التحرير شرح الدليل - كتاب الطهارة

أبو المنذر المنياوي

التحرير شرح الدليل للعلامة الفقيه الأصولي زين الدين مرعي بن يُوسُف الكرْمي الحنبلي. (ت: 1033 هـ) رحمه الله تعالى الجزء الأول قسم الطهارة تأليف الفقير إلى عفو ربه الغني أبي المنذر: محمود بن محمد بن مصطفى المنياوي عفا الله - تعالى - عنه الطبعة الأولى 1432هـ / 2011م المكتبة الشاملة

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف الطبعة الأولى 1432 هـ / 2011 م رقم الإيداع بالمكتبة الشاملة 5/ 2011

مقدمة الشارح:

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الشارح: إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. أما بعد ... فنبدأ بعون الله تعالى وتوفيقه في شرح متن "دليل الطالب لنيل المطالب" للعلامة مرعي بن يُوسُف الكرْمي - رحمه الله -. ونرجوا من الله القبول والسداد، وأن يمن علينا بإتمام هذا الشرح، وأن يتقبله وينفع به إنه ولي ذلك وهو القادر عليه. نبدأ بنُّبْذَة عن التعريف بالمؤلف. هو الإمام العلامة زين الدين مرعي بن يُوسُف بن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر بن يُوسُف بن أحمد الكرْمي المقدسي المصري الأزهري الحنبلي. ولد ونشأ المؤلف رحمه الله تعالى في بلدته طور كرْم وهي مدينة معروفة في فلسطين وإليه نسبتها، وتعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة، وتلقى مبادئ العلوم، وحفظ القرآنَ الكريم، ورحل إلى بيت المقدس ونهل من معين العلم فيها وجالس العلماء واستفاد من العلوم التي لديهم، ثم رحل بعد ذلك إلى القاهرة، فأخذ العلم عن كثير من علمائها ومشايخها في الفقه والحديث والتفسير حتى أصبح يشار إليه بالبنان في مكانته العلمية فتصدر للتدريس والإفتاء، وقد بقي فيها يفيد ويستفيد حتى توفي رحمه الله.

مذهبه:

- مذهبه: درس المؤلف المذهب الحنبلي وتفقه فيه، ولذا فهو يعد من علماء الحنابلة الكبار، وقد قام بتدريس الفقه الحنبلي بجامع ابن طولون بالقاهرة فترة من الزمن، وألف فيه الكتب والرسائل، مثل: كتاب " دليل الطالب، وكتاب غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى " وقال: لَئِنْ قلَّدَ الناسُ الأئمَّةَ إنني ... لَفي مذهبِ الحَبْر ابن حنبل راغبُ أُقلِّدُ فتواهُ وأعشقُ قولَهُ ... وللناسِ فيما يعشَقُونَ مذَاهبُ ثناء العلماء عليه: فقد قال عنه ابن حُمَيد في السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة (463): " العالم العلامة، البحر الفهامة، المدقق المحقق، المفسر المحدث، الفقيه، الأصولي، النحوي، أحد أكابر علماء الحنابلة بمصر ". وقال عنه ابن بدران في " المدخل " (442): " العلامة، بقية المجتهدين، أحد أكابر علماء هذا المذهب بمصر ". وقال عنه محمد جميل الشِّطِي في مختصر طبقات الحنابلة (108): " شيخ الإسلام، أوحد العلماء الأعلام فريد عصره وزمانه، ووحيد دهره وأوانه، صاحب التآليف العديدة، والتحريرات المفيدة، العلامة بالتحقيق والفهامة بالتدقيق ". قال عنه المُحبي في خلاصة الأثر (4/ 358): " أحد أكابر علماء الحنابلة بمصر، وكان محدثا فقيها ذا اطلاع واسع على نقول الفقه ودقائق الحديث ". مؤلفاته: فقد برع في مختلف العلوم الشرعية في الفقه والتفسير والحديث والعقائد وغيرها، وكذا في علوم العربية كالنحو والصرف والبلاغة والأدب والشعر، وعلوم السيرة والتاريخ والسلوك وغيرها. ومؤلفاته كثيرة بلغت حوالي الثمانين تأليفاً ما بين كتاب كبير ورسالة صغيرة. وفاته: توفي الإمام العلامة بعد حياة حافلة بالعلم والتعليم والتدريس والإفتاء في القاهرة

التعريف بالمتن:

في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وألف من الهجرة فرحمه الله رحمة واسعة. التعريف بالمتن: أما المتن الذي ندرسه " دليل الطالب لنيل المطالب "فهو متن مشهور في الفقه الحنبلي اختصره الشيخ مرعي من كتاب ابن النجار " منتهى الإرادات في جمع المقنع والتنقيح وزيادات " كما صرح بذلك جماعة من العلماء منهم: الشيخ محمد بن مانع في حاشيته على دليل الطالب. والشيخ صالح بن حسن البُهوتي في مقدمة شرحه " مسلك الراغب شرح دليل الطالب" ... . وغيرهما. وقد أشار الماتن نفسه إلى ذلك في مقدمة كتابه دليل الطالب حيث قال: [وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ... الفائز بمنتهى الإرادات من ربه ... ] ومنتهى الإرادات وهو أصل كتابنا من متون المذهب المعتمدة فقد اعتمده المتأخرون من عصر المؤلف حتى كان والد المؤلف يقرؤه للطلاب ويثني عليه وكاد الكتاب لشهرته ينسي ما قبله من متون المذهب المطولة فعكف الناس عليه شرحاً وتحشيةً واختصاراً وجمعاً له مع غيره. وتعالوا نتوقف قليلا لنتعرف على أصل كتابنا وهو كتاب منتهى الإرادات وأهميته: : [بعد أن وضع ابن قدامة متنه المشهور " المقنع " لقي قبولاً كبيراً داخل المذهب لكونه جاء على قول واحد هو الراجح في المذهب وتميز عن الكتب التي سبقته بأنه أوضح منها إشارة وأسلس عبارة وأجمع تقسيماً وتنويعاً كما أنه حوى غالب أمهات مسائل المذهب على توسط حجمه ومن هنا تناوله الحنابلة بالتآليف كالشروح والتعليقات التي تبيّنه وكتب اللغة التي توضح مصطلحاته وحدوده، وكتب التخريج التي تخرج أدلته وهذا الكتاب - وإن كان يعتبر نقلة علمية في المذهب - إلا أنه كان بحاجة إلى تحرير أكثر وتصحيح، فقد أطلق مؤلفه رحمه الله الخلاف في كثير من مسائله بصيغ متفاوتة أوصلها بعضهم إلى ما يزيد على ثلاثين صيغة ولم يفصح فيها بتقديم حكم. كما أنه قطع بمسائل وقدمها على أنها المذهب وهي غير الراجح في المذهب وأخلّ ببعض القيود والشروط الصحيحة في

المذهب إضافة إلى أن عبارته كانت بحاجة إلى إعادة نظر لما فيها من عموم أو إطلاق أو خلل لهذه الأسباب وغيرها كانت الحاجة ماسة لأن يوجد كتاب يتمم ويكمل النقص الذي في هذا المتن الشهير. فجاء مجدد المذهب القاضي علي بن سليمان المرداوي ليسد هذا النقص بكتابه " التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع " فعالج أغلب ما كان ينتقد على متن المقنع حتى كان كما قال عنه الشُّوَيْكِي رحمه الله: " أجل كتاب اجتهد في جمعه وأتى بالصواب وأراح كل قاض ومفت من الأتعاب وسهّل لهم معرفة المذهب وقرّب لهم المقصد والمطلب " ومن هنا اشتهر هذا الكتاب لدى أعيان المذهب باسم " التصحيح " وسمي مؤلفه " بالمصحح " لأنه صحح المقنع في مسائله وعباراته ومع هذا العمل الجليل الذي قدمه المرداوي للمذهب إلا أنه رحمه الله ترك مسائل كثيرة في كتابه فلم يتناولها في التصحيح، كما أنه أسقط من كلام موفق الدين ابن قدامة أشياء كان يجب المحافظة عليها وبقاؤها مثل الشروط والقيود والاستثناءات الصحيحة في المذهب. كما أنه - رحمه الله - كان يحيل الحكم في بعض الأحيان على المقنع ويطلقه من غير تقييد. فلهذه المقتضيات وغيرها ظهرت الحاجة الشديدة للجمع بين هذين الكتابين - المقنع والتنقيح - حتى يتم المقصود في وجود متن يعتمد القول الصحيح في المذهب بعبارة سليمة واضحة المقصود. فظهرت لهذه المهمة الشاقة - الجمع بين المقنع والتنقيح - فيما أعلم ثلاث محاولات: الأولى: قام بها العلامة أحمد بن عبد الله بن أحمد العسكري الصالحي) تلميذ المصحح المرداوي رحمه الله، في كتابه (المنهج في الجمع بين المقنع والتنقيح) إلا أنه توفي قبل أن يتم كتابه فقد وصل فيه إلى الوصايا. الثانية: قام بها الشيخ أحمد الشُّوَيْكِي رحمه الله في كتابه " التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح " وقد وصف كتابه هذا بوضوح العبارة حتى قيل إنه متن كالشرح.

أهمية الكتاب

الثالثة: قام بها تقي الدين محمد بن أحمد الْفَتُوحِي الشهير بـ " ابن النجار " في كتابه " منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات " ووصف علماء المذهب هذا الكتاب بأنه معقد العبارة ومع هذا فهو عمدة المتأخرين وقد لقي قبولاً كبيراً وحظي بالشروح والتعليقات] وبعد ذلك جاء الشيخ مرعي فاختصر منتهى الإرادات في كتابه دليل الطالب لنيل المطالب. أهمية الكتاب يعتبر كتاب دليل الطالب لنيل المطالب من المتون المختصرة المعتمدة عند متأخري علماء المذهب الحنبلي. لا يذكر فيه مؤلفه خلافاً في المسائل، وإنما يقتصر على رواية واحدة وهي ما صححه المحققون من علماء المذهب وما صار عليه مدار الفتوى عند المرجحين المتقنين كأمثال ابن قدامة (المقنع) والمرداوي (التنقيح المشبع) وابن النجار (منتهى الإرادات). وقد أشار الشيخ مرعي في مقدمة كتابه دليل الطالب إلى ذلك فقال: (وبعد فهذا مختصر في الفقه على المذهب الأحمد مذهب الإمام أحمد بالغت في إيضاحه رجاء الغفران وبينت فيه الأحكام أحسن بيان لم أذكر فيه إلا ما جزم بصحته أهل التصحيح والعرفان وعليه الفتوى فيما بين أهل الترجيح والإتقان). وقال ابن بدران: [ ... حرر مسائله على الراجح من المذهب] وقال د. بكر أبو زيد: [ ... بناه على الراجح من المذهب] وعليه فمن أهم ميزات كتاب دليل الطالب: 1 - متن مختصر. 2 - مشهور بين أتباع المذهب. 3 - دقيق العبارة. 4 - سهل العبارة يخلو من التعقيد والإلغاز. 5 - يخلو من ذكر الدليل وهذا شأن المختصرات. 6 - اقتصر على رواية واحدة وهي الراجحة في المذهب.

منهجي في الشرح

7 - المسائل مرتبة ترتيباً جيداً. 8 - يفصل بذكر الشروط والأركان والفروض والواجبات والسنن والمحرمات والمكروهات والمبطلات والقيود والاستثناءات. ولذلك فقد عُنِيَ به المتأخرون من الحنابلة دراسةً وشرحاً وتحشيةً ونظماً وذلك لما عرفوه من غزارة علمه وكثرة فوائده ... وما اعتنوا به إلا لجلالة قدره عندهم ومعرفتهم بما تضمنه من التحقيق. منهجي في الشرح 1 - أشرح عبارة المؤلف بما يزيل ما فيها من إبهام إن كانت مستغلقة. 2 - أقسم المتن إلى مسائل. 3 - أضع تصورا لهذه المسائل إن كانت مستغلقة بما يُجليها بإذن الله؛ لأن الحكم على شيء فرعٌ عن تصوره. 4 - إن خالف الشيخ مرعي شرطه واختار قولا ضعيفا في المذهب أبين ذلك - وهو قليل -. 5 - أستدل للرواية الراجحة في المذهب بأشهر الأدلة وأقواها دلالة على محل النزاع ولا أشترط على نفسي استيعاب الأدلة؛ لأن هذا يطول ويخرجنا عن المقصود. 6 - أبين الراجح من الأقوال في المسائل مؤيدا كلامي بأشهر الأدلة وأقواها دلالة على محل النزاع. 7 - بالنسبة للتعاريف الذي يذكرها الماتن فلن أتعرض لنقدها بإضافة قيود وفواصل غير مذكورة في تعريف الماتن جريا وراء جعل الحد جامعا مانعا فمجال ذلك في الشرح الموسع بإذن الله وسوف أقتصر على التنبيهات المباشرة التي تمس الأجناس والفواصل التي يذكرها الشيخ في تعريفه. وهذا أوان الشروع في المقصود. والله المستعان وعليه البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

مقدمة الماتن:

مقدمة الماتن: قال الشيخ مرعي - رحمه الله -: بسم الله الر حمن الرحيم، وبه ثقتي. الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مالك يوم الدين. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبين لأحكام شرائع الدين الفائز بمنتهى الإرادات من ربه فمن تمسك بشريعته فهو من الفائزين صلى الله وسلم عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى آل كل وصحبه أجمعين. وبعد: فهذا مختصر في الفقه على المذهب الأحمد مذهب الإمام أحمد بالغت في إيضاحه رجاء الغفران وبينت فيه الأحكام أحسن بيان لم أذكر فيه إلا ما جَزم بصحته أهل التصحيح والعرفان وعليه الفتوى فيما بين أهل الترجيح والإتقان وسميته بـ "دليل الطالب لنيل المطالب". والله أسأل أن ينفع به من اشتغل به من المسلمين وأن يرحمني والمسلمين إنه أرحم الراحمين.

مسألة - أقسام الماء ثلاثة:

ـ[وأقسام الماء ثلاثة: أحدها: طهور وهو الباقي على خلقته يرفع الحدث ويزيل الخبث .. ]ـ مسألة - أقسام الماء ثلاثة: طهور وطاهر ونجس، فالطهور طاهر في نفسه مطهر لغيره، والطاهر هو الماء المتغير بطاهر يشرط ألا يخرجه عن كونه ماء ففرق بين أن نقول هذا ماء وقع فيه حبر وبين أن يغلب الحبر على أجزاء الماء حتى نقول هذا حبر فيه ماء، أو أن نقول: ماء في تراب، وطين. فالكلام في النوع الأول لا الثاني لأنه خرج عن إطلاقه ولم يشمله اسم الماء، والقسم الثالث هو الماء النجس، وسيأتي تفصيل الكلام على هذه الأنواع بإذن الله تعالى. وفي المذهب رواية أخرى بأن قسمة الماء ثنائية طهور ونجس، وقد انتصر لهذه الرواية تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (21/ 24) واختار أن الماء الذي تغير بالطاهرات كالأشنان والصابون والسدر والعجين وغير ذلك مما يغير الماء فإنه طهور ما لم يخرج عن إطلاقه وقد توسع في الاستدلال لذلك ومن الأدلة التي ذكرها: 1 - أن الذين ذهبوا إلى أن القسمة ثلاثية فرقوا بين المتماثلات فحكموا مثلا بطهورية الماء المتغير بما يشق صون الماء عنه كالطحلب وورق شجر ما لم يوضعا، فإن وضع قصدا فإنه يكون طاهرا وكذلك التفريق بين لملح المعدني والمائي في تغيير الماء وسيأتي الكرم تفصيليا على هذه الأنواع. 2 - قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) وقوله: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) نكرة في سياق النفي فيعم كل ما هو ماء لا فرق في ذلك بين نوع ونوع فإن قيل إن المتغير لا يدخل في اسم الماء قيل تناول الاسم لمسماه لا فرق فيه بين التغير الأصلي والطارئ ولا بين التغير الذي يمكن الاحتراز منه والذي لا يمكن الاحتراز منه. 3 - ما ثبت «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وميمونة من إناء واحد في قَصْعَةٍ فيها أثر العجين» إلى غير ذلك من الأدلة.

القسم الأول وهو الماء الطهور

مسألة - تعريف القسم الأول وهو الماء الطهور: عرفه الماتن بأنه (الباقي على خلقته). • خلقته أي صفته وهي الطهورية سواء أكان هذا البقاء حقيقي أو حكمي. • حقيقي أي أن هذا الماء لم يتغير أحد أوصافه بأي مغير ولم يقيد بوصف دون آخر فهو على نفس الصفة التي خلقه الله عليه ومن أمثلته: ماء البحر وماء النهر والماء النابع من الأرض ومن العيون والآبار وما نزل من السماء من مطر وثلج وبَرَد. • والماء الماء الطهور الحكمي وهو الذي تغير ولكن بما لا يسلبه الطهورية وذلك مثل الماء المتغير بملح مائي فالملح المائي من نفس جنس الماء وسوف يأتي الكلام عليه بإذن الله، أو المتغير بما لا يمازجه كالماء المتغير بقطع الكافور الصلبة أو بالدُّهْن ويدخل فيه أيضا الماء المتغير بطول المكث وبسمى الماء الأجن أو الآسن، أو المتغير بما يشق صون الماء عنه كالطحلب وورق الشجر. كل هذا من الماء الطهور. مسألة - استعمالات الماء الطهور: قال الماتن: ـ[يرفع الحدث ويزيل الخبث .. ]ـ يرفع الحدث الأكبر والأصغر، ويزيل الخبث الطارئ على محل طاهر قبل طرؤه؛ لأن نجس العين لا يطهر فلو أن كلبا غسلناه بالماء مرات عديدة لا يطهر. وعليه فطهارة المحل من الخبث تكون بإزالته عن المكان المراد تطهيره، أو باستحالتها. فائدة - الأدلة على أن الماء الطهور يرفع الحدث ويزيل الخبث: قال تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) [الأنفال: 11] وكلمة ماء في الآية نكرة في سياق الامتنان فتعم كل ماء نازل من السماء كالثلج والبرد والمطر. ومن الأدلة أيضا على تطهير الماء للخبث ما رواه الترمذي وغيره عن أسماء بنت أبي بكر: (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه الدم

1 - ماء يحرم استعماله ولا يرفع الحدث ويزيل الخبث وهو ما ليس مباحا

من الحَيضة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلي فيه). وما رواه مسلم عن أنس (أن أعرابيا بال في المسجد فقام إليه بعض القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: («دَعُوهُ وَلَا تُزْرِمُوهُ» - معناه لا تقطعوا والإزرام القطع - قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ). وقد أجمع العلماء على التطهر بالماء الذي لم يخالطه نجاسة (¬1).وأجمعت الأمة أن الماء مطهر للنجاسات (¬2). وكون الماء الطهور يرفع الحدث ويزيل الخبث هو الأصل إلا أن هذا الماء قد يعرض له ما يفقده أو يقلل من عمله في أحد الاستعمالين وذلك تكلم الماتن عن أنواع هذا الماء فقال: ـ[وهو أربعة أنواع: 1 - ماء يحرم استعماله ولا يرفع الحدث ويزيل الخبث وهو ما ليس مباحا .. ]ـ • وقوله: (ما ليس مباحا) أي كمغصوب أو مسروق، أو ما أُشتري بمال مغصوب أو مسروق، أو بماء مسبل لشرب، أو ماء آبار ديار ثمود - إلا بئر الناقة - (¬3) ونحو ذلك. مسألة: الماء الطهور الغير مباح يحرم استعماله. نعم من استعمل ماء مغصوبا مثلا فعليه إثم الغصب ويأثم لغصبه هذا الماء وهكذا الكلام على باقي أنواع الماء الغير مباح. ¬

_ (¬1) انظر: مراتب الإجماع لابن حزم (ص/16)، الإقناع في مسائل الإجماع لابن القَطان (1/ 80). (¬2) انظر التمهيد لابن عبد البر (1/ 330)، بداية المجتهد لابن رشد (1/ 106)، الإقناع لابن القَطان (1/ 80). (¬3) لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يهريقوا ما استقوا من بئرها، وأن يعلفوا الإبل العجين الذي اعتجنوه بمائها، وأمرهم أن يستقوا من بئر الناقة.

مسألة: الماء الطهور الغير مباح لا يرفع الحدث.

مسألة: الماء الطهور الغير مباح لا يرفع الحدث. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 28 - 29): (وأما الوضوء بالماء المغصوب: فالصحيح من المذهب: أن الطهارة لا تصح به. وهو من مفردات المذهب. وعنه: تصح وتكره , واختاره ابن عَبْدُوس في تذكرته). قال ابن رجب في "قواعده": (وإن كان - أي الشرط - لا يختص بها ففي الصحة روايتان أشهرهما عدمها). والقول بالبطلان في هذه الحالة هو الصحيح من مذهب أحمد إلا أن الأقوى أنه يقتضي الفساد لا البطلان، وهذا هو ما اختاره الطوفي وغيره، قال الطوفي في مختصره بعد أن استعرض الأقوال في المسألة: (والمختار أن النهي عن الشيء لذاته، أو وصف لازم له مبطل، ولخارج عنه غير مبطل، وفيه لوصف غير لازم تردد، والأولى الصحة). إذن من تطهر من ماء غير مباح يأثم لغصبه واستعماله هذا الماء الغير مباح، وفي المذهب لا يرتفع حدثه، والراجح أنه يرتفع حدثه مع الإثم. مسألة: الماء الطهور الغير مباح يزيل الخبث. قال البهوتي في "المنح الشافيات" (1/ 135): (وأما إزالة النجاسة بالماء فلا يشترط فيها إباحته لأنها من قبيل التروك) وهذا القول هو الراجح فيرتفع الحدث ويزول الخبث بالماء الغير مباح مع الإثم إن كان عالما ذاكرا، والأمر في إزالة الخبث أهون من رفع الحدث به؛ لأنها من باب التروك ولا يلزم فيها نية. النوع الثاني - ماء خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث. 2 - ـ[وماء يرفع حدث الأنثى لا الرجل البالغ والخنثى وهو ما خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث .. ]ـ • معنى خَلوتها بالماء: معنى الْخَلْوَة في المذهب يدور على أمرين: الأول وهو الأصح في المذهب اعتبار عدم المشاهدة، وقد اختلفوا فيمن يرفع الْخَلْوَة بمشاهدته هل يشترط فيه أن يكون مكلفاً مسلماً؟ أو لا يشترط ذلك فلو كان صبياً أو امرأة أو كافراً زالت الْخَلْوَة. قولان في المذهب كما سيأتي.

مسألة: الماء الذي خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث يرفع حدث الأنثى ولا يرفع حدث الرجل البالغ ولا الخنثى المشكل.

والثاني: اعتبار انفرادها بالاستعمال سواء شوهدت أم لا. الراجح هو اعتبار انفرادها بالاستعمال سواء شوهدت أم لا؛ وذلك لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال (وليغترفا جميعاً) فدل بمنطوقه على الجواز فيما إن شاركها زوجها، وبمفهومه على عدم الجواز إن لم يكن معها زوجها يعترف معها وسيأتي الكلام تفصيليا على هذا الحديث بإذن الله. مسألة: الماء الذي خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث يرفع حدث الأنثى ولا يرفع حدث الرجل البالغ ولا الخنثى المشكل. فائدة: لماذا لا يرفع حدث الخنثى؟ رجح أنه هذا الماء الذي خلت به المرأة لا يرفع حدث الخنثى فرجح جانب الحظر وذلك احتياطا للعبادة لاحتمال أن يكون رجلا. إذن الراجح في المذهب أن هذا الماء يجوز استعماله في شتى أنواع الاستعمال للرجل والمرأة غير أنه لا يزيل حدث الرجل الأصغر أو الأكبر وكذلك الخنثى ويرفع حدث الأنثى والصبي وعلة المنع تعبدية. ومن الأدلة على منع تطهر الرجل بفضل طهور المرأة ما رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وغيرهم - وصححه الشيخ الألباني - عنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ الْأَقْرَعُ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ». ويستدل للجواز بما رواه مسلم في "صحيحه" (1/ 257) (323) عن ابْنُ جُرَيْجٍ، قال أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: أَكْبَرُ عِلْمِي، وَالَّذِي يَخْطِرُ عَلَى بَالِي أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ، أَخْبَرَنِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ». الترجيح: وقد سلك العلماء عدة مسالك في الجمع والترجيح بين هذه الأحاديث، وأولاها حمل النهي على للتنزيه وقرينة الصرف أحاديث الجواز، والحديث الذي ذكرته في أدلة الجواز ترد على من جمع بأن النهي محمول على الخلوة.

النوع الثالث:

النوع الثالث: ـ[3 - وماء يكره استعماله مع عدم الاحتياج إليه وهو ماء بئر بمقبرة وماء اشتد حره أو برده أو سخن بنجاسة أو بمغصوب أو استعمل في طهارة لم تجب أو في غسل كافر أو تغير بملح مائي أو بما لا يمازجه كتغيره بالعود القماري وقطع الكافور والدهن ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبث .. ]ـ قوله: (يكره استعماله) أي في طهارة أو في أكل وشرب، ونحو ذلك. قوله: (مع عدم الاحتياج إليه) ومفهوم المخالفة أن الكراهة تزول عند تعينه بالحاجة إليه كأن لا يوجد غيره، قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 16): (فإن لم يجد غيره تعين, وكذا يقال في كل مكروه, إذ لا يترك واجب لشبهة). مسألة - يكره استعمال ماء بئر بمقبرة مع عدم الاحتياج إليه. الراجح هو جواز التطهر من هذا الماء بلا كراهة؛ لأن الكراهة حكم شرعي يحتاج لدليل ولا دليل، والشك في نجاسة الماء لا تجعل الطهارة منه مكروهة لأن الأصل في الماء الطهورية ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين. مسألة - يكره استعمال ماء اشتد حره أو برده مع عدم الاحتياج إليه. قال ابن ضويان في " منار السبيل" (1/ 16): (لأنه يؤذي ويمنع كمال الطهارة). وعلى ذلك فاستعمال هذا الماء إن لم يكن منه ثمَّ ضرر ولم يؤد استعماله إلى عدم استيعاب الأعضاء ولم يقصد المشقة على نفسه من استعماله فلا يخلو الأمر من كراهة نظرا لشدة برده أو حره مما يظن معه عدم إسباغه للوضوء. مسألة - يكره استعمال الماء المسخن بنجاسة مع عدم الاحتياج إليه. لاحظ أن هذه المسألة مفترضة فيما إذا كان الوقود نجسا فأما الطاهر كالخشب والقصب والشوك فلا يؤثر باتفاق العلماء وكذلك أرواث ما يؤكل لحمه من الإبل والبقر والغنم والخيل فإنها طاهرة في أصح قولي العلماء. عندنا في هذه المسألة ثلاثة أقسام: الأول - أن يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء، والقول المعتمد

مسألة - يكره استعمال الماء المسخن بمغصوب مع عدم الاحتياج إليه.

في المذهب أنه ينجسه إذا كان الماء يسيرا، والراجح أنه لا ينجسه إلا أن تغير، وسيأتي الكلام في ذلك بإذن الله. الثاني - أن يكون الحائل بين الوقود النجس والماء حصين - أي محكم ومنيع. الثالث - أن يكون الحائل بين الوقود النجس والماء غير حصين فالمذهب فيه في القسمين روايتان بالكراهة وعدمها، واختار تقي الدين عدم الكراهة. قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي" (21/ 69): (وهذه الكراهة لها مأخذان: أحدهما احتمال وصول أجزاء النجاسة إلى الماء فيبقى مشكوكا في طهارته شكا مستندا إلى إمارة ظاهرة فعلى هذا المأخذ متى كان بين الوقود والماء حاجز حصين كمياه الحمامات لم يكره لأنه قد تيقن أن الماء لم تصل إليه النجاسة. والثاني أن سبب الكراهة كونه سخن بإيقاد النجاسة واستعمال النجاسة مكروه عندهم والحاصل بالمكروه مكروه. ثم قال: وأما دخان النجاسة فهذا مبنى على أصل وهو أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة مثل أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير ملحا طيبا كغيرها من الملح أو يصير الوقود رمادا ... فالدخان والبخار المستحيل عن النجاسة طاهر لأنه أجزاء هوائية ونارية ومائية وليس فيه شيء من وصف الخبث). وعليه فالراجح في الماء المسخن بالنجاسة أنه طهور ولا يكره التطهر به، ما لم يتحقق وصول النجاسة إليه وتغييرها له. مسألة - يكره استعمال الماء المسخن بمغصوب مع عدم الاحتياج إليه. قال الشيخ ابن جبرين في "شفاء العليل شرح منار السبيل" (ص/93): (ولعل الأرجح أن الماء المسخن بالمغصوب لا يكره لعدم الدليل على كراهته - وهذه هي الرواية الثانية عن أحمد - ولكن يأثم الغاصب - كما هو معلوم -. مسألة - يكره استعمال الماء المستعمل في طهارة لم تجب أو في غسل كافر، مع عدم الاحتياج إليه. والمقصود بالماء المستعمل هو الماء المنفصل عن أعضاء المتطهر لا الماء المتبقي الذي يعترف منه.

مسألة - يكره استعمال الماء المتغير بملح مائي مع عدم الاحتياج إليه.

والمقصود بالطهارة الغير واجبة ما كانت لا عن حدث كالتجديد والغسلة الثانية والثالثة في الوضوء لأن الحدث يرتفع بالغسلة الأولى , وكغسل الجمعة والعيدين وكالماء المستعمل في غُسل كافر لأنه لم يرفع حدثا ولم يزل خبثا (ولو) كانت كتابية؛ اغتسلت من الحيض أو النفاس لحل وطء زوجها المسلم لأن هذا الغسل لا يسلب الماء طهوريته لعدم أهليتها للنية. ونحو ذلك. والمذهب فيه روايتان في طهورية هذا الماء. والراجح عدم كراهة هذا الماء، قال الشيخ ابن جبرين: (لأنه ماء طاهر قد لاقى محلا طاهرا فبقي طاهرا غير مكروه بوجه من الوجوه، ولا دليل لمن قال بكراهته). ومما يستدل به على طهارة هذا الماء ما رواه أبو داود (1/ 32) (130) عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ - رضي الله عنها - (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده) حسنه ابن حجر، والماء المتبقي في يده - صلى الله عليه وسلم - يحتمل أنه يكون بعد الغسلة الأولى لليد، فيكون مسح الرأس بماء استعمل في رفع حدث، فيدل على مسألتنا بالأولى، ويحتمل أن يكون بعد الغسلة الثانية أو الثالثة فيكون على هذا الاحتمال دليلا في مسألتنا. مسألة - يكره استعمال الماء المتغير بمَلح مائي مع عدم الاحتياج إليه. المَلح المائي هو الملح المنعقد من الماء، ويمكن الحصول عليه من الملاحات البحرية التي تتكون من تبخر الماء. والملح المائي هو الملح المستخدم في الطعام، وهو يمازج الماء ويذوب فيه فيكسبه طعما مالحا. وقيده بالمائي: احترازاً من الملح المعدني، وهو ما يستخرج من باطن الأرض فهذا يسمى ملحاً معدنياً، أو حجريا، والملح المعدني في المذهب إذا خالط الماء فإن يسلبه الطهورية، ويجعله طاهرا غير مطهر. والمذهب به روايتان في سلب الملح المائي لطهورية الماء. وفيه أيضا روايتان في الحكم بكراهيته. الشرع لا يفرق بين المتماثلات فهذا الماء الذي وضع فيه ملح مائي هو من ناحية النتيجة كماء البحر، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على طهورية ماء

• تنبيه:

البحر والحكم على الأول بالكراهة دون الثاني، فالراجح أن هذا الماء طهور ولا كراهة في استعماله في رفع الحدث. • تنبيه: قول المرداوي عن هذا النوع من الماء: (أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.) يدل على أن المذهب عدم كراهة الماء المتغير بالملح المائي على خلاف ما اختاره الشيخ مرعي، ولعله راعى الخلاف. وجعل علة الكراهة مراعاة الخلاف لا يصح فالخلاف ليس من الأدلة الشرعية حتى تعلل به الكراهة كما أنه يقل أن تجد مسألة إلا وفيها خلاف بين العلماء فهل يصح أن نحكم على كل هذه المسائل بالكراهة مع أن الخلاف في كثير منها قد لا يكون معبرا ولا حظ له من النظر. مسألة - يكره استعمال الماء المتغير بما لا يمازجه كتغيره بالعود الْقَمَارِيّ وقطع الكافور والدُهْن مع عدم الاحتياج إليه. المسألة مفترضة في تغير الماء بما لا يمازجه ولذلك قيدنا الكافور بأنه قطع فإنه لو كان غير قطع لخالط. العود الْقَمَارِيّ: منسوب إلى قِمار - بكسر القاف - موضع ببلاد الهند. والمذهب فيه روايتان في كراهة هذا النوع من الماء والراجح أنه طهور ولا يكره التطهر به، وطالما أن ما ذكر لا يمازج الماء فإنه لا يخرجه عن إطلاقه، فتشمله الأدلة التي سبق ذكرها عند الانتصار لكون قسمة الماء ثنائية لا ثلاثية. والتعليل بالخلاف عليل كما سبق. مسألة - ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبث. الراجح القول بكراهة الاغتسال منه وإزالة الخبث وجواز الوضوء بلا كراهة: ومن الأدلة على جواز الوضوء منها ما رواه ما عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (1/ 76) بإسناد حسن عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مطولا

النوع الرابع - ماء لا يكره استعماله:

وفيه: (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَجْلٍ من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ). وحجة من ذهب إلى منع الاغتسال منها: قول العباس بن عبد المطلب وهو قائم عند زمزم وهو يرفع ثيابه بيده وهو يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ، وَلَكِنْ هِيَ لِشَارِبٍ أَحْسَبُهُ» قَالَ: «وَمُتَوَضِّئٍ حِلٌّ وَبِلٌّ» رواه عبد الرزاق وأحمد في العلل وإسناد أحمد حسن، ونحوه عن ابن عباس عند عبد الرزاق وغيره ورواته ثقات. ومعنى قوله: (حِلٌّ وَبِلٌّ) البِل المباح بلغة حِمْيَر بكسر الباء والمعنى أنها للمحرم حلال مباحة، وقيل: حِل وبَلّ، والبَلّ هو: الشفاء من قولهم بل من مرضه بَلّا: بَرَأَ وصَحَ كما قال فيها: شِفاء سُقْم. والمعنى أنها حلال للمحرم شفاء من الأمراض (¬1). النوع الرابع - ماء لا يكره استعماله: ـ[4 - وماء لا يكره استعماله كماء البحر والآبار والعيون والأنهار والحمام والمسخن بالشمس والمتغير بطول المكث أو بالريح من نحو ميتة أو بما يشق صون الماء عنه كطحلب وورق شجر ما لم يوضعا .. ]ـ مسألة - ماء البحر لا يكره استعماله: والدليل قوله صلى الله عليه وسلم عندما سأله رجل: يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته). مسالة - ماء الآبار والعيون والأنهار لا يكره استعماله: قال ابن ضويان في "منار السبيل" (1/ 16): (لحديث أبي سعيد قال قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب وَالنَّتَن فقال صلى الله عليه وسلم: (الماء طهور لا ينجسه شيء) رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وحديث: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم ¬

_ (¬1) انظر مشارق الأنوار مادة (ب ل ل).

مسألة - ماء الحمام لا يكره استعماله:

خمس مرات هل يبقى من درنه شيء (¬1)). مسألة - ماء الحمّام لا يكره استعماله: الحمّام مشدد، وهو مشتق من الحميم، والحميم الماء الساخن، ومن سمى الحمَّام حَمَّامًا لإسخانه من دخله، وقيل للمحموم محمومًا لسخونة جسده بالحرارة. قال ابن ضويان في "منار السبيل" (1/ 17) معللا عدم كراهة استعمال ماء الحمام: (لأن الصحابة دخلوا الحمام ورخصوا فيه (¬2) ومن نقل عنه الكراهة علل بخوف مشاهدة العورة أو قصد التنعم به ذكره في المبدع وروى الدارقطني بإسناد صحيح عن عمر أنه كان يسخن له ماء في قُمْقُم فيغتسل به (¬3) وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر إنه كان يغتسل بِالحَمِيمِ - أي الماء المسخن -. (¬4)). مسألة - الماء المسخن بالشمس لا يكره استعماله: وما ورد من أن الماء المشمس يورث البرص لا يصح، فقد مرفوعا ورد عن عائشة، وأنس، وموقوفا على عمر - رضي الله عنهم -، ولا يصح شيء منها، وانظر الإرواء (1/ 50) (18) فقد فصل القول في بيان عللهم وحكم على حديث عائشة بالوضع. مسألة - الماء المتغير بطول المكث لا يكره استعماله: قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 26): (الماء الآجن وهو الذي يتغير بطول مكثه في المكان من غير مخالطة شيء يغيره باق على إطلاقه في قول أكثر أهل العلم. قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم على الوضوء بالماء الآجن من غير نجاسة حلت فيه جائز غير ابن سيرين فإنه كره ذلك وقول الجمهور أولى فإنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ من بئر كأن ماءه نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، أي ماء نقع فيه حناء - ولأنه تغير من غير مخالطة). ¬

_ (¬1) متفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) انظر مصنف ابن أبي شيبة (1/ 103). (¬3) صححه الشيخ الألباني في "الإرواء" (16). (¬4) صححه الشيخ الألباني في المصدر السابق (17).

مسألة - الماء المتغير بالريح من نحو ميتة لا يكره استعماله:

قال ابن ضويان (1/ 17): (وكذلك ما تغير في آنية الأدم والنُحاس لأن الصحابة كانوا يسافرون وغالب أسقيتهم الأدم وهي تغير أوصاف الماء عادة ولم يكونوا يتيممون معها). مسألة - الماء المتغير بالريح من نحو ميتة لا يكره استعماله: وهذه حالة خاصة مما تغير فيه أحد أوصاف الماء - أي الريح - بنجاسة، ومع ذلك لا ينجس الماء بالاتفاق؛ لأن التغير لم يكن عن مخالطة، بل عن مجاورة، وينضبط المجاور بما يمكن فصله، والممازج بما لا يمكن فصله. وصورة المسألة كأن يكون إلى جانب الماء جيفة، أو عذرة أو غيرهما، فتنقل الريح رائحة ذلك إلى الماء فتغيره، وأيضا كما لو سُدَّ فم الإناء بشجر أو نحوه فتغير منه الماء من غير مخالطة لشيء منه. قال الشيخ العثيمين في " الشرح الممتع" (1/ 35): (ولا شكَّ أن الأَوْلَى التنزُّه عنه إن أمكن، فإِذا وُجِدَ ماء لم يتغيَّر فهو أفضل، وأبعد من أن يتلوَّث بماء رائحته خبيثة نجسة، وربما يكون فيه من النَّاحية الطبيَّة ضرر، فقد تحمل هذه الروائح مكروبات تَحُلُّ في هذا الماء). وكلام الشيخ العثيمين له وجه فالأولى ترك استعمال هذا الماء إن وجد غيره. مسألة - الماء المتغير بما يشق صون الماء عنه كطحلب وورق شجر ما لم يوضع، لا يكره استعماله: والحكم بعدم الكراهة هنا للمشقة الناتجة عن عدم انفكاكه وصعوبة التحرز منه، والمشقة تجلب التيسير، بعكس ما لو وضع قصدا، أو لم يكن مما يشق التحرز منه كما سيأتي. لاحظ أن جمهور الحنابلة الذين قسموا الماء قسمة ثلاثية مثلوا للنوع الأول وهو الطهور ببعض المتغيرات وتحكموا في التفريق بين المتماثلات في التغير كأن يتغير عن مخالطة، أو عن مجاورة، وفرقوا بين ما يشق صون الماء عنه وما لا يشق، وبين وضع ما وضع قصدا، وما لم يوضع قصدا، وحكموا على بعضها بالكراهة، وبعضها بعدم الكراهة، وهذا مما يؤكد أن الراجح ما اختاره تقي الدين من أن قسمة الماء ثنائية، وقد سبق بعض كلامه.

القسم الثاني - الماء الطاهر:

القسم الثاني - الماء الطاهر: ـ[الثاني: طاهر يجوز استعماله في غير رفع الحدث وزوال الخبث .. ]ـ بدأ الماتن - رحمه الله - في الكلام على القسم الثاني من أقسام المياه التي ذكرها، وهو الماء الطاهر - أي في نفسه الغير مطهر لغيره -. مسألة - الماء الطاهر يجوز استعماله في غير رفع الحدث وزوال الخبث. كاستعماله في الطعام والشراب والعجن والتبرد ونحو ذلك من العادات. مسألة - الماء الطاهر لا يجوز استعماله في رفع الحدث. الراجح أن بعض أنواعه لا يزال بها الحدث اتفاقا لخروجها عن إطلاق الماء، والبعض الراجح عدم سلب طهوريته بتغيره كما سيأتي بإذن الله في الكلام على أنواعه. مسألة - الماء الطاهر لا يجوز استعماله في زوال الخبث. وهذه المسألة فيها خلاف في المذهب وقد اختار ابن عقيل وتقي الدين جواز إزالة الخبث بكل مائع طاهر مزيل كخل وسيأتي الكلام بإذن الله في الفائدة التالية. ـ[وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر فإن زال تغيره بنفسه عاد إلى طهوريته .. ]ـ مسألة - من الماء الطاهر ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر: معنى عبارته أن من الماء الطاهر ما تغير كثير - وهذا قيد هام فإن كان التغير قليلا فلا يدخل في كلامه - من أحد أوصافه اللون أو الطعم أو الرائحة بشيء طاهر. وهذه العبارة لابد من تقييد هذا الطاهر المُغيِّر بأمور وإلا لما استقامت العبارة وأصبحت غير صحيحة. لابد من تقييد الطاهر المُغِّير بأن يكون: 1 - من غير جنس الماء كالملح المعدني، وذلك تحرزا من الملح المائي فإنه طاهر ويغير الماء ولكنه لا يسلبه طهوريته. 2 - أن يكون بوضع ما يشق صون الماء عنه، فما يشق صون الماء عنه

فائدة - حد التغير الكثير:

كالطحلب وورق الشجر إن غيَّر الماء لا يسلبه الطهورية ولكنه إن وضع قصدا سلبه الطهورية. 3 - أن يكون غير موافق للماء في الطهورية كالتراب فإنه لا يسلب الماء طهوريته. 4 - أن يكون مما يمازج الماء كالزعفران والحبر، ونحوهما، وذلك تحرزا مما لا يمازجه كالدُهْن فإنه لا يسلب الماء طهوريته. 5 - ألا يكون في محل التطهير تحرزا مما لو كان التغير في محل التطهير فإنه لا يسلبه الطهورية وسيأتي الكلام على هذه المسألة بإذن الله. 6 - ألا يكون تمرا ويصير نبيذا ويشتد، وهذه حالة خاصة من التغير الكثير لأحد أوصاف الماء بالطاهر وتحوله إلى طاهر أيضا، فالنبيذ إذا اشتد أو أتى عليه ثلاثة أيام فإنه يصير نجسا، وسيأتي الكلام على هذه المسألة - إن شاء الله -. فائدة - حد التغير الكثير: هناك أنواعا من التغير تخرج الماء عن إطلاقه بحيث لا يسمى ماء بإطلاق بل يسمى مضافا. قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 24): (إن المضاف لا تحصل به الطهارة وهو على ثلاثة أضرب أحدها: ما لا تحصل به الطهارة رواية واحدة وهو على ثلاثة أنواع أحدها ما اعتصر من الطاهرات كماء الورد وماء القرنفل وما ينزل من عروق الشجر إذا قطعت رطبة. الثاني: ما خالطه طاهر فغير اسمه وغلب على أجزائه حتى صار صبغا أو حبرا أو خلا أو مرقا ونحو ذلك. الثالث: ما طبخ فيه طاهر فتغير به كماء الباقلا المغلي فجميع هذه الأنواع لا يجوز الوضوء بها ولا الغسل ... قال أبو بكر بن المنذر أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم أن الوضوء غير جائز بماء الورد وماء الشجر وماء العصفر ولا تجوز الطهارة إلا بماء مطلق يقع عليه اسم الماء ولأن الطهارة إنما تجوز بالماء وهذا لا يقع عليه اسم الماء بإطلاقه).

مسألة - فإن زال تغير الماء الطاهر بنفسه عاد إلى طهوريته.

وغير هذه الأنواع مما سبق ذكره لا تخرج الماء عن إطلاقه وتدخل على الراجح في الماء الطهور. مسألة - فإن زال تغير الماء الطاهر بنفسه عاد إلى طهوريته. وتعقب اللبدي قوله (بنفسه) فقال في "حاشيته على نيل المآرب" (ص/12): (ليس بقيد, بل إن زال تغيره بإضافة ونحوها عاد إلى طهوريته). إذن يعود الماء الطاهر المتغير لطهوريته بزوال التغير بنفسه، أو بضم شيء إليه وفي الأخير تفصيل سوف يأتي بإذن الله. ـ[ومن الطاهر: ما كان قليلا واستعمل في رفع حدث .. ]ـ • حد القِلة: وحد القلة هو ما كان دون القلتين قال ابن قدامة في "الكافي" (1/ 7): (جعلت القلتان حدا بين القليل والكثير) وسوف يأتي بإذن الله الكلام على تحديد القُلة. • معنى الاستعمال: سبق بيان معنى الاستعمال وأنه هو الماء المنفصل عن أعضاء المتطهر لا الماء المتبقي الذي يعترف منه. • جميع الأحداث سواء: قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 29): (جميع الأحداث سواء فيما ذكرنا - أي في سلبها لطهورية الماء القليل باستخدامها فيه - الحدث الأصغر والجنابة والحيض والنفاس وكذلك المنفصل من غسل الميت إذا قلنا بطهارته - وذلك لأن هناك رواية أخرى في المذهب بنجاسة المستعمل في غسل الميت -. مسألة - من الطاهر ما كان قليلا واستعمل في رفع حدث: والمذهب به ثلاث روايات في هذا الماء الرواية المقدمة والتي عليها جماهير الأصحاب وهي ما اختارها الماتن أنه طاهر مسلوب الطهورية، والثانية أنه طهور، والثالثة انه نجس. • يستدل للرواية المصححة في المذهب -: بما رواه مسلم عن أبي السَّائِبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» فَقَالَ: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: «يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا».

وجه الاستدلال: قال الزركشي في "شرحه على مختصر الخرقي" (1/ 13): (فلولا أن الغسل فيه لا يجزئ، وأن طهوريته تزول لم ينه عن ذلك). المناقشة: العلة غير منصوصة والجزم بأنها لخروجه عن الطهورية تحكم بلا دليل، والأولى أن تكون العلة النهي عن الاغتسال فيه لئلا يصير مستخبثا بتوارد الاستعمال فيبطل نفعه. والدليل على أنه لا يصير مستعملا فهم أبو هريرة للحديث وقوله بأن يجوز أن يتناول منه للاغتسال أو الوضوء كما ورد في بعض طرق الحديث فدل على أن غمسه يده فيه للتناول بنية رفع الحدث لا تخرج الماء عن طهوريته. ومن الأدلة على أنه غير مسلوب الطهورية: • - ما سبق ذكره من أدلة تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل بفضل نسائه من الجنابة، وهذا الماء لا يسلم من تطاير رشاش إليه وتناول ونحو ذلك، وقد علل النبي اغتساله من هذا الماء بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أحمد (6/ 330) من حديث ميمونة - رضي الله عنها - مرفوعا: (الماء ليس عليه جنابة أو لا ينجسه شيء) وله شواهد يصح بها يدل على أنه لا ينتقل إليه الحدث. • - وأيضا قال ابن حزم في " المحلى" (1/ 184): (لا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن كل متوضئ فإنه يأخذ الماء فيغسل به ذراعيه من أطراف أصابعه إلى مرفقه وهكذا كل عضو في الوضوء وفي غسل الجنابة وبالضرورة والحس يدري كل ما مشاهد لذلك أن ذلك الماء قد وضئت به الكف وغسلت ثم غسل به أول الذراع ثم آخره وهذا ماء مستعمل بيقين ثم إنه يرد يده إلى الإناء وهي تقطر من الماء الذي طهر به العضو فيأخذ ماء آخر للعضو الآخر فبالضرورة يدري كل ذي حس سليم أنه لم يطهر العضو الثاني إلا بماء جديد قد مازجه ماء آخر مستعمل في تطهير عضو آخر وهذا ما لا مَخْلَصَ منه).

ما كان قليلا وانغمست فيه كل يد المسلم المكلف النائم ليلا نوما ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثا بنية وتسمية وذلك واجب

ولا وجه لقول من فرق بين الماء الذي يجري على يد المغتسل وعضو المتوضئ على وجه الاتصال وبين الماء المنفصل أو الذي ينتقل من عضو لعضو آخر لا يتصل به، وذلك لأن علة كونه مستعملا عندهم أن الحدث انتقل إليه بعد أن رفعه عن العضو فلا فرق بين أن ينفصل حقيقة عن العضو أو يبقى عليه بعد رفع الحدث عنه. • ومن الأدلة أيضا كل ما سبق من أدلة تدل على أن قسمة الماء ثنائية فمفادها عدم وجود هذا القسم وان ما كان من الماء متغيرا تغيرا حكميا باستعماله في رفع حدث يدخل في الماء الطهور؛ لأنه ليس بنجس ولا يكون مسلوب الطهورية. الترجيح: وبعد فالراجح هو كون الماء المستعمل في إزالة حدث طهور، وأن هذا الاستعمال لا يسلبه طهوريته. ـ[ما كان قليلا وانغمست فيه كل يد المسلم المكلف النائم ليلا نوما ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثا بنية وتسمية وذلك واجب .. ]ـ • التقييد بكون الماء دون القلتين: قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 38): (محل الخلاف إذا كان الماء الذي غمس يده فيه دون القلتين أما إن كان قلتين فأكثر فلا يؤثر فيه الغمس شيئا بل هو باق على طهوريته قاله الأصحاب وهو واضح). • حكم غسلها قبل الغمس: الخلاف هنا مبني على الخلاف في وجوب غسلها إذا قام من النوم، فمن قال بالوجوب فإن الغمس عنده يؤثر في الماء - بناء على القسمة الثلاثية - ويسلبه طهوريته، ومن قال بالاستحباب فلا يسلبه طهوريته، ويكون كالطهارة المستحبة. الماتن هنا عد هذا القسم من الماء المسلوب الطهورية يعني الغمس يؤثر في الماء إذن هو يرجح وجوب غسل اليدين إذا قام من النوم قبل غمسها في الإناء

• هل يشترط أن يكون مسلما مكلفا:

وهذا صريح في عبارته حيث قال في آخرها: (قبل غسلها ثلاثا بنية وتسمية وذلك واجب). روى البخاري (1/ 72) (160)، ومسلم (1/ 233) (278) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده) وليس عند البخاري التثليث. وهذا الحديث ظاهر في وجوب غسل اليد ثلاثا قبل أن يغمسها في الإناء، وقد اعتذر الجمهور عن الوجوب بأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب إلى الندب. وقد ردَّ ذلك الشوكاني فقال معقبا في "نيل الأوطار" (1/ 170): (وقد دفع بأن التشكيك في العلة لا يستلزم التشكيك في الحكم وفيه أن قوله: (لا يدري أين باتت يده) ليس تشكيكا في العلة بل تعليلا بالشك وأنه يستلزم ما ذكر). • هل يشترط أن يكون مسلما مكلفا: ظاهر قول الماتن - رحمه الله -: (المسلم المكلف) أن غمس الكافر، أو الصبي، والمجنون لا يؤثر في الماء، وهذا الظاهر صححه المرداوي، ومال إليه ابن قدامة في "المغني"، واختاره المجد في "شرح الهداية"، وغيرهم، والذي أراه أنه لا فرق بين غمس وغمس - على اعتبار أن الغمس يسلب الماء طهوريته- وذلك لأن الشارع جعل غمس القائم من النوم يده في الإناء سببا لسلب الماء طهوريته، وهذا من الأحكام الوضعية، ومن استدل على التفريق فقد نظر إليه من ناحية الحكم التكليفي على أن الأقوى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة على أصح قولي المذهب بشرط تقدم الإسلام. أضف أن شمول الحكم للكافر والصبي والمجنون أولى من المسلم العاقل البالغ فالصبي لا يحسن الطهارة والكافر لا يستنزه من البول، والمجنون لا يعقل فهؤلاء أولى بسلب الماء طهوريته من المسلم العاقل البالغ الذي يحسن الطهارة ويستنزه من بوله. • هل يختص النوم بنوم الليل؟ قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: (أين باتت يده) يدل على أن النوم

• اشتراط النية:

المؤثر ما كان ليلا فالبيتوتة هي الدخول في الليل، وهو المذهب. قال الخليل بن أحمد: (البيتوتة دخولك في الليل تقول بت أصنع كذا إذا كان بالليل. وبالنهار ظللت ومن فسر بات على النوم فقد أخطأ ألا ترى أنك تقول بت أراعي النجوم معناه بت أنظر إليها فكيف نام وهو ينظر إليها وتقول أباتهم الله إباتة حسنة فباتوا بيتوتة صالحة وأتاهم الأمر بياتا أي أتاهم في جوف الليل وبات يصلي). والذي أراه أن نوم النهار يلحق بنوم الليل، وأنه لا يعمل مفهوم المخالفة للحديث لأن ذكر البيتوتة فيه جريا على الغالب كقوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) [النساء: 23] فالربيبة محرمة بالشرط المذكور وإن لم تكن في الحجر. كما أن العلة متحققة في كل نوم. وقال ابن حجر في "الفتح" (1/ 263): (التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة). • اشتراط النية: خالف الشيخ مرعي الصحيح من المذهب واشترط النية عند الغمس ليُسلَب الماء طهوريته. وقد ذكر المرداوي في " الإنصاف" (1/ 42): أن المذهب وما عليه جماهير الأصحاب أن الغمس يؤثر سواء كان قبل نية غسلها أو بعده، وقال القاضي ويحتمل أن لا يؤثر إلا بعد النية. وقد استدل ابن ضويان لاشتراط النية بحديث: (إنما الأعمال بالنيات). والصواب عدم اشتراط النية؛ لأن العلة كما بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - هي مظنة النجاسة، وخشية تنجيس الماء، وغسل النجاسة من باب التروك لا يفتقر لنية. • اشتراط التسمية: اشترط التسمية أيضا أبو الخطاب قياسا على الوضوء، وهذا القياس مع الفارق للنص على التسمية في الوضوء دون غمس اليدين، وليس هو مثله في أحكامه فافترقا.

مسألة - من الماء الطاهر ما كان قليلا وانغمست فيه كل يد المسلم المكلف النائم ليلا نوما ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثا بنية وتسمية وذلك واجب.

مسألة - من الماء الطاهر ما كان قليلا وانغمست فيه كل يد المسلم المكلف النائم ليلا نوما ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثا بنية وتسمية وذلك واجب. والمذهب به روايتان في سلب هذا الغمس للماء طهوريته. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده) ليس فيه أن الماء يصير مستعملا، بل العلة كما هو ظاهر من الحديث هي احتمال وجود نجاسة في اليد، وكان الأولى أن يدور الخلاف بين العلماء على نجاسة الماء من عدمه، ولما كان الأصل في الماء الطهورية ونجاسة اليد مشكوك فيها فإنه لا ينتقل عن هذا الأصل بالشك، وعليه فهذا الماء طهور. النوع الثالث - الماء النجس: قال الماتن: ـ[الثالث: نجس يحرم استعماله إلا للضرورة ولا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث .. ]ـ مسألة - الماء النجس يحرم استعماله إلا لضرورة ولا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث: قال البهوتي في " كشاف القناع" (1/ 38): (والماء النجس لا يجوز استعماله بحال) لقوله تعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:157] والنجس خبيث (إلا لضرورة لقمة غص بها وليس عنده طهور ولا طاهر) لقوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة: 173] أو لعطش معصوم من آدمي أو بهيمة سواء كانت تؤكل كالإبل والبقر (أو لا) كالحمر والبغال (ولكن لا تحلب) ذات اللبن إذا سقيت النجس (قريبا) قلت: بل بعد أن تسقى طاهرا يستهلك النجس كما في الزرع إذا سمد بنجس (أو لطفي حريق متلف) لدفع ضرورة (ويجوز بل التراب به) أي بالماء النجس (وجعله) أي التراب (طينا يطين به ما لا يصلى عليه) لأنه لا يتعدى تنجيسه ولا يجوز أن يطين به نحو مسجد). ـ[وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل .. ]ـ قيد الشيخ مرعي الشق الأول من الحد بقيدين وهما: وقوع النجاسة فيه، وكونه قليلا.

مسألة - من الماء النجس ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل:

والقيد الأول تحرزا من الماء المتغير في محل تطهير النجاسة فهو طهور على الصحيح في المذهب، وذلك لأن الماء في محل التطهير هو الذي يرد على النجاسة لا أن النجاسة تقع فيه. مسألة - من الماء النجس ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل: والمذهب به روايتان في نجاسة هذا الماء الرواية المقدمة والتي عليها جماهير الأصحاب الحكم بنجاسة الماء القليل بمجرد ملاقاة النجاسة وإن لم يتغير، والرواية الثانية لا ينجس إلا يتغير أحد أوصافه اختارها ابن عقيل والشيخ تقي الدين وغيرهما. • ومن أدلة من قال بنجاسته: حديث القلتين: عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينو به من السباع والدواب فقال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث". ووجه الاستدلال بحديث القلتين: اعتبار مفهوم المخالفة فيه وذلك بأن الماء القليل، وهو ما دون القلتين تؤثر فيه النجاسة، ولأنه ولقلته قد تبقى النجاسة فيه فيفضي استعماله إلى استعمالها. مناقشة الاستدلال: ويجاب عن ذلك بأن هذا الجواب من النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما جاء جوابا لسؤال، وهذا مانع من اعتبار مفهوم المخالفة، ويكون معنى الحديث أن هذا الماء الذي تسألون عنه قد وصل من الكثرة لحد لا يحمل الخبث بل يستحيل فيه الخبث لكثرته. كما أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحمل الخبث) يدل على أنه مدار التنجيس على حمل الماء للخبث. • واستدلوا أيضا بحديث النهي عن البول في الماء الدائم: والنهي ليس من أجل تنجيسه بمجرد البول، وإنما النهي لعلل وهي: 1 - سد للذريعة؛ لأن الإذن بالبول فيه قد يفضي إلى تنجيسه من كثرة توارد من يبول فيه.

2 - لأن البول فيه يؤدي إلى استقذاره فالنفوس مجبولة على استقذار الماء الراكد الذي يبال فيه فيذهب عنهم نفعه ووجوه استعماله، ومن هنا تفهم علة النهي عن الاغتسال منه أيضا. 3 - النهي لقطع الوساوس التي تطرأ على من يستخدم الماء الذي بيل فيه. • واستدلوا أيضا بخبر البلوغ وهو قياس مع الفارق لوجود جرثومة في لعاب الكلب لا تقتل إلا بالتراب، واستدلوا بخبر الاستيقاظ وقد سبق أن بينت أن الماء طهور. أدلة من قال بعدم تنجيسه ما لم يتغير: أولا - حديث يئر بضاعة: ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري، قال: قيل: يا رسول الله، أتتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها الحيض، ولحوم الكلاب، والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»، والحديث صححه الإمام أحمد وغيره، وهو صحيح بطرقه وشواهده. والماء صيغة عموم تشمل القليل والكثير، وكما سبق فإنه ليس مع من ذهب لتخصيصه بالكثير دليل يصح. قال ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 35): (وأجمعوا على أن الماء القليل، والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت للماء طعما، أو لونا، أو ريحًا: أنه نجس ما دام كذلك) فجعل مدار التنجيس التغير لا الكثرة ولا القلة. ثانيا - تطهير بول الأعرابي: ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طهر قليل النجاسة بقليل الماء كما في حديث بول الأعرابي، وفيه دليل على أن الماء القليل الذي خالطته نجاسة ولم تغير أحد أوصافه طهور وإلا لما كان لصب الماء فائدة ولما طهر المسجد. ولا يقال أن هذا في محل التطهير لأنه كما سبق أن هذا التفريق لا يصح، والشرع لا يفرق بين المتماثلات، فنتيجة ورود الماء على النجاسة لتطهيرها هي بعينها نتيجة وقوع النجاسة في الماء، فكل منهما ماء قليل فيه نجاسة لم تغيره، فهو باق على إطلاقه.

مسألة - من الماء النجس ما كان كثيرا وتغير بالنجاسة أحد أوصافه:

الترجيح: وعليه فالراجح أن الماء القليل الذي وقعت فيه نجاسة ولم تغيره أنه باق على إطلاقه ولا يحكم بنجاسته إلا إذا تغيرت أحد أوصافه. ـ[أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه .. ]ـ مسألة - من الماء النجس ما كان كثيرا وتغير بالنجاسة أحد أوصافه: قوله: (أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه) وأما الماء الكثير فلا ينجس إلا إن تغير وقد دلَّ على ذلك الإجماع، قال ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 35): (وأجمعوا على أن الماء القليل، والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت للماء طعما، أو لونا، أو ريحًا: أنه نجس ما دام كذلك. وأجمعوا على أن الماء الكثير من النيل والبحر، ونحو ذلك إذا وقعت فيه نجاسة، فلم تغير له لوناً ولا طعما ولا ريحا: أنه بحاله، ويتطهر منه). وقال ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص/17) حيث قال: (واتفقوا أن الماء الراكد إذا كان من الكثرة بحيث إذا حرك وسطه لم يتحرك طرفاه ولا شيء منهما فانه لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته). ـ[فإن زال تغيره بنفسه أو بإضافة طهور إليه أو بنزح منه ويبقى بعده كثير طهر .. ]ـ مسألة - إن زال تغير الماء النجس بنفسه طهر. ويزول تغيره بنفسه أي بمكثه بدون إضافة أو نزح، والمقصود استحالة النجاسة فيه. مسألة - إن زال تغير الماء النجس بإضافة طهور إليه طهر. والمكاثرة هي أن يصب فيه أو ينبع فيه ماء طهور. مسألة إن زال تغير الماء النجس بالنزح منه ويبقى بعده كثير طهر. والمقصود بالنزح هو أخذ ماء من البئر ونحوه وتفريغه.

مسألة - الكثير قلتان واليسير ما دونهما وهما خمسمائة رطل بالعراقي وثمانون رطلا وسبعان ونصف سبع بالقدسي ومساحتهما أي القلتان ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا:

ـ[والكثير قلتان تقريبا واليسير ما دونهما وهما خمسمائة رطل بالعراقي وثمانون رطلا وسبعان ونصف سبع بالقدسي ومساحتهما أي القلتان ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا .. ]ـ قال ابن أبي الفتح في "المطلع" (ص: 18): (القلتان: واحدتهما قلة، وهي الجَرَّة، سميت بذلك؛ لأن الرجل العظيم يقلها بيديه، أي يرفعها، يقال: قل الشيء وأقله: إذا رفعه). وقوله والكثير قلتان تقريبا، مشكل لأن التقريب ليس لكون الكثير قلتان، وإنما التقريب يتجه لمقدارهما. وقد ذكر عصام القلعجي في حاشيته على منار السبيل أنه جاء في النسخة الأصل زيادة لفظ (من قِلاَلِ هَجَرَ) قال: (فحذفتها من هذه النسخة لأنها ليست من المتن) وقد بحثت عن هذه الزيادة في ثلاث نسخ خطية وفي بعض النسخ المطبوعة فلم أجدها، وقد أثبتها أيضا الشيخ ابن جبرين - رحمه الله - في النسخة التي كان يشرحها، ويكون على ذلك مراده بقوله: (تقريبا) أي كونهما من قِلاَلِ هَجَر، ولعله لم يشأ الجزم بكونها من هجر لعدم صحة ما ورد من المرفوع في تعيينها وسوف يأتي الكلام في ذلك قريبا - بإذن الله -. وعلى اعتبار عدم وجود هذه الزيادة فظاهر العبارة مشكل، ويتجه تأويلها لمقدارهما، ووجه صحة هذا التأويل أنه يصح إطلاق الشيء وإرادة ما يحل فيه، كقولنا: الجمرة لأنها المحل الذي يرمى فيه بالجمار، وهكذا. وكلا الوجهين في الجواب عن عبارته محتمل والثاني أولى وأوجه في حمل كلامه عليه. مسألة - الكثير قلتان واليسير ما دونهما وهما خمسمائة رطل بالعراقي وثمانون رطلا وسبعان ونصف سبع بالقدسي ومساحتهما أي القلتان ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا: مقدارهما بالرِّطْل العراقي أو القدسي: وقد قمت بحساب مقدار القلتين بالجرام فكانتا تساويان 191250 جرام أي 250 ,191 كيلوجرام.

حجم القلتين:

حجم القلتين: وحسبت حجمهما فكانتا تساويان 231.9 سم3 تقريبا. أي هو حجم مكعب طول ضلعه 3 ,77 سم تقريبا. ـ[فإذا كان الماء الطهور كثيرا ولم يتغير بالنجاسة فهو طهور ولو مع بقائها فيه .. ]ـ مقصوده بالكثير هنا ما كان قلتين وما فوقهما لأن ما دون القلتين ينجس في المذهب بمجرد الملاقاة، وما كان قلتين فأكثر لابد وأن يتغير. مسألة - الماء الطهور الكثير لا ينجس إلا بالتغير بالنجاسة ولو مع بقائها فيه. والدليل على ذلك حديث بئر بضاعة والإجماع الذي سبق ذكرهما. ـ[وإن شك في كثرته فهو نجس .. ]ـ مسألة - الماء المشكوك في كثرته ولو لم يتغير بالنجاسة نجس. ووجه الرواية المصححة في المذهب والتي اختارها الماتن من الحكم بنجاسة هذا الماء: جعل الأصل في الماء القلة وعدم بلوغه مقدار القلتين، وتيقن حلول النجاسة فيه، والمذهب أن الماء القليل ينجس بمجرد الملاقاة، فلا ينتقل عن الأصل بالشك. ملاحظة: هذا الماء لم تغير النجاسة فيه أحد أوصافه وإلا لما حصل التردد في الحكم بنجاسة مع التغير حتى وإن كان كثيرا. ولا يصح أن يقال أن هذا الماء تردد فيه بين الطهورية والتنجيس فنحكم بالطهورية، بمعنى أن هذا الماء إن كان كثيرا ولم تظهر فيه أثر النجاسة فهو طهور، وإن كان قليلا تنجس بمجرد الملاقاة، وعليه فلما تردد الماء بين الطهورية والتنجيس حكمنا بالطهورية؛ لأنا نقول أن محل هذا الكلام لو كان الشك في التنجيس لا في قلة الماء وكثرته، ومسألتنا أننا تيقنا وقوع النجاسة فلا يصح أن يقال أن الأصل في هذا الماء الطهورية للأخذ في الاعتبار بحلول النجاسة فيه. الترجيح: والراجح عندنا أن الماء لا ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وأن هذا الماء الغير

مسألة - وإن اشتبه ما تجوز به الطهارة بما لا تجوز به الطهارة لم يتحر ويتيمم بلا إراقة:

المتغير طهور. ـ[وإن اشتبه ما تجوز به الطهارة بما لا تجوز به الطهارة لم يتحر ويتيمم بلا إراقة .. ]ـ وقوله: (اشتبه) مقصوده بالاشتباه هنا مجرد اختلاط آنية الماء الطهور بآنية الماء النجس (¬1). وقوله: (ما تجوز به الطهارة) أي الماء الطهور. وقوله: (بما لا تجوز به الطهارة) ظاهره أنه يشمل الماء النجس والطاهر حقيقة أو حكما إلا أن ما ذكره من أحكام تخص النجس كما أنه الكلام لا يزال موصولا عن أحكام النجس دون الطاهر، فالماء الطاهر غير مقصود هنا. مسألة - وإن اشتبه ما تجوز به الطهارة بما لا تجوز به الطهارة لم يتحر ويتيمم بلا إراقة: تحرير محل النزاع: هناك أربعة حالات لا يتحر فيها قولا واحدا، وهي خارجة عن محل النزاع (الخلاف في المذهب): 1 - لا خلاف في المذهب أنه لا يجوز التحري إن تساوت عدد الآنية، وإنما محل الخلاف في التحري عند كثرة عدد آنية الماء الطهور، وظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز له التحري بحال، وفي رواية الجواز عند كثرة أنية الطهور، واختارها جماعة من الأصحاب. 2: 4 - وقال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 73): (محل الخلاف: إذا لم يكن عنده طهور بيقين. أما إذا كان عنده طهور بيقين. فإنه لا يتحرى، قولا واحدا. ومحل الخلاف أيضا: إذا لم يمكن تطهير أحدهما بالآخر: فإن أمكن تطهير أحدهما بالآخر: امتنع من التيمم. قاله الأصحاب؛ لأنهم إنما أجازوا التيمم هنا بشرط عدم القدرة على استعمال الطهور. وهنا هو قادر على استعماله. مثاله: أن يكون الماء النجس دون القلتين بيسير. والطهور قلتان فأكثر بيسير، أو يكون كل واحد ¬

_ (¬1) انظر المنح الشافيات (ص/147).

