري 3/ 92). (¬6) سقط من "أ" (في غير المناسب). (¬7) سقط من "ب" (من علة).

ب- أن يحكم على السائل بعد سماع وصف منه. كما إذا قال: أفطرت فقال: عليك الكفارة وهو يشعر بالعلية, لأنه يصلح جوابًا له فيفيد ظن عوده إليه والسؤال معاد في الجواب. فصار كقوله: أفطرت فكفِّر. وما يذكر عقيب السؤال (¬1) قد يكون جوابًا عن سؤالٍ آخر (¬2)، وقد يكون زجرًا عن السؤال كقول السيد لعبده: اشتغل بشغلك. عقيب قوله: أيدخل زيد الدار؟ لكنه نادر لا يخرم الظن فكذا القول فيما يزعمه الراوي جوابًا, لأن كون الكلام جوابًا أمر ظاهر يعرف عند المشاهدة بالضرورة. جـ- أن يُذكر في الحكم وصف لو لم يكن علةً لم يفد ذكره (¬3). كقوله عليه السلام: "إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين" (¬4). وقوله: "ثمرة طيبة وماء طهور" (¬5) وقوله عليه السلام: "أينقصُ الرِطب إذا جفَّ؟ فقالوا: نعم، قال: فلا إذن" (¬6) وقوله عليه السلام: "أرأيت لو ¬

_ (¬1) في "أ" قد لا يكون. (¬2) سقط من "هـ" عن سؤال آخر. (¬3) في جميع النسخ ما عدا "جـ" الثالث وما اخترناه أولى. (¬4) تقدم تخريج الحديث في صفحة (1/ 418) من هذا الكتاب. (¬5) رواه أبو داود والتِّرمذيّ وابن ماجه وأَحمد عن عبد الله بن مسعود: (أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قال له ليلة الجن: أعندك طهور؟ قال: لا إلَّا شيء من نبيذ في إداوةٍ فقال تمرة طيبة وماء طهور) وزاد التِّرْمِذِيّ فتوضأ منه. ضعّف العلماء هذا الحديث بثلاث علل: أ- جهالة أبي زيد. ب- التردد في أبي فزارة هل هو راشد بن كيسان أو غيره؟ ب- أن ابن مسعود لم يشهد مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن، وأخرج الحديث أَيضًا ابن ماجه وأَحمد والطبراني والبزار والدارقطني بسند آخر فيه ابن لهيعة وهو ضعيف (انظر نصب الراية 1/ 137). (¬6) أخرج مالك والشافعي وأَحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي والبزار من حديث سعد بن أبي وقَّاص: أن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- سئل عن بيع الرطب بالتَّمر فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم. قال: فلا إذًا: وفي روايةٍ لأبي داود والحاكم "نهى عن بيع الرطب بالتَّمر نسيئة" وقد أعل هذا الحديث جماعة بجهالة زيد أبي عياش ومنهم الطحاوي والطبري وأبو محمَّد بن حزم وعبد الحق. والجواب أن الدارقطني قال: إنه ثِقَة =

تمضمضت بماء" (¬1). الحديث أشعر بالتشبيه بعلية المشترك، وهو عدم حصول المطلوب. د- أن يفرق بين الشيئين في الحكم (¬2) بذكر الوصف عند (¬3) ذكر حكمهما في خطابين. كقوله عليه السلام: "القاتل لا يرث" (¬4). أو في خطاب. وقد يفرق بلفظ الشرط كقوله عليه السلام: "فإذا اختلف الجنسان" (¬5). وبالغاية كقوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} (¬6). وبالاستثناء كقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (¬7). أو بالاستدراك كقوله: {وَلَكِنْ} (¬8) أو باستئناف صفة للثاني مما يجوز أن يؤثر كقوله عليه السلام: "للراجل سهم وللفارس سهمان" (¬9). ودليله أنَّه لا بد للتفرقة من سببٍ ولذكر الوصف من فائدةٍ وجعل الوصف سببًا للتفرقة فائدة. ¬

_ = ثبت. وقال المنذري: قد روى عنه إثنان ثقتان وقد اعتمده مالك مع شدة نقده وصححه التِّرْمِذِيّ والحاكم، انظر (تلخيص الحبير 3/ 9). (¬1) هذا القول موجه لعمر عندما سأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن قبلة الصائم وتقدم الحديث في صفحة (1/ 434). (¬2) في الحكم موجود في (أ، هـ) فقط. (¬3) سقط من "هـ" عند. (¬4) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 165) من هذا الكتاب. (¬5) روى الجماعة إلَّا البُخَارِيّ من حديث عبادة بن الصامت قال: الذهب بالذَّهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتَّمر بالتَّمر والملح بالملح مِثلًا بمثل سواءً بسواء يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ وأخرجه الطَّبْرَانِيّ والدارقطني (نصب الراية 4/ 4). (¬6) [البقرة: 222]. (¬7) [البقرة: 237]. (¬8) إشارة لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}. (¬9) لم أعثر عليه بهذا اللفظ رغم التفتيش الشديد وجميع الأحاديث الموجودة لفظها متقارب وهو: (قسم رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان وللرجل سهم) وقد وجدت في حاشية سنن النَّسائيّ أن الفقهاء قالت: للراجل سهم وللفارس سهمان مخالفين الأحاديث، وذلك للرأي وهو عدم ترجيح الفرس على الرَّجل. انظر النَّسائيّ كتاب الخيل 3/ 122، والتِّرمذيّ السير 4/ 124، وابن ماجه الجهاد 2/ 952، موطأ مالك الجهاد 2/ 456، وذكر في حاشية الموطأ أنَّه أخرجه البُخَارِيّ في كتاب الجهاد، والسِيَر وفي باب سهام الفرس، ومسلم =

الثالث: المناسبة

هـ - المنع (¬1) من فعل ما يمنع الواجب، وهو يشعر بأن علة المنع كونه مانعًا من الواجب كقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (¬2). تنبيه: ظاهر الإيماء (¬3) قد يترك لمانع كما في قوله عليه السلام: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" (¬4). فإنا لما علمنا أن الغضب اليسير لا يشوش الفكر ولا يمنع القضاء والجوع المبرح يشوش الفكر ويمنع القضاء، علمنا أنْ العلة ليست الغضب بل المشوش للفكر. لكن أطلق لفظ الغضب لإرادة التشويش إطلاقًا لاسم السبب على المسبب. " الثالث: المناسبة" عرفها من لم يعلل أحكام الله بالمصالح (بالملاءمة لأفعال العقلاء في العادات) يقال: هذه اللؤلؤة تناسب هذه، وهذه الجبة تناسب هذه العمامة، ومن يعللها يعرفها: (بجلب المنفعة ودفع المضرة). إذ المنفعة اللذة أو طريقها، والمضرة الألم أو طريقه، وتصور اللذة والألم بديهي, لأنهما من أظهر ما يجد الحي من نفسه، ويفرق بالضرورة بينهما وبين كل واحدٍ منهما وبين غيرهما، وفيه مسائل: ¬

_ = في كتاب الجهاد، والسِيَر في قسم الغنائم، وانظر مسند أَحْمد 6/ 448 - 3/ 425، وسنن أبي داود الجهاد 2/ 143، والدارمي السِيَر 32. (¬1) في "ب، جـ، د" (أن يمنع) بدل (المنع). (¬2) [الجمعة: 9]. (¬3) في "هـ" (الأسماء) بدل (الإيماء). (¬4) متفق عليه بلفظ: (لا يحكم بحكم أحد بين اثنين وهو غضبان). تقدم الحديث في ص (1/ 394).

المسألة الأولى

" المسألة الأولى" (في تقاسيم المناسب) التقسيم الأول: المناسب إما حقيقي أو إقناعي، والحقيقي إما لمصلحةٍ دنيوية أو دينية، والدنيوية إما في محل الضرورة أو الحاجة أو لا في أحدهما. والأول: حفظ النفس والمال والنسب والدين والعقل، فالنفس (¬1) حفظت بشرع القصاص، والمال بشرع الضمان والحد، والنسب بشرع الزاجر عن الزنا لئلا تختلط الأنساب فيضيع الولد، والدين حفظ بشرع الزاجر عن الردة وقتال أهل الحرب، والعقل بتحريم المسكر. والثاني: كتزويج الصغيرة لحاجة تقييد الكفء. والثالث: كالتحسينات والحث على مكارم الأخلاق، وهذا منه ما لا يعارض قاعدة معتبرة، كتحريم القاذورات ومنه ما (¬2) يعارضها كشرعية الكتابة والمصلحة الدينية كرياضة النفس وتهذيب الأخلاق. ثم كل مرتبةٍ من كل قسم قد يظهر كونها من ذلك القسم، كشرعية القصاص بالقتل بالمثقل يظهر كونها من قسم الضرورة، إذ ليس في المحدَّد (¬3) زيادة مئنة ليست في المثقل (¬4)، ومنه ما لا يظهر فيه (¬5) ذلك، كإيجاب قطع الأيدي باليد الواحدة، ويحتمل (¬6) كونه من قسم الضرورة لئلا يتخذ التعاون ذريعة لدفع القصاص، ولم يظهر كونه منه إذ الاستعانة بالغير (¬7) ¬

_ (¬1) سقط من "ب، جـ، د" سطران من (فالنفى إلى والعقل). (¬2) في "ب" (ومهما) بدل (ما). (¬3) في "ب, جـ، د، هـ" (المثقل) بدل (المحدَّد). والصواب المحدد وانظر المحصول 2/ 2/ 224. (¬4) في "ب" ترك فراغ بدل "في المثقل". (¬5) في "ب، جـ، د" (كونه فيه) بدل (فيه ذلك). (¬6) سقط من "ب، د" سطر من ويحتمل إلى كونه منه. (¬7) سقط من "أ" بالغير.

تتوقف على مساعدة الغير وقد لا يساعده بخلاف المنفرد (¬1). والإقناعي: ما يظن (¬2) في أول الوهلة مناسبته. ثم إذا حقق (¬3) ظهر كونه غير مناسب، كمناسبة النجاسة لحرمة البيع, لأنها مناسبة للإذلال وتجويز البيع يناسب الإعزاز وبينهما تناقض. لكن معنى النجاسة كونه لا تجوز الصلاة معه ولا مناسبة بينه وبين المنع من البيع. التقسيم (¬4) الثاني: المناسب إما أن يعلم أن الشارع اعتبره (¬5) أو ألغاه أو لا يعلم واحد منهما (¬6). والمعتبر إما نوعه أو جنسه في نوع الحكم أو جنسه. والأول: كإثبات تحريم النبيذ بالمسكر لاعتباره (¬7) في تحريم الخمر. والثاني: كإثبات تقديم الأخ من الأبوين في ولاية النكاح بالأخوة من الأبوين لاعتبارها في ولاية الميراث، والأول أظهر لقلة الاختلاف. والثالث: كإثبات سقوط قضاء الصلاة عن الحائض بالمشقة، لاعتبارها في سقوط قضاء الركعتين في السفر. والرابع: كإثبات إيجاب مثل حد القاذف على الشارب، بإتامة مظنة الشيء مقامه لاعتبار إقامة الخلوة بالمرأة مقام وطئها في الحرمة. ثم قد عرفت أقسام الحكم والوصف، ولا يخفى عليك أقسام الأقسام فكلما كان الوصف والحكم أخص كان ظن (¬8) اعتباره فيه آكدًا. ¬

_ (¬1) سقط من "أ" بخلاف المنفرد. (¬2) في "ب, جـ، د" (يظهر) بدل (يظن) وما في "أ، هـ" هو الصواب لموافقته المحصول 2/ 2/ 225. (¬3) في "ب، د" فتش بدل حقق وفي "جـ" حقق في الهامش. (¬4) أبدلت "ب" بالتقسيم الثاني توضيحًا. (¬5) أي جعله معرفًا للحكم. (¬6) سقط من "أ، هـ" واحد منهما. (¬7) في "هـ" الاعتباره بالمسكر) بدل (بالمسكر لاعتباره). (¬8) سقط من "هـ" ظن.

المسألة الثانية

والمناسب الملغى (¬1) غير معتبر، وما لا يعلم حالة إنما يكون بحسب وصف أخص من كونه مصلحة. لأنه معلوم الاعتبار ويسمى بالمصالح المرسلة، وإذا ضربنا أقسام هذا التقسيم في أقسام التقسيم الأول يحصل أقسام كثيرة يقع (¬2) بينها التراجح. التقسيم الثالث: المناسب: إما ملائم وهو (ما وقع حكمه على وفق حكمٍ آخر). وإما غير ملائم، وعلى التقديرين فإما أن يشهد له أصل معين أو لا. والأول مقبول وفاقًا كالقتل للقصاص، فإنَّه اعتبر خصوصه في خصوصه وعمومه وهو جنس الجناية في عمومه وهو جنس العقوبة. والرابع (¬3): مردود وفاقًا، كحرمان الميراث بالقتل معارضة له بنقيض قصده لو فرض أن لا نص فيه، والثاني (¬4): كتحريم المسكر صيانةً للعقل. والثالث (¬5): كالمصالح المرسلة. " المسألة الثَّانية" المناسبة لا تبطل بالمعارضة, لأن المناسبتين إن تساوتا امتنع بطلان أحداهما بالأخرى، وإلا فلو بطلت إحداهما بالأخرى لتنافيتا، والمساوي إذا لم ينف (¬6) المساوى فالمرجوح أولى أن لا ينفي (¬7) الراجح. ¬

_ (¬1) مثال المناسب الملغى كإيجابهم صوم شهرين متتابعين على ملك واقع في نهار رمضان، غير أن يطلب منه أولًا إعتاق رقبة معللًا ذلك: أنَّه يسهل عليه إعتاق الرقبة وسيحتقر الاعتاق في سبيل قضاء شهوته، وهذا التعليل وإن كان مناسبًا فإنَّه ملغى, لأن السنة نصت على خلافه. (¬2) في "ب، د" (يحصل) بدل (يقع) والمعنى واحد. (¬3) وهو المناسب الغير ملائم. ولا يشهد له أصل معين في الشرع. (¬4) هو غير الملائم الذي شهد له أصل. (¬5) هو الملائم الذي لم يشهد له أصل. (¬6) في "هـ" (يثبت) بدل (ينفي). (¬7) في "هـ" أولى بنفي الراجح.

المسألة الثالثة

أ- أنَّه لا بد وأن يبقى (¬1) من الراجح ما لا يقابل المرجوح، فالمقدار المساوي للمرجوح من الراجح يمتنع ارتفاع أحدهما بالآخر. وأيضًا ليس ارتفاع بعض أجزاء الراجح بالمرجوح أولى من البعض. ب- أن إثبات الشرع الأحكام المختلفة، كترتيب الثواب والعقاب على الصلاة في الدار المغصوبة، لكونها صلاة وغصبًا يفيد المطلوب، إذ المصلحة والمفسدة إن تساوتا اندفعتا، فلم يحصل ذم ولا مدح وإلاَّ اندفعت المرجوحة فلم يحصل الذم أو (¬2) المدح. " المسألة الثالثة" المناسبة تفيد ظن العلية لأنه تعالى شرع الأحكام لمصالح العباد، وهذه مصلحة فيحصل ظن شرعه لها. أما الأول (¬3) فلوجوه: أ- تخصيص الواقعة بالحكم المعين بمرجح عائدٍ إلى العبد، وإلَّا لزم الترجيح بلا مرجح أو خلاف الإجماع، وليس مفسدةً ولا لا مفسدة (¬4) ولا مصلحةً بالاتفاق فهو مصلحة. ب- أنَّه تعالى حكيم، والحكيم من يفعل لمصلحةٍ إذ الفعل لا لمصلحة عبث والله تعالى ليس بعابث بالإجماع. ولقوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} (¬5). وقال تعالى: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} (¬6). وقوله ¬

_ (¬1) في "أ" (ينفى بدل (يبقى). (¬2) في "أ" ولا المدح. (¬3) أي المناسبة تفيد ظن العليَّة. (¬4) سقط من "أ" (ولا لا مفسدة) وعبارة المحصول العائد إلى العبد إما أن يكون مصلحة العبد أو مفسدته وإما أن لا يكون مصلحة له ولا مفسدة، والقسم الثاني والثالث باطلان. المحصول 2/ 2/ 238. (¬5) [المؤمنون: 115]. (¬6) [آل عمران: 191].

تعالى: {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} (¬1). ولأن السفه نقصٌ وهو على الله تعالى محال. جـ- أنَّه خلق الآدمي مكرمًا للآية (¬2)، والسعي في تحصيل مطلوب المكرم ملائم، فيحصل ظن أنَّه لا يشرع إلَّا ما هو مصلحة له. أنَّه تعالى خلقه للعبادة للآية، والحكيم إذا أمر عبده بشيء يحصل مصلحته ليفرغ باله ويتمكن من الإِتيان به. هـ- أنَّه تعالى رؤوف رحيم، وليس شرعه ما لا مصلحة فيه للعبد رأفةً ورحمةً وتتأيد الوجوه بمثل قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (¬3). وبقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (¬4). وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} (¬5). وبقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬6). وقوله عليه السلام: "بُعثت بالحنفية السهلة السمحة" (¬7). وبقوله عليه السلام: "لا ضرر ولا إضرار في الإِسلام" (¬8). ثم المعتزلة صرحوا (¬9) بالغرض، وصرح الفقهاء بأنه تعالى شرع الحكم لكذا. ولو سمعوا لفظ الغرض لكفروا قائله، مع أنَّه ¬

_ (¬1) [الدخان: 39]. (¬2) في "ب" للآية وهي قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}. (¬3) [الأنبياء: 107]. (¬4) [الجاثية: 13]. (¬5) [البقرة: 185]. (¬6) [الحج: 78]. (¬7) أخرجه الخَطيب بلفظ: (بعثت بالحنفية السمحة ومن خالف سنتي فليس مني). ورواه الديلمي وأَحمد بسند حسن عن عائشة في حديث الحبشة ولعبهم بلفظ: (لتعلم يهود أن في ديننا فسحة وانني بعثتُ بالحنفية). وترجم البُخَارِيّ في صحيحه, بلفظ: (أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة). ورواه في الأدب المفرد عن ابن عباس (كشف الخفا 1/ 217). (¬8) رواه الشَّافعيّ مرسلًا ورواه أَحْمد وعبد الرزاق وابن ماجه من طريق ابن عباس، وفي سنده جابر الجعفي متهم بالكذب ورواه الدارقطني والطبراني والحاكم من حديث أبي سعيد. وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وروي من طرق أخرى كلها لم تخل من مقال. انظر (نصب الراية 4/ 385). (¬9) في "د" صرحوا جوابًا بالغرض.

لا معنى له إلا ذلك وقالوا أَيضًا: الله تعالى لا يفعل إلَّا ما فيه مصلحة العبد تفضلًا لا وجوبًا. وأما الثاني (¬1) فظاهر، وأما الثالث (¬2) فلوجهين: أ- أن غير هذه المصلحة ليس مقتضيًا لهذا الحكم, لأنه لم يكن مقتضيًا له (¬3) في الأزل وإلَّا لكان الحكم ثابتًا في الأزل، والأصل استمراره فالمقتضي هذه المصلحة. ولقائلٍ أن (¬4) يعارض هذا بمثله ودفعه سهل يعرف بالتأمل. ب- أن الملك إذا علم أنَّه لا يفعل إلا لمصلحة. ثم أعطى الفقير درهمًا وعلم مناسبة فقره، ولم يعلم جهة أخرى غلب على الظن أنَّه إنما أعطاه لفقره، فدار الظن بالعلية مع الأمور الثلاثة، والدوران يفيد ظن العلية فيحصل ظن أنَّه تعالى إنما شرع هذا الحكم لهذه المصلحة. الثاني: لبيان أن المناسبة تفيد ظن العلية، وإن لم نعلل أحكام الله تعالى بالأغراض إنَّا لما تأملنا رأينا الأحكام والمصالح متقارنتين فالعلم بأحدهما يقتضي ظن حصول الآخر، فإن تكرير الشيء مرارًا كثيرةً على وجه يقتضي ظن أنَّه متى وقع وقع علىٍ ذلك الوجه. فإن دوران الفلك وطلوع الكواكب وغروبها لما تكررت مرارًا كثيرةً على نسقٍ واحد ظننا وقوعها عليه في الغد، وكذلك في حصول الشبع عقيب الأكل والاحتراق عند مماسة النَّار. ¬

_ (¬1) الثاني: إشارة إلى قوله في الصفحة السابقة (هذا الفعل مشتمل على هذه الجهة من المصلحة). (¬2) الثالث: يعني به (حصول الظن لشرعية الحكم لهذه المصلحة). (¬3) في "أ" (لهذا الحكم) بدل (له)، وقد يكون سبب الإبدال أنَّه تفسير للضمير في "له", لأن الضمير يرجع لهذا الحكم انظر المحصول 2/ 2/ 243. (¬4) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي هذا على دليل الإِمام الرَّازيّ -رحمهما الله- وذلك بالمعارضة بمثل، دليله، وذلك أن يقال يمتنع أن تكون هذه المصلحة علةً للحكم, لأنها لم تكن مقتضية له في الأزل لما ذكرتم، والأصل بقاؤه على العدم. وقد أجاب التستري عن اعتراض القاضي الأرموي هذا بأن الحكم ثابت، ولا بد له من علو وهي هذه المصلحة لا غيرها.

فإن قيل: لا نسلم أنه تعالى شرع الأحكام لمصالح العباد. قوله: تخصيص الواقعة بالحكم لمرجحٍ عائدٍ إلى العبد. قلنا: التخصيص إذ لم يتوقف على مرجحٍ بطل الدليل، وإن توقف وكان فعل العبد واقعًا بالله كان الله تعالى فاعلًا للكفر والمعصية فلا يجب أن يفعل ما فيه مصلحة العباد. وإن كان واقعًا بالعبد ولم يتمكن من الترك، والقدرة والداعية مخلوقتان لله تعالى وهما تستلزمان المعصية، عاد المحذور، وإن تمكن منه توقف ترجيح أحدهما على الآخر على مرجح مخلوق لله تعالى دفعًا للتسلسل، ويكون ذلك مستلزمًا للمعصية، فيعود المحذور، وتمام تقريره في مسألة تكليف ما لا يطاق. ثم ما ذكرتم معارض بوجوه تكليف ما لا يطاق (¬1) وغيرها. أ- أن فعل العبد واقع بالله تعالى، إذ لو وقع (¬2) به لعلم تفاصيله فإنَّه واقع على كيفيَّةٍ وكميةٍ مخصوصة مع جواز وقوعه على خلافها، فله مخصص (¬3) وإلا استغنى حدوث العالم (¬4) في وقتٍ معين عن (¬5) مخصص، والتخصيص هو القصد إلى إيقاعه على ذلك الوجه، فهو مشروط بالعلم بذلك الوجه واللازم منتفٍ, لأن النائم بل اليقظان يفعل من غير علم بكيفية فعله، إذ الفاعل للحركة البطيئة فاعل للسكون معها أو لغرض آخر قائم بها. ولم يشعر بشيء منهما (¬6) ولأنه مقدورٌ لله تعالى إذ مصحح المقدوريَّة الإمكان. فلو قدر عليه العبد لقدر على كل ممكن. ولكان إذا أراد إيجاده لتوارد عليه مؤثران مستقلان، أو أراد أحدهما تحريك محل والآخر تسكينه لتمانع المؤثران ويجتمع الضدان ¬

_ (¬1) ذكر الإِمام الرَّازيّ في المحصول وجوهًا سبعة من التكليف بما لا يطاق، ولم يذكر القاضي الأرموي هنا منها شيئًا. انظر المحصول من لوحة 3/ 57/ 59، مخطوطة لندن، والنسخة المطبوعة 2/ 2/ 257. (¬2) أي إذ لو كان مخلوقًا للعبد. (¬3) في "هـ" (تخصيص) بدل (مخصص). (¬4) في "أ" (العلم) بدل (العالم). (¬5) في "أ" (غير) بدل (عن). (¬6) سقط من "ب، جـ، د" ولم يشعر بشيء منهما.

فكل كفرٍ ومعصية بفعل الله تعالى، فلم يجب أن يفعل لمصالح العباد. فإن قلتَ: الله تعالى أجرى عادته بخلق الكفر والإيمان عند اختيارهما فمنشأ المفسدة اختيار المكلف. قلت اختيار المكلف من فعله تعالى لكونه فاعلًا لكل أفعال العباد وعاد المحذور. ولقائلٍ أن يقول (¬1): إنه يشعر بذلك عند الإيجاد لكنه لا يبقى ولا نسلم أن الإمكان علَّة المقدوريَّة بل هو شرطها. ثم تعلق إرادة أحد القادرين بالمقدور مشروطة بعدم تعلق إرادة الآخر به (¬2). ب- تخصيص إيجاد العالم بوقت معين وتقدير الكواكب والسموات والأرضين بمقادير مخصوصة ليس لمصلحة العباد. فإن الزيادة والنقصان جزء لا يتجزأ لا تغير مصالحهم. جـ- خلق الكافر الفقير الذي لم يزل في المحنة إلى زمان الموت ليس لمصلحته. د- خلق الخلق وركب فيهم الشهوة والغضب حتَّى يقتل بعضهم بعضًا، مع قدرته على خلقهم ابتداء في الجنة واغنائهم بالمشتهيات الحسنة عن القبيحة. ¬

_ (¬1) خلاصة هذا الاعتراض أنَّه يتضمن ثلاثة اعتراضات: الأول: هو نفي اللازم, لأن الفاعل لغرض قائم يشعر بالحركة عند إيجاده ولكن هذا الشعور لا يبقى. والثاني: عدم تسليم اللزوم، فإن الإمكان ليس علةَ المقدوريَّة بل شرطها ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط، لجواز أن تنتفي القدرة على البعض، إما لمانع يختص به أو لعدم وفاء قدرة العبد بالكل. الثالث: أنَّه يلزم توارد المؤثرين أو تمانعهما، لو لم يكن تعلق أحد القادرين بالمقدور مشروطًا بعدم تعلق إرادة الآخر وهو ممنوع. وقال بدر الدين التستري: الأولى أن يقال في المنع الأول، كما قال ابن سينا: أن التخيل شيء والشعور به شيء آخر، وبقاء التخيل في الذكر بعد زواله أمر آخر، فلا يلزم من انتفاء التخيل في الذكر انتفاء الكل، وغايته أن يكون لا شعور له بذلك الشعور ولا يلزم منه انتفاء ذلك الشعور لتغايرهما. (¬2) (ب) موجودة في "أ" فقط.

ولا يقال: إنما فعل ذلك ليعوضه (¬1) في الآخرة ويكون لطفًا لمكلفٍ آخر. لأن إعطاء ذلك ابتداءً أولى ولا يحسن إيلام حيوان لطفًا لآخر. ثم لا نسلم أنَّه يغلب على ظننا أن شرع هذا الحكم لهذه المصلحة. وأما الاستصحاب والدوران فسنتكلم (¬2) عليهما وأيضًا الدوران إنما يفيد الظن لو سلم عن المزاحم. والمزاحم أن العبد يميل بطبعه إلى جلب (¬3) المصلحة ودفع المضرة والله تعالى منزه عنه. ولأن المعتبر دفع الحاجة الخاصة، والملك يراعي النوع، والله تعالى عادته مختلفة في رعاية المصالح جنسًا ونوعًا، ولذلك قد يَحْسُنُ شيء عند الله تعالى ويقبحُ عندنا وبالعكس ولذلك تستقبح الشرائع المتقدمة. ثم ما ذكرتم معارض بوجوه: أ- حكم الشرع لو كان لدفع الحاجة لدفعَ الحاجات كلها, لأنها مشتركة في نفس الحاجة ومتمايزة بخصوصياتها. فما به يمتاز كل حاجةٍ عن غيرها لا يكون حاجةً فلا يعتبر (¬4). ب- تعليل حكم الله تعالى بالمصلحة يستلزم خلاف الأصل, لأن عبادات الشرائع المتقدمة قبيحة الآن، فذلك لشرطٍ لم يوجد أو لمانعٍ وجد، وتوقيف المقتضى على شرط وتخلف حكمه عنه لمانع (¬5) خلاف الأصل. جـ- تعليل الحكم بالحكمة لا يجوز لخفائها وعدم ضبطها, ولا بالوصف لأن التعليل بالوصف لاشتماله على الحكمة (¬6) فهي العلة (¬7). ¬

_ (¬1) في "أ" لتعرضه وما في النسخ الأخرى موافق للمحصول 2/ 2/ 264. (¬2) في "د" (فتكلم) بدل (فستتكلم). (¬3) في "أ" (طلب) بدل (جلب). (¬4) سقط من "ب، د" فلا يعتبر وموجود في "جـ" في الهامش. (¬5) في "د" (عند المانع) بدل (عنده مانع). (¬6) في "هـ" (المصلحة) بدل (الحكمة). (¬7) الوصف إنما يكون علةَ الحكم، لاشتماله على تلك الحكمة فيعود الأمر إلى كون الحكمة علة لعلية الوصف، فيعود المحذور وهو عدم انضباط الحكمة.

الرابع: المؤثر

والجواب عن المعارضات: أنها تنفي التكليف (¬1)، والقول بالقياس تفريع عليه، وإنما يرد الفرقان (¬2) على من يوجب تعليل (¬3) أحكام الله تعالى بالمصالح، ونحن نقول بأنه تعالى يفعل على وجه مصلحة العبد تفضلًا. وعن المعارضات الأخيرة: النقض بتعليل أفعالنا بالأغراض. " الرابع (¬4): المؤثر" وهو كون هذا الوصف مؤثرًا في جنس (¬5) الحكم دون غيره، وذلك يفيد كونه أولى بالعلية كالبلوغ فإنَّه يؤثر في رفع الحجر عن المال، فيؤثر في رفع الحجر عن النكاح دون الثيابة (¬6)، فإنَّها لا تؤثر في جنس هذا الحكم وهو رفع الحجر. وكقولهم الأخ من الأبوين مقدم في الميراث، فيقدم في النكاح واعلم أن ذلك إنما يتم بالمناسبة أو السير. " الخامس (¬7): الشبه" قال القاضي: (الوصف المناسب للحكم لذاته هو المناسب (¬8) ومستلزم المناسبة الشبه وغيرهما الطرد). وقال غيره: (للوصف إذا لم يناسب الحكم، ¬

_ (¬1) وذلك لأن الأفعال كلها مخلوقة لله تعالى. (¬2) الفرقان اللذان تقدما بين الغائب والشاهد إنما يردان على من قال يجب تعليل أحكامه تعالى بالدواعي والمقاصد، ونحن نقول: إن الله تعالى يفعل على وجه مصلحة العبد تفضلًا منه ويجوز له تركه. (¬3) في "ب، د" مع ذكر تعليل. وفي "هـ" على تعليل. وفي "أ" على من يعلل وما في"جـ" أولى لموافقتها المحصول 2/ 2/ 270. (¬4) في "جـ، د" بدل الرابع (د). (¬5) في "د" جنس هذا الحكم. (¬6) في "أ، ب" (النيابة) بدل (الثيابة). (¬7) في "جـ، د" (هما) بدل (الخامس). (¬8) مثال المناسب: تعليل الحرمة بالسكر، ومثال الشبه تعليل إيجاب النية بالطهارة، وليس إيجاب النية للطهارة لكونها طهارة بل لكونها لعبادة. ومثال الطرد قولهم: الخل لا يزيل الجنابة لأنه مائع لا يبني عليه القنطرة.

لكن عرف بالنص. تأثير جنسه القريب في جنس الحكم القريب فهو الشبه، لأنه من حيث إنه غير مناسب يظن أنَّه لا يعتبر، ومن حيث إنه عرف تأثير المذكور دون سائر الأوصاف يظن أنَّه أولى بالاعتبار). والشافعي يسمي هذا القياس قياس غلبة (¬1) الأشباه لوقوع الفرع بين أصلين مشابهته لأحدهما أقوى. وعن الشَّافعيّ (¬2) اعتبار الشبه في الحكم، وعن ابن عُليَّة (¬3) اعتباره في الصورة (¬4). والحق أنَّه مهما حصلت المشابهة فيما يظن أنَّه علة للحكم أو مستلزم لعلته، صح القياس ثم قياس الشبه حجة خلافًا للقاضي. ¬

_ (¬1) في "ب" علية وفي "أ" علة. (¬2) نبه الأسنوي -رحمه الله- على أن ذكر قياس الأشباه داخل قياس الشبه ليس بسليم, لأنهما مختلفان، وقد فعل هذا الإِمام في المحصول وبعض من اشتغل بالمحصول وقال: قياس الشبه هو: إذا تردد فرع بين أصلين قد أشبه أحدهما في الحكم، والآخر في الصورة، فالشافعي يعتبر المشابهة في الحكم، ولهذا ألحق العبد المقتول بسائر المملوكات في وجوب القيمة وإن زادت على الدية. ولكن ابن عُليَّة: اعتبر المشابهة في الصورة حتى لا يزاد على الدية، وهذا هو الذي خالف القاضي أبو بكر في حجيته. وأما قياس الأشباه. فليس فيه خلاف لأنه متردد بين قياسين مناسبين، ولكن وقع التردد في تعيين أحدهما. ومثال ذلك تردد الكفارة بين العبادة والعقوبة. ومنشأ الإشكال، أن الإِمام في المحصول قال: والشافعي يسمي هذا القياس، قياس غلبة الأشباه، وهو وقوع الفرع بين أصلين مشابهته لأحدهما أقوى. قاسم الإشارة بمقتضى اللغة يشار به إلى متقدم وهكذا ظن من اشتغل بالمحصول، وكان قصد الإِمام الإشارة إلى ما بعده والله أعلم انظر (نهاية السول 3/ 64، المستصفى 452). (¬3) هو إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، ولد سنة إحدى وخمسين ومئة أبو إسحاق ابن عُليَّة من رجال الحديث، مصري كان جهميًا يقول بخلق القرآن. قال ابن عبد البر: له شذوذ كثيرة، ومذاهبه عند أهل السنة مهجورة، جرت له مع الإِمام الشَّافعيّ مناظرات، وله مصنفات في الفقه شبيهة بالجدل منها: الرد على مالك تفقه عليه أبو جعفر الأبهري، تُوفِّي ببغداد وقيل بمصر سنة ثمان عشرة ومئتين. له ترجمة في (الأعلام 1/ 25، لسان الميزان 1/ 34، تاريخ بغداد 6/ 20). (¬4) مثال الشبه في الصورة عند ابن غلية: رَدُّ الجلسة الثَّانية في الصلاة إلى الجلسة الأولى في عدم الوجوب.

السادس: الدوران

لنا: أن ظن كون الوصف مستلزمًا للعلة يفيد ظن الاشتراك فى العلة عند (¬1) الاشتراك فيه. وعلى التفسير الآخر أنَّه لما ثبت أن الحكم لا بد له من علةٍ، ورأينا تأثير جنس هذا في جنس الحكم دون غيره، كان ظن إسناد الحكم إليه أقوى والظن حجةٌ للنص والمعقول المتقدمين (¬2). احتج (¬3) بأن الوصف إن كان مناسبًا فهو مقبول، وإلا هو الطرد المردود. وجوابه: أن غير المناسب ينقسم إلى الطرد والشبه، والشبه مقبول عندنا (¬4). " السادس (¬5): الدوران (¬6) " وهو: (ثبوت الحكم عند ثبوت الوصف وانتفاؤه عند انتفائه). وقد يكون ذلك في صورةٍ كدوران حرمة المعتصر من العنب مع كونه مسكرًا. وقد يكون في صورتين وهو يفيد ظن العليَّة. وقيل (¬7): يفيد اليقين. وقيل لا يفيد شيئًا. لنا (¬8): ¬

_ (¬1) في "أ" عند ظن الاشتراك. (¬2) في "ب، د" (المقدمين) بدل (المتقدمين). (¬3) احتج أي القاضي أبو بكر الباقلاني بدليلين، ذكرهما الإِمام الرَّازيّ -رحمه الله- في محصوله، واكتفى القاضي الأرموي في التحصيل بالأول منهما. والثاني: هو أن المعتمد في إثبات القياس عمل الصَّحَابَة رضوان الله عليهم، ولم يثبت عنهم أنَّهم تمسكوا بالشبه، وجوابه أن هذا النوع من القياس يثبت بعموم قوله (فاعتبروا) أو بوجوب العمل بالظن انظر المحصول 2/ 2/ 281. (¬4) سقط من "أ"، والشبه مقبول عندنا. (¬5) في "جـ، د" بدل (السادس) (و). (¬6) سماه الآمدي وابن الحاجب بالطرد والعكس. (¬7) ونسب هذا القول الإِمام في المحصول إلى طائفة من المعتزلة 2/ 2/ 285. (¬8) "أ" مضافة مني وهي غير موجودة في جميع النسخ.

أ- أن الحكم له علة وليست غير هذا الوصف, لأنه لم يوجد قبل الحكم، وإلَّا لزم التخلف والأصل بقاؤه. فإن قيل: كما دار الحكم مع الوصف دار مع تعينه وحصوله في ذلك المحل، قلنا: التعين والحصول في المحل عدميان، وإلَّا لزم التسلسل في الأمور الوجوديَّة والعدم لا يكون علةً ولا جزؤها. أما الأول: فلأن اللاعليَّة (¬1) المحمولة على العدم عدمي، فنقيضه وهو العلية (¬2) ثبوتي فلا تكون وصفًا للعدم. وأما الثاني: فلأن العلية لا تحصل بدون هذا الجزء، ولو فرض غيره فتحصل عنده فلها علة وليست غيره، فهو علة لعليَّة العلة وعاد المحذور. ولقائلٍ أن يقول (¬3): البرهان إنما قام على بطلان تسلسل العلل ثم العلة الشرعية مفسَّرة (¬4) بالمعرِّف، والعدم يجوز كونه معرفًا وجزءًا منه. ب (¬5) - بعض الدورانات تفيد ظن العلية فإن من دعي باسم فغضب. ثم لم يُدع به فلم يغضب حتَّى تكرر ذلك حصل ظن عليَّة دعائه بذلك الاسم لغضبه وهذا الظن إنما حصل من ذلك الدوران، فإنهم لو سئلوا عنه لعللوا به فكذا كل دوران لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (¬6). والعدل (¬7) التسوية. ¬

_ (¬1) في "جـ" (اللا علة) بدل (اللا علية). (¬2) في "جـ" (العلة) بدل (العلية). (¬3) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي -رحمه الله تعالى-: أنَّه يمنع بطلان هذا التسلسل, لأن التسلسل الذي قامت الأدلة على بطلانه هو تسلسل العلل، وهذا هو تسلسل المعلولات. ولم يقم دليل على بطلانها. وقد مر ذلك في بحث الاشتقاق مفصلًا, ولو سلمنا بطلانه فالعدم إنما يمتنع لو كان علة بمعنى المؤثر ونحن نريد بها أنها معرِّفة. (¬4) في "هـ" (معرفة والمعرف يجوز كونه معدومًا وجزءًا منه). (¬5) في "أ، هـ" الثاني بدل "ب". (¬6) [النحل: 90]. (¬7) سقط من "ب" والعدل.

السابع: السبر والتقسيم

احتج (¬1) بوجهين: أ (¬2) - بعض الدورانات لا يفيد ظن العلية لدوران العلة مع المعلول، والحكم مع جزء العلة وشرطه واحد المعلولين أو أحد المضافين مع الآخر. والحوادث بعضها مع البعض، والعلم مع المعلوم وغير ذلك، فكذلك كل دورانٍ لما ذكرتم، ولأن الدوران من حيث هو دوران مشترك بين الدورانات فلو كان هو المفيد للظن، لحصل في الكل. ب- أن الطرد غير معتبرٍ وفاقًا. والعكس غير مفيدٍ شرعًا. فكذا المجموع المركب. والجواب عن: أ- أنا ندعي إفادة ظن العلية في دوران لم يقم عليه دليل عدم العلية فسقط ما ذكرتم. ب- أن المجموع قد يخالف الآحاد في الحكم (¬3). " السابع (¬4): السبر والتقسيم (¬5) " السير والتقسيم المنحصر يعتبر في العقليات والشرعيات وفاقًا، كقوله: علة حرمة الربا إما الطعم أو الكيل بالإجماع. والكيل ليس بعلةٍ فتعين الطعم. والمنتشر- كما إذا لم يدع الإجماع- يفيد ظن العليَّة. فإن قيل: لا نسلم الحصر وفساد ذلك القسم (¬6). ثم الطعم (¬7) قد ينقسم إلى قسمين والعلة أحدهما. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ ما عدا "هـ" احتجوا بوجوه وما في "هـ" موافق للمحصول 2/ 2/ 291. (¬2) قرر الرَّازيّ هذا الوجه بأربعةَ عشرَ دليلًا المحصول 2/ 2/ 291. (¬3) سقط من "ب" في الحكم. (¬4) في "أ" السابع والثامن. وفي "جـ، د" ز. (¬5) كان الأولى أن يقول التقسيم والسبر بدل السبر والتقسيم, لأن التقسيم متقدم في الخارج، حيث أن حصر الأقسام يكون قبل سبرها واختبارها. (¬6) في "ب" غير ذلك القسم. وفي "د" وفساد ذلك غير ذلك القسم، والمعنى لا يسلم فساد ذلك القسم فلم لا تكون مجموع الأوصاف علة. (¬7) سقط من "هـ" الطعم.

الثامن: الطرد

والجواب عن: أ- أن المجتهد إذا بحث ولم يطلع على غيرهما، ثم اطلع على فساد أحدهما تعيَّن عليه العمل والمناظر تلوه. فكفاه هذا القدر على أنا نقول غيرهما لم يكن موجودًا بوصف كونه علة والأصل بقاؤه. ب- التمسك بالنقض وغيره. نعم لا يتمسك بعدم المناسبة, لأنه يحوجه إلى بيان انتفائه فيما يدعي أنَّه علةٌ، وذلك ببيان مناسبته المغني عن السبر. جـ- أنَّه منتفٍ إجماعًا. " الثامن (¬1): الطرد" الوصف الذي لا يناسب الحكم ولا يستلزم ما يناسبه إذا قارنه الحكم (¬2) في جميع الصور المغايرة لمحل النزاع وهو المسمى بالاطراد. وقيل: يكفي فيه مقارنته له في صورة. واحتجوا على التفسير الأول بإلحاق النادر بالغالب، وبأن إذا رأينا فرس القاضي على باب الأمير. ظننا كون القاضي في داره وما ذاك إلَّا للاطراد. احتج المخالف بأن الحد مع المحدود والجوهر مع العرض وذات الله تعالى مع صفاته ولا عليَّة. وجوابه: أن ذلك لا يقدح في العلية ظاهرًا: كما في الغيم الرطب. والمناسبة والدوران والإيماء، فإن (¬3) كلَّ واحدٍ منهما دليل مع التخلف فلا يقدح التخلف في كونه دليلًا. واحتجوا على التفسير الثاني: بأن العلم (¬4) بأن الحكم له علة، ¬

_ (¬1) في "أ" التاسع. وما في "جـ، د" ح. (¬2) سقط من "هـ" الحكم. (¬3) سقط من "ب، جـ، د، هـ" من (فإن إلى .. كونه دليلًا)، وإثباتها موافق للمحصول 2/ 2/ 308 وبدونها لا يستقيم المعنى. (¬4) سقط من "ب، جـ، د" بأن العلم.

والعلم (¬1) بحصول هذا الوصف وعدم الشعور بغيره يفيد ظن عليته، لأنه لو لم يحصل ظن عليته لما أسند (¬2) إلى علةٍ وهو باطل (¬3) أو أسند إلى غيره، وأنه يقتضي الشعور بغيره (¬4). ولقائل أن يقول (¬5): الإسناد إلى الغير (¬6) يقتضي الشعور به جملة، والمقدر عدم الشعور به تفصيلاً (¬7)، بل دليله ما سبق مِراراً. خرج بهذا قولهم: مائع لا يبنى القنطرة على مثله، فلا تزال النجاسة به كالدهن وأمثاله، إذ ثم حصل الشعور بوصف آخر أولى بالاعتبار وهو كون الدهن لزجاً. احتج المخالف: بأن تعينِ هذا الوصف للعلية دون غيره، قول بالتشهي فيبطل لقوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} (¬8). وجوابه: أن ما ذكرنا لما أفاد ظن العليَّة لم يكن قولاً بالتشهي. تنبيه: المتمسك بمثله لا يلزمه نفي سائر الأوصاف، إذ نفي المعارض ليس على المستدل، ولو أبدى المعترض وصفاً آخر قاصراً ترجح جانب المستدل بالأمر بالقياس. وإن كان متعدياً إلى الفرع لم يضره، لجواز اجتماع المعرفين على معرف واحد (¬9). وإن كان متعدياً إلى فرع آخر فعلى المعلل الترجيح. ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" العلم. (¬2) (لما استدل عليه) في "أ" بدل (لما أسند إلى علة). (¬3) سقط من "هـ" وهو باطل. (¬4) سقط من "جـ" بغيره. (¬5) خلاصة اعتراض القاضي - رحمه الله - أن الإسناد إلى الغير يقتضي الشعور بالمسند إليه إجمالاً، والشعور المنفي في الدليل هو الشعور التفصيلي، فلا تنافي بين المقدور واللازم على تقدير إسناد الحكم الى غير الوصف المقارن، وهو الشعور الإجمالي. (¬6) في "أ" إلى غيره. (¬7) سقط من "ب" تفصيلاً (¬8) [مريم: 59]. (¬9) سقط من "أ, هـ" واحد

التاسع: تنقيح المناط

" التاسع (¬1): تنقيح المناط" وهو (إلغاء الفارق) (¬2) وتسميه الحنفية (بالاستدلال) وإيراده من وجهين: أ - الحكم له علة وهو إما المشترك أو المختص، والثاني باطل فتعين الأول. ب - الحكم له محل وهو المفطر، فذلك إما المفطر بالوقاع أو المشترك بينه وبين المفطر بالأكل، والأول باطل فتعين الثاني وهو ضعيف، إذ لا يلزم من عموم المحل عموم الحكم إذ يصدق قولنا: (الرجل طويل) لصدق قولنا: (هذا الرجل طويل) ولا يصدق قولنا: (كل رجل طويل). " خاتمة" أبعد من قال هذا الوصف علة لعجز الخصم عن إفساده، لأنه ليس أولى من جعل العجز عن التصحيح دليلاً على الفساد، بل هذا أولى إذ لا يلزم منه إثبات ما لا نهاية له. وكذا من قال: هذا عبور من حكم الأصل إلى حكم الفرع. فاندرج تحت قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} وتسوية بينهما فاندرج تحت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} (¬3). لإجماع السلف على تخصيصهما لاعتبارهم الدلالة على تعيين (¬4) الوصف وعليته وللخصم منع الإجماع. ¬

_ (¬1) في "جـ، د" (ط) وفي "أ" العاشر. (¬2) قال الغزالي رحمه الله: (إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه، قد يكون باستخراج الجامع، وقد يكون بإلغاء الفارق، وهو أن يقال لا فرق بين الأصل والفرع الَّا كذا وكذا. وذلك لا تأثير له في الحكم ألبتة فلزم اشتراك الفرع والأصل في ذلك). (¬3) [النحل: 90]. وفي جميع النسخ ما عدا "هـ" يأمركم. (¬4) في "أ" (تعبير) بدل (تعيين).

الفصل الرابع فيما يعرف به عدم علية الوصف

" الفصل الرابع (¬1) " فيما يُعْرَفُ به عدم علية الوصف (¬2) الأول: النقض وهو (تخلف الحكم عن الوصف). " وفيه مسائل" "المسألة الأولى" النقض يقدح في العلية. وقال الأكثرون: لا يقدح إذا ثبتت عليته بالنص. وقيل: لا يقدح وإن ثبتت بالمناسبة. لكن إذا تخلف لمانع، والتخلف لا لمانع يقدح عند الأكثرين. وقيل: لا. لنا وجوه: أ - العلة لا يتوقف اقتضاؤها على عدم المعارض، وإلا فالحاصل جزؤها فهي مقتضية مطلقاً. فإن قيل: ما يتوقف عليه اقتضاء العلة للحكم قد لا يكون جزءاً. أما في الموجب فإن الثقل (¬3) يوجب الهَوْي بشرط عدم المانع، وأما في ¬

_ (¬1) لم يلتزم القاضي سراج الدين الأرموي بتقسيمات الإمام الرازي في كثير من المواضع، فالفصل الرابع هذا هو الباب الثاني عند الإمام الرازي في المحصول، والمسائل التي تحت هذا الفصل هي فصول عند الإمام الرازي انظر المحصول 2/ 2/ 321. (¬2) في "جـ" فيما يمنع من علية الوصف. (¬3) في "أ، ب" (النقل) بدل (الثقل).

القادر فإن تأثيره في الفعل (¬1) يتوقف على عدم تأثير قادر آخر. وأما في الداعي فلأن من أعطى فقيراً درهماً لفقره فقيل: أعط هذا الفقير الآخر فقال: لا لأنه يهودي صح فتوقف الإعطاء على عدم كونه يهودياً، ولم يخطر بباله، وأما في المعرف فلأن العام حجة، وعدم المخصص ليس جزءاً من العلة (¬2) وإلَّا لوجب ذكره في المناظرة. ب - عدم المعارض معتبر في اقتضاء العلة للحكم، فلم يبق الخلاف إلَّا في تسميته جزء العلة أو شرطها (¬3). والجواب عن: أ - أنا نستدل في غير المعرف بحصول ذلك العدم على حدوث أمر وجودي به تمت العلة، ففي المعرف يجعل العدم جزءاً منه، وعدم وجوب ذكره في المناظرة بالاصطلاح. ب - بأنا إن فسرنا العلة بالموجب أو الداعي جعلنا عدم المعارض (¬4) كاشفاً عن وجود ما به تتم العلة، وإن فسرناها بالمعرِّف جوَّزنا كون العدم جزءاً لكنا نوجب البحث عن مناسبة ذلك العدم، والخصم لا يقول بهما (¬5). ولقائلٍ أن يقول (¬6): ما الدليل على أن الحاصل قبل المعارض لا يكون تمام العلة؟. أ - أن بَيْنَ اقتضاء العلة بالفعل ومنع المانع بالفعل منافاة. وشرط أحد الضدين عدم الآخر، فشرط كون المانع مانعاً (¬7) أن لا تكون العلة ¬

_ (¬1) في "جـ" في العقل. (¬2) في "أ" (العام) بدل (العلة). (¬3) في "هـ" (شرطا) بدل (شرطها). (¬4) في "أ" (المانع) بدل (المعارض). (¬5) أي لا يقول بإيجاب البحث عن مناسبة ذلك العدم. (¬6) هذا الاعتراض موجه لنقض في حجة الإمام الرازي. أي أنه ينبغي أن يذكر دليلاً على أن الحاصل قبل المعارض ليس بتمام العلة، ولم لا يجوز أن يكون الحاصل قبل وجود المعارض هو تمام العلة، ويكون الحكم حاصلاً بها وحدها أو يكون العدم شرطاً؟. (¬7) سقط منأ "أ" سطر من المانع مانعاً إلى المانع مانعاً. وفي "هـ" موجود في الهامش، وبهذا يظهر مدى ارتباط نسخة "أ" بنسخة "هـ" وقد مرَّ ما يدل على ذلك كثيراً.

مقتضية، فلو كان عدم كونها مقتضية لكون المانع مانعاً، لزم الدور فعدم اقتضاء الشيء لذاته وما يكون كذلك لا يصلح للعلية وفاقاً. ولقائلٍ أن يقول (¬1): إن عنيت بالشرط معنى يقتضي تقدمه على المشروط. فليس شرط أحد المتنافيين انتفاء الآخر، وإلَّا كان كل واحدٍ من النقيضين مشروطاً بنفيه ضرورةً. إذ انتفاء كل واحدٍ منهما عين (¬2) ثبوت الآخر، وإن عنيت بالشرط ما ينعدم المشروط عند عدمه لم يلزم الدور. ب- أن الوصف الحاصل في الفرع حصل مع الحكم في الأصل ومع عدمه في موضع النقض، والثاني يقتضي القطع بعدم العلية، فلو كان إلحاقه بأحدهما أولى لكان إلحاقه بالثاني أولى، واذا تعارضا فالأصل عدم العلية، والأصل في المناسبة مع الاقتران، وإن كان هو العليَّة لكن الأصل في العلة ترتب الحكم عليها. فإن قيل: لو عمل بأصلكم ترك أصلنا من كل وجهٍ ولا ينعكس. فأصلنا أولى بالعمل، ولأن أصلكم يعارضه أن الأصل استناد انتفاء الحكم إلى المانع الموجود في صورة النقض للمناسبة والاقتران دون عدم المقتضى. قلنا: إذن لا نسلم أن المناسبة مع الاقتران دليل العليَّة بل هو مع الاطراد. ولا نسلم إمكان استناد انتفاء الحكم إلى ذلك المانع فإن المتقدم (¬3) لا يضاف إلى المتأخر. فإن قيل: يجوز تعريف المتقدم بالمتأخر، ثم المانع علة المنع من ¬

_ (¬1) خلاصة هذا الاعتراض: أنه موجه للدليل الثاني من أدلة الإمام الرازي وهو قوله بلزوم الدور، فإن القاضي لا يسلم بلزوم الدور، وبيان ذلك أنه إن عنى بالشرط في اشتراط منع المانع أن يكون متقدماً على المشروط فلا يكون شرطاً له، وذلك لأن التنافي متحقق بين التفضيل، مع أنه يمتنع أن يكون وجود كل منهما مشروطاً بعدم الآخر. وإن عنى به ما ينعدم المشروط بانعدامه فلا نسلم لزوم الدور، وإنما يلزم لو كان بمعنى التقدم والتأخر ليلزم تقدم الشيء على نفسه. (¬2) في "ب، ج، د" (عند) بدل (عين). (¬3) معناه أن المانع حادث وعدم الحكم أزلي فيمتنع تعليله به.

الدخول في الوجود بعد كونه بعرضيته وأنه لم يتقدم. قلنا: لو أريد بالعلة المعرَّف لم يمنع إسناد انتفاء الحكم إليه من إسناده إلى عدم المقتضي. والمانع لا يؤثر في إعدام شيء لاستدعائه سبق الوجود بل في العدم السابق. احتجوا (¬1) بوجوه: أ- القياس على العام المخصوص (¬2). ب- المذكور أولًا (¬3) في بيان كون هذا العام حجة. ب- الإِنسان إنما يلبس الثوبَ مثلًا لدفع البرد. ثم يترك هذا المقتضى عند الخوف من الظلم دون الأمن، وإذا حَسُنَ عرفاً حَسُنَ شرعاً للحديث (¬4). د (¬5) - المناسب المخصوص يفيد ظن الحكم فإنا إذا علمنا كون الإِنسان مشرقاً مطلوب البقاء ظننا حرمة قتله، وإن لم يخطر ببالنا عدم الجناية. ثم عدم الجناية ليس جزءاً من المقتضى لهذا الظن. فالمقتضى هو الأول فيحصل الظن حيث حصل. هـ- العلة الشرعية أمارة. وتخلف الحكم عن الأمارة لا يخل بها كما في الغيم الرطب. و- بعض الصحابة قال بتخصيص العلة. عن ابن مسعود: أنه كان يقول: (هذا حكم معدول به عن القياس). وعن ابن عباس مثله ولم ينقل إنكار أحدٍ فكان إجماعاً. ¬

_ (¬1) أي القائلين بتخصيص العلة. (¬2) لأن العام بالنسبة لأفراده كالعلة بالنسبة إلى مواردها، فلما لم يقدح التخصيص في العام فكذا في العلة، بجامع الجمع بين الدليلين المتعارضين. (¬3) في "ب" (أولى) بدل (أولا). (¬4) فيه إشارة لحديث (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن) تقدم تخريجه في صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب. (¬5) تقدم (هـ على د) في نسختي (ب، د) وسبب هذا التقديم والتأخير أن المحصول قدم (هـ على د) وناسخ (ب أو د) يتتبع المحصول أثناء النسخ، ولهذا غالباً ما تجده يبدل اللفظ الوارد في التحصيل باللفظ الوارد في المحصول. انظر المحصول 3/ 74، مخطوطة لندن والنسخة المطبوعة 2/ 2/ 338.

والجواب عن: أ - منع الجامع. ثم الفرق أن عدم المخصص يجوز أن يكون جزءاً من دليل الحكم، وعدم المعارض لا يجوز كونه جزءاً للعلة. وإن جوَّزنا ذلك بتفسيرنا للعلة بالمعرَّف نشترط كون ذلك العدم مناسباً، فيجب ذكره ليعرف مناسبته بخلاف عدم المخصص. ب - أن العلة إن فُسَّرت بالموجب أو الداعي كانت مقتضية للحكم لذاتها، فلم تختلف باختلاف المحال. ج، د - أنا ندعي انعطاف قيد على العلة من الفرق بين الأصل وصورة النقض، وما ذكرتم لا ينفيه. هـ - أن الأمارة إنما تفيد ظن الحكم، إذا غلب على الظن انتفاء ما يلازمه انتفاء الحكم. وذلك لا ينفي قولنا. و- أنهم لم يقولوا التمسك بهذا القياس جائز أم لا. " فرعان" (¬1) الأول من جوز تخصيص العلة قال: التخلف لا لمانع لا يفسدها إذ الاستلزام الظاهر لا ينتفي به. والحق أنه يفسدها، لأن ذات العلة إذا كانت مستلزمة للحكم بقيت كذلك، إلى أن يوجد مزيل وهو المانع. الثاني قيل: لا يجب ذكر نفي المانع إذ المؤثر (¬2) هو الوصف فقط ولا يطالب ¬

_ (¬1) هذان الفرعان لم يردا في المحصول فهما من فوائد التحصيل، ولهذا سقط هذان الفرعان من (ب، د) فتأكد ما قلنا. من أن ناسخ إحداهما كان يتتبع المحصول أثناء النسخ. (¬2) في "أ" (المانع) بدل (المؤثر).

المسألة الثانية

المستدل إلاَّ بذكر المؤثر. وقيل: يجب إذ المعرف الوصف مع عدم المانع، ترك هذا الدليل في نفي كل مانعٍ للمشقة. فبقيَ (¬1) في المانع المتفق عليه. " المسألة الثانية" "في دفع النقض" وهو بمنع الوصف في صورة النقض أو منع عدم (¬2) الحكم فيها. أما الأول: فإذا منع المعترض وجوده فيها فليس له إقامة الدليل عليه، لأنه انتقالٌ إلى مسألةٍ أخرى. فلئن قال دليلك على وِجوده في الفرع يقتضي وجوده فيها. فهذا لو صحَّ كان نقضاً على دليل الوصف وانتقالاً إلى سؤالٍ آخر، ثم منع وجوده فيها بوجود قيدٍ في الوصف معناه واحد ظاهر أو خفي أو متعدد بالتواطؤ والاشتراك. والأول كقولنا: طهارةُ حدثٍ فتفتقر إلى النية كالتيمم ونقضه بإزالة النجاسة (¬3). والثاني كقولنا: في السلم عَقد معاوضةٍ فيجوز حالاً كالبيع ونقضه بالكتابة. والثالث: كقولنا في الصوم عبادة متكررة فتفتقر إلى تعيين النية كالصلاة ونقضه بالحج، فإنه متكرر بالأشخاص دون الأزمان والمراد الثاني. والرابع كقولنا: جمع الثلاث في قرءٍ واحدٍ فلم يحرم كما لو خلل الرجعة بينهما. ونقضه بالجمع في الحيض ودفعه أن المراد هو الطهر ويجوز دفع النقض ¬

_ (¬1) في "ب, د" (فنفى) بدل (فبقي). (¬2) سقط من "أ" عدم وموجودة في "هـ" في الهامش. (¬3) ودفع النقض في الأمثلة الثلاثة يكون كالآتي: أ - بمنع الوصف إذ ليست طهارة عن حدث بل عن خبث. ب - بأنه عقد إرفاق لا عقد معاوضة، لأنه بيع الرجل ماله من نفسه. ج - أن المراد بالتكرار. التكرار بحسب الأوقات وليس تكراراً في الأشخاص.

المسالة الثالثة

بالقيد الطردي (¬1) عند الطاردين وبعض المانعينٍ أيضاً جوزه وهو باطل، لأن جزء العلة إذا لم يؤثر لم يكن المجموع مؤثراً، ولأن تجويزه يجوَّز التقييد بنعيق الغراب وأمثاله. وأما الثاني: فانتفاء الحكم إن كان مذهب الخصمين أو المستدل توجه النقض وإلَّا فلا. ثم منع عدم الحكم قد يكون خفياً كقولنا: عقد (¬2) معاوضة فلا نشترط فيه الأجل ونقضه بالإجارة ودفعه بأن الأجل ليس بشرط بل تعيين المعقود عليه، وكقولنا عقد معاوضة فلا يبطل بالموت كالبيع ونقضه بالنكاح، ودفعه بأن النكاح لا يبطل بالموت بل ينتهي به. ثم إثبات الحكم إن كان في صورةٍ معينة فهو الإِثبات المفصَّل، وإلَّا فالمجمل ونفيه عن كل صورةٍ (¬3) صورةٍ نفي مجملٍ وعن بعضها مفصَّلٍ. وأنت تعرف أن أي الأربعة يناقض أيها. " فرع" الحكم التقديري هل يدفع النقض كما إذا قال: ملكُ الأم علةٌ لرقِ الولدِ. ثم نقض بولد المغرور (¬4) فأجاب بأن ملك الولد حاصل تقديراً بدليل وجوب الغرم. " المسالة الثالثة" (¬5) ورود النقض على سبيل الاستثناء لا يُفسد العلة المعلومة، كعلمنا أن البريء عن الجناية لا يؤخذ بضمانها مع انتقاضه بوجوب الدية على العاقلة ولا المظنونة كالتعليل بالطعم ونقضه بمسألة العرايا. لأنه لما ورد على كل ¬

_ (¬1) سقط من "أ، هـ" الطردي. (¬2) أي كقولنا: السَّلَم عقد معاوضة فلا نشترط فيه الأجل كالبيع. (¬3) في "أ" بدل صورة صغيرة وهي ساقطة من (ب، ج، د). (¬4) المراد المغرور بحرية الجارية. (¬5) ذكر الرازي قبل هذه المسألة مسألةً أخرى مشتملة على فرعين من فروع تخصيص العلة ولم يتعرض لها الأرموي.

المسألة الرابعة

مذهب كان مجامعاً لما هو علة (¬1) ثم في وجوب (¬2) الاحتراز عنه لفظاً (¬3) خلاف. " المسألة الرابعة" الكسر (¬4) نقض المعنى كما يقال في صلاة الخوف صلاة يجب قضاؤها فيجب أداؤها كصلاة الأمن. فيظن أن لا تأثير للصلاة فينتقض بصوم الحائض (¬5). فإذا لم يبين إلغاء القيد الذي به احترز عن النقض لم يرد هذا (¬6) النقض على الباقي. " الثاني" (¬7) عدم التأثير (¬8) وهو تخلف الوصف عن الحكم ابتداً ودواماً يفسد (¬9) العلة إن فسرناها بالمؤثر، إذ المستغنى عنه لا يكون علةً. وإن فَسَّرناها بالمعرَّف فلا. ¬

_ (¬1) في "هـ" (علية) بدل (علة). (¬2) كيفية الاحتراز عنه لفظاً أن يقول: (هذا علة إلَّا في الصورة الفلانية) ونص الإمام على أن الأولى الاحتراز، ولم يذكر ذلك القاضي الأرموي - رحمهما الله تعالى-. (¬3) في "أ, جـ" (الاحتراز عن لفظه) بدل (عنه لفظاً). (¬4) جعل القاضي الأرموي - رحمه الله - الطرق الدالة على عدم عليَّة الوصف خمسة، مع أن غيره جعلها ستة، وذلك لأنه أدخل الكسر تحت النقض، لأنه نقض في المعنى وأما غيره فجعله قسماً منفصلًا. (¬5) لتوضيح هذا المثال نقول: إن الكسر نقض يرد على المعنى دون اللفظ، كقولهم في صلاة الخوف يجب قضاؤها فيجب أداؤها قياساً على صلاة الأمن، فيظن المعترض أنه لا تأثير لكون العبادة صلاة في هذا الحكم، وأن المؤثر هو وجوب القضاء فينقض هذا بصوم الحائض، فإنه يجب قضاؤه ولكن لا يجب أداؤه. (¬6) سقط من "أ" هذا. (¬7) أي القسم الثاني من الفصل الرابع وهو القادح الثاني. (¬8) مثال عدم التأثير: قول الشافعية في الدليل على بطلان بيع الغائب مبيع غير مرئي، فلا يصحٍ كالطير في الهواء والجامع بينهما هو عدم الرؤية فيه، فيقول المعترض هذه الرؤية ليست مؤثرة في عدم الصحة، لبقاء هذا الحكم في هذه الصورة بعينها بعد زوال هذا الوصف، فإنه ولو رآه لا يصح بيعه لعدم القدرة على تسليمه. (¬9) في "ب" (يفيد) بدل (يفسد).

الثالث القلب

والعكس (¬1) وهو وجود الحكم لعلةٍ أخرى، لا يفسدها وهو قول (¬2) المعتزلة، خلافاً لأصحابنا في العلل العقلية (¬3). لنا: أن المخالفة من لوازم المتخالفين، ويدل عليه في الشرعيات ما نبين من جواز تعليل الأحكام المتساوية بالعلل المختلفة. " الثالث" (¬4) القلب وهو تعليق نقيض الحكم المذكور بالوصف المذكور بالرد إلى الأصل المذكور، وإنما اعتبر هذا (¬5) لأنه لو رد إلى أصل آخر فحكم ذلك الآخر إن وجد في المذكور (¬6) فالرد إليه أولى، إذ لا يمكن للمعترض (¬7) منع الوصف ¬

_ (¬1) قال القاضي الأرموي تبعاً للإمام الرازي - رحمهما الله - "والعكس"، واعترض جمال الدين الأسنوي على هذا الإطلاق وقال الصواب "عدم العكس"، لأن العكس انتفاء الحكم لانتفاء العلة، ومثل له الأسنوي - رحمه الله - باستدلال الحنفية على منع تقديم آذان الصبح بقولهم: صلاة الصبح صلاةٌ لا تقصر فلا يجوز تقديم أذانها على وقتها قياساً على صلاة المغرب، والجامع بينهما هو عدم جواز القصر، فيقول الشافعي هذا الوصف غير منعكس، لأن هذا الحكم هو منع التقديم ثابت بعد زوال هذا الوصف في صورةٍ أخرى غير محل النزاع كالظهر مثلاً، فإنها تقصر مع امتناع تقدم آذانها. انظر (نهاية السول 3/ 88). (¬2) وفي المحصول: وهو قولنا وقول المعتزلة. مخطوطة المحصول 3/ 78 والنسخة المطبوعة 2/ 2/ 356 (¬3) أي أن صحابنا لم يوجبوا العكس في العلل الشرعية، وأوجبوا العكس في العلل العقلية، والدليل على عدم وجوبها في العلل العقلية. أن المختلفين يشتركان في كون كلَّ واحدٍ منهما مخالفاً للآخر وتلك المخالفة من لوازم ماهيتها. واشتراك اللوازم مع اختلاف الملزومات يدل على قولنا. والذي يدل على جواز ذلك في العلة الشرعية، أنا سنقيم الدلالة على جواز تعليل الأحكام المتساوية بالعلل المختلفة في الشرعيات، وذلك يوجب القطع بأن العكس غير معتبر. (¬4) هذا هو القسم الثالث من الفصل الرابع وهو في القادح الثالث. (¬5) أي اشتراط اتحاد حكم الأصل. (¬6) في الأصل الأول. (¬7) في "ب" المستدل وفي المحصول المستدل 2/ 2/ 357 وهما بمعنى واحد.

فيه وإلَّا كان نقضاً (¬1) على الوصف. وإنما يمكن (¬2) القلب عند اشتمال الأصل على حكمين امتنع اجتماعهما في الفرع، ليلزم من رد كل واحدٍ منهما إلى الأصل انتفاء الآخر عن الفرع، وفيما تكون مناسبته لأحد الحكمين إقناعية لامتناع مناسبته (¬3) للمتنافيين. وإنما يفارق المعارضة في عدم إمكان الزيادة وعدم إمكان منع وجود العلة في الفرع، فيبطل بما تبطل به المعارضة حتى بالقلب إذا لم يناقض الحكم. وقد يثبت القالب بالقلب مذهبه، كقول الحنفي في أن الصوم شرط لصحة الاعتكاف لبث مخصوص، فاعتبرت العبادة في كونه قربةً، كالوقوف (¬4) فيقول القالب فلا يعتبر فيه الصوم كالوقوف. وقد يبطل به مذهب الخصم صريحاً، كقوله في المسح ركن من الوضوء فلا يكفي أقل ما يقع عليه الاسم كالوجه. فيقول القالب فلا يتقدر بالربع كالوجه وتنافي هذين الحكمين في الفرع لاتفاق الإمامين. وقد يبطله ضمناً بأن يبطل لازماً له، كقوله في بيع الغائب عقد معاوضة فينعقد مع الجهل بالعوض كالنكاح، فيقول القالب فلا يثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح، ويلزم من فساد خيار الرؤية فساد البيع. وقيل: هذا لا يقبل، لأن دلالته بواسطة ودلالة الأصل بغير واسطة. ومن القلب نوع يسمى قلب التسوية كقوله في طلاق المكره. مكلف مالك للطلاق فيقع طلاقه كالمختار، فيقول القالب فيستوي إيقاعه وإقراره كالمختار. وقدح فيه بأن الثابت في الأصل اعتبارهما (¬5)، والمثبت في الفرع ¬

_ (¬1) يكون نقضاً على الوصف، لأن ذلك الوصف حاصل فيه مع عدم الحكم. (¬2) قسَّم الإمام الرازي - رحمه الله - في المحصول القادح الثالث إلى مسألتين، جعل الأولى في متى يمكن القلب، والثانية فيما يثبته القالب بالقلب، انظر المحصول 3/ 78، والنسخة المطبوعة 2/ 2/ 357. (¬3) في "هـ" سقط (مناسبته). (¬4) المقصود به الوقوف بعرفة. (¬5) في المحصول اعتبارهما معاً، انظر النسخة المطبوعة 2/ 2/ 363.

الرابع القول: بالموجب

عدم اعتبارهما، وجوابه أن عدم الاختلاف حاصل فيهما وهو المراد بالاستواء. " الرابع" (¬1) القول: بالموجب وهو: (تسليم موجب العلة مع بقاء الخلاف). وذلك في النفي (¬2) ببيان كون (¬3) اللازم عدم موجبية الشيء المعين للحكم، فيسلمه ويمنع الحكم ولو بَيَّنَ الحكم بعده كان منقطعاً لأنه ظهر أنه ما ذكر الدليل. وفي الإِثبات (¬4) بأن كون اللازم العام والنزاع في الخاص. " الخامس" الفرق (¬5) وهو فرع امتناع تعليل الحكم الواحد بعلتين. ¬

_ (¬1) هذا هو القسم الرابع من الفصل الرابع وهو في القادح الرابع. (¬2) مثاله قول الشافعي - رحمه الله - في القتل بالمثقل التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص، كالتفاوت في المتوسل إليه، أي العالم والجاهل مثلاً فيقول الحنفي مسلم ولكن لا يمنعه غيره. (¬3) في "أ" (بأن كون) بدل (ببيان كون). (¬4) وتوضيحه في الإِثبات. هو أن يدعي حكماً معيناً ودليله يدل على أمرٍ عام فيقول المعترض أقول بموجبه ولا يلزم المطلوب إذ لا يلزم من ثبوت العام ثبوت الخاص كقول الحنفي. الخيل للسباق عليَّة فيجب فيه الزكاة كالإبل، فيقول الشافعي أقول بموجبه لأنه يجب فيه زكاة التجارة والخلاف واقع في زكاة العين. (¬5) وهو أن يجعل المعترض الخصوصية التي في أصل القياس علةَّ. كقول الحنفي: الخارج من غير السبيلين ناقض للوضوء بالقياس على ما خرج منها. والجامع هو خروج النجاسة، فيقول المعترض الفرق بينهما: أن الخصوصية التي في الأصل وهو خروج النجاسة من السبيلين هي العلة في انتقاض الوضوء لا مطلق خروجها.

المسألة الأولى

" المسألة الأولى" (¬1) يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين منصوصتين خلافاً لبعضهم. لنا: أن حل الدم حكم واحد. وكل واحد من الردة والقتل من حيث هو رِدَّة وقتل علةً له وفاقاً. فإذا اجتمعا دفعةً واحدةً علل بهما. وإنما قلنا إنه حكم (¬2) واحد، لأن إبطال حياة الواحد واحد. والإذن في الواحد واحد بالضرورة والزائل بالإسلام استناده إلى الردة، وبالعفو استناده إلى القتل. فإن قيل: ما ذكرتم يفضي إلى نقض العلة، فإنه إذا وجد أحدهما وجد (¬3) الحكم، فإذا وجد الثاني لم يوجد ذلك الحكم ولا مثله فحصل النقض. وإلى اجتماع مؤثرين على أثرٍ واحدٍ، إذ العلة ما يجعله الشارع مؤثراً في الحكم وإلى مناسبة الشيء الواحد لمختلفين، إذ العلة يجب مناسبتها للحكم. والجواب عن (¬4): أ- أن العلة عندنا مفسرة بالمعرًّف، ولا امتناع في مثل هذا النقض في المعرف. ب - جعل ما ليس بمؤثر مؤثراً ممتنع. ب- أن الواحد قد يناسب المختلفين بجهة مشتركة بينهما. واعلم أنه يسقط كثير من هذه الأسئلة بفرض الكلام فيما إذا جمعت ¬

_ (¬1) في جميع النسخ ما عدا (هـ) سقط الأولى. (¬2) في "د" (علة) بدل (حكم). (¬3) في "ب" (قبل) بدل (وجد) في "ج، د" (قبل الآخر). (¬4) هذا الجواب عن الأول مما يفضي إليه تعليل الحكم الواحد بعلتين. والجواب الثاني عن الإفضاء الثاني، وهو اجتماع المؤثرين على أثرٍ واحد. والجواب الثالث عن الإفضاء الثالث، وهو مناسبة الشيء الواحد لمختلفين. وهي لم ترد مرقمة.

المسألة الثانية

لبن زوجة أخيك ولبن أختك (¬1)، وأوجرت المرتضعة دفعةً فإنها تحرم عليك لأنك خالها وعمها. " المسألة الثانية" لا يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستنبطتين. لأن قولنا: أعطاه لفقره ينافي أن يكون الداعي له إلى الإِعطاء (¬2) فقهه أو مجموعهما. ثم إن تساوت الاحتمالات امتنع الظن، وإن ترجح البعض كان ذلك لا للمناسبة والاقتران لاشتراك الكل فيه، فيكون الراجح هو العلة (¬3)، ولأن بعض (¬4) الصحابة قبل الفرق. شافه (¬5) عمرٌ عبد الرحمن في قصة المجهضة، فقال إنك مؤدب ولا أرى عليك شيئاً. فقال علي رضي الله عنه: إن لم يجتهد فقد غشك وإن اجتهد فقد أخطأ، أرى عليك غرة (¬6) شبهه عبدالرحمن بالتأديب (¬7)، وفرق علي رضي الله عنه بأن التأديب التعزيري لا يجوز المبالغة فيه (¬8) إلى حد الإتلاف ولم ينكر أحدٌ فكان إجماعاً. ¬

_ (¬1) في "د" ابن أخيك. (¬2) في جميع النسخ ما عدا "د" العطاء. (¬3) في "د" فيكون هو الراجح وفي "أ، هـ" فتكون العلة هو الراجح. (¬4) عبر الرازي بالإجماع على قبول الفرق وعبارة الأرموي أدق. (¬5) في المحصول (شاور) بدل (شافه)، المطبوعة 2/ 2/ 376. (¬6) سقط من "ب" غرة. (¬7) أخرج القصة عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن مطر الوراق عن الحسن. وأخرجه البيهقي من حديث سلام عن الحسن البصري. قال: "أرسل عمر إلى امرأةٍ مغيبةٍ (غائب عنها زوجها) كان يُدخل عليها فأنكر ذلك. فقيل لها: أجيبي عمر. فقالت ويلها ما لها ولعمر، فبينما هي في الطريق ضربها الطلق فدخلت داراً فألقت ولدها فصاح صيحتين فمات. فاستشار عمر الصحابة فأشار عليه بعضهم أنه ليس عليك شيء وإنما أنت مؤدب فقال عمر: ما تقول يا علي؟ فقال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطؤوا، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك. أرى أن ديته عليك لأنك أنت أفزعتها فألقت ولدها من سببك، فأمر علياً أن يقيم عقله على قريشٍ" والحديث منقطع بين الحسن البصري وعمر بن الخطاب. وذكره الشافعي بلاغاً عن عمر. (نصب الراية 4/ 396، تلخيص الحبير 4/ 36). (¬8) سقط من "ب" فيه.

الفصل الخامس فيما يظن أنه يفسد العلة

" الفصل الخامس" (¬1) فيما يظن أنه يفسد (¬2) العلة ولنقدم تقاسيم العلل التقسيم الأول (¬3): علة الحكم محله أو جزء من ماهيته أو أمر خارجٌ عنه عقلي أو شرعي أو عرفي أو لغوي. والعقلي إما حقيقي كقولنا: مطعوم أو إضافي كقولنا: مكيل. أو سلبي كقولنا: لم يرض الطلاق أو حقيقي وإضافي، كقولنا: بيع صدر من الأهل في المحل أو حقيقي وسلبي كقولنا: قتل بغير حقٍ أو إضافي وسلبي أو حقيقي وإضافي وسلبي، كقولنا: قتل عمدٍ عدوان. والشرعي كقولنا: يجوز بيعه. والعرفي كقولنا: بيع مشتمل على جهالة مجتنبة عرفاً، واللغوي كقولنا: مسمى بالخمر فيحرم. والتعليل بجزء المحل في العلة القاصرة بالمختص، وفي العلة المتعدية بالمشترك. التقسيم الثاني: الحكم وعلته وجوديان أو عدميان (¬4) أو مختلفان فيهما. ¬

_ (¬1) هو عند الإمام الرازي في المحصول الباب الثالث. (¬2) في "جـ" (يفيد) بدل (يفسد). (¬3) في جميع النسخ "أ". (¬4) كون الحكم وعلته وجوديان أو عدميان لا خلاف في جوازهما. أما كون العلة وجوديَّة والحكم عدمي أو العكس ففيهما خلاف.

المسألة الأولى

التقسيم الثالث: العلة إما فعل المكلف كالقتل، أو لا كالبكارة (¬1). التقسيم الرابع: الوصف المجعول علةً إما لازم للموصوف ككون البر مطعوماً، أو عارض ضرورة بحسب العادة كانقلاب العصير خمراً، أو باختيار أهل العرف ككون البر مكيلاً أو باختيار الواحد كالقتل. التقسيم الخامس: العلة إما ذاتُ (¬2) أوصافٍ كقولنا: قَتْلُ عمدٍ عدوان أو لا كقولنا مطعوم. التقسيم السادس: العلة إما وجه المصلحة ككون الصلاة ناهية عن الفحشاء أو أمارتها كجهالة المبيع، فإن فساد البيع بالحقيقة معلل بتعذر التسليم (¬3). التقسيم السابع: الوصف قد يعلم وجوده ضرورة ككون الخمر مسكراً. أو نظراً (¬4) يعلم بالضرورة كونه من الدين ككون الوقاع في نهار (¬5) رمضان يفسد الصوم، وقد لا يكون كذلك. " المسألة الأولى" اختلفوا في جواز التعليل بمحل الحكم، والحق جوازه في العلة القاصرة إذ لا يبعد قول الشارع حرمت الربا في البر لكونه براً. أو تعرف مناسبته لها. ولا يجوز في المتعدية، لأن خصوص مورد النص يمتنع وجوده في غيره. فإن قيل: أ- لو كان محل الحكم علة له لكان الشيء الواحد فاعلاً وقابلاً، وهما ¬

_ (¬1) أي كالبكارة في ولاية الإجبار عند الشافعية. (¬2) أي كونها مركبة أو بسيطة كالمثالين. (¬3) ولهذا يصح البيع إن أمكن التسليم مع الجهالة، كبيع هذه الصبرة من الطعام وهي مجهولة الصيعان. (¬4) في "هـ" (وقد يعلم) بدل (أو نظراً يعلم). (¬5) أضفتُ نهاراً دفعاً لوهم قد يقع.

المسألة الثانية

مفهومان متغايران. فإن كانا أو أحدهما داخلين فيه كان مركباً، وكان ملحوق الفاعلية غير ملحوق القابلية، ولأن الفاعلية والقابلية (¬1) نسبة بين الماهية وغيرها، والنسبة خارجية وإن كانا خارجين عنه كانا معلولين له ويعود الكلام. ب - أن نسبة القابلية بالإمكان ونسبة الفاعلية بالوجوب، والنسبة الواحدة لا تكون بهما معاً. قلنا: بينا في الكتب العقلية (¬2) أنهما مغالطتان. " المسألة الثانية" الوصف الحقيقي إن كان مضبوطاً جاز التعليل به (¬3). وإن لم يكن كذلك كالحاجة إلى تحصيل المصلحة ودفع المفسدة، وهو الذي تسميه الفقهاء بالحكمة ويجوز التعليل به (¬4) خلافاً لقوم. لنا: أن ظن كون الحكمة علةً وظن حصولها في الفرع يوجبان ظن الحكم فيه، وحصولهما ممكن بالمناسبة، فإنا نستدل (¬5) على كون الوصف علةً باشتماله على المصلحة لا مطلق المصلحة، والاَّ فكل وصفٍ (¬6) مشتمل على المصلحة علة لهذا الحكم بل مصلحة معينة، والاستدلال بالشيء يتوقف على العلم به. فإن قيل: هذا معارض بوجوه: أ- لو جاز التعليل بالحكمة (¬7) لما جاز بالوصف. إذ عليه (¬8) الوصف ¬

_ (¬1) سقط من "أ" والقابلية والصحيح وجودها تبعاً للمحصول 2/ 2/ 387. (¬2) أي كتب الإمام فخر الدين الرازي العقلية. (¬3) سقط من "هـ" من قوله: (وإن لم يكن) إلى (وهو الذي تسميه). (¬4) سقط من "هـ" ويجوز التعليل به. (¬5) يوجد في "ب، د" بها زائدة. (¬6) سقط من "ب، ج، د" وصف. (¬7) في "أ" (بالحكم) بدل (الحكمة) والصواب الحكمة تبعاً للمحصول 2/ 2/ 391. (¬8) في "أ، هـ" (عليته) بدل (علية).