مسألة - ويلزم من علم بنجاسة شيء إعلام من أراد أن يستعمله:

قلتين فأكثر. ويشتبه. ومحل الخلاف أيضا: إذا كان النجس غير بول. فإن كان بولا لم يتحر، وجها واحدا. قاله في الكافي، وابن رزين، وغيرهما). روايات المذهب: قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 71): (قوله (وإن اشتبه الطاهر بالنجس لم يتحر فيهما على الصحيح من المذهب) وهو من مفردات المذهب. وعنه يتحرى إذا كثر عدد الطاهر). قال ابن ضويان في "منار السبيل" (1/ 13): (لأنه اشتبه المباح بالمحظور، فيما لا تبيحه الضرورة، فلم يجز التحري، كما لو كان النجس بولاً أو كثر عدد النجس، أو اشتبهت أخته بأجنبيات، قاله في الكافي). نعم هذا هو الراجح من أقوال المذهب فإنه إذا اجتمع حلال وحرام غلب الحرام. وأما الراجح بناء على الأدلة فإنه قد سبق وأن رجحت أن الماء لا ينجس إلا بالتغير وفي هذه الحالة لا يمكن اشتباه الطهور بغيره إلا في حالة أن يكون التنجس بلعاب الكلب ففي هذه الحالة إن استطاع التمييز بين المائين ببعض القرائن كوجود شعرات من الكلب داخل الماء مثلا، فإنه يتحرى، فإن لم يترجح له طهورية أحد الآنية فإنه يتيمم بدون إراقة؛ لأنه قد يحتاج إليه في نحو إزالة غصة عند خشية الهلاك، أو بل التراب، أو طفئ حريق متلف، ونحو ذلك من وجوه الاستعمال التي سبق ذكرها. ـ[ويلزم من علم بنجاسة شيء إعلام من أراد أن يستعمله .. ]ـ مسألة - ويلزم من علم بنجاسة شيء إعلام من أراد أن يستعمله: قال الشيخ ابن جبرين في "شفاء العليل" (ص/123): (لأن استعمال ما فيه النجاسة في العبادات لا يجوز، فالواجب على من يرى إنسانا يريد استعمال شيء فيه نجاسة من ماء أو ثياب أو نحوهما أن يخبره بذلك ليبتعد عن ما نهى الله عنه وهو من واجب النصيحة للمسلم لقوله - صلى الله عليه وسلم -:"الدين النصيحة" وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " المؤمن مرآة المؤمن" أي يكون له كالمرآة فإذا رأى فيه عيبا أو رآه يفعل خطأ نهاه عن ذلك وأرشده إلى الصواب).

باب الآنية:

باب الآنية: ـ[يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله ولو ثمينا إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما .. ]ـ الآنية هي الأوعية التي يحفظ فيها الماء وغيره، سواء كانت من الحديد، أو الخشب، أو الجلود، أو غير ذلك (¬1). ثمينة: أي كثير الثمن، كالمتخذة من جوهر وياقوت وزمرد، ونحو ذلك. تعريف المموه وما في معناه: قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 29): (إناء (مموه) وهو إناء من نحو نُحَاس يلقى فيما أذيب من ذهب أو فضة، فيكتسب لونه. (و) إناء (مَطْلِيّ) بذهب أو فضة، بأن يجعلا كَالْوَرَق ويطلى به الإناء من نحو حديد. (و) إناء (مُطَعَّمٌ) بذهب أو فضة، بأن يحفر في الإناء من نحو خشب حفرا، ويوضع فيه قطع ذهب أو فضة بقدرها. (و) إناء (مُكَفَّتٌ) بأن يبرد الإناء حتى يصير فيه شبه المجاري في غاية الدقة، ويوضع فيها شريط دقيق من ذهب أو فضة، ويدق عليه حتى يلصق). - الفرق بين الاتخاذ والاستعمال: قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 72): (هناك فرق بين الاتخاذ والاستعمال، فالاتخاذ هو: أن يقتنيه فقط إما للزينة، أو لاستعماله في حالة الضرورة، أو للبيع فيه والشراء، وما أشبه ذلك. أما الاستعمال: فهو التلبس بالانتفاع به، بمعنى أن يستعمله فيما يستعمل فيه). مسألة - يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله ولو ثمينا. الراجح إباحة استخدام الأواني الثمينة من غير النقدين. وهو قول جمهور العلماء إلا أنه لم يصح فيه الإجماع. مسألة - لا يباح اتخاذ ولا استعمال آنية الذهب والفضة. الراجح تحريم اتخاذ واستعمال آنية الذهب والفضة، وأما ما ورد في بعض ¬

_ (¬1) "الملخص الفقهي" (1/ 20).

بيان علل التحريم:

الأدلة من ذكر الأكل والشرب فقط فهو من باب التنبيه بالبعض على الكل والعلة تعمم معلولها. قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (1/ 55): ((ولا) يباح اتخاذا ولا استعمالا إناء (من ذهب و) لا من (فضة)، لحديث حذيفة مرفوعا «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة» وعن أم سلمة ترفعه «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» متفق عليهما. والجرجرة: صوت وقوع الماء بانحداره في الجوف. وغير الأكل والشرب في معناهما، لأنهما خرجا مخرج الغالب، ولأن في ذلك سرفا وخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، وتضييق النقدين). بيان علل التحريم: التشبه بالأعاجم والكفار: وقد ذكر ابن تيمية أن اتخاذ الحرير وأواني الذهب والفضة فيه تشبه بالكفار فقال في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 360): (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» متفق عليه). 2 - تضييق النقدين: قال تقي الدين في " شرح عمدة الفقه" (1/ 114): (لأن ذلك مظنة السرف باستعمال النقدين في غير ما خلقا له والله لا يحب المسرفين، ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما، ومظنة الفخر وكسر قلوب الفقراء والله لا يحب كل مختال فخور). ولا يقال أن العلة منقوضة بما أذن الشرع في استعماله كالحلي للنساء فالترخيص في ذلك للدليل، وتجويز غيرها وقياسها عليه يؤدي إلى تضييق العلة. وأما ما قيل من أن العلة هي كسر قلوب الفقراء، وقال بهذا جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة. وهذه العلة غير منضبطة فقلوب الفقراء تنكسر بالمراكب الفارهة والملابس الفاخرة والبيوت الواسعة والأطعمة اللذيذة وغير ذلك من المباحات ومع كون هذه

مسألة - تصح الطهارة بآنية الذهب والفضة وبالإناء المغصوب.

الأشياء مما ينكسر بها قلوب الفقراء لم يحرمها الشارع بل هي مباحة - ما لم يكن فيها إسراف -، وعليه فهذه العلة لا يناط بها حكم التحريم. الترجيح: والراجح أن العلة مركبة من كل ما سبق، والعلة تعمم معلولها وعليه فالنهي لا يخص الأكل والشرب فقط بل كل وجوه الاستعمال ولا يخرج عن ذلك إلا ما دلّ عليه الدليل كجواز التحلي بالذهب والفضة للنساء. مسألة - لا يباح اتخاذ ولا استعمال الآنية المموهة بالذهب أو الفضة. والقول بعدم جواز اتخاذ واستعمال هذه الآنية المموهة والمطلية - ونحو ذلك - بالذهب أو الفضة هو الأصح في المذهب وهو القول الراجح؛ لعموم الأدلة السابق ذكرها، ولتحقق علل التحريم في هذه الحالة، بالإضافة إلى أنه لا يوجد حاجة للتمويه والطلاء، بل هو من باب السرف والتزين. ـ[وتصبح الطهارة بهما وبالإناء المغصوب .. ]ـ مسألة - تصح الطهارة بآنية الذهب والفضة وبالإناء المغصوب. وقوله: (بها) أي بأن يغترف بها الماء ويصبه على أعضاء وضوئه. وكما أنه يصح بها فيصح (منها) بأن يغترف منها بيده، و (فيها) كما لو غصب حوضا يسع قلتين فأكثر، فملأه ماء مباحا وانغمس فيه بنية رفع الحدث، فيرتفع حدثه؛ لأن الإناء ليس شرطا، و (إليها) بأن يجعله مصبا لماء الوضوء والغسل، كالطَّشْت؛ لأن الماء يقع فيه بعد أن رفع الحدث. وقد رجح ابن قدامة في "المغنى" (1/ 56) قول الأكثرين بصحة الطهارة منها فقال: (يفارق هذا الصلاة في الدار المغصوبة؛ لأن أفعال الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود، في الدار المغصوبة؛ محرم؛ لكونه تصرفا في ملك غيره بغير إذنه، وشغلا له، وأفعال الوضوء؛ من الغسل، والمسح، ليس بمحرم، إذ ليس هو استعمالا للإناء، ولا تصرفا فيه، وإنما يقع ذلك بعد رفع الماء من الإناء، وفصله عنه، فأشبه ما لو غرف بآنية الفضة في إناء غيره، ثم توضأ به؛ ولأن المكان شرط للصلاة، إذ لا يمكن وجودها في غير مكان، والإناء ليس بشرط، فأشبه ما لو صلى وفي يده خاتم ذهب).

تعريف المضبب:

ـ[ويباح إناء ضبب بضبة يسيرة من الفضة لغير زينة .. ]ـ تعريف المضبب: المقصود بالإناء المضبب هنا هو ما أصابه شَّق أو كسر ونحوه فيذاب في شَّقه شيء من الذهب أو الفضة أو يربط كسره بسلك منهما، أو يوضع عليه لوح عريض تضمه وتحفظه. مسألة - يباح إناء ضبب بضبة يسيرة من الفضة لغير زينة: ومن أقوى أدلة الجواز: روى البخاري في "صحيحه" (4/ 83) حديث رقم (3109) من حديث أنس - رضي الله عنه - «أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر، فاتخذ مكان الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّة». والضمير في قوله: "فاتخذ" يحتمل أن يعود للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو لأنس - رضي الله عنه - والظاهر من بعض الروايات الأخرى أن الفاعل هو أنس، ولكن الأمر لا يعدو الاحتمال فلا يستدل به على أحد الاحتمالين دون الآخر. أدلة من ذهب إلى التحريم: • ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 104) أثر رقم (24151) عن ابن عمر: «أنه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة، ولا ضَّبَّة فضة» رواته ثقات وإسناده صحيح، وهو فعل صحابي معارض بفعل أنس كما سبق. • ما رواه مَعْمَر بن راشد في "جامعه" (11/ 72 - مصنف) أثر رقم (19946)، ومن طريقه البيهقي في "الشعب" (8/ 382) أثر رقم (5967) عن أيوب السِّخْتِيَانِي، عن القاسم بن محمد، عن عائشة - رضي الله عنها - «أنها كرهت الشراب في الإناء المفضض» ورواته ثقات. • أما ما رواه الفاكهي في "فوائد" (ص/270) حديث رقم (100) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا: (من شرب في إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم). فإسناده ضعيف وزيادة (أو إناء فيه شيء من ذلك) زيادة منكرة، والحديث قال عنه الذهبي في "الميزان": "منكر"، وضعفه ابن حجر في "الفتح" (10/ 101).

مسألة - آنية الكفار طاهرة.

الترجيح: الراجح التفريق بين التضبيب وغيره؛ لأن الحاجة تدعو للتضبيب بخلاف المموه وما في معناه. • وقد فرق الماتن وغيره بين القليل والكثير، وهذا التفريق غير منضبط ولا دليل عليه، فالراجح جواز استخدام ما تدعوا إليه الحاجة من الفضة - دون فرق بين قليل أو كثير - لإصلاح ما أصابه شَّق أو كسر من الآنية للحديث الوارد في ذلك. وإيضاح ذلك: أن تحريم استعمال الذهب والفضة ليس لشيء في ذاتهما كالنجاسة مثلا، وإنما هما محرمان لعلل خارجة عن ماهيتهما - كما سبق بيان علل التحريم ومنها: التشبه بالأعاجم والكفار، وتضييق النقدين -، وكما هو مقرر أن ما حرم سدا للذريعة فإنه يباح عند الحاجة والمصلحة الراجحة. ـ[وآنية الكفار وثيابهم طاهرة .. ]ـ مسألة - آنية الكفار طاهرة. يعني أن هذا هو الأصل ما لم يعلم نجاستهما أو يغلب على الظن. وهذا القول الذي اختاره الماتن هو الصحيح في المذهب وهو الراجح. استدل من قال بالجواز بأدلة منها: الدليل الأول: استدلوا بما رواه مسلم في "صحيحه" (3/ 1393) حديث رقم (1772) عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قال: أصبت جرابا من شحم، يوم خيبر، قال: فالتزمته، فقلت: لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا، قال: «فالتفت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما». وجه الاستدلال: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز والجراب يدخل ضمن أوانيهم ولو كان نجسا لأمره النبي بغسله وغسل الشحم الذي بداخله.

الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]. وجه الاستدلال: أن الله تعالى أباح لنا طعام أهل الكتاب، ومن المعلوم أنهم يأتون به إلينا أحياناً في أوانيهم فدل على جواز الأكل من أوانيهم وأنها لا تنجس ما بها من طعام، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أكل من الشَّاة المسمومة التي أُهديت له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في خيبر. أدلة من قال بالمنع: استدلوا بما رواه الشيخان من طريق عن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ، قال: قلت: يا نبي الله، إنا بأرض قوم من أهل الكتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ قال: «أما ما ذكرت من أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها». وجه الاستدلال: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها) صريح في المنع من استعمالها عند توفر غيرها، أو قبل غسلها بالماء، فدل على أن الأصل في آنيتهم المنع وأن العلة هي نجاستها وعدم تحرزهم من شرب الخمر أو أكل الخنزير فيها كما ورد في بعض الروايات والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. مناقشة الاستدلال: كثير من أهل العلم حملوا هذا الحديث على أناس عُرفوا بمباشرة النَّجاسات من أكل الخنزير، وشرب الخمر نحو ذلك، ولا يقال أن العبرة بعموم اللفظ بل يقال: العلة تعمم معلولها وقد تخصصه، فمتى تحققت العلة وجد المنع، وإلا فلا منع هذا هو مقتضى إعمال القواعد الأصولية. الترجيح: الراجح هو القول المشهور في المذهب من أن آنية الكفار مباحة الاستعمال إن جهل حالها ولم نتيقن أو يغلب على ظننا تنجسها وإلا فيجب الغسل.

مسألة - ثياب الكفار طاهرة.

مسألة - ثياب الكفار طاهرة. الراجح هنا أيضا هو نفس القول السابق في الآنية من أن الأصل طهارتها إلا أن نتيقن أو يغلب على الظن نجاستها. قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 84): (وقوله "وثيابهم" أي تُباحُ ثيابُهم وهذا يشمل ما صنعوه وما لبسوه، فثيابهم التي صَنَعوها مباحة، ولا نقول: لعلهم نسجوها بمنْسَج نجس؛ أو صَبغُوها بصبغ نجس؛ لأنَّ الأصل الحِلُّ والطَّهارة، وكذلك ما لبسوه من الثياب فإنه يُباح لنا لُبسه ... وقوله - أي الحجاوي في "الزاد" عن ثياب الكفار وأنها مباحة - "إن جُهل حالها" هذا له مفهومان: الأول: أن تُعلَمَ طهارتُها. الثاني: أن تُعلَمَ نجاستُها، فإن عُلِمتْ نجاستُها فإنها لا تُستعمل حتى تُغسل. وإن عُلمتْ طهارتُها فلا إشكال، ولكن الإشكال فيما إذا جُهل الحال، فهل نقول: إن الأصل أنهم لا يتوقَّون النَّجاسات وإنَّها حرام، أو نقول: إن الأصل الطَّهارة حتى يتبيَّن نجاستها؟ الجواب هو الأخير). ـ[ولا ينجس شيء بالشك ما لم تعلم نجاسته .. ]ـ مسألة - لا ينجس شيء بالشك ما لم تعلم نجاسته. هذا تأكيد وتعميم وتقعيد للمسألة السابقة من حل ثيابهم وآنيتهم ما لم يعلم نجاستها، والقاعدة العامة التي قررها العلماء لتنتظم بها الفروع الفقهية التي تندرج تحتها هي قاعدة ((اليقين لا يزول بالشك))، وهذه القاعدة هي إحدى القواعد الخمس الكبرى التي ذكر العلماء أنها مبنى الفقه، والدليل عليها ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا، فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا».

فائدة - الحياة نوعان:

ـ[وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعَصَبها وجلدها نجس ولا يطهر بالدباغ، والشعر والصوف والريش طاهر إذا كان من ميتة طاهرة في الحياة ولو كانت غير مأكولة كالهر والفأر .. ]ـ حافرها: الحافر من الدواب ما يقابل القدم من الإنسان، والحافر يكون في الخيل، وهو كالخف الذي يكون في الإبل. عَصَبها: بفتحتين أطناب مفاصل الحيوان، المقصود أنها كالخيوط التي تتصل بها مفاصل العظام وتشدها، وبها تكون الحركة والحس من المخ إلى البدن. ويحتمل أنهم كانوا يأخذون عصب بعض الحيوانات الطاهرة فيقطعونه ويجعلونه شبه الْخَرَزِ، فإذا يبس يتخذون منه القلائد. طاهرة في الحياة: الحيوان من ناحية حل أكله قسمان حلال الأكل كبهيمة الأنعام فهذه طاهرة في الحياة وغير حلال الأكل كالخنزير والكلب والحمار الإنسي فهذه غير طاهرة في الحياة، ولكن استثني منها في المذهب الهر وما دونه في الخلقة مما ليس مأكولا وحكم بطهارتهم في حال الحياة للمشقة (إنها من الطوافين عليكم والطوافات). فائدة - الحياة نوعان: قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (21/ 97): (الحياة نوعان: حياة الحيوان وحياة النبات، فحياة الحيوان خاصتها الحس والحركة الإرادية وحياة النبات خاصتها النمو والاغتذاء. وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إنما هو بما فارقته الحياة الحيوانية دون النباتية؛ فإن الشجر والزرع إذا يبس لم ينجس باتفاق المسلمين وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} وقال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} فموت الأرض لا يوجب نجاستها باتفاق المسلمين وإنما الميتة المحرمة: ما فارقها الحس والحركة الإرادية). مسألة - عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعَصَبها نجس. قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي" (21/ 99): (وأما العظام ونحوها: فإذا قيل: إنها داخلة في الميتة لأنها تحس وتألم. قيل لمن قال ذلك: أنتم لم تأخذوا بعموم اللفظ؛ فإن ما لا نفس له سائلة كالذباب والعقرب والخنفساء لا ينجس عندكم وعند

مسألة - جلد الميتة نجس لا يطهر بالدباغ.

جمهور العلماء مع أنها ميتة موتا حيوانيا. وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه؛ فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء} ... وإذا كان كذلك: علم أن علة نجاسة الميتة إنما هو احتباس الدم فيها فما لا نفس له سائلة ليس فيه دم سائل فإذا مات لم يحتبس فيه الدم؛ فلا ينجس. فالعظم ونحوه أولى بعدم التنجيس من هذا؛ فإن العظم ليس فيه دم سائل ولا كان متحركا بالإرادة إلا على وجه التبع. فإذا كان الحيوان الكامل الحساس المتحرك بالإرادة لا ينجس لكونه ليس فيه دم سائل: فكيف ينجس العظم الذي ليس فيه دم سائل؟ ... وإذا كان كذلك فالعظم والقرن والظُّفْر والظلف - أي الظُّفْر المشقوق للبقرة والشاة ونحوهما - وغير ذلك ليس فيه دم مسفوح فلا وجه لتنجيسه وهذا قول جمهور السلف). قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي" (21/ 101): (الجلد جزء من الميتة فيه الدم كما في سائر أجزائها والنبي صلى الله عليه وسلم جعل دباغه ذكاته؛ لأن الدباغ ينشف رطوباته؛ فدل على أن سبب التنجيس هو الرطوبات والعظم ليس فيه رطوبة سائلة وما كان فيه منها فإنه يجف وييبس وهو يبقى ويحفظ أكثر من الجلد فهو أولى بالطهارة من الجلد). إذن الراجح أن عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعَصَبها طاهر. مسألة - جلد الميتة نجس لا يطهر بالدباغ. هذا هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب، ومن الأدلة عليه ما رواه أبو داود وغيره عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ، قال: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ: «أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ» صححه الشيخ الألباني. وهو معارض بما رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: مَاتَتْ شَاةٌ لِمَيْمُونَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟» فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ: «إِنَّ دِبَاغَ الْأَدِيمِ طُهُورُهُ» واللفظ لأبي داود. وقد اختلف العلماء في الجمع بين الحديثين والأقوى أنه لا تعارض بينهما فإنما نهي النبي عن الإهاب وهو اسم للجلد قبل الدباغ وقرينة ذلك ذكر العصب معه وهو

مسألة - الشعر والصوف والريش طاهر إذا كان من ميتة طاهرة في الحياة ولو كانت غير مأكولة كالهر والفأر.

لا يدبغ، وأرشدهم لدبغه ليحل الانتفاع به، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: يُسَمَّى إِهَابًا مَا لَمْ يُدْبَغْ، فَإِذَا دُبِغَ لَا يُقَالُ لَه: إِهَابٌ، إِنَّمَا يُسَمَّى شَنًّا وَقِرْبَةً ". مسألة - الشعر والصوف والريش طاهر إذا كان من ميتة طاهرة في الحياة ولو كانت غير مأكولة كالهر والفأر. قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (21/ 98): (الشعر حياته من جنس حياة النبات؛ لا من جنس حياة الحيوان؛ فإنه ينمو ويغتذي ويطول كالزرع وليس فيه حس ولا يتحرك بإرادته فلا تحله الحياة الحيوانية حتى يموت بمفارقتها فلا وجه لتنجيسه ... ). قال الشيخ الحمد في "شرح الزاد": (ومما استدل به أهل العلم على أن هذه الأشياء ـ أي الصوف ـ أنها طاهرة وليست بنجسه، قوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80]، فذكر الله ـ عز وجل ـ أن مِنْ مِنَنِهِ على عباده أنه منّ عليهم بالأصواف والأوبار والشعور يتمتعون بها في هذه الحياة، وما كان في سياق الامتنان فإنه يدل على العموم ـ كما هو معروف عند أهل العلم ـ فتكون هذه الأصواف وغيرها طاهرة في كل حال لأن الآية تدل على العموم. وهي ـ عند جمهور العلماء طاهرة، وقالوا: يشترط أن تكون من طاهر في الحياة. إذن: إذا جُزّت من بهيمة الأنعام ونحوها مما هو طاهر في الحياة سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكول فإنها طاهرة. ـ أما إذا جُزّت من كلب ونحوه مما هو نجس في الحياة فمذهب جمهور أهل العلم أنها لا تكون طاهرة. ـ وذهب شيخ الإسلام إلى أنها طاهرة ـ وهذا على مذهبه ـ في أن المستحيل من النجس ليس بنجس، فإذا استحال شيء من النجاسات إلى شيء آخر فليس بنجس، فالشعر الخارج من الحيوانات النجسة ليس بنجس وهذا القول هو الراجح). وعليه فالشعر والصوف والريش طاهر سواء أكان من حيوان مأكول اللحم أم غير مأكول اللحم.

مسألة - يسن تغطية الآنية وإيكاء الأسقية.

ـ[ويسن تغطية الآنية وإيكاء الأسقية .. ]ـ مسألة - يسن تغطية الآنية وإيكاء الأسقية. قال ابن ضويان في "منار السبيل" (1/ 15): (لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوك سقاءك، واذكر اسم الله وخمر إناءك، واذكر اسم الله، ولو أن تعرض عليه عوداً" متفق عليه). وهذا الأمر بالإيكاء والتخمير إرشادي فلا يكون للوجوب. وعلل التغطية هي: 1 - عدم نزول الوباء. فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء». 2 - صيانته من الشيطان - فقد روى مسلم عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح بابا، ولا يكشف إناء، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا، ويذكر اسم الله، فليفعل). 3 - صيانة الماء من الهوام والحشرات والمقذرات فربما وقع شيء منها فيه فيتناوله وهو غافل أو يفسد عليه ما في الإناء من طعام أو شراب. باب الاستنجاء وآداب التخلي: مسألة - ـ[الاستنجاء هو إزالة ما خرج من السبيلين بماء طهور أو حجر طاهر مباح منق .. ]ـ الاستنجاء لغة: يطلق الاستنجاء في اللغة على عدة معان ومنها ما ذكره ابن أبي الفتح في "المطلع" (ص/23): (الاستنجاء إزالة النَّجْو وهو العذرة عن الجوهري، وقيل هو من النَّجْوَة وهي ما ارتفع من الأرض كأنه يطلبها ليجلس تحتها قاله ابن قتيبة وقيل لارتفاعهم وتجافيهم عن الأرض، وقيل هو من النَّجْو

وهو القطع يقال نجوت الشجرة وأنجيتُها واستنجيتُها إذا قطعتُها فكأنه قطع الأذى عنه باستعمال الماء). وأقرب المعاني للمعنى الاصطلاحي الذي ذكره الماتن هو المعنى الأول. • قوله: (إزالة) أولى من قول: (هو زوال)؛ لأنه لابد من فاعل فلا يزول بقايا الخارج وأثره بنفسه. • قوله: (ما خرج من السبيلين) ظاهره أنه يجب الاستنجاء من كل خارج من السبيلين سواء أكان الخارج معتادا كالبول والغائط، أو نادرا كالدود والحصى. أو يقال: ظاهره يشمل ما كان طاهرا كالمني، والريح، والولد العاري عن الدم، والحصى، وما كان نجسا، والنجس قسمان ملوِّث كالعذرة وغير ملوَّث كالدود ونحو ذلك وسيأتي بيان أن هذا العموم غير مراد عند قول الماتن: (ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الطاهر والنجس الذي لم يلوِّث المحل). • قوله: (من السبيلين)) أي القبل والدبر الأصليين. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 106): (وإن انسد المخرج المعتاد وانفتح آخر , لم يجزه الاستجمار فيه؛ لأنه غير السبيل المعتاد وحكي عن بعض أصحابنا أنه يجزئه؛ لأنه صار معتادا. ولنا , أن هذا نادر بالنسبة إلى سائر الناس فلم تثبت فيه أحكام الفرج , فإنه لا ينقض الوضوء مسه , ولا يجب بالإيلاج فيه حد ولا مهر ولا غسل , ولا غير ذلك من الأحكام , فأشبه سائر البدن). • قوله (بماء طهور) أخرج الماء الطاهر والنجس فلا يجوز الاستنجاء بهما، وسبق بيان أن الراجح أن الماء الطاهر يزيل الخبث فيجوز الاستنجاء به ما لم يخرج عن إطلاقه. • قوله: (أو حجر طاهر مباح منق) اشترط في الحجر الذي يستنجي أو يستجمر به ثلاثة أشياء: 1 - أن يكون طاهرا فلا يجوز بالنجس، والدليل على ذلك ما رواه البخاري في "صحيحه" عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده،

مسألة ـ فالإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء

فأخذت رَوْثَةً فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الرَّوْثَةَ» وقال: «هذا ركس» وفي رواية أنها كانت رَوْثَة حمار وكما هو مقرر أن إزالة النجاسة لا تكون بالنجاسة. 2 - أن يكون مباحا فلا يكون مغصوبا أو مسروقا، وكما قدمنا أن هذا من باب المحرم لغيره فيأثم للغصب أو السرقة وتزول حكم النجاسة؛ لأن لمقصود هو زوالها وقد حصل وهو اختيار تقي الدين. 3 - أن يكون منقيا أي مزيلا للخارج، فلا يجزئ الاستجمار بالأملس كالزجاج، ولا بالشيء الرخو - أي الهش اللين كالروث -، لعدم حصول المقصود منهما. تنبيه: ظاهر كلام الماتن أنه لا يجوز الاستنجاء بغير الحجر وهي رواية عن الإمام أحمد وهي من المفردات، ولكن الماتن عقب بما يدل على جواز الاستنجاء بغير الحجر فقال: (فالإنقاء بالحجر ونحوه) وهذه الرواية هي الصحيحة في المذهب وهي ما عليه جماهير الأصحاب من أنه يجوز الاستجمار بكل طاهر ينقي، كالحجر والخشب والخرق. مسألة - ـ[فالإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء .. ]ـ علامة الإنقاء أن لا يبقى في المحل شيء يزيله الحجر، بحيث يخرج الآخر نقيا. قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (1/ 76): (والإنقاء بحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء والأثر نجس على الصحيح من المذهب، يعفى عنه في محله لمشقة الاحتراز منه)، ولفعله ما أُمر به، فإذا عجز المكلف عن إزالة أثر النجاسة فإن الحرج مرفوع، فيكفيه ما فعل من الاستنجاء ولا يضره هذا الأثر، وإن كان هذا الأثر يزول بنحو الملح والصابون. ـ[ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات تعم كل مسحة المحل .. ]ـ مسألة - لا يجزئ في الاستجمار أقل من ثلاث مسحات تعم كل مسحة المحل. الراجح أنه لا يجوز الاقتصار على أقل من ثلاث مسحات لما رواه مسلم عن سلمان - رضي الله عنه - مرفوعا: «لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار» ويقوم مقامهم حجر واحد له ثلاث شعب.

مسألة - الإنقاء بالماء عود خشونة المحل كما كان.

فإن لم يحصل بهن الإنقاء زاد حتى يحصل الإنقاء والقطع على وتر مستحب لما رواه الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: (من استجمر فليوتر) والجمهور على الاستحباب عملا بالزيادة التي رواها أصحاب السنن: (ومن فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج) ولكن هذه الزيادة لا تثبت. قوله: (تعم كل مسحة المحل) قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 112): (قال القاضي وغيره: المستحب أن يمر الحجر الأول من مقدم صفحته اليمنى إلى مؤخرها، ثم يديره على اليسرى حتى يرجع به إلى الموضع الذي بدأ منه. ثم يمر الثاني من مقدم صفحته اليسرى كذلك. ثم يمر الثالث على المَسْرُبَةِ والصفحتين. فيستوعب المحل في كل مرة) ثم قال: (لو أفرد كل جهة بحجر، لم يجزه على الصحيح من المذهب ... وقيل: يجزئ). والقول الثاني هو الصحيح، فهيئة المسح لا يجب منها شيء لعدم الدليل ولأنها تختلف بحسب مقدار الخارج، فالواجب الإنقاء بالثلاثة فما زاد، على أي هيئة كان المسح. وأما ما رواه الطبراني والدارقطني وغيرهما عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستطابة فقال: «أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار , حجرين للصفحتين وحجر للمسربة» فهو ضعيف فيه: أبي بن العباس بن سهل بن سعد وهو ضعيف، وانظر "السلسلة الضعيفة" (969). ـ[والإنقاء بالماء عود خشونة المحل كما كان وظنه كاف .. ]ـ مسألة - الإنقاء بالماء عود خشونة المحل كما كان. قال ابن قاسم في "حاشية الروض المربع" (1/ 144): (أي كما كان قبل خروج الخارج، لزوال لزوجة النجاسة وآثارها). مسألة - يكفي ظنه في عودة خشونة المحل كما كان للحكم بالإنقاء بالماء. وقال ابن قاسم أيضا: (ويكفي في زوال النجاسة غلبة الظن، جزم به جماعة، لأن اعتبار اليقين هنا حرج، وهو منتف شرعا، ويسترخي قاضي الحاجة قليلا فلا يضم شرج مقعدته لئلا يبقى شيء).

مسألة - يسن الاستنجاء بالحجر ونحوه ثم بالماء.

ـ[ويسن الاستنجاء بالحجر ونحوه ثم بالماء فإن عكس كره ويجزئ أحدهما والماء أفضل .. ]ـ مسألة - يسن الاستنجاء بالحجر ونحوه ثم بالماء. قال موفق الدين في المغني (1/ 101): (قال أحمد: إن جمعهما فهو أحب إلي ; لأن عائشة قالت: {مرن أزواجكن أن يتبعن الحجارة الماء من أثر الغائط والبول ; فإني أستحييهم , كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.} احتج به أحمد ورواه سعيد ; ولأن الحجر يزيل عين النجاسة فلا تصيبها يده , ثم يأتي بالماء فيطهر المحل , فيكون أبلغ في التنظيف وأحسن). وأما بالنسبة للأحاديث والآثار الواردة في الجمع بين الحجر والماء فلم يصح شيء منها فحديث الباب لفظه عند الترمذي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالْمَاءِ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ُ، والحديث بهذا اللفظ صححه الألباني، وأما باللفظ الذي ساقه المؤلف فلم أقف عليه من حديث عائشة وقال عنه الألباني في "الإرواء" (42): (لا أصل له بهذا اللفظ). وأما العلة التي ذكرها الموفق وغيره فلا شك أنه إن تيسر الأمران معا فيبدأ بالحجر ونحوه ثم يتبعه الماء فهو أبلغ في التنظيف وأحسن، وفيه أيضا تنزيه اليد عن الرائحة الكريهة. مسألة - يكره الاستنجاء بالماء ثم بالحجر ونحوه. قال البهوتي في كشاف القناع (1/ 66): ((فإن عكس) بأن بدأ بالماء وثنى بالحجر (كره) له ذلك نصا لأنه لا فائدة فيه إلا التقذير). وهذه الكراهة إنما تتحقق بالحجر ونحوه مما يقذر المحل، وأما ما لا يقذره كالورق والقماش فلا كراهة هنا. مسألة - يجزئ الاستنجاء بالحجر ونحوه وحده، أو بالماء وحده. قال إبراهيم بن مفلح في "المبدع" (1/ 68): (أما الماء، فلما روى أنس قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج لحاجته، أحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء فيستنجي به» متفق عليه ... وأما الأحجار، فلقوله - عليه السلام -

مسألة - الاستنجاء بالماء أفضل من الاستنجاء بالحجر ونحوه.

في حديث جابر: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فَلْيَسْتَطِبْ بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه» رواه أحمد، وأبو داود. • وهذا التعميم الذي في عبارة الماتن مخصص بألا يعدو الخارج موضع العادة وقد ذكره الماتن فيما بعد وسيأتي كلامه. مسألة - الاستنجاء بالماء أفضل من الاستنجاء بالحجر ونحوه. هذا هو الصحيح في المذهب وما عليه جماهير الأصحاب، وهو معلل بأمور منها: 1 - لأنه أبلغ في التنظيف ويطهر المحل ويزيل الأثر. وروى أبو داود من حديث أبي هريرة مرفوعا: نزلت هذه الآية في أهل قباء: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) قال: (كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية)، والحديث صححه الألباني والثناء عليهم من الله عز وجل لاستنجائهم بالماء يدل على تفضيله على الاستجمار بالحجر الذي كان يفعله باقي الصحابة، وما ذُكِرَ من التعليل بأنه أبلغ في التنظيف ويطهر المحل يؤكد ذلك. 2 - أن الأصل في إزالة النجاسة هو الماء فكان القياس على سائر البدن يقتضي ألا بجزيء إلا الماء، وإنما جاز الاستجمار بالحجر ونحوه رخصة على خلاف الأصل، فإذا استعمل الماء كان أفضل لموافقته الأصل، وما ذُكِرَ من مباشرة اليد للنجاسة إنما هو لغرض صحيح وهو الإزالة كما في سائر المواضع. قال تقي الدين في "شرح العمدة" (1/ 154) بعد أن ذكر نحوا مما سبق: (فإن لم يكره الحجر فلا أقل من أن يكون مفضولا وما نقل عن بعض الصحابة من إنكار الماء فهو - والله أعلم - إنكار على من يستعمله معتقدا لوجوبه، ولا يرى الأحجار مجزئة؛ لأنهم شاهدوا من الناس محافظة على الماء لم يكن في أول الإسلام فخافوا التعمق في الدين كما قد يبتلى به بعض الناس). ـ[ويكره استقبال القبلة واستدبارها في الاستنجاء .. ]ـ تنبيهات: الأول- لاحظ أننا نتكلم عن الاستنجاء الذي هو إزالة الأذى لا عن قضاء الحاجة الذي هو نفس خروج الأذى.

مسألة - يكره استقبال القبلة واستدبارها في الاستنجاء.

الثاني - أطلق الماتن القول بالكراهة بالنسبة للمكان، والقول الصحيح في المذهب أن هذا مقيد بالفضاء لا البنيان، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 102): (يكره استقبالها في فضاء باستنجاء واستجمار على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب، وقيل: لا يكره. ذكره في الرعاية. قلت: ويتوجه التحريم) والإطلاق الذي في كلام الماتن أولى فالتفريق بين الفضاء والبناء غير سديد ويعطل الأحاديث ويجعلها خاصة بالمشاهد المباشر فقط، وذلك لأن من يقضي حاجته أو يستنجي في الفضاء يكون غير مستقبل للقبلة حقيقة لوجود تلال وجبال وبينان بينه وبين القبلة كما أن النبي صلى الله عليه وسلم غصب وأنكر على من تفل في مسجده تجاه القبلة وهذا داخل بناء. الثالث - أنه سوى بين الاستقبال والاستدبار في الحكم وظاهر كلام الأصحاب عدم الكراهة (¬1)، قال البهوتي في كشاف القناع (1/ 63): ((ويكره استقبال القبلة في فضاء باستنجاء أو استجمار) تشريفا لها وظاهر كلامه كغيره لا يكره استدبارها إذن). مسألة - يكره استقبال القبلة واستدبارها في الاستنجاء. وقد اختلف العلماء في علة الكراهة هل هي تعظيم وتشريف القبلة أم إظهار العورة، والراجح الأول ويدل عليه ما رواه أحمد وغيره بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن أن نستدبر القبلة، أو نستقبلها بفروجنا إذا أهرقنا الماء " فهو يدل على أن النهي يختص بحال خروج البول ويلحق به الغائط، وأما الاستنجاء فإنه إزالة للخبث فلا يلحق بخروجه، وعليه فالأقوى القول بعدم كراهة استقبال أو استدبار القبلة في الاستنجاء أو الاستجمار مطلقاً. ¬

_ (¬1) انظر تصحيح الفروع (1/ 128).

مسألة - يحرم الاستنجاء بروث وعظم وطعام ولو لبهيمة.

ـ[ويحرم بروث وعظم وطعام ولو لبهيمة فإن فعل لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء كما لو تعدى الخارج موضع العادة .. ]ـ مسألة - يحرم الاستنجاء بروث وعظم وطعام ولو لبهيمة. • روى مسلم في "صحيحه" عن سلمان - رضي الله عنه - «نهانا أن نستقبل القبلة لغائط، أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم» والرجيع هو الروث والعذرة سمي رجيعا لأنه يرجع عن حاله الأولي بعد أن كان طعاما أو علفا. • وروى مسلم عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن» قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال: " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم» ولما كان الروث هو طعام دواب الجن كان طعامنا وطعام دوابنا أولى بالمنع. فائدة - بيان علل النهي: 1 - الحديث السابق بين أن النهي عن الاستنجاء بهما لكون العظم من طعام الجن والروث من طعام دوابهم فلا نفسده عليهم. 2 - روى الدارقطني في "سننه" عن أبي هريرة - رضي اله عنه -، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى برجيع أو عظم , وقال: «إنهما لا تطهران» قال الدارقطني: "إسناد صحيح". قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 134): (قوله: "غيرَ عظمٍ وروثٍ" هذا شرط عدمي وهو الشَّرط الرَّابع، لأنَّ كلمة "غير" تدلُّ على النَّفي. والدَّليل على ذلك أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نهى أن يُستنجَى بالعظم أو الروث، كما في حديث ابن مسعود، وأبي هريرة، وسلمان ورويفع وغيرهم رضي الله عنهم. والتَّعليل: أنه إن كان العَظْمُ عظمَ مُذَكَّاة، فقد بَيَّنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّ هذا العظم يكون طعاماً للجِنِّ؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قال لهم: "لكم كلُّ عظم ذُكِرَ اسمُ

مسألة - من استنجى بروث وعظم وطعام ولو لبهيمة لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء.

الله عليه، يقع في أيديكم أوفَرَ ما يكونُ لحماً" ولا يجوز تنجيسه على الجِنِّ، وإن كان عظم ميتة فهو نجس فلا يكون مطهِّراً. والرَّوث: نستدلُّ له بما استدللنا به للعظم. وأما العِلَّة فإن كان طاهراً فهو عَلَفُ بهائم الجِنِّ؛ وإن كان نجساً لم يصلح أن يكون مطهِّراً. قوله: "وطعامٍ" يعني: طعام بني آدم، وطعام بهائمهم، فلا يصحُّ الاستنجاء بهما. والدَّليل: أن الرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نهى أن يُستنجيَ بالعظم، والرَّوث، لأنَّهما طعام الجِنِّ، ودوابهم. والإنس أفضل، فيكون النهي عن الاستجمار بطعامهم وطعام بهائمهم من باب أَوْلى. كما أن فيه محذوراً آخر، وهو الكفر بالنِّعمة؛ لأن الله تعالى خلقها للأكل؛ ولم يخلقها لأجل أن تُمتهن هذا الامتهان. فكُلُّ طعام لبني آدم، أو بهائمهم، فإنَّه حرام أن يُستَجْمَرَ به. وظاهر كلام المؤلِّف: ولو كان فَضْلَةَ طعام ككِسْرَةِ الخُبز ... ). مسألة - من استنجى بروث وعظم وطعام ولو لبهيمة لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء. والصحيح أنه إن استجمر بما ذكر يأثم ولكن لا يتعين الماء بعده، ويجزئه الاستجمار بطاهر مباح منق ويطهر المحل، وإليك حالات هذه المسألة: فالمستنجى به قد يكون نجساً، وقد يكون لا ينقي، وقد يجتمعا، وقد يكون طاهراً وينقي. • الحالة الأولى أن يكون المستنجى به نجساً كروث الحمار الأهلي: قال في المغني (1/ 11044): (إن استنجى بنجس احتمل أن لا يجزئه الاستجمار بعده ; لأن المحل تنجس بنجاسة من غير المخرج , فلم يجزئ فيها غير الماء , كما لو تنجس ابتداء , ويحتمل أن يجزئه ; لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل , فزالت بزوالها). والوجه الأول الذي ذكره ابن قدامة راجع إلى القول بتخصيص الماء لإزالة النجاسة، والراجح أنه لا يتعين الماء لإزالة النجاسة وأن النجاسة لو زالت بأي

مسألة - لو تعدى الخارج موضع العادة لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء.

مزيل أو بنفسها فقد حصل مقصود الشرع وطَهُرَ المحل والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في النعل الذي به أذى (ثم ليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور)، ومنها: قوله في الذيل: (يطهره ما بعده) ومنها قوله في الهر: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات) مع أن الهر في العادة يأكل الفأر ولم يكن هناك قناة ترد عليها تطهر بها أفواهها بالماء بل طهورها ريقها (¬1). وعليه فالراجح في هذه الحالة هو الوجه الثاني من أنه يجزئه الاستجمار بعده؛ لأن هذه النجاسة تابعة لنجاسة المحل ولم تتعد المحل المعتاد , فزالت بزوالها بالاستجمار. • الحالة الثانية أن يكون المستنجى به لا ينقي كعظم المذكاة أو الروث: وقد سبق ترجيح أن عظم الميتة طاهر وكذا روث مأكول اللحم طاهر، ولذلك فإنهما لا ينجسان المحل، ولكن لما ورد في الحديث أنهما لا يطهران، قلناً بجواز الاستجمار بعدهما، كالحالة الأولى بل الحكم هنا أولى لعدم وجود النجاسة. • الحالة الثالثة أن يكون المستنجى به نجساً ولا ينقي كعظم الميتة: والعلة هنا أصبحت مركبة من الأمرين معاً وليس في اجتماعهما ما يوجب تعين الماء بعده كما هو واضح. • الحالة الرابعة أن يكون المستنجى به طاهراً وينقي كما له جرم متماسك من طعام البهائم ونحوه: والحال هنا أنه يأثم ويطهر المحل، ولا وجه لإيجاب الاستنجاء أو الاستجمار عليه بعد ذلك. وبعد فقد ظهر ضعف قول الماتن من عدم إجزاء غير الماء فيما ذُكِرَ. مسألة - لو تعدى الخارج موضع العادة لم يجزئه بعد ذلك إلا الماء. قال إبراهيم ابن مفلح في "المبدع": ((إلا أن يعدو الخارج موضع العادة) جزم به في " المستوعب "، و" التلخيص "، و" الوجيز "، مثل أن ينتشر إلى الصفحتين، أو يمتد إلى الحشفة كثيرا ... (فلا يجزئ إلا الماء) لأن الأصل وجوب إزالة ¬

_ (¬1) انظر: "مجموع الفتاوى" (21/ 474).

مسألة ـ ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الطاهر والنجس الذي لم يلوث المحل

النجاسة بالماء، وإنما رخص في الاستجمار لتكرر النجاسة على المحل المعتاد، فإذا جاوزته خرجت عن حد الرخصة، فوجب غسلها كسائر البدن ... ). وإنما لا يجزيء الاستجمار في هذه الحالة لكونه رخصة في محله فلا يتعداه، والنجاسة هنا تزال بأي مائع يزيلها ويقطع أثرها ولا يشترط الماء. مسألة - ـ[ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الطاهر والنجس الذي لم يلوث المحل .. ]ـ عمم الماتن وجوب الاستنجاء من كل خارج من السبيلين ما عدا ما كان طاهرا كالمني، والريح، والولد العاري عن الدم، والحصى، وما كان نجسا وغير ملوَّث كالدود ونحو ذلك وهذا القول هو الراجح. وقد خالف الماتن هنا الصحيح من المذهب. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 113): (وأما النجس غير الْمُلَوَّثِ والطاهر: فالصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب: وجوب الاستنجاء منه ... وقيل: لا يجب للخارج الطاهر، ولا للنجس غير الْمُلَوَّثِ. قال المصنف وتبعه الشارح والقياس لا يجب الاستنجاء من ناشف لا يُنَجِّسُ المحل. وكذلك إذا كان الخارج طاهرا، كالمني إذا حكمنا بطهارته؛ لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة. ولا نجاسة هنا. قال في الفروع: وهو أظهر، قال في الرعاية الكبرى: وهو أصح قياسا. قلت: وهو الصواب. وكيف يستنجي أو يستجمر من طاهر؟ أم كيف يحصل الإنقاء بالأحجار في الخارج غير الملوث؟ وهل هذا إلا شبيه بالعبث؟ ... ). ـ[فصل: يسن لداخل الخلاء تقديم اليسرى وقول: "بسم الله" أعوذ بالله من الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ. وإذا خرج قدم اليمنى وقال: "غفرانك" "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" .. ]ـ مسألة - يسن لداخل الخلاء تقديم اليسرى، وإذا خرج قدم اليمنى. والقاعدة في هذه المسألة أن كل ما كان من باب التكريم والتزين فاليمين أحق بالتقديم فيه واليسرى فيما عداه والأدلة العامة شاهدة على طرد هذا الأصل.

مسألة - يسن للخارج من الخلاء قول: "غفرانك" "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني".

ولم يثبت في مسألتنا حديث بعينه وإنما هي أحاديث عامة في التيامن كقول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها في الحديث المتفق عليه: كان النبي صلى الله عليه وسلم «يعجبه التيمن، في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله». وأقرب الأدلة ما رواه الحاكم وحسنه الألباني عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: «من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى» ويقاس عليه الدخول الخلاء بقياس العكس. مسألة - يسن لداخل الخلاء قول: "بسم الله" أعوذ بالله من الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ. والدليل على ذلك ما رواه الترمذي وغيره عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سَتْرُ ما بين أعين الجن وعورات بني آدم: إذا دخل أحدهم الخلاء، أن يقول: بسم الله " والحديث فيه علل وصححه الشيخ الألباني بالشواهد. وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ». فائدة: للداخل أن يقتصر على أحدهما أو يجمعهما وما ورد من جمعهما في حديث واحد فلا يصح، وهذه الأذكار لا تختص بالمكان المعد لذلك بل يقولها حتى وإن بال في إناء مثلا في جانب البيت، أو في الفضاء. ويقولها في البناء قبل الدخول وفي غيره في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلا. مسألة - يسن للخارج من الخلاء قول: "غفرانك" "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني". روى أصحاب السنن بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الغائط قال: «غفرانك». وأما ما رواه ابن ماجه وغيره من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء، قال: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني» فلا يصح وضعفه البوصيري وغيره. وعليه فيقتصر على قول: «غفرانك». فائدة: قال الخطابي في "معالم السنن" (1/ 22): (وفي تعقيبه الخروج من الخلاء بهذا

مسألة - يكره استقبال الشمس والقمر في حال التخلي.

الدعاء قولان أحدهما أنه قد استغفر من تركه ذكر الله تعالى مدة لبثه على الخلاء، وكان صلى الله عليه وسلم لا يهجر ذكر الله إلاّ عند الحاجة فكأنه رأى هجران الذكر في تلك الحالة تقصيرا وعده على نفسه ذنبا فتداركه بالاستغفار. وقيل معناه التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه فأطعمه ثم هضمه ثم سهل خروج الأذى منه فرأى شكره قاصرا عن بلوغ حق هذه النعم ففزع إلى الاستغفار منه والله أعلم). ـ[ويكره في حال التخلي استقبال الشمس والقمر ومهب الريح والكلام والبول في إناء وشَقٍّ ونار ولا يكره البول قائما ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بلا حائل ويكفي إرخاء ذيله وأن يبول أو يتغوط بطريق مسلوك وظل نافع وتحت شجرة عليها ثمر يقصد وبين قبور المسلمين وأن يلبث فوق قدر حاجته .. ]ـ مسألة - يكره استقبال الشمس والقمر في حال التخلي. الصحيح أنه لا يكره. قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" (2/ 205): (إن النبي لم ينقل عنه ذلك في كلمة واحدة لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل وليس لهذه المسألة أصل في الشرع). وقال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 123): (ليس هناك دليل صحيح، بل تعليل وهو: لما فيهما من نور الله، وهذا النُّور الذي فيهما ليس نورَ الله الذي هو صفته، بل هو نورٌ مخلوق. وفي هذا نَظر! لأن مقتضاه كراهة استقبال النُّجوم مثلاً، فإِذا قلنا بهذا قلنا: كلُّ شيء فيه نورٌ وإضاءةٌ يُكرهُ استقبالهُ! ثم إِن هذا التَّعليلَ منقوضٌ بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تستقبلوا القِبلةَ ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرِّقوا، أو غرِّبُوا». ومعلوم أن من شرَّق أو غرَّب والشَّمس طالعة فإنه يستقبلها، وكذا لو غرَّب والشمسُ عند الغروب. والرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يقل: إلا أن تكون الشمس أو القمر بين أيديكم فلا تفعلوا. فالصحيح: عدمُ الكراهة لعدم الدَّليل الصَّحيح، بل ولثبوت الدَّليل الدَّالِّ على الجواز).

مسألة - يكره استقبال مهب الريح في حال التخلي.

مسألة - يكره استقبال مهب الريح في حال التخلي. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 100): (يكره أن يستقبل الريح دون حائل يمنع) والعلة بينها ابن قدمة فقال في "المغنى" (1/ 120): (ويكره أن يستقبل الريح؛ لئلا تَرُدَّ عليه رَشاش البول، فَيُنَجِّسَهُ) أو يصاب يالوسوسة. مسألة - يكره الكلام في حال التخلي. وما أقوى ما يستدل به على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال " إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر أو قال: على طهارة " وليس الشاهد في الحديث عدم رد السلام فالسلام ذكر وهو أخص من دعوى النزاع، وإنما الشاهد عدم الاعتذار للرجل حتى الانتهاء من قضاء الحاجة ولعل النبي علم أن الرجل ينتظره فلم يكن هناك حاجة لتعجل الرد ولذلك أخر الاعتذار إليه. ولذلك فالأولى تقييد الكراهة بأن يكون الكلام لغير حاجة أما إن احتاج إليه فلا كراهة، قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 119): (فالحاصل: أنه لا ينبغي أن يتكلَّم حال قضاء الحاجة، إلا لحاجة كما قال الفقهاء رحمهم الله، كأن يُرشِدَ أحداً، أو كلَّمه أحد لا بدَّ أن يردَّ عليه، أو كان له حاجة في شخص وخاف أن ينصرف، أو طلب ماء ليستنجي، فلا بأس). وأما ما رواه ابن ماجه وأحمد وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتناجى اثنان على غائطهما، ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه، فإن الله عز وجل يمقت على ذلك» فقد اختلف في ثبوته اختلافا كثيرا وعلى فرض ثبوته فعلة النهي فيه مركبة من كلامهما مع كشفهما لعورتيهما فهو أعم من محل النزاع. فائدة: وقد يجب الكلام حال قضاء الحاجة، قال البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 63): ((ويجب) الكلام على من في الخلاء كغيره (لتحذير معصوم عن هلكة كأعمى وغافل) يحذره عن بئر أو حية أو نحوها،؛ لأن مراعاة حفظ المعصوم أهم).

مسالة - يكره البول في إناء.

مسالة - يكره البول في إناء. وهذا الإطلاق الذي في عبارته خطأ والمذهب يقيد الكراهة عند عدم الحاجة، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 99): (يكره في إناء بلا حاجة على الصحيح من المذهب، نص عليه. وقيل: لا يكره). والراجح عدم الكراهة مطلقا قال ابن قاسم في "حاشية الروض" (1/ 132): (لا خلاف في جوازه لحديث أميمة كان له عليه الصلاة والسلام قدح من عَيْدَان (¬1) تحت سريره يبول فيه، رواه أبو داود وغيره، فتقييده بالحاجة لا حاجة إليه). مسالة - يكره البول في شَقٍّ. الشَّقُّ: هو الفتحةُ في الأرض، وهو الجُحر للهوامِّ والدَّواب. ومن الأدلة على الكراهة: 1 - ما رواه أبو داود وغيره عن عبد الله بن سَرْجِسَ، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الْجُحْرِ»، قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الْجُحْرِ؟ قال: كان يقال إنها مساكن الجن. والحديث مختلف في ثبوته وقد ضعفه الألباني في "الإرواء" وأما ما علله به قتادة من أنها مساكن الجن، فمثل هذا التعليل لا يقبل إلا بتوقيف، كما أن قتادة ذكره بصيغة التمريض، وعلى فرض قبوله فقد تأوله البعض بأنها صغار الحيات، وأما ما ورد من أن الجن قد قتل سعد عندما بال في جُحر فلا يصح. 2 - قال الشيخ العثيمين في " الشرح الممتع" (1/ 120): (ومن التَّعليل: أنه يُخشَى أن يكونَ في هذا الجُحر شيء ساكن فتُفْسِد عليه مسكنه، أو يخرج وأنت على بولك فيؤذيك، وربما تقوم بسرعة فلا تسلم من رَشاش البول). مسالة - يكره البول في نار. ولا شك أن البعد عن البول فيها أسلم وأولى. ومحصل ما وقفت عليه من علل لهذه لكراهة ما قاله ابن عقيل: يقال يورث السقم، ويؤذي برائحته. وقال الشيخ ابن جبرين من أنه قد يتطاير إليه شيء من النار إذا بال فيها. ¬

_ (¬1) الْعَيْدَانُ بِالْفَتْحِ طِوَالُ النَّخْلِ.

مسألة - لا يكره البول قائما.

مسألة - لا يكره البول قائما. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 99): (ولا يكره البول قائما بلا حاجة، على الصحيح من المذهب، نص عليه، إن أمن تلوثا وناظرا). والدليل على الجواز ما رواه الشيخان عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال «لقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم سُبَاطَةِ قوم، فبال قائما» والسُبَاطَةِ هي ملقى القمامة والتراب لا يرتد البول منها على البائل. وأما ما نقل من أنه بال قائما لجرح كان في مأبَضِه فضعيف. مسالة - يحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بلا حائل ويكفي إرخاء ذيله. المذهب فيه ورايات كثيرة في حكم استقبال أو استدبار القبلة ببول وغائط والرواية التي ذكرها الماتن هي المذهب وما عليه أكثر الأصحاب والراجح التحريم مطلقا بلا فرق بين الفضاء والبنيان. ووجه تفريقهم بين الفضاء والبنيان ما رواه أبو داود وغيره عن مروان الأصفر قال: (رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها فقلت: أبا عبدالرحمن أليس قد نهي عن ذلك؟ فقال: بلى، إنما نهي عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس). فهذا صريح من ابن عمر في التفريق، وهذا التفريق اجتهادي من ابن عمر - رضي الله عنهما - وذلك عندما رقى بيت حفصة ورأي النبي على حاجته مستقبل الشام مستدبرا الكعبة. وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل عدة وجوه من أقواها أنه لعله رآه وهو يستنجي وبينهما فرق فلا يحرم استقبال أو استدبار القبلة في حال الاستنجاء، وإنما النهي جاء في حال خروج البول، أو الغائط. ويحتمل الخصوصية؛ لأن علة النهي هي عدم تعظيم القبلة، وهذا غير متحقق في حقه صلى الله عليه وسلم. والمسالة طويلة الذيل، والراجح التحريم مطلقا بلا تفريق بين البنيان أو الفضاء ومن قرائن هذا الترجيح أمور منها:

مسألة - يحرم أن يبول أو يتغوط بطريق مسلوك وظل نافع وتحت شجرة عليها ثمر يقصد.

- عموم أحاديث النهي الكثيرة ومنها ما رواه الشيخان عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أتى أحدكم الغائط، فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره، شرقوا أو غربوا» وليس فيه التفريق بين بنيان وغيره. - أن التفريق يؤدي إلى تعطيل عموم أحاديث النهي وجعلها خاصة بمن يرى القبلة بلا حائل، إذ أنك في الفضاء يكون بينك وبين القبلة جبال وتلال ومفاوز. - غضب النبي صلى الله عليه وسلم من التفل تجاه القبلة داخل مسجده صلى الله عليه وسلم، وهذا داخل بنيان، والبول والتغوط أشد حرمة من التفل. وقول الماتن: (ويكفي إرخاء ذيله) يعني لو أنه بسط ثوبه كفى، ويعد حائلا. مسألة - يحرم أن يبول أو يتغوط بطريق مسلوك وظل نافع وتحت شجرة عليها ثمر يقصد. قال ابن قدامة في "المغنى" (1/ 122): (لا يجوز أن يبول في طريق الناس، ولا مورد ماء، ولا ظل ينتفع به الناس؛ لما روى معاذ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتقوا الملاعن الثلاثة - البراز في الموارد (¬1)، وقارعة الطريق، والظل» رواه أبو داود، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اتقوا اللعانين. قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم " أخرجه مسلم. والمورد طريق. ولا يبول تحت شجرة مثمرة، في حال كون الثمرة عليها لئلا تسقط عليه الثمرة فتتنجس به. فأما في غير حال الثمرة فلا بأس). وقوله صلى الله عليه وسلم: (الملاعن) من باب تسمية الشيء باسم سببه فأذى الناس بالتخلي فيما تحتاجون إليه وإلى الجلوس فيه أو المرور فيه ونحو ذلك سبب للعن من فعل هذا، ويستفاد من ذلك التحريم لأن اللعن علامة التحريم. ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير: (الموارد» أي المجاري والطرق إلى الماء) وقارعة الطريق: هي وسطه. وقيل: أعلاه.

مسألة - يحرم أن يبول بين قبور المسلمين.

مسألة - يحرم أن يبول بين قبور المسلمين. والدليل ما رواه ابن ماجه بإسناد صححه البوصيري عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن أمشي على جمرة، أو سيف، أو أخصف نعلي برجلي، أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي، أو وسط السوق». مسألة - يحرم أن يلبث فوق قدر حاجته. قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 126): (قوله: «ولُبْثُه فوق حاجته»، أي: يحرم، ويجب عليه أن يخرج من حين انتهائه، وعلَّلوا ذلك بعِلَّتين: الأولى: أن في ذلك كشفاً للعورة بلا حاجة. الثَّانية: أن الحُشُوشَ والمراحيض مأوى الشَّياطين والنُّفوس الخبيثة فلا ينبغي أن يبقى في هذا المكان الخبيث. وتحريمُ اللُّبث مبنيٌّ على التَّعليل، ولا دليلَ فيه عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا قال أحمد في رواية عنه: «إِنه يُكره، ولا يحرم»). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 96): (لبثه فوق حاجته: مضر عند الأطباء. ويقال: إنه يدمي الكبد. ويأخذ منه الباسور) فإن ثبت طبيا أنه يضر فهو محرم وإلا فالقول بالكراهة متجه. باب السواك ـ[يسن بعود رَطْب لا يتفتت .. ]ـ الرَّطْبُ ضِدُّ اليَابِسِ. ومقصوده: اللين وفائدته أنه ينقي الفم، ولا يجرحه. وكونه لا يتفتت بعدا عن الأذى الذي قد يترتب على تساقط أجزاؤه في الفم والتي قد يبتلعها الإنسان. ومن أفضل ما يستاك به عود الأراك، والزيتون، والْعُرْجُونِ. وأما ما قد يجرح أو يضر فلا يستاك له كعود الرَّيحان والرمان، والقصب ونحوه.

مسألة - يسن التسوك بعود رطب لا يتفتت.

مسألة - يسن التسوك بعود رطب لا يتفتت. روى البخاري في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فَأَبَدَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره، فأخذت السواك فقصمته، ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استنانا قط أحسن منه) الحديث والشاهد منه أن القصم أو القضم والتطييب يستلزم التليين وأن يكون العود رطبا. ـ[وهو مسنون مطلقا إلا بعد الزوال للصائم فيكره ويسن له قبله بعود يابس ويباح برطب .. ]ـ قوله: (مطلقا): أي في كل الأوقات ثم استثنى بعد الزوال للصائم فقال بكراهته له من بداية هذا الوقت إلى المغرب، سواء أكان بعود يابس، أو برطب. قوله: (الزوال) أي زوال الشمس: وهو ميلها عن كبد السماء وهو بداية وقت صلاة الظهر. مسألة - السواك مسنون مطلقا إلا بعد الزوال للصائم فيكره. والدليل على أنه مسنون مطلقا في كل الأوقات، قوله صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب» وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة» قال ابن قدامة في " المغني" (1/ 71): (لأمرتهم أمر إيجاب؛ لأن المشقة إنما تلحق بالإيجاب لا بالندب، وهذا يدل على أن الأمر في حديثهم أمر ندب واستحباب، واتفق أهل العلم على أنه سنة مؤكدة، لحث النبي - صلى الله عليه وسلم - ومواظبته عليه، وترغيبه فيه وندبه إليه، وتسميته إياه من الفطرة) ويتأكد السواك في بعض الأوقات وستأتي. ومما اُستدل به على أنه مكروه للصائم بعد الزوال: • ما رواه الطبراني وغيره: «إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي، فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كان نورا بين عينيه يوم القيامة».

• واستدلوا بالحديث المتفق عليه: «لَخُلُوفُ فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك». وجه الاستدلال: والَخُلُوفُ هو تغير رائحة الفم من أثر الصيام لخلو المعدة من الطعام، ولا يظهر في الغالب إلا في آخر النهار، لكن لما كان ناشئا عن طاعة الله صار أطيب عند الله من ريح المسك، وإذا كان أطيب عند الله من ريح المسك فإنه لا ينبغي أن يزال. المناقشة: • وأجيب عن الحديث بأنه ضعيف لا تقوم به حجة قال الهيثمي في «المجمع» (3/ 165): «رواه الطبراني في «الكبير» ورفعه عن خباب ولم يرفعه عن علي وفيه كيسان أبوعمر وثقه ابن حبان وضعفه غيره» والحديث ضعفه الحافظ في التلخيص والألباني في «الإرواء» (67) و «الضعيفة» (401). • وأجيب عن الاستدلال الثاني بعدة وجوه: الأول - أن ربط الحكم بالزوال منتقض؛ لأنه قد تحصل هذه الرائحة قبل الزوال؛ لأن سببها خلو المعدة من الطعام، وإذا لم يتسحر الإنسان آخر الليل فإن معدته ستخلو مبكرة؛ وهم لا يقولون: متى وجدت الرائحة الكريهة كره السواك؟! أيضا أن من الناس من لا توجد عنده هذه الرائحة الكريهة، إما لصفاء معدته، أو لأنه معدته لا تهضم بسرعة، فتكون هذه العلة منتقضة، وإذا انتقضت العلة انتقض المعلول؛ لأن العلة أصل والمعلول فرع (¬1). الثاني - إن الخلوف من المعدة، فهو رائحة تنبعث من المعدة؛ بسبب خلوها من الطعام، وليس من الفم، إذاً السواك لا يزيل الخلوف، ولا مدخل له فيه. الثالث - أنه جاء في بعض الروايات الصحيحة أن هذه الرائحة أطيب عند الله يوم القيامة فسببه الصيام في الدنيا وأثره في الآخرة كما يظهر فيه رائحة دم المكلوم في سبيله كرائحة المسك، وكما تظهر فيه السرائر وتبدو على الوجوه وتصير ¬

_ (¬1) انظر الشرح الممتع (1/ 147).

مسألة - يسن السواك للصائم قبل الزوال بعود يابس ويباح بعود رطب.

علانية ويظهر فيه قبح رائحة الكفار وسواد وجوههم (¬1). الترجيح: وعليه فالراجح أنه لا يكره السواك للصائم سواء أكان قبل الزوال، أو بعده، وقد وردت في ذلك أخبار لا تخلو من مقال ولعل أقواها ما نقل عن ابن عمر أنه كان يستاك آخر النهار وهو صائم. مسألة - يسن السواك للصائم قبل الزوال بعود يابس ويباح بعود رطب. وهذا التفريق بين الرطب واليابس؛ لأن السواك الرطب يغلب على الظن أنه يتحلل منه أجزاء وتصيب الفم وقد تدخل إلى الداخل. فأصبح عندنا ثلاث حالات للصائم مكروه له بعد لزوال، مسنون له قبل الزوال إن كان بعود يابس، مباح له قبل الزوال إن كان بعود رطب. والسنة أحد أسماء المندوب بل نقل الشيخ أبو طالب أن السنة أعلى درجات المندوب وهو ما يعظم أجره، والمباح لا يأثم المرء بتركه ولا يؤجر بفعله بخلاف المسنون فإنه يؤجر بفعله وإن كان لا يأثم بتركه. والراجح عدم التفريق بين هذه الحالات وأن السواك مسنون مطلقا للصائم في جميع الأوقات؛ لأن فيه مرضاة للرب، بشرط أن يأمن وصول شيء إلى جوفه. ـ[ولم يصب السنة من استاك بغير عود .. ]ـ مسألة - لم يصب السنة من استاك بغير عود. أي بالإصبع أو بخرقة ونحو ذلك. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 72): (وإن استاك بأصبعه أو خرقة، فقد قيل: لا يصيب السنة؛ لأن الشرع لم يرد به، ولا يحصل الإنقاء به حصوله بالعود، والصحيح أنه يصيب بقدر ما يحصل من الإنقاء، ولا يترك القليل من السنة للعجز عن كثيرها). وكلام الموفق مبني على أن علة استعمال السواك هي الإنقاء فقط، وقد ثبت ¬

_ (¬1) انظر الوابل الصيب (ص/30).

فائدة:

طبيا أن شجر الأراك به بعض المواد التي تحمى الأسنان من التسوس، ومن البكتريا والميكروبات، ويعمل أيضا على تبييض الأسنان، ويمنع تكوّن الرواسب الجيرية وغير ذلك. قال ابن القيم في "الزاد" (4/ 296): (في السواك عدة منافع: يطيب الفم، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، ويجلو البصر، ويذهب بالحفر، ويصح المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، ويسهل مجاري الكلام، وينشط للقراءة، والذكر والصلاة، ويطرد النوم، ويرضي الرب، ويعجب الملائكة، ويكثر الحسنات). وعليه فالسنة لا تصاب بغير السواك. وقد قال بعض الحنابلة: إنما يجزئ عنه إن لم يجد عوداً وهذا قوي. فإن لم يجد عوداً فإنه يستاك بأصبع أو نحوها فمالا يدرك كله لا يترك كله، والميسور لا يسقط بالمعسور. فائدة: روى أحمد عن علي رضي الله عنه أنه توضأ وتمضمض ثلاثا، فأدخل بعض أصابعه في فيه ونسب ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، والحديث لا يصح. ولا يصح أيضا ما رواه البيهقي من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا: «يجزي من السواك الأصابع». ـ[ويتأكد عند وضوء وصلاة وانتباه من نوم وعند تغير رائحة فم وكذا عند دخول مسجد ومنزل وإطالة سكوت وصفرة أسنان .. ]ـ مسألة - يتأكد السواك عند وضوء وصلاة. روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» وفي رواية أحمد وغيره «مع الوضوء». مسألة - يتأكد السواك عند انتباه من نوم. روى الشيخان عن حذيفة رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم «إذا قام من الليل، يشوص فاه بالسواك».

مسألة - يتأكد السواك عند تغير رائحة فم.