لاشتماله على الحكمة فهي الأصل في العليَّة. والعدول عن الأصل مع إمكانه تكثير للغلط. إذ القادح في الأصل قادح في الفرع من غير عكس. ب (¬1) - لو وجب طلب الحكمة لتوقف القياس على وجدان العلة الموقوف على الطلب وكون الأمر بالشيء أمراً بما هو من ضرورياته. ولا يجب طلبها لعسر الاطلاع (¬2) على الحاجات ومقاديرها وقد قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (¬3). جـ - استقراء الشريعة يدل على تعليل الأحكام بالأوصاف دون الحكم، وذلك يفيد ظاهراً امتناعه. د- النافي (¬4) للقياس قائم، ترك العمل به في الوصف لظهوره. والجواب عن: أ - أن الحكمة وإن ترجحت لأصالتها، فالوصف ترجح لظهوره. ب- أن عليَّة الحكمة لعلة الوصف إن اقتضت وجوب طلبها ثبت التالي (¬5)، وإلاَّ بطلت الشرطية. جـ - أن التعليل بالحكمة كثير في الشرع، كالتوسط في الحد بين المهلك وغيره (¬6)، والفرق بين العمل القليل والكثير. د- أن الحكمة أصل في عليَّة الوصف، فالتعليل بها أولى، وهذا يصلح دليلًا في المسألة. تنبيه: من المعللين بالحكمة من إذا قيل له التفاوت بين الحاجات ¬

_ (¬1) أي أنه لو صح التعليل بالحكمة لوجب طلبها لكنه لم يجب طلبها. (¬2) في "د" الإِطلاق. (¬3) [الحج: 78]. (¬4) الدليل الذي ينفي التمسك بالعلة المظنونة وهي قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}. وترك العمل بهذا الدليل في الوصف الجلي لظهوره، فيبقى النافي للتمسك بالعلة المظنونة على الأصل. (¬5) في "أ" (الثاني) بدل (التالي). (¬6) أي في إقامة الحد بين المهلك وعدم الزاجر.

المسألة الثالثة

غالب، فلم قلتم: إن الموجود في الأصل موجود في الفرع؟ أجاب بأنا نعلل بالقدر المشترك بينهما. فإذا نقض ذلك بحاجة غير معتبرة في ذلك الحكم قال: لا نسلم وجود القدر المشترك في تلك الصورة، وهذا ضعيف إذ الأصل والفرع قد لا يشتركان إلَّا في مسمى الحاجة وحينئذٍ يلزم النقص. ولقائلٍ أن يضعف هذا التضعيف بأن هذا وإن كان جائزاً لكنه غير لازمٍ (¬1). " المسألة الثالثة" يجوز التعليل بالعدم خلافاً لبعض الفقهاء. لنا: أن الدوران قد يفيد ظن عليته. احتجوا بوجوه: أ - العلة ثبوتية لما تقدم فلا تقوم بالعدم (¬2). ب - العلية (¬3) نسبة والنسبة ثبوتية. ج - العلة متميزة عن غيرها (¬4)، والمتميز يختص في نفسه بما ليس في غيره ولا يعقل ذلك في العدم (¬5). د - يجب على المجتهد سبْر كل ما يمكن كونه علةً، ولا يجب عليه سبر (¬6) الإعدام لعدم نهايتها. ¬

_ (¬1) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي، أن الإمام الرازي قد ضعَّف عدم التسليم بوجود القدر المشترك في حالة نقض الحكم بحاجةٍ غير معتبرة، ولكن القاضي- رحمه الله - ضعَّف هذا التضعيف وذلك بأنه لو سلم جواز النقض، لكنه لازم لجواز الاشتراك في غير مطلق الحكمة. ورد بدر الدين التستري على هذا التضعيف الحاصل في القاضي، أنه يتأتى ذلك لو لم يكن مراد المعترض من التضعيف، أن مطلق الحكمة موجودةّ في النقض، أما إن أريد ذلك فلا يصح التضعيف. (¬2) وإلَّا لزم قيام الوجودي بالعدمي، وهذا يفضي إلى السفسطة. (¬3) في "ب" والمعلولية (زائدة) قبل نسبة. (¬4) سقط من "ب، جـ، د" عن غيرها. (¬5) لأنه نفي محض، ولامتناع التمايز في العدميات، والتمايز من خواص الوجود. (¬6) في "ب، د" (في) بدل (سبر).

المسألة الرابعة

هـ - العدم ليس من سعي الِإنسان فلا يترتب عليه حكم لقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (¬1). والامتناع وإن ترتب عليه حكم لكنه فعل يترتب عليه العدم. والجواب عن: أ، ب - المعارضة بأنهما لو كانتا ثبوتيتين لزم التسلسل. جـ - أن العدم قد يتميز عن غيره، فإن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم ولا ينعكس. د - أن (¬2) الأوصاف العدمية متناهية، ثم لا نسلم المقدمة الأولى. هـ- أنا قد نكلف بالامتناع، ولو كْان فعلاً لكان الممتنع عن الفعل فاعلًا. " فرع" من يمنع التعليل بالعدم له أن يمنع التعليل بالوصف الإضافي، محتجاً بأنه مركب من الإِضافة والخصوصية، وهما عدميتان دفعاً للتسلسل فهو عدمي (¬3). " المسألة الرابعة" يجوز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي (¬4) خلافاً لبعضهم. لنا: ماسبق (¬5). ¬

_ (¬1) [النجم: 39]. (¬2) خلاصة هذا الجواب أنه: لا نسلم المقدمة الأولى وهي عدم وجوب سبر الإعدام بل هي واجبة، ولكن سقط هذا الجواب لتعذره لأن العدميَّات غير متناهية. (¬3) سقط من "هـ" فهو عدمي. (¬4) سقط من "هـ" الحكم الشرعي. (¬5) وهو الدوران يفيد ظن العليَّة.

المسألة الخامسة

احتجوا بوجوه: أ - أن الحكم المجعول علةً إن تقدم على الآخر أو تأخر عنه لم يكن علةً وإن قارنه فكذلك (¬1). إذ النادر من التقديرات الثلاث يلحق بالغالب. ب - أن الحكم لا يكون علةً بمعنى الداعي والمؤثر وفاقاً (¬2)، ولا بمعنى المعرف إذ معرف حكم الأصل النص. جـ - شرط العلة تقدمها على المعلول وهو مجهول هنا (¬3). د- أن عليَّة أحدهما للآخر ليس أولى من العكس. والجواب: أنا لما فسرنا العلة بالمعرف سقط ما ذكرتم (¬4)، وربما يحتاج فيه إلى الاستعانة (¬5) ببعض ما تقدم. " فرع" إن جاز ذلك، فهل يجوز تعليل الحكم الحقيقي بالشرعي كما نقول في الشعر يحرم بالطلاق ويحل بالنكاح فيكون حياً؟ والحق جوازه، لأنا فسرنا العلة بالمعرَّف. " المسألة الخامسة" يجوز التعليل بالوصف العرفي كالشرف والخسة، والكمال والنقص بشرط كونه مضبوطاً مطرداً، ليعلم حصوله في زمان النبي عليه السلام. ¬

_ (¬1) أي يحتمل كونه علة. (¬2) لأن المؤثر والداعي جهات الأفعال لا الأحكام. (¬3) أي وهو مجهول في أحد الحكمين بالنسبة للآخر فلا جزم بعليته. (¬4) وهو عدم جواز تعليل المتقدم بالمتأخر. (¬5) في "د" إلى استغنائه.

المسألة السادسة

" المسألة السادسة" يجوز التعليل بالوصف المركب خلافاً لقومٍ. لنا: ماسبق (¬1). احتجوا بوجوه: أ - أنه يفضي إلى نقض العلة العقلية، لأن عدم كل واحدٍ من أجزاء العلة المركبة علة لعدم عليتها، لامتناع عليتها بعد عدمها، فإذا عُدم جزء ثم عُدم آخر حصل النقض. فإن قلتَ: هذا ينفي الماهية المركبة. قلتُ الماهية مجموع الأجزاء فلم يكن عدم أحد الأجزاء علةً لشيء (¬2)، والعلية أمر زائد (¬3) عدمها معلل بعدم الأجزاء. ب - أن العلية إن قامت بكل جزءٍ لزم كون كل جزءٍ علةً، وقيام الواحد بمحال كثيرة، وإن قام بكل جزء جزء انقسمت العلية فيكون لها نصف وثلث. جـ - أن كلَّ واحدٍ من الأجزاء ليس علةً عند الانفراد، فإن لم يحدث عند الاجتماع زائد لم يكن علة. وإن حدث عاد الكلام في المقتضي له وتسلسل. والجواب عن: أ- أنه بناءً على كون العدم علةً وهو ممنوع. ب - أن العليَّة ليست صفةً ثبوتية، دفعاً للتسلسل فلا يصح التقسيم المذكور. ولقائلٍ أن يقول (¬4): في هذين الجوابين نظرٌ نبه عليه قبل. ¬

_ (¬1) وهو أن الدوران يفيد ظن العلية. (¬2) في "د" لشيء آخر. (¬3) سقط من "أ" عدمها موجود في "هـ" في الهامش. (¬4) هذا الاعتراض من القاضي الأرموي - رحمه الله - موجه للجوابين المتقدمين، ولكنه لم يوضح النظر الذي أشار إليه، وقد وضح ذلك بدر الدين التستري بقوله في الأول والثاني، لأنه اختار =

جـ (¬1) - النقض بحصول الماهية المركبة. " فرعان" الأول: عن بعضهم (¬2) أنه لا يجوز أن تزيد الأوصاف على سبعة ولا وجه له. الثاني: في الفرق بين جزء العلة ومحلها (¬3)، وشرط ذات العلة وشرط عليتها. قيل: الشرط: (ما يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يكون جزءاً لعلة) وقيل: (ما يلزم من عدمه مفسدة دافعة لوجود الحكم)، ثم المثبتون للطرد والمنكرون لتخصيص العلة أنكروا الفرق، لأن العلة الشرعية هي المعرفة والمعرَّف للحكم مجموع القيود فكل واحدٍ جزء المعرف، نعم: قد يكون جزء أقوى من جزء. فإن القتل أقوى من كونه (¬4) مضافاً إلى القاتل والمقتول، ولا فائدة لهذا البحث إلا إضافة الفعل إلى من صدر منه العلة دون الشرط، وأنها حاصلة وإن سمينا الكل بالجزء، وبإضافة الفعل إلى من صدر منه الجزء الأقوى. ومن فرَّق قال: إن عُرفت العلية بالنص، فالعلة ما دل النص على كونه ¬

_ = أن العدم يكون علةً كما مرَّ، فالمنع منه لا يكون موجهاً فإن قلتَ ذاك إذا كان المعلول أيضاً عدمياً، وهذا المعلول وهو لا علية الماهية أمر وجودي، إذ العلة أمر عدمي فيمتنع أن يكون المعدوم علة الموجود، قلت ممنوع فإنها ثبوتيَّة على ما مرَّ أنها نقيض اللاعلية المحمولة على العدم (حل العقد لوحة 126). (¬1) في "ب" عن الثالث. (¬2) ما ورد في المحصول أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي - رحمه الله - نقل عن بعضهم أنه قال: لا يجوز أن تزيد الأوصاف على خمسة، ونقل ابن العارض عن آخر أنه لا يجوز أن تزيد الأوصاف على سبعةٍ، وهذا الحصر لا أعرف له حجة ألبتَّة (المحصول مخطوطة لندن 3/ 91) والنسخة المطبوعة 2/ 2/ 418. (¬3) في جميع النسخ ما عدا "هـ" (كلها) بدل (محلها). ومحلها الصواب تبعاً للمحصول 2/ 2/ 419، وحل العقد 126. (¬4) في "أ" (دونه) بدل (كونه).

المسألة السابعة

مناطاً وما عرف اعتباره بمنفصل شرط. وإن عرفت بالمناسبة فالقدر المناسب هو العلة، وما يحتاج إليه في تحقيق المناسبة ولا يكون كافياً فيها جزء العلة، والباقي هو الشرط. " المسألة السابعة" لا يجوز التعليل بالاسم، كتعليل تحريم الخمر (¬1) بأن العرب تسميه بالخمر لأنا نعلم ضرورة أنه لا تأثير لهذا. نعم لو عني به التعليل بالمسمى من كونه مخامراً للعقل كان تعليلاً بالوصف. " المسألة الثامنة" جوز الشافعي- رحمه الله - التعليل بالعلة القاصرة، وهو قول أكثر المتكلمين خلافاً للحنفية (¬2) في العلة المستنبطة. لنا: أن صحة التعدية موقوفة على صحتها، فلو توقفت صحتها على صحة التعدية لزم الدور. فإن قيل: لا يلزم من عدم توقف صحتها على صحة (¬3) التعدية صحتها بدون صحة التعدية، لجواز توقف صحتها على وجودها في الفرع. ثم معارض بوجوه: أ - فائدة التعليل التوسل إلى معرفة الحكم والقاصرة لا تعرف حكم الأصل، لأنه معرف بالنص ولا حكم غيره لعدم وجودها فيه وما لا فائدة فيه عبث. ¬

_ (¬1) في "هـ" (العنب) بدل (الخمر). (¬2) عبارة المحصول: إن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: لا يجوز التعليل بالعلة القاصرة المستنبطة، ونسبة الأقوال ينبغي أن يلتزم فيها الدقة ونسبة القول إلى أبي حنيفة تختلف عن نسبتها للحنفية وهذا تساهل. المحصول 2/ 2/ 423. (¬3) سقط من "جـ" صحة.

ب (¬1) - الدليل ينفي القول بالعلة المظنونة. تُركَ في المتعدية للفائدة المذكورة. جـ - العلة كاشفة عن شيء، لأنها أمارة والقاصرة لا تكشف عن شيء. والجواب عن: أ - أن الموجود في غير الأصل لا يكون عين الموجود فيه بل مثله. وكل ما له من الصفات بتقدير وجود (¬2) مثله في غير الأصل ممكن له بتقدير عدم مثله في غير الأصل، لأن حكم الشيء حكم مثله فيكون علةً حينئذٍ إذ عليتها باعتبار تلك الصفات. ولقائلٍ أن يقول (¬3): لا نسلم أن عليتها باعتبار تلك الصفات بل بها وبوجودها في غيَر الأصل، فإن لم تعتبر هذا عُدتَ إلى أول المسألة. ب (¬4) - أن نفس العلم بالعلية ومعرفة مطابقة الحكم للحكمة فائدة إذ قبول النفس للحكم المطابق للحكمة أكثر. ثم القاصرة تفيد معرفة عدم الحكم في غير الأصل، لأنها تفيد امتناع القياس إن وجدت في الأصل علة متعدية لمعارضتها إياها. ولو لم يجز التعليل بها بقيت المتعدية سالمةً عن المعارضة. ثم لم لا يجوز أن تكون مؤثرة في الحكم، وإن ¬

_ (¬1) خلاصة هذا الدليل أنه قد قامت الدلالة على نفي القول بالعلة المظنونة، لقوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}. وتركنا العمل بهذه الآية وغيرها في العلة المتعدية لفائدة التوسل إلى معرفة الحكم. والتوسل لمعرفة الحكم منتفٍ في القاصرة فيبقى فيها على الأصل. (¬2) سقط من "جـ، د" وجود. (¬3) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي - رحمه الله - على جواب الإمام، وهو عدم التسليم بأن عليتها باعتبار مجرد تلك الصفات. بل بها وبوجودها في غير الأصل، وهذا المعنى منتفٍ في العلة القاصرة فلا تثبت عليتها. فإذا لم تعتبر وجودها في غير الأصل في العلية، فلا بد من العود لأول المسألة، لأن القاصرة إنما ثبت عليها إذا لم يعتبر وجود الأوصاف في غير الأصل في العلية. (¬4) في الحقيقة هذا الجواب استمرار للجواب عن "أ"، لأنه لم ينته بعد مع أن جميع النسخ ذكر فيها وعن "ب".

المسألة التاسعة

لم ينتفع بها الطالب، ثم يجوز أن لا يعلم أنها قاصرة لا فائدة فيها (¬1) إلَّا بعد الوقوف عليها والتعليل بها، ثم إنه منقوض بالمنصوصة. والجواب عن الباقيين (¬2) يعرف مما تقدم هنا وقبل. " فرع" قالت الحنفية: الحكم في مورد النص ثابت لا بالعلة، لأن الحكم معلوم فلا يثبت بالمظنون وجوَّزه أصحابنا. والخلاف لفظي لأنا نعني بالعلة أمراً مناسباً، يغلب على الظن أن الشرع أثبت الحكم لأجله ولا سبيل إلى إنكاره أصلاً. " المسألة التاسعة" لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة خلافاً لبعض فقهاء العصر كقولهم: الملك الحادث يستدعي سبباً حادثاً وذلك قوله: (بعت واشتريت). وهذان اللفظان لا وجود لهما لتركبهما من الحروف المتوالية، لكن الشرع قدر وجودهما لوجوب وجود السبب عند وجود المسبب، وربما يذكر التقدير في جانب الأثر فيقال: الدين مقدر في ذمة المديون وهذا ركيك، لأن الوجوب إما مفسر بتعليق خطاب الشرع كما هو مذهبنا، أو يكون الفعل متصفاً بصفةٍ لأجلها يستحق الذم تاركه. والأول لا حاجة به إلى سبب محدث، إذ القديم لا يحتاج إليه ولا الثاني، إذ المؤثر في الحكم جهة المصلحة أو المفسدة. وأيضاً التقدير يجب كونه على وفق الواقع، وتلك الحروف لو وجدت دفعةً لم ¬

_ (¬1) سقط من "ب" لا فائدة فيها. (¬2) والجواب عن الثاني عرف مما تقدم عند الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} في مسألة إثبات القياس على منكريه في أول كتاب القياس، وكذلك فإن العلة القاصرة وسيلة إلى معرفة نفي الحكم فوجب أن تكون علة. والجواب عن الثالث وهو أنها لا تكشف عن حكمٍ نقول به، بل هي كاشفةٌ عن منع القياس وحكمة الحكم.

المسألة العاشرة

يكن كلاماً ولا معنى لتقدير المال في الذمة، بل معنى الدين في الذمة تمكين الشارع للدائن من المطالبة حالاً أو استقبالاً. ولقائلٍ أن يقول (¬1): لما فسرت الوجوب بتعلق الخطاب، وقد اعترفتَ في أول الكتاب بحدوثه افتقر إلى سبب حادث. وكون الحكمة مؤثرة في الحكم لا ينافي كون الوصف مؤثراً لما تقدم، وكون التقدير- على وفق الواقع ليس معناه أن المقدر يعطي حكمه لو كان موجوداً، بل معناه أنه يعطى حكم (¬2) مؤثرٍ موجود. " المسألة العاشرة" أ - العلة قد تقتضي أحكاماً كثيرةً إما متماثلة. وإنما يمكن ذلك في ذاتين (¬3) لامتناع اجتماع المثلين، كالقتل الصادر من شخصين فإنه يوجب القصاص عليهما. وإما مختلفة غير متضادة، كاقتضاء الحيض تحريم الإِحرام والصوم والصلاة. وإما متضادة، وإنما يمكن ذلك إذا توقف اقتضاؤها لها على شروط متضادة بحسب الأحكام لامتناع اجتماع الضدين. ب - شرط العلة اختصاصها بمن له الحكم، وقد يتوقف اقتضاؤها على شرط كالزنا لا يوجب الرجم إلَّا بشرط الإِحصان، وقد لا يكون، وقد تثبت ¬

_ (¬1) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي - رحمه الله - أن الإمام قد اعترض في باب الحكم بحدوث تعلق خطاب الله، فينبغي أن يجوز هنا أن تؤثر الصفة المقدرة فيه، وكذلك على تعريف المعتزلة للحكم لا يمتنع من تعليله بالوصف، وذلك لأن الوصف إنما يؤثر لاشتماله على الحكمة المؤثرة، فلا يلزم توارد المؤثريْن على أثرٍ، لأنها علة لعلية الوصف أو قد مَرَّ جواز التعليل بعلتين، ووجوب التطابق بين المقدر والمقدر له يعني أن المؤثر المعدوم يعطي حكم مؤثر موجود، وليس المعنى أن يعطي حكمه لو كان موجوداً، وقد أبطل التستري هذا الاعتراض (حل عقد التحصيل 127). (¬2) في "أ" (الحكم) بدل (حكم). (¬3) سقط من "د" من ذاتين.

المسألة الحادية عشرة

الحكم ابتدءً كالعدة في منع النكاح. وقد تثبته (¬1) ابتداءً ودواماً كالرضاع في إبطال النكاح، وقد تقوى على الدفع دون الرفع كالعدة ترفع النكاح ولا ترفعه وقد تقوى عليهما. " المسألة الحادية عشرة" قد يستدل بذات العلة كقوله: قتل عمدٍ عدوان فيوجب القصاص وهو صحيح، وقد يستدل بعليتها كقوله: (القتل العمد العدوان سبب لوجوب القصاص، وقد وجد فيجب القصاص وهو فاسد، لأن العليةَ أمر إضافي يتوقف ثبوتها على ثبوت المضافين فيتوقف على ثبوت الحكم فإثبات الحكم بها دور). ولقائلٍ أن يقول (¬2): صدق قولنا القتل سبب لوجوب القصاص لا يتوقف على وجود القتل ولا على وجوب (¬3) القصاص. سلمنا لكن لما فُسَرَت العلة بالمعرف انقطع الدور. " المسألة الثانية عشرة" تعليل الحكم العدمي بالوجودي، وهذا الذي يسمى (تعليل بالمانع) لا يتوقف على وجود المقتضي وإن جوزنا تخصيص العلة، لأن المناسبة أو ¬

_ (¬1) في "أ" تثبت وفي "ب" بينته. (¬2) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي - رحمه الله - أنه لا يسلم أن النسبة تتوقف في الخارج على تحقق المضافين في الخارج، بل في الذهن فيجوز إثبات الحكم في الخارج بالعلية، وكذلك لو فسرت العلية بالمعرَّف لا يلزم الدور، لأن معرفة الحكم مستفادة من العليَّة. وقد أجاب التستري عن هذا الاعتراض بأنه إن كانت النسبة خارجية تتوقف على ثبوتهما في الخارج. فثبوت الحكم في الخارج إن توقف عليها لزم الدور، وكذلك إن فسرناها بالمعرَّف تتوقف على معرفة المنتسبين، فلو استفيد معرفته من معرفتها لزم الدور، حل عقد التحصيل 128. ولكن الأسنوي ارتضى تضعيف القاضي الأرموي لدليل الإمام الرازي نهاية السول 3/ 116. (¬3) في "د" وجود.

الدوران إذا وجد في الأمر الوجودي عند عدم المقتضي أفاد ظن عليته. ولأن المقتضي معارض والمعارض لا يقوى بل يضعف (¬1). احتجوا بوجوه: أ- المعلل بالمانع ليس العدم المستمر، لما عرفت ولأنه ليس حكم الشرع لحصوله قبله بل المتجدد، وهو الامتناع من الحصول بعد أن صار بعرضيته، وذلك يستدعي قيام المقتضي. ب- إسناد انتفاء الحكم إلى انتفاء المقتضي أظهر عند العقل منه إلى المانع، فإن ترجح ظن انتفاءه على ظن وجود المانع أو ساواه لم يعلل بالمانع، فإذا علل به كان ظن انتفاء المقتضي مرجوحا، فكان ظن وجوده راجحاً. جـ - التعليل بالمانع يتوقف في العرف على وجود المقتضي. فإن قولنا: (الطير لا يطير لأن القفص يمنعه) إنما يصح إذا علم كون الطير حياً قادراً، فكذا في الشرع لقوله عليه السلام: "ما رآه المسلمون حسناً" (¬2) الحديث. د - عدم المقتضي يقتضي عدم الحكم، فلا يسند إلى المانع عند عدم المقتضي، لأن تحصيل الحاصل محال بل عند وجوده. والجواب عن: أ - أن المتأخر قد يعرف المتقدم ونعني بكون العدم حكم الشرع أنه لا يعرف إلاَّ منه. ب - أن نفس ظن المانع كافٍ في التعليل بدون الأقسام الثلاثة. ب (¬3) - منع التوقف في العرف وإن ظن كون السبع في الطريق كافٍ في أن لا يحضر زيد، وإن لم يخطر ببالنا سلامة أعضائه ونجعل هذا دليلاً ابتداءً ونتمسك بالحديث المذكور. د - أنه يجوز توارد المعرفات على معرفٍ واحد. ¬

_ (¬1) في "ب" لا يضعف. (¬2) تقدم تخريج هذا الحديث في صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب. (¬3) في "ب" وعن الثالث.

فرع: إن قلنا: يتوقف (¬1) عليه لم يجب بيان وجوده، بل يكفي أن نقول إن لم يوجد المقتضي في الفرع انتفى الحكم عنه. وإن وجد كان ذلك لمصلحة كذا وأنها موجودة في الأصل، فيكون عدم الحكم فيه معللاً بالمانع. قيل (¬2): وجود الوصف المقتضي للحكم في الأصل يجب أن يكون متفقاً عليه، وهو ضعيف لأنه إذا ثبت وجوده ولو بدليل كفى. ¬

_ (¬1) أي إن قلنا: إن التعليل بالمانع يتوقف على وجود المقتضي. (¬2) عند الرازي مسألة منفصلة انظر المحصول: 2/ 2/ 445.

الفصل السادس في البحث عن الحكم والأصل والفرع

" الفصل السادس" (¬1) في البحث عن الحكم والأصل والفرع القسم الأول الحكم " المسألة الأولى" أكثر المتكلمين على صحة القياس في العقليات ومنه قياس الغائب على الشاهد. وقالوا لابد من جامعٍ وهو إمَّا العلة، كقولنا: العلم شاهداً علة العالمية فكذا غائباً، أو الحد كقولنا: حد العَالِمُ شاهداً من له العلم أو الشرط كقولنا: العلم شرطه الحياة شاهداً. أو الدليل كقولنا الأحكام شاهداً دليل العلم. والجمع بالعلة أقوى فيقول فيه إنه متى علم أن حكم الأصل معلل بعلة، وعلم وجودها بتمامها في الفرع أي مستجمعة لما لا بد منه في المؤثرية (¬2)، حصل علمٌ بثبوت ذلك الحكم فيه، لأنها لَمَّا حصلت (¬3) أثرت في الحكم في الأصل، فلو لم تؤثر في الفرع لزم الترجيح من غير مرجحٍ، ولا معنى لكون القياس العقلي حجةً إلَّا ذلك. نعم تحصيل العلمين (¬4) صعب، فإنه لا بد من امتياز ما في الأصل عما في الفرع، فلعل ما به الامتياز جزء (¬5) العلة أو شرطها أو مانع من الحكم. ¬

_ (¬1) في "أ، ب" الخاص وقد تقدم الخاص قبل ثمان عشرة صفحة. (¬2) سقط من "ب، د" في المؤثرية. (¬3) سقط من جميع النسخ ما عدا "هـ" حصلت. (¬4) في "هـ" العلم. (¬5) في "أ" أحد جزئي.

المسألة الثانية

ولهم في تعين العلة طرق: أ- التقسيم المنتشر ويستدلون على نفي قسم آخر بعدم الوجدان بعد الطلب الشديد، كالمبصر إذا نظر بالنهار في جميع جوانب الدار فلم يبصر شيئاً، فإنه يجزم بعدمه وهو ضعيف إذ ربَّ موجودٍ لم يجده. والقياس على المبصر لو كان له جامع إثبات القياس بالقياس. ب - الدوران: أما الخارجي فلا يفيد العلم وأما الذهني كقولنا: متى عرفنا كون الخطاب أمراً بالمحال عرفنا قبحه، ومتى لم يعرف كونه أمراً بالمحال لم يعرف قبحه .. وذلك يفيد الجزم بالعلية فضعيف لأنهم مطالبون بالبرهان على المقدمتين، ولم نر المتكلمين فعلوه. ثم إنه منقوض بأنا متى عرفنا كون هذا أباً لذلك عرفنا كون ذلك إبناً لهذا وبالعكس ومتى لا فلا. مع أن أحدهما ليس علةً للآخر لأن المضافين معاً. وأيضاً لا نسلم أنا متى لم نعرف كونه أمراً بالمحال لم نعرف قبحه فلعل له صفة أخرى لو عرفناها لعرفنا قبحه. واعلم أن هذا (¬1) الكلام مأخوذ من الفلاسفة، فإنهم يقولون العلم بالعلة علة للعلم بالمعلول، ولا يلزم العلم بالمعلول إلَّا من العلم بعلته وقد بُيِّنَ ضعفهما في الكتب العقلية. " المسألة الثانية" يجوز القياس في اللغات وهو قول ابن سريج، ونقل (¬2) ابن جني في كتابه الخصائص (¬3) أنه قول أكثر علماء العربية كالمازني (¬4) وأبي علي ¬

_ (¬1) وهو دلالة الدوران الذهني على علية المراد. (¬2) في جميع النسخ ما عدا "د" (وعن ابن جني) وما في "د" موافق للمحصول 2/ 2/ 457. (¬3) كتاب في أصول اللغة في ثلاثة مجلدات، صنفه أبو الفتح عثمان بن جني المتوفى سنة 392 هـ، طبع منه الجزء الأول في دار الهلال سنة 1331،. ثم أعيد طبعه كاملاً بتحقيق محمد علي النجار الأستاذ بكلية اللغة العربية في الأزهر بمطبعة دار الهدى للطباعة والنشر ببيروت. (¬4) المازني هو أبو عثمان بكر بن محمد بن بقية المازني البصري، أول من أفرد علم الصرف عن =

الفارسي (¬1)، خلافاً لأكثر أصحابنا وجمهور الحنفية. لنا: أن دوران تسمية المعتصر من العنب بالخمر مع الشدة المطربة تفيد ظن عليتها لها. فالعلم بوجودها في النبيذ يفيد ظن كونه مسمى بالخمر (¬2)، وأنه يفيد ظن اندراجه تحت ما يحرم الخمر. فإن قيل: لا مناسبة بين الاسم والمسمى، فامتنع (¬3) كونه داعياً إلى الوضع ثم ما يجعل العبدُ علة لا يترتب عليه الحكم أينما وجد فلعل الواضع هو العبد. والجواب (¬4) عن: أ - أن العلة هي (¬5) المعرف. ب - أن اللغات توقيفية. ¬

_ = النحو إمام عصره في النحو والأدب من كتبه: ما تلحن فيه العامة. الألف واللام. الديباج. توفي بالبصرة بعد سنة 136 هـ. انظر: نزهة الألباء ص 182، معجم الأدباء 2/ 380، اللباب 3/ 81، وفيات الأعيان 2/ 283، روضات الجنات 2/ 134. (¬1) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفوي الفارسي الشيرازي، ولد سنة 288 هـ وتوفي سنة 377 هـ، قدم بغداد ودرس فيها حتى أصبح إماماً في النحو والصرف له الإيضاح في النحو، والتكملة في التصريف، والحجة في علل القراءات السبع وتعليقه على كتاب سيبويه والمسائل الحليبة، انظر وفيات الأعيان 2/ 80، بغية الوعاة 1/ 496، مرآة الجنان 2/ 46، مفتاح السعادة 1/ 171، شذرات الذهب 3/ 88. (¬2) في "د" زيادة وهي (وأنه يفيد ظن عليتها). (¬3) أي امتنع كون الدوران داعياً للوضع لأنه لا بد من وجود مناسبة بين الاسم والمناسبة، وهنا لا يوجد أي مناسبة. ثم لو سلمنا أنه يوجد مناسبة فإذا لم يكن الواضع هو الله تعالى لا يترتب الحكم عليه ومثال ذلك. لو قال: أعتقت غانماً لسواده فإذا كان له عبد آخر أسود لم يعتق عليه. (¬4) هذان الجوابان عن الاعتراضين المتقدمين المبدوءين بقوله: فإن قيل لا مناسبة بين الاسم والمسمى. وهما لم يردا مرقمين. وتوضيحاً للجوابين نقول: إنه إذا كانت العلة بمعنى المؤثر أو الداعي لا يمكن جعل المعنى علِّة للاسم. ولهذا نقول: إنها بمعنى المعرِّف فلا يمتنع ذلك ونظيره، جعل الله تعالى الدلوك علة لوجوب الصلاة، فالدلوك معرف وليس بمؤثر ولا داعي. وعن الثاني أن اللغات توقيفية وواضعها هو الباري جل شأنه. (¬5) سقط من "أ" هي.

ولقائلٍ أن يقول (¬1): أنت اخترت التوقف فبطل هذا الجواب. ب - ما اعتمد عليه المازني والفارسي، وهو اتفاق أهل اللغة أن كل فاعلٍ رفع وكل مفعول نصب إلَّا لمانع. وإنما عرف ذلك لأنهم رفعوا بعض الفاعلين واستمروا عليه فعرف أن كونه فاعلاً علة لارتفاعه. جـ - اتفقوا على أن ما لم يسم فاعله إنما ارتفع لشبهه بالفاعل في إسناد الحكم إليه، وأجمعوا على تعليل الأحكام الاعرابية بالتشبيهات وإجماع أهل اللغة فيها حجة. د - آية الاعتبار. احتجوا (¬2) بوجوه: أ - اللغات بأسرها توقيفية فامتنع فيها (¬3) القياس. ب - أهل اللغة لو أمروا بالقياس لم يجز القياس (¬4) لما بيَّنا ولم ينقل ذلك (¬5) عنهم. ب - ما بينا من عدم المناسبة وتوقف القياس عليها. د - سموا الفرس الأسود أدهم والأبيض أشهب دون الحمار والقارورة إنما سميت بهذا الاسم، لاستقرار الشيء فيها ولم يسم الحوض به. والجواب عن: أ - أن التوقف لا يمنع القياس. ب - أنه ثبت بالتواتر إجماعهم على جواز القياس، حتى ملؤوا الكتب بالقياسات وأجمعت الأمة على وجوب الأخذ بتلك الأقيسة. ¬

_ (¬1) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله أن الإمام قد اختار التوقف في هذه المسألة في أول الكتاب في أبحاث اللغات، فلا يصح منه هذا الجواب لأنه مبني على أن اللغات توقيفية. (¬2) أي المنكرون للقياس في اللغات. (¬3) سقط من "أ, د" فيها. (¬4) سقط من "ب" لم يجز القياس. (¬5) سقط من "د" ذلك.

المسألة الثالثة

ب - ما سبق (¬1). د - أن عدم إِجراء القياس في بعض الصور لا يمنع جواز القياس كالقياس الشرعي. " المسألة الثالثة" المشهور منع القياس في الأسباب، لأنه يوجب تعليل موجبية الأصل بالمشترك فيكون هو الموجب للحكم فلا حاجة إِلى الواسطة. " المسالة الرابعة" المطلوب بالقياس إِما النفي الأصلي أو الثبوت المعلوم أو المظنون. والأول اختلفوا في إِمكان القياس فيه. والحق أنه يمكن فيه قياس الدلالة. وهو الاستدلال بعدم الخواص واللوازم دون قياس العلة إذ السابق لا يعلل باللاحق. ويقال (¬2) عليه بأن ذلك لا يمتنع (¬3) في المعرف (¬4). وكذا في الثاني (¬5) ولا ينبغي أن يكون الخلاف في الجواز الشرعي، إِذ عِلمنا بأن هذا علة الحكم في الأصل وبوجوده في الفرع يستلزم العلم بحصول الحكم فيه. بل في إمكان تحصيل العلم بهما في الأحكام الشرعية والثالث يجوز فيه القياس. ¬

_ (¬1) من تفسير العلة بالمعرِّف فلا يُقدم عدم المناسبة فيها. (¬2) سقط من "هـ" يقال. (¬3) أي أن تعليله بوصف يوجد بعد ذلك جائز إذا كانت العلة بمعنى المعرِّف. (¬4) في "أ" (العرف) بدل (المعرف). (¬5) وهو استعمال القياس في الذي طريقه العلم وهذا ينبغي أن يكون الخلاف في إمكان تحقق العلم في علة الحكم في الأصل، والعلم في وجودها في الفرع أما في جوازه الشرعي ينبغي أن لا يكون خلاف.

المسألة الخامسة

" المسألة الخامسة" يجوز اثبات أصول العبادات بالقياس خلافاً للجبائي والكرخي. لنا: النص (¬1) والمعقول المتقدمان. وبنى الكرخي عليه أنه لا يجوز اثبات الِإيماء في الصلاة بالقياس، ويمكن حمل الخلاف على أنه يجب فيه اليقين ببيان الشرع والنقل المتواتر إلينا. وعلى أنه وإن كفى فيه الظن لكن لا يجوز فيه القياس. والأول منقوض (¬2) بالوتر. فإن قلتَ: إذا جاز هذا جاز وجوب صوم شوال مع أنه لم ينقل إلينا. قلتُ: المعتمد في نفيه الِإجماع. والثاني (¬3) محكم إذ لا مانع من جواز القياس فيما يكفي فيه الظن. " المسألة السادسة" يجوز اثبات التقديرات والحدود والكفارات والرخص بالقياس خلافاً للحنفية (¬4). وحاصل الخلاف أنه هل في الشريعة جملة من المسائل لا يجري القياس فيها. لنا: ماسبق (¬5). فإن ادعوا امتناع الوقوف فيها على العلة، فذلك إنما يظهر إذا بحث ¬

_ (¬1) وهو قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} وغيره من الآيات والمعقول وهو أن القياس يفيد ظن دفع الضرر. (¬2) إذ الوتر عندهم واجبٌ مع عدم القطع به والوجوب لا يقتضي القطع به. (¬3) أي الثاني من الوجوه التي اعتمد عليها الكرخي. وهو وإن كفى الظن في إثبات أصول العبادات لكن لا يجوز فيه القياس. (¬4) في المحصول خلافاً لأبي حنيفة وأصحابه، ومذهب الجواز نسبه الإمام الرازي للشافعي - رحمهما الله -، المحصول 2/ 2/ 471. (¬5) وهو قوله: فاعتبروا وحديث معاذ والعمل بدفع الضرر المظنون.

عن مسألةٍ مسألة، فإذا وجد فيها العلة صح القياس وإلَّا فلا. لكن كل مسألةٍ بهذه المثابة. والشافعي ذكر مناقضتهم في هذا الباب فإنهم قاسوا في الحدود وتعدوا إلى الاستحسان. فأوجبوا الرجم بشهود الزوايا بالاستحسان (¬1) مع مخالفته للعقل، وقاسوا الإفطار بالأكل على الإفطار بالوقاع (¬2). وقتل الصيد ناسياً على قتله عامداً مع تقييد النص بالعمد. فإن قلتَ: إنما أثبتنا بالاستدلال: قلت: فالاستدلال قياس إذ يجب فيه أن يقال حكم الأصل إمَّا ليس بمعلل أو معلل بالفارق أو المشترك. والأولان باطلان وهذا هو القياس واستخراج العلة بالتقسيم. وأثبتوا تقديرات الدلو والبئر بالقياس وقاسوا في الرخص حتى انتهوا في الاستنجاء إلى نفي استعمال الأحجار، وحكموا بذلك في كل النجاسات. وقاسوا العاصي بسفره على المطيع (¬3) مع أن القياس ينفي الرخصة إذ الرخصة إعانة والمعصية لا تناسبها. احتجوا في الحدود بقوله عليه السلام: "ادرؤوا الحدود بالشبهات" (¬4)، ¬

_ (¬1) "سقط من "ب" بالاستحسان , ومسألة شهود الزوايا: هي أن يشهد أربعة أشخاص على شخص بأنه زنى بامرأة. وعين كل شاهدٍ منهم زاوية غير الآخر فعند الحنفية يجب الحد على المشهود عليه استحساناً. وعند الشافعي لا يحد حتى لو تقاربت الزوايا. وعند أحمد ومالك يحد إذا تقاربت الزوايا، انظر المغني لابن قدامة 10/ 183، ومختصر المزني بهامش الأم 5/ 259. (¬2) قال صاحب الهداية: ولو أكل أو شرب ما يتغذى به أو يتداوى به فعليه القضاء والكفَّارة، لأنَّ الكفارة تعلقت بجناية الإفطار في رمضان على وجه الكمال وقد تحققت، انظر فتح القدير 2/ 338. (¬3) قال صاحب الهداية: والعاصي والمطيع في سفرهما سوإء لأن نفس السفر ليس بمعصية وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره فصلح تعلق الرخصة به. انظر فتح القدير 2/ 46. (¬4) رواه الحارثي في مسند أبي حنيفة عن ابن عباس مرفوعاً. وأخرجه ابن السمعاني عن عمر بن عبد العزيز وأخرجه ابن أبي شيبة وابن حزم ورواه البيهقي والحاكم والترمذي وأبو يعلى عن عائشة وغيرها بلفظ: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلو سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوية"، وروته كتب أخرى عن كثير من الصحابة (كشف الخفا 1/ 71).

المسألة السابعة

والقياس لا يفيد القطع فتحصل الشبهة، وفي المقدرتان بأن العقول لا تهتدي إليها وفي الرخص بأنها منح من الله تعالى فلا يعدل بها عن مواضعها. وفي الكفارات بأنها خلاف الأصل لاشتمالها على الضرر. والجواب عن الكل النقض بما تقدم (¬1) وتخصيص القياس عنه بالقياس على تخصيص خبر الواحد عنه. " المسألة السابعة" قال الشيخ أبو اسحاق الشيرازي (¬2): ما طريقه العادة والخلقة كقدر الحيض لا يجوز إثباته بالقياس، لأن أسبابها لا معلومة ولا مظنونة. " المسألة الثامنة" ما لا يتعلق به عمل كقِران النبي - صلى الله عليه وسلم - وإفراده ودخوله مكة صلحاً أو عنوة لا يجوز إثباته بالقياس، إذ المطلوب العلم لا العمل. " المسألة التاسعة" القياس اذا خالف النص المتواتر رد إن نسخه، وإن خصه ففيه خلاف تقدم (¬3) وإن خالف الآحاد فقد سبق ذكر حاله (¬4). " المسألة العاشرة" التعبد بالنص في كل الشرع ممكن بالتنصيص على كليات يدخل (¬5) فيها الجزئيات، وبالقياس لا لأنه يستدير ثبوت الحكم في الأصل. والعقل ¬

_ (¬1) هي المسائل التي ذكرها الإمام الشافعي رضي الله عنه. (¬2) في اللمع ص 55. (¬3) في باب العموم. (¬4) في الأخبار. (¬5) سقط من "ب، د" يدخل.