مسألة - يتأكد السواك عند تغير رائحة فم. روى النسائي وغيره بإسناد صحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السواك مَطْهَرَةٌ للفم مرضاة للرب» أي إن السواك ينظف الفم وينقيه وإنما يحتاج لذلك عند تغير رائحة الفم. مسألة - يتأكد السواك عند دخول مسجد ومنزل. قال ابن ضويان في "منار السبيل" (1/ 22): (لما روى شُرَيْحِ بن هانئ قال: سألت عائشة بأي شئ كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت بالسواك رواه مسلم. والمسجد أولى من البيت). مسألة - يتأكد السواك عند إطالة سكوت وصفرة أسنان. لأن ذلك مظنة تغير رائحة الفم، ولإزالة صفرة الأسنان ـ[ولا بأس أن يتسوك بالعود الواحد اثنان فصاعدا .. ]ـ مسألة - ولا بأس أن يتسوك بالعود الواحد اثنان فصاعدا. ولابد من تقييد الجواز بأمرين كما يأتي. روى البخاري في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فَأَبَدَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره، فأخذت السواك فقصمته، ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استنانا قط أحسن منه) الحديث. وليس في الحديث أنه تسوك من مكان تسوكه، فقولها فقصمته: أي كسرته وقطعته، وفي لفظ آخر (فقضمته) أي أكلته بأطراف أسناني، ولا تنافي بين اللفظين فأولا هي قصمته لتزيل موضع الإستياك الأول ثم قضمته لتنشئ موضعا جديدا يستاك به النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك استدل ابن ضويان بتليين عائشة للسواك فقال في "المنار" (1/ 22): (لأن عائشة رضي الله عنها لينت السواك للنبي

فصل

صلى الله عليه وسلم فاستاك به) ولا شك أن التليين أخص من التسوك إذ في التسوك قد يتعلق بالسواك آثار مما يكون على اللثة واللسان وبين الأسنان بخلاف التليين. أضف إلى أنها نفضته أي حركته ليزول عنه ما علق به، وأما قولها: (وطيبته) فيحتمل أنها طيبته بإزالة آثاره عند قضمه فلا يكون فيه دلالة فيه على مسالة الباب على هذا الاحتمال، ويحتمل أنها طيبته بأن جعلت فيه طيباً، كماء الورد ونحوه والاحتمال الثاني أقوى لما ورد في رواية عند البخاري أنها قالت: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه، في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي، ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فقضمته، ثم مضغته، فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به، وهو مستند إلى صدري) فقولها (وخالط ريقه ريقي) هو الشاهد الحقيقي في الحديث وكان الأولى الاستدلال به بداية وهو يدل على أن نفضها للسواك وتطيبيها له لم يزل عنه أثر القضم إلا أنه كما ذكرت أخص من محل النزاع. وعلى كلٍ فلابد من تقييد الجواز بأمرين: الأول - قال ابن حجر في "الفتح" (2/ 377): (ينبغي تقييد الغير بأن يكون ممن لا يعاف أثر فمه إذ لولا ذلك ما غيرته عائشة). الثاني - ألا يترتب على ذلك ضرر لكون أحدهما مريضا ويخشى من انتقال العدوى. ـ[فصل يسن حلق العانة ونتف الإبط وتقليم الأظافر والنظر في المرآة والتطيب بالطيب والاكتحال كل ليلة في كل عين ثلاثا وحف الشارب وإعفاء اللحية وحرم حلقها ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة منها والختان واجب على الذكر والأنثى عند البلوغ وقبله أفضل .. ]ـ مسألة - يسن حلق العانة ونتف الإبط وتقليم الأظافر. والدليل علي سنيتهم ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي

فائدة:

صلى الله عليه وسلم قال: " الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وقص الشارب، وتقليم الأظفار ". الاستحداد هو حلق العانة سمي استحدادا لاستعمال آلة الحديد فيه وهي الموسَى ونحوها. والسنة أن يقلع شعر الإبط قلعا، فإن قدر على ذلك فإنه المتسحب، وإن لم يقدر على ذلك فلا حرج في أن يزيله بالموسى أو بالنُّورَة. فائدة: وهذه الثلاثة المذكورة ومعها قص الشارب السنة أخذها كلما طالت واحتيج إلى ذلك لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً وهذا يختلف من شخص إلى آخر، وقد وقت النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مدة تترك فيها هذه الأشياء بلا أخذ وهي أربعين ليلة فقد روى مسلم في "صحيحه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: «وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة». ولذا يتجه القول بتحريم ترك هذه الأشياء إن تركت أكثر من أربعين ليلة. مسالة - يسن النظر في المرآة. قال البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 77): ((ويسن النظر في المرآة وقوله: «اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي وحرم وجهي على النار») لخبر أبي هريرة رواه أبو بكر بن مردويه والخلق الأول بفتح الخاء الصورة الظاهرة، والثاني: بضمها الصورة الباطنة). والحديث ورد عن عائشة وابن مسعود عند أحمد، ولكن الزيادة ضعيفة، وقد ورد الحديث من طرق ضعيفة جدا عن ابن عباس وعائشة وعلي وأنس وفيه زيادة أنه كان يقول هذا الذكر عند النظر في المرآة. وعليه فالدعاء صح عنه صلى الله عليه وسلم مطلقا دو تقييده بالنظر في المرآة. والقول بالسنية هنا غير متجه والنظر في المرآة من الوسائل ويكون له حكم المقاصد ويدور مع الأحكام التكليفية الخمسة فقد يكون مباحا إن كان لتصفيف الشعر أو إصلاح الثياب ونحو ذلك فقد يصلحهما بدون النظر في المرآة.

فائدة:

وقد يكون مستحبا كاستعمالها في تزين المرآة لزوجها مثلا أو لتجمل الرجل لزوجته ونحو ذلك. وقد يكون واجبا كاستعمالها في إزالة أذي وقع في العين مثلا. وقد يكون مكروها إن كان لغير علة من إصلاح ثياب أو تصفيف شعر ونحو ذلك فهذا يفتح بال العجب والاغترار بالنفس. وقد يكون محرما إن بالغ وغالى في ذلك وشُغل به عن المهمات والواجبات. فائدة: حكم الماتن بالسنية لمجرد فعل النبي صلى الله عليه فيه نظر وقد قسم العلماء أفعال النبي إلى عدة أقسام منها الجبلي والخاص والبياني والعادي الذي يطهر فيه قصد القربة والذي لا يظهر فيه قصد القربة، والأخير هو المقصود هنا، وقد اختلف العلماء فيه هل هو للندب، أو الإباحة، أو الوجوب، وقيل بالوقف، والراجح أنه للإباحة. قال مجد الدين في "المسودة" (ص/77): (فعل النبي صلى الله عليه وسلم يفيد الإباحة إذا لم يكن فيه معنى القربة في قول الجمهور) وليس هذا محل بسط الكلام في هذه المسألة. مسألة - يسن التطيب بالطيب. والأصل في التطيب أنه من العادات والأصل فيها أنها للإباحة، وقد يكون التطيب مندوبا إليه كالتطيب في حق الرجال لصلاة الجمعة فقد ورى البخاري في "صحيحه" عن سلمان الفارسي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة، وتطهر بما استطاع من طهر، ثم ادهن أو مس من طيب، ثم راح فلم يفرق بين اثنين، فصلى ما كتب له، ثم إذا خرج الإمام أنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى». فائدة: أما ما رواه أحمد وغيره عن أبي أيوب رضي الله عنه مرفوعا: " أربع من سنن المرسلين: التعطر، والنكاح، والسواك، والحياء " فهو ضعيف.

مسألة - يسن الاكتحال كل ليلة في كل عين ثلاثا.

مسألة - يسن الاكتحال كل ليلة في كل عين ثلاثا. قد يوضع الكحل للتداوي كالإثمد وقد رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم فروى ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: «عليكم بالإثمد، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر» والأمر هنا إرشادي للإباحة. وقد يوضع للزينة وتزين المرأة لزوجها مندوب إليه، وأما تزين الرجل به ففيه خلاف وقد ورد استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له بدون تقييد بحال النوم فروى أبو الشيخ في "أخلاف النبي" عن أنس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات واليسرى مرتين " وصححه الشيخ الألباني في "الصحيحة" (633)، وروى أبو داود عن أنس بن مالك، «أنه كان يكتحل وهو صائم» حسنه موقوفا الشيخ الألباني، وهو صريح في أنه كان بالنهار، وعليه فالأقوى أن الكحل مباح للرجل إلا أنه عليه أن يراعي موافقة عادة قومه إن كانت عادتهم عدم استعماله للرجال. مسألة - يسن حف الشارب وإعفاء اللحية ويحرم حلق اللحية. روى الشيخان عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب ". وهذا الأمر مع تعليله بمخالفة المشركين يدل على وجوب إعفائها، والأصل في التشبه التحريم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:: (من تشبه بقوم فهو منهم)، وقد صرح بتحريم حلقها شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. وروى أحمد وغيره عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يأخذ من شاربه، فليس منا " وهو يؤكد أن الأمر للوجوب. قال الخطابي في معالم السنن (4/ 211): (إحفاء الشارب أن يوخذ منه حتى يحفى ويرق، وقد يكون أيضاً معناه الاستقصاء في أخذه من قولك أحفيت في المسألة إذا استقصيت فيها واعفاء اللحية توفيرها من قولك عفا النبت إذا طال ويقال عفا الشيء بمعنى كثر قال الله تعالى {حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95] أي كثروا). ولابد من الأخذ من الشارب ولا يتركه أكثر من أربعين يوما كما سبق، وقد اختلف العلماء في هيئة الأخذ هل هي بأن يأخذ ما تدلى على الشفة مما قد يعلق به

تنبيه:

الطعام، أو يأخذ من جميعه حتى يبدو بياض الجلد، والأولى ألا يبالغ في القص جدا كأنه استأصله، والدليل على ذلك ما رواه أحمد وغيره عن المغير رضي الله عنه قال: وكان شاربي وفى فقصه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم على سواك، أو قال: " أقصه لك على سواك "، والمسألة تحتاج لبسط أكثر من ذلك وليس هذا محله. تنبيه: في جمع الماتن بين سنية الإعفاء لللحية مع تصريحه بحرمة حلقها إشكال، وهناك احتمالان: أن يكون مقصوده بالسنة هنا بمعنى الطريقة وهذا بعيد. والثاني أنه يرى أن الإعفاء سنة وأنه يجوز له أن يأخذ منها ما زاد على القبضة وقد صرح بذلك وهي المسالة التالية. مسألة - لا بأس بأخذ ما زاد على القبضة من اللحية. وهذه المسألة كثر فيها الكلام وقد رأيت فيها بعض الرسائل وقد نقل أخذ ما زاد عن القبضة عن بعض الصحابة، وخلاصة القول أنه يجوز له الأخذ مما زاد على القبضة ولا يجب وإن كان الأولى أن يتركها. مسألة - الختان واجب على الذكر والأنثى. الختان في حق الرجل قطع جلدة غاشية حَشَفَة الذّكَرِ، ومن المرأة قطع بعض جلدة عالية مشرفة على الفَرْج (¬1). وهذا الإطلاق في أحوال وجوب الختان فيه نظر، والمذهب أنه مقيد بما لم يخف على نفسه تلفا أو ضررا فيسقط وجوبه، وهذا شرط في جميع الواجبات؛ فلا تجب مع العجز، أو مع خوف التلف، أو الضرر. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 123): (ويجب الختان ما لم يَخَفْهُ على نفسه) هذا المذهب، قال أحمد: إن خاف على نفسه لا بأس أن لا يختتن. وقاله الأصحاب ... فإن خيف، فنقل حنبل: يختن. فظاهره: يجب لأنه أقل من يتلف منه. قال أبو بكر: والعمل على ما نقله الجماعة، وأنه متى خشى عليه لم يختن.). ¬

_ (¬1) انظر المطلع (ص/29).

مسألة - الختان يكون عند البلوغ.

والأقوى التفريق بين الرجل والمرأة في حكم الختان، فهو واجب في حق الرجل سنة في حق النساء. قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 164): (وأقرب الأقوال: أنه واجب في حق الرجال، سنة في حق النساء. ووجه التفريق بينهما: أنه في حق الرجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شروط الصلاة وهي الطهارة؛ لأنه إذا بقيت هذه الجلدة، فإن البول إذا خرج من ثقب الحشفة بقي وتجمع، وصار سببا في الاحتراق والالتهاب، وكذلك كلما تحرك، أو عصر هذه الجلدة خرج البول وتنجس بذلك). وأما في حق المرأة فغاية فائدته: أنه يقلل من غلمتها، أي: شهوتها، وهذا طلب كمال، وليس من باب إزالة الأذى). قال ابن ضويان في "المنار" (1/ 23): (لأنه من ملة إبراهيم عليه السلام، وفي الحديث "اختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة" متفق عليه وقد قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] وقال صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم: "ألق عنك شعر الكفر واختتن" رواه أبو داود. وفي قوله صلى الله عليه وسلم "إذا التقى الختانان وجب الغسل" دليل على أن النساء كن يختتن. وقال أحمد: كان ابن عباس يشدد في أمره حتى قد روي عنه أنه لا حج له ولا صلاة). مسألة - الختان يكون عند البلوغ. وهذا هو وقت الوجوب؛ لأنه قبله لم يكن مكلفا، روى البخاري في "صحيحه" سئل ابن عباس: مثل من أنت حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: «أنا يومئذ مختون» قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك) البعض يفسره بمناهزة البلوغ والبعض يفسره بالبلوغ نفسه. مسألة - الختان قبل البلوغ أفضل. والختان قبل أن يبلغ الصبي أفضل؛ لأن الجلد بعد البلوغ يغلظ ويخشن كما أن الاختتان في الصغر فيه تسهيل الأمر على الصغير لضعف عضوه وقلة فهمه فمن ثم جوز الأئمة الختان قبل ذلك، ويجوز أن يكون في اليوم السابع وقد ورد فيه حديثان ضعيفان وقواهما الشيخ الألباني الأول: عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام، الثاني: عن ابن عباس

فائدة:

قال: سبعة من السنة في الصبي يوم السابع: يسمى ويختن ... الحديث. فائدة: ومما يؤكد استحبابه قبل سن السابعة تقليل المفاسد من ناحية رؤية العورة قال المرداوي في "الإنصاف" (8/ 23): (لا يحرم النظر إلى عورة الطفل والطفلة قبل السبع، ولا لمسها. نص عليه) وأما بعد السبع فلا، قال المرداوي (1/ 451): (قال أبو المعالي ابن المنجا: الصغير بعد العشر كالبالغ. ومن السبع إلى العشر عورته الفرجان فقط). وفي جواز كشف العورة لمن لم يختن حتى البلوغ أو بعده دليل على وجوبه فلا يجوز كشفها إلا إذا كان الفعل واجباً. وقت ختان الإناث: وأما بالنسبة لوقت ختان الإناث فلابد من تأخره لسن يمكن فيه تمييز نواة البظر ببروزها ولعل ذلك لا يكون قبل السادسة أو السابعة من عمرها في الغالب والأولى أن يعجل به في أول هذا السن تقليلا للمفاسد من رؤية العورة. باب الوضوء ـ[تجب فيه التسمية وتسقط سهوا وإن ذكرها في أثنائه ابتداء .. ]ـ مسألة - تجب التسمية في الوضوء وتسقط سهوا. والتسمية أن يقول باسم الله وتكون في أوله بعد النية، روى أحمد وأبو داود وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه) وقد ورد عن عدة من الصحابة وطرقه ضعيفة وقد حسنة بمجموع الطرق الشيخ الألباني، وظاهر الحديث يدل على الشرطية فالنفي يتجه أولا لنفي الذات الشرعية (نفي الصحة) فإن كان ثم دليل على عدم نفي الصحة فنتجه لنفي الكمال والأقوى أن النفي يتجه لنفي الكمال يعني لا وضوء كامل لمن لم يذكر اسم الله عليه، وهو قول كافة أهل العلم بأن التسمية مستحبة حتى ابن حزم، إلا داود الظاهري

مسألة - إن ذكر التسمية في أثناء الوضوء ابتداء.

، ورواية عن أحمد اختارها أبو الخطاب وغيره أنها فرض لا تسقط سهوا. وقال إسحاق بن راهويه: (إذا نسي أجزأه وإذا تعمد أعاد) وقول إسحاق لا يدل على الشرطية وغايته يدل على الوجوب فالشرط من الأحكام الوضعية لا يسقط بالنسيان، وعلى ذلك فالحديث متروك الظاهر والنهي يتجه للكمال بقرينة أن غالب ما نقل عن النبي وعن أصحابه في الوضوء ليس فيه ذكرا للتسمية ويبعد أن يكون حكم متكرر كهذا متعلق بعبادة كالوضوء ولا تثبت شروطه إلا بحديث متنازع فيه ثبوته تنازعا شديدا. قال المردازي في "الإنصاف" (1/ 128): (قال الخلال: الذي استقرت عليه الروايات عنه أنه: لا بأس إذا ترك التسمية. قال ابن رزين في شرحه: هذا المذهب الذي استقر عليه قول أحمد. واختارها الخرقي، وابن أبي موسى، والمصنف، والشارح، وابن عبدوس في تذكرته، وابن رزين وغيرهم، وقدمها في الرعايتين، والنظم، وجزم به في المنتخب). وعليه فالتسمية مستحبة في الوضوء ولا يأثم تاركها عمدا ولا سهوا. مسألة - إن ذكر التسمية في أثناء الوضوء ابتداء. قال الرُّحيباني في "مطالب أولى النهى" (1/ 99): ((إن ذكرها) - أي: التسمية - (في الأثناء)، أي: أثناء الوضوء أو الغسل أو التيمم، (ابتدأ ولا يبني) على ما غسله قبل التسمية لأنه أمكنه أن يأتي بها على جميعه فوجب كما لو ذكرها في أوله، صححه في الإنصاف وقدمه في " الفروع " وجزم به في المنتهى " (خلافا له) - أي لصاحب الإقناع - حيث قال: وإن ذكرها في أثنائه سمى وبنى (ويتجه) وجوب استيثاقه وعدم بنائه (إلا مع ضيق وقت) عن فعل مكتوبة، (أو قلة ماء) فإن كان كذلك فلا مانع من بنائه على ما مضى من طهوره، لأنه لما عفي عنها مع السهو في جملة الطهارة ففي بعضها مع سهو انضم إليه ضيق الوقت، أو قلة الماء أولى، وهو متجه). وظاهر الحديث أنه لا يبتدئ؛ لأنه لو سمى في أثنائه فقد ذكر اسم الله عليه، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 129): (وقال أبو الفرج المقدسي: إن ترك

فروض الوضوء:

التسمية عمدا حتى غسل بعض أعضائه. فإنه يسمي ويبني؛ لأنه قد ذكر اسم الله على وضوئه) ويتأكد ذلك عند اختيارنا للقول بالاستحباب فلا يبتدئ. ـ[وفروضه ستة: غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين مع المرفقين ومسح الرأس كله ومنه الأذنان وغسل الرجلين مع الكعبين والترتيب والموالاة .. ]ـ فروض الوضوء: القول بعدم التفريق بين الفرض والواجب عند الحنابلة هو أحد الأقوال الثلاثة المنقولة عن الإمام أحمد في هذه المسألة. قال مجد الدين في المسودة (ص/ 44): مسألة: الفرض والواجب سواء وهو الذي ذكره في مقدمة المجرد وبه قالت الشافعية وعنه الفرض آكد ونصرها الحلواني وبه قالت الحنفية وهو على قولهم وروايتنا هذه ما ثبت بدليل مقطوع به وقيل هو ما لا يسقط في عمد ولا سهو وحكى ابن عقيل رواية ثالثة أن الفرض ما لزم بالقرآن والواجب ما كان بالسنة وهذه هي ظاهر كلام أحمد في أكثر نصوصه وقد حكاها ابن شاقلا وهذا القول في الجملة اختيار القاضي وغيره). مسألة - من فروض الوضوء غسل الوجه. قال الزركشي في"شرح مختصر الخرقي" (1/ 182): (هذا بالإجماع، وبنص كتاب الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]. حد الوجه طولا من منابت شعر الرأس غالبا - فلا عبرة بالأجلح، الذي انحسر شعره عن مقدم رأسه - إلى ما انحدر من اللحيين والذقن، وعرضا ما بين أصول الأذنين، لأن جميع ذلك تحصل به المواجهة، فدخل تحت الآية الكريمة). مسألة - المضمضة والاستنشاق من الوجه. أي أن حكمهما حكم الوجه وهذا بناء على الرواية أن الفرض هو الواجب. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 152): (قوله {وهما واجبان في الطهارتين} يعني

مسألة - من فروض الوضوء غسل اليدين مع المرفقين.

المضمضة والاستنشاق. وهذا المذهب مطلقا. وعليه الأصحاب، ونصروه وهو من مفردات المذهب. ثم قال: (هل يسميان فرضا أم لا؟ وهل يسقطان سهوا أم لا؟ على روايتين ... وقال المصنف، وتبعه الشارح: هذا الخلاف مبني على اختلاف الروايتين في الواجب، هل يسمى فرضا أم لا؟ والصحيح: أنه يسمى فرضا. فيسميان فرضا). والصحيح أنهما واجبان ولكن ليس لكون باطن الأنف والفم من الوجه، وإنما لثبوت الأمر بهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ الحمد في "شرح الزاد": (المضمضة والاستنشاق فرض؛ لأنهما من الوجه، فالوجه ما يواجه به وهذه الأعضاء تتم بها المواجهة كما تتم المواجهة ببقية أجزاء الوجه. وهذا الكلام فيه نظر، فالأظهر: أن الفم والأنف ليسا من الوجه حقيقة، وذلك لأنهما وإن كانا في الظاهر من الوجه لكن الذي يتم تغسيله إنما هو باطنهما ولا شك أن الباطن ليس مما يواجه به. كما أنهم لم يوجبوا تخليل اللحية الكثيفة وأوجبوا غسل ظاهرها، مع أن اللحية مما يواجه به، فأوجبوا غسل ظاهرها؛ لأنه من الوجه ولم يوجبوا غسل باطنها وكذلك هنا: فالأنف والفم غسل ظاهرهما يجب بالإجماع. أما باطنهما، فالراجح هو ما ذهب إليه الحنابلة من وجوب المضمضة والاستنشاق لكن ليس للتعليل الذي ذكره وإنما للأدلة الشرعية الدالة على ذلك منها: ما ثبت في الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر) فهو فيه إيجاب الاستنشاق لأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم والأصل في الأمر الوجوب. وأما المضمضة فدليلها: ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إذا توضأت فمضمض) فهذا أمر والأمر للوجوب ... ). مسألة - من فروض الوضوء غسل اليدين مع المرفقين. قال في "الإنصاف" (1/ 157): (قوله {ويدخل المرفقين في الغسل} هذا المذهب: وعليه الأصحاب، وقطع به أكثرهم).

مسألة - من فروض الوضوء مسح الرأس كله.

قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 90): (يدخل المرفقين في الغسل. لا خلاف بين علماء الأمة في وجوب غسل اليدين في الطهارة، وقد نص الله تعالى عليه بقوله سبحانه: {وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6]. وأكثر العلماء على أنه يجب إدخال المرفقين في الغسل ... ولنا ما روى جابر، قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا توضأ أدار الماء إلى مرفقيه.» وهذا بيان للغسل المأمور به في الآية، فإن " إلى " تستعمل بمعنى مع، قال الله تعالى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52]. أي مع قوتكم، {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2]. فكان فعله مبينا. وقولهم: إن " إلى " للغاية. قلنا: وقد تكون بمعنى مع، قال المُبَرِّدُ: إذا كان الحد من جنس المحدود دخل فيه، كقولهم: بعت هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف) والراجح دخولها لأنها من جنس المحدود فتغسل مع اليدين. مسألة - من فروض الوضوء مسح الرأس كله. روى أبو داود وغيره عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه، قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فلما بلغ مسح رأسه، وضع كفيه على مقدم رأسه، فأمرهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه». قال موفق الدين في "المغني" (1/ 92): (لا خلاف في وجوب مسح الرأس، وقد نص الله تعالى عليه بقوله {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]). وقد اختلف العلماء في الباء في الآية فمن قال أنها للتبعيض جوز الاقتصار على مسح بعض الرأس، وقد حقق تقي الدين في "الفتاوى" كونها للإلصاق بمعنى أن المسح هو إمرار الماسح وهو اليد على الممسوح وهي الرأس على أن يكونا متلاصقين بواسطة بينهما وهو الممسوح به بحيث يترك جزءا منه على الرأس وهو الماء في الوضوء والتراب في التيمم. قال ابن القيم في "الزاد" (1/ 186): (ولم يصح عنه في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة. فأما حديث أنس الذي رواه أبو داود: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة» فهذا مقصود أنس به أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقض

مسألة - الأذنان من الرأس.

عمامته حتى يستوعب مسح الشعر كله، ولم ينف التكميل على العمامة، وقد أثبته المغيرة بن شعبة وغيره، فسكوت أنس عنه لا يدل على نفيه). وحديث أنس اختلف فيه فضعفه الألباني وقواه ابن حجر في الفتح، وهو محتمل للتحسين. وروى ابن أبي شيبة بسند رواته ثقات: عن أيوب، عن نافع، «أن ابن عمر كان يمسح رأسه هكذا»، ووضع أيوب كفه وسط رأسه، ثم أمرها إلى مقدم رأسه)، وعن يزيد، قال: «كان سلمة، يمسح مقدم رأسه». الترجيح: لا شك أن القول بوجوب مسح جميع الرأس أو التكميل على العمامة له أدلة ظاهرة قوية وهو أحوط بكل حال، ولكن بالنظر إلى فعل ابن عمر وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهما والاحتمال الوارد في حديث أنس على فرض ثبوته يقوى القول بجواز الاقتصار على بعض الرأس ويكون القول بالتعميم على سبيل الاستحباب لا الوجوب. مسألة - الأذنان من الرأس. وهذا نص حديث ورد عن عدة من الصحابة بطرق ضعيفة وقد اختلف العلماء في ثبوته والراجح أنه ثبت عن بعض الصحابة موقوفا، وله حكم الرفع. وكون الأذنان من الرأس يستفاد منه فائدتان: الأولى - حكمهما مثل حكم الرأس في المسح وهو الوجوب وهو المذهب وهناك رواية أخرى بالاستحباب اختارها وصححها جماعة من الأصحاب. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 97): (الأذنان من الرأس، فقياس المذهب وجوب مسحهما مع مسحه. وقال الخلال كلهم حكوا عن أبي عبد الله فيمن ترك مسحهما عامدا أو ناسيا، أنه يجزئه؛ وذلك لأنهما تبع للرأس، لا يفهم من إطلاق اسم الرأس دخولهما فيه، ولا يشبهان بقية أجزاء الرأس، ولذلك لم يجزه مسحهما عن مسحه عند من اجتزأ بمسح بعضه، والأولى مسحهما معه). الثانية - أنه لا يجدد لهما ماء جديد بل يمسحان بفضل ماء الرأس. والصحيح من المذهب أنه يستحب تجديد الماء لهما.

مسألة - من فروض الوضوء غسل الرجلين مع الكعبين.

قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 135): (قوله {وأخذ ماء جديد للأذنين} إن قلنا: هما من الرأس وهو المذهب، فالصحيح: استحباب أخذ ماء جديد لهما). قال ابن القيم في "الزاد" (1/ 187): (ولم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماء جديدا، وإنما صح ذلك عن ابن عمر). وأثر ابن عمر رواه عبد الرزاق في "المصنف" أن ابن عمر كان يغسل ظهور أذنيه وبطونهما إلا الصِّمَاخِ مع الوجه مرة - أو مرتين - ويدخل بإصبعيه بعدما يمسح برأسه في الماء، ثم يدخلهما في الصِّمَاخِ مرة). فهو يرى أن ظهورهما وبطونهما إلا الصماخ من الوجه فيغسلا معه، والصماخ من الرأس فيمسح معه وهذا جاء مصرحا به في رواية ابن المقرئ في "معجمه" أن رجلا قال لابن عمر: أخبرني عن الأذنين، أهما من الرأس قال: «مقدمهما من الوجه ومؤخرهما من الرأس، وإذا توضأت فاغسل مقدمهما، وإذا مسحت رأسك، فامسح مؤخرهما» وفعله من الجمع بين الغسل والمسح في الأذنين انفرد به، وهو مخالف لعموم الحديث السابق. الترجيح: الراجح أن الحديث المرفوع حكما (الأذنان من الرأس) وهو يدل على أن الأذنين ظاهرهما وباطنهما من الرأس وتابعان له فيمسحان بماء الرأس وحكمهما كحكمه في الوجوب وإن قلنا بتجديد الماء لهما لفعل ابن عمر لم يبعد. مسألة - من فروض الوضوء غسل الرجلين مع الكعبين. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] والأرجل منصوبة فهي معطوفة على المغسول، والكعبان يغسلان مع الرجل، وهما العظمان الناتئان من جانبي القدم، وهما مجمع مفصل الساق والقدم. مسألة - من فروض الوضوء الترتيب. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 101): (في الآية قرينة تدل على أنه أريد بها الترتيب؛ فإنه أدخل ممسوحا بين مغسولين، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، والفائدة هاهنا الترتيب. فإن قيل: فائدته استحباب الترتيب. قلنا: الآية ما

مسألة - من فروض الوضوء الموالاة.

سيقت إلا لبيان الواجب؛ ولهذا لم يذكر فيها شيئا من السنن؛ ولأنه متى اقتضى اللفظ الترتيب كان مأمورا به، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن كل من حكى وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكاه مرتبا، وهو مفسر لما في كتاب الله تعالى). وقد ورد عند أحمد في المسند عن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ في وصفها لوضوء النبي وتأخيره للمضمضة والاستنشاق بعد غسل الوجه، وأيضا حديث المقدام في وصفه لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم وتأخيره المضمضة والاستنشاق بعد غسله لذراعيه. وقد أعل الأرناؤوط هذين الحديثين فضعف إسناد الأول لضعف عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، وقد انفرد به، واضطرب في متنه وحكم بنكارة الثاني لمخالفته الأحاديث الكثيرة التي تفيد أن المضمضة والاستنشاق عقب غسل اليدين، وحسن الشيخ الألباني الأول وصحح إسناد الثاني. والمتأمل لهذين الحديثين يرى أن المخالفة فقط في المضمضة والاستنشاق فقط دون باقي الأعضاء وقال بعض العلماء بالاقتصار على هذه الحالة فقط وتحمل على النسيان والتذكر في أثناء الوضوء فمن نسيهما فليعاود فعلهما وقت تذكره، وذهب البعض الآخر إلى قياس غيرهما عليهما وقال بعدم وجوب الترتيب مطلقا وقولهم متجه. وعلى ذلك فالترتيب هو الأولى وهو غالب حال النبي صلى الله عليه وسلم وقد كنت أميل للحكم بنكارة حديث المقدام ولكن بضميمة حديث الربيع له ينتفي القول بنكارته أو شذوذه، وعلى ذلك فمن نسى عضوا من أعضاء الوضوء وهو على وضوئه أتي به في وقت تذكره والله أعلم. مسألة - من فروض الوضوء الموالاة. مصدر والى الشيء يواليه إذا تابعه، فالموالاة هي تتابع غسل أو مسح الأعضاء بالماء بعضها إثر بعض. قال ابن ضويان في "المنار" (1/ 25): (لحديث خالد بن معدان أن النبي صلى

فائدة:

الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه (¬1) لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء رواه أحمد وأبو داود وزاد والصلاة ولو لم تجب الموالاة لأمره بغسل اللمعة فقط) والحديث إسناده ضعيف فيه بقية بن الوليد وهو يدلس ويسوى ولم يصرح بالتحديث في كل طبقات السند إلا أنه يتقوى بحديث عمر بن الخطاب عند مسلم، ولفظه: أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ارجع فأحسن وضوءك" فرجع ثم صلى. ونحوه حديث أنس عند أحمد والأمر بإحسان الوضوء يحتمل التعميم والاستئناف، ومما يقوي الاستئناف ما ورد في بعض طرق الحديث أنه أعاد الوضوء. فائدة: قال موفق الدين في "المغني" (1/ 102): (الموالاة الواجبة أن لا يترك غسل عضو حتى يمضي زمن يجف فيه العضو الذي قبله في الزمان المعتدل) والمقصود بالزمن المعتدل هو الزمن الذي لا يتأخر فيه الجفاف كما يتأخر في زمن الشتاء والرطوبة، ولا الذي يسرع فيه الجفاف كما في يحدث في زمن الحر والريح، والمقصود أنهم يقدرون هذا الزمن مثلا بخمس دقائق ويكون هذا هو حد الموالاة والمسألة تقريبية وتختلف من بيئة لأخرى ومن شخص لآخر. قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 193): (ويستثنى من ذلك ما إذا فاتت الموالاة لأمر يتعلق بالطهارة. مثل: أن يكون بأحد أعضائه حائل يمنع وصول الماء «كالبوية» مثلا، فاشتغل بإزالته فإنه لا يضر، وكذا لو نفد الماء وجعل يستخرجه من البئر، أو انتقل من صنبور إلى آخر ونشفت الأعضاء فإنه لا يضر. أما إذا فاتت الموالاة لأمر لا يتعلق بالطهارة؛ كأن يجد على ثوبه دما فيشتغل بإزالته حتى نشفت أعضاؤه؛ فيجب عليه إعادة الوضوء؛ لأن هذا لا يتعلق بطهارته). ¬

_ (¬1) بالأصل قدميه وهو خطأ.

شروط الوضوء:

شروط الوضوء: ـ[وشروطه ثمانية: انقطاع ما يوجبه والنية والإسلام والعقل والتمييز والماء الطهور المباح وإزالة ما يمنع وصوله والاستجمار .. ]ـ مسألة - من شروط الوضوء انقطاع ما يوجبه. أي انقطاع موجب الوضوء فلا يصح الوضوء مع ملابسة الحدث ونحوه، مثلا: ينتظر عند قضاء حاجته حتى انقطاع ما يخرج من السبيلين فلا يشرع في الوضوء قبل الانقطاع، ولا يتوضأ مثلا وهو يأكل لحم الإبل لابد وأن يفرغ ثم يشرع في الوضوء لمنافاة الموجب للوضوء فلا يصح مع وجوده. مسألة - من شروط الوضوء النية. لحديث: (إنما الأعمال بالنيات) وسوف يأتي مزيد بيان لبعض أحكام النية قريبا بإذن الله. مسألة - من شروط الوضوء الإسلام. الإسلام شرط في كل عبادة، حتى وإن كان الوضوء مستحب فلا يصح من كافر قال تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأولئك كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) وقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) والآيات الدالة على أن الإيمان شرط في قبول الأعمال كثيرة وقال تعالى: (وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً)، وقال: (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ). فائدة - الكفار مخاطبون بفروع الشريعة: ومما يدل على ذلك قوله تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) (فصلت: 6، 7) سواء قلنا إن الزكاة في الآية هي زكاة المال المعروفة، أو زكاة الأبدان بفعل الطاعات واجتناب المعاصي، وقوله تعالى: (مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الُخَآئِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) وقوله: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ

مسألة - من شروط الوضوء العقل.

الْعَظِيمِ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ). وليس معنى خطابهم بها أنهم ملزمون بها في حال الكفر؛ لأننا ندعوهم أولاً إلى الإسلام فهو شرط في قبول الأعمال، ثم نلزمهم بأحكامه؛ وليس أيضا معنى كونهم مخاطبين بها أنهم يؤمرون بقضائها إذا أسلموا، وإنما الفائدة من قولنا: إنهم مخاطبون بها زيادة عقوبتهم في الآخرة على ما تركوه من أعمال واقترفوه من خطايا مع الكفر. مسألة - من شروط الوضوء العقل. العقل شرط في قبول جميع العبادات فلا وضوء لمن لا عقل له، كالمجنون ونحوه؛ وذلك لأن من لا عقل له لا نية له. والمجنون غير مكلف حتى يعقل لما رواه أصحاب السنن عن علي مرفوعا: " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل ". مسألة - من شروط الوضوء التمييز. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 144): (فلا وضوء لمن لا تمييز له، كمن له دون سبع، وقيل: ست، أو من لا يفهم الخطاب ولا يرد الجواب) وقد أفاد ابن ضويان أن التمييز شرط في كل عبادة إلا في الحج فيصح الحج من غير المميز ولو كان ابن ساعة ويحرم عنه وليه لحديث مسلم: (ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر). مسألة - من شروط الوضوء الماء الطهور المباح. قال ابن ضويان في "المنار" (1/ 25): (لما تقدم في المياه فلا يصح بنحو مغصوب لحديث "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"). واشتراطه الطهورية بناء على اختياره أن قسمة الماء ثلاثية، وقد سبق بيان أن الراجح أن القسمة ثنائية وعليه فلا يشترط طهورية الماء، ويجوز رفع الحدث بالماء الطاهر، وأما بالنسبة لاشتراط إباحة الماء فقد سبق بيان أن الراجح أنه يرتفع الحدث بالماء الغير مباح مع الإثم إن كان عالما ذاكر.

مسألة - من شروط الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء للأعضاء.

مسألة - من شروط الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء للأعضاء. قال ابن قاسم في "حاشيته" (1/ 194): (من طين أو عجين أو شمع أو دهن جامد أو وسخ على أعضاء الوضوء، أو على بدن في غسل، ليحصل الإسباغ، وأما الحناء ونحوه فعرض ليس له جرم يمنع وصول الماء إلى العضو). فائدة - يعفى عن اليسير: قال تقي الدين في "الفتاوى الكبرى" (5/ 303): (وإن منع يسير وسخ ظفر ونحوه وصول الماء صحت الطهارة، وهو وجه لأصحابنا، ومثله كل يسير منع وصول الماء حيث كان: كدم، وعجين). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 158): (وقيل: يصح ممن يشق تحرزه منه، كأرباب الصنائع والأعمال الشاقة من الزراعة وغيرها، واختاره في التلخيص). وحد اليسير كما نص عليه الإمام أحمد في غير هذه المسألة ما فحش في قلبك، قال الخلال الذي استقرت الرواية عن أبي عبد الله أن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " دع ما يريبك إلى مالا يريبك " وقال ابن عقيل إنما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط الناس لا المتبذلين ولا الموسوسين (¬1). ويجمع بين القولين بأن يحد الفاحش في كل أحد بحسبه ما لم يكن موسوسا، ولا متبذلا؛ وذلك لأن اعتبار حال الإنسان بما يستفحشه غيره حرج، فيكون منفيا (¬2). مسألة - من شروط الوضوء الاستجمار. نلاحظ الفرق بين هذه المسألة ومسألة أن من شروط الوضوء انقطاع ما يوجبه، فخروج البول أو الغائط هو الحدث الموجب للوضوء فلا يصح الوضوء قبل انقطاع خروجهما؛ لاستمرار الحدث، ولكن مسألتنا هي ما حكم الوضوء في حالة ما إذا انقطع خروجهما ولم يزالا بعد سواء بالاستنجاء أو الاستجمار؟. الرواية المصححة في المذهب والتي عليها جماهير الأصحاب عدم صحة الوضوء في هذه الحالة واشتراط تقديم إزالة النجاسة قبل الوضوء. ¬

_ (¬1) انظر: الشرح الكبير (1/ 178). (¬2) انظر: مطالب أولي النهى (1/ 141).

فائدتان:

لا شك أن إزالة النجاسة واجب ولكنه متعلق بالصلاة لا بالوضوء، من شروط الصلاة في المذهب طهارة الثوب والبدن. لابد وأن نفرق بين حالتين، فخروج الحدث إما أن يكون من المخرج المعتاد، وإما أن يكون من غير المخرج المعتاد. فإن كان من المخرج المعتاد فإن كانت إزالته تؤدي إلى نقض الوضوء فلا بد من تقديمه على الوضوء، وإنما يكون ذلك عن مباشرة لمس الفرج باليد لإزالة الخارج وغالبا ما يكون ذلك بالماء، فأما إن لم يصاحبه مباشرة لمس الفرج بأن يكون إزالتها بشيء غير اليد كالأحجار أو الورق ونحو ذلك فيجوز له الوضوء قبل إزالة الخارج (¬1). قال موفق الدين في "المغني" (1/ 82): (وظاهر كلام الخرقي اشتراط الاستنجاء لصحة الوضوء، فلو توضأ قبل الاستنجاء لم يصح كالتيمم. والرواية الثانية: يصح الوضوء قبل الاستنجاء، ويستجمر بعد ذلك بالأحجار، أو يغسل فرجه بحائل بينه وبين يديه ولا يمس الفرج. وهذه الرواية أصح، وهي مذهب الشافعي لأنها إزالة نجاسة، فلم تشترط لصحة الطهارة، كما لو كانت على غير الفرج). وأما إن لم يكن من المخرج المعتاد فالقول بجواز تقدم الوضوء يقوى لعدم وجود المانع من خوف مس الفرج. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 115): (فائدة: لو كانت النجاسة على غير السبيلين، أو على السبيلين غير خارجة منهما: صح الوضوء قبل زوالها على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به أكثرهم). فائدتان: الأولى: ظن البعض من هذا التعميم الذي في المذهب أنه يشترط الاستنجاء أو الاستجمار قبل الوضوء حتى وإن كان من الريح، وهذا ليس بشيء وقد سبق بيان أنه ليس في الريح استنجاء. ¬

_ (¬1) انظر السيل الجرار (1/ 48).

الطهارة عبادة يشترط لها النية:

الثانية - إن كانت النجاسة على أحد أعضاء الوضوء عدنا إلى مسألة أن من شروط الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء للأعضاء. قال الشوكاني في "السيل الجرار" (1/ 52): (فالنجاسة إذا كانت في أعضاء الوضوء وجب تقديم غسلها حتى تزول عينها ولونها وطعمها وعَرْفها فإذا فرغ من ذلك غسل العضو غسل الوضوء ولا يصح أن يكون الغسل لرفع الحدث والنجس جميعا وبعد زوال النجاسة لا معنى لتشريكها). ـ[فصل فالنية هنا قصد رفع الحدث أو قصد ما تجب له الطهارة كصلاة وطواف ومس مصحف، أو قصد ما تسن له كقراءة وذكر وأذان ونوم ورفع شك وغضب وكلام محرم وجلوس بمسجد وتدريس علم وأكل، فمتى نوى شيئا من ذلك ارتفع حدثه، ولا يضر سبق لسانه بغير ما نوى ولا شكه في النية أو في فرض بعد فراغ كل عبادة، وإن شك فيها في الأثناء استأنف .. ]ـ قال موفق الدين في "المغني" (1/ 82): (النية من شرائط الطهارة للأحداث كلها، لا يصح وضوء ولا غسل ولا تيمم، إلا بها). الطهارة عبادة يشترط لها النية: قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص/20): (وأما الطهارة فالخلاف في اشتراط النية لها مشهور وهو يرجع إلى أن الطهارة للصلاة هل هي عبادة مستقلة أم هي شرط من شروط الصلاة كإزالة النجاسة وستر العورة فمن لم يشترط لها النية جعلها كسائر شروط الصلاة ومن اشترط لها النية جعلها عبادة مستقلة فإذا كانت عبادة في نفسها لم تصح بدون النية وهذا قول جمهور العلماء ويدل على صحة ذلك تكاثر النصوص الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الوضوء يكفر الذنوب والخطايا وأن من توضأ كما أمر كان كفارة لذنوبه وهذا يدل على أن الوضوء المأمور به في القرآن عبادة مستقلة بنفسها حيث رتب عليه تكفير الذنوب والوضوء الخالي من النية لا يكفر شيئا من الذنوب بالاتفاق فلا يكون مأمورا به ولا تصح به الصلاة ولهذا لم يرد في شيء من بقية شرائط الصلاة كإزالة النجاسة

مسألة - النية في الوضوء هي قصد رفع الحدث أو قصد ما تجب أو تسن له الطهارة.

وستر العورة ما ورد في الوضوء من الثواب). روى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء -، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء -، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - حتى يخرج نقيا من الذنوب». مسألة - النية في الوضوء هي قصد رفع الحدث أو قصد ما تجب أو تسن له الطهارة. النية في الوضوء هي قصد رفع الحدث أي إزالة المانع من كل فعل يفتقر إلى الطهارة، أو قصد استباحة ما تجب له الطهارة كالصلاة والطواف ومس المصحف، أو قصد استباحة ما تسن له الطهارة كقراءة القرآن أي بدون مس للمصحف والذكر والآذان والنوم ورفع شك في الحدث الأصغر ما لم يكن موسوسا وعند الغضب وجلوس بمسجد وتدريس علم، ونحو ذلك ممن نوى شيئا من ذلك مما يسن أو يجب له الوضوء ارتفع حدثه. مسألة - يسن الوضوء للكلام المحرم. والكلام المحرم كالغيبة والنميمة والكذب، ونحو ذلك. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما مرفوعا: (الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج وحدث اللسان أشد من حدث الفرج وفيهما الوضوء) وقد ورد مرفوعا وموقوفا وكلاهما لا يصح. وقد حمل تقس الدين وغيره حدث الفم على الردة وأوجب منها الوضوء وسوف يأتي الكلام عليها في باب نواقض الوضوء. وحمله ابن المنذر على القيء ولفظ الحديث عنده: (الحدث حدثان حدث من فيك وحدث من أسفل منك) وعليه فيكون ذكر اللسان في بعض طرقه من باب أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يقتضي التخصيص إلا أن الحديث لا يصح. وقد روى عن ابن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنه قال: " لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إلي من أتوضأ من الطعام الطيب " وهذا الأثر رواه عبد

مسألة - يسن الوضوء للأكل.

الرزاق وابن أبي شيبة وغيرهما ومداره على إبراهيم التيمي وهو ثقة إلا أنه كان يرسل ويدلس وقد عنعنه فإسناده ضعيف، وقالت عائشة رضي الله عنها: " يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء " رواه عبد الرزاق وغيره وإسناده حسن. وقد نقل ابن المنذر الإجماع على عدم وجوب الوضوء من الكلام الفاحش فقال في "الأوسط" (1/ 230): (وأجمع كل من نحفظ قوله من علماء الأمصار على أن القذف وقول الكذب والغيبة لا تنقض طهارة ولا توجب وضوءا). وقد اختلف العلماء في المراد بالوضوء هنا البعض على غسل الفم، وحمله البعض على الوضوء الشرعي، قال النووي في "المجموع" (2/ 62): (قال ابن الصباغ الأشبه أنهم أرادوا غسل الفم وكذا حملها المتولي على غسل الفم وحكى الشاشي في المعتمد كلام ابن الصباغ ثم قال وهذا بعيد بل ظاهر كلام الشافعي أنه أراد الوضوء الشرعي قال والمعنى يدل عليه لأن غسل الفم لا يؤثر فيما جرى من الكلام وإنما يؤثر فيه الوضوء الشرعي والغرض منه تكفير الخطايا) ولكنهم لإجماع ابن المنذر لم يقولوا بالوجوب وحملوه على الاستحباب. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 131): (ولا ينقض الوضوء ما عدا الردة من الكلام من الكذب، والغيبة، والرفث والقذف وغيرها. نص عليه أحمد، وقال ابن المنذر: أجمع من نحفظ قوله من علماء الأمصار على أن القذف، وقول الزور، والكذب، والغيبة لا توجب طهارة، ولا تنقض وضوءا، وقد روينا عن غير واحد من الأوائل أنهم أمروا بالوضوء من الكلام الخبيث، وذلك استحباب عندنا ممن أمر به، ولا نعلم حجة توجب وضوءا في شيء من الكلام، وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف باللاتي والعزى فليقل: لا إله إلا الله». ولم يأمر في ذلك بوضوء). مسألة - يسن الوضوء للأكل. الراجح أنه لا يستحب الوضوء للأكل، وقد ذكر الأكل ضمن ما يسن الوضوء له جماعة منهم ابن مفلح والمرداوي وغيرهما واتفقوا على نسبته لموفق الدين في المغني، وبمراجعة كلامه في المغني وجدت أنه يقول بأن الأكل لا تشرع له

مسألة - فمتى نوى شيئا مما يسن له الطهارة ارتفع حدثه.

الطهارة قال في "المغني" (1/ 83): (فإن نوى بالطهارة ما لا تشرع له الطهارة؛ كالتبرد والأكل والبيع والنكاح ونحوه، ولم ينو الطهارة الشرعية، لم يرتفع حدثه؛ لأنه لم ينو الطهارة، ولا ما يتضمن نيتها، فلم يحصل له شيء، كالذي لم يقصد شيئا). قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (22/ 319): (في الصحيح عن ابن عباس قال: {كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء من الغائط فأتى بطعام فقيل له: ألا تتوضأ؟ قال: لم أصل فأتوضأ} فإن هذا ينفي وجوب الوضوء وينفي أن يكون مأمورا بالوضوء لأجل مجرد الأكل ولم نعلم أحدا استحب الوضوء للأكل إلا إذا كان جنبا وتنازع العلماء في غسل اليدين قبل الأكل هل يكره أو يستحب على قولين هما روايتان عن أحمد. فمن استحب ذلك احتج {بحديث سلمان أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم قرأت في التوراة أن من بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده} ومن كرهه قال: لأن هذا خلاف سنة المسلمين فإنهم لم يكونوا يتوضئون قبل الأكل وإنما كان هذا من فعل اليهود فيكره التشبه بهم. وأما حديث سلمان فقد ضعفه بعضهم وقد يقال: كان هذا في أول الإسلام لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء) وحديث سلمان ضعفه أبو داود والترمذي وغيرهما ولو صح لحمل على الوضوء الشرعي لا غسل اليدين، فظهر من ذلك عدم استحباب الوضوء الشرعي لمجرد الأكل ما لم يكون جنبا. مسألة - فمتى نوى شيئا مما يسن له الطهارة ارتفع حدثه. وكون الحدث يرتفع هنا هي الرواية الصحيحة في المذهب وهي الراجحة لأنه نوى رفع الحدث وفرق بين أن ينوي التجديد أو التبرد وأن ينوي رفع الحدث لفعل يستحب له الطهارة وإن كان البعض سوى بين من نوى التجديد وهو محدث ومن نوى التطهر لما تسن له الطهارة إلا أنني أرى أن مسألتنا يرتفع فيها الحدث لأنه نوى رفعه بخلاف من نوى التجديد فلا يرتفع الحدث لأنه لم ينوه والأعمال بالنيات. وعليه فلا يشترط للمحدث عند رفعه الحدث أن يعين نية رفع الحدث وأنه مثلا لصلاة فرض أو طواف أو غيرهما مما تجب له الطهارة، ولا أنه لما يسن له الطهارة كالذكر والنوم مثلا بل ينوي نية مطلقة لرفع الحدث.

مسألة - لا يضر سبق لسانه بغير ما نوى:

مسألة - لا يضر سبق لسانه بغير ما نوى: قال موفق الدين في "المغني" (1/ 83): (محل النية القلب؛ إذ هي عبارة عن القصد، ومحل القصد القلب، فمتى اعتقد بقلبه أجزأه، وإن لم يلفظ بلسانه وإن لم تخطر النية بقلبه لم يجزه. ولو سبق لسانه إلى غير ما اعتقده لم يمنع ذلك صحة ما اعتقده بقلبه) وقد نص العلماء على أن التلفظ بالنية بدعة إلا في الحج. مسألة - ولا يضر شكه في النية أو في فرض بعد فراغه من الوضوء وأما في أثنائه فيستأنف (¬1). بداية الكلام هنا لا يدخل فيه الموسوس؛ لأن شكه غالبا ما يكون وهما فلا يلتفت له ولقطع علائق الشيطان من استدراجه. فرق الماتن هنا بين حالتين: الأولى: أن يشك في أنه نوى رفع الحدث أو في غسل عضو في أثناء الوضوء فهنا يستأنف ويكون كمن لم يأت بما شك فيه؛ لأن الأصل العدم فيبني عليه. الثانية: أن يكون الشك بعد الفراغ من الطهارة فلا يلتفت إلى شكه؛ لأنه شك في العبادة بعد فراغه منها، وهي محكوم بصحتها قبل شكه، فلا يزول ذلك بالشك، كما لو شك في وجود الحدث المبطل. ـ[فصل في صفة الوضوء: وهى أن ينوي ثم يسمي ويغسل كفيه ثم يتمضمض ويستنشق ثم يغسل وجهه من منابت شعر الرأس المعتاد ولا يجزئ غسل ظاهر شعر اللحية إلا أن لا يصف البشرة ثم يغسل يديه مع مرفقيه ولا يضر وسخ يسير تحت ظفر ونحوه ثم يمسح جميع ظاهر رأسه من حد الوجه إلى ما يسمى قفا والبياض فوق الأذنين منه ويدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما ثم يغسل رجليه مع كعبيه وهما العظمان الناتئان .. ]ـ مسألة - صفة الوضوء يبدأ المتوضئ بالنية ثم يسمي ويغسل كفيه ثم ¬

_ (¬1) انظر المغني (1/ 85).

مسألة - غسل الكفين مستحب.

يتمضمض ويستنشق ثم يغسل وجهه ثم يغسل يديه مع مرفقيه ثم يمسح رأسه وأذنيه ثم يغسل رجليه مع كعبيه. وقد سبق الكلام على النية والتسمية، وباقي صفة الوضوء دل عليها ما رواه الشيخان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: «دعا بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليسرى مثل ذلك». ثم قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه» واللفظ لمسلم. وقد سبق وأن تكلمنا على كثير من الأحكام المتعلقة بصفة الوضوء، ومن المسائل المتعلقة التي لم نطرحها بعد: مسألة - غسل الكفين مستحب. يبدأ المتوضئ بغسل كفيه من أطراف الأصابع إلى الرُّسْغِ، ويبدأ بهما قبل باقي الأعضاء؛ لأنهما آلة الغسل فإن بهما يُنقل الماء، وتُدلك الأعضاء. وغسلهما في أول الوضوء مستحب وهو الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه أحمد، وقال موفق الدين بغير خلاف نعلمه. مسألة - يستحب أن يُجمع بين المضمضة والاستنشاق. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 152): (قوله " ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا " بلا نزاع. ويكون ذلك بيمينه على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. قوله {من غُرْفَةٍ، وإن شاء من ثلاث، وإن شاء من ست} هذه الصفات كلها جائزة. والأفضل جمعها بماء واحد على الصحيح من المذهب، نص عليه: يتمضمض ثم يستنشق من الغرفة). وردت أحاديث صحيحة في الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كف واحدة يبدأ بالمضمضة ثم يستنشق من نفس الكف، يفعل ذلك ثلاث مرات من كف واحد أو من ثلاثة أكف، وأما أحاديث إفراد المضمضة عن الاستنشاق فلا تصح.

مسألة - البياض فوق الأذنين من الرأس.

مسألة - البياض فوق الأذنين من الرأس. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 163): (البياض الذي فوق الأذنين دون الشعر من الرأس على الصحيح من المذهب، اختاره القاضي، وابن عقيل، وجماعة) والبياض الذي بين العذار والأذن من الوجه. مسألة - يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما. ويدل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند النسائي في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: (ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه). ـ[فصل: وسننه ثمان عشرة: استقبال القبلة والسواك وغسل الكفين ثلاثا والبداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة والاستنشاق والمبالغة فيهما لغير الصائم والمبالغة في سائر الأعضاء مطلقا والزيادة في ماء الوجه وتخليل اللحية الكثيفة وتخليل الأصابع وأخذ ماء جديد للأذنين وتقديم اليمنى على اليسرى ومجاوزة محل الفرض والغسلة الثانية والثالثة واستصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء والإتيان بها عند غسل الكفين والنطق بها سرا، وقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله مع رفع بصره إلى السماء: بعد فراغه، وأن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاونه .. ]ـ مسألة - من سنن الوضوء استقبال القبلة. استحب الجمهور استقبال القبلة عند الوضوء، قال ابن مفلح في "الفروع" (1/ 185): (وظاهر ما ذكره بعضهم يستقبل القبلة، ولا تصريح بخلافه، وهو متجه في كل طاعة إلا لدليل). قلت: والراجح عدم جواز تحري استقبال القبلة عند الوضوء فإنه لم ينقل عن النبي ولا عن صحابته تحرى استقبالها عند الوضوء ومن تقصد فعل ذلك فلا يبعد الحكم على فعله بالبدعية. مسألة - من سنن الوضوء السواك. وقد سبق الكلام عن هذه المسألة.

مسألة - من سنن الوضوء غسل الكفين ثلاثا.

مسألة - من سنن الوضوء غسل الكفين ثلاثا. وقد سبق أيضا الكلام عن هذه المسألة. مسألة - من سنن الوضوء البداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة والاستنشاق. وقد سبق ذكر أن المضمضة والاستنشاق من الوجه، فجعل الترتيب بين أجزاء العضو الواحد مستحب كنحو تقديم اليمنى على اليسرى. مسألة - من سنن الوضوء المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم. والدليل على المبالغة في الاستنشاق ما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما»» والدليل على المبالغة في المضمضة الأمر بالإسباغ كما سيأتي في المسألة التالية. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 89): (المضمضة: إدارة الماء في الفم. والاستنشاق: اجتذاب الماء بالنفس إلى باطن الأنف. والاستنثار: إخراج الماء من أنفه. ولا يجب إدارة الماء في جميع الفم، ولا إيصال الماء إلى جميع باطن الأنف، وإنما ذلك مبالغة مستحبة في حق غير الصائم). وقال في (1/ 77): (المبالغة في الاستنشاق: اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف، وذلك سنة مستحبة في الوضوء، إلا أن يكون صائما فلا يستحب، لا نعلم في ذلك خلافا ... المبالغة في المضمضة إدارة الماء في أعماق الفم وأقاصيه وأشداقه). مسألة - من سنن الوضوء المبالغة في غسل سائر الأعضاء مطلقا. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 78): (المبالغة مستحبة في سائر أعضاء الوضوء؛ لقوله - عليه السلام -: «أسبغ الوضوء». والمبالغة في سائر الأعضاء بالتخليل، وبتتبع المواضع التي ينبو عنها الماء بالدلك والعرك ومجاوزة موضع الوجوب بالغسل. وقد روى نُعَيْمِ بْنِ عبد الله، «أنه رأى أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه ويديه حتى كاد أن يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أمتي يأتون يوم القيامة

مسألة - من سنن الوضوء الزيادة في ماء الوجه.

غرا محجلين من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل». متفق عليه) وله لفظ آخر صريح في نسبته هذا الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي. مسألة - من سنن الوضوء الزيادة في ماء الوجه. قال موفق الدين في "الكافي" (1/ 62): (ويستحب أن يزيد في ماء الوجه؛ لأن فيه غضوناً وشعوراً، ودواخل وخوارج، ويمسح مآقيه (¬1)، ويتعاهد المفصل وهو البياض الذي بين اللحية والأذن، فيغسله). مسألة - من سنن الوضوء تخليل اللحية الكثيفة. روى أبو داود وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ، أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته»، وقال: «هكذا أمرني ربي عز وجل». قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 133): (إن كانت اللحية خفيفة وجب غسلها، وإن كانت كثيفة فالصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم: استحباب تخليلها). مسألة - من سنن الوضوء تخليل الأصابع. لحديث لقيط السابق. والتخليل معناه إدخال شيء في شيء وهو عام يشمل أصابع اليدين والرجلين، وتخليل أصابع اليد بأن يشبكهما بعضهما في البعض، وأما أصابع الرجلين فروى أبو داود وغيره عن الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بِخِنْصَرِهِ» وقد اختار الزركشي أنه خنصر اليد اليسرى، وعلله بأنها المعدة لإزالة الوسخ والدرن. قال البغوي في "شرح السنة" (1/ 419): (وتخليل أصابع الرجل سنة في الوضوء مع وصول الماء إلى باطنها من غير التخليل، فإن انضمت الأصابع بعضها إلى بعض بحيث لا يصل الماء إلى باطنها إلا بالتخليل، فيجب التخليل). ¬

_ (¬1) طرف العين مما يلي الأنف وهو مجرى الدمع، ويمسحهما ليزول ما بهما من كحل أو غمص.

مسألة - من سنن الوضوء أخذ ماءا جديدا للأذنين.

مسألة - من سنن الوضوء أخذ ماءا جديدا للأذنين. وقد سبق الكلام عن هذه المسألة. مسألة - من سنن الوضوء تقديم اليمنى على اليسرى. روى الشيخان عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم «يعجبه التيمن، في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله». وقال ابن المنذر في "الإجماع" (ص/35): (وأجمعوا على أن لا إعادة على من بدأ بيساره قبل يمينه في الوضوء). مسألة - من سنن الوضوء مجاوزة محل الفرض. روى مسلم في "صحيحه" عن نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُجْمِرِ،، قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في الْعَضُدِ، ثم يده اليسرى حتى أشرع في الْعَضُدِ، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق "، ثم قال: " هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله» وآخره مدرج من كلام أبي هريرة رضي الله عنه. وروى أبو عبيد وابن أبي شيبة بإسناد حسنه ابن حجر في "الفتح" (1/ 236) عن ابن عمر أنه كان يتوضأ في الصيف فربما بلغ في الوضوء إبطيه. وأما حديث: (مسح الرقبة أمان من الغل) فهو حديث موضوع كما حقق ذلك الألباني في "الضعيفة" (69). مسألة - من سنن الوضوء الغسلة الثانية والثالثة. روى البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس، قال: «توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة» وعن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم «توضأ مرتين مرتين» وفي حديث عثمان رضي الله عنه المتفق عليه أنه تؤضأ ثلاثا ثلاثا وهذا أكمل الحالات وغالب حاله صلى الله عليه وسلم. والمرة الواحدة تجزئ وترفع الحدث وهي الواجبة والثانية والثالثة سنة والأفضل

مسألة - من سنن الوضوء استصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء.

أن يتنقل بين هذه الحالات فيتوضا مرة: مرة مرة، ومرة: اثنتين اثنتين، ومرة: ثلاثا ثلاثا. وله أن يخالف ففي صحيح البخاري أن رجلا، قال لعبد الله بن زيد رضي الله عنه، أتستطيع أن تريني، كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بماء، فأفرغ على يديه فغسل مرتين، ثم مضمض واستنثر ثلاثا، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه ". مسألة - من سنن الوضوء استصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء. سبق وأن ذكرنا أن النية شرط لصحة العبادات عموما وأنها وهي عمل قلبي. ومقصود الماتن هنا أنه يسن استصحاب ذكرها، والمراد ذكرها بالقلب، أي يسن للإنسان تذكر النية بقلبه في جميع الطهارة، فإن غابت عن خاطره فإنه لا يضر، لأن استصحاب ذكرها سنة وهذا لا دليل عليه والتشدد في النية يفتح على العبد أبواب الوساوس كما هو حاصل عند جملة من المتوضئين فلا ينبغي للعبد أن يفتح على نفسه هذا الباب. وعليما أن ننتبه للفرق بين تذكر النية واستصحاب حكمها فالمتوضئ يجب عليه استصحاب حكمها بمعنى ألا ينوي قطعها فينوي مثلا تنظيف الوجه أو التبرد وليس رفع الحدث فإن قطع حكم النية لم يرتفع حدثه فلابد وأن يستصحب حكم نية رفع الحدث حتى يفرغ من وضوئه. مسألة - من سنن الوضوء الإتيان بها عند غسل الكفين. أي يستحب أن يأتي بالنية عند غسل الكفين وهو أول الشروع في العبادة ينوي ثم يسمي ويبدأ في أول أفعال الوضوء، فوقت النية المستحب عند غسل اليدين، والواجب ألا يؤخرها عن أول الواجبات وهو المضمضة والاستنشاق.

مسألة - من سنن الوضوء النطق بها سرا.

مسألة - من سنن الوضوء النطق بها سرا. ولا دليل على هذا والتلفظ بالنية لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته رضي الله عنهم إلا في الحج فلا يشرع التلفظ بالنية باللسان سرا ولا جهرا في غير الحج. مسألة - من سنن الوضوء قول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله مع رفع بصره إلى السماء: بعد فراغه. وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد يتوضأ فيبالغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) زاد الترمذي بعد التشهد: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وهي زيادة ضعيفة - أخرجها الترمذي في "سننه" كتاب الطهارة، باب فيما يقال بعد الوضوء (1/ 78) حديث رقم (55) من طريق جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي الكوفي حدثنا زيد بن حباب عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - به، وقال: " .... هذا حديث في إسناده اضطراب ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء قال محمد وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئا" وقال ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/ 243):" لم تثبت هذه الزيادة في هذا الحديث فإن جعفر بن محمد شيخ الترمذى تفرد بها ولم يضبط الإسناد فإنه أسقط بين أبى إدريس وبين عمر جبير ابن نفير، وعقبة فصار منقطعا بل معضلا وخالفه كل من رواه عن معاوية بن صالح ثم عون زيد بن الحباب ". ولهذه الزيادة شواهد ضعيفة منها: عن ثوبان - رضي الله عنه - عند ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص/35) حديث رقم (32) وغيره وفيه سعيد بن المرزبان قال عنه الذهبي في "الكاشف": "قال أحمد: منكر الحديث"، وقال ابن حجر: "ضعيف مدلس"، وله شاهد أيضا عن ابن عمر وأنس - رضي الله عنهم - عند البيهقي في "السنن الصغرى" (ص/94) حديث رقم (112) بإسناد ضعيف جدا فيه عبدالرحيم بن زيد العمي قال عنه الذهبي في "الكاشف": "تركوه"، وقال عنه ابن

مسألة - من سنن الوضوء أن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاونه

حجر في"التقريب": "متروك كذبه ابن معين"، وشيخه أيضا ضعيف قال عنه الذهبي: " فيه ضعف، قال ابن عدى: لعل شعبة لم يرو عن أضعف منه "، وقال عنه ابن حجر: "ضعيف". وروي أيضا موقوفا عن علي بأسانيد ضعيفة، وانظر شرح الترمذي لأحمد شاكر (1/ 79: 83)، وقد قوى هذه الزيادة الشيخ الألباني وراجع "الإرواء" (1/ 135). • زاد أبو داود والإمام أحمد: (ثم رفع نظره إلى السماء) وهي زيادة منكرة - أخرجها أبو داود في "سننه" كتاب الوضوء، باب مل يقول الرجل إذا توضأ (1/ 44) حديث رقم (170)، وأحمد في "مسنده" (1/ 19)، والدارمي في "مسنده" (1/ 196) حديث رقم (716)، والبزار في "مسنده" (1/ 361) حديث رقم (242)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص/174) حديث رقم (84)، وأبو يعلى في "مسنده" (1/ 213) حديث رقم (249)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص/32) حديث رقم (31) واللالكائي في "اعتقاد أهل السنة" (3/ 393) حديث رقم (654) من طريق أبي عقيل زهرة بن معبد عن ابن عنه عن عقبة عن عمر - رضي الله عنهما - مطولا به، وهذا إسناد ضعيف ابن عم زهرة بن معبد لم يسم في أي من الطرق فهو مجهول. مسألة - من سنن الوضوء أن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاونه (¬1). هذا هو الأولى لأنه أغلب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما روى ابن ماجة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَكِلُ طُهُورَهُ إِلَى أَحَدٍ، وَلاَ صَدَقَتَهُ الَّتِي يَتَصَدَّقُ بِهَا، يَكُونُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلاَّهَا بِنَفْسِهِ.) لا يصح وضعفه البوصيري والألباني. وأما معاونة غيره له فلا تخلو من حالات ثلاث: الأولى: الاستعانة بالغير في إحضار الماء فهذا جائز بلا كراهة وقد دلت السنة عليه كما في حديث المغيرة وابن عباس وأنس وعثمان رضي الله عنهم وأجمع العلماء عليه. ¬

_ (¬1) انظر شرح الشيخ الصقعوب على دليل الطالب.

باب مسح الخفين

الثانية: الاستعانة بمن يصب عليه الماء فهذا جائز أيضاً بلا كراهة كما فعله المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. الثالثة: الاستعانة بمن يباشر أعضاءه بالغسل، فهذا إن كان لحاجة فلا بأس به وإن كان لغير حاجة فإنه خلاف السنة ويدل على التكبر والغرور والترفع ولم يكن الصحابة والسلف يفعلونه ولذا ينهى عنه. ـ[باب مسح الخفين يجوز بشروط سبعة لبسهما بعد كمال الطهارة بالماء وسترهما لمحل الفرض ولو بربطهما وإمكان المشي بهما عرفا وثبوتهما بنفسهما وإباحتهما وطهارة عينهما وعدم وصفهما البشرة .. ]ـ مسألة - من شروط المسح على الخفين لبسهما بعد كمال الطهارة بالماء. قال تقي الدين في "المغني" (1/ 207): (لا نعلم في اشتراط تقدم الطهارة لجواز المسح خلافا). روى الشيخان عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: «دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين». فمسح عليهما) وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم أمره للمغيرة بتركهما، ثم مسحه عليهما بإدخالهما طاهرتين، ويقتضي أن إدخالهما غير طاهرتين مقتض للنزع وعدم المسح. • متى تكمل الطهارة وتتم؟ بمعنى هل يرتفع الحدث عن كل عضو من أعضاء الوضوء بمجرد غسله، أو لا يرتفع الحدث عن شيء منها إلا بتمام الوضوء؟ والأولى أن نقول أن الحدث يتعلق بكل عضو وجب غسله في الوضوء (¬1) وأنه يرتفع عن كل عضو بمجرد غسله، إلا أنه لا يتم رفعه بالكلية إلا بتمامه لحديث ¬

_ (¬1) وهو اختيار ابن مفلح، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 194): (الحدث يحل جميع البدن، على الصحيح من المذهب، ذكره القاضي وأبو الخطاب، وأبو الوفاء، وأبو يعلى الصغير، وغيرهم، وجزم به في الفروع. كالجنابة، وقال في الفروع: ويتوجه وجه: لا يحل إلا أعضاء الوضوء فقط).

مسألة - من شروط المسح سترهما لمحل الفرض ولو بربطهما.

صاحب اللمعة. وعلى ذلك فلا تتم الطهارة ولا يرتفع الحدث بالكلية إلا بالانتهاء من غسل آخر أعضاء الوضوء. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 225): (اعلم أن في رفع الحدث عن العضو قبل إتمام الوضوء وجهان. وأطلقهما في الفروع. قلت: الذي يظهر أن يكون ذلك مراعى. فإن كمله ارتفع وإلا فلا. قال المصنف في المغني، والشارح: لأنه لا يكون متطهرا إلا بعمل الجميع). ومن هنا نعلم أن من غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف، ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف: لم يجز له المسح؛ لأنه لم تتم وتكمل طهارته، ويدل على ذلك ما ورد في بعض طرق حديث المغيرة رضي الله عنه: (دعهما فإني أدخلتهما وهما طاهرتان). • قوله (بالماء) يخرج الطهارة بالتيمم فمن كانت طهارته بالتيمم فلا يجوز له المسح على الخف عند وجدان الماء؛ لأن التيمم مبيح ورافع حكمي للحدث، فلا يتحقق قوله: (أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ)، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 176): (لا يمسح على خف لبسه على طهارة تيمم على الصحيح من المذهب، نص عليه ... ). مسألة - من شروط المسح سترهما لمحل الفرض ولو بربطهما. والمقصود أن يكون ساتراً للمفروض غسله من الرجل من أطراف الأصابع إلي الكعبين. فلا يظهر شيء من المفروض من وراء الخف؛ سواء كان ذلك من أجل صفائه، أو خفته، أو من أجل خروق فيه، وألا يكون تحت القدمين. وهذه الشروط لا دليل عليها وفيها تضييق للرخصة. ومما عللوا به هذا الشرط أن عدم ستره لمحل الفرض، يؤدي إلى الجمع بين الغسل للجزء المكشوف والمسح للجزء المستور ولا يمكن الجمع بين الغسل والمسح. وقد رد تقي الدين (¬1) هذا التعليل ومثل بأمثلة رُخِصَ فيها بين الجمع بين الغسل ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى (21/ 190).

مسألة - من شروط المسح إمكان المشي بهما عرفا.

والمسح كما هو الحال في الجبيرة التي لا تستر محل المسح فيمسح عليها ويغسل الباقي كما أنه يجمع بين التيمم والغسل فيما إذا أمكن غسل بعض البدن دون البعض لكون الباقي جريحا، أو لكون الماء قليلا كما إن مسح ظهر الخف ولو خطَّا بالأصابع يجزئ عن جميع القدم فلا يجب غسل شيء منه لا ما ظهر ولا ما بطن، وعلى ذلك فأي خف كان على أرجلهم دخل في مطلق النص. وقال تقي الدين (21/ 174): (ومعلوم أن الخفاف في العادة لا يخلو كثير منها عن فتق أو خرق لا سيما مع تقادم عهدها وكان كثير من الصحابة فقراء لم يكن يمكنهم تجديد ذلك ... والعادة في الفتق اليسير في الثوب والخف أنه لا يرقع وإنما يرقع الكثير ... فلما أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر بالمسح على الخفاف مع علمه بما هي عليه في العادة؛ ولم يشترط أن تكون سليمة من العيوب: وجب حمل أمره على الإطلاق ولم يجز أن يقيد كلامه إلا بدليل شرعي ... ). وعليه فيجوز المسح على الخف المخرق ما دام يسمى خفا. • أما ما إذا كان الخف غير ساتر للكعبين فهذا يطلق عليه النعل، وقال الشيخ الألباني في "تمام المنة" (ص/113): (صح عنه صلى الله عليه وسلم المسح على النعلين استقلالا دون ذكر الجوربين من حديث علي بن أبي طالب وأوس بن أبي أوس الثقفي وابن عمر وصححه ابن القطان. فهذه الأحاديث تدل على جواز المسح على النعلين أيضا وقد ثبت ذلك عن بعض السلف أيضا، ففيه دليل واضح على عدم اشتراط كون الخف ساترا لمحل الفرض كما نقله المؤلف عن شيخ الإسلام). مسألة - من شروط المسح إمكان المشي بهما عرفا. قال الزركشي في "شرح الخرقي" (1/ 396): (فلو تعذر لضيقه، أو ثقل حديده، أو تكسيره كرقيق الزجاج ونحو ذلك، لم يجز المسح، إذ ليس بمنصوص عليه، ولا في معنى المنصوص). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 181): (" إمكان المشي فيه " قال في الرعاية الكبرى: يمكن المشي فيه قدر ما يتردد إليه المسافر في حاجته في وجه. وقيل: ثلاثة أيام أو أقل).

مسألة - من شروط المسح ثبوتهما بنفسهما.

وهذا الشرط أيضا لا دليل عليه وذهب شيخ الإسلام إلى جواز المسح عليهما ما داما على القدم لإطلاق النصوص. مسألة - من شروط المسح ثبوتهما بنفسهما. المقصود أنه لابد للخف أن يثبت بنفسه فلو ثبت بغيره كبعض أنواع الجوارب التي لا يثبت إلا بالنعلين، أو الزربول الطويل المشقوق الذي لا يثبت إلا بالسيور، أو كالخف الواسع الذي يحتاج لسيور ونحوها لشده على الرجل فلا يجوز المسح علي ما لا يثبت إلا بنفسه. ولابد أن نفرق بين أمرين الأول حكم المسح عليه في حال عدم ثبوته في الرجل، والثانية جواز المسح عليه بعد أن ثبت في الرجل بغيره كالسيور. أما الأول فالصحيح في المذهب أن المسح رخصة فإن كان يسهل نزع الخف لكونه غير ثابت في الرجل فهنا لا يمسح عليه لعدم المشقة. وأما إن كان ثابتا في الرجل بغيره فالصحيح جواز المسح عليه، قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (21/ 184): (الشرط الثاني: أن يكون الخف يثبت بنفسه. وقد اشترط ذلك الشافعي ومن وافقه من أصحاب أحمد فلو لم يثبت إلا بشده بشيء يسير أو خيط متصل به أو منفصل عنه ونحو ذلك: لم يمسح، وإن ثبت بنفسه لكنه لا يستر جميع المحل إلا بالشد - كالزربول الطويل المشقوق: يثبت بنفسه لكن لا يستر إلى الكعبين إلا بالشد - ففيه وجهان أصحهما أنه يمسح عليه. وهذا الشرط لا أصل له في كلام أحمد بل المنصوص عنه في غير موضع أنه يجوز المسح على الجوربين وإن لم يثبتا بأنفسهما بل بنعلين تحتهما وأنه يمسح على الجوربين ما لم يخلع النعلين. فإذا كان أحمد لا يشترط في الجوربين أن يثبتا بأنفسهما بل إذا ثبتا بالنعلين جاز المسح عليهما: فغيرهما بطريق الأولى وهنا قد ثبتا بالنعلين وهما منفصلان عن الجوربين. فإذا ثبت الجوربان بشدهما بخيوطهما كان المسح عليهما أولى بالجواز. وإذا كان هذا في الجوربين: فالزربول الذي لا يثبت إلا بسير يشده به متصلا به أو منفصلا عنه أولى بالمسح عليه من الجوربين. وهكذا ما يلبس على الرجل من فرو وقطن وغيرهما: إذا ثبت ذلك بشدهما بخيط متصل أو منفصل مسح عليهما بطريق الأولى ... ).

مسألة - من شروط المسح إباحتهما.

مسألة - من شروط المسح إباحتهما. والخف المباح مقابل للخف المحرم، والمحرم نوعان: تارة يكون التحريم لحق الله كلبس الرجل لخف من حرير. وتارة يكون التحريم لحق الآدمي كالخف المغصوب والمسروق. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 214): (فإن كان الخف محرما؛ كالغصب والحرير، لم يستبح المسح عليه في الصحيح من المذهب، وإن مسح عليه وصلى، أعاد الطهارة والصلاة ... ). والصحيح التفريق بين المحرم لحق الله والمحرم لحق الآدمي وهو قول عند المالكية، فلا يجوز المسح على خف الحرير للرجل فالحرير محرم على الرجال فالنهي هنا يعود للذات فيكون باطلا، وأما من غصب خفا أو سرقه فيصح مسحه عليه ويأثم بالغصب والنهي هنا للفساد، والفرق أن الجهة غير منفكة في الأولى دون الثانية. قال السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص/140): (يجوز المسح على، الخف المغصوب، بخلاف المحرم ; لأن الرخصة منوطة باللبس، وهو للمحرم معصية ; وفي المغصوب ليس معصية لذاته، أي لكونه لبسا، بل للاستيلاء على حق الغير، ولذا لو ترك اللبس، لم تزل المعصية، بخلاف المحرم). مسألة - من شروط المسح طهارة عينهما. فلا يصح المسح على جلد الكلب والخنزير والميتة قبل الدبغ لنجاسة عينها. • فائدة - يجوز المسح على الخف النجس حكما كأن يكون أصله طاهرا، لكنه وقع عليه بول، فيصح المسح عليه، ويمكنه أن يقرأ القرآن ويمس المصحف، لكنه لا يصلي حتى يزيل النجاسة من خفه بناء على اشتراط طهارة الثوب والبدن، وسوف يأتي مناقشة هذه المسألة في محلها بإذن الله. مسألة - من شروط المسح عدم وصفهما البشرة. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 181): (ومنها - أي شروط الخف -: أن لا

مسألة - يمسح المقيم من الحدث بعد اللبس يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن.

يصف القدم لصفائه. فلو وصفه لم يصح على الصحيح من المذهب كالزجاج الرقيق ونحوه. وقيل: يجوز المسح عليه). وهذه المسألة قد سبقت ضمنا في شرط أن يكون ساترا. ويدخل في هذا الشرط أن يكون الخف رقيقا بصف لون البشرة فلا يمسح عليه، وقد منع من المسح عليه الشيخ ابن باز، وجوزه الشيخ العثيمين - رحمهما الله تعالى - قال الشيخ العثيمين في "مجموع الفتاوى" (11/ 167): (القول الراجح أنه يجوز المسح على الجورب المخرق والجورب الخفيف الذي تُرى من ورائه البشرة، لأنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه ان يكون ساتراً، فإن الرِّجل ليست عورة يجب سترها، وإنما المقصود الرخصة على المُكلَّف والتسهيل عليه، بحيث لا نُلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء، بل نقول: يكفيك أن تمسح عليه، هذه هي العلة التي من أجلها شُرع المسح على الخفين، وهذه العلة - كما ترى - يستوي فيها الخف أو الجورب المخرق والسليم والخفيف والثقيل). وأرى أن أتوسط بين القولين فالمسح على الخف، وما كان في معناه رخصة وشرع تيسيرا على العباد، وأرى أن الجورب الرقيق إن كان من الرقة بحيث أنه لا يقي البرد فلا يكون هناك مشقة في نزعه بل وجوده كعدمه فلا يمسح عليه لعدم تحقق العلة فيه، وأما إن كان مع خفته يمنع الرد فيمسح عليه. ـ[فيمسح المقيم والعاصي بسفره من الحدث بعد اللبس يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن. فلو مسح في السفر ثم أقام أو في الحضر ثم سافر أو شك في ابتداء المسح لم يزد على مسح المقيم .. ]ـ مسألة - يمسح المقيم من الحدث بعد اللبس يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن. قرر الماتن هنا مسألتين: الأولى - ذكر الماتن أن المسح له مدة محددة وهي يوم وليلة للمقيم، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن والأدلة على ذلك كثيرة ومنها ما رواه مسلم في "صحيحه" عن علي رضي الله عنه أنه قال «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام

مسألة - يمسح العاصي بسفره من الحدث بعد اللبس يوما وليلة.

ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم»، وروى عبدالرزاق في "مصنفه" بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن أبي عثمان النهدي قال: حضرت سعدا وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين، فقال عمر: «يمسح عليهما إلى مثل ساعته من يومه وليلته». الثانية - وذكر أن مدة المسح تبدأ من الحدث، وهذا هو المذهب والمشهور من الروايتين، وعليه الأصحاب، وفي رواية أن ابتداء المدة من المسح بعد الحدث، وهي من المفردات، وهذه الرواية الثانية هي الراجحة، وعليه فمن جَمَعَ جَمْع تقديم بين الظهر والعصر ثم أحدث بعد الظهر ولم يمسح إلا بعد دخول العشاء لجمعه تأخيراً فمتى يحسب بداية المدة؟ على القول الأول: يحسبه بعد الظهر. وعلى القول الثاني: من حين يتوضأ فلو لم يتوضأ إلا بعد دخول وقت العشاء لا يحسب إلا من هذا الوقت. وقد دلت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالمسح، وفي بعضها رخص في المسح، وأيضا جعل المسح، فمن الواضح جدا أن الحكم متعلق بالمسح لا بالحدث. مسألة - يمسح العاصي بسفره من الحدث بعد اللبس يوما وليلة. العاصي بسفره هو الذي أنشأ سفرا لقصد محرم كارتكاب فاحشة، أو إبرام عقدٍ ربوي، أو لقطع طريق ونحو ذلك. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 176): (العاصي بسفره: حكمه حكم المقيم على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب. وقال في الفروع: ويحتمل أن يمسح عاص بسفره كغيره، ذكره ابن شهاب. وقيل: لا يمسح مطلقا عقوبة له). الترجيح: والراجح أنه يمسح مسح مسافر ويأثم بسفره للمعصية وذلك للوجوه التالية: أولا أن قاعدة الرخص لا تناط بالمعاصي قاعدة مختلف فيها بين علماء المذاهب فلم يقل بها الحنفية ولا المالكية في قول لهم، وبعضهم يفصل فيها وقد اختار تقي الدين عدم إعمال هذه القاعدة في بعض الحالات.

مسألة - لو مسح المسافر في السفر ثم أقام لم يزد على مسح المقيم.

ثانيا - أن هذه القاعدة لا يدل على دليل بخصوصها وإنما هي عمومات متنازع في الاستدلال بها كقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173]، وإعمال العمومات التي تبيح الترخص للمسافر في نحو الفطر، والمسح أولى. ثالثا - وعلى فرض إعمال هذه القاعدة فكان الأولى اختيار القول بمنع المسافر سفر معصية من المسح مطلقا وذلك لأن المسح نفسه رخصة - على القول الصحيح في المذهب - فاجتمع للمسافر رخصتان الأولى المسح نفسه والثانية الزيادة في المدة عن المقيم، ومنع المسافر سفر معصية من الترخص مطلقا بالمسح أو بالزيادة في المدة أولى من منعه من بعض الرخص دون بعض إعمالا لعموم القاعدة. مسألة - لو مسح المسافر في السفر ثم أقام لم يزد على مسح المقيم. هذا القول هو الراجح؛ لأن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما فعلة زيادة مدة المسح هي السفر وقد زال، فلا يزيد في مدة المسح، ويدل على هذا القول أيضا القاعدة المتفق عليها وهي (ما جاز لعذر بطل بزواله) والعذر هنا السفر فبزواله يزول ما ترتب عليه من الزيادة في مدة المسح. قال البهوتي في "الروض المربع" (ص/34): ((ومن مسح في سفر ثم أقام) أتم مسح مقيم إن بقي منه شيء وإلا خلع (أو عكس) أي مسح مقيما ثم سافر لم يزد على مسح مقيم تغليبا لجانب الحضر) وهو يشير إلى أن قاعدة (إذا اجتمع في العبادة جانب الحضر وجانب السفر غُلِّب جانب الحضر) وهذه القاعدة تدخل في قاعدة "إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام " وسوف يأتي الكلام عنها في المسألة التالية بإذن الله. مسألة - لو مسح في الحضر ثم سافر لم يزد على مسح المقيم. والقاعدة السابقة خالف فيها الحنفية وهي غير مطردة في المذهب، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 179): (قوله {ومن أحدث، ثم سافر قبل المسح: أتم مسح مسافر} هذا المذهب، وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم).

مسألة - إذا شك المسافر في ابتداء المسح لم يزد على مسح المقيم.

وعليه فالراجح أنه يتم مسح مسافر لوجود علة الزيادة في مدة المسح وهي السفر، قال موفق الدين في "المغني" (1/ 213): ((ولو أحدث مقيما، ثم مسح مقيما، ثم سافر، أتم على مسح مقيم، ثم خلع) اختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة؛ فروي عنه: مثل ما ذكر الخرقي وهو قول الثوري، والشافعي، وإسحاق، وروي عنه: أنه يمسح مسح المسافر، سواء مسح في الحضر لصلاة أو أكثر منها بعد أن لا تنقضي مدة المسح، وهو حاضر. وهو مذهب أبي حنيفة لقوله - عليه السلام -: «يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن.» وهذا مسافر؛ ولأنه سافر قبل كمال مدة المسح، فأشبه من سافر قبل المسح بعد الحدث. وهذا اختيار الخلال، وصاحبه أبي بكر. وقال الخلال: رجع أحمد عن قوله الأول إلى هذا ووجه قول الخرقي أنها عبادة تختلف بالحضر والسفر، وجد أحد طرفيها في الحضر، فغلب فيها حكم الحضر، كالصلاة، والخبر يقتضي أن يمسح المسافر ثلاثا في سفره، وهذا يتناول من ابتدأ المسح في سفره، وفي مسألتنا يحتسب بالمدة التي مضت في الحضر) يعني أن الراجح أنه يمسح مسح المسافر لدخوله في عموم الحديث. مسألة - إذا شك المسافر في ابتداء المسح لم يزد على مسح المقيم. صورة المسألة أن شخصا سافر ومسح على خفيه، ولكنه شك هل ابتدأ المسح وهو مسافر أو وهو مقيم فالمذهب أنه يتم مسح مقيم، قالوا: لأن الأصل الغسل، والمسح رخصة، فإذا وقع الشك في شرطها رد إلى الأصل وهو الغسل. وقد سبق في المسألة السابقة وهي من تيقن أنه ابتدأ المسح وهو مقيم أنه يتم مسح مسافر، ومسألتنا هنا يمسح أيضا مسح مسافر بالأولى لأنه يدور بين أن يكون ابتدأ المسح وهو مسافر فيكمل مسح المسافر، أو وهو مقيم فيكمل أيضا مسح المسافر. صفة المسح: ـ[ويجب مسح أكثر أعلى الخف ولا يجزئ مسح أسفله وعقبه ولا يسن .. ]ـ مسألة - يجب مسح أكثر أعلى الحف. روى أبو داود وغيره عن علي - رضي الله عنه - قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه

مسألة - لا يجزئ مسح أسفل الخف وعقبه.

وسلم - يمسح على ظاهر خفيه) وروى أحمد وأبو داود وغيرهما عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظهور الخفين). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 185): (صفة المسح المسنون: أن يضع يديه مفرجتي الأصابع على أطراف أصابع رجليه، ثم يمرهما إلى ساقيه مرة واحدة اليمنى واليسرى: وقال في التلخيص، والبلغة: ويسن تقديم اليمنى. وروى البيهقي: أنه عليه أفضل الصلاة والسلام «مسح على خفيه مسحة واحدة كأني أنظر إلى أصابعه على الخفين» وظاهر هذا: أنه لم يقدم إحداهما على الأخرى. وكيفما مسح أجزأه). والحديث الذي أشار إليه أخرجه البيهقي من طريق عن الحسن، عن المغيرة بن شعبة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم جاء حتى توضأ، ثم مسح على خفيه ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن ويده اليسرى على خفه الأيسر ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين " وإسناده ضعيف منقطع فإن الحسن لم يسمع من المغيرة كما قال ابن حجر والبوصيري. والراجح كما قال موفق الدين في "المغني" (1/ 218): (قال أحمد: كيفما فعله فهو جائز، باليد الواحدة أو باليدين) فكل ما يطلق عليه مسح يجزئ سواء بدأ من الأسفل إلى الأعلى، أو من الأعلى إلي الأسفل، وسواء مسح الخفين باليد الواحدة أو باليدين فكل ذلك جائز. مسألة - لا يجزئ مسح أسفل الخف وعقبه. الراجح أنه لا يقتصر في المسح على الخف على مسح أسفله، أو عقبه دون أعلاه. قال موفق الدين في الموضع السابق: (قال - أي الخرقي -: (وإن مسح أسفله دون أعلاه، لم يُجْزِهِ) لا نعلم أحدا قال يجزئه مسح أسفل الخف، إلا أشهب من أصحاب مالك، وبعض أصحاب الشافعي؛ لأنه مسح بعض ما يحاذي محل الفرض، فأجزأه، كما لو مسح ظاهره. والمنصوص عن الشافعي، أنه لا يجزئه؛ لأنه ليس محلا لفرض المسح، فلم يجزئ مسحه كالساق، وقد ذكرنا أن النبي -

مسألة - لا يسن مسح أسفل الخف وعقبه.

صلى الله عليه وسلم - إنما مسح ظاهر الخف ولا خلاف في أنه يجزئ مسح ظاهره، قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا يقول بالمسح على الخفين يقول: لا يجزئ المسح على أعلى الخف. والحكم في المسح على عقب الخف كالحكم في مسح أسفله؛ لأنه ليس بمحل لفرض المسح، فهو كأسفله). مسألة - لا يسن مسح أسفل الخف وعقبه. سبق في المسألة السابقة بيان أنه لا يجزئ الاقتصار على مسح باطن الخف أو عقبه دون أعلاه، وهنا نبين هل يمكن الجمع في مسح الخف بين أعلاه وأسفله أو عقبه. أما ما رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن المغيرة رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فمسح أسفل الخف وأعلاه " فلا يصح وقد ضعفه ابن حجر وغيره. قال الترمذي عقب الحديث: (وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، وبه يقول مالك، والشافعي، وإسحاق). وقد ورد المسح على باطن الخفين وظاهرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما فقد أخرجه ابن المنذر في الأوسط، وغيره عن ابن جريج، قال: قال لي نافع: رأيت ابن عمر يمسح عليهما، يعني مسحة واحدة بيديه كلتيهما بطونهما وظهورهما، وابن جريج مدلس، وقوله قال لي نافع يزيل شبهة التدليس، كما أن ابن جريج لم ينفرد به بل تابعه عبدالله العمري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه عند البيهقي في "الكبرى"، وعبدالله العمري ضعيف سيئ الحفظ، والأثر يصلح للتقوي بمجموع هذين الطريقين عن نافع، وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 252): محفوظ. وعن سعد فروى ابن المنذر في "الأوسط" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يمسح على الخفين ظاهرا، وباطنا. وعليه فالاقتصار على مسح ظاهر الخف جائز وهو الأصل والأكمل لظاهر فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن مسح على باطنه مع الظاهر فلا بأس لفعل ابن عمر وسعد رضي الله عنهم واستحبه الشافعية وقالوا عنه أنه الأكمل.

مبطلات المسح:

مبطلات المسح: ـ[ومتى حصل ما يوجب الغسل أو ظهر بعض محل الفرض أو انقضت المدة بطل الوضوء .. ]ـ المقصود هنا بيان مبطلات الوضوء الذي مسح فيه على الخفين أي مبطلات المسح على الخفين. مسألة - من مبطلات الوضوء حصول ما يوجب الغسل. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 219): (الصحيح من المذهب: أن كل ما يوجب الغسل يوجب الوضوء، وإن لم يكن خارجا من السبيل، كالتقاء الختانين وإن لم ينزل، وانتقال المني وإن لم يظهر، والردة، والإسلام ... ) وسوف يأتي بإذن الله مناقشة هذه المسائل في باب ما يوجب الغسل. والدليل على ذلك ما رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن صفوان بن عسال، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم» فمن أصابته جنابة انتقض وضوءه وانقضت مدة المسح؛ لأن المسح إنما يكون في الطهارة الصغرى دون الكبرى لاستلزامها تعميم الجسد بالماء ونزع الخف. مسألة - من مبطلات الوضوء ظهور بعض محل الفرض. صورة المسألة أنه بعدما توضأ ومسح على خفيه ظهر بعض قدمه لتمزق أصاب الخف، فإنه يلزمه أن يستأنف الطَّهارة. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 190): (قوله {ومتى ظهر قدم الماسح ورأسه، أو انقضت مدة المسح استأنف الطهارة}. هذا الصحيح من المذهب). والراجح هو ما ذهب إليه الحسن وقتادة وسليمان بن حرب واختاره ابن المنذر والنووي وتقي الدين ابن تيمية من أن طهارته تامة، وأنه لا يجب عليه غسل قدميه ولا ما ظهر منها بعد المسح على الخفين ونحوهما، ولا مسح رأسه بعد رفع العمامة عنها، والدليل على ذلك أن المسح يرفع الحدث - وهو القول الصحيح من المذهب - فهو بعد مسحه على الخف أو العمامة قد ارتفع حدثه. وخلع الممسوح

مسألة - من مبطلات الوضوء انقضاء المدة.

عليه ليس من نواقض الطهارة بدليل أن الطهارة لا تبطل بإزالة الشعر الممسوح عليه. وقد روى الطحاوي في "معاني الآثار"، والبيهقي في "الكبرى" بإسناد صححه الشيخ الألباني على شرط الشيخين عن أبي ظبيان، قال: رأيت علي بن أبي طالب بِالرَّحْبَةِ بال قائما حتى أدعى فأتي بكوز من ماء فغسل يديه واستنشق وتمضمض وغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه، ثم أخذ كفا من ماء فوضعه على رأسه حتى رأيت الماء ينحدر على لحيته، ثم مسح على نعليه، ثم أقيمت الصلاة فخلع نعليه، ثم تقدم فأم الناس ". وقال الشيخ الألباني في " تمام النصح في أحكام المسح" (ص/92): (وأما ما رواه ابن أبي شيبة (1/ 187) والبيهقي (1/ 289) عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يمسح على خفيه ثم يبدوا له أن ينزع خفيه قال: يغسل قدميه. ففيه يزيد بن عبد الرحمن الدالاني قال الحافظ: صدوق يخطئ كثيرا وكان يدلس وروى البيهقي عن أبي بكرة نحوه ورجاله ثقات غير علي بن محمد القرشي فلم أعرفه، ثم روى عن المغيرة بن شعبة مرفوعا: (المسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليها للمسافر ويوما وليلة للمقيم ما لم يخلع) وقال: (تفرد به عمر بن رديح وليس بالقوي) قلت: هذه الزيادة (ما لم يخلع) منكرة لتفرد هذا الضعيف وعدم وجود الشاهد لها). مسألة - من مبطلات الوضوء انقضاء المدة. وقال ابن ضويان في "منار السبيل" (1/ 32): (لمفهوم أحاديث التوقيت) ومفهوم أحاديث التوقيت تدل على بطلان المسح بعد انتهاء المدة لا بطلان الوضوء، وعليه فمن انقضى وقت مسحه ولم يحدث فطهارته كاملة ولم يأت نص في أن طهارته انتقضت لا عن بعض أعضائه ولا عن جميعها فهو طاهر يصلي حتى يحدث فيخلع خفيه حينئذ أو ما على قدميه ويتوضأ ثم يستأنف المسح توقيتا آخر وهكذا.

أحكام المسح على الجبيرة:

أحكام المسح على الجبيرة: ـ[فصل وصاحب الجبيرة إن وضعها على طهارة ولم تتجاوز محل الحاجة غسل الصحيح ومسح عليها بالماء وأجزأ وإلا وجب مع الغسل أن يتيمم لها، ولا مسح ما لم توضع على طهارة وتجاوز المحل فيغسل ويمسح ويتيمم .. ]ـ تعريف الجبيرة: قال ابن قاسم في "حاشية الروض المربع" (1/ 224): (سميت جبيرة تفاؤلا، قال بعض أهل اللغة: وهي أعواد ونحوها تربط على الكسر أو الجرح ليلتئم، وقال الأزهري وغيره: هي الخشب التي تسوى فتوضع على موضع الكسر فتشد عليه حتى ينجبر على استوائها، وفي الحاوي: الجبيرة ما كان على الكسر واللَصوق بفتح اللام ما كان على قرح) والجبيرة بدلها الآن الجبس. حكم المسح على الجبيرة وما في معناها: لم يصح من المرفوع شيء في المسح على الجبيرة، وروى ابن المنذر في "الأوسط" من طريق ليث، عن ابن جبير، عن ابن عباس، قال: (امسح على الجرح إذا خشيت على نفسك في الوضوء) وليث ضعيف. وروى أيضا وكذا البيهقي من طريق الوليد، قال: أخبرني هشام بن الغاز أنه سمع نافعا يحدث، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: " من كان له جرح معصوب عليه توضأ ومسح على العصائب ويغسل ما حول العصائب " وصرح الوليد بالتحديث لآخر السند فنتفت شبهت التسوية وصح الإسناد. وقد ذهب ابن حزم إلى عدم المسح على العصائب فقال في "المحلى" (1/ 316): (من كان على ذراعيه أو أصابعه أو رجليه جبائر أو دواء ملصق لضرورة فليس عليه أن يمسح على شيء من ذلك، وقد سقط حكم ذلك المكان) وذلك لأنه لا يرى القياس، ولا قول الصحابي حجة. والراجح المسح عليها لقول ابن عمر ولم يعلم له مخالف من الصحابة.

مسألة - صاحب الجبيرة إن وضعها على طهارة ولم تتجاوز محل الحاجة غسل الصحيح ومسح عليها بالماء وأجزأ.

مسألة - صاحب الجبيرة إن وضعها على طهارة ولم تتجاوز محل الحاجة غسل الصحيح ومسح عليها بالماء وأجزأ. اشترط الماتن هنا شرطين ليصح المسح على الجبيرة بلا تيمم، الأول: أن توضع على طهارة، والثاني: ألا تتعدى محل الحاجة وهو موضع الكسر، أو الجرح وما أحاط به مما لا يمكن الشد إلا به. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 173): (إذا كان الممسوح عليه جبيرة: فالصحيح من المذهب: اشتراط تقدم الطهارة لجواز المسح عليها ... ) وقال في (1/ 188): (قوله {إذا لم يتجاوز قدر الحاجة}. هذا المذهب، وعليه الجمهور وقطع به كثير منهم ... ). والراجح أنه لا يشترط تقدم الطهارة لأن الجبيرة إنما تلبس للضرورة، وتأتي فجأة، وعلى ذلك فإن تكليف المكلف الطهارة قبلها فيه حرج ومشقة، وابن عمر لم يشترط تقدم طهارة. وأما إن جاوزت قدر الحاجة فإنه لا يمسح علي الزائد، ويجب نزع الزائد إن لم يترتب عليه ضرر، فإن لم ينزعه مسح على ما كان على قدر الحاجة من الجبيرة وتيمم عن الزائد، فإن كان ثم ضرر بنزع ما جاوز قدر الحاجة فالراجح أنه يمسح على الجميع بلا تيمم؛ لأنه لما كان يتضرر بنزع الزائد صار الجميع بمنزلة الجبيرة. فائدتان: الأولى - هذا إن كان الزائد على الحاجة في موضع الغسل في الطهارة الصغرى، فأما إن كان ليس في موضع الغسل كأن يكون مثلا على العضد وكانت الطهارة طهارة صغرى فهذا لا يغيره لأن الموضع ليس موضع غسل. أما في الطهارة الكبرى فلا يجوز له أن يترك هذا الموضع من غير غسل فهو مغطى من غير حاجة إلى تغطيته. الثانية - المسح على الجبيرة يخالف المسح على الخف عدة أمور: قال موفق الدين في "المغني" (1/ 204): ويفارق مسح الجبيرة مسح الخف من خمسة أوجه: أحدها، أنه لا يجوز المسح عليها إلا عند الضرر بنزعها، والخف بخلاف ذلك.

مسألة - الجبيرة إن وضعت على غير طهارة فلا يمسح عليها بل ينزعها فإن خاف الضرر بنزعها فإنه يغسل الصحيح ويتيمم عن موضع الجبيرة.

والثاني، أنه يجب استيعابها بالمسح. الثالث أنه يمسح على الجبيرة من غير توقيت بيوم وليلة ولا ثلاثة أيام؛ لأن مسحها للضرورة، فيقدر بقدرها، والضرورة تدعو في مسحها إلى حلها، فيقدر بذلك دون غيره. الرابع، أنه يمسح عليها في الطهارة الكبرى، بخلاف غيرها؛ لأن الضرر يلحق بنزعها فيها، بخلاف الخف. الخامس، أنه لا يشترط تقدم الطهارة على شدها في إحدى الروايتين ... ). مسألة - الجبيرة إن وضعت على غير طهارة فلا يمسح عليها بل ينزعها فإن خاف الضرر بنزعها فإنه يغسل الصحيح ويتيمم عن موضع الجبيرة. والراجح كما سبق أنه لا يشترط وضعها على طهارة، بل يمسح عليها ويجزئه بلا تيمم. مسألة - الجبيرة إن جاوزت المحل فإنه يغسل الصحيح ويمسح عليها ويتيمم للزائد. وقد سيق بيان الراجح في هذه المسألة ومتى يجمع بين الغسل والمسح والتيمم. ـ[باب نواقض الوضوء وهي ثمانية: أحدها: الخارج من السبيلين قليلا كان أو كثيرا طاهرا كان أو نجسا. الثاني: خروج النجاسة من بقية البدن فإن كان بولا أو غائطا نقض مطلقا وإن كان غيرهما كالدم والقيء نقض إن فحش في نفس كل أحد بحسبه. الثالث: زوال العقل أو تغطيته بإغماء أو نوم ما لم يكن النوم يسيرا عرفا من جالس وقائم. الرابع: مسه بيده - لا ظفره - فرج الآدمي المتصل بلا حائل أو حلقة دبره لا مس الخصيتين ولا مس محل الفرج البائن. لخامس: لمس بشرة الذكر لأنثى أو الأنثى الذكر لشهوة من غير حائل ولو كان.]ـ

مسألة - من نواقض الوضوء الخارج من السبيلين قليلا كان أو كثيرا طاهرا كان أو نجسا.

ـ[الملموس ميتا أو عجوزا أو محرما أو لمستم لا لمس من دون سبع ولا لمس سن وظفر وشعر ولا اللمس بذلك. ولا ينتقض وضوء الممسوس فرجه والملموس بدنه ولو وجد شهوة. السادس: غسل الميت أو بعضه والغاسل هو من يقلب الميت ويباشره لا من يصب الماء. السابع: أكل لحم الإبل ولو نيئا فلا نقض ببقية أجزائها ككبد وقلب وطحال وكرش وشحم وكلية ولسان ورأس وسنام وكوارع ومصران ومرق لحم ولا يحنث بذلك من حلف لا يأكل لحما. الثامن: الردة وكل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء غير الموت .. ]ـ مسألة - من نواقض الوضوء الخارج من السبيلين قليلا كان أو كثيرا طاهرا كان أو نجسا. قال ابن أبي القتح في "المطلع" (ص/38): ("السَّبِيلَين" واحدهما سبيل، وهو الطريق، والمراد هنا، القبل والدبر؛ لأنهما طريق البول والغائط). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 195) وهو يتكلم عن نواقض الوضوء: (قوله {وهي ثمانية: الخارج من السبيلين: قليلا كان أو كثيرا، نادرا أو معتادا}، هذا المذهب مطلقا، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به أكثرهم ... قال صاحب الهداية والمذهب والمستوعب. والتلخيص، والرعاية وغيرهم: طاهرا كان أو نجسا.). قال موفق الدين في "المغني" (1/ 125): (الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء إجماعا قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدبر وخروج البول من ذكر الرجل وقبل المرأة وخروج المذي، وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء، ودم الاستحاضة ينقض الطهارة في قول عامة أهل العلم إلا في قول ربيعة.

فائدة - حكم رطوبة فرج المرآة:

الضرب الثاني: نادر كالدم والدود والحصا والشعر فينقض الوضوء أيضا، فهو خارج من السبيل أشبه المذي؛ ولأنه لا يخلو من بِلَّةٍ تتعلق به، فينتقض الوضوء بها، وقد «أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المستحاضة بالوضوء لكل صلاة ودمها نادر غير معتاد.». وقد نقل صالح، عن أبيه "في المرأة يخرج من فرجها الريح: ما خرج من السبيلين ففيه الوضوء".؛ لأنه خارج من أحد السبيلين، فنقض قياسا على سائر الخوارج. وإن قَطَّرَ في إحليله دهنا، ثم عاد فخرج نقض الوضوء؛ لأنه خارج من السبيل، ولا يخلو من بِلَّةٍ نجسة تصحبه فينتقض بها الوضوء، كما لو خرجت منفردة. ولو احتشى قطنا في ذكره ثم خرج وعليه بلل، نقض الوضوء؛ لأنه لو خرج منفردا لنقض، فكذلك إذا خرج مع غيره. فإن خرج ناشفا، ففيه وجهان أحدهما ... ) والراجح إن خرج ناشفا أنه لا ينقض لأن مثل ذلك لا يصح تسميته خارج من السبيل. فائدة - حكم رطوبة فرج المرآة: جعل الله تعالى في المرأة مسلكين: مسلكاً يخرج منه البول، ومسكاً يخرج منه الولد، فالإفرازات التي تخرج من المسلك الذي يخرج منه الولد على أنواع: منها المني وهو يخرج عند اشتداد الشهوة وبلوغها غايتها، أو عند الجماع وهو طاهر ومنه الاغتسال. ومنها المذي وهو سائل يخرج عند مداعبة الرجل لزوجته أو عند الإثارة وهو نجس وخروجه ينقض الوضوء، قياسًا على مذي الرجل. ومنها هذه الإفرازات العادية وهي سوائل تخرج في الحالات العادية أثناء النهار أو الليل عند أدائها أعمالها المعتادة مثلاً أو عند أداء العبادات كالطواف والسعي والصلاة، وقد اختلف العلماء في طهارتها ونجاستها ونقضها للوضوء والأقرب أنها طاهرة ولكنها توجب الوضوء، فإذا كانت هذه الرطوبة تنزل من المرأة باستمرار فيكون لها حكم صاحب سلس البول - مع الأخذ في الإعتبار طهارة هذه الإفرازات فلا يلزمها غسلها ولا التحرز منها - فتتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها نزول هذه الرطوبة بعد ذلك، ولو كانت في الصلاة ... .

مسألة - من نواقض الوضوء خروج النجاسة من بقية البدن فإن كان بولا أو غائطا نقض مطلقا وإن كان غيرهما كالدم والقيء نقض إن فحش في نفس كل أحد بحسبه.

مسألة - من نواقض الوضوء خروج النجاسة من بقية البدن فإن كان بولا أو غائطا نقض مطلقا وإن كان غيرهما كالدم والقيء نقض إن فحش في نفس كل أحد بحسبه. فرق الماتن بين خروج نوعين من النجاسة من غير المخرج المعتاد: الأول - البول والغائط فخروج أحدهما من البدن ينقض مطلقا قال موفق الدين في "المغني" (1/ 127): (لا تختلف الرواية أن الغائط والبول ينتقض الوضوء بخروجهما من السبيلين ومن غيرهما، ويستوي قليلهما وكثيرهما، سواء كان السبيلان منسدين أو مفتوحين من فوق المعدة أو من تحتها لعموم قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] وقول صفوان بن عسال «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كنا مسافرين، أو سفرا، أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم» ... ). الثاني - غيرهما من النجاسات كالدم، والدود، والصديد، والقيء فهو نجس في المذهب، ففرق بين كثيره وقليله فالكثير ينقض دون القليل. وهذه هي الرواية المشهورة في المذهب، واستدلوا على ذلك بأدلة منها: • ما رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فتوضأ. فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك، فقال: أنا صببت له وضوءه). وفي بعض الطرق استقاء، ومعنى الحديث أنه استقاء فأفطر وتوضأ، وهو مجرد فعل لا يدل على وجوب الوضوء، وغايته أنه يستجب الوضوء بعد القيء. • واستدلوا بما رواه ابن ماجه وغيره وعن إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم» وهو حديث ضعيف فيه إسماعيل بن عياش وقد روى عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة، وصوب الدارقطني إرساله وقال عن الرواية الموصولة ليست بشيء. وفي الباب ثمة أحاديث ضعيفة أخرى.

مسألة - من نواقض الوضوء زوال العقل أو تغطيته بإغماء أو نوم ما لم يكن النوم يسيرا عرفا من جالس وقائم.

وأستدل من قال بعدم النقض ببعض الأدلة ومنها: • ما رواه أحمد وأبو داود من حديث جابر في غزوة ذات الرقاع، وفيه أن مشركا ضرب أنصاريا بثلاثة أسهم وهو يحرس وبجواره مهاجري، وفيه: (ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم، قال: سبحان الله ألا أنبهتني أول ما رمى، قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها)، وهذا دم كثير خرج منه وهو يصلي ولم يقطع صلاته وفيه دليل على عدم انتقاض الوضوء بخروج هذا الدم الكثير. وقد يقول البعض أنه الدم نجس فلماذا لم يطهر ثيابه، والجواب أننا نفرق بين من طرأت عليه النجاسة داخل الصلاة وخارجها فهو معذور في عدم قطع الصلاة لعدم قدرته على إيقاف الدم فيحمل على أنه معذور لكون حدثه دائم مستمر لم ينقطع كما هو ظاهر الحديث. • ومنها ما رواه مالك وغيره أن عمرا صلى وجُرْحُه يََثعب دما، وهو صريح في عدم النقض بخروج الدم سواء أكان قليلا أم كثيرا. الترجيح: الراجح هو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد في رواية واختاره تقي الدين، وهو قول جماعة من الصحابة من أن الوضوء لا ينتقض بخروج شيء من النجاسات من غير السبيلين مطلقا قليلا كان أو كثيرا، وأن الوضوء من ذلك مستحب غير واجب. مسألة - من نواقض الوضوء زوال العقل أو تغطيته بإغماء أو نوم ما لم يكن النوم يسيرا عرفا من جالس وقائم. زوال العقل على نوعين: الأول: زواله بالكلية، وهو رفع العقل، وذلك بالجنون. الثاني: تغطيته بسبب يوجب ذلك لمدة معينة كالنوم، والإغماء، والسكر، وما أشبه ذلك (¬1). قال موفق الدين في "المغني" (1/ 128): (زوال العقل على ضربين: نوم، ¬

_ (¬1) انظر الشرح الممتع (1/ 275).

فائدة: النوم الناقض هو المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك على أي هيئة كان النوم، أما النوم اليسير فإنه لا ينقض الوضوء.

وغيره فأما غير النوم، وهو الجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل، فينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعا، قال ابن المنذر: أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه؛ ولأن هؤلاء حسهم أبعد من حس النائم، بدليل أنهم لا ينتبهون بالانتباه، ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوبه بما هو آكد منه). وقد اختلف العلماء في النوم هب هو ناقض أم لا على ثمانية أقوال، والخلاف فيها مشهور والنقاش فيها يطول، وأقوى الأقوال وأحوطها أن النوم ناقض مطلقا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ولكن من غائط وبول ونوم). وقوله: (العين وِكَاءُ السَّه، فمن نام فليتوضأ). فائدة: النوم الناقض هو المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك على أي هيئة كان النوم، أما النوم اليسير فإنه لا ينقض الوضوء. قال الخطابي في "غريب الحديث": (حقيقة النوم هو الغَشْيَةُ الثَّقِيلَةُ التي تَهْجِم عَلَى القلب فتَقْطَعه عن معرفة الأمور الظاهرة والناعِسُ هُوَ الَّذِي رَهِقه ثِقلٌ قطعه عن معرفة الأحوال الباطنة). وقال اين حجر في "الفتح" (1/ 313): (ظاهر كلامه أن النعاس يسمى نوما والمشهور التفرقة بينهما وأن من قرت حواسه بحيث يسمع كلام جليسه ولا يفهم معناه فهو ناعس وإن زاد على ذلك فهو نائم ومن علامات النوم الرؤيا طالت أو قصرت وفي العين والمحكم النعاس النوم وقيل مقاربته). وعلى ذلك يحمل الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك»، وقد أعله البعض بالوقف، وله حكم الرفع، وما رواه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في وصف صلاته بالليل مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قوله: (فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني).

مسألة - من نواقض الوضوء مسه بيده - لا ظفره - فرج الآدمي المتصل بلا حائل أو حلقة دبره لا مس الخصيتين ولا مس محل الفرج البائن.

مسألة - من نواقض الوضوء مسه بيده - لا ظفره - فرج الآدمي المتصل بلا حائل أو حلقة دبره لا مس الخصيتين ولا مس محل الفرج البائن. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 131): (الفرج اسم لمخرج الحدث، ويتناول الذكر والدبر وقبل المرأة). • دلَّ كلام الماتن على أنه: ينتقض وضوء من مس قبلا أو دبرا أصليين لآدمي ببطن كفه أو بظهره بلا حائل. لا ينتقض وضوء من مس قبلا أو دبرا أصليين بيده بحائل، أو بظفره أو بذراعه بلا حائل. لا ينتقض وضوء من مس قبلا أو دبرا بائنين، أو محلهما، ولا بمس الخصيتين. استدل ابن ضويان للنقض بقوله في "المنار" (1/ 34): (لحديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فليتوضأ" قال أحمد: هو حديث صحيح. وفي حديث أبي أيوب وأم حبيبة "من مس فرجه فليتوضأ" قال أحمد: حديث أم حبيبة صحيح وهذا عام ونصه على نقض الوضوء بمس فرج نفسه ولم يهتك به حرمة، تنبيه على نقضه بمسه من غيره). وقد عورضت هذه الأحاديث بما رواه أصحاب السنن من طرق عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي - رضي الله عنه - قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيتوضأ أحدنا إذا مس ذكره؟ قال: " إنما هو بضعة منك أو جسدك "، والحديث مختلف في ثبوته وقد صححه جماعة منهم: عمرو بن الفلاس وابن المديني وابن حبان، وابن حجر، والألباني، وحسنه الأرناؤوط. الترجيح: قال الشيخ ابن جبرين - رحمه الله - في "شفاء العليل" (ص/283): (والراجح في هذه المسألة أن الوضوء ينتقض بمس الفرج: ذكرا أم دبرا، إذا كان لشهوة، وإلا فإن الوضوء مستحب لذلك كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -).

مسألة - من نواقض الوضوء لمس بشرة الذكر لأنثى أو الأنثى الذكر لشهوة من غير حائل ولو كان الملموس ميتا أو عجوزا أو محرما.

وهذا القول أعدل الأقوال في التوفيق بين الحديثين وإيضاحه أن أحاديث النقض بالمس عامة تشمل ما إذا كان المس بشهوة وبدون شهوة، وأما حديث طلق فالظاهر أنه محمول على عدم الشهوة للتسوية بينه وبين باقي أعضاء الجسم وإنما يتميز عنها بالشهوة. وعلى ذلك فالحديثان لا يتعارضان فيما إذا كان المس بشهوة بل يجب الوضوء من مس الفرج بشهوة، ويتعارضان فيما إذا كان المس بدون شهوة وحديث طلق فيه الترخيص لترك الوضوء من مسه، فيستفاد بذلك أن الأمر بالوضوء في حديث بسرة وغيرها غير مشدد فيه، فيكون للإستحباب. مسألة - من نواقض الوضوء لمس بشرة الذكر لأنثى أو الأنثى الذكر لشهوة من غير حائل ولو كان الملموس ميتا أو عجوزا أو مَحْرَما. ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]، [المائدة: 6]. وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في المراد من اللمس في الآية فروي عن علي وابن عباس أن المراد به الجماع، وروي عن عمر وابنه وابن مسعود أن المراد اللمس باليد. والقول الأول هو الأصح لما رواه أحمد وغيره عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قبل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ ". ولما رواه الشيخان عن عائشة، قالت: «كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما». ولما رواه مسلم عن عائشة، قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك». فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن المقصود باللمس في الآية: الجماع، وأن لمس المرأة للرجل أو العكس لا ينقض الوضوء، وإن كان لشهوة لما ورد في

مسألة - لا ينقض الوضوء لمس من دون سبع.

بعض طرق حديث عائشة الأول في الصحيحين أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم «يقبل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لِإِرْبِهِ (¬1)». وإن قيل باستحباب الوضوء عند لمس المرأة أو العكس بشهوة فهو متوجه إعمالا لعموم الآية ولفعل بعض الصحابة واحتياطا للعبادة. مسألة - لا ينقض الوضوء لمس من دون سبع. لأنه ليس محلاً للشهوة قال المرداوي في "الإنصاف" (8/ 23): (لا يحرم النظر إلى عورة الطفل والطفلة قبل السبع، ولا لمسها. نص عليه). تنبيه: الصحيح من المذهب أن مس الصغيرة كالكبيرة، وهو محمول على من زادت على السبع. قال المرداوي في "تصحيح الفروع" (1/ 231): (صرح المجد أنه لا ينقض مس الطفلة، وإنما ينقض لمس التي تشتهى "قلت" الذي يظهر أنه مراد من أطلق، والواقع كذلك). مسألة - لا ينتقض الوضوء لمس سن وظفر وشعر ولا اللمس بذلك. ومع أن القول الصحيح في المذهب أن مس المرأة بشهوة ناقض للوضوء إلا أنهم استثنوا من ذلك ما هو في حكم المنفصل كظفرها وشعرها وسنها فلا يتنقض الوضوء بمسه ولا باللمس به. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 143): (ولا ينقض مس شعر المرأة، ولا ظفرها، ولا سنها، وهذا ظاهر مذهب الشافعي. ولا ينقض لمسها بشعره ولا سنه ولا ظفره؛ لأن ذلك مما لا يقع الطلاق على المرأة بتطليقه ولا الظهار. ولا ينجس الشعر بموت الحيوان، ولا بقطعه منه في حياته). وقد سبق ترجيح أن مسح المرأة غير ناقض مطلقا. مسألة - لا ينتقض وضوء الممسوس فرجه والملموس بدنه ولو وجد شهوة. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 144): (إن لمست امرأة رجلا، ووجدت الشهوة منهما، فظاهر كلام الخرقي نقض وضوئهما، بملاقاة بشرتهما. ¬

_ (¬1) الإرب الحاجة ويطلق على العضو، والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم أقوى منكم في ضبط نفسه والأمن من الوقوع فيما يتولد عن المباشرة من الإنزال أو ما تجر إليه من الجماع.

مسألة - من نواقض الوضوء غسل الميت أو بعضه.

وقد سئل أحمد عن المرأة إذا مست زوجها؟ قال: ما سمعت فيه شيئا، ولكن هي شقيقة الرجل. يعجبني أن تتوضأ؛ لأن المرأة أحد المشتركين في اللمس، فهي كالرجل. وينتقض وضوء الملموس إذا وجدت منه الشهوة؛ لأن ما ينتقض بالتقاء البشرتين، لا فرق فيه بين اللامس والملموس، كالتقاء الختانين. وفيه رواية أخرى: لا ينتقض وضوء المرأة، ولا وضوء الملموس وللشافعي قولان كالروايتين. ووجه عدم النقض أن النص إنما ورد بالنقض بملامسة النساء، فيتناول اللامس من الرجال، فيختص به النقض، كلمس الفرج؛ ولأن المرأة والملموس لا نص فيه، ولا هو في معنى المنصوص؛ لأن اللمس من الرجل مع الشهوة مظنة لخروج المذي الناقض، فأقيم مقامه، ولا يوجد ذلك في حق المرأة، والشهوة من اللامس أشد منها في الملموس، وأدعى إلى الخروج، فلا يصح القياس عليهما، وإذا امتنع النص والقياس لم يثبت الدليل). وكل هذه تفريعات على القول بنقض الوضوء بمسح المرأة. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 214): (محل الخلاف في الملموس، إذا قلنا: ينتقض وضوء اللامس. فأما إذا قلنا. لا ينتقض فالملموس بطريق أولى) وعليه فالراجح أنه لا ينتقض وضوء الماس ولا الممسوس. مسألة - من نواقض الوضوء غسل الميت أو بعضه. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 215): (الصحيح من المذهب: أن غسل الميت ينقض الوضوء، نص عليه. وعليه جماهير الأصحاب، مسلما كان أو كافرا، صغيرا كان أو كبيرا، ذكرا أو أنثى ... تنبيه: قيد في الرعاية مسألة نقض الوضوء بغسله: بما إذا قلنا ينقض مس الفرج: وهو ظاهر تعليل كثير من الأصحاب، وظاهر كلام كثير من الأصحاب: الإطلاق. وقد يكون تعبديا. فائدتان: إحداهما: غسل بعض الميت كغسل جميعه، على الصحيح من المذهب ... الثانية: لو يمم الميت لتعذر الغسل لم ينقض على الصحيح من المذهب، نص عليه، وعليه الأصحاب ... ).

وأما التعليل بأن تغسيل الميت مظنة مس الفرج فقد نوقش بعد التسليم بانتقاض الوضوء بمجرد احتمال مس العورة كما لو شك هل خرج منه شيء أم لا، كما أن مس فرج الميت بلا حائل نادر فلا يناط به حكم عام، بالإضافة إلى أننا رجحنا أن مس الفرج ينقض إذا كان بشهوة، ويضعف جدا أن تقع الشهوة عند التغسيل. • ومما يستدل به أيضا بما قاله المرداوي في "الإنصاف" (1/ 219): (الصحيح من المذهب: أن كل ما يوجب الغسل يوجب الوضوء) (¬1) وقد دل ما رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غسل ميتا، فليغتسل» على وجوب الغسل، وبالتالي وجوب الوضوء، إلا أن هذا الحديث مختلف في وقفه ورفعه وعلى فرض ثبوته فالأمر فيه ليس للإيجاب بدليل ما رواه الدارقطني وغيره عن نافع , عن ابن عمر , قال: «كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل» وصحح إسناده الحافظ في التلخيص. وما رواه البيهقي وغيره عن ابن عباس، قال: " ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه إن ميتكم لمؤمن طاهر وليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم " قال الأرناؤوط: (وسنده جيد، وهو عند الحاكم مرفوع وصححه، وعند البيهقي موقوف، ورواية الوقف أصح). • ومما استدلوا به بعض الآثار: • ومن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" عن بكر بن عبد الله، قال: حدثني علقمة بن عبد الله المزني، قال: «غسل أباك أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زادوا على أن كفوا أكمامهم، وأدخلوا قمصهم في حجزهم، فلما فرغوا من غسله توضأوا وضوءهم للصلاة» وهي حكاية فعل لا تدل على الوجوب وغايتها الإستحباب. • وما رواه عبدالرزاق وابن ابي شيبة وابن المنذر والبيهقي وغيرهم عن ابن جريج، عن عطاء، قال: سئل ابن عباس: هل على من غسل ميتا غسل؟ فقال: " ¬

_ (¬1) وسوف يأتي مناقشة هذا الضابط قريبا بإذن الله.

مسألة - الغاسل هو من يقلب الميت ويباشره لا من يصب الماء.

أنجستم صاحبكم، يكفي منه الوضوء " وعطاء هو ابن أبي رباح ورواية ابن جريج عنه محمولة على الإتصال، فالإسناد صحيح إلا أنه لا يدل على الوجوب وغايته الاستحباب بدليل ما سبق نقله عن ابن عباس من تجويز الإقتصار على غسل اليد. وأما ما رواه عبد الرزاق في "المصنف"عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: «إذا غسلت الميت فأصابك منه أذى فاغتسل، وإلا إنما يكفيك الوضوء» وإسناده ضعيف لضعف عبدالله بن عمر العمري. وعليه فالراجح هو إستحباب الوضوء من غسل الميت إلا أن يمس عورته بشهوة بلا حائل فيجب عليه الوضوء، ووما يؤكد ذلك ما قاله ابن المنذر في "الأوسط" (5/ 350): (وقد أجمع أهل العلم على أن رجلا لو مس جيفة، أو دما، أو خنزيرا ميتا، أن الوضوء غير واجب عليه، فالمسلم الميت أحرى أن لا يكون على من مسه طهارة). مسألة - الغاسل هو من يقلب الميت ويباشره لا من يصب الماء. أي أن الحكم السابق خاص بمن باشر تغسيل الميت، وتقليبه ولو لبعض جسده، ولا يشمل من يعاون بصب الماء ومناولة ما يحتاجون إليه في التغسيل ونحو ذلك. مسألة - من نواقض الوضوء أكل لحم الإبل ولو نيئا. والدليل على ذلك ما رواه مسلم في "صحيحه" عن جابر بن سمرة، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ» قال أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم فتوضأ من لحوم الإبل». بيان علة النهي: قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 218): (الصحيح من المذهب، أن الوضوء من لحم الإبل تعبدي. وعليه الأصحاب. قال الزركشي: هو المشهور. وقيل: هو معلل. فقد قيل: إنها من الشياطين، كما جاء في الحديث الصحيح. رواه أحمد وأبو داود. وفي حديث آخر «على ذروة كل بعير شيطان» فإن أكل منها أورث ذلك قوة شيطانية، فشرع وضوءه منها ليذهب سورة الشيطان) وكونها معقولة المعنى هو الأقوى.

فائدة:

فائدة: قال ابن رجب في "فتح الباري" (3/ 223): (وقد فسر ابن قتيبة خلق الإبل من الشياطين بأنها خلقت من جنس خلقت منه الشياطين. قال: وورد في حديث آخر أنها خلقت من أعيان الشياطين، يريد من نواحيها وجوانبها. قال: ولم تزل العرب تنسب جنسا من الإبل إلى الحوش، فتقول: ناقة حوشية، وهي أنفر الإبل وأصعبها، ويزعمون أن للجن إبلا ببلاد الحوش، وأنها ضربت في نعم الناس فنتجت منها هذه الحوشية، فعلى هذا يجوز أن يراد أنها خلقت من نتاج نعم الجن، لا من الجن نفسها. انتهى. ويجوز أن خلقت في أصلها من نار، كما خلقت الجن من نار، ثم توالدت كما توالدت الجن. والله تعالى أعلم. وزعم الخطابي أنها نسبت إلى الشياطين لما فيها من النفار والشرود. قال: والعرب تسمي كل مارد شيطانا. وقال أبو عبيد: المراد: أنها في أخلاقها وطبائعها تشبه الشياطين). مسألة - لا نقض ببقية أجزاء الإبل ككبد وقلب وطحال وكرش وشحم وكلية ولسان ورأس وسنام وكوارع ومصران ومرق لحم. وهذا التفريق بين اللحم وباقي أجزاء البدن يتمشى مع القول الصحيح في المذهب من أن العلة تعبدية ولا تتعدي غير المنصوص عليه في الحديث وهو اللحوم، إلا أننا وقد اخترنا أن العلة معقولة المعنى وهي متعلقة بمادة خلق جميع الناقة ويدخل فيه كل ما ذكر. وعليه فالأقوى أن أكل أي جزء من أجزاء الناقة ينقض الوضوء ويكون ذكر اللحم ليس لتخصيصه بالحكم بل لكونه الغالب والمقصود بالأكل فلا يعمل مفهوم المخالفة (¬1). مسألة - ولا يحنث بذلك من حلف لا يأكل لحما. قال المرداوي في "الإنصاف" (11/ 68): (قوله (وإذا حلف " لا يأكل اللحم " فأكل الشحم، أو المخ أو الكبد، أو الطحال، أو القلب، أو الكرش، أو المصران أو ¬

_ (¬1) وقد انتصر لذلك الشيخ العثيمين وعلله بعدة علل وانظر الشرح الممتع (1/ 300).

مسألة - من نواقض الوضوء الردة.

الألية، أو الدماغ، أو القانصة: لم يحنث).وهو المذهب. وعليه جماهير الأصحاب). مسألة - من نواقض الوضوء الردة. واستدلوا بقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5]، وقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، ونحو ذلك من الآيات، والصحيح أن حبوط العمل مقيد بالموت على الكفر لقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]، وعلى ذلك فمن حج ثم أرتد ثم عاد إلى الإسلام فقد أجزأه حجه الأول عن حجة الإسلام. والدليل في المذهب على إيجاب الوضوء بعد الردة أنه يجب على الكافر أو المرتد الاغتسال (¬1)، فعادت هذه المسألة للضابط الذي سوف يأتي مناقشته في المسألة التالية بإذن الله تعالى. مسألة - كل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 219): (الصحيح من المذهب: أن كل ما يوجب الغسل يوجب الوضوء). ومعنى هذا الضابط أن من فعل ما يوجب غسلا كالوطء مثلا فإن هذا الحدث يوجب عليه الطهارة الكيرى والصغرى أيضا. هل يرتفع الحدث الأصغر مع الأكبر؟ • الحالة الأولى - أن ينوي رفعهما معا بالغسل، فالصحيح من المذهب أنهما يرتفعان. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 259): (قوله (وإن اغتسل ينوي الطهارتين أجزأه عنهما) هذا المذهب مطلقا. وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وعنه لا يجوز حتى يتوضأ، أما قبل الغسل أو بعده، وهو من المفردات ... ). • الحالة الثانية - أن ينوى رفع الأكبر فقط، فالصحيح من المذهب أنه لا يرتفع الأصغر. ¬

_ (¬1) وسوف يأتي نقاش هذه المسألة قريبا بإذن الله.

مسألة - الموت يوجب غسلا ولا يوجب وضوءا.

قال في "الإنصاف" (1/ 260): (إذا نوى الطهارة الكبرى فقط لا يجزئ عن الصغرى، وهو صحيح، وهو المذهب. وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وقال الشيخ تقي الدين: يرتفع الأصغر أيضا معه). والراجح أن نية رفع الحدث الأكبر فقط تجزئ عنهما معا وهو قول في المذهب واختيار تقي الدين والمشهور من مذهب المالكية والشافعية وذلك لأنهما عبادتان من جنس واحد تداخلتا فتجزئ الكبرى عن الصغري، وليس هناك دليل على وجوب الوضوء على الجنب وإنما دلت النصوص على أن الجنب يجزئه فقط الإغتسال، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - كيفية الطهارة بقوله فيما رواه مسلم عن أم سلمة، قالت: قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: «لا. إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين» ولم يذكر لها وضوءا، بل صرحت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعدم الوضوء بعد الغسل فروى عنها أحمد، وأبو داود وابن ماجه وغيرهم أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة» صححه الألباني وحسنه لغيره الأرناؤوط. مسألة - الموت يوجب غسلا ولا يوجب وضوءا. قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 309): (قوله: «إلا الموت»، فالموت موجب للغسل، ولا يوجب الوضوء بمعنى أنه لا يجب على الغاسل أن يوضئ الميت أولا، فلو جاء رجل وغمس الميت في نهر ناويا تغسيله ثم رفعه فإنه يجزئ، وهذا من غرائب العلم، كيف ينفون وجوب الوضوء في تغسيل الميت مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ابدأن بميامنها (¬1)، ومواضع الوضوء منها» ونحن نوافق أن الموت موجب للغسل، ولا يوجب الوضوء، لعدم الدليل الصريح على وجوب الوضوء. وإن كان يحتمل أن الوضوء واجب؛ لقوله صلى الله عليه ¬

_ (¬1) والأمر هنا ليس للوجوب قال ابن المنذر في "الإجماع" (ص/35): (وأجمعوا على أن لا إعادة على من بدأ بيساره قبل يمينه في الوضوء).

مسألة - من تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة عمل بما تيقن.

وسلم: «ومواضع الوضوء منها». فالظاهر أن موجبات الغسل لا توجب إلا الغسل لعدم الدليل على إيجاب الوضوء). ـ[فصل ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة عمل بما تيقن. ويحرم على المحدث الصلاة والطواف ومس المصحف ببشرته بلا حائل. ويزيد من عليه غسل: بقراءة القرآن واللبث في المسجد بلا وضوء .. ]ـ مسألة - من تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة عمل بما تيقن. سبق وأن ذكرنا قاعدة ((اليقين لا يزول بالشك))، وأنها إحدى القواعد الخمس الكبرى التي ذكر العلماء أنها مبنى الفقه، والدليل عليها ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا، فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا» والمقصود هنا بيان أن من توضأ ثم طرأ عليه شك بأنه أحدث فإنه لا ينتقل عن هذا الأصل وهو الطهارة إلا إذا تيقن الحدث، والعكس بالعكس، وهذه القاعدة تقطع الوساوس عن العبد وتريحه من عناء كثير. مسألة - يحرم على المحدث الصلاة. قال الشيخ الفوزان في "الملخص الفقهي" (1/ 24): (يحرم على المحدث الصلاة فرضا أو نفلاً، وهذا بإجماع أهل العلم، إذا استطاع الطهارة؛ لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} الآية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، رواه مسلم وغيره، وحديث: "لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ"؛ فلا يجوز له أن يصلي من غير طهارة مع القدرة عليها، ولا تصح صلاته، سواء كان جاهلا أو عالما، ناسيا أو عامداً، لكن العالم العامد إذا صلى من غير طهارة؛ يأثم ويعزر، وإن كان جاهلاً أو ناسيا؛ فإنه لا يأثم، لكن؛ لا تصح صلاته).

مسألة - يحرم على المحدث الطواف.

مسألة - يحرم على المحدث الطواف. ومما استدلوا به على تحريم الطواف على المحدث ما رواه أحمد وغيره عن رجل، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطواف بالبيت صلاة، فأقلوا من الكلام». وهذا من أقوى أدلتهم وقد روى موقوفا ومرفوعا عن ابن عباس وجزم البعض أنه هو المبهم في الرواية السابقة، وقد رجح بعض العلماء رواية الوقف وبعضهم وراية الرفع، ونوقش بأننا إذا نظرنا إلى الطواف وجدناه يخالف الصلاة في غالب الأحكام غير الكلام، فيجوز فيه الأكل، والشرب، ولا يجب فيه تكبير ولا تسليم، ولا قراءة، ولا يبطل بالفعل ونحوه، مما يدل على أنه ليس مقصود الحديث تشبيهه بالصلاة في هيئتها أو شروطها وأركانها، وإنما المقصود بيان أن الطواف بدل عن صلاة تحية المسجد بالنسبة للبيت الحرام. واستدلوا بما رواه الشيخان عن عروة بن الزبير فقال: قد حج النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرتني عائشة رضي الله عنها: «أنه أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ، ثم طاف بالبيت». ونوقش بأنه مجرد فعل لا يدل على الوجوب وغايته الاستحباب. واستدلوا بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه منع الحائض من الطواف بالبيت حتى تطهر. ونوقش أن هذا في الحدث الأكبر وكلامنا في الأصغر، وإنما منع الحائض من الطواف لأنه لا يحل لها اللبث في المسجد. الترجيح: الراجح هو القول بالاستحباب وأما الشرطية فلا دليل عليها وهو قول عند الحنابلة واختاره تقي الدين. مسألة - يحرم على المحدث مس المصحف ببشرته بلا حائل. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 223): (أما مس المصحف: فالصحيح من المذهب: أنه يحرم مس كتابته وجلده وحواشيه، لشمول اسم المصحف له بدليل البيع).

• ومن أقوى أدلة التحريم ما رواه الدارمي، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم من طريق أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم، عن أبيه عن جده به، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن كتابا وكان فيه: «لا يمس القرآن إلا طاهر». وبعضهم لم يذكر عن أبيه عن جده وصوب الألباني في «الإرواء» (122) أنه من رواية أبي بكر مرسلا وأعله بالإرسال. وأخرجه مالك مرسلا (1/ 199) عن عبدالله بن أبي بكر بن حزم به. والحديث له شواهد من حديث حكيم بن حزام وابن عمر وعثمان - رضي الله عنهم -. وصححه الألباني بالشواهد. وانظر: «الإرواء» (122). وجه الدلالة: قوله (طاهر) نكرة في سياق النهي، فهي تفيد العموم فتشمل كل طاهر سواء أكانت طهارته حسية أو معنوية، صغرى أو كبرى. مناقشة: وقد أشكل بعض العلماء على الاستدلال بهذا الحديث بأن المقصود بالطاهر في الحديث هو المؤمن بقرينة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (إن المؤمن لا ينجس). • والجواب عن هذا الإشكال أنه لا تعارض بين الحديثين، والحديث الثاني لا يخصص الحديث الأول لأنه من باب التنصيص على أحد أفراد العام. • ويوضحه أن مفاد الحديث الثاني أن المؤمن طاهر سواء حملناها على الطهارة الحسية بمعنى أن عين المؤمن طاهرة لا تنجس، أو حملناه على الطهارة المعنوية أي أن المؤمن طاهر من ناحية الاعتقاد وعليه فدلالة هذا الحديث إنما هي لأحد أفراد العام المستفاد من الحديث الأول فلا يخصصه فالمؤمن تحققت فيه بعض أنواع الطهارة ولكنه ليمس المصحف لابد وأن تتحقق فيه باقي الأنواع من الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر. وما يؤيد ذلك عمل بعض الصحابة بمقتضى الحديث الأول: • فروى مالك في "المؤطأ وغيره عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، أنه قال كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت فقال سعد: «لعلك مسست

مسألة - يجوز مس المصحف بحائل:

ذكرك؟» قال: فقلت نعم. فقال: «قم، فتوضأ». فقمت فتوضأت، ثم رجعت) صحح إسناده الشيخ الألباني. • وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: «أنه كان لا يمس المصحف إلا وهو طاهر» رواته ثقات. مسألة - يجوز مس المصحف بحائل: قال ابن مفلح في "الفروع" (1/ 242): (يجوز حمله بِعِلَاقَتِهِ، أَوْ فِي غِلَافِهِ، أو كمه وتصفحه به، وبعود، ومسه من وراء حائل). والغلاف إذا كان متصلا بالمصحف كما هو الحال الآن فإنه يتبع المصحف في البيع فيدخل في المنع. قال تقي الدين في "شرح العمدة" (1/ 385): (أما إن حمله بعلاقته أو بحائل له منفصل منه لا يتبعه في الوصية والإقرار وغيرهما كغلافه أو حائل مانع للحامل كحمله في كمه من غير مس، أو على رأسه، أو في ثوبه، أو تصفحه بعود أو مسه به - جاز في ظاهر المذهب. وعنه لا يجوز؛ لأنه إنما منع من مسه تعظيما لحرمته، وإذا تمكن من ذلك بحائل زال التعظيم، وحكى بعض أصحابنا رواية أنه إنما يحرم مسه بكمه وما يتصل به؛ لأن كمه وثيابه متصلة به عادة، فأشبهت أعضاءه بخلاف العود والغلاف، وحكى الآمدي رواية يجوز حمله بعلاقته وفي غلافه دون تصفحه بكمه أو عود. ولنا أنه لم يمسه، فيبقى على أصل الإباحة لاسيما ومفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم -: " «لا يمس القرآن إلا طاهر» " جواز ما سوى المباشرة، وليس المس من وراء حائل كالمباشرة بدليل نقض الوضوء وانتشار حرمة المصاهر به والفدية في الحج وغير ذلك، والعلاقة وإن اتصلت به فليست منه، إنما يراد لتعليقه، وهو مقصود زائد على مقصود المصحف). مسألة - يحرم على من عليه غسل قراءة القرآن. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 243): (قوله (ومن لزمه الغسل: حرم عليه قراءة آية فصاعدا). وهذا المذهب مطلقا بلا ريب. وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم). ومن الأدلة على التحريم ما رواه أحمد وغيره عن أبي الْغَرِيفِ، قال: «أتي علي بوضوء، فمضمض، واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وغسل يديه وذراعيه

مسألة - يحرم على من عليه غسل اللبث في المسجد بلا وضوء.