القسم الثاني الأصل

إنما يدل على البراءة الأصلية، فالأصل الذي لا يوافق حكمه حكمه (¬1) لو أثبت حكمه (¬2) بالقياس لزم الدور. " القسم الثاني" الأصل حكم الأصل إن كان على وفق قياس الأصول يجب فيه أمور: أ - ثبوت الحكم في الأصل. ب - معرفته بطريق شرعي، وعلَّلَ من يثبت الحكم بالعقل بأنه لو كان عقلياً لكان معرفة حكم الفرع عقلية، فكان القياس عقلياً وهو ضعيف إذ طريق معرفة عليَّة الوصف وحصوله في الفرع قد يكون سمعياً، والمبني على السمعي سمعي. جـ - أن لا يكون ذلك الطريق قياساً، لأنه إنما يتوصل إلى حكم الأصل القريب بالعلة الموجودة في البعيد. فإن وجدت في الفرع أمكن رده إليه فلغى توسط القريب، وإلاَّ امتنع تعليل الحكم في القريب بالموجودة في الفرع، لكونه معللًا بالموجودة في البعيد. د - أن لا يكون ذلك بعينه دليلاً على حكم الفرع (¬3). هـ - أن يظهر كون حكم الأصل معللاً بوصف معين. و- أن لا يكون حكم الأصل متأخراً عن حكم الفرع. هكذا قيل وهو حق إن لم يكن للفرع دليل إلَّا القياس. وإلَّا لزم ثبوت الحكم بلا دليل وإن كان له دليل آخر، جاز لجواز توارد الأدلة على مدلولٍ واحد، وإن كان حكم الأصل على خلاف قياس الأصول. فقوم من الحنفية والشافعية جوزوا القياس عليه مطلقاً، ولم يجوز ¬

_ (¬1) والمعنى حكمه حكم العقل. (¬2) سقط من "د" حكمه. (¬3) وذلك لأنه لم يكن جعل أحدهما أصلاً والآخر فرعاً أولى من العكس.

الكرخي الَّا إذا كانت العلة منصوصة، أو اجتمعت الأمة على تعليل حكم الأصل أو يكون القياس عليه موافقاً للقياس على أصولٍ أخرى. والحق أن دليل ما ورد بخلاف قياس الأصول إن كان مقطوعاً به جاز القياس عليه كالقياس على غيره، ثم يرجح المجتهد أحد القياسين ويؤيده أن العموم لا يمنع من قياس يخصصه، فالقياس عليه أولى بعدم المنع. فإن قيل: الخبر يخرج من القياس ما ورد فيه فيبقى الباقي. قلنا: إذا عُرف علة إخراجه خرج ما يشاركه وليس شبهه لأصل أولى من شبهه لآخر إلَّا لمنفصل، وإن كان دليله غير مقطوع به، فإن لم تكن علته منصوصة ترجح القياس على الأصول إذ طريق حكمها معلوم. وإن كانت منصوصة استويا إذ العلم بطريق الحكم يعارضه العلم بطريق العلة. " خاتمة" زعم عثمان البتي (¬1) أنه لا يقاس على أصل، حتى يقوم دليل على جواز القياس عليه، وزعم المريسي (¬2): أن شرط الأصل (¬3) النص على عين العلة أو الإجماع على كون حكمه معللاً. وقيل: لا يجوز القياس على العدد المحصور. كقوله عليه السلام: ¬

_ (¬1) هو عثمان بن مسلم البتي أبو عمرو البصري. روى عن أنس والشعبي وغيرهما وعنه شعبة والثوري وحماد بن سلمة وهثيم وغيرهم. وثقهُ الجوزجاني وابن معين وابن سعد، كان عثمان من أهل الكوفة ثم انتقل إلى البصرة، وكان مولى لبني زهرة، لقب بالبتي لأنه كان يبيع البتوت وهي أكسية غليظة على ما في تهذيب التهذيب. وعند السمعاني ينسب الى البت وأظنه بلد بنواحي البصرة. رأى أنس بن مالك والحسن البصري وتوفي سنة 143 هـ. تهذيب التهذيب 7/ 154، تقريب التهذيب 2/ 14. (¬2) هو بشر بن غياث المريسي الجهمي من أفضل تلاميذ أبي يوسف، كان أبوه يهودياً قال بخلق القرآن. وأنكر عذاب القبر ورؤية الله في الأخرة والميزان والجنة والنار وعقيدته الإرجاء. رمي بالزندقة والكفر وكان مكروهاً جداً من العلماء. وفيات الأعيان 1/ 133. (¬3) سقط من "هـ" الأصل.

القسم الثالث الفرع

"خمس من الفواسق (¬1) تقتل في الحل (¬2) والحرم" (¬3). إذ التخصيص بالذكر ينفي الحكم عما عداه. ولأن القياس عليه يبطل الحصر. وجوابه: النقض بالأشياء الستة المذكورة في الربا، ويدل على عدم اشتراط هذه الأمور النص والمعقول (¬4) المذكوران (¬5) واستعمال الصحابة القياس بدونها. " القسم الثالث" الفرع وشرطه أن يوجد فيه علة (¬6) مثل علة حكم الأصل في الماهية والقدر، ولا يشترط العلم بوجوده فيه تمسكاً بأدلة القياس، خلافاً لقوم، ويؤيدها وجوب القضاء على القاضي بالشهادة في الحدود. وقال أبو هاشم: يجب ثبوت الحكم في الفرع جملةً، حتى يفصله القياس ولولا شرعية ميراث الجد ما قيس توريثه مع الإخوة وأدلة القياس تنفيه. وقيل: لو كان حكم الفرع منصوصاً عليه لم يستعمل فيه القياس بقصة معاذ، ولأن النافي للعمل بالظن قائم. ترك حيث لا نص للضرورة والأكثرون جوزوه لجواز توارد (¬7) الأدلة على مدلولٍ واحد. وقصة معاذ (¬8) لا تنفي الجواز عند النص. ¬

_ (¬1) "من الفواسق" موجودة في "د" فقط. (¬2) سقط من "هـ" الحل. (¬3) متفق عليه من حديث عائشة (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفارة والكلب العقور)، وفي لفظ مسلم (الحية) بدل (العقرب) نصب الراية 3/ 136. (¬4) إشارة لقوله فاعتبروا ووجود ظن مثل حكم الأصل في الفرع. (¬5) سقط من "هـ" المذكوران. (¬6) "علة" موجودة في "ب، د" فقط. (¬7) في "هـ" (تعادل) بدل (توارد). (¬8) تقدم تخريج خبر معاذ في صفحة (1/ 395) من هذا الكتاب.

والثاني (¬1) تقدم جوابه. ولقائل أن يقول (¬2): قصة معاذ تنفي ذلك، لأن جواز القياس فيها تعلق بعدم وجدان النص بكلمة "إن" والمعلق بالشرط بكلمة "إن" عدم عند عدمه. " خاتمة" المشهور في زماننا بقياس التلازم يمكن استعماله بوجهٍ آخر، وهو أنه لو ثبت الحكم في الفرع فإن عُلل بالوصف المشترك بينه وبين الأصل، لزم نقض العلة لعدم الحكم في الأصل، وإن لم يعلل به لزم الترك بالمناسبة مع الاقتران. ¬

_ (¬1) في "ب" والنافي وفي "جـ" والباقي. والراجح والثاني طبقاً للمحصول 2/ 2/ 500، والجواب المتقدم هو أن العمل بالقياس ليس على خلاف الدليل. (¬2) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي - رحمه الله - أن قصة معاذ عند بعثه قاضياً لليمن تنفي جواز القياس مع وجود النص، لأن جواز القياس فيها تعلق بعدم وجدان النص والمعلق بالشرط بكلمة إن عدم عند عدمه.

الكلام في التعادل والترجيح

" الكَلامُ في التعَادل وَالترجيح" وفيه فصول " الفصل الأول" في التعادل (¬1) ¬

_ (¬1) التعادل: هو تعارض بين دليلين لا ترجيح لأحدهما على الآخر. وقد يكون هذا التعادل في الواقع وهو الذي فيه البحث، وقد يكون في نظر المجتهد.

المسألة الأولى

" المسألة الأولى" منع الكرخي من تعادل الأمارتين وجوزه غيره. وحكمه عند القاضي أبي بكر وأبي علي وأبي هاشم التخيير. وعند بعض الفقهاء التساقط. والحق أنه في الحكمين المتنافيين في فعلٍ واحد جائز عقلاً (¬1). كعدلين يخبر أحدهما عن وجود شيء، والأخر عن عدمه غير واقع في الشرع، لأن العمل بهما وتركهما ممتنع. والعمل (¬2) بأحدهما عيناً ترجيح بلا مرجح، وغير عينٍ تخيير بين أمارتين: الإباحة والحرمة، وأنه إذن في الفعل والترك، وأنه إباحة وترجيح لأمارتها عيناً. فإن قيل: التخيير بين أمارتين إباحة في حال الأخذ بأمارتها وتحريم في حال الأخذ بأمارته كركعتي المسافر فإنهما فرض إن أتم وغيره إن قَصَر. ثم ما ذكرتم لا يتناول أمارتي الوجوب والتحريم. ثم لم لا يجوز وضع ما لا يمكن العمل به. فإن قلتَ: لأنه عبث. قلتُ: لعل فيه حكمةٌ لا تعلم وأيضاً لتعادل الذهني جائز فكذا الخارجي. والجواب عن: أ - أن الأمارتين تناولتا فعلًا واحداً من وجهٍ واحدٍ، فالحجر ترجيِح لأمارة الحرمة عيناً ورفعه ترجيح لأمارة الإباحة عيناً. وأيضاً إن عنيت بالأخذ ¬

_ (¬1) سقط من "ب، د" عقلاً. (¬2) في "د" (العلة) بدل (العمل).

اعتقاد الرجحان فهو باطل وإن عنيت به العزم على الإتيان (¬1) فإن كان ذلك جازماً وجب الفعل ولا إذن ولا منع، وإلَّا جاز الرجوع (¬2) عنه فسقط ما ذكرتم. ب - أنه لا قائل بالفرق وأيضاً إثبات الإباحة عند تعارض أمارتي الوجوب والحظر إسقاط لهما، وإثبات حكمٍ بلا دليل يدل عليه. جـ - أن المقصود من نصب الأمارة التوسل إلى الحكم. والعبث فعل ما يمتنع حصول المقصود منه. والتعادل الذهني لقصورنا لا يوجب امتناع التوسل إلى المقصود. أما تعادل الأمارتين في الفعلين المتنافيين والحكم واحد جائز. فإن من ملك مائتين من الإبل مخير، فإن أخرج خمس بنات لبون عمل بقوله عليه السلام: "في كل أربعين بنت لبون" (¬3). وإن أخرج أربع حقاق عمل بقوله عليه السلام: "في كل خمسين حقة". وليس أحدهما أولى من الآخر. ومثله تخير المصلي داخل الكعبة. والولي إذا وجد لبناً يسد رمق أحد الطفلين ولو قسم عليهما ماتا. ولأن إيجاب الفعلين المتنافيين يقتضي إيجابهما على البدل. فإن قيل: التخيير إسقاط لأمارتين. قلنا: لا نسلم إذ المنع من الترك موقوف على عدم الدليل على قيام العزم (¬4) مقام الواجب. " فرع" هذا التعادل إن حصل للمجتهد تخير في نفسه، وإن استفْتِيَ خيَّر، وإن استحكم عَيَّنَ ليقطع الخصومة. وإذا حكم بإحدى الأمارتين مرةً لم يمتنع ¬

_ (¬1) في "هـ" (على البيان) بدل الإتيان. (¬2) في "د" (الترجيح) بدل (الرجوع). (¬3) رواه البخاري وأبو داود وغيرهما جزء من حديث طويل جداً عن أبي بكر. ولفظ هذا الجزء (فإذا زادت على عشرين ومئة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة) فتح الباري 3/ 317، أبو داود 2/ 97، بلوغ المرام 69. (¬4) في "أ" العزم وفي جميع النسخ الغير.

المسألة الثانية

عقلاً أن يحكم بالأخرى أخرى، كمن يجوز لمن استوى عنده جهتا القبلة أن يصلي (¬1) مرةً إلى جهةٍ وأخرى إلى أخرى، لكن قوله عليه السلام لأبي بكرة (¬2): "لا تقض في شيءٍ واحدٍ بحكمين مختلفين" (¬3) يمنع منه. وقول عمر في مسألة الحمَارية: (ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي) (¬4). يجوز أن يكون قضى (¬5) أولاً بأمارة ظنها راجحةً ثم ظن رجحان الثانية. " المسألة الثانية" إذا نقل عن المجتهد قولان في كتابين. فإن علم التاريخ كان الثاني رجوعاً عن الأول ظاهراً، وإلَّا وجب نقل القولين دون الترجيح. وإن كان في كتاب واحد في موضع واحدٍ فإن ذكر ما يدل على رجحان أحدهما كتفريعهً عليه أو قوله هذا أولىً أو أشبه فهو قوله، وإن أطلق فقيل: مقتضاه التخيير وهو باطل لما بيَّنا، ولأنه يكون له فيه قول واحد وهو التخيير. بل الحق أنه يدل على توقفه ولا قول للمتوقف. وأكثر قول الشافعي من القسم الأول والثاني. قال الشيخ أبو حامد ¬

_ (¬1) سقط من "أ" مرة. (¬2) في "أ" لأبي وفي (جـ، هـ" لأبي بكر. وفي (ب، د) ساتط وفي المحصول 3/ 111 لأبي بكر. وكله خطأ والصواب أبو بكرة لما هو ظاهر في تخريج الحديث، وهذا تصحيف تابع القاضي الأرموي فيه الإمام في المحصول كما حصل ذلك أيضاً في الحسين بن المنذر الذي نبهنا عليه في باب الأوامر. (¬3) وجدت الحديث عن عبد الرحمن بن حوشب قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه وهو عامل على سجستان. أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يقضيَن أحدٌ فى أمر قضاءين. رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات ورواه النسائي عن أبي بكرة بلفظ: (لا يقضيَن أحدٌ في قضاء بقضاءين ولا يقضين أحدٌ بين خصمين وهو غضبان). (الفتح الكبير 3/ 368، مجمع الزوائد 4/ 196). (¬4) روى الدارمي والدارقطني والبيهقي من حديث الحكم بن مسعود أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكم بحرمان الأخ من الأبوين في المشتركة، ثم شرَّك بعد ذلك وقال: ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي ولم ينقض قضاءه الأول (تلخيص الحبير 4/ 196). (¬5) سقط من "ب" قضى.

الاسفرائيني لم يصح عن الشافعي قولان على الوجه الثالث إلا في سبعَ عشرةَ مسألة، والأول يدل على رجحان علمه لدلالته على اشتغاله أبداً بالبحث والطلب. وعلى رجحان دينه لدلالته على طلب الحق والرجوع إليه وترك التعصب لمذهبه. والقسم (¬1) الثالث: يحتمل أن يكون القولان لغيره وإنما ذكر (¬2) ليعرف الناظر أنه محل الاجتهاد، ويحتمل أن يكون مراده بالقولين احتمالهما كما يقال للخمر في الدن يسكر، وإنما يقول ذلك حيث ظهر بطلان غيرهما ولم يترجح أحدهما .. أو رأى المسألة واقعةً بين أصلين لم يترجح اشتباههما بأحدهما. وهذا يدل على غزارة فضله فإن من كان أدق نظراً وأكثر تحقيقاً كانت الإشكالات عنده أتم. إذ المصر على وجهٍ واحدٍ مدى عمره لا يكون إلا جامد الطبع قليل الفطنة وعلى كمال دينه، لأنه اعترف بالعجم حيث عجز ولم يشتغل بالترجيح والمداهنة. "فرع" إذا لم يعرف للمجتهد في المسألة قول وعرف قوله في نظيرها، فإن كان بينهما فرق يجوز أن يذهب إليه ذاهب لم يكن قوله فيها قوله في الأخرى، وإلا فالظاهر أن قوله فيها قوله في الأخرى. ¬

_ (¬1) الثالث: هو نقل القولين بدون قيام بينةٍ على الترجيح. (¬2) في "ب" (نقل) بدل (ذكر).

الفصل الثاني في مقدمات الترجيح

" الفصل الثاني" في مقدمات الترجيح " المقدمة الأولى" الترجيح تقوية طريق على آخر ليعلم الأقوى فيعمل به ويطرح الآخر. والأكثرون على أنَّه يجوز التمسك به. وقيل: عند التعارض يجب التخيير أو التوقف. لنا وجوه: أ - قدمت الصحابة خبر عائشة: "في التقاء الختانين" (¬1). على قول من روى: "الماء من الماء" (¬2)، وخبر من روى من أزواجه: "أنَّه كان يصبح جنبًا" (¬3)، على خبر أبي هريرة، "من أصبح جنبًا فلا صوم له"، وقوَّى علي خبر أبي بكر حيث لم يحلفه وحلف غيره، وقوَّى أبو بكرٍ خبر المغيرة (¬4) في ميراث الجدة لموافقته لمحمد بن مسلمة (¬5)، وقوَّى عمر خبر أبي موسى في الاستئذان (¬6) لموافقته خبر أبي سعيد الخدري. ¬

_ (¬1) تقدم تخريج الحديث في صفحة (1/ 438) من هذا الكتاب. (¬2) رواه مسلم من طريق أبي سعيد الخدري بلفظ: (إنما الماء من الماء). وأخرج البخاري ومسلم ما يؤيده عن أبي أيوب في الرجل يصيب من المرأة ويكسل، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: يغسل ما أصاب من المرأة ثم يتوضأ، ويصلي وصرَّح الزيلعي بأنه منسوخ، لأنه في بعض ألفاظه كان في أول الإسلام (نصب الراية 1/ 82). (¬3) تقدم الحديثان في صفحة (1/ 434) من هذا الكتاب. (¬4) تقدم تخريج الخبر في صفحة (1/ 391) من هذا الكتاب. (¬5) ورد مصحفًا في "أ" (سلمة) بدل (مسلمة). (¬6) تقدم خبر الاستئذان في صفحة (2/ 125) من هذا الكتاب.

المقدمة الثانية

ب - أن ترجيح الراجح من الظنيين متعين عرفًا فكذا شرعًا للحديث (¬1). ج - أن ترك العمل بالراجح يستلزم العمل بالمرجوح وأنه ممتنع عقلًا. احتجوا: أ - بأنه لو جاز هنا لجاز ترجيحًا للأظهر على الظاهر وأنه موجود في البينات. ب - قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُواْ} وقوله عليه السلام: "نحن نحكم بالظاهر" (¬2)، يلغي زيادة الظن. والجواب: الدليل الظني لا يعارض القطعي. " المقدمة الثانية" الترجيح لا يجري في الأدلة اليقينية لاستحالة تعارض المفيدين لليقين، ولأن اليقين لا يقبل التقوية لأن احتمال النقيض (¬3) ينفي اليقين وعدمه ينفي التقوية. ولقائل أن يقول (¬4): الثاني فيه نظر فقد يكون أحد اليقينين راجحًا. " المقدمة الثالثة" المشهور أن العقليات لا يجري الترجيح فيها. والحق أنا إن جوَّزنا للعوام التقليد فيها لم يمتنع ذلك. ¬

_ (¬1) ما رآه المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسن وتقدم تخريجه في صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب. (¬2) تقدم الحديث في صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب. (¬3) في "د" (التنصيص) بدل (النقيض). (¬4) خلاصة اعتراض القاضي الأرموي - رحمه الله - على قول الإمام: إن عدم احتمال النقيض ينفي التقوية فلم يسلم به القاضي. إذ أنَّه يجوز أن يكون أحد اليقينين أقوى من الآخر، ولم يعقب بدر الدين التستري على هذا الاعتراض كعادته فالظاهر أنَّه سلَّم به.

المقدمة الرابعة

" المقدمة الرابعة" جوَّز الشافعي الترجيح بكثرة الأدلة خلافًا لبعضهم. لنا وجهان: الأول: أن الظن بقول الأكثر أقوى لوجوه: أ - التواتر يفيد العلم فالعدد الأقرب إليه أقوى إفادة للظن. ب - قول كل واحدٍ منهم يفيد قدرًا من الظن، فعند الاجتماع يفيد الزيادة لئلا يجتمع على الأثر الواحد مؤثران مستقلان. ج - الغلط والنسيان (¬1) وتعمد الكذب على الأكثر أبعد. د - احتراز العاقل عن كذب يعرفه غيره أكثر. هـ - المجموع أعظم من كل واحدٍ منهما فهو أعظم من ذلك الواحد. و- الصحابة رجحت بقول الأكثر لما سبق (¬2)، والأقوى يجب العمل به كالترجيح بالقوة، ولا أثر لاجتماع المزيد مع المزيد عليه في محلٍ واحد بالضرورة. الثاني: مخالفة الدليل محذور والزائد لا معارض له فلا يجوز مخالفته. احتجوا بوجوه: أ - قوله عليه السلام: "نحن نحكم بالظاهر" (¬3). فإن إيماءه (¬4) يلغي الزيادة، وترك العمل به في الترجيح بالقوة لاجتماع المزيد مع المزيد عليه وإفادته قوة الظن. ¬

_ (¬1) في "د" (البيان) بدل (النسيان). (¬2) يشير الى ترجيح الصدِّيق رضي الله عنه بالعمل بخبر المغيرة بن شعبة بعد أن شهد له محمد ابن مسلمة الأوسي، وخبر الاستئذان بشهادة أبي سعيد الخدري الى أبي موس الأشعري وغير ذلك من الأخبار. (¬3) تقدم تخريجه في صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب. (¬4) في "أ" (إتمامه) بدل (إيماؤه) وفي "د" فإن إيمامه بالزيادة.

المقدمة الخامسة

ب - القياس على الفتوى والشهادة. ج - الخبر الواحد مقدم على القياسات (¬1). والجواب عن: أ - أن (¬2) اجتماعهما يفيد قوة الظن، فإن قول الواحد يفيد قدرًا من الظن، والثاني (¬3) يفيد قدرًا آخر وهكذا حتَّى يحصل العلم. ب - أن حكم الأصل ممنوع عندنا في الفتوى وعند مالك (¬4) فيهما. ونحن (¬5) إنما لم نعتبر الزيادة في الشهادة قطعًا للخصومات. ج - أن أصول القياسات إن اختلفت رجحناها على الخبر الواحد، وإن اتحدت فإنما لم ترجح لأن الكل في الحقيقة قياس واحد. إذ تعليل الحكم الواحد بعلتين مستنبطتين لا يجوز. " المقدمة الخامسة" إذا تعارض دليلان فالعمل بهما من وجه أولى، إذ دلالة الدليل على بعض مدلوله تابعة لدلالته على كله وترك التبع (¬6) أولى من ترك الأصل. ثم العمل بهما من وجه بالتوزيع أو بإثبات بعض الأحكام دون البعض، أو بإعادة أحدهما إلى شيء والآخر إلى غيره، كإعادة قوله عليه السلام: "ألا أخبركم بخير الشهداء". قيل: بلى يا رسول الله. فقال "أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد" (¬7). إلى حقوق الله تعالى، وإعادة قوله عليه السلام: "ثم يفشو الكذب حتَّى يشهد الرجل قبل أن يستشهد" (¬8). إلى حقوق الآدميين. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ القياسات. (¬2) يوجد في "أ، هـ" لا نسلم. (¬3) وفي "ب" وقول الآخر. (¬4) في "د" (عندنا) بدل (عند مالك). (¬5) سقط من "ب" نحن. (¬6) في "ب، د" (الفرع) بدل (التبع). (¬7) رواه مسلم ومالك وأحمد وأبو داود والنسائي من حديث زيد بن خالد الجهني. انظر الفتح الكبير 1/ 475، أبو داود 3/ 305، بلوغ المرام 177. (¬8) متفق عليه من حديث عمران بن حصين وعبد الله بن مسعود ورواه أيضًا أحمد والترمذي عن =

المقدمة السادسة

" المقدمة السادسة" إذا تعارض دليلان عامان أو خاصان فإن كانا معلومين وعلم التاريخ قدم المتأخر إن قبل المتقدم النسخ، وإلَّا تساقطا ويرجع إلى غيرهما، والشافعي (¬1) وإن لم يقل بوقوع (¬2) نسخ الخبر المتواتر بالكتاب ولا بالعكس، ولكنه يقول (¬3) لو تعارضا وأحدهما متقدم نسخه (¬4) المتأخر وتعيَّن التخيير (¬5) في المتقارنين إن أمكن. ولا يترجح بالقوة إذ لا ترجيح (¬6) في المعلوم، ولا بكون حكم أحدهما شرعيًّا أو حظرًا إذ لا يجوز إسقاط المعلوم، وإن لم يعلم التاريخ رجع إلى غيرهما لاحتمال نسخ كل واحدٍ بدلًا عن الآخر. وإن كانا مظنونين فحكمهما ما سبق إلَّا في الترجيح. وإن كان أحدهما معلومًا فقط، فإن علم تراخي المعلوم نسخ المظنون وإلا ترجح المعلوم. وإذا تعارض عامان من وجهٍ دون وجهٍ كقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (¬7). مع قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانِكُمْ} (¬8). وكقوله عليه ¬

_ = ابن مسعود. ورواه الطبراني عن ابن مسعود ورواه الطبراني والحاكم عن. جعدة بن هبيرة بروايات مختلفة الألفاظ متقاربة المعاني. وانظر تخريج حديث خير الناس قرني المتقدم في صفحة (2/ 115) من هذا الكتاب، لأن هذا جزء منه وقد جمع ابن حجر في فتح الباري بين هذا الحديث والحديث المتقدم بخمسة وجوه، انظرها في فتح الباري 5/ 259، وانظر كشف الخفا 1/ 396، وبلوغ المرام ص 177. (¬1) لا يوجد منافاة بين قول الشافعي - رحمه الله - بعدم وقوع نسخ الخبر المتواتر بالكتاب وبالعكس، وبين قوله وعلى فرض وقوعه فهو جائز ولكنه لم يقع، انظر المحصول: 2/ 2 / 547. (¬2) سقط من "ب، جـ، د" وقوع. (¬3) في "جـ، د" قد يقول. (¬4) في "ب، جـ، د" (تعين) بدل (نسخه). (¬5) في "جـ، د" وفي المتقارنين إن أمكن تعين التخيير والمعنى واحد. (¬6) سقط من "جـ، د" إذ لا ترجيح. (¬7) [النساء: 23]. (¬8) [النساء: 3].

السلام: "فليصلها إذا ذكرها (¬1) مع نهيه عن الصلاة في الأوقات المكروهة" (¬2) فإن عُلِمَ تقدم أحدهما وليس المتقدم (¬3) معلومًا والمتأخر مظنونًا نسخ المتأخر المتقدم عند من يقول بأن العام المتأخر (¬4) ينسخ الخاص المتقدم (¬5) بل ههنا أولى لأنه (¬6) لا يتخلص الخصوص. وإن كان المتقدم معلومًا دون المتأخر فلا ينسخ ورجع إلى الترجيح، وأما من لا يقول بهذا فيليق بمذهبه عدم النسخ في هذه الأقسام والرجوع إلى الترجيح، إذ لا يتخلص عموم المتقدم ليخرج عنه المتأخر شيئًا. وإن لم يُعلم تقدم أحدهما لم يترجح أحد المعلومين بقوة الإسناد بل بكون حكم أحدهما شرعيًّا أو محظورًا، إذ ليس فيه طرح أحدهما بخلاف المتعارضين من كل وجه. ويترجح أحد المظنونين بقوة الإسناد أيضًا، ويترجح المعلوم على المظنون بكونه معلومًا. فإن ترجَّح المظنون عليه بما يتضمنه الحكم (¬7) من إثبات حكمٍ شرعي وغيره فقد يحصل التعارض وحيث لا ترجيح فالحكم التخيير. وإذا تعارض عام وخاص معلومان أو مظنونان نسخ الخاص المتأخر العام المتقدم والعام المتأخر ينسخ الخاص المتقدم عند الحنفية ويبنى عليه عندنا. وإن تقارنا خص الخاص العام وفاقًا، وإن جهل التاريخ يبنى العام على الخاص، ويتوقف فيه عند الحنفية ويقدم المعلوم على المظنون، إلَّا إذا كان المظنون خاصًا ورد مع العام ففيه اختلاف سبق في العموم. ¬

_ (¬1) تقدم تخريج الحديث في هامش صفحة (1/ 280) من هذا الكتاب. (¬2) رواه الجماعة إلَّا البخاري من حديث عقبة بن عامر الجهني قال ثلاث ساعات، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر موتانا، حين تطلع الشمس بازغةً حتَّى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتَّى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتَّى تغرب (نصب الراية 1/ 250). (¬3) سقط من "د" من المتقدم الى المتقدم التي بعدها. (¬4) في "هـ" سقط من المتأخر إلى المتأخر. (¬5) سقط من "د" بل ههنا أولى لأنه لا يتخلص الخصوص. (¬6) سقط من "أ" لأنه. (¬7) سقط من "ب، د، جـ" الحكم.

الفصل الثالث في ترجيح الأخبار

" الفصل الثالث" (¬1) في ترجيح الأخبار يرجح أحد الخبرين من وجوه: (1) بكثرة الرواة. (2) بعلو الإسناد: إذ بقلة الوسائط يكثر الظن (¬2) وعلو الإسناد قد يكون مرجوحًا بندوره. (3) بفقه الراوي: إذ الفقيه إذا سمع ما لا يجوز إجراؤه على ظاهره بحث عنه وسأل عن سبب نزوله فيطلع على ما يزيل الإشكال. وقيل: لا ترجيح به فيما يُروى باللفظ بل بالمعنى. (4) وبزيادة فقهه. (5) وبعلمه بالعربية لتمكنه من التحفظ في مواضع الغلط ويمكن أن يقال: العالم يعتمد على لسانه فلا يبالغ في الحفظ. (6) وبزيادة العلم بها. (7) وبكونه صاحب الواقعة. (8) وبزيادة مجالسة المحدثين. (9) وبكون طريق روايته أظهر كمشاهدة زيد بالبصرة وقت الظهر بالنسبة إلى مشاهدته ببغداد وقت السحر. (10) وبظهور عدالته. (11) وبمعرفة عدالته بالاختبار. ¬

_ (¬1) وفي "هـ" الفصل الثاني والصواب الثالث، لأن الثاني قد تقدم وهو في مقدمات الترجيح. (¬2) سقط من "جـ، د" علو الإسناد.

(12) وبتزكية من هو أكثر بحثًا عن أحوال الناس أو ما هو أكثر عددًا أو علمًا أو ورعًا. (13) وبذكر معدله أسباب العدالة أو عمله (¬1) بخبره. (14) وبكون الراوي غير مبتدع. (15) وبزيادة التيقظ (¬2) وقلة النسيان. (16) وبزيادة الضبط وقلة النسيان (¬3)، فإنْ كان الأشد ضبطًا أكثر نسيانًا فالأقرب التعارض. (17) وبزيادة حفظ لفظ الرسول عليه السلام. (18) وبجزمه فيما يرويه. (19) وبسلامة عقله دائمًا. (20) وبتعويله على الحفظ دون المكتوب وفيه احتمال. (21) وبكونه من أكابر الصحابة إذ منصبه العالي يمنعه من الكذب أيضًا. (22) وبكونه غير مدلس. (23) وبكونه غير ذي اسمين. (24) وبكونه غير ذي رجال يلتبس أسماؤهم بأسماء قوم ضعفاء يصعب تمييزهم عنهم (¬4). (25) وبكونه مشهور النسب. (26) وبكونه غير راوٍ في الصبا. (27) وبكونه غير متحمل فيه. (28) وبكون رفعه إلى النبي عليه السلام متفقًا عليه. (29) وبنسبته للحديث إلى النبي عليه السلام قولًا لا اجتهادًا كما يقال وقع بين يديه عليه السلام فلم ينكر. (30) وبذكره سبب النزول. ¬

_ (¬1) في "أ" (علمه) بدل (عمله). (¬2) في "جـ" (الضبط) بدل (التيقظ). (¬3) سقط من "جـ" وبزيادة الضبط وقلة النسيان. (¬4) سقط من "ب، د" يصعب تميزهم عنهم.

(31) وبروايته الخبر بلفظه. (32) وبروايته حديثًا آخر يعاضده. (33) وبعدم إنكار راوي الأصل. (34) وبإسناده الخبر. وقال عيسى بن أبان المرسل مقدم. وقال القاضي عبد الجبار يستويان. لنا: ما سبق من دليل عدم قبول المرسل، فإنه إن لم يمنع القبول فلا أقل من تضعيفه. احتج عيسى (¬1) بوجهين: أ - الثقة لا يقول قال النبي عليه السلام فيحكم (¬2) بالحل والحرمة إلَّا إذا قطع بأنه قوله، والمسند لا يقطع به. ب - قال الحسن رضي الله عنه إذا حدثني أربعة نفرٍ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديثٍ تركتهم وقلت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والجواب عنهما: أن قوله: قال رسول الله ظاهره الجزم ولا جزم ههنا فيحمل على ظنه أنَّه قال وهذا الظن يحصل فيه فقط إذ عدالة الباقي غير معلومة، والظن في المسند يحصل في جميع الرواة ثم رجحان المرسل إنما يصح لو قال الراوي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإذا قال عن رسول الله فالأظهر أنَّه مرجوح لأنه في معنى قوله روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (35) رجح قوم بالحرية والمذكورية كالشهادة وفيه احتمال. (36) وبكون الخبر مدنيًا إذ الغالب في المديني التأخر عن المكي. (37) وبوروده عند قوة الرسول عليه السلام فإنها كانت في آخر عمره، لكن إذا دلَّ الثاني على وروده حال الضعف. (38) وبتأخير إسلام الراوي فيما علم سماعه حال إسلامه. لكن إذا علم موت المتقدم قبل إسلام المتأخر. أو علم أن أكثر روايته قبل إسلام المتأخر. ¬

_ (¬1) في جميع النسخ ما عدا "جـ" احتجوا. (¬2) سقط من "جـ" فيحكم.

(39) وبعلمنا بسماع أحد المتقارنين في الإسلام بعد إسلامه. (40) وبرواية الخبر بتاريخ مضيق أو بوقت معين. (41) وبورود خبر التخفيف في حادثةٍ كان عليه الصلاة والسلام يغلظ فيها زجرًا لهم عن العادات لأنه أظهر تأخرًا. ويحتمل أن يرجح المغلظ لأنه عليه السلام ما كان يغلظ إلَّا بعد قوته فهو أظهر تأخرًا. (42) وبورود أحد العامين على سبب، فإنه وإن لم يختص بالسبب فيفيده الترجيح. (43) وبفصاحة لفظ الخبر إن قُبِلَ اللفظُ الركيك (¬1)، ولا يقدم بزيادة الفصاحة إذ الفصيح يتفاوت كلامه في الفصاحة وقيل يُقَدَّم. (44) وبخصوصه. (45) وباستعماله في الحقيقة لظهور دلالته، وهذا ضعيف إذ المجاز الغالب أظهر دلالة من الحقيقة المغلوبة (¬2). والمستعار أظهر دلالة من الحقيقة (¬3). فإن قولك فلان بحر أدل على السخاوة (¬4) من قولك سخي. (46) وبظهور إحدى الحقيقتين في المعنى، لكثرة ناقليه أو لقوة إتقانهم (¬5) ويعود الترجيح بحال الراوي. (47) وبالاتفاق على كون لفظه موضوعًا (¬6) لمسماه. (48) وباستغنائه عن الإضمار. (49) وبإفادته بالوضع الشرعي أو العرفي، لكن إذا كان للفظ الثاني دلالة شرعية أو عرفية طارئة، وإلَّا فالثاني أولى لأن دلالته شرعية وعرفية ولغوية والنقل خلاف الأصل. ¬

_ (¬1) في "هـ" (الدليل) بدل (الركيك). (¬2) في "د" المعلومة وفي المحصول المرجوحة بدل المغلوبة والكل متقارب. (¬3) سقط من "ب" من الحقيقة إلى الحقيقة. (¬4) في "د" (السماحة) بدل (السخاوة). (¬5) في "ب، د " (إنفاقهم) بدل (إتقانهم). (¬6) في "أ" (مسموعًا) بدل (موضوعًا).

(50) وبكون أحد المجازين أشبه بالحقيقة، أو متعينًا للعمل باللفظ لقلة مخالفة الأصل. (51) وبعدم دخول التخصيص في أحد العامين (¬1). (52) وبكثرة طرق دلالة اللفظ على المراد. (53) وبذكر حكم الخبر مع علته صريحًا أو إيماءً. (54) وبالتنصيص على الحكم واعتباره بمحل آخر، لأنه إشارة إلى وجود علة جامعة كقوله عليه الصلاة والسلام: "أيما إهابٍ دبغ فقد طهر" (¬2) كالخمر يتخلل فتحل. فترجح في المشبه على قوله عليه السلام: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" (¬3) وفي المشبه به في تخليل الخمر على قوله عليه السلام: "أرقها" (¬4). (55) وبتأكيد دلالته كقوله عليه الصلاة والسلام: "باطل باطل" (¬5). (56) وبالتنصيص على الحكم وذكر المقتضي لضده فإنه (¬6) يدل على ترجيحه على ضده، ولأن تقديمه يقتضي النسخ مرتين كقوله عليه الصلاة والسلام: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها" (¬7). ¬

_ (¬1) في "أ" (العاملين) بدل (العامين). (¬2) رواه بهذا اللفظ النسائي والترمذي وابن ماجة ومالك وابن حبان وأحمد والشافعي وإسحاق بن راهويه والبزار، ورواه مسلم بلفظ: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" نصب الراية 1/ 116. (¬3) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي وصححه ابن حزم وحسنه الترمذي، ورواه ابن حبان والبيهقي وأحمد والطبراني من طريق عبد الله بن عكيم، ورجع عنه أحمد لما رأى تزلزل الرواة فيه (نصب الراية 1/ 120). (¬4) إشارة لما أخرجه مسلم عن أنس أن أبا طلحة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أيتام ورثوا خمرًا. قال: أهرقها. قال أفلا نجعلها خَلًّا؟ قال: لا، وأخرجه مسلم عن أنس أيضًا بلفظ قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر يتخذ خلًا قال: لا (صحيح مسلم 2/ 163 في باب تحريم تخليل الخمر من كتاب الأشربة). (¬5) ذلك إشارة لقوله عليه السلام: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل"، وانظر تخريجه في صفحة (1/ 299). (¬6) سقط من "ب" لضده فإنه يدل. (¬7) رواه مسلم عن بريرة ورواه أيضًا عن أبي هريرة بلفظ: "زوروا القبور فإنها تذكر الموت". ورواه الحاكم عن أنس بلفظ: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتُدْمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجرًا"، ورواه ابن ماجة عن ابن مسعود بلفظ: "كنت =

(57) وباقتران أحدهما بالتهديد أو بزيادة التهديد. (58) وبدلالته على الحكم بمنطوقه أو بغير واسطة. (59) وبكونه مُقَرِرًا لحكم الأصل. وقال (¬1) جمهور الأصوليين يقدم الناقل. لنا: أن المقرر لو تقدم على الناقل، لكان وروده حيث استقل العقل بمعرفة حكمه. ولو تأخر عنه لورد في محل الحاجة فكان أولى. فإن قيل: الناقل يستفاد منه ما لا يعلم من غيره، وتقدمه على المقرر يقتضي النسخ مرتين وتأخره يقتضي مرةً واحدة فهو أولى. والجواب عن: أ - ما سبق في الدليل. ب - أن دلالة الأصل مشروطة بعدم دلالة السمع فلا يكون الناقل ناسخًا له. ثم أنَّه معارض بأن المقرر لو تقدم لكان المنسوخ حكمًا ثبت بدليلين، ولو تأخر لكان المنسوخ حكمًا ثبت بدليل واحد. ثم قال القاضي عبد الجبار: هذا ليس من باب الترجيح، لأنا نعمل بالناقل على أنَّه ناسخ، ولأنه لو كان ترجيحًا لوجب العمل بالمقرر عند عدم الناقل والعمل (¬2) بالأصل عند عدمه. والجواب عن: أ - أنا لا نقطع بالتأخر ليكون نسخًا. ب - أن العمل بموجب الخبر عند عدم الناقل (¬3) متى جعلنا حكمه شرعيًّا، لا يصح رفعه إلَّا بما يصح به النسخ. ¬

_ = نهيتكم عن زيارة القبور فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة". انظر كشف الخفا 2/ 130، والفتح الكبير 2/ 334. (¬1) في "ب، د" سقط قال وفي "هـ " في الهامش موجودة. (¬2) سقط من "أ" والعمل. (¬3) سقط من "ب، د" عند عدم الناقل.

(60) قال القاضي عبد الجبار: إذا كان حكم أحد الخبرين نفيًا وحكم (¬1) الأخر إثباتًا وهما شرعيان فلا ترجيح، كما إذا اقتضيا الوجوب والإباحة حيث يقتضي العقل الحظر أو الحظر والإباحة حيث اقتضى العقل الوجوب، أو الوجوب والحظر حيث يقتضي العقل الإباحة، وهذا مستقيم على مذهبنا دون مذهب المعتزلة، إذ العقل عندهم يفيد الأحكام. فإذا (¬2) اقتضى العقل الحظر كان المقتضي للوجوب ناقلًا من وجهين، والمقتضي للإباحة مقررًا من وجه. وإذا اقتضى العقل الوجوب كان المقتضي للحظر ناقلًا من وجهين، والمقتضي للإباحة مقررًا من وجه، فإن رجحنا الناقل ترجح المقتضي للوجوب والحظر على المقتضي للإباحة، وإن رجحنا المقرر ترجح هو عليهما. وإن اقتضى العقل الإباحة كان كل واحدٍ من المقتضي للوجوب، والمقتضي للحظر ناقلًا من وجه ومقررًا من وجهٍ فيتساويان. (61) قال الكرخي وطائفة من الفقهاء: خبر الحظر راجح على خبر الإباحة، وقال أبو هاشم وعيسى بن أبان هما سيان. احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: "ما اجتمع الحلال والحرام إلَّا وغلب الحرامُ الحلالَ" (¬3). وقوله عليه الصلاة والسلام: "دع ما يريبك إلى ما ¬

_ (¬1) سقط من "ب" حكم. (¬2) تكرر في "د" من قوله فإذا اقتضى إلى قوله من وجه. (¬3) قال ابن السبكي في الأشباه والنظائر نقلًا عن البيهقي رواه جابر الجعفي عن ابن مسعود فيه ضعف وانقطاع. وقال الزين العراقي في تخريجه منهاج الأصول لا أصل له. وأدرجه ابن مفلح في أول كتابه في الأصول فيما لا أصل له. قال السيوطي بعد أن ذكره في الأشباه والنظائر أخرجه عبد الرزاق في مصنفه موقوفًا على ابن مسعود، وقال ابن نجيم الحنفي: ذكره الزيلعي شارح الكنز في كتاب العبيد مرفوعًا، انظر كشف الخفا 3/ 182، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 105، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 108.

لا يريبك" (¬1) وقال عثمان (¬2) في الأختين المملوكتين: (أحلتهما آية وحرمتهما آية) (¬3). فالتحريم أولى ولأن من طلق إحدى نسائه أو أعتق إحدى إمائه ونسي عينها حرم عليه الكل، ولأن ترك المباح أولى من فعل الحرام فالحكم بالتحريم أحوط. وأما الخطأ في الاعتقاد فهو مشترك. (62) قال الكرخي: المثبت للطلاق والعتاق مقدم على النافي لهما، وقال قوم سيان. له: إن ملك اليمين والنِّكَاح على خلاف الأصل فزوالهما على وفق الأصل فمزيلهما أولى. (63) قال بعض الفقهاء: النافي للحد مقدم على المثبت (¬4) له خلافًا للمتكلمين. له: أن الحد ضرر فشرعيته على خلاف الأصل فالنافي له أولى، ولأن خبر النفي يورث شبهةً فيسقط الحد لقوله عليه الصلاة والسلام: "ادرؤوا الحدود بالشبهات" (¬5). ولأن تعارض البينتين يسقط الحد فتعارض الخبرين أولى ولم يتقدم له ثبوت. (64) ترك بعض أئمة (¬6) الصحابة العمل به، أو عمله بخلافه يوجب نسخه أو رده عند قوم، وعند الشافعي يوجب رجحان ما لا يكون كذلك عليه. (65) عمل أكثر السلف ممن لا يجب تقليدهم به يوجب ترجيحه عند عيسى ابن أبان لأن قول الأكثر أوفق للصواب خلافًا لقوم. (66) ورود خبر الواحد فيما تعم به البلوى إن لم يوجب الرد يوجب المرجوحيَّة. تنبيه: الترجيح بالكمية قد يعارض الترجيح بالكيفية، فعلى المجتهد النظر في ترجيح إحداهما على الأخرى. ¬

_ (¬1) تقدم تخريج الحديث في صفحة (1/ 284) من هذا الكتاب. (¬2) في "أ، ب، " (عمر) بدل (عثمان). (¬3) تقدم تخريج الأثر في هامش صفحة (1/ 371) من هذا الكتاب. (¬4) في جميع النسخ خلافًا للمتكلمين له، وصححت العبارة. (¬5) تقدم تخريج الحديث في هامش صفحة (2/ 244) من هذا الكتاب. (¬6) سقط من "هـ" أئمة.

الفصل الرابع في ترجيح الأقيسة

" الفصل الرابع" (¬1) في ترجيح الأقيسة يرجح أحد القياسين من وجوه: (1) بتعليل أصله بالوصف الحقيقي، لأنه متفق عليه فتقل فيه المقدمات الظنية. (2) وبتعليله بالحكمة. أما بالنسبة إلى التعليل بالعدم، فلأن العلم بالعدم لا يدعو إلى الحكم ما لم يعلم اشتماله على الحكمة والمصلحة، وقضية هذا رجحانه على التعليل بالوصف، ولكن (¬2) ترجح ذلك عليه لكونه أضبط. والعدم في نفسه غير مضبوطٍ إذ لا يتقيد (¬3) ما لم يضف إلى الوجود وأما بالنسبة إلى التعليل بالوصف الإضافي، فلأن (¬4) الإضافة ليست أمرًا وجوديًا. أما بالنسبة إلى التعليل بالحكم الشرعي والوصف التقديري، لأنه تعليل بنفس المؤثر، ترك العمل به في الوصف الحقيقي بالإجماع ولكونه أشبه بالعلل العقلية. (3) التعليل بالعدم أولى من التعليل بالحكم الشرعي، لكونه أشبه بالأمور الحقيقية ويحتمل أن يقال: الحكم الشرعي أولى لكونه أشبه بالموجود. (4) التعليل بالعدم أولى من التعليل بالوصف التقديري، لأن محذور (¬5) العدم حاصل فيه مع محذور آخر. وهو إعطاء المعدوم حكم الموجود. ¬

_ (¬1) في "هـ" الثالث. (¬2) في "ب" أمكن وفي "أ" ليكن. (¬3) في "ب" يتقدر. (¬4) في "أ" (فأما أن) بدل (فلأن). (¬5) وهو الخلاف في التعليل بالعدم.

(5) تعليل الوجودي بالوصف الوجودي أولى من تعليل العدمي بالعدمي، والوجودي بالعدمي والعدمي بالوجودي إذ العلية والمعلولية ثبوتيتان لا يمكن قيامهما بالعدم إلَّا إذا قدر موجودًا، وتعليل العدمي بالعدمي أولى من الباقيين للمشابهة وفي الباقين نظر. (6) التعليل بالحكم الشرعي أولى من التعليل بالوصف المقدر، إذ التقدير خلاف الأصل. (7) التعليل بالمفرد أولى من التعليل بالمركب، إذ المركب يتوقف وجوده على وجود الأجزاء (¬1) فيكثر فيه (¬2) الاحتمال. (8) إذا عُلم وجود وصفي القياسين (¬3) في الفرع فلا ترجيح بكون أحدهما بديهيًا، وكون الأخر نظريًا إذ القطعيات لا تقبل الترجيح. وكلام أبي الحسين يدل على أنها تقبله، وإن كان أحدهما ظنيًا ترجح المعلوم. وإن كانا ظنيين فلما كانت المقدمات المفيدة للظن أقل كان أولى (¬4)، وينبغي أن تقابل كمية المقدمات بكيفية إفادتها للظن. إذا ثبت هذا فنقول: دليل وجود العلة إما النص أو الإجماع، إذ القياس ينتهي إليهما، وقد عرفت ترجيح النص، والإجماعان إن كانا قطعيين لا يقبلان الترجيح. وإن كانا ظنيين فإن كانا مختلفًا فيهما عند المجتهدين كالإجماع السكوتي والمنقول آحادًا قبِلا الترجيح، وإن كان أحد الإجماعين متفقًا عليه والآخر مختلفًا فيه ترجح الأول (¬5) لتقدم المعلوم (¬6) على المظنون. ¬

_ (¬1) في "هـ" (الآخر) بدل (الأجزاء). (¬2) في "ب" فيكون أقل، وفي "د" فيكون أقل للاحتمال، وفي "هـ" فيكون الاحتمال. (¬3) في "ب، جـ، د" (العلتين) بدل (وصفي القياسين). (¬4) في "أ" (أقل) بدل (أولى). (¬5) تعبير الرازي في العمل بالإجماع القطعي مع المظنون أدق، حيث قال يعمل بالقطعي ولا يجرى فيه الترجيح. وأقول: من شرط التعارض الَّذي يقبل الترجيح كون كلا المتعارضين حجة (المحصول 2/ 2/ 603). (¬6) في "هـ". (القاطع) بدل (المعلوم).

(9) ما يثبت عليته بالتنصيص بلفظ لا يحتمل غير العليَّة، كقولنا لعلة كذا أو لسبب (¬1) كذا، أو منِ أجل أنَّه كذا مقدم على غيره. ثم ما يثبت عليته بلفظ ظاهر كاللام وإنَّ والباء. واللام مقدم لأنه ظاهر في التعليل و"أن" قد يكون للتأكيد والباء للإلصاق، كقوله كتبتُ بالقلم ولكونه محكومًا به كقوله: "أنا أقضي بالظاهر" (¬2). وحيث لا يكون لهما فهو كاللام إذ لا فرق بين قولنا قتلته بجنايته (¬3) أو لجنايته وفي إنَّ والباء احتمال. (10) ما ثبت عليته بإيماء النص، وهو مناسب مقدم على غير المناسب، وإيماء (¬4) الدلالة اليقينية مقدم، وإن ثبتت عليَّة الوصف بخبر الواحد عادت التراجيح المذكورة في الخبر، ثم اتفقوا على أن دلالة الإِيماء على العلية راجحة على دلالة الوجوه العقلية من المناسبة والدوران والسبر. وفيه نظر، إذ الإيماء لا يدل بلفظه على العليَّة بل بواسطة أحد الوجوه والأصل راجح. ثم النظر في ترجيح أقسام الإِيماءات وأقسام أقسامها موكولة إلى الناظر. (11) ما ثبت عليته بالمناسبة راجح على ما ثبت عليته بالدوران، وقد يعبر عنه بالمطرد المنعكس وقال قوم: المطرد المنعكس أولى. لنا: أن تأثير الوصف في الحكم لمناسبته، فهي علة لعليَّة العلة لا لدورانه معه. إذ العليَّة قد توجد بدون الدوران إذا كانت العلة أخص من المعلول، ويوجد الدوران بدون العليَّة كما تقدم. احتجوا: بأن المطرد المنعكس أشبه بالعلل العقلية وصحته مجمع عليها. ¬

_ (¬1) في "ب" (ليست) بدل (لسبب). (¬2) تقدم تخريج الحديث في صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب. (¬3) في "ب" بخيانته ولخيانته والصواب بجنايته تبعًا للمحصول 2/ 2/ 604. (¬4) في "أ" (إنما) بدل (إيماء).

والجواب عن: أ - لا نسلم وجوب العكس (¬1) في العلل العقلية. ولا نسلم أن الأشبه بها أولى. ب - أن ذلك في (¬2) مطرد منعكس مناسب، والكلام في مناسب غير مطرد منعكس ومطرد منعكس غير مناسب. (12) دلالة المناسبة راجحةٌ على دلالة التأثير إذ لا يلزم من كون الوصف مؤثرًا في شيء كونه مؤثرًا فيما يشاركه في جنسه، وكون الوصف مناسبًا هو الَّذي لأجله يصير الوصف مؤثرًا في الحكم. (13) السبر إن كان قاطعًا في مقدماته تعين العمل به، وإن كان مظنونًا في مقدماته كانت المناسبة راجحة عليه، إذ دليل تلك المقدمات (¬3) لا يكون نصًا وإلا كانت يقينيَّة، فهو إما إيماء (¬4) والمناسبة راجحة عليه أو مناسبة، والمناسبة المستقلة راجحة على غير المستقلة، وأما غير المناسبة والمناسبة راجحة على غيرها لما تقدم، وإن كان (¬5) قاطعًا في بعض مقدماته عاد الترجيح المذكور في المقدمة الظنية. (14) المناسبة أقوى من الشبه والطرد. (15) المناسبة من باب الضرورة راجحة على التي من باب الحاجة وهي على التي من باب الزينة. ثم الوصف المناسب نوعه لنوع الحكم راجحٌ على المناسب نوعه لجنس الحكم وجنسه لنوع الحكم وجنسه لجنس الحكم، والثاني والثالث متقاربان وراجحان على الرابع، والجنس الأقرب أقدم، ثم المناسب الجلي وهو ما يلتفت الذهن إليه في أول الوهلة كقوله عليه السلام: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" (¬6). إذ ¬

_ (¬1) في "أ، ب" (الطرد) بدل (العكس) وفي "هـ" صححت في الهامش وفي المحصول 2/ 2/ 608 العكس. (¬2) سقط من "د" في. (¬3) في "ب، جـ، د" المقدمة وفي المحصول 2/ 2/ 611 المقدمات. (¬4) سقط من "ب، د" (إيماء والمناسبة راجحة عليه أو مناسبة) وموجود في "جـ" تعليقًا. (¬5) أي إن بيان السبر. (¬6) تقدم تخريج الحديث في هامش صفحة (1/ 424) من هذا الكتاب.

الذهن يلتفت عند سماع هذا إلى أن الغضب إنما يمنع لمنعه من استيفاء الفكر راجح على الخفي. (16) المناسبة المؤيدة بغيرها راجحة، والخالية عن المعارضة راجحة والمناسب من وجهين مقدم. ثم عليك باعتبار الجهات المرجحة. (17) الدوران في صورةٍ واحدة راجحة على الدوران في صورتين، لأن العصير لما لم يكن مسكرًا لم يكن حرامًا، فلما صار مسكرًا صار حرامًا، فلما زالت المسكرية عادت حلالًا، قطعنا بأن الصفات الحاصلة في الأحوال الثلاثة لا تصلح للعليَّة، وإلَّا لزم وجود العلة بدون الحكم وهذا القدح (¬1) لا يحصل في الدوران في الصورتين. (18) الشبه في الصفة أولى من الشبه في الحكم الشرعي، لأنه أشبه بالعلل العقلية. (19) دليل الحكمْ في الأصلين إن كانا قطعيين فلا ترجيح، وإن كان أحدهما قطعيًا تعين وإن كانا ظنيين، فقالوا الإجماع أقوى (¬2) من الدليل اللفظي، لأنه لا يقبل التخصيص والتأويل. وفيه نظر. إذ الدليل اللفظي أصل الإجماع فهو أقوى. (20) ما ثبت حكم أصله بالنص راجح على ما ثبت حكم أصله بالقياس إن جوزناه، لأن النص أصل القياس، وإلا تسلسل والأصل راجح. (21) الدليل اللفظي إما قاطع في المتن أو الدلالة أو فيهما أو في واحدٍ منهما، ولا يخفى عليك تعيين البعض وترجيح البعض على البعض بالاستعانة بما سلف. (22) القياس المثبت للحكم الشرعي راجح على المثبت للحكم العقلي، إذ حكم الدليل الشرعي يجب كونه شرعيًّا، ولأن تقديم العلة المثبتة للحكم الشرعي يوجب النسخ مرتين. ويمكن استخراج علة شرعية من أصل عقلي إذا لم ينقلنا الشرع عنه. أما إذا كان أحد الحكمين نفيًا ¬

_ (¬1) في "هـ" (القطع) بدل (القدح). (¬2) في "جـ" (أولى) بدل (أقوى).

والأخر إثباتًا وهما شرعيان، فقيل هما سِيَّان وقد عرفت ما فيه في ترجيح الأخبار. (23) المثبت للحظر الشرعي راجح على المثبت للإباحة الشرعيَّة لما عرفت ثمة، فإن كان الحظر عقليًا فكونه حظرًا جهة الرجحان وكونه عقليًا جهة المرجوحية، وقد عرفت كيفية النقل عن حكم العقل ثمة. (24) المثبت للعتق والطلاق راجح على النافي لهما، والنافي للحد راجح على المثبت له. فإن قلتَ: النافي يثبت حكمًا عقليًا، قلتُ الشرع لمَّا ورد بالنفي صار حكمًا شرعيًّا، إذ لا يجوز نسخه إلَّا بما ينسخ به الحكم الشرعي. (25) المثبت لزيادة الحكم راجح على غيره (¬1)، كالمثبت للندب بالنسبة للمثبت للإِباحة إذا كانت الزيادة شرعية. (26) القياس على الحكم الوارد على وفق قياس الأصول (¬2) راجح، لأنه مجمع عليه ولأنه خالٍ عن المعارض. (27) القياس على أصل أجمعوا على تعليل حكمه راجح. (28) القياس الكثير الأصول راجح، والمعاضد بقول الصحابي أو بقياس آخر راجح. (29) ما لا يلزم منه محذور كتخصيص عام، وترك ظاهر وترجيح مجاز على الحقيقة راجح. (30) العلة المطردة راجحة على المخصوصة. (31) العلة المتعدية أولى من القاصرة عند الأكثرين، لأنها متفق عليها وأكثر فائدة وأنكر بعض الشافعية، لأن التعدية فرع الصحة والفرع لا يقوي الأصل. وجوابه أنَّه يدل على قوته. (32) أعم العلتين أولى إذ تكثر أحكام الشرع بكثرة الفروع وأنكره بعضهم قياسًا على أعم الخطابين، والفرق أن العمل بأعم الخطابين يسقط ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" على غيره. (¬2) في "هـ" (الأصل) بدل (الأصول) وفي المحصول الأصول 2/ 2/ 622.

الأخص من غير عكسٍ، والعمل بكلِّ واحدٍ من القياسين يسقط الآخر. فإسقاط ما تقل فائدته أولى. (33) العلة التي تعم أفراد الفرع أولى لما عرفت. ولأن دلالته على كل فردٍ كالدلالة على الكل ضرورة عدم القائل بالفصل (¬1) فهي كالأدلة الكثيرة. (34) ما يرد الفرع إلى جنسه راجحٌ على ما يرده إلى غير جنسه، كقياس الحلي على التبر بالنسبة إلى قياسه على الثياب (¬2). ¬

_ (¬1) في المحصول (بالفرق) بدل (بالفصل) 2/ 2 / 628. (¬2) في المحصول على سائر الأموال بدل الثياب 2/ 2/ 628.

الكلام في الإجتهاد

الكَلام في الإجتهَاد

المسألة الأولى

الاجتهاد (¬1) في اللغة: استفراغ الوسع في الفعل. وعند الفقهاء: (استفراغ الوسع في النظر فيما لا يلحقه لوم مع استفراغ الوسع فيه) (¬2)، ولهذا تسمى مسائل الفروع مسائل الاجتهاد دون مسائل الأصول. " المسألة الأولى" قال الشافعي وأبو يوسف - رحمهما الله - يجوز فيِ أحكام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما صدر عن اجتهاده. ومنع منه أبو هاشم وأبو علي مطلقًا. وجوَّز بعضهم في الآراء والحروب دون أحكام الدين. لنا وجوه: أ - قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُواْ} وتناول الآية له أولى لاختصاصه بقوة البصيرة (¬3)، والاطلاع (¬4) على شرائط القياس. ب - دليل العقل المتقدم في القياس. جـ - العمل بالاجتهاد أشق منه بالوحي، والأشق أكثر فضيلة ولأنه يظهر فيه أثر ¬

_ (¬1) في جميع النسخ "هو" أبدلتها بالاجتهاد. (¬2) عرفه الجرجاني (باستفراغ الفقيه الوسع ليحصل له ظن بحكم شرعي) صفحة 5. (¬3) في "أ" (البصر) بدل (البصيرة). (¬4) في "د" (الإطلاق) بدل (الاطلاع) والصواب الإطلاع تبعًا للمحصول 2/ 3/ 4.

دقة النظر وجودة الخاطر، فلا يجوز خلوه عن هذه الفضيلة وإلا ترجحت عليه أمته فيها واختصاصه بمنصب الوحي لا يمنع من مشاركته في منصب آخر. د - قوله عليه الصلاة والسلام: "العلماء ورثة الأنبياء" (¬1). وإنما يرثوا منه الاجتهاد لو كان مجتهدًا وتقييده بأركان الشرع خلاف الأصل. هـ - بعض الأحكام مضاف إليه وذلك يشعر بكونه من اجتهاده، إذ لا يقال مذهب الشافعي وجوب الصلوات الخمس. وأما في الحروب والآراء فقد اجتهد في أخذ الفداء عن أسارى بدر، وكان يراجعهم فيه ولا ذلك إلَّا بالاجتهاد. احتجوا بوجوه: أ - قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (¬2). ب - راجعه بعض (¬3) الصحابة في منزل نزله وقال: إن كان هذا وحيًا فالسمع والطاعة وإلَّا فليس بمنزل مكيدة، وأنه يدل على جواز مراجعته في اجتهاده ولا يجوز مراجعته في أحكام الشرع (¬4) فليس فيها ما هو باجتهاده. ج - أنَّه قادر على تلقي الحكم من الوحي ولا يجوز العمل بالظن مع القدرة على العلم. د - مخالف حكم النبي عليه الصلاة والسلام يكفر لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبُّكَ ¬

_ (¬1) رواه أحمد والأربعة وآخرون عن أبي الدرداء مرفوعًا بزيادة (إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم)، وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما وحسنه حمزة الكتاني وضعفه غيرهم لاضطراب سنده لكن له شواهد منها: (أكرموا العلماء فإنهم ورثة الأنبياء)، رواه ابن عساكر عن ابن عباس والخطيب والديلمي عن جابر (كشف الخفا 2/ 64). (¬2) [النجم: 3]. (¬3) الَّذي راجعه من الصحابة هو الحباب بن المنذر وذلك في غزوة بدر، وفعلًا نزل الرسول - صلى الله عليه وسلم - على رأي الحباب، ولم تذكر كتب السنة والسير التي روت القصة أن أحدًا كان معه في المراجعة في هذه الحادثة، فكذلك كان أولى أن يقول "أحد" بدل "بعض" والقاضي الأرموي في هذه العبارة متابع للإمام الرازي في المحصول. (¬4) سقط من "أ" الشرع.

لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (¬1). ومخالف المجتهد لا يكفر إذ المجتهد المخطئ له أجر واحد بالنص. هـ - لو جاز له الاجتهاد لما توقف في شيء من أحكام الشرع إلى نزول الوحي، لعلمه بحكم العقل وطرق القياس وقد توقف في حكم الظهار واللعان. و- لو جاز له لجاز لجبريل عليه السلام، وحينئذٍ لا نعرف أن ما نزل به نص الله تعالى أو اجتهاده. والجواب عن: أ - أنَّه لما دل الوحي على العمل بالقياس كان العمل به عملًا بالوحي. ب - أن ذلك كان في الآراء والحروب. ج - أنَّه إنما يجتهد حيث لا يجد نصًا. د - أنَّه يجوز أن يصير الحكم المظنون مقطوعًا به بفتواه كما في الإجماع الصادر عن الاجتهاد. هـ- أنَّه كان يتوقف بمقدار ما يعرف (¬2) أنَّه لا ينزل فيه وحي. و- أن ذلك الاحتمال مدفوع بالإجماع. " فرع" إذا جوزنا له الاجتهاد فلا يجوز أن يخطئ فيه وجوزه قوم بشرط أن لا يقر عليه. لنا: أنا مأمورون باتباعه في الحكم لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبُّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} (¬3). الآية، وذلك ينافي كونه خطأ. احتجوا بقوله تعالى: {عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} (¬4) وقوله تعالى في ¬

_ (¬1) [النساء: 65]. (¬2) في "أ" يعلم بدل يعرف وفي المحصول يعرف 3/ 142. (¬3) [النساء: 65]. (¬4) [التوبة: 43].

المسألة الثانية

أسارى بدر: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (¬1) وقوله عليه الصلاة والسلام: "لو نزل عذاب من الله لما نجا إلَّا عمر بن الخطاب" (¬2) وهذا يدل على خطئه في أخذ الفداء، وقوله عليه الصلاة والسلام: "إنكم لتختصمون لديَّ" (¬3) الحديث. وهذا يدل على جواز قضائه لأحد بغير حقه. وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (¬4). ولأنه يجوز غلطه في فعله فكذا في قوله كغيره (¬5)، والجواب مذكور في كتاب عصمة الأنبياء (¬6) عليهم السلام. " المسألة الثانية" يجوز الاجتهاد في زمان الرسول عليه السلام عند غيبته، والأكثرون على وقوعه لحديث معاذ (¬7)، ويجوز بحضرته عقلًا إذ لا امتناع في نزول الوحي في أنَّه مأمور بالاجتهاد والعمل على وفق ظنه. ومنهم من منعه إذ الاجتهاد لا يؤمن فيه الغلط وسلوك الطريق المخوف ¬

_ (¬1) [الأنفال: 68]. (¬2) أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما. قال اختلف الناس في أسارى بدرٍ فاستشار النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقال أبو بكر: فادهم. وقال عمر: اقتلهم. قال قائل أرادوا قتل رسول الله وهدم الإسلام ويأمر أبو بكر بالفداء. وقال قائل: لو كان بينهم أبو عمر أو أخوه ما أمر بقتلهم. فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول أبي بكر ففاداهم فنزل قوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فقال عليه السلام: إن كاد لَيَمَسُّنَّا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم ولو نزل العذاب ما أفلت إلَّا عمر (الدر المنثور 3/ 202). (¬3) جزء من حديث متفق عليه أوله: "إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إليَّ ولعلَّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فاقض له على نحو ما أسمع" (مشكاة المصابيح 2/ 342). (¬4) [الكهف: 110]. (¬5) كتاب عصمة الأنبياء للإمام فخر الدين الرازي، صاحب المحصول وهو جزء من كتاب الأربعين، مطبوع. (¬6) سقط من "أ" كغيره. (¬7) حديث معاذ تقدم تخريجه في صفحة (1/ 395) من هذا الكتاب.

مع القدرة على الأمن قبح عقلًا. وجوابه أن الشرع لما أمره بالاجتهاد والعمل بظنه (¬1) أمن الغلط. ومنع أبو علي وأبو هاشم وقوعه شرعًا. وجوزه بعضهم بشرط الإِذن وتوقف الأكثرون فيه. احتجا: بأنهم لو اجتهدوا في عصره لنقل كاجتهادهم بعده، ولأنهم كانوا يفزعون في الحوادث إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - دون الاجتهاد. واحتج المجوزون بأنه عليه السلام حَكَّمَ سعد بن معاذ (¬2) في بني قريظة. وأمر عمرو بن العاص وعقبة (¬3) بن عامر الجهني أن يحكما بين خصمين، ولأنه عليه السلام كان مأمورًا بالمشاورة (¬4). ولا فائدة لها إلَّا الأخذ باجتهادهم. ¬

_ (¬1) في "ب، د" (به) لدل (بظنه). (¬2) هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس سيد الأوس، ويكنى أبا عمرو وأمه كبشة بنت رافع لها صحبة، أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على يد مصعب بن عمير، وهو القائل لما أسلم: (يا بني عبد الأشهل كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتَّى تسلموا) فأسلموا. شهد بدرًا فأحدًا والخندق رُمي يوم الخندق بسهم قطع أكحله فنزف دمه، فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يضرب له خيمة في مسجده حتَّى يعوده عن قرب. وقد دعا لما أصيب أن لا يميته الله حتَّى يقر عينه ببني قريظة. وبنو قريظة هم طائفة من يهود نقضت العهد في غزوة الأحزاب، وكانوا حلفاء الأوس في الجاهلية ثم نزل بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم بقتل رجالهم وسبي ذراريهم والنساء فقال له - صلى الله عليه وسلم -: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعةِ أرقعة. ومناقب سعد في السنة كثيرة منها (اهتز عرش الرحمن لموت سعد) قال ابن عبد البر ورد هذا الحديث من وجوه كثيرة عن جماعة من الصحابة، وورد أن الملائكة ودعت جنازته وكانت وفاته بعد شهر من غزوة الخندق، (الإصابة 3/ 83، الاستيعاب 604). (¬3) هو عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو الجهني الصحابي، روى عن النبي كثيرًا وروى عنه الكثير من الصحابة والتابعين منهم ابن عباس وأبو أمامة وأبو أدريس الخولاني وخلق من أهل مصر. كان قارئًا عالمًا بالفرائض والفقه فصيح اللسان شاعرًا كاتبًا، وهو أحد جمعة القرآن كان عقبة البريد لعمر في فتح دمشق، وشهد صفين مع معاوية وأمره بعد ذلك على مصر، وجمع له معاوية في إمرته بين الصلاة والخراج ومات في خلافة معاوية على الأصح (الاستيعاب 1073، الإصابة 4/ 251). (¬4) لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}.

المسألة الثالثة

والجواب عن: أ (¬1) - أنَّه لعله لم ينقل لقلته على أنَّه نقل اجتهاد سعد وعمرو. ب - لعلهم إنما فزعوا إليه حيث تعذر الاجتهاد أو صعب. ج - أن خبر الواحد لا يجوز التمسك به فيما لا يتعلق به عمل. د - أن ذلك في الحروب ومصالح الدنيا. " المسألة الثالثة" شرط الاجتهاد المكنة من الاستدلال بالأدلة الشرعية على الأحكام وهي بمعرفة أمور: أ - بمعرفة معنى اللفظ ومقتضاه لغة وعرفًا وشرعًا. ب - معرفة أن المخاطب يعني باللفظ ظاهرُه عند التجرد، وما يقتضيه مع القرينة عندها. قالت المعتزلة: يعرف ذلك بالعلم (¬2) بحكمة المتكلم وبعصمته، والحكم (¬3) بحكمته تعالى أنَّه مبني على العلم بأنه عالم بقبح القبيح وغني عنه. وقال أصحابنا: قد يقطع في جائز الوقوع بأنه لم يقع كانقلاب جيجون (¬4) دمًا، ونحن وإن جوَّزنا منه تعالى كل شيء لكنه تعالى خلق ¬

_ (¬1) هذه الأجوبة الأول والثاني منها عن دليلي أبي علي وأبي هاشم المانعين من وقوع الاجتهاد، والجواب الثالث والرابع عن دليلي المجوِّز لوقوع الاجتهاد. (¬2) سقط من "أ" بالعلم. (¬3) في "ب، جـ، د" (العلم) بدل (الحكم). (¬4) جيحون اسم نهر كان يدعى (آمو أو آموداريا) وسماه الأتراك جيحون ينغ من مرتفعات (هندكوش) ويسير غربًا في شبه قوس حتَّى يصب في الطرف الجنوبي من بحر (أورال خوارزم) ويبلغ طوله 1150 ميلًا وتبلغ مساحة حوضه 221 ألف ميل مربع وورد ذكره في الفتوحات الإسلامية كثيرًا، فكانوا يقولون ما وراء النهر. القاموس الإسلامي لأحمد عطية الله طبع النهضة المصرية 1/ 665.

فينا علمًا ضروريًا، بأنه لا يعني بهذه الألفاظ إلَّا ظاهرها فأمنا (¬1) من وقوع اللبس. ج - معرفة تجرد اللفظ وكونه مع قرينة، والقرينة العقلية تبين ما يجوز أن يراد باللفظ مما لا يجوز، والسمعية تبين تخصيص العام بالأشخاص والأزمان أو تعميم الخاص وهو القياس. ثم الدليل السمعي غائب عنا إلَّا بنقل متواتر أو آحاد، فتجب معرفة (¬2) شرائط هذه الأمور مع جهات الترجيح. ثم قال الغزالي (¬3): مدارك الأحكام أربعة الكتاب والسنة والإِجماع والعقل. وإنما يشترط من الكتاب والسنة معرفة ما يتعلق بالأحكام (¬4). والعلم بمواقعه ليطلب منها عند الحاجة ويجب العلم بمواقع الإِجماع لئلا يفتي بخلافه. وطريقه أن لا يفتي إلَّا بما يوافق قول أحد العلماء المتقدمين أو يغلب على ظنه عدم خوض أهل الإِجماع في الواقعة. والعقل هو البراءة الأصلية فيعرفها ويعرف أنا مكلفون بالتمسك بها ما لم يصرفنا صارف على شرط الصحة. ويجب معرفة شرائط الحد والبرهان ومعرفة اللغة والنحو والتصريف. ثم الناسخ والمنسوخ والجرح والتعديل وأحوال الرجال، ولما تعذر ذلك في زماننا لطول المدة وكثرة الوسائط اكتفي بتعديل الأئمة الذين اتفق الخلق على عدالتهم. كالبخاري (¬5) ................................................. ¬

_ (¬1) في "د" (فأما) بدل (فأمنا). (¬2) في "هـ " تقدمت "مع جهات الترجيح" على "فتجب معرفة". (¬3) انظر المستصفى ص 479 طبع الفنية المتحدة. (¬4) وهو خمس مادة آية كما نقل ذلك الإمام في المحصول، وذكره حجة الإسلام في المستصفى انظر المحصول 2/ 3/ 33، والمستصفى ص 479. (¬5) هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري أبو عبد الله، حبر الإسلام والحافظ لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاحب الجامع الصحيح الَّذي انتخبه من ستمائة ألف حديثًا، كان يحفظها وهو أصح كتب السنة على الإطلاق، وله التاريخ والضعفاء في رجال الحديث، وخلق أفعال العباد، والأدب المفرد. ولد سنة 194 هـ ببخارى. نشأ يتيمًا وقام برحلة طويلة سنة 210 هـ في طلب الحديث، فزار خراسان والعراق ومصر والشام وسمع من نحو ألف شيخ، ثم أقام ببخارى فتعصب عليه جماعة ورموه بالتهم، فأخرج إلى خرنتك من قرى سمرقند =

المسألة الرابعة

.. ومسلم (¬1). وظهر أنَّه يشترط علم أصول الفقه دون الكلام. إذ المقلد فيه قد يتمكن من الاجتهاد دون تفاريع الفقه لأنها متأخرة عن الاجتهاد. ثم صفة (¬2) الاجتهاد قد تحصل في فنٍ دون آخر ومسألة دون أخرى خلافًا لقوم، إذ الغالب كون أصول الفرائض في الفرائض دون المناسك. فإذا عرف ما ورد فيها تمكن من الاجتهاد فيها. " المسألة الرابعة" المجتهد فيه حكم شرعي لا قاطع فيه، ليخرج عنه الحكم العقلي ووجوب أركان الشرع وما اتفق عليه من جلياته. وقال أبو الحسين: هو ما اختلف فيه المجتهدون من الأحكام الشرعية، وهو ضعيف إذ جواز الاجتهاد فيه مشروط بكونه مجتهدًا فيه فتعريفه به دور. ¬

_ = فمات فيها سنة 256 هـ. له ترجمة: في الأعلام 6/ 258، تذكرة الحفاظ 2/ 122، تهذيب التهذيب 9/ 47، وفيات الأعيان 1/ 455، تاريخ بغداد 2/ 342، آداب اللغة 2/ 210، دائرة المعارف الإسلامية 3/ 419، وما بعدها، طبقات الحنابلة 1/ 271، معجم المطبوعات 534. (¬1) هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري أبو الحسين، حافظ من أئمة المحدثين، ولد بنيسابور ورحل للحجاز ومصر والشام والعراق وتوفي بظاهر نيسابور. أشهر كتبه: الصحيح. جمع فيه إثني عشر ألف حديث. له المسند الكبير رتبه على الرجال - والجامع مرتب على الأبواب. والأسماء والكنى أربعة أجزاء. والأفراد والواحدان - والأقران ومشائخ الثوري وكتب أخرى كثيرة - له تراجم في الأعلام 8/ 118، تذكرة الحفاظ 2/ 150، تهذيب التهذيب 10/ 126. وفيات الأعيان 2/ 91، تاريخ بغداد 13/ 100، طبقات الحنابلة 1/ 337، البداية والنهاية 11/ 33، معجم المطبوعات 1745. (¬2) في المحصول جعلها مسألة مستقلة.

المسألة الخامسة

" المسألة الخامسة" قال الجاحظ وعبيد (¬1) الله بن الحسن العنبري (¬2)، كل مجتهد في الأصول مصيب لا بمعنى مطابقة الاعتقاد بل بمعنى نفي الإِثم والخروج عن عهدة التكليف. وأنكره (¬3) الباقون لوجوه: أ - أنَّه تعالى نصب على هذه المطالب أدلةً قاطعةً، ومكَّن العقلاء من معرفتها فلا يخرجون عن العهدة إلَّا بالعلم. ب - أنا نعلم قطعًا أنَّه عليه السلام أمر الكفار بالإيمان به وذمهم على إصرارهم على عقائدهم وقاتلهم، وكان يكشف عن مؤتزرهم (¬4) ويقتل من بلغ منهم مع القطع بأن العارف المعاند فيهم نادرٌ جدًّا. ب - ما في الكتاب (¬5) والسنة من ذم الكفار. فإن (¬6) قيل: لا نسلم نصب القاطع وتمكين العقلاء من معرفته، فإن ¬

_ (¬1) هو عبيد الله بن الحسن (وليس الحسين كما ورد في المحصول وجميع نسخ التحصيل) بن حصين بن أبي الحر مالك بن الخشخاش العنبري القاضي، روى عن جماعة منهم خالد الحذاء وداود بن أبي هند وسعيد الجريري، وروى عنه جماعة منهم ابن مهدي وخالد بن الحارث قال عنه أبو داود كان فقيهاً. قال النسائي: فقية بصري ثقة قال ابن سعد: ولي القضاء بالبصرة وكان ثقةٌ عاقلًا وثقه غير واحدٍ. ولد سنة مئة وخمس كلما قال ابن معين وولي القضاء سنة 157 هـ وتوفي سنة 168 هـ، روى له مسلم في صحيحه حديثًا واحدًا في ذكر موت أبي سلمة بن عبد الأسد نقل عنه القول بأن كل مجتهد مصيب. وكان يقول دل القرآن على القدر والإجبار وكلاهما صحيح، فمن قال بأيهما أصاب وقال: هؤلاء قوم عظموا الله وأولئك نزهوا الله، وكان يقول عن قتال طلحة والزبير لعلي كله طاعة. وكان ابن قتيبة لا يقبل أقواله لأجل آرائه هذه. انظر تهذيب التهذب 7/ 8، تقريب التهذيب 1/ 531. (¬2) في "ب، د" (العبدي) بدل (العنبري). (¬3) وعبارة المحصول: (اتفق سائر العلماء على فساد قول الجاحظ والعنبري). (¬4) في "أ" مؤزرهم. (¬5) وبينه في الكتاب قوله تعالى: {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} وقوله تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ}. (¬6) عبارة المحصول: (أجاب الخصم عن الأول) 2/ 3/ 43.

المسألة السادسة

من نظر في أدلة المخالفين وأنصف لهم لم يجد فيها قاطعًا. ثم إنما أمروا بالظن الغالب، فإن العلم إنما يحصل من تركيب مقدمات ضرورية تركيبًا ضروري الصحة. وأنه لا يحصل إلَّا لأحاد الناس. فتكليف الكل به حرج تام. ولأنا نعلم ضرورة أن الصحابة ما عرفوا هذه الأدلة والدقائق. والجواب (¬1) عن شبهات الفلاسفة مع صحة إيمانهم. ثم لا نسلم أن المخطئ فيهم آثم، ولا يمكن دعوى الإجماع فيه، لأنه مختلف فيه وإنما (¬2) قتل عليه السلام الكفار لإصرارهم على ترك التعلم بعد مبالغته في الإرشاد إلى الحق. وما ورد من ذم الكفار. فالكفر هو الستر وانما يتحقق الستر من المعاند دون العاجز عن الوصول إلى الحق بعد البحث التام. ثم كونه (¬3) تعالى رؤوفًا رحيمًا ينفي التشديد المذكور ويؤيده استقراء أحكام الشرع. والجواب: أن الجمهور ادعوا الإجماع على مذهبهم قبل حدوث هذا الخلاف. " المسألة السادسة" قال جمهور المتكلمين (¬4) منا كالأشعري والقاضي أبي بكر، ومن المعتزلة كأبي هذيل وأبي هاشم وأبي علي وأتباعهم كل مجتهدٍ في الأحكام الشرعية مصيب، أي ليس لله تعالى في الواقعة حكم معين قبل الاجتهاد، ثم منهم من يقول وجد فيها ما لو حكم اللُه فيها لما حكم إلَّا به، وهو القول بالأشبه. ¬

_ (¬1) يعني إجابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن شبهات الفلاسفة، مع أنَّه حكم بصحة إيمانهم يدل على أن التكليف ما وقع بالعلم، والفلاسفة هم المنكرون لكون كل مجتهدٍ في الأصول مصيب. (¬2) في "د" من قوله: وإنما قتل الى آخر المسألة تقديم وتأخير مخل بالمعنى. (¬3) هذا دليل للجاحظ القائل بأن كل مجتهد في الأصول مصيب، بمعنى نفي الإثم وهذا الدليل بالإضافة إلى رده على الفلاسفة. (¬4) سقط من "ب" منا.