ثلاثا ثلاثا، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه»، ثم قال: «هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ»، ثم قرأ شيئا من القرآن، ثم قال: هذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا، ولا آية). وأما الحائض فلم يصح في منعها من القراءة حديث وإنما ذهبوا لمنعها من القراءة قياسا على الجنب والقياس هنا مع الفارق فالحيض زمنه أطول من الجنابة، مما قد يعرضها للنسيان، وقد اختار تقي الدين جواز قراءه الحائض للقرآن فقال في "مجموع الفتاوى" (21/ 460): (معلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن ينهاهن عن قراءة القرآن. كما لم يكن ينهاهن عن الذكر والدعاء بل أمر الحيض أن يخرجن يوم العيد فيكبرون بتكبير المسلمين. وأمر الحائض أن تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت: تلبي وهي حائض وكذلك بمزدلفة ومنى وغير ذلك من المشاعر. وأما الجنب فلم يأمره أن يشهد العيد ولا يصلي ولا أن يقضي شيئا من المناسك: لأن الجنب يمكنه أن يتطهر فلا عذر له في ترك الطهارة بخلاف الحائض فإن حدثها قائم لا يمكنها مع ذلك التطهر. ولهذا ذكر العلماء ليس للجنب أن يقف بعرفة ومزدلفة ومنى حتى يطهر وإن كانت الطهارة ليست شرطا في ذلك. لكن المقصود أن الشارع أمر الحائض أمر إيجاب أو استحباب بذكر الله ودعائه مع كراهة ذلك للجنب. فعلم أن الحائض يرخص لها فيما لا يرخص للجنب فيه؛ لأجل العذر. وإن كانت عدتها أغلظ فكذلك قراءة القرآن لم ينهها الشارع عن ذلك. وإن قيل: إنه نهى الجنب لأن الجنب يمكنه أن يتطهر ويقرأ بخلاف الحائض؛ تبقى حائضا أياما فيفوتها قراءة القرآن تفويت عبادة تحتاج إليها مع عجزها عن الطهارة ... ). مسألة - يحرم على من عليه غسل اللبث في المسجد بلا وضوء. قال ابن ضويان في "المنار" (1/ 37): (لقوله تعالى: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] وهو الطريق، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" رواه أبو داود، فإن توضأ الجنب جاز له اللبث فيه، لما روى سعيد بن منصور والأثرم عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالاً من أصحاب رسول

الغسل

الله صلى الله عليه وسلم، يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضؤوا وضوء الصلاة). والحديث مختلف في ثبوته اختلافا كبيرا وله شواهد تصلح لتقويته وحسنه بشواهده ابن حجر في "التلخيص". وأما الأثر فإسناده حسن، وهذه الأدلة ظاهرة فيما اختار الماتن. ـ[باب ما يوجب الغسل وهو سبعة: أحدها: انتقال المني فلو أحس بانتقاله فحبسه فلم يخرج وجب الغسل فلو اغتسل له ثم خرج بلا لذة لم يعد الغسل. الثاني: خروجه من مخرجه ولو دما ويشترط أن يكون بلذة ما لم يكن نائما ونحوه. الثالث: تغييب الحشفة كلها أو قدرها بلا حائل في فرج ولو دبرا لميت أو بهيمة أو طير ولكن لا يجب الغسل إلا على ابن عشر وبنت تسع. الرابع: إسلام الكافر ولو مرتدا. الخامس: خروج دم الحيض. السادس: خروج دم النفاس. السابع: الموت تعبدا .. ]ـ المسألة الأولى - يوجب الغسل انتقال المني فلو أحس بانتقاله فحبسه فلم يخرج وجب الغسل. صفة المني: قال ابن قاسم في "حاشية الروض" (1/ 268): (وهو بفتح الميم وكسر النون وتشديد الياء، وحكي تخفيفا، سمي بذلك لأنه يمنى أي يصب ويراق ويدفق، وهو من الرجل في حالة صحته ماء غليظ أبيض يخرج عند اشتداد الشهوة، يتلذذ بخروجه ويعقب البدن بعد خروجه فتور، ورائحته كرائحة طلع النخل، يقرب من

رائحة العجين، وإذا يبس ريحه ريح بياض بيض جاف ... ومن المرأة ماء رقيق أصفر، وقد يبيض لفضل قوتها، ولا خاصية له إلا التلذذ وفتور شهوتها عقيب خروجه، وفي صحيح مسلم وغيره ((ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر))، ومن المني يخلق الحيوان بإذن الله، لخروجه من جميع البدن، ولهذا يضعف البدن بكثرته فيجبر بالغسل). وقال السامري في "المسوعب" (1/ 84): (مني المرأة رقيق أصفر رائحته كرائحة بيض منتن). • وجه هذه الرواية أن الجنابة تباعد (¬1) الماء عن محله وقد وجد، فتكون الجنابة موجودة فيجب الغسل بها، وأنكر أحمد أن يكون الماء يرجع. ولأن الغسل تراعى فيه الشهوة وقد حصلت بإنتقاله فأشبه ما لو ظهر. الترجيح: الراجح هي الرواية الثانية في المذهب وهو قول أكثر الفقهاء من أنه لا غسل عليه ما لم يظهر. والدليل على ذلك ما رواه أحمد بإسناد حسن لغيره عن علي رضى الله عنه، قال: كنت رجلا مذاء فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إذا خذفت فاغتسل من الجنابة، وإذا لم تكن خاذفا فلا تغتسل ". والحذف هو إلقاء المني وهذا لا يكون إلا بعد خروجه من البدن. • مناقشة: وجه ما قاله الماتن في هذه المسألة أن إيجاب الغسل لأمرين: الأول - أن المني إذا انتقل لا يرجع ولابد وأن يخرج، وإن تأخر كذا قال الإمام أحمد. الثاني - أن هذا الإنتقال المستلزم للخروج قارن الشهوة. وعلى ذلك فالأصل هو الخروج والظهور، فإن أحس بالإنتقال فأمسك نفسه وهدأت ثورة شهوته ولم يخرج منه فلا غسل عليه لأن ما لم يخرج فهو في حكم ¬

_ (¬1) أصل الجنابة البعد يقال: جانبت الرجل اذا قطعته وباعدته.

فائدة:

المسألة الثانية - من أحس بانتقال الماء فحبسه فلم يخرج ثم أغتسل لذلك، ثم خرج الماء بلا لذة لم يعد الغسل.

الباطن فلم يجب بتنقله فيه طهارة كالريح المتنقلة من المعدة إلى قريب المخرج لا توجب وضوءا إلا بعد خروجها. وعلى ذلك فالأقوى أن الجنابة لا تسمى جنابة إلا إذا فارقت البدن كله وجانبته، أما وقد فارق موضعه إلى موضع آخر من البدن نفسه فليس بجنب. استدل البعض على أن الغسل لا يكون إلا بعد ظهور الماء، وأن مجرد الانتقال لا يوجب غسلا بما رواه الشيخان عن أم سلمة، قالت: جاءت أم سُلَيْمٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأت الماء». والاستدلال بهذا الحديث هنا فيه نظر؛ فإنه خارج محل النزاع لأن الكلام فيه عن الإحتلام، وبيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنها إذا احتلمت ولم تر الماء فلا غسل عليها، ومسألتنا في إيجاب الغسل بإنتقال المني مع الشهوة وهذا لا يكون إلا في اليقظة. وأما الاستدلال بمنطوق الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، قال: قال عِتْبَانُ: يا رسول الله، أرأيت الرجل يُعْجَلُ عن امرأته ولم يُمْنِ، ماذا عليه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الماء من الماء» ففيه نظر أيضا، فإن منطوقه يفيد إيجاب الغسل بخروج المني، ولكن نفي إيجاب الغسل بمجرد الإنتقال إنما يستفاد من مفهوم المخالفة الذي مفاده أنه إن لم ينزل فلا غسل عليه، وهذا المفهوم جاء مصرحا به في حديث علي رضي الله عنه السابق، وهو أقوى دلالة في محل النزاع من غيره ولذلك اقتصرت عليه، وعموم هذا المفهوم نسخ نسخا جزئيا بإيجاب الغسل من مجرد إلتقاء الختانين وإن لم ينزل وبقي مثبتا في غيره من الحالات التي ليس فيها إنزال فلا يوجب غسلا. المسألة الثانية - من أحس بانتقال الماء فحبسه فلم يخرج ثم أغتسل لذلك، ثم خرج الماء بلا لذة لم يعد الغسل. قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 337): (أي: إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة، فإنه لا يعيد الغسل، والدليل:

المسألة الثالثة - يوجب الغسل خروج المني من مخرجه ولو دما ويشترط أن يكون بلذة.

1 - أن السبب واحد، فلا يوجب غسلين. 2 - أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذة، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة. لكن لو خرج مني جديد لشهوة طارئة فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني). والراجح أنه إن أغتسل وقارب وقت الخروج وقت الإحساس بالانتقال فلا غسل عليه مرة أخرى كما ذكر الشيخ العثيمين، أما عن طال الفاصل، أو خرج مني جديد - بشروطه التي سوف تأتي - فعليه غسل جديد. المسألة الثالثة - يوجب الغسل خروج المني من مخرجه ولو دما ويشترط أن يكون بلذة. قوله: (من مخرجه) أي من الفرج المعتاد، ويقع مجرى المنى داخل الفرج أسفل مخرج البول فيه، قال تقي الدين في "شرح العمدة" (1/ 356): (البول يدفع بقايا المني؛ لأن مخرج المني تحت مخرج البول، وبينهما حاجز رقيق، فينعصر مخرج المني تحت مخرج البول، فيخرج ما فيه). قال إبراهيم بن مفلح في "المبدع" (1/ 150): (فإن خرج من غيره، كما لو انكسر صلبه فخرج منه، لم يجب، وحكمه كالنجاسة المعتادة) والرواية الراجحة في المذهب أن المني طاهر، ولكنه لما خرج من غير المخرج المعتاد لم يأخذ حكم المني. قال الرزكشي في "شرح مختصر الخرقي" (1/ 278): (إذا وطئ دون الفرج، فدب منيه فدخل فرج المرأة ثم خرج، أو وطئ في الفرج، ثم خرج منيه من فرجها بعد غسلها، أو خرج ما استدخلته من مني بقطنة، ولم يخرج منيها، وهو وجيه في الكل، والمنصوص المقطوع به عدم الغسل على المرأة والحال هذه، ولا نزاع فيما نعلمه أن الغسل لا يجب بخروج المني من غير مخرجه، وإن وجد شرطه). قوله: (ولو دما) قال ابن قاسم في "حاشيته" (1/ 286): (المراد خروجه من مخرجه المعتاد ولو دما، فإنه قد يخرج أحمر لقصور الشهوة عنه، ويصير كماء اللحم، وربما خرج دما عبيطا) أي خالصا طريا لا خِلْطَ فيه وأسباب خروج الدم مع المني كثيرة منها أسباب مرضية مثل وجود حصوات في المثانة أو البروستاتا، أو

فائدة - إن خرج المني بلا لذة فلا يوجب غسلا.

لالتهابات في البروستاتا والحويصلة المنوية والخصيتين، وقد تكون من الإفراط في إخراج المني بالجماع وغيره، وتكثر كمية الدم الخارج تبعا للحالة. وقد اشترط الماتن هنا لإيجاب الغسل بنزول الدم من المخرج المعتاد للمني أن يكون بلذة، يعني لغير علة مرضية. والأقوى أن الاغتسال يجب من خروج المني وإن كان مصاحبا له دما نتيجة الإفراط في إخراج المني، أما إن كان الدم خالصا فلا يوجب غسلا؛ لأنه حينئذ يكون علامة مرضية وإلحاقه بحكم المستحاضة له وجه. قوله: (بلذة) اشترط الموفق وغيره في خروج المني أن يكون دافقا - أي سائلا في قوة - مع تحقق اللذة، واقتصر الماتن وغيره على اعتبار اللذة فقط؛ وعلل ذلك غير واحد بأنه يلزم من وجود اللذة أن يكون دفقا. فائدة - إن خرج المني بلا لذة فلا يوجب غسلا. قال موفق الدين في "الكافي" (1/ 105): (فإن خرج لمرض من غير شهوة لم يوجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المني الموجب بأنه غليظ أبيض، ولا يخرج في المرض إلا رقيقا). الأدلة على مسألة الباب: يجب الغسل من خروج المني من مخرجه بلذة قال ابن قاسم في "حاشيته" (1/ 268): (قال الترمذي: وهو قول عامة أهل العلم، وقال الشارح: لا نعلم فيه خلافا، وحكاه غير واحد اتفاقا، والطبري إجماع المسلمين). والأدلة على ذلك كثيرة منها: • حديث علي رضي الله عنه المتفق عليه، ولفظه عند النسائي قال علي: كنت رجلا مذاء فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إذا رأيت المذي فتوضأ واغسل ذكرك، وإذا رأيت فضخ الماء فاغتسل» ولفظ الحديث عند أبي داود: (فإذا فضخت الماء فاغتسل) وكما أن رؤية المذي تكون بخروجه فكذلك رؤية المني تكون بفضحه أي تدفقه وظهوره. فال ابن الجوزي في "غريب الحديث": (فضحت الماء يعني دفقته).

المسألة الرابعة-يوجب الغسل خروج المني من النائم ونحوه ولو لم يذكر لذة.

• ما رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الماء من الماء» فإنه يدل على إيجاب الغسل بخروج المني. المسألة الرابعة-يوجب الغسل خروج المني من النائم ونحوه ولو لم يذكر لذة. قوله: (ونحوه) قال ابن قاسم في "حاشيته" (1/ 269): (كمجنون ومغمى عليه وسكران، فإنه لا لذة لهم يقينا لفقد إدراكهم وجعلت اللذة حاصلة في حقهم حكما، لحديث: هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء، أي المني بعد الاستيقاظ متفق عليه، ولأحمد والنسائي وابن ماجه ليس عليها غسل حتى تنزل كما أن الرجل ليس عليه غسل حتى ينزل). الأدلة: • قال ابن موفق الدين في "الكافي" (1/ 104): (فيجب الغسل بخروجه في النوم واليقظة، «لأن أم سليم قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " نعم إذا رأت الماء» متفق عليه ... فإن احتلم فلم ير بللا فلا غسل عليه، لحديث أم سليم. وإن رأى منيا ولم يذكر احتلاما فعليه الغسل، لما روت عائشة قالت: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر احتلاما، فقال: " يغتسل» ". «وسئل عن الرجل يرى أنه قد احتلم، ولا يجد البلل، فقال: " لا غسل عليه» رواه أبو داود). المسألة الخامسة: يوجب الغسل تغييب الحشفة كلها أو قدرها بلا حائل في فرج ولو دبرا لميت أو بهيمة أو طير. قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 149): (اتفق الفقهاء على وجوب الغسل في هذه المسألة، إلا ما حكي عن داود أنه قال: لا يجب؛ لقوله - عليه السلام - «الماء من الماء» وكان جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -، يقولون: لا غسل على من جامع فأكسل. يعني: لم ينزل. ورووا في ذلك أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكانت رخصة رخص فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أمر بالغسل، قال سهل ابن

فائدة:

سعد: حدثني أبي بن كعب «أن الماء من الماء كان رخصة أرخص فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نهى عنها». متفق عليه. ورواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وروي عن أبي موسى الأشعري قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلا من الماء الدافق أو من الماء، وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل، فقال أبو موسى فأنا أشفيكم من ذلك، فقمت فاستأذنت على عائشة، فقلت: يا أماه، أو يا أم المؤمنين، إني أريد أن أسألك عن شيء، وأنا أستحييك، فقالت: لا تستحيي أن تسألني عن شيء كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أمك. قلت: فما يوجب الغسل، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل» متفق عليه. وفي حديث عن عمر - رضي الله عنه -، أنه قال: من خالف في ذلك جعلته نكالا. وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قعد بين شعبها الأربع، وجهدها فقد وجب عليه الغسل» متفق عليه. زاد مسلم وإن لم ينزل ". قال الأزهري أراد بين شعبتي رجليها وشعبتي شفريها. وحديثهم منسوخ بدليل حديث سهل بن سعد). ثم قال (1/ 150): (ويجب الغسل على كل واطئ وموطوء، إذا كان من أهل الغسل، سواء كان الفرج قبلا أو دبرا (¬1)، من كل آدمي أو بهيمة، حيا أو ميتا، طائعا أو مكرها، نائما أو يقظان. وقال أبو حنيفة: لا يجب الغسل بوطء الميتة والبهيمة؛ لأنه ليس بمقصود؛ ولأنه ليس بمنصوص عليه، ولا في معنى المنصوص. ولنا أنه إيلاج في فرج، فوجب به الغسل، كوطء الآدمية في حياتها، ووطء الآدمية الميتة داخل في عموم الأحاديث المروية، وما ذكروه ينتقض بوطء العجوز والشوهاء). فائدة: قوله (بلا حائل في فرج) لو أولج الحشفة بحائل كبعض الأدوات المستخدمة في ¬

_ (¬1) أي لا يشترط أن يكون الإيلاج في قبل بل حتى الدبر لأنه يسمى فرجاً فيلزمه الغسل مع حرمة الفعل.

المسألة السادسة - لا يجب الغسل إلا على ابن عشر وبنت تسع.

هذا العصر فهل يجب الغسل؟ الجماع بحائل لا يخلوا من حالتين: الأولى: أن يحصل الإنزال فيجب عليه الغسل ولا يعلم في هذا خلاف. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) رواه مسلم. الثانية: إذا لم يحصل إنزال للمني فقد اختلف العلماء في هذا على ثلاثة أقوال: القول الأول: وجوب الغسل على الرجل والمرأة مطلقاً ,سواء كان الحائل غليظاً أو رقيقاً. وهو مذهب الشافعي. قال النووي في "المجموع" (2/ 150): " ولو لف على ذكره خرقة وأولجه بحيث غابت الحشفة ولم ينزل فالصحيح: وجوب الغسل عليهما؛ لأن الأحكام متعلقة بالإيلاج وقد حصل .. القول الثاني: أنه لا يجب الغسل مطلقاً، وهو مذهب الحنابلة كما ذكره المؤلف؛ لأنه لا تحصل الملاقاة مع وجود الحائل. القول الثالث: إذا كان الحائل رقيقاً بحيث يجد الحرارة واللذة وجب الغسل وإلا فلا، وهو مذهب المالكية وبعض الحنفية. قال ابن عثيمين عن القول الثالث وهذا أقرب، والأَوْلَى' والأحوط: أن يغتسل) (¬1). المسألة السادسة - لا يجب الغسل إلا على ابن عشر وبنت تسع. علة هذا التحديد: والمنصوص عن الإمام أحمد أنه هذا التحديد لكونه يجامع مثله. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 233): (شمل قوله (تغيبت الحشفة في الفرج) البالغ وغيره أما البالغ: فلا نزاع فيه. وأما غيره: فالمذهب المنصوص عن أحمد: أنه كالبالغ من حيث الجملة. قاله في الفروع وغيره ... فعلى المذهب: يشترط كونه يجامع مثله، نص عليه، وجزم به في التلخيص وغيره. وقال ابن عقيل وغيره، وقدمه ابن عبيدان، وابن تميم، ومجمع البحرين، وغيرهم. قال الزركشي: وهو ¬

_ (¬1) انظر: زاد الراغب في شرح دليل الطالب.

ظاهر إطلاق الأكثرين. وقال في المستوعب، والحاوي الكبير، وقدمه في الرعايتين وغيرهم: يشترط كون الذكر ابن عشر سنين، والأنثى تسع. قال في الفروع: المراد بهذا ما قبله يعني كون الذكر ابن عشر سنين والأنثى ابنة تسع، وهو الذي يجامع مثله قال: وهو ظاهر كلام أحمد. وليس عنه خلافه). قال موفق الدين في "المغني" (فإن كان الواطئ أو الموطوء صغيرا، فقال أحمد يجب عليهما الغسل. وقال: إذا أتى على الصبية تسع سنين، ومثلها يوطأ، وجب عليها الغسل. وسئل عن الغلام يجامع مثله ولم يبلغ، فجامع المرأة، يكون عليهما جميعا الغسل؟ قال: نعم. قيل له: أنزل أو لم ينزل؟ قال: نعم). الدليل على هذا التحديد: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عند أبي داود: (واضربوهم عليها، وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) يدل على أن هذا السن مظنة الوطء، وإنما جعل الإمام أحمد البنت يجب عليها الغسل من تسع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بني بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين فجعله مظنة الوطء. ويحتمل أن تكون أم المؤمنين قد بلغت في هذا السن فالتحديد بعشر للذكر والأنثى أنسب للعلة المذكروة ولدلالة الحديث السابق عليها، ويقيد ذلك بألا يكون البلوغ قبل ذلك فمتى بلغت الجارية وهي بنت تسع مثلا كلفت بالغسل. معنى الوجوب في حقهما: قال موفق الدين في "المغني" (1/ 152): (ليس معنى وجوب الغسل في الصغير التأثيم بتركه، بل معناه أنه شرط لصحة الصلاة، والطواف، وإباحة قراءة القرآن، واللبث في المسجد، وإنما يأثم البالغ بتأخيره في موضع يتأخر الواجب بتركه، ولذلك لو أخره في غير وقت الصلاة، لم يأثم، والصبي لا صلاة عليه، فلم يأثم بالتأخير، وبقي في حقه شرطا، كما في حق الكبير). ووجه التحديد بالعشر أنهما يضربان على ترك الصلاة في هذا السن كما دل على ذلك حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده السابق والغسل شرط لصحة الصلاة.

المسألة السابعة: يوجب إسلام الكافر الغسل ولو مرتدا.

المسألة السابعة: يوجب إسلام الكافر الغسل ولو مرتدا. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 151): (الكافر إذا أسلم وجب عليه الغسل، سواء كان أصليا، أو مرتدا، اغتسل قبل إسلامه أو لم يغتسل، وجد منه في زمن كفره ما يوجب الغسل أو لم يوجد ... لأن الكافر لا يسلم غالبا من جنابة تلحقه، ونجاسة تصيبه، وهو لا يغتسل، ولا يرتفع حدثه إذا اغتسل، فأقيمت مظنة ذلك مقام حقيقته، كما أقيم النوم مقام الحدث، والتقاء الختانين مقام الإنزال). الأدلة: • ما رواه ابن حبان وغيره بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن ثمامة بن أثال أو أثالة أسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل " واللفظ لأحمد. • ما رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح عن قيس بن عاصم رضي الله عنه: " أنه أسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر ". المسألة الثامنة: يوجب خروج دم الحيض والنفاس الغسل. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 154): (لا خلاف في وجوب الغسل بالحيض والنفاس، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالغسل من الحيض في أحاديث، كثيرة «، فقال لفاطمة بنت أبي حبيش دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي» متفق عليه وأمر به في حديث أم سلمة، وحديث عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، رواهما أبو داود، وغيره، وأمر به في حديث أم حبيبة، وسهلة بنت سهيل، وحمنة بنت جحش، وغيرهن ... والنفاس كالحيض سواء؛ فإن دم النفاس هو دم الحيض، وإنما كان في مدة الحمل ينصرف إلى غذاء الولد، فحين خرج الولد خرج الدم لعدم مصرفه، وسمي نفاسا). • والدليل على أن الحيض كالنفاس ما رواه الشيخان عن القاسم بن محمد، يقول: سمعت عائشة تقول: خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قال: «ما لك أنفست؟». قلت: نعم، قال: «إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت».

المسألة التاسعة: الموت يوجب الغسل.

المسألة التاسعة: الموت يوجب الغسل. • روى الشيخان عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها، قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته، فقال: «اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) الحديث، والأمر للوجب، وقد جعل البعض توكيل الإرادة لهن صارف للأمر عن الوجوب إلى الإستحباب، وفيه نظر فالتوكيل إنما هو لعدد الغسلات لا لأصل التغسيل. • روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بينما رجل واقف بعرفة، إذ وقع عن راحلته، فوقصته - أو قال: فأوقصته - قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا». مسألة - غسل الميت تعبدا. أى لا عن حدث، قال الشيخ ابن جبرين - رحمه الله - في "شفاء العليل" (ص/314): (أجمع المسلمون على ان الميت يُغسل ولو كان نظيف البدن، فلو اغتسل إنسان وتنظف ثم مات بعد دقائق من غسله لوجب على المسلمين أن يغسلوه لموته ولا يكفيه غسله الأول عن غسله بعد الموت؛ لأن غسل الميت ليس المقصود منه تنظيفه فقط، بل هو من الأور التعبدية). وقال إبراهيم بن مفلح في "المبدع" (1/ 157): (وهو تعبد لا عن حدث؛ لأنه لو كان عنه، لم يرتفع مع بقاء سببه، كالحائض لا تغتسل مع جريان الدم، ولا عن نجس، لأنه لو كان عنه لم يطهر مع بقاء سبب التنجيس، وهو الموت). ـ[فصل مسألة - وشروط الغسل سبعة: انقطاع ما يوجبه، والنية، والإسلام، والعقل، والتمييز، والماء الطهور المباح، وإزالة ما يمنع وصوله .. ]ـ ذكر الماتن هنا شروط الغسل، ومنها أربعة شروط عامة في كل عبادة، وهي: النية، والإسلام، والعقل، والتمييز، والباقي خاص بالوضوء والغسل.

مسألة - التسمية واجبة في الغسل وتسقط سهوا.

وهذه الشروط التي ذكرها هنا هي بعينها الشروط التي ذكرها للوضوء، وترك ذكر الإستجمار هنا وقد ذكره بعض الأصحاب. قال الزركشي في "شرح الخرقي" (1/ 316): (ويتلخص لي أنه يشترط لصحة الغسل تقديم الاستنجاء على الغسل إن قلنا: يشترط تقديمه في الوضوء. وإن لم نقل ذلك، أو كانت النجاسة على غير السبيلين، أو عليهما غير خارجة منهما، لم يشترط التقديم، ثم هل يرتفع الحدث مع بقاء النجاسة، أو لا يرتفع إلا مع الحكم بزوال النجاسة؟ فيه قولان، ثم محل الخلاف إذا لم تكن النجاسة كثيفة، تمنع وصول الماء، أما إن منعته فلا إشكال في توقف صحة الغسل على زوالها، وهذا واضح والله أعلم). وقياسه إزالة النجاسة من أحد السبيلين هنا على زوالها في الاستنجاء فيه نظر، إذ أن مس الفرج بلا حائل في المذهب ينقض الوضوء بخلافه في الغسل فليس بناقض للغسل. والمسألة مفترضة في كون النجاسة لا تمنع تعميم الماء الجسد، فأما إن كانت كثيفة فيشترط إزالتها من السبيلين أو أحدهما، أو غيرهما ليصح التعميم، وأما إن كانت لا تمنع التعميم فالقول الراجح عدم اشتراط إزالتها وغاية الأمر أنه إن مس الفرج لإزالتها فإنه يجدد وضوءه على المذهب إن كان بلا حائل، وعلى الراجح نضيف إن كان المس بشهوة، ولا يعيد الاغتسال. • والمقصود بانقطاع ما يوجبه أنه لا يصح الاغتسال مع استمرار خروج المني أو دم الحيض والنفاس ونحو ذلك مما يوجبه، وكان عليه أن يخصص ذلك بالموت؛ لأنه يوجب الغسل ولا ينقطع، ويُغسل الميت مع استمراره. وباقي الشروط سبق شرحها في الوضوء فلا داعي لإعادتها هنا مرة أخرى. ـ[وواجبه: التسمية وتسقط سهوا .. ]ـ مسألة - التسمية واجبة في الغسل وتسقط سهوا. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 128): (قال صاحب الهداية، والفصول، وَالْمُذْهَبِ، والنهاية، والخلاصة، ومجمع البحرين، والمجد في شرحه: التسمية واجبة في أصح الروايتين، في طهارة الحدث كلها: الوضوء، والغسل، والتيمم) وقد سبق

فرضه

في الوضوء ترجيح أنها مستحبة وأنه لا يأثم تاركها عمدا ولا سهوا والترجيح بذلك هنا أولى لعدم وردود دليل بإيجاب التسمية في الغسل كما ورد في الوضوء وقد سبق توجيهه. ـ[وفرضه: أن يعم بالماء جميع بدنه وداخل فمه وأنفه حتى ما يظهر من فرج المرأة عند القعود لحاجتها وحتى باطن شعرها، ويجب نقضه في الحيض والنفاس لا الجنابة. ويكفي الظن في الإسباغ .. ]ـ مسألة- من فرائض الغسل أن يعم بالماء جميع بدنه وحتى باطن شعر المرأة. أما تعميم الجسد فهو فرض ولا يجزئ الغسل إلا به حتى أنه يغسل ما تحت الشعر الكثيف وهو الذي لا ترى البشرة من ورائه لما رواه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه. ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه. ثم يتوضأ وضوءه للصلاة. ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر. حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات. ثم أفاض على سائر جسده. ثم غسل رجليه». وقد تعلل البعض بأن هذا حادثة فعل ولم يوجبوا إنقاء البشرة، وأنه يكتفى بمجرد الإفراغ على الجسد فقط كما جاء في الحديث الطويل المتفق عليه عن عمران رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال: «اذهب فأفرغه عليك» وفي قولهم نظر، فإنما فعل النبي هنا بياني بين فيه كيف يكون الإفراغ على الجسد والتطهير الذي أمره به تعالى في قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، والمُبيِّن له حكم المُبيَّن. • ولما رواه الشيخان واللفظ لمسلم عن عائشة، أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض؟ فقال: «تأخذ إحداكن ماءها وَسِدْرَتَهَا، فَتَطَهَّرُ فتحسن الطُّهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها» فقالت أسماء: وكيف تطهر بها؟ فقال: «سبحان الله، تطهرين بها» فقالت عائشة: كأنها تخفي ذلك تتبعين أثر الدم، وسألته عن غسل الجنابة؟ فقال: «تأخذ ماء فَتَطَهَّرُ فتحسن الطُّهور أو تُبلغ

مسألة - من فرائض الغسل غسل داخل الفم والأنف.

الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تفيض عليها الماء». • وروى أحمد وغيره من طريق حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها ماء، فعل الله تعالى به كذا وكذا من النار " قال علي: فمن ثم عاديت شعري). وقد أختلف العلماء في تصحيح هذا الحديث وذلك لإختلافهم في سماع حماد من عطاء كان قبل الإختلاط أم بعده، وقد رجح جماعة من العلماء وقفه. مسألة - من فرائض الغسل غسل داخل الفم والأنف. الصحيح في المذهب أن الأنف والفم من الوجه المأمور بغسله ولذلك يجب عندهم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل، وقد سبق وأن بينا أنه ظاهرهما من الوجه بخلاف باطنهما فليس من الوجه ولا تكون المواجهة بباطنهما، ورجحنا وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء للأمر بهما في أحاديث منفصلة، وليس ثمَّ دليل على ذلك في الغسل فالأقوى أنه لا يجب غسل داخل الفم ولا الأنف في الاغتسال المجزئ الذي ليس فيه وضوء وإن قلنا بالاستحباب فلا يبعد خروجا من خلاف من قال بفرضيتهما، ولما ذكر في بعض الروايات المطلقة أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمضمض ويستنشق في الغسل كحديث ميمونة رضي الله عنها المتفق عليه، قالت: «وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء للغسل، فغسل يديه مرتين أو ثلاثا، ثم أفرغ على شماله، فغسل مذاكيره، ثم مسح يده بالأرض، ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ثم أفاض على جسده، ثم تحول من مكانه فغسل قدميه»، وهو محمول على أن ذلك كان في الوضوء وقد جاء مصرحا بذلك في بعض طرق حديث ميمونة في الصحيحين قالت: «سترت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل من الجنابة، فغسل يديه، ثم صب بيمينه على شماله، فغسل فرجه وما أصابه، ثم مسح بيده على الحائط أو الأرض، ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه، ثم أفاض على جسده الماء، ثم تنحى، فغسل قدميه».

مسألة - من فرائض الغسل غسل المرأة ما يظهر من فرجها عند القعود لحاجتها.

مسألة - من فرائض الغسل غسل المرأة ما يظهر من فرجها عند القعود لحاجتها. تمهيد - لا يجب غسل باطن الفرج: قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 255): (لا يجب غسل ما أمكن غسله من باطن فرج المرأة من جنابة، ولا نجاسة، على الصحيح من المذهب ... ). وقد علل ابن ضويان في "المنار" (1/ 40) مسألتنا بقوله: (لأنه في حكم الظاهر ولا مشقة في غسله) وطالما أنه لا يظهر إلا عند القعود فالأقوى أنه من الباطن وليس من الظاهر فلا يجب غسله، وهذا بخلاف غسل الفرج وإزالة ما به من أذي وأثر للدم كما وردت بذلك بعض ألفاظ الأحاديث. مسألة - يجب نقض الشعر في الحيض والنفاس. واستدلوا بما رواه الشيخان عن عائشة، قالت: خرجنا موافين لهلال ذي الحجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يهل بعمرة فليهلل، فإني لولا أني أهديت لأهللت بعمرة» فأهل بعضهم بعمرة، وأهل بعضهم بحج، وكنت أنا ممن أهل بعمرة، فأدركني يوم عرفة وأنا حائض، فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «دعي عمرتك، وانقضي رأسك، وامتشطي وأهلي بحج». وجه الاستدلال: أمره صلى الله عليه وسلم لها بنقض شعرها. مناقشة: وتعقب الاستدلال بهذا الحديث بأن اغتسالها لم يكن للطهر من الحيض فإنها كانت لا تزال في حيضها كما أنه ليس فيه ذكر الاغتسال. وأجيب بأن ذكر الاغتسال ورد في بعض طرق الحديث الصحيحة عند أحمد وابن ماجه والطبراني، وكونه في غسل الإحرام وهو مستحب، يدل بالأولى أنها تنقض شعرها للغسل الواجب من طهارة الحيض. الترجيح: والراجح أن الأمر في حديث الباب للاستحباب، وقد أمر النبي صلى الله عليه

مسألة - لا يجب نقض الشعر في الجنابة.

وسلم أسماء بنت عميس أن تفرغ على نفسها من الماء وتستذفر بثوب عندما ولدت محمد بن أبي بكر بذي الحليفة (¬1) وليس في أي من طرقه أمرها بنقض شعرها. ومما يؤكد الاستحباب أيضا أنه أمرها بتمشيط شعرها وليس بواجب. ولأنه موضع من البدن، فاستوى فيه الحيض والجنابة، كسائر البدن (¬2) وسوف يأتي في المسألة التالية أنها لا تنقض شعرها في الجنابة. أضف إلى أن الحديث السابق إنما هو في غسل الإحرام وليس في غسل الحيض ولا الجنابة. وعليه فالراجح أن المرأة لا يجب أن تنقض شعرها في غسل الحيض أو النفاس. مسألة - لا يجب نقض الشعر في الجنابة. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 166): (ولا يختلف المذهب في أنه لا يجب نقضه من الجنابة، ولا أعلم فيه خلافا بين العلماء، إلا ما روي عن عبد الله بن عمر، وروى أحمد في " المسند "، حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن أبي الزبير، عن عبيد بن عمير، قال. «بلغ عائشة أن عبد الله بن عمر يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن، فقالت: يا عجبا لابن عمر، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رءوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رءوسهن، لقد كنت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نغتسل فلا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات». واتفق الأئمة الأربعة على أن نقضه غير واجب؛ وذلك لحديث «أم سلمة، أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه للجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين». رواه مسلم، إلا أن يكون في رأسها حشو أو سدر يمنع وصول الماء إلى ما تحته، فيجب إزالته، وإن كان خفيفا لا يمنع، لم يجب، والرجل والمرأة في هذا سواء، وإنما اختصت المرأة بالذكر؛ لأن العادة اختصاصها بكثرة الشعر وتوفيره وتطويله). ¬

_ (¬1) والحديث أصله في صحيح مسلم. (¬2) انظر المغني (1/ 166)، وموسوعة الدبيان في لطهارة (6/ 443).

فائدة:

فائدة: جاء في بعض الروايات في حديث أم سلمة رضي الله عنها السابق عند مسلم وغيره زيادة ذكر الحيض مع الجنابة، وهي زيادة شاذة. وهذه الزيادة في الحديث عمدة في ترجيح عدم وجوب نقض الشعر في غسل الحيض ولكنها لا تصح وقد سبق بيان الراجح آنفا. مسألة - يكفي الظن في الإسباغ. روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا اغتسل من الجنابة، غسل يديه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم اغتسل، ثم يخلل بيده شعره، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده». ويكفي غلبة الظن هنا؛ لأن الوصول إلى اليقين قد يتعذر ويجر إلى الوسوسة والإسراف في الماء. سنن الاغتسال: ـ[وسننه: الوضوء قبله وإزالة ما لوثه من أذى وإفراغه الماء على رأسه ثلاثا وعلى بقية جسده ثلاثا والتيامن والموالاة وإمرار اليد على الجسد وإعادة غسل رجليه بمكان أخر .. ]ـ مسألة - من سنن الاغتسال الوضوء قبله وإزالة ما لوثه من أذى وإفراغه الماء على رأسه ثلاثا وعلى بقية جسده ثلاثا وإعادة غسل رجليه بمكان أخر. • وقوله: (ما لوثه) أي من أذى سواء أكان على يديه، أو على فرجه، أو على سائر بدنه من أثر الجنابة، وتغسل المرأة أيضا أثر الحيض والنفاس من جسدها وفرجها ويديها. ويستحب للمرأة بعد أن تغتسل كما جاء في بعض الراويات أن تأخذ فِرصة أي قطعة من القطن أو الصوف، ونحو ذلك وتجعل فيها مسك أو غيره من الطيب لتدفع به الرائحة الكريهة. قال البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 152): ((ثم يغسل ما لوثه من أذى) لحديث عائشة «فيفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه». وظاهره: لا فرق بين أن يكون

كيفية تثليث غسل الرأس:

على فرجه أو بقية بدنه، وسواء كان نجسا كما صرح به في المحرر أو مستقذرا طاهرا، كالمني كما ذكره بعضهم (ثم يضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثا) لحديث عائشة المتفق عليه). كيفية تثليث غسل الرأس: قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 252): (يحتمل قوله (ويحثي على رأسه ثلاثا يروي بها أصول الشعر): أنه يروي بمجموع الغرفات، وهو ظاهر كلامه هنا. وظاهر كلام الخرقي، وابن تميم، وابن حمدان، وغيرهم. ويحتمل أن يروي بكل مرة، وهو الصحيح من المذهب، قال في المستوعب: بكل مرة ... واستحب المصنف وغيره تخليل أصول شعر رأسه ولحيته قبل إفاضة الماء). وما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم «إذا اغتسل من الجنابة، دعا بشيء نحو الحِلاَب (¬1)، فأخذ بكفه، فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر، فقال بهما على وسط رأسه» يدل على إرواء جميع الرأس إنما يكون بالثلاث لا بكل واحدة. وكون التخليل شعر الرأس يسبق إفاضة الماء عليها دلَّ عليه حديث عائشة المتفق عليه ولفظه قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا اغتسل من الجنابة، غسل يديه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم اغتسل، ثم يخلل بيده شعره، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده». لا يستحب تثليث غسل البدن: وهذه السنن التي ذكرها الماتن قد وردت في حديث عائشة وميمونة السابقين بخلاف ثلثيث غسل البدن فلم يرد في أي من طرق الأحاديث ذكر تثليث غسل البدن، وإنما ورد أنه أفاض عليه الماء بدون ذكر التثليث، قال ابن حجر في "الفتح" (1/ 369): (قوله: "ثم أفاض على جسده" لأنه لم يقيد بعدد فيحمل على أقل ما يسمى وهو المرة الواحدة لأن الأصل عدم الزيادة عليها). ¬

_ (¬1) المقصود: وعاء يلمؤه قدر حلب الناقة.

• فائدة - لا يكرر غسل القدمين.

وعليه فالأقوى عدم استحباب تثليث غسل البدن ويكفي مرة واحدة وهو قول في المذهب واختاره تقي الدين، وهو قول المالكية. قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي" (20/ 369): (وكذلك الاغتسال من الجنابة؛ فمذهب مالك وأحد القولين من مذهب أحمد بل هو المأثور عنه: اتباع السنة فيه؛ فإن من نقل غسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كعائشة وميمونة لم ينقل أنه غسل بدنه كله ثلاثا بل ذكر أنه بعد الوضوء وتخليل أصول الشعر حثا حثية على شق رأسه وأنه أفاض الماء بعد ذلك على سائر بدنه. والذين استحبوا الثلاث إنما ذكروه قياسا على الوضوء والسنة قد فرقت بينهما). وسوف يأتي عند الكلام على الموالاة إحتمالا بتكرار الماء لغسل القدمين وهي بعض البدن، وهذه حالة خاصة وسوف يأتي بيانها قريبا بإذن الله. • فائدة - لا يكرر غسل القدمين. ظاهر حديث عائشة السابق: (ثم توضأ وضوءه للصلاة) ظاهره أنه توضا وضوءا كاملا، وفي حديث ميمونة أنه أخر رجليه، فيجمع بينهما أن إطلاق الوضوء في حديث عائشة يراد به أكثره، وقد جاء مصرحا بذلك في بعض طرق حديث ميمونة رضي الله عنها فروى البخاري عنها أنها قالت: «توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة، غير رجليه، وغسل فرجه وما أصابه من الأذى، ثم أفاض عليه الماء، ثم نحى رجليه، فغسلهما، هذه غسله من الجنابة»، وعليه فالراجح أنه لا يكرر غسل رجليه بل يؤخرهما إلى آخر الوضوء فلا يسلم الأمر من رشاش، أو استقذار وخاصة إن كان يغتسل داخل طَسْت ونحوه. مسألة - من سنن الاغتسال التيامن. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 253): (قوله (ويبدأ بشقه الأيمن) بلا نزاع). قال النووي في "المجموع" (2/ 184): (الابتداء بالأيامن فيغسل شقه الأيمن ثم الأيسر وهذا متفق على استحبابه). والتيامن يكون في بعض أعضاء الوضوء كاليدين والرجلين، ويكون في أفعال الغسل في غسل الرأس كما سبق بأن يبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر ثم يفرغ الماء على وسط رأسه.

فائدة:

والمقصود هنا التيامن في غسل سائر بدنه، وقد سبق وأن رجحنا أنه لا يستحب تثليث غسل البدن، وعليه فيمكن الجمع بين التيامن والغسل بمرة واحدة أن يبدأ الإفراغ على جسده من ناحية اليمين حتى ينتهي بالشمال. فائدة: الظاهر أنه لا يكتفى في تغسيل الميت بإفراغ الماء مرة واحدة على جسده، وذلك لتعذر تعميم جسد الميت بالماء بغسلة واحدة لكون ظهره يكون ملاصقا للمغسلة فلابد من تكرار تقليبه لكل ناحية حتى يعم الماء جسده، وهذا يستلزم تكرار مرات إفراغ الماء على جسد الميت في كل مرة من الثلاث أو الخمس، أو ما زاد على ذلك، وفي هذه الحالة يتوجه قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن أم عطية رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لهن في غسل ابنته: «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها». مسألة - من سنن الاغتسال الموالاة. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 257): (ظاهر كلام المصنف: أنه لا يشترط الموالاة في الغسل، وهو صحيح، وهو المذهب. وعليه أكثر الأصحاب كالترتيب ... ثم قال: فائدة: إذا فاتت الموالاة في الغسل أو الوضوء وقلنا بعدم الوجوب فلابد للإتمام من نية مستأنفة). الراجح وجوب الموالاة، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل عنه في حديث صحيح أنه فرق غسله وهذا بيان مجمل القرآن. إلا احتمالا في القدمين وسيأتي توجيهه قريبا بإذن الله. ومما يدل أيضا على وجوب الموالاة أن الغسل المجزئ هو تعميم البدن بنية رفع الحدث، والبدن جميعه يقوم مقام العضو الواحد فكيف يصح تفريق غسله وإنما قال الجمهور بجواز التفريق لورود بعض الأحاديث الضعيفة ومنها: ما رواه أحمد وابن ماجه وعبد بن حميد غيرهم عن ابن عباس، قال: " اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنابة فرأى لمعة على منكبه لم يصبها الماء، قال: فعصر شعره عليها ومسحها به ". وهذا إسناد ضعيف جدا فيه أبو على الرحبي قال عنه ابن حجر: "متروك"، وله شواهد ضعيفة لا تصلح للتقوي. كما

تأخير القدمين:

أن متنه فيه نكارة فظاهره أنه اكتفى بمسح هذه اللمعة من البدن، وهذا مخالف للإجماع الذي نقله النووي من عدم إجزاء المسح في الغسل، قال النووي في "المجموع" (1/ 436): (وقد أجمع العلماء على أن الجنب لو مسح بدنه بالماء وكرر ذلك لا ترتفع جنابته بل يشترط جري الماء على الأعضاء). تأخير القدمين: سبق وأن عرضنا الخلاف في تكرار غسل القدمين، والصحيح في المذهب أنه يكرر غسلهما فيكون غسلهما الأول متعلق بالوضوء والثاني متعلق بالإغتسال وفيه إلماح لجواز تفريق غسل البدن بتأخير القدمين. والجواب عن ذلك من وجوه: الأول - أن هذا حالة خاصة وإنما تنقطع الموالاة بتأخر غسل القدمين بعد جفاف باقي البدن وظاهر الأحاديث خلاف ذلك. الثاني - أن المغتسل لا يخلو أن يكون في واحد من الحالات التالية أنه واقف في طست ونحوه من الأوعية مما يجتمع فيه الماء المنفصل عن الجسد، أو يكون إغتساله خارجه وهو إما أن يكون في نهر ونحوه أو خارجه وخارج الطست. فصار عندنا احتمالات كثيرة لما يحيط بالقدم أو ما تقف عليه أثناء الاغتسال. • ولا يستقيم الاستدلال على جواز التفريق في بعض الحالات كنحو أن يكون المغتسل واقفا في نهر ونحوه أو خارج النهر أو الطست في مكان صلب طاهر والقدمان مكشوفتان أو عليهما نعل واسع يسمح بدخول الماء لهما ففي هذه الحالة فالقدمان يغسلان ضمنا مع البدن ويعممان بالماء معه لعدم وجود ما يمنع من ذلك. • وأما إن كان واقفا في مكان به طين، أو كان واقفا في مكان نجس أو كان على القدمين نعل ضيق يمنع وصول الماء لهما فهنا يتجه القول باحتمال التفريق وتكرار الماء لغسل القدمين، والراجح في مثل هذه الحالة أنه يبادر بغسل قدميه بعدما ينتقل من مكانه وقبل جفاف باقي بدنه، وينوي عند غسلهما رفع الحدث الأكبر مع نية تتميم الوضوء. • وأما إن كان واقفا داخل طست ونحوه فإن الماء الواقف فيه يمنع من وصول الماء الطهور لهما.

تتمة:

• وهذه الحالة لا تخلو من احتمالين: الأول - أن يكون هذا الماء الواقف فيه طاهر بناء على القسمة الثلاثية، أو يكون تنجس بدم ونحوه من مستحاضة مثلا. فإن كان طاهرا فقد سبق مرارا بيان أن القسمة ثنائية وأن هذا الماء المستعمل يرتفع به الحدث فعادت هذه الحالة كمن عممها مع جسده. وأما إن كان الماء أصابه دم وتغير به فهنا نقول أنه لابد من المبادرة بغسلها قبل جفاف البدن، لتتحقق الموالاة كالحالة السابقة. تتمة: ما سبق هو بناء على اعتبار أفعال الغسل المجزئ من النية والتعميم، أما إن اعتبرنا أفعال الغسل المستحب من الوضوء قبله وإزالة ما لوثه من أذى وتخليله أصول الشعر وإفراغه الماء على رأسه ثلاثا فهنا تتجه هذه المسألة من القول بسنية الموالاة بين هذه المستحبات بعضها مع بعض وبين أفعال الوضوء المجزئ من تعميم الماء للجسد بنية رفع الحدث عنه، ولابد للإتمام من نية مستأنفة برفع الحدث. • فإن قيل لماذا لم تعتير أن فعل النبي هنا بياني وتقول بالوجوب. فالجواب أن الفعل البياني له حكم المُبَيَّن فلما كانت هذه الأفعال مستحبة قلنا باستحباب الموالاة فيها، وإنما يجب من الأفعال ما كان بيانا لواجب. مسألة - من سنن الاغتسال إمرار اليد على الجسد. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 253): ((ويدلك بدنه بيديه) بلا نزاع أيضا. قال الأصحاب: يتعاهد معاطف بدنه وسرته وتحت إبطيه، وما ينوء عنه الماء. وقال الزركشي. كلام أحمد قد يحتمل وجوب الدلك). والراجح أن الدلك وسيلة لإرواء البشرة وإيصال الماء لها فإن حصل غلبة ظن يتعميم الجسد بالماء بدون دلك فلا يجب، وإلا فيجب. ولم بذكر الدلك للبدن في أحاديث وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قال المالكية أن مجرد الإفاضة بدون دلك لا تسمى غسلا.

مسألة - من نوى غسلا مسنونا أجزأ عن الواجب.

قال ابن حزم في "المحلى" (1/ 94): (من ادعى أن اسم الغسل لا يقع إلا على التدلك باليد فقد ادعى ما لا برهان له به). قال الشيخ الدبيان في "موسوعة الطهارة" (11/ 560): (ولو كان الغسل لا يقع إلا على الدلك، لكانت المواضع التي لا يستطيع الوصول إليها بيده كبعض المواضع من ظهره لا يمكن أن يغسلها، فأما ان يقول: يسقط الدلك للعجز كما اختاره من المالكية ابن القصار، وبالتالي لم يقم بغسل جميع بدنه؛ لأن الغسل عندهم لا يطلق إلا على جريان الماء مع الدلك أو يقال: يجب أن يتخذ خرقة ليستعين بها على دلك ما يعجز عن دلكه، كما اختاره سحنون من المالكية، وقال بعضهم: يجب استنابة من يدلكه من زوجة أو أمة، أو يتدلك بحائط إن كان ملكا له، أو أذن له مالكه، ولم يكن الدلك بؤذبه، وهذا أيضا لم يقم عليه دليل من السنة ومن التعمق الذي لم نؤمر به، وكل هذا يدل على ضعف القول بوجوب التدليك، والله أعلم). ـ[ومن نوى غسلا مسنونا أو واجبا أجزأ عن الآخر، وإن نوى رفع الحدثين أو الحدث وأطلق أو أمرا لا يباح إلا بوضوء وغسل أجزأ عنهما .. ]ـ مسألة - من نوى غسلا مسنونا أجزأ عن الواجب. الغسل المسنون مثل غسل الجمعة، والغسل من تغسيل الميت، وغسل يوم العيد، والغسل للإحرام ونحو ذلك كما سيأتي قريبا بإذن الله تعالى. وعندنا هنا حالتين: الأولى - أن يكون ذاكرا لحدثه، ونوى الغسل المستحب. الثانية - أن يكون ناسيا لحدثه كمن اغتسل للعيد وهو غير متذكر لجنابته. فهل يرتفع حدثه؟ الصحيح من المذهب أنه يرتفع حدثه، والراجح أنه لا يرتفع حدثه في الحالتين، وخاصة الأولى لأنه متذكر لحدثه ولم ينو رفعه، فالغسل المستحب ليس فيه حدث لينو رفعه، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) وسوف يأتي دليل لهذه المسألة في المسألة التالية بإذن الله تعالى. قال الشيخ الحمد في "شرح الزاد": (فالأصح أنه لا يجزئ عنه ـ كما لو تصدق بصدقة بنية أنها صدقة فإنها لا تجزئ عن الزكاة.

مسألة - من نوى غسلا واجبا أجزأ عن المسنون.

فإن النية: تمييز العبادة عن العبادة، فالنية تمييز غسل العبادة عن غسل التبريد، وكذلك تميز الطهارة المستحبة عن الطهارة الواجبة. فهذا قد نوى طهارة شرعية لكنها ليست متضمنه لرفع الحدث (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)). مسألة - من نوى غسلا واجبا أجزأ عن المسنون. الفرض هنا أنه لم ينوه، ووجه قولهم أن الواجب أعلى من المسنون فيسقط به، والراجح أنه لا تصح العبادة إلا بالنية وغسل الجمعة عبادة ولم ينوه فلا يجزئ عنه. • ومن الأدلة على ذلك ما رواه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة قال: دخل علي أبو قتادة، وأنا أغتسل يوم الجمعة، فقال: أغسلك هذا من جنابة؟ قلت: نعم، قال: أعد غسلا آخر، فإني سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: «من اغتسل يوم الجمعة، لم يزل طاهرا إلى الجمعة الأخرى» حسنه الشيح الألباني، وإسناده ضعيف فيه عنعنة يحيى بن أبي كثير، وهو مدلس، وله شاهد رواه الطحاوي في "معاني الآثار" عن يزيد بن أبي حبيب، أن مصعب بن ثابت، حدثه، أن ثابت بن أبي قتادة حدثه , أن أبا قتادة قال له: " اغتسل للجمعة , فقال: له قد اغتسلت للجنابة " وفيه مصعب ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وروى عنه اثنان فهو مجهول الحال، والأثر يتقوى بهذين الطريقين وخاصة أن بعض العلماء احتمل تدليس يحيى بن أبي كثير. • وهذا الأثر دليل هنا بمنطوقه، وفي المسألة السابقة بقياس الأولى. مسألة - إن نوى رفع الحدثين أو الحدث وأطلق أو أمرا لا يباح إلا بوضوء وغسل أجزأ عنهما. وقوله: (أمرا لا يباح إلا بوضوء وغسل) كمس مصحف وطواف.

يسن الوضوء بمد

وقد سبق في باب نواقض الوضوء نقاش مسألة: هل يرتفع الحدث الأصغر مع الأكبر؟ وبينا أن الراجح أن من نوى رفع الحدث الأكبر فإنه يرتفع معه الحدث الأصغر سواء نواه أم لم ينوه، فراجعه هناك. ـ[ويسن الوضوء بمد، وهو: رطل وثلث بالعراقي، وأوقيتان وأربعة أسباع بالقدسي. والاغتسال بصاع وهو: خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وعشر أواق وسبعان بالقدسي. ويكره: الإسراف لا الإسباغ بدون ما ذكر. ويباح الغسل في المسجد ما لم يؤذ به، وفي الحمام إن أمن الوقوع في المحرم فإن خيف كره، وإن علم حرم .. ]ـ مسألة - يسن الوضوء بمد والاغتسال بصاع. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 163): (ليس في حصول الإجزاء بالمد في الوضوء والصاع في الغسل خلاف نعلمه، وقد روى سفينة، قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغسله الصاع من الماء من الجنابة؛ ويوضئه المد» رواه مسلم. وروي أن قوما سألوا جابرا عن الغسل، فقال: يكفيك صاع. فقال رجل: ما يكفيني. فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى شعرا منك، وخير منك. يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - متفق عليه. وفيه أخبار كثيرة صحاح). مسألة - المد هو: رطل وثلث بالعراقي، وأوقيتان وأربعة أسباع بالقدسي. المد هو ملء اليدين المتوسطتين من غير قبض ولا بسط. قال صاحب رسالة "المكاييل والموازين الشرعية" (ص/36): (المد عند الجمهور يساوي رطل وثلث بالعراقي. فالمد عندهم: (382.5 × 1.333 = 510) جرامًا). مسألة - الصاع هو: خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وعشر أواق وسبعان بالقدسي. وقال: (الصاغ لغة: مكيال لأهل المدينة يسع أرعة أمداد. مقدار الصاع: عند الجمهور: (510 × 4 = 2.04) كيلو جرام).

مسألة - يكره: الإسراف في الماء.

تنبيه: حرر الشيخ عطية محمد سالم في تتمة أضواء البيان وزع الصاع النبوي مكتل يسع ثلاثة كيلوجرامات ومائة جرام من الماء. وعلي ذلك يكون المد يساوي 0.775 جراما من الماء. مسألة - يكره: الإسراف في الماء. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 165): (وإن زاد على المد في الوضوء، والصاع في الغسل، جاز؛ فإن عائشة قالت: «كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد، من قدح يقال له الفرق» رواه البخاري. والفرق ثلاثة آصع، وعن أنس، قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد» رواه البخاري أيضا. ويكره الإسراف في الماء، والزيادة الكثيرة فيه؛ لما روينا من الآثار. وروى عبد الله بن عمرو، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بسعد، وهو يتوضأ، فقال: «ما هذا السرف؟. فقال أفي الوضوء إسراف؟ فقال: نعم، وإن كنت على نهر جار» (¬1) رواه ابن ماجه. وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن للوضوء شيطانا، يقال له ولهان، فاتقوا وسواس الماء» (¬2). وكان يقال: من قلة فقه الرجل ولوعه بالماء). قال الشوكاني في "النيل" (1/ 314): (القدر المجزئ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر، سواء كان صاعا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلا، أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف). والقول بتحريم الإسراف هو الأولى لقوله تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]، ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أحمد وغيره بإسناد حسن لغيره " يكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور " ويتأكد التحريم إذا كان مسبلا لكونه غير مأذون في الزيادة، كما أن الإسراف في ¬

_ (¬1) قال البوصيري في "الزوائد": (إسناده ضعيف. لضعف حيي بن الله وابن لهيعة). (¬2) قال عنه الشيخ الألباني: ضعيف جدا.

مسألة - لا يكره الإسباغ بأقل من الصاع، أو المد.

الماء يفتح الباب للوسوسة والزيادة على ثلاث مرات فيدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: " هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء، وتعدى، وظلم " قاله بمن سأله عن الوضوء فتوضأ ثلاثا ثلاثا. مسألة - لا يكره الإسباغ بأقل من الصاع، أو المد. قال ابن ضويان في "المنار" (1/ 41): (هذا مذهب أكثر أهل العلم. قاله في الشرح لأن عائشة كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك رواه مسلم. وروى أبو داود والنسائي عن أم عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد). مسألة - يباح الغسل في المسجد ما لم يؤذ به. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 105): (ولا بأس بالوضوء في المسجد إذا لم يؤذ أحدا بوضوئه، ولم يبل موضع الصلاة. قال ابن المنذر أباح ذلك كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار، منهم: ابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس وأبو بكر بن محمد وابن عمر وابن حزم وابن جريج وعوام أهل العلم، قال: وبه نقول، إلا أن يبل مكانا يجتاز الناس فيه، فإني أكرهه، إلا أن يفحص الحصى عن البطحاء، كما فعل لعطاء وطاوس فإذا توضأ رد الحصى عليه، فإني لا أكرهه، وقد روي عن أحمد أنه يكرهه؛ صيانة للمسجد عن البصاق والمخاط وما يخرج من فضلات الوضوء). روى أحمد بإسناد صحيح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حفظت لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ في المسجد». وتتأكد الإباحة في زماننا هذا عندما خصصت أماكن للوضوء وقضاء الحاجة بسهل الاغتسال فيها بدون إيذاء أو تلويث للمسجد أو خشية انكشاف العورة للغير. مسألة - يباح الغسل في الحمام إن أمن الوقوع في المحرم فإن خيف كره، وإن علم حرم. والحمام بالتشديد هو أماكن مخصوصة يعالج فيها الجسم بالبخار والحكم يدور مع علته، فإن كان الدخول لهذه الأماكن يؤدي للإطلاع على العورة أو غلب على الظن ذلك فلا يجوز دخولها وخاصة من النساء، روى أحمد وغيره بإسناد صحيح

فصل في الأغسال المستحبة

عن عائشة رضي الله عنها أنها فقالت: أنتن اللاتي تدخلن الحمامات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من امرأة وضعت ثيابها في غير بيتها إلا هتكت سترا بينها وبين الله عز وجل ". فإن خيف أو قصد التنعم كره، وإن أمن وتيقن عدم التلصص أبيح، فالوسائل لها أحكام المقاصد، وقد دخل بعض الصحابة الحمام ورخصوا فيه ومن نقل عنه الكراهة علل بخوف مشاهدة العورة أو قصد التنعم به وروى الدارقطني بإسناد صحيح عن عمر أنه كان يسخن له ماء في قمقم فيغتسل به وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر إنه كان يغتسل بالحميم وصح عن أبي هريرة وأبي الدرداء قولهم: (" نعم البيت الحمام يذهب الوسخ ويذكر النار " , يقول: " بئس البيت الحمام؛ لأنه يكشف عن أهله الحياء " واللفظ لأبي الدرداء رضي الله عنه. ـ[فصل في الأغسال المستحبة وهي ستة عشر: آكدها لصلاة جمعة في يومها لذكر حضرها ثم لغسل ميت ثم لعيد في يومه ولكسوف واستسقاء وجنون وإغماء ولاستحاضة لكل صلاة ولإحرام ولدخول مكة وحرمها ولوقوف بعرفة وطواف زيارة وطواف وداع ومبيت بمزدلفة ورمي جمار ويتيمم للكل لحاجة، ولما يسن له الوضوء إن تعذر .. ]ـ مسألة - يستحب الاغتسال استحبابا مؤكدا لصلاة جمعة في يومها لذكر حضرها. القول باستحباب غسل الجمعة هو قول جمهور العلماء حتى أن ابن عبد البر نقل الإجماع على عدم الوجوب، والقول بالوجوب رواية عن أحمد وهو قول الظاهرية. • وقد دلت بعض الأحاديث على انه واجب ومنها: ما رواه الشيخان عن: أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم»، وعن عبد الله بن

عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء أحدكم الجمعة، فليغتسل». • وقد جاءت بعض الأدلة التي تصرفهذه الأوارم والأحاديث عن ظاهرها إلى الإستحباب ومن ذلك: ما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن الحسن، عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل» والحسن مدلس وقد عنعنه، ولكن للحديث شواهد عن عن جابر بن عبد الله، وأنس، وعبد الرحمن بن سمرة، وابن عباس، ومفرداتها لا تخلو من مقال إلا أن تتقوى بمجموعه طرقها. وجه الاستدلال: قال الخطابي في "معالم السنن" (1/ 111): (فبها قال الأصمعي معناه فبالسنة أخذ، وقوله ونعمت يريد ونعمت الخصلة ونعمت الفعلة أو نحو ذلك، وفيه البيان الواضح أن الوضوء كاف للجمعة وإن الغسل لها فضيلة لا فريضة). • ومنها منا رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا». وجه الاستدلال: قال ابن رجب في "الفتح": (8/ 81): (وهذا يدل على أن الوضوء كافٍ، وأن المقتصر عليه غير أثمٍ ولا عاصٍ، وأما الأمر بالغسل فمحمول على الاستحباب). الترجيح: والمسألة فيها أقوال أخرى، والمسألة خلافية والترجيح فيها صعب إلا أنني أرى حتى على القول بالاستحباب فهو مؤكد تأكيدا شديدا وينبغي ألا يترك خروجا من الخلاف.

مسألة - يستحب الاغتسال لغسل ميت.

قوله: (في يومها) واليوم يبدأ من الفجر فلا يكون مصيبا لسنة الغسل يوم الجمعة من اغتسل لها قبل الفجر، قال المرداوي في "الإنصاف" (2/ 407): (الصحيح من المذهب: أن أول وقت الغسل: بعد الفجر وقطع به أكثر الأصحاب ... الصحيح من المذهب: أن أفضله كما قال المصنف والأفضل فعله عند مضيه إليها). قوله: (لذكر حضرها) قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 247): (محل الاستحباب، أو الوجوب حيث قلنا به أن يكون في يومها لحاضرها إن صلى). ثم قال: (الصحيح من المذهب: أن المرأة لا يستحب لها الاغتسال للجمعة. نص عليه). روى أبو داود وغيره عن طارق بن شهاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض " صحح إسناده ابن رجب في "الفتح"، وصححه الشيخ الألباني في "الإرواء". قال موفق الدين في "المغني" (2/ 258): (ومن لا يأتي الجمعة فلا غسل عليه قال أحمد: ليس على النساء غسل يوم الجمعة، وعلى قياسهن الصبيان والمسافر والمريض. وكان ابن عمر، وعلقمة، لا يغتسلان في السفر، وكان طلحة يغتسل وروي عن مجاهد، وطاوس، ولعلهم أخذوا بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» وغيره من الأخبار العامة. ولنا قوله - عليه السلام -: «من أتى الجمعة فليغتسل» ولأن المقصود التنظيف، وقطع الرائحة حتى لا يتأذى غيره به، وهذا مختص بمن أتى الجمعة، والأخبار العامة يراد بها هذا، ولهذا سماه غسل الجمعة، ومن لا يأتيها لا يكون غسله غسل الجمعة، وإن أتاها أحد ممن لا تجب عليه استحب له الغسل لعموم الخبر، ووجود المعنى فيه). مسألة - يستحب الاغتسال لغسل ميت. وقد دل ما رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غسل ميتا، فليغتسل» على وجوب الغسل، إلا أن هذا الحديث مختلف في وقفه ورفعه وعلى فرض ثبوته فالأمر فيه ليس للإيجاب بدليل

مسألة - يستحب الاغتسال لعيد في يومه.

ما رواه الدارقطني وغيره عن نافع , عن ابن عمر , قال: «كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل» وصحح إسناده الحافظ في التلخيص. وما رواه البيهقي وغيره عن ابن عباس، قال: " ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه إن ميتكم لمؤمن طاهر وليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم " قال الأرناؤوط: (وسنده جيد، وهو عند الحاكم مرفوع وصححه، وعند البيهقي موقوف، ورواية الوقف أصح). إلى غير ذلك من صوارف الأمر من الوجوب للاستحباب وهذه المسألة قد سبق نقاشها عند مسألة (من نواقض الوضوء غسل الميت أو بعضه) فانظرها. مسألة - يستحب الاغتسال لعيد في يومه. قال ابن رجب في "الفتح" (8/ 415): (الغسل للعيدين، وقد نص أحمد على استحبابه. وحكى ابن عبد البر الإجماع عليهِ. وكان ابن عمر يفعله ... وممن روي عنه الغسل للعيد - أيضا - من الصحابة: علي بن أبي طالب، وابن عباس، وسلمة بن الأكوع، والسائب بن يزيد). ولم يثبت فيه شيء من المرفوع، والاستحباب هو القول الراجح لفعل هؤلاء الصحابة. وقوله: (لعيد في يومه) ظاهر كلامه أن الاغتسال لليوم وليس للصلاة وأن وقته يبدأ من بداية اليوم وهو طلوع الفجر الثاني، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 248): (وقت مسنونية الغسل: من طلوع فجر يوم العيد، على الصحيح من المذهب). وقد ناقش الشيخ الدبيان هذه المسألة في موسوعة الطهارة (11/ 233) ورجح أن الغسل يتأكد عند الاجتماع للصلاة ولا يفوت بفوت الغسل لها لأن يوم العيد يوم يشرع فيه التزين والاجتماع مع الأهل. مسألة - يستحب الاغتسال لكسوف واستسقاء. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 248): (ووقت الغسل للاستسقاء: عند إرادة الخروج للصلاة. والكسوف: عند وقوعه).

مسألة - يستحب الاغتسال لجنون وإغماء.

ولم أجد دليلا لمن قال بالاستحباب لا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعل الصحابة رضي الله عنهم، وغابة الأمر أن الغسل عندهم معلل، وهو من أجل الاجتماع وإزالة الرائحة الكريهة، ولم نلتزم هذا التعليل لأن من لازمه أنه إن لم يكن هناك رائحة غير طيبة فلا يشرع الاغتسال، ومن لازمه أيضا القول باستحباب الغسل لكل صلاة، وعلى ذلك فالأقوى عدم استحباب الغسل للكسوف والاستسقاء لعدم الدليل على ذلك كما أن إزالة الروائح الكريهة تكون بالطيب وبتغيير الملابس وغير ذلك، فإن تعين إزالتها بالاغتسال فلا شك أن إزالة الذي مرغب فيه. قال الشيخ الحمد في "شرح الزاد": (وأما كونه يستحب له أن يغتسل فلا دليل عليه من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من فعل أصحابه كما بين ذلك ابن قيم الجوزية. فاستحباب الحنابلة للاغتسال له لا دليل عليه، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم -: "متواضعاً متبذلاً " أي غير متزين في الهيئة " متخشعاً " أي مظهراً للخشوع " مترسلاً " أي على رسله في مشيه عليه السلام، ففيه استحباب ترك الزينة والغسل فيها، ألا أن يكون الأذى لا يزول إلا باغتسال فإنه ولا شك يستحب الاغتسال لإزالة الأذى الذي يؤذي المؤمنين عند اجتماعهم). مسألة - يستحب الاغتسال لجنون وإغماء. قال ابن ضويان في "منار السبيل" (1/ 43): (لأنه صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء متفق عليه. ولا يجب، حكاه ابن المنذر إجماعاً، قاله في الشرح). وقد اختلف العلماء في بيان علة اغتساله صلى الله عليه وسلم في مرض موته، هل من أجل الإغماء أم للتنشط للصلاة، والأقوى أنه من أجل الحمى فهو من باب التداوي فكان صلى الله عليه وسلم يريد أن ينشط للصلاة ولكي يعهد للناس فروى الشيخان عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الحمى من فور جهنم فأبردوها عنكم بالماء».

مسألة - يستحب الاغتسال المستحاضة لكل صلاة.

الترجيح: والأقرب أنه ليس ثمَّ دليل على استحباب الاغتسال بعد زوال العقل بجنون أو إغماء إلا أن يكون أجنب في ذلك الوقت فيجب عليه الغسل، والاستحباب حكم شرعي يحتاج لدليل، وقد سبق بيان أن علة اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من أجل الإغماء. مسألة - يستحب الاغتسال المستحاضة لكل صلاة. روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أستحاض فقال: «إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي» فكانت تغتسل عند كل صلاة " قال الليث بن سعد: «لم يذكر ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة ولكنه شيء فعلته هي». وعمدة من ذهب لاستحباب اغتسالها لكل صلاة ما ورد في بعض طرق الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرها بالاغتسال لكل صلاة، ثم جمعوا بين أحاديث الأمر مع أحاديث الاكتفاء بالأمر بالغسل مرة واحدة فقط عند انقطاع الحيض بأن الاغتسال لكل صلاة على الاستحباب. وما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر للمستحاضة بأن تغتسل لكل صلاة غير محفوظ، وبعض رواياته شاذة والبعض الآخر لا يثبت، وقد مال إلى تقويتها الشيخ الألباني. والخلاف بين الصحابة في هذه المسألة محفوظ، فمنهم من يرى أن عليها الاغتسال لكل صلاة، ومنهم من يرى أن عليها الاغتسال لكل صلاتين مجموعتين جمعا صوريا وللفجر مرة بمفرده، ومنهم من يرى الاغتسال مرة واحدة كل يوم، ومنهم من يرى أن الاغتسال إنما يكون فقط عند إدبار الحيضة، وأقوال الصحابة لا حجة لبعضهم على بعض عند الاختلاف. الترجيح: الثابت هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تغتسل عند انقطاع الحيض، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار، ولذلك فالواجب عليها الاغتسال مرة واحدة فقط

مسألة - يستحب الاغتسال لإحرام.

، ثم كانت تغتسل من عند نفسها لكل صلاة ولذا لم يوجب ذلك أحد من الأئمة وإنما هو عندهم على الاستحباب، وسوف يأتي الكلام على أحكام المستحاضة قريبا بإذن الله تعالى. مسألة - يستحب الاغتسال لإحرام. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 250): (ظاهر قوله (والغسل للإحرام) دخول الذكر والأنثى، والطاهر والحائض والنفساء، وهو صحيح، صرح به الأصحاب). وقال ابن ضويان في "منار السبيل" (1/ 43): (بحج أو عمرة، لحديث زيد بن ثابت أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل رواه الترمذي وحسنه) وهذا الحديث إسناده ضعيف إلا أن له شواهد يتقوى بها. مسألة - يستحب الاغتسال لدخول مكة وحرمها. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 250): (قال في المستوعب وغيره: يستحب الغسل لدخول مكة. ولو كانت حائضا، أو نفساء. وقال الشيخ تقي الدين: لا يستحب لها ذلك). والدليل على الاستحباب ما رواه الشيخان عن نافع، قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما «إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذي طُوى، ثم يصلي به الصبح، ويغتسل»، ويحدث أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك). قال ابن بطال في "شرح البخاري" (4/ 260): (قال ابن المنذر: الاغتسال لدخول مكة مستحب عند جميع العلماء، إلا أنه ليس فى تركه عامدًا عندهم فدية، وقال أكثرهم: الوضوء يجزئ منه، وكان ابن عمر يتوضأ أحيانًا ويغتسل أحيانًا). الترجيح: ومحل القول باستحباب الغسل إن طال الزمن بين غسل الإحرام ودخول مكة كما كان يحدث قديما، أما إن اقترب الزمن كما في أيامنا هذه فقد يكون بين غسله للإحرام ودخوله مكة ساعة تقريباً فلا وجه لإعادة الاغتسال مرة أخرى هنا لعدم الحاجة إلى ذلك فضلا عن القول باستحبابه.

مسألة - يستحب الاغتسال لوقوف بعرفة.

مسألة - يستحب الاغتسال لوقوف بعرفة. قال ابن ضويان (1/ 43): (لما روى مالك عن نافع أن ابن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم، ولدخوله مكة، ولوقوفه عشية عرفة. ولأنه يروى عن علي، وابن مسعود). وأثر علي رضي الله عنه أخرجه الشافعي في "المسند" وغيره من طريق زاذان قال: سأل رجل عليا رضي الله عنه عن الغسل فقال: «اغتسل كل يوم إن شئت»، فقال: الغسل الذي هو الغسل؟ قال: «يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر» وإسناده صحيح. وأثر عبد الله رضي الله عنه أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" بإسناد ضعيف فيه عنعنة الأعمش وهو مدلس عن عبد الله: أنه اغتسل ثم راح إلى عرفة. مسألة - يستحب الاغتسال لطواف زيارة، وطواف وداع، ولمبيت بمزدلفة، ولرمي جمار. علله ابن ضويان (1/ 44) بقوله: (لأن هذه كلها أنساك يجتمع لها، فاستحب لها الغسل قياساً على الإحرام ودخول مكة). والراجح أنه لا يستحب الاغتسال لما ذكر، قال تقي اليدن في "مجموع الفتاوى" (26/ 132): (الغسل لرمي الجمار وللطواف والمبيت بمزدلفة فلا أصل له لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحبه جمهور الأئمة: لا مالك ولا أبو حنيفة ولا أحمد وإن كان قد ذكره طائفة من متأخري أصحابه. بل هو بدعة إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الاستحباب مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها فيغتسل لإزالتها). ـ[ويتيمم للكل لحاجة، ولما يسن له الوضوء إن تعذر .. ]ـ مسألة - يتيمم لما يسن له الاغتسال لحاجة.

مسألة - يتيمم لما يسن له الوضوء إن تعذر.

والمقصود أنه يستحب التيمم بدلا عن الأغسال المستحبة السابقة عند الحاجة كعدم الماء، أو لتعذر الوصول إليه كأن يحول بينك وبين الماء عدو، أو سبع، أو لعدم وجود آلة استخراجه من البئر مثلا (¬1). والراجح أنه لا يشرع له التيمم في هذه الحالة. قال موفق الدين في "المغني" (3/ 257): (فإن لم يجد ماء، لم يسن له التيمم. وقال القاضي: يتيمم؛ لأنه غسل مشروع، فناب عنه التيمم، كالواجب. ولنا، أنه غسل مسنون، فلم يستحب التيمم عند عدمه، كغسل الجمعة، وما ذكره منتقض بغسل الجمعة ونحوه من الأغسال المسنونة، والفرق بين الواجب والمسنون، أن الواجب يراد لإباحة الصلاة، والتيمم يقوم مقامه في ذلك، والمسنون يراد للتنظيف وقطع الرائحة، والتيمم لا يحصل هذا، بل يزيد شعثا وتغييرا، ولذلك افترقا في الطهارة الصغرى، فلم يشرع تجديد التيمم، ولا تكرار المسح به). مسألة - يتيمم لما يسن له الوضوء إن تعذر. والمقصود أنه يستحب التيمم لما يسن له الوضوء كقراءة القرآن والذكر عند تعذر الوضوء كالمريض والجريح والعاجز عن أن يمس الماء بشرته (¬2). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 252): (يتيمم لما يستحب الوضوء له لعذر، على الصحيح من المذهب. وظاهر ما قدمه في الرعاية: أنه لا يتيمم لغير عذر. قال في الفروع: وتيممه عليه أفضل الصلاة والسلام يحتمل عدم الماء. قال: ويتوجه احتمال في رده السلام عليه أفضل الصلاة والسلام، لئلا يفوت المقصود، وهو رده على الفور. وجوز المجد وغيره: التيمم لما يستحب له الوضوء مطلقا؛ لأنها مستحبة، فخف أمرها) والراجح وهو القول الصحيح في المذهب أن التيمم هنا كان لعذر. ودليل المسألة ما رواه الشيخان عن أبي الجُهَيْمِ الأنصاري رضي الله عنه قال: «أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد ¬

_ (¬1) انظر نيل المآرب (1/ 18). (¬2) المرجع السابق نفس الموضع.

باب التيمم

عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام». ويجمع بين تيممه هنا وتوضؤه فيما رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذ، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال " إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر أو قال: على طهارة " كما قال ابن بطال وغيره أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن له سبيل إلى الوضوء بالماء، وهذا التوجيه موافق لما عنون به الماتن من جواز التيمم في حال العذر، وهو الموافق لشروط التيمم كما سيأتي قريبا بإذن الله تعالى. ـ[باب التيمم ويصح بشروط ثمانية: النية، والإسلام، والعقل، والتمييز، والاستنجاء أو الاستجمار. السادس: دخول وقت الصلاة فلا يصح التيمم لصلاة قبل وقتها ولا لنافلة وقت نهي. السابع: تعذر استعمال الماء إما لعدمه أو لخوفه باستعماله الضرر. ويجب بذله لعطشان من آدمي أو بهيمة محترمين. ومن وجد ماء لا يكفي لطهارته استعمله فيما يكفي وجوبا ثم تيمم. وإن وصل المسافر إلى الماء وقد ضاق الوقت أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروجه عدل إلى التيمم وغيره لا ولو فاته الوقت. ومن في الوقت أراق الماء أو مر به وأمكنه الوضوء ويعلم أنه لا يجد غيره حرم ثم إن تيمم وصلى لم يعد. وإن وجد محدث ببدنه وثوبه نجاسة ومعه ماء لا يكفي وجب غسل ثوبه ثم إن فضل شيء غسل بدنه ثم إن فضل شيء تطهر به، وإلا تيمم. ويصح التيمم لكل حدث وللنجاسة على البدن بعد تخفيفها ما أمكن فإن تيمم لها قبل تخفيفها لم يصح .. ]ـ

مسألة - من شروط التيمم: النية، والإسلام، والعقل، والتمييز، والاستنجاء أو الاستجمار.

ـ[الثامن: أن يكون بتراب طهور مباح غير محترق له غبار يعلق باليد فإن لم يجد ذلك صلى الفرض فقط على حسب حاله ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ ولا إعادة .. ]ـ مسألة - من شروط التيمم: النية، والإسلام، والعقل، والتمييز، والاستنجاء أو الاستجمار. وهذه الشروط سبق الكلام عنها مرارا، فلا داعي لإعادة الكلام عنها مرة أخرى. فائدة (¬1): فرق الحنفية بين الوضوء والتيمم في اشتراط النية، فقالوا لا يشترط النية في الوضوء، وتشترط في التيمم، وذكروا لهذا التفريق وجوها منها: الأول - أن التيمم في اللغة القصد، وذلك يدل على اشتراط النية فيه، بخلاف الوضوء والغسل، فإن النية قدر زائد على مرور الماء على الأعضاء المغسولة. الثاني - الماء مطهر بنفسه فلم يفتقر إلى قصد فإذا وجدت النظافة به على أي وجه كان فقد حصل المقصود، بخلاف التراب فإنه ملوث. ويجاب عن هذا بجوابين: الأول - أن يقال وكذلك التراب ملوث بنفسه، فلم يفتقر إلى قصد، فإذا وجد التلوث به على أي وجه كان فقد حصل المقصود. الثاني - لا نسلم أن التراب غير مطهر، بل هو مطهر للحدث والخبث جميعا، والدليل على أنه مطهر للحدث قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: 6]، وقوله صلى لله عليه وسلم فيما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا: (إن الصعيد الطيب طهور، وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء، فأمسه جلدك). فهذه الأدلة وغيرها دليل على أن التراب مطهر للحدث، وأما طهارة الخبث بالتراب فذلك مثل الإستجمار، وطهارة النعل بالتراب وطهارة ذيل المرأة، فالقول ¬

_ (¬1) انظر موسوعة الطهارة للدبيان (12/ 176).

مسألة - من شرط التيمم دخول وقت الصلاة فلا يصح التيمم لصلاة قبل وقتها ولا لنافلة وقت نهي.

بأن التراب غير مطهر بنفسه مخالف للنصوص. وكون التيمم في اللغة القصد إن دل على اشتراط النية للتيمم فهو لا ينفي النية عن الوضوء، وقد سبق بيان الراجح في هذه المسألة. فالصواب اشتراط النية للوضوء والتيمم جميعا. مسألة - من شرط التيمم دخول وقت الصلاة فلا يصح التيمم لصلاة قبل وقتها ولا لنافلة وقت نهي. هذه المسألة مبينة على الخلاف في كون التيمم مبيح أم رافع، والمذهب أنه مبيح. وعلى القول بأنه رافع: فيجوز ذلك كما في كل وقت. وعندنا في المسألة ثلاثة مذاهب من قال أن التيمم مبيح أي أن المتيمم يمكنه الصلاة والطواف وفعل العبادات التي يلزم لها الطهارة مع كونه لا يزال ملتبسا بالحدث إلى أن يجد الماء فيرفعه به، وعكسه أن التيمم رافع للحدث كالماء، والراجح أن التيمم رافع للحدث رفعا مؤقتا لحين وجود الماء، وهو قول في المذهب واختيار تقي الدين، وهو قول الحنفية، وأحد قولي المالكية، وهو الراجح. وقد حاول البعض جعل الخلاف لفظيا بين القولين الأول والثالث بناء على أنهما اتفقا على بطلان التيمم عند القدرة على استعمال الماء، والصحيح أن الخلاف معنوي ويترتب عليه مسائل كثيرة ومنها (¬1): - جواز وطء الحائض إذا طهرت، وصلت بالتيمم للعذر الذي يبيحه، فعلى أنه يرفع الحدث يجوز وطؤها قبل الاغتسال، والعكس بالعكس. ومنها-إذا تيمم ولبس الخفين، فعلى أن التيمم يرفع الحدث يجوز المسح عليهما في الوضوء بعد ذلك، والعكس بالعكس. ومنها - ما ذهب إليه أبو سلمة بن عبد الرحمن من أن الجنب إذا تيمم ثم وجد الماء لا يلزمه الغسل، فالظاهر أنه بناه على رفع الحدث بالتيمم، لكن هذا القول ترده الأحاديث المتقدمة، وإجماع المسلمين قبله، وبعده على خلافه. ومنها - هل يقوم التيمم مقام الماء فيتيمم قبل الوقت كما يتوضأ قبل الوقت، ¬

_ (¬1) انظر أضواء البيان (1/ 368)، موسوعة الطهارة (12/ 52).

ويصلي به ما شاء من فروض ونوافل، كما يصلي بالماء؟ ومنها - هل خروج الوقت مبطل للتيمم أو يكون بمنزلة الماء؟ قال الشنقيطي في "أضواء البيان" (1/ 367): (التيمم يرفع الحدث رفعا مؤقتا لا كليا، وهذا لا مانع منه عقلا ولا شرعا، وقد دلت عليه الأدلة؛ لأن صحة الصلاة به المجمع عليها يلزمها أن المصلي غير محدث، ولا جنب لزوما شرعيا لا شك فيه. ووجوب الاغتسال، أو الوضوء بعد ذلك عند إمكانه المجمع عليه أيضا يلزمه لزوما شرعيا لا شك فيه، وأن الحدث مطلقا لم يرتفع بالكلية، فيتعين الارتفاع المؤقت. هذا هو الظاهر). • نعود إلى مسألتنا: استدل ابن ضويان وغيره لكون التيمم للصلاة لا يصح قبل وقتها بحديث أبي أمامة مرفوعاً: "جعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجداً وطهوراً فأينما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجده، وعنده طهوره" رواه أحمد. وجه الإستدلال: قوله في الحديث: (أدركته الصلاة) أي أدركه وقت الصلاة، فهذا دليل على ان التيمم لا يكون إلا بعد دخول الوقت. مناقشة: ونوقش بأننا لابد من التفريق بين سبب الوجوب وشرط الوجوب، فالعبادات لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، ولكن يجوز تقديمها على شرط الوجوب ومسألتنا من الثانية لا الأولى فجاز تقديمها. قال الشيخ الزحيلي في "القواعد الفقهية" (2/ 838): (السبب: هو ما ارتبط به غيره وجوداً وعدماً، فيلزم من وجوده وجود الحكم، ومن عدمه عدم الحكم، فالسبب هو الموجب للحكم، ولذلك لا تصح العبادات كلها، سواء كانت بدنية، أو مالية، أو مرغبة منهما، قبل وجود السبب، ولا يجوز تقديمها على سبب وجوبها، فدخول الوقت سبب لوجوب الصلاة، فلا تصح قبل وقتها، وملك النصاب هو سبب وجوب الزكاة، فلا يصح تقديم الزكاة قبل أن يتم النصاب.

مسألة - من شروط التيمم: تعذر استعمال الماء إما لعدمه أو لخوفه باستعماله الضرر.

والشرط: هو ما ارتبط به غيره عدماً لا وجوداً، فإذا عدم الشرط عدم الحكم، لكن إن وجد الشرط قد يوجد الحكم وقد لا يوجد، فالوضوء شرط للصلاة، فإذا عدم الوضوء عدمت الصلاة، ولكن إن وجد الوضوء فقد توجد الصلاة وقد لا توجد، ولذلك يجوز تقديم الشرط وهو الوضوء عن الصلاة، فيقدم الوضوء علي إرادة الصلاة، مع أن الوضوء لا يجب إلا بعد إرادة الصلاة لقوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ... ). قال ابن رجب في "القواعد الفقهية" (ص/6): ("العبادات كلها لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها" العبادات كلها سواء كانت بدنية أو مالية أو مركبة منهما لا يجوز تقديمها على سبب وجوبها ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب وقبل الوجوب أو قبل شرط الوجوب ويتفرع على ذلك مسائل كثيرة: (منها) الطهارة سبب وجوبها الحدث وشرط الوجوب فعل العبادة المشترط لها الطهارة فيجوز تقديمها على العبادة ولو بالزمن الطويل بعد الحدث ... (ومنها) زكاة المال يجوز تقديمها من أول الحول بعد كمال النصاب ... ). الترجيح: ومما سبق يتضح أن الراجح أن التيمم يجوز تقدمه قبل دخول وقت الصلاة. ومما يدل على ذلك: حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا: (إن الصعيد الطيب طهور، وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء، فأمسه جلدك) ولم يفرق بين كونه قبل الوقت أو بعده، وإنما علق جوازه بعدم الماء، لا بالوقت، وهذا معنى قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]، فأمر بالتيمم بعد الحدث إذا عدم الماء، ولم يفرق بين حاله قبل الوقت أو بعده. مسألة - من شروط التيمم: تعذر استعمال الماء إما لعدمه أو لخوفه باستعماله الضرر. قال ابن ضويان (1/ 45): ("تعذر استعمال الماء إما لعدمه" لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} الآية، وقوله صلي الله عليه وسلم: "إن الصعيد

الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير" صححه الترمذي. "أو لخوفه باستعماله الضرر" لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} الآية. ولحديث صاحب الشجة. وعن عمرو بن العاص أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد). وأما الآية فقال البعض أنها مقيدة بالسفر قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) الآية وهو قول في المذهب اختاره الخلال، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 264): (العجز عن استعمال الماء لعدمه) أن العدم سواء كان حضرا أو سفرا، وسواء كان العادم مطلقا أو محبوسا، وهو صحيح، وهو المذهب. وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وقيل: لا يباح التيمم للعدم، إلا في السفر. اختاره الخلال). قال الدبيان في "موسوعة الطهارة" (12/ 103): (وأجيب بأن الله سبحانه وتعالى ذكر السفر لكونه مظنة عدم الماء، فإن فقد الماء في الحضر نادر قليل، ومثله السفر في آية الرهن، قال تعالى: ({وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، وليس السفر بشرط للرهن، فإن جاز الرهن في الحضر، جار التيمم في الحضر أيضا). ومن الأدلة على جواز التيمم في الحضر أن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم في الحضر لرد السلام كما سبق، فإن جاز التيمم لرد السلام مع أن الطهارة ليست شرطا ولا واجبة لرد السلام، فكونه يتيمم لفعل الصلاة المفروضة والقيام بالطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة أولى. وحديث صاحب الشجة رواه أبو داود وغيره لفظه عنده عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال: «قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر - أو» يعصب «شك موسى - على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده»، والحديث حسنه بالشواهد الشيخ الألباني دون

فائدة:

قوله: (إنما كان يكفيه ... ) فهي منكرة، ووجه الإستدلال بهذا الحديث بدون هذه الزيادة أن إنكار النبي صلى الله عليه وسلم عليهم يفهم منه جواز تيممه، وقد جاء موقوفا على ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال "إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله، أو القروح، أو الجدري، فيجنب، فيخاف إن اغتسل أن يموت، فليتيمم"، وصححه موقوفا ابن أبي حاتم والألباني، وقال: له حكم الرفع. فائدة: في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في غزوة ذات السلاسل فائدة، وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟» فسماه النبي صلى الله عليه وسلم جنبا بعد تيممه، وهو من أدلة من قال أن التيمم مبيح ولا رافع للحدث. ويجاب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمه جنبا، وإنما سأله استفهاما واستعلاما فأخبره عمرو بعذره، وأنه تيمم لحاجة خوفا من أن يقتله البرد فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم يقل شيئًا (¬1). قال الشنقيطي في "أضواء البيان" (1/ 367): (ويمكن الجواب عن هذا من وجهين: الأول: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال له: " وأنت جنب "، قبل أن يعلم عذره بخوفه الموت إن اغتسل. والمتيمم من غير عذر مبيح جنب قطعا، وبعد أن علم عذره المبيح للتيمم الذي هو خوف الموت أقره وضحك، ولم يأمره بالإعادة، فدل على أنه صلى بأصحابه وهو غير جنب، وهذا ظاهر الوجه الثاني: أنه أطلق عليه اسم الجنابة نظرا إلى أنها لم ترتفع بالكلية، ولو كان في وقت صلاته غير جنب، كإطلاق اسم الخمر على العصير في وقت هو فيه ليس بخمر في قوله: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36]، نظرا إلى مآله في ثاني حال، والعلم عند الله تعالى). مسألة - يجب بذله لعطشان من آدمي أو بهيمة محترمين. وعلله ابن ضويان بقوله (1/ 46): (لأن الله تعالى غفر لبغي بسقي كلب، ¬

_ (¬1) اختيارات شيخ افسلام ابن تيمية (1/ 612).

فالآدمي أولى. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا كان معه ماء فخشي العطش أنه يبقي ماءه للشرب ويتيمم). والمحترم من الآدمي هو: هو المسلم، والذمي، والمعاهد، والمستأمن، بخلاف الحربي وهو من بيننا وبينه حرب. والمحترم من البهائم هي التي يحرم قتلها إلا لغرض كالشاة، والحمارة، والسنور، وكلب الصيد، ونحوه، بخلاف ما لا يحرم قتله كالكلب الأسود البهيم والعقور، والخنزير ونحوهما. فلا يجب بذل الماء لها. وهذا الذي قرره الماتن من عدم بذل الماء لغير المحترم متجاذب بين الأدلة فمما يدل بعمومه على بذل الماء للحي من الحيوان سواء أكان محترم أم غير محترم قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: «في كل ذات كبد رطبة أجر». ومما يدل على قتل غير المحترم قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها عند الشيخين مرفوعا: " خمس فواسق، يقتلن في الحل والحرم: الحية، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، وَالحُدَيَّا ". ووجه ما قرره الماتن أن الحربي، أو الحيوان غير المحترم المقصود إتلاف نفسه لا إبقاؤه، وبذل الماء له يحفظ نفسه فحينئذ يكون مخالفا لمقصود الشارع. وذهل البعض إلى أنه لا منفافة بين بذل الماء له وبين الأمر بقتله، فيحمل الأمر بالإحسان إليه ما لم يقتل فإذا قتل أحسن قتله فليس مقصود الشارع تعذيبه وتجويعه وتعطيشه وإساءة قتلته بالعبث به (¬1). الترجيح: والراجح هو ما ذهب إليه الماتن من عدم الإحسان إلى المحارب أو غيره من غير المحترمين فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتلوهم، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة، عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح» لا يحسن معه الإحسان إليهم وكذا إن كان كلبا ¬

_ (¬1) انظر "إكمال المعلم" (7/ 182) للقاضي عياض.

مسألة - من وجد ماء لا يكفي لطهارته استعمله فيما يكفي وجوبا ثم تيمم.

يعقر الناس فلا يحسن إليه. وأمثال هؤلاء يقتلوا فور رؤيتهم إن قُدِرَ عليهم، ولا يعذبوا بالتعطيش ولا غيره ولا يحسن إليهم. مسألة - من وجد ماء لا يكفي لطهارته استعمله فيما يكفي وجوبا ثم تيمم. قال البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 166): ((وإن وجد ما يكفي بعض بدنه لزمه استعماله جنبا كان أو محدثا، ثم يتيمم للباقي) لقوله - صلى الله عليه وسلم - «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» رواه البخاري ولأنه قدر على بعض الشرط، فلزمه كالسترة ولا يصح أن يتيمم قبل استعماله؛ لقوله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] فاعتبر استعماله أولا؛ ليتحقق الشرط الذي هو عدم الماء وليتميز المغسول عن غيره ليعلم ما يتيمم له). مسألة - وإن وصل المسافر إلى الماء وقد ضاق الوقت أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروجه عدل إلى التيمم. وجه هذا القول مراعاة الوقت لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]. وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يراعي الشرط لا الوقت لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} وهذا واجد للماء فكيف يتيمم؟! ومن قال بمراعاة الوقت قال إنه كالعادم لتعذر وصوله للماء داخل الوقت. وممن قال بمراعاة الشرط من يفرق بين المعذور بالتأخير وغيره فتقي الدين يرى أن المعذور بالتأخير كالنائم يراعي الشرط ويعتبر الوقت له من وقت نومه، وأما المتكاسل فيراعي الوقت ويصلي بالتيمم. والمذهب هنا فرَّق بين المسافر وغيره. وهذه المسألة من المسائل الي يصعب فيها الترجيح والأقوال فيها متجاذبة. والأقوى أنه طالما أنه مشغول بمراعاة الشرط فهو معذور في التأخير، وأنه واجد للماء فلا يشرع له التيمم، والتفريق الذي نحا إليه شيخ الإسلام تقي الدين بين المعذور في التأخير وغيره غير مؤثر في تحصيل الشرط لأن النتيجة واحدة لكليهما

مسألة - غير المسافر لا يعدل إلى التيمم فيما ذكر ولو فاته الوقت.

هذا من ناحية الحكم الوضعي، وإنما هذا التفريق له علاقة بالإثم أي الحكم التكليفي، وكلامنا هنا في الشروط والأسباب متعلق بالحكم الوضعي لا التكليفي. وأما تفريق المذهب بين المسافر وغيره فلكون عدم الماء في الحضر نادر، وهذا أيضا يعود للحكم بإثمه في تقصيره عن الطلب قبل ضيق الوقت، ولا وجه لهذا التفريق في مسألتنا إذ أنها مفترضة في حالة وجود الماء فعاد وجه التفريق للحكم التكليفي لا الوضعي. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 196): (وإذا كان الماء موجودا إلا أنه إذا اشتغل بتحصيله واستعماله فات الوقت، لم يبح له التيمم، سواء كان حاضرا أو مسافرا، في قول أكثر أهل العلم منهم: الشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر، وأصحاب الرأي. وعن الأوزاعي، والثوري: له التيمم. رواه عنهما الوليد بن مسلم. قال الوليد: فذكرت ذلك لمالك، وابن أبي ذئب، وسعيد بن عبد العزيز، فقالوا: يغتسل، وإن طلعت الشمس؛ وذلك لقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] وحديث أبي ذر (¬1)، وهذا واجد للماء؛ ولأنه قادر على الماء، فلم يجز له التيمم، كما لو لم يخف فوت الوقت؛ ولأن الطهارة شرط، فلم يبح تركها خيفة فوت وقتها، كسائر شرائطها). مسألة - غير المسافر لا يعدل إلى التيمم فيما ذكر ولو فاته الوقت. وهذا هو الراجح في حق المسافر وغيره طالما أنه واجد للماء كما سبق تقرير ذلك. مسألة - من في الوقت أراق الماء أو مر به وأمكنه الوضوء ويعلم أنه لا يجد غيره حرم ثم إن تيمم وصلى لم يعد. وهذا هو الراجح بناء على أنه غير واجد للماء وقت تيممه، وصلاته صحيحه لأنها استوفت الشروط والأركان، وأما تعمده لإراقة الماء، أو ترك الوضوء فإنه يأثم إن قصد تفريت الوضوء على نفسه. ¬

_ (¬1) يشير لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الصعيد الطيب طهور، وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين).

مسألة - إن وجد محدث ببدنه وثوبه نجاسة ومعه ماء لا يكفي وجب غسل ثوبه ثم إن فضل شيء غسل بدنه ثم إن فضل شيء تطهر به، وإلا تيمم.

وقد فرَّق موفق الدين بين إراقة الماء وترك الوضوء قبل الوقت وبعده فقال في "المغني" (1/ 177): (إذا كان معه ماء، فأراقه قبل الوقت، أو مر بماء قبل الوقت فتجاوزه، وعدم الماء في الوقت، صلى بالتيمم من غير إعادة، وبه يقول الشافعي، وقال الأوزاعي، إن ظن أنه يدرك الماء في الوقت، كقولنا، وإلا صلى بالتيمم، وعليه الإعادة؛ لأنه مفرط. ولنا، أنه لم يجب عليه استعماله فأشبه ما لو ظن أنه يدرك الماء في الوقت. وإن أراق الماء في الوقت، أو مر به في الوقت فلم يستعمله، ثم عدم الماء، يتيمم ويصلي. وفي الإعادة وجهان: أحدهما لا يعيد؛ لأنه صلى بتيمم صحيح، تحققت شرائطه، فهو كما لو أراقه قبل الوقت. والثاني يعيد؛ لأنه وجبت عليه الصلاة بوضوء، وهو قد فوت القدرة على نفسه، فبقي في عهدة الواجب). والقول الأول من أنه لا يعيد هو الأقوى والتفريق بين قبل الوقت وبعده بناء على أنه لا يتيمم قبل الوقت؛ لأن التيمم مبيح لا رافع، وقد سبق بيان أن الراجح خلاف ذلك، فلا يتجه هذا التفريق. مسألة - إن وجد محدث ببدنه وثوبه نجاسة ومعه ماء لا يكفي وجب غسل ثوبه ثم إن فضل شيء غسل بدنه ثم إن فضل شيء تطهر به، وإلا تيمم. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 201): (إن اجتمع عليه نجاسة وحدث، ومعه ما لا يكفي إلا أحدهما، غسل النجاسة وتيمم للحدث. نص على هذا أحمد. وقال الخلال: اتفق أبو عبد الله، وسفيان على هذا. ولا نعلم فيه خلافا؛ وذلك لأن التيمم للحدث ثابت بالنص والإجماع، ومختلف فيه للنجاسة. وإن كانت النجاسة على ثوبه، قدم غسلها، وتيمم للحدث. وروي عن أحمد: أنه يتوضأ، ويدع الثوب؛ لأنه واجد للماء، والوضوء أشد من غسل الثوب. وحكاه أبو حنيفة، عن حماد في الدم. والأول أولى؛ لما ذكرناه؛ لأنه إذا قدم غسل نجاسة البدن مع أن للتيمم فيها مدخلا، فتقديم طهارة الثوب أولى، وإن اجتمع نجاسة على الثوب، ونجاسة على البدن، وليس معه إلا ما يكفي أحدهما، غسل الثوب، وتيمم لنجاسة البدن؛ لأن للتيمم فيها مدخلا). والترجيح في هذه المسألة مبني على عدة مسائل وهي حكم التيمم للنجاسة على البدن، وحكم طهارة الثوب والبدن للصلاة، أما المسألة الأولى فستأتي وكان أولى

مسألة - يصح التيمم لكل حدث.

بالماتن تأخير هذه المسألة بعدها، والراجح أنه لا يتيمم عن النجاسة التي على البدن. وأما طهارة الثوب (¬1) والبدن فالمذهب أنه شرط لصحة الصلاة وعلى ذلك فالترتيب كما ذُكِر، وأما على القول بأن طهارة الثوب والبدن من واجبات لا شروط الصلاة فإنه يقدم تحصيل الشرط وهو الطهارة من الحدث، ويترك تحصيل الواجبات للعذر، وهذا هو الأقوى. مسألة - يصح التيمم لكل حدث. سواء أكان حدثا أصغر، أو أكبر، قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (21/ 351): (روي عن عمر وابن مسعود إنكار تيمم الجنب وروي عنهما الرجوع عن ذلك وهو قول أكثر الصحابة: كعلي وعمار وابن عباس وأبي ذر وغيرهم. وقد دل عليه آيات من كتاب الله وخمسة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ... ). مسألة - يصح التيمم للنجاسة على البدن بعد تخفيفها ما أمكن فإن تيمم لها قبل تخفيفها لم يصح. فائدتان: الأولى - لا يتيمم للنجاسة على ثوبه: قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 280): (مفهوم قوله (ويجوز التيمم لجميع الأحداث، والنجاسة على جرح) أنه لا يجوز التيمم للنجاسة على ثوبه، وهو صحيح، وهو المذهب. وعليه الأصحاب). الثانية - معنى تخفيف النجاسة: قال الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (1/ 205): (بعد تخفيفها ما أمكن) بحك يابسة، ومسح رطبة لزوما - أي: وجوبا - فلا يصح التيمم لها قبل ذلك؛ لأنه قادر على إزالتها في الجملة، لحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»). • نعود لمسألتنا والراجح أنه لا يتيمم عن النجاسة مطلقا سواء أكانت على البدن أو الثوب خففها، أم لا وهو قول أكثر الفقهاء ورواية في المذهب وأختارها ¬

_ (¬1) وتقيد هذه المسألة بأن يكون خلع الثوب الذي عليه نجاسة يؤدي لكشف العورة.

مسألة - من شروط التيمم أن يكون بتراب.

تقي الدين، وذلك لأنه ليس ثمَّ دليل على ذلك كما أن مقصود الغسل إزالة النجاسة وذلك بإستعمال الماء أو ما يزيلها في محل التنجيس دون غيره، وذلك لا يحصل بالتيمم. مسألة - من شروط التيمم أن يكون بتراب. والراجح أنه لا يشترط كونه ترابا ويجوز التيمم بكل ما على ظهر الأرض من تراب ورمل وحجر ومدر وجص وغير ذلك، بشروط ألا يكون نجسا، فالطيب ضد الخبيث، ولا نعرف خبيثا يمكن أن يوصف به الصعيد إلا أن يكون نجسا (¬1)، وسوف يأتي الكلام على باقي الشروط بإذن الله. قال تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: 6] والصعيد لفظ مشترك يطلق على عدة أشياء ومنها: التُّرابُ، أو وجْهُ الأرضِ، والطريقُ، ومنه: "إيَّاكُمْ والقُعودَ بالصُّعُداتِ" (¬2) ... ومن المقرر أنه يجوز حمل المشترك على جميع معانيه إن لم يكن بينها تناف. • وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا، إذا لم نجد الماء " فظاهره تخصيص التربة بكونها فقط هي التي تييمم بها دون غيرها من الصعيد. والجواب عن ذلك من وجوه. قال الشنقيطي في "أضواء البيان" (1/ 354): (تخصيص التراب بالطهورية في مقام الامتنان يفهم منه أن غيره من الصعيد ليس كذلك، فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول: أن كون الأمر مذكورا في معرض الامتنان، مما يمنع فيه اعتبار مفهوم المخالفة، كما تقرر في الأصول، قال في «مراقي السعود» في موانع اعتبار مفهوم المخالفة: أو امتنان أو وفاق الواقع ... والجهل والتأكيد عند السامع ¬

_ (¬1) انظر موسوعة الطهارة للدبيان (12/ 256). (¬2) انظر القاموس المحيط باب: الدال، فصل: الصاد.

مسألة - من شروط التيمم أن يكون بتراب طهور مباح.

ولذا أجمع العلماء على جواز أكل القديد من الحوت مع أن الله خص اللحم الطري منه في قوله: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14]؛ لأنه ذكر اللحم الطري في معرض الامتنان، فلا مفهوم مخالفة له، فيجوز أكل القديد مما في البحر. الثاني: أن مفهوم التربة مفهوم لقب، وهو لا يعتبر عند جماهير العلماء، وهو الحق كما هو معلوم في الأصول. الثالث: أن التربة فرد من أفراد الصعيد؛ وذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يكون مخصصا له عند الجمهور، سواء ذكرا في نص واحد كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]، أو ذكرا في نصين كحديث: «أيما إهاب دبغ فقد طهر»، عند أحمد، ومسلم، وابن ماجه، والترمذي، وغيرهم، مع حديث: «هلا انتفعتم بجلدها»، يعني شاة ميتة عند الشيخين، كلاهما من حديث ابن عباس، فذكر الصلاة الوسطى في الأول، وجلد الشاة في الأخير لا يقتضي أن غيرهما من الصلوات في الأول، ومن الجلود في الثاني ليس كذلك، قال في «مراقي السعود» عاطفا على ما لا يخصص به العموم: وذكر ما وافقه من مفرد ... ومذهب الراوي على المعتمد). مسألة - من شروط التيمم أن يكون بتراب طهور مباح. قال الرحيباني في "مطالب أولى النهى" (1/ 208): (لا يصح تيممه بتراب (طاهر، وهو: ما تيمم به) جماعة فلا يصح؛ لأنه صار مستعملا، (لا) إن تيمموا (منه) - أي: التراب - كما لو توضئوا من حوض كبير. (أو) أي: ولا يصح التيمم بتراب (نجس) يقينا (فلو تيمم بتراب على ظهر كلب لم يصح) تيممه (إن علم التصاقه) - أي: التراب - (برطوبة) وإلا يعلم التصاقه برطوبة صح؛ لأنه تراب طهور. (أو) أي: ولا يصح التيمم (ب) تراب (مغصوب ونحوه) كمسروق، لاشتراط الإباحة، (وفي " الفروع ": ظاهره: ولو تراب مسجد، والمراد) من تراب المسجد: التراب (الداخل في وقفه)، كتراب سطحه وأرضه وحيطانه، (لا ما يجتمع من نحو ريح) فيصح التيمم به؛ لأنه أجنبي من المسجد، ثم قال: (ولعل هذا الظاهر غير مراد، فإنه لا يكره) التيمم (بتراب زمزم مع أنه مسجد)، قاله في الرعاية.

مسألة - من شروط التيمم أن يكون بتراب غير محترق.

(وفي " المبدع " لو تيمم بتراب غيره جاز في ظاهر كلامهم، للإذن فيه عادة وعرفا)). الترجيح: كما سبق في الكلام على هذه المسائل في الماء فالراجح هنا أنه لا يشترط فيما يتيمم به كونها طهورا، وإستعماله في رفع الحدث لا يخرجه عن كونه طهورا، ولا يشترط كونه مباحا بل بصح التيمم بغير المباح ويأثم. مسألة - من شروط التيمم أن يكون بتراب غير محترق. المقصود أنه لا يصح التيمم بكل ما أحترق بالنار لتصنيعه ونحو ذلك كالخزف، والنورة، والآجر، والأسمنت، وكل ما عمل من طين وشوي بالنار حتى صار فخارا، وعللوا المنع بأن الطبخ أخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب. • والراجح أن ذلك ليس بشرط وسبق بيان أن الراجح أن التيمم لا يختص بالتراب. مسألة - من شروط التيمم أن يكون بتراب له غبار يعلق باليد. ومما استدلوا به على ذلك تفسيرهم من في قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] بالتبعيضية، والراجح أنها لابتداء الغاية. قال الشنقيطي في "أضواء البيان" (1/ 353): (قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} الآية، اعلم أن لفظة من في هذه الآية الكريمة محتملة، لأن تكون للتبعيض، فيتعين في التيمم التراب الذي له غبار يعلق باليد ; ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية، أي مبدأ ذلك المسح كائن من الصعيد الطيب، فلا يتعين ماله غبار، وبالأول قال الشافعي، وأحمد، وبالثاني قال مالك، وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى جميعا. فإذا علمت ذلك، فاعلم أن في هذه الآية الكريمة إشارة إلى هذا القول الأخير، وذلك في قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}، فقوله: {مِنْ حَرَجٍ

مسألة- إن لم يجد التراب صلى الفرض فقط على حسب حاله ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ ولا إعادة.

} نكرة في سياق النفي زيدت قبلها من، والنكرة إذا كانت كذلك، فهي نص في العموم، كما تقرر في الأصول، قال في «مراقي السعود» عاطفا على صيغ العموم: وفي سياق النفي منها يذكر ... إذا بني أو زيد من منكر فالآية تدل على عموم النفي في كل أنواع الحرج، والمناسب لذلك كون من لابتداء الغاية، لأن كثيرا من البلاد ليس فيه إلا الرمال أو الجبال، فالتكليف بخصوص ما فيه غبار يعلق باليد، لا يخلو من حرج في الجملة. ويؤيد هذا ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فليصل»، وفي لفظ: «فعنده مسجده وطهوره» الحديث، فهذا نص صحيح صريح في أن من أدركته الصلاة في محل ليس فيه إلا الجبال أو الرمال أن ذلك الصعيد الطيب الذي هو الحجارة، أو الرمل طهور له ومسجد). مسألة- إن لم يجد التراب صلى الفرض فقط على حسب حاله ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ ولا إعادة. المسألة مفترضة على أنه لا يجزئ غير التراب، وعندنا إن لم يجد أي شيء مما تصح الطهارة به ككونه محبوس مثلا في مكان نجس والعياذ بالله. قال البهوتي في " شرح منتهى الإرادات" (1/ 96): ((ولا يزيد) عادم الماء والتراب (على ما يجزئ) في الصلاة فلا يقرأ زائدا على الفاتحة ولا يستفتح، ولا يتعوذ ولا يبسمل، ولا يسبح زائدا على المرة الواحدة ولا يزيد على ما يجزئ في طمأنينة ركوع أو سجود أو جلوس بين السجدتين وإذا فرغ من قراءة الفاتحة ركع في الحال، وإذا فرغ مما يجزئ في التشهد نهض أو سلم في الحال لأنها صلاة ضرورة فتقيدت بالواجب. إذ لا ضرورة لزائد ولا يقرأ خارج الصلاة إن كان جنبا). الراجح أنه لا يقتصر على الفرض فقط بل يزيد في صلاته ما شاء كالمتطهر. قال الشيخ ابن جبرين - رحمه الله - في "شفاء العليل" (ص/360): (الصحيح أنه كغيره في إتيانه بالسنن، وزيادة على المجزئ، وذلك لأنه اتقى الله ما استطاع

فصل

، وهذه الأقوال والأفعال عبادات يثاب عليها خارج الصلاة، ويأتي بها العبد ولو كان جنبا أو متنجسا، وهذا المصلي قد ابيح له دخول الصلاة والتعبد بها، والتحريم والتكبير والقراءة والأذكار، فلا مانع من إتيانه بالمستحب في هذه الصلاة، ولو كانت ناقصة الصلاة للعذر). شبهة والجواب عنها: ومما يدل على ما ذهب إليه الماتن رحمه الله قاعدة (ما جاز للضرورة يتقدر بقدرها)، فمثلا الميتة لا يأكل منها إلا ما يسد الرمق، وهنا في الصلاة لا يأتي من أفعالها إلا ما تصح به دون غيره. والجواب عن ذلك ما رواه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت " فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من أصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاة، فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه، فنزلت آية التيمم " وفقدهم للماء ينزل منزلة فقد الطهورين؛ لأن التيمم لم يكن شرع بعد، والظاهر أنهم صلوا صلاتهم المعتادة بلا نقص وإلا لبينوا، ولم يأمرهم النبي بالإعادة ولا أنكر عليهم. والشاهد أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على صلاتهم يجعل عادم الطهورين كعادم الماء الذي يرتفع حدثه بالتيمم، فهنا أيضا يرتفع حدثه حكما لعدم صحة صلاة المحدث، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والميسور لا يسقط بالمعسور. ـ[فصل واجب التيمم: التسمية، وتسقط سهوا. وفروضه خمسة: مسح الوجه، ومسح اليدين إلى الكوعين، الثالث: الترتيب في الطهارة الصغرى فيلزم من جرحه ببعض أعضاء وضوئه إذا توضأ أن يتيمم له عند غسله لو كان صحيحا، الرابع: الموالاة فيلزمه أن يعيد غسل الصحيح عند كل تيمم، الخامس: تعيين النية لما تيمم له من حدث، أو نجاسة فلا تكفي نية أحدهما عن الآخر وإن نواهما أجزأ .. ]ـ

مسألة - واجب التيمم: التسمية، وتسقط سهوا.

ـ[ومبطلاته خمسة: ما أبطل الوضوء، ووجود الماء، وخروج الوقت، وزوال المبيح له، وخلع ما مسح عليه. وإن وجد الماء وهو في الصلاة بطلت، وإذا انقضت لم تجب الإعادة. وصفته أن ينوي ثم يسمي ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع ضربة واحدة، والأحوط اثنتان بعد نزع خاتم ونحوه، فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه، وسن لمن يرجو وجود الماء تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار. وله أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من الفرض والنفل لكن لو تيمم للنفل لم يستبح الفرض .. ]ـ مسألة - واجب التيمم: التسمية، وتسقط سهوا. ظاهر عبارة الماتن أنه التسمية واجبة في كل تيمم ولو عن نجاسة ببدن وتخصيص السقوط بالسهو ظاهره أنها لا تسقط مع تعمد الترك. وقد سبق في باب الوضوء بيان أن التسمية ليست بواجبة، وأنها مستحبة وعليه فهي مستحبة هنا أيضا. مسألة - من فروض التيمم: مسح الوجه. الصحيح من المذهب أنه لا يجب مسح ما تحت الشعر ولو كان خفيفا، ويكره إدخال التراب داخل الفم والأنف. المرداوي في "الإنصاف" (1/ 287): (تنبيهان: أحدهما- ظاهر قوله (وفرائضه أربعة: مسح جميع وجهه) أنه يجب مسح ما تحت الشعر الخفيف، وهو أحد الوجهين. قال في المذهب: محل التيمم جميع ما يجب غسله من الوجه، ما خلا الأنف والفم. والوجه الثاني: لا يجب مسح ذلك، وهو الصحيح من المذهب، قطع به في المغني، والشرح، ومجمع البحرين، وابن رزين، وقدمه ابن عبيدان، وهو الصواب. والثاني - مراده بقوله "مسح جميع وجهه" سوى المضمضة والاستنشاق قطعا، بل يكره).

فائدة - هل يشترط استيعاب مسح الوجه بالتراب ولا يسقط إلا المضمضة والاستنشاق، وما تحت الشعور وإن كانت خفيفة:

فائدة - هل يشترط استيعاب مسح الوجه بالتراب ولا يسقط إلا المضمضة والاستنشاق، وما تحت الشعور وإن كانت خفيفة: قال ابن قدامة في"المغني" (1/ 186): (لا خلاف في وجوب مسح الوجه والكفين؛ لقول الله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] ويجب مسح جميعه، واستيعاب ما يأتي عليه الماء منها، لا يسقط منها إلا المضمضة والاستنشاق، وما تحت الشعور الخفيفة، وبهذا قال الشافعي. وقال سليمان بن داود: يجزئه إن لم يصب إلا بعض وجهه وبعض كفيه. ولنا قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} والباء زائدة، فصار كأنه قال: فامسحوا وجوهكم وأيديكم منه. فيجب تعميمهما، كما يجب تعميمهما بالغسل؛ لقوله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}). وقال ابن رجب في "الفتح" (2/ 245): (وحكى ابن المنذر، عن سليمان بن داود الهاشمي: أن مسح التيمم حكمه حكم مسح الرأس في الوضوء يجزئ فيه البعض. وكلام الإمام أحمد يدل على حكاية الإجماع على خلاف ذلك، قال: الجوزجاني: ثنا إسماعيل بن سعيد الشالنجي، قال: سألت أحمد بن حنبل عمن ترك مسح بعض وجهه في التيمم؟ قال: يعيد الصلاة. فقلت له: فما بال الرأس يجزئ في المسح ولم يجز أن يترك ذلك من الوجه في التيمم؟ فقال: لم يبلغنا أن أحدا ترك ذَلكَ من تيممه). وما فهمه ابن رجب من كلام الإمام أحمد من أنه إجماع على بطلان من ترك مسح بعض الوجه متعقب بوقوع الخلاف. قال ابن رجب في "الفتح" (2/ 246): (قَالَ الشالنجي: وقال أبو أيوب -يعني: سليمان بن داود الهاشمي -: يجزئه في التيمم أن لم يصب بعض وجهه أو بعض كفيه؛ لأنه بمنزلة المسح على الرأس؛ إذا ترك منه بعضا أجزأه. قال الْجُوزَجَاني: فذكرت ذلك ليحيى بن يحيى ـ يعني: النيسابوري ـ، فقال: المسح في التيمم كما يمسح الرأس، لا يتعمد لترك شئ من ذلك، فإن بقي شئ منه لم يعد، وليس هو عندي بمنزلة الوضوء) وكل من سليمان بن داود، ويحيى بن يحيى مات قبل أحمد.

مسألة - من فروض التيمم: مسح اليدين إلى الكوعين.

الترجيح: المجزئ أن يمسح وجهه بيديه ولا يكرر مسح الوجه، فما أتت يداه على وجهه بالمسح كاف في حصول المقصود، ولكن لا يتعمد ترك بعض وجهه بدون أن يمسه بالتراب. مسألة - من فروض التيمم: مسح اليدين إلى الكوعين. قال ابن ضويان في "المنار" (1/ 47): (واليد عند الإطلاق في الشرع تتناول اليد إلى الكوع، بدليل قطع يد السارق، وفي حديث عمار:" إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه ". متفق عليه). وقال ابن رجب في "فتح الباري" (2/ 245): (وقد اجمع العلماء على أن مسح الوجه واليدين بالتراب في التيمم فرض لا بد منه في الجملة؛ فإن الله تعالى يقول: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}). مسألة - من فروض التيمم: الترتيب في الطهارة الصغرى فيلزم من جرحه ببعض أعضاء وضوئه إذا توضأ أن يتيمم له عند غسله لو كان صحيحا. المقصود أنه في الوضوء يتوضأ حتى إذا وصل إلى العضو الذي لا يستطيع غسله تيمم له، فمثلا وهو يتوضأ إذا وصل إلى يده وكان لا يستطيع غسلها من أجل الجرح الذي فيها مثلا فهنا يقطع الوضوء ويتيمم من أجل هذا العضو وذلك لأن التيمم بدل عن غسله فيفعل ذلك مراعاة للترتيب، ثم يعود ويكمل وضوءه، فإذا وصل مثلا إلى رجله وكانت كيده يتمم من أجلها مرة أخرى، ولا يصح أن يجمع بينهما بتيمم واحد؛ لأن هذا يؤدي إلى سقوط الفرض عن اليد والرجل في وقت واحد، وهذا بخلاف من تيمم عن الحدث لفقد الماء مثلا فإنه يتيمم للحدث مرة واحدة بخلاف حالتنا هذه. الترجيح: الراجح أنه يتوضأ ويغسل الصحيح من أعضاء الوضوء ثم بعد الانتهاء من الوضوء يتيمم عن الجرح، ولا يجوز له الفصل بين أبعاض الوضوء بالتيمم لعدم

مسألة - من فروض التيمم: الموالاة فيلزمه أن يعيد غسل الصحيح عند كل تيمم.

النص على ذلك، ولا يجب الترتيب في هذه الحالة، وهو وجه عند الحنابلة واختاره المجد والموفق وتقي الدين. قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 192): (ويحتمل أن لا يجب هذا الترتيب؛ لأن التيمم طهارة مفردة، فلا يجب الترتيب بينها وبين الطهارة الأخرى، كما لو كان الجريح جنبا؛ ولأنه تيمم عن الحدث الأصغر، فلم يجب أن يتيمم عن كل عضو في موضع غسله، كما لو تيمم عن جملة الوضوء؛ ولأن في هذا حرجا وضررا، فيندفع بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]) مسألة - من فروض التيمم: الموالاة فيلزمه أن يعيد غسل الصحيح عند كل تيمم. المقصود هنا أنه إذا حدث له ناقض لهذه الطهارة التي جمع فيها بين غسل بعض الأعضاء والتيمم عن البعض بأن خرج الوقت فإن عليه أن يعيد كل ما فعل سابقا من غسل وتيمم ولا يقول أن الذي يبطل بخروج الوقت هو التيمم لا الوضوء وذلك لتحقيق الموالاة بين أعضاء الوضوء. الترجيح: هذه المسألة مبنية على أن التيمم مبيح لا رافع، وقد سبق بيان أنه رافع مؤقت لحين زوال العذر أو وجود الماء، وعلى ذلك فخروج الوقت غير ناقض لهذا التيمم، فلا يجب عليه إعادته لا مع إعادة غسل باقي أعضاء الوضوء لتحقيق الموالاة، ولا بدونها. مسألة - من فروض التيمم: تعيين النية لما تيمم له من حدث، أو نجاسة فلا تكفي نية أحدهما عن الآخر وإن نواهما أجزأ. سبق بيان أن يشترط النية للتيمم، وأنه لا يتيمم عن النجاسة مطلقا، وعليه فلابد من النية عند رفع الحدث رفعا مؤقتا بالتيمم. مبطلات التيمم: مسألة - من مبطلات التيمم ما أبطل الوضوء. قال ابن مفلح في "الفروع" (1/ 310): (ويبطل التيمم عن حدث أصغر بما يبطل الوضوء، وعن أكبر بما يوجب الغسل، وعن الحيض والنفاس بحدثيهما، فلو تيممت

مسألة - من مبطلات التيمم وجود الماء.

بعد طهرها من الحيض له ثم أجنبت فله الوطء لبقاء حكم تيمم الحيض، والوطء إنما يوجب حدث الجنابة، وإن وَطِئَ تَيَمَّمَ أيضا عن نجاسة الذكر، إن نجسته رطوبة فرجها) وقد سبق بيان أنه لا يتيمم عن النجاسة التي على البدن، وأن رطوبة فرج المرأة طاهرة. مسألة - من مبطلات التيمم وجود الماء. سبق وأن رجحنا أن التيمم رافع مؤقت للحدث لحين وجود الماء، وهذا قد وجد الماء فيجب عليه أن يزيل به الحدث - هذا إذا كان تيممه لعدم الماء - وأما إن كان تيممه لمرض ونحوه لم يبطل بوجوده، وإنما يبطل تيممه بزوال العذر المبيح للتيمم. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير» رواه أحمد، وغيره من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 198): (دل بمفهومه: على أنه لا يكون طهورا عند وجود الماء، وبمنطوقه على وجوب إمساسه جلده عند وجوده؛ ولأنه قدر على استعمال الماء، فبطل تيممه؛ ولأن التيمم طهارة ضرورة، فبطلت بزوال الضرورة، يحققه أن التيمم لا يرفع الحدث، وإنما أبيح للمتيمم أن يصلي مع كونه محدثا؛ لضرورة العجز عن الماء، فإذا وجد الماء زالت الضرورة، فظهر حكم الحدث كالأصل). مسألة - من مبطلات التيمم خروج الوقت. فوائد: الأولى - قوله: (التيمم) يشمل كل تيمم كالتيمم لطواف وجنازة ونافلة، ونحو ذلك، ويدخل فيه إن كان الطواف لغير صلاة كالتيمم للنجاسة، وقراءة القرآن، ونحو ذاك ويستثني في المذهب ما إن كان التيمم في صلاة الجمعة أو نوى الجمع في وقت ثانية من يباح له فلا يبطل تيممه بخروج وقت الأولى؛ لأن الوقتين صارا كالوقت الواحد في حقه. الثانية - قوله: (خروج الوقت) وفي رواية أخرى بدخوله، ويظهر فائدة الخلاف في صلاة الفجر مثلا؛ لأن وقتها ينتهي بطلوع الشمس، ودخول وقت

مسألة - من مبطلات التيمم زوال المبيح له.

الظهر بالزوال. الثالثة - ووقت كل شيء بحسبه. قال ابن مفلح في "الفروع" (1/ 306): (وعنه إن تيمم لجنازة ثم جيء بأخرى فإن كان بينهما وقت يمكنه التيمم لم يصل عليها حتى يتيمم لها، وإلا صلى، قال القاضي: هذا للاستحباب، وقال ابن عقيل للإيجاب، لأن التيمم إذا تعدد بالوقت فوقت كل صلاة جنازة قدر فعلها، وكذا قال شيخنا، لأن الفعل المتواصل هنا كتواصل الوقت للمكتوبة، قال وعلى قياسه ما ليس له وقت محدود، كمس المصحف، وطواف فعلى هذا: النوافل الموقتة كالوتر والسنن الراتبة والكسوف يبطل التيمم لها بخروج وقت تلك النافلة، والنوافل المطلقة يحتمل أن يعتبر فيها تواصل الفعل كالجنازة، ويحتمل أن يمتد وقتها إلى وقت النهي عن تلك النافلة). • ومدار الحكم في هذه المسألة من القول ببطلان التيمم بخروج وقته على أن التيمم مبيح لا رافع، وقد سبق بيان أن الراجح أن التيمم رافع مؤقت للحدث، فالراجح أن التيمم لا يبطل بخروج الوقت. مسألة - من مبطلات التيمم زوال المبيح له. فإذا كان تيممه لعدم وجود الماء ثم وجده بطل تيممه كما سبق، وإذا كان تيممه لعدم قدرته على استعمال الماء كما لو تيمم لمرض فعوفي، أو لجرح فبرء، أو لبرد فزال، بطل تيممه. تنبيه: سبق للماتن التنصيص على أن وجود الماء من مبطلات التيمم، وهو نوع من أنواع هذا المبطل - أي زوال المبيح - وعلى هذا فكان الأولى للماتن الاقتصار على ذكر الأعم (¬1)، أو يقال أنه نص على أحد الأنواع لكونه الأغلب، وإقتداء بالكتاب والسنة من التنصيص على أن عدم وجود الماء مبيح للتيمم. مسألة - من مبطلات التيمم خلع ما مسح عليه. قال البهوتي في "شرح المنتهى" (1/ 100): ((و) يبطل أيضا (بخلع ما يمسح) ¬

_ (¬1) انظر الشرح الممتع (1/ 403).

مسألة - إن وجد الماء وهو في الصلاة بطلت.

كخف وعمامة وجبيرة لبست على طهارة ماء (إن تيمم) بعد حدثه (وهو عليه) سواء مسحه قبل ذلك أو لا، لقيام تيممه مقام وضوئه وهو يبطل بخلع ذلك فكذا ما قام مقامه والتيمم وإن اختص بعضوين صورة فهو متعلق بالأربعة حكما، وكذا لو انقضت مدة مسح). الترجيح: وقد سبق بيان أن خلع الممسوح عليه وكذا انقضاء المدة غير ناقض للوضوء، وعليه فخلع ما مسح عليه أو انقضاء مدته غير ناقض للتيمم. مسألة - إن وجد الماء وهو في الصلاة بطلت. المقصود أن زوال المبيح ناقض للطهارة ويوجب قطع الصلاة لانتهاء مدة الرفع المؤقت للحدث. فمن وجد الماء وكان تيممه لعدمه وهو في الصلاة بطلت لعموم قوله "فإذا وجد الماء فليمسه بشرته" فإن كان محدثا حدثا أصغر توضأ، وإن كان أكبر أغتسل ثم أستأنف صلاته، وهذا القول هو الراجح. الرد على أدلة المخالف: قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 197): (قال مالك، والشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر: إن كان في الصلاة، مضى فيها. وقد روي ذلك عن أحمد، إلا أنه روي عنه ما يدل على رجوعه عنه، قال المروذي: قال أحمد: كنت أقول يمضي، ثم تدبرت، فإذا أكثر الأحاديث على أنه يخرج. وهذا يدل على رجوعه عن هذه الرواية. واحتجوا بأنه وجد المبدل بعد التلبس بمقصود البدل، فلم يلزمه الخروج، كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصيام؛ ولأنه غير قادر على استعمال الماء؛ لأن قدرته تتوقف على إبطال الصلاة، وهو منهي عن إبطالها، بقوله تعالى: {{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ... ولا يصح قياسهم؛ فإن الصوم هو البدل نفسه (¬1)، فنظيره إذا قدر على الماء بعد تيممه، ولا خلاف في بطلانه (¬2). ثم الفرق بينهما أن مدة ¬

_ (¬1) ولعل مقصود ابن قدامة أنهم جعلوا الصوم أصل وفرعه العتق، مع أن كلا من العتق والصيام إنما هو بدل في كفارة القتل. (¬2) وعبارة الشيخ الحمد في "شرح الزاد": (وأما التعليل: فإنهم قالوا: إن من لم يجد رقبة في كفارة القتل فإنه يفعل بدلها وهو صيام شهرين متتابعين، فإذا شرع في هذا الصيام ثم أمكنه أن يعتق الرقبة فإنه لا يجب عليه أن يعتقها بل يستمر في صيامه، قالوا: فكذلك هنا. وهذا التعليل ضعيف؛ ذلك لأن التيمم هو بدل الوضوء أو الغسل وليست الصلاة، ونحن وإياكم متفقون على أنه لو وجد الماء وهو يتيمم أو بعد أن تيمم وقبل أن يصلي فإن تيممه بطل وهنا قد شرع بالبدل بل قد انتهى منه).

مسألة - إذا انقضت صلاته بالتيمم ثم وجد الماء لم تجب الإعادة.

الصيام تطول، فيشق الخروج منه؛ لما فيه من الجمع بين فرضين شاقين، بخلاف مسألتنا. وقولهم: إنه غير قادر غير صحيح فإن الماء قريب، وآلته صحيحة، والموانع منتفية، وقولهم: إنه منهي عن إبطال الصلاة. قلنا: لا يحتاج إلى إبطال الصلاة، بل هي تبطل بزوال الطهارة، كما في نظائرها. فإذا ثبت هذا، فمتى خرج فتوضأ لزمه استئناف الصلاة. وقيل: فيه وجه آخر، أنه يبنى على ما مضى منها، والصحيح أنه لا يبني؛ لأن الطهارة شرط، وقد فاتت ببطلان التيمم، فلا يجوز بقاء الصلاة مع فوات شرطها، ولا يجوز بقاء ما مضى صحيحا مع خروجه منها قبل إتمامها). مسألة - إذا انقضت صلاته بالتيمم ثم وجد الماء لم تجب الإعادة. لأنه أدي الصلاة بطهارة صحيحة فأجزأت. نعم وجدان الماء أبطل التيمم، ولكنه بعد انقضاء الصلاة، فبطلان التيمم بعد العبادة كبطلان الوضوء بعد فعلها، فتبقى العبادة صحيحة ويكون الوضوء منتقضاً. قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 179): (لأنه أدى فرضه كما أمر، فلم يلزمه الإعادة، كما لو وجده بعد الوقت؛ ولأن عدم الماء عذر معتاد، فإذا تيمم معه يجب أن يسقط فرض الصلاة كالمرض؛ ولأنه أسقط فرض الصلاة، فلم يعد إلى ذمته، كما لو وجده بعد الوقت). الأدلة - ومما يدل على صحة الصحة وإجزائها: - ما رواه أبو داود وغيره من طريق عبد الله بن نافع، عن الليث بن سعد، عن بكر بن سوادة، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيدا طيبا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد: «أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك».

فائدة:

وقال للذي توضأ وأعاد: «لك الأجر مرتين» وهذا الحديث أعله جماعة بتفرد عبدالله بن نافع بوصله، ومنهم: أبو داود، والدارقطني، والبيهقي، والطبراني، وغيرهم. ولكن ابن حجر في "التلخيص" (1/ 156) رد هذا الإعلال وذكر أن أبا الوليد الطيالسي تابع عبدالله بن نافع فرواه موصولا أخرجه ابن السكن في صحيحه والحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود. - ما رواه الشافعي في "مسنده" عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة قال الشافعي: والجرف قريب من المدينة، وإسناده صحيح. فائدة: ظاهر قوله: (لم تجب الإعادة) استحبابها لقوله صلى الله عليه وسلم للذي أعاد الصلاة مرتين: (لك الأجر مرتين)، وهي رواية ضعيفة في المذهب، وقول مرجوح. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 298): (قوله (وإن وجد الماء بعد الصلاة لم تجب إعادتها) بلا نزاع. ولم يستحب أيضا على الصحيح من المذهب. وعنه يستحب). قال الشيخ العثيمين في "الشرح المميتع" (1/ 407): (فإن قال قائل: أعيد لأنال الأجر مرتين ... قلنا: إذا علمت بالسنة، فليس لك الأجر مرتين، بل تكون مبتدعا، والذي أعاد وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لك الأجر مرتين» لم يعلم بالسنة، فهو مجتهد فصار له أجر العملين: الأول، والثاني. ومن هذا الحديث يتبين لنا فائدة مهمة جدا وهي أن موافقة السنة أفضل من كثرة العمل). صفة التيمم: مسألة - صفة التيمم أن ينوي ثم يسمي ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع ضربة واحدة، والأحوط اثنتان بعد نزع خاتم ونحوه، فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه. سبق الكلام على: النية وأنها شرط في التيمم، وعلى التسمية وأنها مستحبة.

قوله: (مفرجتي الأصابع) قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 411): (أي متباعدة؛ لأجل أن يدخل التراب بينها؛ لأن الفقهاء يرون وجوب استيعاب الوجه والكفين هنا، ولذلك قالوا: مفرجتي الأصابع. والأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب بيديه ليس فيها أنه فرج أصابعه. وطهارة التيمم مبنية على التسهيل والتسامح، ليست كطهارة الماء). قوله: (الأحوط اثنتان) والأحاديث المرفوعة الصحيحة ليس فيها إلا ضربة واحدة للوجه والكفين، ومن ذلك ما رواه أحمد وغيره عن عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في التيمم: " ضربة للوجه والكفين". وكل ما ورد من أحاديث مرفوعة فيها أن التيمم ضربتان فلا يصح، وإنما صح ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه (¬1) ولفظه كما رواه عبد الرزاق في "المصنف" أنه كان إذا تيمم ضرب بيديه ضربة على التراب، ثم مسح وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى، ثم مسح بهما يديه إلى المرفقين ولا ينفض يديه من التراب ". تنبيه: - روى الدارقطني في "سننه" عن أبي الزبير , عن جابر , قال: " جاء رجل فقال: أصابتني جنابة , وإني تمعكت في التراب , قال: اضرب , فضرب بيده فمسح وجهه , ثم ضرب بيده أخرى فمسح بهما يديه إلى المرفقين "، وإسناده ضعيف فيه عنعنة أبي لزبير وهو مدلس. - وروى عبد الرزاق في "مصنفه" عن أبي البختري، أن عليا قال: «في التيمم ضربة في الوجه، وضربة في اليدين إلى الرسغين» وإسناده ضعيف فيه أبي البحتري وهو كثير الإرسال وروايته عن علي رضي الله عنه مرسلة. الترجيح: الراجح الاقتصار على ضربة واحدة بلا زيادة عليها، وفعل ابن عمر معارض بفعل عمار رضي الله عنهما فروى ابن المنذر في "الأوسط" عن أبي مالك، قال: (وضع عمار كفيه في التراب ثم رفعهما فنفضهما فمسح وجهه وكفيه مرة واحدة، ¬

_ (¬1) انظر موسوعة الدبيان (12/ 300)، وما بعدها.

مسألة - سن لمن يرجو وجود الماء تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار.

ثم قال: هكذا التيمم). وأفعال الصحابة إذا تعارضت فلا حجة لبعضهم على بعض، وعليه فالمرفوع الصحيح ورد فيه الاقتصار على ضربة واحدة للوجه والكفين. أضف إلى أن ما ورد على ابن عمر فيه أنه مسح اليدين إلى المرفقين وهذا مخالف لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاقتصار على الكفين. قوله: (بعد نزع خاتم ونحوه) ليصل التراب إلى محله من اليد ولا يكفي تحريكه بخلاف الماء لقوة سريانه. وهذا الفعل مبني على القول بوجوب الاستيعاب، وقد سبق من كلام الشيخ العثيمين أن هذه الطهارة مبنية على التساهل والتسامح فلا يجب عليه خلع الخاتم ولا تحريكه. قوله: (فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه) هذا إن كان التيمم بضربة واحدة، وإنما ذهبوا إلى هذه الصفة بناء على اشتراط أن يكون التراب طهورا غير مستعمل. ولم يرد دليل يدل على هذه الصفة كما أننا سبق وأن رجحنا أنه لا يشترط في التراب أن يكون طهورا وأن استعماله لا يخرجه عن كونه طهورا. وظواهر الأحاديث تدل على أنه يمسح بيديه عامة بباطن الأصابع وراحتيه وجهه، ويمسح كفيه كذلك. مسألة - سن لمن يرجو وجود الماء تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار. • والوقت المختار للعصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه سوى ظل الزوال ثم هو وقت ضرورة إلى الغروب، والوقت المختار للعشاء إلى ثلث الليل الأول ثم هو وقت ضرورة إلى طلوع الفجر. • وخالف الشيخ مرعي هنا ظاهر المذهب باستحباب التأخير لآخر الوقت وليس لآخر وقت الاختيار. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 300): (قوله (ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء) هذا المذهب، وعليه

الجمهور بهذا الشرط ... واختاره ابن عبدوس في تذكرته، وقيده بوقت الاختيار، وهو قيد حسن). • قال البهوتي في "كشاف القناع" (1/ 178): ((ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار) بحيث يدرك الصلاة كلها قبل خروجه (لمن يعلم) وجود الماء (أو يرجو وجود الماء) في الوقت؛ لأن الطهارة بالماء فريضة، والصلاة في أول الوقت فضيلة، وانتظار الفريضة أولى (فإن استوى عنده الأمران) أي: احتمال وجود الماء واحتمال عدمه (فالتأخير) أي: تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار (أفضل) منه أول الوقت لما تقدم ولقول علي في الجنب: "يتلوم (¬1) ما بينه وبين آخر الوقت، فإن وجد الماء وإلا تيمم" وعلم منه أن التقديم لمتحقق العدم أو ظانه، أفضل. (وإن تيمم) من يعلم أو يرجو وجود الماء أو استوى عنده الأمران (وصلى أول الوقت أجزأه) ذلك ولا تلزمه الإعادة إذا وجد الماء). • الترجيح: أثر علي الذي أشار إليه البهوتي إسناده ضعيف فقد أخرجه ابن أبي شيبة وغيره بإسناد فيه الحارث الأعور وهو ضعيف. وروى عبد الرزاق في "مصنفه" من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، أن عمر أصابته جنابة وهو في سفر، فلما أصبح قال: (أترونا ندرك الماء قبل طلوع الشمس؟» قالوا: نعم، فأسرع السير حتى أدرك فاغتسل) ورواته ثقات. • وهذا الأثر عن عمر معارض بظاهر فعل ابن عمر الذي سبق ذكره من أنه أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة قال الشافعي: والجرف قريب من المدينة. ونوقش بأنه يحتمل أنه لم يرد أن يدخل المدينة إلا بع الوقت ثم بدا له فدخلها، ويحتمل أنه غلب على ظنه أنه لا يصل المدينة إلا بعد الوقت (¬2). ¬

_ (¬1) فسره الجوهري في "الصحاح" بالانتظار والتمكث. (¬2) انظر اختيارات ابن تيمية (1/ 645).