قال بعض الفقهاء والمتكلمين: لله تعالى (¬1) في كلِّ واقعةٍ حكم معين، لكن ليس عليه إمارة ولا دلالة، والطالب يعثر عليه اتفاقًا فله أجران وللخائب أجرٌ واحد لتحمل المشقة. وقال كافة الفقهاء (¬2): عليه أمارة فقط ولكن لم يكلف المجتهد بإصابتها لخفائها، فكان المخطئ معذورًا مأجورًا وينسب إلى الشافعي وأبي حنيفة. وقيل: مكلف بإصابته ولكن عند الخطأ تغير التكليف، فيكلف (¬3) بالعمل بظنه ويسقط الإثم تحقيقًا. وقيل: بل عليه دلالة والمجتهد مأمور بطلبها. ثم قال بشر المريسي من المعتزلة: المخطئ مأثوم وأنكره الباقون. وقال (¬4) الأصم (¬5): قضاؤه منقوض وأنكره الباقون. والمختار أن لله تعالى في الواقعة حكمًا معينًا عليه أمارة فقط، والمخطئ معذور وقضاؤه لا ينقض. لنا وجوه: أ - إذا جزم كل من المجتهدين برجحان أمارته في نفس الأمر على أمارة خصمه، كان اعتقادهما أو اعتقاد أحدهما خطأ، بمعنى عدم المطابقة وهو من صور الخلاف ولأن الاعتقاد غير المطابق جهل. وأنه غير مأمور به وفاقًا فلا يكون آتيًا بما أمر به. ب - المجتهد مكلف بالحكم بناءً على طريق، إذ الحكم بالتشهي باطل وفاقًا ¬

_ (¬1) في "د" (فيه) بدل (الله). (¬2) في "ب" (العلماء) بدل (الفقهاء). (¬3) سقط من "ب" فيكلف. (¬4) سقط من "د" وقال الأصم قضاؤه منقوض وأنكره الباقون. (¬5) الأصم: هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن كيسان الأصم، كان أفصح الناس وأفقههم وأورعهم. حكى بأنه كان يخطئ عليًّا عليه السلام في كثير من أفعاله ويصوب معاوية في بعض أفعاله وكان يجرى منه حيف عظيم على علي رضي الله عنه. له تفسير عجيب كان الأصم جليل المقدار يكاتبه السلطان، وكان يصلي بمسجده بالبصرة ومعه ثمانون شيخًا. له مع أبي الهذيل مناظرات وكان أبو علي الجبائي لا يذكر أحدًا في تفسيره إلَّا الأصم وممن أخذ عنه ابن علية.

وذلك الطريق إن خلا عن المعارض تعين العمل به، وإلَّا فبالراجح إِن ترجح أحدهما وإلَّا تعين التخيير أو التساقط والرجوع إِلى غيرهما، وعلى كل تقدير يعين الحكم فمخالفه مخطئ. فإن قيل: لم يوجد في المجتهد فيه طريق وإلَّا فتاركه تارك للمأمور به فيستحق العقاب، وأنه خلاف الإِجماع فلا يكلف بالحكم بناءً عليه. ثم إنما يجب (¬1) العمل بالراجح لو علم رجحانه، وقد يعتقد المكلف تعين المرجوح أو رجحانه. والجواب (¬2) عن: أ - أن إِجماع الأمة على الترجيح بأمور حقيقية المستدعي لأصل الطريق. ب - أن مقدار الرجحان ممكن الاطلاع عليه. وإلَّا لم يكلف إلَّا بالقدر المشترك بين الأمارات. وحينئذ لا رجحان بالنسبة إِلى المكلف. هذا خلف ثم إنَّ لم يكلف بالوصول (¬3) إِليه إلى أقصى الإِمكان لم تكن التخطئة (¬4) عند بعض المراتب أولى. فكل من عمل بالظن ولو مع ألف تقصير مصيب. هذا خلف فهو مكلف به. فإذا لم يصل إليه كان مخطئًا. ج - المجتهد مستدل والاستدلال بالدليل على المدلول متوقف على وجودهما والظن الحاصل منه متأخر عنه فهو متأخر عن المدلول فامتنع حصول المدلول بعده. د - المجتهد طالب (¬5) فله مطلوب والمطلوب متقدم الوجود على الطلب. فإن قلتَ المطلوب الظن لا الحكم قلت: ليس المطلوب ظن لا تقتضيه الأمارة وفاقًا، وما تقتضيه الأمارة متوقف على وجود الأمارة المتوقف على وجود المدلول. ¬

_ (¬1) في "هـ" (يجعل) بدل (يجب). (¬2) هذان الجوابان عما ورد بعد قوله: فإن قيل المتقدم قبل سطرين وهي لم ترد مرقمة. (¬3) سقط من "أ، ب" إليه. (¬4) في "جـ، د" التخطئة فيه. (¬5) في "ب" فقط (طالب حكم).

احتجوا (¬1) بأمور: أ - لو كان في الواقعة حكم وليس عليه دليل أو أمارة لزم تكليف ما لا يطاق، وإن كان تمكن المكلف من تحصيل العلم أو الظن به فالحاكم بغيره يكون حاكمًا بغير ما أنزل الله فكان كافرًا، لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (¬2). وفاسقًا لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (¬3). ومستحقًا للعقاب لكونه تاركًا للمأمور به. ولو خصت هذه الأدلة بالنافي للحرج (¬4) هنا لخصت في المسائل الكلامية، لأن أدلتها أكثر غموضًا والخطأ فيها كفر. ب - ولكان (¬5) عليه دليل قاطع إذ لا بد من دليل، فإن أمكن وجوده بدون المدلول فاستلزامه له في صورة دون أخرى، إن لم يتوقف على أمرٍ آخر (¬6) لزم الترجيح بدون المرجح، وإن توقف كان المستلزم ذلك المجموع لا المفروض دليلًا، وأيضًا ذلك المجموع إن أمكن وجوده بدون المدلول (¬7) عاد الكلام وينتهي إلى حيث. لا يمكن وجوده بدون المدلول، وهو المعنى من القاطع. فإن قلتَ: الدليل الظاهر مستلزم أولوية وجود (¬8) المدلول بغير (¬9) وجوبه، قلتُ الأولوية إن منعت العدم لزم الوجوب وإلَّا عاد الكلام. ج - ولكان ما عداه باطلًا فلم يجز للصحابي تولية من يخالفه في المذهب، ولا التمكين من الفتوى لحرمة التمكين من ترويج الباطل، ولفسَّقوا ¬

_ (¬1) القائلون بأنه لا حكم لله في الواقعة. (¬2) [المائدة: 44]. (¬3) [المائدة: 47] (¬4) في جميع النسخ ما عدا "د" بالجرح. (¬5) والمعنى "لو وجد الحكم لكان عليه دليل قاطع". (¬6) سقط من "جـ، ب" آخر. (¬7) سقط من "د" من المدلول إلى المدلول. (¬8) في "ب" المدلول بالوجود دون الوجوب. (¬9) في "هـ" (دون) بدل (بغير).

مخالفيهم في الدماء والفروج إذ لا فرق بين القتل والفتوى به، والقتل كبيرة ولنقضوا أحكامهم بل أحكام أنفسهم واللوازم باطلة. فإن قيل: لعل ذلك لأن الخطأ صغيرة أو كبيرة (¬1) والشبه سبب العذر، والفرق بيبن القتل والفتوى به أن التمسك بالشبهة (¬2) قد يكون سببًا للعفو ثم هو معارض بوجهين: 1 - تصريح الصحابة بالتخطئة. قال أبو بكر رضي الله عنه في الكلالة: (وإن كان خطأ فمني) (¬3). وحكم عمر رضي الله عنه بحكم فقال رجل: (هو والله الحق). فقال عمر: (إن عمر لا يعلم أنَّه أصاب الحق لكنه لا يألو جهدًا). وقال علي لعمر في المجهضة: (وإن اجتهدوا فقد أخطؤوا) (¬4). وقال ابن مسعود في المفوضة: (وإن كان خطأ فمني). ب - أخطات الأنصار في طلب (¬5) الإمامة لمخالفتهم قوله عليه السلام: "الأئمة من قريش" (¬6) وبعض الصحابة أخطأ في المنع من قتال مانعي الزكاة لمخالفتهم النص (¬7). وقضى عمر في الحامل المقرة بالزنا بالرجم على خلاف النص ولم يفسقوا. قلنا الجواب عن: أ - أن تركه ترك المأمور به فيستحق به النار فيكون الخطأ (¬8) كبيرة لا سيما في الدم، لقوله عليه السلام: "من سعى في دم مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبًا بين عينيه آيس من رحمة الله" (¬9). وغيره من الأحاديث. ¬

_ (¬1) في "هـ" أو كثروا الشبه بسبب العذر. (¬2) في "أ، ب" (به) زائدة. (¬3) تقدم تخريج الأثر في صفحة (2/ 271) من هذا الكتاب. (¬4) تقدم تخريج الأثر في صفحة (2/ 221) من هذا الكتاب. (¬5) في "ب، جـ" مطالبة. (¬6) تقدم تخريج الأثر في صفحة (1/ 353) من هذا الكتاب. (¬7) تقدم تخريج الأثر في صفحة (1/ 353) من هذا الكتاب. (¬8) سقط من "جـ" الخطأ. (¬9) رواه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، لقي =

ب - أن الشبه وغموض الأدلة في العقليات أكثر مع أن الخطأ فيها كفر وفسق. ج - أن ترك التفسيق والتمكين من الفتوى والعمل (¬1) منقول عمن صرحوا بالتخطئة، إذ لا يمكن التوفيق بجعل الخطأ صغيرةً لما بيَّنا، بل تحمل التخطئة على صورة وجود القاطع وترك استقصاء المجتهد. وقوله إن يكن صوابًا أي استقصيت وإن يكن خطأ أي قصرت. د - أن المخالفين ما كانوا سمعوا ذلك النص وههنا كل واحدٍ عرف حجة صاحبه فكان مصرًا على الخطأ. د - ولما قطع بكون خطئه مغفورًا، لأنه يجوز إخلاله بنظر زائد واجب وإلَّا لم يكن مخطئًا، ولا نعلم أنَّه يغفر له ذلك الإخلال لأنه لو اقتصر على أول المراتب لم يغفر له ما بعده، ولا مرتبة إلَّا ويجوز أن لا يغفر ما بعدها، ولا تتميز المراتب المغفورة له عن غيرها لكن الإجماع المستمر إلى زماننا يفيد القطع بأنه مغفور له. هـ - قوله عليه السلام: "أصحابي كالنجوم" (¬2). الحديث ولو كان بعضهم مخطئًا لكان عليه السلام حث على الخطأ. و- أنَّه صوب حكم معاذ بالاجتهاد بلا فصل. والجواب عن: أ، ب، جـ - أن عندنا يتغير التكليف عند الخطأ، فيكون حاكمًا بما أنزل الله فلا يلزم شيء مما ذكرتم. د - أن المرتبة المغفورة له أن يأتي بالمقدور بلا تقصير. هـ - المعارضة بقوله عليه السلام: "من اجتهد وأخطأ فله أجر واحد" (¬3). ثم خبر الواحد لا يعارض القاطع وهو الجواب عن "و". ¬

_ = الله مكتوبًا بين عينيه آيس من رحمة الله (وإسناده واهٍ ورواه ابن كثير في تفسيره). انظر الفتح الكبير 3/ 164، تفسير ابن كثير 1/ 535، مشكاة المصابيح (2/ 61). (¬1) في "أ" (العزل) بدل (العمل). (¬2) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 62) من هذا الكتاب. (¬3) متفق عليه من حديث عمرو بن العاص ولفظه: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، =

المسألة السابعة

" المسألة السابعة" من قال لا حكم في الواقعة: اختلفوا في الأشبه والحق عدمه لأن ذلك الأشبه ليس مفسدة المكلف وفاقًا، فإن كان مصلحته ووجب على اللُه تعالى رعاية المصالح، وجب أن ينص عليه تمكينًا للمكلف من استيفاء المصلحة، وإن لم يجب عليه رعايتها جاز أن ينص على غيره، وإن لم يكن لا مصلحة ولا مفسدة لم يجب عليه تعالى رعاية المصلحة ولزم المطلوب. احتجوا: بتخطئة النبي - صلى الله عليه وسلم - للمجتهد وإذ ليست بمخالفة حكم واقع فهي لمقدر، وبأن المجتهد طالب وليس مطلوبه معينًا وقوعًا فهو معين تقديرًا. والجواب: أنَّه لما لم ينص على ذلك ولم تقم عليه دلالة أو أمارة امتنع كونه مخطئًا. " المسألة الثامنة" من قال المصيب واحد قال: تصويب الكل يفضي إلى منازعة لا يمكن قطعها، كما إذا قال المجتهد لامرأته المجتهدة: (أنت بائن)، ثم راجعها والزوج يرى الرجعة بالكنايات دون المرأة، فإنهما يتنازعان في الوطء تنازعًا لا يمكن قطعه. فقال المصوبون (¬1) المحققون منكم (¬2) ساعدونا على أن المجتهد يجب عليه العمل بظنه الخطأ إذا لم يعلم خطأه وعاد المحذور، ونحن نقول لا منازعة في الحادثة، فإنها إن نزلت لمجتهدٍ أو مقلدٍ واختصت به عمل باجتهاده أو فتوى المفتي. فإن استوت الأمارات أو المفتون في العلم والورع تخيَّر، وإن تعلقت بغيره وأمكن الصلح فيه كالمال اصطلحا، أو رجعا إلى حاكم أو حكم والاَّ فالرجوع إلى حاكم أو حكم. ¬

_ = وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد). وأخرجه أيضًا عن عمرو بن العاص، أبو داود وأحمد والنسائي وابن ماجة وأخرجه عن أبي هريرة أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة. انظر (نصب الراية 4/ 63، الفتح الكبير 1/ 103). (¬1) سقط من "ب" المصوبون. (¬2) في "ب" (أنتم) بدل (منكم) وفي "د" أن.

المسألة التاسعة

" المسألة التاسعة" إذا أدى اجتهاده إلى أن الخلع فسخ (¬1)، فتزوج بمن خالعها ثلاثًا، ثم تغير اجتهاده فإن قضى القاضي بصحة هذا النِّكَاح استمر، وإلَّا لزمه تسريحها (¬2)، وإذا تزوج العامي بمن خالعها ثلاثًا بفتوى المفتي، ثم تغير اجتهاده فالصحيح وجوب تسريحها، كما يجب التحول إذا تغير اجتهاد المتبوع في القبلة بخلاف قضاء القاضي فإنه مقرر، ثم القضاء إنما لا ينقض إذا لم يخالف قاطعًا. ¬

_ (¬1) في "د" (قبيح) بدل (فسخ). (¬2) سقط من "هـ"، من تسريحها إلى تسريحها.

الكلام في المفتي والمستفتي

الكَلامُ في المُفتي وَالمُسْتَفتي وفيه فصول " الفصل الأول" في المفتي

المسألة الأولى

" المسألة الأولى" إذا أفتى مرةً في واقعةٍ بعد الاجتهاد، ثم سئل عنها أخرى وهو ذاكر لطريق اجتهاده أفتى وإلَّا استأنف الاجتهاد، فإن أدى اجتهاده إلى خلافه أفتى بموجبه، والأحسن إعلام المستفتي أولًا بذلك، كما فعله ابن مسعود (¬1) لئلا يبقى عملهم بغير موجب، وربما قيل: إنه إذا ظن أن الطريق الأول كان قويًا لم يجب الاستئناف، إذ العمل بالظن واجب. " المسألة الثانية" اختلفوا في فتوى غير المجتهد بحكاية قول الغير. فنقول: ذلك الغير إن كان ميتًا لم يجز الأخذ بقوله إذ لا قول لبيتٍ لانعقاد الإجماع على خلافه، وإنما صنفت كتب الفقه لمعرفة المتفق والمختلف واستفادة طرق الاجتهاد من تصرفهم. وربما قيل: إذا كان المجتهد ثقةً عالمًا والحاكي ثقةً فاهمًا معنى كلامه حصل للعامي ظن أن حكم الله ما حكاه والظن حجة، وأيضًا انعقد الإجماع في زماننا على هذا (¬2)، إذ لا مجتهد فيه وإن كان حيًا وسمع منه مشافهةً فله العمل به ولغيره بقوله، إذ يجوز للمرأة أن تعمل في حيضها ينقل زوجها عن المفتي، ورجع علي (¬3) إلى حكاية المقداد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن المذي (¬4)، وإن رجع إلى كتابٍ موثوقٍ به جاز أيضًا. ¬

_ (¬1) برجوعه عن جواز زواج أم الزوجة غير المدخول بها (من المحصول 2/ 3/ 95). (¬2) أي أخذ الأحكام من الكتب بشرط أن يكون الراوي ثقة فاهمًا. (¬3) سقط من "ب" علي. (¬4) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 122) من هذا الكتاب.

الفصل الثاني في المستفتي

" الفصل الثاني " في المستفتي مسألة يجوز للعامي تقليد المجتهد في فروع الشرع خلافًا لمعتزلة بغداد، وفرق الجبائي بين مسائل الاجتهاد (¬1) وغيرها. لنا وجهان: أ- الإجماع قبل حدوث المخالف، فإن العلماء في كلِّ عصرٍ لا ينكرون على العامة الاقتصار على أقاويلهم. ب - العامي إذا حدث له حادثة مأمور بشيء إجماعًا، وليس هو التمسك بالبراءة الأصلية إجماعًا. ولا الاستدلال بأدلة سمعية لأنه لا يلزم تحصيلها حين بلوغه، إذ الصحابة لم يلزموا أحدًا بها وتحصيلها يمنعهم من الاشتغال بمعايشهم ولا حين حدوث الواقعة، إذ اكتساب صفة الاجتهاد في ذلك الوقت غير مقدورٍ فهو التقليد. واعلم أن المانعين من التقليد يمنعون الإجماع وخبر الواحد والقياس والتمسك بالظواهر ويقولون: حكم العقل في المنافع الإباحة وفي المضار الحظر، وإنما يترك هذا الأصل لنص قاطع المتن والدلالة والعامي إن كان ذكيًا عرفَ حكم العقل (¬2) وإلَّا نبه المفتي عليه (¬3). ¬

_ (¬1) أي أنَّه يجوز في مسائل الاجتهاد ولا يجوز في غيرها. (¬2) في "ب" (الأصل) بدل (العقل). (¬3) سقط من "ب، د" من المفتي عليه إلى المفتي عليه.

ثم إن وجد في الواقعة نص قاطع على المتن والدلالة يخالف حكمه حكم العقل نبهه المفتي عليه. ولا يقال: معرفة ذلك يمنعه من المعاش (¬1)، ثم الوجهان منقوضان بالتكليف بمعرفة أدلة الأصول، ولا يجاب بأن الواجب معرفة أدلة النبوة والتوحيد جملة، وأنها سهلة وفي الفروع يحتاج إلى علومٍ كثيرة وتبحرٍ (¬2) شديد، لأنه لا فرق بين المباحث الإجمالية والتفصيلية، لأنَّه إن علم جميع مقدمات الدليل حصل العلم النظري، وإن لم يعلم بعضها بل قبله تقليدًا كان (¬3) مقلدًا في النتيجة، مثلًا دليل أن للعالم صانعًا مختارًا مركب من أن للحوادث مؤثرًا، وليس هو الموجب فهو المختار، والأول يعلمه العوام دون الثاني، فقطعه أن للعالم صانعًا مختارًا تقليدٌ. وكذا في دليل النبوة، ثم تحصيل تلك الأدلة تفصيلًا صعب فإن جاز التقليد في أحدهما جاز في الآخر وإلَّا فلا. احتجوا (¬4) بوجوه: أ - قوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (¬5). ب - ذم التقليد بقوله: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} (¬6). ج - قوله عليه الصلاة والسلام: "طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم" (¬7). د - جواز التقليد يفضي إلى عدمه، لأنه يقتضي جواز التقليد في المنع منه. ¬

_ (¬1) في "جـ، هـ" بعد المعاش، (لأن التكليف بمعرفة أدلة الأصول الدقيقة أكثر منعًا له من المعاش) والأرجح أن هذه العبارة تفسيرية من النساخ، لأن ما بعدها في معناها. (¬2) في جميع النسخ ما عدا "هـ" بحث و (هـ) موافقة للمحصول 2/ 3/ 105. (¬3) في "د" (المكان) بدل (كان). (¬4) أي منكرو التقليد في فروع الشرع. (¬5) [الأعراف: 33]. (¬6) [الزخرف: 22]. (¬7) رواه ابن ماجة وابن عبد البر وغيرهم بأسانيد كثيرة جدًّا لا تخلو كلها من مطعن، حيث روي عن نحو عشرين تابعيًا. ضعفه ابن عبد البرّ والبزار وأحمد ومثل به الحاكم وابن الصلاح للحديث المشهور الَّذي لم يصح سنده. وحسنه المزي وابن حجر وبسط العراقي الكلام عليه في تخريجه الكبير للإحياء (كشف الخفا 2/ 43).

هـ - قوله عليه الصلاة والسلام: "اجتهدوا فكل ميسر لما خلق له" (¬1). و- المستفتي لا يأمن جهل المفتي فيقع في المفسدة. ز- لو جاز هنا (¬2) لجاز في الأصول بجامع العمل بالظن. والجواب عن الأخير الفرق المذكور. وعن غيره: النقوض (¬3) بالعمل بالظن في أمور الدنيا والقيم والأروش وخبر الواحد والقياس إن سلما. والدليل على الجبائي: أن الفرق يوجب تحصيل درجة الاجتهاد، إذ لا تمييز بينهما سوى المجتهد. احتج (¬4): بأن الحق في غير المجتهد فيه واحد، فالتقليد فيه يوقعه في غير الحق. وجوابه: إنه في المجتَهد فيه واحد لأنه (¬5) لا نامن أن يقصِّر المفتي في الاجتهاد أو يفتيه بخلاف اجتهاده. ¬

_ (¬1) لم أعثر عليه بلفظ اجتهدوا والذي وجدته (اعملوا فكل ميسرٌ لما خلق له) ورواه الطبراني عن ابن عباس وعن عمران بن حصين بلفظ: (اعملوا فكل ميسر لما يهدى له من القول) (انظر: كشف الخفا: 1/ 147، والفتح الكبير 1/ 202). (¬2) في "أ، ب" (هذا) بدل (هنا). (¬3) في "هـ" (النقض) بدل (النقوض). (¬4) أي الجبائي وهو الَّذي أجاز التقليد في مسائل الاجتهاد دون غيرها. (¬5) سقط من "أ، هـ" واحد لأنه.

الفصل الثالث في الاستفتاء

" الفصل الثالث" في الاستفتاء " المسألة الأولى" لا يجوز الاستفتاء إلَّا ممن يغلب على ظنه كونه مجتهدًا ورعًا وفاقًا، ويعلم ذلك بانتصابه للفتوى واجتماع المسلمين على سؤاله، فإن أفتاه إثنان بشيء واحد تعيَّن عليه، وإلَّا فقيل: يجب الاجتهاد في أعلمهم وأورعهم لأنه في أماراتهما كالمجتهد في أمارات الحكم، وقيل: لا، إذ علماء الأعصار لم ينكروا على العوام ترك ذلك. ثم إذا اجتهد فإن ظن الرجحان مطلقًا تعيَّن العمل به، وإن ظن الاستواء مطلقًا فإما أن يقال: لا يجوز وقوعه كاستواء أمارتي الحل والحرمة، أو إن وقع يسقط التكليف ويكون مخيرًا وإن ظن الاستواء في الدين دون العلم وجب تقليد الأعلم، وقيل: يتخير وإن ظن العكس وجب تقليد الأدين وإن ظن أحدهما أدين والآخر أعلم، فالأقرب ترجيح الأعلم لأنه مفيد الحكم علمه. " المسألة الثانية" الأقرب جواز الاستفتاء لعالمٍ غير مجتهد، والمجتهد إذا اجتهد وغلب على ظنه حكم لم يجز له تقليد مخالفة وفاقًا، وان لم يجتهد لم يجز له التقليد عند أكثر أصحابنا وجوزه أحمد (¬1) ............................... ¬

_ (¬1) هو أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الله الشَّيباني الواثلي إمام المذهب الحنبلي، ولد سنة أربع وستين ومائة، أصله من مرو وكان أبوه والي سرخس، ولد ببغداد ونشأ بها منكبًا على طلب العلم، وسافر في سبيله أسفارًا كثيرةً إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والثغور والمغرب والجزائر والعراقين وفارس وخراسان صنف المسند يحتوي على ثلاثين ألف =

............... وإسحاق بن راهويه (¬1) وسفيان (¬2) مطلقًا. وقيل يجوز لغير الصحابة تقليدهم دون غيرهم وهو القول القديم (¬3). وقيل: يجوز للعالم تقليد الأعلم فقط وهو قول محمد بن الحسن. وقيل: يجوز فيما يخصه دون ما يفتي به. وقيل: يجوز فيما يخصه إذا كان الوقت يفوت (¬4) بالاجتهاد وهو قول ابن سريج (¬5). لنا وجهان: أ - قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُواْ} ترك العمل به في العامي لعجزه. ب - القياس على التقليد في الأصول بجامع القدرة على الاحتراز عن الضرر المحتمل، ولا يفرق بأن المطلوب في الفروع الظن وأنه يحصل بالتقليد، لأن المطلوب الظن الأقوى وهو قادر عليه فلا يجوز تركه. فإن قيل: ما ذكرتم ينتقض بقضاء القاضي فإنه لا يجوز خلافه، ويجوز السؤال عن خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - للقادر على سؤاله. قلنا: لما دلَّ الدليل على أن ¬

_ = حديث، له كتب أخرى منها: الناسخ والمنسوخ والرد على من ادعى التناقض في القرآن وعلل الحديث والمسائل، امتحن في مسألة خلق القرآن في زمن المعتصم وضرب وسجن ثمانية وعشرين شهرًا، فصبر وتوفي سنة 238 هـ، له تراجم في: الأعلام 1/ 192، ابن عساكر 2/ 28، حلية الأولياء 9/ 225، صفوة الصفوة 2/ 190، وفيات الأعيان 1/ 17، تاريخ بغداد 2/ 414، البداية والنهاية 10/ 325، دائرة المعارف الإسلامية 1/ 491، وأفرد بكتب منها لمحمد أبي زهرة وابن الجوزي وغيرهم. (¬1) هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي ولد سنة 161 هـ أبو يعقوب بن راهويه عالم خراسان في عصره من سكان مرو. وهو أحد كبار الحفاظ، طاف البلاد لجمع الحديث أخذ الحديث عن البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وغيرهم، أثنى على علمه الدارمي صاحب السنن والخطيب البغدادي، استوطن بنيسابور وتوفي بها. لقب براهويه لأنه ولد في طريق مكة وراهويه باللغة الفارسية (ابن الطريق)، له ترجمة في: الأعلام 1/ 284، تهذيب التهذيب 1/ 216، ميزان الاعتدال 1/ 85، وفيات الأعيان 1/ 64، حلية الأولياء 9/ 234، طبقات الحنابلة 68، تاريخ بغداد 6/ 345. (¬2) هو سفيان الثوري من المحصول 2/ 3/ 115. (¬3) للشافعي. (¬4) سقط من "ب" يفوت. (¬5) في "هـ" ابن شريج.

قضاء القاضي لا ينقض، كان الإذعان له عملًا بذلك الدليل لا تقليداً والنقض الثاني (¬1) ممنوع. احتجوا (¬2) بوجوه: 1 - قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (¬3). ب- قوله تعالى: {أَطِيعُوا} (¬4) الآية والعلماء أولوا الأمر لنفاذ أمرهم على الولاة. جـ- قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} (¬5) الآية. د- قال (¬6) عبد الرحمن بن عوف لعثمان بمشهد من الصحابة رضي الله عنهم: (أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين فقال: نعم ولم ينكر أحد). وعلي رضي الله عنه لم ينكر جوازه بل لم يقبله (¬7) ونحن لا نقول بوجوبه. هـ- القياس على العامي بجامع العمل بالظن. و- القياس على قبول خبر الواحد. بل أولى لأنه أخبر بعد استفراغ وسعه. ز- الفتوى توجب الظن فجاز العمل به. والجواب عن: أ - النقض بما بعد الاجتهاد فإنه غير عالم أيضاً، ثم ما عنه السؤال غير مذكور فيحمل على السؤال عن وجه الدليل، ويؤيده عدم وجوب السؤال عن الحكم. ¬

_ (¬1) سقط من "أ، هـ" الثاني. (¬2) المجوزون مطلقاً. (¬3) [الأنبياء: 7]. (¬4) إشارة لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}. (¬5) [التوبة: 122]. (¬6) نقل الإمام الرازي هذا الدليل مقرراً إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك، ولكن القاضي الأرموي- رحمه الله- لم يَدَّع الإجماع وقد تقدم مثل هذا كثيراً وعبارة القاضي الأرموي أدق. (¬7) في "د" (تقليد) بدل (يقبله).

المسألة الثالثة

ب- أنه لا يعم كل طاعة فيحمل على الطاعة في الأقضية، ويؤيده عدم وجوب الطاعة في الحكم. جـ- أنه لا يعم كل إنذار فيحمل على الرواية. د- أن المراد طريقتهما في العدل والإنصاف. هـ- الفرق (¬1) بأن العامي عاجز (¬2). و- أن الاحتمال في التمسك بالخبر ابتداءً أقل. ز- أن ما ذكرنا من دليل السمع منع العمل به. " المسألة الثالثة" لا يجوز التقليد في أصول الدين خلافاً لبعض الفقهاء. لنا: أن تحصيل العلم فيها واجب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ} (¬3) فكذا علينا لقوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} (¬4). فإن قيل: يمتنع إيجاب العلم بالله تعالى لما تقدم في تكليف ما لا يطاق، ثم إنه معارض بأنه عليه الصلاة والسلام كان يحكم بالإسلام بكلمتي الشهادة، وما كان يسأل عن حدوث الأجسام وأن الصانع تعالى موجب أو مختار. وفي هذه المسألة أبحاث دقيقة مذكورة في الكلام. ومنهم من استدل بأن الواجب تقليد الحق، ولا يعرف حقيقته إلاَّ بالدليل وبعد معرفة الدليل لا يبقى التقليد، وهو منقوض بالتقليد في الفروع إذ لا يجوز التقليد إلاَّ في فتوى مبنية على دليل شرعي، ومتى عرفه انتفى التقليد. والأولى أن يقال: دل القرآن على ذم التقليد في الشرعيات، ولما جاز التقليد في الفروع انصرف إلى الأصول. ¬

_ (¬1) سقط من "ب, جـ, د" الفرق. (¬2) خلاصة هذا الدليل أنه يفرق بين العامي والمجتهد، بأن العامي عاجز عن العلم بالحكم بخلاف المجتهد فإنه يتمكن من العلم بالحكم. (¬3) إشارة لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}. (¬4) [الأنعام: 153].

الكلام في أدلة مختلف فيها

الكلام في أدلة مختلف فيها

المسألة الأولى

" المسألة الأولى" الأصل في المنافع الإذن لوجوه: أ- قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (¬1) واللام للاختصاص بجهة الانتفاع. وقال تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (¬2). وقال عليه الصلاة والسلام: "النظرة الأولى لك والثانية عليك" (¬3). وقال عليه الصلاة والسلام: "له غنمه وعليه (¬4) غرمه" (¬5). ويقال هذا الكلام لك وهذا عليك. فإن قيل: إنه مستعمل في غير الاختصاص النافع. قال الله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (¬6) وقال تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} (¬7) ولأن النحاة قالوا: إنَّه للتمليك ثم إنَّه لا يعم كل نفع (¬8)، فيحمل على الانتفاع بالاستدلال به على الصانع، وإن عم فإنما يعمُ النفع بالخلق (¬9) لأنه دخل ¬

_ (¬1) [البقرة: 29]. (¬2) [البقرة: 286]. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والبيهقي في سننه عن بريدة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتبع النظر النظرة فإن الأولى لك وليس لك الأخرى". (فتح القدير للشوكاني 4/ 25). (¬4) سقط من "د" غرمه. (¬5) جزء من حديث رواه الشافعي مرسلًا ورواه ابن ماجة عن أبي هريرة وأوله: لا يغلق الرهن الرهن- انظر مشكاة المصابيح 2/ 105، والفتح الكبير 3/ 366. (¬6) [الإسراء: 7]. (¬7) [البقرة: 284]. (¬8) في "د" (يقع) بدل (نفع). (¬9) في "د" بالحق.

عليه، ثم إنّه قابل الجمع بالجمع فيقتضي مقابلة الفرد بالفرد، ثم إنَّ "في" للظرفية فيختص بالمعادن والركاز، وإن عمَّ ما على الأرض لكنه يتناوله حال الخلق ولا يمكن استصحاب الاختصاص لأنه عرض فلا يبقى. ثم أنه خطاب مشافهة فاختص بالحاضرين. ثم أنه معارض بقوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. والجواب (¬1) عن: أ- أنا لو جعلناه حقيقة في الاختصاص (¬2) النافع أمكن جعله مجازاً في الاختصاص ولا ينعكس فهو أولى. ب- أنهم (¬3) أرادوا بالملك الاختصاص النافع كقولهم: الجل للفرس. جـ- أن ذلك يحصل بالاستدلال بنفسه، فالحمل على غيره أولى. د- أن الخلق هو المخلوق لقوله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} (¬4). على أنه لا نفع (¬5) للمخلوق في صفة الله. هـ- أنه كقولهم: الدار لزيد وعمرو، وذلك (¬6) لا يقتضي اختصاص كل واحدٍ بجزءٍ معيَّن. و- أنه يتناول ما على الأرض لقوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (¬7). ز- أن الإباحة حكم الله تعالى وأنه واجب الدوام. ح- أنه عليه الصلاة والسلام حاكم بما حكم الله به وقال عليه السلام: ¬

_ (¬1) هذه الأجوبة عن الاعتراضات الواردة عليه الدليل الأول من أدلة من قال: إن الأصل في المنافع الإذن والاعتراضات لم ترد مرقمة، بل وردت قبل صفحة مبدوءة بقوله فإن قيل إنّه مستعمل في غير الاختصاص. (¬2) سقط من "د" من الاختصاص إلى الاختصاص. (¬3) أي النحاة أرادوا بقولهم: إن السلام للملك أنها للاختصاص، وإلاَّ نقض قولهم بقولهم الجل للفرس. (¬4) [لقمان: 11]. (¬5) في "ب، د" لا يقع بدل (لا نفع). (¬6) سقط من "جـ" وذلك لا يقتضي اختصاص كل واحد بجزء معيَّن. (¬7) [البقرة: 30].

"حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" (¬1). ب- قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} (¬2) أنكر حرمة زينة الله فوجب أن لا تكون حراماً (¬3)، ويلزم من انتفائها ثبوت الِإباحة. جـ - قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (¬4). د- أنه انتفاع لا ضرر فيه على المالك قطعاً لأنه هو الله تعالى، إذ ملك العبد لم يكن فيبقى على العلم. ولا على المنتفع ظاهراً فيباح (¬5) كالاستضاءة بسراج الغير والاستظلال بحائط خرج عنه المنهيات، لاشتمالها على ضرر المنتفع ظاهراً أما عندنا فمن العقاب وأما عندهم فمن نفس الفعل. فإن قيل: منع المالك من الاستضاءة قبحٌ ولا يقبح منع الله تعالى (¬6). قلنا: إنما يجب المساواة بين الأصل والفرع من الوجه المقصود. هـ- الله تعالى خلق الأعيان لمصلحة لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا (¬7) السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} (¬8). ولأن العبث لا يليق بالحكيم، وتلك المصلحة يعود نفعها إلى العبد المحتاج لاستحالة عودها إلى الله تعالى. وإذا كان المقصود نفع المحتاج، فلو منع إنما يمنع لاستلزامه ضرر محتاج آخر حالاً أو مالا وأنه خلاف الأصل. ¬

_ (¬1) تقدم تخريج الحديث في صفحة (1/ 363) من هذا الكتاب. (¬2) [الأعراف: 32]. (¬3) سقط من "ب, د، هـ" (حراماً) ووجودها هو الصواب لموافقة المحصول 2/ 3/ 139. (¬4) [المائدة: 5]. (¬5) سقط من "أ" فيباح. (¬6) يوجد في "جـ" بعد تعالى (من شيء) وفي "د" ولا يقبحُ من الله شيء. (¬7) في جميع النسخ والمحصول ما عدا "أ" (السموات) بدل (السماء) والسماء هو الصحيح. (¬8) [الأنبياء: 16].

المسألة الثانية

" المسألة الثانية" الأصل في المضار الحرمة، والضرر هو تألم القلب. يقال: أضرَّ به إِذا ضربه وشتمه وفوت منفعته، فيجعل حقيقة في مشترك دفعاً للاشتراك والمجاز، وهذا (¬1) مشترك فيجعل حقيقة فيه. إذ الأصل عدم مشترك سواه، ونعني (¬2) بتألم القلب حالة تحصل عند الغم والحزن، فإنهما إذا حصلا انعصر دم القب في الباطن بانعصار القب وانعصار العضو مؤلم. فإن قيل: تفويت المنفعة مشترك أيضاً وجعله حقيقةً فيه أولى، لأنه يقابل بالنفع ثم من خرق (¬3) إنسانٍ يقال أضر به كان لم (¬4) يشعر به وألم القلب موقوف على الشعور، ولأنه تعالى أخبر أن عبادة الأصنام لا تضرهم بقوله: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ (¬5) اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} (¬6). مع أنها تؤلم قلوبهم (¬7) يوم القيامة. والجواب (¬8) عن: أ- أنه لا يمكن (¬9) جعله حقيقة في تفويت (¬10) المنفعة لحصوله في البيع والهبة، ومقابلته بالنفع لا تضرنا فإن النفع هو اللذة أو ما هو وسيلة إِليها والضرر هو الألم أو ما يكون وسيلةً إِليه. ¬

_ (¬1) شارة إلى تألم القلب. (¬2) في "د" (معين) بدل (نعنى). (¬3) في "جـ" (أحرق) بدل (خرق). (¬4) سقط من "د" لم. (¬5) سقط من "ب، د" من دون الله. (¬6) [المائدة: 76]. والأية كانت (قل أفتعبدن) وفي المحصول 3/ 2/ 144: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ} [الأنبياء: 66]. (¬7) في جميع النسخ قلبهم. (¬8) هذه الأجوبة عن الاعتراضات الواردة على تعريف الضرر بتألم القلب، وهي لم ترد مرقمة بل وردت مبدوءة بقوله: فإن قيل: تفويت المنفعة مشتركة قبل خمسة أسطر. (¬9) في "هـ" (إن جعله) (بدل) إنه لا يمكن جعله. (¬10) في (تقوية) بدل (تفويت).

المسألة الثالثة

ب (¬1) - إنه إنما يقال ذلك لأنه إنما أوجد ما لو علمه لتألم قلبه. ب- أن المراد نفي المضرة في الدنيا. إذا عرفت هذا فالمعتمد في تحريم الضرر (¬2) قوله عليه السلام: "لا ضرر ولا إضرار في الِإسلام" (¬3) وتمامه سؤالاً وجواباً في الخلاف. " المسألة الثالثة" استصحاب الحال (¬4) حجة. وهو قول المزني وأبي بكر الصيرفي خلافاً للحنفية والمتكلمين. لنا: أن العلم بتحقق أمرٍ في الحال يقتضي ظن بقائه، لأن الحادث مفتقر إلى المؤثر وفاقاً والباقي مستغنى عنه. وإلاَّ فأثره إن كان موجوداً لزم تحصيل الحاصل، بمعنى أن (¬5) الحاصل قيل يصدق عليه أنه حصل الآن، وإلًا لزم كونه مؤثراً في الحادث والمستغني عن المؤثر راجح، لأنه يجب كون الوجود أولى به وإلاَّ افتقر إلى المؤثر والمفتقر (¬6) ليس كذلك، وإلاَّ لم يكن مفتقراً (¬7)، ولأن عدم المستغني لمانع وعدم المفتفر له ولعدم المقتضي وما يعدم بطريقٍ واحدٍ راجح الوجود والعمل بالظن واجب. فإن قيل: إن عنيتم باستغناء الباقي عن المؤثرات فناء بقائه عنه بطل (¬8) ¬

_ (¬1) هذا الجواب موجه للاعتراض الثاني: وهو أن خرق الثوب الذي لا يشعر به صاحبه يسمى ضرراً، ولكنه لعدم شعوره به لا يتألم، ولذا لا يصح تعريف الضرر بتألم القلب لعدم حدوثه في هذه الصورة، وجوابه أن المراد بأنه لو شعر به لحدث تألم القلب فهو من إطلاق السبب على المسبب. (¬2) سقط من "د" من قوله الضرر إلى وتمامه سؤالاً وجواباً. (¬3) تقدم تخريج الحديث في هامش صفحة (2/ 196) من هذا الكتاب. (¬4) عرفه الجرجاني بأنه: إبقاء ما كان على ما كان عليه لانعدام المغيِّر، التعريفات صفحة 17. (¬5) في "ب، جـ، د" إنما صدق عليه أنه حاصل قيل يصدق عليه. (¬6) في (د) (والمتفرق) بدل (المفتقر). (¬7) في "د" (متفرقاً) بدل (مفتقراً). (¬8) في "ب، د" لزم استغناء الحادث عن المؤثر لأنه لم يكن وفي "جـ، هـ" بطل عدم استغناء الحادث عن المؤثر، والعبارات الثلاث بمعنى واحد وعبارة المحصول 2/ 3/ 151 (فهو مناقض لقولكم الحادث مفتقر إلى المؤثر) وأقربها للمحصول عبارة "أ".