مسالة - للمتيمم أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من الفرض والنفل.

وهذه المسألة مدارها على ما يراه المحدث فإن علم، أو غلب على ظنه الصلاة بطهارة كاملة فهو أولى، وإن غلب على ظنه أو علم أنه لا يدرك الماء صلى بالتيمم. وأما إن استوى عنده الأمران فالأقوى انشغاله بمراعاة الشرط وتحصيله ويكون بذلك معذور في التأخير كما سبق في مسألة من وصل إلى الماء وضاق عليه الوقت أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروجه فإننا رجحنا أن انشغاله بتحصيل الشرط عذر له في التأخير. تنبيه: روى أحمد وغيره من طريق عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا ابن لَهِيعَةَ، عن عبد الله بن هبيرة، عن حنش، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج فيهريق الماء، فيتمسح بالتراب، فأقول: يا رسول الله، إن الماء منك قريب. فيقول: " وما يدريني، لعلي لا أبلغه " وهذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة، وقد اختلف العلماء فيه ومن يرى ان رواية العبادلة عنه صحيحة يقوي هذا الإسناد وظاهره أنه غلب على ظنه أنه لا يبلغ الماء فلا يعارض ما سبق. مسالة - للمتيمم أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من الفرض والنفل. والمقصود بالفرض هنا قضاء الفوائت، أو الجمع بين الصلاتين لا الفرض الجديد لأن خروج الوقت مبطل للتيمم على المذهب. مسألة - المتيمم إن تيمم للنفل لم يستبح الفرض. والعلة هنا أنه تيمم للأدنى فلا يجوز له استباحة الأعلى. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 292): (أفادنا المصنف - رحمه الله تعالى - بقوله " وإن نوى فرضا فله فعله، والجمع بين الصلاتين، وقضاء الفوائت والنوافل " أن من نوى شيئا استباح فعله. واستباح ما هو مثله أو دونه. ولم يستبح ما هو أعلى منه، وهو صحيح، وهو المذهب).

باب إزالة النجاسة

وهاتان المسألتان مبنيتان على أن التيمم مبيح، وقد سبق ترجيح أنه رافع مؤقت للحدث، وأن خروج الوقت ليس مبطلا للتيمم، وعليه فيجوز للمتيمم أن يصلي بتيممه ما شاء من الفرض والنفل ما لم يحصل له مبطل للوضوء، أو يزول عذره المبيح لتيممه. ـ[باب إزالة النجاسة يشرط لكل متنجس سبع غسلات وأن يكون إحداها بتراب طهور أو صابون ونحوه في متنجس بكلب أو خنزير ويضر بقاء طعم النجاسة لا لونها أو ريحها أو هما عجزا. ويجزئ في بول غلام لم يأكل طعاما لشهوة نضحه وهو غمره بالماء. ويجزئ في تطهير صخر وأحواض وأرض تنجست بمائع ولو من كلب أو خنزير مكاثرتها بالماء حتى بحيث يذهب لون النجاسة وريحها. ولا تطهر الأرض بالشمس والريح والجفاف ولا النجاسة بالنار. وتطهر الخمرة بإنائها إذا انقلبت خلاً بنفسها. وإذا خفي موضع النجاسة غسل حتى يتيقن غسلها .. ]ـ مسألة - يشرط لكل متنجس سبع غسلات. • قوله: (لكل متنجس) هذا من باب العام الذي أريد به الخصوص، فيستثنى من ذلك ما إذا كان المتنجس أرضا أوما اتصل بها من الحيطان والأحواض والصخور، فإنها تكاثر بالماء، وأيضا بول الغلام الذي لم يطعم كما سيأتي. • ظاهر ما ذكره الماتن هنا أنه لا يشترط استعمال التراب ونحوه إلا في متنجس الكلب أو الخنزير ما لم يكن على الأرض وما اتصل بها كما سيأتي. قوله: (سبع غسلات) أي بماء طهور، ويشترط أن تنقي السبع بأن تزيل طعم النجاسة كما سيأتي.

قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 102): ((يشترط ل) تطهير (كل متنجس حتى أسفل خف، و) أسفل (حذاء) بالمد وكسر المهملة أوله، أي نعل (و) حتى (ذيل امرأة سبع غسلات) لعموم حديث ابن عمر «أمرنا بغسل الأنجاس سبعا» فينصرف إلى أمره صلى الله عليه وسلم وقياسا على نجاسة الكلب والخنزير ... ويعتبر في كل غسلة، أن تستوعب المحل. فيجب العدد من أول غسلة، ولو مع بقاء العين فلا يضر بقاؤها. فيجزئ (إن أنقت) السبع غسلات النجاسة (وإلا) بأن لم تنق بها (ف) يزيد على السبع (حتى تنقى) النجاسة (بماء طهور) أي يشترط أن تكون كل غسلة من السبع بماء طهور). توجيه أدلة المذهب: وحديث ابن عمر الذي أشار إليه لا يصح، قال ابن عبد الهادي في "رسالة لطيفة" ليس له إسناد، أو له إسناد ولا يحتج بمثله النقاد من أهل العلم. وأما القياس فهو قياس مع الفارق فنجاسة الكلب مغلظة، فدم الحيض مع أنه مجمع على نجاسته لم يرد فيه تكرار الغسل. الترجيح: والراجح هو أنه لا يشترط في إزالة هذه النجاسات عدد معين، وإنما المقصود ذهاب عينها سواء أكان بالدلك بالتراب أو بالغسل بالماء أو بأي مائع آخر، والدليل على ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم في النعل الذي به أذى (ثم ليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور)، ومنها: قوله في الذيل: (يطهره ما بعده) ومنها قوله في الهر: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات) مع أن الهر في العادة يأكل الفأر ولم يكن هناك قناة ترد عليها تطهر بها أفواهها بالماء بل طهورها ريقها. وما رواه الترمذي وغيره عن أسماء بنت أبي بكر: (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب يصيبه الدم من الحَيضة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه وصلي فيه) ولم يذكر عددا كما أيضا في الحديث الذي رواه الشيخان من طريق عن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ، قال: قلت: يا نبي الله، إنا بأرض

مسألة - يشترط لمتنجس بكلب أو خنزير سبع غسلات إحداها بتراب طهور أو صابون ونحوه.

قوم من أهل الكتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ قال: «أما ما ذكرت من أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها». مسألة - يشترط لمتنجس بكلب أو خنزير سبع غسلات إحداها بتراب طهور (¬1) أو صابون ونحوه. والكلام هنا من وجوه: الأول - قوله: (لمتنجس بكلب أو خنزير): ظاهر كلامه أنه لا يختص التسبيع مع التتريب بلعاب الكلب، وإنما بأي جزء من أجزائه، وأن الخنزير يلحق به، وما ذهب إليه هو الصحيح من المذهب، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 310): (تغسل نجاسة الكلب سبعا على الصحيح من المذهب، نص عليه. وعليه الأصحاب ... وقطع المصنف: أن نجاسة الخنزير كنجاسة الكلب، وهو الصحيح من المذهب. وعليه الأصحاب. قال الإمام أحمد: هو شر من الكلب). الترجيح: والراجح أن التسبيع والتتريب مختص بلعاب الكلب دون بقية أجزائه، ومختص بالإناء أيضا، وذلك لأمرين: الأول - ما ثبت علميا من أن لعاب الكلب فيه جرثومة لا يزيلها إلا التراب. الثاني - طريقة شرب الكلب للماء قال تقي الدين في " الفتاوى الكبرى" (1/ 425): (الكلب يلغ بلسانه شيئا بعد شيء، فلا بد أن يبقى في الماء من ريقه ولعابه ما يبقى وهو لزج، فلا يحيله الماء القليل، بل يبقى، فيكون ذلك الخبث محمولا، والماء يسيرا، فيراق ذلك الماء لأجل كون الخبث محمولا فيه، ويغسل الإناء الذي لاقاه ذلك الخبث). • فائدة - هل يلحق الخنزير بالكلب؟ الراجح أنه لا يلحق به في تطهير متنجسه، وأن الخنزير يطهر متنجسه كباقي النجاسات، قال الشيخ العثمين في "الشرح الممتع" (1/ 418): (الخنزير: حيوان ¬

_ (¬1) في بعض النسخ: طاهر طهور، وفي بعضها: طاهر، وفي بعضها: طهور. وهذه الأخيرة هي الموافقة لأصول المذهب فمن باب التأكيد على أنه ليس بنجس.

معروف بفقد الغيرة، والخبث، وأكل العذرة، وفي لحمه جراثيم ضارة، قيل: إن النار لا تؤثر في قتلها، ولذا حرمه الشارع. والفقهاء ـ رحمهم الله ـ ألحقوا نجاسته بنجاسة الكلب؛ لأنه أخبث من الكلب، فيكون أولى بالحكم منه. وهذا قياس ضعيف؛ لأن الخنزير مذكور في القرآن، وموجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد إلحاقه بالكلب. فالصحيح: أن نجاسته كنجاسة غيره، فتغسل كما تغسل بقية النجاسات). الثاني - قوله (إحداها بتراب). والصحيح من المذهب أن الأولى جعل التراب في الأولى، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 311): (قوله " إحداهن بالتراب " لا خلاف أنه لو جعل التراب في أي غسلة شاء: أنه يجزئ، وإنما الخلاف في الأولوية. فظاهر كلام المصنف هنا: أنه لا أولوية فيه، وهو رواية عن أحمد ... وعنه الأولى: أن يكون في الغسلة الأولى، وهو الصحيح ... ) وهو الراجح، قال الشيخ العثيمين في "لشرح الممتع" (1/ 416): (الدليل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة، وعبد الله بن مغفل: «أمر إذا ولغ الكلب في الإناء أن يغسل سبع مرات»، «إحداهن بالتراب»، وفي رواية: «أولاهن بالتراب». وهذه الرواية أخص من الأولى، لأن «إحداهن» يشمل الأولى إلى السابعة، بخلاف «أولاهن» فإنه يخصصه بالأولى، فيكون أولى بالاعتبار، ولهذا قال العلماء رحمهم الله تعالى: الأولى أن يكون التراب في الأولى لما يلي: 1 - ورود النص بذلك. 2 - أنه إذا جعل التراب في أول غسلة خفت النجاسة، فتكون بعد أول غسلة من النجاسات المتوسطة. 3 - أنه لو أصاب الماء في الغسلة الثانية بعد التراب محلا آخر غسل ستا بلا تراب، ولو جعل التراب في الأخيرة، وأصابت الغسلة الثانية محلا آخر غسل ستا إحداها بالتراب).

مسألة - يضر بقاء طعم النجاسة لا لونها أو ريحها أو هما عجزا.

الثالث قوله: (بتراب طهور). سبق في باب المياه بيان أن الراجح في قسمته أنها قسمة ثنائية، وبالتالي فيجوز استعمال التراب الطاهر أيضا في إزالة هذه النجاسة. الرابع - إلحاق غير التراب به. والراجح أن غير التراب لا يقوم مقامه. قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 418): (قوله: «ويجزئ عن التراب أشنان ونحوه»، الأشنان: شجر يدق ويكون حبيبات كحبيبات السكر أو أصغر، تغسل به الثياب سابقا، وهو خشن كخشونة التراب، ومنظف، ومزيل، ولهذا قال المؤلف: «يجزئ عن التراب» في نجاسة الكلب. وهذا فيه نظر لما يلي: 1 - أن الشارع نص على التراب، فالواجب اتباع النص. 2 - أن السدر والأشنان كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يشر إليهما. 3 - لعل في التراب مادة تقتل الجراثيم التي تخرج من لعاب الكلب. 4 - أن التراب أحد الطهورين، لأنه يقوم مقام الماء في باب التيمم إذا عدم. قال صلى الله عليه وسلم: «وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا»، فربما كان للشارع ملاحظات في التراب فاختاره على غيره؛ لكونه أحد الطهورين، وليس كذلك الأشنان وغيره. فالصحيح: أنه لا يجزئ عن التراب، لكن لو فرض عدم وجود التراب ـ وهذا احتمال بعيد ـ فإن استعمال الأشنان، أو الصابون خير من عدمه). ومما يؤكد اختصاص هذا الحكم بالتراب أنّ لعاب الكلب يحتوي على جرثومة لا تموت إلا بمادّة السليكا الموجودة في التراب. مسألة - يضر بقاء طعم النجاسة لا لونها أو ريحها أو هما عجزا. وقوله: (عجزا) المقصود أن بقاء اللون أو الريح أو كلاهما لا يضر بعد استفراغ الوسع في إزالتهما، وذلك بأن يكون الغسل سبع مرات، ولا مانع من استعمال الصابون أو الأشنان، أو التراب في إحداهن.

وعبارة الماتن تدل على أن بقاء الطعم يضر ولا بد من إزالته، وقد يكون ذلك بالزيادة عن السبع غسلات، أو استعمال الملح ونحوه حتى يزول الطعم. ولعل وجه التشديد في الطعم دون اللون والريح أن بقاء الطعم مستلزم لبقاء عين النجاسة بخلاف اللون والريح فإنما هما من آثار التنجيس، وقد يظلا باقيين مع ذهاب عين النجاسة. قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 44): (إذا أصاب ثوب المرأة دم حيضها، استحب أن تحته بظفرها، لتذهب خشونته، ثم تقرصه ليلين للغسل، ثم تغسله بالماء؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «لأسماء في دم الحيض: حتيه، ثم اقرصيه، ثم اغسليه بالماء». متفق عليه. فإن اقتصرت على إزالته بالماء جاز، فإن لم يزل لونه، وكانت إزالته تشق أو يتلف الثوب ويضره، عفي عنه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ولا يضرك أثره». وإن استعملت في إزالته شيئا يزيله كالملح وغيره، فحسن؛ لما روى أبو داود، بإسناده عن «امرأة من غفار، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أردفها على حقيبته، فحاضت، قالت: فنزلت، فإذا بها دم مني، فقال: ما لك؟ لعلك نفست؟. قلت: نعم. قال: فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم» قال الخطابي: فيه من الفقه؛ جواز استعمال الملح، وهو مطعوم، في غسل الثوب وتنقيته من الدم، فعلى هذا يجوز غسل الثياب بالعسل، إذا كان يفسدها الصابون، وبالخل إذا أصابها الحبر، والتدلك بالنخالة، وغسل الأيدي بها، والبطيخ ودقيق الباقلا، وغيرها من الأشياء التي لها قوة الجلاء. والله أعلم). وحديث (ولا يضرك أثره) حديث ضعيف لأن مداره على ابن لهيعة، والحديث لو صح لكان حجة قوية للعفو عن الأثر. وحديث استعمال الملح ضعيف لجهالة أمية بنت أبي الصَّلْت، والحديث ضعفه الشيخ الألباني والأرناؤوط وغيرهما. الترجيح: الراجح أن بقاء لون أو طعم أو رائحة النجاسة يدل على أن المحل لا يزال

مسألة- يجزئ في بول غلام لم يأكل طعاما لشهوة نضحه وهو غمره بالماء.

متنجسا، وكما سبق في باب المياه أن تغير أحد أوصاف الماء بالنجاسة علامة على تنجس الماء، وأنه لا يطهر حتى تزول جميعها، وروى ابن المنذر في "الأوسط" عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا أصاب ثوبه دم غسله , فإن لم يذهب قرضه بالمقراض " ورواته ثقات. مسألة- يجزئ في بول غلام لم يأكل طعاما لشهوة نضحه وهو غمره بالماء. قوله: (لشهوة) أي باختياره وإرادته. قال ابن قدامة في "المغني" (2/ 68): (قال أحمد: الصبي إذا طعم الطعام، وأراده، واشتهاه، غسل بوله، وليس إذا أطعم؛ لأنه قد يلعق العسل ساعة يولد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حنك بالتمر. ولكن إذا كان يأكل ويريد الأكل، فعلى هذا ما يسقاه الصبي أو يلعقه للتداوي لا يعد طعاما يوجب الغسل، وما يطعمه لغذائه وهو يريده ويشتهيه، هو الموجب لغسل بوله). قوله: (نضحه) أي رشه والمقصود أنه لا يجب عليه غسله. قال ابن قاسم في "حاشيته" (1/ 356): (النضح في الأصل الرش والبل، فالذي أصابه البول يغمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا تبلغ جريان الماء وتردده وتقاطره). • والذي اختاره الماتن هو الراجح واستدل له ابن قدامة في "المغني" (2/ 68) فقال: (ولنا ما روت أم قيس بنت محصن «، أنها أتت بابن، لها صغير، لم يأكل الطعام، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجلسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فنضحه، ولم يغسله.» وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت «، أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصبي، فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه بوله، ولم يغسله». متفق عليهما. وعن لبابة بنت الحارث قالت: «كان الحسين بن علي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال عليه، فقلت: البس ثوبا آخر، وأعطني إزارك حتى أغسله. فقال: إنما يغسل من بول الأنثى، وينضح من بول الغلام الذكر». رواه أبو داود. وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بول الغلام ينضح، وبول الجارية يغسل». قال قتادة: هذا ما لم يطعما الطعام، فإذا طعما غسل بولهما. رواه الإمام أحمد في مسنده).

فائدة - علة التفريق بين بول الغلام وبول الجارية:

فائدة - علة التفريق بين بول الغلام وبول الجارية: قال ابن القيم في "تحفة المودود" (ص/216): (وقد فرق بين الغلام والجارية في المعنى بعدة فروق أحدها أن بول الغلام يتطاير وينشر هاهنا وهاهنا فيشق غسله وبول الجارية يقع في موضع واحد فلا يشق غسله الثاني أن بول الجارية أنتن من بول الغلام لأن حرارة الذكر أقوى وهي تؤثر في إنضاج البول وتخفيف رائحته الثالث أن حمل الغلام أكثر من حمل الجارية لتعلق القلوب به كما تدل عليه المشاهدة فإن صحت هذه الفروق وإلا فالمعول على تفريق السنة). • وفي زيادات أبي الحسن بن سلمة القطان على سنن ابن ماجه تفريق آخر منسوب للشافعي - رحمه الله -، قال أبو الحسن حدثنا أحمد بن موسى بن معقل قال: حدثنا أبو اليمان المصري، قال: سألت الشافعي، عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم «يرش من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية، والماءان جميعا واحد» قال: لأن بول الغلام من الماء والطين، وبول الجارية من اللحم والدم، ثم قال لي: «فهمت؟» أو قال: «لقنت؟» قال، قلت: لا. قال: " إن الله تعالى، لما خلق آدم، خلقت حواء من ضلعه القصير، فصار بول الغلام من الماء والطين، وصار بول الجارية من اللحم والدم. قال، قال لي: فهمت؟ قلت: نعم. قال لي: نفعك الله به)، وأبو اليمان المصري صوابه (أبو لقمان) قال عنه الخطيب: (كان ضعيفا، يروى المنكرات عن الثقات) وهذا الإسناد ضعفه الشيخ الألباني وانظر الضعيفة (13/ 1140). مسألة - يجزئ في تطهير صخر وأحواض وأرض تنجست بمائع ولو من كلب أو خنزير مكاثرتها بالماء بحيث يذهب لون النجاسة وريحها. تنبيه - خصص الماتن النجاسة التي تطهر بالمكاثرة هنا بالمائع وذلك لأن النجاسة المائعة هي التي تطهر بالمكاثرة، بخلاف ما له جزم أو ما يلتصق بالمحل فإنه يجب إزالة عينها. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 316): (وإن أصابت النجاسة محلا لا يتشرب بها، كالآنية ونحوها، طهر بمرور الماء عليه، وانفصاله عنه، وإن لصقت به النجاسة وجب مع ذلك إزالتها).

مسألة - لا تطهر الأرض بالشمس والريح والجفاف.

وقال الرحيباني في "مطالب أولي النهى" (1/ 227): ((و) يجزئ (في نحو) (صخرة وأجرنة) صغار مبنية أو كبيرة مطلقا. قاله في الرعاية " وأحواض وحيطان وأرض تنجست بمائع (أو) بنجاسة (ذات جرم أزيل) ذلك الجرم (عنها ولو من كلب أو خنزير مكاثرتها بماء حتى يذهب لون نجاسة وريحها)). • والدليل على ما ذهب إليه الماتن ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء». مسألة - لا تطهر الأرض بالشمس والريح والجفاف. واستدلوا على ذلك بحديث بول الأعرابي السابق، ومرادهم أنه لو كانت تطهر بالجفاف، أو بالريح لما أمر النبي بصب الماء عليها. ونوقش بأنه صلى الله عليه وسلم أستعجل التطهير لكونه مسجدا، كما أنه ليس في الحديث ما يدل على نفي الطهارة بالجفاف، أو بالريح. الترجيح: الراجح أن الأرض تطهر بالشمس، بالريح، أو بالجفاف، وذلك لأن المقصود من التطهير إزالة عين النجاسة وأثرها، فبزوالها يزول حكمها، وهذا حاصل بالشمس والريح. قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (1/ 150): (قال أبو البركات بن تيمية: "وهذا كله يقوى طهارة الأرض بالجفاف، لأن الإنسان في العادة لا يزال يشاهد النجاسات في بقعة من طرقاته التي يكثر فيها تردده إلى سوقه ومسجده وغيرهما، فلو لم تطهر إذا أذهب الجفاف أثرها للزمه تجنب ما شاهده من بقاع النجاسات بعد ذهاب أثرها، ولما جاز له التحفى بعد ذلك، وقد علم أن السلف الصالح لم يحترزوا من ذلك. ويعضده أمره عليه الصلاة والسلام بمسح النعلين بالأرض لمن أتى المسجد ورأى فيهما خبثاً، ولو تنجست الأرض بذلك نجاسة لا تطهر بالجفاف لأمر بصيانة طريق المسجد عن ذلك، لأنه يسلكه الحافى وغيره". قلت: وهذا اختيار شيخنا رحمه الله).

مسألة - لا تطهر النجاسة بالنار.

مسألة - لا تطهر النجاسة بالنار. • وهذه المسألة أحد صور مسألة الاستحالة، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 318): (قوله (ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة، ولا بنار أيضا إلا الخمرة)، هذا المذهب بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب، ونصروه). • والاستحالة معناها التحول من حالة إلى حالة كتحول الدم والصديد واللحم في الميتة إلى تراب وكتحول الروث النجس إلى رماد، والميتة التي تسقط في أرض ملح فتصير ملحا، وهكذا. • والمذهب أن الاستحالة غير مطهرة إلا في الخمرة كما سيأتي، ومما يستدلون به على ذلك حديث الجلالة والنهي عن أكلها وعن شرب ألبانها. وهو حجة عليهم فأكل النجاسة أحال الطيب إلى خبيث، كما أنهم يقولون أنها إن حبست ثلاثة أيام طهرت، والسبب في ذلك الاستحالة أيضا. • والراجح أن الاستحالة مطهرة وأن النجاسة إذا تحولت بالنار إلى رماد فإنها تطهر. قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي" (21/ 70): (وأما دخان النجاسة فهذا مبنى على أصل وهو أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة مثل أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير ملحا طيبا كغيرها من الملح أو يصير الوقود رمادا وخرسفا وقصرملا ونحو ذلك ففيه للعلماء قولان أحدهما لا يطهر كقول الشافعى وهو أحد القولين في مذهب مالك وهو المشهور عن أصحاب أحمد وإحدى الروايتين عنه والرواية الأخرى أنه طاهر وهذا مذهب أبى حنيفة ومالك في أحد القولين وأحدى الروايتين عن أحمد ومذهب أهل الظاهر وغيرهم أنها تطهر وهذا هو الصواب المقطوع به فان هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظا ولا معنى فليست محرمه ولا في معنى المحرم فلا وجه لتحريمها بل تتناولها نصوص الحل فإنها من الطيبات وهى أيضا في معنى ما اتفق على حله فالنص والقياس يقتضى تحليلها وأيضا فقد اتفقوا كلهم على الخمر إذا صارت خلا بفعل الله تعالى صارت حلالا طيبا واستحالة هذه الأعيان أعظم من استحالة الخمر والذين فرقوا بينهما قالوا الخمر نجست بالاستحالة فطهرت

مسألة - تطهر الخمرة بإنائها إذا انقلبت خلا بنفسها.

بالاستحالة بخلاف الدم والميتة ولحم الخنزير وهذا الفرق ضعيف فان جميع النجاسات نجست أيضا بالاستحالة فإن الدم مستحيل عن أعيان طاهرة وكذلك العذرة والبول والحيوان النجس مستحيل عن مادة طاهرة مخلوقة وأيضا فإن الله تعالى حرم الخبائث لما قام بها من وصف الخبث كما أنه أباح الطيبات لما قام بها من وصف الطيب وهذه الأعيان المتنازع فيها ليس فيها شيء من وصف الخبث وإنما فيها وصف الطيب فإذا عرف هذا فعلى أصح القولين فالدخان والبخار المستحيل عن النجاسة طاهر لأنه أجزاء هوائية ونارية ومائية وليس فيه شيء من وصف الخبث). مسألة - تطهر الخمرة بإنائها إذا انقلبت خلاً بنفسها. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 319): (الصحيح من المذهب: أن الخمرة إذا انقلبت بنفسها تطهر مطلقا، نص عليه. وعليه الجمهور). ثم قال: (اعلم أن الخمرة يحرم تخليلها على الصحيح من المذهب. وعليه الأصحاب ... فعلى المذهب: لو خالف وفعل: لم تطهر على الصحيح من المذهب. وعليه جماهير الأصحاب، ونص عليه). قوله: (بإنائها) أي أن شرط التخلل المطهر إذا كان بلا نقل من زق لزق، ولم يكتف به للدلالة على تخللها بنفسها فأكده بقوله: (بنفسها) وذلك لأنها قد تتخلل قصدا وهي في إنائها كما لو كشف الزق فتخللت بشمس أو بظل. قال المرداوي: (وعلى المذهب أيضا: لو خللت بنقلها من الشمس إلى الظل، أو بالعكس، أو فرغ من محل إلى محل آخر، أو ألقى جامدا فيها: ففيه وجهان. إحداهما: لا تطهر، وهو المذهب). الأدلة: والراجح أن الخمر إذا تخللت بنفسها، فإنها تطهر باتفاق الأئمة كما قال تقي الدين في "الفتاوى الكبرى" (1/ 441): (لو انقلبت الخمرة خلا بغير قصد آدمي، فإنها طاهرة حلال باتفاق الأئمة). وأما إن تخللت بفعل فاعل فإنه يأثم لما رواه مسلم في "صحيحه" عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلا، فقال: «لا»،

مسألة - إذا خفي موضع النجاسة غسل حتى يتيقن غسلها.

والراجح أنها تطهر ولكن لا يجوز أكلها، فقد روى أبو عبيد في "الأموال" وغيره عن أسلم، قال: قال عمر بن الخطاب: لا تأكل خلا من خمر أفسدت، حتى يبدأ الله بفسادها، وذلك حين طاب الخل، ولا بأس على امرئ أصاب خلا من أهل الكتاب أن يبتاعه، ما لم يعلم أنهم تعمدوا إفسادها) ورواته ثقات. مسألة - إذا خفي موضع النجاسة غسل حتى يتيقن غسلها. المقصود أنه مثلا إن علم أنها في أحد الكمين ونسيه فهنا يغسلهما جميعا ليخرج من العهدة بيقين. ولكن هذا الإطلاق الذي في عبارته مقيد بالصحراء. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 322): (قوله (وإذا خفي موضع النجاسة: لزمه غسل ما تيقن به إزالتها) أطلق العبارة كأكثر الأصحاب. ومرادهم: غير الصحراء ونحوها). والمعنى أنه إن خفيت النجاسة في الصحراء أو حوش واسع ونحوهما فإنه لا يجب غسل جميعه ويصلي فيه بلا تحر، وهذا بناء على القول بأن الأرض لا تطهر بالشمس والريح والجفاف، وقد سبق بيان أن الراجح طهارتها بما ذكر. قوله: (حتى يتيقن غسلها) والصحيح أنه يكفى غلبة الظن كما نسبه المرداوي لتقي الدين. ـ[فصل المسكر المائع وكذا الحشيشة وما لا يؤكل من الطير والبهائم مما فوق الهر خلقة نجس، وما دونها في الخلقة كالحية والفار والمسكر غير المائع فطاهر. وكل ميتة نجسة غير ميتة الآدمي والسمك والجراد وما لا نفس له سائلة كالعقرب والخنفساء والبق والقمل والبراغيث. وما أكل لحمه ولم يكن أكثر علفه النجاسة فبوله وروثه وقيئه ومذيه ومنيه ولبنه طاهر، وما لا يؤكل فنجس إلا مني الآدمي ولبنه فطاهر. والقيح والدم والصديد نجس لكن يعفى في الصلاة عن يسير منه لم ينقض الوضوء إذا كان من حيوان طاهر في الحياة ولو من دم حائض .. ]ـ

مسألة - المسكر المائع نجس.

ـ[ويضم يسير متفرق بثوب لا أكثر. وطين شارع ظنت نجاسته وعرق وريق من طاهر، طاهر. ولو أكل هر ونحوه من الحيوانات الطاهرات كالنمس، والفأرة، والقنفذ أو طفل نجاسة ثم شرب من مائع لم يضر. ولا يكره سؤر حيوان طاهر وهو فضلة طعامه وشرابه .. ]ـ مسألة - المسكر المائع نجس. كالخمر ونحوه مما فيه شدة مطربة، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} قال الشنقيطي في "أضواء البيان" (1/ 426): (يفهم من هذه الآية الكريمة أن الخمر نجسة العين؛ لأن الله تعالى قال إنها: (رِجْسٌ)، والرجس في كلام العرب كل مستقذر تعافه النفس. وقيل: إن أصله من الركس، وهو العذرة والنتن. قال بعض العلماء: ويدل لهذا مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شراب أهل الجنة: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21]؛ لأن وصفه لشراب أهل الجنة بأنه طهور يفهم منه أن خمر الدنيا ليست كذلك، ومما يؤيد هذا أن كل الأوصاف التي مدح بها تعالى خمر الآخرة منفية عن خمر الدنيا، كقوله: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47]، وكقوله: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ} [الواقعة: 19]، بخلاف خمر الدنيا ففيها غول يغتال العقول وأهلها يصدعون، أي يصيبهم الصداع الذي هو وجع الرأس بسببها، وقوله: {وَلَا يُنْزِفُونَ}، على قراءة فتح الزاي مبنيا للمفعول، فمعناه: أنهم لا يسكرون ... وعلى قراءة ينزفون بكسر الزاي مبنيا للفاعل، ففيه وجهان من التفسير للعلماء: أحدهما: أنه من أنزف القوم إذا حان منهم النزف وهو السكر، وهذا القول معناه راجع إلى الأول. والثاني: أنه من أنزف القوم إذا فنيت خمورهم. وجماهير العلماء على أن الخمر نجسة العين لما ذكرنا، وخالف في ذلك ربيعة، والليث، والمزني صاحب الشافعي، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين، كما

مسألة - الحشيشة نجسة.

نقله عنهم القرطبي في «تفسيره». واستدلوا لطهارة عينها بأن المذكورات معها في الآية من مال ميسر، ومال قمار، وأنصاب، وأزلام ليست نجسة العين، وإن كانت محرمة الاستعمال. وأجيب من جهة الجمهور بأن قوله: (رِجْسٌ)، يقتضي نجاسة العين في الكل، فما أخرجه إجماع، أو نص خرج بذلك، وما لم يخرجه نص ولا إجماع لزم الحكم بنجاسته؛ لأن خروج بعض ما تناوله العام بمخصص من المخصصات، لا يسقط الاحتجاج به في الباقي، كما هو مقرر في الأصول ... واعلم أن ما استدل به سعيد بن الحداد القروي على طهارة عين الخمر بأن الصحابة أراقوها في طرق المدينة؛ ولو كانت نجسة لما فعلوا ذلك؛ ولنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، كما نهاهم عن التخلي في الطرق، لا دليل له فيه، فإنها لا تعم الطرق، بل يمكن التحرز منها؛ لأن المدينة كانت واسعة، ولم تكن الخمر كثيرة جدا بحيث تكون نهرا أو سيلا في الطرق يعمها كلها، وإنما أريقت في مواضع يسيرة يمكن التحرز منها، قاله القرطبي، وهو ظاهر). مسألة - الحشيشة نجسة. الحشيش هو نوع من ورق نبات الْقِنَّب الهندي. وقد تكلم الماتن بعد قليل عن المسكر غير المائع، فأرى أنه حتى يجتمع هذه المسألة أن أتكلم عن هاتين المسألتين معا في هذا الموضع. مسألة - المسكر غير المائع طاهر. مثل لهذا النوع ابن أبي تغلب في "نيل المآرب" بجوزة الطيب. تحرير قول الماتن: لعل الجمع بين المسألتين حتى لا يكن بينهما تعارض أنه - رحمه الله - يختار أن الحشيشة المائعة نجسة دون الجامدة، وهذا هو ظاهر عبارته الأولى، إلا أن الماتن لما كان يختار الروايات الصحيحة في المذهب فلازمه أنه يرى أن الحشيشة المسكرة نجسة وإن كانت جامدة دون غيرها من باقي المسكرات غير المائعة وسوف يأتي عرض الفروق بينهما قريبا بإذن الله - تعالى -.

• فائدة - الفرق بين الحشيشة وغيرها من المسكرات الغير مائعة:

قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 320): (الحشيشة المسكرة نجسة على الصحيح، اختاره الشيخ تقي الدين. وقيل: طاهرة، قدمه في الرعاية، والحواشي. وقيل: نجسة إن أميعت، وإلا فلا). • فائدة - الفرق بين الحشيشة وغيرها من المسكرات الغير مائعة: عندنا الآن على كلام الماتن ثلاثة أنواع لجنس واحد وهو المسكر، وهي: مسكر مائع كالخمر، ومسكر غير مائع وهو نجس كالحشيشة، ومسكر غير مائع وهو طاهر كجوزة الطيب. هنا نجد أن الماتن سوى بين الأنواع الثلاثة في الإسكار وفرق بينها في الطهارة والنجاسة. وهذا التفريق يفهم من كلام تقي الدين في "الفتاوي" وسوف أعرض قبل أن أذكره لكلام القرافي. قال القرافي "الفروق" (1/ 217): "الفرق الأربعون بين قاعدة المسكرات وقاعدة المرقدات وقاعدة المفسدات) هذه القواعد الثلاث قواعد تلتبس على كثير من الفقهاء والفرق بينها أن المتناول من هذه إما أن تغيب معه الحواس أو لا فإن غابت معه الحواس كالبصر والسمع واللمس والشم والذوق فهو المرقد وإن لم تغب معه الحواس فلا يخلو إما أن يحدث معه نشوة وسرور وقوة نفس عند غالب المتناول له أو لا فإن حدث ذلك فهو المسكر وإلا فهو المفسد فالمسكر هو المغيب للعقل مع نشوة وسرور كالخمر وَالْمِزْرِ وهو المعمول من القمح وَالْبِتْعِ وهو المعمول من العسل وَالسُّكْرُكَةِ وهو المعمول من الذرة. والمفسد هو المشوش للعقل مع عدم السرور الغالب كالْبَنْج (¬1). فالمسكر يزيد في الشجاعة والمسرة وقوة النفس والميل إلى البطش والانتقام من الأعداء والمنافسة في العطاء وأخلاق الكرماء. وبهذا الفرق يظهر لك أن الحشيشة مفسدة وليست مسكرة لوجهين أحدهما أنا نجدها تثير الخلط الكامن في الجسد كيفما كان فصاحب الصفراء تحدث له حدة ¬

_ (¬1) الْبَنْج بِالْفَتْحِ نَبَات يُسَمَّى شَيْكَرَان.

وصاحب البلغم تحدث له سباتا وصمتا وصاحب السوداء تحدث له بكاء وجزعا وصاحب الدم تحدث له سرورا بقدر حاله فتجد منهم من يشتد بكاؤه ومنهم من يشتد صمته وأما الخمر والمسكرات فلا تكاد تجد أحدا ممن يشربها إلا وهو نشوان مسرور بعيد عن صدور البكاء والصمت وثانيهما أنا نجد شراب الخمر تكثر عربدتهم ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح ويهجمون على الأمور العظيمة التي لا يهجمون عليها حالة الصحو، ولا نجد أكلة الحشيشة إذا اجتمعوا يجري بينهم شيء من ذلك ولم يسمع عنهم من العوائد ما يسمع عن شراب الخمر بل هم همدة سكوت مسبوتين لو أخذت قُمَاشَهُمْ أَوْ سَبَبْتَهُمْ لم تجد فيهم قوة البطش التي تجدها في شربة الخمر بل هم أشبه شيء بالبهائم ولذلك إن القتلى يوجدون كثيرا من شراب الخمر ولا يوجدون مع أكلة الحشيشة فلهذين الوجهين أنا أعتقد أنها من المفسدات لا من المسكرات ولا أوجب فيها الحد ولا أبطل بها الصلاة بل التعزير الزاجر عن ملابسها). وقال أيضا: (1/ 216): (سئل بعض فقهاء العصر عمن صلى بالحشيشة معه هل تبطل صلاته أم لا؟ فأفتى أنه إن صلى بها قبل أن تحمص أو تصلق صحت صلاته أو بعد ذلك بطلت صلاته وقال في تعليل الفرق بأنها إنما تغيب العقل بعد التحميص أو الصلق أما قبل ذلك وهي ورق أخضر فلا بل هي كالعصير الذي للعنب وتحميصها كغليانه وسألت عن هذا الفرق جماعة ممن يعانيها فاختلفوا على قولين فمنهم من سلم هذا الفرق وقال لا تؤثر إلا بعد مباشرة النار ومنهم من قال بل تؤثر مطلقا وإنما تحمص لإصلاح طعمها وتعديل كيفيتها خاصة فعلى القول بعدم هذا الفرق تبطل الصلاة مطلقا وعلى القول بالفرق يكون الحق ما قاله المفتي إن صح أنها من المسكرات وإلا صحت الصلاة بها مطلقا وهو الذي أعتقده أنها مفسدة والمفسدة لا تبطل الصلاة كالبنج وجوزة بابل). • والآن نعرض لكلام تقي الدين حيث قال - رحمه الله - في "مجموع الفتاوي" (34/ 198): (الحشيشة المسكرة يجب فيها الحد؛ وهي نجسة في أصح الوجوه؛ وقد قيل: إنها طاهرة، وقيل: يفرق بين يابسها

ومائعها: والأول الصحيح لأنها تسكر بالاستحالة كالخمر النيء؛ بخلاف ما لا يسكر بل يغيب العقل كالبنج؛ أو يسكر بغير (¬1) الاستحالة كجوزة الطيب؛ فإن ذلك ليس بنجس. ومن ظن أن الحشيشة لا تسكر وإنما تغيب العقل بلا لذة فلم يعرف حقيقة أمرها؛ فإنه لولا ما فيها من اللذة لم يتناولوها ولا أكلوها؛ بخلاف البنج ونحوه مما لا لذة فيه. والشارع فرق في المحرمات بين ما تشتهيه النفوس وما لا تشتهيه فما لا تشتهيه النفوس كالدم والميتة اكتفي فيه بالزاجر الشرعي؛ فجعل العقوبة فيه التعزيز. وأما ما تشتهيه النفوس فجعل فيه مع الزاجر الشرعي زاجرا طبيعيا وهو الحد "والحشيشة" من هذا الباب). سوى تقي الدين بين الحشيشة والخمر في أنهما يسكران بالإستحالة بخلاف جوزة الطيب التي تسكر بغير إستحالة فحكم بنجاسة الأول وطهارة الثاني. وهذا التفريق هو أحد قولي العلماء وأهل الخبرة في هذا الشأن والقول الثاني أنها تسكر بغير إستحالة، والمقصود بإستحالتها أنها لا تسكر إلا بعد معالجتها بالنار، ومن لازم هذا التفريق أن الحكم عليها بالنجاسة إنما يكون بعد معالجتها بالنار لا قبله وأنها طاهرة قبل ذلك كحال الخمر قبل أن يستحيل ويعالج بالغليان فالعنب طاهر. • نعود الآن لتحرير كلام الماتن. لو لاحظنا التعميم الذي في كلام الماتن فظاهره عدم التفريق في الحكم على الحشيشة بالنجاسة بين معالجتها بالنار، أو عدمه، ولازم قول تقي الدين: (والأول الصحيح لأنها تسكر بالاستحالة كالخمر النيء) أنها نجسة بعد استحالتها ومعالجتها بالنار وأن هذه المعالجة بالنار لا تخرجها إلى حالة الميوعة بل هي مجرد تحميص لها. ومن هنا يظهر وجه الفرق بين الحشيشة وغيرها من المسكرات الغير مائعة كالجوزة التي لا تسكر بغير الاستحالة. ¬

_ (¬1) في الأصل: (بعد)، وكذا نقله عنه البعلي في "مختصر الفتاوى المصرية"، وما ذكرته هو الصواب كما نقله عنه إبراهيم بن مفلح في "المبدع" (7/ 417)، وهو أيضا المناسب للكلام حتى يستقيم كما سيأتي.

علة النجاسة: سبب الاختلاف في نجاسة الحشيشة هو الاختلاف في تحديد علة النجاسة في الخمر هل هو: الإسكار فقط أم الإسكار مع الإماعة فمن قال بالأول لم يفرق بين المائع والجامد. كما قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (34/ 204): (هي في أصح قولي العلماء نجسة كالخمر. فالخمر كالبول والحشيشة كالعذرة)، ومن قال أن العلة مركبة فرَّق بين المائع والجامد، وحكم بطهارة الجامد، وهو قول في المذهب. الترجيح: لابد وأن نفرق بين أمرين: • الأول- علة التنجيس والأقوى أنها الإسكار مع الإماعة. • الثاني - علة التحريم وعلة التحريم في الخمر هي الإسكار فالخمر تخامر العقل أي تغطيه وهذه العلة اختلف العلماء في تحققها في الحشيشة وجوزة الطيب واعتبر القرافي الحشيشة والجوزة من المشوشات لا المغيبات للعقل وأنها مفسدة للحواس كما سبق كلامه ولذلك اختلف العلماء في شربها هل هو موجب للحد، أو للتعزير. وعلى ذلك فالأقوى أن الحشيشة والجوزة ونحوهما من المسكرات الجامدة يحرم تناولها (¬1)؛ لأنها تشوش العقل على القول بأنها مفسدة، أو تغيب العقل على قول تقي الدين. مع كونها طاهرة، ولا ملازمة بين التحريم والنجاسة فكل نجس حرام وليس كل حرام نجس فلبس الحرير والذهب حرام على الذكور وهما طاهران ضرورة إجماعاً. قال ابن حجر الهيتمي في " الفتاوى الفقهية الكبرى" (4/ 231): (حكى الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في شرحه لفروع ابن الحاجب الإجماع على أنها ليست نجسة، وكذلك نقل الإجماع القرافي في القواعد في نظير الحشيش) وإن كان في حكاية هذا الإجماع نظر إلا أن طهارة المسكر الجامد هو قول جمهور الفقهاء. ¬

_ (¬1) حكى العراقي وابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة، وأن من استحلها كفر.

مسألة - ما لا يؤكل من الطير والبهائم مما فوق الهر خلقة نجس.

مسألة - ما لا يؤكل من الطير والبهائم مما فوق الهر خلقة نجس. اشترط الماتن هنا للحكم بالنجاسة شرطين: الأول - أن يكون مما لا يؤكل لحمه. والثاني - أن يكون فوق الهر خلقة لعدم مشقة التحرز منه. وذلك مثل: الصقر والبوم والحدأة والنسر والأسد والنمر والفهد، والذئب والكلب والخنزير والقرد، ونحو ذلك. والمقصود نجاسة جسده وما ينفصل عنه كالبيض والبول والروث وكالقيء والمذي والودي والمني والمخاط والبزاق واللبن نحوها، ونجاسة سؤره وميتته (¬1). والدليل على ذلك ما رواه أحمد، وأبو داود وغيرهما عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث». ووجه الاستدلال أن المسئول عنه لابد وأن يكون من الخبث، وإنما لم يحمل الماء هذا الخبث لكثرته ولو كان المسئول عنه طاهرا لما حده بالقلتين، قال ابن التركماني في "الجوهر النقي" (1/ 250) معلقا على هذا الحديث: (وظاهر هذا يدل على نجاسة سور السباع إذ لولا ذلك لم يكن لهذا الشرط فائدة ولكان التقييد به ضائعا). فائدة - حكم الحيوان المركوب كالبغل والحمار الأهلي. القول المشهور في المذهب نجاستهما. وذهب الجمهور: المالكية والشافعية ورواية عن أحمد اختارها ابن قدامة إلى قول بطهارتهما. قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 37): (الصحيح عندي: طهارة البغل والحمار؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يركبها، وتركب في زمنه، وفي عصر الصحابة، فلو كان نجسا لبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ ولأنهما لا يمكن التحرز منهما لمقتنيهما، فأشبها السنور، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " ¬

_ (¬1) وسبق الكلام على: عظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعَصَبها وجلدها وشعرها وصوفها وريشها فأنظره.

إنها رجس ". أراد أنها محرمة، كقوله تعالى في الخمر والميسر والأنصاب والأزلام إنها "رجس"، ويحتمل أنه أراد لحمها الذي كان في قدورهم، فإنه رجس، فإن ذبح ما لا يحل أكله لا يطهره). الترجيح: الراجح نجاسة الجمار الأهلي، وذلك لما رواه الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "أصبنا من لحوم الحمر، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر، فإنها رجس» وقد سبق آنفا بيان أن لفظ: "الرجس" يشمل النجاسة الحسية والمعنوية، ويؤيده ما ورد في رواية لمسلم عن لحوم الحمر الأهلية: رجس» أو «نجس». ومما يؤكد نجاسة عينه وأن هذا الحكم غير خاص بلحمه ما رواه ابن خريمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز فقال: «ائتني بثلاثة أحجار» فوجدت له حجرين وروثة حمار، فأمسك الحجرين وطرح الروثة، وقال: «هي رجس» والحديث أصله في الصحيح. وأما ما استدل به ابن قدامة من أن ركوب الحمار وأن ذلك مظنة التلبس بعرقه، ففيه نظر لأن الغالب أن ركوبها يكون مصحوبا بإكاف أو برذعة وذلك مما يحول بين الملابس وعرق الحمار، كما أنه لا يستلزم من كل ركوب التنجس بعرقه وذلك لأن الغالب في ركوب الحمير أن يكون ذلك في المسيرات القصيرة. وأما قوله: (لا يمكن التحرز منهما لمقتنيهما، فأشبها السنور) فيه نظر أيضا لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الترخيص في الهرة لمشقة التحرز منها، وهذا يحتمل أن يكون لصغر حجمها، أو لطوافها، أو لكلاهما وهو الأولى وعليه فلا يلحق به الحمار لكبر حجمه مما لا يشق معه التحرز منه، بل الغالب أن يكون محبوسا في حظائر خاصة داخل البيوت، كما أن تركه يجول في البيوت كالهر قد يعرض الأطفال للخطر والأماكن للتنجس ببوله وروثه كما أنه قد يلتف الأثاث نظرا لكبر حجمه. • وأما البغل فإنه فرع عن الحمار فهو متولد من الحمار والخيل، والقاعدة أنه إذا اجتمع حلال وحرام غلب الحرام.

مسألة - ما لا يؤكل مما هو دون الهر في الخلقة كالحية والفار طاهر.

مسألة - ما لا يؤكل مما هو دون الهر في الخلقة كالحية والفار طاهر. المقصود هنا طهارة عينه بحيث أنه إذا وقع في ماء مثلا وخرج حيا فالماء طهور، وطهارة سؤره وهو باقي شربه وأكله، وقد نص السامري على طهارة ريقه ومخاطه ودمعه وعرقه، وأما منيّه ولبنه وبيضه فقال في طهارته وجهان، ورجح الحجاوي والبهوتي نجاستهم، وما سوى ذلك مما يخرج منه كالبول والروث فنجس. قال السامري في "المستوعب" (1/ 111): (ما يحرم أكله لا لحرمته فعلى ضربين: أحدهما: ما لا يمكن الاحتراز منه غالبا وهو الهر وما دونها في الخلقة، كالفأرة وابن عرس وسائر حشرات الأرض مثل: الحية والعقرب وما تولد من عين طاهرة كدود الخل ودود الفواكه وذباب الباقلاء وما في معنى ذلك، فهذا جميعه طاهر وكذلك ريقه ومخاطه ودمعه وعرقه. فأما منيّه ولبنه وبيضه ففي طهارته وجهان. وما خرج منه سوى ذلك نجس). قال البهوتي في " كشاف القناع" (1/ 195): ((ولبن غير مأكول) كلبن الهر والحمار (وبيضه) أي: بيض غير المأكول، كبيض الباز والعقاب والرخم (ومنيّه من غير آدمي: نجس) كبوله وروثه (وسؤر) بضم السين وبالهمز (الهر) ويسمى الضَّيْوَنَ بضاد معجمة وياء ونون وَالسِّنَّوْرُ والقِط (وهو) أي: سؤره (فضلة طعامه وشرابه) طاهر. (و) سؤر (مثل خلقه) أي: مثل الهر في الخلقة (و) سؤر (ما دونه) أي: الهر في الخلقة (من طير وغيره طاهر) لما روى مالك وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه عن أبي قتادة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الهر إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات» شبهها بالخدام أخذا من قول الله عز وجل {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} [النور: 58] ولعدم إمكان التحرر منها، كحشرات الأرض كالحية قال القاضي فطهارتها من النص، ومثلها وما دونها من التعليل (فلو أكل) هر ونحوه (نجاسة ثم ولغ في ماء يسير فطهور ولو لم يغب) الهر ونحوه بعد أكله النجاسة؛ لأن الشارع عفى عنها مطلقا لمشقة التحرز).

مسألة - كل ميتة نجسة غير ميتة الآدمي والسمك والجراد وما لا نفس له سائلة كالعقرب والخنفساء والبق والقمل والبراغيث.

مسألة - كل ميتة نجسة غير ميتة الآدمي والسمك والجراد وما لا نفس له سائلة كالعقرب والخنفساء والبق والقمل والبراغيث. اشتملت هذه المسألة على أربعة أحكام: الأول - كل ميتة نجسة: وهذا من باب العام المخصوص وقد خصصه بقوله: (غير ... )، والميتة نجسة وإن كانت طاهرة حال الحياة، والعلة فسادها بانحباس الدم بداخلها، قال الدهلوي في " حجة الله البالغة" (2/ 280): (الْميتَة حرَام فِي جَمِيع الْملَل والنحل، أما الْملَل فاتفقت عَلَيْهَا لما تلقى من حَظِيرَة الْقُدس أَنَّهَا من الْخَبَائِث، وَأما النَّحْل فَلَمَّا أدركوا أَن كثيرا مِنْهَا يكون بِمَنْزِلَة السم من أجل انتشار أخلاط سميَّة تنَافِي المزاج الإنساني عِنْد النزع). والدليل على ذلك قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] وقد نقل ابن رشد الإجماع على نجاسة الميتة، فقال في "بداية المجتهد" (1/ 83): (وأما أنواع النجاسات، فإن العلماء اتفقوا من أعيانها على أربعة: ميتة الحيوان ذي الدم الذي ليس بمائي ... ). فائدة - يدخل في ذلك ما يقطع من الحي: والدليل على ذلك ما رواه أحمد وغيره بإسناد حسن عن أبي واقد الليثي، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبها ناس يعمدون إلى أليات الغنم وأسنمة الإبل فَيَجُبُّونَهَا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما قطع من البهيمة وهي حية، فهو ميتة ". الثاني - ميتة الآدمي طاهرة. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 337): (قوله (ولا ينجس الآدمي بالموت). هذا المذهب. وعليه جمهور الأصحاب، مسلما كان أو كافرا، وسواء جملته وأطرافه وأبعاضه. وقاله الزركشي في بعض كتبه، وقاله القاضي في بعض كتبه. قال المصنف في المغني: لم يفرق أصحابنا بين المسلم والكافر، لاستوائهما في الآدمية وفي الحياة).

• قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 34): (الآدمي الصحيح في المذهب أنه طاهر حيا وميتا؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن لا ينجس» متفق عليه، ولأنه آدمي، فلم ينجس بالموت، كالشهيد؛ ولأنه لو نجس بالموت لم يطهر بالغسل؛ كسائر الحيوانات التي تنجس). ومن الأدلة على طهارة المسلم ما رواه البيهقي وغيره عن ابن عباس، قال: " إن ميتكم لمؤمن طاهر وليس بنجس " قال الأرناؤوط: (وسنده جيد، وهو عند الحاكم مرفوع وصححه، وعند البيهقي موقوف، ورواية الوقف أصح). • ومن الأدلة على طهارة الكافر أن الله تعالى أباح طعام أهل الكتاب وأباح نكاح نسائهن ويلزم من حل طعامهم لنا مع مباشرتهم لها طهارة أبدانهم، كما أنه يلزم من المعاشرة الزوجية مباشرة كل واحد من الزوجين للآخر وفي هذا لا يسلم من إصابة عرقهن وريقهن فدل على طهارة أبدانهن. وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] فالمقصود نجاستهم الاعتقادية المعنوية لا الحسية، والمقصود منعهم من الحج كما في الحديث الذي عند أحمد وغيره عن علي رضي الله عنه مرفوعا: (لا يحج المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا) ومما يدل على أن نجاستهم معنوية: ذكر المسجد الحرام دون غيره من المساجد، وما صح من ربط النبي - صلى الله عليه وسلم - لثمامة في المسجد. ولا يوجد دليل على نجاسة الكافر بعد وفاته، وأما ترك غسله والصلاة عليه فلأنه لم يكن من أهل العبادة في حال الدنيا وليس هذا راجعا إلى نجاسته. الثالث - ميتة السمك والجراد طاهرة. روى أحمد وابن ماجه وغيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان، فالحوت والجراد، وأما الدمان، فالكبد والطحال»، وقال ابن قدامة في "المغني" (9/ 395): (يباح أكل الجراد بإجماع أهل العلم). قال ابن ضويان في "المنار" (1/ 52): (لأنها لو كانت نجسة لم يحل أكلها).

الرابع - ميتة ما لا نفس له سائلة كالعقرب والخنفساء والبق والقمل والبراغيث طاهرة. قال ابن أبي الفتح في "المطلع" (ص/ 55): ("ما لا نَفْسٌ له سائلةٌ كالذُّبَابِ": النفس السائلة: الدم السائل: قال الشاعر: "من الطويل" تَسِيلُ عَلى حَدِّ الظُّبَاةِ نُفُوسُنَا ... ولَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّباة تَسِيلُ (¬1) وسمي الدم نفسا لنفاسته في البدن، وقيل للمولود منفوس؛ لأنه مما ينفس به، أي يضن به). • قال ابن ضويان في "المنار" (1/ 52): (لحديث "إذا وقع الذباب إناء أحدكم فليمقله" وفي لفظ "فليغمسه فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاءً" رواه البخاري. وهذا عام في كل حار وبارد ودهن مما يموت الذباب بغمسه فيه، فلو كان ينجسه كان أمراً بإفساده، فلا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء إذا مات فيه. قال ابن المنذر: لا أعلم في ذلك خلافاً، إلا ما كان من الشافعي في أحد قوليه. قاله في الشرح). فائدة: خالف الشيخ مرعي الصحيح من المذهب، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 338): (قوله (وما لا نفس له سائلة) يعني: لا ينجس بالموت إذا لم يتولد من النجاسة. وهذا المذهب. وعليه جماهير الأصحاب). وما تولد من النجاسة كصراصير الكنف والدود الذي يكون من العذَرَة فإنها نجسة على الصحيح من المذهب، وهو الراجح؛ لأن الفرع آخذ حكم أصله، وما تولد من نجس فهو نجس (¬2). ¬

_ (¬1) والظباة هي أطراف السيوف، ومعنى البيت أنه يمتدح قبيلته بأنهم لا يموتون إلا في ميدان الحرب، وفيه كناية عن شجاعتهم. (¬2) انظر شرح الشنقيطي لعمدة الفقه.

مسألة - ما أكل لحمه ولم يكن أكثر علفه النجاسة فبوله وروثه وقيئه ومذيه ومنيه ولبنه طاهر.

مسألة - ما أكل لحمه ولم يكن أكثر علفه النجاسة فبوله وروثه وقيئه ومذيه ومنيه ولبنه طاهر. قال ابن قدامة في "المغني" (2/ 66): (لنا، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل»، والنجس لا يباح شربه، ولو أبيح للضرورة لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة «، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في مرابض الغنم»، متفق عليه، وقال: «صلوا في مرابض الغنم»، متفق عليه (¬1)، وهو إجماع كما ذكر ابن المنذر (¬2)، وصلى أبو موسى في موضع فيه أبعار الغنم. فقيل له: لو تقدمت إلى هاهنا؟ فقال: هذا وذاك واحد، ولم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ما يصلون عليه من الأوطئة والمصليات، وإنما كانوا يصلون على الأرض، ومرابض الغنم لا تخلو من أبعارها وأبوالها، فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم، ولأنه متحلل معتاد من حيوان يؤكل لحمه، فكان طاهرا كاللبن). مسألة - ما كان أكثر علفه النجاسة فبوله وروثه وقيئه ومذيه ومنيه ولبنه قبل أن يحبس ثلاثا نجس. والدليل على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها» وفي لفظ آخر عند أبي داود أيضا: «نهي عن ركوب الجلالة». مسألة - بول وروث وقيئ ومذي ومني ولبن ما لا يؤكل نجس إلا مني الآدمي ولبنه فطاهر. قال ابن قدامة في "الكافي" (1/ 153): (بول الآدمي نجس؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الذي يعذب في قبره: «إنه كان لا يستتر من بوله» متفق عليه، والغائط مثله. والودي: ماء أبيض يخرج عقيب البول، حكمه حكم البول لأنه في معناه. ¬

_ (¬1) أي أصله في الصحيح وليس عندهم بصيغة الأمر. (¬2) وقد أفاد ابن قدامة وكذا ابن المنذر أن الشافعي خالف في ذلك وأشترط أن تكون خالية من أبوالها.

• طهارة مني الآدمي:

والمذي نجس؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه - في المذي: «اغسل ذكرك» ولأنه خارج من الذكر لا يخلق منه الولد، أشبه البول. وبول ما لا يؤكل لحمه، ورجيعه نجس؛ لأنه بول حيوان غير مأكول، أشبه بول الآدمي إلا بول ما لا نفس له سائلة، فإن ميتته طاهرة فأشبه الجراد. والقيء نجس؛ لأنه طعام استحال في الجوف إلى الفساد، أشبه الغائط. وفي كل حيوان غير الآدمي ومنيه، في حكم بوله في الطهارة والنجاسة؛ لأنه في معناه). • طهارة مني الآدمي: وقال في "المغني" (2/ 69): (لنا ما روت عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيصلي فيه». متفق عليه. وقال ابن عباس: امسحه عنك بإذخرة أو بخرقة، ولا تغسله، إنما هو كالبزاق والمخاط. رواه الدارقطني مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم (¬1) -. ولأنه لا يجب غسله إذا جف، فلم يكن نجسا كالمخاط، ولأنه بدء خلق آدمي، فكان طاهرا كالطين، ويفارق البول من حيث إنه بدء خلق آدمي). • طهارة لبن الآدمي: لبن الآدمي طاهر لأنه خارج من جسم طاهر، وهو غذاء للإنسان في صغره (¬2)، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 343): (لبن الآدمي والحيوان المأكول طاهر بلا نزاع). مسألة - القيح والدم والصديد نجس. سوى الماتن بين الدم، والقيح والصديد في النجاسة وفي العفو عن يسيرهم، وذلك بجامع أن القيح والصديد متولدان من الدم. قال ابن قدامة في "المغني" (2/ 60): (ثبتت النجاسة في الصديد لأنه مستحيل ¬

_ (¬1) لا يصح رفعه والصواب وقفه على ابن عباس رضي الله عنهما كما قال البيهقي وغيره. (¬2) انظر: شفاء العليل للشيخ ابن جبرين - رحمه الله - (1/ 415).

مسألة - يعفى في الصلاة عن يسير من القيح والدم والصديد لم ينقض الوضوء إذا كان من حيوان طاهر في الحياة ولو من دم حائض.

من الدم إلى حال مستقذرة). • والراجح نجاسة القيح والصديد والمدة - وهو قول الأئمة الأربعة -؛ لأنهم تولدوا من الدم، والدم نجس وما تولد منه فهو نجس مثله، لاسيما وأنه غالبا ما تختلط هذه الأشياء بالدم ويظهر معها (¬1). مسألة - يعفى في الصلاة عن يسير من القيح والدم والصديد لم ينقض الوضوء إذا كان من حيوان طاهر في الحياة ولو من دم حائض. قوله: (يسير ... لم ينقض الوضوء) سبق في باب نواقض الوضوء ذكر تفريق الماتن بين القليل والكثير في نقض الوضوء بخروج النجاسات كالدم والقيء من بقية البدن، وأنه ذهب إلى نقض الوضوء بالكثير منه دون القليل، وحد الكثير بما فحش في نفس كل أحد بحسبه - ما لم يكن موسوسا، أو متبذلا. أي أن الماتن يذهب إلى أنه يعفى في الصلاة عن ما لا يفحش في النفس من القيح والدم والصديد بشرط أن يكون من حيوان طاهر في الحياة ولو من دم حائض. قال ابن قدامة في " المغني" (2/ 58): (أكثر أهل العلم يرون العفو عن يسير الدم والقيح. وممن روي عنه ابن عباس، وأبو هريرة، وجابر، وابن أبي أوفى، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وطاوس، ومجاهد، وعروة، ومحمد بن كنانة، والنخعي وقتادة، والأوزاعي، والشافعي في أحد قوليه، وأصحاب الرأي. وكان ابن عمر ينصرف من قليله وكثيره. وقال الحسن: كثيره وقليله سواء. ونحوه عن سليمان التيمي؛ لأنه نجاسة فأشبه البول. ولنا: ما روي عن عائشة، قالت: قد كان يكون لإحدانا الدرع، فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة، ثم ترى فيه قطرة من دم، فتقصعه بريقها. وفي لفظ: ما كان لإحدانا إلا ثوب، فيه تحيض، فإن أصابه شيء من دمها بلته بريقها، ثم قصعته بظفرها. رواه أبو داود. ¬

_ (¬1) انظر: اختيارات ابن تيمية (2/ 65).

فائدتان:

وهذا يدل على العفو عنه؛ لأن الريق لا يطهر به ويتنجس به ظفرها، وهو إخبار عن دوام الفعل، ومثل هذا لا يخفى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصدر إلا عن أمره، ولأنه قول من سمينا من الصحابة، ولا مخالف لهم في عصرهم، فيكون إجماعا. وما حكي عن ابن عمر فقد روي عنه خلافه، فروى الأثرم بإسناده، عن نافع، أن ابن عمر كان يسجد، فيخرج يديه، فيضعهما بالأرض، وهما يقطران دما، من شقاق كان في يديه، وعصر بثرة فخرج منها شيء من دم وقيح، فمسحه بيده وصلى، ولم يتوضأ. وانصرافه منه في بعض الحالات لا ينافي ما رويناه عنه، فقد يتورع الإنسان عن بعض ما يرى جوازه، ولأنه يشق التحرز منه، فعفي عنه كأثر الاستنجاء). فائدتان: الأولى - يفهم أيضا من قوله: (في الصلاة) أنه لا يعفى في المائع والمطعوم عن شيء منه. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 326): (حيث قلنا بالعفو عن اليسير: فمحله في باب الطهارة دون المائعات). قال ابن قاسم في " حاشيته" (1/ 357): (ظاهره أنه لا يعفى عنه في المائع والمطعوم ولو كثر وهو المذهب ومذهب مالك والشافعي، وعنه: يعفى عنه وفاقا لأبي حنيفة وغيره من السلف، وهو نص القرآن واختاره الناظم (¬1) والشيخ وغيرهما، واختار العفو عن يسير النجاسات مطلقا في الأطعمة وغيرها، حتى بعر الفأر، وقال: إذا استهلكت فيه واستحالت فلا وجه لإفساده، ولا دليل على نجاسته، لا في كتاب الله تعالى ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مجمع البحرين: الأولى العفو عنه لعظم المشقة ولا يرتاب ذو عقل في عموم البلوى به). • الترجيح: قال الشيخ العثيمين - رحمه الله - في " الشرح الممتع" (1/ 439): (أما المائع ¬

_ (¬1) هو محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي الحنبلي، له النظم المشهور نحو ستة آلاف بيت، والآداب وغيرهما توفي سنة ستمائة وتسع وتسعين.

والمطعوم؛ فلا يعفى عن يسيره فيهما، هذا هو المذهب، والراجح: العفو عن يسيره فيهما كغيرهما ما لم يتغير أحد أوصافهما بالدم). الثانية - قوله: (إذا كان من حيوان طاهر في الحياة) يشمل الآدمي وغيره. وغير الآدمي يدخل فيه ما يؤكل لحمه كالإبل والبقر، وما لا يؤكل كالهر (¬1). ويفهم من كلامه أنه لا تصح الصلاة حتى مع اليسير من هذه النجاسات إن كانت من حيوان غير طاهر في الحياة كالكلب والخنزير والسباع والحمار الأهلي ونحوهم. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 326): (دم الحيوان النجس. كالكلب والخنزير ونحوهما، فالصحيح من المذهب: أنه لا يعفى عن يسيره. وعليه الأصحاب. وفي الفروع احتمال بالعفو عنه كغيره. وقال في الفائق: في العفو عن دم الخنزير وجهان). وقد سبق اختيار أن سؤر وقئ ولبن ما لا يؤكل لحمه، مما كان فوق الهرة خلقة، ولا يشق التحرز منه: نجس، فدمه أولى. قال ابن قدامة في "المغني" (2/ 60): (فأما دم الكلب والخنزير فلا يعفى عن يسيره؛ لأن رطوباته الطاهرة من غيره لا يعفى عن شيء منها، فدمه أولى، ولأنه أصاب جسم الكلب فلم يعف عنه، كالماء إذا أصابه. وهكذا كل دم أصاب نجاسة غير معفو عنها، لم يعف عن شيء منه لذلك). وأما قوله: (لأنه أصاب جسم الكلب فلم يعف عنه) وهذا بناء على الرواية المشهورة في المذهب من نجاسة شعر الكلب والخنزير، وقد سبق ترجيح أن شعر الكلب والخنزير طاهران بخلاف ريقه. قال تقي الدين في "مجموع الفتاوي" (21/ 616): (في الشعور النابتة على محل نجس ثلاث روايات: إحداها: أن جميعها طاهر حتى شعر الكلب والخنزير وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز. والثانية: أن جميعها نجس كقول الشافعي. والثالثة: أن ¬

_ (¬1) انظر: نيل المآرب (1/ 27).

مسألة - يضم يسير متفرق بثوب لا أكثر.

شعر الميتة إن كانت طاهرة في الحياة كان طاهرا كالشاة والفأرة وشعر ما هو نجس في حال الحياة نجس: كالكلب والخنزير وهذه هي المنصوصة عند أكثر أصحابه. والقول الراجح هو طهارة الشعور كلها: شعر الكلب والخنزير وغيرهما بخلاف الريق وعلى هذا فإذا كان شعر الكلب رطبا وأصاب ثوب الإنسان فلا شيء عليه كما هو مذهب جمهور الفقهاء: كأبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه: وذلك لأن الأصل في الأعيان الطهارة فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليل). وعليه فالأولى الاقتصار في تعليل نجاسة دمه وقيحه وصديده على العلة الأولى من كلام ابن قدامة دون العلة الثانية. مسألة - يضم يسير متفرق بثوب لا أكثر. والمقصود أنه إن كان في ثوب ما بقعا نجسة من دم أو صديد ونحوهما وهذه البقع كل واحدة بمفردها يعفى عنها، ولكنها إذا ضم بعضها لبعض فإنها تصير فاحشة في النفس فهذا الثوب يمنع من الصلاة فيه، أما إن كانت هذه البقع في عدة أثواب فإنه لا يضم ويكون لكل ثوب حكم بنفسه. قال ابن قدامة في "المغني" (2/ 60): (لا فرق بين كون الدم مجتمعا أو متفرقا، بحيث إذا جمع بلغ هذا القدر، ولو كانت النجاسة في شيء صفيق، قد نفذت من الجانبين، فاتصل ظاهره بباطنه، فهو نجاسة واحدة. وإن لم يتصلا، بل كان بينهما شيء لم يصبه الدم، فهما نجاستان، إذا بلغا - لو جمعا - قدرا لا يعفى عنه لم يعف عنهما، كما لو كانا في جانبي الثوب). مسألة - طين شارع ظنت نجاسته: طاهر. قال البهوتي في " شرح منتهى الإرادات" (1/ 109): (طين شارع ظنت نجاسته طاهر. وكذا ترابه، عملا بالأصل. فإن تحققت نجاسته عفي عن يسيره)، وعلل الرحيباني العفو عن يسيره بمشقة التحرز منه. أما ما تحقق من نجاسته كماء البالوعات فإنه نجس لا يعفى عن كثيره ويغسل ما أصاب البدن أو الثياب منه. قال ابن قدامة في "المغني" (2/ 71): (احتج أحمد في طهارة طين المطر بأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين كانوا يخوضون المطر في

مسألة - عرق وريق حيوان طاهر: طاهر.

الطرقات، فلا يغسلون أرجلهم. وممن روي عنه أنه خاض طين المطر، وصلى، ولم يغسل رجليه عمر، وعلي - رضي الله عنهما - وقال ابن مسعود: كنا لا نتوضأ من موطئ. ونحوه عن ابن عباس. وقال بذلك سعيد بن المسيب وعلقمة والأسود، وعبد الله بن معقل بن مقرن والحسن، وأصحاب الرأي، وعوام أهل العلم. لأن الأصل الطهارة، فلا تزول بالشك). مسألة - عرق وريق حيوان طاهر: طاهر. سواء أكان مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم كالهر وما دونه في الخلقة. قال ابن قدامة في "الكافي" (1/ 157): (البصاق والمخاط والعرق، وسائر رطوبات بدن الآدمي طاهرة؛ لأنه من جسم طاهر، وكذلك هذه الفضلات، من كل حيوان طاهر). وقال البهوتي في " شرح منتهى الإرادات" (1/ 109): ((والبلغم) من صدر أو رأس أو معدة طاهر (ولو أزرق) لحديث مسلم عن أبي هريرة «أنه صلى الله عليه وسلم: رأى نخامة في قبلة المسجد، فأقبل علي فقال: ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه؟ أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه. فإن لم يجد فليقل هكذا - ووصفه القاسم - فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه في بعض» " ولو كانت نجاسة لما أمر بمسحها في ثوبه وهو في الصلاة ولا تحت قدمه، ولو كان نجسا لنجس الفم ; ولأنه منعقد من الأبخرة أشبه المخاط). مسألة - لو أكل هر ونحوه من الحيوانات الطاهرات كالنمس، والفأرة، والقنفذ أو طفل: نجاسة، ثم شرب من مائع لم يضر. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 344): (لو أكلت الهرة نجاسة، ثم ولغت في ماء يسير، إن كان الولوغ قبل غيبتها. فقيل: طاهر، قدمه ابن تميم، واختاره في مجمع البحرين. قال الآمدي: هذا ظاهر مذهب أصحابنا. قلت: وهو الصواب) وقد سبق كلام تقي الدين في أن لعابها يطهر فمها. وقال أيضا: (وجزم في الفائق: أن أفواه الأطفال والبهائم طاهرة، واختاره في مجمع البحرين. ونقل أن ابنة الموفق نقلت أن أباها سئل عن أفواه الأطفال؟ فقال

مسألة - لا يكره سؤر حيوان طاهر وهو فضلة طعامه وشرابه.

الشيخ: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهرة «إنها من الطوافين عليكم والطوافات» قال الشيخ: هم البنون والبنات. قال: فشبه الهر بهم في المشقة). مسألة - لا يكره سؤر حيوان طاهر وهو فضلة طعامه وشرابه. والحيوان الطاهر يشمل الآدمي، ومأكول اللحم، وما هو دون الهرة مما ليس مأكولا. قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 37): (القسم الثاني طاهر في نفسه، وسؤره وعرقه، وهو ثلاثة أضرب: الأول، الآدمي، فهو طاهر، وسؤره طاهر، سواء كان مسلما أم كافرا، عند عامة أهل العلم، إلا أنه حكي عن النخعي أنه كره سؤر الحائض، وعن جابر بن زيد، لا يتوضأ منه، وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المؤمن لا ينجس». وعن عائشة «أنها كانت تشرب من الإناء، وهي حائض، فيأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه على موضع فيها فيشرب، وتتعرق العرق فيأخذه فيضع فاه على موضع فيها.» رواه مسلم ... الضرب الثاني ما أكل لحمه؛ فقال أبو بكر بن المنذر أجمع أهل العلم على أن سؤر ما أكل لحمه يجوز شربه، والوضوء به. الضرب الثالث السنور وما دونها في الخلقة؛ كالفأرة، وابن عِرْس، فهذا ونحوه من حشرات الأرض سؤره طاهر، يجوز شربه والوضوء به. ولا يكره. وهذا قول أكثر أهل العلم؛ من الصحابة، والتابعين، من أهل المدينة، والشام، وأهل الكوفة أصحاب الرأي، إلا أبا حنيفة، فإنه كره الوضوء بسؤر الهر، فإن فعل أجزأه. وقد روي عن ابن عمر أنه كرهه، وكذلك يحيى الأنصاري، وابن أبي ليلى. وقال أبو هريرة، يغسل مرة أو مرتين. وبه قال ابن المنذر. وقال الحسن، وابن سيرين: يغسل مرة. وقال طاوس: يغسل سبعا، كالكلب. وقد روى أبو داود، بإسناده، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -

باب الحيض

فذكر الحديث، وقال: «إذا ولغت فيه الهرة غسل مرة» (¬1). ولنا ما روي عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت أبي قتادة، أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءا، قالت: فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم. فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «قال: إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات». أخرجه أبو داود والنسائي، والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهذا أحسن شيء في الباب. وقد دل بلفظه على نفي الكراهة عن سؤر الهر، وبتعليله على نفي الكراهة عما دونها مما يطوف علينا. وروى ابن ماجه، عن عائشة، قالت: «كنت أتوضأ أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء، قد أصابت منه الهرة قبل ذلك». وعن عائشة، أنها قالت: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم. وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بفضلها.» رواه أبو داود). ـ[باب الحيض لا حيض قبل تمام تسع سنين ولا بعد خمسين سنة ولا مع حمل وأقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما وغالبه ست أو سبع. وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما وغالبه بقية الشهر ولا حد لأكثره. ويحرم بالحيض أشياء: منها الوطء في الفرج والطلاق والصلاة والصوم والطواف وقراءة القرآن ومس المصحف واللبث في المسجد وكذا المرور فيه إن خافت تلويثه. ويوجب الغسل والبلوغ والكفارة بالوطء فيه ولو مكرها أو ناسيا أو جاهلا للحيض والتحريم وهي دينار أو نصفه على التخيير وكذا هي إن طاوعت. ولا يباح بعد انقطاعه وقبل غسلها أو تيممها غير الصوم والطلاق واللبث بوضوء .]ـ ¬

_ (¬1) قال الدارقطني في " العلل" (8/ 117): (الصحيح قول من وقفه عن أبي هريرة).

مسألة - لا حيض قبل تمام تسع سنين.

ـ[في المسجد. وانقطاع الدم: بأن لا تتغير قطنة احتشت بها في زمن الحيض طهر. وتقضي الحائض والنفساء الصوم لا الصلاة .. ]ـ مسألة - لا حيض قبل تمام تسع سنين. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 355): (قوله (وأقل سن تحيض له المرأة: تسع سنين) هذا المذهب. وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. وعنه أقله عشر سنين، وهو احتمال في مختصر ابن تميم. وعنه أقله اثنتا عشرة سنة. واختار الشيخ تقي الدين: أنه لا أقل لسن الحيض. فائدة: حيث قلنا: أقل سن تحيض له كذا. فهو تحديد. فلا بد من تمام تسع سنين، أو عشرة، أو اثنتي عشرة سنة. إن قلنا به. وهذا هو الصحيح، جزم به في المستوعب، والفصول ... وقيل تقريبا وصرح به في المستوعب، والرعايتين ... قلت: والنفس تميل إليه). • واستدلوا على هذا التحديد بقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة) ولم أجده مسندا فذكره الترمذي والبيهقي بدون إسناد. وعلى فرض صحته فليس فيه دلالة على التحديد بل المقصود أنها - رضي الله عنها - رأت أن هذا السن مظنة الحيض، وهذا لا ينفي أن يتقدم الحيض أو يتأخر عن هذا السن، ولذلك عقب البيهقي عقبه بقوله: (تعني والله أعلم فحاضت فهي امرأة)، ولذلك فالأقرب أنه هذا السن تقريبي لا تحديدي، وأن العبرة برؤية دم الحيض على صفته المعروفة سواء أكان قبل هذا السن، أم بعده وهو اختيار تقي الدين وابن عثيمين - رحمهما الله -. مسالة - لا حيض بعد خمسين سنة. والقول في هذه المسألة كسابقتها، والراجح أنه ليس للإياس سن محدد بل هو مرتبط بوجود دم الحيض على صفته المعروفة ولو جاوز سن المرأة الستين عاما، أو أكثر.

مسألة - لا حيض مع حمل.

مسألة - لا حيض مع حمل. وهذا هو قول المشهور في المذهب والمشهور عند الحنفية، وقول الشافعي في القديم. والأدلة في هذه المسألة حمالة وليس فيها ما يقطع النزاع بين الفقهاء، ولذلك رأيت أن كلام الأطباء هو الذي يفسر هذه المسألة، ويفصل فيها. ومن المهم أن نعرف كيف يتكون الحيض وكيف ينزل. يعتبر الحيض جزء من الدورة الشهرية التي تهيأ المرأة للحمل كل شهر، وهذه الدورة تبدأ من اليوم الأول للحيض إلى اليوم الأول للحيض التالي وغالبا ما يكون معدل طول الدورة 28 يوم وقد يقل عن ذلك وقد يزيد يكون سمك جدار الرحم نصف مليمتر في أول الدورة أي بعد نزول الحيض، وفي النصف الأول من الدورة ترتفع نسبة هرمون الإستروجين والذي يجعل الرحم ينمو ويزداد حجمه وتنمو أوعيته الدموية وغدده ويزداد سمك جدار الرحم تدريجيا وقد يصل في نهابة فترة الدورة إلى ثمان ميليمتر أي يتضاعف حجمه ست عشرة مرة، وكل هذا استعدادا لحمل البويضة المخصبة. فإذا حدث تلقيح البيضة بالحيوان المنوي تصل البيضة الملقحة إلى الرحم ويحدث الحمل وتثبت في جدار الرحم عن طريق المشيمة. وأما إذا لم يحدث تلقيح للبيضة فإنها تذوب وتمتص بالجسم وبالتالي لا يحدث الحمل وتقل نسبة الإستروجين وتبدأ أوعية الرحم الدموية في الانقباض الشديد وتمنع فيه تغذية الغشاء حتى يتفتت ويسقط الغشاء المبطن بالدماء والغدد على شكل دم حيض وينهار البناء تماما ويعود سمك جدار الرحم لحجمه الطبيعي وهكذا فسبحان الملك. إذا ظهر لك هذا فأعلم أن سبب انهيار هذا الجدار هو نقص هرمون الإستروجين بسبب عدم حدوث الإخصاب للبويضة وهذا الهرمون يزداد في الجسم مع الإخصاب وتطور مراحل الحمل حتى يبدأ ويقل عند نهاية فترة الحمل استعدادا لنزول الجنين.

مسألة - أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوما.

وعلى ذلك فكلما زاد هذا الهرمون زادت بطانة الرحم وكان سببا في عدم تفتتها وبالتالي عدم نزول الحيض ولذلك يقرر الأطباء قاطبة عدم إمكانية نزول الحيض في أثناء الحمل. ويقرر الأطباء أن الدماء التي تنزل من الحامل ما هي إلا دماء طبيعة كالاستحاضة لا علاقة لها بالحيض وتكون بسبب هذا النزيف إما لالتهاب، أو لحمية في عنق الرحم، أو لجرح في المشيمة، أو مرض سرطاني والعياذ بالله، أو لحمل خارج الرحم (¬1) ... • وعلى ذلك فالأصل أن الحامل لا تحيض وأن الوضع الطبيعي لها هو زيادة هرمون الحمل مما يمنع من تفتت بطانة الرحم وبالتالي يمنع من نزول الحيض، إلا أنه قد يقل هذا الهرمون في بعض حالات الإجهاض وتبدأ بطانة الرحم في التقلص، وينزل الدم في هذه الفترة قد يستمر ليوم أو لأيام، وقد لا يكون في فترة الحيض المعروفة للمرأة مسبقا قبل الحمل، وهذا حيض وله حكم الحيض بشرط أن تميزه المرأة بلونه ورائحته لمعروفة، وقد تعالج المرأة ببعض الأدوية التي تزيد من هرمون الحمل داخل الجسم مما قد يؤدي إلى توقف هذه البطانة عن الانقباض ويستمر الحمل بعد ذلك بإذن الله. مسألة - أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوما. الأدلة التي وردت ليست صريحة في محل النزاع، والصريح منها في التحديد غير صحيح، وهذا التأصيل الذي أصلناه في المسألة السايقة يبين لنا أن كمية الدم الذي ينزل في الحيض متفاوتة من امرأة لأخرى وكذلك مدتها وذلك تبعا لحجم الرحم وسمك جداره، وعلى ذلك فعلامة دم الحيض تمييزه بلونه ورائحته ولا حد لأكثره ولا أقله وهو اختيار تقي الدين وابن إبراهيم وابن سعدى وغيرهم. قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (19/ 237): (لا حد لا لأقله ولا لأكثره بل ما رأته المرأة عادة مستمرة فهو حيض. وإن قدر أنه أقل من يوم استمر بها على ذلك فهو حيض. وإن قدر أن أكثره سبعة عشر استمر بها على ذلك فهو حيض. ¬

_ (¬1) وقد استفدت في كتابة هذه الكلمات مما نقله الشيخ الدبيان (7/ 129) عن بعض الأطباء وتوسعت بعض الشيء في النظر لبعض المواقع الطبية.

مسالة - غالب الحيض ست أو سبع.

وأما إذا استمر الدم بها دائما فهذا قد علم أنه ليس بحيض لأنه قد علم من الشرع واللغة أن المرأة تارة تكون طاهرا وتارة تكون حائضا ولطهرها أحكام ولحيضها أحكام، والعادة الغالبة أنها تحيض ربع الزمان ستة أو سبعة وإلى ذلك رد النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز والطهر بين الحيضتين لا حد لأكثره باتفاقهم). مسالة - غالب الحيض ست أو سبع. قال ابن مفلح في "الفروع" (1/ 364): (وغالبه ست أو سبع "و") أي وفاق الأئمة الثلاثة. قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 472): (غالب الحيض ست ليال أو سبع. وهذا صحيح؛ لثبوت السنة به؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: «فتحيضي ستة أيام، أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي». وهذا أيضا هو الواقع، فإنه عند غالب النساء يكون ستا، أو سبعا). وهذا الحكم إنما يثبت بأحد أمرين: أن ينص عليه الشارع، أو بالاستقراء، وبكلاهما استدل الشيخ العثيمين. تنبيه: وأما حديث حمنة - رضي الله عنها - فرواه أحمد وأبو داود ولفظ أبي داود: (إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت، واستنقأت فصلي ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي، فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء، وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن) ومدار الحديث على عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مختلف فيه ومثله حسن الحديث بشرط ألا يخالف غيره، وقد اختلف العلماء في تصحيح هذا الحديث وإعلاله، وقد رجح ضعفه الأرناوؤط في هامش المسند، وكذا الدبيان في موسوعة الطهارة (8/ 1042)، وظاهر الحديث مخالف للأحاديث الصحيحة التي ردَّ فيها النبيُ المستحاضةَ إلى عادتها لا إلى عادة النساء، ومن ذلك ما رواه الشيخان عن عائشة أن النبي صلى

مسألة - أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما.

الله عليه وسلم قال لأم حبيبة: «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي» وعليه فحديث الباب إن حمل عمومه على المبتدأة، أو المتحيرة التي لا تستطيع التمييز بلون الدم وحمل حديث عائشة على من لها عادة معلومة فلا يكون هناك معارضة بين الأحاديث وهو أولى. مسألة - أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما. قال المرداوي في " الإنصاف" (1/ 358): (قوله (وأقل الطهر بين الحيضتين: ثلاثة عشر يوما) هذا المذهب. وعليه جمهور الأصحاب. قال الزركشي: هو المختار في المذهب، وهو من المفردات). إشكال: سبق وأن ذكرنا أن القول الراجح في المذهب أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما، وبناء على ذلك يكون أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما. قال موفق الدين في "المغني" (1/ 225): (قال أبو بكر: أقل الطهر مبني على أكثر الحيض، فإن قلنا أكثره خمسة عشر يوما، فأقل الطهر خمسة عشر، وإن قلنا أكثره سبعة عشر، فأقل الطهر ثلاثة عشر. وهذا كأنه بناه على أن شهر المرأة لا يزيد على ثلاثين يوما، يجتمع لها فيه حيض وطهر، وأما إذا زاد شهرها على ذلك تصور أن يكون حيضها سبعة عشر، وطهرها خمسة عشر وأكثر). • ومحصل ما وقفت عليه من توجيه لهذه الرواية أمرين: الأول - أنه راعي أكثر ما قيل في حد الحيض. سأل إسحاق بن منصور في "مسائله" (3/ 1318): كيف يكون الحيض عشرين يوماً؟ فقال أحمد: (أكثر ما سمعنا سبعة عشر يوماً)، فيكون باقي الشهر ثلاثة عشر يوما. وأجاب ابن القيم عن ذلك فقال في "بدائع الفوائد" (4/ 94): (يحتمل أن يكون ذكره لأنه قوله ويمكن أن يكون على طريق الحكاية، والأشبه عندي أن يكون قوله لا يختلف أنه خمسة عشر يوما وإنما أخبر عن السبع عشرة أنه سمعه لا أنه يقلده). الثاني - قال موفق الدين في " المغني" (1/ 225): (أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما؛ لأن كلام أحمد لا يختلف أن العدة تصح أن تنقضي في شهر واحد

إذا قامت به البينة ... ولنا ما روي عن علي - رضي الله عنه -، أن امرأة جاءته، وقد طلقها زوجها، فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض، طهرت عند كل قرء وصلت، فقال علي لشريح: قل فيها. فقال شريح: إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته، فشهدت بذلك، وإلا فهي كاذبة. فقال علي: " قالون. وهذا بالرومية. ومعناه: جيد. وهذا لا يقوله إلا توقيفا؛ ولأنه قول صحابي، انتشر، ولم نعلم خلافه، رواه الإمام أحمد بإسناده، ولا يجيء إلا على قولنا أقله ثلاثة عشر، وأقل الحيض يوم وليلة). والجواب عن ذلك بأن يقال: 1 - أن الأثر ضعيف فهو منقطع بين الشعبي وعلي رضي الله عنه. 2 - كما أن انقضاء العدة في الشهر الواحد يتوقف على تفسير القرء بأنه الحيض لا الطهر وهو الصحيح في المذهب، وعلى أنها طلقت في طهر وحاضت في اليوم التالي حتى يصير المجموع شهرا. أما إن طلقت في حيض وطهرت منه في اليوم التالي فسوف تطول العدة إلى ثلاثة وأربعين يوما؛ لأن الحيض لا يتبعض فلا يعتد بالحيضة التي طلقت فيها بل تعتد بعدها بثلاث حيض كوامل. 3 - كما أنه لا يتعين أن يكون أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما وأقل الحيض يوما وليلة لتنقضي عدتها في شهر فقد نقل ابن رجب في الفتح تفسيرا آخر لها فقال (2/ 148): (وقال حرب الكرماني: ثنا إسحاق: ثنا أبي، قالَ: سألت ابن المبارك فقالَ: أرأيت قول سفيان: تصدق المرأة في انقضاء عدتها في شهر، كيف هَذا؟ وما معناه؟ فقالَ: جعل ثلاثاً حيضاً، وعشراً طهراً، وثلاثاً حيضاً، كذا قال). 4 - قال الدبيان في "موسوعته" (6/ 191): (من أين لكم من الأثر أنها لو ادعت أقل من شهر أنه لن يسمع دعواها، ولن يطلب منها بينه، فهذا لا سبيل إليه من الأثر). الترجيح: والراجح ما ذهب إليه تقي الدين وهو قول في المذهب من أنه لا حد لأقل الطهر كما أنه لا حد لأكثره. قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (19/ 238): (الطهر بين الحيضتين لا حد

مسألة - غالب الطهر بقية الشهر.

لأكثره باتفاقهم. إذ من النسوة من لا تحيض بحال وهذه إذا تباعد ما بين أقرائها فهل تعتد بثلث حيض أو تكون كالمرتابة تحيض سنة؟ فيه قولان للفقهاء. وكذلك أقله على الصحيح لا حد له بل قد تحيض المرأة في الشهر ثلاث حيض وإن قدر أنها حاضت ثلاث حيض في أقل من ذلك أمكن لكن إذا ادعت انقضاء عدتها فيما يخالف العادة المعروفة فلا بد أن يشهد لها بطانة من أهلها كما روي عن علي رضي الله عنه فيمن ادعت ثلاث حيض في شهر. والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة؛ لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي وهو دم ترخيه الرحم ودم الفساد دم عرق ينفجر؛ وذلك كالمرض؛ والأصل الصحة لا المرض. فمتى رأت المرأة الدم جار من رحمها فهو حيض تترك لأجله الصلاة). مسألة - غالب الطهر بقية الشهر. الغالب أن المرأة لا تحيض في الشهر إلا مرة واحدة، وحيض كل امرأة بحسبها كما سبق، وباقي الشهر يكون طهرا لها، وأما المبتدأة المستحاضة، أو المتحيرة فسبق وأن حملنا حديث حمنة رضي الله عنها عليه فغالب حيضها ستا أو سبعا، وغالب طهرها بقية الشهر. مسألة - لا حد لأكثر الطهر. وهذه المسألة سبقت آنفا في كلام تقي الدين ونقل عليها الاتفاق. مسألة يحرم بالحيض الوطء في الفرج. قال تعالي: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ} [البقرة: 222]، وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح».

مسألة يحرم بالحيض الطلاق.

قال ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 23): (اتفقوا على أن الحائض لا يطؤها زوجها في فرجها ولا في دبرها واتفقوا أن له مؤاكلتها ومشاربتها). مسألة يحرم بالحيض الطلاق. عمم الماتن كلامه هنا ولم يقيد بالسنة، مع أن الصحيح من المذهب أن الحيض يمنع من الطلاق البدعي كالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه ونحو ذلك، ولكن يباح له الطلاق على عوض، أو الخلع. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 348): (قوله (وسنة الطلاق)، الصحيح من المذهب: أن الحيض يمنع سنة الطلاق مطلقا. وعليه الجمهور ... ). ثم قال: (فائدة: لو سألته الخلع أو الطلاق بعوض لم يمنع منه على الصحيح من المذهب. وعليه أكثر الأصحاب). قال البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 111): ((و) يمنع الحيض أيضا (سنة طلاق) لأن الطلاق فيه بدعة محرمة. كما يأتي موضحا في بابه (ما لم تسأله) أي الحائض الزوج (خلعا أو طلاقا على عوض) فيباح له إجابتها؛ لأن المنع لتضررها بطول العدة، ومع سؤالها قد أدخلت الضرر على نفسها. وعلم منه: أنه لا يباح إن سألته طلاقا بلا عوض. ولا إن كان السائل غيرها). • ومن الأدلة على تحريم الطلاق البدعي قوله تعالى: ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] والأمر بالشيء مستلزم للنهي عن ضده. قال ابن الجوزي في "زاد المسير" (4/ 296): (قوله عز وجل: (لِعِدَّتِهِنَّ) أي: لزمان عدتهن، وهو الطهر. وهذا للمدخول بها، لأن غير المدخول بها لا عدة عليها. والطلاق على ضربين: سني، وبدعي. فالسني: أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه، فذلك هو الطلاق للعدة، لأنها تعتد بذلك الطهر من عدتها، وتقع في العدة عقيب الطلاق، فلا يطول عليها زمان العدة. والطلاق البدعي: أن يقع في حال الحيض، أو في طهر قد جامعها فيه، فهو واقع، وصاحبه آثم). وما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه

مسألة يحرم بالحيض الصلاة والصوم.

وسلم ثم قال: «ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها، فتلك العدة كما أمر الله عز وجل». قال ابن قدامة في "المغني" (7/ 364): (وأما المحظور، فالطلاق في الحيض، أو في طهر جامعها فيه، أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه). مسألة يحرم بالحيض الصلاة والصوم. والدليل على ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصان دينها». قال ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 23): (اتفقوا على أن الحائض لا تصلي ولا تصوم أيام حيضها). وقال ابن المنذر في "الإجماع" (ص:42): (أجمعوا على أن الحائض لا صلاة عليها في أيام حيضتها، فليس عليها القضاء). مسألة يحرم بالحيض الطواف. والدليل على ذلك ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بِسَرِف حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قال: «ما لك أنفست؟». قلت: نعم، قال: «إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت». وهذه المسألة مجمع عليها ونقل الإجماع ابن عبد البر، وابن رشد، والنووي، وابن تيمية، وابن حزم وغيرهم (¬1). مسألة يحرم بالحيض قراءة القرآن. وهذه المسألة سبقت وسبق ترجيح اختيار تقي الدين بتحريم القراءة على الجنب دون الحائض ورد قياسها على الجنب. ¬

_ (¬1) انظر موسوعة الطهارة (7/ 765).

مسألة يحرم بالحيض مس المصحف.

مسألة يحرم بالحيض مس المصحف. وهذا هو الراجح، وقد سبقت هذه المسألة. مسألة يحرم بالحيض اللبث في المسجد. وهذا هو الراجح وقد سبق بيانه. مسألة يحرم بالحيض المرور في المسجد إن خافت تلويثه. قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 107): (ليس لهم - أي: الجنب والحائض والنفساء - اللبث في المسجد، لقول الله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] وروت عائشة، قالت: «جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد؛ فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» رواه أبو داود. يباح العبور للحاجة، من أخذ شيء، أو تركه، أو كون الطريق فيه، فأما لغير ذلك فلا يجوز بحال. وممن نقلت عنه الرخصة في العبور: ابن مسعود وابن عباس وابن المسيب وابن جبير والحسن ومالك والشافعي وقال الثوري وإسحاق لا يمر في المسجد إلا أن لا يجد بدا، فيتيمم. وهو قول أصحاب الرأي؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا أحل المسجد لحائض ولا جنب.» ولنا قول الله تعالى: (إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ)، والاستثناء من المنهي عنه إباحة. وعن عائشة، «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ناوليني الخمرة من المسجد. قالت: إني حائض، قال إن حيضتك ليست في يدك». رواه مسلم (¬1). وعن جابر قال: كنا نمر في المسجد ونحن جنب. رواه ابن المنذر، وعن زيد بن أسلم، قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشون ¬

_ (¬1) وظاهر هذا الحديث أن أم المؤمنين دخلت المسجد وقد عرض البعض بعض الاحتمالات في هذا الحديث كأن النبي هو الذي كان في المسجد وهي في حجرتها، أو أن المقصود بالمسجد المصلى أي مكان صلاته في بيته صلى الله عليه وسلم، والحديث ظاهره على أنها دخلت المسجد، وهذه الاحتمالات محتملة لم تنتهض الأدلة على ترجيحها، وعليه فلا يكون الحديث من قبيل المجمل.

مسألة - يوجب الحيض الغسل.

في المسجد وهم جنب رواه ابن المنذر أيضا. وهذا إشارة إلى جميعهم، فيكون إجماعا. فأما المستحاضة، ومن به سلس البول، فلهم اللبث في المسجد والعبور إذا أمنوا تلويث المسجد؛ لما روي عن عائشة أن «امرأة من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكفت معه وهي مستحاضة، فكانت ترى الحمرة والصفرة، وربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي.» رواه البخاري. ولأنه حدث لا يمنع الصلاة فلم يمنع اللبث، كخروج الدم اليسير من أنفه. فإن خاف تلويث المسجد فليس له العبور؛ فإن المسجد يصان عن هذا، كما يصان عن البول فيه. ولو خشيت الحائض تلويث المسجد بالعبور فيه، لم يكن لها ذلك). مسألة - يوجب الحيضُ الغسل. سبقت هذه المسألة في باب ما يوجب الغسل. مسألة - يوجب الحيضُ البلوغ. روى أحمد وأبو داود وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه، قال: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» أي من بلغت المحيض. قال ابن حجر في " فتح الباري" (5/ 277): (أجمع العلماء على أن الحيض بلوغ في حق النساء). مسألة - يوجب الحيضُ الكفارة بالوطء فيه ولو مكرها أو ناسيا أو جاهلا للحيض والتحريم، وهي دينار أو نصفه على التخيير. دليل وجوب الكفارة: روى أحمد وغيره عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض: "يتصدق بدينار، أو بنصف دينار". والحديث قد اختلف في إسناده وقفا ورفعا، ورواية الوقف أصح، وهو قول صحابي لم يعرف له مخالف من الصحابة فيعمل به. كم الكفارة؟ الصحيح من المذهب أنه مخير بين الدينار، أو النصف دينار، وهو ضعيف.

مسألة - على من وطء مكرها أو ناسيا أو جاهلا للحيض والتحريم كفارة؟

قال الشيخ الدبيان في "موسوعته" (7/ 885) بعد أن ذكر قول أحمد بالتخيير: (وهذا من اضعفها، ولا أعرف له شبها في الكفارات، أن يكون الإنسان مخيرا في جنس واحد بمعني أن نصف الدينار واجب والنصف الآخر مستحب، فالصدقة المستحبة مفتوحة ليس لها حد، والمعروف في الكفارات التي تأتي على التخيير أن يكون كل واحد منها واجبا لا بعينه، وذلك مثل كفارة اليمين، فالتخيير بين الإطعام، والكسوة، وتحرير الرقبة كل واحد منها واجب لا بعينه، ومثله المحرم في كفارة حلق الرأس من الأذى، بخلاف قوله: يتصدق بدينار أو نصف دينار، فإن الدينار ليس واجبا، والنصف منه واجب على القول بالتخيير). والراجح أن "أو" في الأثر للتنويع وليست للشك ولا للتخيير، وقد روى أبو داود وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد حسن أنه قال: «إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار» وفي تفسير قوله: (في انقطاع الدم) بحث سيأتي بإذن الله تعالى. قال ابن القطان في " بيان الوهم والإيهام" (5/ 276): (يحتمل قوله: " دينار أو نصف دينار " ثلاثة أمور: أحدها: أن يكون تخييرا ويبطل هذا بأن يقال: التخيير لا يكون إلا بعد طلب، وهذا واقع بعد الخبر إذ حكم التخيير الاستغناء بأحد الشيئين عن الآخر لأنه إذا خير بين الشيء وبعضه، كان بعض أحدهما متروكا بغير بدل. والأمر الثاني: أن يكون شكا من الراوي. والثالث: أن يكون باعتبار حالين، وهذا هو الذي يتعين منها). مسألة - على من وطء مكرها أو ناسيا أو جاهلا للحيض والتحريم كفارة؟ قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 352): (الصحيح من المذهب: أن الجاهل بالحيض أو بالتحريم أو بهما والناسي كالعامد، نص عليه. وكذا لو أكره الرجل. وعنه لا كفارة عليه. واختار ابن أبي موسى: أنه لا كفارة مع العذر، وقدمه في المستوعب. وأطلقهما في المغني والتلخيص.).

الترجيح: والراجح أن لا كفارة على من وطء في الحيض إن كان مكرها، أو ناسيا للحيض، أو جاهلا للحكم، وأما من كان عاملا بالتحريم ولكنه جاهلا للكفارة فهذا عليه الكفارة؛ لأنه فعله وهو يعلم أنه محرم. تقعيد أصولي: قال الطوفي في " شرح مختصر الروضة" (1/ 416): (الفرق بين خطاب التكليف والوضع من حيث الحكم، فهو أن خطاب اللفظ الذي يعبر عنه بخطاب التكليف، يشترط فيه علم المكلف وقدرته على الفعل وكونه من كسبه، كالصلاة، والصيام، والحج، ونحوها على ما سبق في شروط التكليف. أما خطاب الوضع، فلا يشترط فيه شيء من ذلك إلا ما يستثنى بعد إن شاء الله تعالى. أما عدم اشتراط العلم، فكالنائم يتلف شيئا حال نومه، والرامي إلى صيد في ظلمة أو وراء حائل يقتل إنسانا، فإنهما يضمنان ما أتلفا، وإن لم يعلما. وأما عدم اشتراط القدرة والكسب، فكالدابة تتلف شيئا، والصبي أو البالغ يقتل خطأ، فيضمن صاحب الدابة والعاقلة، وإن لم يكن الإتلاف والقتل مقدورا ولا مكتسبا لهم. أما المستثنى من عدم اشتراط العلم والقدرة فهو قاعدتان: إحداهما: أسباب العقوبات، كالقصاص لا يجب على مخطئ في القتل لعدم العلم، وحد الزنى لا يجب على من وطئ أجنبية يظنها زوجته، لعدم العلم أيضا، ولا على من أكره على الزنى لعدم القدرة على الامتناع، إذ العقوبات تستدعي وجود الجنايات التي تنتهك بها حرمة الشرع زجرا عنها وردعا، والانتهاك إنما يتحقق مع العلم والقدرة والاختيار، والقادر المختار هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك، والجاهل والمكره قد انتفى ذلك فيه، وهو شرط تحقق الانتهاك، فينتفي الانتهاك لانتفاء شرطه، فتنتفي العقوبة لانتفاء سببها). قال القرافي في "شرح تنقيح الفصول" (ص: 80): (بعض الأسباب يشترط فيه العلم والقدرة وهو كل ما كان فيه جناية كالزنا وشرب الخمر ونحوه مما هو سبب للعقوبة؛ فإن قواعد الشرع تتقاضى أنه لا يعاقب من لم يقصد المفسدة، ولم يشعر

مسألة - على المرأة كفارة إن طاوعت زوجها على الوطء في الحيض.

بها إذا وقعت بغير كسبه، ولذلك اشترط في كل سبب هو جناية: العلم والقدرة. بخلاف المثل السابقة لأنها ليست أسباب عقوبات، فإن الإتلاف وإن كان جناية إلا أنه ليس بسبب عقوبة، بل الغرامة جابرة لا زاجرة، والعقوبة لا تكون إلا زاجرة). الأدلة: ومن الأدلة على سقوط الكفارة، بالنسيان، والجهل، والإكراه ما يلي (¬1): أولا: قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، فقال الله: «قد فعلت». ثانيا: قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]. ثالثا: قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ} [النحل: 106]، فالكفر إذا كان يسقط موجبه بالإكراه، فما دونه من باب أولى. رابعا: من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». خامسا: التعليل أن هذا لم يتعمد المخالفة، فلا يعد عاصيا، وإذا لم يكن عاصيا لم يترتب عليه الإثم ولا الفدية. مسألة - على المرأة كفارة إن طاوعت زوجها على الوطء في الحيض. قال الشيخ العثيمين في "الشرح الممتع" (1/ 480): (عللوا: بأن الجناية واحدة، فكما أن عليه ألا يقربها، فعليها ألا تمكنه، فإذا مكنته فهي راضية بهذا الفعل المحرم فلزمتها الكفارة. وأيضا: تجب عليها قياسا على بقية الوطء المحرم، فهي إذا زنت باختيارها فإنه يقام عليها الحد، وإذا جامعها زوجها في الحج قبل التحلل الأول فسد حجها، وكذا إذا طاوعته في الصيام فسد صومها ولزمتها الكفارة. ¬

_ (¬1) انظر الشرح الممتع (7/ 194) وقد ذكر الشيخ هذه الأدلة لبيان سقوط الفدية بفعل بعض المحظورات نسيانا، أو جهلا، أو إكراها.

مسألة - لا يباح بعد انقطاع الحيض وقبل غسلها أو تيممها غير الصوم والطلاق واللبث بوضوء في المسجد.

وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة لا يقتضي الاختصاص بالرجل؛ لأن الخطاب الموجه للرجال يشمل النساء، وبالعكس، إلا بدليل يقتضي التخصيص). مسألة - لا يباح بعد انقطاع الحيض وقبل غسلها أو تيممها غير الصوم والطلاق واللبث بوضوء في المسجد. استخدم الماتن أسلوب الحصر والقصر وهو يدل على اختصاص ما ذكر فقط بالجواز، وأن ما دونه غير مباح. وعليه فيباح بعد انقطاع دم الحيض، وقبل الاغتسال الصوم، والطلاق، واللبث بوضوء في المسجد، وبالأولى المرور لانقطاع دم الحيض ما لم تكن مستحاضة. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 246): (حكم الحائض والنفساء بعد انقطاع الدم: حكم الجنب فيما تقرر على الصحيح من المذهب، وهو من المفردات). ولما صارت في هذه الحالة كالجنب فيباح لها الصوم وإن تأخر الاغتسال، وأيضا يباح تطليقها لعدم تطويل العدة عليها وأما اللبث والمرور في المسجد فلقوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] وبالوضوء لأثر عطاء بن يسار قال: رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضؤوا وضوء الصلاة). فائدة حكم وطء الحائض إذا أنقطع دم حيضها قبل أن تغتسل: دل مفهوم عبارته على أنه لا يباح بعد انقطاع دم حيضها، وقبل أن تغتسل: الوطء في الفرج، ولا الصلاة، ولا الطواف، ولا قراءة القرآن ولا مس المصحف. وكما سبق وأن ذكرنا مناقشة هذه الأشياء على من عليه غسل، ولكن مسألة وطء في هذه الحالة فهي تحتاج لتفصيل: قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]

تنبيه - هل عليه كفارة إن وطأ قبل أن تغتسل:

قال ابن قدامة في "المغني" (1/ 245): (قال: (فإن انقطع دمها، فلا توطأ حتى تغتسل) وجملته أن وطء الحائض قبل الغسل حرام، وإن انقطع دمها في قول أكثر أهل العلم. قال ابن المنذر: هذا كالإجماع منهم. وقال أحمد بن محمد المروذي: لا أعلم في هذا خلافا. وقال أبو حنيفة: إن انقطع الدم لأكثر الحيض، حل وطؤها، وإن انقطع لدون ذلك، لم يبح حتى تغتسل، أو تتيمم، أو يمضي عليها وقت صلاة؛ لأن وجوب الغسل لا يمنع من الوطء كالجنابة. ولنا، قول الله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} [البقرة: 222]. يعني إذا اغتسلن. هكذا فسره ابن عباس؛ ولأن الله تعالى قال في الآية: {ويحب المتطهرين} [البقرة: 222]. فأثنى عليهم، فيدل على أنه فعل منهم أثنى عليهم به، وفعلهم هو الاغتسال دون انقطاع الدم، فشرط لإباحة الوطء شرطين: انقطاع الدم، والاغتسال، فلا يباح إلا بهما؛ ولأنها ممنوعة من الصلاة لحدث الحيض، فلم يبح وطؤها كما لو انقطع لأقل الحيض. وما ذكروه من المعنى منقوض بما إذا انقطع لأقل الحيض؛ ولأن حدث الحيض آكد من حدث الجنابة، فلا يصح قياسه عليه). تنبيه - هل عليه كفارة إن وطأ قبل أن تغتسل: الصحيح من المذهب أنه لا كفارة عليه وهو الراجح، قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 352): (لو وطئها بعد انقطاع الدم وقبل غسلها: فلا كفارة عليه على الصحيح من المذهب. وعليه الجمهور). إشكال والجواب عنه: (روى أبو داود وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد حسن أنه قال: «إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار» وقوله: (في انقطاع الدم) يحتمل أمورا وحمله الشيخ الحمد على آخر الدم. قال الحمد في "شرح الزاد": (وعن الإمام أحمد - وقد يقال إن هذا مذهب ابن عباس وقتادة -: أنه إذا جامعها في أول الدم وعند فورانه فإنه يتصدق بدينار. وأما إذا جامعها عند تقطعه قبل انقطاعه فعليه نصف دينار - وهي رواية عن الإمام أحمد -.

مسألة- انقطاع الدم: بأن لا تتغير قطنة احتشت بها في زمن الحيض: طهر.

ولفظة ابن عباس تحتمل ذلك فقد قال: (انقطاعه) أي عند تقطعه، بدليل قوله: (عند أول الدم) وهي رواية عن الإمام أحمد كما تقدم، وهذا فيما يظهر هو الأولى. فيقال: إنه إذا جامعها في أول الدم فعليه دينار وأما إذا جامعها في آخر حيضها عند تقطع الدم وخفته فيتصدق بنصف دينار). • ومما يؤيد ما ذهب إليه أن علة المنع كون الدم أذي، وهي متحققة عند قلته ومنعدمة عند انقطاعه. وقد وردت بعض الطرق الضعيفة وفيها تفسير للانقطاع المذكور فروي الترمذي وغيره عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان دما أحمر فدينار، وإذا كان دما أصفر فنصف دينار». وروى عبد الرزاق وغيره من نفس الطريق السابق عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أتى امرأته في حيضتها فليتصدق بدينار، ومن أتاها وقد أدبر الدم عنها، فلم تغتسل فنصف دينار كل ذلك» ومدارهما على عبد الكريم وهو ابن أبي المخارق وهو ضعيف، وأعله الشيخ الألباني بالاضطراب في متنه أيضا. • وقد انتصر الشيخ الألباني في آداب الزفاف إلى جواز الوطء إن غسلت أثر الدم عن فرجها، أو توضأت، ونقله عن عطاء وغيره، وكوننا رجحنا قول ابن عباس رضي الله عنهما من أن المقصود بالتطهر الاغتسال فلا يباح وطوءها قبله - إن كانت قادرة على الاغتسال وإلا تيممت -، ولا كفارة عليه إن فعل قبل ذلك لانعدام الأذى. مسألة- انقطاع الدم: بأن لا تتغير قطنة احتشت بها في زمن الحيض: طهر. قال ابن ضويان في "المنار" (1/ 58): (والصفرة والكدرة في زمن الحيض حيض، لما روى مالك عن علقمة عن أمه أن النساء كن يرسلن بِالدُّرَجَة (¬1) فيها الشئ من الصفرة إلى عائشة فتقول: لا تعجلن حتى تَرَيْنَ القَصة البيضاء قال مالك وأحمد: هو ماء أبيض يتبع الحيضة. وفي زمن الطهر طهر لا تعتد به، نص عليه ¬

_ (¬1) أي خِرقة.

لقول أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكَدرة بعد الطهر شيئاً رواه أبو داود). عندنا حالتان: الأولى - أن ينقطع الدم وتطهر المرأة قبل تمام عادتها ولا يعود الدم إليها، وعلى هذه الحالة يتنزل الترجيح السابق من أنها طهرت. الثانية - أن يعود إليها الدم مرة أخرى، بمعنى أن يتخلل النقاء الدم، فترى المرأة أحيانا دما، وأحيانا نقاء، وهذه المسألة هي التي يتكلم عنها الحنابلة في هذا الموضع ويشير الماتن إليها بقوله: (في زمن الحيض) إلا انه لم يصرح بعود الدم. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 372) ما مختصره: (قوله (وإن طهرت في أثناء عادتها اغتسلت وصلت) هذا المذهب، فحكمها حكم الطاهرات في جميع أحكامها على الصحيح من المذهب ... وقال في الانتصار: هو كنقاء مدة النفاس في رواية. وفي أخرى: النفاس آكد؛ لأنه لا يتكرر. فلا مشقة ... قوله (فإن عاودها الدم في العادة فهل تلتفت إليه على روايتين) إحداهما: تلتفت إليه بمجرد العادة فتجلسه، وهو المذهب. والرواية الثانية: لا تلتفت إليه حتى يتكرر، وهو ظاهر كلام الخرقي. وعنه مشكوك فيه. فتصوم وتصلي، وتقضي الصوم للفرض على سبيل الاحتياط كدم النفساء العائد من مدة النفاس). وقال البهوتي في " شرح منتهى الإرادات" (1/ 114): ((وأقل طهر بين حيضتين ثلاثة عشر يوما و) أقل الطهر (زمن حيض) أي في أثنائه (خلوص النقاء، بأن لا تتغير معه قطنة احتشت بها) طال الزمن أو قصر (ولا يكره وطؤها) أي من انقطع دمها في أثناء عادتها واغتسلت (زمنه) أي زمن طهرها في أثناء حيضها؛ لأنه تعالى وصف الحيض بكونه أذى، فإذا انقطع الدم واغتسلت فقد زال الأذى) (¬1). وعلى هذا الاحتمال الثاني فالمقصود بالنقاء هو انقطاع الدم لا رؤية القصة البيضاء فإنها علامة على خلو الرحم من الحيض، ولا يعود بها في نفس الشهر إلا ببينة على تكرر حيضها في نفس الشهر. ¬

_ (¬1) وانظر مطالب أولى النهى (1/ 250).

الأدلة والمناقشة: اعتبر الحنابلة أن الدم حيض والانقطاع طهر، إلا أن يتجاوزا معا أكثر الحيض فتكون مستحاضة. ودليلهم على ذلك قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] قالوا: فإن ارتفع الأذى زال حكمه. واستدلوا بما رواه الدارمي وغيره عن أنس بن سيرين قال: استحيضت امرأة من آل أنس، فأمروني فسألت ابن عباس، فقال: «أما ما رأت الدم البحراني فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة من النهار فلتغتسل وتصلي» وكلاهما محمول على عدم عود الدم وعلى رؤية القصة البيضاء. الترجيح: الراجح أن النقاء المتخلل زمن الحيض من الحيض ما لم تر القصة البيضاء، وتكليف المرأة بالاغتسال زمن حيضها فيه مشقة وهو من الحرج المرفوع عنا قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]. قال تقي الدين في "مجموع الفتاوى" (19/ 238): (والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة؛ لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي وهو دم ترخيه الرحم ودم الفساد دم عرق ينفجر؛ وذلك كالمرض؛ والأصل الصحة لا المرض. فمتى رأت المرأة الدم جار من رحمها فهو حيض تترك لأجله الصلاة. ومن قال: إنها تغتسل عقيب يوم وليلة فهو قول مخالف للمعلوم من السنة وإجماع السلف؛ فإنا نعلم أن النساء كن يحضن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكل امرأة تكون في أول أمرها مبتدأة قد ابتدأها الحيض ومع هذا فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم واحدة منهن بالاغتسال عقب يوم وليلة. ولو كان ذلك منقولا لكان ذلك حدا لأقل الحيض والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحد أقل الحيض باتفاق أهل الحديث).

مسألة - تقضي الحائض والنفساء الصوم لا الصلاة.

مسألة - تقضي الحائض والنفساء الصوم لا الصلاة. قال ابن ضويان في "المنار" (1/ 58): (لحديث معاذة أنها سألت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة رواه الجماعة. وقالت أم سلمة: كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس رواه أبو داود). ـ[فصل ومن جاوز دمها خمسة عشر يوما فهي مستحاضة فتجلس من كل شهر ستا أو سبعا بتحر حيث لا تمييز ثم تغتسل وتصوم وتصلي بعد غسل المحل وتعصبه وتتوضأ في وقت كل صلاة وتنوي بوضوئها الاستباحة وكذا يفعل كل من حدثه دائم. ويحرم وطء المستحاضة ولا كفارة. والنفاس: لا حد لأقله وأكثره أربعون يوما ويثبت حكمه بوضع ما يتبين فيه خلق إنسان. فإن تخلل الأربعين نقاء فهو طهر لكن يكره وطؤها فيه. ومن وضعت ولدين فأكثر فأول مدة النفاس من الأول فلو كان بينهما أربعون يوما فلا نفاس للثاني. وفي وطء النفساء ما في وطء الحائض. ويجوز للرجل شرب دواء مباح يمنع الجماع وللأنثى شربه لحصول الحيض ولقطعه .. ]ـ

مسألة - من جاوز دمها خمسة عشر يوما فهي مستحاضة فتجلس من كل شهر ستا أو سبعا بتحر حيث لا تمييز ثم تغتسل وتصوم وتصلي بعد غسل المحل وتعصبه.

المستحاضة: بدأ الماتن هنا في الكلام على أحكام المستحاضة: مسألة - من جاوز دمها خمسة عشر يوما فهي مستحاضة فتجلس من كل شهر ستا أو سبعا بتحر حيث لا تمييز ثم تغتسل وتصوم وتصلي بعد غسل المحل وتعصبه. قال ابن ضويان في "المنار" (1/ 59): ("ومن جاوز دمها خمسة عشر يوما فهي مستحاضة"؛ لأنه لا يصلح أن يكون حيضا فإن كان لها عادة قبل الإستحاضة جلستها ولو كان لها تمييز صالح لعموم قوله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة: "امكثي قدر ما كانت تحسبك حيضتك ثم اغتسلي وصلي" رواه مسلم فإن لم يكن لها عادة أو نسيتها فإن كان دمها متميزا بعضه أسود ثخين منتن وبعضه رقيق أحمر وكان الأسود لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فهي مميزة حيضها زمن الأسود فتجلسه ثم تغتسل وتصلي لما روي أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يارسول الله: إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: "لا إن ذلك عروق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" متفق عليه وفي لفظ: "إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي إنما هو عرق" رواه النسائي وقال ابن عباس: "ما رأت الدم البخر أي فإنها تدع الصلاة إنها والله إن ترى الدم بعد أيام محيضها إلا كغسالة ماء اللحم" وإن لم يكن لها عادة ولا تمييز فهي متحيرة. "فتجلس من كل شهر ستا أو سبعا بتحر حيث لا تمييز ثم تغتسل وتصوم وتصلي بعد غسل المحل وتعصيبه" لحديث حمنة بنت جحش قالت: قلت يارسول الله إني أستحاض حيضة شديدة فما ترى فيها؟ قال "أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم" قالت: هو أكثر من ذلك قال: "فاتخذي ثوبا" قالت: هو أكثر من ذلك قال: "فتلجمي" قالت: إنما أثج ثجا فقال لها: "سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم" فقال لها: "إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ئم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعا وعشرين أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك وكذلك

مسألة - تتوضأ المستحاضة في وقت كل صلاة.

فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن" الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه). مسألة - تتوضأ المستحاضة في وقت كل صلاة. سبق وأن رجحنا أن من نواقض الوضوء الخارج من السبيلين قليلا كان أو كثيرا طاهرا كان أو نجسا، ما لم يكن نادرا جافا، وسبق ترجيح أن رطوبة فرج المرأة طاهرة ولكنها ناقضة للوضوء، وعليه فالمستحاضة ومثلها صاحب سلس البول ونحوهما من أهل الأعذار يتوضئون لكل صلاة طالما أن الخارج مستمر، ويصلون بحسب حالهم لعذرهم عن إزالة الحدث داخل الصلاة. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 378): (مراده بقوله (وتتوضأ لوقت كل صلاة) إذا خرج شيء بعد الوضوء فأما إذا لم يخرج شيء: فلا تتوضأ على الصحيح من المذهب، جزم به في المغني، والشرح، وغيرهما، وقدمه في الفروع وغيره، ونص عليه فيمن به سلس البول). • وبالنسبة للأحاديث الواردة في ذلك من أمره صلى الله عليه وسلم المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة فقد اختلف العلماء في تصحيح هذا الحديث اختلافا كثيرا وقد توسع في تخريجه الشيخ الدبيان في موسوعته وضعفه مرفوعا وصححه من قول عروة بن الزبير. مسألة - تنوي المستحاضة بوضوئها الاستباحة. المقصود أنها تنوي استباحة الصلاة لا رفع الحدث؛ لأن الحدث دائم. فائدة: من أعتيد انقطاع حدثه زمنا يتسع لفعل الوضوء والعبادة فإنه يتعين عليه، وينوي رفع الحدث، وكذلك من كان يلحقه السلس، وهو قائم توضأ وهو جالس وصلى جالسا وهكذا مراعاة لتحصيل شرط الصلاة. مسألة - وكذا يفعل كل من حدثه دائم. المقصود أن أصحاب الأعذار كمن به سلس بول وكثرة المذي، ونحو ذلك فإنه يراعي ما سبق ذكره من أحكام للمستحاضة من غسل المحل وعصبه والوضوء لكل صلاة.

مسألة - يحرم وطء المستحاضة، ولا كفارة.

مسألة - يحرم وطء المستحاضة، ولا كفارة. قال الشيخ العثيمين في " الشرح الممتع" (1/ 503): (قوله: «ولا توطأ إلا مع خوف العنت»، يعني: أن المستحاضة لا يحل وطؤها إلا مع خوف العنت، أي: المشقة بترك الوطء ـ هذا هو المذهب ـ إلا أن هذا التحريم ليس كتحريم وطء الحائض كما سيأتي. واستدلوا بما يلي: 1 - قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]. فجعل الله علة الأمر باعتزالهن أن الدم أذى، ومعلوم أن دم الاستحاضة أذى فهو دم مستقذر نجس. 2 - أنه عند الوطء يتلوث الذكر بالدم، والدم نجس، والأصل أن الإنسان لا يباشر النجاسة إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك. لكن تحريم وطء المستحاضة أهون من تحريم وطء الحائض لأمور هي: 1 - أن تحريم وطء الحائض نص عليه القرآن، أما وطء المستحاضة فإنه إما بقياس، أو دعوى أن النص شمله. 2 - أنه إذا خاف الرجل أو المرأة المشقة بترك الجماع جاز وطء المستحاضة، بخلاف الحائض فلا يجوز إلا عند الضرورة. 3 - أنه إذا جاز وطء المستحاضة للمشقة، فلا كفارة فيه بخلاف وطء الحائض. القول الثاني: أنه ليس بحرام، وهو الصحيح، ودليل ذلك: 1 - قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]. 2 - أن الصحابة رضي الله عنهم الذين استحيضت نساؤهم وهن حوالي سبع عشرة امرأة، لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا منهم أن يعتزل زوجته، ولو كان من شرع الله لبينه صلى الله عليه وسلم لمن استحيضت زوجته، ولنقل حفاظا على الشريعة، فلما لم يكن شيء من ذلك علم أنه ليس بحرام. 3 - البراءة الأصلية، وهي الحل. 4 - أن دم الحيض ليس كدم الاستحاضة، لا في طبيعته، ولا في أحكامه؛ ولهذا يجب على المستحاضة أن تصلي، فإذا استباحت الصلاة مع هذا الدم فكيف لا يباح

النفاس:

وطؤها؟ وتحريم الصلاة أعظم من تحريم الوطء. ولا يسلم أنه داخل في الآية؛ لأن الله قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222].فقوله: «هُوَ» ضمير يدل على التخصيص، أي: هو لا غيره أذى. 5 - أن الحيض مدته قليلة، فمنع الوطء فيه يسير؛ بخلاف الاستحاضة فمدتها طويلة؛ فمنع وطئها إلا مع خوف العنت فيه حرج والحرج منفي شرعا. وأما كون الذكر يتلوث عند الوطء بالدم النجس؛ فإن قلنا: إنه يعفى عن يسير دم الاستحاضة فلا إشكال؛ لأن ما يعلق منه بالذكر يسير، وإن قلنا: لا يعفى عنه فهو مباشرة للدم غير مقصودة ولا مستمرة؛ إذ يجب عليه غسله بعد ذلك. لكن إذا استقذره، وكره أن يجامع مع رؤية الدم؛ فهذا شيء نفسي لا يتعلق به حكم شرعي، فقد يكره الإنسان الشيء كراهة نفسية، ولا يلام إذا تجنبه، كما كره النبي صلى الله عليه وسلم أكل الضب مع أنه حلال، وقال: إنه ليس في أرض قومي فأجدني أعافه». النفاس: مسألة - النفاس لا حد لأقله. وهو مذهب الأئمة الثلاثة والمشهور عند الحنابلة، وهو الراجح؛ فإن أقل حد للنفاس لم يرد في الشرع تحديده، فيرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد قليلا وكثيرا فالعبرة بانقطاع الدم. مسالة - أكثر النفاس أربعون يوما. روى أحمد وغيره عن أم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: " كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما". وجه الاستدلال: هذا الحديث خبر من أم سلمة - رضي الله عنها - وظاهره مشكل فاتفاق كل النساء على عادة في النفاس بعيد، ويحتمل أن يكون من باب إطلاق الكل وإرادة البعض كقوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة: 19] أي أناملهم،

تنبيه:

فالمقصود بعض النفساء أو قد تجلس (¬1)، والمراد تحديد أقصى مدة وصلت لها النساء على عهده - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يمنع من أن بعضهن قد يطهر قبل ذلك. وروى الدارمي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «تنتظر النفساء أربعين يوما أو نحوها». قال الترمذي في "سننه" (1/ 258): (أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإنها تغتسل وتصلي). قال ابن عبد البر في " الاستذكار" (1/ 355): (ليس في مسألة أكثر النفاس موضع للإتباع والتقليد إلا من قال بالأربعين فإنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم منهم وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم والنفس تسكن إليهم فأين المهرب عنهم دون سنة ولا أصل وبالله التوفيق). تنبيه: قوله صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة لما حاضت: (أنفست؟) يدل على أن الحيض نفاس والنفاس حيض فإذا تقرر ذلك فلماذا لم نذهب إلى أن أكثر النفاس لا حد له كأكثر الحيض. والجواب عن ذلك أننا سق وقد رجحنا أنه لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره، ولكن المرأة الحائض لابد وأن يشتمل شهرها على طهر وحيض، فمن استمر بها الدم ولم يكن لها عادة ولم تستطع التمييز فإنها ترد إلى غالب عادة النساء كما سبق تفصيل ذلك ويكون ما زاد استحاضة. أما في النفاس فقد يستمر بالمرة التي لا عادة لها، ولا تستطيع التمييز، وليس هناك عادة غالبة كما في الحيض لذلك كلن لابد من جعل حد لأكثره حتى تكون المرأة بعده مستحاضة وأقربها التحديد بالأربعين. ¬

_ (¬1) انظر حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 223).

مسألة - يثبت حكم النفاس بوضع ما يتبين فيه خلق إنسان.

مسألة - يثبت حكم النفاس بوضع ما يتبين فيه خلق إنسان. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 387): (يثبت حكم النفاس بوضع شيء فيه خلق الإنسان، على الصحيح من المذهب، ونص عليه، قال ابن تميم، وابن حمدان، وغيرهما: ومدة تبيين خلق الإنسان غالبا: ثلاثة أشهر. وقد قال المصنف في هذا الكتاب في باب العدد: وأقل ما يتبين به الولد: واحد وثمانون يوما. فلو وضعت علقة أو مضغة لا تخطيط فيها، لم يثبت لها بذلك حكم النفاس، نص عليه وقدمه في الفروع، والمجد في شرحه، وصححه، وابن تميم، والفائق ... ). والدليل على ذلك ما رواه الشيخان عن عبد الله رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، قال: " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح ... ) الحديث. والنطفة في اللغة هي الماء القليل والمقصود أنه المني الذي لا ينعقد، والعلقة وهي القطعة من العلق، وهو الدم الجامد تنحدر من موضع في البدن لتعلق بجدار الرحم، والمضغة: وهي القطعة الصغيرة من اللحم، على قدر ما يمضغه الآكل، والمضغة تكون مع بداية الأربعين الثالثة وفيها يبدأ التخليق، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون: 12 - 14] فالمضعة هي بداية التخليق، وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: 5] ومعنى كون المضعغة مخلقة وغير مخلقة (¬1) أي تامة كاملة الخلقة، سالمة من العيوب، ومنها ما هو على عكس ذلك، فيتبع ذلك التفاوت تفاوت ¬

_ (¬1) انظر أضواء البيان (4/ 268).

إشكال:

الناس في خلقهم، وصورهم، وطولهم، وقصرهم، وتمامهم، ونقصانهم. وعلى ذلك لو وضعت نطفة، أو علقة، أو مضغة لا تخطيط فيها لم يثبت لها بذلك حكم النفاس. إشكال: روى مسلم في "صحيحه" عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكا، فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك " الحديث. قال السيوطي في " الديباج على مسلم" (6/ 9): (قال القاضي وغيره ليس هو على ظاهره ولا يصح حمله على ظاهره بل المراد بتصويرها إلخ أنه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت آخر لأن التصوير عقب الأربعين الأولى غير موجود في العادة وإنما يقع في الأربعين الثالثة وهي مدة المضغة) والأولى منه ما قاله ابن القيم في "التبيان في أقسام القرآن" (ص: 218): (هنا تصويران أحدهما تصوير خفي لا يظهر وهو تصوير تقديري كما تصور حين تفصل الثوب أو تنجر الباب مواضع القطع والتفصيل فيعلم عليها ويضع مواضع الفصل والوصل وكذلك كل من يضع صورة في مادة لاسيما مثل هذه الصورة ينشىء فيها التصوير والتخليق على التدريج شيئا بعد شيء لا وهلة واحدة كما يشاهد بالعيان في التخليق الظاهر في البيضة ... ). مسألة - فإن تخلل الأربعين نقاء فهو طهر. وقل ابن أبي تغلب في "نيل المآرب" (1/ 27): (ولو كان النقاء أقل من يوم كالنقاء زمن عادة الحيض). قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 386): (ظاهر قوله " وإذا انقطع دمها في مدة الأربعين ثم عاد فيها " أن الطهر الذي بينهما، سواء كان قليلا أو كثيرا: طهر صحيح، وهو صحيح، وهو المذهب. وعليه الأصحاب). والراجح أن هذا الانقطاع من النفاس، كالذي يتخلل عادة الحيض من الحيض ما لم يريا القصة البيضاء كما سبق تفصيل ذلك قريبًا.

مسألة - يكره وطء المرأة في النقاء الذي يتخلل الأربعين.

مسألة - يكره وطء المرأة في النقاء الذي يتخلل الأربعين. والراجح عدم الكراهة إن رأت القصة البيضاء، قال الشيخ العثيمين في " الشرح الممتع" (1/ 513): (قوله: «ويكره وطؤها قبل الأربعين بعد التطهر»، أي: يكره وطء النفساء إذا تطهرت قبل الأربعين. واستدلوا على ذلك بما يلي: 1 - أن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه لما طهرت زوجته قبل الأربعين وأتت إليه قال: «لا تقربيني». وهو من الصحابة، وقوله: «لا تقربيني» نهي، وأقله الكراهة. 2 - وخوفا من أن يرجع الدم، لأن الزمن زمن نفاس. فأخرجوا حكم الوطء عن الحكم الأصلي، وهو التحريم في حالة نزول الدم إلى الكراهة بانقطاعه؛ لزوال علة التحريم وهو الدم، فلماذا لا يخرج عن التحريم إلى الإباحة؟ لأن وطء النفساء إما حلال، وإما حرام، والكراهة تحتاج إلى دليل، ولا دليل. فالراجح: أنه يجوز وطؤها قبل الأربعين إذا تطهرت. وقول عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه يجاب عنه بما يلي: 1 - أنه ضعيف (¬1). 2 - أنه قد يتنزه عن ذلك دون أن يكون مكروها عنده، فلا يدل على الكراهة. 3 - أنه ربما كان فعله من باب الاحتياط، فقد يخشى أنها رأت الطهر وليس بطهر، أو يخشى أن ينزل الدم بسبب الجماع، أو غير ذلك من الأسباب). وأما إن قصد انقطاع الدم مع معاودته فهو محرم وقد سبق ترجيح أنه من النفاس. فائدة: الصحيح من المذهب التفريق بين وطء المرأة في النقاء المتخلل العادة، ¬

_ (¬1) منقطع، فالحسن لم يسمع من عثمان بن أبي العاص.

مسألة - من وضعت ولدين فأكثر فأول مدة النفاس من الأول، فلو كان بينهما أربعون يوما فلا نفاس للثاني.

والمتخلل الأربعين، فالأول غير مكروه والثاني مكروه، ولعله راعي في الأول تكرره كل شهر والثاني عدم تكرره فلا مشقة. وهذا هو أحد الفروق بين الحيض والنفاس في الأحكام وسوف يأتي باقي الفرق قريبا بإذن الله - تعالى -. مسألة - من وضعت ولدين فأكثر فأول مدة النفاس من الأول، فلو كان بينهما أربعون يوما فلا نفاس للثاني. قال البهوتي في " شرح منتهى الإرادات" (1/ 123): ((ومن وضعت توأمين) أي ولدين (فأكثر، فأول نفاس وآخره من) ابتداء خروج (الأول) كما لو انفرد الحمل (فلو كان بينهما) أي الولدين (أربعون) يوما فأكثر (فلا نفاس للثاني) بل هو دم فساد ; لأنه تبع للأول. فلم يعتبر في آخر النفاس. كما لا يعتبر في أوله). الترجيح: الراجح أنها تستأنف مدة جديدة للثاني إذا تجدد له دم؛ لأنه دم خارج بسبب ولادة مستقلة وإن كانت عن حمل واحد، فهي ولادة مستقلة وقد خرج بسببها هذا الدم فكان الواجب اعتباره لا إلغائه (¬1). قال الشيخ العثيمين في " الشرح الممتع" (1/ 520): (والراجح: أنه إذا تجدد دم للثاني، فإنها تبقى في نفاسها، ولو كان ابتداؤه من الثاني، إذ كيف يقال: ليس بشيء، وهي ولدت وجاءها دم؟!). مسألة - في وطء النفساء ما في وطء الحائض. قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 349): (قال في النكت: قد يؤخذ من كلام بعض الأصحاب إيماء إلى أن الكفارة تجب بوطء النفساء رواية واحدة، بخلاف الحيض. وذلك لأن دواعي الجماع في النفاس تقوى لطول مدته غالبا. فناسب تأكيد الزاجر بخلاف الحيض. قال: وهو ظاهر كلامه في المحرر. والذي نص عليه الإمام ¬

_ (¬1) انظر شرح الشيخ الحمد للزاد.

مسألة - يجوز للرجل شرب دواء مباح يمنع الجماع.

أحمد والأصحاب: إن وطء النفساء كوطء الحائض في وجوب الكفارة؛ لأن الحيض هو الأصل في الوجوب). وقال البهوتي في " شرح منتهى الإرادات" (1/ 112): (الكفارة بالوطء فيه (ونفاس مثله) أي مثل الحيض فيما يمنعه ويوجبه (إلا) في ثلاثة أشياء (اعتداد) لأنه ليس بقروء، فلا تتناوله الآية (وكونه) أي النفاس (لا يوجب بلوغا) لأنه حصل بالإنزال السابق للحمل (و) كونه (لا يحتسب به في مدة إيلاء) أي الأربعة أشهر التي تضرب للمولى لطول مدته، بخلاف الحيض). وهذا هو الراجح قياسا على الحيض. مسألة - يجوز للرجل شرب دواء مباح يمنع الجماع. يعني عند الحاجة إليه كزمن الحيض أو النفاس، أو إن لم له زوجة لتخفيف الشهوة، ويشترط ألا يكون الدواء يقطع النسل بالكلية لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون رضي الله عنه عن التبتل، ويشترط ألا يكون الدواء له ضرر، فإن كان له زوجة فبإذنها لأنه يفوت عليها حقها من النسل المقصود، ومن هذه الأدوية الكافور ونحوه. مسألة - يجوز للأنثى شرب دواء مباح لحصول الحيض ولقطعه. بالضوابط السابقة قال المرداوي في "الإنصاف" (1/ 383): (فائدتان: إحداهما- يجوز شرب دواء مباح لقطع الحيض مطلقا. مع أمن الضرر، على الصحيح من المذهب، نص عليه. وقال القاضي: لا يباح إلا بإذن الزوج. كالعزل قلت: وهو الصواب، قال: في الفروع يؤيده: قول أحمد في بعض جوابه " والزوجة تستأذن زوجها " وقال: ويتوجه يكره. وقال: وفعل الرجل ذلك بها من غير علم يتوجه تحريمه، لإسقاط حقها مطلقا من النسل المقصود. وقال: ويتوجه في الكافور ونحوه له لقطع الحيض. قلت: وهو الصواب الذي لا شك فيه. قال في الفائق: ولا يجوز ما يقطع الحمل. ذكره بعضهم. الثانية: يجوز شرب دواء لحصول الحيض. ذكره الشيخ تقي الدين، واقتصر عليه في الفروع، إلا قرب رمضان لتفطره ... ). قال الشيخ العثيمين في " مجموع الفتاوى" (11/ 331): (استعمال المرأة ما

تنبيه:

يمنع حيضها جائز بشرطين: الأول: ألا يخشى الضرر عليها، فإن خشي الضرر عليها من ذلك فلا يجوز لقوله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً). الثاني: أن يكون ذلك بإذن الزوج إن كان له تعلق به مثل أن تكون معتدة منه على وجه تجب عليه نفقتها، فتستعمل ما يمنع الحيض لتطول المدة وتزداد عليه نفقتها، فلا يجوز لها أن تستعمل ما يمنع الحيض حينئذ إلا بإذنه، وكذلك إن ثبت أن منع الحيض يمنع الحمل فلا بد من إذن الزوج، وحيث ثبت الجواز فالأولى عدم استعماله، إلا لحاجة لأن ترك الطبيعة على ما هي عليه أقرب إلى اعتدال الصحة فالسلامة. * وأما استعمال ما يجلب الحيض فجائز بشرطين أيضاً: الأول: ألا تتحيل به على إسقاط واجب، مثل أن تستعمله قرب رمضان، من أجل أن تفطر أو لتسقط به الصلاة، ونحو ذلك. الثاني: أن يكون ذلك بإذن الزوج، لأن حصول الحيض يمنعه من كمال الاستمتاع، فلا يجوز استعمال ما يمنع حقه إلا برضاه، وإن كانت مطلقة، فإن فيه تعجيل إسقاط حق الزوج من الرجعة إن كان له رجعة). تنبيه: ينبغي لفت النظر إلى أن بعض النساء قد يتناولن حبوب رفع الحيض اعتراضا على قدر الله عليهن، محاولة منهن لتسوية الرجل في الأحكام، وإعراضا عن الرخصة، وهذا محرم، وفي الحديث المتفق عليه لما حاضت أم المؤمنين عائشة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم)، وروى أحمد وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته ".

تم شرح كتاب الطهارة من دليل الطالب بحمد الله تعالى وتوفيقه ويتبعه كتاب الصلاة بإذن الله تعالى وقوته، والله المستعان وعليه البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أسأل الله العظيم أن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن يدخر لي أجره يوم لا ينفع مال ولا بنون أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى المنياوي عفا الله عنه سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

§1/1