افتقار الحادث إلى المؤثر، لأنه لم يكن حال حدوثه ثم وجد بعده فهو حادث، وإن عنيت به غيره فبيَّن. ثم يقول: أثر المبقي هو البقاء وهو الحصول في زمان بعد حصوله قبله وأنه حادث. قوله يلزم أن يكون مؤثراً في الحادث لا في الباقي (¬1)، قلنا: بعد تحقق المعنى لا تضرنا العبارة ثم الباقي ممكن، إذ الإمكان من لوازم الماهية الممكنة وهو المحوج إلى المؤثر، لأن الحدوث كيفية الوجود فيتأخر عن الوجود المتأخر عن تأثير المؤثر فيه المتأخر عن الاحتياج إلى المؤثر المتأخر عن علته. فلو كان الحدوث علة أو جزءاً أو شرطاً لزمِ الدور، ثم إن عنيتَ بأولوية الوجود امتناع العلم فهو باطل جزماً، وإن عنيت به أمراً متوسطاً بين الإمكان والضرورة فهو باطل، لأن تلك الأولويَّة إذا صح معها الوجود والعدم فترجح أحدهما على الآخر إن لم يتوقف على شيء آخر ترجح الممكن لا لمرجح وإن توقف لم تكن تلك الأولوية كافية (¬2) في الرجحان. ثم لا نسلم أن تعدد طرق العلم يوجب رجحان الوجود، ثم نعارضه بأن الحصول في الزمان الثاني حادث والبقاء (¬3) يتوقف عليه فامتنع رجحان الباقي على الحادث، ثم نقول لا نعرف رجحان الوجود ما لم نعرف البقاء. فالاستدلال برجحان الوجود على البقاء دور، ثم ما ذكرتم معارض بالتسوية بين الوقتين في الحكم، لاشتراكهما في العلة قياس وبدونه تسوية بلا دليل. والجواب عن: أ- أن الذات الحاصلة في الزمانين واحدة، فإن حصل معها في الزمان الثاني ما لم يكن معها في الأول، كان الباقي هو الذات لا المتجدد فلا يقدح افتقار المتجدد إلى المؤثر في استغناء الباقي عنه، وإن لم يحصل معها ذلك لم يكن كونه باقياً حادثاً. ¬

_ (¬1) في "أ، جـ" (النافي) بدل (الباقي). (¬2) في "د" (كان) بدل (كافية). (¬3) في "ب، د" (الباقي) بدل (البقاء).

ب- أن البقاء لو كان زائداً على الذات وكان باقياً (¬1)، لزم التسلسل ولو كان حادثاً كان تأثير المؤثر في الحادث لا في الباقي. جـ- أن شرط الافتقار كونه بحيث لو وقع بالمؤثر لكان حادثاً، وهذه الحيثية سابقة. د- أن ترجح أحد المتساويين بلا مرجح، إنما يمتنع بشرط الحدوث. هـ- أن عدم الحادث أكثر من عدم الباقي، لأنه يصدق على ما لا نهاية له أنه لم يحدث، وعدم الباقي متوقف على الوجود المتناهي والكثرة توجب الظن وهذا يمكن التمسك به ابتداء. و- أن البقاء ليس أمراً زائداً، سلمنا لكن الحادث (¬2) مرجوح من حيث الوجود وكون حصول الوجود في الزمان الأول، والباقي مرجوح من حيث حصول الوجود في الزمان الثاني. ز- أنا نعرف رجحان الوجود في الزمان الثاني بمجرد العلم بوجوده في الحال. ح- أن التسوية بينهما لما ذكرنا من الدليل. واعلم أن الاستصحاب ضروري في أصل الشرع لتوقف إثبات النبوة على خرق العادة التي معناها: أن العلم بوقوع شيء على وجهٍ في الحال يقتضي ظن (¬3) أنه لو وقع لوقع على ذلك الوجه، وفي فروعه لتوقفها على عدم النسخِ الموقوف على الاستصحاب دفعاً للتسلسل، ولاتفاق الفقهاء على أنه (¬4) من تيَقن شيئاً وشك في عدمه أخذ باليقين، وفي العرف فإن من ترك عياله في داره (¬5) على حالة ترجح عنده بقاؤهم عليها بل أكثر مصالح العالم مبنية (¬6) عليه. ¬

_ (¬1) سقط من "هـ" وكان باقياً. (¬2) يوجد في "أ، هـ" حدوث الحادث وعدم وجودها هو الصحيح، لأنها غير موجودة. (¬3) سقط من "أ" ظن. (¬4) في "هـ" (متى) بدل (من) والصواب (من) لأن شيئاً وردت منصوبة وإن كان المعنى واحداً. (¬5) سقط من "جـ" في داره. (¬6) في جميع النسخ مبني والصواب مبنية لأن الضمير راجح للمصالح.

المسألة الرابعة

" فرع" من قال النافي (¬1) لا دليل عليه إن أراد أن العلم بعدمه الأصلي (¬2) يوجب ظن دوامه، فهو ما قلنا وإن أراد به (¬3) أنه يعلم أو يظن بلا سبب فهو باطل. " المسألة الرابعة" (¬4) حد الكرخي الاستحسان (¬5): (بالعدول عن حكم في مسألةٍ بمثل حكمه في نظائرها إلى خلافه لوجهٍ أقوى). وهذا يوجب كون العدول عن العموم إلى الخصوص والمنسوخ إلى الناسخ استحساناً. وحده أبو الحسين بترك وجه من وجوه الاجتهاد لا يشمل شمول الألفاظ لوجهٍ أقوى، وهو كالطارئ على الأول (خرج بالأول التخصيص والنسخ، وبالثاني الحكم بأقوى القياسين، فإنه ليس في حكم الطارئ ولو كان في حكمه لكان استحساناً). لا يقال قال محمد بن الحسن (¬6): تركت الاستحسان للقياس كما لو قرأ آية سجدة في آخر سورة، فالقياس الاكتفاء بالركوع والاستحسان أن يسجد ثم يركع، لأنه إنما سماه استحساناً، لأن الاستحسان وحده وإن كان أقوى من القياس لكن انضم إلى القياس شيء آخر وترجح المجموع عليه. فإنه تعالى أقام الركوع مقام السجود في قوله تعالى: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (¬7) ¬

_ (¬1) في "هـ، ب" (الباقي) بدل (النافي). وقال محقق المحصول: إنه وقع في نسختين منه (الباقي). (¬2) في "أ"، بعدم الأصل. واخترنا اللفظ الأخر لموافقته للمحصول 2/ 3/ 165. (¬3) سقط من "ب، جـ، د" به. (¬4) نسب الإمام الرازي القول بالاستحسان للإمام أبي حنيفة- رحمه الله- كما نسبه غيره، ولكن الأرموي لم ينسب القول به لأحد المحصول 2/ 3/ 166. (¬5) وعرفه الجرجاني: (بترك القياس والأخذ بما هو أرفق للناس) التعريفات ص 13. (¬6) في جميع النسخ ما عدا "جـ" محمد بدون ابن الحسن. (¬7) [ص: 24].

المسألة الخامسة

وهذا يقتضي أن كون (¬1) جميع الشريعة استحساناً فوجب أن يزاد (¬2) فيه مغايرة ذلك الوجه للبراءة الأصلية (¬3). ثم إن أصحابنا أنكروا الاستحسان على الحنفية، والخلاف ليس في اللفظ لورود لفظ (¬4) الاستحسان في قوله تعالى: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} (¬5). وقوله تعالى: {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (¬6). وفي قوله عليه الصلاة والسلام: "ما رآه المسلمون حسناً" (¬7). وفي قول الشافعي في المتعة. (استحسن أن يكون ثلاثين درهماً). وفي الشفعة (استحسن أن يثبت للشفيع الشفعة إلى ثلاثة أيام). وفي المكاتَب (استحسن أن يترك عليه شيء) بِل في المعنى وهو أن القياس إذا كان قائماً في سورة الاستحسان متروكاً فيها ومعمولاً به في غيرها، لزم تخصيص العلة (¬8) وهو عندنا وعند (¬9) جمهور المحققين باطل فبطل الاستحسان. " المسألة الخامسة" قول الصحابي وحده ليس بحجة، وقيل: إنه حجة، وقيل: إن خالف القياس فهو حجة، وقيل: قول الشيخين حجة فقط، وقيل: قول الخلفاء الأربعة فقط. لنا: دلاثل منع التقليد وإجماع الصحابة على جواز مخالفة كل واحد، ولم ينكر الشيخان على مخالفهما ولا كل منهما على صاحبه. ¬

_ (¬1) سقط من "أ، ب" كون. (¬2) في "أ، ب" (يراد) بدل (يزاد). (¬3) فيصبح تعريف الاستحسان بعد اقتراح الرازي الزيادة، هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد مغاير للبراءة الأصلية والعمومات اللفظية لوجهٍ أقوى منه، وهو في حكم الطارئ على الأول. (¬4) سقط من "جـ" (لفظ الاستحسان). (¬5) [الأعراف: 145]. (¬6) [الزمر: 18]. (¬7) تقدم تخريج هذا الحديث في صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب. (¬8) في "د" (العام) بدل (العلة) (¬9) في جميع النسخ (عندنا وجمهور) وهذا العطف غير سليم فأضفت عند.

احتجوا (¬1) بوجوه: أ - قوله عليه السلام: "أصحابي كالنجوم" (¬2). ب- قوله عليه الصلاة والسلام: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" (¬3). وولى عبد الرحمن عثمان بشرط سيرة الشيخين فقبل بمحضر (¬4) أكابر الصحابة ولم ينكر عليه فكان إجماعاً. جـ- قوله عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" (¬5). د- أن الصحابة لا تخالف القياس إلاَّ للخبر. والجواب عن: أ- أن ذلك الخطاب لعله مع العوام (¬6). ب- أنا نقول بموجبه لتجويزهما لغيرهما مخالفتهما بموجب الاجتهاد، وأيضاً لو اختلفا فأيهما يتبع وقبول (¬7) عثمان معارض برد علي. جـ- أن السنة الطريقة وهي المواظب عليه لا المأتي به مرة واحدة. د- أنه لعله خالف لخبر ظنه دليلاً، نعآلو تعارض قياسان والصحابي مع أحدهما ترجح به. ¬

_ (¬1) أي القائلون بحجية قول الصحابي مطلقاً. (¬2) تقدم تخريج هذا الحديث في صفحة (2/ 61) من هذا الكتاب. (¬3) تقدم تخريج هذا الحديث في صفحة (2/ 72) من هذا الكتاب. (¬4) في "أ، د، هـ" زيادة وهي (ولم ينكر عليه وولي علي عثمان). (¬5) تقدم نخريج هذا الحديث في صفحة (2/ 72) من هذا الكتاب. (¬6) كان الأولى بالمصنف رد هذا الخبر لما تقدم من الكلام عليه، وهو عدم وصوله لدرجة الاحتجاج. (¬7) في "د" قبول عثمان يرد عليه علي وفي "أ" (قول) بدل (قبول).

" فرعان" الفرع الأول قال الشافعي في القديم يجوز تقليد الصحابي إذا انتشر قوله، ولم يخالف قوله (¬1) وقال في موضع: يقلد وإن لم ينتشر ومنع في الجديد مطلقا وهو الحق لما سبق، وثناء الله تعالى عليهم بقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2). وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} إلى قوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} (¬3). وثناء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "خير القرون قرني" (¬4). فيوجب حسن الاعتقاد فيهم دون وجوب تقليدهم، لأنه ورد مثله في آحاد الصحابة مع إجماع الصحابة على جواز مخالفتهم. وقال عليه الصلاة والسلام: "لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح" (¬5). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن ضرب بالحق على لسان عمر" (¬6). وقال عليه الصلاة والسلام: "والله ما سلكت فَجاً إلَاَّ وسلك الشيطان فجاً غير فجك" (¬7). وقال: "اللهم أدر الحق مع علي حيثما دار" (¬8). ¬

_ (¬1) قوله في "هـ" فقط. (¬2) [الفتح: 18]. (¬3) [التوبة: 100]. (¬4) تقدم تخريج هذا الحديث في صفحة (2/ 115) من هذا الكتاب. (¬5) رواه إسحاق بن راهويه والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن عمر من قوله وأخرجه ابن عدي والديلمي عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "لو وضع إيمان أبي بكر على إيمان هذه الأمة لرجح بها"، وله شواهد في السنن عن أبي بكرة. (كشف الخفا 2/ 167). (¬6) رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن أبي ذر وأحمد والترمذي عن ابن عمر وأبو يعلى والحاكم عن أبي هريرة والطبراني عن بلال ومعاوية، بلفظ: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" (كشف الخفا 1/ 223). (¬7) رواه البخاري وغيره، انظر فتح الباري 7/ 41. (¬8) أخرج الترمذي عن أبي حيان التميمي عن أبيه عن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رحم الله أبا بكر زوجني إبنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالاً من ماله، رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مراً تركه الحق وما له صديق، رحم الله عثمان تستحيه الملائكة، رحم الله علياً اللهم أدر الحق معه حيث دار". قال أبو عيسى الترمذي وهذا حديث غريب لا نعرفه إلاَّ من هذا =

وقال عليه الصلاة والسلام: "رضيت لأمتي ما رضى لها ابن أم عبد" (¬1). وقال عليه الصلاة والسلام لأبي بكر وعمر: "لو اجتمعتما على شيء ما خالفتكما" (¬2). " الفرع الثاني" في تفاريع القديم وهي سبعة (¬3) أ- روي عن علي أنه صلى في ليلة ست ركعات في كل ركعة ست سجدات، فقال الشافعي (¬4): لو ثبت ذلك عنه لقلت به إذ لا مجال للقياس فيه فالظاهر فعله توقيفاً. ب- قال (¬5) في موضع قول الصحابي إذا انتشر ولم يُخالَف حجة، فضعفه الغزالي (¬6) بأن السكوت ليس بقول فلا فرق. والعجب أنه أثبت القطع بخبر الواحد والقياس بمثل هذا الِإجماع. جـ- نص أن الصحابة إذا اختلفت فقول الأربعة (¬7)، فإن اختلفوا فقول الشيخين. د- نص أنه يجب الترجيح بقول الأعلم والأكثر قياساً. ¬

_ = الوجه والمختار بن نافع شيخ بصري كثير الغرائب. وأبو حيان التميمي اسمه يحيى بن سعيد ابن حيان التميمي كوفي ثقة (الترمذي 5/ 633). (¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك عن زيد بن وهب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد". وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قلتُ: وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود الهذلي تقدمت ترجمته في صفحة (2/ 38) من هذا الكتاب (المستدرك 3/ 318، 319). (¬2) رواه الطبراني في الأوسط بلفظ: (لولا أنكما تختلفان ما خالفتكما) وفيه حبيب بن أبي حبيب متروك. رواه أحمد برجال ثقات بلفظ: (لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما) وورد جزءاً من قصة أسارى بدر بلفظ: (لو اجتمعتما ما عصيتكما) مجمع الزوائد 9/ 52، 53، 68. (¬3) في جمبع النسخ "ب". (¬4) الشافعي في "هـ" فقط. (¬5) في كتاب اختلاف الحديث على ما في المستصفى ص 246. (¬6) انظر المستصفى ص 243. (¬7) في "هـ" الأربعة أولى.

المسألة السادسة

هـ- إذا اختلف الحكم والفتوى رجّح مرةً الحكم، إذ الاعتناء به أشد وأخرى الفتوى إذ السكوت عن الحكم يحمل على الطاعة. و- في ترجيح أحد القياسين يقول الصحابي نظر، إذ ربما ظن المجتهد يقول الصحابي. ز- إذا حمل الصحابي الخبر على أحد معنييه قبل ترجيحه، وقال القاضي أبو بكر: (إن لم (¬1) يقل عرفت من قصده عليه السلام بقرينة لم يكن ترجيحاً). " المسألة السادسة" قطع مويس بن عمران (¬2) بجواز قول الله تعالى: أحكم فإنك لا تحكم إلاَّ بالحق. وقطع المعتزلة بامتناعه وتوقف فيه الشافعي وهو المختار. احتج المانعون على امتناعه بوجوه: أ- لو جاز هذا التكليف فإن تمت المصلحة باختيار المكلف، لم يكن ذلك تكليفاً بل إباحة إذ يصير معناه، إن اخترته فأفعل وإلاَّ فلا، أو يكون تكليفاً بما لا يمكنه الانفكاك عنه وهو الفعل أو الترك، وإن كان الفعل مصلحة قبل اختيار المكلف لكان مكلفاً بالِإصابة الاتفاقية في أشياء كثيرة، إذ لا فرق بين القليل والكثير وفاقاً وهوِ محال. وإلًا لجاز أن يقال للأمي: اكتب المصحف فإنك لا تكتب إلَا على ترتيب القرآن. وأن يقال: أخبر فإنك لا تخبر إلاَّ صدقاً. ¬

_ (¬1) سقط من "أ، ب" أن. (¬2) هو مويس بن عمران- وليس موسى بن عمران كما ورد في جميع النسخ تبعاً للمحصول- يكنى أبا عمران معتزلي من الطبقة السابعة واسع العلم في الكلام والفتيا. وكان يقول بالِإرجاء وله مذهب في الفتيا، حكاه الجاحظ ومن آرائه أنه يجوز أن يُفوض الله تعالى الأحكام للنبي - صلى الله عليه وسلم - وعلماء أمته إذا علم أنهم مصيبون. (انظر فضل الاعتزال وطبقات الاعتزال) للمؤلفين أبي القاسم البلخي والقاضي عبد الجبار والحاكم الجشمي.

ب- ولكان مكلفاً بالفعل قبل العلم بحسنه وهو محال، إذ قصد الفعل إنما يحسن إذا علم حسنه، وقوله: افعل فإنك لا تفعل إلَاَ الحسن يقتضي أن يكون المميز بين الحسن والقبيح فعله وبعد الفعل يسقط التكليف. جـ- ولجاز ذلك في تصديق الأنبياء وتكذيب المتنبئين، وفي الأخبار ومسائل الأصول وتبليغ الأحكام بلا وحي. واحتجوا على عدم وقوعه بوجهين: أ- لو أمر عليه الصلاة والسلام بذلك لما نهى- عن اتباع هواه، إذ لا معنى له إلا الحكم على وفق إرادته. ولا يقال: لما أمر عليه الصلاة والسلام بذلك لم يكن الحكم على وفق إرادته اتباعاً للهوى، لأنه حينئذٍ يمتنع اتباعه للهوى وذلك يمنع نهيه عنه. ب- ولما قيل له مثلاً: {لِمَ أَذِنْتَ} (¬1). واحتج مويس على وقوعه في حقه عليه الصلاة والسلام بأمور: أ- نادى مناديه يوم فتح مكة أن اقتلوا مقيس (¬2) بن حبابة وابن أبي سرح (¬3)، ¬

_ (¬1) إشارة لقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43]. (¬2) هو مقيس بن حبابة كما في الإصابة في ترجمة عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وفي سيرة ابن هشام كذلك وفي هامش سيرة ابن هشام، قيل ابن ضبابة وقيل ابن صبابة، وجده حزن بن يسار الكناني القرشي، شاعر اشتهر في الجاهلية بأنه حرم على نفسه الخمر، شهد بدراً مع المشركين ونحر على مائها تسعاً من الإبل، اسم أخيه هشام فقتله رجل من الأنصار خطأ فأمر الرسول بإخراج ديته، وقدم مقيس من مكة فاظهر الإسلام فقبض الدية وتربص بقاتل أخيه فقتله، وارتد ولحق بقريش فأهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه، فقتله نميلة بن عبد الله الليثي يوم فتح مكة بين الصفا والمروة فانشدت أخته في قتله: لعمري لقد أخزى نميلة رهطه ... وفجع أضياف الشتاء بمقيس فلله عيناً من رأى مثل مقيس ... إذا النفساء أصبحت لم تخرس له ترجمة في تاج العروس للزبيدي طبع دار صادر بيروت سنة 1386 هـ. 4/ 331، سيرة ابن هشام الطبعة الحلبية 4/ 52. (¬3) في " هـ" ابن أبي شريح.

وإن وجدتموهما متعلقين بأستار الكعبة، ثم عفى عن ابن أبي سرح بشفاعة عثمان (¬1). ب- قال يوم الفتح: إنَ الله حرِم مكة يوم خلق السموات والأرض لا يختلى خلاها. فقال: العباس إلاَّ الأذخر. فقال: إلاَّ الأذخر (¬2) (ولم يكونا بالوحي لعدم ظهور علامته). ب- نادى مناديه: (لا هجرة بعد الفتح حتى استفاض، فأقبل "جاشع بن مسعود (¬3) بالعباس شفيعاً) (¬4) لجعله مهاجراً بعد الفتح، فقال: (اشفَع عمي ولا هجرة بعد الفتح). ¬

_ (¬1) هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري يكنى أبا يحيى، أخو عثمان بن عفان من الرضاعة أسلم قبل الفتح وهاجر، وكان كاتب وحي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأزله الشيطان فارتد فأهدر دمه في أربعة نفرٍ وامرأتين هم عكرمة بن أبي جهل وابن خطل ومقيس بن حبابة وابن أبي سرح وجاريتان، تشفع له أخوه عثمان بعد أن أخفاه فشفع له رسول الله بعد تردد رغبة في أن يقتله أحد الصحابة، ثم بايعه - صلى الله عليه وسلم - وحسن إسلامه ولم يظهر منه شيء ينكر عليه بعد ذلك، اشترك في فتح مصر في جيش عمرو بن العاص، ولاه عمر الصعيد ثم ضم له عثمان باقي مصر بعد عزل عمرو بن العاص، ولما وقعت الفتنة توجه للمدينة فبلغه مقتل عثمان فرجع إلى مصر فمنع من دخولها فرجع إلى عسقلان بفلسطين فبقي فيها حتى مات سنة 36 هـ أو 37 هـ، ولم يبايع لعلي ولا لمعاوية وذكر ابن منده أنه شهد صفين وبقي حتى سنة 57 هـ، والله أعلم. الإصابة 4/ 77، الاستيعاب 918، سيرة ابن هشام 4/ 52. (¬2) متفق عليه. فتح الباري 4/ 316، نصب الراية 3/ 143. (¬3) هو مجاشع بن مسعود بن ثعلبة بن وهب بن عابد بن ربيعة السلمي قال البخاري وغيره. له صحبة وله رواية في الصحيحين وغيرهما. روى عنه أبو عثمان النهدي وكلب بن شهاب، تزوج سمية بنت أبي حيوة الدوسية فقتل عنها يوم الجمل، فخلفه عليها عبد الله بن عباس- الإصابة 6/ 42، الا ستيعاب 1457. (¬4) بهذا اللفظ لم أعثر عليه رغم البحث الشديد في معظم كتب السنة، والذي وجدته أن قصة الشفاعة وقعت مع صفوان بن عبد الرحمن وليست مع مجاشع والذي ورد بالنسبة لمجاشع كما روي في البخاري وفي مسلم في باب المبايعة في فتح مكة عن أبي عثمان النهدي، قال حدثني مجاشع بن مسعود السلمي قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أبايعه على الهجرة. فقال: "إن الهجرة قد مضت لأهلها ولكن على الإسلام والجهاد والخير". وأما ما وجدته بالنسبة لصفوان بن عبد الرحمن القرشي أنه روى ابن ماجة في سننه في كتاب الكفارات، باب إبرار القسم عن صفوان بن عبد الرحمن القرشي، قال: لما كان يوم الفتح جاء بأبيه، فقال: يا رسول الله اجعل لأبي نصيبًا من الهجرة، فقال: إنه لا هجرة، فانطلق فدخل على العباس فقال: قد عرفتني، فقال: أجل. فخرج العباس في قميص ليس =

د- لما قتل النضر (¬1) بن الحارث أنشدت إبنته: أمحمد ولأنت ضنو نجية ... من (¬2) قومها والفحل فحل معرق ما كان (¬3) ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق فقال عليه الصلاة والسلام: أما أني لو سمعت شعرها ما قتلته. هـ- قوله عليه الصلاة والسلام: "عفوت (¬4) لكم عن الخيل والرقيق" (¬5). و- قال عليه الصلاة والسلام: يا أيها الناس: كتب عليكم الحج فحجوا (¬6) ¬

_ = عليه رداء. فقال: يا رسول الله، قد عرفت فلانًا والذي بيننا وبينه وجاء بأبيه لتبايعه على الهجرة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه لا هجرة فقال العباس: أقسمت عليك. فمد النبي - صلى الله عليه وسلم - يده فقال: أبررت عمي ولا هجرة". (¬1) هو النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف من بني عبد الدار من قريش، صاحب لواء المشركين ببدر وابن خالة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كان من شجعان قريش وفرسانها، له اطلاع على كتب الفرس وأخبارهم وغيرهم، بالغ في إيذاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان كلما جلس الرسول للتحديث جلس النضر يحدث قريشاً بأخبار الأمم السابقة وملوك الفرس، ويقول: أنا أحسن من محمد حديثاً، أُسر في معركة بدر وأمر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقتل على مقربةٍ من المدينة، وصاحبة الأبيات قيل هي بنته وقيل أخته قتيلة، وهي من المسلمات ووردت هذه الأبيات في الإصابة في ترجمة قتيلة، وفي البيان والتبيين للجاحظ. وأوردها ابن هشام في سيرته 3/ 42، وهذان البيتان من وسط قصيدة مطلعها: يا راكباً إن الأثيل مظنة ... من صبح خامسة وأنت موفق انظر: الأعلام 9/ 357، الإصابة رقم 889، الكامل لابن الأثير 2/ 26، معجم البلدان 1/ 112، نهاية الأرب للنويري 16/ 219. (¬2) في "أ، ب، جـ" (في) بدل (من). (¬3) في "هـ" (ماذا ضرك) بدل (ما كان ضرك). (¬4) في "هـ" (غفرت) بدل (عفوت). (¬5) رواه الترمذي وأبو داود والطبراني في الصغير والأوسط بلفظ: (قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق) وأصل الحديث متفق عليه بلفظ: (ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه) مشكاة المصابيح 1/ 567، مجمع الزوائد 3/ 69. (¬6) سقط من "جـ د، هـ" فحجوا.

فقال الأقرع (¬1) بن حابس: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً (¬2)، فلما أعاد قال: "والذي نفسي بيده لو قلتُ نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم (¬3) دعوني ما ودعتكم" (¬4). ز- أخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ذات ليلة فخرج ورأسه يقطر فقال: "لولا أن أشق على أمتي لجعلت وقت هذه الصلاة هذا الحين" (¬5). ح- قال عليه الصلاة والسلام: "إني عسيت إن شاء الله أن أنهى أمتي أن (¬6) يسموا نافعاً وأفلح وبركة" (¬7). ط- لما قيل له - صلى الله عليه وسلم - إن ماعزاً (¬8) رجم قال: "لو تركتموه حتى أنظر في أمره" (¬9). ¬

_ (¬1) هو الأقرع بن حابس بن عقال التميمي المجاشعي الدارمي. أحد المؤلفة قلوبهم قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أشراف بني تميم ومعه عيينة بن محصن والزبرقان بن بدر. فقال الأقرع بن حابس: يا محمد أخرج الينا نفاخرك فنزل بسببه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} شهد مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة وحنيناً والطائف، وهو الذي قال عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحمق مطاع" قيل: إنه قتل في اليرموك واسمه فراس والأقرع لقب له. (الإصابة 1/ 59، الاستيعاب 103). (¬2) سقط من "جـ د، هـ" حتى قالها ثلاثاً تبعأ للمحصول. (¬3) في "أ، هـ" والمحصول 2/ 3/ 197 لما قمتم بها- ولفظ مسلم لما استطعتم. (¬4) رواه مسلم بلفظ قريب من هذا، ولكن لم يصرح باسم الأقرع بن حابس والتصريح باسمه ورد في سنن ابن ماجة وأبي داود ورواه أيضاً النسائي وأحمد (انظر مسلم 4/ 102، نصب الراية 3/ 21، أبا داود 2/ 139، بلوغ المرام 86). (¬5) رواه مسلم بلفظ: (اعتم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة بالعشاء حتى ذهب عامة الليل ثم خرج فصلى وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي) بلوغ المرام ص 19. (¬6) سقط من "أ" أن (¬7) رواه مسلم عن جابر بلفظ: (أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينهى عن أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع وبنحو ذلك ثم سكت بعد عنها ثم قبض ولم ينه عن ذلك) مشكاة المصابيح 2/ 565. (¬8) هو ماعز بن مالك الأسلمي معدود في المدنيين- كتب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاباً بإسلام قومه، وهو الذى جاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - معترفاً بالزنا تائباً فرجم، وخبره في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد وغيرهم، وفي بعض ألفاظه قال - صلى الله عليه وسلم -: لقد تاب توبةً لو تابها طائفة من أمتي كفتهم، قيل إن ماعزاً لقب واسمه غريب، الاستيعاب 1345، الإصابة 6/ 16. (¬9) أخرج أبو داود من حديث يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال: كان ماعز بن مالك يتيماً في حجر أبي فأصاب جارية في الحي، وفي الحديث لما رجم وجد من الحجارة جزع فخرج =

ي- قوله عليه الصلاة والسلام: "كنت" (¬1) نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها" (¬2). واحتج على وقوعه في حق غيره بقوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} (¬3). واحتج على الجواز (¬4) فقط بوجوه: أ- الواجب في خصال الكفارة واحدة، وقد فوضها إلى اختيار المكلف لما علم أنه لا يختار إلاَّ الواجب. ب- الواجب في التكليف تمكن المكلف الخروج عن العهدة، وأنه حاصل في هذا التكليف. جـ- لا فرق بين المتنازع وبين قوله: خذ بقول أي المفتيين (¬5) شئت. فإنك لا تفعل إلاَّ بالصواب إذا أفتى أحدهما بالحظر والآخر بالإباحة. والجواب عن أدلة الإمتناع: أنها مبنية على رعاية المصلحة، ونحن نمنعها وبعد تقدير (¬6) التسليم فالجواب عن: أ- منع امتناع القسم الأول فإن معنى هذا التكليف أنك إن اخترت الفعل فأحكم على الأمة بالفعل، وإن اخترت الترك فبالترك وذلك (¬7) ليس إباحة ولا تكليفاً بما لا يمكنه الانفكاك عنه. ثم إنه يُشْكِلُ بما إذا أفتى أحد المفتيَيْن المتساوَييْن بالحظر والآخر بالإباحة. ¬

_ = يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس فنزع له بوظيف فرماه فقتله، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له فقال: هلا تركتموه لعله يتوب الله عليه، قال ابن حجر: إسناده حسن وأصل الحديث في الصحيحين وإنما أوردنا لفظ أبي داود، لأن الشاهد وهو قوله "هلا تركتموه" موجود فيه فقط تلخيص الحبير 4/ 58. (¬1) سقط من "د" كنت. (¬2) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 284) من هذا الكتاب. (¬3) [آل عمران: 93]. (¬4). في "د" (الجواب) بدل (الجواز). (¬5) في "أ" المعنيين. (¬6) سقط من "ب، جـ، د" تقدير. (¬7) في "د، هـ" (تلك) بدل (ذلك).

ثم بمنع امتناع القسم الثاني وجواز الإصابة مرةً يفيد جوازها مراراً إذ حكم الشيء حكم مثله، والأمثلة المذكورة إن لم يكن بينها وبين المتنازع فرق منعنا الحكم فيها، وإن كان امتنع القياس على أن القياس لا يفيد اليقين، سلمنا أن الاتفاق بجميع جهاته لا يتكرر. لكن (¬1) ههنا اتفاق من حيث المصلحة ومعلوم السبب من حيث إنه جعل بحيث (¬2) لا يتأتى إلاَّ بالمصلحة، ثم الِإجماع على عدم الفرق بين القليل والكثير ممنوع. ب- بتفسير هذا التكليف (¬3) والنقض (¬4) المذكورين، وبأنه إنما (¬5) يجب تقدم التمييز بين الحُسنِ والقُبحِ أمناً لنا من فعل القبيح وأنه آمن دونه. جـ- منع امتناع اللوازم. وعن: وجهي عدم الوقوع: أن النهي عن اتباع الهوى لعله تقدم على هذا القول. وعن (¬6): الوجوه العشرة أنه (¬7) ربما تقدم وحي شرطي كقوله: إن استثنى أحدٌ شيئاً فاستثنِ ذلك أو كان ذلك بالاجتهاد. وعن (¬8): قوله: {إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ} (¬9) إنه قد يجوز التحريم بالنذر في شرعهم فحرم به أو بالاجتهاد. وعن: أول وجوه الجواز: منع أن الواجب واحدة متعينة. وعن (¬10) الباقيين: أن القياس لا يفيد اليقين. ¬

_ (¬1) سقط من "د" لكن. (¬2) سقط من "أ، جـ، د" بحيث. (¬3) في "أ" فقط: (وهو ما تقدم من الجواب على الوجه الأول) ولعلها عبارة تفسيرية (انظر المحصول 2/ 3/ 205). (¬4) في "د" (نقيض) بدل (نقض). (¬5) سقط من "أ" تقدم. (¬6) وهي التي احتج بها مويس بن عمران على وقوعه في حقه عليه السلام. (¬7) في "هـ " لعله ربما. (¬8) وهو الدليل على وقوعه في حق غيره عليه السلام. (¬9) [آل عمران: 93]. (¬10) سقط من "د" عن الباقيين.

المسألة السابعة

" المسألة السابعة" مذهب الشافعي جواز الأخذ بأقل ما قيل إذا كان قولًا لكل الأمة، ولم يوجد دليل سمعي على الأكثر، وهو تمسك بالإجماع على وجوب الأقل وبالبراءة الأصلية على نفي الزائد خرج بالقيد الأول ما إذا أوجب مثلًا بعضهم في اليهودي، مثل دية المسلم وبعضهمِ نصفها وبعضهم ربعها والباقون لا يوجبون شيئاً، فإن وجوب الربع ليس قولًا لكل الأمة. وبالثاني: قول بعضهم بوجوب غسل ولوغ الكلب سبعاً، وقول (¬1) الباقين ثلاثاً لوجود دليل سمعي على الأكثر. فإن قيل: لما اشتغلت الذمة بشيء لم تحصل (¬2) البراءة يقيناً إلًا بالأكثر فوجب. قلنا: لا تشغل الذمة بالزائد إلا بدليل سمعي، وإلاَّ لزم تكليف ما لا يطاق ولم يوجد، وأيضاً لما تعبدنا بالبراءة الأصلية عند عدم السمع عرفنا البراءة عن الزيادة. " المسألة الثامنة" قيل: يجب الأخذ بأخف القولين بالنافي للعسر والحرج والضرر، ولأن الله تعالى غني كريم والعبد محتاج فالتحامل عليه أولى، وهذا يرجع إلى أن الأصل في المنفعة الإذن وفي المضرة المنع وقد تقدم. ولو (¬3) قيل: الأخذ بالأخف أخذ بالأقل. قلنا: الأخذ بالأقل شرط تقدم. وقيل: يجب الأخذ بالأثقل لقوله عليه الصلاة والسلام: "الحق ثقيل مرئ والباطل خفيف وبيء" (¬4). ¬

_ (¬1) في "هـ" (ترك) بدل (قول). (¬2) في "أ" (لم تجعل) بدل (لم تحصل). (¬3) في "د" (قد) بدل (لو). (¬4) رواه ابن عبد البر بلفظ: (الحق ثقيل فمن قصر عنه عجز، ومن جاوزه ظلم ومن انتهى إليه =

المسألة التاسعة

وجوابه: إن المهملة لا تفيد الكلية. تنبيه: طريقة الاحتياط إما الأخذ بأقل ما قيل أو بأكثره فلا يفرد بالذكر. " المسألة التاسعة" الاستقراء (¬1) الناقص لا يفيد اليقين لجواز أن يكون حكم نوع من جنس مخالفاً لغيره، والأظهر أنه لا يفيد الظن إلاَّ لمنفصل. وحيث يفيده فهو حجة لقوله عليه السلام: "اقض (¬2) بالظاهر" (¬3). " المسألة العاشرة" المصلحة إن شهد الشارع باعتبارها فهي (¬4) القياس، أو ببطلانها كما يقال للملك المفطر في نهار رمضان صم لكون الصوم عليه أشق من العتق، وهذا لا يجوز لأنه عدول عن حكم الله تعالى وتسقط الثقة عن فتوى العلماء، أو لا يشهد بواحدٍ منها ويسمى بالمصالح المرسلة. ثم قال الغزالي (¬5): الواقعة في محل الحاجة والتتمة لا يجوز التمسك بها، والواقعة في محل الضرورة لا يبعد جواز التمسك بها، إذا كانت قطعيةً ¬

_ = فقد اكتفى) ونقله ابن مفلح في الآداب بلفظ: (الحق ثقيل رحم الله عمر بن الخطاب تركه الحق ليس له صديق) - انظر كشف الخفا 1/ 362. (¬1) الاستقراء الناقص: هو إثبات الحكم في كلي لثبوته في بعض جزئياته، ومثاله قول بعض الشافعية في الوتر أنه ليس بواجب، لأنه يؤدى على الراحلة ولا شيء من الواجب بؤدى على الراحلة، أما المقدمة الأولى فثابتة بالإجماع، أما الثانية فيإثباتها بالاستقراء وهو أنا رأينا القضاء والأداء وسائر أصناف الواجبات لا تؤدى على الراحلة، فحكمنا على كل واجب بأنه لا يؤدى على الراحلة، وهذا النوع لا يفيد اليقين لأنه يحتمل أن يكون حكم بعض أنواع جنس مخالفاً لحكم النوع الآخر من ذلك الجنس. (¬2) سقط من "د" اقض. (¬3) تقدم تخريج هذا الحديث في صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب. (¬4) في جميع النسخ فهو والأفضل فهي لأن الضمير راجع للمصلحة. (¬5) خلاصة كلام الإمام الغزالي في المصلحة المرسلة: أن المصالح تنقسم إلى ثلاثة أقسام: =

كليةً كما إذا تترس الكفار بالمسلمين، ولو كففنا عن الترس لاستولوا على المسلمين فقتلوهم وقتلوا الترس. خرج بالقيد الأول ما إذا لم يقطع بتسلط الكفار لو لم يقصد الترس (¬1)، وقطع المضطر قطعةً من فخذه. وبالثاني: إذا تترسوا في قلعة. وطرح (¬2) واحدٍ من السفينة المشرفة على الهلاك. وقال مالك: يجوز التمسك بالمصلحة المرسلة محتجاً بأن الحكم إن اشتمل على المصلحة الخالصة (¬3) أو الراجحة وجب شرعيته، لأن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير، وإن اشتمل على المفسدة الخالصة أو الراجحة لم يكن مشروعاً، إذ يجب بالضرورة دفع المفسدة الراجحة، وإن اشتمل على المصلحة المساوية (¬4) أو لم يشتمل على مصلحةٍ ولا مفسدةٍ فكذلك لكونه عبثاً (¬5). وكل حكم داخل تحت هذه الأقسام فثبت أن كل ¬

_ = 1 - ما شهد الشرع باعتباره فهو القياس. 2 - وما شهد الشرع ببطلانه، وهو مثل الحكم على الملك المجامع في نهار رمضان بصيام شهرين، لأنه عليه أشق من عدم أمره بالعتق. 3 - والقسم الثالث وهو الذي يسمى بالمصلحة المرسلة، وهو ما لم يشهد الشرع باعتباره او بطلانه، وهذا يقول به الغزالي رحمه الله بثلاثة شروط. أ- أن تكون من باب الضروريات لا الحاجيات والتحسينيات. ب- أن تكون قطعية فلا تعتبر الظنية، كقطع المضطر قطعةً من فخذه لأنه لا نقطع بنجاته بهذا. جـ- أن تكون كليَّة: أي إنّه لا يجوز القاء رجل من السفينة المشرفة على الغرق، لأنها ليست كلية والمثال الجامع لهذه الشروط الثلاثة. هو إذا تترس الكفار بجماعةٍ من اسارى المسملين لو كف عنهم لاستولوا على ديار الإسلام، وقتلوا كافة المسلمين ولو رموا لقتل بعض الأسارى المسلمين. فهذه من باب الضروريات وقطعية وكلية وقد أطنب حجة الإسلام- رحمه الله- في توضيحها في المستصفى من صفحة 250 - 259 (¬1) سقط من "ب" الترس وفي "د" سقط "لو". (¬2) في "د" بطرح. (¬3) في "هـ" الحاصلة. (¬4) في "هـ" المتساوية. (¬5) في "أ، ب، جـ" (عيبا) بدل (عبثا).

المسألة الحادية عشرة

مناسبة يشهد الشرع باعتبارها بحسب جنسها البعيد. فليكن حجته المنقول (¬1) والمعقول المذكورين في القياس، ولأنا نعلم بالضرورة أن الصحابة ما كانوا يلتفتون إلى الشرائط التي يعتبرها فقهاء الزمان بل كانوا يراعون (¬2) المصلحة. " المسألة الحادية عشرة" من الفقهاء من يستدل على عدم (¬3) الحكم بأن الحكم الشرعي لا بد له من دليل، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق والدليل إما نص أو إجماع أو قياس لقصة معاذ. خولف في الِإجماع لمنفصل ولأن الأصل عدم ما سواها، ولأن ما سواها في الأمور العظام لوجوب الرجوع عنه شرعاً دائماً نفياً وإثباتاً، وشهرة مثله واجبة ولا نص لأنا لم نجده بعد البحث وهذا يكفي للمجتهد والمناظر تلوه، ولأنه لو وجد لعرفه الخصم ظاهرًا أو لما حَكَمَ بخلافه ظاهراً ولا إجماع (¬4) مع وجود الخلاف، ولا قياس لقيام الفرق بين الأصل الفلاني وبين الفرع. ولا أصل (¬5) سواه لعدم الوجدان بعد الطلب (¬6) وبالأصل، وهذا التقرير (¬7) يتوقف على أن عدم الوجدان بعد الطلب (¬8) يدل على العلم وعلى التمسك (¬9) بالأصل. ولو صح هذان لكفى أن يقال: الحكم لا بد له من دليل ولا دليل لهذين الوجهين فهو إذن أولى. ¬

_ (¬1) والمقصود بالمنقول قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} وغيرها من الأحاديث والمراد بالمعقول، هو أن العقل يقتضي ترجيح الراجح على المرجوح، وتحصيل المصلحة ودفع المفسدة. (¬2) سقط من "أ، هـ" كانوا. (¬3) في "أ" (علوم) بدل (عدم) وسقط من "هـ" على عدم الحكم. (¬4) في "أ" (أو لإجماع) بدل (لا إجماع). (¬5) في "د" (والأصل) بدل (ولا أصل). (¬6) في "ب" بعد الطلب وأنه يدل على العلم. (¬7) في "د" وهو التقدير. (¬8) سقط من "د" بعد الطلب. (¬9) المراد بالتمسك بالأصل هو أنه كان معدوماً فيحصل ظن بقائه على العدم.

فإن قيل: لو كان ما ذكرتم دليلًا لبطل حصر الأدلة الثلاثة، لا يقال: ما ذكرنا دليل على عدم الصحة وأنه ليس بالشرع لحصوله قبله. وأيضاً دليل عدم الصحة الِإجماع على أنه متى لم يوجد أحد الثلاثة لم يوجد الحكم، لأنه يلزم من عدم الصحة البطلان وأنه حكم شرعي، والِإجماع لا يدل على عدم الصحة بل على دلالة عدم الثلاثة عليه (¬1). ب- لو كان عدم دليل الوجود دليلاً لعدمه، لكان عدم دليل العدم دليل الوجود، لاستواء النسبتين وأنه يبطل الحصر ويقتضي أن لا يلزم انتفاء الوجود، إلا ببيان انتفاء عدم دليل العدم. وعدم العدم وجود فلا يلزم انتفاء الوجود، إلاَّ بوجود دليل العدم وذلك يغني عما ذكرته. جـ- اقتصرت في نفي النص على عدم الوِجدان دون القياس والخصم، كما يعتقد قياساً معينا دليلاً فقد يعتقد نصا معيناً دليلاً. د- قيام (¬2) الفارق لا ينفي القياس لجواز تعليل الحكم الواحد بعلتين. هـ- أنه مقلوب أبداً فإنه كما ينفي صحة البيع ينفي حرمة أخذ المبيع من البائع والثمن من المشتري. والجواب عن: أ- أن المدعى حصر المغير عن مقتضى الأصل، وما ذكرته مقرر والأولى في التحرير أن يقال: الأصل بقاء ما كان (¬3) على ما كان إلاَّ لدلالة شرعيةٍ مغيرة ولا مغير سوى الثلاثة، ولم يوجد واحد منها وإنما لم نكتف بذكر الأصل، لأن المجتهد لا يجوز له التمسك به إلاَّ بعد البحث وعدم وجدان المغيِّر. والمناظر تلوه إذ لا معنى للمناظرة إلاَّ بيان وجه الاجتهاد. ب- أن الاستدلال بعدم المنافي يلزمه إثبات (¬4) ما لا نهاية له، وأنه ممتنع ¬

_ (¬1) أي على عدم الحكم. (¬2) في "أ، هـ" (نفى) بدل (قيام) وفي "جـ" (وان) بدل (قيام). (¬3) سقط من "د" ما كان. (¬4) في "ب" بيان.

المسألة الثانية عشرة

وإعدام ما لا نهاية له ممكن، ولأن عدم ظهور المعجز دليل عدم النبوة، وليس عدم دليل عدم (¬1) النبوة دليلِ النبوة، ولأنه يصح أن يقال: لم يأذن لي في التصرف. فأكون ممنوعاً. ولا يصح أن يقال: ما نهاني عن التصرف فأكون مأذوناً، ولأن دليل كل شيء ما يليق به فدليل العدم العدم، ودليل الوجود الوجود، ولئن سلمنا التساوي لكن الأصل يعضد عدم دليل الوجود. جـ- أنه متعلق بالاصطلاح. د- أنه ممنوع في المستنبطتين (¬2). هـ- أن الأصل لا يجب (¬3) كونه مشتركاً بين الدعوتين (¬4). " المسألة الثانية عشرة" الحكم العدمي يمكن إثباته بوجوه: أ- هذا الحكم لم يكن إذ الحكم بدون المحكوم عليه عبث، والمعنى من الحكم كون الشخص مقولاً له، إن لم تفعل في هذه الساعة عاقبتك والأصل بقاؤه على العدم. ب- لو ثبت الحكم لثبت لدلالةٍ أو أمارةٍ والأول باطل إجماعاً، وكذا الثاني بالنافي (¬5) لاتباع الظن. جـ- لو ثبت الحكم لثبت لمصلحةٍ عائدةٍ إلى العبد لامتناع العبث وعود النفع إلى الله تعالى، والله تعالى قادر على إيصال جميع المنافع إلى العبد ابتداءً فتوسط (¬6) الحكم عبث، تُرِكَ العمل به في المتفق فبقي في المختلف. ¬

_ (¬1) سقط من "د" عدم. (¬2) المستبطين بدل المستنبطتين في جميع النسخ. (¬3) سقط من "هـ" لا. (¬4) في "هـ" (الدعوى) بدل (الدعوتين). (¬5) في "د" بالباقي. (¬6) في "د" توسيط.

د - أن هذه الصِورة تفارق الصورة الفلانية في أمرٍ مناسب، فتفارقها في الحكم، وإلَا فإن أضيف الحكم فيهما إلى المشترك لزم إلغاء الفارق المناسب، وإلا لزم إسناد الحكمين المتماثلين إلى مختلفين (¬1)، وأنه باطل لأن إسناد (¬2) أحدهما إلى علته (¬3) إن كان لذاته أو للوازمها (¬4) لزم ذلك في الآخرة، وإلا امتنع إسناده (¬5) إليها لكونه مستغنياً في ذاته عنها. هـ- لو ثبت هنا (¬6) لثبت في كذا. و- الحكم كان منتفياً في أوقات مقدرة غير متناهية، وغير المتناهي أكثر من المتناهي والكثرة مظنة الظن. ز- إن هذا الحكم يفضي إلى الضرر، لأنه إذا دعاه الداعي إلى خلافه فإن تبع الداعي لزم العقاب، وإلا لزم ترك المراد فوجب أن لا يكون للنافي (¬7) للضرر. ح - إثبات الحكم بلا دليل تكليف ما لا يطاق، ولا دليل إذ يجب كونه حادثاً، وإلَا فإنْ كان الحكم قديماً لزم العبث وإلاَّ لزم النقض، والأصل بقاء الحادث على العدم ولأن كونه دليلاً (¬8) يتوقف على حدوث ذاته وحدوث وصف كونه دليلاً، والموقوف على أمرين مرجوح بالنسبة إلى الموقوف على واحد. وأما الحكم الوجودي فيمكن إثباته بوجوه: أ- قال به مجتهد فلاني فيكون حقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: "ظن ¬

_ (¬1) في جميع النسخ ما عدا "هـ" مختلف. (¬2) في "هـ" (إستناد) بدل اسناد. (¬3) في "هـ" علته وباقي النسخ علة. (¬4) في جميع النسخ لوازمها والصواب للوازمها لأنه الأصح عدم العطف على المجرور إلا بعد إعادة الجار. (¬5) في "هـ" (استناده) بدل (إسناده). (¬6) في "أ" ههنا والكل صحيح. (¬7) جميع النسخ ما عدا "هـ" بالنافي. (¬8) سقط من "هـ" من (دليلا إلى دليلا).

المؤمن لا يخطئ" (¬1). ترك العمل به في العامي، إذ لا يستند ظنه (¬2) إلى وجهٍ صحيح ولا يعارض قول النافي (¬3)، لأن المثبت راجح على النافي لما بينا في التراجيح، ولأن قول النافي قد يكون لعدم ظن الوجود وظن (¬4) المثبت إنما يكون لظن الوجود. ب- ثبت الحكم في كذا فيثبت هنا لقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} (¬5) وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} (¬6). ولأنه عليه الصلاة والسلام: "شبه (¬7) القبلة بالمضمضة" (¬8). فيجب علينا تشبيه الحكم بالحكم لقوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} (¬9). ¬

_ (¬1) لم أجده بهذا اللفظ والغالب على الظن أنه ليس حديثاً بل قواعد الشرع على خلافه، بل الخطأ قد وقع لعظام المؤمنين، وقد وقع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمور لامه الله عليها ونزل الوحي بالتنبيه عليها، وورد في كتاب الله العزيز: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وورد: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}. وأما إذا كان المراد بالظن "التوسم والفراسة" ورد في أحاديث اختلف في صحتها علماً بأن لفظ: "لا يخطئ" لم يرد ويستحيل أن يرد في حديث صحيح لمنافاته لأصول الشريعة ومما ورد. ما رواه الطبراني والترمذي من حديث أبي أمامة وأخرجه الترمذي أيضاً من حديث أبي سعيد، واستغربه ابن الديبع في تمييز الطيب من الخبيث بلفظ: (اتق فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) وروى الطبراني والبزار وأبو نعيم بسند حسن عن أنس (إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم). وقال النجم الغزي في كتابه إتقان ما يحسن من الأخبار الدائرة على الألسن، رواه البخاري في التاريخ والترمذي والعسكري والخطيب وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد. وزاد ثم قرأ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} (على ما في كشف الخفا 1/ 42، جامع بيان العلم وفضله 2/ 61). (¬2) سقط من "ب" ظنه. (¬3) هنا نهاية نسخ "د". (¬4) في "ب، جـ" (قول) بدل (ظن). (¬5) [الحشر: 2]. (¬6) [النحل: 90]. (¬7) في "أ، هـ" شبه في الحكم فيجب علينا اتباعه، والعبارتين بمعنى واحد. (¬8) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 165) من هذا الكتاب. (¬9) [الأنعام: 153].

ولأن أبا بكر شبّه العقد بالعهد. وعمر أمر أبا موسى (¬1) بالقياس فيجب الاقتداء بهما لقوله عليه الصلاة والسلام: "اقتدوا باللذيْن من بعدي أبي بكرٍ وعمر" (¬2). ولأن الحكم إنما يثبت لمصلحة موجودة هنا. جـ- حكم (¬3) ما ثبت لمصلحة، وهذا الحكم يحصل مصلحة فيعلل بالقدر المشترك. د- هذا الحكم يتضمن مصلحة المكلف (¬4) وأنه داعي إلى شرعه والداعي لا يخرج عن كونه داعياً إلا لمعارض والأصل عدمه (¬5). وإنما جمعت هذه الوجوه لكثرة دورانها على ألسن المتناظرين في هذا الزمان. وإذ وفينا بالمقصود ختمنا الكتاب حامدين لله تعالى، ومصلين على نبيه محمد وآله أجمعين وسلم تسليماً كثيراً (¬6)، (¬7). ¬

_ (¬1) المقصود أبو موسى الأشعري، وقد دونا رسالة عمر لها بطولها مع تخريجهما في صفحة (1/ 441) من هذا الكتاب. (¬2) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 72) من هذا الكتاب. (¬3) في "ب، جـ" (الحكم هناك) بدل (حكم ما). (¬4) في "هـ" التكليف. (¬5) وقد حذف القاضي الأرموي أمراً خامساً وهو: إذا قال أحد المجتهدين بإثباث حكم والأخر بنفيه، فالثبوت أولى لإجماع المسلمين على أنه إذا ورد خبران أحدهما ناقل عن حكم العقل والأخر مبق له فإن الناقل أولى فكذا ههنا. فإن قلتَ فالبقاء بتقدير وروده بعد الثبوت يكون ناقلاً أيضاً. قلتُ على هذا التقدير يتوالى نسخان وبالتقدير الأول- لا يحصل إلاَّ نسخ واحد وتقليل النسخ أولى، المحصول 2/ 3/ 248. (¬6) في "هـ" إلى يوم الدين بدل وسلم تسليماً كثيراً. وفي "جـ" جمع بين العبارتين. (¬7) وختام نسخة "أ" من الكاتب. كتابة الكتاب المسمى بتحصيل الأصول من كتاب المحصول بدمشق المحروسة في الرباط، المسمى بالمنابع خارج المدينة في العشر الأوسط من شهر جمادى الأخرى سنة أربع وثمانين وست مائة والحمد لله. وفي "ب" تم الكتاب، وقع الفراغ في وقت الظهر يوم السبت التاسع من صفر سنة تسع وستين وستمائة على يد يوسف المعروف بابن مهذب الفقه. وفي "جـ" وقع الفراغ من تحريره ليلة الأحد السادس من شهر الله الأصم الرجب، عمت =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مغفرته على سائر المسلمين وختمه الله بالخير والسرور في المدرسة الناجية غفر الله .. تعالى عن الآفات سنة أربع وثمانين وستمائة والحمد لوليه والصلاة على نبيه. وفي "د" تم الكتاب وحسبنا الله ونعم الوكيل، والحمد لله وحده، "مع أنها ناقصة قدر ورقة من آخرها". وفي "هـ" وافق الفراغ من نسخه يوم السبت ثامن رجب المبارك سنة خمس وخمسين وستمائة بمدينة دمشق المحروسة، غفر الله لكاتبه ولقارئه ولمن نظر فيه ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، بلغ مقابلة بأصل المصنف فصح والله أعلم بالصواب. وأقول قد انتهيت من تبييضها وتدوين حواشيها بعد صلاة فجر يوم الثلاثاء الموافق لخمس ليال خلون من شهر ربيع الثاني سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة وألف بالعباسية في القاهرة.

فهرس مراجع التحقيق

فهرس مراجع التحقيق (أ) القرآن وعلومه أسباب النزول: للواحدي أبي الحسن علي بن أحمد، المتوفى سنة 468 هـ الطبعة الثانية سنة 1378 هـ طبع مصطفى البابي الحلبي. تفسير الرازي: المسمى بمفاتيح الغيب للِإمام محمد بن عمر الرازي، المتوفى 606 هـ الطبعة الأولى بالمطبعة الخيرية بالقاهرة سنة 1307 هـ وبهامشه تفسير أبي السعود. تفسير ابن كثير: المتوفى سنة 774 هـ، طبع دار الشعب سنة 1390 هـ. تفسير الطبري: تأليف محمد بن جرير الطبري، طبع مصطفى البابي الحلبي الطبعة الثالثة سنة 1388 هـ. تفسير القرطبي: المسمى بالجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، المتوفى سنة 671 هـ الطبعة الثالثة عن طبعة دار الكتب المصرية طبع دار الكتاب العربي سنة 1387 هـ. الدر المنثور: في التفسير المأثور لجلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911 هـ طبع المطبعة الإِسلامية بطهران سنة 1377 هـ في ستة أجزاء. فتح القدير: الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير لمحمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ، طبع مصطفى البابي الحلبي سنة 1351 هـ في خمسة مجلدات.

(ب) الحديث وعلومه

الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: تأليف جار الله محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة 538 هـ، طبع مصطفى البابي الحلبي سنة 1385 هـ في أربعة مجلدات. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: لجنة من مجمع اللغة العربية، طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1973 م. (ب) الحديث وعلومه أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب: للحوت البيروتي الطبعة الأولى سنة 1355 هـ، طبع المكتبة التجارية الكبرى. بلوغ المرام: لابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ، طبع المكتبة التجارية بالقاهرة سنة 1928 تحقيق محمد حامد الفقي. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: لابن حجر العسقلاني، طبع شركة الطباعة الفنية المتحدة بالقاهرة. تميز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث: لابن الديبع الشيباني، طبع محمد علي صبيح سنة 1382 هـ. تيسير الوصول إلى جامع الأصول: لابن الديبع الشيباني مصطفى الحلبي. جامع الأصول: للِإمام أبي السعادات مبارك بن محمد ابن الأثير الجزري المتوفى سنة 606 هـ، الطبعة الأولى مطبعة السنة المحمدية سنة 1368 هـ. سنن الترمذي المسمى بالجامع الصحيح: لأبي عيسى محمد بن عيسى المتوفى سنة 279 هـ، تحقيق أحمد شاكر طبع مصطفى البابي الحلبي سنة 1356 هـ. سنن الدارمي: طبع شركة الطباعة الفنية المتحدة القاهرة سنة 1386 هـ، بتحقيق عبد الله هاشم اليماني. سنن أبي داود السجستاني: تحقيق وتعليق أحمد سعد علي الطبعة الأولى، طبع مصطفى البابي الحلبي سنة 1371 هـ.

سنن البيهقي الكبرى: للِإمام أحمد بن الحسين المتوفى سنة 458 هـ، وفي ذيله الجوهر النقي لعلاء الدين بن التركماني المتوفى سنة 745 هـ، الطبعة الأولى بدائرة المعارف النظامية بالهند سنة 1344 هـ. سنن الدارقطني: للإمام علي بن عمر الدارقطني المتوفى سنة 385 هـ، تحقيق عبد الله هاشم يماني شركة الطباعة الفنية المتحدة بمصر سنة 1386 هـ. سنن ابن ماجة القزويني: المتوفى سنة 275 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي طبع عيسى البابي الحلبي سنة 1972 م. سنن النسائي: ومعه شرح زهر الربا طبع المطبعة النظامية سنة 1296 هـ. شرح النووي على مسلم: تحقيق عبد الله أحمد أبو زينة طبع دار الشعب. صحيح البخاري: طبع دار الشعب. صحيح مسلم: طبع محمد علي صبيح بالأزهر. فتح الباري شرح صحيح البخاري: للِإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ، طبع السلفية بالقاهرة سنة 1380 هـ. الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير: لجلال الدين السيوطي، طبع دار الكتب العربية الكبرى سنة 1350 هـ لصاحبها مصطفى البابي الحلبي في ثلاثة أجزاء. الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: لمحمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ، تحقيق عبد الرحمن المعلمي اليماني الطبعة الأولى بمطبعة السنة المحمدية سنة 1380 هـ. فيض القدير شرح الجامع الصغير: للعلامة المناوي الطبعة الأولى، طبع مطبعة مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1356 هـ.

كشف الخفا ومزيل الِإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس: للشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني المتوفى سنة 1162 هـ، طبع مكتبة القدسي سنة 1351 هـ في جزءين. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفي سنة 807 هـ، طبع مطبعة القدسي بالقاهرة سنة 1353 هـ مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: للعلامة عبيد الله المباركفوري المطبعة السلفية ببنارس الهند الطبعة الثانية سنة 1394 هـ. مشكاة المصابيح: تأليف ولي الدين محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني منشورات المكتب الِإسلامي الطبعة الأولى سنة 1380 هـ. مسند أحمد بن حنبل: طبع دار المصادر للطباعة والنشر ببيروت. مسند ابن الجارود: المتوفى سنة 307 هـ تحقيق عبد الله هاشم اليماني، طبع مطبعة الفجالة الجديدة سنة 1382 هـ. مسند الطيالسي أبي داود: المتوفى سنة 304 هـ، الطبعة الأولى سنة 1372 هـ. بالمطبعة المنيرية بالأزهر. المستدرك على الصحيحين: للحاكم النيسابوري محمد بن عبد الله المتوفى سنة 405 هـ، طبع مطابع النصر الحديثة بالرياض. المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي: نشر الدكتور ونسنك طبع مكتبة بريل في مدينة ليدن سنة 1936 م. منتقى الأخبار: تأليف مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن تيمية المتوفى سنة 652 هـ طبع المطبعة السلفية. موطأ مالك بن أنس: تعليق محمد فؤاد عبد الباقي، طبع عيسى البابي الحلبي سنة 1370 هـ.

(جـ) الفقه وأصوله

المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة: للحافظ السخاوي المتوفى سنة 902 هـ، طبع دار الأدب العربي للطباعة سنة 1375 هـ. نصب الراية لأحاديث الهداية: للعلامة جمال الدين عبد الله يوسف الزيلعي الحنفي، المتوفى سنة 762 هـ مع حاشية بغية الألمعي نشر المكتبة الإسلامية الطبعة الثانية سنة 1393 هـ. نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار: تأليف محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ، طبع مصطفى البابي الحلبي الطبعة الثالثة سنة 1380 هـ. هداية الباري إلى ترتيب أحاديث البخاري: للشيخ عبد الرحيم عنبر الطهطاوي، مطبعة الاستقامة الطبعة الأولى سنة 1353 هـ في جزءين. (جـ) الفقه وأصوله الإحكام في أصول الفقه: للعلامة سيف الدين، المتوفى سنة 635 هـ طبع محمد علي صبيح سنة 1387 هـ. إرشاد الفصول إلى تحقيق الحق من علم الأصول: تأليف محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ الطبعة الأولى، طبع مصطفى البابي الحلبي سنة 1356 هـ. الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية: للإمام جلال الدين السيوطي، مطبعة البابي الحلبي سنة 1378 هـ. الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان: للإمام زين العابدين بن نجم، سجل العرب القاهرة سنة 1387 هـ. تيسير التحرير على كتاب التحرير: للبخاري، طبع مصطفى البابي الحلبي سنة 1350 هـ.

جمع الجوامع: لتاج الدين عبد الوهاب السبكي، طبع عيسى البابي الحلبي. حاشية التفتزاني: على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب، بمراجعة شعبان محمد إسماعيل الفجالة الجديدة سنة 1393 هـ. حل عقد التحصيل: لبدر الدين محمد بن أسعد التستري، مخطوطة بدار الكتب بالقاهرة برقم 14 م أصول الفقه. شفاء الغليل لحجة الإسلام الغزالي: تحقيق الدكتور حمد الكبيسي مطبعة الإرشاد بغداد سنة 1390 هـ. المجموع شرح المهذب: لمحيي الدين النووي والسبكي طبع مطبعة العاصمة. المحصول: لفخر الدين محمد بن عمر الرازي، مخطوطة من مكتبة البودليانسا بجامعة أكسفورد بلندن. المستصفى من علم الأصول: لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي، طبع شركة الطباعة الفنية المتحدة سنة 1391 هـ والطبعة الأولى بالأميرية سنة 1322 هـ. المعتمد: لأبي الحسين البصري المتوفى سنة 436 هـ، طبع الكاثوليكية ببيروت سنة 1951 م. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: للشيخ الشربيني الخطيب، طبع مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1377 هـ. المغني: لابن قدامة الحنبلي المتوفى سنة 620 هـ، طبع دار الكتاب العربي ببيروت سنة 1392 هـ. ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل: للِإمام الحافظ ابن حزم الأندلسي مطبعة جامعة دمشق سنة 1379 هـ جزء واحد.

(د) كتب اللغة

شرح تنقيح الفصول: لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المتوفى سنة 684 هـ، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد الطبعة الأولى الفنية المتحدة سنة 1393 هـ. المنخول من تعليقات الأصول: لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505 هـ، حققه محمد حسن هيتو. منهاج الوصول في علم الأصول: تأليف القاضي البيضاوي المتوفى سنة 685 هـ، طبع محمدعلي صبيح سنة 1389 هـ. نهاية السول: للإمام جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي المتوفى سنة 772 هـ، طبع محمد علي صبيح في ثلاثة أجزاء. الهداية مع شرحها فتح القدير: تاليف المرغيناني المتوفى سنة 593 هـ، وفتح القدير لابن الهمام طبع مصطفى البابي الحلبي الطبعة الأولى سنة 1389 هـ. (د) كتب اللغة إنباه الرواة على أنباء النحاة: لجمال الدين علي بن يوسف القفطي، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم طبع دار الكتب المصرية سنة 1369 هـ. الأغاني: تأليف أبي الفرج الأصبهاني المتوفى سنة 976 هـ، مصور عن طبعة دار الكتب سنة 1383 هـ. أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: إلى ابن هشام المتوفى سنة 761 هـ، طبع الحلبي سنة 1950 م. تاج العروس: للزبيدي طبع دار صادر بيروت سنة 1386 هـ. تاريخ آداب اللغة العربية: لجرجي زيدان، طبع مطبعة الهلال بالفجالة سنة 1911 م.

تهذيب اللغة: للأزهري أبي منصور محمد بن أحمد الأزهري المتوفى سنة 370 هـ، تحقيق عبد السلام محمد هارون طبع دار القومية العربية للطباعة والنشر سنة 1384 هـ. جواهر الأدب في صناعة إنشاء العرب: لأحمد الهاشمي، طبع مطبعة النيل سنة 1319 هـ. جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام: تأليف محمد بن أبي الخطاب القرشي، تحقيق محمد البجاوي الطبعة الأولى طبع مطبعة لجنة البيان العربي. حاشية الخضري: للشافعي المتوفى سنة 1213 هـ، على ألفية ابن مالك على شرح ابن عقيل طبع مطبعة الحلبي سنة 1940 م. خزانة الأدب: للشيخ عبد القادر بن عمر البغدادي المتوفى سنة 1093 هـ، الطبعة الأولى بالمطبعة الميرية ببولاق. الخصائص: تأليف أبي الفتح عثمان بن جني تحقيق محمد علي النجار، طبع دار الهدى للطباعة والنشر بيروت الطبعة الثانية. ديوان امرئ القيس: المتوفى 80 قبل الهجرة، الطبعة الثانية دار المعارف بالقاهرة سنة 1964 م. سقط الزند: لأبي العلاء المعري وشروحه، نشر الدار القومية للطباعة والنشر سنة 1383 هـ. شذى العرف في فن الصرف: طبع البابي الحلبي سنة 1957 م. الشعر والشعراء: لابن قتيبة تحقيق أحمد محمد شاكر، طبع دار المعارف بمصر سنة 1966 م. شواهد المغني: للِإمام جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ، طبع محمد أفندي مصطفى بالغورية سنة 1322 هـ. صحيح الأعشى في صناعة الإنشا: تأليف أبي العباس القلقشندي المتوفى سنة 821 هـ، مصورة عن الطبعة الأميرية طبع المؤسسة المصرية العامة.

(هـ) كتب التراجم والتاريخ

الكتاب: لسيبويه تحقيق عبد السلام محمد هارون، طبع الهيئة المصرية العامة بمصر سنة 1977 م. مراتب النحويين: لأبي الطيب اللغوي، تحقيق أبي الفضل ابراهيم القاهرة سنة 1955 م. معاهد التنصيص على شواهد التلخيص: للشيخ عبد الرحيم بن أحمد العباسي المتوفى سنة 963 هـ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد طبع مطبعة السعادة 1947 م. مجمع الأمثال: لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري الميداني المتوفى سنة 518 هـ، طبع المطبعة البهية سنة 1342 هـ. مصدر الدراسة الأدبية: ليوسف أسعد داغر، المطبعة المخلصية لبنان 1961 م. معجم الشعراء: لمحمد بن عمران بن موسى المرزباني، طبع عيسى البابي الحلبي سنة 1379 هـ. معجم شواهد العربية: تأليف عبد السلام هارون طبع مؤسسة الخانجي بالقاهرة. المغني: لابن هشام الأنصاري الطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية سنة 1317 هـ. نهاية الأرب في فنون الأدب: تأليف أحمد بن عبد الوهاب النويري المتوفى سنة 733 هـ، تحقيق علي محمد البجاوي طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1396 هـ. (هـ) كتب التراجم والتاريخ إرشاد الأديب إلى معرفة الأديب: لياقوت الحموي المتوفى سنة 626 هـ، مطبعة هندية سنة 1927 م. الأعلام: تأليف خير الدين الزركلي، الطبعة الثالثة بمدينة ليدن سنة 1934 م.

الأنساب: تأليف عبد الكريم السمعاني المتوفى سنة 562 هـ، طبع مكتبة المثنى سنة 1970 م. أخبار أصفهان: لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني المتوفى سنة 430 هـ، طبع مطبعة بريل. الاستيعاب: لابن عبد البر النمري، طبع نهضة مصر تحقيق علي محمد البجاوي. الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر العسقلاني طبع المطبعة الشرقية 1325 هـ، ما عدا الجزء الأول والثاني طبع السعادة سنة 1323 هـ. أعلام النساء في عالمي العرب والِإسلام: تأليف عمر رضا كحالة، طبع المطبعة الهاشمية بدمشق. إعجام الأعلام: تأليف الأستاذ محمود مصطفى، طبع المطبعة الرحمانية بمصر سنة 1354 هـ. أسد الغابة في معرفة الصحابة: تأليف ابن الأثير الجزري المتوفى سنة 630 هـ، طبع دار الشعب. أمالي المرتضى: (غرر الفرائد ودرر القلائد) لعلي بن الحسين الموسوي العلوي، تحقيق أبي الفضل إبراهيم طبع عيسى البابي الحلبي الطبعة الأولى سنة 1373 هـ. بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم الطبعة الأولى بمطبعة عيسى البابي الحلبي سنة 1384 هـ. البداية والنهاية: لأبي الفداء الحافظ ابن كثير المتوفى سنة 774 هـ، الطبعة الأولى سنة 1966 م. تاريخ اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب العباسي، طبع دار صادر بيروت سنة 1379 هـ.

التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الأخر والأول: لصديق حسن القتوجي المتوفى سنة 1307 هـ، تعليق عبد الحكيم شرف الدين طبع المطبعة الهندية العربية سنة 1383 هـ. تاريخ الِإسلام وطبقات المشاهير والأعلام: للحافظ الذهبي نشر مكتبة القدسي. تاريخ الحكماء: لعلي بن يوسف القفطي طبع ليبسك سنة 1320 هـ. تقريب التهذيب: لابن حجر العسقلاني، طبع دار الكتاب العربي بالقاهرة سنة 1380 هـ، تحقيق عبد اللطيف عبد الوهاب. تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك: لأبي جعفر الطبري المتوفى سنة 310 هـ، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم طبع دار المعارف الطبعة الثانية. تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس: تأليف الشيخ حسين الديار بكري، طبع مؤسسة شعبان بيروت. تذكرة الحفاظ: للذهبي المتوفى سنة 748 هـ، نشر دار إحياء التراث العربي بيروت. تهذيب التهذيب: لابن حجر العسقلاني، طبع دار صادر بيروت مصورة عن طبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند سنة 1326 هـ. دول الإسلام: للذهبي شمس الدين المتوفى في سنة 748 هـ، طبع مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1974 م تحقيق فهيم محمد شلتوت. تاريخ بغداد: للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463 هـ، نشر دار الكتاب العربي بيروت. تاريخ التشريع: للخضري مطبعة دار إحياء الكتب العربية القاهرة سنة 1926 م. تبين كذب المفترى على الإمام الأشعري: للحافظ ابن عساكر طبعة القدسي بدمشق.

تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: تأليف ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ، تحقيق محمد علي النجار طبع مطبعة دار القومية العربية للطباعة سنة 1967 م. تاريخ ابن عساكر: تحقيق محمد أحمد دهمان، طبع المجمع العلمي العربي بدمشق. التحفة البهية في طبقات الشافعية: تاليف عبد الله حجازي الشهير بالشرقاوي. الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية: في الدين عبد القادر بن محمد القرشي المتوفى سنة 775 هـ، تحقيق عبد المفتاح الحلو طبع عيسى البابي الحلبي سنة 1398 هـ. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: للحافظ أبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنة 430 هـ، طبع دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الثانية سنة 1387 هـ. الحوادث الجامعة: لكمال الدين أبي الفضل عبد الرزاق بن الفوطي، طبع المكتبة العربية بغداد سنة 1351 هـ. حسن المحاضرة في مصر والقاهرة: للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم طبع عيسى البابي الحلبي الطبعة الأولى سنة 1387 هـ. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: للِإمام بن فرحون المدني، الطبعة الأولى سنة 1351 هـ بمطبعة المعاهد في الجمالية. دائرة المعارف: للبستاني، طبع بيروت سنة 1876 م. دائرة المعارف الإسلامية: لجماعة من المستشرقين طبع دار الشعب. رجال الطوسي: أبي جعفر محمد بن الحسن المتوفى سنة 460 هـ، الطبعة الأولى طبع المطبعة الحيدرية في النجف سنة 1381 هـ.

الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية: لابن هشام لعبد الرحمن بن عبد الله السهيلي المتوفى سنة 581 هـ، طبع الفنية المتحدة بالعباسية سنة 1972 م. الرياض النضرة في مناقب العشرة: تأليف أبي جعفر الطبري الطبعة الثانية سنة 1372 هـ، طبع مطبعة دار التأليف. روضات الجنان في أحوال العلماء والسادات: تاليف العلامة الخوانساري تحقيق أسد الله إسماعيليان، طبع الحيدرية طهران سنة 1390 هـ. سير أعلام النبلاء: تأليف شمس الدين الذهبي المتوفى سنة 748 هـ، تحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد، طبع دار المعارف سنة 1962. سيرة ابن هشام 9 المتوفى سنة 218 هـ الطبعة الثانية بمطبعة مصطفى البابي الحلبي سنة 1375 هـ. شذرات الذهب في أخبار من ذهب: للمؤرخ ابن العماد الحنبلي المتوفى سنة 1089 هـ، طبع دار المكتب التجاري ببيروت. صفة الصفوة: تأليف جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي، المتوفى سنة 597 هـ، طبع مطبعة الأصيل حلب الطبعة الأولى سنة 1389 هـ. طبقات الأصوليين: المسمى بالفتح المبين، تأليف عبد الله مصطفى المراغي الطبعة الثانية سنة 1394 هـ، نشر محمد أمين دمج. طبقات ابن السبكي: المتوفى سنة 771 هـ، تحقيق عبد المفتاح الحلو ومحمود الطناحي الطبعة الأولى عيسى البابي الحلبي سنة 1383 هـ. طبقات الأسنوي: المتوفى سنة 772 هـ، تحقيق عبد الله الجبوري مطبعة الِإرشاد ببغداد الطبعة الأولى سنة 1392 هـ.

طبقات المعتزلة: تأليف القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني المعتزلي المتوفى سنة 415 هـ، تحقيق وتعليق علي سامي النشار طبع دار المطبوعات الجامعية سنة 1972 م. طبقات النحاة واللغويين: تأليف تقي الدين ابن قاضي شهبة الأسدي المتوفى سنة 851 هـ، تحقيق محسن غياض بمطبعة النعمان بالنجف الأشرف سنة 1974 م. طبقات ابن سعد: الواقدي، طبع دار التحرير بالقاهرة سنة 1388 هـ. طبقات القراء: لشمس الدين الذهبي المتوفى سنة 748 هـ، تحقيق محمد سيد جاد- الطبعة الأولى بمطبعة دار التأليف سنة 1969 م. طبقات الشافعية: لأبي بكر بن هداية الله الحسيني المتوفى سنة 1014 هـ، حققه عادل نويهض طبع دار الآفاق الجديدة بيروت الطبعة الأولى سنة 1972 م مجلد واحد. طبقات الحفاظ: للسيوطي المتوفى سنة 911 هـ، تحقيق علي محمد عمر، الطبعة الأولى سنة 1393 هـ، مطبعة الاستقلال الكبرى. طبقات الحنابلة: للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى، تصحيح محمد حامد الفقي، طبع مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة سنة 1371 هـ. عيون الأنباء في طبقات الأطباء: تأليف ابن أبي أصيبعة المتوفى سنة 668 هـ. تحقيق الدكتور نزار رضا، طبع مكتبة الحياة بيروت سنة 1965 م. العبر في خبر من غبر: للحافظ الذهبي المتوفى سنة 748 هـ، تحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد طبع الكويت سنة 1960 م. الفهرست: لابن النديم طبع المطبعة الرحمانية بمصر.

فوات الصفيات: تأليف محمد بن شاكر بن أحمد الكتبي المتوفى عام 764 هـ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد طبع مكتبة النهضة المصرية. الفلاكة والمفلوكين: تأليف أحمد بن علي الدلجي، طبع مطبعة الشعب سنة 1322 هـ. الفوائد البهية في تراجم الحنفية: تأليف محمد عبد الحي الكنوي طبع دار المعرفة بيروت سنة 1324 هـ. القاموس الإسلامي: لأحمد عطية الله، طبع النهضة المصرية سنة 1383 هـ. القاموس المحيط: لمجد الدين الفيروزآبادي، الطبعة الرابعة طبع مطبعة دار المأمون سنة 1357 هـ. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: تأليف مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة، الطبعة الثالثة بالمطبعة الإسلامية بطهران سنة 1387 هـ. الكامل: لابن الأثير الجزري وبهامشه تاريخ الجبرتي، الطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية سنة 1301 هـ. لسان الميزان: لابن حجر العسقلاني طبع شركة علاء الدين بيروت، الطبعة الثانية سنة 1390 هـ. اللباب في تهذيب الأنساب: لابن الأثير المتوفى سنة 630 هـ، طبع مكتبة حسام الدين القدسي سنة 1386 هـ. معجم المطبوعات العربية والمعربة: جمعه يوسف إليان سركيس، طبع مطبعة سركيس سنة 1346 هـ. ميزان الاعتدال في نقد الرجال: تأليف محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 748 هـ، تحقيق علي محمد البجاوي الطبعة الأولى بمطبعة عيسى البابي الحلبي سنة 1382 هـ.

المحبر: للعلامة الإخباري النسابة محمد بن حبيب بن أمية الهاشمي البغدادي المتوفى سنة 245 هـ، برواية أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري طبع دائرة المعارف النعمانية حيدر أباد الدكن سنة 1361 هـ. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: تأليف عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي المتوفى سنة 487 هـ، الطبعة الأولى سنة 1364 هـ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة. مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان: تأليف اليافعي المتوفى سنة 768 هـ، الطبعة الثانية سنة 1390 هـ عن طبعة دائرة المعارف النظامية بالهند سنة 1337 هـ. معجم المؤلفين: تأليف عمر رضا كحالة، طبع دار إحياء التراث العربي بيروت سنة 1376 هـ. معجم الأدباء: لياقوت الحموي سنة 626 هـ، طبع عيسى البابي الحلبي بمصر. مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم: تأليف أحمد بن مصطفى الشهير بطاش كبري زادة المتوفى سنة 968 هـ، طبع مطبعة الاستقلال الكبرى. مروج الذهب ومعادن الجوهر: للمسعوي، المتوفى سنة 346 هـ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد طبع شركة الإعلانات الشرقية سنة 1386 هـ. المنتظم: لابن الجوزي في تاريخ الملوك والأمم المتوفى 597 هـ، طبع حيدر أباد الدكن بدائرة المعارف العثمانية سنة 1357 هـ. النجوم الزاهرة في مصر والقاهرة: تأليف جمال الدين يوسف بن تغرى بردى الأتابكي المتوفى سنة 874 هـ، طبع المؤسسة المصرية العامة سنة 1383 هـ.

(و) كتب عربية أخرى

نزهة الألبا: للأنباري المتوفى سنة 577 هـ، بتحقيق الدكتور إبراهيم السامرائي، طبع المعارف بغداد سنة 1959 م. هداية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين: تأليف إسماعيل باشا البغدادي طبع وكالة المعارف بإستانبول سنة 1951 م. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: شمس الدين بن خلكان المتوفى سنة 681 هـ، تحقيق الدكتور إحسان عباس طبع دار صادر بيروت سنة 1971 م. الوافي بالوفيات: تأليف صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة 764 هـ، طبع دار صادر بيروت سنة 1393 هـ. (و) كتب عربية أخرى إحياء علوم الدين: للإمام الغزالي طبع عيسى البابي الحلبي. إتحاف السادة المتقين شرح أسرار إحياء علوم الدين: للسيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى طبع إحياء التراث العربي بلبنان. تعريفات الجرجاني: تأليف السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني الحنفي المتوفى سنة 816 هـ، طبع مصطفى البابي الحلبي سنة 1357 هـ. تلبيسى إبليس: للحافظ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي البغدادي المتوفى سنة 597 هـ، طبع مطبعة النهضة بمصر سنة 1437 هـ التذكرة التيمورية: بقلم أحمد تيمور باشا الطبعة الأولى سنة 1953 م، طبع مطابع دار الكتاب العربي بمصر. الجبائيان أبو علي وأبو هاشم: تأليف علي فهمي خشيم الطبعة الأولى سنة 1968 م، نشر دار مكتبة الفكر طرابلس ليبيا.

جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله: للمحدث أبي عمر ابن عبد البر النمري، طبع المنيرية الطبعة الأولى بدون تاريخ. الحور العين: تأليف نشوان بن سعيد الحميري اليمني المتوفى سنة 573 هـ، تحقيق كمال مصطفى طبع مكتبة الخانجي القاهرة 1948 م. الخطط للمقريزي المسمى بالمواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار: لتقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي، المتوفى سنة 845 هـ طبع الحلبي. الرد على الدهريين: للأفغاني نقلها من الفارسية للعربية الشيخ محمد عبده، طبع مكتبة الخانجي سنة 1955 م. ضحى الإسلام: تأليف أحمد أمين الطبعة الثامنة طبع الفنية المتحدة. الفرق بين الفرق: لعبد القاهر البغدادي، طبع مؤسسة نشر الثقافة الِإسلامية بالقاهرة سنة 1948 م. فضل الاعتزال وطبقاته: تأليف أبي القاسم البلخي المتوفى سنة 319 هـ، تحقيق فؤاد سيد طبع الدار التونسية للنشر سنة 1393 هـ. محصل أفكار المتقدمين: لفخر الدين الرازي مع تعليق نصير الدين الطوسي، طبع المطبعة الحسينية سنة 1323 هـ. مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: لعبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي المتوفى سنة 739 هـ، تحقيق البجاوي طبع عيسى البابي الحلبي الطبعة الأولى سنة 1373 هـ. معجم البلدان: لياقوت الحموي الرومي طبع دار صادر بيروت. مقالات الِإسلامييِن: لأبي الحسن الأشعري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، طبع مكتبة النهضة المصرية الطبعة الأولى سنة 1369 هـ.

الملل والنحل: للشهرستاني تأليف أبي الفتح محمد عبد الكريم بن أبي بكر الشهرستاني، تحقيق الأستاذ عبد العزيز الوكيل طبع دار الاتحاد العربي بالقاهرة سنة 1387 هـ، في ثلاثة أجزاء. الملل والنحل: لابن حزم الظاهري المتوفى سنة 456 هـ، الطبعة الأولى بالمطبعة الأدبية بمصر سنة 1317 هـ. المواقف وشرحه: لعضد الدين الإيبجي، طبع القسطنطينية سنة 1928 م.

§1/1